ﺪﺒﻌﻟا ﻦﺑ ﺔﻓﺮﻃ ﺮﻌﺷ ﻲﻓ...

مجلة القسم العربي

.باكستان -جامعة بنجاب، الهور

.م2018 والعشرون، خامسالعدد ال

Majallah Al-Qism Al-Arabi

University of the Punjab,

Lahore - Pakistan.

No.25, Issue: 2018

شعر طرفة بن العبدالحكمة في دهمسعود احمد مجا. د

ورهاج الهاملن ةستاذ املساعد جبامعاأل

حافظ سيد مبشر حسين کاظمی

ورهال ةاحملاضر جبامع

Abstract :

Wisdom in the poetry of Tarfa bin Alabd

In the works of literature, prose and poetry carry a great

import as they reveal the beauty of language. Though both of

these genres of literature stand prominent in Arabic, their

attraction is felt greater in poetry. The Arabs classify the literature

in verses into the following categories: the era of ignorance

( لیهالعصراجلا( , makhdaram )مخضرم( , the early period of Islam )صدراسالم( ,

the Umayyad period )عصر االموی( , the Abbasid period and the later

ages. Muallaqat ) معلقات( , collections of pre-Islamic Arabic odes,

composed in the era of ignorance )العصرالجاھلی( , are widely admired

on account of their skilful use of language. The poets who

composed muallaqat are regarded so high that they are

considered the heroes of Arabic language. Tarafa bin al-Abd is

among the poets who composed a muallaqa. Some critics regard

him to be the best of the pre-Islamic poets, if not the greatest Arab

one.

Pastoral poetry is celebrated in English and other

languages but its scope is much wider in Arabic when we consider

its different kinds: ode simile )تشبیب( , nasib )نسیب( , hamasa, tafakhur

م2018 مجلة القسم العربي العدد الخامس والعشرون 70

)تفاخر( and hikma )حکمۃ( . Tarafa bin al-Abd )طرفۃ بن العبد( composed

his poems in all these branches of pastoral poetry. The present

research paper deals with poetry on wisdom, and we should not

lose the sight of wisdom handed down by the poets of pagan

times. On this score the Prophet of Islam (peace and blessings be

upon him) said: “Wisdom is the lost camel of a believer.” In the

light of this Prophetic adage, the following pages of this article

throw light on the wisdom-laden thoughts of Tarafa bin al-Abd.

Key Words: Arabic literature and language, prose and poetry,

dark age, muallaqat, Tarafa bin al-Abd.

احلمد هللا الذي خلق اإلنسان وعلمه البيان، والصالة والسالم على أفصح

اخللق سيدنا حممد صلى اهللا عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان

.. .وبعد. إىل يوم الدين

فهذا حبث وجيز أتناول فيه طرفة بن العبد وأبيات احلكمة يف معلقته

رغم -ك حياة هذا الشاعر األملعي الذي بالدراسة والتحليل على حنو يوضح سلو

استطاع أن يثري األدب العريب، وأتعرض لكشف - موته يف ريعان شبابه

األسرار البيانية واملعامل الشعورية لشعر احلكمة من معلقته اليت جعلته يتبارى يف

ميدان األسبقية مع امرئ القيس وزهري، مع معاحلة شعره عالجا متأنيا يدرك أنه

حلق يف فضاء الشعر بارعا جميدا إال أنه يف معلقته نسيج وحده أتى فيهامبا وإن

يدل على فهمه النفس البشريه والنفس احليوانية وقدرته العجيبة على ابتكاراملعاين،

. ويشهد على ذلك ملكته التعبريية يف رقة وعذوبة وسالمة

الحكمة لغة واصطالحا، والقضايا العالقة بها

ويقال ... احلاء، والكاف، وامليم أصل واحد وهو املنع: قال ابن فارس

حكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يديه، واحلكمة هذا قياسها أل�ا متنع

.)1(من اجلهل

احلكمة عبارة عن معرفة أفضل األشياء بأفضل : وقال صاحب اللسان

71 حسين كاظميمسعود أحمد مجاهد، مبشر . د.. .......... الحكمة في شعر طرفة بن العبد

:واحلكمة... العلوم، ويقال ملن حيسن دقائق الصناعات، ويتقنها حكيم

.)2(العدل

من معانيها العلم، واحللم، والنبوة، ... احلكمة بالكسر: القاموس ويف

.)3(والقرآن، واإلجنيل

العلة يقال حكمة : احلكمة: وزيد عليه يف املعجم الوسيط حيث قيل

التشريع، وما احلكمة يف ذلك؟، والكالم يقل لفظه وجيل معناه، واجلمع حكم،

.)4(طبعلم الكيماء وال: وعلم احلكمة

كل كالم وافق احلق فهو حكمة، وقيل احلكمة هي :وفي االصطالح

معرفة احلقائق على ما هي :وقيل احلكمة )5(الكالم املعقول املصون عن احلشو

.)6(عليه بقدر

ونستطيع القول إن احلكمة يف الشعر تلخيص الفكر العميق باللفظ الدقيق

قليلة معان جليلة درج العرب على يف داللته على املعىن، أو تضمني األبيات ال

.تسميتها جوامع الكلم

أثر البيئة في تشكيل الحكمة

احلكمة ال تتخلى عن التأثر بالبيئة، وبالعصر، وباألشخاص الذين يصوغو�ا،

فلكل شاعر لون خاص يف صياغة احلكمة حسب اختالف طبائعهم، ووفق تباينهم

د يف البعض اهلدوء واالتزان والوعظ، والرضا يف النظرة إىل احلياة، وتتباين وسائله فنج

.)7(بينما البعض اآلخر ميتأل بالتشاؤم، واليأس واملرارة والتمرد. بالواقع

مصادر الحكمة

وتأمل املاضي، وقياسالبشر، وذكائهم وبصائرهم، تتعدد مصادرها منها جتارب

اء، والوحي والقم ومصادر أخرى كفلسفة القدم ،العربة ، واستخالصالثاين على األول

والتشريعات غري أ�ا قليلة األثر لضآلة حظهم منها، واعتمادهم األول على التجربة

وهلم يف ذلك عذر مقبول أل�م مل يقيموا يف ممالك ذات معاهد . )8(احلية العلمية

ومدارس كاإلغريق مثال إضافة إىل أ�م كانوا يعيشون يف زمن الفرتة؛ فال غرو أن يبقى


صادق املقرون بالذكاء الفطري، والتجارب اليت يسلكها العقل مسلك التنظيم احلس ال

. والدقة كمصدر جامع حلكمتهم

بين الحكمة والمثل

مل تفرق - وخباصة الكتب القدمية -ألف العرب كتبا يف األمثال، ولكنها

ال أنه إ. بينهما، إال أننا جند إشارة يف عبار�م حني يعرفون املثل أ�ما قد جيتمعان

ميكن االستئناس بأسس للتميز بينهما من تعريف املثل البن السكيت واملربد بأنه

. )9(قول سائر يشبه به حال الثاين باألول

بأن األمثال هي حكمة العرب يف اجلاهلية : ومن تعريف أيب عبيد القاسم

طق واإلسالم، و�ا كانت تعارض كالمها فتبلغ �ا ما حاولت من حاجا�ا يف املن

بكناية غري تصريح فيجتمع هلا بذلك ثالث خالل إجياز اللفظ، وإصابة املعىن،

.)10(وحسن التشببه

املثل ما تراضاه العامة، واخلاصة يف لفظه، ومعناه حىت : وعرفه السيوطي بأن

ابتذلوه فيما بينهم، وفاهوا به يف السراء، والضراء، واستدروا به املمتنع من الدر،

املطالب القصية، وتفرجوا به عن الكرب، واملكربة، وهو من أبلغ ووصلوا به إىل

.)11(احلكمة

وبالتأمل فيما سبق من أقوال القدماء في تحديد معنى المثل أمكننا أن

: نستخلص بعض الفروق

إذا كانت احلكمة تعبريا عن خربات احلياة بعبارة حمكمة فإن املثل ال يطلق

جيمع اإلجياز، وإصابة املعىن، وحسن التشبيه إال على أروع ضروب البيان الذي

ويؤيده ما قاله . مع كونه قوال سائرا ترضاه العامة واخلاصة يف لفظه ومعناه

املستشرق زهلامي رودلف يف كتاب األمثال العربية من أن املثل مع أنه يقرتن بلفظ

يتصل احلكمة يف التعبري عن فكرة مشا�ة فإن احلكمة متتاز بأ�ا جتمع كل ما

بالعادات والتقاليد والتدابري واألقوال السائرة، والعبارات النادرة فهي تعبري عن

.)12(خربات احلياة يف صيغة جتريدية


مث إن املثل واحلكمة يتشا�ان من حيث الصدق، واإلجياز، والتكثيف،

ولقد أصاب عفيف عبد الرمحن إذ قال إ�ما يلتقيان يف )13(...وإحكام العبارة

.)14(ف والنتيجة ويفرتقان يف األسلوباهلد

ومما سبق اتضح أن العالقة بينهما عام خاص مطلق فلو وجدت عبارة

صادقة موجزة حمكمة خالية من التشبيه معربة عن التجربة يف احلياة وهي غري

سارية فهي حكمة ال غري، ولو وجدت يف صورة تشبيهية، وسارت حىت ابتذلت

أن تنفرد احلكمة من املثل، وال ميكن أن يفرتق فهي مثل وحكمة فمن املمكن

كل : املثل عن احلكمة وهذا هو السبب فيما قاله العسكري يف مجهرة األمثال

.حكمة سائرة تسمى أمثاال

سمات الحكمة

حكمة العرب بنت التجربة، وحكمة اليونان بنت الفلسفة؛ وهلذا طبع شعر

. اطة، وارتباطها بالفطرة والتجربةالبس: احلكمة يف العصر اجلاهلي بسمات منها

وال أزعم أ�ا فلسفة ذات : وقد وضح حيىي اجلبوري هذه السمة فقال

بل هي إىل اإلحساس الذايت، والتأثر أقرب منها إىل التفكري العلمي ... أصول

وهناك مسة ثالثة . ومنها الوضوح والبعد عن الغريب... فهي نظرات وانطباعات

.)15(...ات األخرىوهي خمالطتها املوضوع

طرفة بن العبد حياته ومنزلته الشعرية

طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس : امسه هو

بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن

)16(أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان

)17(بطرفة لقولهولقب

)18(و ال أمري كما بالدار إذ وقفا ال تعجال بالبكاء اليوم مطرفا

أبو : اختلف الباحثون يف كنيته إىل آراء فقال حممد بن حبيب :كنيته

أبو : ، وهي عند املرزباين)20(أبو عمرو: وقال أبو عثمان األشنانداين. )19(إسحاق


.)21(إسحاق، وأبو سعد، وأبو عمرو

تلفوا يف امسه فقد ذهب معظمهم إىل أن امسه طرفه بينما قال حممد كما اخ

.)23(وهو عند ابن قتيبة واملرزباين عمرو )22(بن حبيب أن امسه عبيد

ولقد كان ملوت أيب طرفة وطرفة صغري أثر سوء على األسرة بكاملها فها هو ذا

ول فيه، وهو طرفة يشب يتيما فال يعرف عن أبيه شيئا، ولو عرف شيئا لفصل الق

الشاعر امللهم، وها هي وردة أم طرفة يهضم حقها من أعمامه فال تستطيع أن تنتصر،

. ومبن تنتصر وزوجها قد غيبته الرتاب، وبنوها ملا يشبوا عن الطوق

ـــده ـــرة :مول أمـــا مكـــان والدتـــه فـــيمكن أن نعتـــرب مضـــارب قومـــه يف شـــرق اجلزي

�ـــــــا كانـــــــت مضـــــــارب بكـــــــر بـــــــن العربيـــــــة، وأطـــــــراف العـــــــراق مكـــــــان والدتـــــــه؛ أل

. وائل قبيلة طرفة

وأما مىت ولد فلو نظرنا إىل ما اتفق عليه الرواة استطعنا أن نصل إىل شيئ

لقد اتفق الرواة على أن مقتل طرفة كان يف . ما يف هذا الباب على وجه التقريب

، وعليه فإن طرفة )م569- 554تربع على عرش احلرية بني (عهد عمرو بن هند

. م، وهي السنة اليت قتل فيها عمرو بن هند569أن يكون قد قتل قبل سنة البد

واألمر الثاين املتفق عليه أن طرفة مل يعمر طويال؛ فقد عاش بني عشرين إىل

.)24(ست وعشرين سنة

سنة لوجب أن )26(فلو افرتضنا أنه قد هلك يف أول عهد عمرو بن هند مستوفيا

لكن سنة وفاته غري معروفة بالضبط، واملعروف فقط م، و 528يكون مولده حوايل سنة

وبدهي أن الذي يهلك بني تينك السنتني . م569 –م 554أنه قد هلك بني سنيت

)25(.م543 - م 528ون قد ولد بني سنة سنة فالبد أن يك) 26(مستوفيا

وبناء على هذا فإنه إذا صح مقتل طرفة يف عهد عمرو بن هند، وصح كون

و ستا وعشرين سنة، وصح تاريخ اعتالء عمرو بن هند عرش عمره عشرين، أ

مات م، و 528إن طرفة يكون قد ولد بعد سنة احلرية، وصح تاريخ �اية حكمه ف

.م569قبل سنة


وبني هاتني السنتني عاش طرفة بن العبد ما بني عشرين إىل ست وعشرين

بعض بأنه عاش والرواة خمتلفون يف عدد سنوات عاش فيها طرفة إذ يقول ال. سنة

عشرين سنة، واآلخرون بأنه عاش ست وعشرين سنة، ونقل أبو الفرج األصفهاين

وكل أتى مبا يؤيد ما يراه غري أن )26(يف األغاين أنه قتل وهو ابن مثانية عشر سنة

. الذي مييل إليه ظين أنه عاش ستا وعشرين سنة

يت وجدت عنه، هذا وقد نشأ شاعرنا فقريا كما يتضح ذلك من األخبار ال

:وكما يتبني من قوله

لو شاء ريب كنت عمرو بن مرثدو فلو شاء ريب كنت قيس بن خالد

)27(ملسود سادة كرام بنون وزارين كثري مال ذا فأصبحت

فها هو شعره يدل على حالته االقتصادية على أنه كان رجال فقريا، بينما يرى يف

اه، وحشم، وخدم فجعل يتمىن أن جيعله اهللا مبشيئته ذا حميطه أبناء عمومته مبال، وج

أما األول فقد حصل فعال فقد يروي شراح املعلقات أن شعره هذا أثار . مال وأوالد

شفقة ابن عمه عمرو بن مرثد فأرسل يف طلبه فقال له أما الولد فاهللا يعطيكه، وأما

.)28(بنيه فأعطوه مائة من اإلبلوبين املال فال تربح حىت تكون أوسطنا ماال مث أمر بنيه

ومما يدل على حالته االقتصادية ما رواه التربيزي عن ابن األعرايب قال كان

كأنك : لطرفة وأخيه إبل يرعيا�ا يوما ويوما فلما أغبها طرفة قال له أخوه معبد

فإين ال أخرج حىت تعلم أن شعري : ترى أ�ا إن أخذت يردها شعرك هذا قال

.)29(سريدها

ظل نبوغ طرفة املبكر لغزا من األلغاز حري الباحثني، وشغل : نبوغه وثقافته

حىت ذهب بعضهم إىل أن طرفة رمبا قال الشعر يف أذهان القدماء منهم واحملدثني

السابعة من عمره، أو قبل ذلك التاريخ، وإال فكيف تبوأ هذه املكانة املرموقة يف

. سان الشعر، والبالغةسنوات عمره القصار بني املعمرين من فر

وبإمكاننا أن نصل إىل أمر نبوغه املبكر من خالل األخبار اليت ترددت على

والقصة مذكورة يف شرح أدب الكاتب ألسنة الرواة كقصته مع القنابر وهو صغري


أو قصته مع كبار ،ونلمح فيها نبوغه املبكر واالستعداد الفطري للشعر )30(للجواليقي

وقيل إن احلادثة هذه اليت )31("استنوق اجلمل"مقولته الشهرية الشعراء آنذاك و

قال فيها طرفة مقولته وقعت مع املسيب بن علس، وممن قال به ابن السكيت يف

روايته لديوان طرفة، واآلمدي يف املوازنة، واجلرجاين يف املنتخب من كنايات

األشعار ويف املوشح وهي منسوبة لعمرو بن كلثوم يف مجهرة )32(األدباء وغريهم

ونستنتج أن طرفة . ، أو قصته مع أعمامه الذين هضموا حق أمه)33(للمرزباين

كان موهوبا بنبوغ وفطنة قلما يوهب �ما إنسان يف صباه، ولقد صدق القريواين

.)34(لقد خص بأوفر نصيب من الشعر بأنزر نصيب من العمر: إذ قال

ها أقل عجبا من أمر نبوغه بل لعلها ترتبط هذا عن نبوغه فأما ثقافته فلم يكن أمر

به ارتباطا وكيف ال؟ وقد ضمن شعره يف ذلك احلظ القليل من حياته من األمور

الثقافية ما كان كثري منه جمهوال عند الكثريين فقد عرف الكثريون من أماكن اجلزيرة،

ك من ولو ذهبنا نضرب األمثلة لكل ذل. اخل... ومنازل أهلها، ومضارب سكا�ا

صلي إىل شيئ ال ميس هدفنا أشعاره لطال بنا املقام، ونكون قد خرجنا عن هدفنا األ

.مساسا

اإلباحية املطلقة، : واليت كانت تدور حول ثالثة أشياء: طريقته يف احلياة

فأما واجلرأة الشديدة على اهلجاء مما كان له أثر بعيد املدى يف موته، بالنفسواالعتداد

: ررها بنفسه حني يقولإباحيته فإنه يق

وجدك مل أحفل مىت قام عودي فلو ال ثالث هن من عيشة الفىت

ما تعل باملاء تزبد مىت كميت بشربة العاذالت سبقي فمنهن

املتورد نبهته الغضا كسيد جمنبا وكري إذا ما نادى املضاف

)35(ببهكنة حتت الطراف املمدد وتقصري يوم الدجن والدجن معجب

أما الناحية الثانية من نواحي حياته فهي اعتداده بنفسه والذي يتجلى و

:واضحا يف قوله

أتبلد ومل أكسل فلم عنيت إذا القوم قالوا من فىت خلت أنين


)36(أن أشهد اللذات هل أنت خملدو الوغى أال أيهذا الالئمي أحضر

. هل مسعت اعتزازا كهذا االعتزازفهل رأيت اعتدادا بالنفس كهذا االعتداد، و

وأما الناحية الثالثة من حياته فهي جرأته على هجاء غريه من غري تفريق بني

األباعد، واألقارب فقد هجا أعمامه حني هضموا حق أمه كما هجا عمرو بن

هند ملك احلرية حىت قتله، وهجا عبد عمرو بن بشر بن مرثد، وابن عمه، وزوج

: قربائه قولهأخته، ومن هجاءه أ

لقد رام ظلمي عبد عمرو فأنعما يا عجبا من عبد عمرو وبنيه

)37(وأن له كشحا إذا قام أهضما غىن له فيه غري أن وال خري

والبعض اآلخر )38(يرجع بعض أهل العلم هذه الظاهرة إىل اعتداده بنفسهو

جع ثالث إىل كونه كما ير )39(إىل تكوينه النفسي الذي افرزته ظروفه االجتماعية

.)40(ذا حسب يف قومه، وذا مكانة بينهم

سبق أن ذكرنا أنه كان فىت تياها فخورا بنفسه فشبب بأخت : �اية طرفة

فحقد عمرو بن هند على طرفة، ولكنه كره أن يعجل عليه إشفاقا من امللك غري مبال

سهما حىت هجاء املتلمس فلبث يتحني الفرص ليتخلص من االثنني معا، وهو يؤان

انطلقا إليه، وخذ : اطمأنا إليه فكتب إىل عامله يف البحرين، وقال هلما

أما امللتمس فقد عرف ما يف الصحيفة وقذفها يف البحرية ، فحمال الكتابني.جوائزكما

فضرب املثل بصحيفته، وسار طرفة حىت إىل البحرين، وكان صاحبها أبوكرب ربيعة بن

ا امتنع عن اهلرب مث كتب إىل عمرو بن هند يقول احلارث، فأىب قتله وحبسه عندم

ابعث إيل عملك من تريد فإين غري قاتل الرجل؛ فأرسل عمرو رجال من بين تغلب

وأمره بقتل طرفة، وقتل ربيعة بن احلارث ،يقال له عبد هند، واستعمله على البحرين

فة حيضهم فقدمها عبد هند، ولبث أياما فاجتمعت بكر بن وائل فهمت به، وكان طر

وقربه . فانتدب له رجال من احلرائر يقال له أبو ريشة فقتله، وقتل معه العامل السابق

.)41(معروف �جر يف أرض بين قيس بن ثعلبة


وضعه ابن سالم يف الطبقة الرابعة لقلة شعره بأيدي الرواة، : منزلته الشعرية

وقال ابن . )42(...اللخلولة أط: إنه أشعر الناس واحدة وهي قوله: ولكنه قال فيه

طرفة أفضل الناس واحدة : وقال ابن رشيق. )43(هو أجود الشعراء طويلة: قتيبه

مر لبيد مبجلس يف الكوفة وهو : وقال أبو عبيدة. )44(عند العلماء وهي املعلقة

: ؟ فقالمن أشعر العرب: أهل ا�لس وسألهيتوكأ على عصا، فلحقه فىت من

. الغالم القتيل، يعين طرفة: ؟ فقالمث من: فسأله. القيس، يعين امرء امللك الضليل

.)45(مث من ؟ فقال الشيخ أبو عقيل، يعين نفسه: فسأله

ومهما يكن من أمر هذه الرواية فإنه يستدل منها ومما تقدم من األقوال أن

وهذا التفضيل يعود إىل ما فيها من تصوير . طرفة فضل مبعلقته على سائر الشعراء

ته البدوية، وما يتخلله من اآلراء واحلكم، والفوائد التارخيية، إىل ما صادق حليا

وحسب صاحبها فضال أن . هنالك من دقة الوصف، وبراعة التشبيه، وقوة التعبري

.يكون غالما يف العشرين

أبيات الحكمة من معلقة طرفة بن العبد البكري

مة بالتحليل جيدر قبل أن نتعرض ألبيات احلك :مناسبة القصيدة، وموضوعا�ا

بنا أن نوجز احلديث عن معلقة طرفة، ملما مبعانيها إملاما سريعا لنكون على إملام مبا

تنطوي عليه حىت إذا أخذنا يف حتليل ما ورد فيها من أبيات يف موضوع احلكمة واليت

ون مل ترد يف موضوع مستقل، وإمنا هي تناثرت يف ثنايا املوضوعات املتعددة فيها نك

؛ لئال يذهب بنا الوهم وحنن نقرأ بيتا من احلكمة إىل معرفة من عالقتها بالسياقعلى

. أنه غريب يف موقعه ال عالقة له مبا سبقه وحلقه

ولو ذهبنا نتعرف على مناسبة هذه املعلقة جند الباحثني خيتلفون فيها كما

يف معلقات خيتلفون يف تسمية املعلقات �ذه االسم فقد قال الدكتور بدوي طبانة

العرب أن بعض الرواة ذكروا أن السبب الذي محل طرفة على قوهلا هو أنه كان

لطرفة وألخيه معبد إبل يرعيا�ا يوما ويوما، فأغبها طرفة يف املرعى فالمه أخوه

أرأيت إذا ذهبت إبلنا أكنت تردها بشعرك ؟ قال فإين ال أخرج : على فعله وقال


فقال . وأخذها ناس من مضر! ها إن أخذتأبدا حىت تعلم أن شعري سريد

قصيدته وإذا حنن اجتهدنا يف طلب ذلك السبب يف أحناء القصيدة والفحص عنه

: بني أبيا�ا فلن جنده واضحا بارزا بني أبيا�ا الكثرية إال يف أبيات قليلة منها

ويبعد عين ينأ منه أدن مىت عمي مالكا وابن أراين فما يل

يف احلي قرط بن معبد كما ال مين يلومين عالم أدري وما يلوم

ملحد رمس إىل وضعناه كأنا خري طلبته كل من و أيأسين

معبد محولة أغفل فلم نشدت قلته غري أنين ذنب غري على

مث أبيات باقية خيتلط فيها العتب بالفخر، واهلجاء بالتهديد، وال خيتص باإلبل

اليت ضيعها، وطلب العون على ردها، ويف هذا ما حيمل على القول بأن هذه القصيدة

الطويلة مل تصنع يف وقت واحد، وأن الشاعر قد استكمل هلا اخلصائص الفنية يف روية

.)46(وتؤدة حىت بلغ �ا ذلك املبلغ اليت عدت �ا من غرر الشعر اجلاهلي

تها نأيت إىل احلديث عن واآلن بعد هذا احلديث املوجز عن مناسب

:موضوعا�ا ومعانيها فنقول

إن معلقة طرفة هي الثانية يف املعلقات، وهي كسائر الشعر اجلاهلي متعددة

يستهلها بوصف أطالل خولة وحدوجها، مث ينتقل إىل وصف . األغراض واملرامي

الناقة، فوصف معيشته وكرمه، فمعاتبة ابن عمه مالك، فاالفتخار بنفسه، فذكر

آرائه يف املوت واحلياة إىل غري ذلك من األغراض اليت ال يتألف منها وحدة

: وهذه موضوعات القصيدة ومعانيها. املوضوع

: يبدأ قصيدته بغزل يتغزل فيه بامرأة مالكية تسمى خولة فيقول: الغزل

تلوح كباقي الوشم يف ظاهر اليد ثهمد بربقة أطالل خلولة

وجتلد أسى �لك ال يقولون علي مطيهم وقوفا �ا صحيب

هنا ينتقل الشاعر إىل ذكر حدوج املالكية فيشبهها بالسفن مث يأخذ يف و

وصف تلك السفن حىت إذا انتهى عاد إىل وصف من يهوى وهذه خصيصة يف

الشعر اجلاهلي جتعله ال يرتك املوصوف حىت يصوره من مجيع جهاته، وهلذه


. تفيدنا ما كان يف البحرين من مالحة وصناعة سفن األبيات قيمة تارخيية

: ينتقل فجاءة إىل ناقته اليت ينفي �ا اهلم عند حضوره: وصف الناقة

بعوجاء مرقال تروح وتغتدي و إين ألمضي اهلم عند احتضاره

فيمعن يف وصفها متناوال أعضاءها عضو عضوا، مشبها عظامها بألواح

ة، وشعر ذنبها يف بياضه جبناحي نسر أبيض، التابوت، وعدوها بعدو النعام

وأخالفها بقربة بالية النقطاع لبنها، وفخذيها ببايب قصر منيف أملس، وأضالعها

املتصلة بفقارها بالقسي، وإبطها يف السعة ببيتني من بيوت بقر الوحش، ومرفقيها

وبعدمها عن جنبيها بسقاء حيمل يف يديه دلوين، وعلوها بقنطرة رجل رومي،

وجنبيها بسقف أسند بعضه إىل بعض، وآثار النسع يف ظهرها بنقر يف الصخرة

امللساء، مث شبه هذه اآلثار يف تالقيها وتباعدها ببنائق بيض يف قميص مقدود،

كما شبه عنقها يف ارتفاعه وانتصابه بسكان سفينة جارية يف �ر دجلة،

صالبته، وخدها بقرطاس ومججمتها بالسندان، وطرف اجلمجمة باملربد يف دقته و

الرجل الشامي يف امنالسه، ومشفرها باجللد اليماين يف لينه، وعينيها يف صفائهما

وبريقهما باملرآة، وباملاء يف نقرة صخر، وحجاجيها وغؤور عينيها فيهما بكهفني

أي مغارتني، وعينيها يف حسنهما بعيين بقرة وحشية مذعورة هلا ولد، وأذنيها يف

ثور وحشي منفرد كثري احلذر، وقلبها يف صالبته مبرداة أي صخرة تيقظها بأذين

تكسر �ا الصخور، مث يف النهاية شبه ما حييط �ا من األضالع حبجارة عريضة

.حمكمة، وال خيفى ما يف هذا القسم من الفوائد التارخيية عن العصر اجلاهلي

نفسه ليصف معيشته مث يتفرغ من وصف الناقة، وتصويرها إىل: حياته وشاعريته

يف السلم واحلرب، فإذا هو حيب اللهو والعبث كما حيب احلرب وإغاثة امللهوفني، وإذا

هو مبذر يكره مجع املال ألن املوت اليفرق بني الكرمي والبخيل، والكرمي خري من

ويف هذا القسم يطلعنا على آرائه يف احلياة واملوت، وعلى اضطهاد عشريته له، . البخيل

وهو أهم أقسام املعلقة ألن به تظهر خصائص . ى غري ذلك مما يتعلق حبياتهوعل

الشاعر متام الظهور فال خولة طرفة، وال ناقته جتذبه إلينا أو جتذبنا إليه فليس يف نسيبه


ما يغري بنا، ويستخف قلوبنا، وليس يف وصف عوجائه املرقال ما جيمع روحنا بروحه،

هو أدق وصف هلا بشهادة املتقدمني واملتأخرين، وإمنا ويربط دنيانا بدنياه وإن كان

طرفة نفسه دون غريه بلهوه ومرحه، وبفخره واعتداده، وبتشكيه وتظلمه حيملنا إليه، أو

نأسى ألمله، ونبتهج حلماسته، ونضحل لسروره : حيمل ذاته إلينا فنحس بإحساسه

حه إىل أرواح قرائه، وإذا مل فحياته يف شعره هلا أثر قوي يف توجيه هذا الشعر، وضم ور

يكن فيه ما يف شعر امرء القيس من انطالق النفس، وعمق التصور، وتلوين اخليال

املتحر ك فإن فيه من صدق الشعور، وفطرة النفس، وبساطة التعبري ما يفيض عليه

. اجلمال، ويضمن تقريبه إىل القلوب

النفس، وحيبو والشعور الصادق عامل رئيسي للفن يبعث النشاط يف

اجلمال عنصر احلياة، وكل عمل فين فاته الشعور الصادق ال يستحق أن يعد من

أنباء احلياة، وليست النشوة اليت حتدثها حياة الفن إال ائتالفا موسيقيا بني

الشعور، واخليال، واإلدراك تتوىل األلفاظ إخراجه يف الشعر كما تتوىل إخراجه

واأللوان وطرفة ربيب البحرين شهد من احلضارة، املوسيقى، والرسم، واالوتار،

والعمران ما ال يشهده ساكن اخليام يف بوادي جند واحلجاز، ونشأ يتيما ال يد

فوقه تقوم على تأديبه إال يد أمه، ومل تكن قاسية عليه، ووجد يف حوزته ماال وافرا

ندمان، فراح خيتلف إىل احلوانيت وهو يف العشرين أو دون العشرين يصحب ال

ويشرب اخلمر، ويعاشر القيان، حىت أنفق ما لديه، وأفلس فخلعته عشريته،

وأوسعته لوما وإهانة، وكان أقرب الناس إليه أخوه وابن عمه أشدهم وقيعة به

فتأملت نفسه الفتية، وأبت أن تصرب على الضيم يف أنفتها وشدة إحساسها

ة على األقرباء مستهينة فتفجرت منها ينابيع الشعر ثائرة على الظلم ساخط

باملوت واحلياة، وليس للشاعر غري فنه يسكن به آالمه، ويبث شكايته، ويرد عن

نفسه فاندفع طرفة يسفه أقوال الئميه، ويبدي هلم صالح أعماله وفساد آرائهم

وبىن أحكامه على . يف شيئ غري قليل من القحة، والعناد، والزراية والتحدي

م اإلنسان ميتا على كل حال، وما دام ال خلود يف هذه اخللود والفناء فما دا


الدنيا حلي ؛ فلماذا ال يبادر الفىت منيته مباله وملذاته، تلك امللذات اليت خيتصرها

فهذا الدفاع احلار حبجج يسيطر فيها . يف ثالثة أشياء احلرب، واخلمر، والنساء

وما شعره إال صورة الشعور الصادق على الفكر هو الذي حيبب إلينا شعر طرفة،

حلياته اهلائجة املضطربة، تلك احلياة اليت ينكرها عليه أهلوه، ويضطهدونه من

أجلها، ويراها مع ما لقي بسببها من إفالس، وطرد، وشقاء مثال أعلى ال يسمو

.إليه إال كل فىت كرمي جيمع الشرف، والنجدة، واللهو، والغزل

ىل صب ما اختلج يف صدره مث ينتقل إ: حكمة وشكوى وفخر واعتزاز

من خالصات التجارب فأخذ ينشأ شعرا يفصح عن رجل بصري باحلياة درب

عليها وخربها، ويؤدي بنا القول بأنه عاش املواقف، وعلمها، وعايش

الرجال، وعلم منهم، وكل ذلك حيث يتحدث عن املوت الذي ال يفرق بني

تشبه كنزا يئول إىل النفاد البخيل والكرمي حني يأيت األجل، وعن احلياة اليت

على مر األيام، وعن املوت الذي يف مدة جتاوزه الفىت يشبه احلبل الذي

مث تنتقل إىل شكوى . يطول صاحبه للدابة، ولكن اليدعها تتخلص منه

فيشكو عن مالمة ابن معبد ومالك له بال ذنب، ومع أنه جيهد نفسه يف

الدفاع عنهم، ويبلغ من أمله جتاه احلفاظ على ما بينهم من صلة القرىب، ويف

حتاملهم عليه أنه جعل يتمىن أن يرتكوه يف حاله، وعلى مشية ربه ألن ظلم

ذوي القرىب أشد أملا، مث تطرق إىل احلديث عن صنائعه مما يعتز به، ويفتخر

به فهو رجل مسرع، دخال يف األمور اليزال السيف القاطع الذي ال خيطئ

الضربة الثانية معلقا جبنبه، وأنه معروف بني اإلبل اهلدف، وال حيوج إىل

قرها، ويطعمها بسخائه فتخاف منه أن يعقرها، ولكنه ال يبايل بشيئ، ويع

.اجلواري احلسناوات

واليكاد ينتهي من صنائعه حىت يأخذ يف رثاء نفسه فيخاطب :رثائه نفسه

ابنة معبد، ويطلب منها أن تقيم النياحة على موته كما يليق بشخصيته ألنه مل

يكن كعامة الناس، وإمنا كان متصفا باخلصال املطلوبة يف الرجل الشجاع، ومع


احلكمة لينهي ذلك مل حيظ حبظ كبري من الثروة والشهرة، مث يعود مرة ثانية إىل

قصيدته �ا فيقول ستبدي لك األيام ما كنت جاهال ويأتيك باألخبار من مل

تزود، وهو من كالم النبوة فقد كان النيب صلى اهللا عليه وسلم يتمثل هذا البيت

.كلما أبطأ عليه اخلرب على ما قاله صاحب العقد القريد والثعاليب

تحليل أبيات الحكمة

وأن أشهد اللذات هل أنت خملدي ئمي أحضر الوغىأال أيهذا الال: قال

)47(مبا ملكت يدي أبادرها فدعين ال تسطيع دفع منييت كنت فإن

. موصوف: هذا. نابت مناب حرف النداء: أي. حرف تنبيه: أال: املفردات

الالئمي مبعين الذي يلومين، وينهاين صفة السم اإلشارة، وهو مضاف إىل املفعول به،

مرفوع على حذف أن الناصبة، : أحضر. جائز مع أنه مصحوب بأل ألنه صفةوهذا

: الوغى. ومنصوب على أ�ا مقدرة، وهو أجود بدليل املعطوف املصحوب بأن املذكورة

: اللذات. احلضور :الشهود. الصوت واجللبة، ومسي به احلرب لوجود ذلك فيها

. يع، واسطاع لغة يف استطاعأصله تستط: تسطيع. مبعىن أبقاه: وأخلده. مواضعها

. أسابقه: أبادره. املوت لكونه مقدرا بوقت معني: املنية

أال يا أيها الذي يلومين على شهودي مواطن احلرب، وهي : معىن البيتني

مظان بذل النفس لئال أقتل، وعلى حضوري حمافل اللذات، وهي مواقع بذل

عين أحضر احلرب، وأشهد املال لئال أفتقر ما أنت مبخلدي إن قبلت منك فد

. مواضع اللذات، وأنفق ما بيدي من املال يف امللذات قبل أن يأتيين املوت

البيت حبرف التنبيه أال؛ جيب أن نقف إذا أردنا أن ندرك سر بدء: التذوق البياين

على سياقهما فإ�ما مل يردا ههنا عشوائيا كما يتومهه البعض، ولكنهما وثيق الصلة

واليقضي حياته مستخفيا العطاء، طرفة حتدث عن نفسه بأنه ال ميتنع عن بسياقهما ف

ومبعزل عن أصحابه وندمائه، ولكنه يعطي، ويشهد، وينفق، ويرافق مث االجتماع عن مواطن

أن هذا موقفه من احلياة، وهو ماض عليه، مث ... اخلمور وما زال تشرايب" أكد بقوله

إىل أن حتامتين العشرية كلها: "املوقف إذ قال ذكر النتيجة اليت أدى به إليها هذا


إذن أصبح طرفة شبه خليع يف قبيلته، وال شك أن هذه " وأفردت إفراد البعري املعبد

أ�ا مل النتيجة وإن كانت تؤرق طرفة، وتدفعه إىل السفر، والرحلة لكسب املعاش غري

فه مما جعله خياطب تستطع أن تصرفه عما هو فيه بل عكس ذلك زادته إصرارا على موق

وقد يكون أي فرد من أفرادمالكا، جمادله الذي قد يكون أخاه معبدا، وقد يكون ابن عمه

ينكر على طرفة موقفه هذا من نفسه وماله ا�ادل اليت حتامته وجتنبته، وكأن العشرية

تى ولكنه أالنداء يف اخلطاب إليه وإصراره على هذا املوقف مما جعله ال يكتفي حبرف

مث لنتأمل . الكالم الذي يليه يف ذهن املخاطب ليتحقق فحوىالتنبيه قبل النداء حبرف

حرف النداء احملذوف، ونتعرف على براعة الشاعر يف وقوفه على أسرار حذف الكلمة

يكمن فيه ضيق قلب الشاعر من جدال الالئم وذكرها فما أبلغ هذا احلذف الذي يدل

طرفة فهو منه حبيث ال مته للحظة فال يغفل عن التوجه إىلإياه وكأنه ال يغفل عن مال

حيتاج إىل ذكر حرف النداء الذي يطلب به إقبال املخاطب وهل كنا نعلم �ذا السر

لو ذكر حرف النداء ومن هنا ندرك مدى الصواب يف قول شيخ البالغيني اإلمام عبد

شبيه بالسحر فإنك .. .هو باب: القاهر حني مهد للكالم عن أسرار احلذف والذكر

يف هذا " هذا"وال يغب عن بالنا مجال كلمة . )48(ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر

املوقع بالذات فإ�ا مكمن سر هو سخرية الشاعر من ا�ادل و�كمه من جداله على

أحضر الوغى، وأشهد اللذات؛ لنقف على أن : موقفه، مث لنا أن نتدبر التعبري باملضارع

يف الوغى، وشهود امللذات أمر مل حيصل من الشاعر مرة بل ظل حصوله احلضور

بنفسه وزيادة �كم من ا�ادلوسيظل يتجدد منه مهما المه القوم وفيه اعتزاز الشاعر

وليس هذا منتهى دالالت الرتاكيب فلننظر إىل االستفهام اإلنكاري يف قوله . العاذل

اإلجابة عنه أسرار كل تصرفاته، إنه تساؤل تتضمن ما أمجله وما أبلغه" هل أنت خملدي"

أيها الالئم لو أنك تدبرت ما يف الكون من نظام املوت، واحلياة وكأنه يقول �ذا األسلوب

.الرتدعت عن املالمة، وا�ادلة، ولكرهت البخل واجلنب

وأما البيت الثاين فيأخذنا مجال صياغته من مبدأه فالتعبري حبرف الشرط

غم أن عدم االستطاعة على دفع املوت مما ال شك فيه، والسر فيه أن ر " إن"


الشاعر �ذا التعبري أراد أن يقول خلصمه توبيخا له على تعامله السيئ معه أنت

أيها اخلصم بتعاملك هذا معي مثل من يشك يف أمر جازم هو أن دفع املنايا عن

قوله يف الشطر الثاين ويف النهاية لنتأمل. الناس ليس يف مقدرة الناس بشيئ

بصيغة األمر الذي هو مبعىن النصح واإلرشاد، ويكمن سر مجاله يف " فدعين"

داللته على حرص الشاعر على نصح قومهم وإرشادهم إىل ما هو متاع عز وفخر

وال خيفى أن احلكمة هذه من . هلم أال وهو اجلود، واإلنفاق قبل أن يأيت اليقني

ا أمثاله من أولئك الشبان الذين عكفوا على اللذات غري حكم احلياة اليت يؤمن �

مبالني باحلياة، وال حريصني على مال وجاه أل�م عرفوا أن مقامهم يف تلك احلياة

.قصري، وأنه ليس حلي بقاء

مفسد البطالة يف غوي كقرب قرب حنام خبيل مباله أرى : قال

)49(ن صفيح منضدصفائح صم م ترى جثوتنب من تراب عليهما

الزحار عند السؤال، وهو البخيل الشديد البخل، والزحار من : النحام: املفردات

الزحري وهو إخراج الصوت بأنني عند القيام بعمل شاق، والذي يتزحر مباله شحا كأنه

من يتبع هواه ولذاته، واملقصود هنا : الغوي. والظرف مباله متعلق ببخيل. يئن ويتشدد

اللهو واللعب والظرف متعلق مبفسد، وعىن باإلفساد : البطالة. إلنفاقاملسرف يف ا

الرتاب ا�موع، وهو مفعول ثان للرؤية واألول ضمري مثىن : اجلثوة. إفساد املال وإتالفه

الصالب يقال حجر : الصم. صخور عراض: الصفائح. حمذوف راجع إىل القربين

مجع صفيحة كالصفايح وهو احلجر الصفيح . أصم إذا كان صلبا يف غاية الصالبة

اسم مفعول من نضده مضعفا إذا وضع بعض الشيئ : املنضد. العريض، ومن بيانية

. على بعض، وتوحيد النعت ملا أنه مجع على وزن املفرد

أرى قرب شحيح يبخل مباله على الناس مثل قرب رجل غوي مفسد : معىن البيتني

بني قربيهما فهما كومتني من تراب وضع للمال يف اللهو والعب، وال أرى التفاوت

.عليهما حجارة عراض صالب منضود بعضها على بعض

والذي يلفت انتباهنا يف هذين البيتني ألول وهلة هو ألفاظه الدالة : التذوق البياين


على معاناة الشاعر من مالمة الالئمني فلنتأمل قوله أرى، وترى، والقرب، واجلثوة،

هذه األلفاظ على ما يهدف إليه الشاعر من التوكيد على حضور كيف تتأزر . والرتاب

مث لنتأمل كلمة أرى بصيغة املضارع واليت يكمن سر . املوت، والرد على العاذلني

بالغتها يف الداللة على أن مشهد قبور البخالء والكرماء واليت تتساوى فيما بينها ال

ه مهما حاول يف إبعاده عن نظره، يربح ذلك املشهد يرتأى للشاعر وال يغيب عن عيني

وال يغب عن خاطرنا تنوين حنام، وخبيل الدال على التحقري والتعميم، وال يبعد أن

يكون فيه إحياء حبقارة الالئم مث لنتأمل يف الصورة البيانية التمثيلية اليت تنهض مبراد

خيل، وقرب اجلواد الشاعر �ضا تاما فاملقصود من البيت ليس بيان املساواة بني قرب الب

فإ�ا أمر بني ال حيتاج إىل البيان، وإمنا املقصود إدعاء عدم التفاوت بني البخيل واجلواد

فلم ينقل إلينا مقصوده مباشرة، وإمنا أتى به بصورة بيانية لتكون دليال على دعواه،

ومل يكتف . )50(وأكثر تأثريا على نفس املخاطب كما هو شأن التشبيه التمثيلي

ترى "الستدالل على دعواه بالصورة البيانية، ولكنه جلأ إىل توكيده وتبيينه حيث قال با

أرى قرب، مث : مثل ما قلت يف قوله" ترى" وقل يف قوله .. .جثوتني من تراب عليهما

ال ينبغي أن منر بتصرف الشاعر حبذف املفعول األول للرؤية ظنا أن الذي أدى به إىل

؛ فإنه حتامل على القدرة الشعرية اليت كان طرفة يتمتع �ا ذلك هو استقامة الوزن

ولكن الذي جعله حيذف هو خياله أن ذكره رمبا أخل مبقصوده إذ ليس مقصوده

اإلخبار بكو�ما من تراب بل املقصود توكيده على املساواة واملشا�ة بني القربين مبا ال

حجارة منضدة ال يفرق بينهما أن ميكن التفريق بينهما فكالمها جثوة تراب عليهما

أحدا يضم رجال قد حرص على ماله فابقاه واآلخر يضم رجال قد طابت نفسه عن

ماله فأتلفه إتالفا، وهذا املقصود مل يكن يتطلب إال أن يعطي املتكلم املفعول الثاين

وال خيفى أن هذه احلكمة تنطوي على نظرة واقعية من واقع . حظا من عنايته أكثر

ياة، وما يؤول إليها اإلنسان، وال تصدر هذه النظرة إال من متأمل متفكر ممعن فيما احل

.يدور حوله

املتشدد الفاحش مال عقيلة أرى املوت يعتام الكرام ويصطفي : قال


ينفد والدهر األيام تنقص وما كنزا ناقصا كل ليلة العيش أرى

)51(باليد وثنياه املرخى كالطول ل ما أخطأ الفىت املوت إن لعمرك

)52(املنية ينقد حبل يف يك ومن حلتفه يقده يوما يشأ ما مىت

أكرمه : عقيلة كل شيئ. خيتار يقال اعتامه واعتماه أي اختاره: يعتام: املفردات

. البخيل املمسك: املتشدد. القبيح السيئ اخللق وقيل البخيل: الفاحش. وأحسنه

أي كلما مر يوم : ناقصا كل ليلة. ثروة: كنز. قصد به عمر اإلنسان وحياتهي: العيش

. يذهب وينتهي، وال يعود: ينفد. أو ليلة نقص ذلك من هذه الثروة، وهي العمر

وحياتك، وفيه ثالث لغات لعمرك بالالم والرفع، وهي املختارة، : قسم معناه: لعمرك

ما أخطأ . )53(ك بالرفع وإسقاط الالمويقال عمرك بالنصب وإسقاط الالم، ويقال عمر

. مل يصب ومل ينزل به أي طول مدة عدم نزوله بالفىت: ما مصدرية ظرفية، أخطأ: الفىت

ما انثىن على يده : ثنياه. احلبل الطويل تربط به الدابة يطول هلا يف الكأل لرتعى: الطول

. ويطيع ينساق: ينقد. املوت واهلالك: احلتف. يسوقه: يقده. وعطفه عليه

أرى املوت خيتار الكرام من الناس باإلفناء ويأخذ اخليار من : معىن األبيات

مال البخيل اللئيم كما أرى احلياة مثل كنز ينقص كل وقت وما ينقصه األيام

واحلوادث ينتهي يوما ما ال حمالة، وأقسم حبياتك أن املوت يف مدة إخطائه الفىت

شد به صاحب الدابة رجلها، ويرخيه لرتعى ما وجماوزته إياه مثل الرسن الذي ي

شاءت، وقد أخذ طاقيه بيده فإذا شاء حذبه إىل نفسه فليس هذا إخطاء يف

الواقع، وإمنا هو إمهال إىل مدة معينة ألنه مىت شاء جره إىل اهلالك وهو ال

. يستطيع أن يقاومه بل ينساق وينخضع ملشيته

فيه داللة على أن فكرة " أرى املوت " قوله التعبري باملضارع يف: التذوق البياين

البيت ال تكاد تغادر ذهن الشاعر، مث لنتأمل الصورة البيانية يف قوله يعتام ويصطفي

حيث جعل الشاعر املوت خيتار األكرم، وينتقي األحسن، وذلك ال حيدث وإمنا الواقع

أشد وقعا ر، وأقوى، ويكونان أظهر، وأشهأن موت العظيم املشهور، وفقد العزيز الغايل

الصورة ، ويكمن سر بالغة هذه على النفس فيقال كأن املوت خيتار األكرم واألحسن


فيما هلا يف النفس من تأثري أكثر مما للتعبري املباشر، على أن فيها داللة على حث

الشاعر الكرام والبخالء على أن يستمتعوا باحلياة ومبا ميلكونه قبل أن خيتطفهم املوت

ولو جلأ إىل التعبري املباشر ملا كان له )54(و تأتيهم كارثة تذهب به فيزدادوا أملا وحسرةأ

من النفس موقع ما هلذا التعبري التصويري، مث لنتدبر كلمة يعتام بصيغة املضارع وكذلك

عقيلة، والفاحش، واملتشدد كيف تتآزر كلها لتؤكد هدف الشاعر : يصطفي، وكلمة

يعتام ويصطفي يؤكد أن إصابة الكرام : متاع باحلياة، فاملضارعوهو احلث على االست

الناس تستمتعون أيهاوالبخالء باملوت نظام من نظم الكون ال مفر منه ألحد، فلم ال

حبياتكم وأموالكم، وعقيلة الفاحش املتشدد تؤكد أن املال ال بد من �ايته مهما كان

فيم اإلعراض عن االستمتاع ؟ مث يقول نفيسا ومهما احتال صاحبه يف احلفاظ عليه، ف

يكمن سر بالغته يف ما أروع التشبيه فيه ذلك التشبيه الذي " أرى العيش كنز ناقصا

أن يستغله الداللة على أن عمر اإلنسان يف هذه احلياة ثروة وكنز عظيم على اإلنسان

ه، مث لنتأمل كلمة باخلري والسعادة ال فيما يعيبه ويزدري أحسن استغالل فيما يعود عليه

كيف تؤكد هذه الفكرة وكأنه حيثه على سرعة االستمتاع حبياته ما " ناقصا كل ليلة "

إىل النفاد ال حمالة من عمره ينتقص كل ساعة، وأنه سيؤلدام حيا فإن حظ اإلنسان

وال يفتنا التدبر . )55(فمن العقل أن ال يتعلق اإلنسان به، وأال حيرص على مجعه وكنزه

ليلة، والنقص، واأليام، والدهر فإ�ا هلا يف هذا املوقع مذاقا عجيبا هو أ�ا : كلماتيف

حتمل يف ظالهلا أفكارا عجيبة خميفة من شأ�ا أن جتعل اإلنسان مسرعا يف السعي لنيل

سعادة الدنيا، فكثريا ما يسرع اإلنسان يف سعادة الدنيا حني يفكر يف احلوادث ونقص

رفة كيف استطاع أن يستعمل مثل هذه الوسائل يف الوصول إىل العمر، وهللا در ط

مث لننظر يف البيت الثالث وما فيه من متثيل عجيب كيف ميثل حال اإلنسان مع . مرماه

املوت بدابة تربط يف حبل وميسك صاحبها بطرفه لريخي هلا احلبل حني تريد الرعي

د مد له يف أجله وهو يف يد من قاإلنسان حني يشاء صاحبها أن تعود، وهكذاوليجذ�ا

والذي ميلك قبض روحه هو قائده واإلنسان تابع له ال يستطيع أن ميلك قبض روحه

خيالف مشية قائده، وينكشف سر بالغة هذه الصورة أ�ا نقلت صورة املوت وحال


الناس معه بشكل حمسوس فأبانت املعىن وجعلته أكثر وضوحا وأقرب إىل النفوس

لوب وهذا من فوائد التمثيل اليت عدها اإلمام عبد القاهر يف األسرار وأدخل إىل الق

يقده من صورة بيانية حيث شبه املوت بإنسان : وال يفتنا تذوق ما يف قوله. )56(البالغة

يقود مث حذف املشبه به ورمز له بشيئ من لوازمة وهو القيادة، ويكمن سر بالغتها يف

فيها أيضا إحياء بعجز " يقده " وس، على أن كلمة نقل األمر املعقول يف الوجه احملس

اإلنسان عن دفع املوت، وإذا كانت هذه هي احلياة فلماذا الصراع، واخللف بني الناس،

أال نشعر وحنن نقرأ هذه األبيات أننا أمام حكيم . )57(ومل اهلجران واملالمة يا ابن عم

.خبري جمرب قد أثقلته التجارب

)58(بعيدا غدا ما أقرب اليوم من غد وال أرى النفوس أرى املوت أعداد :قال

تزود مل من باألخبار ويأتيك ما كنت جاهال ستبدي لك األيام

)59(تضرب له وقت موعد ومل بتاتا من مل تبع له باألخبار يأتيك و

:مجع عدد واملراد بأعداد النفوس على قدر ها، زوده: األعداد: املفردات

.الزاد وكساء السفر، ومتاع البيت :البتات. مل تشرت له: مل تبع له. تعطيه زادا

أرى املوت على قدر أعداد النفوس فلكل نفس موت إما : معىن األبيات

اليوم أو عدا وال أرى الغد بعيدا من اليوم مث يتعجت من قرب اليوم من الغد

ثاين إن الزمن يظهر احلقائق، فيقول ما أدىن اليوم من الغد مث يقول يف البيت ال

ويكشف املستور، ويعرفك مبا ال تعلمه، وقد يأتيك باألنباء من ال تطلب منه،

ومن مل تسأل عنه، وأعلم أن احلقائق ال ختفى وإن خفي فستظهر عاجال أم

آجال، وقد تأتيك باحلقائق عن طريق ال تتوقعها، ومن شخص مل تشرت له زاد

.به من قبلالسفر من قبل، ومل تلتق

مل يربح طرفة يدافع عن فلسفته يف احلياة واليت تتمثل يف : التذوق البياين

ويرد على البخيل واجلبان والالئم، ومل ،اإلسراف، واإلقبال على امللذات وشهود القتال

ينفك يقدم تصور الكون واحلياة واالنسان ويوخبه على اهلجران إذ إن مغزى البيت

فرتة قصرية ستنتهي عاجال أم آجال، والعاقل هو من يقضيها األول أن عمر اإلنسان


يف أمان واطمئنان، وحب ومودة وصالت طيبة مع مجيع الناس، ومن احلمق أن

أرى املوت "يقضيها اإلنسان يف هجر، وخبل، ومالمة، وكل ذلك بأسلوب خربي

لوب ومل يكتف بذلك بل أتبعه مؤكدا له أس" أعداد النفوس وال ارى بعيدا غدا

وليس هذا كل ما يف هذه القطعة فلنتأمل يف قوله . ما أقرب اليوم من غد: التعجب

ستبدي لك األيام ما كنت جاهال بصورة ا�از العقلي حيث جعل الفعل لأليام وهو

ويأتيك باألخبار من مل تبع له بتاتا " من أفعال اهللا يف احلقيقة، مث إن قوله السابق وقوله

ا نصحا عظيما هو أن احلقائق ال ختفى، وإن خفي منها شيئ يقدم من خالهلم"

بعض الوقت فسوف يظهر مبرور الزمن فمحاوالت طمس احلقائق ال جتدي، وأن

التكلف ال جيدي فعلى اإلنسان أن يلتزم بالصدق يف حياته، وينبذ التكلف والتشدد

ين به إن هو إال الذي تلومين عليه و�جر على طبعه، وعلى هذا فما تراه من أمري

.وحماولة مين على التخليد بذكريايت ،طبيعيت وفطريت

: ومن احلكمة واملثل ما قاله

)60(على املرء من وقع احلسام املهند وظلم ذوي القرىب أشد مضاضة

املنسوب إىل : املهند. القاطع: احلسام. مرارة وأمل وعذاب: مضاضة: املفردات

. اهلند وهو أحسن السيوف

إن الظلم الذي يواجهه اإلنسان من أحد أقاربه يكون شديد : بيتمعىن ال

الوقع على النفس إىل أقصى حد، والذي يشعر به اإلنسان جتاه ذلك الظلم أكثر

.وجعا وأملا من أمل السيف اهلندي

يقول إنه سعى بكل ما كان يف وسعه للدفاع عن أعراض : التذوق البياين

قط، ومع ذلك أقرباءه يهجرونه ويلومونه وهذا نفسه، وأقربائه، ومل ين يف ذلك

هو الظلم الذي يكون على اإلنسان أشد وأوجع، وذلك ألن اإلنسان دائما يتوقع

من ذوي القرىب العون واملساعدة، والوقوف جبانبه ونصرته يف أخذ حقه ممن ظلموه

ال أن يرتكبوا هم أنفسهم الظلم ضده فإن حدث ذلك منهم سببوا له ضيقا،

ا، وعذابا مث إن املظلوم يف تلك احلال لن يكون يف الغالب جادا يف االنتصاف وأمل


من القريب الظامل بل رمبا انطوى على نفسه فيما يلقى فيحس لذلك أملا شديدا،

وكل هذه املعاين واألحاسيس خلصها، وأوجزها الشاعر يف هذا البيت احلكيم

.وهذا هو سر امتالكه القلوب والنفوس

خاتمة

د هذا الشوط املمتع الذي قضيته يف إجناز هذا البحث ميكن تلخيص ما بع

: جاء فيه يف النقاط التالية

إن احلكمة هي الكالم املعقول املصون عن احلشو، وهي ال ختلو عن أثر بيئة .1

.احلكيم

إن مصادر حكمة اجلاهليني تتمثل يف احلس الصايف املقرون بالذكاء الفطري، .2

.يئتهم وجتار�م اليت مروا �اوبصري�م النافذة وب

إن العالقة بني احلكمة واملثل هي أن كل مثل حكمة دون العكس وهناك .3

.أسس متيز بينهما

احلكمة هلا مسات تتسم �ا وتتمثل تلك السمات يف البساطة، والوضوح، .4

.وورودها يف ثنايا املوضوعات املتعددة، وتأثرها بالبيئة

م وعاش يتيما يف ببيئة تتكون بأب متوىف، 543 – 528ولد طرفة بني سنيت .5

وأم مظلومة، وإخوة صغار، وأعمام ظلمة فكان هلذه البيئة أثر كبري يف حياته

وشعره ولكن رزقه اهللا يف صباه باملوهبة والفطنة والذكاء الوقاد واحلس الصايف

العجيب فعاش معتدا بنفسه، مفتخرا بشجاعته، وفروسيته، مدلال مبكانته يف

، مرخيا لنفسه العنان يف هجاء من شاء من الناس، مبيحا كل امللذات قومه

. وقتل يف عهد عمرو بن هند على يد عامله بالبحرين. لنفسه

اختالف العلماء يف امسه ولقبه وكنيته، واختالفهم يف عمره، وشكوكهم يف .6

لقته ولكنهم ال خيتلفون يف أنه كان يتمتع مبنزلة شعرية ونظرا إىل مع. قصة قتله

كان يستحق أن يتبوأ اإلمارة الشعرية بعد امرء القيس بل كثري منهم يفضل

. معلقته على املعلقات األخرى كلها


تتسم معلقته بسمات الشعر اجلاهلي فهي متعددة األغراض، وفيها بساطة .7

الرتاكيب ووضوحها ومتانتها وإحكامها، وأثر البداوة ومالحمها يف بعض

صدق اإلحساس والعاطفة، ودقة التصوير والتعبري عن ألفاظه، كما أن فيها

. احلياة والبعد عن االستدالل الفلسفي

أبيات احلكمة من معلقته وإن كانت ختاطب العقل إال أ�ا ال ختلوا من .8

مسات شعر جيد وهي ليست شعرا منطقيا جافا ال يهز القلوب، وال حيرك

يظهر عند التأمل يف املشاعر، بل تنطوي على كثري من أسرار الشعر

الكلمات والصياغة، أما كو�ا قليلة احلظ من الصور البيانية من التشبيه

واالستعارة فأل�ا ختاطب العقل دون القلب،و مع ذلك استطاع الشاعر أن

يأيت بألفاظ موحية، وتراكيب حاملة األسرار البالغية على حنو ما وضحته

.يف الفصل الثاين عند التحليل

ي والمراجعالحواش .2/91م، 1979: معجم مقاييس اللغة، بريوت: بن فارس، أمحد، اإلماما .1

.951/ 2ه، 711: ، بريوت1.لسان العرب ط: بن منظور، حممد بن مكرم،االماما .2

.97/ 4: قاهره ،.القاموس احمليط،ط: الفريوزآبادي، حممد بن يعقوب اإلمام .3

.220، القاهرة، 4.املعجم الوسيط، ط...... .4

.96م، ص 1985: ، بريوت3.التعريفات، ط: جلرجاين، السيد الشريف العالمةا .5

م، ص 1992: ، دمشق1.األدب اجلاهلي قضاياه وأغراضه وفنونه، ط: طليمات ,زكي .6

210.

.212السابق ص .7

.215السابق .8

.55م، ص 1955: ، القاهرة2.جممع األمثال، ط: النيسابوري، أمحد بن حممد امليداين .9

م، 1980: ، مكة مكرمة1.األمثال، ط: عبيد القاسم الدكتور عبد ا�يد قطامش، أبو .10

.24ص

.486/ 2: ، لبنان1.املزهر يف علوم اللغة، ط: السيوطي، جالل الدين، اإلمام .11

م، 1983: األمثال العربية القدمية، مقالة با�لة العربية، الكويت: عفيف، عبد الرمحن .12

.33ص . 3، مج 10عدد

34م، ص 2002: ، السعودية4.الروائع يف احلكم واألمثال، ط: طه مجانة .13


، 3مج 10م، عدد 1983: عفيف، عبد الرمحن، األمثال العربية القدمية، الكويت .14

1983.

وأستاذ عرفان األشقر . ، د1.زكي، طليمات، األدب اجلاهلي قضاياه وأغراضه وفنونه، ط .15

.221م، ص 1992: ط، دمشق

، 38، املعلقات العرب وأخبار شعرائها، ص 82املعلقات، ص شرح : ا لتربيزي،العشر .16

.81رياض الفيض على املعلقات السبع ص

، 364ص 1، ومعاهد التنصيص ج 5، معجم الشعراء ص 320ألقاب الشعراء ص .17

.222وشرح شواهد املغين

.176ص : ، بريوت2.ديوان طرفة بن العبد، ط: مهدي، ناصر الدين، حممد .18

م، ص 1954، جلنة التأليف والرتمجة والنشر 1.كىن الشعراء، ط: حممد بن حبيب .19

228.

.160م، ص1922: ، دمشق1.معاين الشعر، ط: األشنانداين، أبو عثمان، اإلمام .20

.5م، ص 1960: ، بريوت5.املرزباين، أبو عبيد اهللا حممد بن عمران، معجم الشعراء، ط .21

.320م،ص 1994: ، بريوت2.ألقاب الشعراء، ط: حممد بن حبيب .22

الشعر والشعراء،حممود حممد شاكر، : ابن قتيبة، أبو حممد عبد اهللا ابن مسلم اإلمام .23

.7، ومعجم الشعراء ص 185/ 1م، 1966: ، مصر1.ط

. 190ص : ، مصر1.عبد العزيز النبوي، دکتور، دراسات يف األدب اجلاهلي، ط .24

: عبد العزيز، مكة مكرمة رسالة علمية، جبامعة امللك: طرفة بن العبد حياته وشعره .25

115: مص1980

، مصر، 1.األصفهاين، أبو الفرج، كتاب األغاين، الدكتور إحسان عباس وزمالئه، ط .26

14 /95.

م، 1975: ، دمشق3.ديوان طرفة بشرح األعلم الشنتمري، ط: السقال، اخلطيب ولطفي .27

.42- 41ص

:، دمشق2.ط السقال، اخلطيب ولطفي، ديوان طرفة بشرح األعلم الشنتمري، .28

. 95، وشرح القصائد العشر ص 41م، ص 1975

90ص .، القاهرة،5.شرح القصائد السبع الطوال، ط: األنباري، أبوبكر .29

85ه،ص 1350 :، القاهرة3.شرح أدب الكاتب، ط: اجلواليقي، أبو منصور، اإلمام .30

) نوق( مجهرة اللغة م قنو - 183/ 1، الشعر والشعراء 104، 103ينظر أمثال الضيب .31

.17ضرائر الشعر – 43الصناعتني ص - 133، 132/ 21األغاين –

.144، منتخب الكنايات ص 36من خمطوطته، واملوازنة ص 37ورقة .32

.111واملوشح ص 32 – 31ينظر مجهرة اِألشعار .33

.16م ص 1926: اخلاجني مبصر. أعالم الكالم،ط: القريوين، ابن شرف .34

شرح القصائد السبع الطوال، : السالم هارون عبد. األنباري، أبوبكرابن، ت .35

196ص : ،القاهرة5.ط


192 -183السابق ص .36

99، بريوت،ص 2.ديوان طرفة بن العبد، ط: مهدي، ناصر الدين، حممد .37

الشعر والشعراء، ت حممود حممد شاكر، :ابن قتيبة، أبو حممد عبد اهللا ابن مسلم، اإلمام .38

185/ 1.م1966: ، مصر1.ط

160م، ص 1922: ، دمشق1.، أبو عثمان،اإلمام، معاين الشعر، طاألشنانداين .39

43ص : ، القاهرة1.أبو عبد اهللا، اإلمام، شرح املعلقات السبع، ط،احلسني بن أمحد .40

119م ص 1989: أدباء العرب يف اجلاهلية وصدراإلسالم، بريوت: البستاين،البطرس .41

: ، جدة1.ط ،حمود شاكراجلمحي، ابن سالم، اإلمام، طبقات فحول الشعراء، ت من .42

.166ص

الشعر والشعراء، ت حممود حممد شاكر، : ابن قتيبة، أبو حممد عبد اهللا ابن مسلم، اإلمام .43

.1851/ 1.م1966مصر . ط

.210ص 1العمدة البن ج،رشيق،القريواين .44

الشعر والشعراء، ت حممود حممد شاكر، :ابن قتيبة، أبو حممد عبد اهللا ابن مسلم، اإلمام .45

.186/ 1 ،م1966: مصر. ط

.106م 1984: الرياض. بدوي طبانة، دكتور،معلقات العرب، ط .46

.25بريوت، ص . مهدي، ناصر الدين، حممد، ديوان طرفة بن العبد، ط .47

ص . القاهرة. دالئل اإلعجاز، ت حممود حممد شاكر، ط: اجلرجاين،عبد القاهر اإلمام .48

143.

.26ص .بريوت. د طديوان طرفة بن العب: مهدي، ناصر الدين، حممد .49

.73/ 1بريوت، . طه حسني، دكتور، حديث األربعاء، ط .50

.26ص ،بريوت. مهدي، حممد ناصر الدين، ديوان طرفة بن العبد، ط .51

.281م، ص 1984: الرياض. بدوي طبانة، دكتور، معلقات العرب، ط .52

.72ص : عيون الشعر العريب القدمي، ط القاهرة: علي جندي، دكتور .53

.72السابق ص .54

.ص/ 1دار املعارف . طه حسني، دكتور، حديث األربعاء، ط .55

. 90جدة، ص . ط -،أسرار البالغة: اجلرجاين، عبد القاهر، اإلمام .56

.119الزواوي، خالد، دكتور، مكارم األخالق يف الشعراجلاهلي، مصر، ص .57

.58م، ص 1984: الرياض. بدوي طبانة،دكتور،معلقات العرب، ط .58

.29بريوت ص . د، ديوان طرفة بن العبد، طمهدي، ناصر الدين، حمم .59

.27السابق، ص .60

*-*-*

ﺪﺒﻌﻟا ﻦﺑ ﺔﻓﺮﻃ ﺮﻌﺷ ﻲﻓ...

Documents

Transcript of ﺪﺒﻌﻟا ﻦﺑ ﺔﻓﺮﻃ ﺮﻌﺷ ﻲﻓ...