مجلة الفجر - العدد الرابع

لغائب الواجب الخطاب ا أحمد أبا زيدك الثوار ملريعتصم الحري ملتعارضلية الدين وإشكاعلم وا العلبي إبراهيم الذا بعد المجزرة؟ مالفجر خاص ل

description

حزيران 2013 - رجب 1434 www.alfajrmg.net

Transcript of مجلة الفجر - العدد الرابع

Page 1: مجلة الفجر - العدد الرابع

العدد الرابع - حزيران 2013 - رجب 1434

الخطاب الواجب الغائبأحمد أبا زيد

ملك الثوار معتصم الحريري

العلم والدين وإشكالية التعارضإبراهيم العلبي

ماذا بعد المجزرة؟خاص للفجر

Page 2: مجلة الفجر - العدد الرابع

العدد الرابع - حزيران 2013 - رجب 1434

5

6

8

13

15

20

23

24

26

27

االفتتاحية 3

شخصية الرسول التعليمية صلى الله عليه وسلمعبد الفتاح أبو غدة

ماذا بعد المجزرة؟الفجر-خاص

األخوةمحمد الشامي

العلم والدين وإشكالية التعارضإبراهيم العلبي

الخطاب الواجب الغائبأحمد أبا زيد

الشيخ عبد الفتاح أبو غدة »رحمه الله«محمد عادل فارس

قصص من واقع الثورة عبد الكريم اليماني

ملك الثوارمعتصم الحريري

دعوة للقراءة: طاحون الشياطينشريف الراس

خمسون عاما في سورياأنس الدغيم

الذين أوتوا العلم واإليمان11عامر الغضبان

المقاالت المنشورة تعبر عن رأي كتابها وال تعبر بالضرورة عن رأي المجلة أو هيئة تحريرها

:: فريق التحرير

رئيس التحرير حسام الغضبان محرر عمار يحيى الضايع محرر د. عامر الغضبان محرر أسامة السيد عمر محرر عبد الكريم اليماني

الطباعة والتوزيع أسامة الشيدون الطباعة والتوزيع أنس حسين

التسويق اإللكتروني منى السعيد

مجلة شهرية تصدر عنمكتب الشباب في جماعة اإلخوان المسلمين

في سورية

تصفح الفجر www.alfajrmg.net

تواصل مع الفجر [email protected]

تصميم وتنفيذ

Page 3: مجلة الفجر - العدد الرابع

3

حالة الموت السريري التي أدخلتنا فيها أنظمة الفساد

التي استبدت بحكم بالدنا بدأنا الخروج منها -بحمد

اهلل تعالى- مع تفجر ثورات الربيع العربي، والصحوة

المرافقة لها، والشعور المتولد عند كل واحد منا

بأن له دورا ال بد أن يقوم به، وأن يشارك في بناء أمته،

ويكون فاعال فيها.

وحالة الوعي هذه المرافقة لحالة الثورات كما كشفت

عن مواطن قوة فينا كنا في غفلة عنها، كشفت أيضا

مواطن ضعف لم نكن ندرك مدى عمقها وتأثيرها،

ومدى صعوبة الخروج منها.

لقد عملت أنظمة الفساد على إفساد جميع البنى

»الفوقية« للمجتمع، البنى المنوط بها تكوين ثقافة

الفرد ووعيه الفكري ونظرته إلى الحياة ودوره فيها،

فأفسدت النظم التعليمية وكرستها لتدجين الشعب،

وحجمت دور المساجد وقيدتها لتكون مجرد دور

للعبادة، وحولت اإلعالم إلى مؤسسة لتغييب الوعي

وتمجيد السلطة وتشويه المجتمع وحياته؛ وكل ذلك

كان له أثر كبير على األسرة -المحضن األول واألهم

للفرد ومنبت ثقافته وفكره- التي كانت تنافح وتقاوم

لتنجو من السهام المصوبة نحوها، ولم تكن النجاة

باليسيرة.

ومع تفجر الثورة المباركة وانعتاق الناس من سلطان

هيبة النظام، قامت جهود مباركة في المجتمع

تسعى لرأب هذه الصدوع التي خلفها النظام بعد

نصف قرن من الحكم الفاسد، فظهرت مؤسسات

التفتت إلى أهمية العمل التربوي، فأقامت مدارس في

مواطن النزوح أو اللجوء، ونقحت المناهج التعليمية

من بعض ما فيها من أدران، حال مؤقتا إلى أن يمكن

وضع مناهج جديدة؛ وأنشئت بعض مراكز البحوث

والدراسات، ومراكز لدورات التوعية والدورات التخصصية

في مجاالت شتى، كالدعوة واإلعالم والسياسة

والتربية؛ وصدرت بعض الصحف والمجالت والنشرات؛

وتأسست بعض الروابط ومؤسسات المجتمع المدني،

كروابط العلماء والفنانين واإلعالميين؛ وانتبه عدد من

المشايخ إلى ضرورة الدعوة المباشرة والفتيا، فكرسوا

أنفسهم للتنقل من مسجد آلخر ومن قرية ألخرى،

يعقدون الدروس ويجيبون عن أسئلة الناس... إلخ

وعلى الرغم من أن هذا الحراك صار واضحا جدا،

وعالمة فارقة من عالمات ثورتنا المباركة، إال أن الساحة

ما زالت تستوعب مزيدا من هذه الجهود الطيبة،

والمجتمع ما زال عطشا لمن يبل صداه؛ إذ إن هذه

المؤسسات لم تستطع أن تغطي إال فئات قليلة، ممن

أمكنها الوصول إليهم، أو أسعفتها إمكاناتها لسد

حاجاتهم.

دور الفرد في تكوين ثقافته:: التحرير

Page 4: مجلة الفجر - العدد الرابع

لكن يجب مالحظة أن ما سبق ال يغني عن دور الفرد

نفسه في تكوين ثقافته وتنمية وعيه ومعرفته،

ولعل العبء األكبر يقع عليه، وليست تلك الجهود

والمؤسسات إال عوامل تساعده في بناء ذاته.

نعم، إن على كل فرد منا مسؤولية تجاه نفسه،

إصالحها وتثقيفها وتنميتها، والمرء إذ يصلح نفسه

فإنه يساهم في بناء مجتمعه بناء سويا، فما لبنات

األمة إال أفرادها، إن صلحوا صلحت األمة، وإن فسدوا

فعليها السالم.

ولقد يسرت وسائل المعرفة في عصرنا أيما تيسير،

خصوصا مع اتساع نطاق النشر اإللكتروني، وانتشار

الوسائط اإللكترونية من حواسيب وهواتف ذكية

وغيرها، فضال عن انتشار الكتب وأن أسعارها باتت

معقولة، بعد أن كان المرء يضطر للتوفير من راتبه

شهرا إثر شهر ليشتري كتابا واحدا!

فال يقعدن الكسل بنا أن نثقف أنفسنا، فمواقع

اإلنترنت مليئة بالكتب اإللكترونية التي يمكن تحميلها

بسهولة، وذلك في كل علم من العلوم، فضال

عن المقاالت المبثوثة فيها، خصوصا في المواقع

التخصصية.

كما أن موقع يوتيوب يزخر بآالف المحاضرات، وبعضها

محاضرات جامعية على درجة عالية من التخصص

والحرفية، فضال عن الدروس القصيرة التي يعقدها

بعض الهواة في موضوعات شتى، إنسانية أو علمية أو

ثقافية أو تقنية.

ومن األفكار الجيدة التي يقوم بها بعض الناس،

خصوصا من كان وقته ضيقا ال يتسع للتفرغ للقراءة

والدراسة: تحميل مواد صوتية، كالمحاضرات أو الندوات

أو الدروس أو بعض الكتب المقروءة التي يجدونها في

مواقع شتى على اإلنترنت، ورفعها على هواتفهم أو

حوافظ الـ«سي دي« أو الـ«يو إس بي« أو غير ذلك، بحيث

يمكنهم سماعها وهم ينجزون أعمالهم أو يقودون

سياراتهم؛ مع مراعاة أنها ليست كالقراءة المباشرة أو

الدراسة المتأنية.

ويجب التأكيد على الحرص على جودة المادة،

والبحث عن المواد التخصصية التي يقدمها أصحابها

بموضوعية وحرفية علمية، ففي اإلنترنت الغث كما

فيه السمين، وهذا يحتاج بعض الجهد في البحث،

وتحري المواد المنصوح بها.. وهذا أيضا يمكن التحقق

منه ببعض البحث عن اآلراء المتداولة عن المادة

نفسها، إن كان منصوحا بها أم غير ذلك.

هذه أفكار بسيطة يمكن للمرء القيام بها بنفسه، مع

التأكيد أنها ال تغني عن التلقي عن متخصص عارف

بدقائق العلم وتفريعاته وخباياه، أو الدراسة المتأنية

المتدرجة التي تبني حجرا على حجر.

إن على المرء نفسه واجب بناء ذاته وتنمية معارفه

وتوسيع مدارك ثقافته، فال يأل جهدا دون ذلك، وال

يقعد به الكسل عن نصرة مجتمعه بإصالح نفسه،

فإنه أقل مطلوب.

والحمد هلل رب العالمين

4

Page 5: مجلة الفجر - العدد الرابع

عبد الفتاح أبو غدة

]من كتابه: الرسول المعلم[

لقد كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من الرأفة

فق بالمتعلم، والرحمة، وترك العنت وحب اليسر، والر

والحرص عليه، وبذل العلم والخير له في كل وقت

ومناسبة: بالمكان األسمى والخلق األعلى قال اهلل

ن أنفسكم عزيز عليه ما تعالى: »لقد جاءكم رسول م

م1حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم« ]التوبة: عنت

.]128

وروى البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري، عن مالك بن

الحويرث رضي اهلل عنه، قال: »أتينا رسول اهلل صلى

اهلل عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده

عشرين ليلة، وكان رسول اهلل رحيما رفيقا، فلما ظن

أنا قد اشتقنا أهلنا، سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه،

قال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم

ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت

كم أكبركم«. ن لكم أحدكم، وليؤم الصالة، فليؤذ

وروى الترمذي في الشمائل عن عائشة رضي اهلل عنها

قالت: »ما كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يسرد

ن فصل، كسردكم هذا ولكن كان يتكلم بكالم بي

يحفظه من جلس إليه«.

وروى فيها أيضا عن أنس رضي اهلل عنه قال: »كان

رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يعيد الكلمة ثالثا

لتعقل عنه«...

وروى الترمذي في الشمائل أيضا عن الحسن بن علي،

قال: قال الحسين بن علي: سألت أبي -علي بن أبي

طالب- عن سيرة النبي صلى اهلل عليه وسلم في

جلسائه فقال: »كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم

، دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ

وال غليظ، وال صخاب، وال فحاش، وال عياب، وال مداح،

يتغافل عما ال يشتهي، وال يؤيس منه راجيه، وال يخيب

فيه.

قد ترك نفسه من ثالث: المراء، واإلكثار، وما ال يعنيه.

وترك الناس من ثالث: كان ال يذم أحدا وال يعيبه، وال

يطلب عورته، وال يتكلم إال فيما رجا ثوابه.

ير، وإذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الط

فإذا سكت تكلموا، ال يتنازعون عنده الحديث، من

تكلم عنده أنصتوا حتى يفرغ. حديثهم عنده حديث

بون ب مما يتعج لهم. يضحك مما يضحكون، ويتعج أو

منه.

ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته،

حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم. ويقول: إذا

رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه. وال يقبل الثناء إال

من مكافئ، وال يقطع على أحد حديثه حتى يجور،

فيقطعه بنهي أو قيام«.

وكان صلى اهلل عليه وسلم يعطي كل واحد من

ه من االلتفات إليه والعناية به، جلسائه وأصحابه حق

حتى يظن كل واحد منهم أنه أحب الناس إلى رسول

اهلل. روى الترمذي في الشمائل أيضا عن سيدنا علي

رضي اهلل عنه في وصفه لمجلس رسول اهلل صلى اهلل

عليه وسلم، قال: »كان يعطي كل جلسائه بنصيبه، ال

يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه«.

شخصية رسول اهلل التعليمية صلى اهلل عليه وسلم

5

Page 6: مجلة الفجر - العدد الرابع

ماذا بعد املجزرة؟

ـــن ـــاء، وال للباحث ـــة والزع ـــؤال للساس ـــذا الس ـــه ه ـــن أوج لـــأكون؟ ـــف س ـــا؟ وكي ـــن أن ـــي: م ـــأله لنف ـــن. سأس واملحلل

ـــزرة؟ ـــد املج ـــأفعل بع ـــاذا س وم

ــمي ــاذا أسـ ــزرة؟ مـ ــت املجـ ــا حدثـ ــي عندمـ ــاذا أصابنـ مـــاع... ــة، ضيـ ــب نقمـ ــى غضـ ــا؟ أسـ ــاعري بعدهـ مشـ

وبعد؟ ماذا بعد؟

بعـــد هـــذه احلالـــة التـــي ال يمكـــن وصفهـــا، يعيـــد املـــرء ــن ــأل عـ ــه، يسـ ــوده وحياتـ ــن وجـ ــرى عـ ــئلة الكـ األســـن ــى، وعـ ــب العظمـ ــذه املصائـ ــدوث هـ ــن حـ ــزى مـ املغــــد يف األرض ـــذي يفس ـــق ال ـــذا اخلل ـــود ه ـــن وج ـــة م احلكم

ــاء. ــفك الدمـ ويسـ

ـــن ـــا م ـــل فيه ـــة: »أجتع ـــألته املالئك ـــذي س ـــؤال ال ـــو الس وهيفســـد فيهـــا ويســـفك الدمـــاء...« ]البقـــرة: 30[، فأحاهلـــم ــي ــا يقـ ــه يف كل مـ ــم بحكمتـ ــه، وذكرهـ ــاىل لعلمـ اهلل تعـ

وحيكـــم.

ــم ــاىل إجيادهـ ــى اهلل تعـ ــن قـ ــر الذيـ ــن البـ ــن مـ ونحـعـــى هـــذه األرض، رأينـــا بأعيننـــا ســـفك الدمـــاء، فعرفنـــا االختبـــار الـــذي أراد اهلل تعـــاىل لنـــا أن نمـــر بـــه، وأصبـــح ـــه، ـــاء بجريمت ـــفك الدم ـــن س ـــر مل ـــل نق ـــار، ه ـــا أن نخت علينونـــرىض بطغيانـــه، ونطيعـــه ونتبـــع ســـبيله، أم نكـــون مـــن الذيـــن يســـعون يف حتقيـــق حكمـــة اخلالـــق باخلالفـــة

ــن ــن الذيـ ــون مـ ــط، ونكـ ــزان القسـ ــم ميـ يف األرض، فنقيـيصلحـــون يف األرض وال يفســـدون.

وحـــن نســـعى يف اخلالفـــة كـــا حيـــب اهلل تعـــاىل، ووفـــق ــادل ــزاء العـ ــر أن اجلـ ــا، نذكـ ــاه لنـ ــذي ارتضـ ــرع الـ الـ

ــدين. ــن واملفسـ ــن، املصلحـ ــكل العاملـ ــول لـ مكفـ

اجلـــزاء العـــادل؟ مـــا اجلـــزاء الـــذي يســـتحقه هـــؤالء ــذا ــف هـ ــتطيع وصـ ــا ال نسـ ــفاحون؟ ربـ ــون السـ املجرمـــا يســـتحقون، ــينالون مـ ــا واثقـــون أهنـــم سـ اجلـــزاء، لكننـومـــا ذكـــره اهلل تعـــاىل مـــن عـــذاب الظاملـــن هـــو لإلنـــذار والتذكـــر، أمـــا تفصيـــل ذلـــك فـــال نســـتطيع تصـــوره أو ــل: ــول جممـ ــك بقـ ــن أولئـ ــا عـ ــاىل خيرنـ ــه، واهلل تعـ وصفــــم ـــوا فله ـــم مل يتوب ـــات ث ـــن واملؤمن ـــوا املؤمن ـــن فتن »إن الذيــروج: 10[. ــق« ]الـ ــذاب احلريـ ــم عـ ــم وهلـ ــذاب جهنـ عــــا أن ـــن، وآمن ـــن الباغ ـــر م ـــة كث ـــا عقوب ـــا يف الدني ـــد رأين وق

ــب. ــاءه مغالـ ــب قضـ ــد، وال يغلـ ــزه أحـ اهلل ال يعجـ

ـــن ـــزب الذي ـــع ح ـــون م ـــا أن نك ـــد عزمن ـــنا، لق ـــود ألنفس ونعيســـعون لرضـــا اخلالـــق ســـبحانه، وإلصـــالح األرض كـــا يريـــد اهلل تعـــاىل، لكـــن بعـــد هـــذه احلـــوادث ســـنكون يف

هـــذا الطريـــق ببصـــرة أوضـــح، وإرادة أقـــوى.

كنا نتحدث عن أمهية الصر، فاختر اهلل صرنا.

ــوت ــا اهلل املـ ــوت، فأرانـ ــاف املـ ــا ال نخـ ــي أننـ ــا ندعـ وكنـــا. بأعيننـ

6

:: الفجر-خاص

Page 7: مجلة الفجر - العدد الرابع

7

ولنلمـــس احلكمـــة مـــن ذلـــك، ال بـــد أن نذكـــر أن هـــذه ـــون ـــا يك ـــمع م ـــا ويس ـــاىل، يراه ـــم اهلل تع ـــت بعل ـــوادث مت احلفيهـــا مـــن أصـــوات، واهلل تعـــاىل خيرنـــا أن مـــن حكمـــه يف ــص اهلل ــالء »ليمحـ ــدة وبـ ــن شـ ــن مـ ــب املؤمنـ ــا يصيـ مـ

الذيـــن آمنـــوا ويمحـــق الكافريـــن« ]آل عمـــران: 141[.

ـــن ـــن الذي ـــون م ـــن يثبت ـــز الذي ـــون بتميي ـــن يك ـــص املؤمن متحيـــم. ـــى أعقاهب ـــون ع ينقلب

ــى ــون عـ ــن ينقلبـ ــن الذيـ ــون مـ ــد أن نكـ ــن ال نريـ ونحـــك. ــن ذلـ ــاهلل مـ ــوذ بـ ــم، ونعـ أعقاهبـ

ـــول، ـــون مكف ـــزاء مضم ـــإن اجل ـــات، ف ـــا الثب ـــق من ـــإن حتق فواهلل حيـــب الصابريـــن، وســـيجزي اهلل الشـــاكرين.

ســـأبقى إذن مـــع املؤمنـــن، أنـــا مؤمـــن بـــاهلل تعـــاىل، راض باإلســـالم دينـــا، وبمحمـــد نبيـــا، قبـــل أن يقتـــل أحبائـــي، وبعـــد أن قتلـــوا. عـــى طريـــق الذيـــن ثبتـــوا مـــع األنبيـــاء، ـــن ـــظ الدي ـــا، بحف ـــواب الدني ـــال ث ـــم، لنن ـــاق هب ـــاء اللح ورج

ـــرة. ـــواب اآلخ ـــن ث ـــال حس ـــم لنن ـــن، ث ـــر املؤمن ون

لقـــد أصبحـــت بعـــد هـــذه احلـــوادث أرجـــو ملـــن صـــر يف ـــن ـــر الصابري ـــات، وأب ـــى الدرج ـــم أع ـــاب العظي ـــذا املص هـــل، ـــذا الفض ـــم يف ه ـــون معه ـــى أن أك ـــازل، وأمتن ـــم املن بعظيــا رب ــة، فيـ ــرار حلظـ ــاعة، وقـ ــر سـ ــاج صـ ــر حيتـ واألمـتقبـــل مـــن الصابريـــن صرهـــم، واجـــز الشـــاكرين ثـــواب

شـــكرهم.

ـــد ـــس وع ـــن، ألي ـــيمحق اهلل الكافري ـــادم، س ـــر ق ـــد اآلخ والوعاهلل؟!

ـــوا إىل ـــون أن يتحول ـــن يرض ـــود الذي ـــؤالء اجلن ـــق أن ه إين أثـــر ـــم، واألم ـــينالون عذاهب ـــم س ـــة لطاغوهت ـــال خدم ـــة أطف قتلهلل تعـــاىل يف تقديـــر كيـــف ومتـــى يكـــون ذلـــك، لكـــن اهلل ـــذاب ـــون يف ع ـــوا بفرع ـــون أحلق ـــود فرع ـــا أن جن ـــاىل أعلمن تع

ـــرة: ـــذاب اآلخ ـــا وع الدني

»واســـتكر هـــو وجنـــوده يف األرض بغـــر احلـــق وظنـــوا أهنـــم إلينـــا ال يرجعـــون، فأخذنـــاه وجنـــوده فنبذناهـــم يف ـــة ـــم أئم ـــن، وجعلناه ـــة الظامل ـــف كان عاقب ـــر كي ـــم فانظ الييدعـــون إىل النـــار ويـــوم القيامـــة ال ينـــرون، وأتبعناهـــم يف هـــذه الدنيـــا لعنـــة ويـــوم القيامـــة هـــم مـــن املقبوحـــن«

]القصـــص: 42-39[.

وماذا بعد؟

ـــاد ـــعى جله ـــن، سأس ـــع املؤمن ـــى م ـــر ألبق ـــاين اهلل الص إن أعطـــى، ـــزم أم ـــتضعفن بع ـــأنر املس ـــد، وس ـــوة أش ـــن بق الظاملـــال ـــادي ف ـــدد اجته ـــدا، وسأس ـــل أب ـــال أتثاق ـــأقوي إراديت ف سأكـــرر أخطائـــي، وســـأخلص نصيحتـــي ألثبـــت املؤمنـــن،

ـــن. ـــع العامل وأمج

واهلل مع الصابرين.

« ماذا بعد المجزرة ؟

Page 8: مجلة الفجر - العدد الرابع

8

األخــوة:: محمد الشامي

ـــن، ـــذل الكافري ـــن وم ـــارص املؤمن ـــن، ن ـــد هلل رب العامل احلماحلمـــد هلل عـــى نعمـــة اإلســـالم وعـــى نعمـــة األخـــوة يف ــن ــة للعاملـ ــوث رمحـ ــى املبعـ ــلم عـ ــي وأسـ ــن وأصـ الديـــول رب ــى رسـ ــد املصطفـ ــا حممـ ــا وحبيبنـ ــيدنا وقدوتنـ ســـار ــن سـ ــاب ومـ ــى اآلل واألزواج واألصحـ ــن وعـ العاملـ

هبديـــه إىل يـــوم الديـــن.ـــروا ـــال: »واذك ـــن فق ـــوة يف الدي ـــا باألخ ـــاىل علين ـــن اهلل تع امتـــف بـــن قلوبكـــم نعمـــت اهلل عليكـــم إذ كنتـــم أعـــداء فألفأصبحتـــم بنعمتـــه إخوانـــا وكنتـــم عـــى شـــفا حفـــرة مـــن

ــار فأنقذكـــم منهـــا« ]آل عمـــران: 103[ النــــه وســـلم: »الديـــن النصيحـــة« وقـــال رســـول اهلل صـــى اهلل عليـــوله، ـــه، ولرس ـــال: »هلل ولكتاب ـــول اهلل؟ ق ـــا رس ـــن ي ـــا: مل قلن

ـــلم[. ـــم« ]مس ـــلمن، وعامته ـــة املس وألئمـــم ـــم بأهن ـــلمن، ويتهمه ـــراض املس ـــج يف أع ـــاس يل ـــض الن بعــم ــة أو أهنـ ــض اللباقـ ــون بعـ ــة أو جيهلـ ــنون النظافـ ال حيسـجيهلـــون فـــروع الديـــن؛ والنيـــل مـــن أعـــراض املســـلمن ـــلم ـــه وس ـــى اهلل علي ـــي ص ـــنة النب ـــه س ـــس علي ـــر ولي ـــر خط أمالـــذي قـــال: »املســـلم مـــن ســـلم املســـلمون مـــن لســـانه ـــيخان[. ـــه« ]الش ـــى اهلل عن ـــا هن ـــر م ـــن هج ـــر م ـــده واملهاج وي

ـــر ـــى س ـــا ع ـــا، وحثن ـــاها دين ـــة وس ـــذل النصيح ـــا بب وأمرناملســـلم وإعانتـــه والتبســـم يف وجهـــه...

ويف ذلك أوضح ما يي:طـــاف النبـــي صـــى اهلل عليـــه وســـلم بالكعبـــة يومـــا ثـــم ـــم ـــك وأعظ ـــا أعظم ـــك، وم ـــب رحي ـــك وأطي ـــا أطيب ـــال: »م قـــم ـــن أعظ ـــة املؤم ـــده حلرم ـــد بي ـــس حمم ـــذي نف ـــك، وال حرمتعنـــد اهلل حرمـــة منـــك، دمـــه ومالـــه، وأن ال يظـــن بـــه إال

ـــه[. ـــن ماج ـــرا« ]اب خوأموالكـــم دماءكـــم »إن : الـــوداع خطبـــة يف وقـــال وأعراضكـــم حـــرام عليكـــم كحرمـــة يومكـــم هـــذا يف ـــيخان[. ـــل بلغت«]الش ـــذا، أال ه ـــم ه ـــذا يف بلدك ـــهركم ه شـــرض ـــوغ يف ع ـــث »أن الول ـــذا احلدي ـــووي يف رشح ه ـــل الن نقـــا ـــال، ومه ـــدم وامل ـــة ال ـــه بحرم ـــر القران ـــن الكبائ ـــلم م املسمـــن الكبائـــر وكذلـــك لعظـــم حرمـــة البلـــد احلـــرام التـــي مثـــل النبـــي صـــى اهلل عليـــه وســـلم هبـــا حرمـــة عـــرض

املســـلم«.ـــمل ـــل يش ـــب ب ـــرف فحس ـــي ال ـــا ال يعن ـــلم هن ـــرض املس وع

ـــه.. ـــص من ـــا ينتق كل م

Page 9: مجلة الفجر - العدد الرابع

9

ــى اهلل ــول اهلل صـ ــه أن رسـ ــرة ريض اهلل عنـ ــن أيب هريـ وعـعليـــه و ســـلم قـــال: »إياكـــم والظـــن فـــإن الظـــن أكـــذب احلديـــث، وال حتسســـوا وال جتسســـوا وال تنافســـوا وال ــاد اهلل ــوا عبـ ــروا، وكونـ ــوا وال تدابـ ــدوا وال تباغضـ حتاسـإخوانـــا كـــا أمركـــم، املســـلم أخـــو املســـلم ال يظلمـــه وال خيذلـــه وال حيقـــره، التقـــوى ههنـــا التقـــوى ههنـــا التقـــوى ـــر أن ـــن ال ـــرئ م ـــب ام ـــدره( بحس ـــار إىل ص ـــا، )وأش ههنـــه ـــرام دم ـــلم ح ـــى املس ـــلم ع ـــلم، كل املس ـــاه املس ـــر أخ حيق

ــيخان[. ــه« ]الشـ ــه ومالـ وعرضـويقـــول اإلمـــام النـــووي رمحـــه اهلل: »ال حيقـــره بمعنـــى ال يظـــن أنـــه خـــر مـــن أخيـــه، بـــل يظـــن أن أخـــاه املســـلم

خـــر منـــه أو ال يظـــن شـــيئا«.وفيهـــا يقـــول أيضـــا -رمحـــه اهلل- عنـــد رشحـــه للحديـــث ــرب« ــه باحلـ ــد آذنتـ ــا فقـ ــادى يل وليـ ــن عـ ــديس: »مـ القـ]البخـــاري[: »املـــراد بالـــويل هنـــا املؤمـــن )اهلل ويل الذيـــن ـــه ـــه اهلل أن ـــه اهلل أي: أعلم ـــد آذن ـــا فق ـــن آذى مؤمن ـــوا( فم آمنـــذر ـــه، فليح ـــد أهلك ـــارب العب ـــاىل إذا ح ـــه، واهلل تع ـــارب ل حم

اإلنســـان مـــن التعـــرض لـــكل مســـلم«.ــلم إىل أن كـــال ــه وسـ ــار النبـــي صـــى اهلل عليـ ــد أشـ ولقــــن ـــال: »ال يؤم ـــلمن، فق ـــب للمس ـــون إال باحل ـــان ال يك اإليـــيخان[. ـــه« ]الش ـــب لنفس ـــا حي ـــه م ـــب ألخي ـــى حي ـــم حت أحدكــى اهلل ــة إذا قـ ــن وال مؤمنـ ــا كان ملؤمـ ــاىل: »ومـ ــال تعـ قـة مـــن أمرهـــم ومـــن ـــر ورســـوله أمـــرا أن يكـــون هلـــم اخلـــزاب: ـــا« ]األح ـــالال مبين ـــل ض ـــد ض ـــوله فق ـــص اهلل ورس يع

.]36فهـــذا أمـــر اهلل تعـــاىل وهـــدي نبينـــا حممـــد صـــى اهلل عليـــه ـــريض اهلل؟ ـــا ي ـــا م ـــل اخرن ـــه فه ـــاء ب ـــا ج ـــذا م ـــلم، وه وس

ثـــم إن األخـــوة يف اإلســـالم أخـــوة عقيـــدة وأخـــوة ديـــن

ــن ــوا بـ ــوة فأصلحـ ــون أخـ ــا املؤمنـ ــب »إنـ ــوة نسـ ال أخـأخويكـــم واتقـــوا اهلل لعلكـــم ترمحـــون« ]احلجـــرات: 10[.

ـــلم، ـــو أخ للمس ـــس ه ـــان أو جن ـــون أو لس ـــن أي ل ـــلم م فاملســـن ـــوة إذا مل يك ـــك األخ ـــه تل ـــت ل ـــرة ليس ـــد والعش ـــن البل وابـــى ـــا دل ع ـــواها. ك ـــا س ـــى م ـــدم ع ـــن تق ـــوة الدي ـــلا، فأخ مســـي ـــن النب ـــم يف زم ـــوان اهلل عليه ـــة رض ـــل الصحاب ـــك فع ذلصـــى اهلل عليـــه وســـلم. ونحـــن املســـلمن يف زماننـــا هـــذا ـــن ـــا م ـــا أعداؤن ـــي مزقه ـــوة الت ـــذه األخ ـــق ه ـــاج إىل حتقي نحت

ـــم. ـــارى وغره ـــود ونص هيـــى ـــر حت ـــاهلل والكف ـــان ب ـــن اإلي ـــرق ب ـــدرك الف ـــب أن ن وجيـــه ـــاء إن ـــد العل ـــال أح ـــوة، ق ـــذه األخ ـــل ه ـــتطيع أن نتمث نسعندمـــا زار بلـــدا فيـــه مـــن عبـــاد الوثـــن والصنـــم والبقـــر ـــدس ـــد املهن ـــال: »جت ـــم، ق ـــض معابده ـــاهد بع ـــب وش فذهأنيـــق املظهـــر مجيـــل املطلـــع يعبـــد البقـــر ويقـــدس روثـــه ويتمســـح فيـــه وجيعـــل روث البقـــر يف طعامـــه ورشابـــه«، جتـــده ال يســـتخدم مـــا أعطـــاه اهلل مـــن العقـــل والفهـــم والفطـــرة

ثـــم يضـــل هـــذا الضـــالل البعيـــد..ـــرة ـــب والن ـــق باحل ـــب احل ـــو صاح ـــلم ه ـــك أن املس ال شـــتقيم ـــى يس ـــم حت ـــه بالتعلي ـــر ل ـــة وإرادة اخل ـــذل النصيح وب

ـــره.. ـــائر أم ـــه وس ـــره و مطلع ـــأن مظه ش

« األخوة

Page 10: مجلة الفجر - العدد الرابع

ـــم ـــى التعلي ـــن ع ـــن والقائم ـــاظ واملدرس ـــن احلف ـــاج م ونحتوالربيـــة أن يكونـــوا مثـــاال التبـــاع هـــدي حممـــد صـــى اهلل عليـــه وســـلم، وأن تكـــون جمالســـهم منـــرا للتآخـــي يف اهلل ــاد ــح واإلرشـ ــا وللنصـ ــم بعضـ ــلمن بعضهـ ــب املسـ وحلـ

والتوجيـــه والتثقيـــف وتعليـــم األخـــوة للناشـــئة.ـــلم، ـــع املس ـــص املجتم ـــن خصائ ـــول: م ـــر أق ـــح أكث ولتوضيـــن ـــدة، وم ـــن و العقي ـــة الدي ـــة برابط ـــالمية املوثق ـــوة اإلس األخـــدم ـــا ق ـــلم حين ـــه وس ـــى اهلل علي ـــي ص ـــه النب ـــام ب ـــا ق أول مـــاة ـــك املؤاخ ـــار تل ـــن واألنص ـــن املهاجري ـــى ب ـــة أن آخ املدين

ـــلمن. ـــر املس ـــد غ ـــل عن ـــخ مثي ـــا يف التاري ـــن هل ـــي مل يك التـــة ـــان، مبني ـــار اإلي ـــن ث ـــرة م ـــي ثم ـــي ه ـــوة الت ـــذه األخ وهـــعارا ـــس ش ـــاء لي ـــذا اإلخ ـــوله. وه ـــوالء هلل ورس ـــدأ ال ـــى مب عـــا ـــا متزيقه ـــلمون، وأراد أعداؤن ـــها املس ـــة عاش ـــة ثابت ـــل حقيق بـــا ـــدم؛ ف ـــال وال ـــي بامل ـــوة نضح ـــذه األخ ـــبل، وهل ـــتى الس بشالـــذي يوجـــب تضامـــن املســـلمن للدفـــاع عـــن كل أرض ـــة ـــذا صل ـــراء، وك ـــم للفق ـــاء زكاة ماهل ـــع األغني ـــالمية، ودف إســر ــة، غـ ــاالت كافـ ــط يف املجـ ــاون والرابـ ــام والتعـ األرحــــة ـــة اللغ ـــن رابط ـــق م ـــي أوث ـــي ه ـــة والت ـــة املوثق ـــذه الرابط ه

واألرض والعشـــرة. ـــذوا ـــوا ال تتخ ـــن آمن ـــا الذي ـــا أهي ـــل: »ي ـــز وج ـــوىل ع ـــال امل وقـــدة: ـــض« ]املائ ـــاء بع ـــم أولي ـــاء بعضه ـــارى أولي ـــود والنص اليهـــن ذي ـــوله وال ـــم اهلل ورس ـــا وليك ـــل: »إن ـــز وج ـــال ع 51[. وقــم كاة وهـ ــز ــون الـ ــالة ويؤتـ ـ ــون الص ــن يقيمـ ذيـ ــوا ال آمنـذيـــن آمنـــوا فـــإن راكعـــون، ومـــن يتـــول اهلل ورســـوله وال

حـــزب اهلل هـــم الغالبـــون« ]املائـــدة: 55, 56[.ــوله ــرة هلل ولرسـ ــاع والنـ ــب واالتبـ ــو احلـ ــوالء: هـ والـ

وللمؤمنـــن. والـــراء: هـــو البغـــض والتخـــي ومعـــاداة الكافريـــن

واملنافقـــن.. واملركـــن

وحـــري بنـــا أن نقـــف عنـــد قـــول النبـــي صـــى اهلل عليـــه وســـلم : »أوثـــق عـــرى اإليـــان احلـــب يف اهلل والبغـــض يف

ــد[. اهلل« ]أمحـفلنراجـــع أنفســـنا وخاصـــة املشـــتغلن بالتعليـــم، ولنجعـــل ـــم ـــم وتعليمه ـــلمن ونرهت ـــب املس ـــرا حل ـــنا من ـــن دروس ممـــا جهلـــوا وبـــذل النصيحـــة هلـــم وفـــق هـــدي املصطفـــى ـــوض ـــدم اخل ـــأهنم وع ـــام لش ـــلم واالهت ـــه وس ـــى اهلل علي ص

يف أعراضهـــم.وأختـــم بقـــول املصطفـــى صـــى اهلل عليـــه وســـلم: »ال تدخلـــوا اجلنـــة حتـــى تؤمنـــوا، وال تؤمنـــوا حتـــى حتابـــوا، ـــالم ـــوا الس ـــم؟ أفش ـــوه حتاببت ـــى يشء إذا فعلتم ـــم ع أوال أدلك

بينكـــم« ]مســـلم[.ـــلم ـــل وس ـــم.. وص ـــميع العلي ـــت الس ـــك أن ـــا إن ـــل من ـــا تقب ربنعـــى ســـيدنا حممـــد إمـــام املرســـلن، واغفـــر يل ولوالـــدي ـــر ـــات.. وآخ ـــن واملؤمن ـــا وللمؤمن ـــي مؤمن ـــل بيت ـــن دخ ومل

دعوانـــا أن احلمـــد هلل رب العاملـــن.

ـــم ـــب بعضك ـــال: »وال يغت ـــة فق ـــن الغيب ـــاىل ع ـــا اهلل تع هنان *

بعضـــا أحيـــب أحدكـــم أن يـــأكل حلـــم أخيـــه ميتـــا فكرهتمـــوه« ]احلجـــرات: 12[ قـــال ابـــن كثـــر: »وقـــد فرسهـــا رســـول اهلل ـــذي[.. ـــره« ]الرم ـــا يك ـــاك ب ـــرك أخ ـــلم: »ذك ـــه وس ـــى اهلل علي صـــم ـــأكل اللح ـــبهها ب ـــذا ش ـــد وهل ـــر األكي ـــة الزج ـــد ورد يف الغيب وق

مـــن اإلنســـان امليـــت للتنفـــر عنهـــا والتحذيـــر منهـــا«.

« األخوة

10

Page 11: مجلة الفجر - العدد الرابع

»العلـــم ال يتعـــارض مـــع اإليـــان« هـــذا قـــول صحيـــح، لكنـــه

ــس ــان يف النفـ ــم واإليـ ــن العلـ ــة بـ ــم العالقـ ــر كاف لفهـ غـ

ـــم ـــرآن الكري ـــان يف الق ـــم واإلي ـــي العل ـــر يف مفهوم ـــة. والنظ املؤمن

يظهـــر أن الرابـــط بينهـــا ليســـت غايتـــه عـــدم التعـــارض، إنـــا

هنـــاك أوجـــه مـــن االتســـاق والتفاعـــل والتداخـــل.

وســـنحاول يف هـــذا املقـــام اســـتخالص بعـــض اإلضـــاءات

ــذا املوضـــوع مـــن خـــالل النظـــر يف ســـورة ذكـــر ــة هبـ املتصلـ

ـــروم، ـــورة ال ـــي س ـــا، وه ـــدة منه ـــع عدي ـــوع يف مواض ـــذا املوض ه

ـــا ـــن أن تدلن ـــي يمك ـــؤرشات الت ـــارات وامل ـــض اإلش ـــنذكر بع وس

عليهـــا هـــذه الســـورة الكريمـــة.

ـــاىل يف ـــات اهلل تع ـــر آي ـــة ذك ـــورة الكريم ـــذه الس ـــرر يف ه ـــد تك لق

النفـــس، واملجتمـــع، والكـــون. ومـــن اخلصائـــص املالحظـــة يف

ـــتمرة ـــات املس ـــى اآلي ـــح ع ـــا الواض ـــات تأكيده ـــذه اآلي ـــا هل عرضه

ـــة يف ـــة بالســـنن اإلهلي ـــا، أي املتصل ـــاة الدني يف احلـــدوث يف هـــذه احلي

ـــه ـــن آيات ـــاىل: »وم ـــول اهلل تع ـــال ق ـــك مث ـــن ذل ـــر، م ـــق والتدب اخلل

أن يرســـل الريـــاح مبـــرات وليذيقكـــم مـــن رمحتـــه ولتجـــري

ـــد ـــكرون، ولق ـــم تش ـــه ولعلك ـــن فضل ـــوا م ـــره ولتبتغ ـــك بأم الفل

ــات ــم بالبينـ ــم فجاؤوهـ ــال إىل قومهـ ــك رسـ ــن قبلـ ــلنا مـ أرسـ

ـــن« ـــر املؤمن ـــا ن ـــا علين ـــوا وكان حق ـــن أجرم ـــن الذي ـــا م فانتقمن

]الـــروم: 47-46[.

ومـــن الـــدالالت الواضحـــة هلـــذا التأكيـــد واإلثـــارة الدائمـــة

ـــة ـــنة القائم ـــن الس ـــر أن كال م ـــنن أن نتذك ـــل بالس ـــر املتص للتفك

ـــد اهلل ـــن عن ـــا، م ـــدث بخرقه ـــد حت ـــي ق ـــزة الت ـــق، واملعج يف اخلل

ـــل هـــذا اإليـــان، فـــإن اإلنســـان تعـــاىل وبأمـــره، وعندمـــا يفع

ـــر ـــع كل تغي ـــق اهلل م ـــن خل ـــاىل وحس ـــة اهلل تع ـــار رمح ـــرى آث س

حيـــدث بجريـــان هـــذه الســـنن واطرادهـــا.

ـــم، ـــد العل ـــان ويزي ـــوي اإلي ـــنن يق ـــر إىل الس ـــج يف النظ ـــذا املنه وه

فيصبـــح العلـــم أكثـــر عمقـــا، ليـــس علـــا بظاهـــر مـــن احليـــاة الدنيـــا

ـــذا ـــرة هل ـــببا وثم ـــيخه س ـــان وترس ـــادة اإلي ـــح زي ـــب، وتصب فحس

ـــم. العل

ـــة ـــن املوضوعي ـــح م ـــم الصحي ـــات العل ـــج متطلب ـــذا املنه ـــق ه وحيق

والتجـــرد والبعـــد عـــن التحيـــز املضـــل واالنتقائيـــة يف النظـــرة،

ـــذه ـــاىل يف ه ـــره اهلل تع ـــذي ذك ـــف ال ـــر يف الوص ـــك يظه ـــل ذل ولع

الذين أوتو ا العلم واإليمان

:: عامر الغضبان

11

Page 12: مجلة الفجر - العدد الرابع

ـــم إذا ـــه ث ـــن إلي ـــم منيب ـــوا رهب ـــاس رض دع ـــس الن ـــات: »وإذا م اآلي

ـــروا ـــون، ليكف ـــم يرك ـــم برهب ـــق منه ـــة إذا فري ـــه رمح ـــم من أذاقه

ــم ــا عليهـ ــون، أم أنزلنـ ــوف تعلمـ ــوا فسـ ــم فتمتعـ ــا آتيناهـ بـ

ـــاس ـــا الن ـــون، وإذا أذقن ـــه يرك ـــوا ب ـــا كان ـــم ب ـــو يتكل ـــلطانا فه س

ـــم ـــم إذا ه ـــت أيدهي ـــا قدم ـــيئة ب ـــم س ـــا وإن تصبه ـــوا هب ـــة فرح رمح

ـــدر إن يف ـــاء ويق ـــن يش ـــرزق مل ـــط ال ـــروا أن اهلل يبس ـــون، أومل ي يقنط

ـــروم: 37-33[. ـــون« ]ال ـــوم يؤمن ـــات لق ـــك آلي ذل

ـــور ـــون بالقص ـــن يتصف ـــاس الذي ـــن الن ـــات ع ـــذه اآلي ـــدث ه تتح

ــم ــداث عليهـ ــرات األحـ ــع تغيـ ــم مـ ــان، فهـ ــم واإليـ يف العلـ

ـــون، ـــا ال يملك ـــرح ب ـــوط، أو يف الف ـــرك أو يف القن ـــون يف ال يقع

ولـــو كانـــوا صادقـــن يف بحثهـــم عـــن ســـنن هـــذه التغيـــرات،

وقاصديـــن لالســـتدالل عـــى النظـــرة املحيطـــة والعميقـــة، ملـــا

ـــان ـــن اإلي ـــدوا ع ـــا ابتع ـــم، ومل ـــالالت يف العل ـــذه الض ـــوا يف ه وقع

ـــا ـــات اهلل موقف ـــن آي ـــراض ع ـــف اإلع ـــون موق ـــذا يك ـــق. وهك باحل

ـــق، ـــاب احل ـــيؤدي إىل غي ـــه س ـــا، ألن ـــم مع ـــان والعل ـــادا لإلي مض

ـــه. ـــة إلي ـــائل املوصل ـــاب الوس وغي

ـــق ـــمول والعم ـــب الش ـــا مطل ـــان أيض ـــم واإلي ـــج العل ـــق منه وحيق

يف النظـــر، ولعـــل مـــن أوضـــح مظاهـــر ذلـــك الربـــط الـــذي

ـــون، ـــع، وبالك ـــان، وباملجتم ـــة باإلنس ـــوم املرتبط ـــن العل ـــوم ب يق

واتصاهلـــا كلهـــا يف العقـــل املؤمـــن بـــإرادة اهلل تعـــاىل وحكمتـــه،

ـــهم ـــروا يف أنفس ـــاىل: »أومل يتفك ـــه تع ـــح يف قول ـــك واض ـــل ذل ولع

ـــل ـــق وأج ـــا إال باحل ـــا بينه ـــاوات واألرض وم ـــق اهلل الس ـــا خل م

ـــروم: ـــرون« ]ال ـــم لكاف ـــاء رهب ـــاس بلق ـــن الن ـــرا م ـــمى وإن كث مس

ــات ــرض اآليـ ــي تعـ ــة التـ ــات القرآنيـ ــك يف اآليـ 86[. وكذلـ

ـــه ـــون، ول ـــن تصبح ـــون وح ـــن متس ـــبحان اهلل ح ـــة : »فس الكوني

ـــرج ـــرون، خي ـــن تظه ـــيا وح ـــاوات واألرض وعش ـــد يف الس احلم

ـــد ـــي األرض بع ـــي وحيي ـــن احل ـــت م ـــرج املي ـــت وخي ـــن املي ـــي م احل

موهتـــا وكذلـــك خترجـــون«... اآليـــات إىل قولـــه تعـــاىل: »ومـــن

آياتـــه أن تقـــوم الســـاء واألرض بأمـــره ثـــم إذا دعاكـــم دعـــوة

مـــن األرض إذا أنتـــم خترجـــون« ]الـــروم: 25-17[.

ــدة ــائل عديـ ــن رسـ ــان يتضمـ ــم واإليـ ــم للعلـ ــذا الفهـ إن هـ

ـــه، ـــا يف تربيت ـــات وأهداف ـــر غاي ـــتحق أن تعت ـــي تس ـــان، وه لإلنس

ــار ــاىل وآثـ ــق اهلل تعـ ــن خلـ ــن حسـ ــث عـ ــور بالبحـ ــو مأمـ فهـ

رمحتـــه يف كل تغـــر وتقلـــب يف الكـــون، وهـــو مأمـــور باإلنابـــة

ـــعر ـــع اهلل ويش ـــرى صن ـــا ي ـــراض عندم ـــدم اإلع ـــتجابة وع واالس

عظمـــة اهلل يف خلقـــه وتدبـــره، وهـــو مأمـــور بتحـــري العـــدل

ـــاس ـــع الن ـــه م ـــع نفس ـــه م ـــره وتعامل ـــاف يف نظ ـــزام باإلنص وااللت

ـــة ـــه وتقوي ـــادة علم ـــه لزي ـــيع معرفت ـــور بتوس ـــو مأم ـــون، وه والك

إيانـــه.

ــم ــتندا إىل العلـ ــدى، مسـ ــق اهلـ ــان طريـ ــار اإلنسـ ــن خيتـ وحـ

ـــم ـــن القي ـــى الدي ـــه ع ـــة، ويثبت ـــن الضالل ـــيحفظه اهلل م ـــان س واإلي

ـــاه ـــه إذ نج ـــاىل علي ـــل اهلل تع ـــا بفض ـــة فرح ـــوم القيام ـــأيت ي إىل أن ي

مـــن الضـــالل يف الدنيـــا، واهلـــالك يف اآلخـــرة: »ويـــوم تقـــوم

ـــوا ـــك كان ـــاعة كذل ـــر س ـــوا غ ـــا لبث ـــون م ـــم املجرم ـــاعة يقس الس

يؤفكـــون، وقـــال الذيـــن أوتـــوا العلـــم واإليـــان لقـــد لبثتـــم يف

ـــم ال ـــم كنت ـــث ولكنك ـــوم البع ـــذا ي ـــث فه ـــوم البع ـــاب اهلل إىل ي كت

تعلمـــون« ]الـــروم 56-55[.

« الذين أوتوا العلم واإليمان

12

Page 13: مجلة الفجر - العدد الرابع

ـــخ ـــر التاري ـــى م ـــن ع ـــم والدي ـــكالية العل ـــت إش كانـــاء ـــات العل ـــا يف نقاش ـــا متقدم ـــل موقع ـــت حتت وال زالـــض، ـــريف نقي ـــى ط ـــا ع ـــل إهن ـــن قائ ـــفة، فم والفالســا ــاء وتبنيهـ ــع العلـ ــة مـ ــراع الكنيسـ ــتدال بـ مســــل ـــا؛ وقائ ـــع خطؤه ـــل القاط ـــت بالدلي ـــات ثب خلرافإهنـــا صنـــوان ال يصطدمـــان، وذلـــك بالنظـــر إىل أن ـــع ـــن صن ـــا م ـــدو كوهن ـــة ال تع ـــه الثابت ـــم وحقائق العلــن ــرج عـ ــي ال خيـ ــص الدينـ ــره، وأن النـ اهلل وتدبــــم ـــدر العل ـــإذا كان مص ـــبحانه، ف ـــه س ـــا من ـــه وحي كون

والديـــن واحـــدا فأنـــى يصطدمـــان؟

وعـــى الرغـــم مـــن ظهـــور بطـــالن قـــول الفريـــق ــرد ــن الـ ــن مـ ــاين مل يتمكـ ــق الثـ ــإن الفريـ األول، فـعـــى كل مـــا أورده الفالســـفة وعلـــاء الطبيعـــة ردا ـــم ـــك الوه ـــف وال ذل ـــذا الضع ـــأ ه ـــا منش ـــافيا، وم شإال يف اخللـــط بـــن احلقيقـــة املطلقـــة، والتـــي ال ـــاره ـــي باعتب ـــق الوح ـــن طري ـــا إال ع ـــم هب ـــى العل يتأتـــدود ـــه املح ـــارص يف علوم ـــان الق ـــن اإلنس ـــطة ب الواسيف وســـائله، و مـــواله العـــامل مطلـــق العلـــم، خالـــق ـــة يف ـــبية املتمثل ـــة النس ـــن احلقيق ـــره، وب ـــون ومدب الكـــم ـــم القدي ـــفات العل ـــة ومكتش ـــن الطبيع ـــة قوان مجل

ـــي ـــي الت ـــج التجريب ـــج املنه ـــا نتائ ـــث باعتباره واحلديــام األول، ــص يف املقـ ــتقراء الناقـ ــى االسـ ــي عـ تنبنـــال ــم بـ ــد العلـ ــتقراء يفيـ ــن االسـ ــوع مـ ــذا النـ وهـ

شـــك ولكنـــه ال يفيـــد الشـــمول املطلـــق.

ـــا ـــفة قدي ـــة والفالس ـــاء الطبيع ـــكل عل ـــا استش ولطاملـــى ـــرد ع ـــي املج ـــل العلم ـــام الدلي ـــدم قي ـــا ع وحديثــا ــارة، وتعارضهـ ــة تـ ــوص الدينيـ ــادات النصـ مفــــا ـــأن م ـــم ب ـــق حيك ـــل الدقي ـــن التأم ـــرى، ولك ـــارة أخ تـــن ـــات الدي ـــى إثب ـــدرة ع ـــدم الق ـــن ع ـــكلوه م استشـــقط ـــا ال يس ـــزا معرفي ـــس إال عج ـــض لي ـــم املح بالعلـــس ـــوم فلي ـــارض املزع ـــا التع ـــان، أم ـــات اإلي مقتضيـــراق ـــق، واف ـــد التحقي ـــري عن ـــو ظاه ـــل ه ـــا، ب حقيقيـــام ـــك اإلم ـــن ذل ـــا ب ـــر، ك ـــس أكث ـــر لي ـــرة النظ يف دائحســـن البنـــا يف قولـــه: »وقـــد يتنـــاول كل مـــن النظـــر الرعـــي والنظـــر العقـــي مـــا ال يدخـــل يف ـــن ـــي فل ـــا يف القطع ـــن خيتلف ـــا ل ـــر ولكنه ـــرة اآلخ دائـــة ـــدة رشعي ـــة بقاع ـــة صحيح ـــة علمي ـــدم حقيق تصطثابتـــة، ويـــؤول الظنـــي منهـــا ليتفـــق مـــع القطعـــي, فـــإن كانـــا ظنيـــن فالنظـــر الرعـــي أوىل باالتبـــاع

حتـــى يثبـــت العقـــي أو ينهـــار«.

:: إبراهيم العلبي

13

Page 14: مجلة الفجر - العدد الرابع

ـــة وســـائله ـــم و حمدودي ـــه العل ـــا يثبت ـــإن نســـبية م إذن، فـــا يف ـــذ هب ـــقط األخ ـــه ال تس ـــا حقائق ـــتقي منه ـــي يس التـــا ـــك -ك ـــارض ذل ـــا، وال يتع ـــاء عليه ـــا والبن مواضعهـــوص ـــه نص ـــا أثبتت ـــكل م ـــق ب ـــان املطل ـــع اإلي ـــا- م بين

ـــا. ـــا ظاهري ـــو تعارض ـــي، ول الوح

وهـــذا مثـــال تطبيقـــي رسيـــع ربـــا جيســـد الفكـــرة ـــف ـــة تص ـــة القرآني ـــح: اآلي ـــكل أوض ـــا بش ويرحهالعســـل بأنـــه »فيـــه شـــفاء للنـــاس« ]النحـــل: 69[، و ملـــا أتـــى أحدهـــم رســـول اهلل صـــى اهلل عليـــه و ســـلم وأخـــره بـــأن أخـــاه يعـــاين مـــن أمل يف بطنـــه ــال باآليـــة ــاه العســـل، عمـ أمـــره بـــأن يســـقي أخـالكريمـــة، ففعـــل فـــزاد أملـــه، فأخـــر النبـــي فأمـــره ـــه ـــزاد أمل ـــل ف ـــرى، ففع ـــرة أخ ـــل م ـــقيه العس ـــأن يس بـــقي ـــره بس ـــرر أم ـــي فك ـــر النب ـــه، فأخ ـــال رصاخ وعالعســـل، فلـــم يفلـــح يف ختفيـــف األمل فقـــال النبـــي ـــن ـــذب بط ـــدق اهلل و ك ـــلم: »ص ـــه وس ـــى اهلل علي صــقاه ــاري[ فسـ ــن العســـل« ]البخـ ــقه مـ أخيـــك اسـ

الرابعـــة فـــرأ.

يقـــول مـــن حلـــل احلادثـــة مـــن زاويـــة طبيـــة: كان املريـــض يعـــاين مـــن قرحـــة يف املعـــدة، فلـــا رشب ــأمل، ــرح فتـ ــج القـ ــرة األوىل هتيـ ــل يف املـ ــن العسـ مــــيدية ـــواد األس ـــرح بامل ـــوى الق ـــة اكت ـــا رشب الثاني وملـــي ـــن الك ـــازداد األمل م ـــل ف ـــا العس ـــوي عليه ـــي حيت التـــر يشء ـــن األم ـــر م ـــة مل يتغ ـــا رشب الثالث ـــك، ومل كذلـــكان ـــة ف ـــرب الرابع ـــت، ف ـــض الوق ـــى بع ـــى م حتـــا. ـــك متام ـــر ذل ـــرأ إث ـــايف ف ـــة التع ـــن مرحل ـــا م قريب

وهكـــذا، فاحلقيقـــة العلميـــة، والتـــي تـــم الوصـــول ـــور ـــال املذك ـــي يف املث ـــة، وه ـــالل التجرب ـــن خ ـــا م إليهــن ــة مـ ــل، حقيقيـ ــد رشب العسـ ــف األمل بعـ تضاعـــة ــان، وظنيـ ــرة للعيـ ــاهدة وظاهـ ــا مشـ ــة ألهنـ جهـنســـبية ال يمكـــن القيـــاس عليهـــا دائـــا مـــن جهـــة ـــا ـــة و ظروفه ـــك التجرب ـــة تل ـــبب حمدودي ـــرى بس أخــة ــرت نتيجـ ــي تغـ ــا، والتـ ــت يف إطارهـ ــي متـ التـــة إذن ال ترقـــى ــة التجربـ ــا، فنتيجـ ــة بتغرهـ التجربــــة ـــف يف أي ـــة ال تتخل ـــة قطعي ـــق علمي ـــون حقائ ألن تك

ظـــروف مهـــا كانـــت اســـتثنائية أو خاصـــة.

وال بـــد ختامـــا مـــن التنويـــه إىل أن الديـــن املقصـــود ـــكان، ـــان وم ـــه يف كل زم ـــى ب ـــن اهلل املوح ـــو دي ـــا ه هنبعيـــدا عـــن كل التحريفـــات التـــي طـــرأت عليـــه، نصـــا أو فهـــا، فـــإن معظـــم مـــا استشـــكل قديـــا ــارض ــل تعـ ــن قبيـ ــة كان مـ ــذه القضيـ ــار هـ يف إطـاخلرافـــات أو النظريـــات العلميـــة التـــي تبنتهـــا ـــا ـــق هب ـــان املطل ـــى اإلي ـــا ع ـــت رعاياه ـــة ومحل الكنيســـن، ـــن الزم ـــرة م ـــك الف ـــاء يف تل ـــفات العل ـــع مكتش مـــك ـــا تل ـــت هل ـــات وتداع ـــك النظري ـــت تل ـــي نقض والتـــن ـــر م ـــعر اخلط ـــة تستش ـــل الكنيس ـــا جع ـــات، مم اخلرافالعلـــم وتصادمـــه احلتمـــي مـــع الديـــن )املوهـــوم( ـــس ـــوري املناف ـــق الص ـــج للمنط ـــف بالروي ـــم تكت فلالتعذيـــب مارســـت بـــل التجريبـــي، للمنطـــق واإلقصـــاء واالســـتئصال بحـــق معارضيهـــا وعـــى ــألة ــزال املسـ ــون، وال تـ ــاء التجريبيـ ــهم العلـ رأسـ

بحاجـــة إىل املزيـــد مـــن النظـــر والتأمـــل.

« العلم والدين وإشكال التعارض

14

Page 15: مجلة الفجر - العدد الرابع

»إنهـــا كلمـــة حـــق وصرخـــة ذهبـــت إن واد, فـــي الريـــح, مـــع اليـــوم غـــدا تذهـــب فقـــد

باألوتـــاد«.

ـــم يلجـــأ الكواكبـــي إلـــى لــل ــا وأقـ ــل زخمـ ــات أقـ كلمـداللـــة علـــى الخطـــر مـــن تلكـــم ــه عـــن ــة كتابـ ــات فـــي تقدمـ الكلمـلئـــن االســـتبداد و االســـتعباد, و ــق ــرة شـ ــجلت للكواكبـــي مأثـ ســـن ــرق المطبـــق عـ صمـــت الشـوتغييـــب اإلذالل سياســـات األمـــة عـــن الدولـــة زمـــن العثمانييـــن, ولئـــن اســـتدخل الكواكبـــي فـــي كثيـــر مـــن المنظومـــات أو التأويـــات ــا, ولئـــن القوميـــة والعلمانيـــة التـــي ال صلـــة لـــه بهـكان منهـــج الكواكبـــي فـــي التغييـــر ملهمـــا لكثيـــر مـــن المصلحيـــن طيلـــة قـــرن فـــات، رغـــم اإلقـــرار بانفصـــال هـــذا النهـــج عـــن طبيعـــة حـــركات التغييـــر العربيـــة الحاليـــة, إذ موقـــف الكواكبـــي مـــن ثـــورة ــا عمـــل أهـــوج يســـتبدل كالثـــورة الســـورية هـــو أنهـكل وتجاوزنـــا ســـلمنا لئـــن باســـتبداد, اســـتبدادا ـــا فـــي هـــذا ذلـــك, فـــإن أهـــم إنجـــاز للكواكبـــي يهمنـــه الخطـــاب اإلســـامي ـــدا, هـــو تحويل المقـــال تحديواالنســـحاب الســـكوت خطـــاب مـــن زمنـــه فـــي ـــه ـــاة إلـــى خطـــاب يرتكـــز علي ـــة فـــي الحي مـــن الفاعليالسياســـية ومشـــاكلها الحيـــاة مـــع االشـــتباك والمجتمعيـــة ويتأســـس عليـــه -كخطـــاب إســـامي- فعـــل التغييـــر، ويتحـــدد بفضائـــه الـــذي تتخـــذ قيـــم الحريـــة والكرامـــة ومرجعيـــة األمـــة مواقـــع مركزيـــة

فيـــه, بعـــد أن كان الخطـــاب الســـائد مـــن المؤسســـة الدينيـــة للعامـــة منشـــغا بتأكيـــد انفصـــال األمـــة عـــن الدولـــة فـــي غيـــر الطاعـــة والدعـــاء للســـلطان, وبتنميـــط الطقـــوس واختـــزال الفعـــل اإلســـامي

بهـــا.

ولهـــذا اإلنجـــاز بالضبـــط, يمكـــن اقتبـــاس كلمـــات ــل الكواكبـــي أعـــاه للداللـــة علـــى علـــة ليســـت أقـ

خطـــرا...

عامـــا, عشـــرين بحوالـــي الكواكبـــي وفـــاة بعـــد فـــي الفرنســـي االســـتعمار علـــى الثـــورة قامـــت عمـــوم ســـوريا, لعـــل مـــن الـــدالالت علـــى تحـــول تنظيـــم فـــي وفاعليتـــه اإلســـامي الخطـــاب المجتمـــع وتوجيهـــه لغايـــة دينيـــة تتجـــاوز األوراد التغييـــر محوريـــة ضمـــن واألذكار وتجعـــل مهمـــة الجلـــي المشـــايخ حضـــور هـــو المتديـــن, همـــوم فيهـــا, إلطـــاق شـــرارتها أو للمحاربـــة فـــي صفـــوف فاعـــل إســـامي خطـــاب وتقديـــم المجاهديـــن ـــر كأســـاس للثـــوار وعمـــوم النـــاس, ولعـــل مـــن ومؤثالمفيـــد نقـــل مـــا كتبـــه الشـــيخ علـــي الطنطـــاوي

عـــن دور المشـــايخ فـــي هـــذه الثـــورة إذ قـــال:

ــب أن أعـــرض صفحـــة مطويـــة مـــن تاريـــخ ــا أحـ »وأنـالشـــيخ بـــدر الديـــن، هـــي رحلتـــه فـــي ســـنة 1924 مـــع الشـــيخ علـــي الدقـــر، والشـــيخ هاشـــم الخطيـــب، مـــن دمشـــق إلـــى دومـــا، إلـــى النبـــك، إلـــى حمـــص، إلـــى ـــة التـــي طافـــوا فيهـــا حمـــاة، إلـــى حلـــب، هـــذه الرحل

بـــاد الشـــام )ســـورية( كلهـــا.

وكانـــوا كلمـــا وصلـــوا بلـــدة أو قريـــة، خـــرج أهلهـــا باألهازيـــج الســـتقبالهم أبيهـــم، بكـــرة علـــى

15

Page 16: مجلة الفجر - العدد الرابع

المســـجد، إلـــى وراءهـــم ســـاروا ثـــم والمواكـــب، ــزة ــاروا العـ ــوا، وأثـ ــوا وحمسـ ــه ووعظـ ــوا فيـ فتكلمـاإلســـامية فـــي النفـــوس، وذكـــروا بالمجـــد الغابـــر، وحثـــوا علـــى الجهـــاد إلعـــاء كلمـــة اللـــه، فكانـــت هـــذه الرحلـــة هـــي العامـــل األول والمباشـــر لقيـــام الثـــورة الســـورية التـــي امتـــدت ســـنتين، وأذهلـــت

األرض. أهـــل ببطولتهـــا

غوطـــة الغوطـــة، فـــي قامـــت قـــد والثـــورة.. ــدروز، ــل الـ دمشـــق، قبـــل أن تقـــوم فـــي الجبـــل جبـوقـــد بـــدأت بخـــروج طلبـــة العلـــم بدافـــع الجهـــاد«.

وبعيـــدا عـــن النقـــاش التاريخـــي حـــول بـــدء الثـــورة ــا, ــة فيهـ ــيين, متـــى كانـــت أول رصاصـ علـــى الفرنسـفهـــذا جـــدل لـــم يحســـم حتـــى اليـــوم, فـــإن مـــا ال شـــك فيـــه أن مركـــز الثـــورة األثقـــل واألكثـــر تأثيـــرا كان المدينـــة, ودمشـــق دمشـــق غوطـــة فـــي قـــد بـــدأ ثورتـــه بخطـــاب إســـامي ناجـــز ومرجعيـــة شـــرعية حاضـــرة فـــي صفوفـــه, مرافقـــة للشـــعور الوطنـــي واالنتمـــاء إلـــى المجتمـــع المحلـــي وحمايـــة مـــن التحـــرر وألدبيـــات وثقافتـــه, خصوصياتـــه االســـتعمار, ال منفصلـــة عـــن ذلـــك؛ األمـــر نفســـه في عمـــوم ســـوريا, دون أن نعـــزو ارتبـــاط الثـــورة بالشـــعور اإلســـامي وخطـــاب الجهـــاد إلـــى موقـــف المشـــايخ طبيعيـــة محصلـــة االرتبـــاط هـــذا كان مـــا بقـــدر المؤسســـة وتدينـــه, وطبيعـــة المجتمـــع لثقافـــة الدينيـــة فـــي ذلـــك الوقـــت التـــي ال يمكـــن فصلهـــا عـــن المجتمـــع أو معاملتهـــا كنخبـــة مســـتقلة تديـــر شـــؤونها كـ«مؤسســـة«, وإنمـــا كانـــت أحـــد فئـــات المجتمـــع التـــي يعـــرف بهـــا نفســـه وينظـــم فعالياتـــه

عبرهـــا فـــي ســـيرورة طبيعيـــة مســـتمرة.

فيمـــا تـــا االســـتقال, ونشـــوء األحـــزاب اإلســـامية والعلمانيـــة فـــي ســـوريا, وتطـــور الجـــدل حـــول الدولة والدســـتور والقوانيـــن, ومـــا رافـــق ذلـــك مـــن تحديـــات نظريـــة وعمليـــة للمشـــروع اإلســـامي وللجميـــع, لـــم تنفصـــل المؤسســـة الدينيـــة أو المشـــايخ أيضـــا عـــن الوجـــود فـــي المجتمـــع وتقديـــم خطـــاب متصـــل بقضايـــاه, ومحاولـــة تطويـــر أدوات هـــذا الخطـــاب لمواجهـــة التطـــورات الفكريـــة والسياســـية التـــي ال تهـــدأ, يمكـــن أن نســـتذكر كتـــاب الشـــيخ مصطفـــى الســـباعي »االشـــتراكية فـــي اإلســـام«, ويمكـــن أن نســـتحضر كذلـــك حـــرص الرؤســـاء المســـتمر علـــى لقـــاء المشـــايخ, هـــذا دون إغفـــال أن أنماطـــا أخـــرى ـــن المنســـحب مـــن الحيـــاة والمؤكـــد علـــى مـــن التدياألذكار والحضـــرات كجنـــة المســـلم كانـــت حاضـــرة أيضـــا ولهـــا جمهورهـــا وتأثيرهـــا, ولكـــن مـــا يعنينـــا هنـــا هـــو وجـــود خطـــاب إســـامي متصـــل بالحيـــاة العامـــة وفاعـــل فيهـــا, تلـــك الحيـــاة التـــي كانـــت هـــو وفكـــري سياســـي لحـــراك نشـــطا مســـرحا األنشـــط واألوســـع جمهـــورا بالنســـبة لـــكل التيـــارات الفكريـــة والسياســـية اإلســـامية والعلمانيـــة فيمـــا

قبـــل الثـــورة الســـورية.

« الخطاب الواجب الغائب

16

Page 17: مجلة الفجر - العدد الرابع

بـــدأت أحـــداث الثمانينيـــات, و ليـــس الغـــرض هنـــا تقييمهـــا أو أســـبابها أو األحـــداث هـــذه ســـرد بقـــدر مـــا هـــو ماحظـــة اتخاذهـــا طابـــع »الجهـــاد« المؤســـس علـــى أدبيـــات إســـامية مرتبطـــة بتديـــن المجتمـــع وثقافتـــه, ومتصـــل بمشـــروع إســـامي لـــه خطابـــه المرتبـــط بالحيـــاة العامـــة والفعـــل فـــي ــا ــة تتخـــذ مظهرهـ ــات معلنـ ــية بغايـ ــاة السياسـ الحيـالتغييـــر حركـــة أنتجـــت والشـــرعي معـــا, الوطنـــي ومواجهـــة النظـــام هـــذه أدبياتهـــا الخاصـــة وفنونهـــا اإلســـامية هويتهـــا مـــع المتســـقة وأناشـــيدها والســـورية معـــا, بقـــدر مـــا كانـــت تعبيـــرا عـــن تآلـــف ـــان االنتمـــاء ـــن فـــي انتمـــاء واحـــد مـــع طغي االنتماءياإلســـامي فـــي خطـــاب الحشـــد أكثـــر تبعـــا لطبيعتـــه.

وبقـــدر مـــا كانـــت حركـــة التغييـــر هـــذه امتـــدادا لتديـــن المجتمـــع وثقافـــة حاضـــرة فيـــه ولشـــعور بالظلـــم السياســـي والطائفـــي معـــا, مـــع اإلقـــرار بظهـــور خطـــاب أكثـــر تشـــددا مـــع دخـــول الخـــط الســـلفي أيضـــا مـــع اشـــتداد المعركـــة, ولكـــن تبقـــى حركـــة ــا بالتوصيـــف ال ــر متعلـــق هنـ ــذه –واألمـ ــر هـ التغييـباالتفـــاق أو االختـــاف- ظاهـــرة ضمـــن النســـق خطـــاب علـــى مؤسســـة واالجتماعـــي الثقافـــي وتتكـــئ –قبـــل نفســـه, النســـق إســـامي ضمـــن تـــراث علـــى العالمـــي- اإلخـــوان تنظيـــم أدبيـــات ــل ــن الفعـ ــزال عـ ــن منعـ ــه التديـ ــدو فيـ ــم ال يبـ متراكـ

فـــي الحيـــاة بشـــتى مناحيهـــا.

اســـتطاع النظـــام البائـــد قمـــع ثـــورة الثمانينيـــات, مـــدن مـــن دمـــر مـــا عـــدا ذلـــك نتيجـــة وكانـــت ومـــن قتـــل مـــن شـــهداء ومـــن عـــذب مـــن أســـرى,

هـــو تجريـــم االنتمـــاء لجماعـــة اإلخـــوان المســـلمين ككل والحكـــم علـــى مـــن يشـــتبه بـــه االنتمـــاء إليهـــا باإلعـــدام, ال للطليعـــة المقاتلـــة وحدهـــا. أي إنـــه »فكـــر« إلـــى االنتمـــاء اســـتهدف تجريمـــا كان التجريـــم يكـــن ولـــم لـ»فعـــل« وحســـب، ال ككل متعلقـــا باإلخـــوان كخصـــم سياســـي، بقـــدر مـــا كان لهـــذا الخطـــاب اإلســـامي القـــادر علـــى الحشـــد المجتمـــع ثقافـــة علـــى والمؤســـس والتجييـــش وتدينـــه والمحاكـــي لروحـــه العامـــة, مـــا حصـــل, ومـــا اتفاقـــا اتفـــاق –ال يهـــم إن كان يكتـــب, هـــو لـــم ضمنيـــا أم صريحـــا- بيـــن النظـــام ومـــن تبقـــى مـــن ندعـــوه أن يمكـــن مـــا علـــى الدينيـــة المؤسســـة الخطـــاب تحويـــل أي المؤسســـة«, بـ»طقســـنة متعلـــق خطـــاب إلـــى ســـوريا فـــي اإلســـامي

« الخطاب الواجب الغائب

17

Page 18: مجلة الفجر - العدد الرابع

بالطقـــوس والشـــعائر, واختـــزال الديـــن إلـــى عبـــادة.

ـــع أن يقدمـــوا حججـــا ـــا مـــن الجمي ـــم يكـــن مطلوب ولشـــرعية لطاعـــة ولـــي األمـــر, ولكـــن مـــا كان يجـــرم بـــه أي كان هـــو محاولـــة الخـــروج بالديـــن مـــن المســـاجد. فارتـــاح النظـــام بذلـــك مـــن قلـــق خصمـــه اإلســـامي الصعـــب, ورأت المؤسســـة الدينيـــة ذلـــك خيـــرا مـــن أن تحـــرم مـــن أي فضـــاء لممارســـة الديـــن, فاهتمـــت بالتربيـــة والدعـــوة ودور تحفيـــظ القـــرآن, واختـــزل الخطـــاب اإلســـامي مـــذ ذاك فـــي تدريـــس الفقـــه وعلـــوم الديـــن وفـــي األخـــاق الحســـنة واألوراد

والشـــعائر.

حلـــت الثـــورة إذن وخطـــاب المؤسســـة الدينيـــة الذي يعرفـــه النـــاس ويعرفـــه المشـــايخ هـــو هـــذا, خطـــاب الجميـــع فاجـــأت كمـــا فاجأتـــه الـــذي الســـامة, ــورية ــورة السـ ــة فـــي الثـ ــة, أول جمعـ ــة الكرامـ جمعــــي, حيـــث كان الشـــيخ أحمـــد وعنـــوان بدايتهـــا الفعلــي ــروط فـ ــيخ أنـــس عيـ ــا والشـ ــي درعـ ــة فـ الصياصنـبانيـــاس حاضريـــن فـــي مقدمـــة المظاهـــرات, بينمـــا كان الشـــيخ البوطـــي ينســـل مبتعـــدا عـــن مظاهـــرة ــل ــوي التـــي هوجمـــت وقمعـــت داخـ ــع األمـ الجامـ

المســـجد.

وجـــد النـــاس أن المســـاجد هـــي رمـــز مقاومتهـــم لاســـتبداد وأفضـــل منطلـــق لمحاربتـــه والدعـــوة إلمكانيـــة إضافـــة والكرامـــة, والعـــدل للحريـــة التجمـــع فيهـــا، دون أن يكـــون ذلـــك صدفـــة إذ هـــذا ــا، ومـــع كل ــارة المســـاجد وغاياتهـ أحـــد أســـس عمـــا نزيـــف شـــهيد كانـــت مســـاجد أخـــرى يســـمع فيهـالتكبيـــر ثـــم جمـــوع القائميـــن مـــن صاتهـــم لثورتهـــم

ثـــم صـــوت الرصـــاص ثـــم تشـــييع الشـــهداء.

الحـــس حضـــور زيـــادة ومـــع ذلـــك, كل فـــي اإلســـامي وشـــعاراته مـــع تقـــدم الثـــورة, لـــم يظهـــر مـــن المؤسســـة الدينيـــة موقـــف منتـــم لهـــذه الثـــورة كمؤسســـة, وإنمـــا كمواقـــف متفرقـــة للمشـــايخ ـــن. قـــد يكـــون لألمـــر المعروفيـــن منهـــم والمغموريعاقـــة بمصالـــح أو نقـــص شـــجاعة أو اجتهـــادات ــتها ثاثـــون ــتبداد, أسسـ ــه االسـ ــرر مـــن فقـ ــم تتحـ لـعامـــا مـــن وأد الخطـــاب اإلســـامي و»طقســـنته«.

تطـــورت الثـــورة إلـــى حـــراك مســـلح, مشـــابه لمـــا كان قبـــل ثاثيـــن عامـــا ولمـــا كان قبـــل تســـعين عامـــا, مقاومـــة فـــي اإلســـامي الحـــس وضـــوح مـــع االســـتبداد وانتشـــاره أكثـــر, ومـــع غيـــاب الخطـــاب أن بمـــا حضـــوره, ضآلـــة أو المرافـــق, الشـــرعي للثـــورة فـــي أغلبهـــا غـــادرت المؤيـــدة المواقـــف

خـــارج البـــاد.

يمكـــن لنـــا أن نميـــز اآلن فـــي الثـــورة خطابيـــن فكرييـــن والخطـــاب العلمانـــي الخطـــاب همـــا: ناجزيـــن الســـلفي, ودون الدخـــول فـــي مناقشـــة أي مـــن أو االتفـــاق حجـــم علـــى التعليـــق وال الخطابيـــن

« الخطاب الواجب الغائب

18

Page 19: مجلة الفجر - العدد الرابع

االختـــاف معـــه, فإنـــه يمكـــن القـــول إن كليهمـــا ــه ــع نفسـ ــن المجتمـ ــد مـ ــم يولـ ــتورد لـ ــاب مسـ خطـالعامـــة, كليهمـــا خطـــاب بروحـــه وليـــس متصـــا لـــه, وإن تأســـيس قاعـــدة شـــعبية يحـــاول نخـــب كان الخطـــاب الســـلفي أقـــدر علـــى تأســـيس هـــذه القواعـــد بحكـــم مشـــاركته الضخمـــة فـــي التحريـــر والعمـــل المســـلح, وهـــذا ليـــس قدحـــا وال يقلـــل الخطـــاب بينمـــا المشـــاريع, هـــذه صوابيـــة مـــن مدنـــه فـــي وثقافتـــه المجتمـــع بتديـــن األشـــبه الرئيســـية والمفتـــرض أن يكـــون الوليـــد الطبيعـــي النتفاضـــه وتحركـــه للتغييـــر هـــو الوحيـــد الغائـــب, وهـــذه المفارقـــة ال يمكـــن فهمهـــا بمعـــزل عـــن الـــذي ســـردناه باختصـــار, تاريـــخ الخطـــاب الدينـــي ــهلة أو ــاكل السـ ــن المشـ ــا ضمـ ــن تصنيفهـ وال يمكـ

الصغـــرى.

يمكـــن أن يتوضـــح أثـــر هـــذا الغيـــاب أكثـــر فـــي التفريـــق الحاصـــل فـــي الثـــورة مـــا بيـــن »الكتائـــب اإلســـامية«

« الخطاب الواجب الغائب

19

ــر وكأن كتائـــب الجيـــش ــر«, إذ يظهـ و»الجيـــش الحـالحـــر علمانيـــة فـــي هـــذا التوصيـــف, رغـــم النزعـــة ــاء المتدينـــة الواضحـــة لـــدى كتائبـــه, ويحيـــل االنتمـاإلســـامي إلـــى الكتائـــب الســـلفية ال لكونهـــا هـــي مـــن تنـــزع عـــن اآلخريـــن وصفهـــم اإلســـامي بقـــدر مـــا أن هـــؤالء اآلخريـــن ليـــس لديهـــم خطـــاب شـــرعي ماحظـــة تجـــدر مـــا وبقـــدر بـــه. يتحـــددون ناجـــز ــاس ــا بلبـ ــح مرتبطـ ــذي أصبـ ــد« الـ ــمت المجاهـ »سـالتداولـــي المجـــال خـــارج مـــن وأدبيـــات وأناشـــيد للبيئـــة المحليـــة مقارنـــة بســـمت المجاهـــد وأدبيـــات

الجهـــاد فـــي الثمانينيـــات.

والوطنـــي الثـــوري الحـــس مـــن حالـــة أمـــام إننـــا والمتديـــن اليقـــظ لجماعـــة بشـــرية كبيـــرة العـــدد ـــه وتشـــكل الفاعـــل األكبـــر فـــي صياغـــة الواقـــع, لكنحـــس يواجـــه ضياعـــا فكريـــا حيـــن ال يجـــد الحاضـــن

الـــذي يقـــدم لـــه الخطـــاب األشـــبه بـــه.

إنهـــا المفارقـــة األغـــرب أن الجماعـــة األكبـــر والمعبـــرة الحـــس ويقظـــة المحلـــي المجتمـــع تحـــرر عـــن تحـــدد مـــن أنهـــا يبـــدو والتـــي معـــا, اإلســـامي شـــكل المســـتقبل بقـــدر مـــا قـــام علـــى ثورتهـــا شـــكل هـــذا الحاضـــر, ال تجـــد األســـاس النظـــري والخطـــاب الشـــرعي وأدبيـــات الجهـــاد والنهضـــة التـــي ينبغـــي ــر للمراقـــب أن تولـــد بعفويـــة حســـب ســـيرورة األمــــا لتفاعـــل مكونـــات معهـــا وأن تكـــون تحصيـــا بدهيالـــروح العامـــة ألي مجتمـــع مـــع واقعـــه, بســـبب مؤسســـة انفصلـــت عـــن واجباتهـــا بعـــد أن فصلـــت

عـــن واقعهـــا.

إنه الخطاب اإلسامي الواجب... و الغائب

Page 20: مجلة الفجر - العدد الرابع

ــي ــإن حديثـ ــذاذ فـ ــام األفـ ــاء الشـ ــض علـ ــن بعـ ــدث عـ ــن أحتـ حـ

ـــني ـــد درس ـــر، فق ـــى آخ ـــه معن ـــدة ل ـــاح أيب غ ـــد الفت ـــيخ عب ـــن الش ع

ـــن يف ـــه مل تك ـــرة من ـــتفاديت الكب ـــن اس ـــب، ولك ـــون بحل ـــة املأم يف ثانوي

ـــتاع ـــى اس ـــب ع ـــت أواظ ـــد كن ـــجد. فق ـــت يف املس ـــل كان ـــة، ب املدرس

ـــول ـــب، وال حي ـــة بحل ـــة الرعي ـــع الثانوي ـــه يف جام ـــة من ـــة اجلمع خطب

ــات ــود امتحانـ ــرد، أو وجـ ــر أو بـ ــده حـ ــالة عنـ ــن الصـ ــي وبـ بينـ

ـــة ـــتمع اخلطب ـــرا فأس ـــر مبك ـــت أح ـــل كن ـــك، ب ـــر ذل ـــية أو غ مدرس

ـــه ـــذي يقدم ـــع ال ـــدرس املات ـــتاع ال ـــس الس ـــم أجل ـــة، ث ـــي اجلمع وأص

ـــه ـــب في ـــن« وجيي ـــه يف الدي ـــة التفق ـــميه: »جلس ـــالة، وكان يس ـــد الص بع

عـــى أســـئلة احلارضيـــن التـــي يقدموهنـــا مكتوبـــة، وتكـــون إجاباتـــه

ـــنة، ـــاب والس ـــن الكت ـــا م ـــة وأدلته ـــكام الرعي ـــن األح ـــة م ـــة رائع باق

ـــة، ـــظ الرقيق ـــب املواع ـــه، إىل جان ـــة الفق ـــلف وأئم ـــوال الس ـــن أق ـــم م ث

وأبيـــات الشـــعر املؤثـــرة، واللطائـــف اللغويـــة، والنكـــت الذكيـــة.

ـــتجاب، ـــكان أن اس ـــر، ف ـــبوعيا آخ ـــا أس ـــدم درس ـــألته أن يق ـــم إين س ث

ـــيف ـــجد س ـــس يف »مس ـــاء كل مخي ـــدرس مس ـــي ال ـــار يلق ـــه اهلل، فص رمح

ــا كل ــا يف موضوعـــات شـــتى، خيتـــار موضوعـ الدولـــة«، وكان درسـ

أســـبوع، ممـــا يمـــس حيـــاة املســـلم ويصحـــح فكـــره وســـلوكه.

ـــي ـــة الت ـــة اهلندس ـــة كلي ـــن طلب ـــي م ـــض أصدقائ ـــأله بع ـــن س ـــد ح وبع

ـــتجاب ـــا، فاس ـــبوعيا ثالث ـــا أس ـــدم درس ـــذاك، أن يق ـــا آن ـــا فيه ـــا طالب كن

ــع ــن، يف جامـ ــاء كل اثنـ ــه، مسـ ــا يف الفقـ ــك، وكان درسـ ــم كذلـ هلـ

ـــاب ـــرح كت ـــة ب ـــاب العناي ـــح ب ـــاب »فت ـــن كت ـــه م ـــرأ في ـــاعيلية، يق اإلس

ـــا، وكان ـــا وينصحن ـــا ويعلمن ـــو يوجهن ـــه اهلل، ال يأل ـــكان رمح ـــة«، ف النقاي

يـــزرع يف نفوســـنا الرغبـــة القويـــة يف تلقـــي العلـــم وجمالســـة العلـــاء

ـــم. ـــم وتوقره ـــم واحرامه وحبه

ـــه اهلل ـــدة –رمح ـــو غ ـــر أب ـــن بش ـــد ب ـــن حمم ـــاح ب ـــد الفت ـــيخ عب ـــد الش ول

ـــن ـــب م ـــن رج ـــر م ـــابع ع ـــهباء يف الس ـــب الش ـــة حل ـــاىل- يف مدين تع

ـــالد. ـــام 1918 للمي ـــف ع ـــق منتص ـــذا يطاب ـــرة، وه ـــام 1336 للهج ع

ـــد ـــوه حمم ـــن. فأب ـــر ودي ـــا أرسة س ـــأ فيه ـــي نش ـــه الت ـــت أرست ـــد كان وق

ــر ــى الذكـ ــة عـ ــوى واملواظبـ ــالح والتقـ ــا بالصـ ــال معروفـ كان رجـ

ـــن ـــا ع ـــي ورثه ـــوجات الت ـــارة املنس ـــل يف جت ـــرآن، وكان يعم ـــالوة الق وت

ـــه. أبي

ـــة ـــم باملدرس ـــب، ث ـــالمية يف حل ـــة اإلس ـــة العربي ـــيخ باملدرس ـــق الش التح

ـــي ـــاين، والت ـــوايل العث ـــا، ال ـــرسو باش ـــا خ ـــي بناه ـــة الت ـــة العثاني اخلرسوي

تعـــرف اآلن باســـم الثانويـــة الرعيـــة، وختـــرج فيهـــا عـــام 1942،

ـــة، ـــة الريع ـــق بكلي ـــف، فالتح ـــر الري ـــة يف األزه ـــل إىل الدراس وانتق

وختـــرج فيهـــا يف الفـــرة مـــا بـــن 1944 و1948 للميـــالد، وانتقـــل

منهـــا إىل التخصـــص يف أصـــول التدريـــس يف كليـــة اللغـــة العربيـــة يف

ـــة. ـــنة 1950 ميالدي ـــا س ـــرج فيه ـــا، وخت ـــر أيض األزه

ـــن ـــيوخ، وكان م ـــات الش ـــى مئ ـــه اهلل ع ـــاح رمح ـــد الفت ـــيخ عب ـــى الش تلق

ـــم ـــيخ إبراهي ـــوين والش ـــى البيان ـــيخ عيس ـــب الش ـــيوخه يف حل ـــرز ش أب

الســـلقيني )وهـــو جـــد الدكتـــور إبراهيـــم الســـلقيني مفتـــي حلـــب

الـــذي تـــويف قبـــل فـــرة(، والشـــيخ حممـــد بـــن إبراهيـــم الســـلقيني،

والشـــيخ حممـــد راغـــب الطبـــاخ، والشـــيخ أمحـــد الزرقـــا، والشـــيخ

ـــد ـــيخ حمم ـــيد، والش ـــد الرش ـــيخ حمم ـــا، والش ـــد الزرق ـــن أمح ـــى ب مصطف

ــد ــيخ أمحـ ــن، والشـ ــب رساج الديـ ــيخ نجيـ ــي، والشـ ــعيد اإلدلبـ سـ

الكـــردي، والشـــيخ حممـــد الناشـــد.

:: محمد عادل فارس

20

Page 21: مجلة الفجر - العدد الرابع

وكان مـــن شـــيوخه يف مـــر: الشـــيخ عبـــد املجيـــد دراز، والشـــيخ

عبـــد احلليـــم حممـــود، والشـــيخ املحـــدث أمحـــد بـــن حممـــد شـــاكر،

ــويل ــدث األصـ ــيخ املحـ ــوف، والشـ ــد خملـ ــنن حممـ ــيخ حسـ والشـ

عبـــد اهلل العـــاري، والشـــيخ عيســـى منـــون، والشـــيخ أمحـــد اخلـــر

ــك: ــر كذلـ ــى يف مـ ــوي. والتقـ ــف الدجـ ــيخ يوسـ ــن، والشـ حسـ

ـــيخ ـــابقا، والش ـــة س ـــة العثاني ـــيخ اخلالف ـــري، ش ـــى ص ـــيخ مصطف الش

حممـــد زاهـــد الكوثـــري، واإلمـــام الشـــهيد حســـن البنـــا، رمحهـــم اهلل

ـــتان ـــد والباكس ـــاز واهلن ـــن يف احلج ـــيوخ اآلخري ـــن الش ـــر م ـــا، وكث مجيع

وغرهـــا.

ــن ــر مـ ــي أن نذكـ ــوف. ويكفـ ــل باأللـ ــات، بـ ــه باملئـ ــد تالمذتـ ويعـ

ـــيخ ـــة، والش ـــد عوام ـــدث حمم ـــة املح ـــيخ العالم ـــن الش ـــه املقرب تالمذت

ــن ــامل حسـ ــة العـ ــيخ الداعيـ ــي، والشـ ــد مكـ ــب جمـ ــب األريـ األديـ

قاطرجـــي اللبنـــاين، والشـــيخ حممـــد الرشـــيد النجـــدي. وقـــد ألـــف

ــانيد ــاح بأسـ ــداد الفتـ ــوان: »إمـ ــا بعنـ ــر كتابـ ــيخ األخـ ــذا الشـ هـ

ومرويـــات الشـــيخ عبـــد الفتـــاح« وهـــو ثبـــت عظيـــم يعـــرض فيـــه

ـــات ـــاء مئ ـــه أس ـــر في ـــاح، ويذك ـــد الفت ـــيخ عب ـــي للش ـــاط العلم إىل النش

الشـــيوخ الذيـــن أخـــد عنهـــم، واملئـــات الذيـــن تتلمـــذوا عليـــه.

لقـــد كان رمحـــه اهلل شـــغوفا بالعلـــم والكتـــب والقـــراءة، وكان لديـــه

ـــادرة، ـــب الن ـــائعة، والكت ـــة الش ـــب املعروف ـــة بالكت ـــة حافل ـــة ضخم مكتب

ـــن ـــث. وم ـــراءة والبح ـــى الق ـــه ع ـــض تالمذت ـــات. وكان حي واملخطوط

ـــام ـــام لإلم ـــاب االعتص ـــا: كت ـــا بقراءهت ـــي كان يوصين ـــب الت ـــة الكت مجل

الشـــاطبي، وكتـــاب إعـــالم املوقعـــن لإلمـــام ابـــن قيـــم اجلوزيـــة،

ـــام ـــم لإلم ـــاب اجلحي ـــة أصح ـــتقيم خمالف ـــراط املس ـــاء ال ـــاب اقتض وكت

ـــة. ـــن تيمي اب

بعـــد أن أكمـــل الشـــيخ دراســـته يف مـــر عـــاد إىل ســـورية ودرس يف

مدارســـها الثانويـــة العامـــة والثانويـــة الرعيـــة اخلرسويـــة واملدرســـة

ـــن ـــم ع ـــق، ث ـــة دمش ـــة بجامع ـــة الريع ـــم يف كلي ـــة، ث ـــعبانية الرعي الش

مديـــرا ملوســـوعة »معجـــم فقـــه املحـــى البـــن حـــزم«، ثـــم درس يف

ـــاء، ـــايل للقض ـــد الع ـــاض، ويف املعه ـــعود يف الري ـــن س ـــد ب ـــة حمم جامع

ـــرا يف ـــتاذا زائ ـــدب أس ـــا، وانت ـــات العلي ـــة الدراس ـــتاذا لطلب ـــن أس وع

ـــا. ـــد وجامعاهت ـــد اهلن ـــودان وملعاه ـــالمية يف الس ـــان اإلس ـــة أم درم جامع

وقـــد أحـــى لـــه تلميـــذه البـــارع حممـــد آل رشـــيد ثالثـــة وســـبعن

ـــن ـــر م ـــن، يف كث ـــل املحقق ـــف. وإذا كان عم ـــق وتألي ـــن حتقي ـــا، ب كتاب

ـــة، ـــخ املخطوط ـــن النس ـــروق ب ـــا للف ـــون بيان ـــدو أن يك ـــان، ال يع األحي

ــع ــل مـ ــيخنا جتعـ ــات شـ ــإن حتقيقـ ــردات، فـ ــض املفـ ــا لبعـ ورشحـ

ـــي، ـــاب األص ـــن الكت ـــدة ع ـــل فائ ـــب ال يق ـــو يف الغال ـــا، ه ـــاب كتاب الكت

ـــالم، ـــيا األع ـــاظ، ال س ـــط األلف ـــوض، وضب ـــالء الغم ـــن ج ـــال ع فض

ـــون ـــم حيرص ـــالب العل ـــل ط ـــا جيع ـــذا م ـــادرة. وه ـــد ن ـــان بفوائ واإلتي

ـــه اهلل. ـــيخ رمح ـــا الش ـــي حققه ـــب الت ـــاء الكت ـــى اقتن ـــرص ع كل احل

ـــم ـــدن بتكري ـــالمية يف لن ـــات اإلس ـــفورد للدراس ـــز أكس ـــام مرك ـــد ق وق

ــاي ــلطان برونـ ــا سـ ــي قدمهـ ــم التـ ــزة العلـ ــاره جلائـ ــيخ، فاختـ الشـ

ـــث ـــة احلدي ـــهاماته يف خدم ـــالم وإس ـــف باإلس ـــوده يف التعري ـــرا جله تقدي

النبـــوي الريـــف.

ـــن ـــددا م ـــص ع ـــه، أن خص ـــغفه ب ـــم، وش ـــه بالعل ـــار تعلق ـــن آث وكان م

مؤلفاتـــه لشـــؤون العلـــم والعلـــاء، مثـــل: »صفحـــات مـــن صـــر

العلـــاء« و«قيمـــة الزمـــن عنـــد العلـــاء« و«الرســـول املعلـــم«.

ـــلم ـــامل املس ـــزة للع ـــة املتمي ـــخصية القوي ـــل الش ـــه اهلل يمث ـــيخ رمح كان الش

ـــه ـــا أمت ـــش قضاي ـــالع، يعي ـــب االط ـــم، رح ـــع العل ـــو واس ـــد، فه املجاه

ـــاد ـــدركا كل األبع ـــه، م ـــب عيني ـــلمن نص ـــوم املس ـــع مه ـــره، ويض وع

ـــخصيته ـــه ش ـــا تقتضي ـــكل م ـــه ب ـــع اتصاف ـــو م ـــم. وه ـــط هب ـــي حتي الت

ـــارة، ـــيق العب ـــث، رش ـــو احلدي ـــار، حل ـــة ووق ـــة وهيب ـــن رزان ـــة، م العلمي

ــه، وطيـــب هـــم بحســـن حمارضتـ ــائه، يأرس قريـــب إىل قلـــوب جلسـ

ـــى ـــواب. حت ـــن ج ـــة، وحس ـــور بدهي ـــع حض ـــوره، م ـــد غ ـــه، وبع حديث

ـــه. وكان ـــن علم ـــل م ـــا ينه ـــا ك ـــه متام ـــن أدب ـــل م ـــه لينه ـــارش ل إن املع

ـــا ـــر يف ثناي ـــارشة أن انت ـــل واملع ـــة والتعام ـــآداب املجالس ـــه ب ـــن اهتام م

ـــر ـــن )انظ ـــار املتأدب ـــذه اآلداب وأخب ـــون ه ـــد فن ـــه تأكي ـــه وتعليقات كتب

ـــالم«، ـــن أدب اإلس ـــوان: »م ـــه بعن ـــذي ألف ـــر ال ـــب الصغ ـــال الكتي مث

ـــم ـــوان احلك ـــدة عن ـــى قصي ـــدين، وع ـــالة املسرش ـــى رس ـــه ع وتعليقات

ـــتي(. ـــح البس أليب الفت

« الشيخ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله

21

Page 22: مجلة الفجر - العدد الرابع

ـــوس ـــه النف ـــق ب ـــوب، وتتعل ـــه القل ـــي علي ـــك أن تلتق ـــد ذل ـــرو بع ـــال غ ف

ـــه ـــن خالط ـــع م ـــدى مجي ـــة ل ـــر والثق ـــب والتقدي ـــع احل ـــون موض وأن يك

ـــو ـــن الغل ـــدا ع ـــك كان بعي ـــب ذل ـــو إىل جان ـــه، وه ـــه وأحباب ـــن إخوان م

واالنفعـــال، يـــزن األمـــور بميزاهنـــا الرعـــي الدقيـــق، وقـــد أخـــذ

ـــه. ـــه وتالمذت ـــك نفس بذل

ـــا ـــن البن ـــهيد حس ـــام الش ـــر اإلم ـــى يف م ـــد التق ـــيخ ق ـــا أن الش ذكرن

ـــة ـــن مجاع ـــاء م ـــك اللق ـــح بذل ـــات، وأصب ـــاىل يف األربعيني ـــه اهلل تع رمح

ـــل ـــها مح ـــى نفس ـــذت ع ـــي أخ ـــة الت ـــك اجلاع ـــلمن، تل ـــوان املس اإلخ

رايـــة اإلســـالم، والعمـــل عـــى إعـــادة دولتـــه وبنـــاء حضارتـــه، يف

ـــى ـــل ع ـــورية، مح ـــده س ـــيخ إىل بل ـــاد الش ـــد أن ع ـــث، وبع ـــر احلدي الع

ـــوي ـــاطه الدع ـــه نش ـــكان ل ـــاىل، ف ـــوة إىل اهلل تع ـــل الدع ـــبء مح ـــه ع عاتق

ـــوي ـــاطه الدع ـــة، ونش ـــس العام ـــدارس واملجال ـــاجد وامل ـــام يف املس الع

ـــوان ـــق اإلخ ـــلمن، وتعل ـــوان املس ـــة اإلخ ـــالل مجاع ـــن خ ـــاص، م اخل

بدورهـــم بالشـــيخ رمحـــه اهلل، ووثقـــوا بـــه، لورعـــه وتقـــواه وعلمـــه

ـــال. ـــندا وموئ ـــدا وس ـــم مرش ـــكان هل ـــه، ف ـــه وحكمت ـــة عقل ورجاح

ــة ــورية مدرسـ ــه يف سـ ــالل إقامتـ ــاىل خـ ــه اهلل تعـ ــيخ رمحـ وكان الشـ

ـــن ـــر م ـــال أو أكث ـــة أجي ـــا ثالث ـــه فيه ـــذ علي ـــة، تتلم ـــة متحرك ـــة حي دعوي

ـــر ـــن بح ـــراف م ـــال رشف االغ ـــه ن ـــر بأن ـــم يفخ ـــن، كله ـــاة العامل الدع

ـــه. فضيلت

ـــتينيات، ـــط الس ـــورية يف أواس ـــى س ـــان ع ـــأة الطغي ـــتدت وط ـــا اش وعندم

ســـعى الشـــيخ إىل تشـــكيل مـــا يشـــبه اجلبهـــة اإلســـالمية، فتحـــرك

ـــاءات ـــه يف لق ـــوا مع ـــب، فاجتمع ـــة حل ـــاء مدين ـــاه عل ـــة جت ـــة إجيابي حرك

ـــر ـــة، وتظه ـــلمن يف املدين ـــر املس ـــا مجاه ـــم خلفه ـــت تض ـــعة كان موس

ـــوة، ـــاره املرج ـــؤت ث ـــعي مل ي ـــذا الس ـــم، إال أن ه ـــرز وحدهت ـــم، وت قوهت

ألســـباب تتعلـــق بطبيعـــة الوعـــي اإلســـالمي، حلجـــم املأســـاة التـــي

ـــا. ـــدى هل ـــاول أن يتص ـــيخ حي كان الش

ـــن، ـــبوعيا آالف املصل ـــع أس ـــث كان جيتم ـــة( حي ـــجد )اخلرسوي ويف مس

ـــا اإلســـالم واملســـلمن املعـــارصة، كان الشـــيخ يطـــرح عـــى منـــره، قضاي

متصديـــا للدكتاتوريـــة واالســـتبداد، ولنزعـــات العلانيـــة والتغريـــب،

ـــا ـــن هن ـــم م ـــه هتديداهت ـــل إلي ـــيخ، وتص ـــا بالش ـــتبدون ذرع ـــق املس ويضي

ـــد: ـــلم املجاه ـــامل املس ـــرأة الع ـــم بج ـــول هل ـــا ليق ـــف يوم ـــاك... فيق وهن

ولست أبايل حن أقتل مسلا عى أي جنب كان يف اهلل مرعي

اعتقـــل الشـــيخ رمحـــه اهلل مـــدة أحـــد عـــر شـــهرا يف ســـجن تدمـــر

ـــا ـــران 1967، وبعده ـــرب حزي ـــر ح ـــى أث ـــه ع ـــرج عن ـــراوي، وأف الصح

ـــا. ـــا ذكرن ـــا ك ـــتاذا يف جامعاهت ـــعودية، أس ـــادر إىل الس غ

ـــي ـــن العلم ـــه إىل اجلانب ـــراف بكليت ـــة يف االن ـــيخ امللح ـــة الش ـــع رغب وم

والدعـــوي، اضطـــر أكثـــر مـــن مـــرة، أن يســـتجيب لرغبـــة إخوانـــه،

فيتحمـــل املســـؤوليات التنظيميـــة، فـــكان أن تـــوىل منصـــب املراقـــب

ـــه، ـــى عن ـــا خت ـــا أرسع م ـــم م ـــورية، ث ـــلمن يف س ـــوان املس ـــام لإلخ الع

عندمـــا وجـــد مـــن يتـــواله، ثـــم أجلـــئ مـــرة أخـــرى إىل تـــويل هـــذا

املنصـــب ســـنة 1986، وظـــل راعيـــا للجاعـــة ومراقبـــا عامـــا هلـــا

ـــدي ـــن هوي ـــور حس ـــة الدكت ـــام 1991 لفضيل ـــة ع ـــلم األمان ـــى س حت

متفرغـــا للعلـــم والتأليـــف. وخـــالل هـــذه الفـــرة، ويف عـــام 1995

قـــام الشـــيخ رمحـــه اهلل -بدافـــع مـــن حرصـــه عـــى وطنـــه ووحـــدة

ـــذي ـــدع ال ـــرأب الص ـــة ل ـــوري– بمحاول ـــعب الس ـــة الش ـــه وكرام أبنائ

ــال ــورية مؤمـ ــاد إىل سـ ــات، فعـ ــد الثانينيـ ــورية يف عقـ ــل يف سـ حصـ

ــر ــات النظـ ــب وجهـ ــاء تقريـ ــؤولن ابتغـ ــع املسـ ــاءات مـ ــراء لقـ إجـ

ـــور ـــن األم ـــابقة، ولك ـــداث س ـــا أح ـــي أدت إليه ـــاة الت ـــف املعان وختفي

ـــر كـــا أراد الشـــيخ هلـــا أن تكـــون، فعـــاد إىل الريـــاض. مل جت

ـــايب، ـــرض الته ـــيخ م ـــرة أمل بالش ـــان 1417للهج ـــهر رمض ـــر ش يف أواخ

ـــل ـــان األج ـــى ح ـــرض حت ـــم امل ـــاض، وتفاق ـــة الري ـــم بمدين ـــو مقي وه

ـــنة ـــوال س ـــن ش ـــع م ـــد التاس ـــوم األح ـــر ي ـــى فج ـــق األع ـــق بالرفي فالتح

ـــن ـــالد، ع ـــنة 1997 للمي ـــباط س ـــن ش ـــق 16 م ـــرة، املواف 1417 للهج

عمـــر ثانـــن عامـــا قضاهـــا يف طاعـــة اهلل والدعـــوة إىل دينـــه وتعليـــم

ـــدم، ـــا ق ـــح م ـــه صال ـــل اهلل من ـــعة، وتقب ـــة واس ـــه اهلل رمح ـــه، فرمح رشع

وجتـــاوز عـــن خطايـــاه، وجـــزاه خـــرا عـــى مـــا نفـــع بـــه املســـلمن،

واحلمـــد هلل رب العاملـــن.

22

« الشيخ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله

Page 23: مجلة الفجر - العدد الرابع

:: عبد الكريم اليماني

صحوة

مدت يدها تتحسس املاء قبل أن يصبه

ـــا: ابنـــي مل يكـــن يحـــب املـــاء الغاســـل فـــوق وجـــه ابنه

ســـاخنا..

كان يستحم باملاء الفاتر!!

كلامتها املبعرثة..

تخفي قهرا يزلزل الجبال..

راحت تفرك كفه.. أصابعه..

رمقت جسده الفتي بعينني كليلتني..

مسحت وجهه..

علها تستفيق!!

ذات طفولةالحائط، شعر بأن حلقه قد تيبس متاما، أمسك ربطة الخبز ولو هدموه فوق رؤوسهم، خطواته بدأت تتثاقل، اتكأ عىل قبل أسبوعني، قال أبوه حينها أنهم لن يغادروا املنزل حتى )زريعة( املدخل مل تعد موجودة نتيجة قذيفة سقطت الريحان والقرنفل والفل والتي شكلت جانبا أساسيا من علب السمن والحليب القدمية التي كانت ممتلئة بشتالت أمتار قليلة ويصل، ضغط عىل جرحه، ها هو مدخل البيت،

وضمها إىل صدره بقوة...يد تستند إىل الحائط...الدم الحار يتدفق من جرح غائر يف الخارصة..يد متسك ربطة الخبز..

بدت األلوان تبهت يف عينيه، سقطت ربطة الخبز وقد غطتها حاول أن ينادي أمه، مل تتجاوز حروفه شفتيه. متلكه اإلعياء، يف ظهره، »إيه يا حسن.. شد حيلك.. أنت رجال!!«ستطعم أباك الذي مل يعد يحرك قدميه نتيجة شظية استقرت أخوك الصغري عمر، ستغمس له والدتك الخبز باملاء، وسيشبع.. بضع خطوات يا حسن، بضع خطوات وتصل البيت، سيأكل سقط فوقها... وزغردت له كل شجريات الياسمني.الدماء..

23

Page 24: مجلة الفجر - العدد الرابع

ها أنت تبحر من جديد في بحور العاطفةمن مرفأ األحزان تبحر في هدوء

غارقا في ليلك الصوفيتبكي للحياة الزائفة

ال شيء غير البحر يفهم سر عشقككيف تنتفض الحياة على جروحك

كي تهب العاصفةأبحر وال تنظر وراءك

لحظة اإلبصار تلمع في فضاءك خاطفةكالبرق تومض

هل رأيت البرق يومض للقلوب الخائفةوارس؟ ق بروحك في المحيط وال تسل أين الن حل

فالنوارس للشواطئ عازفةد الميناء أرجلها قد قي

فباتت نازفةال تبتئس لست الوحيد

هناك نجم سوف يرشدك السبيلة بالعيون الذارفة إذا صدقت له المحب

وهناك وجه حبيبة ترنو إليك من الغيومفتوقظ األحام في أعماق قلبك

توقظ الطفل اللعوب ليرتمي في حجرها

ويغيب في أغصانهامثل الطيور الراجفة

ر تحتك األنهار اصعد بروحك كي تفجتغسل كل أوحال الليالي

بالسيول الجارفةف بنفسك: عر

أنت إبن األنبياء وكل ثورات الباد على يمينك واقفة

إيه أبا الثوار أتعبنا انتظاركت أين أنت ودورة التاريخ تم

موس غدت ألجلك كاسفة والشا قد سئمنا… قد سئمنا أقبل فإنرتنا كالخراف العالفة من رعاة سي

زوير هذي قد سئمنا من دنا التوالبطوالت السخيفة

والشعوب الزاحفةأقبل فأنت هو الحقيقة

والحقيقة قاذفة

* * *

:: الشاعر معتصم الحريري

24

Page 25: مجلة الفجر - العدد الرابع

نيا تئن إليك شوقا أو ما ترى الدوهي تنتظر اللقاء

ماء أو ما ترى األرض اليباس تموت من شح السواألرض مثل الشعب تبلى

إن سقاها الغيم طالم يخالطه الفداء

رع ال ينمو بأرض والزلم يكن فيها قليل من بقايا كبرياء

وكذلك الشعب األبي

خليفة الله العليوطفل كل األنبياء

تشتاقه الدنياساء كما تشتاق للحب الن

وتراه فارسها الوحيدرسولها للعالمين

وطفلها عند المساءوتضم قبلتها إليه لتستفز حياته

ويذوب عشقا في اللقاءكأس الحياة براحه يختال فيها ضاحكا

ماء واألرض خمرتها الدعيناه لألحرار.. للثوار.. لألشعار لكن

للطواغيت الحذاء

ويداه للمتشردين النائمين على الشوارعقوتهم برد الشتاء

قطط المزابل والمنازل في باد األغنياءيا مالك الثوار أقبل

كي أريك عدالة اإلنسان تعوي مثل كلببين أضواء القصوروحاويات األشقياء

اد المقاهي وأريك عبثم أفخاذ الماهيوارتعاشات الحياء

جال وأريك أشباه الرالخائرين كما البغال

ضال العازفين عن الناعمين األبرياء الن

وأريك ماذا قد أريكوأنت في عيني ضياء ال يماثله ضياء

ثته لي الطيور ه ألم قديم ور لكنلكي أبادلها الغناءق غنيته يوما فحلثم أجهش بالبكاء

ي عندما أبكي فعلمت أني للحياة كما أشاء أغن

« من قصيدة - ملك الثوار

25

Page 26: مجلة الفجر - العدد الرابع

لــشــريـف الــراس

شـــريف الـــراس، أديـــب ســـوري معـــارض عـــاش معظـــم أيامـــه

الســـوريين آالف شـــأن شـــأنه المنفـــى، فـــي ومـــات األخيـــرة

األحـــرار.

الاذعـــة شـــأن بالســـخرية الـــراس الراحـــل شـــريف أدب يتميـــز

وروايـــة المأســـاة، رحـــم مـــن خرجـــوا الذيـــن األدبـــاء معظـــم

»طاحـــون الشـــياطين« ال تبتعـــد عـــن هـــذا الســـياق كمعظـــم

يكشـــف أن فيهـــا المبـــدع األديـــب اســـتطاع حيـــث كتاباتـــه

يوثـــق أليـــم مـــن مأســـاة حمـــاة وتداعياتهـــا، وأن عـــن جانـــب

الممارســـات القمعيـــة فـــي ســـوريا والتـــي تفضـــح نظـــام حافـــظ

األســـد الفاشـــي، كل ذلـــك بأســـلوب أدبـــي جميـــل ومؤثـــر.

يقـــول األديـــب محمـــد الحســـناوي رحمـــه اللـــه فـــي دراســـة لـــه

عـــن روايـــة »طاحـــون الشـــياطين«: الواقـــع فـــي الفـــن القصصـــي

هـــو مـــا يمكـــن تصـــور وقوعـــه عقليـــا، وليـــس الـــذي وقـــع بالفعـــل،

ـــة ـــا، يحمـــل مـــن الغراب ـــه الواقـــع أحيان ألن بعـــض مـــا ينطـــوي علي

مـــا ال يمكـــن تصـــور وقوعـــه بشـــكل عـــام!

وأمـــا روايـــة طاحـــون الشـــياطين، فتـــكاد تنقـــض هـــذه المقولـــة

وتقلبهـــا رأســـا علـــى عقـــب، تقـــول الروايـــة: »لـــو أننـــا جمعنـــا كل

وحـــوش الغابـــات، وأطلقناهـــا علـــى ســـكان مدينـــة محاصريـــن

بســـور مـــن نـــار، فهـــل تســـتطيع أن تـــأكل أربعيـــن ألـــف إنســـان

ــــرني؛ أعـــزل بـــريء خـــال تلـــك الفتـــرة الزمنيـــة القاســـية؟! ثـــم خبـ

لمـــاذا حيـــن كانـــت تتـــاح فرصـــة المفاضلـــة بيـــن المـــوت والحيـــاة

كان أعـــوان هـــذا الوحـــش يختـــارون مـــن بيـــن الحشـــد، األطبـــاء

والمهندســـين والمعلميـــن، وكل مـــن يحمـــل شـــهادة عاليـــة؟!«.

فالروايـــة ليســـت خياليـــة وليســـت تتحـــدث عـــن بـــاد »الـــواق

واق« بـــل تحكـــي مأســـاة العصـــر فـــي مدينـــة ســـورية، وبالـــذات

1982، وال عاقـــة مباشـــرة بينهـــا وبيـــن روايـــة »العالـــم« لجـــورج

ــان فـــي األدب السياســـي، ــا تصنفـ أورل، علـــى الرغـــم مـــن أنهمـ

ــخرية. ــان بالسـ ــة، وتنضحـ ــدان الحريـ وتمجـ

* من الرواية *

البـــاص، وفـــي اللحظـــة »نـــزل الدكتـــور أحمـــد الفشـــاش مـــن

ذاتهـــا تلقـــف حقيبتـــه التـــي قـــذف بهـــا إليـــه شـــاب مـــن فـــوق،

وكان هـــذا »الفـــوق« مثـــل »التحـــت« يغـــص بالـــركاب واألكيـــاس

والصناديـــق والســـال، وكان هـــؤالء الـــركاب جميعـــا مـــن البـــدو

ـــن ـــاة الفاحي ـــد حي ـــة تقلي ـــدؤوا محاول ـــدو ب ـــن، أو هـــم ب والفاحي

فـــي هـــذه المنطقـــة النائيـــة مـــن الباديـــة. والحـــظ الدكتـــور أحمـــد

أن نوافـــذ البـــاص كانـــت مليئـــة بالعيـــون المحدقـــة التـــي تتســـاءل:

»مـــا الـــذي جـــاء بهـــذا األفنـــدي األنيـــق إلـــى هـــذه المنطقـــة

النائيـــة؟«.

انطلـــق البـــاص مـــن جديـــد فأثـــار خلفـــه ذيـــا طويـــا مـــن الغبـــار

الكثيـــف الـــذي حجـــب النوافـــذ والعيـــون وكل شـــيء.. ثـــم مـــا

لبـــث البـــاص أن غـــاب هـــو وذيلـــه الغبـــاري الطويـــل وراء تلـــك

التـــال البعيـــدة.

وقـــف الدكتـــور أحمـــد وحيـــدا ينظـــر إلـــى هـــذا الفضـــاء الانهائـــي

مـــن األراضـــي المنبســـطة الممتـــدة حتـــى خـــط األفـــق البعيـــد..

ــه لـــم ــا- ولكنـ ــتغراب.. ربمـ ــر إليـــه –باسـ ــرة« تنظـ ـ وكان ثمـــة »قب

ــه وهـــي ــرة حولـ ــز طائـ ــا كانـــت تتقافـ ــم أنهـ ــا رغـ ــعر بوجودهـ يشـ

إال أذنيـــه فـــي يســـمع لـــم أنـــه غيـــر المســـاء، بنشـــيد تغـــرد

الوشـــيش المتبقـــي مـــن صـــوت جعيـــر محـــرك الســـيارة«.

26

Page 27: مجلة الفجر - العدد الرابع

ـــام ـــوح الحم ـــه.. ن ـــي ال يفارق ـــ و قلب ـــون عام خمس

ـــر ـــزن النواعي و ال ح

ـــادة ـــام الرم ـــا .. ع ـــا و أطعمه ـــن الدني ـــن آم ـــن م ونح

ـــر ـــز التناني ـــن خب م

ـــارات ـــادر ح ـــم يغ ـــم لـ ـــرد الظلـ خمســـون عامـــ: وب

دمشـــق القديمـــة .

ــبوهة ــة المشـ ــادية القوميـ ــ: وسـ ــون عامـ خمسـ

ــي. ــا العربـ ــارة قاســـيون مـــن تاريخهـ ــرد حجـ تجـ

خمســـون عامـــ: والفـــرات يركـــض دون جـــدوى،

ــر. ــزن النواعيـ ــه حـ ــي يغتالـ ــاء العاصـ ومـ

تســـتجدي الجزيـــرة وحنطـــة عامـــ: خمســـون

علـــى أبـــواب المســـاجد.

خمســـون عامـــ: والبعـــث يأخـــذ بالـــدم ويعطـــي

بالـــدم .. وال يبعثـــون.

خمســـون عامـــ: وطريـــق التحريـــر غيـــر ســـالك

بســـبب تراكـــم العلـــوج.

خمســـون عامـــ: وأبـــو عبيـــدة يرابـــط عنـــد بـــاب

ــد. ــح بعـ ــه الفتـ ــب لـ ــم يكتـ ــة ولـ الجابيـ

خمســـون عامـــ: وحمـــام الجامـــع األمـــوي غائـــب

ـــة. ـــالة الجماع ـــن ص ع

ــى ــة علـ ــرش منصوبـ ــ: وأركان العـ ــون عامـ خمسـ

ـــى ـــا عل ـــك فيه ـــح المل ـــا مس ـــن.. م ـــالء المظلومي أش

رأس فقيـــر، و ال كفكـــف الحاكـــم فيهـــا دمعـــة

يتيـــم.

تضـــج الوطـــن وصحـــراء عامـــ: خمســـون

بالمعتقـــالت.. و األرواح، و تكتـــب تفاصيلهـــا قبـــرا

قبـــرا.

- ـــي ـــي -ال الفرنس ـــوت العرب ـــ: والم ـــون عام خمس

ـــلون. ـــي ميس ـــدد ف يتج

ـــم ـــا.. و ل ـــا أطفالن ـــرف فيه ـــم يع خمســـون عامـــ: ل

ـــد. ـــم المج ـــا بطع ـــربوا حليب يش

خمســـون عامـــ: ونحـــن نقـــرأ فاتحـــة الكتـــاب

علـــى ياســـمين دمشـــق.. ومجـــد دمشـــق.

ـــردى ـــق ب ـــق بح ـــادة )49( تطب ـــ: والم ـــون عام خمس

ـــام. الش

ـــط ـــر.. يراب ـــادس عش ـــنا الس ـــ: وجيش ـــون عام خمس

ـــر. ـــه األخي ـــوالن خط ـــا، والج ـــى أرواحن عل

:: أنس إبراهيم الدغيم

27

Page 28: مجلة الفجر - العدد الرابع

ــاة ــا الحيـ ــدو لنـ ــب، تبـ ــا فحسـ ــا نعيـــش لذواتنـ عندمـ

ـــي ـــي، وتنته ـــا نع ـــث بدأن ـــن حي ـــدأ م ـــة، تب ـــرة ضئيل قصي

بانتهـــاء عمرنـــا المحـــدود!

ـــا، أي عندمـــا نعيـــش لفكـــرة، أمـــا عندمـــا نعيـــش لغيرن

فـــإن الحيـــاة تبـــدو طويلـــة عميقـــة، تبـــدأ مـــن حيـــث

ـــذه ـــه ه ـــا لوج ـــد مفارقتن ـــد بع ـــانية، وتمت ـــدأت اإلنس ب

األرض.

ـــة، ـــذه الحال ـــي ه ـــردي ف ـــا الف ـــاف عمرن ـــح أضع ـــا نرب إنن

نربحهـــا حقيقـــة ال وهمـــا، فتصـــور الحيـــاة علـــى

هـــذا النحـــو، يضاعـــف شـــعورنا بأيامنـــا وســـاعاتنا

ولحظاتنـــا. فليســـت الحيـــاة بعـــد الســـنين، ولكنهـــا

بعـــداد المشـــاعر، ومـــا يســـميه »الواقعيـــون« فـــي

ـــة«، ـــع- »حقيق ـــي الواق ـــو -ف ـــا«، ه ـــة »وهم ـــذه الحال ه

ــم. ــن كل حقائقهـ ــح مـ أصـ

ــان ــعور اإلنسـ ــر شـ ــر غيـ ــيئا آخـ ــاة ليســـت شـ ألن الحيـ

ـــه تجـــرده د أي إنســـان مـــن الشـــعور بحيات ـــر ـــاة. ج بالحي

مـــن الحيـــاة ذاتهـــا فـــي معناهـــا الحقيقـــي! ومتـــى

أحـــس اإلنســـان شـــعورا مضاعفـــا بحياتـــه، فقـــد

عـــاش حيـــاة مضاعفـــة فعـــال

يبـــدو لـــي أن المســـألة مـــن البداهـــة بحيـــث ال تحتـــاج

إلـــى جـــدال!

سيد قطب