Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في...

213

Transcript of Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في...

Page 1: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر
Page 2: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013مدراسة تحليلية لعملية

التحول السياسي يف مصر:

مراحلها، مشكالتها، سيناريوهات املستقبل

تأليفأحمد فهمي

Page 3: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

حقوق الطبع محفوظةالطبعة األولى 1433هـ - 2012م

رقم اإليداع:2012/3620م

Page 4: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

3مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مقدمة

مقدمةاحلمد لله نحمده ونستهديه، ونستعني به ونستغفره.. ونعوذ بالله من شرور أنفســـنا ومن ســـيئات أعمالنا.. من يهده الله فال مضل لـــه، ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أن ال إله إال الله وحده ال شريك له، وأشهد أن محمدا عبده

ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعني.. أمـــا بعد.. ففي أبريل من عام 2010م، وقـــف النائب عن احلزب الوطني »نشـــأت القصاص« في مجلس الشـــعب يهاجم التظاهرات املعارضة للنظام، وقـــال مخاطبا وزارة الداخليـــة: »اضربوهم بالنار.. اســـتعملوا الرصاص مع

املتظاهرين«.)1)بعد 20 شـــهرا فقط وقف »د. أكرم الشـــاعر« -النائـــب اإلخواني- أمام خمســـمائة من نواب مجلس الشعب-70% منهم إسالميون- موجها كالمه إلى رئيس املجلس –اإلخوانـــي- مطالبا مبحاكمة مبارك وزبانيته على قتل الثوار،

فبكى وأبكى زمالءه النواب.ما بني املوقفني مسافة شاسعة قطعتها دولة وشعب لكي تزيح أكثر النخب

احلاكمة فسادا في تاريخ مصر، وتضع مكانهم ثلة من خير رجال املجتمع.لم تخلع الثورة املصرية مبارك، بل خلعت عن عاتقها ربقة أسر، ذاقت وباله ستني عاما من احلكم العســـكري، أعقبت سبعني عاما من االستعمار الغربي، فبعد 130 عاما من االســـتعمار واجلبروت، آن للمصريني أن ينعموا باستقالل حقيقي، يبكي فيه نواب الشـــعب من أجل الشـــعب، ويسعون جاهدين لقضاء

مصالح الشعب.لكن ميراث ستني عاما من احلكم الديكتاتوري ال يتالشى في أشهر قليلة، فقد تغلغل الفســـاد ونخر السوس في أركان الدولة ومبانيها، فهي بحاجة إلى هدم، لكن الدول ال تقف ريثما تصلح حالها، وترتب شئونها، بل يجب أن ترتفع

)1) مصراوي، 20-4-2010م.

Page 5: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر4

معاول الهدم، وتبدأ عملية البناء، بينما الدولة متضي في طريقها.نعم هي معادلة صعبة، لكن جناح الثورة رهني بتحقيق هذه املعادلة.

فلكل ثورة هدفان، عاجل وآجل، الهدف العاجل هو إســـقاط رأس النظام، أما اآلجل، فهو إسقاط النظام نفسه..

ال يوجد تخيير بينهما، فإســـقاط رأس النظام وبقاء جســـمه، يعني إعادة النظام القدمي، وإسقاط النظام مع بقاء رأسه- مع صعوبة ذلك عمليا وإمكانه عربيـــا- يعني عملية حتول وهمية يغير فيها احلاكم جلده ويجدد نخبته، بينما

يبقى الفساد قائما قادرا على استنساخ نفسه مرة أخرى..إنها عملية تغيير واسعة النطاق، تشمل كافة املجاالت، وقبل ذلك كله ال بد

أن ينطلق التغيير من أنفســـنا، فهذه سنة الله تعالى في عباده؛ فـ زب ھ ھ ے ے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭ رب ]الرعد: 11[.

لقد أخفقت شعوب كثيرة في جتاوز مرحلة »ما بعد الثورة«؛ ألنهم جتاوزوا ســـنن الله تعالى في األرض، ونحن كمسلمني أولى الناس باتباع السنن، وسنة التغيير تبدأ طريقها من األنفس واألعمال، يقول ســـيد قطب -رحمه الله- في ا أو ذلة، وال يغير تفســـير هذه اآلية: »فإنه ال يغير نعمة أو بؤســـا، وال يغير عزمكانة أو مهانـــة، إال أن يغير الناس من مشـــاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم،

فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم«.)1)شـــرعت في إعداد هذه الدراســـة قبل 25 يناير 2011م بأيام قليلة، كان موضوعهـــا في ذلك الوقت هو »هـــل تنتقل الثورة التونســـية إلى دول عربية أخرى؟«، لم تنقض أيام قليلة حتى اشـــتعلت الثـــورة املصرية، فتغير موضوع

الدراسة ليصبح »هل يسقط مبارك؟«.لكن الثورة املصرية استغرقت 18 يوما فقط، فتغير املوضوع للمرة الثانية،

ليكون »مصر بعد الثورة«.وإذا أردنا جمع كل األحداث واملتغيرات والقوى التي تتفاعل بسخونة عالية

)1) في ظالل القرآن، تفسير سورة الرعد.

Page 6: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

5مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل األول الدولة والثورة.. مقاربة نظرية

في مصر منذ 11-2-2011م في عبارة واحدة، ستكون هي: »التحول السياسي« أي، »استبدال نظام حكم بآخر«..

»الثورة« تســـقط الدولة القدميـــة، وحراك »ما بعد الثـــورة« يبني الدولة اجلديدة، هذا احلراك ينطلق مندفعا في كل اجتاه متأثرا بطاقة هائلة تســـمى

حسب املصطلح السياسي »الشرعية الثورية«، فما هي الشرعية؟إن الذي يجعل ســـلطة ما شرعية، هو قبول املجتمع استخدامها للقوة عن طريق املؤسسات التابعة لها، مثل اجليش، وقوات األمن، ولكي يكون استخدامها للقوة مقبوال، ال بد من أن يكون هناك اعتقاد مشترك من احلاكم واحملكوم، بأن

صيغة سياسية معينة للحكم هي صيغة مرضية.)1) وما هي الشرعية الثورية؟

إنها القانون البديل الذي يســـقط الدســـتور – كذا القانون- القدمي لفترة مؤقتـــة في مجاالت معينة يكون لزاما على الثورة فيها أن جتري عمليات تغيير

عاجلة؛ إلمتام خطوات جذرية في عمليتي الهدم والبناء.هذه الشـــرعية الثورية ينطلق منها احلاكم، أو السلطة اجلديدة بعد الثورة مدفوعا بتأييد الثوار والشـــعب؛ لتحقيق إجنازات حقيقية على طريق التحول

السياسي.وهنا يأتي السؤال:

هـــل نعيش الشـــرعية الثورية في مصر؟ بعبارة أخرى: هـــل قانون الثورة هو الـــذي يحكم أداء الســـلطة احلاكمة في كل ما يتعلق باحلياة السياســـية

واالقتصادية واالجتماعية؟ اإلجابة عن هذا الســـؤال مهمة لتوصيف الواقع احلالي، وميكن إبراز عدة

نقاط في اجلواب:1- لم يكن هناك قيادة واحدة أو موحدة للثورة، بل هي مجموعات متفرقة،

)1) انظر صراع على الشرعية، اإلخوان املسلمون ومبارك 1982-2007م، د. هشام العوضي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة األولى، 2009م، ص 38.

Page 7: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 6

بعضها تأســـس حديثا، وبعضها ينتمي إلى كيانات قدمية، لذلك لم متر الثورة املصرية بوضعية القيادة الكاريزمية التي متتلك مشـــروعية ثورية؛ تستطيع من خاللهـــا اتخاذ قرارات سياســـية جذرية، وإن كانت تلـــك احلالة ال تخلو من

إيجابيات مهمة.2- لم تتنب الثورة املصرية خطة تغيير مجتمعي واضحة، بل تركزت املطالب على التغيير السياسي الذي يســـتتبع حرية في املمارسات السياسية، وحتسنا

في املستويات املعيشية. 3- دخـــول اجليش على خط الثورة، وتســـلمه الســـلطة جعل التوصيف السياسي الدقيق ملا حدث أنها ثورة شعبية نتج عنها ما يشبه »انقالب عسكري«، فالسلطة لم يتســـلمها الثوار، وإمنا اجليش، الذي شرع فور تسلمه احلكم في تنفيذ عملية متدرجة لنقل السلطة إلى املدنيني، لكن وفق رؤيته اخلاصة. ومن ثم فنحن نتعامل مع ثورة وانقالب في آن واحد، مع اختالف دوافع التحرك في كلتا احلالتني، وفي ظني أن هذا التداخل هو السبب الرئيس في حالة اإلرباك

والغموض التي تكتنف احلياة السياسية في مصر حتى اآلن.نستفيد من هذا التحليل أن مصر ال تعاني بدرجة كبيرة من إشكالية »تنازع القيادات الثورية« في مرحلة االنتقال من »الثورة« إلى »الدولة«، وهي إشكالية معروفة في األدبيات السياســـية املعنية بدراسة الثورات وحتليلها، وينتج عنها أزمـــات وصراعات متعددة، قد تصل إلى مســـتوى احلرب األهلية، وقد تطيح بنتائج الثورة؛ بسبب أســـلوب إدارة القوى الثورية للمرحلة االنتقالية، وصعوبة

تكيفهم سياسيا في إطار الدولة.بدال من ذلك؛ فإن التوصيف السياســـي للحالة املصرية، أنها حالة انقالب عسكري »ثوري« أصبحت فيه القيادة العليا للقوات املسلحة على رأس احلكم، محتكرة لكل الصالحيات الرئاســـية والتشـــريعية والرقابية، ومن املفترض أن تقوم بنقل كل صالحياتها مرة أخرى إلى ســـلطة مدنيـــة منتخبة خالل إطار

Page 8: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

7مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل األول الدولة والثورة.. مقاربة نظرية

زمني محدد.إذن نحـــن على النقيض متاما، فبدال من أن تكون املشـــكلة هي »التطرف الثوري« الذي يفرط في استخدام »الشرعية الثورية« إلى درجة أن ينتج نظاما ديكتاتوريا جديدا حتت شعار »حماية الثورة«؛ أصبحت املشكلة هي: نظام حكم عســـكري يســـعى إلعادة إنتاج النظام القدمي بوجوه جديدة، ويأنف متاما من

استخدام مصطلح »الشرعية الثورية«.األثـــر الذي جنحت الثـــورة في إحداثه هنا؛ أن احلكم العســـكري - على خالف املعهود تاريخيا - ال ميلك أداة قمع، أو ال يقدر على اســـتخدامها، وهو ما جعل الساحة مفتوحة متاما لتوظيف األدوات الثورية بقوة؛ ملمارسة الضغوط اجلماهيرية على القيادة العســـكرية لالســـتجابة للمطالب الثورية من ناحية،

ولكبح املخطط الساعي إلعادة بناء النظام القدمي من ناحية أخرى.إنها وضعية مربكة عند الرغبة في دراســـتها وحتليلها؛ بسبب التعامل مع معطيات متناقضة في وقت واحد، فهي ثورة وليســـت ثورة، وهو حكم عسكري وليس حكما عسكريا، ورمبا يكون هذا اإلرباك هو آخر إفرازات النظام السابق

وانعكاساته على الواقع املصري.بناء على ما ســـبق؛ فإنـــه يصبح من الضروري الســـعي لتفكيك العناصر األساسية للموقف السياســـي، فإذا قلنا باالنتقال من »الدولة« إلى »الثورة« ثم إلى »الدولة«، فإنه يلزم تتبع هذين املسارين )الدولة- الثورة)، و)الثورة- الدولة)

على أن يكون التركيز األكبر من نصيب املسار الثاني.ويصبح السؤال األخطر في هذه املرحلة، هو: إلى أي دولة يتجه املصريون

في مسيرة التحول السياسي؟ هل يعاد مضمون الدولة القدمية بشكل جديد؟ أو تظهر للعيان دولة جديدة شـــكال ومضمونا؟ أو يفرز الصراع دولة »هجينـــا« ال هي باجلديدة وال متاثل

النظام القدمي؟

Page 9: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 8

إنها »رحلـــة حتول« متضي نحو املجهول، بدأت منـــذ عام كامل، وال تزال محطتها األخيرة غامضة حتى اآلن.

تقدم هذه الدراســـة التحليلية محاوالت لتفكيك الواقع احلالي؛ من خالل طرح مقاربات عدة لتفسيره، وتلمس مسارات املستقبل من خالل قراءة الواقع، وفهم معطيات التاريخ، وذلك حتت عنوان »التحول السياســـي« ذلك املصطلح الذي بات يشـــغل مســـاحة واهتماما متزايدين في الدراســـات السياسية في

السنوات العشرين األخيرة.والله تعالى أسأل أن يوفق في العمل، ويبارك في اجلهد، وهو حسبي ونعم

الوكيل..

Page 10: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل األولالدولة والثورة.. مقاربة نظرية

Page 11: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر
Page 12: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

11مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل األول الدولة والثورة.. مقاربة نظرية

الفصل األولالدولة والثورة.. مقاربة نظرية

قبل الشروع في حتليل املسارين األول والثاني، يلزم أوال حترير املصطلحني األساســـني، أعني»الدولة« و»الثورة«، وإلقاء الضوء على أهم الدالالت املتعلقة

بهما.أوال: الدولة :

مفهوم »الدولة« من املفاهيم املركزية في علم السياسة، بل إن أحد التعريفات الشائعة لذلك العلم أنه »علم الدولة«.)1)

ومن التعريفات املقبولة ملصطلح »الدولة« أنها: »ظاهرة سياسية وقانونية، تعني جماعة من الناس يقطنون رقعة جغرافية معينة بصفة دائمة ومســـتقرة، ويخضعـــون لتنظيم معني«، ومن خالل هذا التعريف، وتعريفات أخرى مقاربة، ميكن مالحظة وجـــود ثالثة أركان للدولة، هـــي: األرض أو اإلقليم، املجتمع،

السلطة.هـــذه الثالثة هي التي تعطي للدولة معناهـــا، وكيانها، ووجودها، وعندما يزول أحدها، أو يتعرض النتقاص ســـيادته من طرف آخر خارجي، فإن الدولة

تكون واقعة حتت »االحتالل«.مرت أغلب الـــدول العربية مبرحلة طويلة من االحتـــالل بلغت في بعض األحيان أكثر من 130 عاما، كما في حالة االحتالل الفرنســـي للجزائر، انتهت مرحلة »االســـتعمار«، وأعقبها مرحلة جديدة نالت فيها تلك الدول استقاللها

إبراهيم، مركز العربية، االجتاهات احلديثة في دراستها، د. حسنني توفيق النظم السياسية (1(دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005م، ص 49.

Page 13: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 12

بدءا من منتصف القرن العشـــرين، وحتديدا بعد انتهاء احلرب العاملية الثانية وتغير موازين القوى العاملية.

كان االســـتعمار األوروبي محتكرا ألركان الدولة الثالثة: املجتمع، اإلقليم، الســـلطة، لكنه عندما رحل لم يتنازل عن ســـيطرته عليهـــا بصورة تامة، فقد أعاد رســـم حدود »اإلقليم« في عدد كبير من الـــدول العربية، كما اتخذ عدة إجراءات من شأنها التحكم في صورة النظام احلاكم في الدولة املستقلة، ومتثل اإلجراء األهم في تشكيل النخبة احلاكمة التي تضمن له تخريج أمناط محددة من احلكام في العقود التالية لالســـتقالل، وكان املصدر األهم لتشكيل النخب اجلديدة هو »القوات املســـلحة«؛ حيث سيطرت النخب العسكرية على احلكم

في عدد كبير من الدول العربية.بذلك يكون االســـتعمار قد عبث في ركنني مـــن أركان الدولة قبل رحيله، مثيرا تســـاؤالت عديدة حول مـــا إذا كان وصف تلك الدول بأنها »مســـتقلة« صحيحا من الناحية العلمية؛ إذ من الســـائد أن اجلماهير تقتصر في تعريفها لالحتالل على ركنني فقط، هما: املجتمع واألرض، فإذا ترك االستعمار أرضهم

ورحل عنهم؛ فإنهم بذلك يكونون قد نالوا استقاللهم.هـــذه الوضعية املربكة الناجمة عن الرحيل الناقص لالســـتعمار، أحدثت خالفا بني علماء السياسة في توصيف »الدولة القطرية العربية« هل هي دولة من صنع االســـتعمار؟ أم أنها دولة قدمية بأركانها الثالثة ال دخل لالســـتعمار

بوجودها وتأسيسها؟أصحاب االجتاه األول يقولون: إن »املنظومة احلاضرة القائمة على الدولة القطرية في الوطن العربي هي جزء من عملية دولية، أو من توسع في املجتمع الدولي، أو من تصدع عاملي«، وبذلك تعد الدولة القطرية العربية ظاهرة صنعت في أوروبا من حيث »حدودها« و»مؤسساتها«)1)، فهي وإن كانت تبدو ذات طابع محلي متزايد، فإن مضمونها يختلف عن شكلها، فذاك املضمون يعكس الثقافة

)1) د. حسنني توفيق إبراهيم، ص 54.

Page 14: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

13مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل األول الدولة والثورة.. مقاربة نظرية

األوروبية السياسية احلديثة، خصوصا فيما يتعلق مبفهوم سيادة الدول املنبثق عن اتفاقية »وستفاليا« التاريخية منتصف القرن السابع عشر)1)، والتي أعقبت عقودا من احلروب األوروبية، لكن الناس ألفوا وجودها بهذا الشـــكل وقبلوها

كنموذج »عصري« للدولة.أصحاب االجتاه الثاني، يقولون: إن هناك خمس عشرة دولة عربية ظهرت تاريخيا كحصيلة لعوامل داخلية أصيلة وإقليمية، ســـابقة لظاهرة االســـتعمار األوروبـــي، كمـــا كان لكل من تلك الـــدول حدود جغرافيـــة أو على األقل نواة

جغرافية تشكل قاعدة حكمها)2). ميكـــن اجلمع بني االجتاهني باســـتخدام »أركان الدولة« الثالث، فالركن األول، أي اجملتمع، قدمي ال دخل لالســـتعمار في وجوده، لكنه يتدخل في تغيير

إطار الدولة التي يعيش فيها ذلك املجتمع. أما األرض، فإن بعض الدول العربية لم تظهر للعيان إال بتدبير االستعمار، وبعضها كان موجودا بالفعل، لكن االســـتعمار أعاد رسم حدودها وتشكيلها إما تقليصا أو متديدا، وهو تشـــكيل لم يراع األبعاد الثقافيـــة واملجتمعية، فأنتج

مشكالت ال حصر لها بعد رحيل االستعمار.الرك���ن الثال���ث: الس���لطة، ال جدال في أن األنظمـــة العربية في مرحلة ما بعد االستقالل مســـتمدة في هيكلتها وفلســـفتها املعاصرة وبنيتها الداخلية، من الثقافة الغربية، كما أن االســـتعمار جتاوز مستوى تشكيل النخب احلاكمة

ليصبح العبا رئيسا في اختيار شخص احلاكم نفسه في السنوات األخيرة.نحن إذن أمام دول مســـتقلة جزئيا، ال متتلك ســـيادة حقيقية على أركان الدولة الثالثة، ومن ثم يصبح من الصعب- علميا- توصيف النظام السياســـي الذي يتبعه احلكام، هل هو نظام دميقراطي غربي، أو اشتراكي، أو ديكتاتوري؟قدمت الباحثة د. أمل حمادة، وصفا دقيقا ألزمة »الدولة« العربية، فقالت

)1) انظر موسوعة ويكيبيديا ، مادة »وستفاليا«.)2) د. حسنني توفيق إبراهيم، ص 55.

Page 15: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 14

إن: »النمـــوذج الذي تبنته هـــذه الدول العربية -النمـــوذج احلداثي- لم تعمد إليه األنظمة الوطنية التي تولت مهمة احلكم بعد االســـتقالل كاختيار حقيقي، ولكن كاختيار »حثالة احلداثة«، والتي تشـــبه احلداثة من حيث الشكل من دون

املضمون احلقيقي لها«)1).

نتيجة لذلك اتسم »النموذج العربي« للدولة بأربع سمات: - أنها دولة شديدة املركزية، وسلطتها مطلقة.

- كمـــا أنها دولة غير دميقراطية وغير متثيلية؛ حيث إنها ال تفترض وجود نة لها. اختالف بني مصالح الفئات املختلفة املكو

- كذلـــك هي دولـــة ذات نزعة قومية أو وطنية، مبعنـــى أنها تهدف إلى احلفاظ على ذاتها والتقاليد املوروثة.

- وأخيرا هـــي دولة اســـتبدادية قانونية، مبعنى أنها تســـتخدم القانون والقواعد القانونية للحفاظ على سلطتها في مواجهة مواطنيها)2).

هـــذا النموذج »التلفيقـــي« حتول إلى مصنع إلنتاج الســـلبيات واألمراض السياسية، حتى تراكم منها الكثير كما هو حال »الطبعة املصرية« من النموذج، فبعـــد ثالثني عاما من حكم مبارك، وقبلها ثالثون عاما أخرى حتت حكم عبد الناصر والسادات، تضخمت قائمة األزمات التي يعانيها بناء الدولة املصرية.

وميكن تلخيص أبرز السلبيات فيما يأتي)3): - عدم استكمال البناء املؤسسي للدولة.

- ضعف الدولة وهشاشتها، بالرغم من تضخم أجهزتها ومؤسساتها.- غلبة التوتر والتأزم على عالقة الدولة باملجتمع.

- التبعية الهيكلية للخـــارج، واملقصود هنا ليس تبعية أفراد النخبة، فهذه

)1) االنتقال من الثورة إلى الدولة، اخلبرة اإليرانية، د. أمل حمادة، الشبكة العربية لألبحاث والنشر، بيروت، الطبعة األولى 2008م ص 65.

)2) السابق ص 65. )3) انظر: د. حسنني توفيق إبراهيم، ص 68-57.

Page 16: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

15مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل األول الدولة والثورة.. مقاربة نظرية

قضية محســـومة، وإمنا صياغة البنية الهيكلية للدولة ومؤسساتها مبا يجعلها تابعـــة للخارج بصورة دائمة، مثل: القوات املســـلحة، سياســـة تلقي القروض

واملعونات املشروطة، السياحة... إلخ.- اهتزاز شرعية الدولة ككيان سياسي.

- غلبة الطابع التسلطي.- استشراء الفساد السياسي واإلداري.

هذه الســـلبيات بسبب منشـــئها املعقد، لم يحمل النظام على عاتقه عبء إصالحها، فضال عن كونه متســـببا فيها -أو في زيادتها- من خالل سياساته الفاســـدة، ومن ثم بدأت الفجوة بني توقعات اجلماهير من النظام، وما يقدمه النظام لتلبية هذه التوقعات في االتساع تدريجيا، هذه الفجوة تصل عند حجم معني إلى درجة االنفجار؛ على هيئة احتجاجات عنيفة، أو ثورة، أو غير ذلك.

هذه التقدمة النظرية التاريخية حول مفهوم »الدولة« تطرح تساؤالت كثيرة حول »النموذج« الذي تســـعى القوى السياســـية الثورية في مصر إلى تطبيقه،

وحول رؤيتها لتطبيق ثالثية التحول السياسي هدم، تعديل، بناء. فاملطالبـــة بإحداث تغييـــرات إجرائية تتضمن حريـــة االنتخاب، وحرية العمل السياسي، واإلعالم... إلخ، هي كلها تغييرات شكلية بالرغم من أهميتها القصـــوى، فال تزال بنية الدولة قائمة كما هي منـــذ عقود، وفي حالة العجز عن إصالحها أو تغييرها كليا، فإنه من املتوقع أن يتم إفراز السلبيات القدمية

نفسها في صورة جديدة وعلى مدى زمني متوسط. ما تراكـــم حتى اآلن من برامج وتصريحات وتوضيحات من قبل األحزاب السياســـية ال يبث الطمأنينة حول وجود تصور كامل وقادر على جتاوز منوذج

»دولة ما بعد االستعمار«.فهذا »النموذج« املشـــوه أشـــبه بـ»اخلبث« ال يخرج منـــه إال ما هو على شـــاكلته، قال تعالى: زب ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پپ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀ رب

]األعراف: 58 [.

Page 17: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 16

ثانيا: الثورةعرف صمويل هنتنجتون الثورة بأنها: »تغيير داخلي عنيف وسريع في نظام القيم الســـائد واملؤسسات السياسية، واألبنية االجتماعية، والنشاط احلكومي والقيادات«)1)، كما عرفتها عاملة االجتماع ثيدا ســـكوكبول بأنها: »حتول سريع وأساسي في حالة مجتمع ما وهياكله الطبقية، وهو يتوافق مع متردات طبقية من أعلى املســـتويات، وهي تنجز جزئيا هذا التحول«)2)، وعرفها آخرون بأنها: »انتقال للســـلطة السياســـية من فئة قليلة إلى جماهير الشعب، نتيجة حلركة

اجتماعية عنيفة تنمو بفضل توترات حتدث داخل النظام السياسي«)3). وقـــد اختلفت املداخل املســـتخدمة في تعريف مصطلـــح الثورة باختالف املدارس الفكرية، فقد ركز بعضهم على انهيار النظام االجتماعي واالقتصادي والسياسي املوجود وسط محاوالت بناء بديل آخر جديد، بينما ركز آخرون على ضرورة امتالك اجلماعة الثورية التي حازت الســـلطة بالقوة برنامجا للتغيير يعطي الشـــرعية لعملية نقل القوة، وهناك من ركـــز على الثورة من حيث إنها عملية تطوير الزمة، باإلضافة إلى التيارات التي اهتمت بضرورة ارتباط الثورة

بالتغيير في توزيع هيكل القوى داخل الدولة أو املجتمع املعني.فهناك العديد من املسائل املرتبطة بحجم التغيير ومداه، ودرجة القسر أو اإلجبـــار املرتبطة بالثورات، فبعضهم يضم إلـــى جانب هذه التغييرات التغيير على مســـتوى القيم االجتماعية، والهياكل االجتماعية، واملؤسسات السياسية،

وأشخاص النخبة السياسية)4). يالحظ في كثير من التعريفات اشـــتراط »العنف« كســـمة الزمة للثورات، وذلك من قبل الثوار أنفسهم، وليس كمجرد رد فعل على الثورة، لكن استعراض التاريخ يكشف عن عدد كبير من الثورات التي لم تستخدم العنف، واتبعت طرقا

)1) د. أمل حمادة، ص 28.)2) مستقبل الثورات، جون فوران، دار الفارابي، بيروت، الطبعة األولى 2007م ص 312.

)3) د. أمل حمادة، ص 28. )4) املرجع السابق، ص 29.

Page 18: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

17مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل األول الدولة والثورة.. مقاربة نظرية

سلمية من أجل التغيير، كما حدث في جواتيماال في اخلمسينيات، وفي فرنسا عام 1968م، وفي تشيلي بقيادة أليندي، وفي جامايكا بقيادة مايكل مانلي، وفي إيران في عهد مصدق، ثم في أوروبا الشرقية في عام 1978م، والصني في عام

1989م، وثورة التشايباس في املكسيك)1). فـــي كثير من األحيان تكون قدرة النظام التســـلطي على ممارســـة القمع متناقصة، خصوصا عندما تكون احلشود اجلماهيرية عظيمة لدرجة يستحيل معها اســـتخدام القوة إليقافهم، يقول أحد حكام أمريكا الالتينية املتســـلطني: »إنك ال تستطيع أن تطلق الرصاص على كل الشعب«)2)، وهذا ما حدث بالفعل في ثورة يناير 2011م؛ حيث تراكمت احلشـــود بدءا من يوم 28 يناير املعروف باســـم »جمعة الغضب« لدرجة لـــم يكن مجديا معها اســـتخدام قوات األمن املركزي، أو الرصاص، وقنابل الدخان، فانســـحبت تلك القوات متاما، وأخلت

الساحة للثائرين.اهتم علماء السياســـة بتحليل األســـباب التي تؤدي إلـــى اندالع الثورات، في محاولة الســـتخدام نتائج هذه الدراســـات لتوقع حدوث ثورات جديدة في املســـتقبل، لكنهم عجزوا عن تكوين مناذج مســـتقبلية دقيقة؛ بســـبب تفاوت التجارب الثورية، وصعوبة استخراج أمناط ثابتة، فما يجعل مجتمعا يثور قد ال

يحقق النتيجة نفسها في مجتمع آخر.لكن بصفة عامة؛ طرح جون فوران -عالم اجتماع بارز في جامعة كاليفورنيا- كمثال خمسة عوامل رئيسة تؤدي إلى تنامي »قدرة اجتماعية« ميكن أن تتطور إلـــى ثورة في وقت الحق، وميزة هذا الطرح أنـــه يجمع ما بني دوافع الثائرين

أنفسهم، وبني األبعاد األخرى داخليا وخارجيا، وهي كما يلي: التنميـــة الداخلية املعتمدة على أطراف خارجيـــة - دولة قمعية إقصائية

)1) جون فوران، ص 10. للدراسات العلمي املركز احلسني، مصطفى أحمد د. العامة، السياسات حتليل إلى مدخل (2(

السياسية، عمان، الطبعة األولى 2002م ص 140 .

Page 19: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 18

شـــخصانية - تنامـــي ثقافات مقاومـــة النظام ومعارضته- أزمـــة اقتصادية متنامية- ثغرة في السياســـة الدولية، تؤدي إلى ضعف مؤقت في الســـيطرة اخلارجية يســـمح باندالع ثورة دون قدرة كبيرة من القوى العاملية على التدخل

املباشر)1). املشـــكلة هنا أنه ال أحد يســـتطيع أن يتوقع وقت حدوث الثورة منذ توفر هذه العوامل، وال أحد لديه قدرة على معرفة ما هو القدر املناسب –مثال- من »التشـــبع بثقافة املقاومة« الالزم لكي تندلـــع الثورة، لكن األمر اجلدير بالذكر أن املرحلة التـــي تبدأ فيها األفكار والثقافة فـــي التحول من منط فردي إلى أمناط جماعية تشـــتعل بصورة عفوية؛ هي املرحلة احلاسمة في اندالع الثورة، وقد عبرت عنها الناشطة األمريكية أدريان ريتش بعبارات قوية، فقالت: »هذه األفكار واملشـــاعر املقموعة واملخزنة واملهموســـة تنطوي على عنصر ناري، ال ميكن أن نعرف متى، وكيف حتتك وتنتشر حتت األرض من جذر إلى آخر، حتى تشـــتعل كل عشـــبة تلو األخرى، هذه هي العفوية التي يخشاها قادة األحزاب،

وتخافها احلكومات السرية واألنظمة املقفلة«)2). هناك مقاربات نظرية أخرى تســـعى لتفســـير حدوث التحول السياسي- ســـواء بلغ مرحلة الثورة أو دونها-.. »منهـــا »النظرية البنيوية« التي تزعم أن التنمية الرأســـمالية هي التي تتســـبب في التحول السياسي، وليس مبادرات النخبة احلاكمة، وأن هذه التنمية تؤدي إلى تنامي الطبقة املتوســـطة، وتضخم طموحاتها وتطلعاتها للمشاركة في السياسة، والسعي لتقاسم السلطة، واحلراك الذي متارســـه هذه النخبة هو الذي يحفز التحول السياسي، لكن هذا التغير يســـتغرق فترة زمنية طويلة، وال يشترط أن ينتج عنه حتول إلى الدميقراطية،

فقد ينتهي املسار إلى مناذج أخرى للحكم.ومنهـــا، نظرية النخبـــة، وهي على العكس؛ إذ تقـــول: إن قرارات التحول

)1) جون فوران، ص 312. )2) جون فوران، ص 319.

Page 20: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

19مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل األول الدولة والثورة.. مقاربة نظرية

تتخذها نخبة سياسية تصل احلكم، وتؤمن مببادئ التعدد واحلريات.ومنهـــا، نظرية اإلحباط؛ حيث يحـــدث التغير نتيجة لشـــعور اجلماهير باإلحبـــاط الناجت عـــن عدم التوافق بـــني تصور الفـــرد واجلماعة لوجودهم

االجتماعي والسياسي، وبني ما هو قائم في الواقع.ومنها، نظرية »ســـيكولوجية اجلماهير« التي تفسر التحول السياسي على أنه ناجت عن »ســـيكولوجية« خاصة للشعب الثائر، ناجتة عن تراكمات تاريخية وحتوالت بيئية تنشـــئ لديه أمناطا من السلوك االجتماعي جتعله مختلفا عن

الشعوب األخرى، وأكثر جاهزية للثورة.ومنها، االجتاه اجليوبولوتيكي، الذي يفسر التحول السياسي على أنه نتيجة للوضع اإلقليمي، فعندما تنتشـــر النزاعات حول الدولة، فإن النظام التسلطي يعمل على الترويج لفكـــرة »اخلطر اخلارجي«؛ لتأمني جبهته الداخلية، بعكس الدولة التي تقع في محيط هادئ ومســـتقر سياسيا، فإن ذلك يؤدي إلى مزيد

اهتمام بالشئون الداخلية وتنامي الرغبة في التغيير«.)1)مـــن العناصر املهمة في اندالع الثورة؛ ما ميكـــن وصفه بـ »غباء النظام«، وهـــو عنصر كان فاعال بدرجة كبيرة في أحـــداث الثورة املصرية؛ حيث يبدي احلاكم في املرحلة األخيرة قبل اندالع الثورة قدرة كبيرة على العناد السياسي، واملبالغة في ممارســـة أســـاليب القمع والتضييق، وكان أبرز حدثني قبل ثورة ينايـــر مثاال واضحا على هذا »الغباء« هما: التزوير الفاحش النتخابات مجلس الشـــعب نهاية العام 2010م، وحادثة تفجير كنيسة القديسني في اإلسكندرية،

والتي أعقبها تنكيل بعدد كبير من املنتمني للتيار السلفي.يذكر بعض الباحثني أنه توجد أشـــكال متفاوتة من السيطرة التي ميارسها النظام، يقابلها أمناط مختلفة من املقاومة ميارسها الشعب، لكن هذه املقاومة ال تبلغ أوجها إلى مســـتوى الثورة إال في حاالت استثنائية؛ حيث يؤدي الوعي

)1) انظر أعمال امللتقى الوطني األول حول التحول الدميقراطي في اجلزائر ديسمبر 2005م، كلية احلقوق والعلوم السياسية، جامعة بسكرة.

Page 21: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 20

املتبادل وإمكانات التفاوض إلى تراجع مســـتوى االحتقان)1)، وهو ما لم يحدث في احلالة املصرية.

من املهم هنا اإلشارة إلى تأثير الثورات العربية املتالحقة في العام 2011م في إثبـــات خطأ توقعات كثير من علماء االجتماع والسياســـة الغربيني الذين »تنبئـــوا« بانتهاء عصـــر الثورات، ورأوا أن الثورة أصبحت منطا سياســـيا من

»الطراز القدمي« ال يصلح في عصر العوملة.ـــروا بنهاية »عصر الثورات« فرنسيس فوكوياما صاحب من أبرز الذين بشنظرية »نهاية التاريخ«، وكذا جيف جودوين عالم االجتماع في جامعة نيويورك، ســـوا هذه الرؤية على عـــدة عوامل: منها، أن العوملة وكثيرون غيرهم، وقد أسدمرت األســـاس املنطقي للثورات؛ بســـبب القوة املتزايدة للشـــركات املتعددة اجلنســـيات، وللمؤسســـات املالية الدولية، حيث تآكلت ســـلطة الدولة، وتلك اجلائزة الكبـــرى للثوريني.. بعبارة أخرى: كلما قوضت العوملة ســـلطة الدولة وأضعفتها، كلما تقلصت منطقية أي مشروع سياسي يهدف إلى االستيالء على

سلطة دولة مبا في ذلك الثورة«)2). ومنها أيضا: انتهاء عصر االستعمار، وبالتالي ال مجال لثورات؛ ألنه ال يوجد احتالل، ومنها، وجود »فسحات« دميقراطية أتاحتها حتى األنظمة الديكتاتورية، وهذا من شـــأنه – في نظرهم- أن يحتـــوي أي نوازع ثورية محتملة، واألغرب هنا أن البعض جعل من تكنولوجيا املعلومات اجلديدة سببا لكي يصف الثورات ا إلى الوراء«)3) ، وهذا يتعارض متاما مع كون هذه بكونهـــا »وهما مضلال مرتدالتكنولوجيا حتديدا من أهم العوامل التي ساهمت في اندالع الثورات العربية،

وجناح ثالث منها حتى اآلن.اخلالص���ة املهم���ة يف هذه النقط���ة: أن الثورات العربية أحدثت ارتباكا واضحا

)1) أدولفو جيلي، بحث بعنوان: العوملة والعنف والثورات: تسع أطروحات، مستقبل الثورات، ص129.)2) جيف جودوين، بحث بعنوان: جتديد االشتراكية وانحطاط الثورة، مستقبل الثورات ، ص73.

)3) كارلوس فيالس، بحث بعنوان: تأثير االندماج التجاري واملالي على الثورات، مستقبل الثورات ص 118.

Page 22: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

21مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل األول الدولة والثورة.. مقاربة نظرية

في األوساط العلمية واألكادميية في الدول الغربية؛ بسبب خروجها عن نطاق التوقعات، وهذا يدفع إلى التعامل احلذر مع الســـياقات النظرية التي يطرحها علماء الغـــرب ومفكروه، خصوصا في مجال التوقعات املســـتقبلية التي تضع

املنطقة العربية حتت تأثير »احلتمية التاريخية«.

»الفعل الثوري« و»الحالة الثورية«:من املفيد أيضا ملوضوع الدراســـة؛ أن نفرق بني »الفعل الثوري« و»احلالة الثورية«، فاألول يكون نطاقه الزمني مرتبطا بوجود النظام الســـابق في سدة احلكـــم، ومبجرد انهياره ينتهي الفعل الثوري مع زوال مســـوغاته، ولكن تبقى »احلالـــة الثورية«، ويقصد بها أن القـــوى الثورية واجلماهير املؤيدة لها تعيش مرحلة زمنية – تطول أو تقصر- تســـتغرق خاللها في عملية ذات ثالثة أبعاد: هدم ألركان النظام السابق، وبناء ملعالم النظام اجلديد ومؤسساته، وتعديل ما يصلح للبقاء من تراث النظام املنهار، وال تنتهي احلالة الثورية إال عندما تتيقن تلك القوى من اســـتقرار النظام بعد إعادة بنائه، وفي بعض احلاالت تستغرق هذه الفترة ســـنوات طويلة، وأحيانا أخرى ترفـــض بعض القوى إنهاء »التعبئة

الثورية« فتصطدم مع النخبة احلاكمة اجلديدة.في خالل تلك املرحلة تكون القوى الثورية منتبهة متحمسة مترقبة، يسهل عليها توظيف أدوات الفعل الثورية؛ للتأكد من حتقيق مطالبها، ويكون لدى هذه القوى االســـتعداد ملمارسة الفعل الثوري من جديد في حال شعرت باالنحراف عن املســـار الثوري، بغض النظر عن القوة التـــي تتولى مقاليد احلكم،؛ إذ في بعض األحيان تنقســـم القوى الثورية بعد جناح الثورة، ليصبح جزء منها داخل منظومة احلكم، والبقية في موقف املعارضة، وأحيانا يتم توظيف الشـــعارات الثورية نفســـها ضد احلـــكام اجلدد بصورة تضعهم على التـــوازي مع النظام

القدمي.

Page 23: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر
Page 24: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثانيمن الدولة إىل الثورة

Page 25: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر
Page 26: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

25مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثاني من الدولة إلى الثورة

الفصل الثانيمن الدولة إىل الثورة

يعيش املصريون في »قمقم« ميتد عمره إلى ستني عاما تقريبا، بدأ تكوينه مـــن عام 1954م عندما أجهض عبـــد الناصر ورفاقه في مجلس قيادة الثورة، أحالم الشعب في العيش بحرية، فألغى في شهر واحد قرارات كان قد أصدرها مجلس قيادة الثورة بإعادة األحزاب، واإلعالن عن انتخابات برملانية ورئاسية، وبحل مجلس الثورة نفسه، وكان أكثر زعيم مصري يتحدث عن العزة والكرامة، وأكثرهم انتهاكا لها في الوقت نفســـه، وفي يوم مســـرحية املنشية بعد إطالق الرصاص جتاهه، خاطب احلشـــود وهو يتحدث عن نفسه أنه هو »جمال عبد

الناصر... خلق فيكم العزة، وخلق فيكم الكرامة، وخلق فيكم احلرية..«)1).بعد ثالثة عشر عاما صدم عبد الناصر الشعب بقوله: إنه كان مخدوعا في أقرب مقربيه الذين سلم إليهم رقاب املصريني، فحاكم بعضهم واغتال بعضهم،

وألقى البقية في املعتقالت، ولم يقل له أحد: أنت زعيم الفاسدين.جاء السادات فلم يتغير شيء كثير، وتبني أنه كان مخدوعا في عبد الناصر، معارضا لطريقته في احلكم، فهل أصلح ما فسد؟ .. فقط تغيرت النكهة، وبقي كوكتيل »الظلم والفساد« كما هو سائغا لشاربيه الذين ال يجدون غيره مرفقا.

جاء مبارك إلى احلكم، فأعلن كهنته أن الســـادات كان مسيئا، وفتح أبوابا من الشر على املصريني، وهكذا كلما دخلت أمة لعنت أختها، أما الشعب؛ فقد ترحم على أيام السادات بعدما ذاقوه من كأس آل »فرعون« اجلديد الذي عال

في األرض، وجعل أهلها شيعا، فاستضعف طائفة منهم، وكان من املفسدين.

)1) انظر مقالة لينني الرملي: زلة لسان املجتمع، صحيفة روز اليوسف 16-4-2010م.

Page 27: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 26

منذ 1954م يعيش املصريون في إطار ضيق من كل شيء، فهم محصورون على ضفاف النيل، متكدســـون في مدن عشوائية التخطيط، ينخر الفساد في نخبتهم السياسية ذات الطابع العســـكري، وتنخر في أجسادهم معاول الفقر

واملرض والقهر.ستون عاما من حكم »الفراعنة اجلدد« كانت كافية لكي ينطبق على حكامها

قول الله تعالى: زب ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦڦ ڦ ڦ ڄ رب ]آل عمران: 11[.

هلك عبد الناصر مسموما بيد نائبه –السادات- كما يزعم أبناؤه، واغتيل السادات رميا بالرصاص بني قواته وبأيديهم، وأصبح مبارك مخلوعا محبوسا

محكوما على يد قادته العسكريني!! فهل يعترب من يأتي بعدهم؟!

إن حصيلـــة 30 عاما من حكم مبارك كانت: نخبة حكم فاســـدة، وقبضة أمنية قوية حتمي مصالح النخبة الفاسدة، هذه هي الدولة التي أسسها مبارك والتـــي اختزلت أكثر من مليون كم مربـــع، وأكثر من ثمانني مليون مصري، في

قصر الرئاسة، ووزارة الداخلية.1- منظومة السلطة - النخبة الفاسدة

حسب تصنيف مجلة »باردي« األمريكية يعد حسني مبارك الديكتاتور رقم 20 األســـوأ على مستوى العالم لعام 2009م، بينما حل في املركز السابع عشر

في عام 2008م لنفس القائمة. وحســـب تصنيف دورية فورين بوليســـي األمريكية، شـــغل مبارك املركز اخلامس عشـــر في قائمة أسوء الســـيئني لعام 2010م، وقد وصفته الدورية بأنه: »حاكم مطلق مســـتبد، يعاني داء العظمة، وشغله الشاغل أن يستمر في

منصبه«.)1) كيف اســـتحق مبارك هذه املرتبة املتقدمة في قائمة احلكام األسوأ؟ وكيف

)1) الوفد 2-8-2011م.

Page 28: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

27مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثاني من الدولة إلى الثورة

انعكس هذا »السوء« على شكل ونوع النظام الذي بناه ودعمه طيلة سني حكمه الثالثني؟

نســـتخدم في هـــذه الفقرة نظريـــة »الدولة الرخوة« التـــي طرحها عالم االقتصاد واالجتماع السياســـي الســـويدي جنار ميردال عام 1970م، بحسب هـــذه النظرية يرى ميردال أن »كثيرا من بالد العالم الثالث يعاني من خضوعه ملا أســـماه بالدولة الرخوة، وأن هذه الدول الرخوة تكاد تكون هي ســـر البالء األعظم، وسببا أساسيا من أسباب استمرار الفقر والتخلف، وهو يعني بالدولة الرخـــوة، دولة تصدر القوانني وال تطبقها، ليس فقط ملا فيها من ثغرات، ولكن ألن ال أحد يحترم القانون، الكبار ال يبالون به؛ ألن لديهم من املال والسلطة ما

يحميهم منه، والصغار يتلقون الرشاوى لغض البصر عنه«)1).رخاوة الدولة تشجع على الفساد، وانتشار الفساد يزيدها رخاوة، والفساد ينتشـــر من الســـلطتني التنفيذية والسياسية إلى التشـــريعية، حتى يصل إلى القضاء واجلامعات، صحيح أن الفساد والرشوة موجودان بدرجة أو أخرى في

جميع البالد، ولكنهما في ظل الدولة الرخوة يصبحان »منط حياة«)2). ويقـــدم ميردال وصفا للطبقة احلاكمة التي تتكـــون في هذه الدولة، فهي جتمع من أسباب القوة ما تستطيع بها فرض إرادتها على سائر فئات املجتمع، وهي وإن كانت تصدر قوانني وتشريعات تبدو وكأنها دميقراطية في ظاهرها، فإن لهـــذه الطبقة من القوة مـــا يجعلها مطلقة التصرف فـــي تطبيق ما في صاحلها وجتاهل ما يضر بها، وأفراد هذه الطبقة ال يشـــعرون بالوالء لوطنهم

بقدر ما يدينون بالوالء لعائالتهم، أو أقاربهم، أو عشائرهم ومحاسيبهم)3). تطبيق هذه النظرية على الواقع املصري، يبدأ من شـــخصية رأس النظام، ا التعرف على بعض سماته الشخصية التي أي حســـني مبارك، فمن املهم جد

)1) الدولة الرخوة ص 6 .)2) السابق ص 6 .)3) السابق ص 6 .

Page 29: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 28

ساهمت في بناء »الدولة الرخوة« إن جاز تسمية هذا الفعل »بناء« أصال.

سمات مبارك:تكاد اآلراء تتفق على ســـطحية تفكير الرئيس السابق مبارك، وعدم قدرته علـــى تكوين رؤى معقـــدة أو تصورات مركبة، وأنه بدأ احلياة السياســـية في منصب »نائب الرئيس« أنور الســـادات وهو خالي الوفاض متاما من اخلبرات أو املعرفة السياســـية، ويحكي د. يحيى اجلمل موقفا عاينه بنفســـه، فيقول: »أدلل على ذلك بحكاية بســـيطة عشتها معه، ولها شاهدان أحدهما على قيد احلياة، واآلخر رحل، وهما: أســـامة الباز ورفعت احملجوب، وتعود وقائعها إلى عهد الرئيس السادات الذي أصفه باحلنكة السياسية الكبيرة، وهي أنه عندما قام بتعيني مبارك نائبا لرئيس اجلمهورية جمعتنا جلســـة مشـــتركة تضم كال من الســـادات ومبارك والباز واحملجوب، وأثناء اجللســـة وجه السادات كالمه لكل من احملجوب والباز قائال: »حســـني أهو، ما يعرفش حاجة واصل، وعليكو إنكم تعلموه وتفهموه«. ثم قال ملبارك: »وأنت يا حســـني اللي يقولك عليه الباز

واحملجوب تعمله، فاهم؟!!«)1). ويشير د. أســـامة الغزالي حرب إلى قصة شهيرة تكشف مستوى الطموح السياســـي لدى مبارك في ذلك الوقت، يقول: »ليس هناك من النخبة املصرية من لم يســـمع عن احلكاية املشهورة التي رواها مبارك بنفسه أكثر من مرة عن الهواجس واخلواطر التي دارت في ذهنه عندما استدعاه السادات ملقابلته، فهو نفســـه قال: إنه كان يتوقع إما أن يتم تعيينه رئيســـا لشركة مصر للطيران، أو أن يكون سفيرا ملصر في بريطانيا، ذلك كان أقصى ما فكر فيه حسنى مبارك من مناصب ميكن أن يتم اختياره لها! ووفقا للروايات التي نسبت إليه فقد ظل

بعض الوقت غير مدرك ملغزى وأهمية املنصب اجلديد الذي أسند إليه«)2).

)1) حوار د. يحيى اجلمل مع صحيفة الشرق األوسط، 10-9-2011م. )2) أسامة الغزالي حرب، مقال: اليوم يحاكم الفرعون، رصد 3-8-2011م.

Page 30: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

29مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثاني من الدولة إلى الثورة

ويذكر د. حمدي الســـيد نقيب األطباء السابق -وكان قريبا من مبارك في بداية حكمه- أن مبارك كان »مرتبكا« في فترة رئاســـته األولى، يقول الســـيد: »وكل القريبني من دوائر احلكم في مصر كانوا مدركني أن مبارك تولى الرئاسة قبـــل أن يعد جيدا لها، وأنا أذكر أنه كان يجتمع بنا في بداية عهده وكان على

لسانه دائما كلمة »انصحوني.. أنا معرفش«.وأذكـــر في أحد اللقاءات مع مبارك في بدايـــة حكمه وكان معنا د. كمال اجلنزوري، وكان وقتها رئيســـا ملعهد التخطيط القومي.. وكان يقدم محاضرة في التخطيط، والرئيس مبارك يستمع، وفي وسط الكالم قال له مبارك: »بس

كلمني على قدي علشان أنا مش فاهم اللي انت بتقوله«.)1) مع انقضاء سنوات على تولي مبارك الرئاسة، اكتسب ثقة متزايدة بالنفس، ليســـت نابعة بالضرورة من تنامي قدراته السياسية، أو تضخم رؤيته املعرفية، فيذكر د. حمدي الســـيد: »بدأ التغير يطرأ على مبارك عام 1987م، مرة كنت أتناقـــش معه فى أمر ما وفجأة وجدته يقول لي: »بس أنت ما تعرفش أنا اللي معايا كل اخليوط فى إيدي دلوقتي«.. وقتها شـــعرت أنه بدأ يشـــعر بقدر من

الثقة بالنفس)2). لكـــن مع هذه الثقة املتزايدة ظل منعوتا بـ»الســـطحية« حتى نهاية حكمه، يقول الغزالي حرب: »مبارك كان شـــخصا متواضع القدرات بشكل الفت! ففي احلاالت احملدودة التي قدر لي فيها اتصال مباشر لدقائق قليلة معه، -أكثرها كان ضمن بعض الكتاب واملثقفني اآلخرين خاصة فى الســـنوات األولى حلكمه عندما كان يلتقي بالكتاب واملثقفني مبناســـبة االفتتاح السنوي ملعرض الكتاب، وهـــو التقليد الذي عزف عنه فى الســـنوات األخيرة، ثم ألغـــاه متاما- كانت مالحظاته شديدة السطحية بل والسذاجة، وفي حاالت كثيرة كان من الصعب عليه اســـتيعاب أي أفكار غير مباشرة، أو فيها بعض العمق أو التعقيد! وكثيرا

)1) د. حمدي السيد في حوار مع صحيفة الشروق 22-2-2011م.)2) حوار مع صحيفة الشروق، سابق.

Page 31: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 30

مـــا كانت مالحظاتـــه أو ردود أفعاله على ما يلقى أمامـــه مثيرة للضحك أو السخرية«)1).

علـــى نحو معاكس؛ فإن الثقة الزائدة مع شـــعوره بتنامي ســـلطته وقوته، حفزت لديه صفة »العند« التي كانت من ســـماته املعروفة، غير أن تأثيرها في أدائه الرئاسي بدأ يظهر بوضوح مع الفترة الثانية للرئاسة، فكان يصف نفسه بأنـــه »واخد دكتوراه في العند«، يقول د. اجلمل: »الدكتوراه في العند قالها لي أنا شـــخصيا.. لدرجة إنه في واقعة أخرى، قال له أحد الصحافيني: يا ريس، يوسف إدريس لم يأخذ حقه األدبي واملعنوي، فقال له مبارك: »يا سالم.. والله

العظيم كنت ناوي أكرمه، ولكن هذه اجلملة ممكن ما تخلنيش أكرمه« )2). كما دفعته تلك »السمة« إلى إهمال األفكار اإلصالحية للمثقفني واالستهانة بها إلى حد الســـخرية الســـاذجة، »وال أنس هنا ما حدث مـــع الزميل العزيز الراحل د. محمد الســـيد ســـعيد فى لقاء مبارك مع املثقفني مبناسبة افتتاح معرض الكتاب فى يناير 2005م حينما قال د. محمد ملبارك: إن لديه مشروعا إصالحيا مكتوبا يريد أن يقدمه له، فقال له مبارك بسخرية واستهتار: »الورقة

دي حطها في ... جيبك«.)3)

بؤرة الفساد:يقول األديب واملفكر الفرنســـي إيتيان دو البويســـي: »حينما يتحول أحد امللوك إلى طاغية، فإن كل ما في اململكة من شر ومن حثالة يتجمعون من حوله، وميدونـــه بالدعم لينالوا نصيبهم من الغنيمة، ولكـــي يكونوا في ظل الطاغية

األكبر عصبة من الطغاة الصغار«)4). ميكن أن نعتمد مدخل »السياسة العامة« لتحليل النظام السياسي املصري

)1) مقال: اليوم يحاكم الفرعون، سابق.)2) حوار مع الشرق األوسط، سابق.

)3) اليوم يحاكم الفرعون، سابق.)4) كتاب مقالة العبودية الطوعية، ص179.

Page 32: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

31مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثاني من الدولة إلى الثورة

قبل الثورة، والكشـــف عن توجهاته وحتديد خياراته وأولوياته، وكذلك خريطة املصالح والقوى السائدة في املجتمع.

وفي هذا الصدد سوف نستخدم »نظرية النخبة« التي تنظر إلى السياسات العامة كخيارات نخبوية، وهذه النظرية هي األكثر مالئمة مع الواقع السياسي

العربي املعاصر)1). والنخبـــة هنا هي: مجموعة األفـــراد التي متتلك مصـــادر وأدوات القوة السياســـية في املجتمع، وتأتي عملية صنع السياســـات العامة كانعكاس لقيم واختيارات النخبة احلاكمة، وبحســـب هذه النظرية ميكن أن نالحظ اآلتي في

الواقع السياسي املصري في عهد مبارك:1- انقســـم املجتمع املصري إلى فئتني: فئة قليلة متلك الســـلطة والقوة، وغالبية شـــعبية مجردة منهما، والفئة القليلة هي التي تتولى تخصيص املوارد

مبعزل تام عن الغالبية.2- الفئة احلاكمة متثل الشريحة العليا من الطبقة االقتصادية واالجتماعية،

ونفاذ أفراد الغالبية إلى هذه النخبة عملية بطيئة وصعبة للغاية.3- ال تعكس سياسات النخبة مطالب الغالبية.

4- تؤثر النخبة احلاكمة في الغالبية أكثر مما تتأثر بها. بعـــد توليه احلكم مباشـــرة، بدأ مبارك في تكوين حاشـــيته وفق معايير خاصة، ثم أســـلم قياده لها، وكان أولى مهام هذه احلاشية اجلديدة، أن تضمن عزلة مبارك وســـيطرتها التامة على تفكيره وقراراته، يقول د. حمدي السيد: »مر –مبارك- باملرحلة التي مير بها أي رئيس من حيث تكوين حاشـــية، وهذه احلاشية تسهل له األمور، وتفهمه أن كل شيء على ما يرام، وتبعد عنه أي شيء عوا يسيء إليه، ونحن نذكر دائما أنه كان دائما يقال لنا: »انتوا مش عايزين تسمالرئيس إال ما يزعجه.. ما تقولوا له حاجة تفرحه«.. يعني قبل 1987م كنت ملا

للدراسات العلمي املركز العامة، السياسات حتليل إلى مدخل احلسني، مصطفى أحمد د. (1(السياسية، جامعة اليرموك األردن، 2002م، ص 113-112.

Page 33: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 32

أطلب موعدا ملقابلته يجاب فورا، وكنت وغيري نذهب إليه ونقول له كل شـــيء يجري فى البلد بصراحة، بعد ذلك قلت املقابالت«. )1)

كان أبرز رجال احلاشـــية -غير القابلني للعزل أو التقاعد- زكريا عزمي، رئيس ديوان الرئاســـة، وعضو مجلس الشـــعب، والقيـــادي البارز في احلزب الوطني، جتاوزت صالحياته احلدود التي تسمح بها مناصبه الرسمية، وأثارت

مكانته لدى مبارك تساؤالت الكثيرين. ويذكـــر الشوباشـــي أن »منطق« زكريا عزمي هو أن يتحمل أي شـــيء من مبارك ويتحلى بالصبر، في مقابل أن يظل في موقعه الذي كان يتحكم منه في جميع الوزراء، وقد أصبح هذا املنطق »موضة« شائعة فى عصر مبارك: يكفي

احلصول على ثقة الرأس الكبيرة، وبعده ال أحد يساوي شيئا)2).انعكس تأثير هـــذا املنطق على آلية اختيار املســـئولني الكبار في اجلهاز التنفيـــذي للدولة، فلم تكن الكفاءة هي األســـاس أو املعيـــار األهم، بل قفزت

»العالقات الشخصية« لتصبح العامل احملوري في تولي املناصب احلساسة. وتذكر د. مايســـة اجلمل في دراســـة مهمة عن تكويـــن النخبة الوزارية في مصر أنه في »داخل األمناط الرســـمية لتجنيد أفراد النخبة، كانت تكمن شـــبكة من العالقات غير الرســـمية، وهو األمر الذي ميكن فهمه في ضوء غيـــاب الرقابة الفاعلة على أنشـــطة وتوجهات النظام السياســـي.. ومن ثم يصبح املبدأ األساســـي الذي يعتمد عليه هذا النظام ذا طبيعة شخصية إلى حد كبير، كما يعتمد هذا النظام على عالقات املنفعة التي تنشـــأ بني أفراد الشلة والدفعة، وبني أصدقاء رئيس اجلمهورية الشخصيني، سواء كانوا داخل

السلطة التنفيذية أو التشريعية«)3). احملصلة كما يقول د. جالل أمني أن النخب اجلديدة جاءت بعيدة عن العمل

)1) حوار مع صحيفة الشروق، سابق.)2) الوفد 24- 7-2011م، وهو ينقل عن كتاب للشوباشي بعنوان: مستقبل مصر ما بعد الثورة.

)3) النخبة السياسية ص 207.

Page 34: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

33مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثاني من الدولة إلى الثورة

السياســـي، »حتى اعتدنا أن يأتي رئيـــس للوزراء لم تعرف عنه قط اهتمامات سياســـية قبل اعتالء منصبه، ومن ثم لم يكن هناك مجال للتنبؤ مبا ميكن أن تكون عليه سياســـاتهم بعد تولي املنصب، ثم تبني بالتدريج أنه ال حاجة ألحد

بهذا التنبؤ؛ إذ لم تكن هناك أي سياسة على اإلطالق«)1). تعمقت بؤرة الفساد »النخبوية« مع دخول ابني الرئيس – عالء وجمال- في قلب احلاشـــية، ولم يكن مستغربا أن يتحوال مع الوقت إلى مركز جتمع وإدارة ملنظومة الفســـاد في مصر؛ بحيث يصعب أن تكون هناك قضية فســـاد كبرى دون أن تتوجه اخليوط إلى أحدهما أو كليهما، فعلى سبيل املثال، كشفت إحدى وثائق موقع »ويكيليكس« الصادرة عن الســـفارة األمريكية بالقاهرة، أن السفير األســـبق ريتشارد دوني حضر لقاء بني مبعوث أمريكي والرئيس مبارك، كشف فيـــه األول عن معلومـــات لدى األجهزة األمريكية تثبت تـــورط كل من: جمال مبارك، وممدوح إســـماعيل، وزكريا عزمي، وصفوت الشريف، في حادثة غرق

العبارة املصرية عام 2006م)2). ترافـــق مع ظهـــور جمال مبارك في املشـــهد السياســـي: انغماس مصر الكامل في تطبيق سياســـات صندوق النقد الدولي، فنشأت ظاهرة »رأسمالية

خت الهوة بني النخبة احلاكمة والغالبية احملكومة. احملسوبية« التي رسكانـــت ذروة النجاحـــات التي حققتها تلك السياســـات متزامنة تقريبا مع بداية التحرك احلقيقي للثورة الشـــعبية، ففي عام 2007م منح صندوق النقد مصر لقب »أفضل دولة في اإلصالح االقتصادي« بعد أن سجل إجمالي ناجتها ا بنســـبة 7%، ووصف الصندوق أداء االقتصاد املصري بـ »املبهر«، احمللي منو

وامتدح بصورة مفرطة أداء احلكومة.وصـــف اخلبراء هذا التناقض بني واقع املصريني والسياســـة االقتصادية املدعومة من صندوق النقد، بأنها »منو بال تنمية«، باختصار هو منو اقتصادي

)1) من كتاب: مصر واملصريون في عهد مبارك، د.جالل أمني، دار ميريت 2009م.)2) الوفد 72011-24.

Page 35: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 34

تعود فوائـــده على النخبة، بينما يزداد حرمان الطبقة املتوســـطة)1)، فكان أن تعمقت بؤرة الفســـاد حـــول الرئيس، حتى بلغت حصيلتهـــا بعد الثورة حوالي »264« شخصية سياسية ورأسمالية أصدر جهاز الكسب غير املشروع قرارات بتجميد أرصدتهم وأســـهمهم وحساباتهم في البنوك)2)، بخالف من جنحوا في

إخفاء آثارهم.

تركز السلطات:مع تضخم احلاشـــية ومتـــدد عالقاتها ومصاحلها، حصـــل افتئات على صالحيات وســـلطات املناصب العليا في الدولة، ومع متتع الرئيس بصالحيات غير عادية، جعلته متحكما إلى درجة كبيرة في السلطة التنفيذية، فإن استغالله ألدوات سياسية مثل »احلزب الوطني«، أو أدوات أمنية مثل »جهاز أمن الدولة«، نته من توسيع نطاق صالحياته ونفوذه غير الرسمي ليشمل السلطات الثالث مك

معا: التنفيذية والتشريعية والقضائية.وأصبحت السياسات العامة للدولة تصنع من خالل تبادل اآلراء بني الرئيس ش دورها في صنع السياسات إلى وحاشيته بعيدا عن النخبة السياسية التي همحد كبير، ومع تقلص املســـئولية السياسية للجهاز التنفيذي، تقلصت سلطاته بالتبعية، وأدى ذلك إلى تركز الســـلطة أكثر فأكثر في يد مؤسســـة الرئاسة، يقول عالم االجتماع إدوين هوالندر: »إن املســـؤولية تصبح وسيلة ضغط مهمة للحصول على مزيد من السلطة، كما أنه من املمكن االنتقاص من أهمية املركز

الذي يشغله أي شخص عن طريق احلد من مسئولياته«)3).

تركة مبارك:بعض الدول عندما تنتصر ثوراتها الشـــعبية، فإن احلكام اجلدد يتسلمون

)1) انظر تقرير مجلة فورين بوليس: الطريق إلى ميدان التحرير، ح2، نقال عن اجلزيرة نت، 21-9-2011م.

)2) املصريون 19-7-2011م.)3) النخبة السياسية، ص 214.

Page 36: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

35مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثاني من الدولة إلى الثورة

مؤسســـات ناجحة إلى حد ما، بحيث إن عملية التحول السياسي وإدارة عجلة االقتصاد من جديد ال تستغرق زمنا طويال، حدث ذلك في: البرتغال، إسبانيا،

اليونان، تركيا..أما في منوذج »الدولة الفاشـــلة« فإن املؤسسات تكون في حالة يرثى لها، فيصعب على النخبـــة احلاكمة اجلديدة أن تنهض بتلك املؤسســـات في مدة زمنية مقبولة، وقد أدت سياسة مبارك إلى تخريب مؤسسات التعليم والصحة، والقضاء، واألمن، واألحزاب، وحتى مؤسســـات املجتمع املدني، ولم يكن غريبا أن حتصل مصر على ترتيب 38 في مقياس الدول الفاشـــلة لدى اســـتخدامه للمرة األولى عام 2005م، وذلك في التقرير الســـنوي الذي أعده صندوق دعم السالم بالتعاون مع مجلة فورين بوليسي األمريكية حول الدول الفاشلة أو غير

املستقرة واملهددة باالنهيار أو قريبة من حافته.اختار التقرير 60 دولة تتسم بأنها »فاشلة« وفق معيار يتكون من 12 مؤشرا تتوزع على مجاالت »االجتماع، االقتصاد، السياســـة«، وقسمت الدول الستني

إلى ثالث فئات، تضم كل فئة 20 دولة: الفئ���ة األوىل: وصفت بأنها متثل »حالة اخلطر«: ويرمز لها باللون األحمر،

وتضم دوال مثل: الصومال، السودان، العراق.الفئ���ة الثاني���ة: تعرف بأنها دول اخلطر الكامن، »منطقة احلذر«: ويرمز لها

باللون البرتقالي، وتضم دوال مثل: مصر، بيرو، سوريا، باكستان.الفئة الثالثة: تعرف بأنها ذات خطر متوســـط »منطقة الترقب«: ويرمز لها

باللون األصفر، وتضم دوال مثل: هندوراس، جامبيا، إندونيسيا.ومن ضمن املؤشـــرات االثني عشر، لوحظ أن هناك مؤشرين يتكرران في

أغلب الدول الستني، وهما:1- ضعف التنمية أو غيابها.

2- الفساد وغياب القانون وعدم الفاعلية )1).

)1) مجلة فورين بوليسي عدد يوليو- أغسطس 2005م.

Page 37: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 36

واحلقيقة أن مفهوم »الدولة الفاشـــلة« يعد تطويرا ملفهوم »الدولة الرخوة« الذي تبناه مبردال سابقا، ولكنه أكثر منهجية وحتديدا وميكن قياسه.

احتلت مصر عام 2005م الترتيب 38، ولكنه تغير في األعوام التالية، فكان 49 في عـــام 2009م، وأصبح 45 في عام 2010م)1)، والتقرير يصدر طبعا في منتصف العام التالي لعام القياس، ويالحظ أن تغير الترتيب ال يعود بالضرورة إلى حتســـن في مؤشرات الدولة، فقد يكون السبب تدني مؤشرات دول أخرى،

كما أن املقياس توسع ليشمل عددا أكبر من الدول. السمة األساســـية في الدول الفاشلة، هي عدم االستقرار السياسي، وهو كما يقول د. معتز بالله عبد الفتاح: »يســـاوي املطالب السياسية مقسومة على املؤسســـات السياسية، وبالتالي فإن عدم االستقرار السياسي يزيد كلما زادت املطالب السياسية وضعفت قدرة املؤسسات السياسية على االستجابة الفاعلة لها«)2)، وقد تطور »عدم االســـتقرار السياسي« مع تنامي العجز املؤسسي في

عهد مبارك وصوال إلى مستوى »الثورة الشعبية«.2- القبضة األمنية - حماية النخبة الفاسدة.

يرفع الناس مطالبهم إلى الدولة، وينتظرون تلبيتها ولو بعد حني، وتنقســـم مؤسســـات الدولة إلى ثالثة أنواع)3): مؤسســـات خدمية، مثل املستشـــفيات، واملدارس..إلخ، ومؤسســـات متثيلية، مثل: مجلس الشـــعب واملجلس احمللي،

ومؤسسات أمنية، مثل: الشرطة، وأمن الدولة، واملؤسسة العسكرية.عندما تخفق املؤسســـات اخلدمية في تلبية املطالب، ثم تخفق مؤسسات التمثيل السياســـي في التعبير عنها وتبنيها، يأتي دور املؤسسة األمنية في قمع

هذه املطالب ومن يرفعها وينادي بها.وألن األصل في »منظومة مبارك للحكم« عدم االســـتجابة ألغلب املطالب

)1) الشروق نيوز 21-6-2011م.)2) بحث كتبه د. معتز بالله عبد الفتاح بعنوان: مستقبل نظام احلكم في مصر.. عدم استقرار ال يصل

لدرجة الثورة .. ضمن امللف البحثي الذي نشرته اجلزيرة بعنوان: مصر .. تبديد أرصدة القوة.)3) بحث كتبه د. معتز بالله عبد الفتاح، سابق.

Page 38: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

37مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثاني من الدولة إلى الثورة

الشعبية، خصوصا في الســـنوات األخيرة، فقد تنامى الدور األمني حتى بات غالبا على الساحة بصورة الفتة.

يقودنا هذا التحليل إلى بحث إشكالية مهمة تعد ظاهرة متجذرة في الواقع السياسي العربي، وهي: اخللط بني الدولة والنظام، أو بني الدولة والسلطة.

فالدولة هي اإلطار السياســـي واملؤسســـي الذي يحتوي األرض واملجتمع والسلطة معا – كما أشرت سابقا- أما النظام فهو النخبة احلاكمة التي متارس السلطة واحلكم من خالل مؤسسات الدولة وداخل إطارها العام، فالدولة ثابتة والنظـــام متغير، الدولة حاضنة والنظام تابع لهـــا، لكن ما حدث ويحدث في

العالم العربي هو العكس متاما.يقول محمد جابر األنصاري: »في عملية النمو التاريخي للســـلطة والدولة فـــي املجتمعات العربية املعاصرة، ليس من الســـهل الفصـــل الواضح بني ما للســـلطة، وما للدولة، فالسلطة هي التي تبني الدولة ومؤسساتها وأجهزتها...

إن السلطة في الوضع العربي الراهن هي حاضنة الدولة، وليس العكس«)1). هذا التماهي بني الدولة والسلطة، ساهم في غلبة منوذج »الدولة التسلطية« ليصبح هو السائد في مصر منذ ستني عاما وحتى مطلع عام 2011م، و»الدولة التسلطية« تولي اهتماما متزايدا مبؤسسات القمع والقهر مما يجعلها من أكثر

املؤسسات حتديثا وتطورا.وميك���ن رصد أربعة مش���اهد قوي���ة متظهرت من خالهل���ا القبضة األمني���ة للدولة

التسلطية يف مصر:

أوال: استعراض القوة واستخدامها: اتبعت األجهزة األمنية في مصر سياســـة اســـتباقية لــ»إرهاب الشـــعب« والقوى احملركة بداخله؛ لوأد أي بوادر لالحتجاج والثورة في مهدها، فتعمدت

)1) نقال عن د. حسنني توفيق إبراهيم، النظم السياسية العربية، االجتاهات احلديث في دراستها، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة األولى 2005م، ص 58.

Page 39: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 38

تلك األجهزة اســـتعراض قوتها بطريقة مبالغ فيها وأحيانا دون أي داع أمني، على سبيل املثال: اعتاد الناس على رؤية احلشود األمنية في مناسبات عديدة، مثـــل صالة اجلمعة، وفي عـــدد كبير من املدن وفي ميادينهـــا املهمة كإجراء احترازي في حال اندلعت أي تظاهرات، بالرغم من أن أغلب تلك األماكن تصل

احتماالت التظاهر فيها إلى صفر، فما الداعي إذن لتلك احلشود؟بعض خبراء النفس يطلق على هذا األســـلوب اســـم »نظريـــة اإلطفاء«، فاجلماهير حتضر خطبة اجلمعة، والتي قد يكون موضوعها أحيانا نقد النظام وسياساته، فتحتقن النفوس ويشحنها الغضب، ثم عندما يخرج املصلون يجدون القوات املدججة بالســـالح في مواجهتهم فترهبهم، فتنطفئ داخلهم أي نزعة لالحتجاج، ومع اســـتمرار ظاهرة االستعراض األمني، يريح املواطن نفسه فال يسمح لها باالحتقان بداية، ويقضي على أي نوازع للغضب في مهدها، فيتحول إلى متلق ســـلبي، وهو ما أنتج ظاهرة »الالمبـــاالة« التي غرق فيها املصريون

سنوات طويلة.على صعيد »اســـتخدام القوة« دأبت األجهزة األمنية على ممارسة أقصى درجات القوة لفض االحتجاجات الشـــعبية في أحيان كثيرة، وعلى نحو مبرمج يشـــي بوجود هدف يتجاوز فض تظاهرة أو إنهاء احتجاج؛ إذ املقصود من هذه األســـاليب »الردع النفسي« الذي يقلص فرص االحتجاج مستقبليا، برفع كلفته

فوق قدرة املواطن العادي على التحمل.مثال: أســـلوب مواجهة االحتجاجات الطالبية التـــي اندلعت عام 2000م بسبب نشر وزارة الثقافة رواية »وليمة ألعشاب البحر«، فقد استعملت القسوة الشـــديدة دون تفرقة بني الذكور واإلناث، وتســـبب إطالق الرصاص املطاطي

على املتظاهرين في إصابة عدد كبير منهم بفقد البصر وإصابات أخرى.دعم نواب في احلزب الوطني احلاكم –املنحل- هذا االســـتخدام الوحشي للقوة، وأســـبغوا عليه نوعا من الشـــرعية، حتى أطلق عليهم اإلعالم املستقل لقـــب »نواب الرصاص«، ومنهم النائب »نشـــأت القصاص« الذي قال في أحد

Page 40: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

39مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثاني من الدولة إلى الثورة

االجتماعات البرملانية: »اضربوهم بالنار، واستعملوا الرصاص مع املتظاهرين اخلارجني علـــى القانون«، وكذلك النائب رجب هـــالل حميدة – الذي يحاكم حاليا في القضية املعروفة باســـم »موقعة اجلمـــل« – الذي قال في االجتماع املشترك للجنتي حقوق اإلنسان والدفاع واألمن القومي في أبريل عام 2010م: »إن الناس سيتســـاءلون عن مطلب ضرب املتظاهرين بالنار لكن: أنا أقول لهم

نعمل كده وال نحرق وطن بكامله«)1).

ثانيا: تطور مفهوم »أمن الدولة«:أدى التماهي بني الدولة والســـلطة إلى اخللـــط بني األخطار التي تعرض لكل منهما، بحيث إن اخلطر الذي يهدد النظام، يهدد الدولة في الوقت نفسه، يقول د. األنصاري: »لعل اإلحساس الغريزي أو العفوي لدى عامة املجتمع بهذا الواقع اخلطر وهذه املفارقة املرة، من ضمن األســـباب التي تســـاعد األنظمة احلاكمة في الوطن العربي على االســـتمرار في مواقع الســـلطة، السلطة التي تتماهى مع الدولة ومع الكيان العام للوطن، بحيث لو انهارت انهار معها الكيان علـــى رءوس مواطنيه«)2). في هذا الســـياق ميكن إعـــادة توصيف جهاز »أمن الدولـــة« على أنه جهاز »أمن النظام«، ومبا أن النظـــام املصري كان متمحورا حول شخص واحد هو الرئيس املخلوع مبارك، فإن ذلك يجعل املسمى احلقيقي

للجهاز هو »أمن الرئيس«.مارس جهاز أمـــن الدولة كل املهام األمنية واالســـتخباراتية من: اعتقال، تعذيب، حتقيق، جتســـس، تنصت، اختراق، اقتحام...إلخ، دون أن متارس عليه هو أي رقابة أو محاسبة من أي جهة سوى من داخل اجلهاز نفسه، أو من قبل

وزير الداخلية، وبعيدا عن أي مساءلة قانونية على أفعاله من قبل ضحاياه.كان املجتمع كله هو ســـاحة عمل اجلهاز دون أي قيد أو شرط، حتى قيل:

)1) موقع مصراوي 20-4-2010م.)2) محمد جابر األنصاري، نقال عن د. حسنني توفيق إبراهيم، النظم السياسية العربية، االجتاهات

احلديث في دراستها، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة األولى 2005م، ص 58.

Page 41: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 40

إن »مصـــر يحركها 1200 ضابط أمن دولة«)1)، فقد متددت ســـلطات اجلهاز وصالحياته متجاوزة التعامل مع اجلماعات اإلســـالمية، وقضايا التجســـس، واألمن القومي؛ لتشـــمل التنظيمات واألحزاب السياســـية، ومنظمات املجتمع املدني، كما سيطر اجلهاز على التعيينات في األجهزة احلكومية، وباتت جتري حتت إشـــرافه، كما اخترق املؤسستني التشـــريعية والقضائية، وأوجد لنفسه مصادر متويل عرضية من مؤسســـات حكومية أخـــرى كانت تقتطع مبالغ من

ميزانياتها حلساب اجلهاز على سبيل »اإلتاوة«، بعيدا عن الرقابة املباشرة.

ثالثا: فلسفة »إهانة المواطن«:خبرات رجال األمن تتكون من خالل األســـاليب التي ميارســـونها في أداء عملهم، واملعتاد في مصر منذ عشـــرات الســـنني أن األســـلوب األمثل جلمع املعلومات يكون من خالل االســـتجواب املباشر للحصول على اعترافات، وهذه االعترافـــات بدورها يتم احلصول عليها بواســـطة: امتهان الكرامة شـــتما أو ضربا أو تعذيبا أو تهديدا، فبات من الصعب على رجل األمن أن ميارس عمله دون اســـتخدام هذه األساليب، ومع التكرار أصبح أسلوب التعامل بني املواطن والشـــرطي ينطوي على تبادل اإلذعان واإلهانة، حتى لو لم تكن هناك تهمة أو

حتقيق.في العقـــد األخير، زادت حـــدة التعامل املهني والقاســـي من قبل رجال زهم على ذلك تلقي الدعم الكامل من وزير الداخلية الشرطة مع املواطنني، حفاألســـبق حبيب العادلي، الذي غير الشعار التاريخي للشرطة املعلق في مداخل األقسام ومديريات األمن: »الشرطة في خدمة الشعب« ليصبح الشعار اجلديد: »الشرطة والشعب في خدمة الوطن«، وهو ما أعطى رسالة ضمنية أن الشعب لم يعد مخدوما، بل حرما مستباحا، وصلت الرسالة بالفعل، وترجمت في تزايد

برنامج مع حوار في السابق، الوزراء لرئيس السياسي املستشار الفتاح، عبد بالله معتز د. (1(العاشرة مساء، اليوم السابع 27-7-2011م.

Page 42: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

41مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثاني من الدولة إلى الثورة

حاد حلاالت القتل في أقســـام الشرطة وفروع أمن الدولة، ولعل أشهر حالتي قتل هما اللتان تســـببتا مباشرة في اندالع ثورة 25 يناير، وكلتاهما لشابني من اإلسكندرية: خالد سعيد، وسيد بالل، األول قتله رجال شرطة عاديون، والثاني

قتله رجال أمن الدولة.ولعل من املؤشـــرات الواضحة على هذا األســـلوب، هو تســـاقط كثير من القضايا املبنية على اعترافات متت حتت التعذيب الشديد، ومنها حادثة تفجير كنيسة القديســـني، وحادثة تفجيرات احلسني عام 2009م، التي تعرض املتهم األول فيها للتعذيب ثم تبني بعد الثورة أنه بريء، وأفرجت عنه نيابة أمن الدولة

في أغسطس 2011م بعد أن ثبت أن القضية ملفقة)1).

رابعا: ظاهرة البلطجة السياسية: ذكرت دراســـة أعدها املركـــز القومي للبحوث االجتماعيـــة واجلنائية أن البلطجـــة في مصر حتولت من نشـــاط فردي إلى ظاهرة منـــذ بدايات عام 2005م؛ حيث شرع كل من جهاز مباحث أمن الدولة واحلزب الوطني »املنحل« في تكوين مجموعات »ميلشيات« غير قانونية لتوظيفها في تنفيذ مهام متنوعة، مثل تزوير االنتخابـــات، وتفاوتت التقديرات العددية لهذه املجموعات، وترجح

الدراسة أن عددهم بلغ حوالي 45 ألف بلطجي)2). وكشفت د. سهير عبد املنعم األستاذ باملركز وعضو جلنة تقصي احلقائق، نقال عن لواء ســـابق فـــي جهاز أمن الدولة، أن كال مـــن أمن الدولة واحلزب فوا البلطجية في التزوير وتشـــويه صورة الوطني وبعض رجـــال األعمال، وظاملعارضة لدى الرأي العام، ثم استخدمت هذه امليلشيات بدءا من يوم 28 يناير 2011م إلرهاب الشعب، ودفع الثوار إلى التراجع حلماية منازلهم وممتلكاتهم،

ثم استخدموا أيضا في »موقعة اجلمل«.

)1) الدستور األصلي، 6-8-2011م. )2) مجلة روز اليوسف، 3-9-2011م، حتقيق: وفاء شعيرة.

Page 43: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 42

من هو البلطجي؟ أصـــل الكلمة تركـــي، يتكون من مقطعني: بلطة، وهي أداة تشـــبه الفأس تستخدم في قطع اخلشب، والثاني: جي، وهي كلمة تركية تنسب إلى أصحاب املهن لوصفهـــم مبعنى »صاحب«، و»البلطجية« كانوا فرقة مشـــاة منظمة في اجليـــش العثماني يتقدمون القوات؛ ليمهدوا لهـــم الطريق، وكان املصطلح ذا مدلول إيجابي فقد اســـتخدم الســـلطان مراد هذه الفرقة حلمايته، كما أنشأ الســـلطان محمد الفاحت ثكنات خاصة بهم، وكان لكل أميرة في قصر السلطان

بلطجي يتولى حمايتها)1). وكان القائد األعلى للجيش التركي في مطلع القرن الثامن عشـــر اســـمه »بلطجي محمد باشـــا«، وهو »الصدر األعظم«، وقاد احلرب مع روســـيا ذلك الوقـــت)2)، وأيضا كان والي مصر من قبل العثمانيني في منتصف القرن الثامن

عشر 1752 - 1755م هو »بلطجي مصطفى باشا«. كما أن محمد علي باشـــا حاكم مصـــر 1805- 1848م عندما افتتح أول مدرســـة لتعليم البنات ضمن جهوده التغريبية، خشي من تعرضهن العتداءات مـــن املجتمـــع الرافض لذلك، فأرســـل لهن مجموعة »بلطجيـــة« من اجليش حلمايتهن، فكان كل »بلطجي« ميســـك بدابة طالبة يقودها إلى املدرســـة، لكن انحرف اســـتخدام الكلمة مع الوقت، فأصبحت تســـتعمل في كل من يستخدم

األسلحة غير النارية لترويع الناس)3). في الواقع احلالي، التعريف األسهل للـ»البلطجي« هو »املسجل خطر«، وهو توصيف معروف في السجالت األمنية يطلق على من نفذ أحكاما قضائية جراء جرائم ارتكبها، لكن ليس بالضرورة أن يكون كل مســـجل خطر بلطجيا، أو أن

يقتصر وصف »البلطجة« على »املسجلني خطر«.

)1) مقال: البلطجية بني املاضي واحلاضر، د. بدر عبد العزيز، املصري اليوم 19-7-2011م.)2) ويكيبيديا، معاهدة بروت.

)3) انظر مقال: البلطجية املفترى عليهم، عادل السنهوري، اليوم السابع 13-8-2011م.

Page 44: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

43مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثاني من الدولة إلى الثورة

بصفة عامة؛ يقدر عدد املســـجلني خطر حســـب إفادة اللواء أحمد جمال الديـــن مدير مصلحة األمن العام، بـ 110 آالف شـــخص، وذلك في مرحلة ما قبل الثورة)1)، يقيم حوالي 28% من هؤالء في محافظة القاهرة، يليها محافظة اجليـــزة 14%، ثم اإلســـكندرية 10%، ثم الشـــرقية 9%، وغالبيتهم ينتمون إلى الشـــريحة العمرية 20- 40 عاما، ومن فئة منعدمي أو منخفضي التعليم، ومن

القطاعات الفقيرة في املجتمع)2). أدت سياســـة الداخلية في عهد حبيب العادلي إلى تنامي ظاهرة البلطجة، حتـــى إن معدالت جرائم القتل وحيازة األســـلحة غير املرخصة زادت في عام 2010م بنســـبة 150% - 280% عـــن العام الذي قبلـــه، فبلغت محاضر ضبط األسلحة غير املرخصة نحو 7640 مقابل 2722 محضرا عام 2009م، وبلغ عدد جرائم القتل والشـــروع في القتل التي ارتكبت عام 2010م نحو 9559 جرمية، مقابـــل نحو 6225 جرمية في عـــام 2009م، كما تبـــني أن أكثر من 25% من األسلحة التي مت ضبطها لدى املواطنني مهربة من مخازن مديريات األمن)3).

مساء 24 يناير 2011م، وعشـــية انطالق الثورة املصرية، أجرى اإلعالمي مفيد فوزي حوارا سنويا معتادا مع وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، ننقل

منه هذه الفقرة املعبرة، وهذا نصه تقريبا: مفيد فوزي: حضرتك بتســـمع إزاي ملا النـــاس بتهتف في املظاهرات هذا ن دولة« الهتـــاف الغريـــب ده »قولوا يا ناس ألمـــن الدولة: عمر الظلم مـــا أم

بتستقبل ده ازاي؟حبيـــب العادلي: عادي، ألن أنا باقول: إنه اللي يكره األمن فصيل بيخالف القانون أو خايف القانون يحاسبه ويطوله، أما أنا لو إنسان سوي وعلى قناعة كاملة إن راجل األمن بيخليني وأنا متيقن انه نادر جدا انه يتســـرق، بيلجأ لي ملا بييجي يشـــكو من جاره، بيستغيث باألمن في مجاالت كثيرة جدا، في كافة

)1) صحيفة الفجر 11-6-2011م.)2) مجلة روز اليوسف، 3-9، مرجع سابق.

)3) بوابة الوفد 20-8-2011م.

Page 45: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 44

املجاالت األمن مطلوب خلدمة املواطن، كل ده األمن غير محسوب له، لكن اللي بيخاف من األمن عنده حاجة معينـــة بيخاف منها بالتالي النداء ده خاصة ملا بيتكلموا عن أمن الدولة، ميتكلمش عن أمن الدولة على حاجة جنائية ده بيتكلم على راجل له نشاط، عايز يخرب والناس واخدين بالهم منه، عايز يعمل زعامة

مزعومة ومش مدينه الفرصة..مفيد فوزي: حلو التعبير ده..

حبيب العادلي: كتير قوي دلوقت، عصر الزعامات املزعومة.. ملا نشـــوف آخرتها معاهم..

مفيد فوزي: يا سالم على كلمة ملا نشوف آخرتها معاهم.. )1)يوم 25 يناير، كان واضحا أن الشعب املصري بالفعل »جاب آخره معاهم«...يقول ابن خلدون: »ثمة بلدان ال يعرف القلق منها سبيال إلى قلب السلطان لنـــدرة الثورات فيها، ففـــي مصر، مثال، ال جتد غير الســـيد املطاع والرعية

املطيعة«)2).. حســـنا، 18 يوما فقط كانت كافية لـ »الرعية املطيعة« كي تطيح بـ »السيد

املطاع«..

)1) حوار مفيد فوزي مع حبيب العادلي في التلفزيون املصري يوم 25 يناير 2011م ، موقع أخبار مصر.

)2) قتل مصر، من عبد الناصر إلى السادات، شفيق مقار، ص 9.

Page 46: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثالثمن الثورة إىل الدولة

Page 47: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر
Page 48: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

47مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثالث- من الثورة إلى الدولة

الفصل الثالثمن الثورة إىل الدولة

الرحلة التي تقطعها الثورة -القوى الثورية- من حلظة توقف الفعل الثوري وانهيار النظام التسلطي، وإلى االنتهاء من بناء النظام اجلديد، يطلق عليها في األدبيات السياســـية مصطلح »التحول«، وهي مرحلة بالغة اخلطورة ألســـباب

كثيرة:- منها أن انهيار النظام يؤدي إلى حالة »خمول ثوري« وقناعة شـــعبية بأن

»املهمة أجنزت«، بينما ال تزال في بدايتها.- أن القوى التي سقطت مع النظام تبدأ في إعادة ترتيب أوراقها، محاولة

التحكم في مسيرة التحول.- أن سقوط النظام ال يعني هدم أركانه، وال يعني كذلك بناء وتأسيس نظام

جديد، فكال الهدفني يستغرق وقتا وجهدا.كثير من الثورات أخفقت في اجتياز هذه املرحلة الصعبة، وبعضها متكنت من ذلك في أشـــهر قليلة، وبعضها اســـتغرقت عقودا إلمتـــام عملية التحول، يقول الباحث فـــي تاريخ الثورات كارلوس فيـــالس: »ال عالقة بالضرورة بني اجلهـــود الثورية والنتائج الثورية، وليس النجاح محتوما.. إن نطاق بناء ائتالف للسيطرة على السلطة ال تتطابق بالضرورة مع نطاق إجراء التغيير االجتماعي الحقا بســـبب بروز آراء مختلفـــة. في اليوم التالي للثـــورة يبدأ النقاش حول

الدميقراطية«)1). النقطة األهم فـــي بداية هذه املرحلة أن يكون لـــدى الثوار رؤية واضحة

)1) جون فوران، ص 327.

Page 49: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 48

للقادم، وقد أشـــار فريد هاليداي- وهو أكادميي أمريكي متخصص في دراسة الثـــورات- إلى أن أغلب الثوريني ميتلكون رؤية قوية حول نقض الواقع والنظام املنهار، لكن غالبا تكون رؤاهم ضعيفة حول املســـتقبل وشكل الدولة والنظام، وبالتالـــي يغلب اخليال والتمني على تصور تلك املرحلة، يقول هاليداي: »يجب

أن يكون األمر يوتوبيا في الطموح وواقعيا في التحليل والبرنامج«)1). أبرز ما يجب أن تتضمنه الرؤية املســـتقبلية هو حقيقة النظام الذي يرغب الثوار في التحول إليه، إن النمط الســـائد في األدبيات السياســـية استخدام وصـــف مطلق هو »التحـــول الدميقراطي« انطالقا من الدعـــوى بأن »النظام الدميقراطي« هو النظام الوحيد املقبول شعبيا في الواقع املعاصر، وبالتالي هو

الهدف املنطقي ألي ثورة.وبحســـب تلك األدبيات؛ فإن القرن املاضي -العشرين- شهد عدة جتارب ألنظمـــة مختلفة، ففي بداية القرن ســـقط نظام اخلالفة اإلســـالمي بعد أن أصابته الشيخوخة وصار مهترئا، كما ظهرت – وانهارت - أنظمة أخرى، مثل: النظام الشـــيوعي في روسيا، والفاشي في إيطاليا، والنازي في أملانيا، ولم يبق في النهاية سوى النظام الدميقراطي، وإن كانت تفسيراته ومناذجه قد تعددت للدرجـــة التي جتعل منه عدة أنظمة وليس نظامـــا واحدا، وإن كانت الكتابات الغربية تروج للنموذج الغربي بزعم أنه الوضع املثالي الذي ينبغي اتخاذه معيارا.من أبرز املفكرين األمريكيني الذين روجوا لـ »حتمية النموذج الدميقراطي«،

فرانسيس فوكوياما، وصامويل هنتنجتون:ف���األول: طرح نظريته املعروفـــة »نهاية التاريخ« زاعما أن عجلة التطور قد توقفت عند النتاج الغربي السياســـي بشـــقيه: الدميقراطي، الرأسمالي، وأن

البشرية ال ميكنها استحداث نظام أكثر قبوال.والثان���ي: يفســـر أغلب النضاالت السياســـية منذ قرون على أنها ســـعي

)1) مقالة كتبها فريد هاليداي بعنوان: الواقعية اليوتوبية حتدي الثورة في أزمنتنا.. من كتاب جون فوران، ص 344.

Page 50: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

49مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثالث- من الثورة إلى الدولة

جماهيري نحـــو الدميقراطية، فابتكر مفهوم »املوجـــة الدميقراطية«، وعرفه بأنه: »مجموعة من حـــركات االنتقال من النظام غير الدميقراطي إلى النظام الدميقراطي حتدث في فترة زمنية محددة وتفوق في عددها حركات االنتقال فـــي االجتاه املضاد خالل نفس الفترة الزمنية«، وقال: »إن تاريخ الدميقراطية في العالم ليس عبارة عن حركة تقدم بطيئة مســـتمرة، وإمنا موجات متالحقة مـــن التقدم واالنطالق، أو التراجع واالنكفاء، وقد بدأت أولى هذه املوجات في أعقاب الثورة األمريكية 1776م، والثورة الفرنســـية 1789م، واســـتمرت حتى نهاية احلرب العاملية الثانية؛ حيـــث وصل عدد الدول »الدميقراطية« في تلك الفترة إلى 29 دولة، ثم بدأت املســـيرة الدميقراطية بالتراجع، حتى إنه بنهاية

احلرب العاملية الثانية لم يكن هناك سوى 12 نظاما دميقراطيا.ثم بـــدأت املوجة الثانية مع نهاية احلرب وعـــودة الدميقراطية إلى أملانيا وإيطاليـــا ودخولها إلى اليابان، في ذلـــك التوقيت بلغ عدد الدميقراطيات 36 دولة، ثم وقعت سلســـلة انقالبات عســـكرية في عدة دول في إفريقيا وآســـيا

وأمريكا الالتينية، وتقلص العدد في مطلع السبعينيات إلى 30 دولة.بدأت املوجة الثالثة -بحســـب هنتنجتون- في منتصف الســـبعينيات في البرتغال ثم اليونان ثم إســـبانيا، واســـتمرت التحوالت حتى الوقت احلاضر، بحيـــث إنه يحصي عددا من الدول ال يتجاوز أصابع اليدين لم يطبقوا النموذج

الدميقراطي، وأغلب هذه الدول عربية« )1). هذا التحليـــل املعقد لهنتنجتون، يتضمن نوع التفـــاف على أي نقد يوجه للدميقراطية بأنها تواجه أفوال في بعض األزمنة، فحسب هذا التحليل لو قيل: إن »الدميقراطية الليبرالية« تنحسر، سيكون الرد بسيطا: هذه املوجة العكسية،

وترقبوا املوجة الرابعة.لســـت معنيا في هذه الدراسة مبناقشـــة الدميقراطية ونقدها، بل أتعامل

التحول اليرموك، جامعة السياسية العلوم أستاذ سالمة، بن تركي محمد د. مقال انظر (1(الدميقراطي، املفهوم النماذج اآلليات، صحيفة الرأي األردنية 21-11-2011م.

Page 51: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 50

معها كواقع سياســـي، ومن هذا املنطلق فإن الصورة املتداولة لدى أغلب القوى السياســـية – إسالمية وغير إسالمية - هو الســـير حثيثا لالنتقال من حالة الثورة إلى حالة الدولة التي تطبق نظاما دميقراطيا، أي أنها تنشد إمتام عملية

»حتول دميقراطي«، وعلى هذا األساس سيتم التعامل مع املصطلح.والقوى اإلســـالمية – بصفة عامة – مدعوة لتقـــدمي اجتهاداتها في هذا الصدد، ســـواء ارتأت أن حتـــدث وتطور – تؤســـلم- »منوذجها الدميقراطي اخلـــاص«، أو أن تســـتحدث نظاما سياســـيا جديدا شـــكال ومضمونا، وكما يقول املفكر ذو النزعة اليســـارية جون فوران: »علينا التفكير بالطبع في كلمة »دميقراطـــي«، وإيجاد كلمات أفضل إذا لم يكـــن يعجبنا ما تتضمنه من معان

خفية« )1).

الديمقراطية والليبرالية:قبــــل تعريف مفهــــوم »التحــــول الدميقراطــــي« يلزم فك االشــــتباك بني مصطلحي»الدميقراطيــــة« و»الليبرالية« بالنظر إلــــى أن منوذج »الدميقراطية الليبرالية« هو ما يسعى املفكرون الغربيون إلى جعله مقررا على الشعوب الثائرة.مصطلـــح »الدميقراطية« يتشـــابه مـــع مفاهيم كثيرة شـــائعة في العلوم االجتماعيـــة، من حيث عدم وجود تعريف محدد له، ويعد التعريف الذي قدمه جوزيف شـــومبيتر هو األكثر رواجا بني الباحثني في مجال العلوم االجتماعية، ويعرف الدميقراطية بأنها: »ذلك الترتيب املنظم الذي يهدف إلى الوصول إلى القرارات السياسية، والذي ميكن لألفراد من خالله اكتساب السلطة للحصول

على األصوات عن طريق التنافس«)2). ويتضـــح من التعريف غلبة »الطابع اإلجرائـــي« على مفهوم الدميقراطية، وهـــذا يتعارض مع ما يقوله بعـــض الباحثني بأن الدميقراطيـــة هي: آليات،

)1) جون فوران، ص 350.)2) البحرين من اإلمارة إلى اململكة، دراسة في التطور السياسي والدميقراطي، أحمد منيسي، مركز

األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية، القاهرة، الطبعة األولى 2003م، ص19.

Page 52: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

51مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثالث- من الثورة إلى الدولة

ومبادئ، وأن ترســـيخ مبادئ وقيم الدميقراطية ضمانة الســـتمرار آلياتها)1)، فبغـــض النظر عن كون القواعد القانونية تقدم ضمانات أكثر في هذا الصدد من ترســـيخ املبادئ والقيم، فإن »عمومية« مفهوم الدميقراطية جعلها تستخدم بطريقة تتصادم متاما مع اإلصرار على االرتباط بني آلياتها وقيمها، فبالرجوع إلى كالم هنتنجتون حول خضوع أغلب الدول للموجة الدميقراطية عدا بضعة ال تزال خارج الســـياق وأغلبها عربية، فهو بذلك يضفي وصف »الدميقراطية« على دول مثل: طاجيكســـتان، قيرغيزســـتان، ليبيريا، بنجالديش، فنزويال... إلـــخ، وهذه الدول وغيرها أبعـــد ما تكون عن »قيـــم« الدميقراطية، بل حتى ا في مواجهة إنهـــا ال تطبق من اآلليات إال بالقدر الذي يجعل النظام مســـتقرمعارضيه، فهو ليس تطبيقا كامال، »فاألنظمة التســـلطية كلها تدعي انتماءها للدميقراطية على الرغم من تعارضها مع أســـس املمارسة الدميقراطية، وهذه األنظمة غير مشروعة في نظر مواطنيها«،)2) ولكنها حسب »موجة هنتنجتون«

تسمى »دميقراطية«.املقصود أن »الدميقراطية« وعاء مرن يتشـــكل بحســـب البيئة التي يظهر فيها، لذلك يقول الباحث »ســـي. بي . ماكفيرسون«: إن الدميقراطية »مفهوم تاريخـــي ال ينحصر في الدميقراطية الليبرالية الســـائدة في الغرب«)3)، وهذا التعريف يفتح مجاال واسعا لإلقرار بوجود تطبيقات أخرى للدميقراطية خالف

صورتها التقليدية في الغرب.وكمثال على ذلك، املادة الثانية من الدســـتور املصري، والتي تقرر أن مبادئ الشـــريعة اإلسالمية هي املصدر الرئيس للتشريع، وأن دين الدولة اإلسالم، هذه ا ملعطيات وقيم »الدميقراطيـــة الليبرالية«، وال ميكن أن املادة تعد جتاوزا حـــاديوصف نظام حكم يتمسك بهذه املادة بأنه »دميقراطي ليبرالي«، إذن فماذا يكون؟

يتبع أغلبهم مدخال إجرائيا في ذلك، املهتمني بقياس الدميقراطية، العلماء )1) من الطريف أن لصعوبة قياس التغير القيمي واألخالقي الدميقراطي.

)2) أحمد منيسي، سابق، ص 20.)3) أحمد منيسي، سابق ص 21.

Page 53: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 52

الالفت أن كال مـــن مصطلحي »الدميقراطيـــة« و»الليبرالية« يعبران عن فلســـفتني نشأت كل منهما في سياق تاريخي ومجتمعي مختلف، فبينما نشأت الليبرالية في رحم النظام الرأســـمالي لكي تؤمن حقوق الطبقة الرأســـمالية الصاعدة، فقد ترســـخت الدميقراطية كنظام سياســـي بصورته املعاصرة في

مرحلة الحقة بهدف حماية حقوق جميع املواطنني)1). ورغم التوافق السياســـي بني املفهومني، فكونهما نشـــآ في سياق تاريخي واجتماعـــي مختلف، أحدث بعـــض التناقضات القابلة للتضخـــم مع الزمن، فاملجتمع الليبرالي يعجز عن اجلمع بني حماية حقوق األفراد واحلريات، وبني احلفاظ علـــى منط عادل لتوزيع املوارد، فهو ال يقدر- مثال - على كبح جماح االحتكار الذي يؤدي إلى ذوبان املنافسة، واالحتكار هو انعكاس للحرية املطلقة

لبعض األفراد، بينما تقلص املنافسة يؤدي إلى تقييد حرية أغلب األفراد.كذلك ســـاهمت التطورات التكنولوجية في مجال اإلعالم في تعظيم دوره – فـــي ظل حماية ليبرالية - للدرجة التي قلص فيها من »حرية االختيار« لدى الفرد، بحيث أصبح اإلعالم يلعب دورا في ترتيب أولوياته، ومن املســـلم به أن

اإلعالم يختفي وراءه أشخاص معدودون.كذلك، يثور جدل مســـتمر حول »مســـتوى الرشـــد« الذي يتمتع به الفرد

وقدرته على ممارسة مطلقة حلرية االختيار.هذه التناقضات واالنتقادات أدت كلها إلى بروز مطالبات بـ»نظرية نخبوية الدميقراطيـــة«، وهي تقوم على فكرة »عدم قـــدرة اجلماهير على إبداء الرأي الصواب في املشكالت املعقدة التي تواجه املجتمع احلديث، وأن ازدياد مشاركة

اجلماهير في العملية السياسية، يهدد قواعد االستقرار في املجتمع«)2). ويالحظ على الساحة املصرية، توجه بعض الليبراليني إلى املناداة مبطالب

)1) أحمد منيسي، ص 16.)2) انظر : أحمد منيسي، ص 16، 18،19 بتصرف.

Page 54: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

53مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثالث- من الثورة إلى الدولة

شـــبيهة للـ »النخبوية الدميقراطية« خصوصا بعد املؤشرات القوية على توجه الناخبني لتأييد القوى اإلســـالمية، فأخذوا يتحدثون عن »رشـــد« اجلماهير، وأن »حريـــة االختيـــار« ال يجب أن تكون مطلقـــة، وأن »اجلمهور املبتدئ« في

الدميقراطية ال يجب أن توكل له القرارات املصيرية... إلخ.هـــذا التوجه هو دليل واضح على عجز منـــوذج »الدميقراطية الليبرالية«، وأنـــه ليس صاحلا للتطبيق في كل زمان ومكان كمـــا يزعم مؤيدوه، وكما قال هنتنجتون: »إن النظم الديكتاتورية تولد وفي داخلها بذرة فنائها«، كذلك ميكن القـــول: إن منوذج »الدميقراطية الليبرالية« يحمل بداخله بذرة فنائه، لكن هذه البذرة تســـتغرق وقتا أطول ليظهر تأثيرها، إعماال لسنة الله تعالى في إقامة الدول وبقائها بحســـب ما متارســـه من عدل، وال شـــك أن مستوى العدل في

النموذج الغربي، أعلى بكثير من مثيله في النظم الشمولية.لكن ال مينع ذلك من حترك »بذرة الفناء« داخل النموذج الليبرالي، ويشهد بذلك مفكرون غربيون، مثل فريد هاليـــداي الذي يتهم منتقدي الدميقراطية بأنهم »يتساهلون« معها، وأنهم ال يتحدون »أوهام« الليبرالية احلديثة بالصورة الكافيـــة، ويذكر من هذه األوهام: »االعتقاد بأنـــه ال ميكن قلب النظام... إن دميقراطية أوروبا وأمريكا الشـــمالية ليســـت مليئة بالشوائب فحسب، بل قد تكون غير مستقرة على املدى الطويل، ويتوهم مناوئو الدميقراطية الرأسمالية ومناصروها على الســـواء بأن النظام الدميقراطي املوجود لدينا ســـيدوم إلى األبد، فهذا األمر قد ال يحصل، وهنا ال يدرك النقاد املعاصرون أمرا وهو قدرة مجتمعاتنا على إنتاج حتد جذري من اليسار.. هذه القدرة التي تغذيها الوطنية وعدم االســـتقرار االقتصادي، ويقويها الطامحون إلى احلكم االســـتبدادي لم

تخبو قط، وقد تعود بشكل جديد وأكثر بروزا«)1). على مســـتوى التطبيق: يفرق الفكر السياسي بصورة واضحة بني »مفهوم التحـــول الدميقراطي« وبني املفهوم اآلخر الـــذي ميكن أن يقترن به في بعض

)1) فريد هاليداي، من كتاب جون فوران ص 349.

Page 55: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 54

احلـــاالت وهو »مفهوم التحول الليبرالـــي«)1)، وهذا يؤكد أن التحول نحو نظام دميقراطي ال يشـــترط أن يتزامن مع ترسيخ احلريات مبفهومها الليبرالي غير املنضبط، فال يوجد ما مينع –دميقراطيا- من سن قوانني تقيد بعض احلريات، ولكنها في املقابل حتفظ ثوابت دينية منصوص عليها في الدســـتور، نعم تهتم الدميقراطيـــة في هذه القضية -من وجهة إجرائية- بأن يســـن ذلك القانون وفق أساليب دميقراطية من خالل املجلس التشريعي املنتخب – بعد انتخابات

نزيهة- ومبوافقة األغلبية.

مفهوم التحول: تعـــددت التعريفات املقدمة للتحول الدميقراطي، وذلك بحســـب اختالف املداخـــل التي ينظر من خاللها علماء السياســـة إلى عملية التحول، فمن هذه التعريفات)2)، أنه: »عملية تطبيق القواعد الدميقراطية سواء في مؤسسات لم تطبق من قبل أو امتداد هذه القواعد لتشـــمل أفرادا أو موضوعات لم تشملهم من قبل«، وفي تعريف آخر، هو: »عملية اتخاذ قرار يساهم فيها ثالث قوى ذات دوافع مختلفة، وهي النظام واملعارضـــة الداخلية، والقوى اخلارجية، ويحاول كل طرف إضعاف األطراف األخـــرى، وتتحدد النتيجة النهائية الحقا للطرف املتغير في هذا الصـــراع«، ويعرفه آخرون بأنه: »مجموعة من املراحل املتميزة تبدأ بزوال النظم الســـلطوية يتبعها ظهور دميقراطيات حديثة تسعى لترسيخ نظمها، وتعكس هـــذه العملية إعادة توزيع القوة؛ بحيث يتضاءل نصيب الدولة منها لصالح مؤسســـات املجتمع املدني مبا يضمن نوعا من التوازن بني كل من الدولة واملجتمع، مبا يعني بلورة مراكز عديدة للقوى وقبول اجلدل السياسي«.املالحظ في أغلب التعريفات أنها تشير إلى تغير في موازين القوى لصالح قوى املجتمع املدني، مثل: األحزاب »غير املشـــاركة في الســـلطة« -النقابات-

)1) أحمد منيسي، ص 22.)2) انظر أعمال امللتقى الوطني األول حول التحول الدميقراطي في اجلزائر.

Page 56: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

55مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثالث- من الثورة إلى الدولة

اجلمعيـــات- املنظمات احلقوقية والثقافية واخلدمية- مجموعات املصالح ... إلخ، وأن هذا التغير يكون منصوصا عليه قانونا ومرعيا بواســـطة مؤسســـات الدولة، وأن القرار السياســـي يتخذ كنتيجة للتوافـــق -أو التنافس- بني قوى

املجتمع ككل.

المجلس العسكري والتحول الديمقراطي:إلجراء تقومي أولي ألداء املجلس العسكري في املرحلة االنتقالية يلزم طرح

عدة أسئلة:- هل يدير املجلس احلكم في تلك املرحلة بهدف تنفيذ عملية التحول وفق رؤية واضحة ســـليمة، مبا يتضمنه ذلك من »بناء، هدم، تعديل« أو أن املجلس يدير احلكم مســـتهدفا »تثبيت« النظام أو كبح عملية التحول وتقليل مســـتوى اإلجناز في املجاالت الثالث السابقة، وحتت شعار »تسليم احلكم لسلطة مدنية

منتخبة«؟ - ملاذا ال يستخدم املجلس العسكري »الشرعية الثورية« في مترير القرارات

الصعبة، ويلجأ بدال من ذلك إلى طرق ملتوية أو غير مجدية؟- إذا كان املجلس ال يدير »عملية حتول دميقراطي« كما مت تعريفها سابقا، فلماذا اســـتلم احلكم أصال من مبارك، ولم يســـلمه إلى القيادات الثورية، أو إلى رئيس احملكمة الدســـتورية، وملاذا يحتاج إلـــى »نطاق زمني« طويل، متدد في مرحلة معينة إلـــى النصف األول من عام 2013م، إذ ا لم يكن ينفذ عملية التحـــول؟ املتعارف عليه سياســـيا- ودوليا- أن مدة املرحلـــة االنتقالية تطول أحيانا؛ بســـبب تعقيدات التحول، فإذا لم يكن هناك حتول أصال، فهل يحتاج نقل الســـلطة ملدنيني إلى ثمانية عشر شهرا - حســـب التقدير األخير؟ وملاذا االرتباك في تقدير مدة تسليم السلطة: ستة أشهر، ثم عامان، ثم عام ونصف؟باســـتخدام التعريفات الســـابقة؛ فإنه ال ميكن بحال وصف ما ميارســـه املجلس العســـكري بأنه »حتول دميقراطي«، وســـوف نتناول ذلك تفصيال في

Page 57: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 56

فصل قادم إن شاء الله، لكن يجب التأكيد على أن التغيير السياسي لو انحصر في إجراءات تصويتية وتعديالت على بعض القوانني أو الســـماح بالتعددية - وهو ما يوصف سياســـيا بأنه تغيير في مســـتوى »البنية السياسية العليا«- )1) هذا التغيير ال يوصف أبدا بأنه »عملية حتول«؛ ألن الهدف الرئيس من التحول: إعادة بناء النظام املجتمعي ككل: سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا؛ إلزالة اآلثار الســـلبية املتراكمة طيلة حكم النظام السابق، وإذا لم يحدث، فهذا ليس

»حتوال« بل »كبح« للتحول.يســـاهم في تزايد عالمات االستفهام حول أداء املجلس العسكري: التأمل فـــي منط اإلطاحة بالنظام الذي نفذته الثورة املصرية، ومن املعروف أنه توجد

عدة أمناط يؤثر كل منها في مسار عملية التحول بأسلوب مختلف، ومنها: - التغيير السياســـي من أعلى، أي مببادرة استباقية من النظام القدمي في

محاولة لتالفي عملية االنهيار.- التغييـــر من خالل التفاوض، وذلك بعـــد ضغوط من قبل املعارضة غير

القادرة على بلوغ مستوى الثورة، باإلضافة إلى ضغوط شعبية وخارجية.- التغيير من أســـفل، أي عن طريق االحتجاجات الشـــعبية التي ميكن أن

تصل إلى مستوى »الثورة« كما حدث في مصر.فـــي النمط األخير تتوفر قدرة هائلة على التغيير بفعل الثورة الشـــعبية - مقارنة بتغييرات جزئية أو بطيئة تكون هي نتيجة النمطني اآلخرين غالبا- هذه القدرة حتوزها القوة املستلمة للحكم، وهي هنا ال تفتقر إلى تفاوض، وال تواجه عقبات في تنفيذ عملية تغيير واســـعة النطاق؛ بسبب توفر التفويض الشعبي، وقد جتلى هذا التفويض في مصر، في شعار »اجليش والشعب إيد واحدة« الذي ظل الثوار واجلماهير يرددونه أشـــهرا متتالية، واملقصد أن املجلس العسكري كان ميتلك »الشرعية الثورية« و»التفويض الشعبي« لتنفيذ عملية حتول واسعة

)1) انظر: أحمد منيسي، ص 14،15.

Page 58: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

57مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثالث- من الثورة إلى الدولة

النطاق، لكنه لم يفعل.وهذا ما سنحاول مناقشته وتفسيره في الفصول القادمة، إن شاء الله.

المراحل األساسية للتحول: في بداية عمليـــة التحول يكون النظام مختلطـــا وفوضويا إلى حد كبير، وألن هذه املرحلة هي وسط بني مرحلتني: القدمي، اجلديد فإنها تكون متلبسة بخصائص مشـــتركة متنازعة، ويظل األمر كذلك في األشـــهر األولى وبحسب

وتيرة عملية التحول التدريجية.في احلالة املصرية تزايد مستوى االرتباك بسبب عاملني؛ األول: أن التحول نشـــأ عن نظام خليط ما بني الدولة البوليسية، وما بني الدميقراطية املقيدة، فـــكان من الصعب تفكيكه بدون قرارات ثورية. الثاني: أن املجلس العســـكري ظل محتفظا لفترة طويلة نســـبيا بنفس تركيبة اجلهاز التنفيذي كما ورثها عن

مبارك بدون تغييرات حقيقية.متر عملية التحول بثالث مراحل أساســـية، هي: انهيار النظام السلطوي،

مرحلة االنتقال، مرحلة الرسوخ..املرحلة األولى سبق احلديث عنها، والثانية هي أخطر املراحل وأهمها وهي التي تســـتغرق الفترة الزمنية األطول، واملرحلة الثالثـــة؛ فيها يبدأ النظام في االستقرار، وتتسم املؤسســـات والقواعد احلاكمة بالثبات، وهنا يجب التفرقة بني »الرسوخ« مبعنى »االستقرار« وبني »االستمرار«، فاستمرار النظام ال يعني استقراره، بل قد يظل النظام في مرحلته االنتقالية سنوات متتالية دون أن يبلغ

مستوى الرسوخ.وجتب اإلشارة إلى أن لكل مجتمع خصائصه وصفاته التي تؤثر في األدوات السياسية املستخدمة في عملية التحول، وبالتالي تتعدد أمناط التحول املمكنة

بحسب تركيبة كل مجتمع. لذلك جند – كمثال- أن تاريخ إجراء أول انتخابات حرة بعد انهيار النظام القدمي، يختلف من دولة إلى أخرى، فقد اســـتغرقت 4 - 7 أشـــهر في حدها

Page 59: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 58

األدنى في اليونان ورومانيا، وبلغاريا وأملانيا الشـــرقية، ووصلت إلى 18 شهرا في البرتغال وإســـبانيا، واملجر وبولندا، لكنها اســـتغرقت في حدها األقصى سبعني عاما في املكســـيك، ويختلف ذلك بحسب »مستوى التطور االجتماعي واالقتصادي في البلد املعني، وعلى الظروف اإلقليمية والعاملية الســـائدة في اللحظة التاريخية التي يحدث فيها هذا التحول، ومن ثم، ميكن القول: إن خبرة

بلد ما في التحول غير قابلة للنقل امليكانيكي والتطبيق في بلد آخر«)1).

مرحلة االنتقال: تعد هـــذه املرحلة هي األخطر فـــي عملية التحول؛ بســـبب االحتماالت املتزايدة للتعرض النتكاسات سياسية، ناجتة عن التركيبة املختلطة التي يتكون منها النظام السياسي، والتي ينشأ عنها حالة صراع وشد وجذب مستمرة تربك احلياة السياســـية، وقد أثبتت الدراسات فشـــل كثير من الثورات في االلتزام

بالتتابع الزمني في عملية التحول)2). لذا فحالة »االنتقال« هذه ترد عليها مالحظتان رئيستان:

األوىل: أن قطاعات املجتمع املختلفة من مؤسســـات وسياسات وجماعات ال متر بالنقطة نفســـها في املرحلة االنتقالية في الوقت نفســـه، مبعنى أن كال منها يوجد على منحنى االنتقال، ولكن في نقطة مستقلة، وذلك تبعا العتبارات مختلفة تتعلق بنوع املؤسســـة وحيويتها، ودرجة التنافس السياســـي املرتبطة بوجودهـــا، وعالقتها باملـــوارد املتاحة أو احملتمل توزيعها والنخبة السياســـية

املرتبطة بها.املالحظة الثانية: أن املجتمع ككل -أو قطاعات معينة منه- معرض حلالة أو حاالت من االرتداد جتاه الثورة، فلو تصورنا احلال بني الثورة والدولة على أنه

)1) املنتدى الدولي حول مسارات التحول الدميقراطي، برنامج األمم املتحدة اإلمنائي، يونيو 2011م، ص 7.

)2) اجتاهات حديثة في علم السياسة، بحث: دراسة النظم السياسية في دول العالم الثالث، د. هدى ميتكيس، املجلس األعلى للجامعات، الطبعة األولى، القاهرة 1999م، ص 136.

Page 60: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

59مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثالث- من الثورة إلى الدولة

منحنـــى بياني، ومير املجتمع باملرحلة االنتقالية بني االثنني، وأن املجتمع املعني يتنقل بشـــكل تدريجي خالل هذه املرحلة من الثـــورة براديكاليتها إلى الدولة باستقرارها، فإنه من املتصور أنه في حلظة ما قد يحدث ارتداد للمجتمع ككل، أو لبعض مؤسساته، أو خطابه، أو تفاعالته، أو سياساته إلى نقطة سابقة على منحنى االنتقال من الثورة إلى الدولة؛ نتيجة حلالة السيولة والتخبط والتداخل التي ســـبقت اإلشارة إليها في نقطة سابقة، وقد عبرت بعض دراسات التحول الدميقراطي عن ذلك بالقول: »إن التحول ال يكون في شـــكل خطي، وإمنا هو

عملية مضطربة«)1). األمر الســـيئ هنا أن بعض الدراســـات تؤكد أن عمليات التحول ال حتسم بالضرورة الشكل النهائي لنظام احلكم، فهي -بحسب الباحثني: فيليب شميتر وجليرمـــو أودونيل- قد تؤدي إلى حتلل النظام الســـلطوي، وإقامة شـــكل من أشـــكال الدميقراطية، وقد تتم العودة إلى بعض أشكال احلكم السلطوي، وقد يظهر شكل آخر من أشكال احلكم، فمن سمات هذه املرحلة عدم حتديد قواعد العملية السياسية، وهذه القواعد ال تكون فقط في تغير مستمر، لكنها تخضع لتحديات قوية؛ حيث تتصارع القوى الفاعلة لتحديد القواعد واإلجراءات التي سيتحدد مبقتضاها هوية الرابحني واخلاسرين في النهاية)2)، وهذا الصراع قد

ينتج عنه تداعيات سلبية على العملية برمتها.مـــن النقاط اخلطرة على خط املرحلة االنتقاليـــة: النقطة التي يبدأ فيها املنحنـــى الثوري ينفصل عن املنحنى السياســـي، فنتيجة لسياســـة »الفوضى املبرمجة« و »اإلنهاك الثـــوري« يصل اجلمهور إلى قناعة بأن »أي تصور للحل البديـــل قد يكون أفضل من الوضع القائـــم«)3)، يضاف إلى ذلك توظيف مناخ الصراع السياســـي في تلك املرحلة لتخفيـــف »الفعل الثوري« الذي يفتقر إلى

)1) انظر د. أمل حمادة ص 56.)2) د. أحمد منيسي، ص 21.

)3) فريد هاليداي، مستقبل الثورات، ص 346.

Page 61: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 60

اإلجماع أو التوافق ليحقق آثاره احلاسمة.فـــي نقطة زمنية معينة علـــى منحنى االنتقال، وعندما تبدأ املؤسســـات الدميقراطية في العمل؛ فإنها متارس دورا خطرا ميكن أن يصنف على أنه ضد الثورة، وكما يصفها الباحثـــون املتخصصون: »فإن الدميقراطية غير مضيافة

للثورات«، وكما يقول آخر: »صندوق االقتراع مقبرة الثوار«، ملاذا؟ ».. ألن الدميقراطية تهدئ وتخضع – قانونا- أشـــكاال عدة من النزاعات االجتماعية وحتصرها، ولكنهـــا ال تقضي عليها، مبعنى آخر، هي تعيد توجيه الصراعات القائمة خارج املؤسســـات الدميقراطية، لتعلن عن نفســـها داخل تلك املؤسســـات، فتظهر في التصويت وفي جتمعات األحـــزاب، وفي املقابل فإن ذلك »االحتـــواء الدميقراطي« يقمع محاوالت الثورة ضد الدولة، حتى مع توفر قناعات لدى كثيرين باإلحباط أو الرفض للقوى املســـيطرة، فعزاؤهم هو أن انتخابات جديدة ســـتحصل بعد بضع سنوات، ومعها ستأتي فرص معاقبة احلكام، ومن العبارات الشـــهيرة عن الثائر الالتيني تشي جيفارا: »حيث هناك حكومة تســـلمت زمام احلكم من خالل تصويت شعبي سواء كان احتياليا أم ال، وحتافظ على األقل مبظهر القانونية الدستورية، فال ميكن قيام ثورة املتمردين

مبا أن احتماالت صراع سلمي لم تستنفد بعد«)1). اجلديـــر باملالحظة أن »جرعة الدميقراطيـــة« التي حتقق هذا »االحتواء« ليســـت كما قد يتصورها البعض، ال بد أن تكون جرعة مكثفة، ففي بعض دول العالـــم الثالث؛ حيث تعمد دول قمعية إلى تقدمي جرعات مخففة من احلريات السياسية، ميكن مالحظة التأثير الواضح لهذه اجلرعة في طمس أي محاوالت ثورية، وكمثال، من أمريـــكا الالتينية خالل الثمانينيات، اندلعت ثورات عديدة وعنيفة في دول مجاورة لـ »هندوراس«، لكن ظل الهدوء مخيما عليها مع ذلك، بالرغم من الفقر والتشـــرد والتبعية... إلخ، وذلك بســـبب بعض اإلصالحات

)1) بحث جيف غودوين »جتديد االشتراكية وانحطاط الثورة «. . جون فوران، ص 82.

Page 62: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

61مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الثالث- من الثورة إلى الدولة

السياســـية الشكلية التي اتخذها النظام، وكما ذكر ليون تروتسكي قبل تسعني عاما: »تندلع الثورة فقط في غياب أي مخرج آخر«)1).

لو نظرنا إلى مصر؛ ســـنجد أن االحتفاء املبالغ فيه باإلجنازات السياسية على صعيد التعدديـــة واالنتخابات، هي كلها أوراق متفرقة ال تســـتمد قوتها احلقيقية إال عندما جتتمع معا في إطار واحد متناســـق، وفي نظام متماسك، فـــكل ذلك من قبيل »الدميقراطية اإلجرائية« التي ميكن التخلي عنها في فترة الحقة، أو إجهاضها، أو تقليص مكاســـبها؛ ألنها مجرد قرارات يصدرها »قلب النظام« دون أن تطاله هو نفســـه رياح التغيير السياســـي، لذلك تبقى اخلطوة األهم هي دفع عملية التحول إلى األمام نحو مرحلة الرسوخ؛ حيث يصعب على أي قوى سياســـية أن تأخذ خطوة ارتدادية، وســـنبني إن شاء الله، كيف تنجز

عملية التحول على النحو األكمل..

)1) املصدر السابق.

Page 63: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر
Page 64: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابعالطريق إىل الدولة.. اجمللس العسكري

والتحول السياسي

Page 65: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر
Page 66: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

65مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

الفصل الرابعالطريق إىل الدولة

اجمللس العسكري والتحول السياسي تناقض الهدم والبناء:

هناك أربعة مهام رئيسة للسلطة اإلدارية للدولة، وهي: التخطيط، التنفيذ، الرقابة، احملاسبة.

عندما اندلعت الثورة، كان سببها الرئيس هو تدهور منظومة احلكم بدرجة عظمت مـــن ظواهر »الظلـــم االجتماعي« و »التردي السياســـي« و »التراجع االقتصادي«؛ وألن الســـلطة أهملت – عمدا - في أداء مهامها األربع، تراكمت

لدى الشعب الثائر قوائم طويلة من املطالب.بعد الثورة؛ عاود الشعب تقدمي مطالبه بتفاؤل، ولكن الثورة – كأي ثورة – ال بد أوال أن تنفذ عملية هدم واسعة النطاق لكل ما ميت بصلة للنظام القدمي، فانهارت على إثرها مؤسسات رئيسة للحكم أهمها: الدستور، الرئاسة، مجلس الشعب، مجلس الشورى.. إلخ، وأدى انهيارها إلى تأجيل النظر في تنفيذ جزء

كبير من مطالب اجلماهير ريثما يعاد ترميمها أو بناؤها من جديد.ومع تفكك منظومة الســـلطة القدمية، حدث تذبذب خطير في ممارسات الرقابة واحملاســـبة على األداء احلكومي بدءا من مستوى الوزير وحتى أصغر موظف، فاتسم األداء بالضعف وتزامن ذلك مع نفاذ صبر اجلماهير واندفاعها

لتحصيل مصاحلها بشتى السبل مثيرة قدرا إضافيا من الفوضى.هذه الدائرة املفرغة الناجتة عـــن تعاقب الهدم والبناء، هي في حد ذاتها تطور طبيعـــي ومتوقع في أعقاب أي ثورة ناجحـــة، ويصف جون إهرنبرج – أســـتاذ العلوم السياسية في جامعة لوجن آيلند - هذه احلالة بـ »مكنسة الثورة

Page 67: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 66

العمالقة«، ويقول تعليقا على أحداث ما بعد الثورة الفرنسية: »سار البناء، كما في الثورات كلها، جنبا إلى جنب مع التدمير، وتطلب انبثاق الفرد حتطيم البنى التراتبية ونقابات األصناف التي كانت قد شكلت احلياة الفرنسية طيلة قرون، لم تختف املؤسسات الوسيطة كلها، ولكن تلك املؤسسات القائمة على احلسب

والنسب لم يكتب لها البقاء طويال أمام مكنسة الثورة العمالقة«)1). املعيـــار الذي يفرق هنا بني كون هذه املرحلة من التطور الثوري، طبيعية أم محبطة، هو املدة الزمنية التي يستغرقها احلكام اجلدد في إعادة البناء وإمتام الهـــدم وتنفيذ التعديل، وأيضا النطاق الذي تشـــمله هذه العمليات الثالث من

مؤسسات الدولة ومرافقها، وكذا من القواعد والقوانني والثقافات.وبالنظـــر إلى حجم التغيير الذي مت إجنازه حتت حكم املجلس العســـكري بعد 11 شـــهرا من عمر الثورة – حتى وقت إعداد هذه الدراســـة- فإن عملية إعادة البناء أو الهيكلة، وبالتالي تلبية املطالب الشعبية، تسير مبعدالت قاصرة وبطيئـــة غير مرضية للجماهير، وهو ما يطرح تســـاؤالت حـــول ما إذا كانت

»مكنسة« املجلس العسكري الثورية، عمالقة فعال، وهل لديه واحدة أصال؟قبل إجراء تقومي عادل ألداء املجلس العسكري، نحتاج أن نبني إطارا نظريا حتليليـــا ملا يفتـــرض أن يقوم به املجلس بوصفه القـــوة احلاكمة أثناء املرحلة االنتقالية، أي بوصفه املكلف –شعبيا- بتنفيذ عملية التحول السياسي وصوال

إلى مرحلة »رسوخ النظام«.واجبات السلطة أثناء المرحلة االنتقالية:

يعرف تشارلز أندريان التحول السياسي بأنه »التغير بني النظم«)2)، وهذا يعني حدوث تغير-جزئي أو كلي- في األبعاد األساسية الثالثة في النظام، وهي: البعد الثقافي، والبعد الهيكلي، والسياســـات، أي قصـــور في تنفيذ التغيرات

)1) املجتمع املدني، التاريخ النقدي للفكرة، تأليف: جون إهرنبرج، املنظمة العربية للترجمة، بيروت 2008م ص 232.

)2) أعمال امللتقى الوطني األول حول التحول الدميقراطي في اجلزائر، سابق.

Page 68: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

67مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

بأبعادها الثالثة يعني قصورا في التحول وبقاء النظام القدمي على ما هو عليه، أو خروج نظام مشوه إلى العلن ممتلئ بالتناقضات. )1)

نتنـــاول فيما يلي هذه األبعـــاد الثالثة، مع اإلشـــارة أوال إلى دور القيادة السياسية التي تدير عملية التحول، ومصادر شرعيتها.

القيادة والشرعية: أبـــدت االجتاهـــات احلديثة في دراســـة النظم السياســـية في دول ا بدور القيادة في صياغة اســـتراتيجيات التحول العالـــم الثالث اهتماما خاصالدميقراطـــي، وأوضح بعـــض الباحثني – مثل: لينز، بـــوزان- أن دور القيادة يتمثل في حتديد كل من األســـلوب والتوقيت واملســـار املناســـب لبدء التحول وإنشاء اإلجماع،)2) وتوسيع نطاق املشاركة في عملية صنع القرار وتوزيع املوارد االقتصادية، كما تعتبر القيادة مســـئولة عن عملية التماســـك السياسي، وعن حماية الفرد من تعسف الدولة والتفاوض مع اجلماعات االجتماعية التي تهدد

عملية التحول مصاحلها، للوصول إلى أكثر الصيغ قبوال في املجتمع.ومن املعروف أنه مع انهيار النظام القدمي، تنهار الشرعية القانونية ألغلب مؤسساته، ويحل محلها مؤقتا »الشرعية الثورية« وكذا »شرعية الكاريزما« التي ميلكها القائد أو القيادات احلاكمة، ومع مرور الوقت تتقلص »الشرعيتان« من

جديد ويحل محلهما »الشرعية املؤسسية« و»شرعية اإلجناز«)3). أوال: البعد الثقافي:

يحتاج النظام السياســـي لتدعيم عملية التحول إلى ترسيخ ثقافة جديدة

إليها الثالثة مضيفا األبعاد يذكر السياسي، وهو التغيير دراسة صامويل هنتنجتون عن انظر (1(»اجلماعات« ويقصد بها: مختلف التشكيالت االقتصادية واالجتماعية الرسمية وغير الرسمية، والتي تشارك في صنع السياسات وتطرح مطالبها لدى الهيئات الرسمية، ضمن أعمال امللتقى والعلوم احلقوق كلية 2005م، ديسمبر اجلزائر في الدميقراطي التحول حول األول الوطني احلريات على وأثره اجلزائر في الدميقراطي التحول بعنوان: ورقة بسكرة، جامعة السياسية،

العامة، ص 123. )2) اجتاهات حديثة، ص 143.

)3) أمل حمادة، ص 47.

Page 69: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 68

تتوزع على أربعة مجاالت: ثقافة تختص بالعالقة بني الفرد والسلطة، تهدف إلى نقل مشاعر األفراد داخـــل املجتمع من حالة اخلوف من الســـلطة واإلذعان لهـــا، إلى حالة الثقة

واالطمئنان على كرامته وحقوقه.وثقافة تختص بالعالقة بني الســـلطة والقوى السياسية، تنتقل من احلالة القدمية: أن يعتقد كل طرف بأن اآلخر يســـعى للقضاء عليه، إلى وضع تسود

فيه الثقة بني الطرفني واالطمئنان لقواعد حاكمة لكال الطرفني.وثقافة تختص، بعالقة الفرد بالعملية السياسية، فبعض املجتمعات تتميز بقوة الشـــعور القومي، وهنا يتوقع أن يشارك الفرد بفاعلية في احلياة العامة،

وفي دول أخرى يتسم األفراد بالالمباالة.وثقافة تختص بالعالقة بني القوى السياسية نفسها، ترسخ الشعور املتبادل بالثقة، واإلقرار مببادئ املنافسة الشريفة والتعددية وتداول السلطة، والتوافق على اآلليات املقبولة دستوريا وقانونيا للوصول إلى السلطة، وكذا اإلقرار مببدأ

حق األغلبية في احلكم واتخاذ القرارات السياسية. )1) باختصار ميكن القول: إن الثقافة السياســـية التي تفترضها عملية التحول السياســـي املثالية، هي الثقافة التـــي حتل فيها النزعة النســـبية في الوعي السياسي محل النزعة الشـــمولية، ويحل التوافق والتراضي والتعاقد والتنازل املتبادل، محل التسلط واالحتكار واإللغاء، فيفتح املجال السياسي أمام املشاركة

السياسية للقوى السياسية واالجتماعية. )2)

ثانيا: البعد الهيكلي:التغيير الهيكلي مقصود به تنفيذ عملية إعادة تصميم وترتيب ملؤسســـات الدولـــة والعالقات بينها، ونطـــاق صالحياتها وآلية اتخـــاذ القرارات وكيفية

)1) انظر، د. أحمد منيسي، ص 27، 28 بتصرف. )2) السابق، ص 28.

Page 70: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

69مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

تفويض الســـلطة داخل املؤسســـة، ومســـتوى املركزية والالمركزية في اتخاذ القـــرار، على أن يتـــم كل ذلك مبا يتوافق مع الرؤيـــة اجلديدة، ويتضاد متاما مع الرؤية الســـابقة التي تقوم على النزعة الشمولية، وحتور مؤسسات الدولة خلدمة شـــخص احلاكم أو النخبة احمليطة به، لتستهدف هذه املؤسسات بعد الثـــورة حتقيق مصالح الشـــعب الذي ميلكها، أوال وآخـــرا، بغض النظر عمن

يجلس على كرسي الرئاسة أو الوزارة.هذا التغيير املؤسسي ال بد أن يشمل ثالثة أنواع من املؤسسات: مؤسسات مستمرة من النظام القدمي، ومؤسسات مستحدثة بالكامل، ومؤسسات معدلة.

املؤسســـات القدمية عادة ما تكون تلك املرتبطة باإلدارة اليومية لشـــئون الدولة، وإن تغيرت بعض املضامني أو األسماء املرتبطة بفلسفة عملها القدمية،

مثل املؤسسة التعليمية.أما املؤسســـات املعدلة، فهي مؤسســـات موروثة من النظـــام القدمي لكن تتعرض لتعديالت، إما من حيث الوظائف املنوطة بها أو حدودها، وإما من حيث

عضويتها أو من حيث انتشارها، مثل مؤسسات اجليش والشرطة والقضاء. وهناك مؤسســـات مســـتحدثة بالكامل، وهي التي ينشئها النظام اجلديد بغرض تثبيت دعائم حكمه، ونشـــر فلســـفته التي يفتـــرض أنها تدعم عملية التحول، فقد يلجأ النظام اجلديد إلنشـــاء نظام عسكري مواز أو جهاز دعائي خاص بـــه في مقابل األجهـــزة الدعائية التي ارتبطت بالنظـــام القدمي، مثل التنظيمات احلزبية والشـــبابية التي تلجأ إلحداث حالة من التعبئة الدائمة في صفوف اجلماهير، كذلك قد ينشـــئ النظام اجلديد عددا من األجهزة املوازية ألجهزة الدولة التقليدية بغرض ضمان والء أعضائها في مقابل شكه في النخب األخرى التي ال يستطيع االستغناء عنها ألغراض تسيير دفة السياسات اليومية

للنظام..إلخ. )1) مـــن املعتاد فـــي حالتي »املؤسســـات القدمية، واملعدلـــة« أن تكون هناك

)1) أمل حمادة، ص 48.

Page 71: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 70

صعوبات كثيرة في طريق التغيير، فمنظومة القيم التي تطرحها الثورة الباعثة على التحول تتعارض أو تتناقض جزئيا أو كليا مع القيم وأســـاليب العمل التي تبناها النظام القدمي، ومع احتمال تعرض قيادات هذه املؤسســـات للمالحقة القضائية بسبب الفساد، فإن أدائهم يتسم عادة بالسعي لعرقلة عملية التحول، كمـــا أنه في كثير من األحيان تكون قدراتهم الثقافية والتعليمية ذات مســـتوى متواضع نتيجة عدم اعتماد النظام الســـابق ملبدأ الكفاءة في اختيار شـــاغلي

املناصب العليا في الدولة.لــــذا يكون أمام النظام اجلديد اتخاذ حزمــــة قرارات لتنفيذ عملية التغيير داخل تلك املؤسسات، ومن هذه القرارات: اللجوء إلى سياسات التطهير بغرض تفريغ هذه املؤسســــات من العاملني الذين ارتبطوا بشكل كبير بالنظام السابق -جتنيد نخب جديدة تعمل بالتوازي أو التعاون أو التنافس مع النخب القدمية في تلك املؤسســــات وتتبنى القيم اجلديدة- أحيانا يتم اللجوء إلى سياسة اإلغالق، خاصة في املؤسسات التعليمية بغرض مراجعة اإلنتاج الثقافي والتعليمي القادر

على جتنيد اجلماهير وتعبئتها وراء النظام اجلديد وتدعيم شرعيته.)1)

ثالثا: السياسات:يعرف هنتنجتون السياســـات، بأنها أمناط النشاط احلكومي املهتم بتوزيع

املنافع والعقوبات داخل النظام. )2) ا، وميكن شـــرحه بتعريـــف آخر، هو أن لكن هـــذا التعريف مختصر جدالسياسات العامة هي: »النشاطات التي تقوم بها احلكومة -أو النظام عموما-، وتشـــمل تقدمي اخلدمات العامة كالتعليم والرعاية الصحية والطرق واإلسكان كما تشـــمل نشـــاطات النظام العام وتنظيم النشاطات الفردية واجلماعية عن طريق قوات الشرطة، واألمن العام، ومفتشي األسواق، وتتضمن إدارة ومراقبة

)1) السابق، ص 48، 49. )2) أعمال امللتقى األول حول التحول الدميقراطي في اجلزائر، سابق.

Page 72: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

71مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

األدويـــة واألطعمـــة، باإلضافة إلى التحكم في األنشـــطة االجتماعية كتنظيم السير، وغيرها من األنشطة السياسية واالقتصادية واالجتماعية. )1)

في املرحلة االنتقالية، تكون الســـلطة احلاكمة مطالبـــة بإصدار قرارات جذرية، واتباع سياســـات جديدة، وتنظيم احلياة العامـــة، بكيفية تضع نصب

عينيها جتاوز السلبيات التي ورثها النظام السابق وإزالة آثارها.يأتي في املقدمة تبني برامج تنموية قوية وســـريعة األثر، وإصدار قوانني تعالج ومتنع كافة صور ومظاهر الفســـاد املالي واإلداري في مؤسسات الدولة، ومواءمـــة الهياكل االجتماعية واالقتصادية مبا يجنب النظام التعرض لضغوط تؤدي إلى إعاقـــة عملية التحول، وفتح املجال أمـــام منظمات املجتمع املدني ملمارســـة األدوار الرقابية واالجتماعية واالقتصاديـــة، وإصدار القوانني التي م احلياة السياســـية مبا يكفل رســـوخ القواعد احلاكمة للعالقة بني القوى تنظاملتنافســـة، تقدمي رؤية واضحة حول آلية العمل احلكومـــي، ومنظومة اتخاذ

القرارات، تقدمي تصور واضح للسياسة اخلارجية وثوابتها.. إلخ.والســـلطة احلاكمة في ســـبيل ذلك كله تتبع آليات متعـــددة إلمتام عملية التحول، منها: إقرار التعددية السياســـية، ترسيخ مبدأ تداول السلطة، تعزيز االنتخاب كوســـيلة للوصول إلى السلطة، تفعيل دور املجتمع املدني، تنمية دور اإلعالم احلكومي واخلاص لدعم سياســـات التحول، ترسيخ استقالل القضاء،

الفصل بني السلطات.هذا هو اإلطار النظري الذي سنستخدمه كأداة حتليلية لتقومي أداء املجلس

العسكري في إدارة عملية التحول السياسي بعد الثورة.

مستوى التغيير الذي نفذه المجلس العسكري:القيادة والشرعية:

اضطلع املجلس العســـكري بدور القيادة واحلكـــم بدءا من يوم 11 فبراير

)1) مدخل إلى حتليل السياسات العامة، ص 8.

Page 73: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 72

2011م، في أعقاب تنحي الرئيس املخلوع حســـني مبارك، وهنا تبرز قضيتان: منظومة اتخاذ القرار السياسي داخل املجلس، ومصادر شرعيته.

1- منظومة اختاذ القرار: يتكون املجلس العســـكري من 18 عضوا، ويرأســـه املشير حسني طنطاوي وزير الدفاع، ونائبه الفريق ســـامي عنان، رئيـــس األركان، ويضم قادة األفرع الرئيسة في القوات املســـلحة، باإلضافة إلى مساعدي الوزير، وهو هيئة غير

معروفة ألغلب املصريني ألنها ال جتتمع إال في أوقات احلرب.وليس معروفا حتى اآلن اآللية التي يتم بها اتخاذ القرار داخل املجلس، هل يتم اتخاذه باإلجماع في كل القرارات، أم أن رئيس املجلس له احلق في االنفراد

باتخاذ القرار، مبعنى هل التشاور إلزامي أم اختياري؟كمـــا ليس معروفا أيضـــا كيفية توزيع امللفات املهمـــة داخل املجلس، وإن كان بعض األعضاء يبرزون فـــي مجاالت معينة أكثر من غيرها، كما في حالة اللواء ممدوح شاهني مساعد الوزير للشئون القانونية، كذلك ما يتعلق بتفويض

السلطات والصالحيات، وكيفية توزيعها بني املجلس واحلكومة.كذلـــك ليس متداوال آلية التجديد والتعيني داخل املجلس، هل يوجد التزام بســـن التقاعد الرســـمي؟ وما هو مصير العضو الذي يبلغ سن التقاعد؟ وهل تســـتوي األصوات عند التصويت، أم يكون لبعضها أفضلية حســـب األقدمية

واخلبرة مثال؟هذا الغموض في منظومة القرار داخل املجلس، تشكل عقبة في تواصله مع اجلماهير، ومع القوى السياسية، وهذه »العقبة« تضخم أثرها تدريجيا، خاصة بعد مرور ستة أشهر بعد الثورة دون اتخاذ أي إجراء لنقل السلطة كما سبق أن

وعد املجلس فور تسلمه احلكم.2- مصادر الشرعية:

كثير من الناس -وكذا من النخبة- كان يعتقد بأن املجلس العسكري استمد شـــرعيته من الثورة، وأنه يحكم انطالقا من الشـــرعية الثورية التي منحها له

Page 74: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

73مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

الشعب بعد مواقفه من الثورة في أيامها األخيرة.لكن تصريحات اللواء ممدوح شاهني أثارت لغطا حول مصادر الشرعية، فقد ق بني مصادر الشــــرعية قبل االستفتاء وبعده، فقال: إن مصادر الشرعية قبل فراالســــتفتاء ثالثة: التكليف الصادر من الرئيس املخلوع - واحلالة الفعلية املتمثلة في وجود القوات املســــلحة في الشــــارع طبقا للمادة 180 من الدستور 1971م

املجمد والتي تنص على قيام اجليش بحماية الدولة وحدودها- ثم الثورة.أما بعد االســـتفتاء، فقال شـــاهني: إن املجلس العسكري يستمد شرعيته من موافقة أكثر من 77% من الناخبـــني على اإلجراءات التي يتخذها املجلس

العسكري، وبالتالي هذا إقرار بالشرعية. )1) املشكلة في اســـتمداد الشرعية من االستفتاء، أن تصريحا لعضو آخر في املجلس العســـكري أسقط حجيتها متاما، فقد صرح اللواء مختار املال مساعد وزير الدفاع في لقاء مع املراســـلني األجانب أنه »يجب عشـــان أجيب جمعية تأسيسية لوضع الدستور أن تشمل كل فئات املجتمع، ليس بالضرورة أن مجلس

الشعب احلالي اللي بيجرى انتخابه دلوقت يشكل لي كل فئات املجتمع«. )2) بذلـــك فإن املال يعد االنتخابات التي شـــارك فيهـــا 30 مليون مصري، ال متثل كل فئات الشـــعب، وبالتالي ال تصلح الختيار اجلمعية التأسيسية، بينما االستفتاء الذي شارك فيه 18 مليون مصري، يصلح لكي يكون مصدر شرعية للمجلس العسكري! مع العلم أن 4 ماليني ناخب، صوتوا بــ»ال« في االستفتاء، وهذا يعني أن املجلس العســـكري نفســـه ال ميثل كل فئات الشـــعب، وال يقال هنا: إن »الدســـتور« أهم من املجلس؛ ألنه يستمر سنوات طويلة، وبالتالي يلزم التوافق بشأنه أكثر من املجلس، فهذا القول مردود عليه؛ ألن املجلس يجمع كل الصالحيات التشريعية، وميتلك حق إصدار إعالنات دستورية كما يشاء، وهذه

)1) في كلمته ضمن املؤمتر الصحفي مبناسبة اإلعالن الدستوري بعد االستفتاء، اجلزيرة مباشر HTTP://WWW.YOUTUBE.COM/WATCH?V=M-UX-EWYW6C. مصر، يويتوب 5 -4 -2011م

)2) التحرير نيوز 14-12-2011م.

Page 75: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 74

وضعية بالغة اخلطورة وتستدعي توافقا شعبيا على املجلس ال يقل عن التوافق املطلوب للدستور.

حصيلة التغير الثقافي: العالم الشـــهير ألبرت أينشتاين، له عبارة يقول فيها: »ال تستطيع أن تغير

وضعا بنفس املنهج الفكري الذي أوجد هذا الوضع«.الذي يتضح من خالل متابعة ما يتعلق بالتغير الثقافي، أن املجلس العسكري ال ميلك استراتيجية تغيير ثقافي واضحة املعالم، وإمنا هي استراتيجية إعالمية مشـــابهة ملا كان في العهد الســـابق، وهي تقوم على ركنني أساســـني: األول: تســـخير اإلعالم احلكومـــي وأجهزة الدولة للدعاية للســـلطة احلاكمة، وبيان صـــواب ما تتخذه من قـــرارات ومواقف. والثاني: فســـح املجال أمام اإلعالم اخلاص الذي يسيطر عليه فعليا رجال أعمال ارتبطوا مبلفات اقتصادية مهمة مع رموز النظام السابق، وتوجيههم بصورة غير مباشرة إلثارة اللغط واالرتباك

لدى الرأي العام في كل ما يتعلق باملشهد السياسي املصري.يقول د. محمد البرادعي -املدير الســـابق لوكالة الطاقة الذرية واملرشـــح للرئاسة- في بيان تراجعه عن الترشح، عن سياسة املجلس العسكري: »أدخلنا هذا الربـــان في متاهات وحـــوارات عقيمة في حني انفـــرد بصنع القرارات وبأسلوب ينم عن تخبط وعشوائية في الرؤية، مما فاقم االنقسامات بني فئات

املجتمع في الوقت الذي نحن فيه أحوج ما نكون للتكاتف والوفاق«. )1) اتهام املجلس العســـكري باتباع سياســـة بث »ثقافة الفرقـــة« بني القوى السياســـية بدال من ثقافة الوحدة والتعاون، يتكرر من مصادر عديدة مختلفة االجتاهات، وتعليقا على قرارات وسياســـات في مجـــاالت مختلفة ال تقتصر فقـــط على اإلعالم، على ســـبيل املثال يتهم د. ثروت بدوي -أســـتاذ القانون الدســـتوري املعروف في جامعة القاهرة- املجلس بأن قانون انتخابات مجلس

)1) بوابة األهرام 14-1-2012م.

Page 76: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

75مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

الشـــعب والشورى الذي أصدره سيضع البالد في حالة معارك انتخابية ملدة 7 أشـــهر كاملة تعطل فيها احلياة متاما، وقال بدوي : »يا ريت املجلس العسكري

يقولها بصراحة: إنه عاوز يحكم البلد.. ونسلم أمرنا لله« )1). وقال أحمد خيري عضو املجلس االستشاري وأحد قيادات حزب املصريني األحرار: »إننا إذا عدنا إلى األيام األولى لتســـلم العسكري السلطة جنده يتخذ

القرار تلو اآلخر حتى يقوم بتفرقة املصريني إلى شيع«. )2) حتى احملاوالت التي أعلن عنها املجلس من أجل التقارب بني القوى الوطنية، فقد أثارت من الشـــبهات والشـــكوك أكثر مما حققت مـــن نتائج على صعيد التقارب، احملاولة األولى كانت من خالل »جلنة الوفاق الوطني« والتي تشـــكلت برئاســـة د. يحيى اجلمل نائب رئيس الوزراء وقتها، ثم »جلنة احلوار الوطني«، والتي تشـــكلت برئاســـة د. عبد العزيز حجازي رئيس الوزراء األسبق، وكانت حتت متابعة مباشرة من املجلس العسكري، كانت املفاجأة في كلتيهما احلرص املريب على إشـــراك رموز عتيدة من النظام السابق كانت تتقدم الصفوف في اجللســـات، وهو ما أثار سخط الكثيرين ودفعهم إلى رفض املشاركة، باإلضافة إلى كون رئيســـا اللجنتني مثيرين للجدل، وال يصلح أن يكون أحدهما شخصية

جامعة مقربة للشتات السياسي.هذه االتهامات الصريحة للمجلس العسكري تعني أن هدف »التغير الثقافي«

مبا يتالئم مع عملية التحول السياسي، غير حاضرة لدى املجلس.مثال آخر: مشـــكلة وزارة اإلعالم، فقد اتخذ املجلس قرارا بتجميدها بعد الثورة يوم 22 فبراير، واســـتمر ذلك حتى 7-7-2011م؛ حيث صدر قرار من املجلس بتعيني أســـامة هيكل-رئيس حترير صحيفـــة الوفد- وزيرا لإلعالم؛ الذي اتبع نفس أسلوب الدعاية القدمي وسعى لفرض القيود على بعض القنوات الفضائية التي تركز على الشـــأن املصري، مثل اجلزيرة مباشر مصر، وتعرض

)1) الوفد 18-9-2011م.)2) حوار مع برنامج العاشرة مساء، البشاير أونالين 18-12-2011م.

Page 77: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 76

األداء اإلعالمي في عهده إلى انتقادات عديدة بسبب مشابهة أسلوب التغطية مع ما كان سائدا في النظام السابق.

عندما تولى د. كمال اجلنزوري رئاســـة الوزراء، أصدر قرارا بتعيني اللواء أحمد أنيس وزيرا جديدا لإلعالم، والرجل كان معروفا من قبل أثناء رئاســـته للشركة املسئولة عن أقمار »نايل سات« باتباعه سياسة تضييق مع الفضائيات الدينيـــة واملعارضة، وقد صرح اللواء فور توليه الـــوزارة بأن قرار إلغاء وزارة

اإلعالم عقب تنحي مبارك كان قرارا متسرعا. )1) على صعيد تنمية ثقافة املشاركة السياسية، لعب اإلعالم الرسمي »املوجه« دورا مؤثرا في تشــــجيع املواطنني على املشاركة في االستفتاء، ثم في انتخابات مجلس الشعب، وقد بلغت نسب املشــــاركة في املرتني مستوى غير مسبوق في تاريخ احلياة السياســــية املصرية، 42% في االستفتاء، 60% في االنتخابات، وإن كان دور اإلعالم الرســــمي ذلك يعد دورا إيجابيا في بث ثقافة املشاركة، إال أنه لم يأت في سياق دعم عملية التحول، بل في سياق االستجابة لتكليفات املجلس العســــكري، ومن املســــلم به أنه توجد أســــباب أخرى أكثر تأثيرا دفعت الناس

للمشاركة بهذه املعدالت.في نفس السياق، فإن املشاركة السياسية لها أربعة أمناط، وهي: املشاركة في االنتخابات، املشاركة في احلمالت االنتخابية، املشاركة في فعاليات املجتمع

املدني، واالتصال باملسئولني. املشاركة حسب النمطني الثالث والرابع ضعيفة، مقارنة باألول والثاني.

ويعد دعم اجلمهور ألنشطة منظمات املجتمع املدني، عامال مؤثرا في أدائها لعملها ووظيفتها الرئيســــة في موازنة املؤسسات الرسمية وممارسة الضغوط والرقابــــة واملتابعة ألداء أجهزة الدولة، وال تكتمل عملية التحول السياســــي من دون تنامــــي دور منظمات املجتمع املدنــــي وتعاظم تأثيرها، وهذا لن يحدث إذا كان تفاعــــل اجلمهور معهــــا ضعيفا، وهذا التفاعل ال بــــد من تدعيمه واحلث

)1) الدستور األصلي 13-12-2011م.

Page 78: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

77مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

عليه بواســــطة أجهزة الدولة املعنية عن طريق بث ثقافة املشاركة في األوساط الشــــعبية، وهو ما يحدث عكســــه متاما، واملثال األقرب هو تشويه صورة تلك املنظمات باســــتخدام تورط بعضها في تلقي متويالت خارجية، بحيث أصبحت السمة العامة لهذه املنظمات لدى شرائح واسعة أنها تعمل وفق أجندات خارجية.أمــــا النمط الرابع، التواصل مع املســــئولني، فهو يحدث بصورة عشــــوائية من خالل االحتجاجات واالعتصامات التي تصل أحيانا مســــتوى اقتحام مكتب املســــئول، وذلك بســــبب عدم وجود آلية حتكم هذا التواصل، وبالتالي مع مناخ احلرية الســــائد، فإن املواطن املعترض ال ميلك إال أن يتخذ أساليب احتجاجية أكثر حدة مما يتطلبه املوقف، بسبب غياب ثقافة التواصل بني املسئول واجلمهور.في مجال العالقة بني الســـلطة والشعب، فقد بدأت مرحلة ما بعد الثورة بالهتاف الشـــهير »اجليش والشـــعب إيد واحدة«، واستمر متسك الشعب بهذا الهتاف أشـــهرا متوالية، حتى مع ظهور حركات احتجاجية حادة ضد سياســـة املجلس اســـتمرت فئات كثيرة على تأييدها للعسكري، لكن في األشهر األخيرة تراجع التأييد بصورة ملحوظة، وبات من املعتاد ترداد الهتاف بسقوط املجلس وسقوط املشير نفسه، وهي شعارات ترفع في كل مكان، سواء في الشارع أو على اإلنترنت، وهذا االنتشار الواسع يدل على إخفاق املجلس في االحتفاظ بالثقة املتبادلة مع اجلماهير التي بدأت تقارن بني سياســـاته األمنية مع املعارضني،

وبني سياسات مبارك.ملمح أخير يتعلق بحصيلة التغير الثقافي الذي أحدثه املجلس العســـكري، وهو يتعلق باخلطاب الرسمي جتاه اإلسالميني، فهو لم يتغير في بعض مضامينه، نعم تراجع أسلوب التســـمية املباشرة لكيانات بعينها واتهامها صراحة، إال أنه ال يزال يروج من خالل مؤسسات الدولة لــ »ثقافة اخلوف« من اإلسالميني.

فمن املالحظ إصـــرار املجلس على تعيني شـــخصيات لها تاريخ معروف مبواقفهـــا العدائية من التيارات اإلســـالمية، لتولي مســـئولية مناصب تتعلق بصورة مباشـــرة بنشر الثقافة، ســـواء الدينية أو السياسية، على سبيل املثال:

Page 79: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 78

ال بد أن يكون وزير الثقافة شـــخصية تخاصم اإلسالميني، حتى أن د. محمد الصاوي – وهو شـــخص يحتفظ بعالقة طيبة مع التيار اإلســـالمي- لم يكد يتســـلم منصب وزير الثقافة في حكومة شرف 22 فبراير، حتى ترك املنصب بعـــد أيام قليلة، وقبله كان »جابر عصفور« هو الوزير، وله تاريخ عريق في نقد اإلسالميني، والوزير احلالي- شـــاكر عبد احلميد- لديه خصومة معروفة مع التيار اإلســـالمي، وقال في أحد اللقاءات: »لـــن ننتظر رئيس جمهورية يعلمنا الصالة والصـــوم.. إحنا عارفني ربنا«، وقال أيضا: »مصر لن تتحول إلى دولة عســـكرية أو دينية، وكل جتارب األمم والشعوب التي سيطرت فيها احلكومات عسكريا أو دينيا باءت بالفشل؛ ألن الشعب املصري حر، وال يجوز أن يأتي أي

شخص يتحكم فيه دينيا«. )1) أما وزارة األوقاف التي تتحكم في منابر الدعوة، وهي تشـــكل جزءا كبيرا من ثقافة املصريني، فقد تقلدها في وزارة أحمد شـــفيق -في عهد مبارك- د. عبد الله احلســـيني، ومواقفه ســـلبية من التيار الديني، وكذلك فقد أثار أزمة كبيرة بأســـلوب معاجلته ملشكلة مسجد النور مع الشيخ حافظ سالمة، ثـــم خلفه في املنصب د. محمد عبد الفضيـــل القوصي، وهو معروف أيضا مبواقفه وكتاباته املهاجمة للتيارات السلفية، رغم أنه له دور إيجابي في الرد على منتقدي اإلســـالم من العلمانيني)2)، لكنه احتفظ مبوقف سلبي من التيار السلفي حتديدا، وكتب في مقالة له باألهرام عام 2009م يقول عن السلفيني إنـــه: التيار الذي وفد إلينا من أصقاع مجـــاورة ذات طبيعة مختلفة، وأعني به ذلك التيار الذي تغلب عليه احلرفية والتشـــدد، وظاهرية الفهم ، ويســـوده اجلفـــاف العقلي والوجداني .. حمل لنا هـــذا التيار احلرفي الضيق مخاطر

ماحقة علي املستوى العقدي والفكري واالجتماعي والعلمي.

)1) املصري اليوم 26-12-2011م.)2) انظر مقالة د. حلمي القاعود في صحيفة الفتح 4-8-2011م.

Page 80: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

79مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

حصيلة التغير الهيكلي:ميكـــن تركيز الكالم على التغير الهيكلي الذي أحدثه املجلس العســـكري، في مجالني اثنني، هما: أوال: الثقافة املؤسســـية السائدة واملستمدة من النظام السابق، وكذا من منبعها الغربي األول، وأيضا املتكيفة مع العوملة االقتصادية.

ثانيا: اســـتمرار فلول النظام الســـابق في شـــغل مناصب مهمة في أجهزة الدولة.

الثقافة المؤسسية:معظم املؤسســـات الرسمية في املجتمعات العربية هي مؤسسات مستوردة ال تتوافـــق في كثير من األحيان، إن لم تكن متعارضـــة، مع ثقافة مجتمعاتها، هذه املؤسســـات املستجلبة منت على حساب التكوينات التقليدية التي تطورت مع تطور املجتمعات، ولترسيخ الدولة التي ظلت رهينة بإرادة احلكام وضغوط

الواقعني اإلقليمي والدولي، باإلضافة إلى املشكالت املوروثة. )1) من ناحيـــة أخرى، ترتبط التحديات االقتصادية التـــي تواجهها دولة مثل مصر، ارتباطـــا وثيقا بالهياكل االقتصادية اخلاضعـــة متاما ملتطلبات العوملة االقتصادية، والتي جتعل النظام االقتصادي بأسره عرضة للتأثيرات اخلارجية

وصوال إلى مستوى التبعية. )2) والتبعية هنا ليست محصلة الضغوط والعوامل اخلارجية فحسب، بل هناك

قوى اقتصادية وسياسية ترتبط مصاحلها باستمرار عالقات التبعية. )3) واخلطر األكبـــر الذي تفرضه التبعيـــة أنها تؤثر فـــي ديناميات العملية السياســـية، وأمناط العالقات والتوازنات الداخلية، فالدولة التابعة ال ميكن أن

)1) أمل حمادة ص 67.)2) اجتاهات حديثة ص 146.)3) د. حسنني توفيق، ص 61.

Page 81: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 80

تكون دولة حريات. )1) هذه اإلشـــكاالت كلها يفترض أن تكون من أولى املهـــام التي تضطلع بها الســـلطة احلاكمة بعد الثورة، لكن الغريب أنه لم تصدر عن املجلس العسكري أي محـــاوالت جدية إلجراء تغييرات هيكلية في تلك املؤسســـات، بخالف حل مجلســـي الشعب والشـــورى واملجالس واللجان املنبثقة عن األخير مثل األعلى

للصحافة، وجلنة األحزاب، وحل جهاز أمن الدولة. لكن ال تزال مؤسسات مثل: وزارة املالية، والبنك املركزي، ووزارة االستثمار، ووزارة السياحة، وجهاز الكسب غير املشروع، واملركزي للمحاسبات.. إلخ كلها تعمل بنفس العقلية القدمية دون تغيير، كما تشـــكل جهاز األمن الوطني بديال

عن اجلهاز املنحل، واحتفظ بعدد كبير من ضباطه وقياداته. هذه وضعية تتناقض متاما مع متطلبات التحول السياسي، ولو كان مقررا أن يحكم املجلس العســـكري ستة أشهر فقط، ملا طولب بتنفيذ سياسات خارج نطاقه الزمنـــي، أما وقد طالت فترة حكمه إلى عام ونصف العام -وقبلها كان

يخطط للبقاء حتى منتصف 2013م- فإن قائمة املطالب تزداد.يضاف إلى ما ســـبق، بعض املؤسسات املرتبطة بنظام احلكم السابق أكثر مـــن غيرها، مثل وزارتي »اإلعالم« و»الداخلية«، فاألولى ســـبق احلديث عنها، وأن سياساتها لم يحدث فيها أي تغيير، والداخلية كذلك رغم تقلص ممارساتها املمتهنـــة للكرامة واملعتدية على احلقوق واحلريات، فإن ذلك يرجع باألســـاس إلى الزخم الثوري الذي ال يزال ســـاريا في األوساط اجلماهيرية وفي احلياة اليومية، لكن املؤشـــرات العامة ال تكشف عن جهد حقيقي إلعادة بناء الوزارة وتشـــكيل ثقافة أمنية جديدة، ما يعني أنها ستظل آلة جاهزة النتهاك احلريات

بحسب رغبة احلاكم اجلديد أيا كان.كذلك لم تتغير مؤسســـات التعليم مبا يتناسب مع الثورة، بل حتى لم يعلن عن خطط جدية لتطوير تلك املؤسســـات تختلف عن اإلعالنات املوسمية التي

)1) السابق ص 62-61.

Page 82: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

81مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

كانت تصدر عن النظام السابق، ولم يطل التغيير أيضا وزارة اخلارجية التي ال تزال تعمل بنفس الثقافة القدمية، وقد انبعث األمل في تطويرها قليال عندما تولى د. نبيل العربي مســـئوليتها في أعقاب الثورة مباشرة، لكن انتقاله للعمل

في اجلامعة العربية أوقف تلك الطموحات.

الفلول والعسكرة:حرص املجلس العسكري على تبني سياسة »تثبيت« بدل »تطهير« املؤسسات من الشـــخصيات املنتمية للنظام القدمي والتي تنتشر في املفاصل الرئيسة في أجهـــزة الدولة، وذلك باملخالفة لكل األعـــراف الثورية، فمن املعتاد في أعقاب الثـــورات أن يتنادى العقالء بضرورة تخفيف حـــدة عمليات التطهير واالنتقام السياســـي من رموز النظـــام القدمي، لكن في احلالـــة املصرية، قدم املجلس العســـكري منوذجا معاكســـا متاما؛ إذ لم يتنب أي خطة لتطهير املؤسســـات

الرسمية من رموز النظام السابق وأعضاء احلزب الوطني املنحل.حتى حركة التطهير املزعومة في وزارة الداخلية التي أعلنها الوزير السابق منصور العيســـوي بعد ســـتة أشـــهر من الثورة لترضية الرأي العام، تعرضت النتقادات كثيرة وأنها مجرد حركة تنقالت سنوية عادية، واتهم الوزير باملبالغة والتالعب في كشوف األسماء، مثل إدراجه أسماء ضباط كانوا في رتبة »عميد« ثـــم رقوا إلى رتبة »لـــواء« ثم أحيلوا للتقاعد لزيادة عـــدد اللواءات املعلن عن إحالتهم للتقاعد، كما مت ترقية ضباط متهمني في قضايا قتل الثوار، وكذا عدد

كبير من ضباط جهاز أمن الدولة املنحل. )1) والشاهد أن »التطهير الثوري« لم يكن سياسة متبعة للمجلس العسكري.

ومـــن خالل تتبع املناصب املهمة في أجهـــزة الدولة، جند أن رموز النظام الســـابق يحتلون مكانة متقدمة، ويضيق املقام عن االســـتطراد في ذكر هؤالء حصريـــا، فيكتفى بذكر بعض األمثلة، وصفحات اإلنترنت ممتلئة بأســـمائهم

)1) صحيفة البديل، 27-8-2011م.

Page 83: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 82

ومناصبهم، وما يهمنا إثبات أن األمر ليس عرضيا أو محض صدفة، لكنه يعبر عن سياسة ممنهجة مقصودة.

مثـــال، منصب مفتي اجلمهورية، د. علـــي جمعة، وهو معروف مبوقفه من الثورة، وقـــد قال في التلفزيون املصري: إن اخلـــروج على مبارك حرام؛ ألنه خروج على الشـــرعية، وهو بطل احلرب والســـالم، وأغلبية الشـــعب املصري تؤيده، وقال: إن احلزب الوطني هو حـــزب األغلبية، ورفض محاكاة ما حدث

في تونس، وتساءل ماذا كسبت تونس؟! )1) وكذا د. أحمد الطيب شـــيخ األزهر، وهو عضو ســـابق بلجنة سياســـات احلزب الوطني، ولم يســـتقل من احلزب إال بعـــد أن تعرض لضغوط من قبل قيادات الوطني الذين خشـــوا من اتهام احلزب بأنه يدخل الدين بالسياســـة، وقدم اســـتقالته مباشرة إلى الرئيس املخلوع. )2) وكان قد هاجم الثورة والثوار في يناير 2011م، وطالبهم مبغادرة ميدان التحرير، وقد أعلن كال الرجلني بعد الثورة عن رغبتهما في االستقالة إال أن املجلس أصر أكثر من مرة على بقائهما في منصبيهما، رغم حركة االحتجاجات الواسعة ضد شيخ األزهر والتي بلغت

حد منعه أليام من دخول مكتبه في املشيخة. )3) إن اإلصــــرار الغريب علــــى اإلبقاء على رجلــــني كان يحرمان اخلروج على مبارك ويصفان فعل الثوار باحلرام، ويؤيدان احلزب الوطني بهذه احلماســــة،

يثير عالمات استفهام كثيرة حول أهداف ونوايا املجلس العسكري.وقريب منهما، منصب وزير األوقاف، فقد شـــغله د. عبد الله احلســـيني رئيس جامعة األزهر السابق، وذلك بقرار من مبارك ضمن حكومة أحمد شفيق التي تشـــكلت في فبراير 2011م، واســـتمر في منصبه أكثر من خمسة أشهر رغم أنه عضو في جلنة السياسات باحلزب الوطني املنحل، وخليفته د. محمد

http://www.youtube.com/watch?v=m-3RluaIj04. 1) انظر املشهد على يوتيوب()2) مصراوي 25-3-2010م.)3) الدستور 22-3-2011م.

Page 84: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

83مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

عبد الفضيل القوصي، أيضا كان عضوا في احلزب الوطني، وقد رفض الثوار تعيينه في منصبه؛ لكونه أحد املقربني من النظام السابق، وكان ينوب عن شيخ

األزهر في حضور اجتماعات جلنة السياسات. )1) ورغم أن »الفســـاد واإلفساد« هي أبرز سمات النظام السابق، فإن املجلس العســـكري أصر على االحتفاظ برؤســـاء أهم ثالثة مؤسسات معنية باملراقبة واحملاســـبة واالتهـــام، وهي: جهاز الكســـب غير املشـــروع، واجلهاز املركزي للمحاسبات، ومكتب النائب العام، فالذين شغلوا تلك املناصب في عهد مبارك

ظلوا في مناصبهم بعد الثورة.مث���ال آخ���ر: منصب وزير اإلعالم، فأول وزير كان أســـامة هيكل، وهو عمل مدة 18 عاما كمراسل عسكري يعمل لصحيفة الوفد من وزارة الدفاع، ثم تقلد وزارة اإلعالم، وخلفه في املنصب اللواء أحمد أنيس وهو مدير ســـابق للشئون املعنويـــة في القوات املســـلحة، كما أنه أحد معاوني أنـــس الفقي وزير إعالم مبـــارك والبوق الذي قاد حربا مســـتعرة ضد ثوار التحرير، وهو أمني ســـابق الحتاد اإلذاعـــة والتلفزيون، وكان مهندس عملية إخمـــاد األصوات املعارضة بالفضائيـــات، وكل العاملني بالوســـط اإلعالمي يعرفون جيـــدا أن تعليماته ملســـئولي القنوات الفضائية قبل انتخابات مجلس الشعب املزورة عام 2010م، وتهديداتـــه بوقف البث كانـــت وراء إنهاء تعاقد الفضائيـــات مع مذيعني من احملســـوبني على املعارضة، خصوصا بعد استخدامه حيلة رأس الذئب الطائر

مع قنوات »األوربت«، ووقف بثها من مدينة اإلنتاج. )2) مثال آخر: اختيار احملافظني؛ حيث جاء أغلبهم منذ الثورة ممن ينتمون إلى احلـــزب الوطني أو إلى اجليش أو من لواءات الشـــرطة، وفي احلركة األخيرة التي صدرت في أغسطس 2011م وشملت تعيني 11 محافظا جديدا، كان من بينهـــم خمس من لواءات اجليش، واثنني مـــن املنتمني للحزب الوطني املنحل،

)1) املصريون، 20-7-2011م.)2) الدستور األصلي، 7-12-2011م.

Page 85: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 84

ولواء شرطة سابق اتهمه املراقبون بأنه كان يدير مكتب محاماة متخصص في الدفاع عن ضباط الشرطة املتهمني بالفساد أو التعذيب. )1)

هذا فضال عن كون رؤســـاء الوزارة الثالثة »شفيق، شرف، اجلنزوري« من رموز النظام الســـابق، واألخير حتديدا الذي مت اختياره حتت شـــعار »حكومة اإلنقـــاذ الوطني« يتم الترويج له بوصفه من »املغضوب عليهم« من مبارك، رغم أنه عمل معه مدة خمس عشـــرة ســـنة في مناصب مختلفة، وقام خالل توليه احلكومة ثالث سنوات ببيع 133 شركة من شركات القطاع العام بأثمان بخسة،

ووضع األساس للمشروع الفاشل في توشكى. )2) كما تباطأ املجلس العســـكري بصورة الفتة في إصدار قانون حل املجالس احمللية التي اعتبرها كثيرون »ورش عمل« ألنصار احلزب الوطني املنحل، حتى صـــدر حكم بحلها من محكمة القضاء اإلداري في يوليو 2011م، كما تكاســـل أيضـــا في إصدار قانون جديد للجامعات، وأصـــر على بقاء القيادات املنتمية

للنظام املخلوع أطول فترة ممكنة.يتهم د. البرادعي -في بيان تراجعه عن الترشح للرئاسة- املجلس العسكري بـــ »عدم اتخاذ خطوات حازمة لتطهير مؤسســـات الدولة – وخاصة القضاء واإلعالم - من فساد النظام السابق، أو حتى عزل رموزه ومنعهم من االستمرار

في إفساد احلياة السياسية«)3). ويتفق معه اإلخوان املســـلمون، الذين اتهموا املجلس بالتسويف في إبعاد قيادات احلزب الوطني من مباشـــرة احلقوق السياسية، فقالوا في بيان لهم: إن »االتفاق على دراســـة إصدار تشريع بحرمان بعض قيادات احلزب الوطني املنحل من مباشـــرة احلقوق السياسية، وهو أمر ســـبق إطالق وعود كثيرة به من املجلس العســـكري واحلكومة، ثم بدأ التســـويف، في الوقت الذي يطالب

)1) صحيفة البديل 5-8-2011م.)2) انظر مقال أحمد منصور، املهام احلقيقية حلكومة اجلنزوري، شبكة رصد 20-12-2011م.

)3) بوابة األهرام، مرجع سابق.

Page 86: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

85مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

فيه غالبية الشـــعب بحرمان من أفســـدوا احلياة السياسية، وأضروا بالشعب وخانوا أماناتهم من مباشـــرة حقوقهم السياســـية كلهم وليس بعضهم كما جاء

في االتفاق«)1). وفي تصريح للدكتور سعد الكتاتني األمني العام حلزب احلرية والعدالة في 25 ديســـمبر املاضي- أي بعد عشرة أشهر من حكم املجلس العسكري- قال:

»إن نظام مبارك لم يسقط، وإمنا سقط رأس النظام فقط«.)2) هكذا فإن حصيلة التغير الهيكلي الذي نفذه املجلس العســـكري طيلة 11 شـــهرا: أن املؤسسات القدمية باقية تقريبا كما هي، بدون تطهير إداري، بدون تغير في السياسات، بدون تطوير في الثقافة املؤسسية، واقتصر »التعديل« على املؤسســـتني التشريعيتني، وتقريبا لم ينشئ املجلس مؤسسات جديدة تعبر عن فكر الثورة، وأبرز حالتني، هما: املجلس املختص بشئون شهداء ومصابي الثورة، وهو مجلس غامض في أهدافه ويسوده التخبط في تعيني املسئولني عنه، وكذا املجلس االستشـــاري الذي تأسس ملعاونة املجلس العسكري في دراسة مشاريع القـــرارات والقوانني، وال عالقة له بالفكر الثوري مـــن قريب وال بعيد، بل إن االتهامات توجه للعسكري بأنه استهدف إنشاء مؤسسة موازية ملجلس الشعب.

حصيلة التغير في السياسات:السياســـات العامة يجب النظر إليها على أساس أنها تشمل –ليس فقط- كل ما تود احلكومة عمله، ولكن تشمل أيضا امتناعها عن أن تقوم بعمل، ويعرف النوع األخير من السياسات بالسياسات السلبية، والتي تكون لها تأثيرات مهمة

وخطيرة أحيانا)3). لذلك سوف نقوم سياسات املجلس العسكري في خالل 11 شهرا من توليه السلطة على محورين؛ األول: السياسات الصادرة. الثاني: السياسات السلبية.

)1) العرب اليوم 5-10-2011م.)2) موقع محيط.

)3) مدخل إلى حتليل السياسات العامة، ص 9.

Page 87: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 86

السياسات الصادرة: في معظم بلدان العالم يكون التقيد الدقيق بنصوص الدســـاتير في إدارة السياســـات أمرا نادرا، فبعض املؤسسات -وهي مصدر السياسات- الني نص عليها الدســـتور قـــد ال توجد مطلقا، وبعضها رمبا ال ميارس الدور املرســـوم له، إما لعيب في ذلك الدور أو في طبيعة التفاعالت السياســـية واالقتصادية واالجتماعية املرتبطة به، وبعضها يتجاوز الدور املرسوم له لعوامل شخصية أو

مؤسسية تدعم هذا االجتاه. )1) املشكلة إذن ليست في الدســـتور أو في القوانني، لكنها في التطبيق الذي متارسه املؤسسات الرسمية، فال ميكن تقومي أداء املجلس العسكري من خالل البيانات التي يعلنها أو اإلعالنات الدستورية التي يصدرها، فليس معنى وجود وزارة للعدل، أن العدل قائم بالفعل، وال يعني وجود مجلس للشهداء واملصابني،

أن حقوقهم قد استوفيت فعال.اتسمت فلسفة السياســـات التي اتبعها املجلس العسكري في إدارة عملية التحول السياســـي، بأنه »ال توجد فلسفة«؛ إذ ال ميكن معرفة أو حتديد أسس عامة واضحة ميكن تقومي هذه السياسات على أساسها خالل فترة زمنية معينة، فقد اتبع املجلس أســـلوبا معقدا في تقســـيم الصالحيات بينه وبني احلكومة، ورغم االرتباك الواضح في مواقف املجلس وسياســـاته، فإن أعضائه يصرون على مبدأ الثبات، يقول اللواء مختار املال في ديسمبر 2011م: »لم نتغير خطوة

عن اخلطوات واملبادئ التي أعلناها من بداية هذه الثورة«.)2) يؤكد املجلس العســـكري على أن مجلس الوزراء له صالحياته الكاملة في اتخاذ القرارات، ولرئيسه الســـلطة املطلقة في اختيار وزرائه بدون تدخل من املجلس، يقـــول املال: »الدكتور كمال اجلنزوري رئيـــس وزراء مصر وله جميع الصالحيـــات التي حتقـــق ومتنح هذه الوزارة العبور ملصـــر خالل هذه الفترة

)1) أمل حمادة، ص 21.)2) التحرير نيوز، من لقاء اللواء مختار املال مع وفد املراسلني األجانب 14-12-2011م.

Page 88: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

87مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

والهدف بتاعها واضح: األمن واالقتصاد واالنتخابات، وبالتالي كل الصالحيات ممنوحة له«، وعن اختيار الوزراء يقول: »رئيس الوزراء الســـابق الدكتور عصام شرف ورئيس الوزراء املكلف احلالي الدكتور كمال اجلنزوري له كامل الصالحية فـــي اختيار من يراه من وزراء؛ ألنه هو املســـئول، ولو كنا عايزين نتدخل كانت الوزارة اتشـــكلت في يومني ثالثة، لكن جتاوزنا 11 أو 12 يوما، وما زال يشكل

وزارة حتى اللحظة اللي إحنا فيها اآلن«.)1) هـــذه »اإلحالة« للمســـئولية غير صحيحة؛ ألنه مـــن الثابت أن د. عصام شرف حاول أكثر من مرة أن يجري تعديالت وزارية على حكومته، وكان يجابه برفض من املجلس العســـكري، ومنها محاوالته في شهر يونيو املاضي أن يغير ســـبعة وزراء بعضهم يشغل وزارات خدمية تتعلق بالشـــئون اليومية واملعاشية للمواطنـــني، وكان أداؤهم دون املطلوب، لكن طلبـــه قوبل بالرفض، كما رفض

أيضا طلبه إقالة د. يحيى اجلمل من منصب نائب رئيس الوزراء.)2) كل ذلـــك يؤكد أن الصالحيـــات املمنوحة لرئيس احلكومة كانت غامضة غير مفهومة وليســـت مطلقة، وقد تردد قبل تعيني حكومة د. كمال اجلنزوري أن املجلس ســـوف يصدر إعالنا دستوريا مبنحه صالحيات رئيس اجلمهورية، ثم قيل: إنه سيصدر مرسوما بقانون بدال من ذلك، ثم صدر قرار بتفويض تلك

الصالحيات عدا ما يتعلق بالقضاء والدفاع.اتســـم أسلوب كل من املجلس العســـكري ومجلس الوزراء في سياساتهما بطرح مشـــروعات طويلة األجل ال تتناســـب مع كون املرحلـــة انتقالية، أو مع قصر مدة احلكومتني »عصام شرف« ثم »اجلنزوري« وهو ما ال يسمح لكليهما إال بإدارة السياســـات قصيرة األجل، فكان عصام شرف يتحدث عن تصورات وسياسات لتطوير سيناء، وتنميتها واســـتغاللها اقتصاديا، ثم اندمج فترة من الوقت مع مشـــروع د. فاروق الباز في إنشاء شريان اقتصادي غرب النيل، وهو

)1) لقاء املراسلني األجانب، سابق.)2) انظر برنامج احلياة اليوم، قناة احلياة 28-6-2011م:

HTTP://WWW.YOUTUBE.COM/WATCH?V=3K9MFATYGOQ.

Page 89: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 88

مشروع يحتاج إلى سنوات طويلة واســـتثمارات طويلة األجل، ثم ظهر مشروع »مدينة أحمد زويل« للعلوم، وهو أيضا مشـــروع طويل األجل، كل ذلك في ظل

تدهور واضح ملستوى اخلدمات املباشرة واملستوى املعيشي للمواطن املصري.ورغم أن عصام شـــرف صرح منذ توليه الســـلطة أنه سيعمل على حتقيق أهـــداف الثورة، فإنه لم يفعل، ولم يتخذ من السياســـات ما يدعم هذا القول، رغم أن يصر على تكراره حتى عقب جتديد وزاراته في يوليو 2011م أعلن أنه ســـيعمل على حتقيق تلك األهداف، وقال: إنه كلف الوزراء بإعداد ورقة عمل لكل منهم تتعلق بــ»ســـبل حتقيق أهداف الثورة، واحلفاظ على مكتســـباتها،

وبشكل سريع وواضح«.)1) وأصدرت الصفحة الرســـمية ملجلس الوزراء علـــى الفيس بوك تصريحا قالت فيه: إن احلكومة في الفترة القادمة ســـتنطلق من عدة مرتكزات أساسية أولها: حتقيق األمن وحتسني مستوياته، وثانيها: ضمان احلد األدنى من حاجة املواطنـــني، واملرتكز الثالث: هو حتقيق العدالة الناجـــزة وحتقيق العدالة في احملاكمـــات، ورابعها: إجنـــاز مهام التحول الدميقراطـــي وتهيئة املناخ إلجراء

انتخابات حرة ونزيهة. )2) ميكن االســـتفادة هنا بتقومي أستاذ العلوم السياســـية د. معتز بالله عبد الفتاح ألداء املجلس العسكري، وهو عمل عدة أشهر بوصفه مستشارا سياسيا للدكتور عصام شرف وكان قريبا من دائرة اتخاذ القرار ورسم السياسات، يقول د. معتز ملخصا الوضع احلالي: »ســـوء األوضاع = سوء نية + سوء تخطيط +

سوء فهم + سوء ظن«.)3) هذه »الســـوءات األربعة« ال ميكن أبدا أن تدعم عملية التحول السياســـي، بل هي تعرقلها وتثير الفوضى السياســـية التي تؤثر ســـلبا على شكل النظام

السياسي اجلديد.

)1) إيالف 22-7-2011م.)2) الصفحة الرسمية ملجلس الوزراء، 21-7-2011م.)3) برنامج في امليدان، قناة التحرير 18-12-2011م.

Page 90: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

89مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

اخلطورة هنا فيما يتعلق بســـوء النية، تتضح عند اســـتخدام مقاربة –أو مقارنة- مع الوضع التونسي، فقد تولى الباجي قايد السبسي رئاسة احلكومة مدة عشرة أشـــهر، قام خاللها بتنفيذ باقة من السياسات امللتوية التي تهدف

إلى عرقلة أداء أي حكومة قادمة منتخبة حتت قيادة اإلسالميني. ومما قام به السبسي في تونس: زيادة رواتب نصف مليون موظف وإرهاق امليزانية مبا ال تتحمله- ترقية معظم موظفي الدولة حتى الضباط املتهمني بقتل الثوار- إجراء تغييرات واسعة النطاق في السلك الدبلوماسي لقطع الطريق على ف عددا كبيرا من رموز النظام الســــابق في مناصب مهمة احلكومة املقبلة- وظبصورة يصعب تتبعها وحصرها أو التعامل معها إال من خالل أزمات مستمرة.

ثم صرح السبسي وهو يتجهز لتسليم احلكومة املنتخبة: »حكومتنا أعدت برنامجا اقتصاديـــا يقطع مـــع أي مرجعية أيديولوجية، ولهذا أعتقـــد أن املجموعة الوزارية اجلديدة ستواصل تنفيذ هذا املخطط الذي أعدته شبكة من اخلبراء التونسيني«.)1) هـــذا ما يبدو أن حكومـــة اجلنزوري جاءت لتنفيـــذه، فالرجل: »يتصرف ويتحدث وكأنه جاء ليبقى إلى األبد، وأنه ســـيضع السياسات لسنوات قادمة، ويتعاقد من أجل االستثمارات القادمة في الوقت الذي من املفترض أن حكومته

التي ستبقى ستة أشهر فقط جاءت لتسيير األعمال«)2). ومن املالحظات املهمة بشأن مهمة تلك احلكومة، إصرار د. كمال اجلنزوري على إبراز احلالة املترديـــة لالقتصاد، فقال: »الوضع االقتصادي أخطر بكثير

مما يظن أحد«.)3) فإذا كان الوضع بهذا الســـوء، فماذا كانت تفعل حكومة شرف طيلة ثمانية أشـــهر، وهل هذا التردي نتيجة مباشـــرة النهيار النظام الســـابق؟ أم لتخبط سياسات احلكومة السابقة، والتي كانت تعمل حتت إشراف املجلس العسكري؟

)1) مقال املهمة احلقيقية حلكومة اجلنزروي، سابق.)2) املرجع السابق.

)3) فرانس24 12-12-2011م.

Page 91: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 90

السياسات السلبية: ليس من السهل حصر السياسات السلبية؛ ألنها من قبيل »املتروك«، والترك قد يكون عمدا أو عجزا، واحملاســـبة على كل منهما تختلف متاما، لكن يكفى

ذكر أمثلة على أبرز أمناط هذه السياسات.فمنها: عدم اتخاذ قرارات واضحة لتحسني شئون احلياة اليومية للمواطنني، فال تزال احلالة املعيشـــية كما هي دون حتســـن إن لم تكن تدهورت في كثير من املناطق، ولدى كثير من شـــرائح املجتمع بعد الثورة، فقد ارتفعت األسعار، وتوقفت أو تقلصت أنشـــطة جتارية كثيرة، وتعطل كثير من العاملني املؤقتني، وأصبحت كلمة »كساد« هي األكثر شيوعا لوصف احلالة االقتصادية في أغلب

القطاعات.ولم تطرح احلكومة برامج تنموية شـــاملة رغم إســـرافها في احلديث عن املشـــروعات االســـتثمارية طويلة األجل، كما لم تتغير السياسات التعليمية أو برامـــج الرعاية الصحية، وحتى قضية احلد األقصـــى لألجور، لم يصدر بها

قانون إال نهاية ديسمبر املاضي. )1) وكان ميكـــن أن توفر على خزينة الدولة عشـــرات املاليني لو صدرت قبل

ذلك بأشهر.لم تتخذ حكومة املجلس العســـكري أي سياسات جدية للحد من الفوضى األمنيـــة، واكتفى املســـئولون بإطالق التصريحات املطمئنـــة، وعندما أجريت االنتخابات كان اجلميع يتوقع أن تسيل الدماء وتكثر االشتباكات بسبب االنفالت

األمني، لكن كانت املفاجأة هي الهدوء التام الذي يطرح تساؤلني خمتلفني: األول: هل يعني التوقف الفوري للفوضى أثناء االنتخابات أن احلكومة هي

التي تتحكم فيه، وبالتالي عندما أرادت توقف من فوره؟الثاني: إن كان املجلس العســـكري قادرا علـــى وقف االنفالت األمني بهذه

القوة، فلماذا غض الطرف عنه طيلة األشهر املاضية؟

)1) املصري اليوم ، 10-1-2012م.

Page 92: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

91مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

أيضا، قضية األموال املهربة للخارج التي انتهبها رموز النظام الســـابق، ال توجد أي محاوالت جدية الستردادها، والكالم عنها »موسمي« مثل الكالم عن احلالة الصحية للرئيس املخلوع، ينشـــط فجأة ثم يختفي فجأة، وعندما يتكلم املسئولون يؤكدون ويشيدون باجلهود احلثيثة والوعود التي أطلقتها احلكومات الغربية بحل هذه القضية، ثم ينشـــر تقرير بعد فترة بأن هذه احلكومة أو تلك

لم تتلق طلبات جدية باسترداد األموال.ويذكر د. محمد محســـوب رئيس جلنة استرداد األموال- وهي جلنة غير رسمية- أن: »وزراء حكومة عصام شرف كانوا يتحدثون في املوضوع بدون أي حترك، ولكن حكومة اجلنزوري ال يتكلمون في املوضوع من األساس، والغريب أنهم يفكرون في االســـتدانة والقروض من اخلارج«، وعن قيمة األموال املهربة قال: »اإلحصاء لم يتم حتى اآلن، ولكن هناك دراســـات مت نشرها في مجالت متخصصـــة عاملية تفيد بأن هناك مـــن 220 إلى 300 مليار دوالر خرجت من

احلافظة املالية املصرية في خالل 20 سنة«.)1) من السياسات السلبية املهمة، ما يتعلق مبكافحة الفساد، الذي كان تفشيه أحد أســـباب اندالع الثورة، فمن الغريب أنه حتى اآلن لم تنشـــئ احلكومة أو املجلس العســـكري أي جهاز إداري ملكافحة الفساد ومحاصرته، رغم اإلعالن أكثر من مرة عن قرب تأسيســـه، وكان شـــرف قد أكد فـــي يوليو 2011م أن احلكومة بصدد إنشـــاء »الهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد«)2)، لكن ذلك لم يحدث، وبالتالي -عكس ما يحدث في أغلب الثورات- لم تظهر حركة محاربة ومحاكمة واســـعة وشاملة للفســـاد، فال يزال كثير من رموز النظام السابقني-سياسيني واقتصاديني- ممن يتيقن الشعب فسادهم وإفسادهم، أحرارا طلقاء

ميارسون أعمالهم وبعضهم متهم بالتخطيط ألعمال الثورة املضادة.

)1) بوابة الشباب، األهرام 17-1-2012م.)2) إيالف 22-7-2011م.

Page 93: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 92

آليات التحول:على صعيد آليات التحول، فقد سعى املجلس العسكري إلقرار قوانني تسمح بتأسيس األحزاب مبجرد اإلخطار؛ لتسهيل مناخ التعدد السياسي، لكن لم يصدر حتى اآلن قانون للجمعيات األهلية يســـمح بحرية تأسيسها دون شروط وقيود معوقة، وبالتالي فإن املجتمع املدني لم يلعب دوره املؤثر حتى اآلن، وسبق احلديث

عن استقاللية اإلعالم وعن الدور السلبي الذي يلعبه اإلعالم احلكومي.على صعيـــد الفصل بني الســـلطات، فحتى ينايـــر 2012م كان املجلس العسكري ال يزال يحتفظ بكافة السلطات والصالحيات التنفيذية والتشريعية، وبحســـب نص املادة 56 من اإلعالن الدســـتوري الصادر بعد االســـتفتاء في مارس 2011م فإنها تنص على أن يتولى املجلس األعلى للقوات املسلحة إدارة شـــئون البالد، وله في سبيل ذلك مباشرة ســـلطات التشريع وإقرار السياسة العامـــة للدولة واملوازنة العامة ومراقبة تنفيذها، وتعيني األعضاء املعينني في مجلس الشعب ودعوة مجلسي الشعب والشورى النعقاد دورته العادية وفضها، والدعـــوة الجتماع غير عـــادي وفضه، وحق إصدار القوانـــني أو االعتراض عليها، والسلطات واالختصاصات األخرى املقررة لرئيس اجلمهورية مبقتضى القوانني واللوائح، ويكون للمجلس الســـلطة في إصدار القوانني والتشريعات خالل إدارته للفترة االنتقالية، وحلني انتخاب رئيس وبرملان جديد يتســـلم منه

هذه االختصاصات. )1) وفيما يتعلق بالقضاء، فال يزال قانون القضاء اجلديد معطال حتى اآلن، رغم أن املطالبة باســـتقالل القضاء أحد البنود الرئيسة التي طرحها الثوار والقوى السياسية منذ فبراير 2011م، وال تزال االنتقادات توجه إلى كثير من احملاكمات املتعلقة برموز النظام الســـابق والضباط املتهمني بقتل الثوار، ويرى كثيرون أنها تتعرض لتدخالت من السلطة، وتتحدث تقارير إعالمية كثيرة عن اتهامات بتحويل قضايا النظام السابق إلى قضاة بعينهم لضمان صدور أحكام مخففة أو بالبراءة.

)1) مصراوي، 27-10-2011م.

Page 94: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

93مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الرابع الطريق إلى الدولة.. المجلس العسكري والتحول السياسي

على صعيد ترســـيخ االنتخابات كوسيلة للوصول إلى السلطة، فلم يحدث تقـــدم حقيقي في هذا املجال إال في االنتخابـــات البرملانية األخيرة، وال تزال مناصب رئيســـة في اجلهاز التنفيذي غير خاضعـــة لالنتخاب رغم املطالبات العديدة من قبل القوى السياسية، مثل »منصب احملافظ« ورئاسة اجلامعة.)1)

إشارات مهمة على طريق التحول السياسي:هذه مالحظات مهمة تتعلق بإدارة عملية التغيري السياسي وتعقيداتها:

1- من أكثر األمناط املتكررة في الثورات هو تراجع مشـــروع إعادة الهيكلة الشـــاملة للعالقات االجتماعية واالقتصادية والسياســـية والثقافية، وذلك مع انغماس القوى السياسية -في مرحلة ما بعد الثورة- في املشاركات السياسية اجلزئية، وتبني سياســـات ترميم وبرامج برجماتية تبحث عن منافع سياســـية

انتخابية قصيرة األجل.2- يقول أحد القيادات الثورية في حركة زاباتيستا الثورية اليسارية في املكسيك: »علينا تطبيق السياســـات بطريقة جديدة، ال ميكن قبول ما هو ممكن فقط؛ ألنه

ا«)2). ا جد سيوصلنا إلى أيدي النظام، هذا نضال صعب للغاية، إنه صعب جدمركز الصعوبة في هذا التوصيف، أن من يرسم حدود املمكن وغير املمكن، ليس بالضرورة الظروف الثورية أو غير الثورية، بل القوة احلاكمة املســـيطرة في املرحلة االنتقالية، وهذا يعني أن االستسالم لـ»ممكنهم« سوف يعيد البالد

من جديد إلى »قدميهم«.3- عمليات إعـــادة الهيكلة البعيدة املدى والتعبئـــة الثقافية واالجتماعية حتتـــاج إلى مجموعة من التحالفات واملـــوارد، والقدرات والتدابير تختلف عن تلك التي صاحبت الثورة منذ بدايتها، فليس بالضرورة أن كل القوى تكون قابلة لتفهم واجب املرحلة أو تكون قادرة على التعامل معها، أو –وهذا األهم- تكون

)1) أجريت انتخابات الختيار رؤساء اجلامعات في عدة محافظات، لكنها انتخابات غير محصنة بالقانون وليس لها صفة إلزامية.

)2) جون فوران، مستقبل الثورات، ص 316.

Page 95: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 94

لها الثقة اجلماهيرية في إدارة هذه املرحلة، حتى لو وثقت فيها اجلماهير في مرحلة بداية الثورة.

4- ليس من احلكمة أن تتبع القوى السياســــية -صاحبة األغلبية – سياسة »تسمني العدو«؛ وذلك بإقصائها القوى واألحزاب العلمانية –أو غير اإلسالميني- خارج األطر املؤسسية مطلقا أو داخلها بعقد حتالفات وتوافقات تستبعدهم، فهذا املسلك يفسح املجال لتنامي الدوافع العدائية وحتفيزها، فاألولى استيعابهم داخل

»اللعبة السياسية« بدال من إبقائهم خارجها يقذفونها باحلجارة.5- عملية التحول السياســـي ليســـت ســـهلة، بل تتســـم بتعقد مساراتها واحتماالتهـــا في كافة البلدان، وتلعب البيئة اخلاصـــة بكل بلد دورا كبيرا في مستوى التعقيد، باإلضافة إلى الظروف اخلارجية، وبصفة عامة ميكن مالحظة

ثالث سمات مهمة لهذه العملية. )1)األوىل: انعدام اليقني، فال يكاد يوجد شيء مؤكد، ال اآلليات وال التوقيتات وال املجاالت، فاألطراف متشابكة وعالقاتها متداخلة، والنظام في حالة سيولة ا، والضغط اخلارجي مجهول في مســـالكه كبيرة والتوازنات قصيرة األجل جد

وأساليبه وتأثيره.الثانية: املدة الطويلة الغامضة، فســـبب كثرة العوامل املتحكمة واملؤثرة في ا توقع متى تنتهـــي أو تقترب من االنتهاء، مســـار عملية التحول، يصعـــب جدومعدل التسارع في وقت من األوقات ال يصلح كمعيار لقياس ما تستغرقه بقية

املهام من وقت، فالظروف قد تتغير ويتغير معها زمن اإلجناز.الثالث���ة: أن عمليـــة التحول حتتاج إلى اســـتمرار –وتنامي- التواصل بني النخبة السياسية اجلديدة وبني اجلماهير، فال يكفي أن يقتصر التواصل على فترة الثورة، ثم على املواســـم االنتخابية، بل يجب توفير وسائل متعددة لتبادل

التأثير بني الطرفني إلنعاش عملية التحول السياسي.

)1) انظر: تقرير حول التجارب الدولية، املنتدى الدولي حول مسارات التحول الدميقراطي، برنامج األمم املتحدة اإلمنائي، يونيو 2011م، القاهرة، ص 7.

Page 96: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل اخلامسمعوقات التحول السياسي

Page 97: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر
Page 98: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

97مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الخامس معوقات التحول السياسي

الفصل اخلامسمعوقات التحول السياسي

علـــى طريق التحول يتناثر كـــم هائل من املعوقـــات والصعوبات في كافة املجاالت، ومن جهات ال حصر لهـــا داخليا وخارجيا، فالتحول يعني تغيرا في النظام السياســـي وفي شـــكل الدولة وأهدافها وتوازناتها، وكلما كانت الدولة ذات ثقـــل إقليمي، كلما كان تأثير ذلك التحول كبيرا، وبالتالي تتضاعف جهود إعاقته وتتكاثر الصعوبات في طريقه، وهذه املعوقات تتشـــكل منذ اليوم األول بعد الثورة، بغض النظر عن كون السلطة بيد املجلس العسكري، أم بيد أحزاب

ورئيس منتخبني. وعلى ذلك فإن تســـليم السلطة من العســـكري إلى املدني ال يعني انتهاء تلك املعوقات، بل قد تظهر مناذج أخرى جديدة، فاملرحلة االنتقالية من عملية

التحول السياسي ال تنتهي بتسليم السلطة إلى املدنيني.يذكـــر جون فوران عددا من معوقات الداخـــل واخلارج، فيقول معلقا على مســـار عمليات التحول في عدد من الثورات: إن القوى الثورية بعد استالمها

السلطة، برزت أمامها سلسلة من الصعوبات، منها:1- كان من الصعب إنشـــاء البنى الدميقراطية احلقيقية إثر الثورات ضد األنظمة الديكتاتورية، فيما الثورات الدميقراطية كانت ضعيفة أمام املناهضني

غير الدميقراطيني، على الصعيدين الداخلي واخلارجي.2- تتمتع التنمية املعتمدة على اخلارج بجذور تاريخية عميقة يصعب عكسها، مهما كان من املمكن حتسني الوضع املادي للغالبية على املدى القصير واملتوسط.3- غالبا ما أخفق بســـرعة حتدي إنشاء ثقافة سياسية ثورية لبناء مجتمع

Page 99: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 98

جديد بســـبب تعدد التيارات الفرعية التي ساهمت في النصر األولي، إضافة إلى العراقيل البنيوية التي واجهتها الثورة كلها.

3- كانت ثورات قليلة قادرة على حتمل النشـــاط املعارض للقوى اخلارجية املسيطرة وحلفائها اإلقليميني.

4- نظـــرا إلى ما ذكر أعاله، فإن االئتالفات الواســـعة النطاق التي كانت شـــديدة الفاعلية في صنع الثورات، لم يعد باإلمكان احلفاظ على متاســـكها؛ بســـبب اآلراء املختلفة حيال كيفية إعادة صنع املجتمع وقدراتها غير املتكافئة

على بسط تصوراتها. )1) من املشكالت كذلك: حاجة القيادات السياسية إلى اتخاذ قرارات حاسمة فـــي مواجهة كم هائل من املشـــكالت، بينما تلقى معارضـــة ذات طابع ثوري جماهيري، بحيـــث إن أغلب القرارات تعارضها بعض فئات الشـــعب، وهؤالء يســـتخدمون أســـاليب احتجاجية، مثل االعتصام والتظاهر، فـــإن واجهتهم الســـلطات بقوة اتهمت األحزاب احلاكمـــة باالنقالب على الثورة، وإن تركتهم،

تعثر األداء احلكومي.ومنهـــا، أن األنظمـــة التي حتكم بعد الثورات متيل إلـــى تقدمي منح مالية لقطاعات كبيرة من الشـــعب تتمثل في زيادة األجـــور، أو إعانات البطالة، أو حتسني بعض اخلدمات، وهي حتمل احلكومة أعباء مالية توقعها في مشكالت

أعظم بعد فترة، مثل: التضخم واضطراب سوق العمل. )2) على مدار القرن املاضي، تعرضت ثورات كثيرة النتكاســـات، أو تقلص في مكاسبها؛ بسبب هذه املعوقات، ففي روســـيا، الصني، كوبا، برزت االشتراكية املستبدة الفقيرة نســـبيا، وفي جواتيماال، تشيلي، غرينادا، أطيح بالثوار، وفي املكســـيك وبوليفيا ونيكاراجوا أدى التغيير البطيء إلـــى عدة انقالبات، وفي

الفلبني وزائير تقلصت الثورات االجتماعية إلى ثورات سياسية محدودة. )3)

)1) جون فوران، مقالة بعنوان: كيف سيكون لثورات املستقبل نتائج أفضل؟، ص 313، بتصرف.)2) انظر جون فوران، السابق.)3) انظر جون فوران، السابق.

Page 100: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

99مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الخامس معوقات التحول السياسي

على أنه ال يســـعنا تغطية كل املعوقات احملتملة فـــي احلالة املصرية، لذا ســـنكتفي بذكر اثنني منها؛ ملا لها من أهمية خاصة، وهي: الفوضى الطبيعية، والفوضى املخططة أو الثورة املضـــادة، وواقع األمر أن كال منهما ليس معوقا

واحدا، وإمنا مجموعة من املعوقات املنتظمة في سياق واحد.

الفوضى الطبيعية:اخلـــوف ينتج الفوضى، والفقـــر ينتج الفوضى، والظلـــم ينتج الفوضى..

واحلرية أيضا تنتج الفوضى..حتـــت حكم مبـــارك حتولت فوضى احلـــاالت الثالث األولـــى من مجرد انعكاسات تلقائية لظواهر اجتماعية إلى وضع -أو نظام- يتسم بالثبات وقابلية االســـتمرار والنمو، بينما في حالة احلرية؛ فإن الفوضى حتدث بسبب انهيار األسوار، وتفكك القيود، واستنشاق الهواء الطلق للمرة األولى، وهذا وضع أشبه باالنفجار الذي يتخذ شـــكال دائريا ممتدا، ثم يتقلـــص إلى مركزه، فال تلبث اجلماهير أن تســـكن عندما تدرك أال شيء ســـيفوتها، وأن حريتها باقية، وأن

حقها لن يغتصب وإن تباطأت في حتصيله.إنها فوضى ال تتحول إلى نظام حياة، لكنها تتالشى ليحل محلها النظام.

يشـــير البروفيسور املتخصص في الفكر الثوري -جني شارب - إلى مفهوم »فوضى احلرية« وكونه طبيعيا ال داعي أن يفرز إحباطا ويأسا، يقول: »ال يجب أن يعتقد أحد أن مجتمعا مثاليا سيظهر فور سقوط نظام احلكم الديكتاتوري، فسقوط احلكم الديكتاتوري هو مبثابة نقطة البدء.. ستستمر املشاكل السياسية واالقتصادية واالجتماعية اخلطيرة لســـنوات طويلة، مما يتطلب تعاون الكثير من الناس واجلماعات إليجاد حل لها، فعلى النظام السياسي اجلديد أن يوفر فرصا أمام الناس، رغم اختالف آرائهـــم، لكي يكملوا العمل والبناء والتطوير

السياسي ملعاجلة املشاكل في املستقبل«)1).

بروفيسور تأليف: جني شارب، للتحرر، إطار تصور الدميقراطية، إلى الديكتاتورية كتاب: من (1(العلوم السياسية في جامعتي ماساتشوستس، وهارفارد، إصدار: مؤسسة ألبرت أينشتاين، ص 57.

Page 101: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 100

عندما تنجح الثورة اجلماهيرية يعقبها انتقال فوري مفاجئ من مناخ القمع واغتصاب احلريات السياســـية والثقافية إلى مناخ احلرية واالنفتاح، مع غياب رأس النظـــام الديكتاتوري وعجز النخبة الســـابقة عـــن ترميم النظام القدمي وإنعاشـــه، فاقم من حـــدة االنتقال – في مصر- قصر املدة التي اســـتغرقتها

الثورة، فاألجواء تغيرت بنسبة مائة وثمانني درجة في 18 يوما فقط.نتـــج عن هذا االنتقال حالة من الفوضى الشـــاملة – املتوقعة - عمت كل أركان النظام واحلياة السياســـية واليومية للمواطنني، وأخطأ البعض بنســـبة هذه الفوضى إلى الثـــورة كمصدر أصيل، بينما مصدرها احلقيقي هو النظام السابق، الذي بعث الفوضى والعشـــوائية في املجاالت كافة: في عقول الناس وتفكيرهم، في حياتهم ومواردهم ومعايشـــهم، في التعليم واإلعالم والسياسة

والصناعة والصحة. ثالثون عاما من الفوضى العارمة شـــملت مناحـــي احلياة كافة، ال ميكن لهـــا أن تزول في أيـــام قليلة، كما ال ميكن للثورة أن تتســـبب فيها أيضا بأيام قليلة، يقول د. عمرو الشـــوبكي اخلبير في مركز األهرام للدراسات: »إن زيادة شـــكوى الناس من الفوضى والبلطجة، وغياب األمن، وزيادة حدة االستقطاب السياسي، وانتشـــار خطابات التخوين والتكفير، واالحتقان الطائفي، وحتميل الثورة مســـئولية هذه املصائب، أمر فيه كثير من التجني وعدم اإلنصاف؛ ألنه يتناســـى أن كل هذه األشياء هي من تركة »مبارك« التي تركها للشعب املصري

نتيجة طريقته في احلكم«)1). يســـتخدم احملللون والصحفيون الناقدون للثورات اإلحصاءات التي تكشف عن ارتفاع نسب القتل والســـرقة واالغتصاب والتعدي... إلخ في سياق سلبي يرتبـــط بالثورة، وكأن املجتمع املصري قبلهـــا كان »املدينة الفاضلة«؛ حيث ال جرائم وال جتاوزات وال مخالفات، »من يقل لي: إن مصر كانت بال بلطجة وبال فوضى وبال عشـــوائية فسأقول له: أنت كاذب، ومن ينكر أن احلكم باملواءمات

)1) املصري اليوم، مقال: تركة مبارك، د. عمرو الشوبكي، 25-8-2011م.

Page 102: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

101مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الخامس معوقات التحول السياسي

وبجلســـات الصلح العرفية كان هو املعتمد في عهد مبارك بديال عن القانون، فســـأقول له: إن الكذب حرام في رمضان و)غيـــر رمضان)؛ ألن »مبارك« هو

الذي أسس هذه الطريقة«)1). وميكن توضيح التداخل »الفوضوي« بني النظام السابق والثورة مبثال بسيط:

إذا افترضنا جدال أن نســــبة الفوضى في أداء النظام الســــابق هي %60 - كمثال - فإنه عندما يسقط النظام وتنهار أركانه ومؤسساته، يتالشى 30% على األقل من األداء املنتظم، وتصبح نســــبة الفوضى 90%، لذلك يشعر البعض وكأن الثورة هي التي أنتجت هذه الـ90% من الفوضى، بينما حصتها ال تتعدى الــ%30.وســـواء كان االنفالت األمني طبيعيا أو ألسباب أخرى كما سيأتي، إال أن اخلوف يدفع الناس إلى اتخاذ احتياطات مبالغ فيها أو تصوير األمر مبا يفوق

حقيقته على األرض.وكشف استطالع للرأي أجراه مركز جالوب- أبو ظبي- عن ارتفاع مستوى اخلوف لـــدى املصريني مقارنة بثبات معدالت اجلرائم في األشـــهر األخيرة، وتســـتند النتائج إلى عينة تقارب 1000 شـــخص مصري بالغ، في الفترة من عام 2008م وحتى أغسطس عام 2011م، وسئل املستطلع آراؤهم ثالثة أسئلة: هل تعرضت أو أحد أفراد أســـرتك إلى سرقة أموال أو ممتلكات؟ هل تعرضت العتداء أو سرقة؟ هل تشعر باألمان عند السير مبفردك ليال في املنطقة التي

تعيش فيها؟)2) وكانت املفاجأة أن الشـــعور الغامض بعدم األمان قد ارتفع مقارنة بثبات –تقريبي- لنسبة التعرض العتداءات فعلية ما بني 2010-2011م- انظر الرسم البياني- وهذا يوضـــح أن في دولة مثل مصر يبلغ تعدادها 81 مليون مواطن، فإن الزيادة في معدالت اجلرائم بنســـبة 200% مثال، قد متثل قفزة إحصائية

)1) انظر االستطالع على موقع مركز جالوب –أبو ظبي- بتاريخ 15-10-2011م، تقرير: مصر من التحرير إلى التحول.

)2) املصري اليوم، مقال: تركة مبارك، د. عمرو الشوبكي، 25-8-2011م.

Page 103: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 102

كبيرة، لكنها على أرض الواقـــع حتدث أثرا من اخلوف أكثر من األثر العملي، كما أنه أيضا -من وجهة نظر إحصائية كذلك- إذا كان ظهور هذا التغير على منحنى اجلرائم يبدو واضحـــا للغاية، فإنه على منحنى تأثر املواطن-عمليا ال

شعوريا- ال يكاد يالحظ.

االنفالت األمني:قال اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية في حكومة د. عصام شرف: إن الوزارة »ماتت« يوم 28 يناير، يوم الغضب، وبحســـب تصريحات الوزير لم يعد هناك أي ضابط في ميدان العمل في مصر كلها، وأن حوالي 90 منشأة للوزارة

مت تدميرها وأحرقت 4 آالف سيارة)1). وبافتـــراض صحة البيانات التي أدلى بهـــا الوزير، وبغض النظر عن املهام

)1) حوار مع برنامج العاشرة مساء، 29 يونيو 2011م، وتصريحات أدلى بها في مؤمتر صحفي من مبنى الوزارة يوم 13-7-2011م، املصري اليوم.

Page 104: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

103مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الخامس معوقات التحول السياسي

األخرى التي اتهم بعض رجال الشـــرطة مبمارســـتها أثناء الثورة، وفي سياق محـــاوالت إجهاضها، فإن جناح الثورة يوم 11 فبراير وإعالن تنحي مبارك عن احلكم، كان إيذانـــا بدخول وزارة الداخلية إلى عهد جديد متاما، فقد انهارت

القبضة األمنية للنظام؛ ألن النظام نفسه قد انهار.فتالشت أساليب استعراض القوة واستخدامها املفرط في قسوته، وتفكك جهاز أمن الدولة نفســـه، ولم يعد رجال الشـــرطة قادرين على اتباع األساليب

القدمية في »إهانة املواطن«، وأصبح »البلطجية« عاطلني عن العمل.لكن مع ذلك فإن املؤشــــرات حول وجود تنظيمات أمنية سرية يتم حتريكها في اخلفاء تتزايد باضطراد حتى بلغت مســــتوى التهكم من قبل القوى الثورية بتصريحات املجلس العسكري عن وجود »طرف ثالث« يعبث في األمن الداخلي ويثير الفنت، واصطلح الناشطون على تسميته »اللهو اخلفي« على سبيل السخرية؛

حيث اعتاد املجلس أن ينسب إليه التسبب في حوادث االعتداء الغامضة.وقد برز دور هذا التنظيم األمني الســـري أثنـــاء الثورة بتجنيده للبلطجية وتوظيفهم سياســـيا كما كان يحدث في مواســـم تزوير االنتخابات، وكشف د. صفـــوت حجازي - األمني العام ملجلس أمناء الثورة في مصر - في شـــهادته على أحداث الثورة، بعض التفاصيل حول دور البلطجية، فقال: »إن الثوار كانوا ميســـكون باملئات من هؤالء يوميا في املرحلـــة األولى من الثورة، وأن الداخلية لكي متوه دورهم أصدرت بطاقات رقم قومي جديدة للمئات منهم بتاريخ ثابت هو »يناير 2011م«، وبأرقام متسلســـلة متقاربة، وبـــدون مهنة مثبتة، حتى ال ميكن التعرف عليهم بســـهولة من قبل الثوار عندما يدخلون إلى امليدان، وقال د. حجازي: إن »بلطجية الداخلية« كانوا يتعاطون املخدرات أو املســـكرات قبل مجيئهم إلى ميـــدان التحرير حتى يفقدوا أي إحســـاس باأللم حال تعرضهم للضرب أو الهجوم، وقال: »أنا متخيلتش إن في بشر بالشكل ده .. ما فيش أي

نوع من أنواع البشرية موجود غير الهيكل«)1).

)1) برنامج شاهد على الثورة، ج7، اجلزيرة نت 4-9-2011م.

Page 105: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 104

ال شـــك أن انهيار القبضة األمنية للدولة التســـلطية يعـــد إجنازا عظيما للثـــورة، إال أنه جاء مصحوبا بســـلبيات متوقعة –بعضهـــا متعمد- متثلت في افتقاد املجتمع ملنظومة أمنية بديلة حتل مكان القدمية، وتســـد اخللل الناجم

عن غياب األجهزة األمنية.باختصار؛ دخل املجتمع في فوضى أمنية اســـتمرت أشهرا متتالية قبل أن

تتراجع ببطء.ومن خالل حتليل عشرات من حاالت الفوضى األمنية يف جماالت احلياة اجملتمعية

كافة؛ ميكن حتديد اخلطوط العامة التالية:1- تتلخص مواقف رجال األمن في مرحلة ما بعد الثورة فيما يلي: االمتناع العمد عن مباشـــرة مهام العمل )فقدان الهيبة، النفوذ - االنتقام من الشعب) - املباشـــرة االنتقائية ملهام العمل )أسلوب: إثبات احلالة) – العجز عن تطبيق القانون )الفوضـــى االرجتاعية، مبعنى: ضعف التواجـــد األمني أنتج فوضى أمنية، وتنامي الفوضى يعرقل محاوالت إعادة التواجد األمني، فتزداد الفوضى

أكثر، وهكذا).2- غياب جهاز الشـــرطة عن ضبط جتاوزات العالقات املجتمعية أدى إلى فوضى عارمة، ســـواء في توالد النزاعات ألسباب تافهة، أو في السعي حللها عن طريق العنف الذي يصل أحيانا إلى اســـتخدام األسلحة النارية، رمبا أليام

متتالية.3- متددت الفوضى لتصيب الهيكل اإلداري لوزارة الداخلية نفســـها، فمن املعروف سابقا تعدد شـــكاوى التمييز »الوظيفي« داخل أجهزة األمن، فحدثت مواجهات وتظاهرات واعتصامات متكررة داخل أقسام الوزارة، متيزت بطابعها الثنائي: فئة صغار الضباط في مواجهـــة الضباط ذوي املناصب العليا، أمناء

الشرطة وصف الضباط في مواجهة الضباط، اجلنود في مواجهة اجلميع.4- بعـــد الثورة تنامت ظاهـــرة »البلطجة« بصورة مخيفة، فقد اكتســـب »البلطجية« بتأثير عالقتهم الوثيقة مع أمن النظام السابق ورموزه، خبرة كبيرة

Page 106: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

105مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الخامس معوقات التحول السياسي

في جتاوز أجهزة األمن في حال قوتها، فكيف بوضعها احلالي، كما اســـتمرت بعض شـــبكات التعامل الســـري في العمل دون توقف –ســـيأتي ذكر ذلك في مواضـــع قادمة-، وقـــد ذكر وزير العدل محمد عبـــد العزيز اجلندي أن عدد

البلطجية حاليا رمبا يصل إلى نصف مليون شخص)1). 5- على صعيد البلطجة أيضا، يالحظ تغيرات ســـلوكية مهمة: أولها: أن هـــذه »املهنة« أصبحت جاذبة لعدد متزايد من العاطلني غير املتعلمني، املنتمني إلى الطبقات ذات الفقر املدقع، وهذا ينذر بخطر بالغ؛ ألن تعداد هذه الطبقات باملاليني وهم منتشـــرون في أنحاء مصر، ثانيها: أن كثيرا من املنتمني – سابقا - إلى ميلشـــيات الداخلية واحلزب الوطني، أصبحوا في حالة بطالة مزدوجة مع فقد مصدر مهم للدخل، وهو ما دفعهم حملاولة تعويضه بتوسيع نطاق العمل اإلجرامـــي.. ثالثها: بروز ظاهرة »العصابات املســـلحة« اجلديدة على املجتمع املصري، رابعها: اكتســـبت »البلطجة« نوعا من الشـــرعية املجتمعية؛ إذ أصبح استخدام البلطجية واردا في حل بعض املشكالت، خاصة مع مجموعات أخرى من البلطجية، فمن تعرض لسرقة أو اغتصاب بعض ممتلكاته، يوظف بلطجية

أكثر قوة الستعادة حقه املغتصب.6- انتشـــار ظاهرة اقتناء األسلحة وحملها، ســـواء كانت مرخصة أو غير مرخصة، من أجل ممارســـة »البلطجة« أو للحماية منها، فعلى صعيد السالح املرخـــص، تذكر بيانات نادي الصيد املصري أن ســـاحة التدريب على الرماية كانت شبه مهجورة قبل الثورة، ولكنها بعد الثورة وفي خالل خمسة أشهر فقط استقبلت 500 متدرب يسعون لترخيص سالح)2)... وعلى صعيد جتارة األسلحة، تزايدت كميات األســـلحة املهربة إلى مصر من مناطق مجاورة مضطربة- مع تزايد الطلب عليها وارتفاع أســـعارها- ســـواء من غزة أو ليبيا أو الســـودان، والالفت هنا هو تطور نوعية األســـلحة املهربة، فقد ضبطت أجهزة األمن في

)1) املصريون 11-6-2011م. )2) العربية نت 22-7-2011م.

Page 107: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 106

إحدى حمالتها على مدينة 6 أكتوبر 44 قاذفا صاروخيا »آر بي جي« بينها اثنان مزودان بتليســـكوب باإلضافة إلى 33 عبوة دافعة خاصة بقذيفة »آر بي جي«

وأربع مجموعات قاذف صاروخي)1).

الفوضى التصحيحية:قبل الثورة بنحو أســـبوعني، خاطب حسني مبارك قضاة مصر متحدثا عن العدالة، فقال: »نســـعى لتحقيق العدالة الناجزة، مقتنعني بأن العدالة البطيئة تورث اإلحســـاس باملرارة لدى املواطنـــني، ومتطلعني للمزيد من جهود قضاتنا للتعجيل بالفصل في القضايا؛ كي ينال كل ذي حق حقه، ولكي ال يطول انتظار

املتقاضني أو تطول معاناتهم«)2). لم يكن مبارك معنيا بتحقيق العدالة للمصريني، أو بإزالة إحساسهم باملرارة والظلم، وقد اشتهرت عباراته التي ألقاها أثناء املؤمتر السنوي السادس للحزب الوطني عام 2010م، عندما خاطب أحد احلضور قائال: »إنت فاكر يعني حاقعد

افر كل حاجة في البلد يعني.. يا راجل كبر مخك«)3). كان شـــعار مبارك إذن جتاه مظالم املصريني هو »كبر مخك«، وهو أســـوأ شـــعار ميكن أن يتخذه رئيس دولة يبلغ تعداد ســـكانها أكثر من ثمانني مليون نســـمة، سيســـأل عنهم أمام الله يوم القيامة، وتزداد املرارة عندما نقارن هذا الشـــعار بكلمات حاكم مثل عمر بن اخلطـــاب رضي الله تعالى عنه، التي عبر فيها عن خشـــيته من أن يسأل عن بغلة عثرت على طريق العراق ألنه لم ميهد

لها الطريق.مبجـــرد اإلعالن عن تنحي مبارك، وتفـــكك منظومة حكمه، حدث اندفاع تلقائي من اجلماهير ألجل رفع الظلم، وحتصيل املصالح الضائعة، واســـتعادة احلقوق املغتصبة، إنها عملية »تصحيح« كبرى خاضها املصريون بكل جوارحهم

)1) الوفد 20-8-2011م.)2) مجلة روز اليوسف 12-1-2011م.

(3)http://www.youtube.com/watch?v=5kHyT4T0jFI

Page 108: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

107مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الخامس معوقات التحول السياسي

وطاقاتهم، وهي عملية أخذت شـــكال فوضويا ومسارات فردية وجماعية، ولم تتقيـــد بقانون أو نظام، فقد اختفى اخليـــط الرفيع بني ما هو قانوني وما هو غير قانوني، وأصبح الشـــعار الوحيد هو »رفع الظلم«، فالشخص الذي يرى أن النظام ظلمه ســـنوات طويلة، يحدد بنفسه الطريقة التي يرفع بها الظلم، دون نظـــر إلى مدى قانونيتها، فتعددت املخالفـــات اإلدارية والقانونية في مجاالت عدة مثل: البناء بدون ترخيص، البناء على األراضي الزراعية، إقامة أكشاك أو أبنية في أماكن مملوكة للدولة - عدم االلتزام باألنظمة املرورية - عدم االلتزام

بدفع الفواتير الشهرية- ... إلخ.كمـــا برزت ظاهرة »املطالب الفئويـــة« املتمثلة في جتمع أصحاب املصالح

املشتركة للمطالبة بتصحيح أو تعديل أوضاع يرونها ظاملة لهم.بهـــذه الوضعية لم تعـــد نظرية »النخبـــة« أو »الصفـــوة« مالئمة لتحليل السياســـات العامة في مصر، فقد انحلت النخبة وبـــدأت »نخبة جديدة« في التشكل ببطء، وميكن استخدام نظرية »اجلماعات« لتحليل السياسات في هذه املرحلة، وبحسب هذه النظرية فإن السياسات هي نتاج للتنافس بني املجموعات

املختلفة، وهو ما جتلى بوضوح على الساحة السياسية املصرية بعد الثورة.واملجموعة عبارة عن تنظيم يضم أفرادا على أساس من املصلحة املشتركة، وتصبح هذه املجموعة »جماعة مصلحة« حينما تقدم مطالب ألي من مؤسسات احلكومة، على أســـاس هذه النظرية؛ فإن أهمية الفرد في صنع السياســـات تكمن في مشـــاركته في مجموعة، ومن املفاهيم التي تستخدمها هذه النظرية

لتحليل السياسات:1- جميع شـــرائح املجتمع قادرة على التأثير في سياسة احلكومة بفاعلية

مت نفسها. أكبر إذا ما نظ2- سياسة احلكومة هي نتيجة للمساومة واحللول الوسطى بني اجلماعات.

3- تتداخل عضوية اجلماعات ومتيل إلى أن تكون متشابكة)1).

للدراسات العلمي املركز العامة، السياسات حتليل إلى مدخل احلسني، مصطفى أحمد د. (1(

Page 109: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 108

قد تكون اجلماعات املتكونة في هذه املرحلة »بدائية« نوعا ما، ولكنها مؤقتة حتى تســـتعيد القوالب التنظيمية اجلماعية األخرى قوتها وتصحح أوضاعها، مثـــل: النقابات، واجلمعيات.. إلخ، وال شـــك أن هـــذه اجلماعات التي رفعت مطالبها الفئوية قد جنحت إلى حد كبير في حتقيق العديد من املكاسب، وهذا النجاح في حد ذاته ميثل دافعا آلخرين حملاكاتهم حتى وإن كانت مطالبهم غير ملحة أو ال عالقة لها بتعنت النظام السابق أو سياساته، فاملواطن العادي أدرك بسليقته مع الوقت أنه أصبح قادرا على ممارسة الضغط على احلكومة، وأنها تستجيب لذلك الضغط، وقد أكســـبته »ثقافة الثورة« خبرة جديدة في تنظيم

التظاهرات واالعتصامات وصياغة الشعارات واملطالب.مـــا يجعل عمليـــة التصحيح تأخذ شـــكال فوضويا، هو حالـــة االندفاع اجلماهيـــري غير املنظم، واالنتقال املفاجئ من منـــاخ القهر والقمع إلى مناخ احلريـــة واآلفاق املفتوحة مع اختفاء القبضة األمنية، هذا االنتقال ألقى بآالف احلاالت واملشكالت واألزمات إلى السطح مرة واحدة، وبتدفق يعجز أي حكومة

عن استيعابه في زمن يرضي اجلماهير.فبعد سبعة أشـــهر على تنحي مبارك، كان مشهد التظاهرات أمام مجلس الوزراء في يوم واحد كالتالي: تظاهر العشرات من أصحاب العقارات للمطالبة بتعديل قانون اإليجارات القدمية، وتظاهر املئات من العاملني بشـــركة الســـد العالي للمشـــروعات الكهربائية والصناعية، وشـــركة »إيجيليكت« أمام وزارة الكهرباء؛ للمطالبة بدمج الشـــركتني مع الوزارة، وعلى الرصيف نفسه، تظاهر العشرات من العاملني في املجلس األعلى لآلثار للمطالبة بالقضاء على الفساد واحملســـوبية، وعلى اجلانب اآلخر من رصيف املجلس، استمر اعتصام عمال شركات البترول لألسبوع الثاني على التوالي، كما أقامت ثالث أسر من مدينة السالم خيمة أمام مجلس الوزراء للمطالبة بحصولهم على شقق من احملافظة،

السياسية، جامعة اليرموك األردن، 2002م، ص 111-110.

Page 110: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

109مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الخامس معوقات التحول السياسي

بعد تعرضهم للطرد من جانب مالك الشقق بعد قيام الثورة. )1) ومع تأخر االستجابة تتزايد الفوضى، ومع حتقق االستجابة يتشجع آخرون للتقدم مبطالبهم، فهي دائرة مفرغة ستظل قائمة لفترة من الوقت كأثر طبيعي للثورة، ويذكر جون إهرنبرج وضعا مشـــابها نتج في إثر الثورة الفرنسية، التي يقول إنها: »هيأت الفضاء الذي ســـتجري فيـــه الصراعات الدميقراطية، لقد شرعت املساواة أمام القانون الباب واسعا أمام املشكالت االجتماعية احلديثة املميزة، وهي مشـــكالت مـــا كان لها أن تظهر مادامـــت مخفية خلف حجاب

العالقات االجتماعية والسياسة اإلقطاعية«)2). على الرغم مما حتمله »الفوضى التصحيحية« من ســـلبيات، فهي ال تخلو مـــن إيجابيات مهمة، فعملية التصحيح، وما يرافقها مـــن إعادة إنتاج للثقافة الثوريـــة، تعيد صياغة »املواطن املصري«، وتخرجه مـــن حالة الالمباالة التي متيز بها عقودا متتالية، وهي حالة منوذجية للحكام الطواغيت الذين ينشدون البقاء في ســـدة احلكم حتى املمات، أما منوذج »املواطن الثوري« الذي ال يكف عن املطالبة بحقه، والذي تتخذ مطالباته شـــكال جماعيا منظما، فهو اخلطر

األكبر على هذا النموذج من احلكام.ومن األمثلة املوحية مبدى التغير في الثقافة املصرية، خصوصا في ناحية تعاملها مـــع النخبة، قصة املواطن عزت عبد العليم مـــع رجل األعمال البارز محمد فريد خميس - املقرب من النظام السابق وعضو مجلس الشورى املنحل - فقد اتهم املواطن رجل األعمال بصفعه وســـبه أمام الناس أثناء زيارة رئيس الوزراء عصام شرف ملدينة العاشر من رمضان، ثم قام على الفور بتقدمي بالغ ضده في قسم الشـــرطة، وأعلن االعتصام واإلضراب عن الطعام، فتصاعدت القضية وتدخل فيها وســـطاء علـــى درجة كبيرة من األهميـــة، مثل محافظ

)1) املصري اليوم 12-9-2011م.)2) املجتمع املدني، التاريخ النقدي للفكرة، تأليف: جون إهرنبرج، املنظمة العربية للترجمة، بيروت

2008م ص 237.

Page 111: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 110

الشـــرقية وقيادات أمنية، لكن املواطن ثبت على موقفه حتى مت الصلح بينهما مقابل أن يهدي رجل األعمال أبناء املدينة 5 ســـيارات إسعاف، و 10 تأشيرات للحج. )1) وهذا السيناريو لم يكن ليحدث في زمن مبارك، ولم يكن ليحل بهذه

الطريقة أيضا.

الثورة املضادةهل يستطيع النظام القدمي – املنهار - إعادة بناء نفسه من جديد؟

نعم.. يبدو أن ذلك ممكنا..يقول د. جني شـــارب: » لقد حذرنا أرسطو منذ زمن بعيد قائال: فاحلكم االســـتبدادي ميكن أيضا أن يتحول إلى حكم اســـتبدادي... والتاريخ يوفر لنا أمثلة على ذلك مثل اليعاقبة ونابليون في فرنســـا، والبلشفيني في روسيا وآية الله اخلميني في إيران، ومجلس الدولة العســـكري الستعادة القانون والنظام في بورما، وفي مناطق أخرى؛ حيث يرى بعض األفراد واجلماعات في سقوط

النظام القمعي فرصة ليصبحوا هم األسياد اجلدد. وقـــد تختلف دوافع هؤالء األفراد واجلماعات ولكن غالبا ما تكون النتائج متشـــابهة، بحيث يصبح نظام احلكم الديكتاتوري اجلديد أشد بطشا وحتكما مـــن نظام احلكم الديكتاتوري القدمي«)2).. ولكـــي تنجح أي قوة في إعادة بناء نظام ديكتاتوري، ال بد لها مـــن »أفيون احلكام« الذي هو »الفوضى املصنعة«، فإثارة الفوضى جزئيا أو كليا، هي املســـوغ الرتكاب ومترير كل ما ميكن تخيله

من السياسات والقوانني والقرارات. من أبـــرز املفاهيم املتداولـــة واملتوارثة إلدارة احلكم فـــي العالم العربي، املفهـــوم الـــذي يقـــول نصـــه: »ال بـــد من توفـــر املســـوغات قبـــل اتخاذ

)1) موقع مصراوي 12-8-2011م.بروفيسور تأليف: جني شارب، للتحرر، إطار تصور الدميقراطية، إلى الديكتاتورية كتاب: من (2(العلوم السياسية في جامعتي ماساتشوستس، وهارفارد، إصدار: مؤسسة ألبرت أينشتاين، ص 57.

Page 112: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

111مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الخامس معوقات التحول السياسي

القرارات، فإن تعذرت ميكن اختراعها وتصنيعها، وإقناع الرأي العام بوجودها، ثم اتخاذ القرار املناسب«.

تطبيقا لهذا املفهوم ميكن القول: إن »االنفالت« – أو القناعة التامة بوجوده - هو كلمة الســـر لبناء نظام ديكتاتوري - أو شـــبه ديكتاتوري - جديد، وهو

الوسيلة األفضل لتوفير األركان الثالثة املطلوبة إلمتام بنائه.فلفرض القبضة احلديدية، يلزم: انفالت أمني..

ولتكميم األفواه، يلزم: انفالت إعالمي..ولتقييد العمل السياسي: يلزم: انفالت سياسي..

إذن »االنفالت« أو »الفوضى« مصدر اخلطر األكبر الذي تتعرض له الثورة فـــي املرحلة االنتقالية، وهو ما دفع جني شـــارب لتحذيـــر الثوار: »فحتى بعد النجـــاح في تفكيك نظام احلكم الديكتاتوري.. البد من اتخاذ إجراءات وقائية حـــذرة، وذلك ملنع ظهور نظام قمع جديد تولده حالة الفوضى التي تلي مرحلة

القضاء على نظام القمع القدمي«)1). بالعودة إلى حقيقة أن بعض مالمح »الفوضى« عرض طبيعي في مرحلة ما بعد الثورة، فإن »الفلول« لن يكون عليهم البدء من »الصفر«، بل يكفيهم: متديد نطاق الفوضى أفقيا - أي نوعيا وكميا - ومتديدها رأسيا - أي زمنيا - يجب

أن تكون: فوضى شاملة، مستمرة.املشــــكلة التي تواجه القــــوى الوطنية املعنية بحماية الثــــورة، وإمتام عملية التحول السياسي، أنها تواجه قوى ظالمية فاسدة تكونت عبر عقود طويلة، فهذه النخب التي تراكمت حول مركز القرار السياســــي في مصر طيلة عقود، عندما انهــــارت وتفككت أجزاؤها بعد الثورة فإنها لم تتحول إلى فئات صاحلة تائبة أو عناصر خاملة، فأكثرهم ال يزال متمســــكا بنهجه القدمي من الفساد واإلفساد، وقــــد انضمت إليهم فئات أخرى؛ حيث توافقت مصالح اجلميع على ضرورة كبح

الثورة، وإعادتها إلى اخللف، أو ما يطلق عليه مصطلح »الثورة املضادة«.

)1) جني شارب، مرجع سابق ص 57.

Page 113: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 112

ويمكن تلخيص دوائر الثورة المضادة –بحسب الدوافع- فيما يلي: - الذين سلبتهم الثورة كل مكاسبهم ونفوذهم وأودعتهم السجون.- الذين سلبتهم الثورة قدرا كبيرا من نفوذهم دون أن يسجنوا.

- الذيـــن يضر الزخم الثوري بفرصهـــم وطموحهم، رغم أن الثورة مصدر تلك الفرص.

- الذين فتحت لهم الثورة آفاقا وطموحات تســـتلزم ركوبها وتغيير موجتها وتشكيل نظام جديد.

- املنافقون اجلدد أو القدامى املتحولون.هـــذه الدوائـــر متداخلة، أي أن بعضها يصب في بعـــض، وبعضها يتحكم في عمل اآلخرين، وبعضها يتحـــول إلى أوعية لتلقي الدعم والتأثير والتوجيه

اخلارجي من أجل حتويل مسار الثورة. وبعضها له أهداف كلية تصل إلى مستوى بناء نظام سياسي جديد، وبعضها أهدافه جزئية تنحصر في حتصيل مكاسب فردية، وتتناسب األهداف عادة مع

القدرة السياسية املتوفرة للمنتمني إلى كل دائرة.

ما هي الثورة المضادة؟ مـــن غرائب املصطلحات أن كلمة ثورة –فـــي تصريفها اإلجنليزي- كانت باألصـــل مصطلحا فلكيا اكتســـب أهميته املتزايدة من خـــالل العالم الفلكي

DE REVOLUTIONIBUS COELESTIUM كوبرنيكوس في كتابهوقد استخدمت وفق معناها الالتيني الذي يصف احلركة االعتيادية الدائرية للنجوم، وهي حركة ال تتصف باجلدة وال بالعنف، بل تشير الكلمة بوضوح إلى حركة دائرية متكررة، وعندما برزت -الثورة- للمرة األولى كمصطلح سياســـي في القرن السابع عشـــر، فإن احملتوى املجازي لها كان أقرب للمعنى األصلي، ذلك أنها استخدمت لوصف حركة تعود إلى نقطة محددة مسبقا، أي ترتد إلى

نظام مسبق التكوين.

Page 114: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

113مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الخامس معوقات التحول السياسي

ويتضح ذلك من احلدث الذي أطلقت لوصفه، ففي منتصف القرن السابع عشر إبان احلرب األهلية في إجنلترا، متكن اللورد أوليفر كرومويل من حتقيق االنتصـــار لصالح البرملانيـــني على أنصار امللكية، لكن فـــي عام 1660م جنح خصومـــه في اإلطاحة به وإعادة امللكية، فاســـتخدم مصطلح »الثورة« لوصف احلدث الثاني وليس األول، وهكذا فإن احلدث الذي عن طريقه وجد املصطلح مكانه األكيد في اللغة السياســـية والتاريخية، لم يكن في حقيقته »ثورة« على

اإلطالق، وإمنا إعادة للسلطة امللكية إلى مجدها القدمي.إن االطالع على مسار الثورتني الفرنسية واألمريكية يكشف أن الذين خاضوا غمارهما كانوا يحملون قناعة قوية بأن مهمتهم هي »إعادة النظام القدمي«، أي االستدارة إلى الوراء، وعندما أدرك الثائرون –الفرنسيون واألمريكيون- أنه من املستحيل استعادة القدمي، وأن ثمة حاجة لإلقدام على مشروع جديد بالكامل، عندهـــا بدأ معنى الثورة في التحول ملا هو متداول حاليا، لكن كان ذلك الطرح وقتهـــا غريبا، حتـــى إن املفكر الثوري األمريكي الشـــهير »توماس بني« اقترح

بحماس أن تدعى الثورتان الفرنسية واألمريكية باسم »الثورة املضادة«.)1) »الث���ورة املض���ادة« إذن مصطلح نســـبي، ميكن اســـتخدامه في االجتاهني، فهو بحســـب معناه التاريخي يعني الثورة مبعناها احلالي، ومبعناه احلالي يعني

الثورة مبعناها التاريخي.ولو اســـتخدمنا املعنى التاريخي لكلمة ثورة، فإن ذلك يدفع للتساؤل حول النقطـــة الزمنية على منحنى التاريخ التي ميكن أن يســـعى الثوار للعودة إليها كمرجعية، لكن ال يبدو ذلك صعبا في التاريخ العربي املعاصر، فكثير من الدول العربية في بداية مرحلة اســـتقاللها، مرت بفترة يسيرة من احلرية السياسية لم تســـتغرق في بعض األحيان أكثر من عامني- مصـــر كمثال من 1952 إلى 1954م- قبل أن تنقلب النخب العســـكرية والعلمانية بثورة مضادة، وهذا يعني أن هذه الدول العربية تعيش حتت حكم أطول ثورة مضادة في التاريخ املعاصر؛

)1) انظر كتاب في الثورة، حنا أرندت، ص 75 إلى 60.

Page 115: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 114

حيث استغرقت في مصر وحدها 57 عاما.خالص���ة املعن���ى إذن: أن املدبريـــن للثورة املضادة في مصر يســـعون إلعادة عقارب الساعة إلى الوراء جزئيا أو كليا، واالحتمال األقرب هو سعيهم لتحقيق انتكاسات جزئية على منحنى الثورة، سواء نتج عن ذلك عودة القدمي، أو إعادة

إنتاجه بثوب جديد.تعريف آخر للثورة املضادة يناسب احلالة املصرية، وهو »الثورة املضادة هي كل فعل سياســـي أو اجتماعي أو اقتصـــادي يتعارض مع قيم الثورة وأهدافها، ويؤدي بصورة مباشـــرة -أو غير مباشرة- إلى تعويق عملية التحول السياسي،

أو إعادة توجيهها إلى مسار مختلف جزئيا أو كليا«.

خطة الثورة المضادة:ميكن تصنيف املكونات التي ســــاهمت في ثــــورة 25 يناير إلى ما يلي: قوى سياســــية- نخبة مثقفة- مجموعات شــــبابية ثورية- 17% من الشعب

املصري.)1) الهدف الثوري.تتلخص خطة الثورة املضادة في جملتني: تفكيك هذه املكونات عن بعضها،

ثم دفع كل منها لالنحراف عن املسار الثوري لعرقلة اجتماعها مرة أخرى.الثـــورة املضادة تكبـــح الزخم الثوري أوال، ثم تعيـــد -ثانيا- توجيه عملية التحول إلى مســـار مختلف، قد يعود إلى القدمي أو يكون مشابها له في بعض

مالمحه العامة.

يمكن عرض األسلوب المتبع مع كل مكون من مكونات الثورة كاآلتي:

1- القوى السياسية: تســـعى الثورة املضادة إلى تفريقها وتشـــتيتها؛ عن طريق طرح خطوات تختلـــف فيها مصاحلهـــم أيديولوجيا »إســـالميني- علمانيني« - االســـتفتاء

)1) حسبما أكدت ذلك دراسة ملركز املعلومات في مجلس الوزراء، الوفد 2012-1-21.

Page 116: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

115مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الخامس معوقات التحول السياسي

واملـــادة الثانية )ترجمـــة لبدء الصراع بني الطرفني)، الدســـتور أوال )ترجمة لتخوفات اإلســـالميني من العلمانيني مع دعم اجليش لإلســـالميني)، املبادئ فوق الدســـتورية )ترجمة لتخوفات العلمانيني من اإلسالميني مع دعم اجليش للعلمانيني)، باإلضافة إلى إظهار القوى السياســـية في صورة املتصارعني على

السلطة املتغافلني عن مصلحة الوطن.2- النخب املثقفة:

تدفعهم إلى حلبة التنافس على جمع املغامن، وإعادة االصطفاف واالستقطاب، فالبعض تغيرت مواقفهم وتبدلت؛ نتيجة الترقب ملا ميكن أن يحصلوا عليه من مكاسب سياسية، حتى إن بعض السياسيني احلزبيني وجد أن البقاء في اإلطار احلزبي سوف يقيده ومينعه من حصد املكاسب، فترك احلزب ليصبح متفرغا ألي تعيينـــات جديدة، ومن ثم أطلق تصريحـــات املداهنة، تزامن ذلك مع كثرة

اللجان واملجالس التي يؤسسها أو ينظمها املجلس العسكري.3- اجملموعات الشبابية:

تســـعى لتفريقهم، ثم اتهامهم بالعمالة أو بالتطرف الثوري؛ لتشتيت القوة الضاربة للثورة وحتويلها إلى فئة متعصبة متهورة مدفوعة، وليس بالضرورة من

منطلق »استنكار« تلقيهم معونات خارجية.4- الشعب الثوري:

دفع اجلماهير إلى إعادة ترتيب أولوياتهم وصوال إلى االنشـــغال بإشـــباع احلاجات األساســـية: األمن- الغـــذاء، وتتراجع املطالب الثورية إلى أســـفل القائمـــة، ورمبا حتذف متاما لدى كثيرين، ورمبا تنقلب األولويات لدى البعض إلـــى املطالبة بتهدئة احلراك »احلماس« الثوري، فيصبح هدف »إطفاء الثورة«

مطلبا جماهيريا، وكل ذلك على خلفية الفوضى واالنفالت األمني.5- اهلدف الثوري:

اختزال الهدف في إســـقاط مبارك وأعوانه، والترويج لنهاية الثورة واحلث على العودة للعمل ودوران »عجلة اإلنتاج«.

Page 117: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 116

بحســـب هذه املكونات، وبحسب التعريف السابق للثورة املضادة، فإن دائرة األفعال التي ميكن نســـبتها إليها تتســـع لدرجة كبيرة، بحيث يبرز تساؤل مهم حول ما إذا كان مجمل الفعل السياسي الصادر عن السلطة احلاكمة -املجلس

العسكري- هو من صميم الثورة املضادة؟!

الثورة المضادة ومثلث الخطر:ال ميكن حصر كافة األفعال التي يصح نســـبتها إلى الثورة املضادة؛ بسبب كثرتها وتشعب مجاالتها، لكن أغلب االتهامات في هذا الصدد تتوجه إلى ثالث

جهات: املجلس العسكري، الفلول، القوى اخلارجية.وبالرجوع إلى الفصل الرابع الذي يتحدث عن مســـتوى التغير الذي أحدثه املجلس العســـكري في: الثقافة، البناء الهيكلي، السياســـات، ميكن تفســـير أغلب جوانب القصور أو التباطـــؤ على أنها »ثورة مضادة«، خاصة فيما يتعلق بـ»السياســـات السلبية« أي ما لم يتخذه املجلس العسكري رغم ضرورته ورغم

توفر الدعم –والطلب- الشعبي له.أما »الفلول« ويلحـــق بهم أيضا »الطرف الثالث« فيتلخ���ص موقفهم يف عدة

نقاط:1- لـــم يتخذ املجلس العســـكري أي إجراءات، أو يصـــدر أي قوانني من شأنها محاصرة أو محاسبة أو محاكمة رموز النظام السابق، أو التضييق على أنشطتهم وممارساتهم السياســـية واالقتصادية واإلعالمية، بل إن كثيرا ممن فرضت عليهم احلراســـة، رفعت عنهم في مرحلة الحقة بعد أن هدأت املتابعة

اإلعالمية عنهم.2- بعد االنتخابات برز بوضوح أن احلجم السياســـي للفلول على األرض ليس كما كان متخيال، وأن كثيرا ممن كان يتوقع دخولهم في صراعات سياسية مع األحزاب تراجعوا، فهل كان السبب فقدانهم األمل في حتقيق الفوز، أم أنه

يوجد من يحرك ويأمر ويخطط حتركاتهم بحسب تطورات األوضاع؟

Page 118: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

117مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الخامس معوقات التحول السياسي

3- ظاهرة احلوادث التي تثور فجأة وتقفز إلى السطح، ثم تختفي دون أن يعرف أحد من وراءها أو ملاذا ثارت، وملاذا اختفت فجأة؟ )احلوادث الطائفية، الســـلفيون واملقابـــر واآلذان، حوادث القتل في العريـــش بالتزامن مع مليونية اإلرادة)، تشـــير بوضوح إلى جهة قادرة ونافذة في أوساط الدولة، وهذه اجلهة ال ميكن أن جتهلها السلطة احلاكمة، وبعد عام تقريبا على الثورة، ال ميكن قبول

استمرار التجاهل؛ ألنه يتحول إلى شراكة وليس جتاهال.4- هيكلة وزارة الداخلية مطلب يتم جتاهله بإصرار، رغم أهميته القصوى لنجاح التحول السياســـي، خاصة بعد األحـــداث الدموية التي أعقبت مليونية 18 نوفمبر 2011م، وهذه الهيكلة تشـــمل املؤسسة واألفراد أيضا، وقد ذكرت دراســـات كثيرة أن عملية التغييـــر ال تتم إال بعد تغيير القيادات السياســـية

والبيروقراطية املرتبطة بالتغيير)1).ونبهت دراســـات أخرى إلى أن املؤسســـات القمعية التي خضعت للتطهير ال تختلف من حيث طريقة التشـــكيل أو أســـاليب العمل أو العضوية عن العهد القدمي؛ حيث إن كثيرين من رجال املؤسسة السابقني، وبخاصة من ذوي الرتب الدنيا، ســـرعان ما ينخرطون في املؤسســـة اجلديدة، ويعيدون إنتاجها شكال وموضوعا؛ وذلك الحتياج املؤسســـة اجلديدة إلى خبراتهم وشبكة معلوماتهم

وعالقاتهم التي تغطي الدولة. )2) 5- كثير من املعلومات املهمة والتصريحات واحلوارات التي يدلي بها بعض رموز النظام الســــابق كاشــــفني خبايا وخفايا على درجة كبيرة من اخلطورة ال تلقى أي اعتناء قانوني أو سياســــي من قبل املســــئولني رغــــم أهميتها، مثل ما كشــــفه مصطفى الفقي –وهو كان في قلب النظام القدمي- عن مؤامرة كان يتم إعدادها مســــبقا لتولي جمال مبارك رئاســــة مصر فيما لو توفي والده فجأة، ا لــــه بعد وفاة مبارك فقــــال »الفقي«: إن »ســــيناريو االنفالت األمني كان معد

)1) االجتاهات احلديثة، ص 143.)2) أمل حمادة ص 52.

Page 119: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 118

لكي يأتي جمــــال ويعود معه األمن واألمان للمواطنــــني«، وأكد أن هذه اخلطة مت تنفيذها في غير وقتها عندما شــــعر النظام الســــابق بأن الثورة في طريقها

للنجاح. )1) 6- فضيحة »اللجنة اإللكترونية« التي كشفتها صحيفة املصري اليوم منسوبة إلى أشـــخاص على عالقة بـ »عمر ســـليمان« رئيس جهاز املخابرات السابق، ودورها في التالعب في نتائج االســـتطالع اإللكتروني حول مرشحي الرئاسة الذي أجراه املجلس العســـكري على صفحته الرسمية على الفيس بوك)2) هي مجرد مثال على قمة جبل اجلليد العائم، فهناك خفايا كثيرة ومخططات يجري ا وعلنا دون أن تدري عنها أغلب القوى السياسية إال النذر اليسير، تنفيذها سروالدليـــل على ذلك أن مواقـــف هذه األحزاب مرتبكة، والشـــاهد القريب هو اجتماع رؤساء األحزاب مع الفريق سامي عنان لبحث مطالبهم حول االنتخابات والطوارئ، ومتخض هذا االجتماع عن بيان موقع من طرف األحزاب فقط، وقد نتـــج عنه ردود أفعال قوية داخل أغلب األحزاب؛ حتى تبرأ بعضها من موافقة

الرؤساء احلاضرين على البيان. )3) 7- أخطاء الوزراء واملســـئولني العلنية ال يحاسبون عليها، رغم أن بعضها قد يصل إلى مســـتوى يستوجب املســـائلة القانونية، مثل التأكيدات التي ظل اللواء منصور العيســـوي وزير الداخلية السابق يطلقها حول عدم وجود قناصة لدى الوزارة، وأنه لم يتم إطالق النار على املتظاهرين، ثم تغير تصريحه الحقا ليصبح »ال توجد في الوزارة إدارة خاصة بالقنص، إمنا هناك ضباط يحصلون على فرقة القناصة بجميع قطاعـــات الوزارة« )4)، وإصراره على نفي أي صلة لضبـــاط الداخلية بقتل املتظاهرين، وأن من قتل أمام األقســـام هم بلطجية.. ا في أعقاب ثورة اندلعت إلـــخ كل هذه التصريحات االســـتفزازية والغريبة جد

)1) اجلريدة 14-1-2012م، واحلوار مع راديو األهرام.)2) املصري اليوم، تقرير: ميلشيات إلكترونية للتصويت لصالح عمر سليمان، 16-8-2011م.

)3) اليوم السابع 1-10-2011م.)4) املصري اليوم 19-9-2011م.

Page 120: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

119مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل الخامس معوقات التحول السياسي

باألســـاس ضد ممارســـات الداخلية، وقد تكررت تصريحات الوزير نفسه في أحـــداث نوفمبر الدامية؛ حيث قتل أكثر مـــن 25 متظاهرا بطلقات نارية في الرأس والصدر، وفقد املئات أعينهم، واســـتخدمت قنابل مسيلة للدموع تؤدي إلى حاالت تشـــنج، وذكر أكثر من مصدر طبي أنها حتتوي على غاز قاتل، لكن رغـــم ذلك كله خرج الوزير مصرحا أن قواته لم تســـتخدم إال القنابل العادية

املسيلة للدموع. )1) 8- قضايـــا قتل املتظاهرين لم يصدر فيها أي أحكام بعد مرور عام كامل، وهـــذا أيضا حدث مناف للمعهود في الثورات؛ حيث يكون القصاص من القتلة فـــي مقدمة القرارات املتخـــذة حتى لو تطلب ذلك إجراءات اســـتثنائية، لكن أن يظـــل اجلدل القانوني حتى اآلن يدور حول »من قتل الثوار؟« بحيث يشـــعر املراقب أن هناك جرمية قتل غامضة، والفاعل مجهول، وأن كافة أجهزة الدولة األمنية: جهاز األمن الوطني، املخابرات العامة، األمن القومي، ال متتلك أي أدلة قطعيـــة تثبت جرمية قتل أكثر من 800 متظاهر وإصابة آالف آخرين، بل حتى وال معلومـــات عن هوية القتلة واحملرضني، كيـــف يطمئن املواطن العادي على نفســـه وأهله وهو مطلوب منه أن يصدق أن هذه األجهزة التي تستهلك أرقاما خيالية من امليزانية ســـنويا ال تعرف من قتل 800 شـــخص في أكبر ميادين العاصمة في رابعة النهار؟ فضال عمن قتل املتظاهرين أو أصابهم عند مسرح البالون، أو السفارة اإلسرائيلية، أو العباسية، أو ميدان محمد محمود، أو عند

مجلس الوزراء؟!9- ظاهرة »املندســـني« من البلطجية والعناصر املثيرة للشـــغب، وعناصر الداخلية، الذين يتواجدون بصورة تلقائية في أي جتمع ثوري، سواء في ميدان التحرير أو غيره من أماكن التظاهر في أنحاء مصر، فهؤالء يقومون باالحتكاك املباشـــر مع الثوار، وبعضهم يندس ثم يوجه املســـار توجهـــا متطرفا لتوريط الثوار، وبعضهم ميارس أعماال عدوانية تنسب لآلخرين، كأن يشارك بنفسه في

)1) انظر مقال أحمد منصور: كواليس املشهد في ميدان التحرير، صحيفة التحرير 30-11-2011م.

Page 121: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 120

ضرب وقذف جنود األمن واجليش، هذه العناصر يتعرض كثير منها لالعتقال وبعضهـــم يحقق معهم لكن بدون إعالن من يقـــف وراءهم أو يحركهم أو يدفع لهم، وغالبا ينســـب األمر إلى »أجندة خارجية«، وهذه الفئة أصبحت مشاهدة ومعروفة تقريبا في كل التجمعات االحتجاجية، فهم أشـــبه بـ»جنود اخلدمة« يتحركون فور جتمع الثوار، ويعرفون جيدا دورهم، وبعد 11 شـــهر من انتصار الثورة، لم تعد هذه مجرد تخيالت أو اتهامات، بل حتولت إلى يقينيات، واألمثلة

أكثر من أن حتصر.ومنها ما نشـــرته »األهرام« في 26 نوفمبر عن ضبط الثوار ملرشـــد أمن يدعى محمود علي شحاتة اعترف بأنه كلف من قبل قيادته في وزارة الداخلية بالتوجـــه إلى ميدان التحرير يوم الســـبت 19 نوفمبر إلحداث حالة من الذعر بني املتظاهرين، كما اعترف –بحسب الثوار- أنه ألقى زجاجات مولوتوف على قوات األمن املركزي في شـــارع محمد محمـــود، وتلقى تعليمات بإلقائها أيضا على قوات الشـــرطة العســـكرية ورجال اجليش إذا وجدوا في امليدان إلشعال الوضع، وأنه كان يتقاضى يوميـــا مبلغ مائة جنيه غير راتبه مقابل هذا العمل اإلجرامي، وأنه يعرف أن هناك ثالثة مرشـــدين مـــن مجموعته كانوا يقومون

بنفس العمل، وال يعرف إن كانت هناك مجموعات أخرى أم ال!!!

Page 122: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادسطريق اإلسالميني إىل السلطة

Page 123: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر
Page 124: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

123مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادس - طريق اإلسالميين إلى السلطة

الفصل السادسطريق اإلسالميني إىل السلطة

قوة اإلسالميين في مصر: ليلة 25 يناير 2011م في لقـــاء مفيد فوزي مع حبيب العادلي، تطرقا في

جزء منه عن اإلخوان والسلفيني.. وهذا نصه تقريبا:مفيد فوزي: كان في يا فندم مرشد اإلخوان قال وعدد من أبرز القادة بعد ما خرجوا من مجلس الشعب: إننا سوف نتعامل مع الشارع ومع الناس.. حبيت أعرف -وما زال بيقبض حتى اآلن على عناصر من هؤالء- حبيت أعرف كيف

سيكون التعامل معهم إذا أعلنوا أنهم سيتواصلوا مع الناس في الشارع؟حبيب العادلي: قد يكون إنهم ســـيتواصلوا مع الناس في نشر دعوة الدين اإلسالمي، أهال وسهال، ولكن إذا كان املقصود بها إنهم حينزلوا الشارع ملباشرة أي نشاط خارج عن الشـــرعية.. هما عارفني إن املوضوع لن يسمح به، األمن بيتابـــع وإذا كان املقصود بســـؤالك إن اإلخوان حينزلوا للشـــارع مبعنى إنهم حينزلوا للعمل كتنظيم ســـري، هما أصال تنظيم سري، وهما مش هيعيشوا إال في تنظيم ســـري؛ ألن هما لألسف الشديد بدون التنظيم السري مش هيكون لهم وجود، واحنا ملا بنظبط وملا بنتابع، احنا بنتابع نشـــاط غير مســـموح به،

جماعة غير مسموح بها..مفيد فوزي: عايز أقول حلضرتك يا فندم: إن في شيء في مصر حضرتك عارفه جيدا اســـمه التيار السلفي، أتساءل هل هو في نطاق السيطرة األمنية والسياســـية؟ وخصوصا إن لهم فضائيات تروج لهم أحيانا، ورمبا لهم جوامع كتيـــرة، ميكن أرجو أن أكون مخطئا، اجلامـــع اللي في الزيتون، لعله أحد هذه

Page 125: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 124

اجلوامـــع، وأتذكر إنه في أهرام 21 ينايـــر وصف الدكتور محمد عمارة هؤالء الســـلفيني بأنهم قنابل موقوتة، وقال باحلرف الواحد مـــن خالل ندوة: إنهم

ينحرفون باملفاهيم، هؤالء يا فندم حتت السمع والبصر؟حبيب العادلي: شوف هو النشاط السلفي نشاط متشدد، والنشاط السلفي زيه زي أي نشاط إذا خرج عن اإلطار املعتدل، وإذا وصل إلى التطرف فبيتابع ويتخذ معاه إجراء زيه زي أي نشاط آخر، ما حدث في اخلروج من تظاهر من مســـاجد.. بيظبط من يظبط ويتخذ اإلجراء القانوني معاه.. أول ما املســـألة

بتوصل إنها حتبقى فوضى بنتخذ اإلجراء وبنظبط.. )1) بعد عام واحد من هذا احلوار، اكتســـح اإلخوان -حزب احلرية والعدالة- والســـلفيون -حزب النور- انتخابات مجلس الشـــعب وحققوا نسبة 70% من إجمالي املقاعد، وبلغت نســـبة املشـــاركني في التصويـــت 60% ممن يحق لهم

التصويت، وهي أعلى نسبة حقيقية في تاريخ مصر املعاصر.بحسب البيانات الرســـمية فإن عدد من يحق لهم التصويت بلغ 50 مليون مصري فـــي بداية االنتخابات)2)، أي أن عدد املشـــاركني بلغ 30 مليون ناخب

تقريبا، ويكون عدد من انتخبوا اإلسالميني حوالي 21 مليون ناخب. متيل بعض الدراســـات إلى تصنيف رغبات الناخبني الذين لم يشاركوا في االنتخابات- 40% أو 20 مليون ناخب - بنفس نسبة توزيع الفائزين في تلك االنتخابات، على اعتبار أن النســـبة املشـــاركة 60% تعد مبثابة عينة استطالع ا، وبالتالي يكون لها مصداقيـــة عالية في تقدير رغبات الذين رأي كبيـــرة جدلم يشـــاركوا، أي الـ40%، بذلك يرتفع عدد الذين يؤيدون اإلسالميني إلى 35

مليون ناخب.بنفس الطريقة ميكن أن نقول: –مجازا- : إن 60% من الـ81 مليون مصري

)1) حوار مفيد فوزي مع حبيب العادلي في التلفزيون املصري يوم 24 يناير 2011م، موقع أخبار مصر.

)2) مصراوي، تصريح للدكتور أبو بكر اجلندي رئيس اجلهاز املركزي للتعبئة واإلحصاء، 1-11-2012م.

Page 126: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

125مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادس - طريق اإلسالميين إلى السلطة

يؤيدون اإلسالميني، أي: 56،7 مليون مصري.هذه النسبة الكاسحة أكسبت اإلسالميني قوة سياسية هائلة لم تتوفر ألي فصيل سياسي في انتخابات نزيهة منذ عقود طويلة، ومن أهم دالالت هذا الفوز:- أن إطالق صفة »االعتدال« أو »التشـــدد« وغيرها من الصفات السلبية على التيارات اإلســـالمية، لم يعد ذا قيمة، طاملا أن 70% من الشـــعب يؤيدهم

-ليس دينيا فقط- وإمنا سياسيا أيضا.- من خالل هذه النســـبة ميتلك اإلسالميون القدرة على إحداث أي تغيير

قانوني أو دستوري بأغلبية تتجاوز الثلثني.- ال بـــد أن تنعكس هذه النســـبة بصورة تلقائية -تدريجية- على تشـــكيل احلكومة القادمة، وكذا على املفاضلة بني مرشـــحي الرئاســـة، ولعل االنسحاب املبكر للدكتور محمد البرادعي يعطي مثاال على ذلك، فالذي يتيقن أن اإلخوان أو السلفيني لن يدعموه في االنتخابات سيدرك أن فرصته في الفوز تضاءلت للغاية. - هذه النســـبة لو ترافقت مع تســـليم كامل للســـلطة مـــن قبل املجلس العسكري، فهذا يعني أن أمام اإلســـالميني فرصة تاريخية إلعادة بناء الدولة من جديد إلزالة ركام ما بعد االســـتقالل واألنظمة القمعية والعســـكرية، وهم

ميلكون تفويضا من أغلبية الشعب بذلك.- السيطرة املطلقة لإلسالميني على مفاصل الدولة -سواء بصورة مباشرة أو عن طريق حلفائهم- ســـيقلل إلى درجة كبيرة مظاهر الفساد، ويدفع عجلة

التنمية بقوة إلى األمام.- جناح اإلســـالميني في حتقيق إجنازات متـــس احلياة اليومية للمواطن، سيمنحهم فرصا أكبر لالســـتمرار في سدة احلكم لدورات متتالية، وقد جنح حزب العدالة والتنمية التركي في االســـتمرار أكثر من عشر سنوات متواصلة حتى اآلن رغم املعارضة القوية من العســـكر واألحزاب العلمانية، وذلك بسبب

قائمة إجنازاته الكبيرة.- النسبة الكبيرة لإلسالميني، مع التسليم الكامل للسلطة من قبل املجلس،

Page 127: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 126

ســـيعطي اإلســـالميني القدرة على إعـــادة صياغة العقلية األمنيـــة والثقافة العســـكرية ليعيدها مـــرة أخرى إلى حماية الوطن واملواطـــن دون التمدد إلى

أهداف أخرى تتعلق بحماية شخص احلاكم وحاشيته.- جناح اإلســـالميني في مصر في تقدمي منوذج سياســـي إيجابي للحكم، سوف يدفع الشعوب في دول املنطقة إلى املطالبة بالتغيير، وإلى اختيار القوى اإلســـالمية طلبا لتكرار النتيجة، أي أن اإلســـالميني ميلكون أن يغيروا طبيعة

املنطقة السياسية متاما.- هذه النســـبة الكبيـــرة تضع القوى اخلارجية أمام األمـــر الواقع، وتقلل املســـاحة املتاحة أمامهم للتآمر واالختراق، بسبب التأييد الشعبي الكبير الذي

يسد عليهم ثغرات كثيرة.- أغلب هـــذه الدالالت واإلجنـــازات املأمولة يرتبط حتققها باســـتقرار العالقة بني اإلخوان والســـلفيني في مستوى مقبول من التنسيق والتعاون، لكن إذا انزلقت العالقة إلى مستوى صفري، أي عندما يصبح املكسب الذي يحققه أحدهما، خصما من رصيد اآلخر، فرمبا نستبدل هذه القائمة بأخرى تتضمن

اآلثار السلبية املتوقعة.ظاهرة التعدد في العمل اإلسالمي:

لم يعرف العمل اإلســـالمي – في مصر- منذ نشأته املعاصرة بعد سقوط اخلالفة العثمانية ظاهرة التوحد، بل كان األصل هو التعدد املصحوب باختالف فـــي الرؤى والتصـــورات غالب األحيان، أقول ذلك حتـــى ال نغرق في التفاؤل أو نســـتغرق في طرح تصورات مضادة حلركة التاريـــخ وتوجهات الواقع، في اعتقادي أن حل اإلشكاليات املعلقة بني اإلخوان والسلفيني يكمن في »الواقعية«

بعد »اإلخالص« لله تعالى.يتفـــاوت النظر إلى ظاهرة تعدد التيارات واجلماعات اإلســـالمية، ما بني مدافع عنها ومعارض لها، وميكن مالحظة هذه االجتاهات الرئيسة فيما يلي:

أوهلا: ينظر إلى التعدد على أنه ســـلبي باملطلق، لم ينتج منه إال املفاســـد،

Page 128: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

127مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادس - طريق اإلسالميين إلى السلطة

ويكفي أن خصوم اإلسالميني يستغلون هذا التعدد فيتبعون سياسة »اإلجهاض التبادلي«؛ حيـــث يركزون الهجوم على أحدها، بينما يتم تســـكني العالقة مع اآلخريـــن، ثم يتحولون إلى تيـــار آخر بنفس الطريقة، وهكـــذا، وبالتالي فإن

األصلح لألمة أن يكون هناك تيار إسالمي واحد.ثانيها: التعدد إيجابي مطلقا، وقد أفاد العمل اإلسالمي كثيرا في جتنب جهود

التصفية، أما اخلالفات البينية فهي خسائر مقبولة في معركة إعادة اإلسالم.ثالثها: التعدد يتضمن جوانب إيجابية وأخرى سلبية، ويجب التعامل معه كــ »أمر واقع«، مع وجوب العمل على تالفي آثاره السلبية، وبذل اجلهد ملنع وصول

تلك العالقة إلى املستوى الصفري.

أسباب الخالف بين اإلخوان والسلفيين:من خالل النظر في واقع العالقة والتجارب املباشـــرة واألدبيات املنشورة، فإنه ميكن تقســـيم عوامل التباعد واخلالف إلى خمس مجموعات متجانســـة

نعرضها فيما يلي:1- المخالفات الشرعية:

يتركز انتقاد السلفيني جلماعة اإلخوان املسلمني في اجلانب العلمي أكثر من غيره، وميكن حصر املآخذ الشرعية للسلفيني يف هذه »العناوين«:

التحزب وتكوين اجلماعات التي تفرق املسلمني - البيعة – التلبس بنزعات صوفية بدءا باملؤســـس الشـــيخ حســـن البنا رحمه الله - قلة االعتناء بالعلوم الشـــرعية- ترك الدعوة إلى نبذ الشرك ومظاهره في املجتمع- ضعف الوالء والبراء خاصة جتاه األقليات مثل النصارى والشيعة- االستهانة بالسنن- التميع

في الفتوى وإقرار األحكام الشرعية على غير وجهها الصحيح.ليســـت كل االنتقادات الشـــرعية لإلخوان مجمعا عليهـــا من قبل جميع التيارات الســـلفية، وبالتالي يختلف موقف كل منها مـــن اإلخوان قربا وبعدا بحســـب قائمة انتقاداته لهم، وتتفاوت هذه املواقف بشـــدة؛ بحيث إن البعض يغلو فيكفر اإلخوان، والبعض يصفهم بأنهم من الفرق الضالة -أي من االثنتني

Page 129: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 128

وسبعني فرقة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه- كما قال بعض العلماء: إنهم ليســـوا من أهل الســـنة؛ ألنهم يحاربون السنة، لكن هؤالء املغالني في نقـــد اإلخوان وتصنيفهم هم أقلية ال تعبـــر عن املوقف احلقيقي

للتيارات السلفية من اإلخوان.من جهة أخرى، يختلف السلفيون املنتقدون لإلخوان فيما بينهم حول طرق التعبير عن هذا النقد، فمنهم من يعلنها عداوة وخصومة بال هوادة، ومنهم من يعرضها في سياقها العلمي العام، ومنهم من يتحرج من احلديث عنها على املأل

ووسائل اإلعالم.بعد الثورة لم يتغير الوضع كثيرا بالنســـبة للخالفات الشـــرعية، لكن قفز بعضها على الســـطح بحسب تطورات الســـاحة السياسية، مثل قضية تطبيق الشـــريعة، وموقعها في قائمة األولويات، فالسلفيون يضعون هذه القضية في األولويـــات، وإن كان بصـــورة متدرجة، لكنهم يتحرجون مـــن التأكيد على أن الشـــعب هو من بيده قرار التطبيق باملوافقة أو الرفض، كما أن صورة التطبيق

كما يقدمها اإلخوان هي في الرؤية السلفية مهتزة ومتميعة. فعلى سبيل املثال، قال د. عصام العريان نائب رئيس حزب احلرية والعدالة في حوار مع بي بي ســـي الفارســـية: »نحن في حزب احلرية والعدالة نرى أن الشريعة اإلسالمية ال تشـــكل خطرا على مصر، ونؤمن بأن الطريقة السليمة لتنفيذ أحكام الشـــريعة بشكل معتدل ووســـطي ومتسامح هو إجراء انتخابات حتدد إرادة الشعب، فلو أراد الشـــعب تنفيذ أحكام الشرع فاحلل لديهم، وهو أن يختاروا أشخاصا لديهم القدرة على سن القوانني على أساس أحكام الشرع بشكل مينح املسيحيني حقوقهم كاملة.. إن النظام الدميقراطي هو الذي يحدد القوانني السليمة التي توضع كي تكون مطابقة للزمان ولشرع اإلسالم، والنظام القضائي واحملكمة العليا هي التي تضمن تنفيذ أحكام الشـــرع بشكل متوازن .. وهناك أحكام في الشريعة تنفيذها صعب كالرجم واحلجاب والقصاص، لو قلنا: إننا ال نحب هذه األحكام ولن ننفذها فهو مخالف للشـــرع، ولو قلنا: إننا

Page 130: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

129مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادس - طريق اإلسالميين إلى السلطة

سننفذها سنواجه املشكالت التي واجهتها احلكومات اإلسالمية األخرى«)1). مث���ال آخ���ر، يتعلق بتهنئة األقباط بأعيادهم الدينية، فالســــلفيون لهم موقف واضح بأن التهنئة في مناسبات دينية هي إقرار لهم على بطالن عقائدهم، بينما ال يرون حرجا في التهنئة باملناســــبات احلياتية العادية، أما اإلخوان، فحســــب دراســــة أعدها قسم النشر باجلماعة في موضوع تهنئة النصارى وباالستناد إلى فتوى د. يوسف القرضاوي، فقد حتدد موقفهم على أنه يجوز التهنئة بالعيد لكن

دون حضور الطقوس والشعائر.)2) ومما أثار انتقادات واسعة في أوساط السلفيني التصريح الذي أدلى به د. محمد مرسي رئيس حزب احلرية والعدالة إلحدى الفضائيات، وقال فيه: »بني املصريني مفيش خالف عقائدي أصال املصريني كلهم.. مسلمني أو مسيحيني.. ومفيش خالف بني العقيدة اإلسالمية والعقيدة املسيحية كل يعتقد مبا يشاء..

اخلالف ديناميكي خالف آليات ووسائل... ميكانيزمات«.)3) خالصة املوقف الســـلفي أن منحنى االنضباط الشرعي لإلخوان يتجه إلى أسفل، يقول د. ياسر برهامي – نائب رئيس الدعوة السلفية باإلسكندرية- عن تطـــور منهج اإلخوان: »كان املنهج فيه قرب كبير أو فيه روافد كثيرة من املنهج السلفي، ولم يكن منهج اإلخوان في ذلك الوقت به هذا القدر الكبير من التميع احلالي، لقد كان داخل اإلخوان توجهات ســـلفية قوية متأثرة بجهود الشـــيخ محمد رشـــيد رضا الذي كان أســـتاذا للشيخ حســـن البنا، وكذا جهود الشيخ حامد الفقي، والشيخ محب الدين اخلطيب اللذين يعدان من قرناء الشيخ البنا،

رحمهم الله جميعا«.)4)

)1) صحيفة الوسط اإللكترونية 5-12-2011م.)2) الدستور األصلي، 9-1-2012م.

)3) د. محمد مرسي، برنامج 90 دقيقة، قناة احملور 28-12-2011م. لكن في حوار مع قناة الناس-السلفي العالم املقصود- د. محمد عبد قليلة، صرح بأيام ذلك بعد برنامج مصر اجلديدة- املعروف- بأن د.محمد مرسي اعتذر عن ذلك وقال أنه ال يتصور أنه يقصد ما فهمه البعض

من هذا التصريح.)4) حوار موقع اجلماعة اإلسالمية مع الشيخ ياسر برهامي، على الرابط التالي:

http://www.salafvoice.com/article.php?a=2489

Page 131: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 130

2- إشكاالت النشأة: تثير النشأة ثالث إشكاالت بني اإلخوان املسلمني والسلفيني:

اإلش���كالية األوىل: ينطلق اإلخوان في حراكهم اإلسالمي بوصفهم اجلماعة األم، التي انبثقت منها غالبية اجلماعات اإلسالمية الحقا؛ كونها تأسست في مصر في العام 1928م عقب ســـقوط اخلالفة مباشرة، وهي في نظر الكثيرين

أول ردة فعل قوية من األمة على سقوط اخلالفة.لكن من وجهة النظر السلفية أن غالبية التيارات السلفية ترتبط في نشأتها -وإن معنويا- بدعوة الشـــيخ محمد بن عبد الوهاب في اجلزيرة العربية التي سبقت دعوة اإلخوان بعدة قرون، ومتكنت من إقامة دولة إسالمية على الكتاب والســـنة وهو ذروة ما تهدف إلى حتقيقه كافة احلركات اإلسالمية املعاصرة، وهي بذلك قدمت جتربة ثرية لألمة بأســـرها اســـتفادت منها حركة اإلخوان املســـلمني نفســـها، كما أصبحت منبرا يقتبس منه الســـلفيون، يقول د. ياسر برهامي -من رموز الدعوة الســـلفية مبصر-: »كان لقاء املشـــايخ ابن باز وابن عثيمني وابن قاعـــود واجلزائري وعبد الرزاق عفيفي مـــن أكثر املؤثرات في توضيح معالم املنهج بعد شـــيخ اإلســـالم ابن تيمية ومدرسة الشيخ محمد بن

عبد الوهاب رحمهما الله تعالى«.)1)وقد ألف الشيخ محمد بن إسماعيل املقدم -وهو من علماء التيار السلفي البارزين- كتابـــا بعنوان »خواطر حول الوهابية«، يكشـــف حجم تأثر احلركة اإلسالمية في مصر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-.وبالتالي فإن الدعوة السلفية لها قدم السبق وشرف املبادرة إلى تغيير واقع األمة اإلســـالمية، كما أن تأثيرها الشرعي والفكري امتد ليشمل دوال عديدة في أنحاء العالم منذ نشأتها وحتى اآلن، وتأسيسا على ذلك فال يحق لإلخوان

أن يقدموا أنفسهم بوصفهم اجلماعة األم للحركات اإلسالمية.اإلش���كالية الثانية: للنشـــأة تعود إلى مرحلة السبعينيات من القرن العشرين

)1) الدكتور ياسر برهامي في شهادته عن نشأة الدعوة السلفية في اإلسكندرية ج3، حوار علي عبد العال.

Page 132: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

131مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادس - طريق اإلسالميين إلى السلطة

امليالدي، عندما انبعثت احلركة اإلســـالمية من جديد بعد أفول جنم القومية العربية، وفيما عرف الحقا بـ»الصحوة اإلسالمية«.

في بداية تلـــك احلقبة مبصر، كانت اجلامعات متوج بالنشـــاط الدعوي للجماعة اإلســـالمية التي كانت ذات طابع سلفي عام، وكان القادة التاريخيون لإلخوان يخرجون من املعتقالت تباعا؛ حيث اكتشـــفوا أن اجلماعة لم يعد لها قاعدة جماهيرية وســـط التجمعات الطالبية؛ بتأثير سنوات االعتقال الطويلة لقادة احلركة ونشـــطائها، ولم يكن أمامهم واحلال هكذا سوى خيارين ال ثالث لهما: إما اللجوء إلى الطريق الطويل والشـــاق بتكوين قاعدة مستقلة للجماعة من شـــرائح املجتمع املختلفة، وإما اختراق اجلماعة اإلسالمية القائمة بالفعل وحتويـــل أتباعها إلى اعتناق منهج اإلخوان، وإمـــا أن يتبعوا كال اخليارين في

مسارين متوازيني طويل األجل- قصير األجل، وهذا ما حدث.يقدم د. ياســـر برهامي الرواية الســـلفية ملا جرى في هذه احلقبة: »خرج اإلخوان املسلمون من السجون واجلماعة اإلسالمية موجودة على أرض الواقع مبنهجها الســـلفي النقي، وفي بداية األمر لم يحاول اإلخوان إظهار كبير فرق، وكانوا مثال يحافظون على الهدي الظاهر، ولم يتعرضوا للكتب الســـلفية التي ندرســـها، وظل األمر على ما هو عليه من دعوة اجلماعة اإلســـالمية املتميزة ا، مع االستفادة بالطاقة احلركية املوجودة عند اإلخوان، مبنهج سلفي واضح جدومتت معســـكرات صيفية ســـنة 77، 78، 79 كلها كانت ذات منهج سلفي، كان يوزع فيها كتاب األصول العلمية للدعوة السلفية، وكان يدرس فيها كتاب تطهير اجلنان واألركان عن درن الشـــرك والكفران، كلها كانت صبغة سلفية في جميع األشـــياء... بدأ النزاع يظهر بعدما قويت شـــوكة اإلخوان، ومع محاولة فرض منهجهم على اجلماعة اإلســـالمية، فبعض الشباب اختار احملافظة على املنهج ولو على حســـاب اجلماعة، والبعض اآلخر اختار احملافظة على اجلماعة ولو على حساب املنهج... ظهر التمايز بينهما على السطح في أوائل سنة 1399هـ.. وملا حضرت إلى معسكر اجلماعة اإلسالمية كاملعتاد وجدت تغيرا كما يقولون

Page 133: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 132

مائة وثمانني درجة إلى منهج اإلخوان، فلم أستطع أن أكمل املعسكر وانسحبت، وانســـحب معي مجموعة كبيرة من اإلخوة، وهنا ظهر أن هناك عمال إخوانيا

صرفا«.)1) وفـــي موضع آخر، قال: »عصام العريان وعبـــد املنعم أبو الفتوح وإبراهيم الزعفراني كلهم كانوا ســـلفيني في احلقيقةـ وهـــم ال ينكرون ذلك، ومواقفهم

ا في كثير من املسائل«.)2) كانت متشددة جداإلش���كالية الثالثة: بعد النشـــأة الثانية لإلخوان املسلمني في النصف الثاني من السبعينيات تزايدت ساحات العمل الدعوي املشتركة بينهم وبني السلفيني، وهو ما أســـفر عن اتســـاع رقعة اخلالف ومواطن النزاع دون ظهور محاوالت

جدية لرأب الصدع.

3- تفسير الواقع ومنهج التعامل معه:كان تشـــخيص الواقع وحتديد مواطن اخللل، وكيفيـــة معاجلتها من أبرز مواطن اخلالف بني التيارين الســـلفي واإلخواني قبـــل الثورة، وهو ما عرقل تالقي التيارين، وتقاربهما حتى مع تراجع التعصب وخفوت مستويات املواجهة.فالســـلفيون ينظرون إلى املجتمع بعني الباحـــث عن االنحرافات لتقوميها مباشـــرة، وخاصة االنحرافـــات العقدية، أما اإلخوان فينظـــرون إلى املجتمع بعني الباحث عن أدوات ووســـائل الســـيطرة والتحكم فـــي إدارة هذا املجتمع بهدف إصالحه، وكنتيجة مباشـــرة لهذين النهجني املختلفني، فإن الســـلفيني يرتفع عندهم اخلطاب النقدي التعليمي الوعظي للمجتمع، بينما يؤثر اإلخوان اخلطـــاب التصاحلي االحتوائـــي الذي مييل إلى غض الطـــرف عن كثير من

االنحرافات الشرعية أو تأجيل البحث فيها إلى أجل غير مسمى.وبتعبيـــر أحد اإلعالميني املنتمني لإلخوان، فإن الســـلفيني يركزون على:

http://www.salafvoice.com/article.php?a=156 :1) حوار مع الشيخ ياسر برهامي، على الرابط التالي()2) د. ياسر برهامي، في حوار خاص مع الكاتب، بتاريخ ديسمبر 2009م.

Page 134: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

133مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادس - طريق اإلسالميين إلى السلطة

»أمور اآلخرة وينشـــغلون عن إصالح الدنيا، لكن مهمـــة اإلخوان هي إصالح الدنيا والعمل لآلخرة، فلو تأثر بعض اإلخوان بهذا املنهج فسيحدث خلل«.

قضية التأصيل الشرعي للتعامل مع الواقع تثير خالفا إضافيا، فالسلفيون يطرحون األمر بهـــذه الصورة: هل هذا التصرف جائز شـــرعا؟ أما اإلخوان

فيطرحون األمر بصورة مختلفة: ملاذا يجوز هذا التصرف؟ وبعبارة أخرى، فإن الســـلفيني يتوقفون كثيرا قبل اإلقدام على أمر أو فكر أو وسيلة جديدة في الدعوة -أحيانا أكثر من الالزم- حتى يستوفوها حقها من البحث والدراسة، بينما اإلخوان يضعون أنفسهم في وضعية التأهب واالضطرار وتضييق اخليارات، حتى ال يجدوا أمامهم إال البحث عن مسوغات للفعل الذي ال ميلكون -حسب رؤيتهم- سبيال للعدول عنه، ولذلك تأتي تأويالتهم في كثير من األحيان مشـــابهة ملســـألة »أكل امليتة« للمضطر؛ حيث إن أغلب الظروف

»اضطرارية«.ممـــا يقلل من تأثير هذا العامل- نســـبيا- في اتســـاع الهوة بني اإلخوان والســـلفيني، هو االختالف الداخلي بني الســـلفيني أنفسهم حول هذه املسألة

حتديدا -تفسير الواقع والتعامل معه-.فأغلب التيارات السلفية تعتمد في مواجهة االنحرافات أسلوب التعليم أو الدعوة املباشـــرة، وقليل منها من يوسع دائرة الوسائل واألساليب، كما تتفاوت اجلماعات الســـلفية في ترتيب أولويات االنحرافات، حتى وإن كانت تتفق في غالبيتها على كون تصحيح العقيدة هو الهدف األسمى، فقضية حتكيم الشريعة هـــي من األولويات عند البعض، بينما يؤخرها آخرون يجعلون محاربة املظاهر

الشركية والقبورية على رأس القائمة.مـــن مواطن اخلالف –قبل الثورة- ما يتعلق باملشـــاركة السياســـية، فقد كان أغلب الســـلفيني يرون أنها ال فائدة منها وأنها تضييع للجهود والطاقات،

وانشغال عن واجبات أكثر أهمية.يدخل ضمن قضية التأصيل الشرعي للواقع عند السلفيني: قضية أخرى،

Page 135: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 134

هي أسلوب التعامل مع بعض مقررات الدين التي ليس باإلمكان تطبيقها حاليا، بل إن مجرد إثارتها إعالميا تثير الزوابع، مثل موضوع »اجلزية«.. الســـلفيون هنا لهم رؤية ترفض تأويل هذه »املقررات« الشرعية أو تغيير أحكامها الثابتة، وبـــدال من ذلك يقولون: هي واجبة أو مفروضـــة أو الزمة، لكن ال قدرة عليها اليوم، فنحفظ حكمها لألجيال الســـابقة وال نغير فيه، يقول د. ياسر برهامي: »مثـــال قضية اجلزية، نتيجة االنهزام الشـــديد على أرض الواقع العســـكري للمســـلمني واحتالل بالدهم، البعض قال: اجلزية في ذمة التاريخ... ال يسعنا

كذلـــك أن نترك أن الله عز وجل أمر املؤمنني قال: زب چ ڇ ڇ ڇ ک ک ک ڑ ڑ ژ ژ ڈ ڈ ڎ ڎ ڌ ڌ ڍ ڍ ڇ ک گ گ گ گ ڳ ڳ ڳ ڳ رب ]التوبة: 29[ هذه القضية

ننقلها لألجيال القادمة حتى ولو ال نطبقها نحن«.)1) بعـــد الثورة، اختلفـــت األوضاع كثيرا، فلم يعد الســـلفيون محصورين في مجاالت محدودة من الدعوة ومنابرها، فقد فتحت أمامهم آفاق رحبة في كافة املجاالت، فتأسس احلزب السياسي، وتشـــعبت األعمال اإلدارية والتنظيمية، وتعددت وتنوعت منابر التواصل واالتصال مع اجلماهير ومع وســـائل اإلعالم، وتغيرت لغة اخلطاب، واكتسبت مرونة واضحة، ومتيز التيار بقدرته على التكيف والتأقلم واالنطالق في فترات زمنية قصيرة نســـبيا؛ وألن املشاركة السياسية أصبحت شـــعار املرحلة ألغلب اإلسالميني، فقد تقلصت إلى حد كبير الفوارق في النظر إلى الواقع، وأعيد ترتيب األولويات وزادت مســـاحة املتفق عليه في

الرؤية الواقعية، وإن ظل اخلالف في القضايا الشرعية على ما كان عليه.

4- القيادة والتأثير:لدى اإلخوان املســـلمني قناعة قوية بأن حركتهم هي اجلديرة بقيادة األمة نحو اإلصالح والتغيير املنشود، وأن غيرهم من اجلماعات اإلسالمية هم مجرد

)1) د. ياسر برهامي، في حوار خاص مع الكاتب، بتاريخ 2009م.

Page 136: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

135مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادس - طريق اإلسالميين إلى السلطة

عقبات في الطريق؛ ألنهم ال ميلكون أي خطط أو مشـــروعات واضحة للتغيير، ولذلك يجب إزاحتهم أو احتواؤهم، ومبعث هذه القناعة ثالثة أمور:

أوهلا: الكيان الواحد القوي:ينظر اإلخوان إلى أنفســـهم بوصفهم اجلماعة الوحيدة التي اســـتطاعت أن حتافظ على متاســـكها وقوتها منذ نشـــأتها األولى قبل ثمانني عاما، كما أنهـــا اجلماعة الوحيدة التي تنتشـــر في كافة الدول العربيـــة مع تبنيها ملنهج واحـــد، فضال عن متتعها بالكثافة العددية واإلمكانات املادية، وفي املقابل فإن منافسيها من التيار الســـلفي ال جتمعهم جماعة واحدة وال قيادة واحدة، وهم مختلفون فيمـــا بينهم؛ بحيث إن بعض هذه التيـــارات أقرب إلى اإلخوان من

تيارات سلفية أخرى.قد يكون ذلك واقعا بالفعل في مرحلة ما قبل الثورة، لكن للسلفيني تفسير لهذا االنكماش التنظيمي، يذكره د. برهامي: »فكرة العمل املنظم السلفي حولها تباين أيضا.. هناك من يرى أن العمل املنظم غير مشـــروع، وهناك من يرى أنه مشروع وال يسعى إلى تطبيقه، وهناك من يرى أنه مشروع ويسعى إلى تطبيقه وقد يصطدم بواقع أليم، اإلخوان نشأوا في جو من احلرية، األستاذ حسن البنا أسس اجلماعة سنة 1928م، أول ضربة تعرضت لها اجلماعة بعد عشرين سنة 1948م، استطاع فعال تكوين جيل كامل عمره عشرين سنة من املقتنعني بالفكرة ومبعطياتها كلها، بل وأسس مؤسسات للجماعة، اجلماعة لها هيكل إداري ولها مراكز عملية ومتويل مالي ونشـــاطات مختلفة، كلها هيئات ومؤسسات، وهذا اجليل هو الذي استمر في العمل بعد ذلك حتى بعد الضربات املتتابعة«، وقال أيضا: »بعد أحداث 2001م ووضع الســـلفيني في بـــؤرة االهتمام األمريكي.. ا من املؤسســـات السلفية في أماكن كثيرة تعرضت ملخاطر عدة ولهزة كثير جدشـــديدة، وبال شـــك أنه أصبح اآلن هناك مخاطر من العمل املؤسســـي؛ ألنه موضوع حتت املجهر.. بحيث إنه لو وجد كما وجد العمل املنظم لإلخوان سابقا فســـيتعرض خلطر إضاعة الدعوة نفســـها، وهذا أحد العوائق األساسية لدى

Page 137: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 136

املقتنعني بفكرة العمل املنظم..«. )1) بعد الثورة، تغير احلال وأصبح »الكيان القوي تنظيميا وإداريا« من أهداف كثير من التيارات السلفية استغالال ألجواء االنفتاح واحلرية، ورمبا بعد أعوام قليلة جند كيانا ســـلفيا يضارع كيان اإلخوان من حيث قوة التنظيم ومتاسكه،

وال شك أن في ذلك مكسب إضافي للعمل اإلسالمي.ثانيها: الكيان الوعائي الجامع:

تأســـس اإلخوان بوصفهم حركة جامعة ألشتات العاملني لإلسالم، ووفق هـــذا املفهوم جاء منهـــج اجلماعة مرنا مبا يكفي جلمع هذا الشـــتات حتت راية واحدة، ومع تغير أوضاع العمل اإلســـالمي وظهور تيارات أخرى بخالف اإلخوان، ظلـــت اجلماعة محتفظة بنفس املنهج ونفـــس التصور العام للعمل اإلسالمي )اإلخوان= اجلماعة األم)، ولذلك افتقد أتباع اإلخوان القدرة على تكويـــن أطر فعالـــة للتواصل مع اجلماعات األخـــرى، وغلب على أطروحات اجلماعة في هذا الصدد ترســـيخ أســـبقية احلركة وإمامتها على اآلخرين، وهو ما نتج عنه إشـــكاالت معقدة في واقع العمل اإلسالمي، تزايدت مع عجز منظري اإلخـــوان وكوادرهم عن وضع آليات مؤثرة للتنســـيق أو التقارب مع اجلماعـــات املغايرة، بحيث ميكن القول: إن أدبيات الوحدة ال حتظى باهتمام داخل األوســـاط التربوية العلمية في اجلماعة، وبالتالي يصعب تقبل أتباعها

لهذه الفكرة أو التعامل معها بجدية.من ناحية أخرى، فرغم ولوج الســـلفيني إلى الساحة السياسية بقوة، فال تزال لديهم ثوابتهم املتعلقة باالحتواء والتقارب والتحالف مع كيانات وشخصيات على قدر متفاوت من املخالفة لإلســـالم، على ذلك ستظل اجلماعة تنظر إلى ق، وإن اختلف نفســـها بوصفها كيانا جامعا، وللســـلفيني على أنهم كيـــان مفر

موضوع التجميع والتفريق عما كان سابقا.

)1) د. ياسر برهامي، في حوار خاص مع الكاتب، بتاريخ 2009م.

Page 138: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

137مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادس - طريق اإلسالميين إلى السلطة

ثالثها: المشروع التغييري المتكامل:ميتلك اإلخوان تأصيال فكريا قويا ومتكامال فيما يتعلق باملشروع التغييري، بـــل إن أدبياتهم في هذا املجال تعد تراثا فائق القيمة، ينهل منه كافة التيارات اإلسالمية، وعلى املستوى التطبيقي، فإنهم منذ سنوات طويلة ميتلكون مشروعا للعمل داخل مصر وفق رؤية متكاملة متعددة األبعاد واملجاالت والوســـائل، وهو ما كشـــفت عنه قضية »سلســـبيل« في مصر، والتي بينت وثائقها أن اإلخوان لديهم مشروع أطلق عليه اســـم »التمكني« يعيد تنظيم اجلماعة إداريا، ويرتب هياكلها ومؤسســـاتها املختلفة بطريقة بالغة الدقة، ويرسم لها خطوات محددة وممنهجة للســـيطرة وتولي السلطة سلميا، وهو املشروع الذي اكتشفت وثائقه عام 1992م على ديسكات كمبيوتر في شركة سلسبيل التي كان ميتلكها خيرت

الشاطر عضو مكتب اإلرشاد.)1) هذا املشـــروع القوي جعل قيادات اإلخوان ينظـــرون بعدم رضا لألجندة السلفية، وما حتويه من أنشطة وأهداف وطموحات، كما يقول د. عصام العريان إن: »الســـلفيني يهتمون بالقضايا اجلزئية الفرعيـــة التي حتيطها اخلالفات الفقهية واالهتمام بالتدين الظاهر، أما اإلخوان فيهتمون مبســـائل أوســـع من

ذلك بكثير وأكثر تنوعا«.ويؤكد العريان -مبفهوم كالمه- توفـــر القناعة لدى قيادات اإلخوان بأن السلفيني هم عقبة في طريق التغيير؛ حيث يعتبر أن انتشار اخلطاب السلفي عبـــر الفضائيات هو من تخطيط عناصر داخل النظـــام، فيقول: »في داخل النظـــام من يجيد لعبة التوازنـــات، أو يحاول أن يوظـــف كل االجتاهات في صالح بقاء النظام وصالح عدم معارضته، ولضرب التيارات بعضها ببعض«)2)، ا؛ ولذلك يعتقد العريان أن هذا »االنتشـــار السلفي« ستكون له آثار سيئة جد

)1) حتوالت اإلخوان املسلمني، تأليف حسام متام، ص 9.)2) مقال: الفضائيات السلفية واإلخوان، تغلغل يثير قلقا، صالح الدين حسن، موقع إسالم أونالين 6-8-

2009م.

Page 139: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 138

ا في العالقة بني املسلمني وبعضهم، ألنه يشـــيع –بزعمه- »مناخا متشددا جدال يحترم اخلالفات الفقهية، ويشيع أيضا مناخا من التشدد والتوتر جتاه غير

املسلمني«.الغريب أن هذه التهمة ذاتها وجهت إلى اإلخوان واحلركة اإلســـالمية كلها في مصر مطلع الســـبعينيات، بالقول: إن السلطات سمحت لهم بالعمل داخل اجلامعـــات لضرب االجتاه اليســـاري)1)، ورغم أن هذا القـــول على درجة من الصحة، فلم يتهم أحد من اإلسالميني اإلخوان بأنهم صنيعة النظام أو ينتقص

من قدرهم لهذا السبب.بعد الثورة، فقد املشــــروع التغييري لإلخوان جزءا كبيرا من قيمته؛ ألنه كان يتركز باألســــاس على كيفية اختراق نظام مبارك والوصول إلى السلطة بطريقة متدرجة انتقائية، بعد الثورة لم يعد لكل ذلك فائدة، فقد ســــقط النظام ولم يعد له وجود، ووصل اإلســــالميون إلى السلطة بدءا باكتســــاح مجلس الشعب، إذن ميكن أن نقول: إن اإلخوان فقدوا مزية السبق في هذا املجال، وأصبحت احلاجة

في الظرف احلالي إلى مشروع بديل إلدارة السلطة وليس للوصول إليها.ال نقول طبعا: إن الكفتني متســـاويتان، فاإلخوان ميلكون خبرات وقدرات تنظيريـــة وعملية هائلة، لكن على األقل اختفى مؤقتا أحد أســـباب اخلالف، وهو »املشـــروع التغييري للوصول إلى السلطة«، وبقي ما ميكن أن يطرحه كال التياريـــن على صعيد »إدارة الســـلطة«، بدءا من حتديد األهداف األساســـية واملرحلية والوسائل واألساليب، وهو مجال رحب لالجتهاد وكذا للخالف، لكن رمبا يكون طرح هذه القضايا فـــي آفاق مفتوحة أدعى للتفاؤل بحدوث توافق

أكثر مما كان في السابق.

5- التنافس الميداني:نتج عن الترافق في النشـــأة -الذي ســـبق اإلشـــارة إليـــه- بني اإلخوان

)1) انظر تفصيل هذه القضية في كتاب »اجلماعة اإلسالمية املسلحة في مصر 1974-2004م« تأليف د. سلوى العوا، دار الشروق، ص 75-72.

Page 140: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

139مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادس - طريق اإلسالميين إلى السلطة

والســـلفيني، حدوث تداخالت كثيرة في ميادين العمل بـــني التيارين، ومع كل االختالفات الســـابقة كان ال بد من حدوث احتكاكات في كل مكان يجتمع فيه

السلفيون مع اإلخوان حتى في املعتقالت.ويبدو هذا العامل عســـيرا في جتاوزه نحو حتقيق التقارب املنشـــود، لكن برزت بعض التجارب القابلة للنظر إليها كــ»منوذج« لتجاوز اخلالفات امليدانية، وإن كانت متفرقة وغير مؤثرة في الشـــكل العام، وتتحدد ميادين التنافس عادة بحسب املجاالت التي تخوضها التيارات السلفية، في مصر –على سبيل املثال- تنشأ الصراعات في ميادين الدعوة الطالبية وفي املساجد، وفي بعض ساحات

العمل اخليري.بعد الثورة، اتســـعت ميادين التنافس بصورة هائلة، لتشـــمل كافة مجاالت األنشـــطة السياســـية والدعوية واالجتماعية، وبالتالي زادت حاالت وحوادث االحتـــكاك، لكن خالف ما يعتقده كثيرون، عند املقارنة بني مســـتوى ونســـبة التنازع امليداني بني التيارين قبل الثورة مبثيله بعد الثورة، مع األخذ في االعتبار اتســـاع نطاق العمل امليداني، فإنه ميكن القول-بثقة-: إن معدل االشتباك قد تراجع إلى ما دون املتوقع، فمع هذا التوسع الهائل في النشاط، كان املتوقع أن متتلئ وســـائل اإلعالم بحوادث االحتكاك واالشتباك، خاصة مع حرصها على تشـــويه صورة اإلســـالميني، لكن لم تصل اخلالفات إلى هذه الدرجة رغم أن مواطن التنافس االنتخابي شـــملت كافة محافظات مصر، لكن انشغل كثيرون بتتبع عدد احلاالت فاستخلص نتيجة تشاؤمية، بينما القياس الدقيق يكون عن

طريق حساب النسبة واملقارنة.من امليادين املهمة التي يتوقع أن تكون مجاال لالحتكاك في الفترة القادمة، مجلس الشعب؛ حيث املؤشرات والشواهد حتى اآلن توحي بتذبذب في التنسيق بني التيارين داخله، بل رمبا تكون هناك حاالت للمناورة واملمارســـات التكتيكية التي تبعث القلق حول الرؤية واألهداف التي يضعها كل حزب عن اآلخر، وكيف يصنفه؟ هل يضع كل منهما نظيره اآلخر في مقام اخلصم أم املنافس؟ قد يكون

Page 141: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 140

الوضع التنافســـي متحمال نسبيا، لكن أن يتطور األمر إلى مستوى اخلصومة، فإن ذلك سيكون حدثا تصادميا مع كثير من الثوابت واملفاهيم اإلسالمية التي

يتبناها ويدعو إليها كال التيارين في أدبياته.أخشـــى ما يتوقع أن تصـــل العالقة بني الطرفني إلى مســـتوى »الصراع

الصفري«؛ حيث تكون مكاسب كل فريق خصما من رصيد الطرف اآلخر.

كيف تعمل هذه األسباب في إدارة العالقة بين التيارين؟- أوال فإن هذه األســـباب تعمل مجتمعة مع تفاوت تأثير كل منها بحسب اختالف الظروف، وفي بعض األحيان قد يتراجع تأثير بعضها إلى احلد األدنى.- هذه األسباب ليست حاضرة بنفس الدرجة مع كل من التيارين، فاألسباب العلمية تصوغ القدر األكبر من التصور السلفي عن اإلخوان، بينما عامل تفسير الواقع والتعامل معه يصوغ القدر األكبر من التصور اإلخواني عن الســـلفيني،

وبينهما عوامل حتمل نفس القدر من التأثر مثل: التنافس امليداني.- االنتقادات العلمية املوجهة إلى اإلخوان بصفة عامة ال ميكن إســـقاطها عينـــا على كافة املنتمني لإلخوان؛ إذ يوجد في صفوفهم من هو غير راض عن توجهات القيادات والرموز واختياراتهم الفقهية والسياسية، ومثال ذلك: املوقف من الشـــيعة وإيران، فعلى الرغم من التأييد العلني إليران على لســـان املرشد الســـابق محمد مهدي عاكف، إال أنه يوجد بـــني صفوف اجلماعة من يرفض

هذا التوجه وينكره. وقد كتب د.عصام العريان القيادي البارز في اإلخوان مقاال بعنوان »إيران إلى أين.. والية الفقيه أم والية األمة؟«، ينتقد فيه النظام اإليراني في محاولة ملوازنة موقف املرشد، كما تبنى الدكتور يوسف القرضاوي موقفا قويا في كشف املخططات الشـــيعية في دول عربية، وفي قضية أخرى شن الداعية اإلخواني ا على د. طارق السويدان بسبب استفتاء نشر املعروف وجدي غنيم هجوما حاده الشيخ غنيم وسطية على موقع قناة الرسالة عن حتكيم الشريعة، وهو ما عد

Page 142: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

141مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادس - طريق اإلسالميين إلى السلطة

مزعومة ومرفوضـــة؛ كونه يحول قضية عقدية إلى مســـألة اختيارية، ونصح السويدان بالتوبة عن هذا التوجه.

- النقطة الســـابقة تلفت إلى أهمية اســـتحضار وصف »الفكر الوعائي« عند نقد اإلخوان، مبعنى أنهـــم ال يتبنون بالضرورة موقفا واضحا محددا في كافة اإلشـــكاالت الشـــرعية التي يتهمون بها، ولكنهم مبثابة الوعاء الذي يقبل بأن يضم اجتاهات مختلفة تتبنى رؤى واختيارات متعارضة أحيانا حول قضايا مهمـــة، وأذكر مثاال على ذلـــك من خارج مصر لبيان »التصـــاق« هذه الصفة باجلماعة بكافة مدارســـها وفروعها، واملثال من العراق وهو: اختالف موقف قيادات اإلخوان العراقيني من االحتالل واالتفاقية األمنية مع الواليات املتحدة، فعلى الرغم من تأييد احلزب اإلسالمي رسميا لالتفاقية، وقبل ذلك مشاركته ملؤسسات احلكم التي أنشأها االحتالل، فإن قيادات بارزة في جماعة اإلخوان- العراق- أفتوا بخالف ذلك، فقال الدكتـــور عبد الكرمي زيدان- املراقب العام لإلخوان املســـلمني ســـابقا- : »إن املقرر في الفقه اإلسالمي واملتفق عليه بني الفقهاء أنه إذا احتل بلد مســـلم وجب شرعا على أهل هذا البلد وذي السلطة إخراج املعتدي احملتل، وهذا واجب شـــرعي ال يســـقط بالتقـــادم، وال جتوز

املساومة عليه«.)1)وقال الشـــيخ محمد أحمد الراشد: »ليست االتفاقية في مصلحة العراق، وهي تطعن خاصرة اإلسالم وتستمر في ظلم املجاهدين وال ميكن تأويلها بخير وهـــي منكر وحرام في عقيدة التوحيد وأحكام الشـــرع وال مجال لإلفتاء بغير حرمة التوقيع عليها وإســـقاطها واجب الوقت«، وكان الراشد قد أصدر كتابا بعنوان »نقض املنطق السلمي« أنكر فيه أي مصلحة مزعومة للخيار السياسي

من خالل التعاون مع سلطات االحتالل.- يجب أال ننكر الدور السلبي الذي كانت تلعبه شخصيات وتيارات محدودة العدد واالنتشـــار تنتمي ظاهريا إلى السلفيني، فقد ساهمت في توتير العالقة

)1) برنامج املشهد العراقي قناة اجلزيرة 2-11-2008م.

Page 143: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 142

بني اإلخوان والســـلفيني، وليس كل اإلخوان على دراية بالتموجات داخل التيار الســـلفي، ولم يكن النظام املخلوع يســـمح -عن طريق جهاز أمنه- بأي جهود للتقـــارب بني التيارات اإلســـالمية، بل كان يحـــرض كل جماعة على األخرى

بأساليب تصل إلى التهديد واالعتقال.

سيناريوهات التقارب بين اإلخوان والسلفيين:جتب مالحظة أن القواعد التي حتكم التقارب بني التيارين على املســـتوى اجلماعي ال تنطبق بالضرورة على التقارب الفردي، فالتقارب الفردي له ظروفه

اخلاصة التي تتعدد وتتشعب مبا ال ميكن قياسها أو تكرارها.الســـيناريوهات املذكورة أوال -الذوبان- االندماج- رغم صعوبة تخيلها في الواقع، فقد ذكرت من باب »التدرج املوضوعي« مع اإلقرار باســـتبعادها عمليا،

لكنها على األقل ال تزال مندوبة من الناحية الشرعية.أوال: سيناريو الذوبان:

يتضمن هذا الســـيناريو حتول أحد تيارين -سلفي أو إخوان- عن منهجه الفكري إلـــى املنهج اآلخر بصورة تامة، بحيث يتنـــازل عن مقتضيات وثوابت

منهجه القدمية ولوازم االنتماء السابقة مبا فيها املسمى العام.وهذا يعني أن الســـلفي تتكون لديه قناعـــة بتحوله إلى عضو في جماعة

اإلخوان، أو العكس بالنسبة لإلخواني.ومـــن الصعب تخيل حـــدوث حتوالت جذرية بهذه احلـــدة في املاضي أو املســـتقبل، نعم يحدث ذلك مبعدالت متزايدة على املستويات الفردية، ولكن أن

تتنازل جماعة عن منهجها واسمها بهذه الكيفية فذلك أمر مستبعد.لكــــن هذا القول ليس على إطالقه، فقــــد رصدت حاالت قدمية في بعض الدول -مثل سوريا- حدث فيها ذوبان كامل لقطاعات كانت تنتمي إلى السلفية، وأصبحت منتمية الحقا إلى جماعة اإلخوان املسلمني في بداية تأسيس فرعها السوري عام 1945م، كما سبقت اإلشارة إلى حتول قطاعات واسعة من اجلماعة

Page 144: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

143مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادس - طريق اإلسالميين إلى السلطة

اإلسالمية السلفية في مصر أواخر السبعينيات إلى جماعة اإلخوان، ولكن جتب املالحظة أن ذلك كان فقط في بداية التأسيس والنشأة، وقبل أن تظهر التيارات

السلفية بصورتها املعروفة حاليا، وتتطور تصوراتها ومناهجها وأساليبها.

ثانيا: سيناريو االندماج:وفق هذا الســـيناريو تقوم جماعتان –ســـلفية وإخوانية- باالحتاد وتكوين جماعـــة جديدة لها منهج مســـتقل عن املنهجني القدميـــني، بحيث إن املنهج اجلديد يتضمن ثوابت وأفكار سلفية وإخوانية يتم التوافق عليها بني املؤسسني للتيـــار اجلديد مع التنازل أو التغاضي عن ثوابـــت أخرى، وكذلك التنازل عن

االسم القدمي للتيار واستبداله بتسمية جديدة.ورغم صعوبة حدوث مثل هذه التقاربات احلادة؛ كونها تتضمن التنازل عن االنتمـــاءات األصلية، إال أنها حدثت بدرجة مـــا في بعض الدول العربية، مثل اجلزائر؛ حيث توحدت شرائح كانت تنتمي سابقا إلى كل من التيارين -اإلخوان والسلفيني- إضافة إلى آخرين، وتكونت جماعة جديدة هي اجلبهة اإلسالمية

لإلنقاذ التي بدأت قوية مكتسحة.إذن هذا الســـيناريو ممكن فقط في حالة ما ميكن تسميته »التيار الثالث«؛ حيث يجتمع أشـــخاص ينتمون إلى التيارين، لكنهم انفصلوا عنهما ألســـباب

مختلفة، فيعمدوا إلى تأسيس كيان جديد يجمع ما يرونه مميزا في كليهما.ثالثا: سيناريو التحالف:

في هذا السيناريو ال يحدث أي تداخل منهجي، لكن يقدم كل تيار تنازالت تكتيكية من أجل التوافق على حتقيق هدف مرحلي مشترك، وقد يكون حتالفهما ا، كأن يكون توافقا على إنشاء حزب سياسي مشترك، أو الدخول كليا مســـتمر

حتت اسم واحد وكتلة واحدة في االنتخابات بصورة دائمة. وقد يكون التحالف جزئيا مؤقتا، كالتوافق على مرشـــح للرئاسة أو يكون تنسيقا في املمارسات السياسية داخل البرملان، أو تشكيل احلكومة..إلخ، وقد

Page 145: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 144

يكون جزئيـــا دائما، مثل التحالف لتفعيل القوانـــني املتعلقة باملادة الثانية من الدستور، وإعطائها أولوية.

أما التحالف بصورة دائمة كلية، فهو مستبعد في املرحلة احلالية لألسباب الســـابقة، وإن كانت العقبات في طريقه ليس مســـتحيال جتاوزها، خاصة أن التحالـــف اجلزئي له حـــاالت عديدة خارج مصر، فـــي الكويت مثال، حتالف اإلخوان والسلفيون في انتخابات االحتاد الطالبي الوطني حتت مسمى »الكتلة اإلســـالمية«، وكانت النتيجة حتقيق فوز كاســـح بلغت نسبته 47%، على الرغم من أن التيارين دخلوا االنتخابات النيابية قبل ذلك بأشهر كمتنافسني، وهو ما أســـفر عن حتقيقهما نتيجة متداعية، فهذا يعطي تفاؤال حول أن وقوع تنافس حاد بينهما في بعض املواطن، ال يعني عدم إمكانية التنسيق في مواطن أخرى،

فالقطعي واملطلق ليس واردا في مسار العالقة بينهما.ورغم صعوبة التحالف الدائم بني حزبي »النور« و»احلرية والعدالة« داخل أروقة البرملـــان، فإن الباب لم يغلق مطلقا، يقول د. محمد مرســـي في حوار متلفز: »لغاية دلوقتي األمـــر ده مش وارد، ليه مش وارد إلنه احنا فيه حتالف انتخابي.. احنا عندنا عشر أحزاب.. وهذه العشر أحزاب لها مرشحني، وإحنا داخلني مع بعض على أسس، فاألولى بالتحالف البرملاني هو التحالف االنتخابي

فال بد أن يؤخذ رأي كل هؤالء في املوضوع..املذيع: يعني لن تتحالفوا مع حزب النور ..

كلمة لن بالقطع إحنا لسه ما زلنا في االنتخابات، ولكن لم يحدث منا حتى اآلن أي خطـــوة في هذا االجتاه وفي األفق القريـــب ال يبدو أن هذه اخلطوة ســـتتخذ.. ألسباب كثيرة يعني مش لســـبب واحد، مع احترامنا وتقديرنا لكل االجتاهات.. التحالف معناه أســـس ومبادئ واضحة وإطار عام للحركة وتوافق علـــى آليات العمل واتفاق في كيفية طـــرح املوضوعات وكيفية التواصل داخل البرملان وجلانه، وكيفية التعاطي مع املوضوع مجتمعيا بعد ذلك.. فهناك بعض

االختالفات ليست في األصول الكلية. )1)

)1) د. محمد مرسي، برنامج 90 دقيقة، قناة احملور 28-12-2011م.

Page 146: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

145مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادس - طريق اإلسالميين إلى السلطة

رابعا: سيناريو الشراكة:ال توجد وفق هذا الســــيناريو أي تداخالت منهجية أو ارتباطات دائمة على مســــتوى اجلماعة، ولكن يتم التوافق على تنفيذ -أو تأسيس- مشاريع مشتركة تخدم أجندة كل من التيارين، وقد تكون مشــــاريع مســــتمرة كإنشــــاء مؤسسة إعالمية أو خيرية أو دعوية مشتركة، وقد تكون مؤقتة، مثل عقد مؤمتر أو ندوة.هذه التداخالت العملية من شأنها أن تخفف درجة االحتقان، كما أنها تفيد في تالقح األفكار، ونقل اخلبرات، وإثراء العمل اإلســـالمي، وأيضا فإنها تفتح

مجاال واسعا لتبادل النصح وتصحيح املفاهيم.وال يشـــترط أن تنطلق هذه املشـــروعات املشـــتركة من اتفاق رسمي بني التيارين، ولكن يكفي أن يحصل األتبـــاع على الضوء األخضر، وعادة ما تكون

املبادرات الفردية لتحقيق تقارب جماعي أكثر فاعلية وتأثيرا.

خامسا: سيناريو التأييد: تتقلص العالقة في هذه احلالة لتصل إلى مستوى االكتفاء بالتأييد والنصرة في مواطن خاصة، وتتنوع أساليب ووسائل التأييد ما بني تقدمي الدعم املادي أو املعنوي، وقد يتضمن ذلك التوافق على أال يتحالف أحدهما مع خصم لآلخر.

سادسا: سيناريو كف األذى:تختزل العالقة بني اإلخوان والســـلفيني حسب هذا السيناريو وصوال إلى احلد األدنى من التقارب، وهو »كف األذى«، وهو املســـتوى املطلوب من املسلم العادي، كما جاء في ســـؤال أبي ذر-رضـــي الله عنه- عن أي األعمال أفضل؟ حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهاية احلديث: » تدع الناس من

الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك«.)1)انطالقا من هذا املستوى ينبغي أن تتوقف كافة احلمالت الدعائية واإلعالمية املهاجمة للتيار اآلخر، وأن يتم استبدالها بوسائل وقنوات راشدة لتبادل النصح

)1) أخرجه البخاري 2518 .

Page 147: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 146

والتوجيهــــات واملعلومات، يقول د. ياســــر برهامي:« ال بــــد من احملافظة على الرابطة اإلميانية بني أبناء العمل اإلســــالمي حية، الشــــعور باجلسد الواحد، السعي إلى تقوية الروابط: روابط األخوة اإلميانية، هذا يهيئ األرض لبذر طيب

إن شاء الله من العمل اإلسالمي القادر على تغيير الواقع«. )1) سابعا: سيناريو احتواء النزاعات:

حسب هذا السيناريو، يكون هناك إقرار ضمني بالعجز عن منع االشتباكات السياســـية أو الدعوية أو اإلعالمية، لكنه يسعى لوضع آلية احتواء واستيعاب لها قبل أن تســـتفحل، ورمبا يشـــارك في هذا السيناريو شخصيات رمزية من خـــارج اإلطار التنظيمي للتياريـــن، كما يلزم وضع آليـــات الحتواء اخلالفات امليدانية وتأســـيس جلان متخصصة ملتابعتها، وحل اإلشـــكاالت الناجمة عنها بصورة فورية، مع االتفاق على مرجعية حتكيم للفصل في النزاعات املشـــتركة

تضم علماء ودعاة من الطرفني مشهود لهم باالعتدال وعدم التعصب.

مالمح عامة حول استراتيجية التقارب المنشودة:- ما سبق ذكره من سيناريوهات للتقارب بني اإلخوان والسلفيني لن يكتسب أي قيمـــة إذا لم تتوفر دوافع قوية لدى التيارين لتحقيقها، وبدون هذه الدوافع يصبح الكالم عن إزالة اخلالفات ورأب الصدع، حتصيل حاصل، واملشكلة في هذه الدوافع أن بعض الشـــخصيات رمبا تعتقد بـــأن املصلحة في بقاء الهوة واستمرار اخلالفات؛ حفاظا على الهوية، أو لعدم القناعة بوجود أي فائدة تعود

على اجلماعة من هذا التقارب.- تتوفر إمكانية كبيرة لتبادل التأثير اإليجابي بني التيارين بعيدا عن تبادل العالقات والتواصل بصورة رســــمية، وهناك أمثلة ودالئل واضحة على التأثير القوي املتبادل بني اإلخوان والســــلفيني، من حيث تأثــــر كل تيار مبنهج وأفكار التيار اآلخر، فقد اســــتفادت تيارات سلفية كثيرة من خبرات اإلخوان وجتاربهم

)1) د. ياسر برهامي، في حوار خاص مع الكاتب، بتاريخ 2009م.

Page 148: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

147مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السادس - طريق اإلسالميين إلى السلطة

الدعوية والتنظيمية والتربوية، وعدد ال بأس به من نشطاء الدعوة السلفية بدأوا مســــيرتهم الدعوية في صفوف اإلخوان، ومن ناحية أخرى فإن الوجود السلفي بزخمه وتأثيره وخطابه وثقله العلمي ميارس دورا رقابيا بالغ األهمية في »كبح« منحنى التنازالت لدى اإلخوان -نســــبيا-، وخاصة مع انتشار هذا اخلطاب من خالل وســــائل اإلعالم في السنوات األخيرة؛ إذ كان اإلخوان يراهنون دوما على

صعوبة تقبل الناس لهذا اخلطاب، وهو ما ثبت عكسه متاما.- يوجد بني الســـلفيني من يقترب بفكره وأطروحاته التغييرية من اإلخوان املسلمني دون اإلشكاالت العلمية، كما يوجد في املقابل بني صفوف اإلخوان من يقترب بخطابه وخياراته الشـــرعية من السلفيني، وتلك النقطة تصلح أن تكون

ملتقى للنصح وتبادل التأثير.- على الصعيـــد اإلعالمي؛ فإن املنابر التي تتبنى اخلطاب الســـلفي في مجملها أكثر انتشارا وأسرع وصوال إلى اجلماهير، خاصة فيما يتعلق باخلطاب الدينـــي، وذلك مقارنة مبنابر اإلخوان املســـلمني، هذا النجاح في التأثير على الرأي العام أحدث تغيرات -جذرية أحيانا- لدى القاعدة العامة لإلخوان، هذه الطفرة في الوضعية الســـلفية أجبرت قيادات ومنظـــري اإلخوان على إعادة النظـــر في تقوميهم إلمكانات التيارات الســـلفية، وقدراتهـــا على التأثير في املجتمعات اإلســـالمية، وال شك أن شعور اإلخوان بأنهم أمام طرف ال يستهان بقوته وال بإمكاناته ســـيجعل من غير املمكن التعامـــل مع هذا الطرف بنفس األفكار القدمية التي حتتقر الوجود الســـلفي، وتنتقص من قدره.. مبعنى آخر، فإن تزايد قوة الســـلفيني وتنامي تأثيرهم وقوة حضورهم السياســـي، وحسن أدائهـــم، ووفرة كفاءاتهم وإجنازاتهم يصب فـــي اجتاه التقارب وليس التباعد، كمـــا قد يظن البعض، فعادة ما يكون التنافس بني طرفني متعادلني في جوانب متفرقة، حاميا في مراحله األولى، لكنه يصل في مرحلة متقدمة إلى مســـتوى متوازن يتم فيه صياغة قواعد عامة حتكم العالقة بني الطرفني على األقل في

املواطن اخلطرة.

Page 149: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 148

- أفـــادت جتارب عديدة أن التواصل الفردي مـــع رموز وقيادات اإلخوان يعطي نتائج أفضل مـــن التواصل اجلماعي العام، ورمبا يأتي ذلك نتيجة تأثر اإلخوان بالقاعدة املعمول بها في ثقافتهم التنظيمية »يســـع الفرد ما ال يســـع

اجلماعة«. - على اجلانب الســـلفي فإنه نتيجة تصنيـــف منهج اإلخوان عند كثير من التيارات السلفية بوصفه منهجا مخالفا ألحكام الشرع ومتجاوزا لثوابت دينية، فقد أصبحت مجرد فكرة التقارب مع اإلخوان »تهمة« يجب املســـارعة بنفيها،

وهذه عقبة يجب جتاوزها.- يلزم وضع حد حلالة التراشـــق بني أتبـــاع التيارين على مواقع التواصل االجتماعـــي، ورغم صعوبة ذلك، إال أنـــه يجب على األقل وضع ضوابط عامة

وخطوط حمراء ال ميكن جتاوزها، ومتريرها عن طريق املجموعات التربوية.- أهميـــة تعميـــق ثقافة التقـــارب والتي ميكن تضمينهـــا بعض املفاهيم الواقعية، وذلك في محاولـــة لتجاوز عقبة عدم توفر الدوافع لتحقيق التقارب

على اجلانبني، ومن أمثلة ذلك:- معلومات إحصائية عن القوة املجتمعة لإلخوان والسلفيني في املجتمعات

اإلسالمية، وعن جهود خصومهم في تعميق الهوة بينهم.- توفـــر التكامل بني التيارين وحاجتهما ســـويا لتفعيل هذا التكامل على أرض الواقع، والذي يتمثل في جوانب كثيرة منها: قدرة الســـلفيني البالغة على الوصول إلى الـــرأي العام؛ من خالل خطابهم ورموزهم الدينية، مقارنة بقدرة اإلخوان على الوصول املباشر إلى آحاد الناس وجتمعاتهم ميدانيا- قوة اجلانب العلمي للســـلفيني مقارنة بقوة اجلانب احلركي لدى اإلخوان- إبراز إيجابيات التنسيق والتحالف داخل مؤسســـات الدولة املنتخبة، وتأثير ذلك على ترسيخ أركان الدولـــة اجلديدة، وفـــي املقابل بيان حجم املخاطـــر املتوقعة من تزايد

اخلالف بينهما، وتأثيره السلبي على مشروع بناء الدولة.

Page 150: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابعالسيناريوهات احملتملة

Page 151: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر
Page 152: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

151مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

الفصل السابعالسيناريوهات احملتملة

مدخل:»الســـيناريو« من الوسائل الشائعة في الدراسات املستقبلية، وهو يستخدم في التخطيط للمســـتقبل أو لتوقع مســـاراته، ويعتمد على طرح مجموعة من البدائل املتناســـقة، وفق شـــروط خاصة، مع توضيح املسارات التي ميكن أن تؤدي إليها، وتوجد ثالثة أنواع من الســـيناريوهات: احلدسي، الذي يعتمد على املعلومات املباشـــرة والتحليل واخلبرة. والنظامـــي أو النموذجي والذي يعتمد على النماذج املنهجية والبيانات الكمية. والتفاعلي الذي يقرن بني احلدســـي

والنظامي.)1)ال تسمح املساحة املتوفرة للدراســـة ببناء سيناريو على الطريقتني الثانية

والثالثة، وأيضا ألسباب أخرى، مثل:1- ســـيولة املشهد السياسي في مصر، وصعوبة استخالص بيانات دقيقة

عن املتغيرات األساسية.2- أغلب القـــوى املؤثرة –بعد الثورة- إما أنها جديدة على الســـاحة، أو متـــارس دورا جديدا متاما؛ بحيث يصعب متديـــد النطاق الزمني للمقارنة أو

الستجالب البيانات.3- التقلبات الشديدة في املواقف، وعدم وجود تصورات قوية جتمع مواقف

كل قوة في سياق منطقي موحد.4- في ظل هذه األجواء -ما بعد الثورة- تبرز التأثيرات احملتملة ملا يطلق

والتقنية، التدريب مجلة واألحداث، التغييرات مع للتعامل أداة السيناريوهات أحمد، أسامة د. انظر (1(الرياض، 25-3\4-2011م.

Page 153: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 152

عليه علماء املستقبل »املتغير عظيم التأثير قليل االحتمال«، وهو متغير مجهول خارج سياق احلدث، وال ميكن توقعه أو معرفة مصدره.

هذه الصعوبات تدفع إلى استخدام السيناريو احلدسي، مع محاولة دعمه بالتوجهات النظرية، ونتائج الدراســـات املتخصصة في موضوع الدراسة، كذا يســـتعان في بعض احملاور -كما في محور »دور اجليـــش«- بالبعد التاريخي على ســـبيل املقارنة واملقاربة، أيضا ســـتلعب »االجتاهات السائدة« التي ميكن اســـتخالصها من خالل أداء بعض القوى خالل الفترة املاضية، دورا في تصور

البدائل املمكنة مستقبال. وســـيتبع ترتيب منهجي في سرد السيناريوهات، ففي الفصول املاضية مت اســـتعراض الوضع السياســـي وتفصيالته، وتعقيداته، ونقاطه احلرجة، وفي الفصل احلالي ســـوف يتم حتليل القوى الثالثة األكثر تأثيرا في املشـــهد، مع بيان اجتاهاتها العامة، ثم في اخلامتة تذكر بعض املقترحات والنتائج العامة.

في تلك السيناريوهات ركزت بصفة أساسية على البعدين: األول: »املمكـــن« وهـــو االحتمال الذي يتوقع أن تأخـــذه الظاهرة، وتتوفر مؤشرات أكثر عليه. الثاني: »احملتمل«، وهو أحد احتماالت تطور الظاهرة، لكن مؤشراته ليست كافية في الواقع.)1) وأعرضت عن البعد الثالث، وهو »املفضل«؛

مكتفيا باإلشارة إليه بصورة مختصرة في اخلامتة.

العوامل المؤثرة في سيناريوهات المستقبل متعددة، ومن أبرزها:1- دور الجيش

دور املجلـــس العســـكري يكتنفه غمـــوض كبير، فتوقع خياراتـــه القادمة وتصرفاته صعب؛ بســـبب حالة االرتباك الواضح في تكوين املجلس لتصوراته وخياراته السياسية، وبســـبب السمة املميزة للثقافة العسكرية التي جتنح نحو

)1) انظر د. وليد عبد احلي، مدخل إلى الدراسات املستقبلية في العلوم السياسية، املركز العلمي للدراسات السياسية، عمان2002م. ص62.

Page 154: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

153مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

الغموض والســـرية، وميكن محاولة توقع مسارات املجلس في املرحلة القادمة من خالل أربعة أساليب:

األول: التاريخ، الثاني: املقارن، الثالث: النظري، الرابع: الواقعي.

أوال: األسلوب التاريخي: يقصد به استخدام جتربة مجلس قيادة الثورة في اخلمسينيات لتوقع أداء املجلس العســـكري، والذي يدفع لهذه املقاربة أن كال املجلسني تولى احلكم في أعقاب ثورة، وأن الثورة أعقبها مرحلة انتقالية استمرت عامني، من 1952م إلى 1954م، ونذكر فيمـــا يلي أبرز املواضع التي يقترب فيها منوذج »مجلس قيادة الثـــورة« من »النموذج احلالي«، وما إذا كان هذا االقتراب يســـمح بتوقع جلوء

املجلس العسكري إلى مسلك مماثل لنظيره في اخلمسينيات؟1- ولج ضباط 23 يوليو إلى عالم الثورة بدون تصور أو رؤية سياســـية ملا هو قادم، فكانت اخلطوات تتخذ آنيا في املرحلة األولى، ويتحدث عبد الناصر عـــن هذه احلالة قائال: »مكانش مطلوب منـــي أبدا في يوم 23يوليو إني أطلع معايا كتاب مطبوع وأقول: إن هذا الكتاب هو النظرية.. مستحيل لو كنا قعدنا نعمـــل الكتاب ده قبل 23 يوليو مكناش عملنا 23 يوليو إلن مكناش نقدر نعمل

العمليتني مع بعض«(1). كانوا إذن يتحركون بحســـب تطورات األحـــداث، وينطلقون من موقف رد الفعـــل، ومن طريـــف ما يروى في تلك اآلونـــة أن الضباط األحرار كانوا يسمون حركتهم »انقالبا«، وأن اإلخوان املسلمني هم أول من أطلق عليها اسم

»ثورة«.(2) 2- يقول عادل حمودة عن األســـلوب الذي اتبعته الثـــورة في التعامل مع القوى السياســـية: »جاء التغيير بال رهان دائم على قوة سياسية واحدة، وإمنا

)1) أزمة املثقفني وثورة يوليو، عادل حمودة، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة األولى، ص 77.)2) السابق ص 35.

Page 155: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 154

بالرهـــان على قوة لضرب أخـــرى، حتى أصبح الرهان على قوة العســـكريني فقط«.(1)

3- التـــف حول مجلس قيادة الثورة ثلة من املثقفني والقانونيني، ســـاهموا في تضليل وتشـــويش الرؤية لدى أعضاء املجلس، كان منهم على سبيل املثال: سليمان حافظ أستاذ القانون املعروف، والذي كان مبثابة مصدر فتاوى قانونية للمجلس؛ لتمرير كل ما يرغبون فيه بدءا من تعديل الدستور، وإلغاء قانون إلغاء األحزاب، ومنهم حســـنني هيكل الذي قدم مقارباته السياسية حول الدمج بني الديكتاتورية والدميقراطية، فكتب يقول: »في رأيي أن قضية الثورة ال تنفصل عن قضية الدميقراطية، إذا ما الذي يبقى، يبقى األســـلوب، األسلوب املناسب للعمل، وألهدافه ولظروفه، من هنا فقد كانت املطالبة بعودة األحزاب القدمية، أو بإنشـــاء أحزاب جديدة، في تصوري، هي إجابة على غير ســـؤال، أشبه ما تكـــون باقتباس فكرة قصة لم يعـــش أبطالها في حياتنا، أقرب إلى النقل منها

إلى الدرس، أقرب إلى االرجتال منها إلى التعمق«.(2) 4- لعبت الشرطة العسكرية دورا كبيرا في السيطرة على التظاهرات التي

اندلعت عام 1954م وخاصة في القاهرة. (3) 5- الدفع ببعـــض العناصر للخروج في تظاهـــرات مؤيدة وداعمة خليار مجلـــس قيادة الثـــورة في مواجهة محمد جنيب ومؤيديـــه داخل اجليش ومن اإلخوان املسلمني، ويحكي احملامي كمال خالد جتربة عاينها بنفسه عندما كان طالبـــا في كلية احلقوق عـــام 1954م، فيقول: إنه في 29 مارس بينما كان في معســـكر التدريب التابع للكلية طلب منه أحد املدربني الذهاب حلل مشكلة مع

)1) السابق ص 91.)2) السابق ص 215.

)3) انظر كمثال: مصر زعامة وشعبا إلى أين، كمال خالد، دار االعتصام، 1991م، ص 238، وكذلك انظر كتاب: صالح نصر، األسطورة واملأساة، تأليف: حسنني كروم، مكتبة مدبولي، الطبعة الثانية، باملشاركة في العسكرية الناصر للشرطة القاهرة 1996م، ص 70، وفيه يتحدث عن تكليف عبد

حتقيقات قضية اإلخوان املسلمني عام 1965م.

Page 156: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

155مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

أحد ضباط اجليش الذي اقتحم املعسكر، يقول: »أسرعت إلى املعسكر ووجدت الضابط يقف وســـط حشـــد من عمال النقل، ويسلم لكل منهم خمسني قرشا وقصاصة ورق مكتوبا عليها هتافات منها: يســـقط القانون وحتيا الثورة، عاش

الضباط األحرار، يسقط احملامون اجلهلة«.(1) 6- التوســـع في تعيني عدد كبير من العســـكريني في عدد من الشـــركات والهيئات واملؤسسات والوزارات، وفي وظائف تفتقر إلى التخصص واخلبرة.(2) ويقول عبد الناصر عن هذه االســـتراتيجية التي ابتدعها وبناها على فكرة »رد اجلميـــل«: »لم يكن من املعقول أن أعاقب مـــن عاونني على حتقيق الثورة بفصلهم من القوات املسلحة، أو مبجرد إحالتهم على املعاش أو االستيداع، وهم ال يزالون في ســـن اخلدمة العامة، ولذا فقد وزعتهم على اإلدارات احلكومية، وعلى املؤسســـات والشركات العامة؛ لتسييرها من ناحية، وملراقبة أمن الدولة

فيها من ناحية أخرى«.(3) هذا التشابه الواضح بني جتربة املجلسني، باإلضافة إلى كون الثاني امتدادا تاريخيا لألول، وأن املجلس احلالي اقتبس الكثير من جتربة سلفه في املراحل الســـابقة، يدفع إلى التســـاؤل حول ما إذا كان سيواصل عملية االقتباس حتى

النهاية، أم أنه اقتباس عشوائي ال يرتبط بخط زمني؟!تصعب اإلجابة على هذا الســـؤال، بســـبب مواضـــع االختالف بني البيئة السياسية التي ظهر فيها مجلس قيادة الثورة، والبيئة احلالية، ومن هذه املواضع:

1- التباين الشديد في مستوى الثقافة والوعي لدى اجلماهير.2- في 1952م قام اجليش بالثورة وأيده الشـــعب، وفي 2011م قام الشعب

بالثورة، وقال اجليش: إنه تدخل حلمايتها.3- في اخلمسينيات انحصر الوجود اإلسالمي في جماعة اإلخوان، بينما

)1) أزمة املثقفني وثورة يوليو، مصدر سابق، ص 237.)2) السابق، ص 97.)3) السابق ص 147.

Page 157: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 156

تتنوع التيارات اإلســـالمية حاليا، وتتوزع في شـــتى املجاالت، وتغطي مناطق مصر، ولديها إمكانات بشرية ومادية هائلة.

4- القوى السياسية احلالية أكثر وعيا وجرأة وقدرة.5- من مواضع االختالف املهمة، أن املجلس العســـكري حاليا ال يستطيع اســـتخدام أدوات القمع بصورة موســـعة كما فعل عبـــد الناصر عام 1954م، فاملسوغات منعدمة، وأساليب االستدراج والتوريط لم تعد تفيد، ومبارك نفسه

لم يقدر على استخدامها بهذا النهج االستئصالي.6- هناك غموض يكتنف »التماســـك الداخلي« للقوات املســـلحة في حالة القيام بانقالب على عملية التحول السياســـي، بسبب تباين اآلراء حول خطوة

خطيرة مثل هذه.لكـــن مع ذلك احلديث ال يدور عن »احتمـــال االقتباس« فهو واقع بالفعل، وإمنا مكمن التســـاؤل هو: إلى أي مدى سيواصل املجلس احلالي االقتباس من

جتربة سلفه؟املجلـــس اســـتفادة تقتصـــر أن »املمك���ن«: أوهل���ا احتم���االن، يوج���د احلالي من جتربة اخلمسينات على األساليب والوسائل دون األهداف والغايات، أو يتوســـع قليال نحو الغايات، لكن وصوال لنمط مغاير من السيطرة العسكرية

غير املباشرة على احلياة السياسية.ثانيه���ا »احملتم���ل«: أن يتوســـع املجلـــس في نقلـــه للتجربة، وصـــوال إلى هدف السيطرة على مقاليد احلكم بصورة مباشرة، سواء حدث ذلك عن طريق

انقالب عسكري، أو فرض رئيس ينتمي إلى القوات املسلحة.بحســــب الســــيناريو املمكن، فإن دروس التجربة الناصرية املتبقية للمجلس باتت محــــدودة، فقد انقلب عبد الناصر بعد عامني، واآلن انقضى على املجلس في احلكم عام كامل، ويفترض أن يســــلم الســــلطة في 30 يونيو 2012م، وهذا يضيق أمامه مســــاحة املناورة، ورمبا يستدعي الســــياق جتربة النزاع بني عبد الناصر وعبد احلكيم عامر، وما إذا كان من املمكن استنساخها بصورة أو أخرى.

Page 158: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

157مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

التجربة األهم املتبقية، هي ممارسة احلكم العسكري مبالبس مدنية، وقد أوضح عبد الناصر نفســـه هذه الفكـــرة في حواره مع صحفي إجنليزي يدعى »بتير مانسفيلد«، فقال: »عندما قامت الثورة عام 1952م ساعدني في حتقيق هذه الثورة مجموعة مـــن زمالئي الضباط األحرار، ولكن ما إن جنحت الثورة حتى وجدت أن مشـــكلتي األولى كانت كيف أبعد زمالئي عن اجليش بالذات؛ ألنهم تعاونوا معي في هذا العمل السياســـي، فأنا ال أؤمن بأن من حق اجليش االشـــتغال بالسياسة، وإال غدت مصر مثل جمهوريات أمريكا الالتينية التي ال

تكف عن محاوالت الوثوب على احلكم باالنقالبات العسكرية«.(1)

ثانيا: األسلوب المقارن:ميكن اســـتخدام النموذج اجلزائري في تطبيق التعددية السياسية، وتنفيذ برنامج حتول دميقراطي نشـــط منذ العام 1989م؛ حملاولة اســـتقراء ســـلوك

املجلس العسكري في مصر في إدارة عملية التحول.أصدر النظام اجلزائري عام 1989م دســـتورا جديدا كان إيذانا ببدء عهد جديد من احلريات والتعددية غير املســـبوقة في تاريخ اجلزائر احلديث، فقد

سمح الدستور اجلديد بأمور منها: تكريس الفصل بني احلزب احلاكم والدولة- حق الدفاع الفردي واجلماعي عــــن احلقوق واحلريات، واملعاقبة على املخالفات ضد احلقوق واحلريات- فتح املجال أمام التعددية احلزبيــــة، والتخلي عن نظام احلزب الواحد- النص على تشكيل مجلس دستوري يسهر على حماية الدستور، ويضمن العملية االنتخابية- نقل بعض الصالحيات من رئيــــس اجلمهورية إلى رئيس احلكومة- حصر دور اجليــــش في الدفاع وحماية الوطن- منــــح االحتادات واملنظمات حق اإلضراب وتعميمه - إعادة النظر في القوانني املنظمة لإلعالم واالنتخاب واجلمعيات. (2)

)1) أزمة املثقفني ص 147.)2) انظر أعمال امللتقى الوطني األول حول التحول الدميقراطي في اجلزائر ديسمبر 2005م، مرجع سابق.

Page 159: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 158

أسفر هذا التحول احلقيقي عن ظهور قوى سياسية جديدة، أبرزها اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ التي خاضت في العامني التاليني انتخابات املجالس احمللية والبرملان، وحققت في كليهما اكتســـاحا، فنتج عن ذلك قيام اجليش باالنقالب علـــى االنتخابات، وإلغاء نتيجتها، واعتقل قادة اجلبهة وصدرت ضدهم أحكام

قاسية بالسجن.بعض أوجه الشبه بني النموذجني اجلزائري واملصري:

1- اخلروج من مرحلة حكم قمعي تسلطي إلى عملية حتول دميقراطي.2- نتج التحول في احلالتني عن حركة احتجاجية واسعة تطورت في مصر

إلى مستوى »الثورة« التي أسقطت رأس النظام.3- اختار الشعب القوى اإلسالمية اجلديدة، ومنحها أغلبية األصوات.

وقـــد تكون هناك بعض االختالفات مثل، أن جتربة اجلبهة ونتيجتها كانت صادمة؛ إذ اعتبرت في حينها أقوى نصر انتخابي يحققه اإلسالميون في دولة عربيـــة، وبالتالي لم تكن هناك قـــدرة –أو رغبة- في تقبل هذا الوضع داخليا أو خارجيـــا، بينما في الوقت احلالي تكررت التجـــارب والنماذج، ورمبا يكون عدم حتقيق أحدها إجنازات ملموســـة، سواء بالوصول املباشر إلى احلكم، أو على صعيد العمل البرملاني، مصدر طمأنينة للقوى التي تتعارض مصاحلها مع

صعود اإلسالميني.لكن ما يبعـــث على القلق في احلالـــة املصرية هو النتيجـــة الهائلة غير املسبوقة بتحقيق اإلسالميني نسبة 70% في مجلس الشعب، واكتساح اإلخوان قبل ذلك النتخابات أغلب النقابات املهنية، وظهور عدد من مرشـــحي الرئاسة ذوي التوجه اإلسالمي، مبعنى أنه بات من الواضح أن املزاج االنتخابي للشعب املصري مييل بقوة ناحية اإلسالميني في كافة العمليات االنتخابية، املقصود أن ما جتاوزته التجربة املصرية في نظيرتها اجلزائرية من »صدمة الفوز« أحدثته من ناحية أخرى بتحقيق هذه النســـبة الكبيرة مع صعود قوي للتيار الســـلفي

للمرة األولى، بالتزامن مع ارتفاع أسهم اإلسالميني في منصب الرئاسة.

Page 160: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

159مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

فهل ميكن أن يسلك اجمللس العسكري نفس املسار اجلزائري فيكبح اإلسالميني؟توجد نقاط افتراق واضحة، مثل الندية التي تتعامل بها القوى السياســـية مع املجلس العسكري، وتأكيد املجلس مرارا وتكرارا على حماية الثورة والشعب، وعـــدم إطالق الرصاص على املصريني، ورغـــم أن ذلك الوعد لم يلتزم به، إال أنه يبقى مصدرا للشـــرعية يصعب على املجلس جتاوزه، وعندما حدث جتاوز بالفعـــل في بعض احلاالت -مثل اعتصام 19 نوفمبر- فإن رد الفعل الشـــعبي

جاء قويا وشامال.النقطة األهم هنا هي افتقاد املســـوغ للقيـــام بحركة مماثلة لقمع اجلبهة، وكذا تنوع اإلســـالميني ما بني توجه إخواني وآخر ســـلفي، فهذا التنوع يعطي إحساسا باالنتشار والشمول لكافة قطاعات املجتمع؛ مما يصعب القيام بحركة

استئصالية واسعة لكليهما.مـــن مظاهر هذه النديـــة: التصريحات التي صدرت من بعض مســـئولي اإلخوان حول مناقشـــة »اخلروج اآلمن« ألعضاء املجلس العسكري، وطرح هذه القضية في ذلك الوقت يتســـم بقدر كبير من الـــذكاء، فهو يضع املجلس في ســـياق املتهم الذي يبحث له عن حصانة، ويدفـــع الكثيرين للدفاع عنه، وهذا الدفاع نفســـه يزيد الطني بلة، ويرسخ فكرة »اخلروج اآلمن« لدى الرأي العام، ومن مالمح الذكاء فيها كذلك، أنه يطرح القضية بعيدا عن املســـاومات البينية لتصبح قضية رأي عام، وهذا يضعف موقف املجلس التفاوضي في حالة وجود

مساومة بالفعل.وفي نفس الســـياق تأتي تصريحات املرشد د. محمد بديع الذي قال قبل افتتاح مجلس الشعب بيومني: »اجليش نحترمه ونقدره، أما املجلس العسكري فال بد له من أن يحاسب على أي أخطاء، ومن عنده له مظلمة فليتقدم بها، ال

أحد فوق احملاسبة«.(1)

)1) شبكة رصد، 22-1-2012م، واحلوار مع قناة درمي.

Page 161: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 160

ثالثا: األسلوب النظري: إذا قارنا بني جتربة املجلس العسكري في احلكم وجتارب عسكرية أخرى، خاصة في الدول العربية، ميكن أن نخرج بنتيجة ســـريعة، وهي أنه –تقريبا- ال توجد دولة حكمها العســـكر ثم تخلوا عـــن حكمها طواعية، قد تكون جتربة الفريق عبد الرحمن ســـوار الذهب في السودان حالة شاذة، باإلضافة إلى أنه

أعقبها بعد أربع سنوات انقالب عسكري جديد.يوجد مفهوم في النظرية السياســــية يســــمى »نزوع احلــــكام إلى اخلالفة الذاتيــــة« كأحد مظاهر انتقال الســــلطة في العالم املعاصــــر، ويقصد به بقاء احلاكم في السلطة عن طريق جتديد واليته باستخدام العديد من األساليب. (1) بدون اســـتغراق في النظريات العديدة التي حتلل أداء النخب العســـكرية، فإن العامل املشترك في أغلب التجارب هو التمسك بسدة احلكم، وتوجد ثالثة

أمناط معروفة للحكم العسكري، هي:1- احلكم املباشر بواسطة ضباط في اخلدمة.2- احلكم املباشر بواسطة ضباط متقاعدين.

3- احلكم غير املباشر بواسطة نص دستوري أو هيئة عليا أو نفوذ ضمني.بحسب مفهوم »اخلالفة الذاتية« فإن طموح املجلس العسكري سوف يتراوح بني األمناط الثالثة حســـب تطورات احلالة السياســـية، وقد كشفت األحداث األخيرة عن صعوبـــة النمط األول، بذلك يبقى االحتمـــال األقرب هو النمط الثاني، ثم النمط الثالـــث، ويبدو واضحا من خالل متابعة اخلطاب -والفعل- السياسي للمجلس خالل األشهر املاضية أنه يختزل عملية االنتقال لدى الرأي العام في صورة ذهنية يتســـلم فيها املدني من العســـكري، بينما تبدو الصورة

ضبابية حول هوية املدني املستلم، وما إذا كان عسكريا سابقا أم ال؟لـــذا يبدو أن املجلس يقرن في جهوده بني النمطني الثاني والثالث؛ لتمرير

)1) أمناط االستيالء على السلطة في الدول العربية، د. صالح سالم زرنوقة، مكتبة مدبولي، القاهرة 1992م، الطبعة األولى ص 44.

Page 162: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

161مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

أقصى ما ميكن من مالمحهما. من الشـــواهد على ذلك، احلادثة الشـــهيرة التي أطلق عليها الثوار »جولة البدلة« عندما قام املشير حسني طنطاوي بجولة قصيرة في أحد شوارع وسط القاهـــرة، وهو يرتدي »بدلة« مدنية في تصرف نادر متت تغطيته إعالميا عن طريق التلفزيـــون املصري حصريا، وبدعوى أنه »ســـبق إعالمي«، وقد أثارت احلادثـــة جدال حول ما إذا كان تصرف املشـــير يعني توطئة ملمارســـة احلكم

العسكري بزي مدني.ليس بالضرورة أن يكون الرئيس العســـكري -املدني- هو املشير طنطاوي، فرمبا تكون هـــذه املواقف »جس نبض« وتهيئة للرأي العام، فقد يدفع املجلس عند فتح باب الترشح بشخصية جديدة لها خلفية عسكرية محترمة تلقى قبوال جماهيريا خاصة مع ظهور بوادر »ملل شعبي« من طول الفترة التي مارس فيها

املترشحون للرئاسة حمالتهم الدعائية، وهو بالتأكيد أمر ليس إيجابيا.من الشـــواهد على النمط الثالث، تصريح الفريق ســـامي عنان في حواره مع مجموعة من املثقفني أن القوات املســـلحة سوف تبقى بعد استتباب األمور، وإجراء االنتخابات، حارســـا وضامنا حلقوق الشعب وحماية الدستور ومصالح البالد، وقال: »لن نســـمح ألي ســـلطة أن تتجاوز في يوم من األيام وجتور على

حقوق وكرامة وحرية هذا الشعب«.(1) هذا النمط قد يكون أقرب االحتماالت، وميكن أن يتم وفق السيناريو التالي: رئيس توافقي يقبله املجلس، وكذا األحزاب اإلســـالمية ذات األغلبية النيابية- هذا الرئيس قد يكون عســـكريا متقاعدا أو مدنيا يثق به العســـكري- إعطاء اجليش اســـتقاللية نســـبية- إعطاء مجلس األمن القومي املقترح صالحيات واســـعة ليكون مصدر القرار األخير في امللفات احلساســـة بالنســـبة للجيش وللواليات املتحدة وإســـرائيل )التسليح، املعاهدات، سيناء، امللف الفلسطيني- قرار السلم واحلرب)، باإلضافة إلى العالقات اخلارجية- رمبا يضاف إلى ذلك

)1) مصراوي 1-8-2011م.

Page 163: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 162

وضع خطوط حمراء غير مكتوبة لتمدد املشروع اإلسالمي ال ميكن جتاوزها- رمبا يتمدد دور مجلس األمن القومي ليشـــمل اإلشراف على األجهزة األمنية

احلساسة، مثل »املخابرات العامة، األمن الوطني«.في زيارته ملصر منتصف يناير 2012م أعرب الرئيس األمريكي األســـبق- جيمي كارتر- عن تشـــككه في تســـليم املجلس العسكري للسلطة كاملة، وهذا يدعم النمط الثالث من احلكم العســـكري، قال كارتر: »ظني أن اجليش سيود االحتفاظ بأكبر قدر ممكن -من السلطة- ألطول وقت، وأنه لم يتقبل بعد نتائج

الثورة واالنتخابات«(1). تراجع كارتر عن هذا التصريح بعدما أعلن مصدر عســـكري أنه ال صحة ملا يقال عن دور سياســـي للمجلس في املســـتقبل، وقال املصدر: »ما صرح به كارتر يعود إليه شـــخصيا، ويســـأل هو عن حقيقته، أما اجتماعه مع املشـــير طنطاوي فلم تكن فيه أية إشارة من قريب أو بعيد إلى احتفاظ املجلس ببعض االختصاصات قبل تسليم الســـلطة للرئيس القادم، فاملجلس سيسلم السلطة كاملة للرئيس القادم قبل نهاية يونيو دون انتقاص الختصاصات معينة، وهو ما

وعد به الشعب قبل ذلك«.(2) الغريب في النفي السابق أنه جاء على لسان من وصف بأنه مصدر عسكري لم يصرح باســـمه، وهو ما يطرح الشـــك حول قوة النفـــي، وإمكانية االعتماد عليه في تصور املســـتقبل، لكن في كلمته املوجهة ملجلس الشـــعب في جلسته االفتتاحية، قال املشير طنطاوي: »نتوق لليوم الذي يقف فيه رئيس اجلمهورية املنتخب حتت قبة البرملان يؤدي القســـم قبل نهاية يونيو املقبل لنسلم سلطات رئيس اجلمهورية كاملـــة، وليعود اجليش املصري ملهامـــه للدفاع عن الوطن،

وينشغل املجلس األعلى مبهمته األصلية دون غيرها«.(3)

)1) وكالة رويترز 13-1-2012م.

)2) اليوم السابع 13-1-2012م.)3) شبكة رصد 23-1-2012م.

Page 164: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

163مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

هذه التصريحـــات والتصريحات املضادة لها، تزيـــد من احتمال أن يكون تدخل اجليش في ســـياق يبدو طبيعيا ضمن مؤسســـات الدولة املعهودة، يعني من خالل مجلس األمن القومي، ورمبا يدعم احتمالية هذا السيناريو أن هناك ملفات يصعب فعال على اإلسالميني إذا تولوا احلكم بصورة فعلية أن يتعاملوا معها، مثل قضايا التســـليح، وبعض جوانب العالقة مع إسرائيل، فهذه القضايا سيحتاج اإلســـالميون فيها إلى طرف يثق فيه الغرب، ويكون وجوده في دائرة احلكم ضمانة الســـتقرار التوازن اإلقليمي، لكن ما هو املدى الذي ســـيقبل به اإلســـالميون من اســـتقاللية اجليش ومتدده في هذه امللفات؟ وهل ميكن أن يســـعى اإلسالميون مستقبال إلعادة هيكلة القوات املسلحة مبا يضمن ذوبانها داخل الســـلطة املدنية؟ وهل يؤثر ذلك على الدور الذي يلعبه اجليش كضمانة

سياسية للقوى الغربية؟!

رابعا: األسلوب الواقعي:وهو يعتمد على مقاربة الفعل املســـتقبلي للمجلس العســـكري من خالل حتديد بعض االجتاهات العامة لســـلوكه السياسي خالل فترة حكمه املاضية،

وهنا ميكن مالحظة عدة اجتاهات نذكر بعضها فيما يلي: 1- التغيري الدائم يف اجلدول الزمين:

هذه ســـمة الزمة للمجلـــس، فالتعديالت التي طـــرأت على ذلك اجلدول ا، وال يوجد ما مينع من منذ إعالنه ألول مرة بعد الثورة مباشـــرة، كثيرة جـــدتكـــرار هذا األمر فيما تبقى، فموعد 30 يونيو ميكن تعديله بحســـب تطورات األحداث، وعادة ما يلجأ املجلس في هذه احلاالت إلى إبراز اخلالف بني القوى السياســـية، أو عدم اجلاهزية إلجراء االنتخابات، ورمبا تأخر كتابة الدستور.. إلخ، وقد قال الرئيس األمريكـــي كارتر أثناء زيارته ملصر: »عندما حتدثت مع اإلخوان املســـلمني وغيرهم توقعوا أن تســـتمر الفترة إلى ما بعد نهاية يونيو؛

Page 165: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 164

حيث من احملتمل أن يحتفظ اجليش ببعض املزايا اخلاصة«.(1) 2- الغموض يف تفويض الصالحيات:

تفويض الصالحيات إجراء مهم لتســـيير شئون الدولة؛ نظرا ألن املجلس يجمع بني يديه كافة الصالحيات التنفيذية والتشـــريعية والرقابية، لكن اتسم هذا التفويض بالغموض الشـــديد في املرحلة السابقة، فكان ذلك مثار جدل واسع، ســـواء في حكومة عصام شـــرف أو حكومة اجلنزوري، وقد ثار لغط مماثـــل حول ما إذا كان املجلس ســـيمنح البرملان صالحياته كاملة أم يقلصها

بصورة أو أخرى؟األمر نفسه قابل للتكرار في عملية تسليم الرئيس املنتخب صالحيات الرئاسة،

وال توجد ضوابط ميكن مراعاتها في هذا الشأن؛ ألن املجلس هو املتحكم.3- القمع:

تكرر أكثر من مرة جلوء املجلس العســـكري من خالل األجهزة التي يشرف عليها إلى اتخاذ ردود أفعال قاســـية ضد بعض أمنـــاط التظاهر واالحتجاج، بالتزامن مع ظهور سلوكيات شاذة داخل هذه االحتجاجات حترفها عن مسارها الطبيعي، وهذا القمع يســـفر أحيانا عن سقوط عشـــرات القتلى )ماسبيرو- محمـــد محمود - مجلس الوزراء)، وهذا املســـلك ميكن تكراره من جديد لكن باحتمال أقل؛ بسبب النقد الشديد ومطالبات احملاكمة التي تعرض لها قيادات

املجلس.4- العالقة الغامضة مع النظام السابق وواشنطن:

من غيـــر املعروف على وجه الدقة طبيعة العالقة والنفوذ والتأثير املتبادل بني عدة قوى تنتمي كلها إلى النظام القدمي، وهي: املجلس العســـكري- رموز النظام في طرة واملركز الطبي – بعض رموز النظام السابقني مثل عمر سليمان- أجهزة حساسة في الدولة مثل »املخابرات العامة«- يضاف إليها نفوذ الواليات املتحدة.. هذا التداخل يلقي غموضا واضحا حول آلية اتخاذ القرار السياسي،

)1) وكالة رويترز 13-1-2012م.

Page 166: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

165مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

وهل توجد جهة أكثر حتكما من غيرها؟ أم أن بعض اجلهات تتحكم في قرارات معينـــة دون غيرها؟ أم أن بعضها يضع خطوطا حمراء، ويترك للمجلس اتخاذ القرار؟ ... عالمات استفهام بدون إجابات، من احملتمل أن تظل قائمة ومؤثرة

في الفترة القادمة.5- تسريب اإلشاعات وغموض املوقف السياسي:

متابعـــة التأكيـــدات الصادرة عـــن املجلس العســـكري بخصوص احلالة السياســـية في العام املاضي، غالبا ما تترك الباب مفتوحا ألي احتماالت، وقد جتاوز املجلس ما ســـبق أن أكده أكثر من مرة، وأبرز التجاوزات: تغيير الترتيب بني الدســـتور وانتخابات الرئاسة، فحسب االســـتفتاء كان واضحا أن الرئيس ال بد أن ينتخب قبل إقرار الدســـتور؛ ألن التعديالت املســـتفتى عليها تضمنت حتديد مدة الرئاســـة ودوراتها، لكن بعد أشهر قليلة أجرى املجلس العسكري

تغييرا في الترتيب ليصبح: الدستور قبل الرئاسة.املوقف من حالة الطوارئ متيز كذلك باالرتباك والغموض، فأوال أكد بعض أعضاء املجلس-اللواء ممدوح شاهني- أن حالة الطوارئ سترفع أثناء انتخابات مجلس الشعب،(1) لكن املجلس لم يفعل، وأجريت االنتخابات في ظل الطوارئ، د شـــاهني أن حالة الطوارئ لن ترفـــع إال في منتصف عام 2012م، لكن ثم أك

املشير طنطاوي أصدر قرارا برفعها يوم 24-1-2012م.أيضا فيما يتعلق مبوعد انتخابات الرئاســـة: في بيانه الصادر نهاية مارس 2011م قـــال املجلس العســـكري: »يؤكد املجلس األعلى للقوات املســـلحة أنه ال صحة لألنباء التي تناقلتها وســـائل اإلعالم املختلفـــة عن تأجيل انتخابات الرئاســـة لعام 2012م«، بعد ذلك كشـــف اجلدول الزمني الذي أعلنه املجلس عـــن تأجيل االنتخابات إلى النصف األول من عام 2013م، ثم بعد أزمة نوفمبر

2011م تراجع املوعد إلى منتصف 2012م.

)1) حوار مع برنامج العاشرة مساء، قناة درمي، 23-2-2011م على الرابط التالي:http://www.youtube.com/watch?v=o1JNmLPqMfM&feature=related

Page 167: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 166

واملوعـــد األخير يرتبط بـــه احتماالن متناقضان، فرمبـــا يتم تقدميه إلى أبريل 2011م، بفعل الضغوط الشـــعبية، ورمبا يتأجل إلى ما بعد يونيو أو تثور حول تنفيذه مشـــكالت جديدة، حسبما ذكر الرئيس كارتر: »عندما حتدثت مع اإلخوان املســـلمني وغيرهم توقعوا أن تســـتمر الفترة إلى ما بعد نهاية يونيو؛

حيث من احملتمل أن يحتفظ اجليش ببعض املزايا اخلاصة«. (1)على صعيد نشر اإلشاعات، فاملجلس العسكري متهم من قبل جهات عديدة بأنه يسرب معلومات غير صحيحة بغرض معرفة ردود الفعل لدى الرأي العام، أو إثارة البلبلة، أو تفرقة الصف السياســـي، ويستشهدون على ذلك مبا كشفه اللواء حسن الرويني-عضو املجلس- عن دوره في ميدان التحرير أثناء الثورة؛ حيث قال في حوار متلفز: »إحنا في ميدان التحرير من يوم 28 يناير.. ملا كنت أحب أهدي امليدان وأنا كنت باروح بنفســـي كنت.. أطلع إشـــاعة في امليدان:

قبضوا على أحمد عز وحولوه حملكمة اجلنايات .. امليدان يهدى.. املذيعة ضاحكة: هو حضرتك كنت مصدر هذه الشائعات يا أفندم؟..

الرويني: آه طبعـــا.. قبضوا على وزير الداخليـــة وودوه مش عارف إيه.. امليدان يهدى ... أنا عارف مدى تأثير اإلشاعة في اجلموع الثورية.. أنا عارف إزاي أهـــدي امليـــدان وإزاي أهيج امليدان... ملا طلعنا يوم عشـــرة فبراير على املنصة بتاعة حمدي الوزيري ..أنا طلعت بنفسي وكان يوم اخلميس مساء وكان صابح اجلمعة وكان حيحصل فيهـــا حتركات في اجتاهات عديدة، وقلت لهم: كل مطالبكـــم احتققت.. بجد .. أيوه بجد .. واخده بال حضرتك.. فأنا عارف

مدى تأثير الشائعة في داخل امليدان«.(2) 6- الرضوخ للضغط الشعيب:

أغلب اإلجنازات السياســـية املتحققة استجاب لها املجلس العسكري كرد فعل مباشـــر على عمل احتجاجي: مثل )محاكمة مبـــارك، إلغاء املبادئ فوق

)1) وكالة رويترز 13-1-2012م.)2) حوار مع برنامج صباح درمي، قناة درمي2 23-7-2011م على الرابط التالي:

http://www.youtube.com/watch?v=O4zDuW9vquk&feature=share.

Page 168: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

167مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

الدســـتورية، إجراء االنتخابـــات، رفع حالة لطوارئ.. إلـــخ)، وعليه فإن هذا األســـلوب الفعال قابل للتكـــرار كنهج ثابت للتعامل مـــع املجلس في املرحلة

القادمة.حســـب هذا األســـلوب -الواقعي- فإن املجلس العســـكري رمبا يجري تعديـــال على اجلدول الزمنـــي مرة أخرى، ومن احملتمل أن يســـود الغموض حدود الصالحيات التي سيتســـلمها الرئيس القادم، وكذا يوجد احتمال قوي ملمارســـات قمعية ضد االعتصامـــات، مع احتمال إلغاء تعهـــدات والتزامات ســـابقة أو تسريب معلومات مقلقة للساحة السياسية، ويبقى بعد ذلك حقيقة أن الضغط الشعبي هو األسلوب األقوى حتى اآلن ليحصل الثوار على تنازالت

من املجلس العسكري.

2- القوى السياسيةمصطلح »القوى السياســـية« يحتاج إلى تفكيك، فهـــو يتضمن األحزاب، ومنظمـــات املجتمع املدني األخرى، وكذا الشـــخصيات والتكتالت التي تتكون

على أسس مختلفة: سياسية، دينية، اجتماعية، عرقية .. إلخ.لكن هناك فرق كبير بني وجود هذه القوى على اخلارطة السياســـية، وبني قوتها احلقيقية في الشـــارع، وهذه القوة تتحدد عن طريق االنتخابات، وعادة ما تختلف في املرحلة االنتقالية تركيبة القوى السياســـية قبل االنتخابات عن بعدهـــا؛ حيث تؤدي العمليـــة االنتخابية إلى انزواء قـــوى كثيرة، وتقلص عدد األحزاب، في شـــيلي –على ســـبيل املثال- في نهاية حكم بينوشيه، كان هناك مائة حزب سياســـي، لـــكل منها رئيس، وكل حـــزب كان يعتقد أنه ميتلك قوة سياسية كبيرة، ويتحدث من منطلق الشراكة واملساواة، لكن بعد أول انتخابات

حرة انخفض عدد األحزاب بشكل ملحوظ، وتغيرت اخلارطة. (1) أما قوى املجتمع املدني، فهي تعتمد أساســـا - في مصر- على حضورها

)1) املنتدى الدولي حول مسارات التحول الدميقراطي، سابق، ص 33.

Page 169: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 168

اإلعالمي وأنشـــطتها املتنوعة، ومن ضمن هذه القوى املجموعات الثورية التي برزت قبل الثورة وأثناءها، لكن حقيقة دورها، ومدى استقالليتها، أو استغاللها من أطراف أخرى هو محل جدل، وهي تعتمد على أســـاليب االحتجاج السلمي في اســـتعراض قوتها وتأثيرها، وهذه املجموعـــات لها أثر ملحوظ في توجيه القرار السياسي، خاصة إذا ما اتسقت معها عوالم أخرى موائمة، ومشكلة هذه املجموعـــات هي عدم وجود أطر تنظيميـــة واضحة وقوية لها؛ حيث ميكن أن ينضم إليهم ويخترقهم أطراف وجهات عديدة، حتاول توظيف حراكهم الثوري

في اجتاهات معينة.بعد انتخابات مجلس الشـــعب ميكن القول: إنه توجد في مصر حاليا أربع قوى رئيســـة، هي: حـــزب احلرية والعدالة، حزب النور، حـــزب الوفد، الكتلة املصرية، فهذه األربعة تشـــكل حوالـــي 90% من البرملان، وقدرتها على صياغة معادلة توازن وتوافق مشتركة فيما بينها، ثم صياغة معادلة موحدة للتعامل مع

املجلس العسكري، سوف حتدد إلى درجة كبيرة مالمح املرحلة املقبلة.العامـــل األكثر تأثيرا في حراك اإلســـالميني هـــو الهاجس الذي يجعلهم حريصني على تضييق احتماالت أن تســـلب منهم املكاسب السياسية إلى احلد األدنى، يظهر ذلك واضحا في تقنني استخدامهم لوسائل الضغط االحتجاجية، وفي وضع خطوطهم احلمراء أمام املجلس العسكري، وهذا ما يجعلهم يسيرون في سياق سياسي مخالف للقوى األخرى، السياسية والثورية، لذلك يتعرضون التهامات دورية بعقد الصفقات مع املجلس، والقبول بتنازالت سياسية مستقبلية

تتعلق بدور اجليش، ويقوم اإلسالميون بنفي االتهامات بصورة روتينية.معارضة القوى السياســـية لإلسالميني في هذا الشـــأن ال تأتي من باب رفـــض االتفاق مع العســـكري؛ إذ ال يتبنى جميع هـــؤالء –بالضرورة- موقفا معارضا للمجلس، بل كان بعضها يؤيد وثيقة املبادئ فوق الدستورية التي سعى من خاللها د. علي الســـلمي نائب رئيس الوزراء إلى منح اجليش دورا سياسيا واستقالليا في الشئون العسكرية، فهذه األحزاب تختلف في موقفها من املجلس

Page 170: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

169مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

العســـكري، لكنها تتفق على رفض استقالل اإلسالميني برسم مالمح املرحلة االنتقالية منفردين.

أهم العوامل التي ستؤثر على استقرار النظام؛ وصوال إلى مرحلة الرسوخ السياســـي، هو جناح القوى السياسية في إقرار قواعد حاكمة للعالقات فيما بينها، يتم صياغتها على أساس توافقي، وليس حسب األغلبية، وأول هذه القواعد أن تقر األقلية -أيا كانت- بحق األغلبية في مترير القوانني والتشريعات، وهذا ما يبدو صعبا بالنظر إلـــى »حالة اليأس« الواضحة التي تبديها بعض أحزاب األقلية العلمانية حول مستقبلها السياسي في احلكم، وبالتالي فهي تصر على

طرح مفاهيم بديلة للـ»األغلبية« مثل: التوافق، شرعية التحرير..هذه املؤشـــرات تزيد من احتماالت تفاقم اخلالف، وإثارة جدل مســـتمر داخل البرملان، ورمبا يصل األمر مســـتوى االنســـحاب من جلسات التصويت، أو شـــن حمالت دعائية ضد املجلس، أو السعي لعرقلة عمله باالنسحاب التام

وإخالء املقاعد.من الســـيناريوهات احملتملة أيضا، أن تتفاعل القوى السياســـية -خاصة الشخصيات املجتمعية العلمانية البارزة- مدعومني باملجموعات الثورية إلنشاء أو تشـــكيل كيانات سياسية ثورية جديدة تسعى في توقيت معني إلثارة نزاع مع البرملان؛ متجاوزين قضية األغلبية واملشـــاركة الشعبية الكبيرة في االنتخابات، ن ويكون الهدف من ذلك الوصول باحلالة السياسية إلى وضعية متجمدة حتسموقفهم التفاوضي خارج قيود النسبة التصويتية، وميكن أن ينضم إليهم الحقا نـــواب الكتلة املصرية، وبعـــض نواب األحزاب الصغيرة فـــي البرملان، وبعض

املستقلني؛ وذلك إلصابة البرملان بالشلل.ولعل التصريحات املبكرة من بعض النواب التي تنتقد األغلبية، وتشبهها –بصورة ملحة- باحلزب الوطني، تعطي داللة على مسلك هؤالء مستقبال، مثال: يقـــول النائب الوفدي محمد كامل تعليقا على ســـيطرة حزب احلرية والعدالة على رئاســـة أغلب اللجان أن ما حدث أشـــبه باملضحكـــة، وقال: إن اإلخوان

Page 171: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 170

يقومون بإعادة ســـيناريو 2005م، عندما ســـيطر احلزب الوطني املنحل على غالبية اللجـــان الفرعية، وعندما اعترضت املعارضة مبا فيها جماعة اإلخوان املســـلمني رد عليهم د. أحمد فتحي ســـرور رئيس مجلس الشعب السابق بأن

الوطني هم األغلبية، ومن حقهم السيطرة على غالبية اللجان(1). وقال الناشط السياسي جورج إسحاق: إنه عندما رأى »الكتاتني رئيسا ملجلس الشعب شعر بأن احلزب الوطني مازال موجودا في ثوب جديد بالبرملان«، وقال: »إن املصريـــني لهم صوت انتخابي في البرملان، وصوت احتجاجي في التحرير، ولذلك على البرملـــان أن يعبر عن روح الثورة لتفادي الصوت االحتجاجي لدى

الشعب املصري«(2). وال يخفـــى ما في هذه التصريحات من إســـقاط أهـــم قاعدة حاكمة بني

الفاعلني السياسيني، وهي احترام األغلبية.أولـــى الكيانات الوليـــدة التي جمعت نخبة من العلمانيـــني ما أطلق عليه »الهيئـــة العليا للثورة« وأعلن عنها في حفل بدار الشـــروق بالقاهرة حضره د. محمد البرادعي، والروائي عالء األسواني ود. محمد أبو الغار واملستشار زكريا عبد العزيز، وجورج إسحاق، ود مصطفى الفقي، وشادي الغزالي حرب، وبعض املمثلني واملطربني، واتفق احلاضرون على أن الهيئة تتســـع لكل القوى الثورية، وتستند على »شرعية التحرير«، وتناضل من أجل استكمال أهداف الثورة. (3) احلديث عن »شـــرعية« هنا يبعـــث على القلق، فقد بـــدأت أولى مراحل الشـــرعية احلقيقية بعد انتخاب مجلس الشـــعب، لكن تصريح »إسحاق« عن »صوتني« للمصريني، ثم تأسيس هيئة تستند على »شرعية التحرير« فيه مالمح

واضحة لنزع الشرعية عن البرملان، أو التنازع معها. بعض احملاوالت »التنظيرية« التي يقدمهـــا أكادمييون علمانيون يرفضون

)1) الوفد 24-1-2012م.

)2) الوفد 24-1-2012م.

)3) الوفد 25-1-2012م.

Page 172: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

171مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

األغلبية اإلسالمية، تبعث قلقا مماثال، فقد بدأ هؤالء يطرحون بقوة تصورات لـ»الدميقراطية النخبوية« التي ســـبق اإلشارة إليها في »الفصل الثالث«، والتي تدعو إلى ســـحب اخليارات اجلذرية من يد الشـــعب بوصفـــه غير قادر على اتخاذ قرارات رائدة، على ســـبيل املثال، يقول د. نبيل عبد الفتاح مدير مركز األهرام للدراســـات التاريخية تعليقا على النســـبة املرتفعة للمشاركة الشعبية في انتخابات مجلس الشعب: »من الذي خرج –لالنتخاب- وملاذا خرج؟.. وهل الذين خرجوا لديهم القـــدرة والبصيرة؟« ثم يدعو عبد الفتاح صراحة إلى أن يعكس التمثيل في مؤسســـات الدولة التوازن املوجود في الشارع، وهو طبعا ال يقصد توازن اجلماهير، وإمنا فئات معينة موجودة في الشـــارع، وهذا هو عني

»الدميقراطية النخبوية«.(1)هـــذا الطريق ميكن أن يصل إلى ما يشـــبه »احلرب األهلية السياســـية«؛ حيث يتمخض األمر عن ثالثة أطراف: طرف يستند على الشرعية الدستورية املستمدة من انتخابات نزيهة غير مســـبوقة، وطرف يرفض غلبة اإلسالميني في الشارع، فيسعى للترويج لـ»شرعية بديلة« نخبوية، وطرف ثالث هو املجلس

العسكري يثير الصراع وال يفضه.هذه الوضعية املعقدة ميكن أن تصل بالنظام إلى مرحلة »اجلمود السياسي«، وهي حالة خطيرة من حيث تداعياتها االجتماعية، والسياســـية، واالقتصادية،

ورمبا تكون هي املدخل لبقاء اجليش، واستمراره في احلكم.على أن أزمة »القواعد احلاكمة« إذا لم تتفاعل إلى نقطة الالعودة بالصورة الســـابقة، فإنه ميكن احتواؤها –ولو جزئيا- إذا جنح اإلسالميون في حتقيق سلســـلة إجنازات سياســـية واقتصادية واجتماعية ســـريعة متنحهم »شرعية اإلجناز« التي تكســـبهم قوة سياسية هائلة متكنهم من فرض هذه القواعد على األقلية، باإلضافة إلى متكنهم من تأســـيس حتالفات قوية داخل البرملان ترفع

نسبتهم إلى 90% مثال؛ بحيث ال يضرهم انسحاب أو خالف.

)1) في حوار مع قناة اجلزيرة مباشر مصر، ضمن التغطية املفتوحة لفعاليات 25 يناير 2012م.

Page 173: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 172

اخلدمة التي قدمتها االنتخابات األخيرة لألحزاب اإلسالمية، أنها أضعفت التحالف الضمني بني بعض الرموز والكيانات العلمانية املشـــاركة في مجلس الشـــعب، وبني املجموعات الثورية العلمانية املعارضة لإلســـالميني، فاجنذاب أحدهما إلى اآلخر يفقده موقعه الذي يستمد منه نفوذه السياسي، فلو اجنرفت األحزاب مع الثوريني ســـيضعفون دورهم النيابي، وكـــذا لو اجنرف الثوريون مع النواب ســـيضعف تأثيرهم امليداني؛ لذا تبرز أهمية أن يرسخ اإلسالميون اســـتراتيجية التوافق في بعض امللفات املهمـــة التي يتوالها املجلس إبقاء على شعرة »اجلدوى« لدى بعض أحزاب األقلية -على األقل-، وسعيا الستباق جهود

جتميد مجلس الشعب وتعويقه عن أداء عمله.على صعيد العالقة مع املجلس العسكري، فقد تغيرت معالم استراتيجية التفرقة السياسية التي كانت متبعة قبل االنتخابات، مع قرب موعد انتخابات الرئاسة، وانغماس القوى السياســـية األربعة في ساحة العمل البرملاني، فقد كانت قبل االنتخابات تعتمد على ترســـيخ احلاجة لدور املجلس بوصفه »نازع الفتيل« الذي مينع تفاقم الصراع بني القوى السياســـية، لكن بعد االنتخابات رمبا تتزحزح االســـتراتيجية أفقيا لتصبح »كبح اإلسالميني«، والسعي ملنعهم من حتويل النظام الدميقراطي إلى نظام إســـالمي، وفي هذا الســـياق رمبا يدفع املجلس إلى تقليص صالحيات البرملان والتضييق عليه بوســـائل مختلفة من أجل إضعاف قدرته على اإلجناز وعدم منح الفرصة لإلســـالميني إلثبات

كفاءتهم.

لكن املشـــكلة القائمة فـــي مواجهة القوى العلمانية هي انقســـامهم حيال املجلس العسكري، فبينما يطالب بعضهم ببقائه حلماية »مدنية الدولة«، يطالب آخرون بانســـحابه التام من احلياة السياســـية، رغم ذلك يجتمع هؤالء جميعا

النتقاد اإلسالميني، واتهامهم بالتنسيق مع املجلس العسكري.بالنسبة إلعداد الدستور، فقد تضخمت هذه القضية رمبا أكبر من حجمها

Page 174: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

173مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

احلقيقـــي، فاملواد التي ميكن أن ينتج عنها تفاقم »حالة االســـتقطاب« شـــبه محســـومة حاليا، واخلالف حول صياغة املـــواد األخرى ال عالقة له مبواقف

اإلسالميني، بل قد تختلف فيه آراء اإلخوان عن السلفيني.اخلالف احلقيقي هو ما يتعلق بتشـــكيل اللجنة املعدة للدستور، وهو أيضا خالف فرعي متعلق بحالة االســـتقطاب بني اإلســـالميني والعلمانيني، لذا قد تكون قضية الدستور من القضايا التي يثور حولها الصخب بعيدا عن موعدها املقـــرر، فإذا حان وقتها انكمش اجلدل حولها، خاصة وأن تراجع احلديث عن

مبادئ فوق دستورية قلص مساحة النزاع.

3- الدور اخلارجيالتدخل الخارجي والثورات:

التدخل اخلارجي هو اآلفة التي تعصف بالثورات، وال توجد ثورة لم يتعرض مســـارها السياسي لتدخالت خارجية؛ مارست تأثيرا تفاوتت نتائجه. والسبب في ذلك أن الثورات متثل تهديدا مباشـــرا للتوازن اإلقليمي وصوال إلى التوازن

الدولي.يحكى أن القيصر الروسي نيقوالي األول عندما سمع بنبأ حدوث ثورة عام 1848م في فرنســـا اندفع إلى البهو الذي أقيم فيه حفل راقص، وأصدر أمره بصوت جهوري: »ركبوا الســـروج أيها السادة الضباط، فقد اندلعت الثورة في فرنسا..«، ويعلق املؤرخ الروسي إسحاق مينتس: »رمبا كانت هناك مبالغة بعض الشـــيء في موقف امللك الذي دب في نفسه الهلع، ولكنها تنقل صورة صادقة متاما عن هلع الطبقات املتســـيدة من »الثـــورة«، والتاريخ يعطينا أمثلة عديدة على ذلك.. فثورة أكتوبر عام 1917م في روسيا قد بثت الفزع في نفوس أقوياء ذلك الزمان من غضبة الشـــعب، ولقد عبر اجلنرال األملاني جوفمان عن هذا الهلع بصراحة في كتابه الذي اشـــتهر »موســـكو في كل مكان«، فقد تراءت له

Page 175: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 174

موســـكو وراء كل ومضة لتلك العاصفة الثورية التي عمت القارات جميعا بعد عام 1917م«.(1)

عل���ى مدار القرن العش���رين عان���ت كل الثورات م���ن تدخالت خارجي���ة، والالئحة ا: طويلة جد

املكسيك 1910م ، روســـيا 1917م، الصني 1949م، بوليفيا 1952م، كوريا 1953م، فيتنـــام 1954م، اجلزائر 1954م، غواتيمـــاال 1954م، مصر 1956م، هنغاريا 1956م، كوبا 1959م، تشيكوسلوفاكيا 1968م، أنغوال وموزمبيق وغينيا بيساو 1960-1970م، تشيلي 1970-1973م، إيران 1979م، نيكارجوا 1979م،

سلفادور 1980م، غرانادا 1983م.. ويقول أحد الباحثني في شئون الثورات- أدولفو جيلي-: إن »تاريخ الثورات هـــو تاريخ التدخالت اخلارجية الهادفة إلى منع توســـع هذه الثورات، ونشـــر

الفوضى فيها وسحقها«.(2) املدخل اجليوبولوتيكي في تفســـير اندالع الثورات، يتبنى فرضية أساسية بأن الدول التي تقع في مناطق النزاع يســـود فيها مناخ اســـتقرار نسبي؛ ألن اخلـــوف من اخلطر اخلارجي وانتقال مناخ التوتر يشـــغل القوى الداخلية عن معارضـــة النظام فتتماســـك، أما الدول التي تقع في مناطـــق جغرافية آمنة، فـــإن ذلك يدفع القوى الداخلية إلى االنكفاء على الشـــأن الداخلي، واالهتمام باملشـــكالت االقتصادية والسياسية واالجتماعية، فتقوى معارضة النظام، وهو

ما يشجع على التحول السياسي. (3) لـــذا جند كثيرا من األنظمة في ما يســـمى بـ»دول العالم الثالث« تســـعى بقوة إلى زرع التوتر في نطاقها اإلقليمي؛ لتضمن التماســـك الداخلي حولها، وهي تتخذ في مواجهة الثورات استراتيجية من عدة خطوات: إحباط التجربة الثورية- حرف مســـارها ومنعها من تقدمي منوذج سياســـي ناجح- منع انتقال

)1) كيف حدثت ثورة أكتوبر؟ إسحاق مينتس، دار نشر وكالة نوفوستي، 1987م ص 7.)2) انظر جون فوران، بحث أدولفو جيلي بعنوان: العوملة والعنف والثورات، تسع أطروحات، ص 139.

)3) انظر أبحاث امللتقى األول ملناقشة التحول الدميقراطي في اجلزائر، سابق.

Page 176: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

175مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

»العدوى« الثورية إلى دول أخرى، والســـعي لتكرار نفس املخطط في كل دولة انتقلت إليها الثورة.

بالتركيـــز على احلالة العربية -الربيع العربي- فإن اســـتراتيجية املواجهة اإلقليمية ميكن أن يضاف إليها خطوتان أخريان: وقف تكرار ســـيناريو »عزل احلاكـــم« بالصورة التي حدثت في تونس، مصر، ليبيا )هرب- محاكمة- قتل)؛ وذلك ألسباب نفسية وسياسية- السعي بقوة ملنع ظهور منوذج إسالمي -ناجح-

للحكم في املنطقة العربية.على الصعيد الدولي، فإن الدول الغربية ترفض متاما العبث في »املنظومة« التي أحكمـــت صنعها في الدول العربية في مرحلة ما بعد االســـتقالل، هذه »املنظومة« التي اعتمدت أساسا على شقني: تكوين نخبة حكم فاسدة »علمانية

أو عسكرية«- ضمان التبعية السياسية والهيكلية واالقتصادية. (1) فهل ميكن لواشـــنطن أن تضحي بحلفائها مـــن الزعماء التابعني من أجل

احلفاظ على »املنظومة«؟ يقـــول األكادميي جيف جودوين: إن »حكومة الواليات املتحدة ازدادت ذكاء فيما يتعلق بالتضحية بالديكتاتوريني إلنقاذ الدولة، وهي بذلك تســـتبق اندالع ثورة؛ من خالل التخلي عن الديكتاتوريني أو اســـتبدالهم- ماركوس، ودوفالييه، ونورييغا، وموبوتو، وســـوهارتو وميلوســـيفيتش - بأنظمة دميقراطية رسمية وواســـعة النطاق أكثر، فاملصلحـــة األمريكية تدور مـــع »املنظومة« وليس مع األشخاص، وفي الواقع منذ الثمانينيات رعت حكومة الواليات املتحدة وبشكل ناشـــط عددا من األنظمة الدميقراطية في العالم الثالث، فيما دعمت سابقا األنظمة الفاشســـتية على أنها أفضل ضامن ملصاحلها اجلغرافية، والسياسية واالقتصادية. هذا ال يعني أن صانعي السياســـة األمريكية األجنبية أو سلطات العالم الثالث أصبحوا فجأة محسنني، ولكنهم تعلموا أن مصطلح الدميقراطية

)1) انظر الفصل األول: الدولة والثورة.

Page 177: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 176

قد يكون حاجزا أقوى للثورة«.(1) إذن الدول الغربية ال تسمح بالعبث في املنظومة املتوارثة عربيا منذ ستني عاما، في ضوء ذلك، تفترض بعض التحليالت للدور الذي لعبته القوات املسلحة فـــي ثـــورة 25 يناير أن التدخل مت بناء على توافق مـــع الواليات املتحدة على

ضرورة القيام خبطوتني: األوىل إزاحة مبارك بعدما فقـــد قدرته على حماية »املنظومة«، بل أصبح

يهدد وجودها. الثانية: تســـلم اجليش مهمة حماية املنظومة حتت شعار التدخل حلماية

الثورة.حســـب هذا التصور- الـــذي رمبا يكون صحيحـــا أو خاطئا- فإن توقيت تدخل القوات املســـلحة إلجبـــار مبارك على التنحـــي كان دقيقا؛ بحيث مينع الثوار –الذين لم يكونوا يدركون في ذلك الوقت حجم قوتهم على األرض- من اقتحام القصر الرئاســـي، وتسلم السلطة بصورة مباشرة، فكان تدخل اجليش ليتسلمها هو ثم ينفذ عملية انتقالية إلعادة تسليمها –بعد تقنينها- إلى الشعب من جديد، وبذلك تكون عملية التحول السياسي في مصر قد أصبحت مزدوجة مرحليا: مرحلة انتقالية لتســـلم السلطة من اجليش، ثم مرحلة انتقالية أخرى لبناء النظام السياســـي اجلديد، هذه االزدواجية رمبا تفسر قلة اعتناء املجلس العســـكري بتزامن الهدم والبناء في مرحلته االنتقالية، فقد كان تركيزه األول على ترميم األجزاء احلساسة من النظام واحلفاظ على الصندوق األسود.. لكن

يبقى ذلك مجرد حتليل افتراضي.النتيجة األولية للتحليل السابق، أن بقاء »املنظومة« أكثر أهمية من »هوية« احلكام اجلدد الذين يحكمون من خاللها، لكن هذه املنظومة تعرضت للتخريب؛ بســـبب أن الثورة لم تكتف بإسقاط النظام وحسب، لكنها بدال من أن تستبدل نخبة مبارك بنخبة أخرى علمانية ليبرالية ميكنها أن متد اجلســـور مع العالم

)1) جون فوران، بحث جيف جودوين: جتديد االشتراكية وانحطاط الثورة، ص 84.

Page 178: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

177مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

الغربي، جاءت بنخبة جديدة متاما يغلب عليها اإلســـالميون، ومن املنطقي أن اخلطر الذي متثله النخبة يتناسب طرديا مع طول بقائها في احلكم.

في محاولة لتدارك املوقف بادرت األحزاب اإلسالمية إلى إطالق تصريحات مطمئنة حول بعض اخلطوط العامة للعالقات الدولية، مثل »احترام املعاهدات واالتفاقـــات الدولية«، وفي مقدمتها »كامب ديفيـــد«، في املقابل فإن الواليات املتحدة أبدت اســـتعدادا –ظاهريا- لالعتراف بوصول أحزاب إســـالمية إلى احلكم في مصر طاملا اعترفوا مبا تبقى من املنظومة، وقاموا بحفظها، وأبدى االحتاد األوروبي توجها مماثال، والتقت ســـفيرة واشنطن في القاهرة باملرشد العام لإلخوان املسلمني في ســـياق تبادل األفكار، وكذا التقى الرئيس األسبق جيمي كارتر مبسئولني في احلرية والعدالة، كما حرص عدد كبير من السفراء

والدبلوماسيني على االلتقاء بقيادات احلزبني اإلسالميني.هنا يجب اإلقرار بأن مناقشة قضية وصول اإلسالميني- اإلخوان حتديدا- إلى احلكم في مصر ليســـت مســـألة جديدة، ولم تكن احتماال مستحيال أمام مخططي السياسة األمريكية، فكما ذكر املؤرخ الراحل أحمد رائف قبل عامني أن »الدوائـــر البحثية القريبة من اإلدارة األمريكية الســـابقة واحلالية تدرس سيناريوهات ما بعد وصول اإلخوان حلكم مصر، وهذا أكثر شيء يزعج النظام احلالي في مصر«، كما أكد أيضا وجود تواصل بني اإلخوان واإلدارة األمريكية لكـــن عن طريق عناصـــر تنتمي للتنظيم الدولي، وليـــس للقيادات احمللية في مصر حتى ال يقعوا بســـبب ذلك في مشكالت إضافية مع نظام مبارك، فقال: »وأقول ملن ال يعلم: إن هناك عناصر في التنظيم الدولي مهمتها الوحيدة متهيد الطرق، وإفســـاح املجال أمام إخوان مصر لهذه املهمـــة، وإقناع القيادات في أوروبا وأمريكا بذلك، وأتصور أن املعادلة السياسية التي عاش في ظلها النظام احلالي طوال ســـنوات مضت، وكان يســـوقها للعالم، وهى أن اإلخوان البديل

املستحيل للنظام احلالي سقطت اآلن«.)1)

)1) أحمد رائف في حوار مع املصري اليوم 11-5-2009م.

Page 179: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 178

ال شـــك أن أحد العناوين األساســـية التي يفترض طرحها للنقاش في أي تواصل سياســـي بني إسالميني ومسئولني غربيني، هي مستوى االرتباط الذي ســـيطبقونه بني النظام وبني الدين، وال شـــك أيضا أن الـــدول الغربية تطلب

تطمينات مباشرة وعملية في هذه القضية.وقد أدى الصعود املفاجئ للسلفيني -حزب النور- إلى التركيز الغربي املتزايد على اإلخوان بوصفهم األكثر اعتداال من السلفيني حسب الرؤية الغربية، فتناولت تقارير كثيرة في وسائل اإلعالم األمريكية تقديرات احملللني واملتخصصني حول

»الرؤية الدينية« التي سيتبناها اإلخوان في ممارستهم للحكم. فنشرت صحيفة الواشنطن بوســـت –كمثال- تقريرا بعد انتهاء انتخابات مجلس الشـــعب أشـــارت فيه إلى أن اإلخوان يتجهون للحفـــاظ على الدولة العلمانيـــة التي تركها مبارك، وذكرت الصحيفـــة أمثلة على ذلك يتعلق أغلبها باملجال االقتصادي، فقالت: إن »حزب احلرية والعدالة قد أعلن أنه لن يتدخل في املناطق الصناعية املشتركة التي تديرها مصر وإسرائيل لتعزيز التجارة بني شريكي الســـالم، كما أجرى احلزب لقاءات مع وفد من صندوق النقد الدولي ملناقشـــة قرض الـ3 مليارات دوالر الذي كان املجلس العسكري قد رفضه قبل أشـــهر عديدة، كما سعى احلزب لطمأنة شـــركات السياحة بأنه لن يدعم أي تشـــريع نحو منع النســـاء من ارتداء مالبس كاشفة على شـــواطئ املنتجعات

السياحية«.)1) مع ذلك فإن املوقف األمريكي غيـــر قادر على بلورة رؤية واضحة للتعامل مع اإلخوان في احلكم، ليزلي غيلب الذي خدم كمســـئول رسمي في الواليات املتحـــدة األمريكية، وفي إدارات الدفـــاع األمريكية، يقول: إن جماعة اإلخوان ســـتكون مبثابة العنصر الكارثي والفاجع على أمن الواليـــات املتحدة، ويقول بروس ريدل -ضابط الســـي آي أيه الســـابق واخلبير في الشـــرق األوســـط

)1) اليوم السابع 25-1-2012م.

Page 180: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

179مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

وجنوب إفريقيا-: »العيش معها لن يكون ســـهال، ولكـــن أيضا ال يجب النظر إليها كعدو.. ال يجب علينا تشـــويه سمعتها وال تأييدها«، يقول باحث آخر من مجلـــس العالقات اخلارجية األمريكي: إنه »ليـــس على الواليات املتحدة عزل اجلماعة، وال تعزيز قواهم بشـــكل عفوي.. التواصل يجب أن يكون مبنيا على

أمور وقضايا: التعددية، حقوق اإلنسان«.)1) هذه التخمينات التي أوردتها »واشـــنطن بوســـت« حـــول موقف اإلخوان مـــن العلمانية ال ميكن التعامل معها كمنهج متكامـــل يتبناه اإلخوان؛ إذ ميكن تفســـيرها من وجهة أخرى بأنها محاولة للتكيـــف واحتواء التوترات اإلقليمية والدولية، وليســـت توجها عقديا أو فكريا، لكنها-التخمينات- تكشف عن مدى التوجس لدى املســـئولني األمريكيني، واالرتباك في قراءة اخلارطة السياسية

بعد صعود السلفيني.لكن من ناحية أخرى، ميكن استخدام مقاربة تاريخية في إطار محاولة توقع سياقات التغيير احملتملة لدى اإلخوان املسلمني، ففي السبعينيات عندما نهض اإلخوان للمرة الثانية، وانفتحت أمامهم األجواء السياسية -وهي حالة مشابهة جزئيا للوضع احلالي- عرض اإلخوان أنفســـهم على أنهم حركة تهتم باجلانب السياســـي لإلسالم، وأنها ليست حركة دينية صرفة مثل اجلمعية الشرعية أو أنصار السنة أو التبليغ)2)، وهذا التخفف من »الطابع الديني« يتعارض مع توجه

احلركة في األربعينيات في عهد املؤسس حسن البنا -رحمه الله-.علـــى نفس املنوال: هل ميكن توقع تطور مماثل في التوجه العام للجماعة، ذلك إذا قلنا: إن اجلماعة اتخـــذت منطا ثابتا لها، أنها تطور رؤيتها ومنهجها كلما واجهت مناخا سياسيا منفتحا؟ ما يدعم ذلك هو ظهور »احلزب السياسي« ككيـــان منفصـــل إداريا عن اجلماعة األم، وهو ما ميهد الســـبل حلدوث ذلك

)1) مقالة: اإلخوان املسلمون في مصر، جايشري باجوريا، موقع مجلس العالقات اخلارجية ونشرت بتاريخ 3-2-2011م، ترجمة مركز املسبار.

)2) انظر صراع على الشرعية، ص 82-81.

Page 181: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 180

التطـــور، أي: تخفيف إضافي للطابع الديني الذي يحكم أداء »احلزب«؛ إذ من املنطقي أن يكون معدل التســـارع في التطور الفكري والسياسي داخل احلزب

أعلى منه داخل اجلماعة.عمومـــا، ال ميكن إصدار تقوميات نهائية بهـــذا الصدد إال بعد مرور فترة كافية، يحكم خاللها على أداء حزب احلرية والعدالة، وكذا اجلماعة األم، وفي اعتقـــادي أن األمر مفتوح للتدافع الفكري والسياســـي، وأنه ال توجد توجهات

محسومة بشأنه حتى اآلن داخل الكيانني.ومن أهم اخلطوط احلمراء اليت يتوقع أن تس���عى واش���نطن لتحديدها أمام أنظمة

احلكم اجلديدة ما يلي:1- التفرقة بـــني »نظام دميقراطـــي« يحكمه اإلســـالميون، وبني »نظام إســـالمي«، فاألول يعني وجود اآلليات الدميقراطية املعروفة )تداول السلطة، التعددية، حرية اإلعالم، فصل الســـلطات، حرية املجتمع املدني) التي تســـمح للجميع بالوصول »املؤقت« إلى السلطة. أما في احلالة الثانية، فإن هذه اآلليات

لن تسمح إال مبرور اإلسالميني أو كل ما هو إسالمي.2- التحذيـــر من عزل النظام املصري عـــن املنظومة االقتصادية الغربية،

والدفع باالقتصاد املصري نحو االستقاللية.3- رفض تغيير الثقافة العســـكرية للقوات املسلحة، أو إعادة هيكلتها مبا

يهدد التوازن مع إسرائيل.4- التحذيـــر من تهديد التـــوازن اإلقليمي مبحاولـــة »تصدير الثورة«، أو

تصدير »النموذج اإلسالمي«.5- حظر أسلمة القضية الفلسطينية.

وسائل إحباط الثورة:العوملة االقتصادية هي أخطر وســـيلة تســـتخدم لكبـــح الثورة، واحلد من تأثيرها في عملية التحول السياســـي، فانغماس النظام االقتصادي للدولة في

Page 182: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

181مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

املنظومة الرأسمالية يقوض قدرتها على تطبيق سياسة مالية، أو اجتماعية، أو عسكرية منفصلة، مما يؤثر على سيادتها واستقالليتها.(1)

وقد تطرقت الدراسات السياسية لبحث إشكالية انتكاس كثير من جتارب الدميقراطية لدول العالم الثالث التي تشهد مزيدا من فقدان الكفاءة احلكومية

في الدفاع عن السيادة الوطنية في مواجهة القوى اخلارجية.أحد العوامل األساسية -أو النتائج باألحرى- هو انهيار العالقة بني الدولة والســـوق في املجتمع ، وظهـــور تنظيمات اقتصادية ال تديـــن بالوالء للدولة، وإضعاف املجتمع املدني، وعجز املؤسســـات التنفيذية والتشريعية للدولة عن مواجهة تراجع القدرة التنافســـية للمنتج احمللي ولصغار املنافســـني، وتقلص األسس األخالقية للنشاط االقتصادي، وانخفاض ربحية اخلدمات األساسية،

وبالتالي عزوف املستثمرين عن متويلها.. إلخ.(2) هذه العوامل السلبية يدعم وجودها وانتشارها الدور الذي تلعبه مؤسسات »بريتـــون وودز« مثل »صندوق النقد، البنك الدولـــي، منظمة التجارة العاملية«، وال يخفـــى أن هـــذا التوجه لـ »القفز فوق أســـوار الدول« عـــن طريق العوملة االقتصادية، هو اســـتراتيجية أمريكية قدمية، وقد دعا إليها صراحة الرئيس األســـبق بيل كلينتون في كلمتـــه أمام األمم املتحدة عـــام 1993م؛ حيث قال: »إن هدفنا األســـاس يجب أن يكون توسيع وتقوية املجتمع العاملي لدميقراطية

األسواق«.(3) الوســـيلة األكثر فاعلية في السيطرة بالنسبة للواليات املتحدة هي »العبث« مع النخب احلاكمة اجلديدة بعد الثورات، مثلما فعلت مع ثورات أمريكا الالتينية قبل عقود، فقد متكنت السياســـة األمريكيـــة من دفع هذه النخب للتوفيق بني احلكم الرأســـمالي والدميقراطية البرجوازية النخبوية؛ بحيث حتولت األدوات

)1) جون فوران، بحث جيف جودوين، سابق ص 73.)2) انظر االجتاهات احلديثة، ص 148.

)3) جون فوران، بحث كارلوس فيالس، 125.

Page 183: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 182

الدميقراطية إلى وســـائل تركيز للثروة والسلطة في الطريق إلعادة استنساخ صورة جديدة من نظام فاســـد قدمي، وكانـــت برملانات الثورة يتم جتاوزها في القضايا املفصلية، مثل إعادة الهيكلة الرأسمالية، وما يتعلق بها من خصخصة ين اخلارجي؛ حيث كانت مراكز القوى ترســـم مسارات أخرى إلدارة وإدارة الد

حلكم بالتوافق مع كبار الشركات والرأسماليني احملليني. (1) هذه الوســـيلة »املثلى« التي تعتمد أساســـا على احتواء النخب اجلديدة، فقدت قدرا كبيرا من فاعليتها؛ بســـبب ظهور نخبة احلكم اإلســـالمية، التي تتســـم بالدرجة األولى بقدر كبير من النزاهة واملبادئ القيمية التي من شأنها أن تعرقل عملية إخضاع االقتصاد الوطني وإفســـاده، لذا من املتوقع أن تبذل جهود حقيقية إلبقاء االقتصاد في وضعية الغرق أطول فترة ممكنة، ورمبا يكون تقاعس الدول املانحة –العربية والغربية- عن تقدمي مســـاعدات مالية وعدت بها بعد جناح الثورة، مؤشـــرا مبكرا علـــى إرادة إبقاء االقتصاد املصري حتت

سطح املاء.علـــى صعيد االقتصاد أيضا، فإن ميـــراث التبعية الذي تركه نظام مبارك الفاسد، جعل مفاصل االقتصاد الرئيسة مرتهنة بالدعم الغربي، مثل: عمليات التصدير واالستيراد، واالســـتثمارات املرتبطة بتصنيع منتجات غربية املنشأ، ومنظومة التســـلح التي تخضع مكوناتها االستراتيجية للمصدر األمريكي، مثل الطائرات والدبابات، باإلضافة للمعونة العسكرية التي تبلغ مليار ومائة مليون دوالر سنويا، واالتفاقات اجلانبية مع دول االحتاد األوروبي، واتفاقات القروض ... إلـــخ؛ كل هذه املفاصل جتعل من الســـهل على الـــدول الغربية أن متارس حصارا اقتصاديا تصاعديا ومؤثرا للغاية في حالة عدم رضائهم عن التوجهات

السياسية في مرحلة ما بعد العسكري.تقليص حجم الســـيولة األجنبية املتدفقة إلـــى مصر كان عامال مؤثرا في

)1) انظر بحث كارلوس فيالس: بني دميقراطيات السوق والعوملة الرأسمالية: هل من احتمال للثورة االجتماعية في أمريكا الالتينية؟ ... جون فوران، ص 116-115.

Page 184: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

183مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

تدهور االقتصاد، وقد ســـاهم فيه كما ســـبق تراجع الـــدول املانحة، وتخوف املســـتثمرين، وانخفاض أعداد الســـائحني، فلم يبق أمام احلكومة إال اللجوء لالقتـــراض من صندوق النقد الدولي، وهذا هـــو املطلوب، فالصندوق يفرض شـــروطه املعروفة من رفع الدعم، وتقليص اإلنفاق احلكومي، وتخفيض قيمة العملة، وهي وصفة ســـريعة لالضطرابات االجتماعية واالنهيار السياســـي،

وكذلك هي أسرع طريقة إلثبات فشل النخبة اجلديدة.يســـتنكر مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا األسبق تراجع الدول العربية عن تقدمي مساعدات نقدية ملصر، فيقول: »العصر احلاضر يشهد ثراء فاحشا للدول اإلســـالمية.. من الغريب أن هذه الدول لديها أمـــوال طائلة، وال تقوم باســـتثمارها في الدول اإلســـالمية األخرى التي هي بحاجة إلى استثمارات، بل لألســـف تقوم بإعادتها إلى الواليات املتحدة من خالل شراء أذون اخلزانة

والسندات األمريكية«.)1) يحكـــي مهاتير محمد جتربـــة بالده مع صندوق النقـــد، فيقول: »تقدموا بقائمـــة مطالب، منها تخفيض قيمة العملة، وحتقيق فائض في املوازنة العامة للدولة، والســـماح بإفالس الشركات، ومعدل فائدة عال.. بالطبع كان ال بد لنا أن نرفض؛ ألن ذلك ســـوف يجعلنا نفلس، وطالبنا من املتعاملني في أســـواق العمالت التوقف عن املضاربـــة على عملتنا، إال أنهم رفضوا.. عرفنا حلظتها

أنهم يحاولون تدميرنا، وعلى الفور قررنا عدم قبول نصائحهم«.)2) نتج عـــن صمود ماليزيا في مواجهة مؤسســـات العوملة أن حققت قفزات اقتصاديـــة هائلة في ســـنوات قليلة، فكما يذكر مهاتيـــر: »ماليزيا متكنت من مكافحة الفقر، ولقد وصلت اآلن نســـبة الفقراء إلى 5% فقط، ونســـبة الفقر املدقع 1% فقط من بني السكان. وكانت نسبة الفقر بني السكان70% خالل فترة االحتـــالل البريطاني، وفيما يتعلق بالتوظيف، فقد وصلت النســـبة إلى%100،

)1) الوفد 2012-1-26.)2) السابق.

Page 185: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 184

واآلن لدينا مليون أجنبي يعملون في البالد«.)1) من املالحظات اجلديرة بالتأمل، أن اســـتراتيجية التضييق واحلصار ليس مبعثها مواجهة التطورات السياســـية احلالية في مصر، فقد كانت السياســـة نفسها متبعة مع نظام مبارك مع فروقات يسيرة، ومع تزايد معدالت الفساد كان النظام يواجه اختناقات متتالية، ومن التوصيفات التي ال تخلو من طرافة لنتائج هذه االســـتراتيجية، ما ذكره القذافي »الهالك« في رســـالة وجهها للمصريني في يوليو 2011م، فقال واصفا مبارك أنه كان: »يشـــحت من أجلكم. يأتي إلي يشـــحت مني عبارات من أجلكم.. ويذهب للسعودية يشـــحت منها العبارات، ويأتي يشـــحت مني في قاطرات القطار، ويشـــحتها من أي أحد آخر كله من

أجلكم«.)2) هذا مبارك احلليف األقوى ألمريكا في املنطقة، جعلته السياســـة الغربية »يشـــحت« كما يقول القذافي، فكيف بنظام يعرف الغربيون جيدا أنه لن يكون

حليفا مثل مبارك بأي حال؟

تدخالت المجتمع المدني:رغم أن متاسك املجتمع املدني ومنوه، وتزايد دوره في رسم السياسات عن طريق ممارسة دوره »الضاغط« على النظام السياسي، من املؤشرات اإليجابية على تقدم عملية التحول، إال أنه ســـالح ذو حدين، فقد بات هذا القطاع ثغرة يتســـلل منها عديد مـــن القوى الداخلية واخلارجية التـــي تتخذ من منظمات

املجتمع املدني ستارا وواجهة للتأثير في املشهد السياسي.هذا االختراق يغطي املراحل الثالث »قبل الثورة، خالل الثورة، بعد الثورة« فهو مســـتمر مع تعاقب احلكام على مصر، وحتديدا منذ حقبة الســـبعينيات، وحدث االختراق األكبـــر بعد توقيع معاهدة كامب ديفيـــد، وبدء تلقي املعونة

)1) السابق.)2) الشروق أونالين 24-7-2011م.

Page 186: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

185مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

األمريكيـــة التي راكمت خروقات ال حصر لها للمجتمع املدني، كان الهدف هو تكوين نخبة سياســـية موازية مؤثرة ممن يتبنون األفكار الليبرالية على النمط الغربـــي، تقوم هذه النخبة في مرحلة الحقة باحللول مكان النخبة السياســـية العســـكرية أو على األقـــل تتالحم معها، ولعل من املؤشـــرات على صحة هذا التحليل أن ثالثة من الشخصيات الليبرالية ذات التوجه الغربي طرحوا أنفسهم كمرشـــحني للرئاسة في مواجهة مبارك في العقد األخير، وهم: د. سعد الدين إبراهيم، أمين نور، د. محمد البرادعي، والثالثة لهم عالقات قوية مع منظمات

املجتمع املدني.برز دور اجلماعات والتجمعات والرموز املدعومة غربيا في الثورة بوضوح؛ حيـــث كان لبعضهم تأثير واضح في مجرياتها، مثل حركة 6 أبريل، البرادعي، وعدد آخر من املنظمات احلقوقية، لكن هذا الدور اكتنفه أمران ســـلبيان من

وجهة النظر الغربية: األول: أن احلـــراك االحتجاجي الذي قادتـــه هذه املجموعات والرموز لم يكن متوقعا أن يؤدي إلى ثورة بالشـــكل الذي حدث في مصر، فذلك السيناريو

كان يعني شيئا واحدا: أن يسقط النظام كالتفاحة في فم اإلسالميني. الثاني: أن هذه املجموعات لم متتلك القدرة وال التدريب على ممارسة دور سياســـي حزبي في مرحلة ما بعد الثورة، ولم يســـتطع أغلبها أن يحقق عملية حتول وتأقلم ناجحة، فكانت النتيجة أن الســـاحة خلت لإلسالميني، ومما زاد الطني بلة، أن الهجوم على اإلخوان -في ســـياق املطالبة بتأخير جدول تسليم السلطة- كان ينطلق من كونهم كيانا ميارس العمل السياسي منذ عقود طويلة، وله تنظيم قوي ومحكم، وبالتالي ال مجال للتوازن بينه وبني املجموعات حديثة التكوين في أي منافسة سياسية، لكن ظهور التيار السلفي في املشهد السياسي وجناحه »الالفت« في إنشـــاء كيان سياســـي قوي في أشهر قليلة، رغم جتنبه التام للنشاط السياسي قبل الثورة، سلب هذه احلجة قوتها فلم تعد ذات قيمة.إذن على الصعيد السياســـي احلزبي كان واضحا أن الليبراليني في مصر

Page 187: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 186

»أمامهم طريـــق طويل لقطعه قبل أن يتوحدوا، ويقدموا رســـائل متماســـكة للتنمية االقتصادية واحلريات السياسية« بحسب الباحث في مجلس العالقات

اخلارجية األمريكي »عيد حسني«. في املقابل يقول حسني أيضا: »ما لم يقدم غير اإلسالميني في مصر بديال ذا مصداقية، فيجب أن نعد أنفســـنا ألشكال من احلكم اإلسالمي على فترات

متعددة«.)1) واحلقيقة أن سياســـة »البديل املضاد« هي ركن أســـاس في استراتيجيات الدعاية املضادة في الفكر الغربي، فأيام احلرب الباردة بني االحتاد السوفييتي والعالـــم الغربي، كان التوجه البريطانـــي مبنيا على مفهوم أنه »ال يكفي تعرية الشـــيوعية فقط، بل يجب أيضا تقدمي إغراء بديل لها من منتجات الرأسمالية

الغربية الدميقراطية«.)2) وهو ما أعجزهم في احلالة املصرية حتى اآلن.هكذا فالسيناريو املتاح أن تدور العجلة مرة أخرى؛ بحيث تعد هذه املنظمات نفســـها إلعادة إنتاج دورها »املشـــاكس« الذي لعبته في معارضة نظام مبارك، لكـــن هذه املرة مع األحزاب اإلســـالمية اجلديدة، وميكن ببســـاطة مالحظة »النضوب« الثقافي في لغة املعارضة املوجهة لإلسالميني من القوى الليبرالية، فهي تكاد تكون نســـخة كاربونية من الطبعة القدمية، وشـــرعت –كما أشرت ســـابقا- املجموعات الثورية التابعة في استخدام نفس اللهجة، واحلراك ضد اإلسالميني حتى قبل أن يتقلدوا دورا رئيسا في السلطة التنفيذية، واملتوقع أن يتصاعد هذا الدور كثيرا للتشويش على األداء السياسي لإلسالميني، وتضييق مساحة إجنازاتهم، مســـتغلني في ذلك مناخ احلرية السياسية بعد الثورة، فإن تركوا وشأنهم أثاروا كثيرا من اللغط والبلبلة، وإن حوصروا وضيق عليهم، فإن

ردود الفعل الغربية ستنطلق بحجة الدفاع عن »حريات املجتمع املدني«.

)1) اليوم السابع 26-1-2012م.)2) انظر كتاب: من الذي دفع للزمار؟ احلرب الباردة الثقافية، املخابرات املركزية األمريكية وعالم الفنون واألدب، فرنسيس سوندرز، املشروع القومي للترجمة، املجلس األعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الرابعة،

2009م ص 82.

Page 188: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

187مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

ومن املسلم به أن استدراج األحزاب اإلسالمية مستقبال -كسلطة حاكمة- للتورط في اســـتخدام القوة ضد من تعتقد أنه يهدد »شـــرعيتها« سوف يؤدي إلى تآكل تلك الشـــرعية، وال يخفى أن تلك األحزاب لن تظل مدعومة بالدعم الشـــعبي املنطلق من أسباب دينية مع انغماسها في السلطة، فاجلماهير سوف تطالـــب األحزاب احلاكمة بتقدمي إجنازات حقيقيـــة، أما الدعم -املنطلق من خلفية دينية- فيمكن االستفادة منه في املرة األولى فقط، أو مع حتقق إجنازات

مقبولة.من احلوادث الغريبة في سياق العالقة بني منظمات املجتمع املدني وأمريكا: موقف واشنطن من مداهمة السلطات األمريكية ملقرات نحو 17 منظمة مدنية؛ لدواعي التحقيق في تلقيها أمواال خارجية أو ممارستها أعماال غير مسموح بها قانونا، وكذا منع خمسة من الناشطني احلاملني للجنسية األمريكية من السفر

عبر مطار القاهرة.بلغ مســـتوى االهتمام األمريكي أن باراك أوباما خاطب املشـــير طنطاوي في القضية عبر مكاملة هاتفية قال فيها: إن املســـاعدات العسكرية ملصر هذا العام تتوقف على تلبية شروط الكوجنرس بقيام حكام مصر العسكريني باتخاذ خطوات ملموســـة نحو الدميقراطية، وحتدث أوباما بشكل خاص عن التحقيق اجلنائي اخلاص باملنظمات الداعية للدميقراطية املمولة من اخلارج، والتي من

بينها املعهد اجلمهوري األمريكي.)1) التصعيد هنا قد يبدو مبالغا فيه؛ إذ رمبا يكون الهدف احلقيقي هو قذف قضية املعونة العســـكرية إلى الســـطح، بوصفها مسألة خاضعة للمساومة في قضايا ال عالقة لها بالشئون العسكرية، وذلك حتسبا لتطورات املشهد السياسي في املرحلة القادمة، وكذا رمبا يكون الهدف رسم »استباقي« للخطوط احلمراء في مواجهة اإلســـالميني، ومن املعتاد أن قضايـــا املجتمع املدني حتتل مرتبة متقدمة على قائمة االنتقادات املوجهة للقوى اإلسالمية التي تصل إلى احلكم

)1) اليوم السابع عن نيويورك تاميز 27-1-2012م.

Page 189: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 188

في أي بلد مســـلم، من ناحية أخرى فـــإن أطرافا أمريكية عديدة ليس مقبوال لديها أن تقدم واشـــنطن معونة عســـكرية حلكومة يسيطر عليها اإلسالميون،

حتى لو كانت هذه املعونة مرتبطة بتوقيع كامب ديفيد.

دور االستخبارات والعمل السري: Open source »مصر في عهد مبارك، كانت تشبه »البرنامج مفتوح املصدر، فاختراقهـــا من قبل أجهزة املخابرات الغربية لم يكن خافيا، واملعلومات التي تكشفت بعد الثورة عن املســـئولني الذين جتسسوا حلساب املخابرات الغربية

تزخر بها وسائل اإلعالم.من أبرز املعلومات واالختراقات اإلســـتخباراتية، ما يتعلق بالوزراء الثالثة الســـابقني: »رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة، ويوسف بطرس وزير املالية، ومحمود محيي الدين وزير االستثمار«، فهؤالء الثالثة كما ذكرت تقارير إخبارية وبعض وثائق ويكيليكس كانوا يعملون بصورة مباشـــرة وغير مباشـــرة مع املخابرات األمريكية، وبعضهـــم كان يتعاون معهم قبل تقلده الوزارة، بل إن تعيينه جاء أساسا بسبب هذه الصلة مع السي آي إيه -يوسف بطرس غالي-، وبخالف الدور الذي لعبوه في إمتام صفقات فاسدة، أو اتخاذ إجراءات ضارة باالقتصاد املصري، فإن األخطر هو التقارير املتعلقة باملعلومات احلكومية التي كان يرســـلها بطرس غالي لواشـــنطن؛ بحيث ميكن توقع أن قواعد املعلومات

احلكومية توجد نسخ كاملة منها في املخابرات األمريكية.)1) مـــن املعلومات املهمة املذكورة في كتاب »حبيـــب العادلي في غرفة جهنم« للصحفي عماد فواز، أن هذه الغرفة التي كانت مبثابة قلعة التنصت في مصر، أنشئت ضمن إدارة املساعدات الفنية مبعونة أمريكية كاملة، ومت جتهيزها على

التالية -كأمثلة- صحيفة روز اليوسف، 9-9-2011م جتنيد بطرس التقارير )1) ملزيد من املعلومات انظر غالي في املخابرات األمريكية واملوساد اإلسرائيلي- الوفد، عمالء املخابرات في نظام مبارك، 9-30-اليوسف، غرفة جهنم روز األمريكية، 31-3-2009م، الشرق األوسط، جواسيس في اجلامعة 2011م-

مبجلس الشورى، 14-12-2011م.

Page 190: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

189مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفصل السابع - السيناريوهات المحتملة

أحدث طـــراز فندقي، بتكلفة قدرها 71 مليون جنيـــه، منها حوالي 50 مليون جنيه لألجهزة واملعدات، والباقي مت إنفاقها على اإلنشـــاءات والديكورات، ومت تزويدهـــا بأحدث موديالت األثاث والفرش، وتقســـيمها إلى وحدات للضباط »رؤساء الوحدات« ووحدات للمديرين، وحدات للمراقبني على األجهزة، ووحدة

االستقبال أو صالون االنتظار أو االستماع، واستيرادها من أمريكا. كان يوجـــد من هـــذه الغرفة ثالثة: واحدة في أمـــن الدولة مبدينة نصر حتت إشراف العادلي، والثانية مبجلس الشورى حتت إشراف صفوت الشريف،

والثالثة في رئاسة اجلمهورية حتت إشراف زكريا عزمي.)1)هذا األرشـــيف املتكامل الذي أنشـــئ باملعونة األمريكية ال يوجد ما مينع حصول املخابرات األمريكية على نســـخة منه، أو علـــى األقل املعلومات التي

ل امليزانية األمريكية هذا املبلغ؟!! تطلبها بصورة مباشرة، وإال فما معنى حتماحملصلة أن هذا االختـــراق الطولي والعرضي ملصر مـــن قبل املخابرات ا، خاصة وأن االختالل األمني بعد الثورة أنشـــأ بيئة الغربية، ال يزال مســـتمرخصبة لالختراقات املخابراتية، وفيما يبدو حتى اآلن أن قدرة القوى السياسية اجلديدة -اإلســـالمية- على التصدي لهذه اخلروقات ســـتكون ضعيفة، على األقـــل في املرحلة األولى؛ بســـبب تعقيدات العالقة مع واشـــنطن، وألن طرح قضية إعادة هيكلة أو جتديد أجهزة األمن واملخابرات املصرية ليســـت بالعمل الســـهل، وبالتالي فإن هذه اخلروقات لن تعمل لصالح االستقرار السياسي أو ضمان جناح عملية التحول السياسي، بل ستكون من العوامل احملفزة لعرقلتها

أو حرفها عن مسارها.واملخابرات األمريكية -ســـي آي إيه- متتلك خبرة عريقة متتد لعقود في مجـــال اختراق النخب احمللية، وأثناء احلرب الباردة الثقافية بني املعســـكرين الشـــرقي والغربي، كانت االســـتخبارات تنفذ خططا استراتيجية أيديولوجية للتأثير في النخب في كل ميدان؛ لدفعهم لتبني توجهات معينة، وكان الشـــعار

)1) انظر تقرير غرفة جهنم، سابق.

Page 191: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 190

وقتها هو احلرص على إخفاء األصل األمريكي للجهد املبذول في إفساد احلياة الثقافية، وتوظيف ذلك سياسيا.)1)

وقد بلغ من جناح هذه االســـتراتيجية أن »قلة فقط من الكتاب والشعراء والفنانـــني واملؤرخني والعلماء والنقاد في أوروبا بعد احلرب العاملية الثانية هم الذين لم تكن أســـماؤهم مرتبطة على نحو أو آخر بتلك املؤسســـات الســـرية

التابعة للسي آي إيه«.)2) ومما ال شـــك فيه أن اإلســـالميني -النخبة اجلديدة- الصاعدين يحتلون مكان القلب من االســـتراتيجية االســـتخباراتية األمريكية احلالية، فمن املهم بالنســـبة لهم -ســـي آي إيه- أن تتوفر قاعدة معلومات وافية للوجوه اجلديدة والقيادات السياسية والدينية، ومراكز القوة والتأثير ومكامن الضعف، وأساليب اتخاذ القرار، والعالقات املتشابكة بني األحزاب اإلسالمية، وإمكانات توظيفها خللخلة الصف، ومن الطبيعي أن تعمل هذه املعلومات واالختراقات على وضع ســـيناريوهات إلحالل نخبة بديلة مكان النخبة اإلسالمية، واآلليات املقترحة لتنفيذ ذلك، أو على األقل تعمل على عرقلة املشروع اإلسالمي وتشويهه.. إلخ. وإذا كانت املهـــام التقليدية اخلمس للمخابرات هي: التخطيط، التجميع، التنظيم، التحليل، التوزيع، فإنه يجب على اإلسالميني أن يتوقعوا نشاطا خصبا في املرحلة القادمة، سيكونون هم موضوعه الرئيس، كما يتحتم عليهم تصميم

استراتيجية خاصة ملواجهة اخلروقات والثغرات املعلوماتية.

)1) من الذي دفع للزمار؟ ص 176-175.)2) من الذي دفع للزمار؟، ص24.

Page 192: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

191مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الخاتمة

اخلامتةمصر 2013م

السيناريو المفضل: الســـيناريو املفضـــل الـــذي تتمنى األغلبيـــة- على األقل بحســـب نتائج

االنتخابات- حدوثه وصوال إلى العام 2013م، يتلخص في أربعة محاور:1- رئيس جديد منتخب يحظى بصالحيات كاملة، ومدة رئاسية مقيدة.

2- التأكد من عودة اجليش إلى ثكناته، وعدم تدخله في السياسة.3- متتع مجلس الشـــعب بأغلبيته اإلسالمية بصالحيات كاملة، وممارسة

دوره على الوجه األكمل.4- حكومة تشـــكلها األغلبية البرملانية، ويحتل اإلسالميون مكان الصدارة

والقلب منها.يترافق مع هذه احملاور مالمح إيجابية في أداء النظام ككل، مثل: حتســـن حالة االقتصاد، تقدم عملية تطهير املؤسسات وإعادة هيكلتها، تغييرات إيجابية فيما يتعلق بالبعد الثقافي لعملية التحول السياسي، تنفيذ باقة من السياسات

العاجلة لتحسني وترميم األوضاع املعيشية واالجتماعية.بحســـب الســـيناريوهات املذكورة آنفا، فإن موقف املجلس العسكري رمبا يكون أهم العوامل املتعلقة مباشـــرة بتحديد شكل النظام احلاكم في مصر عام 2013م، فالـــدور اخلارجي ليس له أدوات فاعلة ســـريعة التأثير، أو مضمونة النتائـــج، كما أنه ال يبدي ميـــال حتى اآلن إلى املواقـــف الراديكالية، والقوى السياسية غير اإلســـالمية، وإن أمكنها إثارة الزوابع، لكن نسبة األغلبية التي حققها اإلســـالميون تقف حجر عثرة ميتص قدراتهم على التحرك، إذن يتبقى موقف اجليـــش، وهذا املوقف يتحدد كمحصلة لتفاعـــل عوامل كثيرة داخلية

Page 193: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 192

وخارجية، تتراوح من البعد الشخصي إلى األبعاد اإلقليمية والدولية.وقد أثارت التسريبات حول تفاهمات بني اإلخوان واملجلس جدال وقلقا، فهذه التفاهمات –إن صحت- تتحدث عن توافق يتراوح من »رئيس مقبول من املجلس«

إلى »توفير خروج آمن ألعضاء العسكري«، وما أثار اجلدل حول ذلك أمران:أولهما: مدى أحقية قوة سياســـية معينة أن تنفـــرد بالتفاوض حول وضع

سياسي مستقبلي يتعلق بالدولة كلها. ثانيهمـــا: هـــذه التفاهمات -لو صحـــت- هل يكون إطارهـــا التفاوضي: األهداف السياسية حلزب احلرية والعدالة، أم املطالب السياسية التي ترفعها

بقية القوى؟من اإلشـــكاالت التي تشوش على الســـيناريو املفضل، املستقبل السياسي للمشير طنطاوي والفريق سامي عنان بعد انتخاب الرئيس، هل يخضع كالهما لرئيس حكومة قد يكون إســـالميا، أم أنهما سيقدمان استقالتيهما؟ وهل يبقى املجلس ميارس دورا سياســـيا أم يتوقف عند هذا احلد؟ وهل سيلعب مجلس الدفاع القومي اجلديد دورا في تشكيل الساحة السياسية؟ وهل سيملك رئيس

اجلمهورية حق إصدار قرارات العزل والتعيني لقادة القوات املسلحة؟ هذه األسئلة هي أمثلة على ما ينوء به املوقف الغامض للمجلس العسكري

من عالمات استفهام ال تنتهي.علـــى أن أهل التفـــاؤل ال يتوانون عـــن إبراز مواطـــن إيجابية في أغلب السيناريوهات املتعلقة بالعسكري، يقولون: إنه لو بلغ األمر أن املجلس أصبح له دور ما في احلياة السياســـية، أو استقل بشئون القوات املسلحة، فإن هذه كلها أوضاع ميكن عالجها مســـتقبال بعد استقرار النظام؛ إذ ال ميكن الوقوف في مواجهة اإلجماع الشـــعبي، ويستشهدون على ذلك بالنموذج التركي؛ حيث جنح حزب العدالة في توظيف شعبيته املتصاعدة لتقليص املساحة التي يتحرك فيها اجليـــش التركي حامي العلمانية، فما املانـــع أن يتكرر نفس األمر في مصر؟!

يتساءلون..

Page 194: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

193مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الخاتمة

المتغير عظيم التأثير قليل االحتمال: هذا املصطلح يتداوله علماء الدراســـات املستقبلية بوصفه عامال ميكن أن يقلب كافة الســـيناريوهات رأسا على عقب؛ ألنه يتسم باجلهالة، وعدم القدرة

على توقعه، فهو حدث خارج عن السياق الطبيعي والتاريخي.واحلقيقة أن هذا املتغير بحد ذاته من األسباب التي جتعل بعض الباحثني يستهينون بقدرة علم الدراسات املستقبلية على تقدمي فائدة حقيقية في مجال التوقع، هم يقولون: إن هذه الدراسات تفيد فقط في التخطيط والتدريب، لكن

نتائجها في مجال توقع األحداث سيئة.يذكر األســـتاذ األكادميي في جامعة ماساتشوســـتس األمريكية – نسيم طالب- أن األحداث التي تتســـم بالندرة والتأثير الطاغي، قادرة على أن تفسر ا في كافة املجاالت لم تستطع أي كل شـــيء في العالم، ويذكر أمثلة عديدة جدقدرات علمية بشـــرية أن تتوقعها قبل حدوثها، وهو ينتقد »كل علماء االجتماع الذين دأبوا على امتداد قرن مضى على العمل حتت وطأة االعتقاد الزائف بأن أدواتهم العلمية تســـتطيع أن تقيس درجة الغموض«، ويدعو نسيم إلى االنتباه للغشاوة التي تغشي أبصارنا عندما يتعلق األمر باألمور التي حتدث عشوائيا.)1) وال يشـــترط أن يكون ذلـــك »املتغير« –احلدث- فعال بشـــريا، فقد يكون ابتالء أو عقابا من الله تعالى ألمة من األمم على ذنوبها، أو كفرها أو فســـقها،

كما قال تعالى في ســـورة األنعام: زب ٴۇ ۋ ۋ ۅ ۅ ۉ ۉ ې ۆئ ۇئ ۇئ وئ وئ ەئ ەئ ائ ائ ى ى ې ې ې ی ی ی ی ىئ ىئ ىئ ېئ ېئ ېئ ۈئ ۈئ ۆئ جئ حئ مئ ىئ يئ جب حب خب مب ىب يب جت رب ]األعراف: 44-42[.

التأمل في التاريخ السياسي -املعاصر على األقل- يكشف أن هذه املتغيرات

)1) انظر: البجعة السوداء، نسيم طالب، الدار العربية للعلوم، ناشرون، بيروت، الطبعة األولى 2009م ص .11-10

Page 195: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 194

لعبت دورا كبيرا في »التحول« بني النظم السياســـية، وفي إسقاط نظام وبناء آخر، ولو افترض جدال غياب هذه املتغيرات لكان طبيعيا أن يســـتمر كثير من النظـــم دون أن تتعرض ألخطار حقيقية قرونـــا من الزمان، لكن ظهور »حدث

يحول املسار« أدى إلى سقوط كثير من هذه األنظمة.إدراك التأثير القوي لـ»احلدث الذي يحول املسار« حفز قوى سياسية كثيرة على مر الزمـــن على اختراع أحداث مماثلة على نحـــو تآمري – دون انتظار وقوعها-؛ بغرض التأثير على املسارات العامة، أو لتحويل التوجهات السياسية إلى جهة معاكســـة، أو لدعم سياسة يعتورها االرتباك أو التردد.. إلخ، ومن ثم تقوم بعملية »إخراج« دقيقة للحدث مبا يضمن دويا كبيرا وردود فعل واســـعة

النطاق تكفي الستخدامه كرافعة لتحقيق املراد.في املشهد السياســـي املصري توجد أمثلة على املتغيرات عظيمة التأثير غير القابلة للتوقع -ذات املنشـــأ التلقائي- منها: ثورة يناير نفســـها، وسقوط

مبارك، وصعود السلفيني السياسي-.لكـــن املناخ السياســـي يوحي بإمكانية أن تتوافق قـــوى معينة –داخلية أو خارجية- على الدفع مبتغيرات -احلدث الذي يحول املسار- بهدف قلب املائدة على القوى الغالبة، وهي بالطبع: اإلســـالميون، هذه املتغيرات قد تكون عملية اغتيال، أو اســـتدراج وتوريط لبعض القوى السياسية، أو اندالع حرب مفاجئة، أو تعـــرض مصر حلصار اقتصادي مفاجئ، أو عودة عمليات العنف، أو اندالع ثورة فوضوية من بعض فئات املجتمع، أو انقالب عسكري، أو نزاع أهلي واسع النطـــاق، أو انهيار اقتصادي.. إلخ، واملجـــال مفتوح لتخيل أو افتراض عدد ال

نهائي من أشكال تلك املتغيرات.واحلاصـــل أن مثل هذه املتغيـــرات ال ميكن توقعهـــا –تصنيفا وتفصيال وتوقيتـــا- كما ال ميكن االحتراز منها، لذلك يجب على القوى اإلســـالمية أن ل للصدمات واحتوائها، وتقليل خسائرها إلى احلد م تؤسس الســـتراتيجية حت

األدنى.

Page 196: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

195مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الخاتمة

في هذا الصدد، من املهم اإلشارة إلى قصور تاريخي لدى اإلسالميني في آلية التوقع أو التأهل لألزمات، على سبيل املثال، تعرض اإلخوان املسلمون على

مدار تاريخهم لعدة مفاجآت تلقوا فيها صدمات متتالية، ليست كلها سلبية.فهم تفاجئـــوا إلى حد الصدمة من رد فعل عبـــد الناصر في نهاية العام 1954م عندما اعتقل اآلالف منهم بسبب حادثة املنشية، واتبع سياسة التعذيب

والقتل، واالعتقال املفتوح، واحملاكمات العسكرية.ثم لـــم يتوقعوا عام 1995م أن يصل مبارك إلى حد احملاكمة العســـكرية

لقياداتهم وتنفيذ أحكامها..ثـــم فوجئوا بنتائج انتخابات عام 2005م التي أحرزوا فيها 20% من مقاعد

مجلس الشعب..قد تكون لهذه األحداث ظروفها اخلاصة، لكن على األقل ما سبق يؤكد أن اإلســـالميني لديهم مشـــكلة في توقع ردود أفعال السلطة احلاكمة، وفي وضع

تصورات دقيقة عن املستقبل.

انتخابات الرئاسة: قضية الرئاســـة أصبحت مـــن أكثر القضايا السياســـية إثارة للجدل في الساحة السياسية، فقد فتح املجال للترشح بصورة غير رسمية بعد أشهر قليلة من الثورة؛ بسبب االعتقاد أن املجلس العسكري سيلتزم بجدوله الزمني –ستة أشهر- لكن وقع املترشحون في مأزق: التأجيل الطويل، وهو ليس باألمر اجليد للمترشـــحني؛ إذ يـــؤدي متدد الفترة إلى حدوث حالة ملـــل لدى الناخبني من حمالت الدعاية، كما أن التنافس بينهم يكشف عيوبا لدى كل مترشح، ويسلط الضوء عليها أكثر، ورمبا يصل الناخب في نهاية األمر إلى حقيقة أن املترشـــح

األفضل لم يظهر بعد.العالقة املرتبكة –ترتيبا- بني الرئاســـة والدستور تسببت في تزايد حالة االستقطاب بني القوى اإلسالمية والعلمانية، فاألصل أن االستفتاء الذي أجري

Page 197: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 196

في مارس 2011م حســـم كون انتخابات الرئاســـة ستكون األولى في الترتيب، بينما القوى العلمانية كانت تطالب بالدســـتور أوال –قبل أي عملية انتخابية- لتتم عمليات االنتخاب جميعها في ظل الدســـتور اجلديد بدون إشكاالت تتعلق بالتداخل بني القدمي واجلديد، واإلعالنات الدستورية التي يصدرها املجلس.

ساهمت سياسة املجلس العسكري في تزايد االرتباك؛ بسبب عدم التزامه مبعطيات االستفتاء، فقد جعل الرئاسة الحقة على الدستور، وليس سابقة له، ثـــم تقرر في األخير أن يكون هناك تزامن فـــي املراحل بني العمليتني على أن

يستفتى على الدستور قبل يوم انتخاب الرئيس اجلديد.ويثور اجلدل حاليا حول املعايير التي ميكن من خاللها توقع شخص الرئيس القادم، وبصورة عامة توجد أربع طرق ميكن اســـتخدامها ملعرفة ذلك، أو على ختار بها من قبـــل الناخبني واألحزاب واملجلس األقل حتديد اآللية التي ســـي

العسكري.

أوال: نظرية الناخب الوسيط:بحســـب هذه النظرية، فإن توجهات الناخبني وآراءهم تنزع حسب التوزيع الطبيعي لها إلى منطقة الوســـط، ولذلك تنحو األحزاب أو املترشحون التخاذ مواقف قريبة من الوسط؛ حيث تتمركز غالبية األصوات، بينما املترشحون ذوو اآلراء األكثر راديكالية أو متســـكا أو جذرية أو محافظة، يتوزعون إلى اليمني

وإلى اليسار؛ حيث تكون كثافة األصوات أقل.بعيدا عن تعقيدات النظرية، فإنه في حالة وجود عدة مرشـــحني ينزعون إلى التوســـط، فإن املرشـــحني األقل عددا في األطراف رمبا تكون لهم فرصة

أكبر في حصد األصوات.)1) واقعيـــا، ميكن أن جند في الوســـط ثالثة تصنيفـــات مختلفة، فمن حيث املرجعية اإلســـالمية، جند كال من د. عبد املنعم أبو الفتوح، ود. ســـليم العوا،

)1) انظر: السياسات العامة، ص 134.

Page 198: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

197مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الخاتمة

وكالهما ينزع للوســـط، مقارنة باألســـتاذ حازم أبو إســـماعيل، أما من حيث التوجهات العلمانية، جند أن املترشـــح حمدين صباحي يتخذ موقفا متوسطا مقارنـــة بد. محمد البرادعي، ومن حيث العالقة بالنظام الســـابق مع اخلبرة

بشئون الدولة، فإن عمرو موسى يبدو متوسطا مقارنة بـأحمد شفيق.هكذا جند ازدحاما في الوســـط يشتت األصوات لصالح الذين باألطراف، وهم هنا: البرادعي، أبو إســـماعيل، لكن مع انسحاب البرادعي يبقى أمام »أبو إسماعيل« فرصة ال يستهان بها حلصد عدد من األصوات، قد ال يشكل أغلبية، لكنه رمبا فاق غيره من مرشـــحي الوســـط، على األقل قد يتمكن –بحســـب النظرية- من الدخول في مرحلة اإلعادة، لكن األمور ال تسير هكذا؛ إذ تتداخل

عوامل أخرى كما سيأتي.

ثانيا: مفهوم الميول الراديكالية بعد الثورة:بعض الدراســـات السياســـية تقول: إن درجة االستقطاب السياسي ترتفع في مرحلة ما بعد الثورات؛ حيث متيل املجتمعات إلى فرز الناشـــطني والقوى السياسية إلى معسكرات متواجهة ضد بعضها: ميني يسار، محافظ راديكالي، إسالمي علماني، وتقل فرصة االنتماء إلى تيار الوسط حتى يصبح األشخاص غير املنتمني لتيارات سياسية محددة محســـوبني بالنسبة لتيار ما على التيار

املنافس في بعض األحيان.)1)حســـب هذا املفهوم، فإن املترشحني ذوي امليول واالنتماءات الواضحة لهم

حظ أوفر من غيرهم.

ثالثا: األوزان النسبية في انتخابات سابقة:ال توجد انتخابات رئاسة ســـابقة ميكن استخدامها أساسا للمقارنة، لكن توجد انتخابات برملانية، ومع االختالف بني احلالتني، إال أنه ميكن استخالص

)1) أمل حمادة، ص 55.

Page 199: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 198

نتيجتني من تلك االنتخابات، رمبا تكونا على قدر من الدقة بسبب قرب العهد، وهما: ميول غالبية الناخبني تتجه صوب املرشح اإلسالمي، وإن حزبي احلرية والعدالة، والنور لهما قدرة كبيرة على التأثير في خيارات الناخبني لصاحلهما.ا بحسب هذا األسلوب فإن املترشحني اإلسالميني للرئاسة هم األوفر حظمن غيرهم، ويبقى اخلالف بني هؤالء بحسب عوامل أخرى مرجحة، مثل تأييد كل حزب إسالمي ملترشح ما، أو درجة قبول أحد املترشحني جماهيريا مقارنة

مبنافسه اإلسالمي.. إلخ.

رابعا: التوافق:األســـاليب الســـابقة تفترض ضمنا أن األحزاب، إما أنه ال اختيار محدد لها –الناخب الوسيط- أو أنها تؤيد املترشح اإلسالمي، لكنها ال تبني كيف يتم

التفاضل بني عدة مترشحني إسالميني.أما أســـلوب التوافق، فيعطي نتائج مغايرة قليال، فهو يفترض أن األحزاب لديها قدرة كبيرة على التأثير في الناخبني كلما اتفقت آراؤها، وأن هذا التأثير

يتراجع كلما اختلفت اختيارات األحزاب، وسيتضح ذلك فيما يلي.. وهنا تبرز عدة عوامل:

هل تتوافق األحزاب على مرشح إسالمي؟ إلـــى اآلن لم يعلن ســـوى اإلخوان صراحة عن موقفهم، فقال املرشـــد د. محمد بديع: »إن اجلماعة لن ترشـــح أحد أعضائهـــا، وال الدكتور عبد املنعم أبو الفتوح في انتخابات الرئاسة، أو أي مرشح لديه مرجعية إسالمية في تلك االنتخابات«. وقال: »إن اإلخوان سيشـــاركون كافـــة القوى الوطنية في اختيار شخصية توافقية على أساس قواعد ال حتابي أحدا، وحتدد مواصفات الرئيس

املصري املقبل؛ حرصا على مصلحة مصر«.)1)

)1) الوفد 27-1-2012م.

Page 200: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

199مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الخاتمة

لكـــن صدر تصريح آخر من د. محمود حســـني األمني العام للجماعة في حوار مع قناة مصر 25؛ حيث قال: إن التوجه العام لإلخوان هو عدم ترشـــيح

أحد أو دعم أحد يحسب على تيار إسالمي معني في انتخابات الرئاسة.)1)وهذا الصياغة حتتمل أن يختار اإلخوان د. سليم العوا، فهو غير محسوب على تيار معني، وإن كانت مرجعيته إسالمية، في مقابل د. أبو املفتوح احملسوب سابقا على اإلخوان، واألستاذ حازم احملسوب على كل من السلفيني واإلخوان.بالنســـبة حلزب النور، فهو لم يحدد خياراته حتـــى اآلن، وصرح متحدثه اإلعالمي نادر بكار أن احلزب لم يعلن بعد تأييده ألي من مرشـــحي الرئاسة، ســـواء الشـــيخ حازم أو غيره.. ولن يعلن تأييده ألي من مرشحي الرئاسة إال بعد غلق باب الترشـــح لالنتخابات، وبعد اجللوس مع كافة املرشحني ومعرفة

برنامجهم االنتخابي وتوجهاتهم السياسية«.)2) عامل آخر، هو: هل تضع األحزاب موقف املجلس العسكري من املرشح قيد

االعتبار؟ال توجد تأكيدات، لكن بعض التسريبات تتحدث عن تفاهمات بني اإلخوان واملجلـــس، وموقف حزب النور غير واضح مـــن هذه القضية.. لكن د. محمود حسني أكد رفض اإلخوان ألي مرشح عســـكري؛ ألن -بحسب قوله- التجربة تبني أنه مثل هذا ال يصلح لرئاسة اجلمهورية بسبب ما عشناه -كما قال- على

مدى ستني عاما.)3)وهذا يعني أنه لو حدث تفاهم بني اإلخوان واملجلس سيكون على شخصية

ليس لها خلفية عسكرية.عامل ثالث: كيف يتشكل التوافق؟

ميكن وضع قاعدة بسيطة في هذا السياق، وهي: - التوافـــق بني كافة األحزاب على مترشـــح معني. وفي هذا احتمال

)1) شبكة رصد 28-1-2012م.)2) اتصال مع قناة سي بي سي 2-12-2011م.

)3) شبكة رصد 28-1-2012م.

Page 201: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 200

ا للفوز. قوي جد- التوافق بني األحزاب اإلســـالمية واملجلس العسكري على مترشح معني،

وفي هذا احتمال قوي للفوز.- التوافق بني األحزاب اإلسالمية -دون املجلس- على مترشح معني، وفي

هذا احتمال جيد للفوز.- التوافق بني أحد األحزاب اإلســـالمية واملجلس العســـكري على مترشح

معني، وفي هذا احتمال متوسط للفوز.- التوافق بني أحد األحزاب اإلسالمية وبقية األحزاب على مترشح معني،

وفي هذا احتمال متوسط للفوز.- عدم التوافق بني القوى الرئيسة على مترشح معني، وفيه احتمال ضعيف

لكل مترشح.في احلاالت الثالث األولى يالحظ أن التوافق يضيق مساحة االختيار أمام

الناخبني، ويجعلهم أكثر تأثرا بخيارات األحزاب.على ضوء ما سبق من بيان موقف اإلخوان كما حدده د. بديع، واالحتماالت الســـتة، فإن العامل األهم هنا هو: هل يقبل الســـلفيون مبرشح غير إسالمي؟ بعبـــارة أخرى: هل يقبلون بنفس معايير اإلخوان في اختيار املترشـــح، ومن ثم

شخصه؟ لو حدث ذلك ســـيكون مرشـــح اإلســـالميني هو الفائز غالبا، ولو رفض

السلفيون ستتعدد االحتماالت، كما في الثالثة األخيرة.

ماذا بعد الرئيس؟مرحلة ما بعـــد الرئيس تكتنفها عقبات وعالمات اســـتفهام كثيرة، وهذه

أبرزها:1- لم تســـتقر القوى السياســـية وال املجلس العسكري حتى اآلن على حل

Page 202: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

201مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الخاتمة

املشكلة املتجددة في ترتيب الدستور والرئيس، كما ال يعرف ما إذا كان النظام سيكون رئاســـيا أم برملانيا أم مختلطا، وهي على العموم مشكالت إجرائية أو

وقتية يتعني حلها في خالل أسابيع قليلة.2- ال يزال مجهوال حتى اآلن اآللية التي ســـيتم بها تســـليم الســـلطة إلى الرئيس القادم؟ وهل تسلم كاملة أم منقوصة؟ وكيف ستكون عالقته مع القوات املســـلحة، وكذا ما هو مســـتقبل وزير الدفاع ورئيس األركان وأعضاء املجلس

احلاليني؟3- توجد مؤشـــرات على أن اإلســـالميني يخشـــون من حتول »مؤسسة الرئاســـة« مســـتقبال إلى مركز ثقل مناوئ لتواجدهم السياسي في مؤسسات الدولـــة األخرى، خاصـــة مع تفضيل بعضهم ألن يكون القادم غير إســـالمي، والتجـــارب التاريخيـــة حتذر من الوثوق في أي حتالف مـــع من يحتل منصب الرئاســـة؛ إذ ميكن أن تدفعه الســـلطة املتحصل عليها إلى جتاوز أي حتالفات مقيدة، وال يقال هنا: إن مدة »األربع سنوات« أو شرط عدم التجديد ألكثر من دورتني، ســـتجعالنه عاجزا عن جتـــاوز اخلطوط احلمراء؛ إذ ميكن أن يحدث ذلك بسهولة إذا توفرت الشروط املالئمة، ومنها: أن يكون الرئيس ذا شخصية كاريزمية حتظى بجماهيرية كاسحة تكسبه شرعية تتجاوز القانون والدستور، ومنها ما ســـبق اإلشـــارة إليه من ظهور أحد املتغيرات عظيمة التأثير ضعيفة

االحتمال.4- يوجد تخوف من حدوث حالة من فقدان السيطرة أو »فراغ السلطة«، وهــــذه حالة واردة في الــــدول التي متر مبرحلة انتقاليــــة بعد زوال النظام التســــلطي؛ إذ تعجز املؤسســــات اجلديدة املنتخبة عن ملء فراغ الســــلطة القدميــــة، وتتفكك أركان النظام، وتســــود حالة من القصور املؤسســــي من أبــــرز مالمحها: العجز عن التنفيذ الكامــــل للقانون، أو للقرارات املتخذة أو للسياسات املتبعة، مع فقدان املركز للسيطرة النظامية على األطراف، وهذه

Page 203: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 202

احلالة نســــبية لها مستويات متعددة، ولألســــف يظن كثيرون أن عملية نقل السلطة ســــهلة، وميكن تنفيذها مبجرد قرار، وهذا مفهوم خاطئ متاما؛ إذ ميكن أن يؤدي النقل املتســــرع أو املرتبك للســــلطة إلى حدوث فراغ وفقدان

سيطرة رمبا يؤديان إلى الفوضى.5- قـــد تواجه النظام اجلديد في األشـــهر القادمة مشـــكلة عدم قابلية -أو رفض- بعض املجموعات الثوريـــة -أو امللتحفني بهم- االعتراف بالتحول احلـــادث من حولهم، أو رفضهم لتحولهم هم أنفســـهم من احلالة الثورية إلى النشـــاط السياســـي في إطار منظمات املجتمع املدني، فاحلراك الثوري لهذه املجموعات رمبا يتســـبب في حالة من الفوضى، أو ارتباك بعض املؤسســـات، وبغض النظر عن دوافع هؤالء -داخلية أو خارجية-، فإن أسلوب التعامل معهم ســـيؤثر إلى درجة كبيرة في رسم مالمح املســـتقبل، فإذا جلأ النظام اجلديد إلى معادلة: »االســـتقرار قبل احلرية« أو حسب الصياغة األمريكية: »من طلب األمن واحلرية معا فقدهما معا«، فإن ذلك سيكون مؤشرا بالغ اخلطورة، ورمبا يكـــون اخلطوة األولى للرجوع إلى اخللف، بنـــاء على ذلك يجب أن تعالج هذه املشـــكلة –في حال حدوثها- بدرجة كبيرة من احلكمة، مع اتباع اســـتراتيجية

احتواء متوسطة املدى.6- من األمور اجليدة، أنه إذا ســـارت اخلطوات بشكل طبيعي، وأكمل كل من البرملان والرئاســـة دورتيهما - 5 ســـنوات، 4 سنوات على الترتيب-، فهذا يعني أن البرملان احلالي هو من سيشـــرف على انتخاب الرئيس بعد القادم، أو إعادة انتخاب الرئيس القادم، فرمبا ميثل ذلك نوع اســـتقرار وتوازن للقوى بني الرئاســـة والبرملان، ولنا أن نتخيل اجلدول السابق الذي كان املجلس العسكري يعتزم تنفيذه، فقد كان مقررا أن جترى انتخابات الرئاســـة بعد عام كامل من انتخابات مجلس الشـــعب أي في مطلع العـــام 2013م، وذلك معناه أن جترى

ا. االنتخابات في املؤسستني في توقيت متقارب جد7- ال يتسع املجال ملناقشة مالمح استقرار النظام أو عالمات بلوغه مرحلة الرســـوخ، لكن من املعايير السهلة املستخدمة في هذا الصدد: أن يعمل النظام

Page 204: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

203مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الخاتمة

بسالســـة، وتدور عجلتـــه دورة كاملة بدون أزمات كبيـــرة، أو معوقات مقعدة، بعبارة مختصرة: فإن النظام يســـتقر عندما تبدأ املؤسســـات املنتخبة دورتها الثانيـــة، فيكون لدينا: ثاني برملان بعد الثـــورة، ثاني رئيس، ثاني حكومة »رمبا أكثر بحســـب طبيعة النظام«، ثاني دورة للمحافظني املنتخبني.. إلخ، فعند بلوغ

ا. هذه املرحلة يكون النظام قد دار دورة كاملة، وأصبح مستقر

الثورة لن ترجع إلى الخلف- بإذن اهلل- :كيف نضمن أن الثورة –ومكتســـباتها- لن تعود إلى اخللف، على األقل في

األمد املنظور؟ال يوجد شيء ثابت في عالم السياسة، فالكل يتحرك، ومن يقف يفقد قوته أو يزول من على اخلارطة، ال توجد الفتة مكتوب عليها »نهاية الطريق«، الطريق

مستمر، ومن يكسب شيئا فليعض عليه بالنواجذ.وهذه بعـــض اللمحات واألفكار حول اســـتراتيجية احلفـــاظ على الثورة

ومكتسباتها: أوال: القوات املســـلحة املصرية هي أهم مؤسســـة في الدولة، فهي حماية وحصن وأمان، وإخضاعها أو تســـخيرها ورمبا تدميرها، هدف لكل عدو، لذا يجب التعامل احلذر –مســـتقبال- مع تلك املؤسسة، وتبني استراتيجية بعيدة املدى تعمل على حذف كافة الترسبات الناجمة عن معاهدة كامب ديفيد، ومنها انغمـــاس اجليش في األعمال املدنية التي ال عالقة لها بالعمل العســـكري أو

بحماية الدولة- أرضا وحدودا-. فلن ميكن الوصول إلى مرحلة »رســـوخ النظام« إال عندما يتحقق الفصل بني املدني والعســـكري في كافة مفاصل الدولة ومؤسساتها، وتدعو الدراسات professionalism »املتخصصة في هذا الشـــأن إلى تعميق مفهوم »االحترافيةفي العمل العسكري؛ ألن ذلك من شأنه أن يزيد من استقرار مؤسسات الدولة، وتثبيـــت دعائم النظام، وفي هذا املجال يجـــب مراعاة اختالف الثقافات عند نقل جتارب الدول األوروبية في ترسيخ مفهوم »احترافية اجليش« حتى ال تنتج

Page 205: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 204

ســـلبيات مماثلة ملا حدث ألغلب مؤسســـات الدولة التي خضعت حتت تأثير »التبعية الهيكلية«.)1)

ثانيا: احلرية السياسية من املكاسب العظيمة التي حتققت، وكذلك هي من أسرع ما يتم ســـلبه من أيدي الناس عندما تتولى السلطة نخبة فاسدة ظاملة، لذلك يجب الترويج ملفهوم »ادخار احلرية« مبعنى احلفاظ عليها، وحمايتها من

السلب والغصب، وتوجد عدة طرق لتحقيق ذلك، منها: - املسارعة بتأسيس الكيانات واألعمال التي ال ميكن تأسيسها في مرحلة

القهر.- البدء في األعمال التي لن تبدو ثمارها إال بعد أعوام طويلة، وهي أعمال لن تؤســـس إال في أجواء احلرية، وعندما يحني قطافها رمبا تكون احلرية قد

ذهبت، ولكن بقيت آثارها.- حتصني مناخ احلرية بباقة مكثفة من القوانني التي تصعب على أي حاكم

متجبر عملية إخضاع الشعب.- تنفيذ حمالت توعية شـــعبية واسعة املجال لتبصير الناس بقيمة احلرية السياســـية ومزاياها؛ حتى يكونوا هم اخلـــط األول في الدفاع عنها.. وكذلك

تعريفهم مبعنى احلرية املنضبطة بضوابط اإلسالم.- حتصني أجواء احلرية السياســـية بنبذ كل من يتهور في استخدامها، أو يستغلها خارج السياق، ومبا يجعل الناس يقعون في الثنائية املعروفة: إما األمن

واالستقرار، وإما احلرية واالضطراب.- بذل اجلهد في العمل الدعوي، واستهداف أن يتحول أكبر عدد ممكن من الشـــعب املصري إلى االنتماء العاطفي الفكري أو التنظيمي للعمل اإلسالمي، ومبعنـــى آخر: جعل املعادلة أمام أي حاكم متجبر قد يســـتولي على الســـلطة

مستقبال، هي: اإلسالميون= الشعب.

)1) أمل حمادة، هامش ص 53.

Page 206: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

205مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الخاتمة

ثالثا: قال تعالى في ســـورة األنفال: زب ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀ ٺٺ ٺ ٺ ٿ ٿ رب ]األنفال: 53[، يقول سيد قطب -رحمـــه الله-: »إنه في هذه اآليـــة يتضح عدل الله فـــي معاملة العباد؛ فال يســـلبهم نعمة وهبهم إياها إال بعد أن يغيروا نواياهم، ويبدلوا سلوكهم، ويقلبوا أوضاعهم، ويســـتحقوا أن يغير ما بهم مما أعطاهم إياه لالبتالء واالختبار من

النعمة التي لم يقدروها ولم يشكروها«.)1) كل من ينظر إلى يوميات الثورة يجد نفسه أمام سلسلة متتابعة من املواقف واألحداث غير املنطقية أدت إلى نتائج غير محسوبة أو متوقعة، وفي منعطفات كثيرة كادت الثورة أن تخفق لوال أن الله - ســـبحانه وتعالى - شـــاء أن ينتصر الشعب، وأن يرتفع الظلم عن كاهله، نعم، كان الشعب يريد، ولكن الله كان وما

يزال يفعل ما يريد.فقد عاش الشـــعب في ظل القهر عقودا متتالية، لكن عندما أراد الله -عز قوا به ـــر لعباده من الســـبل والوسائل ما حق وجل- أن يرتفع الظلم والقهر يس

ذلك على أرض الواقع زب ٱ ٻ ٻ ٻ ٻپ پ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿٿ ٿ ٹ ٹ ٹ رب ]األنفال: 17[.

وقد جتلى شكر الشعب للنعمة واالعتراف بها في هتافات 11 فبراير »الله وحده أسقط النظام«..

اآلن على اإلســـالميني بوصفهم املستفيد األكبر من سقوط مبارك- ألنهم كانـــوا املظلوم األكبر في عهده- أن يشـــكروا نعمة الله تعالـــى، وأن يقدروها حق قدرها، وأولى مراتب شـــكر النعمة في هـــذا املجال أال يتفرقوا ويتنازعوا فيفشـــلوا وتذهب ريحهم ومكاسبهم ســـدى، فالتنازع واالختالف سبب لتفرق الشمل، بل مدعاة لسقوط الدول واحلضارات، وهذه سنة من سنن الله ال منلك لهـــا تبديـــال، كما يذكر مالك بن نبي- رحمه الله-: »هناك ســـنن ال تتغير وال

)1) في ظالل القرآن، سورة األنفال، اآلية 53.

Page 207: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 206

تتبدل.. وهي السنن التي تبني احلضارات وتهدمها، وحتكم التغيير االجتماعي، وتوجه التاريخ، وقد أشار إليها القرآن الكرمي في قوله تعالى: زب ی ی ی

جئ حئ مئ ىئيئ جب حب خب مب ىب رب ]الفتح:23[«.)1) رابعا: السياسي اإلسالمي حساباته تختلف عن مثيله العلماني؛ فاإلسالمي يســـعى إلمتام التحول السياسي مستعينا بالله، يردد »ال حول وال قوة إال بالله« موقنـــا مبعناها وأنه ال حتـــول للعبد من حال إلى حال وال قوة له على ذلك إال

بالله.

وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني.

)1) مالك بن نبي، شروط النهضة ص 48.

Page 208: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

207مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

المراجع

املراجع

القرآن الكرمي. -1النظم السياســـية العربية، االجتاهات احلديثة في دراســـتها، د. حسنني توفيق إبراهيم، -2

مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005 م.صراع على الشـــرعية، اإلخوان املســـلمون ومبارك 1982 - 2007 م، د. هشام العوضي، -3

مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة األولى، 2009 م.االنتقال من الثورة إلى الدولة، اخلبرة اإليرانية، د. أمل حمادة، الشبكة العربية لألبحاث -4

والنشر، بيروت، الطبعة األولى 2008 م.مستقبل الثورات، جون فوران، دار الفارابي، بيروت، الطبعة األولى 2007 م. -5

مدخل إلى حتليل السياسات العامة، د. أحمد مصطفى احلسني، املركز العلمي للدراسات -6السياسية، عمان، الطبعة األولى 2002 م

مصر واملصريون في عهد مبارك، د.جالل أمني، دار ميريت 2009 م. -7قتل مصر، من عبد الناصر إلى السادات، شفيق مقار. -8

البحريـــن من اإلمارة إلى اململكة، دراســـة في التطور السياســـي والدميقراطي، أحمد -9منيسي، مركز األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية، القاهرة، الطبعة األولى 2003م.

اجتاهات حديثة في علم السياسة، بحث: دراسة النظم السياسية في دول العالم الثالث، -10د. هدى ميتكيس، املجلس األعلى للجامعات، الطبعة األولى، القاهرة 1999م.

املجتمـــع املدني، التاريخ النقدي للفكرة، تأليف: جون إهرنبرج، املنظمة العربية للترجمة، -11بيروت 2008م.

من الديكتاتورية إلى الدميقراطية، إطار تصور للتحرر، تأليف: جني شـــارب، بروفيسور -12العلوم السياسية في جامعتي ماساتشوستس، وهارفارد، إصدار: مؤسسة ألبرت أينشتاين.

حتوالت اإلخوان املسلمني، تأليف حسام متام، مكتبة مدبولي، الطبعة الثانية 2010م. -13اجلماعة اإلســـالمية املســـلحة في مصر 1974 - 2004 م تأليف د. ســـلوى العوا، دار -14

الشروق.مدخل إلى الدراســـات املستقبلية في العلوم السياسية، د. وليد عبد احلي، املركز العلمي -15

Page 209: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 208

للدراسات السياسية، عمان 2002م.أزمة املثقفني وثورة يوليو، عادل حمودة، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة األولى. -16

مصر زعامة وشعبا إلى أين، كمال خالد، دار االعتصام، القاهرة 1991م. -17صالح نصر، األســـطورة واملأساة، تأليف: حسنني كروم، مكتبة مدبولي، القاهرة، -18

الطبعة الثانية، 1996م.أمناط االســـتيالء على السلطة في الدول العربية، د. صالح سالم زرنوقة، مكتبة -19

مدبولي، القاهرة، 1992م، الطبعة األولى.كيف حدثت ثورة أكتوبر؟ إسحاق مينتس، دار نشر وكالة نوفوستي، 1987م. -20

مـــن الذي دفع للزمار؟ احلـــرب الباردة الثقافية، املخابـــرات املركزية األمريكية -21وعالم الفنون واألدب، فرنسيس سوندرز، املشروع القومي للترجمة، املجلس األعلى للثقافة،

القاهرة، الطبعة الرابعة، 2009م .البجعة السوداء، نسيم طالب، الدار العربية للعلوم، ناشرون، بيروت، الطبعة األولى -22

2009م.مالك بن نبي، شروط النهضة. -23

في ظالل القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة. -24كتاب: )مقالة العبودية الطوعية) تأليف إيتيان دو ال بويسي، ترجمة عبود كاسوحة، -25

مراجعة: د. جوزيف شرمي، املنظمة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة األولى.أعمـــال امللتقى الوطني األول حـــول التحول الدميقراطي في اجلزائر ديســـمبر -26

2005م، كلية احلقوق والعلوم السياسية، جامعة بسكرة.الدولة الرخوة، د. جالل أمني، سينا للنشر، القاهرة، الطبعة األولى، 1993م. -27

النخبة السياسية. -28املنتدى الدولي حول مسارات التحول الدميقراطي، برنامج األمم املتحدة اإلمنائي، -29

يونيو 2011م.

Page 210: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

209مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفهرس

الفهرس

الصفحةاملوضوع3املقدمة

9الفصل األول: الدولة والثورة- مقاربة نظرية 11أوال: الدولة

16ثانيا: الثورة 23الفصل الثاني: من الدولة إىل الثورة

126- منظومة السلطة - النخبة الفاسدة 236-القبضة األمنية- حماية النخبة الفاسدة

45الفصل الثالث: من الدولة إىل الثورة 50الدميقراطية والليبرالية 54مفهوم التحول السياسي

55املجلس العسكري والتحول الدميقراطي57املراحل األساسية للتحول السياسي

الفص���ل الراب���ع: الطري���ق إىل الدولة.. اجملل���س العس���كري والتحول 63السياسي

65تناقض الهدم والبناء 66واجبات السلطة أثناء املرحلة االنتقالية

67القيادة والشرعية67أوال: البعد الثقافي

68ثانيا: البعد الهيكلي 70ثالثا: السياسات

71مستوى التغيير الذي نفذه املجلس العسكري71القيادة والشرعية

Page 211: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر 210

الصفحةاملوضوع74حصيلة التغيير الثقافي79حصيلة التغيير الهيكلي

85حصيلة التغيير في السياسات92آليات التحول

93إشارات مهمة على طريق التحول السياسي95الفصل اخلامس: معوقات التحول السياسي

99الفوضى الطبيعية 110الثورة املضادة

121الفصل السادس: طريق اإلسالميني إىل السلطة123قوة اإلسالميني في مصر

126ظاهرة التعدد في العمل اإلسالمي 127أسباب اخلالف بني اإلخوان والسلفيني

140كيف تعمل هذه األسباب في إدارة العالقة بني التيارين؟141سيناريوهات التقارب

146مالمح عامة حول استراتيجية التقارب املنشودة 149الفصل السابع: السيناريوهات احملتملة

151مدخل 152العوامل املؤثرة في سيناريوهات املستقبل:

1152- دور اجليش 2167- القوى السياسية3173- الدور اخلارجي

191اخلامتة: مصر 2013م 191السيناريو املفضل

193املتغير عظيم التأثير قليل االحتمال

Page 212: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

211مصر 2013م دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر

الفهرس

الصفحةاملوضوع195انتخابات الرئاسة

203الثورة لن ترجع إلى اخللف- بإذن الله- 207املراجع

209الفهرس

Page 213: Benamor.belgacemمصر 2013 دراسة تحليلية لعملية التحول السياسي في مصر