النبوات

218

Click here to load reader

Transcript of النبوات

Page 1: النبوات

النبواتبس��������������������������م الل��������������������������ه ال��������������������������رحمن ال��������������������������رحيم

الحمد لله رب العالمين قال شيخ اإلسالم تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله

فصل في معجزات األنبياء التي هي آياتهم وبراهينهم كما سماها الله آيات وبراهين

وللنظ���������ار ط���������رق في التمي���������يز بينه���������ا وبين غيره���������ا وفي وج���������ه داللته���������ا

أما األول فان منهم من رأى أن كل ما يخرج عن األمر المعتاد فانه معجزة وهو الخارق للعادة إذا إق��ترن

بدعوى النبوة وقد علموا أن الدليل مس��تلزم للم��دلول فيل��زم أن يك��ون ك��ل من خ��رقت ل��ه الع��ادة نبي��ا

فقالت طائفة ال تخرق العادة إال لنبي وكذبوا بما يذكر من خوارق السحرة والكهان وبكرامات الص��الحين

وهذه طريقة أكثر المعتزلة وغيرهم كأبي محمد بن حزم وغ��يره ب��ل يحكى ه��ذا الق��ول عن أبي إس��حاق

االسفراييني وأبي محمد بن أبي زيد ولكن كأن في الحكاية عنهما غلطا وإنما أرادوا الفرق بين الجنس��ين

وهؤالء يقولون إن ما جرى لمريم وعند مولد الرسول فهو إرهاص أي توطئة وإعالم بمجيء الرسول فما

خرقت في الحقيقة إال لنبي فيقال لهم وهكذا األولياء إنم�ا خ�رقت لهم لمت��ابعتهم الرس�ول فكم�ا أن م�ا

تقدمه هو من معجزاته فكذلك ما تأخر عنه وهؤالء يستثنون ما يكون أمام الساعة لكن ه��ؤالء ك��ذبوا بم��ا

تواتر من الخوارق لغير األنبياء والمنازع لهم يقول هي موجودة مشهودة لمن شهدها مت��واترة عن��د كث��ير

من الناس أعظم مما تواترت عندهم بعض معجزات األنبياء وقد شهدها خلق كث��ير لم يش��هدوا معج��زات

األنبياء فكيف يكذبون بما شهدوه ويصدقون بما غاب عنهم ويكذبون بما ت��واتر عن��دهم أعظم مم��ا ت��واتر

غ������������������������������������������������������������������������������������������������������������������������������������يره

وقالت طائفة بل كل هذا حق وخرق العادة جائز مطلقا وكل ما خرق لنبي من الع��ادات يج��وز أن يخ��رق

لغيره من الصالحين بل ومن السحرة والكهان لكن الفرق أن هذه تقترن بها دع��وة النب��وة وه��و التح��دي

وقد يقولون إنه ال يمكن

النبوات أحد أن يعارضها بخالف تلك وهذا قول من إتبع جهما على أصله في أفع��ال ال��رب من الجهمي��ة وغ��يرهم

حيث جوزوا أن يفعل كل ممكن فلزمهم جواز خرق العادات مطلقا على يد كل أح��د واحت��اجوا م��ع ذل��ك

الى الفرق بين النبي وغيره فلم يأتوا بفرق معقول بل قالوا هذا يقترن به التحدي فمن إدعى النبوة وهو

كاذب لم يجز أن يخرق الله له العادة أو يخرقها له ويكون دليال على صدقه لم��ا يق��ترن به��ا مم��ا ين��اقض

ذلك فان هذين قوالن لهم فقيل لهم لم أوجبتم هذا في هذا الموضع دون غيره وأنتم ال توجبون على الله

شيئا فقالوا ألن المعجزة علم الصدق فيمتنع أن تكون لغ��ير ص��ادق ف��المجموع ه��و الممتن��ع وه��و خ��ارق

العادة ودعوى النبوة أو هذان مع السالمة عن المعارض فقيل لهم ولم قلتم إنه علم الصدق على قولكم

فقالوا إما ألنه يفضي منع ذلك إلى عجزه وإما ألنه علم داللته على الصدق بالضرورة فقيل لهم إنما يلزم

العجز لو كان التص��ديق على ق��ولكم ممكن��ا وك��ون داللته��ا معلوم��ة بالض��رورة ه��و مس��لم لكن��ه ين��اقض

أصولكم ويوجب أن يكون أحد الشيئين معلوما بالضرورة دون نظيره وهذا ممتنع فإنكم تقولون يج�وز أن

يخلق على يد مدعي النبوة والساحر والصالح لكن إن إدعى النبوة دلت على ص��دقه وإن لم ي��دع النب��وة

لم تدل على شيء مع أنه ال فرق عند الله بين أن يخلقها على يد مدعي النب��وة وغ��ير م��دعي النب��وة ب��ل

كالهما جائز فيه فاذا كان هذا مثل هذا فلم كان أحدهما دليال دون اآلخر ولم إقترن العلم بأحد المتماثلين

دون اآلخر ومن أين علمتم أن الرب ال يخرقها م�ع دع�وى النب��وة إال على ي�د ص�ادق وأنتم تج�وزون على

أص���������لكم ك���������ل فع���������ل مق���������دور وخلقه���������ا على ي���������د الك���������ذاب مق���������دور

ثم هؤالء جوزوا كرامات الصالحين ولم يذكروا بين جنسها وجنس كرامات األنبياء فرقا ب��ل ص��رح أئمتهم

أن كل ما خرق لنبي يجوز أن يخرق لألولياء حتى معراج محمد وفرق البحر لموس��ى وناق��ة ص��الح وغ��ير

ذلك ولم يذكروا بين المعجزة والسحر فرقا معقوال بل قد يجوزون أن يأتي الساحر بمثل ذلك لكن بينهما

Page 2: النبوات

فرق دعوى النبوة وبين الصالح والساحر البر والفجور وحذاق الفالسفة الذين تكلموا في هذا الباب مث��ل

إبن سينا وهو أفضل طائفتهم ولكنه أجهل من تكلم

في هذا الباب فإنهم جعلوا ذلك كله من قوى النفس لكن الفرق أن النبي والصالح نفس��ه ط�اهرة يقص�د

الخ���ير والس���احر نفس���ه خبيث���ة وأم���ا الف���رق بين الن���بي والص���الح فمتع���ذر على ق���ول ه���ؤالء

ومن الناس من فرق بين معجزات األنبياء وكرامات األولياء بفروق ضعيفه مث��ل ق��ولهم الكرام��ة يخفيه��ا

صاحبها أو الكرامة ال يتحدى بها ومن الكرامات ما أظهرها أصحابها كإظهار العالء بن الحض��رمي المش��ي

على الماء وإظهار عمر مخاطبة سارية على المنبر وإظه��ار أبي مس��لم لم��ا ألقي في الن��ار أنه��ا ص��ارت

عليه بردا وسالما وهذا بخالف من يدخلها بالشياطين فإنه قد يطفئها إال أنه�ا ال تص�ير علي�ه ب�ردا وس�الما

وإطفاء النار مقدور لإلنس والجن ومنها ما يتحدى به�ا ص�احبها أن دين االس�الم ح�ق كم�ا فع�ل خال�د بن

الوليد لما شرب السم وكالغالم الذي أتى الراهب وترك الس��احر وأم��ر بقت��ل نفس��ه بس��همه باس��م رب��ه

وك����ان قب����ل ذل����ك ق����د خ����رقت ل����ه الع����ادة فلم يتمكن����وا من قتل����ه ومث����ل ه����ذا كث����ير

فيقال المراتب ثالثة آيات األنبياء ثم كرامات الصالحين ثم خوارق الكفار والفجار كالسحرة والكهان وم��ا

يحصل لبعض المشركين وأهل الكتاب والضالل من المسلمين أما الص��الحون ال��ذين ي��دعون إلى طري��ق

األنبياء ال يخرجون عنها فتلك خوارقهم من معجزات األنبياء فإنهم يقولون نحن إنما حصل لن��ا ه��ذا باتب��اع

االنبياء ولو لم نتبعهم لم يحصل لنا هذا فهؤالء إذا قدر أنه جرى على يد أحدهم ما هو من جنس ما ج��رى

لألنبياء كما صارت النار بردا وسالما على أبي مسلم كما ص��ارت على إب��راهيم وكم��ا يك��ثر الل��ه الطع��ام

والشراب لكثير من الصالحين كما جرى في بعض المواطن للنبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم أو إحي��اء الل��ه

ميتا لبعض الصالحين كما أحياه لألنبياء وهي أيضا من معجزاتهم بمنزلة ما تقدمهم من اإلرهاص ومع ه�ذا

فاألولياء دون األنبياء والمرسلين فال تبلغ كرامات أحد قط مثل معجزات المرسلين كما أنهم ال يبلغون

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،5.

في الفض��يلة والث��واب إلى درج��اتهم ولكنهم ق��د يش��اركونهم في بعض��ها كم��ا ق��د يش��اركونهم في بعض

أعمالهم وكرامات الصالحين تدل على صحة الدين الذي جاء به الرسول ال ت��دل على أن ال��ولي معص��وم

وال على أنه تجب طاعته في كل م��ا يقول��ه ومن هن��ا ض��ل كث��ير من الن��اس من النص��ارى وغ��يرهم ف��ان

الحواريين وغيرهم كانت لهم كرامات كما تكون الكرامات لصالحي ه��ذه األم��ة فظن��وا أن ذل��ك يس��تلزم

عصمتهم كما يستلزم عصمة األنبياء فصاروا يوجبون موافقتهم في كل ما يقولون وهذا غلط ف��ان الن��بي

وجب قبول كل ما يقول لكونه نبيا إدعى النبوة ودلت المعجزة على صدقه والنبي معصوم وهنا المعجزة

ما دلت على النبوة بل على متابعة النبي وصحة دين النبي فال يلزم أن يك��ون ه��ذا الت��ابع معص��وما ولكن

الذي يحتاج إلى الفرق�ان الف�رق بين األنبي�اء وأتب�اعهم وبين من خ�الفهم من الكف�ار والفج�ار كالس�حرة

والكهان وغيرهم حتى يظهر الفرق بين الحق والباطل وبين م��ا يك��ون دليال على ص��دق ص��احبه كم��دعي

النبوة وبين ماال يكون دليال على صدق صاحبه فإن ال��دليل ال يك��ون دليال ح�تى يك��ون مس��تلزما للم�دلول

متى وجد وجد المدلول وإال فاذا وجد تارة مع وجود المدلول وتارة مع عدمه فليس بدليل فآي��ات األنبي��اء

وبراهينهم ال توجد إال مع النبوة وال توجد مع ما يناقض النبوة ومدعي النبوة إما صادق وإما كاذب والكذب

يناقض النبوة فال يجوز أن يوجد مع المناقض له�ا مث�ل م�ا يوج�د معه�ا وليس هن�ا ش�يء مخ�الف له�ا وال

من���اقض ف���إن الكف���ر والس���حر والكهان���ة ك���ل ذل���ك ين���اقض النب���وة ال يجتم���ع ه���و والنب���وة

والناس رجالن رجل موافق لهم ورجل مخالف لهم فالمخالف مناقض وإذا كان كذلك فيق��ال جنس آي��ات

األنبياء خارجة عن مقدور البشر بل وعن مقدور جنس الحيوان وأما خوارق مخالفيهم كالسحرة والكه��ان

فإنها من جنس أفعال الحيوان من اإلنس وغيره من الحيوان والجن مثل قت��ل الس��احر وتمريض��ه لغ��يره

فهذا أمر مقدور معروف للناس بالسحر وغير السحر وكذلك ركوب المكنسة أو الخابية وغ��ير ذل��ك ح��تى

تطير به وطيرانه في الهواء من بلد إلى بلد هذا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،6.

فعل مقدور للحيوان فان الطير يفعل ذلك والجن تفع��ل ذل��ك وق��د أخ��بر الل��ه أن العف��ريت ق��ال

مقامك  لسليمان من تقوم أن قبل به آتيك وهذا تصرف في أعراض الحي فان الموتأنا

Page 3: النبوات

والمرض والحركة أعراض والحيوان يقبل في العادة مث��ل ه��ذه األغ��راض ليس في ه��ذا قلب جنس

إلى جنس وال في هذا ما يختص الرب بالق�درة علي�ه وال م�ا تختص ب�ه المالئك�ة وك�ذلك إحض�ار م�ا

يحضر من طعام أو نفقة أو ثياب أو غير ذلك من الغيب وهذا إنما هو نقل مال من مكان إلى مك��ان

وهذا تفعله اإلنس والجن لكن الجن تفعله والناس ال يبصرون ذلك وه��ذا بخالف ك��ون الم��اء القلي��ل

نفسه يفيض حتى يصير كثيرا بأن ينبع من بين األصابع من غير زيادة يزادها فهذا ال يقدر عليه أنسي

وال جني وكذلك اإلخبار ببعض األمور الغائبة مع الكذب في بعض األخبار فهذا تفعل��ه الجن كث��يرا م��ع

الكهان وهو معتاد لهم مقدور بخالف اخبارهم بما يأكلون وما يدخرون مع تسمية الله على ذلك فهذا

ال تظهر عليه الشياطين وبنو إسرائيل كانوا مسلمين يسمون الله وأيض��ا فخ��بر المس��يح وغ��يره من

األنبياء ليس فيه كذب قط والكهان ال بد لهم من الكذب والرب قد أخ��بر في الق��رآن أن الش��ياطين

من  تنزل على بعض الناس فتخبره ببعض األمور الغائبة لكن ذكر الفرق فقال على انبئكم هلكاذبون وأكثرهم السمع يلقون أثيم أفاك كل على تنزل الشياطين كذلك مسرىتنزل

الرسول صلى الله عليه وس�لم من المس�جد الح�رام إلى المس�جد األقص�ى ليري�ه ال��رب من آيات�ه

فخاصة الرسول ليست مجرد قطع هذه المسافة بل قطعها ليريه الرب من اآليات الغائب�ة م�ا يخ�بر

به فهذا ال يقدر عليه الجن وهو نفسه لم يحتج بالمسرى على نبوته بل جعله مما يؤمن به ف��أخبرهم

به ليؤمنوا به والمقصود إيمانهم بما أخبرهم من الغيب الذي رآه تلك الليل��ة وإال فهم ك��انوا يعرف��ون

قال ولهذا األقصى والشجرة  المسجد للناس فتنة إال أريناك التي الرؤيا جعلنا وماالقرآن في قال ابن عباس هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةالملعونة

اآلية قال في كما به وهذا جنة  أسري عندها المنتهى سدرة عند أخرى نزلة رآه ولقدطغى وما البصر زاغ ما يغشى ما السدرة يغشى إذ المأوى

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،7.

الكبرى آيات ربه تعالى  لقد رأى من قال الغيب أنباء من الرسول به يخبر ما عالموكذلك

 الغيب فال يظهر على غيبه أحدا إال من ارتضى من رسول فإن��ه يس��لك من بين يدي��ه ومن خلف��ه رص��دا

على الكبار األمور تفصيل من سيكون بما علمه مثل به اختص الذي الرب غيب فهذاالمستقبلة األمور ببعض تخبر أن غايتها والجن الله إال عليه يقدر ال هذا فان الصدق وجه

الكذب من لهم بد فال الكذب من الجن في ما مع السماء من الجن يسترقه كالذيللناس المعتاد جنس من فهو المنامات وغير بالمنامات يعلم مما هو به يخبرون والذي

تقاتلون إنكم إخباره مثل مفصال الكبيرة البعيدة األمور من الرسول به يخبر ما وأماال وقوله المطرقة المجان وجوههم كأن الشعر ينتعلون األنوف ذلف األعين صغار الترك

ذلك ونحو ببصرى اإلبل أعناق لها تضيء الحجاز أرض من نار تخرج حتى الساعة تقوممعتاد الغيب من النبي غير به يخبر ما أن والمقصود إنسي وال جني عليه يقدر ال فهذاخارج النبي به يخبر وما لهم المقدور جنس من فهو واإلنس الجن من نظيره معروف

فيه قال الذي الله غيب من فهو وهؤالء هؤالء قدرة منعن إال أحدا غيبه على يظهر فال

 ارتض��������������������������������������������������������ى من رس��������������������������������������������������������ول واآليات الخارقة جنسان جنس في نوع العلم وجنس في نوع القدرة فما اختص به النبي من العلم خ��ارج

عن قدرة اإلنس والجن وما اختص به من المقدورات خارج عن قدرة اإلنس والجن وقدرة الجن في هذا

الباب كقدرة اإلنس ألن الجن هم من جملة من دعاهم األنبياء إلى اإليم��ان وأرس��لت الرس��ل اليهم ق��ال

لقاء  تعالى وينذرونكم آياتي عليكم يقصون منكم رسل يأتكم ألم واإلنس الجن معشر ياهذا ومعلوم أن النبي اذا دعا الجن إلى اإليمان به فال بد أن يأتي بآية خارجة عن مقدور الجنيومكم

فال بد أن تكون آيات األنبياء خارجة عن مقدور اإلنس والجن وما يأتي به الكاهن من خبر الجن وغايته أنه

سمعه الجني لما استرق السمع مثل ال��ذي يس�تمع إلى ح�ديث ق�وم وهم ل��ه ك�ارهون وم�ا أعط�اه الل�ه

سليمان مجموعه يخرج عن قدرة االنس والجن كتسخير الرياح والط��ير وأم��ا المالئك��ة فاألنبي��اء ال ت��دعو

المالئكة إلى اإليمان بهم بل المالئكة تنزل بالوحي على األنبياء وتعينهم وتؤي��دهم والخ��وارق ال��تي تك��ون

بأفعال المالئكة تختص باألنبياء

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،8.

Page 4: النبوات

وأتباعهم ال تكون للكفار والسحرة والكهان ولهذا أخبر الله تعالى أن الذي جاء ب��القرآن مل��ك ال ش��يطان

صاحبكم  فقال وما أمين ثم مطاع مكين العرش ذي عند قوة ذي كريم رسول لقول إنهرجيم شيطان بقول هو وما بضنين الغيب على هو وما المبين باألفق رآه ولقد بمجنون

المنذرين  وقال من لتكون قلبك على األمين الروح به القدس  وقال نزل روح نزله قلبالحق ربك الله  وقال من باذن قلبك على نزله فانه لجبريل عدوا كان هل  وقال من

كاذبون وأكثرهم السمع يلقون أثيم أفاك كل على تنزل الشياطين تنزل من على أنبئكم فينبغي أن يتدبر هذا الموضع وتعرف الفروق الكثيرة بين آيات األنبياءوبين ما يشتبه بها كما يعرف الفرق

بين النبي وبين المتنبي وبين ما يجيء به النبي وما يجيء به المتن��بي ف��الفرق الحاص��ل بين ص��فات ه��ذا

وصفات هذا وأفعال هذا وأفعال هذا وأمر هذا وأمر هذا وخبر ه��ذا وخ��بر ه��ذا وآي��ات ه��ذا وآي��ات ه��ذا إذ

الناس محتاجون الى هذا الفرقان أعظم من حاجتهم الى غيره والله تعالى يبينه وييسره ولهذا أخ��بر أن��ه

أرسل رسله باآليات البينات وكيف يشبه خير الناس بشر الناس ولهذا لما مثلوا الرسول بالساحر وغ��يره

تعالى سبيال  قال يستطيعون فال فضلوا األمثال لك ضربوا كيف انظر وقد تنازع الناس في الخوارق هل تدل على صالح صاحبها وعلى واليته لله والتحقي�ق أن من ك�ان مؤمن�ا

باألنبياء لم يستدل على الصالح بمجرد الخوارق التي ق�د تك�ون للكف�ار والفس�اق وإنم�ا يس�تدل بمتابع�ة

الله  الرجل للنبي فيميز بين أولياء الله وأعدائه بالفروق التي بينها الله ورسوله كقوله أولياء إن أاليتقون وكانوا آمنوا الذين يحزنون هم وال عليهم خوف وقد علق السعادة باإليمان والتقوىال

السحرة ذكر لما كقوله مواضع عدة لو  في خير الله عند من لمثوبة واتقوا آمنوا أنهم ولويعلمون وألجر  وقوله عن يوسف كانوا المحسنين أجر نضيع وال نشاء من برحمتنا نصيب

يتقون وكانوا آمنوا للذين خير وقوله في قصة صالح اآلخرة

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،9.

يتقون   وكانوا آمنوا الذين والسلف ونجينا الصحابة طريقة وهذه

أما داللتها على والية المعين فالناس متنازعون هل ال��ولي والم��ؤمن من م��ات على ذل��ك بحيث إذا ك��ان

مؤمنا تقيا وقد علم أنه يموت كافرا يكون في تلك الحال عدوا لل�ه أو ينتق�ل من إيم�ان ووالي�ة إلى كف�ر

وعداوة وهما قوالن معروفان فمن قال باألول فالولي عنده كالمؤمن عند من علم أن��ه يم��وت على تل��ك

الحال والخوارق ال تدل على ذلك ولذلك قال هؤالء كالقاض��ي أبي بك��ر وأبي يعلى وغيرهم��ا إنه��ا ال ت��دل

وأما من قال الوالية تتبدل فالوالية هنا كااليمان وقد يعلم أن الرجل مؤمن في الباطن تقي بدالئل كث��يرة

وقد يطلع الله بعض الناس على خاتمة غيره فهذا ال يمتن��ع لكن ه��ذا مث��ل الش��هادة لمعين بالجن��ة وفيه��ا

ثالثة أقوال قيل ال يشهد بذلك لغ��ير الن��بي وه��و ق��ول أبي حنيف��ة واألوزاعي وعلى بن الم��ديني وغ��يرهم

وقيل يشهد به لمن جاء به نص إن كان خبرا صحيحا كمن شهد له النبي بالجنة فقط وهذا قول كث��ير من

أصحابنا وغيرهم وقيل يشهد به لمن استفاض عند األمة أنه رجل ص��الح كعم��ر بن عب��د العزي��ز والحس��ن

البصري وغيرهما وكان أبو ثور يشهد الحم��د بن حنب��ل بالجن��ة وق��د ج��اء في الح��ديث ال��ذي في المس��ند

يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار قالوا بماذا يا رسول الله ق��ال بالثن��اء الحس��ن والثن��اء الس��يء

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت وجبت ومر

عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال وجبت وجبت فقيل يا رسول الل��ه م��ا قول��ك وجبت وجبت ق��ال ه��ذه

الجنازة أثنيتم عليها الخير فقلت وجبت لها الجنة وهذه الجنازة أثنيتم عليه��ا ش��را فقلت وجبت له��ا الن��ار

أنتم شهداء الله في األرض وفي حديث آخر إذا سمعت جيرانك يقول��ون ق��د أحس��نت فق��د أحس��نت وإذا

سمعتهم يقولون قد أسأت فقد أسأت وسئل عن الرجل يعمل العمل لنفسه فيحمده الناس علي��ه فق��ال

تلك عاجل بشرى المؤمن والتحقيق أن هذا قد يعلم بأسباب وق��د يغلب على الظن وال يج��وز للرج��ل أن

يقول بما ال يعلم ولهذا لما قالت أم العالء األنصارية لما قدم المه��اجرون المدين��ة اق��ترعت األنص��ار على

سكناهم فصار لنا عثمان ابن مظعون في السكنى فمرض فمرضناه ثم ت��وفي فج��اء رس��ول الل��ه ص��لى

الله عليه وسلم فدخل

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،10.

Page 5: النبوات

فقلت رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي أن قد أكرمك الله قال الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وم��ا

يدريك أن الله قد أكرمه قالت ال والله ال أدري فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما هو فق��د أت��اه اليقين

من ربه وإني ألرجو له الخير والله ما أدري وأنا رس�ول الل�ه م�ا يفع�ل بي وال بكم ق�الت فوالل�ه ال أزكي

بعده أحدا أبدا قالت ثم رأيت لعثمان بعد في النوم عينا تجري فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه

وس������������������������������������لم فق������������������������������������ال ذاك عمل������������������������������������ه

وأما من لم يكن مقرا باألنبياء فهذا ال يعرف الولي من غيره إذ ال��ولي ال يك��ون ولي��ا إال إذا آمن بالرس��ل

لكن قد ت�دل الخ�وارق على أن ه�ؤالء على الح�ق دون ه�ؤالء لك�ونهم من أتب�اع األنبي�اء كم�ا ق�د يتن�ازع

المسلمون والكفار في الدين فيؤيد الله المؤمنين بخوارق تدل على ص�حة دينهم كم�ا ص�ارت الن��ار على

أبي مسلم بردا وسالما وكما شرب خالد السم وأمثال ذل��ك فه��ذه الخ��وارق هي من جنس آي��ات األنبي��اء

وقد يجتمع كفار ومسلمون ومبتدعة وفج��ار فيؤي��د ه��ؤالء بخ��وارق تعينهم عليه��ا الجن والش��ياطين ولكن

جنهم وشياطينهم أقرب الى اإلسالم فيترجحون به��ا على أولئ��ك الكف�ار عن��د من ال يع��رف النب��وات كم�ا

يجري لكثير من المبتدعة والفج��ار م��ع الكف��ار مث��ل م��ا يج��ري لألحمدي��ة وغ��يرهم م��ع عب��اد المش��ركين

البخشية قدام التتار كانت خوارق هؤالء أقوى لكونهم كانوا أقرب الى االسالم وعند من هو أحق باالسالم

منهم ال تظهر خوارقهم بل تظهر خوارق من هو أتم إيمانا منهم وهذا يشبه رد أهل البدع على الكفار بم��ا

فيه بدعة فإنهم وإن ضلوا من هذا الوجه فهم خير من أولئك الكفار لكن من أراد أن يسلك إلى الله على

ما جاء به الرسول يضره هؤالء ومن كان جائرا نفعه ه��ؤالء ب��ل كالم أبي حام��د ينف��ع المتفلس��ف ويص��ير

أحسن فان المتفلسف مسلم به إسالم الفالسفة والمؤمن يصير ب��ه إيمان��ه مث��ل إيم��ان الفالس��فة وه��ذا

بخالف ذاك

والخوارق ثالثة أنواع إما أن تعين صاحبها على البر والتقوى فهذه أحوال نبينا ومن أتبعه خ��وارقهم لحج��ة

في الدين أو حاجة للمسلمين والثاني أن تعينهم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،11.

على مباحات كمن تعينه الجن على قضاء حوائجه المباحة فه��ذا متوس�ط وخوارق�ه ال ترفع��ه وال تخفض�ه

وهذا يشبه تسخير الجن لسليمان واألول مثل إرسال نبينا إلى الجن يدعوهم إلى اإليمان فهذا أكم��ل من

إستخدام الجن في بعض االمور المباحة كاستخدام سليمان لهم في محاريب وتماثي��ل وجف��ان ك��الجوابي

تعالى قال راسيات كالجوابي  وقدور وجفان وتماثيل محاريب من يشاء ما له يعملونالشكور عبادي من وقليل شكرا داود آل اعملوا راسيات تعالى وقدور يزغ  وقال ومن

السعير عذاب من نذقه أمرنا عن إلىمنهم يدعوهم اليهم أرسل عليه وسلم الله ونبينا صلى

اإليمان بالله وعبادته كما أرسل إلى اإلنس فاذا اتبعوه صاروا سعداء فهذا أكمل له ولهم من ذاك كما أن

العبد الرسول أكمل من النبي الملك ويوسف وداود وسليمان أنبياء مل��وك أم��ا محم��د فه��و عب��د رس��ول

كابراهيم وموسى والمسيح وهذا الصنف أفضل وأتب��اعهم أفض�ل والث��الث أن تعين��ه على محرم�ات مث��ل

الفواحش والظلم والشرك والقول الباطل فهذا من جنس خوارق السحرة والكهان والكفار والفجار مثل

أهل البدع من الرفاعية وغيرهم فانهم يستعينون بها على الشرك وقت��ل النف��وس بغ��ير ح��ق والف��واحش

النفس  وهذه الثالثة هي التي حرمها الله في قوله ويقتلون آخر إلها الله مع يدعون ال والذينأثاما يلق ذلك يفعل ومن يزنون وال بالحق إال الله حرم ولهذا كانت طريقهم من جنسالتي

طريق الكهان والشعراء والمجانين وقد نزه الله نبيه عن أن يكون مجنونا وشاعرا وكاهن��ا ف��إن إخب��ارهم

بالمغيبات عن شياطين تنزل عليهم كالكهان وأقوى أحوالهم لمؤلهيهم وهم من جنس المجانين وقد ق��ال

شيخهم إن أصحاب األحوال منهم يموتون على غير االسالم وأما سماعهم ووج��دهم فه��و ش��عر الش��عراء

وله������ذا ش������بههم من رآهم بعب������اد المش������ركين من الهن������د ال������ذين يعب������دون األن������داد

وحقيقة األمر أن ما يدل على النبوة هو آية على النبوة وبرهان عليها فال بد أن يكون مختصا بها) فصل (

ال يكون مشتركا بين األنبياء وغيرهم فإن الدليل هو مستلزم لمدلوله ال يجب أن يكون أعم وجودا منه بل

إما أن يكون مساويا له في العموم والخصوص أو يكون أخص منه وحينئذ فآية النبي ال تكون لغير األنبياء

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،12.

Page 6: النبوات

لكن إذا كانت معتادة لكل نبي أو لكثير من االنبياء لم يقدح هذا فيها فال يضرها أن تك��ون معت��ادة لألنبي��اء

وكون اآلية خارقة للعادة أو غير خارقة هو وصف لم يصفه القرآن والحديث وال السلف وقد بين�ا في غ�ير

هذا الموضع أن هذا وصف ال ينضبط وهو ع�ديم الت�أثير ف�إن نفس النب�وة معت�ادة لألنبي�اء خارق�ة للع�ادة

بالنسبة إلى غيرهم إن كون الشخص يخبره الله بالغيب خبرا معصوما هذا مختص بهم وليس هذا موجودا

لغيرهم فضال عن كونه معتادا فآية النبي ال بد أن تكون خارقة للعادة بمعنى أنها ليست معت��ادة لآلدم��يين

وذلك ألنها حينئذ ال تكون مختصة بالنبي بل مشتركة وبهذا احتجوا على أنه ال بد أن تك��ون خارق��ة للع��ادة

لكن ليس في هذا ما يدل على أن كل خارق آية فالكهانة والسحر هو معتاد للسحرة والكهان وهو خ��ارق

بالنسبة إلى غيرهم كما أن ما يعرفه أهل الطب والنجوم والفقه والنحو هو معت��اد لنظ��رائهم وه��و خ��ارق

بالنسبة إلى غيرهم ولهذا إذا أخبر الحاسب بوقت الكسوف والخسوف تعجب الناس إذا كانوا ال يعرف��ون

طريقه فليس في هذا ما يختص بالنبي وكذلك قراءة القرآن بعد أن بعث محمد ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم

صارت مشتركة بين النبي وغيره وأما نفس اإلبت��داء ب��ه فه��و مختص ب��النبي وك��ذلك م��ا يروي��ه من أنب��اء

الغيب عن األنبياء لما صار مشتركا بين النبي وغيره لم يبق آية بخالف االبتداء فالكهانة مثال وه��و اإلخب��ار

ببعض الغائبات عن الجن أمر معروف عند الن�اس وأرض الع�رب ك�انت ممل�وءة من الكه�ان وإنم�ا ذهب

ذلك بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهم يكثرون في كل موضع نقص فيه أمر النبوة فهم كثيرون في

أرض عباد األصنام ويوجدون كث��يرا عن��د النص��ارى ويوج��دون كث��يرا في بالد المس��لمين حيث نقص العلم

 واإليمان بما جاء به الرسول ألن هؤالء أعداء األنبياء والله تعالى قد ذكر الفرق بينهم وبين األنبياء فقال وأكثرهم السمع يلقون أثيم أفاك كل على تنزل الشياطين تنزل من على أنبئكم هل

وأخبركاذبون النبوة ادعى فمن النبوة يناقض وذلك وفجور كذب أحدهم في يكون أن بد ال فهؤالء

بغيوب من جنس أخبار الكهان كان ما أخبر به خرقا للعادة عند أولئك القوم لكن ليس خرقا لعادة جنسه

من الكهان وهم إذا جعلوا ذلك آية لنبوته كان ذلك لجهلهم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،13.

بوجود هذا الجنس لغير األنبياء كالذين صدقوا مسيلمة الكذاب واألسود العنسي والحارث الدمشقي وبابا

الرومي وغير هؤالء من المتنبئين الكذابين وكان هؤالء يأتون بأمور عجيبة خارقة لعادة أولئ�ك الق�وم لكن

ليست خارقة لعادة جنسهم ممن ليس بن��بي فمن ص��دقهم ظن أن ه��ذا مختص باألنبي��اء وك��ان ذل��ك من

جهله بوجود هذا لغير األنبياء كما أنهم كانوا يأتون بأمور تناقض النبوة وله�ذا يجب في آي�ات األنبي�اء أن ال

يعارضها من ليس بن��بي فك��ل من عارض��ها ص��ادرا ممن ليس من جنس األنبي��اء فليس من أي��اتهم وله��ذا

طلب فرعون أن يعارض ما جاء به موسى لما ادعى أنه س��احر فجم��ع الس��حرة ليفعل��وا مث��ل م��ا يفع��ل

موسى فال تبقى حجته مختصة بالنبوة وأمرهم موسى أن يأتوا أوال بخ��وارقهم فلم��ا أتت وابتلعته��ا العص��ا

التي ص��ارت حي��ة علم الس��حرة أن ه��ذا ليس من جنس مق��دورهم ف��آمنوا إيمان��ا جازم��ا ولم��ا ق��ال لهم

على  فرعون نؤثرك لن قالوا وأبقى عذابا أشد أينا ولتعلمن النخل جذوع في ألصلبنكمفطرنا والذي البينات من جاءنا وهارون  وقالوا ما موسى رب العالمين برب فكان منآمنا

تمام علمهم بالسحر أن السحر معتاد ألمثالهم وأن هذا ليس من هذا الجنس ب��ل ه��ذا مختص بمث��ل ه��ذا

فاستخف  فدل على صدق دعواه وفرعون وقومه بين معاند وجاهل استخفه فرعون كما قال تعالى فأطاعوه للعادةقومه الخارق الفعل هي قيل أو للعادة الخارق الفعل هي المعجزة لهم قيل فاذا

المقرون بالتحدي أو قيل مع ذلك الخارق للعادة السليم عن المعارض��ة فكون��ه خارق��ا للع��ادة ليس أم��را

مضبوطا فإنه إن أريد به أنه لم يوجد له نظير في العالم فهذا باطل فإن آيات األنبياء بعض��ها نظ��ير بعض

بل النوع الواحد منه كاحياء الموتى وهو آية لغير واحد من األنبياء وإن قيل إن بعض األنبياء ك��انت آيت��ه ال

نظير لها كالقرآن والعصا والناقة لم يلزم ذلك في سائر اآلي��ات ثم هب أن��ه ال نظ��ير له��ا في نوعه��ا لكن

وجد خوارق العادات لألنبياء غير هذا فنفس خوارق العادات معتاد جميعه لألنبياء بل هو من لوازم نب��وتهم

مع كون األنبياء كثيرين وقد روي أنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألف ن��بي وم��ا ي��أتي ب��ه ك��ل واح��د من

هؤالء ال يكون معدوم النظير في العالم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،14.

Page 7: النبوات

بل ربما كان نظيره وإن عني بكون المعجزة هي الخارق��ة للع��ادة أنه��ا خارق��ة لع��ادة أولئ��ك المخ��اطبين

بالنبوة بحيث ليس فيهم من يقدر على ذلك فهذا ليس بحج�ة ف�إن أك�ثر الن�اس ال يق�درون على الكهان�ة

والسحر ونحو ذلك وقد يكون المخ��اطبون ب��النبوة ليس فيهم ه��ؤالء كم��ا ك��ان أتب��اع مس��يلمة والعنس��ي

وأمثالهما ال يقدرون على ما يقدر عليه هؤالء والمبرز في فن من الفنون يقدر على ما ال يقدر علي��ه أح��د

في زمنه وليس هذا دليال على النبوة فكتاب سيبويه مثال مما ال يقدر على مثله عامة الخلق وليس بمعجز

إذ كان ليس مختصا باألنبياء بل هو موجود لغيرهم وكذلك طب أبقراط بل وعلم العالم الكبير من علم��اء

المس����������لمين خ����������ارج عن ع����������ادة الن����������اس وليس ه����������و دليال على نبوت����������ه

وأيضا فكون الشيء معت�ادا ه�و م�أخوذ من الع�ود وه�ذا يختل�ف بحس�ب األم�ور فالح�ائض المعت�ادة من

الفقهاء من يقوم تثبت عادتها بمرة ومنهم من يقول بمرتين ومنهم من يقول ال تثبت إال بثالث وأه�ل ك�ل

بلد لهم عادات في طعامهم ولباسهم وأبنيتهم لم يعتدها غيرهم فما خرج عن ذلك فهو خ��ارق لع��ادتهم ال

لعادة من اعتاده من غيرهم فلهذا لم يكن في كالم الله ورسوله وسلف االمة وأئمتها وصف آيات األنبياء

بمجرد كونها خارقة للعادة وال يجوز أن يجعل مجرد خرق العادة ه�و ال��دليل ف�ان ه�ذا ال ض�ابط ل��ه وه�و

مشترك بين األنبياء وغيرهم ولكن إذا قيل من شرطها أن تكون خارقة للعادة بمعنى أنها ال تكون معت�ادة

للناس فهذا ظاهر يعرفه كل أح��د ويعرف��ون أن األم��ر المعت��اد مث��ل األك��ل والش��رب والرك��وب والس��فر

وطلوع الشمس وغروبها ونزول المطر في وقته وظهور الثم��رة في وقته��ا ليس دليال وال ي��دعي أح��د أن

مثل هذا دليل له فان فساد ه�ذا ظ�اهر لك�ل أح�د ولكن ليس مج�رد كون�ه خارق�ا للع�ادة كافي�ا ل�وجهين

أحدهما أن كون الشيء معتادا وغير معتاد أمر نسبي إضافي ليس بوصف مضبوط تتميز به اآلية بل يعتاد

هؤالء مالم يعتد هؤالء مثل كونه مألوفا ومجربا ومعروفا ونحو ذلك من الصفات اإلضافية الثاني أن مجرد

ذلك مشترك بين األنبياء وغيرهم وإذا خص ذلك بعدم المعارضة فقد يأتي الرجل بما ال يق��در الحاض��رون

على معارضته ويكون معتادا لغيرهم كالكهانة والسحر وقد يأتي بما

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،15.

يمكن معارضته وليس بآي��ة لش��يء لكون��ه لم يختص باألنبي��اء وق��د يق��ال في طب أبق��راط ونح��و

سيبويه إنه ال نظير له بل ال بد أن يقال إنه مختص باألنبياء بل معروف أن هذا تعلم بعضه من غ��يره

واستخرج سائره بنظره واذا خص الله طبيبا أو نحويا أو فقيها بما ميزه به على نظرائه لم يكن ذلك

دليال على نبوته وإن كان خارقا للعادة فان ما يقوله الواحد من هؤالء قد علم��ه بس��ماع أو تجرب��ة أو

قياس وهي طرق معروفة لغير األنبياء والنبي قد علمه الل��ه من الغيب ال��ذي عص��مه الل��ه في��ه عن

الخطأ ما لم يعلمه إال نبي مثله فان قيل فحينئذ ال يعرف أن اآلية مختصة بالنبي حتى تع��رف النب��وة

قيل أما بعد وجود األنبياء في العالم فهكذا هو ولهذا يبين الله عز وجل نبوة محم��د في غ��ير موض��ع

باعتبارها بنبوة من قبله وتارة يبين أنه لم يرسل مالئكة بل رجاال من أهل القرى ليبين أن هذا معتاد

نوحي  معروف ليس هو أمرا لم تجر به عادة الرب كقوله تعالى رجاال إال قبلك أرسلنا وماتعلمون ال كنتم إن الذكر أهل فاسألوا كما ذكره في سورة النحل واألنبياء وقال فيإليهم

في  يوسف يسيروا أفلم القرى اهل من اليهم نوحي رجاال إال قبلك من أرسلنا وماأفال اتقوا للذين خير اآلخرة ولدار قبلهم من الذين عاقبة كان كيف فينظروا األرص

 فان الكفار كانوا يقولون إنما يرسل الله ملكا أو يرسل مع البشر ملكا كما قال فرعون تعقلون

أو ذهب من أسورة عليه ألقي فلوال يبين يكاد وال مهين هو الذي هذا من خير أنا أممقترنين المالئكة معه نوح جاء قوم يتفضل  وقال أن يريد مثلكم بشر إال هذا ما

األولين آبائنا في بهذا سمعنا ما مالئكة النزل الله شاء ولو وقال مشركو العربعليكم

ملك  لمحمد عليه نزل لوال األسواق في ويمشي الطعام يأكل الرسول لهذا مامنها يأكل جنة له تكون أو كنز إليه يلقى أو نذيرا معه تعالى فيكون منع  وقال وما

في كان لو قل رسوال بشرا الله أبعث قالوا أن إال الهدى جاءهم إذ يؤمنوا أن الناسرسوال ملكا السماء من عليهم لنزلنا مطمئنين يمشون مالئكة تعالى األرض  وقال

ثم األمر لقضي ملكا أنزلنا ولو ملك عليه أنزل لوال وقالوا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،16.

Page 8: النبوات

عن  ال ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجال وللبسنا عليهم ما يلبسون األخذ يطيقون ال أنهم بينوقال اللبس لحصل لبشر صورة في جاءوا ولو البشر صورة في يأتوا لم إن المالئكة

بالنبوة  أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس تعالى لها عهد ال العرب وكانتلهم الله فقال إسماعيل زمن هل  فاسألوا أهل الذكر يعني أهل الكتاب إن كنتم ال تعلمون من

له قال ولهذا مالئكة أو رجاال اليهم الرسل أرسل بدعا من ما كنت إالوقال  قل وما محمد

نظراء  رسول قد خلت من قبله الرسل له تقدم قد معروف الناس من الجنس هذا أن بينفي العلم من عندهم عما الذكر وأهل الكتاب أهل يسأل أن أمر سبحانه وهو وأمثال

الكتاب أهل بإخبار ليتبين له مخالف هو أو محمد به جاء ما جنس من هو هل األنبياء أمورأحق هو بل نبي محمدا أن قطعا فيعرف وحينئذ األنبياء به جاءت ما جنس المتواترة

يعرفه وهذا عندهم وذكره محمد خصوص عن يسألوهم أن والثاني غيره من بالنبوةتعالى قال كتابي كل يعرفه كاألول معروفا هو ليس منهم قل أرأيتم إن كان من عندالخاصة

شاهدا  شهد شاهد وقوله  الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله المقصود ليسبشيء ليس سالم بن الله عبد إنه قال من وقول واحدا كونه يحتم وال بل معينا واحدا

تقول كما الشاهد جنس المقصود ولكن سالم إبن يعرف أن قبل بمكة نزلت هذه فانيدل ما بخبره يقترن قد واحدا كان سواء تصديقه يجب الذي الشاهد وهو الدليل قام

وقوله صادق بهذا خبرك فان تقول بما العلم بخبرهم يحصل عددا كان أو صدقه علىوأنزل بشرا بعث الله أن وهو القرآن مثل على إسرائيل بني من الشاهد فان مثله على

فيه واخبر سواه ما عبادة عن فيه ونهى له شريك ال وحده الله بعبادة فيه أمر كتابا عليهأن وبين التوحيد السورة هذه أول في ذكر وقد ذلك وأمثال وحده العالم هذا خلق أنه

تعالى فقال سمعي وال عقلي دليل ال الشرك على معهم ليس خلقناالمشركين ما

السماوات واألرض وما بينهما إال بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرض��ون ق��ل أرأيتم م��ا

تدعون

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،17.

من دون الله أروني ماذا خلقوا من األرض أم لهم شرك في الس��ماوات ائت��وني بكت��اب من قب��ل ه��ذا أو

أثرة من علم إن كنتم صادقين ومن أضل ممن يدعو من دون الل�ه من ال يس�تجيب ل�ه إلى ي�وم القيام�ة

وهم عن دعائهم غافلون واذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم ك��افرين وإذا تتلى عليهم آياتن��ا

بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين أم يقولون افتراه قل إن افتريته فال تملكون لي

من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم قل م��ا كنت ب��دعا

من الرسل وما أدري ما يفعل بي وال بكم إن أتبع إال ما يوحى إلي وما أنا إال نذير مبين قل أرأيتم أن كان

تعالى  من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله قوله ذلك ومثل آخره الىعنده  ويقول الذين كفروا لست مرسال قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب فمن

بالمثل يشهد النه الرسول تصديق يوجب وهو األول الكتاب في بما شهد الكتاب علممنه العين أن قطعا علم الجنس ثبت فمتى كافية الشهادتين من وكل بالعين أيضا ويشهد

تعالى فان كنت في شك مما أنزلنا اليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحقوقال

الخاسرين الله فتكون من بآيات كذبوا الذين تكونن من الممترين وال تكونن من وهذا  من ربك فال األولى بطريق لغيره وهو له خطابا أو غيره به والمراد للرسول خطابا كان سواء

كقوله ان بحرف وهو ممتنعا أو معدوما يكون قد قل ان كان للرحمن ولد فأنا أولوالمقدر

قلته  إن كنت قلته فقد علمته و  العابدين كنت إن التقدير هذا على الحكم بيان والمقصودقدر ان فاسأل شاكا كنت وان عابده فأنا ولد له كان وإن نفسي في وبما به عالم فانت

ودليل له شاهد عندهم فما أخبروا اذا قبله الكتاب يقرءون الذين فسؤال ذلك امكانفكثير ان بحرف الممتنع تقدير وأما والتكذيب اإلمتراء عن ذلك بعد نهى ولهذا وحجة

قوله ذلك فإن كان  فإن استطعت أن تبتغي نفقا في األرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ومن

أم من يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء واألرض أإله مع الله قل هاتوا  لكم كيد فكيدون

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،18.

Page 9: النبوات

وقالوا لن يدخل الجنة اال من كان هودا أو نص��ارى تل��ك أم��انيهم ق��ل  براهانكم إن كنتم صادقين

ف�أتوا بس�ورة مثل�ه وادع�وا من اس�تطعتم من دون الل�ه إن كنتم  هاتوا برهانكم إن كنتم ص�ادقين

تعالى  صادقين قال تعالى  أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني اسرائيل وقد والذينوقال

تعالى  آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ان الذين أوتوا العلم من قبله اذاوقال

تعالى  يتلى عليهم يخرون لألذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعوال وقال الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون واذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إن��ا كن��ا

صبروا بما مرتين أجرهم يؤتون أولئك مسلمين قبله المكية  من السور في كله وهذايقف ال المطلوب حصل بصدقهم العلم مع هؤالء جنس شهد فاذا الجنس والمقصوديضر لم أعلم ال قال أو أنكر ومن متعذر هذا فان واحد واحد كل شهادة على العلمفي وعلم الجنس في افتراؤه علم به شهدوا ما عدم أعلم بل قال وإن إنكاره

فال كلها النبوات في وما المتقدمة الكتب نسخ بجميع علما يحط لم كان اذ الشخصبكل نسخة نسخة كل في محمد ذكر انتفاء يعلم أن الكتاب أهل من ألحد سبيل

في ذكره فيها الموجود النسخ هذه ثم متعذر بذلك العلم إذ األنبياء كتب من كتابأعظم أن يعلم أن ينبغي ومما الموضع هذا غير في منها قطعة ذكر قد كثيرة مواضعوالولد لله الشريك دعوى هو مبعثه وفي محمد قبل المشركون عليه كان ماالتنزيه كل يجمع والولد المثل عن وتنزيهه هذين عن الله تنزيه من مملوء والقرآن

قوله مثل في األنعام سورة وفي اإلخالص سورة في الجنفهذا شركاء لله وجعلوا

سبحان  وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون سورة وقلوفي

الملك له شريك في يكن ولم ولدا يتخذ لم الذي لله أولها  الحمد في الكهف سورة وفيآخرها  وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا افحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دونيوفي

وآخرها  وال يشرك بعبادة ربه أحدا  أولياء السورة أول في الولد عن تنزيهه مريم وفيقصة مثل في الشريك وعن ظاهر

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،19.

ما  إبراهيم وفي تنزيل وغير ذلك وفي األنبياء تنزيهه عن الشريك والولد وكذلك في المؤمنين إله من معه كان وما ولد من الله الفرقان اتخذ السماوات  وأول ملك له الذي

الملك في شريك له يكن ولم ولدا يتخذ ولم وأما طه والشعراء مما بسط فيهواألرض

قصة موسى فالمقصود األعظم بقصة موسى إثبات الصانع ورس��الته إذ ك��ان فرع��ون منك��را وله��ذا

عظم ذكرها في القرآن بخالف قصة غيره ف��إن فيه��ا ال��رد على المش��ركين المق��رين بالص��انع ومن

جعل له ولدا من المشركين وأهل الكتاب ومذهب الفالسفة الملحدة دائر بين التعطيل وبين الشرك

والوالدة كما يقولونه في اإليجاب الذاتي فانه أحد أنواع الوالدة وهم ينكرون معاد األبدان وق��د ق��رن

أخرج  بين هذا وهذا في الكتاب والسنة في مثل قوله لسوف مامت أإذا اإلنسان ويقولالرحمن إتخذ وقالوا قوله إلى شيئا يك ولم قبل من خلقناه أنا اإلنسان يذكر أوال حيا

داخلونولدا الفالسفة ألن العرب ومشركي النصارى خطاب المتضمنة مريم سورة في وهذه

فيهم فإن اليونان اختلطوا بالروم فكان فيها خطاب ه�ؤالء وه�ؤالء وفي الص�حيحين عن أبي هري�رة

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى شتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك وكذبني ابن

آدم وما ينبغي له ذلك فاما شتمه إياي فقوله إني اتخذت ولدا وأنا األحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم

يكن لي كفوا أحد وأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما ب��دأني وليس أول الخل��ق ب��أهون علي من

إعادت����������������������������ه رواه البخ����������������������������اري عن إبن عب����������������������������اس

ولما كان الشرك أكثر في بني آدم من القول بأن له ول��دا ك��ان تنزيه��ه عن��ه أك��ثر وكالهم��ا يقتض��ي

إثبات مثل وند من بعض الوج�وه ف�ان الول�د من جنس الوال�د ونظ�ير ل�ه وكالهم�ا يس�تلزم الحاج�ة

والفقر فيمتنع وجود قادر بنفسه فالذي جعل لله شريكا لو فرض مكافئا لزم إفتقار كل منهم��ا وه��و

ممتنع وإن كان غير مكافئ فهو مقهور والولد يتخذ المتخذ لحاجته إلى معاونته له كم��ا يتخ��ذ الم��ال

في  فان الولد إذا اشتد أعان والده قال تعالى ما له الغني هو سبحانه ولدا الله اتخذ قالوا

Page 10: النبوات

األرض في وما تعالى السماوات إدا  وقال شيئا جئتم لقد ولدا الرحمن اتخذ وقالواالرحمن آت إال واالرض السموات في من كل ان قوله الى

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،20.

تعالى  عبدا وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات واالرض كل له قانتونوقال

عنه غني والخالق وجه كل من اليه مفتقر وهو لخالقه مملوكا المخلوق كون فانوالرب موته بعد ليخلفه أو حياته في اليه لحاجته يكون انما النه الولد اتخاذ يناقض

في والوالد يموت ال الذي الحي وهو اليه فقير سواه ما وكل سواه ما كل عن غنيفانه المملوك يشتري من بخالف فيه له حيلة ال مخلوق ولد الى مفتقر نفسهبغير والوالدة باالجانب تعلقه جنس من به فتعلقه ملكه إزالة ويمكنه ملكه بإختياره

اختياره بغير شيء يحدث ان يمتنع والرب الوالد اختيار واتخاذ الولد هو عوض عن الوالدة لمن لم يحصل له فهو أنقص في الوالدة ولهذا من قال باإليج��اب

الذاتي بغير مشيئته وقدرته فقوله من جنس قول القائلين بالوالدة الحاصلة بغير االختيار بل ق��ولهم

شر من قول النصارى ومشركي العرب من بعض الوجوه كما قد بسط الكالم على هذا في تفس��ير

ق���������������������ل ه���������������������و الل���������������������ه أح���������������������د وغ���������������������يره

الرسل  والمقصود أن الله قال لمحمد من بدعا كنت ما رسول  وقال قل إال محمد وماالرسل قبله من خلت فبين أن هذا الجنس من الناس معروف قد تقدم له نظراء وأمثالقد

فهو معتاد في اآلدميين وان كان قليال فيهم وأما من جاءهم رسول م��ا يعرف��ون قبل��ه رس��وال كق��وم

نوح فهذا بمنزلة ما يبتدئه الله من األمور وحينئذ فهو يأتي بما يختص به مما يعرفون أن الله ص��دقه

في إرساله فهذا يدل على النوع والشخص وان كانت آي��ات غ��يره ت��دل على الش��خص إذ الن��وع ق��د

عرف قبل هذا فالمقصود أن آيته وبرهانه ال بد أن يكون مختصا بهذا النوع ال يجب أن يختص بواح��د

من النوع وال يجوز أن يوجد لغير النوع وقد قلن�ا إن م�ا ي�أتي ب�ه أتب�اع االنبي�اء من ذل��ك ه�و مختص

بالنوع فأنا نقول ه�ذا ال يك�ون إال لمن اتب�ع األنبي�اء فص�ار مختص�ا بهم وأم�ا م�ا يوج�د لغ�ير االنبي�اء

وأتب�����اعهم فه�����ذا ه�����و ال�����ذي ال ي�����دل على النب�����وة كخ�����وارق الس�����حرة والكه�����ان

وقد عرف الناس أن السحرة لهم خوارق ولهذا كانوا إذا طعنوا في نبوة نبي واعتق��دوا علم��ه ق��الوا

المأل من قوم فرعون لموسى يخرجكم  هو ساحر كما قال أن يريد عليم لساحر هذا انفماذا بسحره أرضكم من

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،21.

آمنوا  تأمرون لما للسحرة السحر وقال علمكم الذي لكبيركم لمكرو  إنه هذا ان

يقولون  مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها وكانوا فرعون كذب من هذا يا أيهاكل

تعالى  الساحر ادع لنا ربك قال المسيح وإذ قال عيسى بن مريم يا بني اسرائيل إنيوكذلك

رسول الله اليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحم�د فلم�ا

مبين سحر هذا قالوا بالبينات العرب  جاءهم كفار عن تعالى يعرضواوقال آية يروا وان

مستمر سحر نوح  ويقولوا عن قالوا كما مجنون قالوا العلم عدم إلى نسبوه وانوازدجر موسى  مجنون عن لمجنون وقالوا إليكم أرسل الذي رسولكم عن  ان وقال

العرب انهمشركي ويقولون الذكر سمعوا لما بأبصارهم ليزلقونك كفروا الذين يكاد وإن

تعالى  لمجنون قال أو مجنونوقد قالوا ساحر إال قبلهم من رسول الذين من أتى ما كذلك

في  أتواصوا به بل هم قوم طاغون معتادة النبوة أن كما آدم بني في معتاد أمر فالسحرهل يعلم فانه مجنون انه الشخص عن قالوا فاذا فيهم معتادون والمجانين آدم بنيمن هو هل يعرف وكذلك ويفعله يقوله ما بنفس المجانين من أو العقالء من هوفان شاعر انه محمد عن قالوا لما وكذلك السحرة جنس من أو االنبياء جنسكالم القرآن أن الشعر وشبهة كاهن إنه وقالوا الناس في معروفون جنس الشعراءفذكر الغائبة االمور ببعض يخبر الكاهن أن الكهانة وشبهة موزون والشعر موزون

فقال النبي وبين هذين بين الفرق تعالى هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل علىالله

Page 11: النبوات

كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ثم قال والشعراء يتبعهم الغاوون ألم ت��ر أنهم في ك��ل

وقال  واد يهيمون وأنهم يقولون ماال يفعلون إال الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا تعالى  وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إال ذكر وقرآن مبين وما هو بقول شاعر قليالوقال

العالمين تنزيل من رب تذكرون بقول كاهن قليال ما تؤمنون وال الكفار  ما عرض لما ولهذاشاعر هو للناس يقولوا أن الوحيد كبيرهم على

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،22.

ومجنون وساحر وكاهن صار يبين لهم أن هذه أقوال فاسدة وأن الفرق معروف بينه وبين هذه األجناس

فالمقصود أن هذه األجناس كلها موجودة في الن�اس معت�ادة معروف�ة وك�ل واح�د منه�ا يع�رف بخواص�ه

المستلزمة له وتلك الخواص آيات له مستلزمة له فكذلك النبوة لها خواص مستلزمة لها تعرف بها وتلك

الخواص خارقة لعادة غير االنبياء وان كانت معتادة لالنبي��اء فهي ال توج�د لغ��يرهم فه��ذا ه�ذا والل��ه أعلم

فاذا أتى مدعي النبوة باألمر الخارق للعادة الذي ال يك��ون إال لن��بي ال يحص��ل مثل��ه لس��احر وال ك��اهن وال

غيرهما كان دليال على نبوته وك��ل من الس��احر والك��اهن يس��تعين بالش��ياطين ف��ان الكه��ان ت��نزل عليهم

ملك  الشياطين تخبرهم والسحرة تعلمهم الشياطين قال تعالى على الشياطين تتلوا ما واتبعواعلى انزل وما السحر الناس يعلمون كفروا الشياطين ولكن سليمان كفر وما سليمانتكفر فال فتنة نحن إنما يقوال حتى أحد من يعلمان وما وماروت هاروت ببابل الملكين

يفلح  والساحر ال يتجاوز سحره االمور المقدورة للشياطين كما تقدم بيانه والساحر كما قال تعالى والأتى حيث تعالى الساحر خالق  وقال من اآلخرة في ماله اشتراه لمن علموا فهمولقد

يعلمون أن السحر ال ينفع في اآلخرة وال يقرب إلى الله وأن من اشتراه ماله في اآلخ��رة من خالق ف��إن

مبناه على الشرك والكذب والظلم مقصود صاحبه الظلم والفواحش وهذا مم��ا يعلم بص��ريح العق��ل أن��ه

من السيئات فالنبي ال يأمر به وال يعمله يستعين على ذل��ك ص��احبه بالش��رك والك��ذب وق��د علم بص��ريح

العقل مع ما تواتر عن االنبياء أنهم حرموا الشرك فمتى كان الرج�ل ي�أمر بالش�رك وعب�ادة غ�ير الل�ه أو

يستعين على مطالبه بهذا وبالك��ذب والف��واحش والظلم علم قطع��ا أن��ه من جنس الس��حرة ال من جنس

االنبياء وخوارق هذا يمكن معارضتها وإبطالها من بني جنسه وغ��ير ب��ني جنس��ه وخ��وارق االنبي��اء ال يمكن

غيرهم أن يعارضها وال يمكن أحدا إبطالها ال من جنسهم وال من غير جنسهم فإن األنبي��اء يص��دق بعض��هم

بعضا فال يتصور أن نبيا يبطل معجزة آخر وإن أتى بنظيرها فهو يصدقه ومعجزة كل منهما آية له ولآلخ��ر

أيضا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،23.

كما أن معجزات أتباعهم آيات لهم بخالف خوارق السحرة فإنها إنم��ا ت��دل على أن ص��احبها س��احر ي��ؤثر

آثارا غريبة مما هو فساد في العالم ويسر بم��ا يفعل��ه من الش��رك والك��ذب والظلم ويس��تعين على ذل��ك

بالشياطين فمقصوده الظلم والفساد والنبي مقصوده الع��دل والص��الح وه��ذا يس��تعين بالش��ياطين وه��ذا

بالمالئكة وهذا يأمر بالتوحيد لله وعبادته وحده ال شريك له وهذا إنما يستعين بالش��رك وعب��ادة غ��ير الل��ه

وهذا يعظم إبليس وجنوده وهذا يذم إبليس وجنوده واإلقرار بالمالئكة والجن ع��ام في ب��ني آدم لم ينك��ر

مالئكة  ذلك إال شواذ من بعض االمم ولهذا قالت االمم المكذبة ألنزل الله شاء حتى قوم نوحولو

شاء  وعاد وثمود وقوم فرعون قال قوم نوح ولو عليكم يتفضل أن يريد مثلكم بشر إال هذا مامالئكة ألنزل إذ  وقال الله وثمود عاد صاعقة مثل صاعقة أنذرتكم فقل أعرضوا فإن

ألنزل ربنا شاء لو قالوا الله إال تعبدوا أال خلفهم ومن أيديهم بين من الرسل جاءتهمكافرون به أرسلتم بما فإنا قال مالئكة ما فإنه الصانع كان مظهرا لجحد فلوال  وفرعون وإن

مقترنين المالئكة معه جاء أو ذهب من أسورة عليه إماألقي المالئكة بذكر سمع وقد إال

معترفا بهم وإما منكرا لهم فذكر المالئكة والجن ع��ام في األمم وليس في األمم أم��ة تنك��ر ذل��ك إنك��ارا

عاما وإنما يوجد إنكار ذلك في بعضهم مثل من قد يتفلسف فينكرهم لع��دم العلم ال للعلم بالع��دم فال ب��د

في آيات االنبياء من أن تكون مع كونها خارقة للعادة أمرا غير معتاد لغير االنبي��اء بحيث ال يق��در علي��ه إال

الله الذي أرسل االنبياء ليس مما يقدر عليه غير االنبياء ال بحيلة وال عزيمة وال استعانة بشياطين وال غ��ير

ذلك ومن خصائص معجزات االنبي��اء أن��ه ال يمكن معارض��تها ف��إذا عج��ز الن��وع البش��ري غ��ير االنبي��اء عن

Page 12: النبوات

معارضتها كان ذلك أعظم دليل على اختصاصها باالنبياء بخالف ما كان موجودا لغيرها فه��ذا ال يك��ون آي��ة

البتة فأصل هذا أن يعرف وجود االنبياء في العالم وخصائصهم كما يعلم وجود السحرة وخصائصهم ولهذا

من لم يكن عارفا باالنبياء من فالسفة اليونان والهند وغيرهم لم يكن له فيهم كالم يعرف كما لم يع��رف

الرسطو وأتباعه فيهم كالم يعرف بل غاية

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،24.

من أراد أن يتكلم في ذلك كالفارابي وغيره أن يجعلوا ذلك من جنس المنامات المعتادة ولما أراد طائفة

كأبي حامد وغيره أن يقرروا إمكان النبوة على أصلهم احتجوا بأن مبدأ الطب ومب��دأ النج��وم ونح��و ذل��ك

كان من االنبياء لكون المعارف المعتادة ال تنهض بذلك وهذا إنما يدل على اختصاص من أتى ب��ذلك بن��وع

من العلم وهذا ال ينكره عاقل وعلى هذا بنى ابن سينا أمر النب��وة أنه��ا من ق��وى النفس وق��وى النف��وس

متفاوتة وكل هذا كالم من ال يعرف النبوة بل هو أجنبي عنها وهو أنقص ممن أراد أن يق��رر أن في ال��دنيا

فقهاء وأطباء وهو لم يعرف غير الشعراء فاستدل بوجود الشعراء على وجود الفقه��اء واالطب��اء ب��ل ه��ذا

المثال أقرب فإن بعد النبوة عن غير االنبياء أعظم من بعد الفقيه والطبيب عن الشاعر ولكن ه��ؤالء من

أجهل الناس بالنبوة ورأوا ذكر االنبياء قد شاع فأرادوا تخ�ريج ذل�ك على أص�ول ق�وم لم يعرف�وا االنبي�اء

فان قيل موسى وغيره كانوا موجودين قبل أرسطو فان أرسطو ك�ان قب�ل المس�يح بنح�و ثالثمائ�ة س�نة

الطاغوت  وأيضا فقد قال الله تعالى واجتنبوا الله اعبدوا أن رسوال أمة كل في بعثنا ولقدكيف فانظروا االرض في فسيروا الضاللة عليه حقت من ومنهم الله هدى من فمنهم

المكذبين عاقبة ونذيرا  وقال كان شيرا بالحق أرسلناك نذير  إنا فيها خال إال أمة من وان فهذا يبين أن كل أمة قد جاءها رسول فكيف لم يعرف هؤالء الرس��ل قلت عن ه��ذا جواب��ان أح��دهما أن

االرض  كثيرا من هؤالء لم يعرفوا الرسل كما قال في فسيروا الضاللة عليه حقت من ومنهمالمكذبين عاقبة كان كيف فلم تبق أخبار الرسول وأقواله معروفة عندهم الثاني أنه قالفانظروا

اليوم  تعالى وليهم فهو أعمالهم الشيطان لهم فزين قبلك من أمم إلى أرسلنا لقد تالله فاذا كان الشيطان قد زين لهم أعمالهم كان في ه��ؤالء من درس��ت أخب��ار األنبي��اء عن��دهم فلم يعرفوه��ا

وأرسطو لم يأت إلى أرض الشام ويقال ان الذين كانوا قبله كانوا يعرفون االنبياء لكن المعرفة المجمل��ة

ال تنفع كمعرفة قريش كانوا قد سمعوا بموسى وعيسى وابراهيم سماعا من غير معرفة بأحوالهم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،25.

وأيضا فهم وأمثالهم المشاءون أدركوا االسالم وهم من أكفر الناس بما جاءت به الرسل إما أنهم

ال يطلبون معرفة أخبارهم وما سمعوه حرفوه أو حملوه على أصولهم وكثير من المتفلسفة هم من

هؤالء فإذا كان هذا حال هؤالء في ديار االسالم فما الظن بمن كان ببالد ال تعرف فيها ش��ريعة ن��بي

بل طريق معرفة االنبياء كطريق معرفة ن�وع من اآلدم�يين خص�هم الل��ه بخص�ائص يع��رف ذل��ك من

أخبارهم واستقراء أحوالهم كما يعرف األطباء والفقهاء ولهذا إنما يقرر الرب تعالى في القرآن أم��ر

النبوة وإثبات جنسها بما وقع في العالم من قصة نوح وقومه وهود وقومه وص��الح وقوم��ه وش��عيب

ولوط وإبراهيم وموسى وغيرهم فيذكر وجود هؤالء وأن قوما صدقوهم وقوما ك��ذبوهم وي��بين ح��ال

من صدقهم وحال من كذبهم فيعلم باالضطرار حينئذ ثب�وت ه�ؤالء ويت�بين وج�ود آث�ارهم في االرض

فمن لم يكن رأى في بلدة آثارهم فليس��ر في االرض ولينظ��ر آث��ارهم وليس��مع أخب��ارهم المت��واترة

تعالى الله إبراهيم  يقول وقوم وثمود وعاد نوح قوم قبلهم كذبت فقد يكذبوك وإنكان فكيف أخذتهم ثم للكافرين فأمليت موسى وكذب مدين وأصحاب لوط وقوم

معطلة وبئر عروشها على خاوية فهي ظالمة وهي أهلكناها قرية من فكأين نكيريسمعون آذان أو بها يعقلون قلوب لهم فتكون األرض في يسيروا أفلم مشيد وقصر

ويستعجلونك الصدور في التي القلوب تعمى ولكن األبصار تعمى ال فإنها بهامن وكأين تعدون مما سنة كألف ربك عند يوما وإن وعده الله يخلف ولن بالعذاب

المصير وإلي أخذتها ثم ظالمة وهي لها أمليت ولهذا قال مؤمن آل فرعون لما أرادقرية

وثمود  إنذار قومه وعاد نوح قوم دأب مثل االحزاب يوم مثل عليكم أخاف إني قوم ياللعباد ظلما يريد الله وما بعدهم من والنجاشيوالذين نوفل بن ورقة سمع لما ولهذا

Page 13: النبوات

وغيرهما القرآن قال ورقة بن نوفل هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى وقال النجاشي إن ه��ذا

والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة فكان عن��دهم علم بم�ا ج�اء ب�ه موس�ى اعت��بروا ب�ه

يا  ولوال ذلك لم يعلموا هذا وكذلك الجن لما سمعت القرآن قالوا منذرين قومهم إلى ولوامصدقا موسى بعد من أنزل كتابا سمعنا إنا قومنا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،26.

جاء  لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ما جنس تقرير سبحانه أراد ولماقال محمد إنا أرسلنا إليكم رسوال شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسوال فعصا فرعونبه

تعالى  الرسول فأخذناه أخذا وبيال وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشروقال

من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وه��دى للن��اس تجعلون��ه ق��راطيس تب��دونها

وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم وال آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وهذا كتاب

حولها ومن القرى ولتنذرأم يديه بين الذي مصدق مبارك وجود  أنزلناه يثبت سبحانه فهومن وسعادة الجنس هذا وجود يثبت حيث المكية السور في كما ابتداء االنبياء جنس

أكمل به جاء الذي ألن ظاهرة تكون النبي هذا عين نبوة ثم خالفه من وشقاء اتبعهغاية في محمد بنبوة إقراره كان االنبياء بجنس أقر فمن االنبياء جميع به جاء مما

وطب سيبويه نحو رأى فإذا وفقهاء وأطباء نحاة الدنيا في أن أقر مما أبين الظهورمن كان ولهذا االمور أبين من بذلك إقراره كان ونحوهم االربعة األئمة وفقه أبقراطعلى الغالب وهو به جاء بما لجهله يكون أن إما محمد نبوة في الكتاب اهل من نازع

به جاء ما عرفوا والعرب منهم بالدين الرياسة طالب حال وهو لعناده أو عامتهمالله يذكره ما وجميع شك محمد في عندهم يبق لم االنبياء بجنس أقروا فلما محمدمن كانوا إذ االولى بطريق محمد نبوة على يدل االنبياء قصص من القرآن في تعالى

مشركي جميع ولهذا عظيم أصل فإنه هذا معرفة فينبغي أكمل ونبوته واحد جنسال وأنه نبوته عرفوا لما فإنهم جزية منه تؤخذ أن منهم أحد يحتج فلم به آمنوا العرب

أهل من كان ومن أولى متابعته أن عرفوا والنصارى اليهود متابعة أو متابعته من بدظنوا كتاب عندهم كان وهؤالء وعنادا جهال يؤمن لم وبعضهم به آمن بعضهم الكتاب

لم من بخالف الهوى من خالين به جاء وما محمد أخبار يستقرئوا فلم به استغناءهمبه جاء ما فضل فعرف الهوى من خال نظر األمرين في نظر فإنه كتاب له يكن

دين عليها يعرض لها كتاب ال أمة توجد تكاد ال ولهذا غيره به جاء ما على محمدالتي االمم ألنواع يجري كما المسلمين دين رجحت إال والنصارى واليهود المسلمين

من والمتفلسفة العين في منازعون بالجنس مقرون الكتاب فأهل لها كتاب ال

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،27.

اليونان والهند منازعون في وجود كمال الجنس وإن أقروا ببعض صفات االنبياء فإنم��ا أق��روا منه��ا بم��ا ال

يختص باالنبياء بل هو مشترك بينهم وبين غيرهم فلم يؤمن هؤالء باالنبياء البتة هذا هو الذي يجب القط��ع

به ولهذا يذكرون معهم ذكر الجنس الخارج عن أتباعهم فيقال ق��الت االنبي��اء والفالس��فة واتفقت االنبي��اء

والفالسفة كما يقال المسلمون واليهود والنصارى وقال أيضا رضي الله عنه

فصل ومن آياته نصر الرسل على قومهم

وهذا على وجهين تارة يكون بإهالك االمم وإنجاء الرسل وأتباعهم كقوم نوح وهود وصالح وشعيب ول��وط

وموسى ولهذا يقرن الل��ه بين ه��ذه القص��ص في س��ور االع�راف وه��ود والش��عراء وال ي��ذكر معه��ا قص��ة

ابراهيم وإنما ذكر قصة اب�راهيم في س�ورة االنبي�اء وم�ريم والعنكب�وت والص�افات ف�إن ه�ذه الس�ور لم

يقتصر فيها على ذكر من أهلك من االمم بل في سورة االنبياء كان المقصود ذك��ر االنبي��اء وله��ذا س��ميت

سورة االنبياء فذكر فيها إكرامه لألنبياء وإن لم يذكر قومهم كما ذكر قص��ة داود وس��ليمان واي��وب وذك��ر

Page 14: النبوات

واحدة  آخر الكل أمة أمتكم هذه وبدأ فيها بقصة إبراهيم إذ كان المقصود ذكر إكرامه لالنبياءإن

قبل محمد وابراهيم أكرمهم على الله تعالى وهو خير البرية وهو أبو أكثرهم إذ ليس ه��و أب ن��وح ول��وط

االنعام في سورة قوله بدليل ذريته من وأيوب أتباعه من لوط وسليمان  لكن داود ذريته ومنفيها رحمتهوأيوب فذكر فيها المذكورين االنبياء على انعامه فيها تعالى الله فذكر مريم وأما سورة

زكريا وهبته يحيى وأنه ورث نبوته وغيرها من علم آل يعقوب وأنه آتاه الحكم صبيا وذكر بدء خلق عيسى

وما اعطاه الله تعالى من تعليم الكتاب وهو التوراة النبوة وأن الله تعالى جعل�ه مبارك�ا أينم�ا ك�ان وغ�ير

ذلك وذكر قصة ابراهيم وحسن خطابه ألبيه وأن الله تعالى وهبه اسحاق ويعقوب نبيين ووهبه من رحمته

وجعل له لسان صدق عليا ثم ذكر موسى وأنه خصه الله تعالى بالتقريب والتكليم ووهبه أخاه وغير ذل��ك

وذكر اسماعيل

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،28.

وأنه كان صادق الوعد وكأنه والله أعلم من ذلك أو أعظمه صدقه فيم��ا وع��د ب��ه أب��اه من ص��بره

أنعم  عند الذبح فوفى بذلك وذكر إدريس وأن الله تعالى رفعه مكانا عليا ثم قال الذين أولئكعليهم وأما سورة العنكبوت فإنه ذكر فيها امتحانه للمؤمنين ونصره لهم وحاجتهم الى الصبرالله

والجهاد وذكر فيها حسن العاقبة لمن صبر وعاقبة من كذب الرس��ل ف��ذكر قص��ة اب��راهيم النه��ا من

أكثر  النمط االول ونصرة الله له على قومه وكذلك سورة الصافات قال فيها قبلهم ضل ولقدالمنذرين عاقبة كان كيف فانظر منذرين فيهم أرسلنا ولقد أنهااالولين يقتضي وهذا

عاقبة رديئة إما بكونهم غلبوا وذلوا وإما بكونهم أهلكوا ولهذا ذكر فيها قصة إلي��اس ولم ي��ذكرها في

قال بل قومه هالك يذكر ولم المخلصين  غيرها الله عباد إال لمحضرون فإنهم فكذبوه وإلياس قد روي ان الله تع��الى رفع��ه وه��ذا يقتض��ي ع��ذابهم في اآلخ��ره ف��ان إلي��اس لم يقم فيهم

وإلياس المعروف بعد موسى من بني إسرائيل وبعد موسى لم يهلك المك��ذبين بع��ذاب االستئص��ال

وبعد نوح لم يهلك جميع النوع وقد بعث في كل أمة نذيرا والله تعالى لم يذكر قط عن قوم إبراهيم

أنهم أهلكوا كما ذكر عن غيرهم بل ذكر أنهم ألقوه في النار فجعلها الله علي��ه ب��ردا وس��الما وأرادوا

به كيدا فجعلهم الله األسفلين األخسرين وفي هذا ظهور برهان��ه وآيت��ه وأن��ه أظه��ره عليهم بالحج��ة

والعلم وأظهره أيضا بالقدرة حيث أذلهم ونصره وهذا من جنس المجاهد الذي هزم عدوه وتل�ك من

جنس المجاهد الذي قتل عدوه وابراهيم بعد هذا لم يقم بينهم بل هاجر وتركهم وأولئ��ك الرس��ل لم

يزالوا مقيمين بين ظهراني قومهم حتى هلكوا فلم يوجد في ح��ق ق��وم اب��راهيم س��بب الهالك وه��و

إقامته فيهم وانتظار العذاب النازل وهكذا محمد مع قومه لم يقم فيهم بل خرج عنهم ح�تى أظه�ره

الله تعالى عليهم بعد ذلك ومحمد وابراهيم أفضل الرسل فإنهم إذا علموا ال��دعوة حص��ل المقص��ود

وقد يتوب منهم من يتوب بعد ذل�ك كم�ا ت�اب من ق�ريش من ت�اب وأم�ا ح�ال إب�راهيم فك�انت الى

الرحمة أميل فلم يسعى في هالك قومه ال بالدعاء وال بالمقام ودوام إقامة الحج�ة عليهم وق�د ق�ال

لرسلهم  تعالى كفروا الذين وقال

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،29.

من فيها وانما التام الجزاء دار ليست الدنيا أذ العذاب به يستحقون ما ذلك بعد يفعلوامن أعداؤه أراد فمن الشرعية العقوبات في كما والمصلحة الحكمة به تحصل ما الجزاء

أعداءه يهلك ولم حقه في نعمة الهالك صورة وجعل الله فعصمه يهلكوه أن االنبياء أتباعصارت حتى وأظهره كيدهم من عصمه واذا بإبراهيم أشبه فهو ونصره أخزاهم بل

عليه الله صلى محمد بحال أشبه فهو له العاقبة كانت ثم سجاال وبينهم بينه الحربأفضل هما والخليالن خليله ابراهيم أن كما الله خليل وهو الجميع سيد محمدا فان وسلم

الله يذكر ولم غيرهما طريقة في ليس ما والرحمة الرأفة من طريقتهما وفي الجميعالتجبر عنهم فذكر عاد وأما نوح قوم عن وكذلك الشرك غير دينا ابراهيم قوم عنالتجبر من عنهم يذكر لم الدين عن بالدنيا االشتغال عنهم ذكر صالح وقوم الدنيا وعمارة

في الظلم عنهم فذكر مدين أهل وأما الناقة عقروا لما أهلكهم وإنما عاد عن ذكر ماالشرك مع قالوا يا شعيب أصالتك تأمرك أن نترك ما يعبد أباؤنا أو أن نفعل في أموالنا مااالموال

Page 15: النبوات

االمم  نشاء سائر بخالف بالتوحيد يذكروا ولم الفاحشة استحالل عنهم ذكر لوط وقومذلك وتوابع الفاحشة استحالل ذنبهم وانما مشركين يكونوا لم أنهم على يدل وهذاتدل االمور وهذه شر أنه يعلمون شر بل تدين ذلك في ليس إذ أشد عقوبتهم وكانتفيهم يكن لم اذ أغرقهم نوح قوم فان يناسبهم بما قوم لكل وعقوبته الرب حكمة على

يرجى خير

فصل في آيات االنبياء وبراهينهم

وهي االدلة والعالمات المستلزمة لصدقهم والدليل ال يكون إال مستلزما للمدلول عليه مختصا به ال يكون

مشتركا بينه وبين غيره فإنه يلزم من تحققه تحقق للمدلول وإذا انتفى المدلول انتفى هو فما يوج��د م��ع

وجود الشيء ومع عدمه ال يكون دليال عليه بل الدليل ال يكون اال مع وجوده فما وجد مع النبوة تارة وم��ع

عدم النبوة تارة لم يكن دليال على النبوة بل دليلها ما يلزم من وجوده وجودها وهنا اضطرب

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،30.

الناس فقيل دليلها جنس يختص بها وهو الخارق للعادة فال يجوز وجوده لغير ن��بي ال س��احر وال ك��اهن وال

ولي كما يقول ذلك من يقوله من المعتزلة وغيرهم كابن حزم وغيره وقيل بل الدليل هو الخ��ارق للع��ادة

بشرط االحتجاج به على النبوة والتحدي بمثله وهذا منتف في السحر والكرامة كما يقول ذلك من يقول��ه

من متكلمي أهل االثبات كالقاضيين أبي بكر وأبي يعلى وغيرهما وقد بسط القاض��ي أب��و بك��ر الكالم في

ذلك في كتابه المصنف في الفرق بين المعجزات والكرام��ات والحي��ل والكهان��ات والس��حر والنيرنجي��ات

وهؤالء جعلوا مجرد كونه خارقا للعادة هو الوصف المعتبر وفرق بين أن يقال ال بد أن يكون خارقا للعادة

وبين أن يقال كونه خارقا للعادة هو المؤثر فإن االول يجعله شرطا ال موجبا والثاني يجعله موجب��ا وف��رق

بين أن يقال العلم والبيان وقراءة القرآن ال يكون إال من حي وبين أن يق��ال كون��ه حي��ا ي��وجب أن يك��ون

عالما قارئا ومن هنا دخل الغلط على هؤالء وليس في الكتاب والسنة تعليق الحكم بهذا الوص��ف ب��ل وال

ذك��ر خ��رق الع��ادة وال لف��ظ المعج��ز وانم��ا في��ه آي��ات وب��راهين وذل��ك ي��وجب اختصاص��ها باالنبي��اء

وأيضا فقالوا في شرطها أن ال يقدر عليها إال الله ال تكون مقدورة للمالئكة وال للجن وال لإلنس بأن يكون

جنسها مما ال يقدر عليه إال الله كاحياء الموتى وقلب العصا حية واذا كانت من أفعال العباد لكنه�ا خارق�ة

للعادة مثل حمل الجبال والقفز من المشرق الى المغرب والكالم المخلوق الذي يقدر على مثل��ه البش��ر

ففيه لهم قوالن أحدهما أن ذلك يصح أن يكون معجزة والثاني أن المعجزة انما هي إقدار المخل��وق على

ذلك بأن يخلق فيه قدرة خارجة عن قدرته المعتادة وهذا اختي�ار القاض�ي أبي بك�ر ومن اتبع�ه كالقاض�ي

أبي يعلى وظنوا أن هذا يوجب طرد قولهم إنها ال تكون مقدورة لغير الله بخالف الق��ول االول فان��ه تق��ع

فيه شبهة اذ كان الجنس معتادا وانما الخارق هو الكثير الخارج عن العادة وهذا الفرق الذي ذكره ضعيف

فإنه إذا كان قادرا على اليسير فخرق العادة في قدرته حتى جعله قادرا على الكثير فجنس القدرة معتاد

مثل جنس المقدور وانما خرقت العادة بقدرة خارج��ة عن الع��ادة كم��ا خ��رقت بفع��ل خ��ارج عن الق��درة

وعنده أن خلق القدرة خلق

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،31.

لمقدورها والقدرة عنده مع الفعل فال فرق وهذا القول وه��و أن المعج��زة ال تك��ون إال مق��دورة لل��رب ال

للعباد قول كثير من أهل الكالم من القدرية والمثبتة للقدر وغيرهم ثم انهم لما طولبوا بال��دليل على أن��ه

ال يجوز أن تقدر العباد على مثل إبراء األكمه واألبرص وإحياء الموتى ونحو ذلك مما ذكروا أن��ه يمتن��ع أن

يكون مقدورا لغير الله اعتمدوا في الداللة على أن القابل للشيء ال يخل��و عن��ه وعن ض��ده فل��و ج��از أن

يكون العبد قادرا على هذه االمور لوجب أن ال يخلو من ذلك ومن ضده وهو العج��ز أو الق��درة على ض��د

ذلك الفعل كما يقولونه في فعل العبد انه اذا لم يقدر على الفعل فال ب��د أن يك��ون ع��اجزا أو ق��ادرا على

ضده هذا احتجاج من يقول القدرة مع الفعل والقدرة عنده ال تصلح للض��دين كاالش��عرية فيق��ول ال يخل��و

من القدرة أو العجز فهذه مقدم��ة والمقدم��ة الثاني��ة ونحن ال نحس من أنفس��نا عج��زا عن إب��راء األكم��ه

Page 16: النبوات

واألبرص وإحياء الموتى ونحو هذه االمور لكنا غير قادرين عليها وال يجوز أن نقدر عليها وهؤالء يقولون ال

يكون الشيء عاجزا إال عما يصح أن يكون قادرا عليه بخالف ماال يصح أن يكون قادرا علي��ه فال يص��ح أن

يكون عاجزا عنه ولهذا قالوا ال ينبغي أن تسمى هذه معجزات الن ذلك يقتضي أن الله أعجز العب��اد عنه��ا

وإنما يعجز العباد عما يصح قدرتهم عليه هذا كالم القاض��ي أبي بك��ر ومن وافق��ه وكال المتق��دمين دع��وى

مجردة لم يقم على واحدة منها حجة فكيف يجوز أن يكون الفرق بين المعجزة وغيره��ا مبني��ا على مث��ل

هذا الكالم الذي ينازعه فيه أكثر العقالء ولو كان صحيحا لم يفهم إال بكلفة وال يفهمه إال قليل من الن��اس

فكيف اذا كان باطال والذين آمنوا بالرسل لما رأوه وسمعوه من اآليات لم يتكلموا بمثل ه��ذا الف��رق ب��ل

وال خطر بقلوبهم ولهذا لما رأى المتأخرون ضعف هذا الفرق ك��أبي المع��الي وال��رازي واآلم��دي وغ��يرهم

حذفوا هذا القيد وهو كون المعجزة مما ينفرد الباري بالقدرة عليها وقالوا كل ح��ادث فه��و مق��دور لل��رب

وأفعال العباد هي أيضا مقدورة للرب وهو خالقها والعبد ليس خالقا لفعله فاالعتبار بكونها خارق�ة للع�ادة

قد استدل بها على النبوة وتحدى بمثلها فلم يمكن أحدا معارضته هذه القيود الثالث��ة وح��ذفوا ذل��ك القي��د

وزعم القاضي أبو بكر أن ما يستدل به على أن المعجزات يمتنع دخولها تحت قدرة العباد ال

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،32.

يصح على أصول القدرية وبسط القول في ذلك بكالم يصح بعض��ه دون بعض كعادت��ه في أمث��ال ذل��ك ثم

جعل هذا الفرق هو الفرق بين المعجزات وبين السحر والحيل فقال وأما على قولنا إن المعج�ز ال يك��ون

إال من مقدورات القديم ومما يستحيل دخوله ودخول مثله تحت قدرة العباد فاذا كان ك��ذلك اس��تحال أن

يفعل أحد من الخلق شيئا من معجزات الرسل أو ما هو من جنسها الن المحتال إنم��ا يحت��ال ويفع��ل م��ا

يصح دخوله تحت قدرته دون ما يستحيل كونه مق�دورا ل��ه ق�ال وأم�ا الق�ائلون بأن�ه يج�وز أن يك��ون في

معجزات الرسل ما يدخل جنسه تحت قدرة العباد وان لم يقدروا على كثيره وما يخرق العادة منه فانهم

يقولون قد علمنا ان��ه ال حيل��ة وال ش��يء من الس��حر يمكن أن يتوص��ل ب��ه الس��احر والمش��عبذ الى فع��ل

الصعود في السماء وال قفز من المشرق الى المغرب وقفز الفراسخ الكثيرة والمشي على الماء وحمل

الجبال الراسيات هذا أمر ال يتم بحيلة محتال وال سحر ساحر وتكلم على إبطال قول من قال ان السحر

ال يكون إال تخييال ال حقيقة له وذكر أقوال العلماء واآلثار عن الصحابة بأن الساحر يقتل بسحره وقول إنه

يقتل حدا عند أكثرهم وقصاصا عند بعضهم ثم قال باب القول في الفصل بين المعجزة والسحر وه��و لم

يفرق بين الجنسين بل يجوز أن يكون ما هو معجزة للرسول يظهر على يد الساحر لكن قال الف��رق ه��و

تحدي الرسول باالتيان بمثله وتقريع مخالفه بتعذر مثله عليه فمتى وجد ال��ذي ينف��رد الل��ه بالق��درة علي��ه

من غير تحد منه واحتجاج لنبوته بظهوره لم يكن معجزا واذا كان كذلك خرج السحر عن أن يكون معجزا

ومشبها آليات االنبياء وكان ما يظهر عند فعل الساحر من جنس بعض معجزات الرس��ل وم��ا يفعل��ه الل��ه

عند تحديهم به غير أن الساحر إذا احتج بالسحر وادعى به النبوة أبطله الل��ه ب��وجهين أح��دهما أن ينس��يه

عمل السحر أوال يفعل عند سحره شيئا في المسحور من موت أو سقم أو بغض ولم يخلق فيه الص��عود

الى جهة العلو والقدرة على الدخول في بقرة فاذا منعه هذه االسباب بطل الس��حر والث��اني أن الس��احر

تمكن معارضته فان أبواب السحر معلومة عند السحرة فاذا تحدى س�احر بش��يء يفع��ل عن��د س�حره لم

يلبث أن يجد خلقا من السحرة يفعلون مثل فعله ويعارضونه ب�أدق وأبل�غ مم�ا أورده والرس�ول اذا ظه�ر

عليه مثل ذلك وادعاه آية

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،33.

له قال لهم هذا آيتي وحجتي ودليل ذلك أنكم ال تق�درون على مثل��ه وال يفعل��ه الل��ه في وق�تي ه�ذا وم�ع

تحدي ومطالبتي بمثله عند سحر ساحر وفعل كاهن وقد ك��ان يظه��ر من س��حرتكم وكه��انكم وهي آي��ة ال

تظهر اليوم على أحد من الخلق وان دق سحره وعظم في الكهان�ة علم�ه ف�اذا ظه�ر ذل�ك علي�ه وامتن�ع

ظهور مثله على يد ساحر أو كاهن مع أنه قد ك�ان يظه�ر من قب�ل ص�ار ه�ذا خ�رق ع�ادة البش�ر وع�ادة

السحرة والكهنة خاصة قال ولم يبعد أن يقال هذه اآلية أعظم من غيرها وان له�ا فض�ل مزي�ة ذك�ر ه�ذا

بعد أن قال فان قال قائل فاذا أجزتم أن يكون من عمل السحر ما يفعل الله عنده سقم الصحيح وموته

ويفعل عنده بغض المحب وحب المبغض وبغض الوطن والرد اليه من السفر وضيق الص��در والعج��ز عن

الوطء بالربط والشد الذي يعلمه السحرة والصعود في جهة العلو على خيط أو بعض اآلالت في الفص��ل

Page 17: النبوات

بين هذا وبين معجزات الرسل وكيف تنفصل م��ع ذل��ك المعج��زات من الس��حر ويمكن الف��رق بين الن��بي

والساحر أو ليس لو قال نبي مبعوث أني أصعد على هذا الخيط نحو السماء وأدخ��ل ج��وف ه��ذه البق��رة

وأخرج وأني أفعل فعال أفرق به بين المرء وزوجه وأفعل فعال أقت��ل ب��ه ه��ذا الحي وأس��قم ه��ذا الص��حيح

فهل كان يكون ذلك لو ظهر على يده آيه ودليال على صدقه وما الفصل اذا بين السحر والمعج��ز ثم ق��ال

في الجواب يقال له جواب هذا قريب وذلك أنا قد بينا في صدر هذا الكتاب أن من حق المعجز أال يك��ون

معجزا حتى يكون واقعا من فعل الله على وجه خرق عادة البشر مع تحدي الرسول بااليتان الى آخر م��ا

كتب

قلت هذا عمدة القوم ولهذا طعن الناس في طريقهم وشنع عليهم ابن حزم وغيره وذل��ك أن ه��ذا الكالم

مس��������������������������������������������������������تدرك من وج��������������������������������������������������������وه

أحدها أنه إذا جوز أن يكون ما ينفرد الرب بالقدرة عليه على قوله يأتي به النبي ت��ارة والس��احر ت��ارة وال

فرق بينهما إال دعوى النبوة واالستدالل به والتحدي بالمثل فال حاجة الى كونه مما انفرد الب��اري بالق��درة

عليه ال سيما وقد ظهر ضعف الفرق بين ما يمتنع قدرة العباد عليه وما ال يمتنع ولهذا أعرض المت��أخرون

عن هذا القيد

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،34.

الوجه الثاني وبه تنكش�ف حقيق�ة ط�ريقهم ان�ه على ه�ذا لم تتم�يز المعج�زات بوص�ف نختص ب�ه وانم�ا

امتازت باقترانها بدعوى النبوة وهذا حقيقة قولهم وقد صرحوا به فالدليل والبره��ان إن اس��تدل ب��ه ك��ان

دليال وان لم يستدل به لم يكن دليال وان اقترنت به الدعوى كان دليال وان لم تقترن ب��ه ال��دعوى لم يكن

دليال عندهم ولهذا لم يجعلوا داللة المعجز داللة عقلية بل داللة وضعية كدالل��ة االلف��اظ باالص��طالح وه��ذا

مستدرك من وجوه منها أن كون آيات االنبياء مساوية في الح��د والحقيق��ة لس��حر الس��حرة أم��ر معل��وم

الفساد باالضطرار من دين الرسل الثاني أن هذا من أعظم القدح في االنبياء إذا كانت آي��اتهم من جنس

س�������������������������حر الس�������������������������حرة وكهان�������������������������ة الكه�������������������������ان

الثالث أنه على هذا التقدير ال تبقى داللة فان الدليل ما يستلزم الم�دلول ويختص ب�ه ف�اذا ك�ان مش�تركا

بين���ه وبين غ���يره لم يب���ق دليال فه���ؤالء ق���دحوا في آي���ات االنبي���اء ولم ي���ذكروا دليال على ص���دقهم

الرابع أنه على هذا التقدير يمكن الساحر دعوى النبوة وقوله إنه عند ذلك يسلبه الله القدرة على السحر

أو يأتي بمن يعارضه دعوى مجردة فان المنازع يقول ال نسلم أنه أذا ادعى النب��وة فال ب��د أن يفع��ل الل��ه

ذلك ال سيما على أصله وهو أن الله يجوز أن يفعل كل مقدور وهذا مقدور للرب فيجوز أن يفعله وادعى

أن ما يخرق العادة من االم��ور الطبيعي��ة والطلمس��ات هي كالس��حر فق��ال والج��ل ذل��ك لم تلتبس آي��ات

الرسل بما يظهر من جذب حجر المغناطيس وما يوجد ويكون عند كتب الطلمس��ات ق��ال وذل��ك أن��ه ل��و

ابتدأ نبي باظهار حجر المغناطيس لوجب أن يكون ذلك آية له ولو أن أح��دا أخ��ذ ه��ذا الحج��ر وخ��رج الى

بعض البالد وادعى أنه آية له عند من لم يره ولم يسمع به لوجب أن ينقضه الله عليه بوجهين أحدهما أن

يؤثر دواعي خلق من البشر الى حمل جنس تلك الحجارة الى ذلك البلد وكذلك سبيل الزناد ال��ذي يق��دح

النار وتعرفه العرب وكذلك سبيل الطلمسات التي يقال انها تنفي الذباب والبق والحي��ات والوج��ه اآلخ��ر

أن ال يفع����ل الل����ه عن����د ذل����ك م����ا ك����ان يفعل����ه من قب����ل فيق����ال ه����ذه دع����وى مج����ردة

ومما يوضح ذلك الوجه الخامس وهو أن جعل قدح الزناد وجذب حجر

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،35.

المغناطيس والطلمسات من جنس معجزات االنبياء وأنه لو بعث نبي ابتداء وجعل ذلك آية ل��ه ج�از ذل��ك

غلط عظيم وعدم علم بقدر معجزات االنبياء وآياتهم وهذا إنما أتاهم حيث جعلوا جنس الخارق ه��و اآلي��ة

كما فعلت المعتزلة وأولئك كذبوا بوجود ذلك لغير االنبياء وهؤالء م��ا أمكنهم تك��ذيب ذل��ك لدالل��ة الش��رع

واالخبار المتواترة والعيان على وجود حوادث من هذا النوع فجعل�وا الف�رق اف�تراق ال�دعوى واالس�تدالل

والتحدي دون الخارق ومعلوم أن ما ليس بدليل ال يصير دليال بدعوى المستدل أنه دليل وقد بسط الكالم

في ذلك وجوز أن تظهر المعجزات على يد كاذب إذا خلق الله مثلها على يد من يعارضه فعمدته سالمتها

من المعارضة بالمثل مع أن المثل عنده موجود وآيات االنبياء لها أمثال كثيرة لغير االنبي��اء لكن يق��ول إن

من ادعى اإلتيان فإما أن ال يظهرها الله على يديه وإما أن يقيض من يعارض��ه بمثله��ا ه��ذا عم��دة الق��وم

Page 18: النبوات

وليس فرق��������ا حقيقي��������ا بين الن��������بي والس��������احر وانم��������ا ه��������و مج��������رد دع��������وى

وهذا يظهر بالوجه السادس وهو أن من الناس من ادعى النبوة وكان كاذبا وظهرت على ي�ده بعض ه�ذه

الخوارق فلم يمنع منها ولم يعارضه أحد بل عرف أن هذا الذي أتى به ليس من آيات االنبياء وعرف كذبه

بطرق متعددة كما في قصة االسود العنسي ومسيلمة الكذاب والح�ارث الدمش�قي وباب�ا ال��رومي وغ�ير

ه���ؤالء ممن ادعى النب���وة فق���ولهم إن الك���ذاب ال ي���أتي بمث���ل ه���ذا الجنس ليس كم���ا ادع���وه

الوجه السابع أنه إنما أوجب أن ال يظهر الله الخوارق على يد الك��ذاب ألن ذل��ك يفض�ي الى عج�ز ال��رب

وهذه عمدة االشعري في أظهر قوليه وهي المشهورة عند قدمائهم وهي التي سلكها القاض��ي أب��و يعلى

ونحوه قال القاضي أبو بكر فان قال قائل من القدرية فلم ال يجوز أن تظهر المعج��زات على ي��د م��دعي

النبوة ليلبس بذلك على العباد ويضل به عن الدين وانتم تجوزون خلقه الكفر في قلوب الكفار وإضاللهم

فما الفصل بين إضاللهم بهذا وبين اضاللهم باظهار المعجزات على يد الكاذبين قال فيقال لمن سأل عن

هذا من القدرية الفصل بين االمرين ظاهر معلوم وقد نص القرآن واألخبار بأنه يضل ويه��دي ويختم على

القلوب واألسماع واألبصار فام�ا مط��البتهم ب�الفرق بين إض�الل العب��اد به��ذه الض�روب من األفع��ال وبين

إضاللهم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،36.

بإظهار المعجزات على أيدي الكذابين فجوابه أنا لم تحل إضاللهم بهذا الضرب ألنه إض��الل عن ال��دين او

لقبحه من الله لو وقع أو الستحقاقه الذم علي�ه تع�الى عن ذل�ك أو لكون�ه ظالم�ا لهم ب�التكليف م�ع ه�ذا

الفعل كل ذلك باطل محال من تمويههم وإنما احلن��اه ألن��ه ي��وجب عج��ز الق��ديم عن تمي��يز الص��ادق من

الكادب وتعريفنا الفرق بين النبي والمتنبي من جهة الدليل إذ ال دليل في قول كل أح��د أثبت النب��وة على

نبوة الرسل وصدقهم إال ظهور أعالم المعجزة على أي��ديهم أو خ��بر من ظه��رت المعج��زة على ي��ده عن

نبوة آخر مرسل فهذا إجماع ال خالف فيه فلو أظهر الله على يد المتنبي الكاذب ذلك لبطلت دالئل النبوة

وخرجت المعجزات عن كونها دالل��ة على ص��دق الرس��ول ول��وجب ل��ذلك عج��ز الق��ديم عن الدالل��ة على

صدقهم ولما لم يجز عجزه وارتفاع قدرت��ه عن بعض المق��دورات لم يج��ز ل��ذلك ظه��ور المعج��زات على

أي������������دي الك������������ذابين بخالف خل������������ق الكف������������ر في قل������������وب الك������������افرين

قلت هذا عمدة القوم والمتأخرون عرفوا ضعف هذا فلم يسلكوه ك��أبي المع��الي وال��رازي وغيرهم��ا ب��ل

سلكوا الجواب اآلخر وهو أن العلم بالصدق عند المعجز يحص�ل ض�رورة فه�و علم ض�روري وبين ض�عف

هذا الجواب مع أنه يحتج به وقال فهذا هذا من وجوه أحدها أن يقال إن كان االمر كما زعمتم فانما يلزم

العجز إذا كان خلق الدليل دال على صدقهم جنسه ال يدل بل جنسه يقع مع عدم النبوة ولم يب��ق عن��دكم

جنس من االدل��ة يخص النب��وة فلم قلتم إن تص��ديقهم والح��ال ه��ذه ممكن وال ينفعكم ه��ذا االس��تدالل

باالجم��اع ونح��وه من االدل��ة الس��معية الن كالمكم م��ع منك��ري النب��وات فيجب أن تقيم��وا عليهم ك��ون

المعجزات دليال على صدق النبي وأما من أقر بنبوتهم بطري��ق غ��ير ط��ريقكم فإن��ه ال يحت��اج الى كالمكم

فاذا قال لكم منكرو النبوة ال نسلم إمكان طريق يدل على صدقهم لم يكن معكم ما يدل على ذلك وق��د

أورد هذا السؤال وأجاب عنه بأنه يمكنه تصديقهم بالقول والمعجزات تق��وم مق��ام التص��ديق ب��القول ب��ل

التصديق بالفعل أوكد وضرب المثل بمدعي الوكالة اذا قال قم أو اقعد ففعل ذلك عن��د استش��هاد وكيل��ه

فان العقالء كلهم يعلمون أنه أقام تلك األفعال مقام القول

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،37.

قلت وه��ذا يع��ود الى االحتج��اج بالطريق��ة الثاني��ة وهي العلم بالتص��ديق ض��رورة فال حاج��ة الى طريق��ة

المعجزات الثاني انه يمكن أن يخلق علما ضروريا بصدقهم وقد سلم القاضي أبو بكر ذل��ك لكن ق��ال إذا

اضطررنا الى العلم بصدق مدعي النبوة وأنه أرس��له الين��ا ك��ان في ض��من ه��ذا العلم اض��طراره لن��ا الى

العلم بذاته والى أنه قد أرسل مدعي النبوة وإذا علمن��ا ذل��ك اض��طرارا لم يكن للتكلي��ف ب��العلم بص��دقه

وجه وخرجنا ب�ذلك عن أن نك�ون مكلفين ب�العلم بال�دين وه�ذا كالم ي�ؤدي الى خروجن�ا عن ح�د المحن�ة

والتكليف فيقال له اذا حصل العلم الضروري بوجود الخالق وبصدق رسوله كان التكليف باالقرار بالصانع

وعبادته وحده ال شريك له وبتصديق رسله وطاعة أمره وهذا هو الذي أمرت به الرسل أمرت الخل��ق أن

يعبدوا الله وحده وأن يطيعوا رسله ولم يأمروا جمي��ع الخل��ق ب��أن يكتس��بوا علم��ا نظري��ا بوج��ود الخ��الق

Page 19: النبوات

وصدق رسله لكن من جحد الحق امروه باالقرار به وأقاموا الحجة عليه وبينوا معاندته وأنه جاح��د للح��ق

الذي يعرفه وكذلك الرسول كانوا يعلمون أنه صادق ويكذبونه فليت��دبر ه��ذا الموض��ع فان��ه موض��ع عظيم

الوجه الثالث أن يقال نحن نسلن أن المعجزات تدل على الصدق وأنه ال يجوز إظهاره�ا على ي�د الك�اذب

لكن هو ألن الله منزه عن ذلك وأن حكمته تمنع ذلك وال يجوز عليه ك�ل فع��ل ممكن وأنتم م�ع تج�ويزكم

عليه كل ممكن يلزمكم تج��ويز خل��ق المعج��زة على ي��د الك��اذب فم��ا علم بالعق��ل واالجم��اع من امتن��اع

ظهورها على يد الكاذب يدل على فساد أصلكم الوجه الرابع أن يقال لم قلتم إن��ه ال دلي��ل على ص��دقهم

إال المعجزات وما ذكرتم من االجماع على ذلك ال يصح االستدالل ب��ه ل��وجهين أح��دهما أن��ه ال إجم��اع في

ذلك بل كثير من الطوائف يقولون إن صدقهم بغير المعجزات الثاني أنه ال يص��ح االحتج��اج باالجم��اع في

ذلك فان االجماع إنما يثبت بعد ثب��وت النب��وة والمق��دمات ال��تي تعلم به��ا النب��وة ال يحتج عليه��ا باالجم��اع

وقولكم ال دليل سوى المعجز مقدمة ممنوعة وذكر عن األشعري أنه ذك�ر جواب�ا آخ�ر فق�ال وأيض�ا ف�إن

قول القائل ما أنكرتم من جواز إظهار المعجزات على أيدي الكذابين قول متناقض والله على كل ش��يء

قدير ولكن ما طالب السائل باجازته محال ال تصح القدرة عليه وال العجز عنه ألنه بمنزلة كونه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،38.

أظهر المعجزات على أيديهم فانه أوجب أنهم صادقون الن المعجز دليل على الصدق ومتضمن له وقوله

مع ذلك إنهم كاذبون نقض لقوله إنهم صادقون ق��د ظه��رت المعج��زات على أي��ديهم ف��وجب إحال��ة ه��ذه

المطالبة وصار هذا بمثابة قول من قال ما أنك�رتم من ص�حة ظه�ور األفع�ال المحكم�ة الدال��ة على علم

فاعلها والمتضمنة لذلك من جهة الدليل من الجاهل بها في أنه قول باطل متناقض فيجب اذا ك��ان االم��ر

كذلك استحالة ظهور المعجزات على يدي الكاذبين واستحالة ثبوت قدرة قادر عليه وكيف يصح على هذا

الجواب أن يقال ما أنكرتم وزعمتم أنه من فعل المحال الذي ال يصح حدوثه وتن��اول الق��درة ل��ه ه��و من

قبيل الجائز قياسا على صحة خلق الكفر وضروب الضالل التي يصح حدوثها وتناول القدرة له�ا قلت ه�ذا

كالم صحيح اذا علم أنها دليل الصدق يستحيل وجوده بدون الصدق والممتنع غير مقدور فيمتنع أن يظه��ر

على أيدي الكاذبين ما يدل على صدقهم لكن المطالب يقول كيف يس��تقيم على أص��لكم أن يك��ون ذل��ك

دليل الصدق وهو أمر حادث مقدور وكل مقدور يصح عندكم أن يفعله الله ولو ك��ان في��ه من الفس��اد م��ا

كان فانه عندكم ال ينزه عن فعل ممكن وال يقبح منه فع��ل فحينئ��ذ اذا خل��ق على ي��د الك��اذب مث��ل ه��ذه

الخوارق لم يكن ممتنعا على أصلكم وهي ال ت��دل على الص��دق البت��ة على أص��لكم ويل��زمكم إذا لم يكن

دليل إلهي أال يكون في المقدور دليل على صدق مدعي النبوة فيل��زم أن ال��رب س��بحانه ال يص��دق أح��دا

ادعى النبوة واذا قلتم هذا ممكن بل واق�ع ونحن نعلم ص�دق الص�ادق اذا ظه�رت ه�ذه االعالم على ي�ده

ضرورة قيل فهذا يوجب أن الرب ال يجوز عليه إظهارها على يد كاذب وه��ذا فع��ل من األفع��ال ه��و ق��ادر

عليه وهو سبحانه ال يفعله بل هو منزه عن��ه ف�أنتم بين أم�رين ان قلتم ال يمكن��ه خلقه��ا على ي�د الك��اذب

وكان ظهورها ممتنعا فقد قلتم إنه ال يقدر على إحداث حادث قد فع��ل مثل��ه وه��ذا تص��ريح بعج��زه وأنتم

قلتم فليست بدليل فال يلزم عجزه فصارت داللتها مستلزمة لعجزه على أص�لكم وان قلتم يق�در لكن��ه ال

يفعل فهذا حق وهو ينقض أصلكم وحقيقة االمر أن نفس ما يدل على صدق الصادق بمجموعه امتن��ع أن

يحصل للكاذب وحصوله له ممتنع غير مقدور وأما خلق مث��ل تل��ك الخارق��ة على ي��د الك��اذب فه��و ممكن

والله سبحانه وتعالى قادر عليه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،39.

لكنه ال يفعله لحكمته كما أنه سبحانه يمتنع عليه أن يكذب أو يظلم والمعجز تصديق وتصديق الكاذب ه�و

منزه عنه والدال على الصدق قصد الرب تصديق الصادق وهذا القصد يمتنع حصوله للكاذب فيمتنع جعل

من ليس برسول رسوال وجعل الكاذب صادقا ويمتنع من الرب قص��د المح��ال وه��و غ��ير مق��دور وه��و اذا

صدق الصادق بفعله علم باالضطرار والدليل أنه صدقه وهذا العلم يمتن��ع حص�وله للك��اذب واستش��هادكم

بالعلم هو من هذا الباب فانتم تقولون إن الرب ال يخل�ق ش�يئا لش�يء وحينئ�ذ فال يك�ون قاص�دا لم�ا في

المخلوقات من اإلحكام فال يكون اإلحكام داال على العلم على أصلكم فان اإلحكام إنما هو جع�ل الش�يء

محصال للمطلوب بحيث يجعل ألجل ذلك المطلوب وهذا عن��دهم ال يج��وز فاثبات��ه علم��ه وتص��ديق رس��له

مشروط بأن يفعل شيئا لشيء وهذا عندكم ال يجوز فلهذا يق��ال إنكم متناقض��ون والل��ه س��بحانه وتع��الى

Page 20: النبوات

أعلم

الوجه الثامن أن حقيقة االمر على قول هؤالء الذين جعلوا المعجزة الخارق م��ع التح��دي أن المعج��ز في

الحقيقة ليس اال منع الناس من المعارضة بالمثل سواء كان المعجز في نفسه خارقا أو غير خارق وكث��ير

مما يأتي به الساحر والكاهن أمر معت��اد لهم وهم يج��وزون أن يك��ون آي��ة للن��بي واذا ك��ان آي��ة من��ع الل��ه

الساحر والكاهن من مثل ما كان يفعل أو قيض له من يعارضه وقالوا هذا أبلغ فانه من��ع المعت��اد وك��ذلك

عندهم أحد نوعي المعجزات منعهم من األفعال المعتادة وهو مأخذ من يق��ول بالص��رفة واذا ك��ان ك��ذلك

جاز أن يكون كل أمر كاألكل والشرب والقي��ام والقع��ود معج��زة اذا منعهم أن يفعل��وا كفعل��ه وحينئ��ذ فال

معنى لكونها خارقا وال الختصاص الرب بالقدرة عليه��ا ب��ل االعتب��ار بمج��رد ع��دم المعارض��ة وهم يق��رون

بخالف ذل������������������������������������������������������ك والل������������������������������������������������������ه أعلم

الوجه التاسع أنه اذا كانت المعجزة هي مجموع دعوى الرسالة مع التحدي فال حاجة الى كونه خارقا كم�ا

تقدم ويجب اذا تحدى بالمثل أن يقول فليأت بمثل القرآن من يدعي النبوة فإن هذا ه��و المعج��ز عن��دهم

وإال كان القرآن مجردا ليس بمعجز فال يطلب مثل القرآن إال ممن يدعي النبوة كما في الساحر والكاهن

اذا ادعى النبوة سلبه الله ذلك او قيض له من يعارضه وإذا لم يدع النبوة جاز أن يظهر على يده مثل م��ا

يظهر على يد النبي فكذلك يلزمهم مثل هذا في القرآن وسائر المعجزات والله أعلم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،40.

فصل في أن الرسول ال بد أن يبين أصول الدين

وهي البراهين الدالة على أن ما يقوله حق من الخبر واألم��ر فال ب��د أن يك��ون ق��د بين ال��دالئل على

صدقه في كل ما أخبر ووجوب طاعته في كل ما أوجب وأمر ومن أعظم أص��ول الض��الل اإلع��راض

عن بيان الرسول لألدلة واآليات والبراهين والحجج فإن المعرضين عن هذا إما أن يص��دقوه ويقبل��وا

قوله ويؤمنوا به بال دليل أصال وال علم وإما أن يستدلوا على ذلك بغير أدلته ف�ان لم يكون�وا ع�المين

بصدقه فهم ممن يق�ال ل�ه في ق�بره م�ا قول�ك في ه�ذا الرج�ل ال�ذي بعث فيكم فأم�ا الم�ؤمن أو

الموقن فيقول هو عبد الله ورسوله جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به واتبعناه وأما المنافق أو المرتاب

فيقول هاء هاء ال أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته فيضرب بمرزبة من حدي��د فيص��يح ص��يحة

يسمعها كل شيء إال الثقلين وان استدل على ذلك بغير اآليات واألدلة التي دعا بها الن��اس فه��و م��ع

كونه مبتدعا ال بد أن يخطئ ويضل فان ظن الظان أنه بأدلة وبراهين خارجة عما ج�اء ب�ه ت�دل على

ما جاء به فهو من جنس ظنه أنه يأتي بعبادات غير ما شرعه توصل الى مقص��وده وه��ذا الظن وق��ع

فيه طوائف من النظ��ار الغ��الطين أص��حاب االس��تدالل واالعتب��ار والنظ��ر كم��ا وق��ع في الظن االول

طوائف من العباد الغالطين أصحاب االرادة والمحبة والزهد وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبته

يوم الجمعة خير الكالم كالم الله وخير الهدي هدي محمد وشر األم��ور مح��دثاتها وك��ل بدع��ة ض��اللة

يتناول هذا وهذا وقد أرى الله تعالى عباده اآليات في اآلفاق وفي أنفسهم حتى تبين لهم أن ما قاله

هو حق فأن أرباب العبادة والمحبة واالرادة والزهد الذين سلكوا غير ما أمروا ب��ه ض��لوا كم��ا ض��لت

النصارى ومبتدعة هذه األمة من العباد وأرباب النظر واالستدالل الذين سلكوا غير دليله وبيانه أيض��ا

تعالى قال ومن  ضلوا يشقى وال يضل فال هداي اتبع فمن هدى مني يأتينكم فإماأعمى القيامة يوم ونحشره ضنكا معيشة له فان ذكري عن أعرض

 قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك الي��وم تنس��ى

ومستدل ومبين ودليل دال أربعة االسالم أصول أحمد اإلمام عن المأثور الكالم وفيتعالى الله قال الرسول هو والمبين القرآن هو والدليل الله هو لتبين للناس مافالدال

اليهم على  نزل المسلمون أجمع الذين األلباب وأولو العلم أولو هم والمستدلأبي للقاضي العدة في مذكور وهو أحمد عن المنى ابن ذكره وقد ودرايتهم هدايتهم

النظار من كثير صار ولهذا فاستحسنه له قيل أو له قال أحمد أن إما وغيرها يعلىايمان إن منهم كثير ويقول التقليد عن وينهون واالستدالل والنظر العلم يوجبون

الذي واالستدالل النظر ثم االستدالل بترك عاص لكنه صح وان أنه أو يصح ال المقلد

Page 21: النبوات

واستدالل نظر هو العلم وأصل الواجبات أول ويجعلونه ويوجبونه إليه يدعونالعلم الى يوصل ال فاسد استدالل وهو أمرا وال خبرا ال المشروع هو ليس ابتدعوه

األجسام بحدوث ذلك على االستدالل هو بالخالق العلم أصل جعلوا فانهممنها تنفك وال عنا تخلو ال لألعراض مستلزمة بأنها األجسام حدوث على واالستداللتخلو ال للحوادث مستلزمة األجسام أن فثبت قالوا االعراض حدوث على استدلوا ثم

يسبق لم ما أو الحوادث من يخل لم وما قالوا منهم كثير ثم مثلها تكون فال عنهاعليها يطلب ال بالضرورة معلومة بديهية مقدمة هذه أن وظن حادث فهو الحوادث

المعين كالحادث ابتداء لها بان يشعر الحوادث لفظ أن بسبب ذلك وكان دليلمقدرة جعلت اذا الحوادث فإن حادث ألف ألف ألف قدرت ولو المحدودة والحوادث

قد اذ منه ابتدأ معين حد له ليس له ابتداء ماال فإن ابتداء لها يكون أن بد فال محدودةفهو يسبقها مالم الحوادث هذه أن ومعلوم دائم أزلي قديم هو بل له ابتداء ال قيل

الحوادث جنس بين للفرق يفطن منهم وكثير بعدها وإما معها إما يكون فإنه حادثبعد شيئا توجد الحوادث زالت ما يقال أن مثل فالجنس المحدودة الحوادث وبين

فاعال الله زال ما او شاء اذا متكلما الله زال ما أو موجودا جنسها زال ما أو شيءال بالقدرة المقدور اقتران معها يمكن قدرة يفعل أن على قادرا زال ما أو يشاء لما

في هذه فان المقدور معها يمتنع قدرة تكون

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،42.

الحقيقة ليست قدرة ومثل أن يقال في المستقبل ال بد أن الله يخلق شيئا بعد ش��يء ونعيم أه��ل الجن��ة

دائم ال يزول وال ينفد وق��د يق��ال في الن��وعين كلم��ات الل��ه ال تنف��ذ وال نهاي��ة له��ا ال في الماض��ي وال في

المستقبل ونحو ذلك فالكالم في دوام الجنس وبقائه وأنه ال ينفد وال ينقضي وال يزول وال ابت��داء ل��ه غ��ير

الكالم فيما يقدر محدودا له ابتداء أوله ابتداء وانتهاء فإن كثيرا من النظ��ار من يق��ول جنس الح��وادث إذا

قدر له ابتداء وجب أن يكون له انتهاء ألنه يمكن فرض تقدمه على ذلك الحد فيكون أكثر مما وجد وم��اال

يتناهى ال يدخله التفاضل فإنه ليس وراء عدم النهاية شيء أكثر منها بخالف ماال ابتداء له وال انته��اء ف��إن

هذا ال يكون شيء فوقه فال يفضي الى التفاضل فيما ال يتناهى وبسط هذا له موضع آخر والمقص��ود هن��ا

أن هؤالء جعلوا هذا أصل دينهم وإيمانهم وجعلوا النظر في هذا الدليل هو النظر الواجب على كل مكل��ف

وأنه من لم ينظر في هذا الدليل فاما أنه ال يص�ح إيمان�ه فيك�ون ك�افرا على ق�ول طائف�ة منهم وإم�ا أن

يكون عاصيا على قول آخرين وأما إن يكون مقلدا ال علم له بدينه لكنه ينفعه هذا التقليد ويصير به مؤمنا

غير عاص واألقوال الثالثة باطلة ألنه��ا مفرع��ة على أص��ل باط��ل وه��و أن النظ��ر ال��ذي ه��و أص��ل ال��دين

وااليمان هو هذا النظر في هذا الدليل ف��ان علم��اء المس��لمين يعلم��ون باالض��طرار أن الرس��ول لم ي��دع

الخلق بهذا النظر وال بهدا الدليل ال عامة الخل��ق وال خاص��تهم ف��امتنع أن يك��ون ه��ذا ش��رطا في االيم��ان

والعلم وقد ش�هد الق�رآن والرس�ول لمن ش�هد ل�ه من الص�حابة وغ�يرهم ب�العلم وأنهم ع�المون بص�دق

الرسول وبما جاء به وعالمون بالله وبأنه ال إله إال الله ولم يكن الموجب لعلمهم هذا ال�دليل المعين كم�ا

صراط  قال تعالى الى ويهدي الحق هو ربك من اليك أنزل الذي العلم أوتوا الذين ويرىالحميد بالقسط  وقال العزيز قائما العلم وأولو والمالئكة هو إال إله ال أنه الله  وقال شهد

أعمى هو كمن الحق ربك من إليك أنزل ما أن يعلم أفمنوالبصيرة في غير موضع كقوله والهدى باليقين يوقنون  وقد وصف هم أولئك  وقوله وباآلخرة

ربهم من هدى اتبعني  وقوله على ومن أنا بصيرة على الله الى أدعو سبيلي هذه قل

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،43.

وأمثال ذلك فتبين أن هذا النظر واالستدالل الذي أوجبه هؤالء وجعلوه أصل الدين ليس مم��ا أوجب��ه الل��ه

ورسوله ولو قدر أنه صحيح في نفسه وأن الرسول أخبر بص�حته لم يل�زم من ذل��ك وجوب�ه اذ ق�د يك�ون

المطلوب أدلة كثيرة ولهذا طعن الرازي وأمثاله على أبي المعالي في قوله إنه ال يعلم حدوث الع��الم إال

بهذا الطريق وقالوا هب أنه يدل على حدوث العالم فمن أين يجب أن ال يك��ون ثم طري��ق آخ��ر وس��لكوا

هم طرقا أخر فلو كانت هذه الطريق صحيحة عقال وقد شهد لها الرسول والمؤمن�ون ال�ذين ال يجتمع�ون

Page 22: النبوات

على ضاللة بأنها طريق صحيحة لم تتعين مع إمكان سلوك طرق أخرى كما أنه في الق��رآن س��ور وآي��ات

قد ثبت بالنص واالجماع أنها من آيات الله الدالة على الهدى ومع ه�ذا ف�اذا اهت��دى الرج�ل بغيره�ا وق�ام

بالواجب ومات ولم يعلم بها ولم يتمكن من سماعها لم يضره كاآليات المكي��ة ال��تي اهت��دى به��ا من آمن

ومات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قب��ل أن ي��نزل س��ائر الق��رآن فال��دليل يجب ط��رده وال يجب

عكسه ولهذا أنكر كثير من العلماء على هؤالء ايج�اب س�لوك ه�ذه الطري�ق م�ع تس��ليمهم أنه��ا ص�حيحة

كالخطابي والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وغيرهم واألشعري نفس��ه أنك��ر على من أوجب س��لوكها أيض��ا

في رسالته إلى أه�ل الثغ�ر م�ع اعتق�اده ص�حتها واختص�ر منه�ا طريق�ة ذكره�ا في أول كتاب�ه المش�هور

المسمى باللمع في الرد على أهل البدع وقد اعتنى به أصحابه حتى شرحوه شروحا كثيرة والقاضي أب��و

بكر شرحه ونقض كتاب عبد الجبار الذي صنفه في نقضه وسماه نقض نقض اللمع وأما أكابر أه��ل العلم

من السلف والخلف فعلموا أنها طريقة باطلة في نفسها مخالفة لصريح المعقول وصحيح المنق��ول وان��ه

ال يحصل بها العلم بالصانع وال بغير ذلك بل يوجب سلوكها اعتقادات باطلة توجب مخالفة كثير مم��ا ج��اء

به الرسول مع مخالفة صريح المعقول كما أصاب من سلكها من الجهمية والمعتزلة والكالبية والكرامي��ة

ومن تبعهم من الطوائف وان لم يعرفوا غورها وحقيقتها فإن أئمة هؤالء الطوائف ص��ار ك��ل منهم يل��تزم

ما يراه الزما ليطردها فيلتزم لوازم مخالفة للش��رع والعق��ل فيجيء اآلخ��ر ف��يرد علي��ه وي��بين فس��اد م��ا

التزمه ويلتزم هو لوازم أخر لطردها فيقع أيضا في

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،44.

مخالفة الشرع والعقل فالجهمية التزموا ألجلها نفي أسماء الله وصفاته اذ كانت الص�فات أعراض�ا تق�وم

بالموصوف وال يعقل موصوف بصفة إال الجسم فإذا اعتقدوا حدوثه اعتقدوا حدوث ك��ل موص��وف بص��فة

والرب تعالى قديم فالتزموا نفي صفاته وأس��ماؤه مس��تلزمة لص��فاته فنف��وا أس��ماءه الحس��نى وص��فاته

العلى والمعتزلة استعظموا نفي االسماء لما في��ه من تك��ذيب الق��رآن تك��ذيبا ظ��اهر الخ��روج عن العق��ل

والتناقض فإنه ال بد من التمييز بين الرب وغيره بالقلب واللسان فما ال يم��يز من غ��يره ال حقيق��ة ل��ه وال

إثبات وهو حقيقة قول الجهمية فانهم لم يثبتوا في نفس االمر شيئا قديما البتة كما أن المتفلسفة ال��ذين

سلكوا مسلك االمكان والوجوب وجعلوا ذلك بدل الحادث والقديم لم يثبتوا واجبا بنفسه البتة وظهر بهذا

فساد عقلهم وعظيم جهلهم مع الكفر وذلك أنه يشهد وج�ود الس�ماوات وغيره�ا فه�ذه األفالك إن ك�انت

قديمة واجبة فقد ثبت وجود الموجود القديم الواجب وان ك��انت ممكن��ة أو محدث��ة فال ب��د له��ا من واجب

قديم فإن وجود الممكن ب�دون ال��واجب والمح�دث ب�دون الق�ديم ممتن�ع في بدائ�ه العق�ول فثبت وج�ود

موجود قديم واجب بنفسه على كل تقدير فاذا ك��ان م��ا ذك��روه من نفي الص��فات عن الق��ديم وال��واجب

يستلزم نفي القديم مطلقا ونفي الواجب علم أنه باطل وقد بسط هذا في مواضع وبين أن ك��ل من نفى

صفة مما أخبر به الرسول لزمه نفي جميع الصفات فال يمكن القول بموجب أدلة العق��ول إال م��ع الق��ول

بصدق الرسول فأدلة العقول مستلزمة لصدق الرسول فال يمكن مع عدم تصديقه القول بموجب العقول

النار قال تعالى الله تعالى عن أهل ألقي  بل من كذبه فليس معه ال عقل وال سمع كما أخبر كلماالله نزل ما وقلنا فكذبنا نذير جاءنا قد بل قالوا نذير يأتكم ألم خزنتها سألهم فوج فيها

أصحاب في كنا ما نعقل أو نسمع كنا لو وقالوا كبير ضالل في إال أنتم إن شيء منالسعير ألصحاب فسحقا بذنبهم فاعترفوا الموضع السعير هذا غير في مبسوط وهذا

والمقصود هنا أن المعتزلة لما رأوا الجهمية قد نفوا أسماء الله الحسنى استعظموا ذلك وأقروا باألسماء

ولما رأوا هذه الطريق توجب نفي الصفات نفوا الصفات

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،45.

فصاروا متناقضين فان اثبات حي عليم قدير سميع بصير بال حي��اة وال علم وال ق��درة وال حكم��ة وال س��مع

وال بصر مكابرة للعقل كإثبات مصل بال ص�الة وص�ائم بال ص�يام وق�ائم بال قي�ام ونح�و ذل��ك من االس�ماء

المشتقة كاسماء الف��اعلين والص��فات المعدول��ة عنه��ا وله��ذا ذك��روا في أص��ول الفق��ه أن ص��دق االس��م

المشتق كالحي والعليم ال ينفك عن صدق المشتق منه كالحياة والعلم وذكروا النزاع م��ع من ذك��روه من

المعتزلة كأبي علي وأبي هاشم فجاء ابن كالب ومن اتبعه كاألش��عري والقالنس��ي فق��رروا أن��ه ال ب��د من

إثبات الصفات متابعة للدليل السمعي والعقلي مع إثبات االس��ماء وق��الوا ليس��ت أعراض��ا الن الع��رض ال

Page 23: النبوات

يبقى زمانين وصفات الرب باقية سلكوا في هذا الف��رق وه��و أن الع��رض ال يبقى زم��انين مس��لكا أنك��ره

عليهم جمهور العقالء وقالوا إنهم خالفوا الحس وضرورة العق�ل وهم موافق�ون ألولئ��ك على ص�حة ه�ذه

الطريقة طريقة اإلعراض قالوا وهذه تنفي عن الله أن يقوم به حادث وكل حادث فانم��ا يك��ون بمش��يئته

وقدرته قالوا فال يتصف بشيء من هذه االمور ال يتكلم بمشيئته وقدرته وال يقوم به فعل اختياري يحص��ل

بمشيئته وقدرته كخلق العالم وغيره بل منهم من قال ال يقوم به فعل بل الخلق هو المخلوق كاألش��عري

ومن وافقه ومنهم من قال بل فعل الرب قديم أزلي وهو من صفاته األزلية وهو قول قدماء الكالبية وهو

الذي ذكره أصحاب ابن خزيمة لما وقع بينه وبينهم بسبب هذا األصل فكتبوا عقيدة اصطلحوا عليها وفيها

إثبات الفعل القديم األزلي وكان سبب ذلك أنهم كانوا كالبي��ة يقول��ون إن��ه ال يتكلم بمش��يئته وقدرت��ه ب��ل

كالمه المعين الزم لذاته أزال وأبدا وكان ابن خزيمة وغيره على القول المعروف للمسلمين وأه��ل الس��نة

أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته وكان قد بلغه عن اإلمام أحمد أنه كان يذم الكالبية وأنه أمر بهجر الحارث

المحاسبي لما بلغه أنه على قول ابن كالب وكان يقول حذروا عن حارث الفقير فإنه جهمي واشتهر ه��ذا

عن أحمد وكان بنيسابور طائف��ة من الجهمي��ة والمعتزل��ة ممن يقول��ون إن الق��رآن وغ��يره من كالم الل��ه

مخلوق ويطلقون القول بأنه متكلم بمشيئته وقدرته لكن مرادهم بذلك أنه يخل��ق كالم��ا بائن��ا عن��ه قائم��ا

بغيره كسائر

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،46.

المخلوقات وكان من ه�ؤالء من ع�رف أص�ل ابن كالب ف�اراد التفري�ق بين ابن خزيم�ة وبين طائف�ة من

أصحابه فأطلعه على حقيقة قولهم فنفر منه وهم كانوا قد بنوا ذلك على أصل ابن كالب واعتقدوا أن��ه ال

تقوم به الحوادث بناء على هذه الطريقة طريقة اإلعراض وابن خزيمة شيخهم وهو الملقب بإمام األئم��ة

وأكثر الناس معه ولكن ال يفهمون حقيقة النزاع فاحت��اجوا ل��ذلك الى ذك��ر عقي��دة ال يق��ع فيه��ا ن��زاع بين

الكالبية وبين أهل الحديث والسنة فذكروا فيها أن كالم الله غير مخلوق وأن��ه لم ي��زل متكلم��ا وأن فعل��ه

أيضا غير مخلوق فالمفعول مخلوق ونفس فعل الرب له قديم غير مخلوق وهذا قول الحنفي��ة وكث��ير من

الحنبلية والشافعية والمالكية وهو اختيار القاضي أبي يعلى وغيره في آخر عمره وبس��ط ه��ذا ل��ه موض��ع

آخر والمقصود التنبيه على افتراق االمة بسبب هذه الطريقة ولما عرف كثير من الناس ب��اطن ق��ول ابن

كالب وأنه يقول أن الله لم يتكلم بالقرآن العربي وأن كالمه ش��يء واح��د ه��و مع��نى آي��ة الكرس��ي وآي��ة

الدين عرفوا م��ا في��ه من مخالف��ة الش��رع والعق��ل فنف��روا عن��ه وعرف��وا أن ه��ؤالء يقول��ون أن��ه ال يتكلم

بمشيئته وقدرته فأنكروه وكان ممن أنكر ذلك الكرامية وغير الكرامية كاصحاب أبي معاذ التومني وزهير

البابي وداود بن علي وطوائف فصار كث�ير من ه�ؤالء يقول��ون أن�ه يتكلم بمش�يئته وقدرت�ه ف�انكروه لكن

يراعى تلك الطريقة العتقاده صحتها فيقول إنه لن يكن في األزل متكلم��ا ألن��ه إذا ك��ان لم ي��زل متكلم��ا

بمشيئته لزم وجود حوادث ال تتناهى وأصل الطريقة أن ه�ذا ممتن�ع فص�ار حقيق�ة ق�ول ه�ؤالء إن�ه ص�ار

متكلما بعد أن لم يكن متكلما فخالفوا قول السلف واألئمة انه لم يزل متكلما اذا شاء وبسط هذه األمور

ل����������������������������������������ه موض����������������������������������������ع آخ����������������������������������������ر

والمقصود هنا أن كثيرا من أهل النظر ص��ار م��ا يوجبون��ه من النظ��ر واالس��تدالل ويجعلون��ه أص��ل ال��دين

وااليمان هو هذه الطريقة المبتدعة في الشرع المخالفة للعقل التي انفق سلف األمة وأئمتها على ذمه��ا

وذم أهلها فذمهم للجهمية الذين ابتدعوا هذه الطريقة أوال متواتر مشهور قد صنف فيه مص��نفات وذمهم

للكالم والمتكلمين مما عني به أهل هذه الطريقة كذم الشافعي لحفص الفرد الذي كان على قول ضرار

بن عمرو

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،47.

وذم أحمد بن حنبل ألبي عيسى محمد بن عيسى برغوث الذي كان على قول حسين النجار وذمهم��ا وذم

أبي يوسف ومالك وغيرهم ألمثال ه��ؤالء ال��ذين س��لكوا ه��ذه الطريق��ة وق��د ص��نف في ذم الكالم وأهل��ه

مصنفات أيضا وهو متناول الهل هذه الطريقة قطعا فكان ايجاب النظر بهذا التفسير باطال قطعا بل ه��ذا

نظر فاسد يناقض الحق وااليمان وله��ذا ص��ار من يس��لك ه��ذه الطريق��ة من ح��ذاق الطوائ��ف يت��بين لهم

فسادها كما ذكر مثل ذلك أبو حامد الغزالي وأبو عبد الله الرازي وأمثالهما ثم الذي يتبين له فس��ادها إذا

لم يجد عند من يعرفه من المتكلمين في أصول الدين غيرها بقي حائرا مضطربا والقائلون بق��دم الع��الم

Page 24: النبوات

من الفالسفة والمالحدة وغيرهم ت��بين لهم فس��ادها فص��ار ذل��ك من أعظم حججهم على ق��ولهم الباط��ل

فيبطلون قول هؤالء إنه صار فاعال أو فاعال ومتكلما بمش��يئته بع��د أن لم يكن ويثبت��ون وج��وب دوام ن��وع

الحوادث ويظنون أنهم إذا أبطل��وا كالم أولئ��ك المتكلمين به��ذا حص�ل مقص�ودهم وهم أض�ل وأجه��ل من

أولئك فإن أدلتهم ال توجب قدم شيء بعينه من العالم بل كل ما سوى الله فهو محدث مخلوق كائن بع��د

أن لم يكن ودالئل كثيرة غير تلك الطريقة وأن كان الفاعل لم يزل ف�اعال لم�ا يش��اء ومتكلم�ا بم�ا يش��اء

وصار كثير من أولئك إذا ظهر له فساد أصل أولئ��ك المتكلمين المبت��دعين وليس عن��ده إال ق��ولهم وق��ول

هؤالء يميل الى قول هؤالء المالحدة ثم قد يبطن ذلك وقد يظهره لمن يأمن�ه وابتلى به�ذا كث�ير من أه�ل

النظ��ر والعب��ادة والتص��وف وص��اروا يظه��رون ه��ذا في ق��الب المكاش��فة ويزعم��ون أنهم أه��ل التحقي��ق

والتوحيد والعرفان فأخذوا من نفي الصفات أن صانع العالم ال داخل العالم وال خارج��ه ومن ق��ول ه��ؤالء

أن العالم قديم ولم يروا موجودا سوى العالم فقالوا إنه هو الله وقالوا هو الوجود المطلق والوجود واحد

وتكلموا في وحدة الوجود وأنه الله بكالم ليس هذا موضع بسطه ثم لما ظهر أن كالمهم يخ��الف الش��رع

والعقل صاروا يقولون يثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح العقل ويقولون القرآن كل�ه ش�رك وإنم�ا

التوحيد في كالمنا ومن أراد أن يحصل له هذا العلم اللدني األعلى فلي�ترك العق�ل والنق�ل وص�ار حقيق�ة

قولهم الكفر بالله وبكتبه ورسله وباليوم اآلخر من جنس قول المالحدة الذين يظهرون التشيع

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،48.

لكن أولئك لما كان ظاهر قولهم هو ذم الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان صارت وصمة الرفض تنف��ر عنهم

خلقا كثيرا لم يعرفوا باطن أمرهم وهؤالء صاروا ينتسبون الى المعرفة والتوحي��د وأتب��اع ش��يوخ الطري��ق

كالفضيل وابراهيم بن أدهم والتستري والجنيد وسهل بن عبد الله وأمثال هؤالء ممن له في االمة لس��ان

صدق ف��اغتر به��ؤالء من لم يع��رف ب��اطن أم��رهم وهم في الحقيق��ة من أعظم خل��ق الل��ه خالق��ا له��ؤالء

المشايخ السادة ولمن هو أفضل منهم من السابقين االولين واالنبياء المرسلين وكان من أسباب ذلك أن

العبادة والتأله والمحب�ة ونح�و ذل��ك مم�ا يتكلم في�ه ش�يوخ المعرف�ة والتص�وف أم�ر معظم في القل�وب

والرسل إنما بعثوا بدعاء الخلق الى أن يعرفوا الله ويكون أحب إليهم من كل ما سواه فيعب��دوه وي��ألهوه

وال يكون لهم معبود مألوه غيره وقد أنكر جمهور أولئك المتكلمين أن يكون الله محبوبا أو أنه يحب شيئا

أو يحبه أحد وهذا في الحقيقة إنكار لكونه إلها معبودا فان اآلله هو المألوه الذي يس��تحق أن يؤل��ه ويعب��د

والتأله والتعبد يتضمن غاية الحب بغاية الذل ولكن غل��ط كث��ير من أولئ��ك فظن��وا أن اآللهي��ة هي الق��درة

على الخلق وإن اآلله بمعنى اآلله وإن العباد يألههم الله ال أنهم هم يألهون الله كما ذكر ذلك طائفة منهم

األشعري وغيره وطائفة ثالثة لما رأت ما دل على أن الله يحب أن يكون محبوبا من أدلة الكتاب والسنة

وكالم السلف وشيوخ أهل المعرفة صاروا يقرون بأن�ه محب�وب لكن�ه ه�و نفس�ه ال يحب ش�يئا إال بمع�نى

المشيئة وجميع االشياء مرادة له فهي محبوبة له وهذه طريقة كث��ير من أه��ل النظ��ر والعب��ادة والح��ديث

كأبي إسماعيل األنصاري وأبي حامد الغزالي وأبي بكر بن العربي وحقيقة هذا القول أن الله يحب الكفر

والفسوق والعصيان ويرضاه وهذا هو المشهور من قول األشعري وأصحابه وقد ذكر أبو

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،49.

المعالي أنه أول من قال ذل��ك وك��ذلك ذك��ر ابن عقي��ل أن أول من ق��ال إن الل��ه يحب الكف��ر والفس��وق

والعصيان هو األشعري وأصحابه وهم قد يقولون ال يحبه دينا وال يرضاه دينا كما يقولون ال يريد أن يك��ون

فاعله مأجورا وأما هو نفسه فهو محبوب له كس��ائر المخلوق��ات فإنه��ا عن��دهم محبوب��ة ل��ه إذ ك��ان ليس

عن�����دهم إال إرادة واح�����دة ش�����املة لك�����ل مخل�����وق فه�����و عن�����دهم محب�����وب مرض�����ي

وجماهير المسلمين يعرفون أن هذا القول معلوم الفساد بالضرورة من دين أهل المل��ل وان المس��لمين

واليهود والنصارى متفقون على أن الله ال يحب الشرك وال تكذيب الرسل وال يرضى ذل��ك ب��ل ه��و يبغض

ذلك  ذلك ويمقته ويكرهه كما ذكر الله في سورة بني إسرائيل ما ذكره من المحرمات ثم قال كلمكروها ربك عند سيئة وبسط هذه األمور له مواضع أخر والمقصود هنا أن الذين اعرضوا عنكان

طريق الرسول في العلم والعمل وقعوا في الضالل والزلل وأن أولئك لما أوجب��وا النظ��ر ال��ذي ابت��دعوه

صارت فروعه فاسدة اذ قالوا ان من لم يسلكها كفر أو عصى فقد عرف باالضطرار من دين االسالم أن

الصحابة والتابعين لهم باحسان لم يسلكوا ط��ريقهم وهم خ��ير االم��ة وإن ق��الوا ان من قال��ه ليس عن��ده

Page 25: النبوات

علم وال بصيرة بااليمان بل قاله تقليدا محضا من غير معرفة يكون مؤمنا فالكت��اب والس��نة يخ��الف ذل��ك

ولو أنهم سلكوا طريقة الرسول لحفظهم الله من هذا التناقض فان ما جاء به الرسول جاء من عند الل��ه

تعالى الله وقد قال به من عند غير ابتدعوه جاءوا فيه  وما لوجدوا الله غير عند من كان ولوكثير وهؤالء بنوا دينهم على النظر والصوفية بنوا دينهم على االرادة وكالهما لفظ مجمل يدخلاختالفا

فيه الحق والباطل فالحق هو النظر الشرعي واالرادة الشرعية فالنظر الشرعي هو النظر فيما بعث ب��ه

وبينات  الرسول من اآليات والهدى كما قال للناس هدى القرآن فيه أنزل الذي رمضان شهروالفرقان الهدى مامن الشرعي سماع والسماع ورسوله به الله أمر ما إرادة الشرعية واالرادة

أحب الله سماعه كالقرآن والدليل الذي يس�تدل ب�ه ه�و ال�دليل الش�رعي وه�و ل�ذي دل الل�ه ب�ه عب�اده

وهداهم به الى صراط مستقيم فانه لما ظهرت البدع والتبس

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،50.

الحق بالباطل صار اسم النظر والدليل والسماع واالرادة يطلق على ثالثة أمور منهم من يريد ب�ه

البدعي دون الشرعي فيريدون بالدليل ما ابتدعوه من األدل��ة الفاس��دة والنظ��ر فيه��ا ومن الس��ماع

واالرادة ما ابتدعوه من اتباع ذوقهم ووجدهم وما تهواه أنفسهم وسماع الشعر والغناء ال��ذي يح��رك

هذا الوجد التابع لهذه االرادة النفسانية التي مض�مونها اتب�اع م�ا ته�وى األنفس بغ�ير ه�دى من الل�ه

ومنهم من يري�د مطل�ق ال��دليل والنظ�ر ومطل�ق الس�ماع واالرادة من غ�ير تقيي�دها ال بش�رعي وال

قوله يفسرون القول  ببدعي فهؤالء يستمعون القرآنالذين فيه يدخل الذي القول بمطلق

والغناء ويستمعون الى هذا وه��ذا وأولئ��ك يفس��رون االرادة بمطل��ق المحب��ة لآلل��ه من غ��ير تقيي��دها

بشرعي وال بدعي ويجعلون الجميع من أهل االرادة سواء عب��د الل��ه بم��ا أم��ر الل��ه ب��ه ورس��وله من

التوحيد وطاعة الرسول أو كان عابدا للشيطان مشركا عابدا بالب��دع وه��ؤالء أوس��طهم وهم أحس��ن

حاال من الذين قيدوا ذلك بالبدعي وأما القسم الثالث فهم صفوة االمة وخياره�ا المتبع�ون للرس�ول

علما وعمال يدعون إلى النظر واالستدالل واالعتب��ار باآلي��ات واألدل��ة وال��براهين ال��تي بعث الل��ه به��ا

رسوله وتدبر القرآن وم�ا في�ه من البي�ان وي�دعون إلى المحب�ة واالرادة الش�رعية وهي محب�ة الل�ه

وح�ده وارادة عبادت�ه وح�ده ال ش�ريك ل��ه بم�ا أم�ر ب�ه على لس�ان رس�وله فهم ال يعب�دون إال الل�ه

فيه قال الذي قوله وهو استماعه أحب ما ويستمعون وأمر شرع بما يدبروا  ويعبدونه أفلمأحسنه  وهو الذي قال فيه القول فيتبعون القول يستمعون الذين عبادي كما قالفبشر

ربكم من إليكم أنزل ما أحسن شيء  وقال واتبعوا كل من األلواح في له وكتبنابأحسنها يأخذوا قومك وأمر بقوة فخذها شيء لكل وتفصيال موعظة

كقوله االبتداء على القدرة بين من  سبحانه خلقناكم فإنا البعث من ريب في كنتم إنلكم لنبين مخلقة وغير مخلقة مضغة من ثم علقة من ثم نطفة من ثم اآليةتراب

لسوف  ومثل قوله مامت أإذا االنسان ويقول

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،51.

قوله  أخرج حيا أوال يذكر االنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ومثل وضرب لنا مثال ونسياآلية

وغير  خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ذلك

فاالستدالل على الخالق بخلق االنسان في غاية الحس��ن واالس��تقامة وهي طريق��ة عقلي��ة ص��حيحة وهي

شرعية دل القرآن عليها وهدى الناس اليها وبينها وأرشد اليها وهي عقلية فان نفس كون االنس��ان حادث�ا

بعد أن لم يكن ومولودا ومخلوقا من نطفة ثم من علقة هذا لم يعلم بمجرد خبر الرسول بل ه��ذا يعلم��ه

الناس كلهم بعقولهم سواء أخبر به الرسول أو لم يخبر لكن الرسول أم��ر أن يس��تدل ب��ه ودل ب��ه وبين��ه

واحتج به فهو دليل شرعي الن الشارع استدل به وأمر أن يستدل به وهو عقلي ألنه بالعق��ل تعلم ص��حته

وكثير من المتنازعين في المعرفة هل تحصل بالشرع أو بالعقل ال يس��لكونه وه��و عقلي ش��رعي وك��ذلك

غيره من االدلة التي في القرآن مثل االستدالل بالسحاب والمطر هو مذكور في القرآن في غ��ير موض��ع

تعالى قال كما عقلي شرعي به  وهو فنخرج الجزر االرض الى الماء نسوق أنا يروا أولميبصرون أفال وأنفسم أنعامهم منه تأكل آياتنا  فهذا مرئي بالعيون وقال تعالى زرعا سنريهم

Page 26: النبوات

كل على أنه بربك يكف لم أو قال ثم الحق أنه لهم يتبين حتى أنفسهم وفي اآلفاق فيشهيد فاآليات التي يريها الناس حتى يعلموا أن القرآن حق هي آيات عقلية يستدل بها العقلشيء

على أن القرآن حق وهي شرعية دل الشرع عليها وأمر بها والقرآن مملوء من ذكر اآليات العقلي��ة ال��تي

يستدل بها العقل وهي شرعية الن الشرع دل عليها وأرش�د اليه�ا ولكن كث�يرا من الن�اس ال يس�مي دليال

شرعيا إال ما دل بمجرد خبر الرسول وهو اصطالح قاصر وله��ذا يجعل��ون أص��ول الفق��ه ه��و لبي��ان األدل��ة

الشرعية الكتاب والسنة واالجماع والكتاب يريدون به أن يعلم مراد الرسول فقط والمقصود من أص��ول

الفقه هو معرفة األحكام الشرعية العملية فيجعلون االدلة الشرعية ما دلت على االحك��ام العملي��ة فق��ط

ويخرجون ما دل باخبار الرسول عن أن يكون شرعيا فضال عما دل بارش�اده وتعليم�ه ولكن ق�د يس�مون

هذا دليال سمعيا وال يسمونه شرعيا وهو اصطالح قاصر واألحكام

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،52.

العملية أكثر الناس يقولون إنها تعلم بالعقل أيض��ا وأن العق��ل ق��د يع��رف الحس��ن والقبح فتك��ون االدل��ة

العقلية دالة على األحكام العملية أيضا ويجوز أن تسمى شرعية ألن الشرع قررها أو وافقها أو دل عليه�ا

وأرشد اليها كما قيل مثل ذلك في المطالب الخبرية كاثبات الرب ووحدانيته وصدق رس��له وقدرت��ه على

المعاد ان الشرع دل عليها وأرشد اليها وبسط هذا له موضع آخر والمقصود هنا أن االشعري ب�نى أص�ول

الدين في اللمع ورسالة الثغر على كون االنسان مخلوقا محدثا فال بد ل��ه من مح�دث لك��ون ه�ذا ال��دليل

مذكورا في القرآن فيكون شرعيا عقليا لكنه في نفس االمر سلك في ذلك طريقة الجهمي��ة بعينه��ا وه��و

االستدالل على حدوث االنسان بأنه مركب من الجواهر الفردة فلم يخل من الح��وادث وم��ا لم يخ��ل من

الحوادث فهو حادث فجعل العلم بكون االنسان محدثا وبكون غيره من األجس��ام المش��هودة مح��دثا انم��ا

يعلم بهذه الطريقة وهو أنه مؤلف من الجواهر الفردة وهي ال تخلو من اجتم��اع واف��تراق وتل��ك أع��راض

حادثة وما لم ينفك من الحوادث فهو محدث وهذه الطريق��ة أص��ل ض��الل ه��ؤالء ف��انهم أنك��روا المعل��وم

بالحس والمشاهدة والضرورة العقلية من ح��دوث المح��دثات المش��هود ح��دوثها وادع��وا أن��ه إنم��ا يش��هد

حدوث أعراض ال حدوث أعيان مع تنازعهم في األعراض ثم قالوا واألجسام ال تخلوا من األع��راض وه��ذا

صحيح ثم قالوا واألعراض حادثة فاضطربوا هنا ثم قالوا وما لم يخل من الحوادث فهو حادث وهذا أص��ل

دينهم وه���و أص���ل فاس���د مخ���الف للس���مع والعق���ل كم���ا ق���د بس���ط في غ���ير ه���ذا الموض���ع

والمتفلسفة أشد مخالفة للعقل والس��مع منهم لكنهم عرف��وا فس��اد ط��ريقتهم ه��ذه العقلي��ة فاس��تطالوا

عليهم بذلك وسلكوا ما هو أفسد منها كطريقة اإلمكان والوجوب كما قد بس�ط في موض�ع آخ�ر فلبس�وا

هذا الباطل بالحق الذي جاء به الرسول وهو االستدالل بحدوث االنسان وغيره من المحدثات التي يش��هد

حدوثها فصار في كالمهم حق وباطل من جنس ما أحدثه أهل الكتاب حيث لبسوا الحق بالباطل واحتاجوا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،53.

في ذلك الى كتمان الحق الذي جاء به الرسول الذي يخالف ما أحدثوه فصاروا يكرهون ظهور ما جاء ب��ه

الرسول بل يمنعون عن قراءة االحاديث وسماعها وقراءة كالم السلف وسماعه ومنهم من يك��ره ق��راءة

القرآن وحفظه والذين ال يقدرون على المنع من ذلك صاروا يقرءون حروفه وال يعلمون ح��دود م��ا ان��زل

الله على رسوله بل إن اشتغلوا بعلومه اشتغلوا بتفس��ير من يش��ركهم في ب��دعتهم ممن يحرف��ون الكلم

كلم الله عن مواضعه واالصل العقلي الحسي الذي به فارقوا العقل والسمع هو حدوث ما يش��هد حدوث��ه

مثل حدوث الزرع والثمار وحدوث االنسان وغيره من الحيوان وحدوث السحاب والمطر ونح��و ذل��ك من

األعيان القائمة بنفسها غير حدوث االعراض كالحركة والحرارة والبرودة والضوء والظلمة وغير ذل��ك ب��ل

تلك األعيان التي يسمونها أجساما وجواهر هي حادثة فانه معلوم أن االنس��ان مخل��وق من نطف��ة ثم من

علقة ثم من مضغة وأن الثمار تخلق من االشجار وأن الزرع يخل�ق من الحب والش�جر يخل�ق من الن�وى

الحي  قال تعالى من الميت ومخرج الميت من الحي يخرج والنوى الحب فالق الله انذلك حسبانا والقمر والشمس سكنا الليل وجاعل االصباح فالق تؤفكون فأنى الله ذلكم

قد البحر و البر ظلمات في بها لتهتدوا النجوم لكم جعل الذي وهو العليم العزيز تقديرقد ومستودع فمستقر واحدة نفس من أنشأكم الذي وهو يعلمون لقوم اآليات فصلنا

شيء كل نبات به فأخرجنا ماء السماء من أنزل الذي وهو يفقهون لقوم اآليات فصلنا

Page 27: النبوات

من وجنات دانية قنوان طلعها من النخل ومن متراكما حبا منه نخرج خضرا منه فأخرجنافي ان وينعه أثمر اذا ثمره الى انظروا متشابه وغير مشتبها والرمان والزيتون أعناب

يؤمنون لقوم آليات فهذا االنسان والشجر والزرع المخلوق من مادة قد خلق منها عين قائمةذلكم

بنفسها وهم يقولون إنما هي من الجسم القائم بنفسه وهو الجوهر العام في اص��طالحهم ال��ذي يقول��ون

إنه مركب من الجواهر الفردة وهل الذي خلق من المادة هو أعيان أم لم يخلق إال أعراض قائمة بغيره��ا

وأما األعيان فهي الجواهر الفردة وتلك منها ش��يء في ه��ذه الح��وادث ولكن أح��دث فيه��ا جم��ع وتفري��ق

فكان خلق االنسان وغيره هو تركيب تلك الجواهر وأحداث هذا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،54.

التركيب ال أحداث تلك الج��واهر وأم��ا ح��دوث تل��ك الج��واهر فانم��ا يعلم باالس��تدالل فيس��تدل علي��ه ب��أن

الجواهر التي تركبت منها هذه األجسام ال تخلو من اجتماع وافتراق واالجتم��اع واالف��تراق ح��ادث وم��ا لم

يخل من الحوادث فه��و ح��ادث فه��ذه طري��ق ه��ؤالء الجهمي��ة أه��ل الكالم المح��دث وأم��ا جمه��ور العقالء

فيقولون بل نحن نعلم حدوث هذه األعيان القائمة بنفسها ال نقول إنه لم يحدث إال عرض فان هذا القول

يقتضي أن تلك الجواهر التي ركب منها آدم باقية لم يزل في كل آدمي منها شيء وهذا مكابرة فان بدن

آدم ال يحتمل هذا كله ال يحتمل أن يكون فيه جواهر بعدد ذريته ال س��يما وك��ل آدمي إنم��ا خل��ق من م��ني

أبويه وهم يقولون تلك الجواهر التي في مني االبوين باقية بأعيانها في الولد وهم يقولون إن الج��واهر ال

تفنى بل تنتقل من حال الى حال وكثير منهم يقول إنها مستغنية عن الرب بع��د أن خلقه��ا وتح��يروا فيم��ا

إذا أراد أن يفنيها وكيف يفنيها كما قد ذكر في غ�ير ه�ذا الموض�ع اذ المقص�ود هن�ا التنبي�ه على أن أص�ل

االصول معرفة حدوث الش��يء من الش��يء كح�دوث االنس��ان من الم�ني فه��ؤالء ظن��وا أن�ه ال يح�دث إال

األعراض ولهذا لما ذكر أبو عبد الل��ه بن الخطيب ال��رازي في كتب��ه الكب��ار والص�غار الط��رق الدال��ة على

إثبات الصانع لم يذكر طريقا صحيحا وليس في كتبه وكتب أمثاله طريق صحيح إلثبات الصانع ب��ل ع��دلوا

عن الطرق العقلي��ة ال��تي يعلمه��ا العقالء بفط��رتهم وهي ال��تي دلتهم عليه��ا الرس��ل الى ط��رق س��لكوها

مخالفة للشرع والعقل ال سيما من سلك طريقة الوجوب واالمكان متابعة البن سينا كالرازي ف��ان ه��ؤالء

من أفسد الناس استدالال كما قد ذكرنا طرق عامة النظار في غير هذا الموضع مث��ل كت��اب من��ع تع��ارض

العقل والنقل وغير ذلك والمقصود هنا أن الرازي ذكر أن ما يس��تدل ب��ه على إثب��ات الص��انع إم��ا ح��دوث

األجسام وإما حدوث صفاتها وإم�ا إمكانه�ا وإم�ا إمك�ان ص�فاتها وذك�ر في بعض المواض�ع وإم�ا األحك�ام

واإلتقان لكن اإلحك��ام واإلتق��ان ي��دل على العلم ابت��داء واالس��تدالل بح��دوث االجس��ام وإمكانه��ا وإمك��ان

صفاتها طرق فاسدة فان داللة حدوثها مبنية على امتناع حوادث ال أول لها وداللة إمكانه��ا مبني��ة على م��ا

قامت به الصفات يمتن��ع أن يك��ون واجب��ا بنفس��ه ألن�ه م�ركب ودالل��ة ص�فاتها مبني��ة على تماثله��ا فال ب�د

لتخصيص

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،55.

بعضها بالصفات من مخصص وهذه كلها طرق باطلة قال وأما االستدالل بحدوث الصفات فهو االس��تدالل

بحدوث األعراض وهذه الطريق أجود ما سلكوه من الط�رق م�ع أنه�ا قاص�رة ف�ان م�دارها على أنهم لم

يعرفوا حدوث شيء من األعيان وإنم��ا علم��وا ح��دوث بعض الص��فات وه��ذا ي��دل على أن��ه ال ب��د له��ا من

محدث قال وهذا ال ينفي كون المحدث جسما بخالف تلك الطرق وهذه الطري��ق ت��دل على أن األع��راض

كتركيب االنسان ال بد له من مركب وال ينفي بها شيء من قدم األجس��ام والج��واهر ب��ل يج��وز أن يك��ون

جميع جواهر االنسان وغيره قديمة أزلية لكن حدثت فيها األعراض ويج��وز أن يك��ون المح��دث لألع��راض

بعض أجس�ام الع�الم فه�ذه الطري�ق ال تنفي أن يك�ون ال��رب بعض أجس�ام الع�الم وتل�ك باطل�ة م�ع أن

مض��مونها أن ال��رب ال يتص��ف بش��يء من الص��فات فهي ال ت��دل على ص��انع وإن دلت على ص��انع فليس

بموجود بل معدوم أو متصف بالوجود والعدم كما قد بسط في غير موضع وله�ذا يق�ول ال�رازي في آخ�ر

مصنفاته لقد تأملت الطرق الكالمية والمن��اهج الفلس��فية فم��ا رأيته��ا تش��في غليال وال ت��روي غليال ورأيت

الطيب  أقرب الطرق طريقة القرآن اقرأ في اإلثبات الكلم يصعد العرش  اليه على الرحمنشيء  وأقرأ في النفي استوى كمثله علما  ليس به يحيطون قال ومن جرب مثل تجربتيوال

عرف مثل معرفتي ولما ذكر الرازي االستدالل بحدوث الصفات كالحيوان والنبات والمطر ذك��ر أن ه��ذه

Page 28: النبوات

الله كقوله بآيات القرآن يذكر فيه االستدالل القرآن وال ريب أن السماوات  طريقة خلق في إنأنزل وما الناس ينفع بما البحر في تجري التي والفلك والنهار الليل واختالف واألرضالرياح وتصريف دابة كل من فيها وبث موتها بعد األرض به فأحيا ماء من السماء من الله

يعقلون لقوم آليات واألرض السماء بين المسخر وإلهكم  وهذا مذكور بعد قوله والسحابالرحيم الرحمن هو إال إله ال واحد أندادا  وقبل قوله إله دونه من يتخذ من الناس ومن

الله كحب قائمةيحبونهم عين أحداث فيها ليس وأنه حادثة هذه صفات أن يذكر لم القرآن لكن

بنفسها بل القرآن يبين أن في خلق

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،56.

كقوله واألعراض األعيان خلق في اآليات ويذكر آيات بنفسها القائمة خلق  األعيان في إنالناس ينفع بما البحر في تجري التي والفلك والنهار الليل واختالف واألرض السماوات

ماء  وهي أعيان ثم قال من السماء من الله أنزل فأحيا  والماء عين قائمة بنفسها وقوله وماموتها بعد األرض دابة  هو بما يخلقه فيها من النبات وهو أعيان وكذلك قوله به كل من فيها وبث

الرياح  وقوله وقوله وتصريف أعراض وتصريفها أعيان بين  فالرياح المسخر والسحابواالرض أعيان السماء يعقلون  والسحاب لقوم آليات

وقد تقدم أن أصل االش�تباه في ه�ذا أن خل�ق الش�يء من م�ادة ه�ل ه�و خل�ق عين أم إح�داث اجتم�اع

واف�������تراق وأع�������راض فق�������ط والن�������اس مختلف�������ون في ه�������ذا على ثالث�������ة أق�������وال

فالقائلون بالجواهر الفردة من أهل الكالم القائلون بأن األجس��ام مركب��ة من الج��واهر الص��غار ال��تي ق��د

بلغت من الصغر الى حد ال يتميز منها جانب عن جانب يقولون تل��ك الج��واهر باقي��ة تنقلت في الح��وادث

ولكن تعتقب عليه��ا األع��راض الحادث��ة واالس��تدالل ب��األعراض على ح��دوث م��ا يلزم��ه من الج��واهر ثم

االستدالل بذلك على المحدث غير االستدالل بحدوث هذه األعراض على المحدث له��ا فتل��ك هي طريق��ة

الجهمية المشهورة وهي ال��تي س��لكها األش��عري في كتب��ه كله��ا متابع��ة للمعتزل��ة وله��ذا قي��ل األش��عرية

مخ����������������������������������������������������������انيت المعتزل����������������������������������������������������������ة

وأما االستدالل بالحوادث على المحدث فهي الطريقة المعروفة لكل أحد لكن تس��مية ه��ذه أعراض��ا ه��و

تسمية القائلين بالجوهر الفرد مع أن الرازي توقف في آخر أمره في�ه كم�ا ذك�ر ذل��ك في نهاي�ة العق�ول

وذكر أيضا عن أبي الحسين البصري وأبي المعالي أنهما توقفا فيه والمقصود أن القائلين بالجوهر الف��رد

يقولون إنما أحدث أعراضا كجمع الجواهر وتفريقها فالمادة التي هي الجواهر المنفردة باقية

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،57.

عندهم بأعيانها ولكن أحدث صورا هي أعراض قائمة بهذه الجواهر وأما المتفلسفة فيقولون أحدث صورا

في مواد باقية كما يقول هؤالء لكن يقول�ون أح�دث ص�ورا هي ج�واهر في م�ادة هي ج�وهر وعن�دهم ثم

مادة باقية بعينها والصور الجوهرية كصورة الماء والهواء والتراب والمولدات تعتقب عليه��ا وه��ذه الم��ادة

عندهم جوهر عقلي وكذلك الص��ورة المج��ردة ج��وهر عقلي ولكن الجس��م م��ركب من الم��ادة والص��ورة

ولهذا قسموا الموجودات فقالوا إما أن يكون الموجود حاال بغيره أو محال أو مركبا من الحال والمح��ل أو

ال هذا وال هذا فالحال في غيره هو الصورة والمح�ل ه�و الم�ادة والم�ركب منهم�ا ه�و الجس�م وم�ا ليس

كذلك إن كان متعلقا بالجسم فهو النفس واال فهو العقل وهذا التقس��يم في��ه خط��أ كث��ير من وج��وه ليس

هذا موضعها إذ المقصود أنهم يقولون أيضا انه لم يحدث جسما قائما بنفسه ب��ل إنم��ا أح��دث ص��ورة في

مادة باقية وال ريب ان األجسام بينها قدر مشترك في الطول والعرض والعمق وهو المقدار المجرد الذي

ال يختص بجسم بعينه ولكن هذا المقدار المجرد ه�و في ال�ذهن ال في الخ�ارج كالع�دد المج�رد والس�طح

المجرد والنقطة المجردة وكالجسم التعليمي وهو الطويل العريض العمي��ق ال��ذي ال يختص بم��ادة بعينه��ا

فهذه المادة المشتركة التي أثبتوها هي في الذهن وليس بين الجسمين في الخ��ارج ش��يء اش��تركا في��ه

بعينه فهؤالء جعلوا األجسام مش��تركة في ج��وهر عقلي وأولئ��ك جعلوه��ا مش��تركة في الج��واهر الحس��ية

وهؤالء قالوا اذا خلق كل شيء من شيء فانما أحدثت ص�ورة م�ع أن الم�ادة باقي�ة بعينه�ا لكن أفس�دت

صورة وكونت ص��ورة وله��ذا يقول��ون عم��ا تحت الفل��ك ع��الم الك��ون والفس��اد وله��ذا ق��ال ابن رش��د إن

األجسام المركبة من المادة والصورة هي في عالم الكون والفس��اد بخالف الفل��ك فان��ه ليس مركب��ا من

Page 29: النبوات

مادة وصورة عند الفالسفة قال وإنما ذكر أنه مركب من هذا وهذا ابن س��ينا وه��ؤالء وه��ؤالء تح��يروا في

خلق الشيء من مادة كخلق االنسان من النطفة والحب من الحب والشجرة من النواة وظنوا أن ه��ذا ال

يكون إال مع بقاء اصل تلك المادة إما الجواهر عند قوم وإما المادة المشتركة عند قوم وهم في الحقيقة

ينكرون أن يخلق الله شيئا من شيء فانه عندهم ال يحدث إال الصورة التي هي عرض عند قوم أو جوهر

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،58.

عقلي عند قوم وكالهما لم يخلق من مادة والمادة عندهم باقية بعينه��ا لم يخل��ق ولن يخل��ق منه��ا ش��يء

شيء  وقد ذكروا في قوله غير من خلقوا ثالثة أمور قال ابن عباس واالكثرون أم خلقوا من غيرأم

خالق وهو الذي ذكره الخطابي وقال الزجاج وابن كيسان أم خلقوا عبثا وسدى فال يبعث��ون وال يحاس��بون

وال يؤمرون وال ينهون كما يقول فعلت هذا من غير شيء أي لغير علة وقيل أم خلق��وا من غ��ير م��ادة أي

من غير أب وأم ثم من هؤالء من قال فهم كالجماد ومنهم من قال كالسماوات ظنا من��ه أنه��ا خلقت من

غير مادة ذكر األربعة أبو الفرج وذكر البغوي الوجهين االولين وال��ذي ذكرن��اه من ق��ول أولئ��ك المتكلمين

والفالسفة معنى آخر وهو أن من قال المادة الباقية بعينها وانما حدث ع��رض أو ص��ورة وذل��ك لم يخل��ق

من غيره ولكن أحدث في المادة الباقية فال يكون الله خلق شيئا من شيء الن الم�ادة عن�دهم لم تخل�ق

أما المتفلسفة فعندهم المادة قديما أزلية باقية بعينها وأم��ا المتكلم��ون ف��الجواهر عن��دهم موج��ودة وم��ا

زالت موجودة لكن من قال إنها حادثة من أهل الملل وغيرهم ق��الوا يس��تدل على ح��دوثها بال��دليل ال أن

خلقها معلوم للناس فهو عندهم مما يستدل عليه باألدلة الدقيقة الخفية مع أن ما يذكرونه منتهاه إلى أن

ما ال يخلو عن الحوادث فهو حادث وهو دليل باطل فال دليل عندهم على ح��دوثها وإذا ك��انت لم تخل��ق اذ

خلق االنسان بل هي باقية في االنسان واالعراض الحادثة لم تخلق من مادة فاذا خلق االنسان لم يخل�ق

من شيء ال جواهره وال أعراضه وعلى قولهم ما جعل الله من الماء كل شيء حي وال خلق كل دابة من

ماء وال خلق آدم من تراب وال ذريته من نطفة ب��ل نفس الج��واهر الترابي��ة باقي��ة بعينه��ا لم تخل��ق حينئ��ذ

ولكن أحدث فيها أعراض أو صورة حادثة وتلك األعراض ليست من التراب فلما خلق آدم لم يخلق شيء

من تراب وكذلك النطفة جواهرها باقية إما الجواهر المنفردة وإما المادة والحادث ه��و ع��رض أو ص��ورة

في مادة وال هذا وال هذا خلق من نطفة وليس قولهم إنه لم يخلق من م��ادة معن��اه أن الخ��الق أبدع��ه ال

من شيء وأنهم قصدوا بها تعظيم الخالق بل االنسان ال ريب أنه جوهر قائم بنفسه وعندهم ذل��ك الق��ائم

بنفسه ما زال موجودا لم يخلق

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،59.

اذ خلق االنسان والجوهر الحامل لصورته ما زال موجودا أيضا فلم يخل�ق عن�د ه�ؤالء إال األع�راض وعن�د

هؤالء إال صورة مجردة وكالهما ليس هو االنسان بل صفة له أو صورة له هذا هو المخلوق عن�دهم بخل�ق

شيئا  االنسان فقط وقد قال تعالى يك ولم قبل من خلقناه أنا االنسان يذكر ال  وقال تعالى أوشيئا تك ولم قبل من خلقتك فقد أمر االنسان أن يتذكر أن الله خلقه ولم يك شيئا واالنسانوقد

اذا تذكر إنما يذكر أنه خلق من نطفة وعندهم ما زال جوهر االنسان شيئا وذلك الشيء باق وانم��ا ح��دث

أعراض لتلك االشياء ومعلوم أن تلك األعراض وحدها ليست هي اإلنسان فإن اإلنسان م��أمور منهي حي

عليم قدير متكلم سميع بصير موصوف بالحركة والسكون وهذه صفات الجواهر والعرض ال يبقى زمانين

فالمخلوق على قولهم ال يبقى زمانين بل يفنى عقب ما يخلق وله��ذا اض��طربوا في المع��اد ف��ان معرف��ة

المعاد مبنيه على معرفة المبدأ والبعث مبني على الخلق فقال بعضهم هو تفريق تلك االج��زاء ثم جمعه��ا

وهي باقية بأعيانها وقال بعضهم بل يعدمها ويعدم األعراض القائمة بها ثم يعيدهما وإذا أعادها فإن��ه يعي��د

تلك الجواهر التي كانت باقية إلى أن حصلت في هذا االنسان فلهذا اضطربوا لما قي��ل لهم فاالنس��ان اذا

أكله حيوان آخر فان أعيدت تلك الجواهر من االول نقصت من الثاني وبالعكس أما على ق��ول من يق��ول

إنها تفرق ثم تجمع فقيل له تل��ك الج��واهر ان جمعت لآلك��ل نقص��ت من الم��أكول وإن أعي��دت للم��أكول

نقصت من اآلكل وأما الذي يقول تعدم ثم تعاد بأعيانها فقيل له أتعدم لما أكلها اآلك��ل أم قب��ل أن يأكله��ا

فإن كان بعد أن أن أكلها فإنها تعاد في اآلكل فينقص المأكول وان ك��ان قب��ل االك��ل فاآلك��ل لم يأك��ل إال

أعراضا لم يأكل جواهر فهذا مكابرة ثم إن المشهور أن اإلنسان يبلى ويص�ير تراب�ا كم�ا خل��ق من ت�راب

وبذلك أخبر الله فإن قيل إنه إذا صار ترابا عدمت تلك الجواهر فهو لما خلق من تراب عدمت أيض�ا تل�ك

Page 30: النبوات

الجواهر فكونهم يجعلون الجواهر باقية في جميع االستحاالت إال إذا صار ترابا تناقض بين ويل��زمهم علي��ه

الحيوان المأكول وغير ذلك وكأن هذا الضالل أصل ضاللهم في تصور الخل��ق االول والنش��أة األولى ال��تي

أمرهم الرب أن يتذكروها

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،60.

تعالى قال الثانية على قدرته على بها نحن  ويستدلوا أم تخلقونه أأنتم تمنون ما أفرأيتموننشئكم أمثالكم نبدل أن على بمسبوقين نحن وما الموت بينكم قدرنا نحن الخالقون

تذكرون ال فلو االولى النشأة علمتم ولقد تعلمون ال هذافيما في تصورا أجود والفالسفة

الموضع حيث قالوا تفسد الصورة األولى وهي جوهر وتحدث صورة أخ��رى ف��إن ه��ذا أج��ود من أن يق��ال

يزول عرض ويحدث عرض ولكن الفالسفة غلطوا في توهمهم أن هناك م��ادة باقي��ة بعينه��ا وإنم��ا تفس��د

صورتها والحق أن المادة التي منها يخلق الثاني تفس��د وتس��تحيل وتف��نى وتتالش��ى وينش��ئ الل��ه الث��اني

ويبتدئه ويخلق من غير أن يبقى من االول شيء ال مادة وال ص��ورة وال ج��وهر وال ع��رض ف��اذا خل��ق الل��ه

االنسان من المني فالمني استحال وصار علقة والعلقة استحالت وصارت مضغة والمضغة استحالت الى

 عظام وغير عظام واالنسان بعد أن خلق خلق كله جواهره وأعراضه وابتدأه الله ابتداء كما ق�ال تع��الى

من ساللة من نسله جعل ثم طين من االنسان خلق وبدأ خلقه شيء كل أحسن الذيمهين شيئا  وقال تعالى ماء يك ولم قبل من خلقناه أنا االنسان يذكر ال فاالنسان مخلوقأو

خلق الل�ه ج�واهره وأعراض�ه كله�ا من الم�ني من م�ادة اس�تحالت ليس�ت باقي�ة بع�د خلق�ه كم�ا تق�ول

المتفلسفة ان هناك مادة باقية ولفظ الم�ادة مش��ترك ف�الجمهور يري�دون ب�ه م�ا من��ه خل��ق وه�و أص�له

وعنصره وهؤالء يريدون بالمادة جوهرا باقيا وهو محل للصورة الجوهرية فلم يخلق عن��دهم االنس��ان من

مادة بل المادة باقية وأحدث ص��ورته فيه��ا كم��ا أن الص��ور الص��ناعية كص��ورة الخ��اتم والس��رير والثي��اب

والبيوت وغير ذلك إنما أحدث الصانع صورته العرضية في مادة لم تزل موج��ودة ولم تفس��د لكن ح��ولت

من صفة الى صفة فهكذا تقول الجهمية المتكلمة المبتدعة أن الله أحدث صورة عرضية في م�ادة باقي�ة

لم تفسد فيجعلون خلق اإلنسان بمنزلة عمل الخاتم والسرير والثوب والمتفلسفة تقول أيض��ا أن مادت��ه

باقية لم تفسد كمادة الصورة الص��ناعية لكن يقول��ون أن��ه أح��دث ص��ورة جوهري��ة وهم ق��د يخلط��ون وال

يفرقون بين الصور العرضية والجوهرية فإنهم يسمون صورة االنس��ان ص��ورة في م��ادة وص��ورة الخ��اتم

صورة في مادة فيكون خلق االنسان

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،61.

عند هؤالء وهؤالء من جنس ما يحدثه الناس في الصور من المواد ويكون خلق��ه بمنزل��ة ت��ركيب الحائ��ط

من اللبن ولهذا قال من قال منهم إنه يستغني عن الخ�الق بع�د الخل�ق كم�ا يس�تغني الحائ�ط عن البن�اء

واألشعرية عندهم أن البناء والخياط وسائر أه�ل الص�نائع لم يح�دثوا في تل��ك الم�واد ش�يئا ف�إن الق�درة

المحدثة عندهم ال تتعلق إال بما هو في محله��ا ال خارج��ا عن محله��ا ويقول��ون ان تل��ك المص��نوعات كله��ا

مخلوقة لله ليس لالنسان فيها ص�نع وخل��ق الل��ه له��ا على أص�لهم ه�و إح�داث أع�راض فيه��ا كم�ا تق�دم

فينكرون ما يصنعه االنسان وهو في الحقيقة مثل ما يجعلونه مخلوقا للرحمن وهم ال يش��هدون لل��رحمن

إحداثا وال إفناء بل إنما يحدث عندهم األع��راض وهي تف��نى بأنفس��ها ال بافنائ��ه وهي تف��نى عقب إح��داثها

وهذا ال يعقل وهم حائرون إذا أراد أن يعدم األجسام كيف يعدمها والمشهور عندهم أنها تعدم بأنفسها اذا

لم يخلق لها أعراضا فالعرض يفنى عندهم بنفسه والجوهر يفنى بنفسه إذا لم يخلق ل��ه ع��رض ه��ذا في

اإلفناء وأما في األحداث فانهم إستدلوا على حدوثها بدليل باطل لو كان صحيحا للزم ح��دوث ك��ل ش��يء

من غير محدث فحقيقة أصل أهل الكالم المتبعين للجهمية أنه ال يحدث شيئا وال يفنى شيئا بل يحدث كل

شيء بنفسه ويفنى بنفسه ويلزمهم جواز أن يكون للرب محدثا أيضا بال محدث وهذه االصول هي أصول

دينهم العقلية التي بها يعارضون الكتاب والسنة والمعقوالت الصريحة وهي في الحقيقة ال عقل وال سمع

الله عمن قال السعير  كما حكى أصحاب في كنا ما نعفل أو نسمع كنا والخلق يشهدونلو

إحداث الله لما يحدثه وإفناءه لما يفنيه كالمني الذي استحال وفنى وتالش��ى وأح��دث من��ه ه��ذا االنس��ان

وكالحبة التي فنيت واستحالت وأحدث منها الزرع وكالهواء الذي استحال وفنى وحدث منه النار أو الم��اء

وكالنار التي استحالت وحدث منها الدخان فهو سبحانه دائما يح��دث م��ا يحدث��ه ويكون��ه ويف��ني م��ا يفني��ه

Page 31: النبوات

عليها  ويعدمه واالنسان إذا مات وصار ترابا فني وعدم وكذلك سائر ما على االرض كما قال من كلأحكامفان الثانية للنشأة ويخلقه خلقا جديدا ولكن التراب ابتداء من كما خلقه التراب يعيده من ثم

وصفات ليست لألولى فمعرفة االنسان بالخلق االول وما يخلقه من ب��ني آدم وغ��يرهم من الحي��وان وم��ا

يخلقه من

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،62.

الشجر والنبات والثمار وما يخلقه من السحاب والمط��ر وغ��ير ذل��ك ه��و أص��ل لمعرفت��ه ب��الخلق والبعث

والمبدأ والمعاد وان لم يعرف أن الله يخلقه كله من الم��ني ج��واهره وأعراض��ه وإال فم��ا ع��رف أن الل��ه

خلقه ومن ظن أن جواهره لم يخلقها اذ خلقه بل جواهر المني وجواهر ما يأكله ويشربه باقية بعينها في��ه

لم يخلقها أو أن مادته التي تقوم بها صورته لم يخلقها إذ خلقه بل هي باقية أزلية أبدية لم يكن قد عرف

أنه مخلوق محدث والعلم��اء ينك��رون على من يق��ول أن روح االنس��ان قديم��ة أزلي��ة من المنتس��بين إلى

اإلسالم وهؤالء الذين يقولون إن مادة جسمه باقية بعينها وهي أزلية أبدية أبع��د عن العق��ل والنق��ل منهم

وأولئك أنكروا عليهم حيث قالوا االنسان مركب من قديم ومحدث من الهوت ق��ديم وناس��وت مح��دث أو

هؤالء جعلوه مركبا من مادة قديمة أزلية وصورة محدثة وجعل��وا الق��ديم األزلي في��ه أخس م��ا في��ه وه��و

المادة فإنها عندهم أخس الموجودات وهي قديمة أزلية وأولئك جعلوا القديم األزلي أشرف ما في��ه وهي

النفس الناطقة وكال الطائفتين وإن كان ضاال فالشريف العالي أولى بالقدم من الخسيس الس��افل وه��ذا

�����������������������������������������������������������������������������������������������������������������������دوث أولى بالح

وأما المتكلمة الجهمية فهم ال يتصورون ما يشهدونه من حدوث هذه الج�واهر في ج�واهر أخ�ر من م�ادة

ثم يدعون أن الجواهر جميعها أبدعت ابتداء ال من شيء وهم لم يعرفوا قط ج��وهرا أح��دث ال من ش��يء

كما لم يعرفوا عرضا أحدث ال في محل وحقيقة ق��ولهم أن الل��ه ال يح��دث ش��يئا من ش��يء ال ج��وهرا وال

عرضا فان الجواهر كلها أحدثت ال من شيء واألعراض كذلك والمشهود المعلوم للناس أنم��ا ه��و إحداث��ه

شيئا  لما يحدثه من غير مادة ولهذا قال تعالى تك ولم قبل من خلقتك ولم يقل خلقتك ال منوقد

ماء  شيء وقال تعالى من دابة كل خلق  ولم يقل خلق كل دابة ال من شيء وقال تعالى والله

حي شيء كل الماء من وهذا هو القدرة التي تبهر العقول وهو أن يقلب حقائق الموجوداتوجعلنا

قال كما آخر شيئا ويحدث ويالشيه ويفنيه االول من  فيحيل الحي يخرج والنوى الحب فالقالحي من الميت ومخرج الميتةالميت والحبة النواة من الحية والسنبلة الحية الشجرة ويخرج

ويخرج النواة الميتة والحبة الميتة من

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،63.

الشجرة والسنبلة الحية كما يخرج االنسان الحي من النطفة الميتة والنطفة الميت��ة من االنس��ان

الحي وعندهم ال يخ��رج حي��ا من ميت وال ميت��ا من حي ف��ان الحي والميت إنم��ا ه��و الج��وهر الق��ائم

بنفسه فان الحياة عرض ال يقوم إال بجوهر والعرض نفس��ه ال يق��وم بع��رض آخ��ر وان ك��ان الع��رض

يوصف بأنه حي كما يقال قد أحييت العلم وااليمان وأحييت الدين وأحييت السنة والع��دل كم�ا يق�ال

أمات البدعة فهؤالء عندهم ال يخرج جوهرا من جوهر وال عرضا من ع��رض فال يخ��رج حي��ا من ميت

وال ميتا من حي بل الجواهر التي كانت في الميت هي بعينها باقية كما كانت ولكن أحدث فيها حي��اة

لم تكن وتل��ك الحي��اة لم تخ��رج من ميت فم��ا أخ��رج عن��دهم حي من ميت وال ميت من حي وله��ذا

ينكرون أن يقلب الله جنسا الى جنس آخر ويقولون الج��واهر كله��ا جنس واح��د ف��إذا خل��ق النطف��ة

انسانا لم يقلب عندهم جنسا الى جنس بل نفس الجواهر هي باقية كما كانت وخاص�ية الخل�ق انم�ا

مثل  هي بقلب جنس الى جنس وهذا ال يقدر عليه إال الله كما قال تعالى ضرب الناس أيها ياوإن له اجتمعوا ولو ذبابا يخلقوا لن الله دون من تدعون الذين إن له فاستمعواحق الله قدروا ما والمطلوب الطالب ضعف منه يستنقذوه ال شيئا الذباب يسلبهم

عزيز لقوي الله ان السنبلة من جنسقدره وال النواة ما هي من جنس النخلة أن وال ريب

الحبة وال االنسان من جنس المني وال المني من جني االنسان وهو يخرج هذا من هذا وهذا من ه��ذا

فيخرج كل جنس من جنس آخر بعيد عن مماثلته وهذا خلق الله فأروني ماذا خل�ق ال�ذين من دون�ه

وهو سبحانه إذا جعل االبيض أسود أعدم ذلك البياض وجع��ل موض��عه الس��واد ال أن األجس��ام تع��دم

Page 32: النبوات

تلك المادة فتحيلها وتالشيها وتجعل منها هذا المخلوق الجديد ويخلق الضد من ض��ده كم��ا جع��ل من

الشجر االخضر نارا فاذا حك االخضر باألخضر سخن ما يس�خنه بالحرك�ة ح�تى ينقلب نفس االخض�ر

فيصير نارا وعلى قولهم ما جعل فيه نارا بل تلك الجواهر باقية بعينه��ا وأح��دث فيه��ا ع��رض لم يكن

وخلق الشيء من غير جنسه أبلغ في قدرة القادر الخالق سبحانه وتعالى كم��ا وص��ف نفس��ه ب��ذلك

وتعز  في قوله تشاء ممن الملك وتنزع تشاء من الملك تؤتي الملك مالك اللهم قلالخير بيدك تشاء من وتذل تشاء من

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،64.

إنك على كل شيء قدير تولج الليل في النه��ار وت��ولج النه��ار في اللي��ل وتخ��رج الحي من الميت وتخ��رج

للمالئكة  الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب قال إني خالق بشرا من طين فاذاولهذا

ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قراروقال  سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين

تعالى  مكين الى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون قال كما اللعين امتنع وإذ قلنا للمالئكةولهذا

لم أكن ألسجد لبشر خلقته منوقال  اسجدوا آلدم فسجدوا إال إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا

العبودية  صلصال من حمأ مسنون في أبلغ وعنصر مادة من مخلوقا الشيء فكون وأيضايلد لم صمد أحد هو الرب فإن الربوبية مشابهة عن وأبعد شيء من ال خلق كونه منكان فاذا عنه يحصل فرع وال منه وجد أصل له فليس أحد كفوا له يكن ولم يولد ولم

الوالد بمنزلة كان آخر شيء له خلق وإذا له الولد بمنزلة كان منه وجد أصل له المخلوقغيره من خرج فانه والصمدية الربوبية مشابهة عن أبعد كان ومولودا والدا كان وإذا

تعالى قال كما مهينة منها خلق التي المادة كانت إذا سيما ال غيره منه ألم نخلقكمويخرج

مهين ماء تعالى  من الصلبوقال بين من يخرج دافق ماء من خلق خلق مم االنسان فلينظر

بشر  والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فما له من قوة وال ناصر عن المسند وفيثم إصبعه عليها فوضع كفه في وسلم عليه الله صلى الله رسول بصق قال جحاش ابن

سويتك إذا حتى هذه مثل من خلقتك وقد تعجزني أنى آدم ابن تعالى الله يقول قالالتراقي بلغت إذا حتى ومنعت فجمعت وئيد منك ولالرض بردين بين مشيت وعدلتك

خلق كما وضيق مظلم محل في خلق إذا وكذلك الصدقة أوان واني أتصدق قلتلربه وذله االنسان عبودية على وأدل القادر قدرة في أبلغ كان ثالث ظلمات في االنسان

التراب أصله االنسان ولكن فصل وال أصل مالك للرجل المعير يقول وقد اليه وحاجتهوقالوا لطائفة الشبهة به وقعت أب غير من المسيح خلق لما ولهذا المهين الماء وفصلهتعالى قال كما فيها نفخ التي الروح ومن أمه مادة من إال يخلق لم أنه مع الله ابن انه

ومريم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،65.

روحنا من فيه فنفخنا فرجها أحصنت التي عمران أيضا  ابنة تعالى بشراوقال لها فتمثل

فما  سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك ألهب لك غالما زكيا ذاته من خلقه الله وأن الله ابن أنه فيه يظن قد له كاألب تكون مادة غير من خلق

واألحد ومولود والد لها فروع ومنها أصول لها مادة من مخلوقة االنبياء كانت فلهذايشبه قد مادة من ال الشيء وحدوث أحد كفوا له يكن ولم يولد ولم يلد لم الصمد

في ذلك مثل قيل كما الرب ذات من حدث أنه يظن وقد خالق رب غير من حدوثهكما مادة من مخلوقة أنها مع أب لها يكن لم لما الله بنات انها والمالئكة المسيحقال وسلم عليه الله صلى النبي أن عائشة عن مسلم صحيح الصحيح في ثبتلكم وصف مما آدم وخلق نار من مارج من الجان وخلق نور من المالئكة خلقتالذي فالدليل وأيضا أزلية قديمة أنها ظنوا مادة من تخلق لم أنها طائفة ظن ولما

فان شيء في أو شيء من إال يحدث ال حادث كل أن على الناس من كثير به احتجمادة من إال تحدث لم بنفسها قائمة عينا كان وان محل في إال يحدث ال عرضا كان

مسبوق فهو والعدم الوجود يقبل وكان ممكنا حدوثه كان إذا يحدث إنما الحادث فان

Page 33: النبوات

تنازعوا وقد والجواز االمكان هذا به يقوم محل من له بد فال وجوازه الحدوث بامكانإلى يفتقر ال عقلي حكم هي أو محل من لها بد ال خارجية صفة االمكان هل هذا في

العلم عدم أو الشيء تجويز وهو الذهني فاالمكان نوعان أنه والتحقيق الذهن غيرتقول أن مثل المحل أو بالفاعل المتعلق الخارجي واالمكان الذهن محله بامتناعهالمرأة وهذه تزرع أن يمكن األرض هذه تقول أن مثل والمحل يفعل أن القادر يمكن

يخلق أن يمكن الرب عن قيل فاذا خارجي محل من له بد ال وهذا تحبل أن يمكنيحدث أن يمكن قيل وإذا به قائمة صفة وهذه منه ويتمكن ذلك على يقدر أنه فمعناه

له بد ال الحدوث كان وإذا ممتنع فهو حادث سبب بدون حدوثه يمكن قيل فان حادثأزلية قديمة فذاته الرب بذات قائما كان ان السبب فذاك حادث سبب من

قد لسبب إال يكون ال ذلك ونحو تمكن تمام أو مشيئة بقيام الوقت ذلك واختصاصله مباين بحادث مسبوقا إال مباين حادث يحدث فال غيره في هذا قبل أحدثه

قط الله يذكر لم ولهذا محل من المكانه بد وال بامكانه مسبوق فالحدوث

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،66.

أنه أحدث شيئا إال من شيء والذي يقول إن جنس الحوادث حدثت ال من شيء هو كقولهم إنها حدثت بال

سبب حادث مع قولهم إنها كانت ممتنعة ثم صارت ممكنة من غير تجدد سبب بل حقيقة قولهم إن الرب

صار قادرا بعد أن لم يكن من غير تجدد شيء يوجب ذل��ك وه��ذه االم��ور كله��ا من أق��وال الجهمي��ة أه��ل

الكالم المحدث المبتدع المذموم وهو بناء على قولهم انه تمتنع حوادث ال أول لها وهؤالء وأمثالهم غلطوا

فيما جاء به الشرع وأخبرت به الرسل كما غلطوا في المعقوالت فك��ل واح��د مم��ا يس��مى ش��رعا وعقال

وسمعا قد وقع فيه اشتباه فالشرع يطلق ت��ارة على م��ا ج��اء ب��ه الرس��ول من الكت��اب والس��نة ه��ذا ه��و

الشرع المنزل وهو الحق الذي ليس ألحد خالف��ه ويطل��ق على م��ا يض��يفه بعض الن��اس الى الش��رع إم��ا

بالكذب واالفتراء وإما بالتأويل والغلط وهذا شرع مبدل ال منزل وال يجب بل وال يجوز اتباعه وكذلك لفظ

السنة فان السنة التي يجب اتباعها هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسنة تذكر في االص��ول

واالعتقادات وتذكر في األعمال والعبادات وكالهما يدخل فيما أخبر به وأمر به فما أخبر به وجب تصديقه

فيه وما أوجبه وأمر به وجبت طاعته فيه ثم كثير من الناس يضيف إلى السنة ما أدخله بعض الناس فيها

إما بالكذب وإما بالتأويل مثل أحاديث كثيرة ضعيفة بل موضوعة واستدالالت بأقواله على ما ال تدل عليه

ومثل أقوال أحدثها قوم انتسبوا إلى السنة في بعض األمور مثل إثبات الصفات والق��در ف��إن المنتس��بين

لذلك يضافون إلى السنة ألن نفاة الص��فات والق��در مبتدع��ة وك��ذلك حب الخلف��اء الراش��دين وم��واالتهم

يضاف أهله إلى السنة الن الطاعنين فيهم أهل بدعة ومثل االستدالل بالنصوص على م��وارد ال��نزاع ف��إن

أهل ذلك يضافون إلى السنة لكونهم يقصدون اتباع القرآن والح��ديث والمخ��الفون ل��ذلك ي��ردون األخب��ار

الصحيحة أو ال يحتجون بالقرآن مبتدعون ثم قد يقول المضافون إلى السنة أشياء ليست من السنة مث��ل

أحاديث كثيرة يروونها في فضائل بعض الص�حابة وهي ك�ذب ومث�ل نفي الحكم�ة واألس�باب في مس�ائل

القدر ومثل كالمهم في األجسام واألعراض وتناهي الحوادث ونحو ذلك مما لم يأخذوه عن الرسول فهذا

ليس من السنة وان كان أهلها وافقوا السنة في مواضع خالفهم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،67.

فيها من ين�ازعهم في ه�ذه المس�ائل فال يجب اذا ك�انوا أص�ابوا حيث وافق�وا الس�نة أن يص�يبوا حيث لم

يوافقوها وكذلك مسمى العقل فان مسمى العقل قد مدحه الله في القرآن في غير آية لكن لم��ا أح��دث

قوم من الكالم المبتدع المخ��الف للكت��اب والس��نة ب��ل وه��و في نفس االم��ر مخ��الف للمعق��ول وص��اروا

يسمون ذلك عقليات وأصول دين وكالما في أصول الدين ص��ار من ع��رف أنهم مبتدع��ة ض��الل في ذل��ك

ينفر عن جنس المعقول والرأي والقياس والكالم والجدل فاذا رأى من يتكلم بهذا الجنس اعتقده مبتدعا

مبطال كما أن هؤالء لما رأوا ان جنس المنتسبين إلى السنة والش��رع والح��ديث ق��د أخط��أوا في مواض��ع

وخالفوا فيها صريح المعقول وهم يقولون أن السنة جاءت بذلك صار هؤالء ينفرون عن جنس ما يس��تدل

في االصول بالشرع والسنة ويسمونهم حشوية وعامة وكل من هؤالء أدخلوا في مسمى الشرع والعق��ل

والسمع ما هو محمود ومذموم ثم هؤالء قبل��وا من مس��مى الش��رع والس��نة عن��دهم محم�وده ومذموم�ه

Page 34: النبوات

وخالفوا مسمى العقل محموده ومذمومه وأولئك قبلوا مسمى العقل عندهم محموده ومذمومه وخ��الفوا

مسمى الشرع محموده ومذمومه فيجب البيان والتفصيل واالستفسار وبيان الفرقان بين الحق والباط��ل

فان ذلك يوجب التصديق بما جاء به الشرع المنزل والسنة الغراء وهو المعقول الحق وهو الكالم الصدق

وهو الجدل بالتي هي أحسن ويوجب رد ما أدخل في الشرع والس��نة وليس منه��ا ورد م��ا س��مي معق��وال

وهو باطل وسمي كالما صدقا وهو كذب وسمي جدال بالتي هي أحسن وهو جدل بالباطل بغير علم ولهذا

حصل من الذين لبسوا الحق بالباطل تبديل لما بدلوه من ال��دين وتحري�ف الكلم عن مواض�عه ومض�اهاة

ألهل الكتاب مما ذمهم الله عليه والبخ�اري في أول كت�اب خل�ق أفع�ال العب�اد ذك�ر ال��رد على المعطل�ة

ال��ذين يب��دلون كالم الل��ه من الجهمي��ة وذك��ر من كالم الس��لف واألئم��ة فيهم م��ا ع��رف ب��ه مقص��ودهم

والتبديل نوعان أحدهما ان يناقضوا خبره والثاني أن يناقضوا أمره فان الله بعثه بالهدى ودين الحق وه��و

الله  صادق فيما أخبر به عن الله آمر بما أمر الله به كما قال أطاع فقد الرسول يطع وأهلمن

التبديل الذين يضيفون الى دينه وشرعه ما ليس منه وهم أهل الشرع المب��دل ت�ارة يناقض�ونه في خ�بره

فينفون

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،68.

ما أثبته أو يثبتون ما نفاه كالجهمية الذين ينفون ما أثبته من صفات الله وأسمائه والقدرية ال��ذين ينف��ون

ما أثبته من قدر الله ومشيئته وخلقه وقدرت��ه والقدري��ة المج��برة ال��ذين ينف��ون م��ا أثبت��ه من ع��دل الل��ه

وحكمته ورحمته ويثبتون ما نفاه من الظلم والعبث والبخل ونحو ذلك عنه وأمثال ذلك ومسسائل أص��ول

الدين عامتها من هذا الباب ثم إنهم ايضا يوجبون مالم يوجبه بل حرمه ويحرمون ما لم يحرمه بل أوجب��ه

فيوجبون اعتقاد هذه االقوال والمذاهب المناقض��ة لخ��بره وم��واالة أمله��ا ومع��اداة من خالفه��ا ويوجب��ون

النظر المعين في طريقهم الذي أحدثوه كم�ا أوجب�وا النظ�ر في دلي�ل االع�راض ال�ذي اس�تدلوا ب�ه على

حدوث األجسام وقالوا يجب على كل مكل��ف أن ينظ��ر في��ه ليحص��ل ل��ه العلم بإثب��ات الص��انع ق��الوا الن

معرفة الله واجبة وال طريق اليها اال هذا النظر وهذا الدليل ولم�ا علم كث��ير من م�وافقيهم أن االس�تدالل

بهذا الدليل لم يوجه الرسول خالفوهم في إيج��ابهم م��ع م��وافقتهم لهم على ص��حته والتحقي��ق م��ا علي��ه

السلف أنه ليس بواجب أمرا وال هو صحيح خبرا بل هو باطل منهي عنه ش��رعا ف��ان الل��ه تع��الى ال ي��أمر

بقول الكذب والباطل بل ينهى عن ذلك لكن غلطوا حيث اعتقدوا أنه حق وان الدين ال يقوم اال على هذا

االصل الذي أصلوه كما أن طوائف من أه�ل العب��ادة والزه�د واالرادة والمحب��ة والتص�وف س�لكوا طرق�ا

ظنوا أنه ال يوصل الى الله إال بها ثم منهم من يوجبها ويذم من لم يسلكها ومنهم من لم ي��ر أن س��الكيها

أفضل من غيرهم ويوسع الرحمة النه قد علم أن الرسول والصحابة لم يأمروا به��ا الن��اس م�ع اعتق�ادهم

أنها ط�رق ص�حيحة موص�لة الى رض�وان الل�ه وهي عن�د التحقي�ق ط�رق مض�لة إنم�ا توص�ل الى رض�ى

الشيطان وسخط ال��رحمن كالعب��ادات ال��تي ابت��دعها ض��الل أه��ل الكت��اب والمش��ركين وخ��الفوا به��ا دين

المرسلين فهؤالء في االحوال البدعية وأولئك في االقوال البدعية والقول الحق هو القرآن والحال الح��ق

هو االيمان كما قال جندب وابن عمر تعلمنا االيمان ثم تعلمنا القرآن فازددن��ا إيمان��ا وفي الص��حيحين عن

أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل األترجة طعمها

طيب وريحها طيب ومثل المؤمن الذي ال يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب وال ريح لها ومثل المنافق

الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،69.

وطعمه���ا م���ر ومث���ل المن���افق ال���ذي ال يق���رأ الق���رآن مث���ل الحنظل���ة طعمه���ا م���ر وال ريح له���ا

فالناس أربعة أصناف صاحب قول قرآني وحال ايماني فهم أفض�ل الخل��ق وص�احب ق�ول ق�رآني وح�ال

ليس بايماني وصاحب حال ايماني وليس له قول ومن ليس له ال قول قرآني وال حال ايم��اني وكث��ير من

المنتسبين الى القول والكالم والعلم والنظر والفقه واالستدالل ابتدعوا أقواال تخ��الف الق��رآن وكث��ير من

المنتسبين الى العمل والعبادة واالرادة والمحبة وحسن الخلق والمجاهدة ابتدعوا أحواال وأعم��اال تخ��الف

االيمان وصار مع كل طائفة نوع من الح�ق ال��ذي ج�اء ب�ه الرس�ول لكن ملب�وس بغ�يره وص�ار كث�ير من

كما مطلقا األخرى عليه ما ينكر وقالت  الطائفتين شيء على النصارى ليست اليهود قالتشيء على اليهود ليست وفي كل من الطائفتين شبه من أحدى االمتين ففي المنتسبينالنصارى

Page 35: النبوات

الى العلم اذا لم يوافقوا العلم النبوي ويعملوا به شبه من اليهود وفي أهل العم��ل اذا لم يوافق��وا العم��ل

الشرعي ويعملوا بعلم شبه من النصارى وص�ار كث�ير من أه�ل الكالم وال�رأي ينك�رون جنس محب�ة الل�ه

وارادته كما صار كثير من أهل الزهد والتصوف ينك��ر جنس العلم والكالم والنظ��ر وأولئ��ك ال��ذين أنك��روا

محبة الله وإرادته بنوا ذلك على أص��ل لهم للقدري��ة المج��برة والنافي��ة وه��و أن المحب��ة واالرادة والرض��ا

والمشيئة شيء واحد وال يتعلق ذلك إال بمعدوم وهو ارادة الفاعل أن يفعل مالم يكن فعل��ه فاعتق��دوا أن

المحبة واالرادة ال تتعلق إال بمعدوم فالموجود ال يحب وال يراد والقديم األزلي ال يحب وال يراد والب��اقي ال

يحب وال يراد ف��انكروا أن يك��ون الل��ه محبوب��ا أو م��رادا وهم النك��ار كون��ه يحب أبل��غ وأبل��غ فال يثبت��ون إال

مش��يئته أن يخل��ق فق��ط وهي ال تتعل��ق إال بمع��دوم فأم��ا أن يحب موج��ودا من خلق��ه فه��ذا باط��ل عن��د

الطائفتين لكن المجبرة يقولون محبته هي مشيئته وقد شاء خلق كل شيء فهو يحب كل ش��يء والنف��اة

يقولون محبته هي إرادته إثابة المطيعين وهي مشيئة خاصة والذي جاء ب�ه الكت�اب والس�نة واتف�ق علي�ه

سلف االمة وعليه مشايخ المعرفة وعموم المسلمين أن الله يحب ويحب كما نطق بذلك الكتاب والسنة

ويحبونه  في مثل قوله لله  ومثل قوله يحبهم حبا أشد آمنوا والذين

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،70.

الله  وقوله يحببكم فاتبعوني الله تحبون كنتم إن بل ال شيء يستحق أن يحب لذاته محبةقل

مطلقة إال الله وحده وهذا من معنى كونه معبودا فحيث جاء القرآن باالمر بالعبادة والثن��اء على أهله��ا أو

على المنيبين الى الله والتوابين اليه أو األوابين أو المطمئنين بذكره أو المحبين له ونحو ذل��ك فه��ذا كل��ه

يتضمن محبته وما ال يحب ممتنع كونه معبودا ومألوها ومطمأن��ا ب��ذكره ومن أطي��ع لع��وض يؤخ��ذ من��ه أو

لدفع ضرره فهذا ليس بمعبود وال إله بل قد يكون الشخص ك�افرا وظالم�ا يبغض ويلعن وم�ع ه�ذا يعم�ل

معه عامل بعوض فمن جعل العمل لله ال يكون إال لذلك فلم يثبت الرب إلها معبودا وال ربا محمودا وه��و

حقيقة قول النفاة من الجهمية والقدرية النافية والمثبتة والله سبحانه وتع��الى رغب في عبادت��ه والعم��ل

له بما ذكره من الوعد ورهب من الكفر به والشرك بما ذكره من الوعيد وهو حق لكنه لم يقل ان العابد

قرة  لله والعامل له ال يحصل له إال ما ذكر بل وقد قال تعالى من لهم أخفي ما نفس تعلم فال وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى أعددت لعب��ادي الص�الحين م�ا ال عين رأت وال أدن س�معتأعين

لهم  وال خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعتهم عليه اقرءوا ان شئتم أخفي ما نفس تعلم فاليعملون كانوا بما جزاء أعين قرة وقد ثبت في الحديث الصحيح عن صهيب عن النبي صلىمن

الله عليه وسلم قال يقول الله يا أهل الجنة ان لكم عندي موعدا أريد أن أنجزكموه فيقولون م��ا ه��و ألم

تنضر وجوهنا وتثقل موازيننا وتدخلنا الجنة وتجرنا من الن��ار ق��ال فيكش��ف الحج��اب فينظ��رون الي��ه فم��ا

أعطاهم شيئا أحب اليهم من النظر اليه وهي الزيادة وفي الحديث الذي رواه النس��ائي لم��ا ص��لى عم��ار

فأوجز وقال دع��وت في الص��الة ب��دعاء س��معته من الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم اللهم بعلم��ك الغيب

وقدرتك على الخلق أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني اذا ك�انت الوف�اة خ�يرا لي اللهم إني أس�ألك

خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى وأسألك نعيم��ا ال

ينفد وقرة عين ال تنقطع وأسألك الرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الم�وت وأس�ألك ل��ذة النظ��ر

الى وجهك والشوق

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،71.

الى لقائك من غير ضراء مضرة وال فتنة مضلة اللهم زينا بزينة االيمان واجعلنا هداة مهت��دين وروى نح��وا

هذا من وجه آخر فقد أخبر الصادق المصدوق أنه لم يعط أهل الجنة أحب إليهم من النظر اليه وس��ن أن

يدعى بلذة النظر الى وجهه الكريم وأهل الجن��ة ق�د تنعم�وا من أن�واع النعيم بالمخلوق�ات بم�ا ه�و غاي�ة

النعيم فلما كان نظرهم إليه أحب اليهم من ك��ل أن��واع النعيم علم أن ل��ذة النظ��ر إلي��ه أعظم عن��د أه��ل

الجنة من جميع أنواع اللذات والجنة فيها م��ا تش��تهي األنفس وتل��ذ األعين فم��ا ل��ذت أعينهم ب��اعظم من

لذتها بالنظر اليه واللذة تحصل بادراك المحبوب فلو لم يكن أحب اليهم من كل شيء ما كان النظر الي��ه

أحب اليهم من كل شيء وكانت لذته أعظم من كل لذة والله تعالى وع��د عب��اده المؤم��نين بالجن��ة وهي

اسم لدار فيها جميع أنواع اللذات المتعلقة بالمخلوق وبالخالق كما أن النار اس��م ل��دار فيه��ا أن��واع اآلالم

لكن غلط من ظن أن التنعيم ب�النظر الي��ه ليس من نعيم أه�ل الجن��ة وص�ار ه�ؤالء ح�زبين حزب�ا أنك��روا

Page 36: النبوات

التنعيم بالنظر اليه وهم المنكرون المحب��ة ق��ال أب��و المع��الي ونح��وه ممن ينك��ر محبت��ه إنهم اذا رأوه لم

يلتذوا بنفس النظر بل يخلق لهم لذة ببعض المخلوقات مع النظر وك��ذلك ق��ال من ش��اركهم في التجهم

من أهل الوحدة كابن عربي قال ما التذ عارف بمش��اهدة ق�ط وادعى أب�و المع��الي أن إنك��ار محبت��ه من

أسرار التوحيد وهو من أسرار توحيد الجهمية المعطلة المبدلة وحكى عن ابن عقيل أنه سمع رجال يق��ول

أسألك لذة النظر الى وجهك الكريم فقال له هب أن له وجها أله وجه يلتذ بالنظر اليه وهذا بناء على هذا

االصل فانه وشيخه أبا يعلى ونحوهما وافقوا الجهمية في إنك��ار أن يك��ون الل��ه محبوب��ا واتبع��وا في ذل��ك

قول أبي بكر بن الباقالني ونحوه ممن ينكر محبة الله وجعل القول باثباتها قول الحلولية والجواب الثاني

أن طائفة من الصوفية والعباد شاركوا هؤالء في أن مسمى الجنة ال ي�دخل في��ه النظ��ر الى الل��ه وه�ؤالء

لهم نصيب من محبة الله تعالى والتلذذ بعبادته وعندهم نصيب من الخوف والش�وق والغ�رام فلم�ا ظن�وا

أن الجنة ال يدخل فيها النظر اليه صاروا يستخفون بمسمى الجن�ة ويق�ول أح�دهم م�ا عب�دتك ش�وقا الى

جنتك وال خوفا من نارك وهم غلطوا من وجهين أحدهما أن م��ا يطلبون��ه من النظ��ر الي��ه والتمت��ع ب��ذكره

ومشاهدته كل ذلك في الجنة

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،72.

الثاني أن الواحد من هؤالء لو جاع في الدنيا أياما أو القي في بعض عذابها طار عقله وخرج من قلبه كل

محب����ة وله����ذا ق����ال س����منون % وليس لي في س����واك ح����ظ % فكيفم����ا ش����ئت ف����امتحني %

ابتلى بعسر البول فصار يطوف على المكاتب ويقول ادع�وا لعمكم الك�ذاب وأب�و س�ليمان لم�ا ق�ال ق�د

أعطيت من الرضا نصيبا لو ألقاني في النار لكنت راضيا ذكر أن��ه ابتلى بم��رض فق��ال ان لم تع��افني وإال

كفرت أو نحو هذا والفضيل بن عياض إبتلي بعسر البول فقال بحبي لك إال ف��رجت ع��ني فب��ذل حب��ه في

عسر البول فال طاقة لمخلوق بعذاب الخالق وال غنى به عن رحمته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم

لرجل ما تدعو في صالتك قال أسأل الله الجنة وأعوذ ب��ه من الن��ار أم��ا أني ال أحس��ن دن��دنتك وال دندن��ة

معاذ فقال حولها ندندن ودخل على أعرابي قد صار مثل الفرخ فق��ال ه��ل كنت ت��دعو الل��ه بش��يء ق��ال

كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في اآلخره فعجله لي في الدنيا فقال سبحان الل��ه ان��ك ال تس��تطيعه

وال تطيقه هال قلت اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا ع��ذاب الن��ار والع��دوان في االرادة

كنتم  والعبادة والعمل حصل من إعراضهم عن العلم الشرعي واتباع الرسول وقد قال تعال ان قلالله يحببكم فاتبعوني الله الشأن في أن يكون هوتحبون الشأن في أن تحبه قال بعضهم ليس

يحبك وهو إنما يحب من اتبع الرسول وإال فالمشركون وأهل الكتاب يدعون أنهم يحبون��ه وأولئ��ك غلط��وا

تعالى يثبتوا محبة توحيدية خالصة وقد قال أثبتوا محبة شركية لم الناس  بنفي محبته وهؤالء ومنلله حبا أشد آمنوا والذين الله كحب يحبونهم أندادا الله دون من يتخذ من

فاألقسام ثالثة أولئك معطلة للمحبة وحقيقة قولهم تعطيل العبادة مطلقا وه��ؤالء مش��ركون في المحب��ة

فهم مشركون في العب��ادة أولئ��ك مس��تكبرون عن عبادت��ه والك��بر لليه��ود وه��ؤالء مش��ركون في عبادت��ه

والشرك للنصارى وكل واحد من المستكبرين والمشركين ليسوا مسلمين بل االسالم هو االستسالم لل��ه

وحده ولفظ

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،73.

االسالم يتضمن االسالم ويتضمن إخالصه لله وقد ذكر ذلك غ��ير واح��د ح��تى أه��ل العربي��ة ك��أبي بك��ر بن

األنب��اري وغ��يره ومن المفس��رين من يجعلهم��ا ق��ولين كم��ا ي��ذكر طائف��ة منهم البغ��وي أن المس��لم ه��و

المستسلم لله وقيل هو المخلص والتحقي�ق أن المس�لم يجم�ع ه�ذا وه�ذا فمن لم يستس�لم ل��ه لم يكن

مسلما ومن استسلم لغيره كما يستسلم له لم يكن مسلما ومن استسلم له وحده فهو المسلم كما في

هم  القرآن وال عليهم خوف وال ربه عند أجره فله محسن وهو لله وجهه اسلم من بلىحنيفا  وقال يحزنون ابراهيم ملة واتبع محسن وهو لله وجهه أسلم ممن دينا أحسن ومن

خليال ابراهيم الله واالستسالم له يتضمن االستسالم لقضائه وأمره ونهيه فيتناول فعل المأمورواتخذ

المحسنين  وترك المحظور والصبر على المقدور أجر يضيع ال الله فان ويصبر يتق من قالانه

بلى  ابن أبي حاتم حدثنا عصام بن وراد حدثنا آدم عن أبي جعفر عن الربي��ع عن أبي العالي��ة في قول��ه

Page 37: النبوات

لله وجهه أسلم يقول من أخلص لله قال ابن أبي حاتم وروى عن الربيع نحو ذلك وقال ذكر عنمن

أسلم  يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير منلله قوالنوجهه الوجه وفي أخلص بمعنى أسلم الفرج أبو وقال دينه قال وجهه أخلص أسلم من

أحدهما أنه الدين والثاني العمل وقال البغوي من أسلم وجهه لله أخلص دينه لله وقيل أخلص عبادته لله

وقيل خضع وتواضع لله وأصل االسالم االستسالم والخضوع وخص الوجه ألنه إذا جاد بوجهه في الس��جود

لم يبخل بسائر جوارحه وهو محسن في عمله قيل مؤمن وقيل مخلص قلت قول من قال خضع وتواضع

لربه هو داخل في قول من قال أخلص دين�ه أو عمل�ه أو عبادت�ه لل�ه ف�ان ه�ذا إنم�ا يك�ون اذا خض�ع ل��ه

وتواضع له دون غيره فان العبادة والدين والعمل له ال يكون اال مع الخضوع ل��ه والتواض��ع وه��و مس��تلزم

لذلك ولكن أولئك ذكروا مع هذا أن يكون هذا االسالم لله وحده ف��ذكروا المعن��يين االس��تلزام وأن يك��ون

لله وقول من قال خضع وتواضع لله يتضمن أيضا أنه أخلص عبادته

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،74.

ودينه لله فان ذلك يتضمن الخضوع والتواضع لله دون غيره وأما ذكر التوجه فقد بس��ط الكالم علي��ه في

للدين  غير هذا الموضع وتبين أن الله ذكر إسالم الوجه له في قوله وجهك وذكر توجيه الوجهفأقم

واالرض  له في قوله السماوات فطر للذي وجهي وجهت الن الوجه إنما يتوجه الى حيثإني

توجه القلب والقلب هو الملك فاذا توجه الوجه نح��و جه��ة ك��ان القلب متوجه��ا اليه��ا وال يمكن الوج��ه أن

يتوجه بدون القلب فكان إسالم الوجه وإقامته وتوجيهه مستلزما الس��الم القلب وإقامت��ه وتوجيه��ه وذل��ك

يس��تلزم اس��الم كل��ه لل��ه وتوجي��ه كل��ه لل��ه وإقام��ة كل��ه لل��ه وبس��ط الكالم على م��ا يناس��ب ذل��ك

وهذا حقيقة دين االسالم لكن الذين أنكروا ذلك لهم شبهتان إحداهما أن المحبة تقتض��ي المناس��بة ق��الوا

وهي منتفية فال مناسبة بين المحدث والق�ديم فيق�ال لهم ه�ذا كالم مجم�ل تعن�ون بالمناس�بة ال��والدة أو

المماثلة ونحو ذلك مما يجب تنزيه الرب عنه فان الشيء ينسب إلى أصله بأنه ابن فالن والى فرعه بأنه

ابو فالن وإلى نظيره بأنه مثل فالن ولما سأل المشركون النبي ص�لى الل�ه علي�ه وس�لم عن نس�ب رب�ه

تعالى الله أحد  أنزل كفوا له يكن ولم يولد ولم يلد لم الصمد الله أحد الله هو فلمقل

يخرج من شيء وال يخرج منه شيء وال له مثل فان عنيتم هذا لم نس��لم أن المحب��ة ال ب��د فيه��ا من ه��ذا

وإن أردتم بالمناسبة أن يكون المحبوب متصفا بمعنى يحبه المحب فهذا الزم للمحبة والرب متصف بكل

صفة تحب وكل ما يحب فانما هو منه فهو أحق بالمحبة من كل محبوب وإذا كان االنسان يحب المالئك��ة

وهم من غير جنسه لما اتصفوا به من الصفات الحميدة فالسبوح القدوس رب المالئكة والروح الذي كل

ما اتصفت به المالئكة وغيرهم فهو من جوده وإحسانه وه��و العزي��ز ال��رحيم اذ ك��ان المخل��وق كث��يرا م��ا

يتصف بالعزة دون الرحمة أو تكون فيه رحمة بال عزة وهو سبحانه العزيز الرحيم الغفور ال��ودود المجي��د

ودود  الودود فعول من الود وقال شعيب رحيم ربي الودود  وقال تعالى إن الغفور فقرنهوهو

بالرحيم في موضع

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،75.

وبالغفور في موضع قال أبو بكر ابن االنباري الودود معناه المحب لعب��اده من ق��ولهم وددت الرج��ل أوده

ودا وودا وودا ويقال وددت الرج�ل ودادا وودادا وودادة وق�ال الخط�ابي ه�و اس�م م�أخوذ من ال�ود وفي�ه

وجهان أحدهما أن يكون فعوال في محل مفعول كما قيل رجل هيوب بمعنى مهيب وفرس ركوب بمع��نى

مركوب والله سبحانه وتعالى مودود في قلوب أوليائه لما يعرفون��ه من إحس��انه اليهم والوج��ه اآلخ��ر أن

يكون بمعنى الود أي أنه يود عباده الصالحين بمعنى أنه يرضى عنهم ويتقب��ل أعم��الهم ويك��ون معن��اه أن

كقوله خلقه إلى ودا  يوددهم الرحمن لهم قوله سيجعل ودا  قلت الرحمن لهم سيجعل فسروها بأنه يحبهم ويحببهم الى عباده كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وس��لم أن��ه ق��ال إذا

أحب الله العبد نادى يا جبريل إني أحب فالنا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء إن الله يحب فالنا

فأحبه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في األرض وقال في البغض مثل ذلك وقال عب��د ابن حمي��د

سيجعل  أنبأنا عبيد الله بن موسى عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ودا الرحمن قال يحبهم ويحببهم ورواه ابن أبي حاتم أيضا وقال عبد أخبرني شبابة عن ورقاء عنلهم

ودا  ابن أبي نجيح عن مجاهد الرحمن لهم قال يحبهم ويحببهم الى المؤمنين أخبرنا عبدسيجعل

Page 38: النبوات

ودا  الرزاق عن الثوري عن مجاهد عن ابن عباس الرحمن لهم قال محبة وهذا فيه إثباتسيجعل

ودا  حبه لهم بعد أعمالهم بقوله الرحمن لهم الله  وهو نظير قوله سيجعل تحبون كنتم ان قلالله يحببكم فهو يحبهم إذا اتبعوا الرسول ونظير قوله في الحديث الصحيح وال يزال عبديفاتبعوني

يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبص��ر ب��ه وي��ده ال��تي

قوله وكذلك بها يمشي التي ورجله بها المحسنين  يبطش يحب الله ان الله  وأحسنوا انالمتطهرين ويحب التوابين المتقين  يحب يحب الله في  ان يقاتلون الذين يحب الله إن

مرصوص بنيان كأنهم صفا وهذه اآليات وأشباهها تقتضي أن الله يحب أصحاب هذه األعمالسبيله

فهو يحب التوابين وإنما يكونون توابين بعد الذنب ففي هذه الحال

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،76.

يحبهم وهذا مبني على الصفات االختيارية فمن نفاها رد هذا كله ولهم ق�والن أح�دهما أن المحب��ة قديم�ة

فه��و يحبهم في األزل إذا علم أنهم يموت�ون على ح�ال مرض�ية ويقول��ون أن الل��ه يحب الكف�ار في ح�ال

كفرهم اذا علم أنهم يموتون على االيمان ويبغض المؤمن إذا علم أنه يرتد هذا قول ابن كالب ومن تبع��ه

ثم منهم من يفسر المحبة باالرادة ومنهم من يقول هي صفة زائدة على االرادة والق��ول الث��اني يجعل��ون

هذا من باب الفعل فالمحبة عندهم إحسانه اليهم واالحسان عندهم ليس قائما به بل بائن عن��ه والكت��اب

والسنة وأقوال السلف واألئمة واألدلة العقلية إنما ت��دل على الق��ول األول كم��ا ق��د بس��ط في غ��ير ه��ذا

الموضع اذ المقصود هنا ذكر اسمه الودود واالكثرون على ما ذكره ابن األنباري وأنه فعول بمع��نى فاع��ل

أي هو الواد كما قرنه بالغفور وهو الذي يغفر وبالرحيم وه��و ال��ذي ي��رحم ق��ال ابن أبي ح��اتم ح��دثنا أبي

ودود  حدثنا عيسى بن جعفر قاضي الري حدثنا سفيان في قوله رحيم ربي قال محب وقال قرئإن

ابن زيد قوله ابن وهب قال وقال القولالودود  على يونس حدثنا الرحيم وقد ذكر فيه قولين قال

االول رواه من تفسير الوالبي عن ابن عباس قوله الودود قال الحبيب والثاني قول ابن زيد ال��رحيم وم��ا

ذكره الوالبي أنه الحبيب قد يراد به المعني��ان أن��ه يحب ويحب ف��ان الل��ه يحب من يحب��ه وأولي��اؤه يحبهم

ويحبونه والبغوي ذكر األمرين فق��ال ولل��ودود معني��ان أن يحب المؤم��نين وقي��ل ه��و بمع��نى الم��ودود أي

قوله في أيضا وقال المؤمنين الودود  محبوب الغفور المودودوهو معناه وقيل لهم المحب أي

كالحلوب والركوب بمعنى المحل��وب والمرك��وب وقي��ل يغف��ر وي��ود أن يغف��ر وقي��ل المت��ودد إلى أوليائ��ه

بالمغفرة قلت هذا للفظ معروف في اللغة أنه بمعنى الفاعل كقول النبي صلى الله عليه وسلم تزوج��وا

الودود الولود وفعول بمعنى فاعل كثير كالصبور والشكور وأما بمعنى مفعول فقلي��ل وأيض��ا ف��ان س��ياق

 القرآن يدل على أنه أراد أنه هو الذي يود عباده كما أنه هو الذي يرحمهم ويغف��ر لهم ف��ان ش��عيبا ق��ال

ودود رحيم ربي إن اليه توبوا ثم ربكم وجعل  فذكر رحمته ووده كما قال تعالى واستغفرواورحمة مودة وهو أراد بينكم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،77.

التائب وهو كونه ودودا كما قال الذنب ويقبل على أنه سبحانه يغفر يبين لهم يحب  وصفا الله إنالمتطهرين ويحب وقد ثبت في الصحاح من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنالتوابين

الله يفرح بتوبة التائب أشد من فرح من فقد راحلته بأرض دوية مهلكة ثم وجدها بعد اليأس فهذا الف��رح

الودود  منه بتوبة التائب يناسب محبته له ومودته له وكذلك قوله في اآلية األخرى الغفور فانهوهو

قوله الرحيم  مثل الغفور الذيوهو الكامل الوجه على يذكر محبوبا أي مودودا كونه فان وأيضا

يتبين اختصاصه به مثل اسم اآلله فإن اآلله المعبود هو مودود بذلك ومثل اسمه الصمد ومث��ل ذي الجالل

واالكرام ونحو ذلك وكونه مودودا ليس بعجيب وإنما العجب جوده واحسانه فانه يتودد إلى عباده كما في

االثر يا عبدي كم أتودد اليك بالنعم وأنت تتمقت إلي بالمعاصي وال يزال ملك كريم يصعد إلي منك بعمل

سيء وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ق��ال يق��ول الل��ه تع��الى من تق��رب إلي ش��برا

تقربت اليه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت اليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة وجاء في تفس��ير

اسمه الحنان المنان أن الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه والمنان الذ يج��ود ب��النوال قب��ل الس��ؤال

وأيضا فمبدأ الحب والود منه لكن اس��مه ال��ودود يجم��ع المعن��يين كم��ا ق��ال الوال��بي عن ابن عب��اس ان��ه

الحبيب وذلك أنه إذا كان يود عب�اده فه�و مس�تحق الن ي�وده العب�اد بالض�رورة وله�ذا من ق�ال ان�ه يحب

Page 39: النبوات

المؤمنين قال انهم يحبونه فان كثيرا من الناس يقول انه محبوب وهو ال يحب شيئا مخصوصا لكن محبته

بمعنى مشيئته العامة ومن الناس من قال إنه ال يحب مع أنه يثبت محبته للمؤمنين فالقسمة في المحبة

رباعية فالسلف وأهل المعرفة أثبتوا النوعين ق��الوا إن��ه يحب ويحب والجهمي��ة والمعتزل��ة تنك��ر األم��رين

ومن الناس من قال إنه يحبه المؤمنون وأما هو فال يحب شيئا دون شيء ومنهم من عكس فقال بل ه��و

يحب المؤمنين مع أن ذاته ال يحب كما يقولون إنه يرحم وال يرحم فاذا قيل إن الودود بمع��نى ال��واد ل��زم

أن يكون مودودا بخالف العكس فالصواب القطع بأن الودود وان كان ذلك متض�منا ألن�ه يس�تحق أن ي�ود

ليس هو بمعنى المودود فقط ولفظ الوداد بالكسر هو مثل الموادة والتواد وذاك

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،78.

يكون من الطرفين كالتحاب وهو سبحانه لما جعل بين الزوجين مودة ورحمة كان ك��ل منهم��ا ي��ود اآلخ��ر

ويرحمه وهو سبحانه كما ثبت في الح��ديث الص��حيح أرحم بعب��اده من الوال��دة بول��دها وق��د بين الح��ديث

الصحيح أن فرحه بتوبة التائب أعظم من فرح الفاقد ماله ومركوب��ه في مهلك��ة إذا وج��دهما بع��د الي��أس

وهذا الفرح يقتضي أنه أعظم مودة لعبده المؤمن من المؤمنين بعضهم لبعض كيف وكل ود في الوج��ود

فهو من فعله فالذي جعل الود في القلوب هو أولى بالود كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما في قول��ه

ودا الرحمن لهم يجعله منسيجعل ما أن الصحيحين على الذي في الحديث يحبهم وقد دل قال

المحبة في قلوب الناس هو بعد أن يكون هو قد أحبه وأمر جبريل أن ينادي بأن الله يحبه فن��ادى جبري��ل

في السماء أن الله يحب فالنا فأحبوه وبسط هذا له موضع آخر وفي مناجاة بعض ال��داعين ليس العجب

من حبي لك مع حاجتي إليك العجب من حبك لي مع غناك عني وفي أث��ر آخ��ر ي��ا عب��دي وحقي اني ل��ك

محب فبحقي علي��ك كن لي محب��ا وروي ي��ا داود حبب��ني إلى عب��ادي وحبب عب��ادي إلي م��رهم بط��اعتي

فأحبهم وذكرهم آالئي فيحبوني فانهم ال يعرفون مني إال الحسن الجميل وهو س��بحانه كم��ا ق��ال ك��ل م��ا

تكذبان  خلقه فانه من نعمه على عباده ولهذا يقول ربكما آالء والخير بيديه ال يأتي بالحسناتفبأي

إال هو وال يذهب بالسيئات إال هو وال حول وال قوة إال به وال ملجأ وال منجا من��ه إال الي��ه ووده س��بحانه ه��و

ودا  لمن تاب اليه وأناب اليه كما قال الرحمن لهم سيجعل الصالحات وعملوا آمنوا الذين إنالمتطهرين  وقال ويحب التوابين يحب الله الذنوب وينفرون منه كأنهمإن فال يستوحش أهل

 حم��ر مس��تنفرة فان��ه ودود رحيم ب��المؤمنين يحب الت��وابين ويحب المتطه��رين وله��ذا ق��ال ش��عيب

ودود رحيم ربي إن اليه توبوا ثم ربكم الودود  وقال هنا واستغفروا الغفور فذكر الودودوهو

في الموض��عين لبي��ان مودت��ه للم��ذنب إذا ت��اب الي��ه بخالف القاس��ي الج��افي الغلي��ظ ال��ذي ال ود في��ه

والحجة الثانية لهم قالوا إن االرادة والمحبة ال تتعلق إال بمعدوم يراد فعله فانه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،79.

لو جاز أن يراد الموجود وأن يراد القديم لجاز أن يكون العالم قديما مع كونه مراد مقدورا كما يقول ذلك

من يقوله من المتفلسفة فان القائلين إن��ه م��وجب بذات��ه والع��الم ق��ديم منهم من يص��فه ب��االرادة ك��أبي

البركات وغيره قالوا ومن المعلوم باالضطرار للعقالء إذ قالوا هذا االمر حص�ل ب�االرادة أن يك��ون مح�دثا

كائنا بعد أن لم يكن ولهذا ال يجوز أن يقال إن قدرته ومش��يئته تعلقت بوج��وده وال ببقائ��ه وال بكون��ه حي��ا

ومن قال إن صفاته قديمة األعيان ال يقول إن كالمه وإرادت��ه حص��لت بارادت��ه وقدرت��ه فيق��ال ه��ذا ال��ذي

قالوه صحيح لكن هنا نوعان أحدهما إرادة أن يفعل الشيء ويكون فهذه ال تك��ون إال م��ع حدوث��ه والثاني��ة

محبة نفس ذاته من غير أن يفعل في الذات شيء فهذه التي تتعل��ق ب��الموجود والب��اقي والق��ديم وارادة

الفعل تابعة لهذه فانه لوال أن تكون االرادة متعلقة بنفس الشيء الموجود امتن�ع أن راد ايج�اده ف�ان من

أراد أن يبني بيتا ليسكنه إنما مراده نفس البيت لسكناه واالنتفاع وانما البناء وسيلة إلى ذلك ول��وال إرادة

الغاية المقصودة بالذات لم ترد الوسيلة وإذا بناه فهو مريد له بعد البناء ولهذا يكره خرابه وزواله وكذلك

من أراد أن يلبس ثوبا فلبسه فهو في حال اللبس مريد له فمن أراد إحداث أمر وفعله كانت إرادة فعل��ه

لغاية مقصودة بعد الفعل هي العلة الغائبة والفعل المطل��وب لغاي��ة لفاعل��ه ارادت��ان ارادة الفع��ل وارادة

الغاية وهذه هي األصل وتلك تبع لهذه واالرادة ارادة ال تتعلق بالمعدوم من جهة كونه مع��دوما ب�ل تتعل��ق

بوجود الفعل لكن يمتنع أن يراد فعله إال اذا كان معدوما فالع�دم ش�رط في ارادة فعل�ه وله�ذا جع�ل من

جملة علل الفعل ولهذا كان جماهير العقالء مطبقين على أن كل مفع��ول فه��و ح��ادث وك��ل م��ا أري��د أن

Page 40: النبوات

يفعل فانه يكون حادثا وكل ما تعلقت المشيئة والقدرة بفعل�ه فه�و ح�ادث ثم من الن�اس من يق�ول ه�ذا

مختص بكونه مفعوال باالختبار وإال اذا كان معلوال لعلة موجبة لم يلزم حدوثه وهو غلط ب��ل ك��ل م��ا فع��ل

فال يكون اال محدثا سواء كان ذلك ممكنا أو ممتنعا بل نفس كونه مفع�وال مس�تلزم حدوث�ه ونفس تص�ور

العلم بكونه مفعوال يوجب العلم بحدوثه وان لم يخطر بالباب كونه مفعوال بالقدرة واالختيار ثم ق��د يق��ال

ما من مفعول إال وهو مفعول باالختيار والقديم اذا قدر فاعال بال مشيئة كان ذلك

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،80.

ممتنعا والموجب بالذات اذا قيل هو موجب بذاته المتصفة بمشيئته وقدرت��ه لم��ا يش��اؤه فه��ذا ح��ق وه��و

مستلزم لكونه فاعال بمشيئته وقدرته وأما موجب بال مشيئة أو موجب يقارنه موجبه فهذان باطالن وبهما

ضل من ضل من المتفلسفة القائلين بقدم الفلك ونفي الصفات ولكن من أراد احداث شيء وأحدث��ه لم

يجب أن تنقطع ارادته بل قد يكون مريدا له ما دام موجودا ولوال انه مريد لوجوده لما فعله فكل ما شاء

الرب وجوده فهو مريد الحداثه وبقائه ما دام باقيا وأما االرادة والمحب��ة المتعلق�ة بالق�ديم فليس��ت ارادة

فعل فيه بل هي محبة ذاته وك��ل ارادة ومحب��ة فال ب��د أن تنتهي الى محب��وب لذات��ه وك��ل فاع��ل ب��االرادة

فارادته تستلزم محبة عامة الجلها فعل فالحب أصل وج�ود ك�ل موج�ود وال�رب تع�الى يحب نفس�ه ومن

لوازم حبه نفسه أنها محبة مريدة لما يريد أن يفعله وما أراد فعله فهو يريده لغاية يحبها فالحب هو العلة

الغائبة التي ألجلها كان كل شيء والمتفلسفة يصفونه باالبتهاج والفرح كم��ا ج��اءت ب��ه النص��وص النبوي��ة

لكنهم يقصرون في معرفة هذا وأمثاله من األمور االلهية فانهم يقولون اللذة إدراك المالئم من حيث ه��و

مالئم وهو مدرك لذاته بأفضل إدراك فهو أفضل مدرك ألفضل مدرك بأفضل إدارك وقد قصروا في ذلك

من ثالثة أوجه أحدها أن اللذة والف�رح والس�رور والبهج�ة ليس ه�و مج�رد االدراك ب�ل ه�و حاص�ل عقب

االدراك فاالدراك موجب له وال بد في وجوده من محبة فهنا ثالثة أمور محبة وادراك محبوب ولذة تحصل

باالدراك وهذا في اللذة الدنيوية الحسية وغيرها فان االنسان يشتهي الحلو ويحبه ف�اذا ذاق�ه الت�ذ بذوق�ه

والذوق هو االدراك وكذلك في لذات قلبه يحب الله فانه اذا ذكره وص�لى ل�ه وج�د حالوة ذل�ك كم�ا ق�ال

صلى الله عليه وسلم جعلت قرة عيني في الصالة وأهل الجنة اذا تجلى لهم فنظروا الي��ه فم��ا أعط��اهم

شيئا أحب اليهم من النظر اليه والله أعلم

فصل في تمام القول في محبة الله

وانقسام المراد الى ما يراد لذاته والى ما يراد لغيره

ثم ذلك الغير ال بد أن يكون مرادا لذاته فالمراد لذاته الزم لجنس االرادة

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،81.

واالرادة الزمة لجنس الحركة فان الحركة القسرية مستلزمة للحركة االرادية والحركة االرادية مس��تلزمة

للمراد لذاته فكان جنس الحركات الموجودة في العالم مستلزم للمراد لذاته وهو المعبود الذي يس��تحق

العبادة لذاته وهو الله ال إله إال هو فلو كان فيهما آلهة إال الله لفسدتا وك��ل عم��ل ال ي��راد ب��ه وجه��ه فه��و

من  باطل وكل عامل ال يكون عمله لله بل لغيره فهو المشرك فانه كما قال الله تعالى خر فكأنماسحيق مكان في الريح به تهوي أو الطير فتخطفه فان قوام الشيء بطبيعته الخاصةالسماء

به فالحي قوامه بطبيعته المستلزمة لحركته االرادية وقوامه��ا ب�المراد لذات�ه ف�اذا لم تكن حركته��ا الرادة

المعبود لذاته لم يكن لنفسه قوام بل بقيت ساقطة خارة كما ذكر الل��ه تع��الى وله��ذا يه��وي في الهاوي��ة

وهو ذنب ال يغفر ألنه فسد األصل كالمريض الذي فسد قلبه ال ينفع مع ذلك إصالح أعض��ائه ولف��ظ دع��اء

الله في القرآن يراد به دعاء العبادة ودعاء المسألة فدعاء العبادة يكون الله هو المراد به فيكون الله هو

المصلي قول كما في منه المراد هو الله يكون المسألة ودعاء نستعين  المراد وإياك نعبد إياك فالعبادة إرادته واالستعانة وسيلة الى العبادة فالعبادة إرادة المقصود وارادة االستعانة ارادة الوسيلة الى

نعبد  المقصود ولهذا قدم قوله وان كانت ال تحصل إال باالستعانة فان العلة الغائبة مقدمة فيإياك

Page 41: النبوات

التصور والقصد وان كانت مؤخرة في الوجود والحصول وهذا إنما يكون لكون��ه ه��و المحب��وب لذات��ه لكن

المراد به محبة مختصة به على سبيل الخضوع له والتعظيم وعلى سبيل تخصيصها به فيع��بر عنه��ا بلف��ظ

اإلنابة والعبادة ونحو ذلك اذ أن لفظ المحبة جنس ع��ام ي��دخل في��ه أن��واع كث��يرة فال يرض��ى لل��ه بالق��در

الله قال تعالى الله ذكر اذا ذكر من يحب غير لله  المشترك بل حبا أشد آمنوا واذا ذكروالذين

ويحبونه  محبتهم لربهم ذكرت محبته لهم وجهادهم كما في قوله يحبهم بقوم الله يأتي فسوفالئم لومة يخافون وال الله سبيل في يجاهدون الكافرين على أعزة المؤمنين على أذلة

قوله مثل سبيله  وفي في وجهاد ورسوله الله من اليكم تطمئنأحب القلوب كانت ولهذا

القلوب  بذكره كما قال تعالى تطمئن الله بذكر أنها ال تطمئن إالأال فتقديم المفعول يدل على

بذكره وهو تعالى

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،82.

اذا ذكر وجلت فحصل لها اضطراب ووجل لما تخافه من دونه وتخشاه من فوات نصيبها منه فالوج��ل اذا

ذكر حاصل بسبب من االنسان وإال فنفس ذكر الله يوجب الطمأنينة النه ه�و المعب��ود لذات�ه والخ�ير كل��ه

األليم  منه قال تعالى العذاب هو عذابي وأن الرحيم الغفور أنا أني عبادي  وقال تعالى نبئ

رحيم غفور الله وأن العقاب شديد الله أن وقال علي رضي الله عنه ال يرجون عبد إالاعلموا

ربه وال يخافن عبد إال ذنبه فالخوف الذي يحصل عند ذكره هو بس��بب من العب��د وإال ف��ذكر ال��رب نفس��ه

يحصل الطمأنينة واالمن فما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك كما قال ذل��ك

المريض الذي سئل كيف تجدك فقال أرجو الله وأخاف ذن�وبي فق�ال الن��بي ص�لى الل��ه علي��ه وس�لم م�ا

اجتمعا في قلب عبد مثل هذا الموطن إال أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف ولم يقل بذكر الله توج��ل

القلوب  القلوب كما قال تطمئن الله بذكر قال  بل قال أال ثم قلوبهم وجلت الله ذكر اذايتوكلون ربهم وعلى ايمانا زادتهم آياته عليهم تليت الىواذا يتوكلون عليه لطمأنينتهم وإنما

كفايته وأنه سبحانه حسب من توكل عليه يهديه وينصره ويرزقه بفض��له ورحمت��ه وج��وده فالتوك��ل علي��ه

األخرى اآلية به عما سواه وكذلك قال في اليه واالكتفاء الطمأنينة فله  يتضمن واحد إله فإلهكمأصابهم ما على والصابرين قلوبهم وجلت الله ذكر اذا الذين المخبتين وبشر أسلموا

ينفقون رزقناهم ومما الصالة واالرضوالمقيمي لله الخاضع المطمئن والمخبت مخبتون فهم

نجيح أبي ابن عن الثوري عن مهدي ابن حديث من حاتم أبي ابن روى المطمئنة وبشر  الخبت قال المطمئنين وعن الضحاك المتواضعين فوصفهم بالطمأنينة مع الوجل كما وصفهم هناكالمخبتين

ثم  بالتوكل عليه مع الوجل وكما قال في وصف القرآن ربهم يخشون الذين جلود منه تقشعرالله ذكر الى وقلوبهم جلودهم فذكر أنه بعد االقشعرار تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر اللهتلين

فذكره بالذات يوجب الطمأنينة وإنما االقشعرار والوجل عارض بسبب ما في نفس االنسان من التقصير

في حقه والتعدي لحده فهو كالزبد مع ما ينفع الناس الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،83.

االرض فالخوف مطلوب لغيره لي�دعو النفس الى فع�ل ال��واجب وت�رك المح�رم وأم�ا الطمأنين�ة ب�ذكره

وفرح القلب به ومحبته فمطلوب لذاته ولهذا يبقى معهم هذا في الجن�ة فيلهم�ون التس�بيح كم�ا يلهم�ون

النفس والمتفلسفة رأوا اللذات في الدنيا ثالثة حسية ووهمية وعقلية والحسية في الدنيا غايتها دفع االلم

والوهمية خياالت واضحات واللذات الحقيقية هي العلم فجعلوا جنس العلم غاية وغلطوا من وجوه أحدها

أن العلم بحسب المعلوم فاذا كان المعل��وم محبوب��ا تكم��ل النفس بحب��ه ك��ان العلم ب��ه ك��ذلك وان ك��ان

مكروها كان العلم به لحذره ودفع ضرره كالعلم بم��ا يض��ر االنس��ان من ش��ياطين االنس والجن فلم يكن

المقصود نفس العلم بل المعلوم ولهذا قد يقول��ون س�عادتها في العلم ب�االمور الباقي�ة وأنه�ا تبقى ببق�اء

معلومها ثم يظنون أن الفلك والعقول والنفوس أمور باقية وأن بمعرفة هذه تحصل س��عادة النفس وأب��و

حامد في مثل معراج السالكين ونحوه يشير الى ه��ذا ف��ان كالم��ه ب��رزخ بين المس��لمين وبين الفالس��فة

ففيفه فلسفة مشوبة باسالم وإسالم مشوب بفلسفة ولهذا كان في كتبه كاألحياء وغيره يجع��ل المعل��وم

باألعمال واألعمال كلها إنما غايتها هو العلم فقط وهذا حقيقة ق�ول ه�ؤالء الفالس�فة وك�ان يعظم الزه�د

جدا ويعتني به أعظم من اعتنائه بالتوحيد الذي جاءت به الرسل وهو عبادة الله وحده ال شريك له وت��رك

Page 42: النبوات

عبادة ما سواه فان هذا التوحيد يتضمن محبة الله وحده وترك محب��ة المخل��وق مطلق��ا إال اذا أحب��ه الل��ه

فيكون داخال في محبة الله بخالف من يحبه مع الله ف��ان ه��ذا ش��رك وه��ؤالء المتفلس��فة إنم��ا يعظم��ون

تجريد النفس عن الهيولي وهي المادة وهي البدن وهو الزه�د في أغ��راض الب��دن وه�و الزه�د في ال��دنيا

وهذا ليس فيه إال تجريد النفس عن االشتغال بهذا فتبقى النفس فارغة فيلقي اليه��ا الش��يطان م��ا يلقي��ه

ويوهمه أن ذلك من علوم المكاشفات والحقائق وغايته وجود مطلق هو في االذهان ال في االعيان وله��ذا

جعل أبو حامد السلوك إلى إال ثالثة منازل بمنزلة السلوك الى مكة فان السالك اليها له ثالثة أصناف من

الشغل االول تهيئة االسباب كشراء الزاد والراحلة وخرز الراوية واآلخر السلوك ومفارقة الوطن بالتوجه

الى الكعبة منزال بعد منزل والثالث االشتغال بأركان الحج ركنا بعد ركن ثم بعد النزوع عن لبسة االحرام

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،84.

وطواف الوداع استحق التعرض للملك والسلطنة قال فالعلوم ثالثة قسم يجري مج��رى س��لوك الب��وادي

وقطع العقبات وهو تطهير الباطن عن كدورات الصفات وطلوع تل��ك العقب��ة الش��امخة ال��تي عج��ز عنه��ا

االولون واآلخرون إال الموفقون قال فهذا سلوك للطريق وتحصيل علم��ه كتحص��يل علم جه��ات الطري��ق

ومنازله وكما ال يغني علم المنازل وطرق البوادي دون س��لكوها فك��ذا ال يغ��ني علم ته��ذيب االخالق دون

مباشرة التهذيب لكن المباشرة دون العلم غير ممكن قال وقسم ثالث يجري مجرى نفس الحج وأركان��ه

وهو العلم بالله وصفاته ومالئكته وأفعاله وجميع ما ذكرن�اه في ت�راجم علم المكاش�فة ق�ال وههن�ا نج�اة

وفوز بالسعادة والنجاة حاصلة لكل سالك للطري��ق اذا ك��ان غرض��ه المقص��د وه��و الس��المة وأم��ا الف��وز

بالسعادة فال ينالها إال العارفون فهم المقربون المنعمون في جوار الله بالروح والريحان وجنة نعيم وأم��ا

المقربين  الممنوعون دون ذروة الكمال فلهم النجاة والسالمة كما قال الله تعالى من كان إن فأمااليمين اصحاب من لك فسالم اليمين أصحاب من كان إن وأما نعيم وجنة وريحان فروح

قال وكل من لم يتوجه الى المقصد أو انتهض الى جهته ال على قصد االمتثال باألمر والعبودية بل لغرض

عاجل فهو من اصحاب الشمال ومن الضالين فله نزل من حميم وتص��لية جحيم ق��ال واعلم أن ه��ذا ه��و

الحق اليقين عند العلماء الراسخين في العلم أعني أنهم أدركوه بمشاهدة من الباطن ومشاهدة الب��اطن

أقوى وأجل من مشاهدة األبصار وترقوا فيه عن حد التقليد الى االستبصار قلت وكالم��ه من ه��ذا الجنس

كثير ومن لم يعرف حقيقة مقصده يهوله مثل هذا الكالم الن صاحبه يتكلم بخ��برة ومعرف��ة بم��ا يقول��ه ال

بمجرد تقليد لغيره لكن الشأن فيما خبره ه��ل ه��و ح��ق مط��ابق ومن س��لك مس��لك المتكلمين الجهمي��ة

والفالسفة ولم يكن عنده خبرة بحقائق ما بعق ب��ه رس��وله وأن��زل ب��ه كتب��ه ب��ل وال بحق��ائق األم��ور عقال

وكشفا فان هذا الكالم غايته وأما من عرف حقيق��ة م��ا ج��اءت ب��ه الرس��ل أو ع��رف م��ع ذل��ك ب��البراهين

العقلية والمكاشفات الشهودية صدقهم فيما أخبروا به فانه يعلم غاية مثل هذا الكالم وأنه إنما ينتهي الى

التعطيل ولهذا ذاكرني مرة شيخ جليل له معرفة وس��لوك وعلم في ه��ذا فق��ال كالم أبي حام��د يش��وقك

فتسير خلفه وهو

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،85.

يشوقك فتسير خلفه منزال بعد منزل فاذا هو ينتهي الى ال شيء وهذا الذي جعله هنا الغاي��ة وه��و معرف��ة

الله وص��فاته وأفعال��ه ومالئكت��ه ق��د ذك��ره في المض��نون ب��ه على غ��ير أهل��ه وه��و فلس��فة محض��ة ق��ول

المشركين من العرب خير منه دع قول اليهود والنصارى بل قوم نوح وهود وصالح ونحوهم كانوا يق��رون

بالله وبمالئكته وصفاته وأفعاله خيرا من هؤالء لكن لم يقروا بعبادته وح��ده ال ش��ريك ل��ه وال بأن��ه أرس��ل

رسوال من البشر وهذا حقيقة قول هؤالء فانهم ال يأمرون بعبادة الله وحده ال شريك له وال يثبتون حقيقة

الرسالة بل النبوة عندهم فيض من جنس المنامات وأولئك الكفار ما كانوا ينازعون في هذا الجنس ف��ان

هذا الجنس موجود لجميع بني آدم ومع هذا فقد أخبر الله تع��الى عنهم أنهم ك�انوا يق�رون بالمالئك��ة كم�ا

من  قال الرسل جاءتهم إذ وثمود عاد صاعقة مثل صاعقة أنذرتكم فقل أعرضوا فانمالئكة ألنزل ربنا شاء لو قالوا الله إال تعبدوا أال خلفهم ومن أيديهم ما  وقال قوم نوح بين

في بهذا سمعنا ما مالئكة ألنزل الله شاء ولو عليكم يتفضل أن يريد مثلكم بشر إال هذااالولين فلوال  بل فرعون قال لموسى آبائنا يبين يكاد وال مهين هو الذي هذا من خير أنا أم

إنهم فأطاعوه قومه فاستخف مقترنين المالئكة معه جاء أو ذهب من أسورة عليه ألقي

Page 43: النبوات

فاسقين قوما والعبادات كلها عندهم مقصودها تهذيب االخالق والشريعة سياسة مدنية والعلمكانوا

الذي يدعون الوصول اليه ال حقيقة لمعلومه في الخارج والله أرسل رسوله باالسالم وااليمان بعبادة الله

وحده وتصديق الرسول فيما أخبر فاالعمال عبادة الله والعلوم تصديق الرسول وك��ان الن��بي ص��لى الل��ه

الينا  عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر تارة بسورتي االخالص وتارة أنزل وما بالله آمنا اآليةقولوا

سواء  فانها تتضمن االيمان واالسالم وباآلية من آل عمران كلمة الى تعالوا الكتاب أهل يا قلوبينكم بيننا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،86.

والذين سلكوا خلف أبي حامد أو ضاهوه في السلوك كابن سبعين وابن عربي صرحوا بحقيقة ما وص��لوا

اليه وهو أن الوجود واحد وعلموا أن أبا حامد ال ي��وافقهم على ه��ذا فاستض��عفوه ونس��بوه الى أن��ه مقي��د

بالشرع والعقل وأبو حامد بين علماء المسلمين وبين علماء الفالسفة علماء المس�لمين يذمون�ه على م�ا

شارك فيه الفالسفة مما يخ�الف دين االس�الم والفالس�فة يعيبون�ه على م�ا بقي مع�ه من االس�الم وعلى

كونه لم ينسلخ منه بالكلية الى قول الفالسفة ولهذا كان الحفيد ابن رشد ينشد فيه % يوما يم��ان اذا م��ا

جئت ذا يمن % وان لقيت مع����������������������������������������ديا فع����������������������������������������دناني %

وأبو نصر القشيري وغيره ذموه على الفلسفة وأنشدوا فيه أبياتا معروفة يقولون فيها % برئن��ا الى الل��ه

حفرة % % %  من معشر شفا على أنتم قوم يا قلت وكم الشفا كتاب من مرض بهمفماتوا % % % % % كفى حتى الله الى رجعنا بتعريفنا استهانوا فلما شفا من مالها

% المصطفى سنة على وعشنا رسطاليس دين على ولهذا كانوا يقولون أبو حامد قد أمرضه الشفاء وكذلك الطرطوس��ي والم��ازري وابن عقي��ل وأب��و البي��ان

وابن حمدين ورفيق أبي حامد أبو نصر المرغيناني وأمثال هؤالء لهم كالم كثير في ذمه على ما دخل فيه

من الفلسفة ولعلماء االندلس في ذلك مجموع كبير ولهذا لما سلك خلف��ه ابن ع��ربي وابن س��بعين ك��ان

ابن سبعين في كتاب اليد وغيره يجعل الغاية هو المقرب وهو نظير المقرب في كالم أبي حام��د ويجع��ل

المراتب خمسة أدناها الفقيه ثم المتكلم ثم الفيلسوف ثم الصوفي الفيلسوف وهو الس��الك ثم المحق��ق

وابن عربي له أربع عقائ��د األولى عقي��دة أبي المع��الي وأتباع��ه مج��ردة عن حج��ة والثاني��ة تل��ك العقي��دة

مبرهنة بحججها الكالمية والثالثة عقيدة الفالسفة ابن سينا وأمثاله الذين يفرق��ون بين ال��واجب والممكن

والرابعة التحقيق الذي وصل اليه وهو أن الوجود واحد وهؤالء

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،87.

يسلكون مسلك الفالسفة الذي ذكره أبو حامد في ميزان العمل وهو أن الفاضل ل��ه ثالث عقائ��د عقي��دة

مع العوام يعيش بها في الدنيا كالفقه مثال وعقيدة مع الطلبة يدرسها لهم كالكالم والثالثة ال يطل��ع عليه��ا

أحد إال الخواص ولهذا صنف الكتب المضنون بها على أهلها وهي فلسفة محض��ة س��لك فيه��ا مس��لك ابن

سيا ولهذا يجعل اللوح المحفوظ هو النفس الفلكية إلى امور أخ��رى ق��د بس��طت في غ��ير ه��ذا الموض��ع

ذكرنا ألفاظه بعينها في مواضع منها الرد على ابن سبعين وأهل الوحدة وغير ذلك فانه لما انتش��ر الكالم

في مذهب أهل الوحدة وكنت لما دخلت إلى مصر بسببهم ثم صرت في االسكندريةجاءني من فض��الئهم

من يعرف حقيقة أمرهم وق�ال ان كنت تش�رح لن�ا كالم ه�ؤالء وت�بين مقص�ودهم ثم تبطل�ه وإال فنحن ال

نقبل منك كما ال نقبل من غيرك ف�ان ه�ؤالء ال يفهم�ون كالمهم فقلت نعم أن�ا أش�رح ل�ك م�ا ش�ئت من

كالمهم مثل كتاب اليد واالحاطة البن سبعين وغير ذلك فقال لي ال ولكن لوح االصالة ف��ان ه��ذا يعرف��ون

وهو في رءوسهم فقلت له هاته فلما أحضره شرحته له شرحا بينا حتى تبين له حقيقة االم��ر وأن ه��ؤالء

ينتهي أمرهم إلى الوجود المطلق فقال هذا حق وذكر لي أنه تناظر اثنان متفلسف سبعيني ومتكلم على

مذهب ابن التومرت فقال ذاك نحن شيخنا يقول بالوجود المطلق فقال اآلخر ونحن كذلك إمامنا قلت له

والمطل��ق في االذه��ان ال في األعي��ان فت��بين ل��ه ذل��ك وأخ��ذ يص��نف في ال��رد عليهم ولم أكن أظن ابن

التومرت يقول بالوجود المطلق حتى وقفت بعد هذا على كالمه المبسوط فوجدته كذلك وأنه كان يق��ول

الحق حقان الحق المقيد والحق المطلق وهو الرب وتبينت أنه ال يثبت شيئا من الصفات وال ما يتم�يز ب�ه

موجود عن موجود فان ذلك يقيد شيئا من االطالق وسألني هذا عما يحتجون به من الحديث مثل الحديث

المذكور في العقل وأن أول ما خلق الله تعالى العقل ومثل حديث كنت كنزا ال أعرف فأحببت أن اعرف

Page 44: النبوات

وغير ذلك فكتبت له جوابا مبسوطا وذكرت أن هذه االح��اديث موض��وعة وأب��و حام��د وه��ؤالء ال يعتم��دون

على هذا وقد نقلوه إما من رسائل

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،88.

اخوان الصفا أو من كالم أبي حيان التوحيدي أو من نحو ذلك وهؤالء في الحقيقة هم من جنس الباطني��ة

االسماعيلية لكن أولئك يتظاهرون بالتشيع والرفض وه�ؤالء غ��البهم يميل��ون الى التش��يع ويفض�لون علي��ا

ومنهم من يفضله بالعلم الباطن ويفضل أبا بكر في العلم الظاهر ك��أبي الحس��ن الح��رلي وفي��ه ن��وع من

مذهب الباطنية االسماعيلية لكن ال يقول بوحدة الوجود مثل هؤالء وال أظنه يفضل غير االنبياء عليهم فهو

أنبل من هؤالء من وجه لكنه ضعيف المعرفة بالحديث والسير وكالم الصحابة والتابعين فيب��ني ل��ه أص��وال

على أحاديث موضوعة ويخرج كالمه من تصوف وعقليات وحقائق وهو خير من هؤالء وفي كالم��ه أش��ياء

حس��������نة ص�������حيحة وأش�������ياء كث��������يرة باطل��������ة والل��������ه س�������بحانه وتع��������الى أعلم

الثاني أن صالح النفس في محب��ة المعل��وم المعب��ود وهي عبادت��ه ال في مج��رد علم ليس في��ه ذل��ك وهم

جعلوا غاية النفس التشبه بالله على حسب الطاقة وكذلك جعل�وا حرك�ة الفل�ك للتش�به ب�ه وه�ذا ض�الل

عظيم فان جنس التشبه يكون بين اثنين مقصودهما واحد كاإلمام والمؤتم به وليس األمر هنا ك��ذلك ب��ل

الرب هو يعرف نفسه ويحب نفسه ويثني على نفسه والعب��د نجات��ه وس��عادته في أن يع��رف رب��ه ويحب��ه

ويثني عليه والتشبه به أن يكون هو محبوبا لنفسه مثنيا بنفسه على نفسه وهذا فساد في حقه وض�ار ب�ه

والق��وم أض��ل من اليه��ود والنص��ارى ب��ل ومن مش��ركي الع��رب فان��ه ليس ال��رب عن��دهم رب الع��المين

وخالقهم وال إلههم ومعبودهم ومشركو العرب كانوا يقرون بانه خالق ك��ل ش��يء وم��ا س��واء مخل��وق ل��ه

مح����دث وه����ؤالء الض����الون ال يع����ترفون ب����ذلك كم����ا ق����د بس����ط في غ����ير ه����ذا الموض����ع

الوجه الثالث أنهم يظنون أن ما عندهم هو علم بالله وليس كذلك بل هو جهل والرازي لما ش��اركهم في

بعض أمورهم صار حائرا معترفا بذلك لما ذكر أقسام اللذات وأن اللذة العقلية هي الحق وهي لذة العلم

وأن شرف العلم بشرف المعلوم وهو الرب وأن العلم به ثالث مقامات العلم بالذات والصفات واألفع�ال

قال وعلى كل مقام عقدة فالعلم بالذات فيه أن وجود الذات هل هو زائد عليها أم ال وفي الصفات

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،89.

هل الصفات زائدة على الذات أم ال وفي األفعال هل الفعل مقارن أم ال ثم قال ومن الذي وصل

الى هذا الباب أو من ال��ذي ذاق من ه�ذا الش��راب % نهاي�ة إق�دام العق�ول عق�ال % وأك�ثر س�عي

العالمين ضالل % % وأرواحنا في وحشة من جسومنا % وغاية دنيانا أذى ووبال % % ولم نس��تفد

من بحثن�������ا ط�������ول عمرن�������ا % س�������وى أن جمعن�������ا في�������ه قي�������ل وق�������الوا %

لقد تأملت الطرق الكالمية والمناهج الفلسفيه فما رأيتها تش��في عليال وال ت��روي غليال ورأيت أق��رب

استوى  الطرق طريقة القرآن اقرأ في اإلثبات العرش على الكلم  الرحمن يصعد اليهشيء  واقرأ في النفي الطيب كمثله تجربتي  وال يحيطون به علما ليس مثل جرب ومن

يقرب وما بالله العلم هو المطلوب العلم يكون أن فالسعادة معرفتي مثل عرفيحتجب وال المقصود المراد المحبوب هو الله يكون أن في السعادة أن ويعلم اليه

أربعين أخلصت له قال لما للغزالي العارف الشيخ ذلك قال كما المعلوم عن بالعلممرادك هو الله يكن لم للحكمة أخلصت أنت بني يا فقال شيء لي يتفجر فلم صباحاالحكمة ينابيع تتفجر فحينئذ ومراده المرء مقصود هو الله يكون أن لله واالخالص

من وسلم عليه الله صلى النبي عن مكحول حديث في كما لسانه على قلبه منتقول ولهذا لسانه على قلبه من الحكمة ينابيع تفجرت صباحا أربعين لله أخلص

وفي يطلب ما امرئ كل قيمة يقولون والعارفون يحسن ما امرئ كل قيمة العامةلها فالنفس همته الى أنظر وإنما الحكيم كالم الى أنظر ال اني يقول االسرائيليات

أرادتها عن وأعرضوا شعورها لحظوا وهؤالء متالزمان وهما الشعور مع اإلرادة قوةوالضار والنافع والشر بالخير تشعر فانها به تشعر ما بمجرد ال بمرادها تتقوم وهيالمعبود اآلله وهو وينفعها يصلحها ما إال ومحبوبها مرادها يكون أن يجوز ال ولكن

يقول عما وتعالى سبحانه هو إال إله ال الله وهو غيره العبادة يستحق ال الذي

Page 45: النبوات

فالعلم الرسل به أخبرت ما وهو حقا العلم يكون هذا مع ثم كبيرا علوا الظالمونهو الحق

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،90.

ما أخبروا به واالرادة النافعة إرادة ما أمروا ب��ه وذل��ك عب��ادة الل��ه وح��ده ال ش��ريك ل��ه فه��ذا ه��و

السعادة وهو الذي اتفقت عليه االنبياء كلهم فكلهم دعوا الى عبادة الل�ه وح�ده ال ش�ريك ل��ه وذل��ك

إنما يكون بتصديق رسله وطاعتهم فلهذا كانت السعادة متضمنة له��ذين األص��لين االس��الم وااليم��ان

عبادة الله وحده وتصديق رسله وهو تحقيق شهادة أن ال إله إال الل��ه وأن محم��دا رس��ول الل��ه ق��ال

المرسلين  تعالى ولنسألن اليهم أرسل الذين قال أبو العالية هما خصلتان يسألفلنسألن

عنهما كل أحد يقال لمن كنت تعبد وبماذا أجبت المرس��لين وق��د بس��ط ه��ذا في غ��ير ه��ذا الموض��ع

���������������������������������������������������������������������������������������������������������������������ه أعلم والل

واتبع لها أسعد الناس في الدنيا واآلخرة وخير القرون القرن الذي شاهدوه مؤمنين به وبما يقول إذ

كانوا أعرف الناس بالفرق بين الحق الذي جاء به وبين ما يخالفه وأعظم محبة لم��ا ج��اء ب��ه وبغض��ا

لما خالفه وأعظم جهادا عليه فكانوا أفضل ممن بعدهم في العلم والدين والجهاد أكمل علما بالحق

والباطل وأعظم محبة للحق وبغضا للباطل وأصبر على متابع��ة الح��ق واحتم��ال األذى في��ه وم��واالة

أهله ومعاداة أعدائه واتصل بهم ذلك الى القرن الثاني والثالث فظه�ر م�ا بعث ب�ه من اله�دى ودين

الحق على كل دين في مشارق االرض ومغاربها كما قال ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم زويت لي االرض

مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها وك�ان ال ب�د أن يظه��ر في أمت��ه م�ا س�بق ب�ه

القدر واقتضته نشأة البشر من نوع من التفرق واالختالف كما كان فيم�ا غ�بر لكن ك�انت أمت�ه خ�ير

األمم فكان الخير فيهم أكثر منه في غيرهم والشر فيهم أقل منه في غ��يرهم كم��ا يع��رف ذل��ك من

فيهم الله قال الذين هم إسرائيل وبنو قبلهم إسرائيل بني وحال حالهم بني  تأمل آتينا ولقدالعالمين على وفضلناهم الطيبات من ورزقناهم والنبوة والحكم الكتاب إسرائيل

ربك إن بينهم بغيا العلم جاءهم ما بعد من إال اختلفوا فما االمر من بينات وآتيناهمفيما القيامة يوم بينهم يقضي

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،91.

كانوا فيه يختلفون ثم جعلناك على شريعة من األمر فاتبعها وال تتبع أهواء الذين ال يعلمون انهم لن يغن��وا

موسى  عنك من الله شيئا وان الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين لهم يا قوموقال

فاذا  اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم مالم يؤت أحدا من العالمين خيرا االمة هذه وكانت االزمان تلك في العالمين على فضلهم الذين اسرائيل بنو كان

بعذاب يعذبهم ال أنه به الله خصهم مما فكان االولى بطريق غيرهم من خيرا كانوا منهممن عدوا عليهم يسلط وال عامة بسنة يهلكهم فال الخلق بأيدي وال السماء من ال عامدين لهم يبقى ال حتى يجتاحهم عدوا إسرائيل بني على يسلط كان كما فيجتاحهم غيرهماالمة هذه في تزال ال بل غيرهم حكم تحت مقهورا يبقى منهم يقتل ال ومن منصور قائم

أمة فيهم تزال فال ضاللة على يجتمعون وال القيامة يوم الى الحق على ظاهرة طائفةثبت وقد المفلحون هم وأولئك المنكر عن وينهون بالمعروف ويامرون الخبر الى يدعون

فأعطاني ثالثا ربي سألت قال أنه وسلم عليه الله صلى النبي عن الصحيح الحديث فيفيجتاحهم غيرهم من عدوا عليهم يسلط ال أن ربي سألت واحدة ومنعني اثنتين

بينهم بأسهم يجعل ال أن وسألته فأعطانيها عامة بسنة يهلكهم ال أن وسألته فأعطانيهافال القلوب على ترد والفتنة عليهم تجري التي الفتن أحدهما نوعان البأس وهذا فمنعنيها

أهل يعتدي أن والثاني واالعمال باالقوال بعضا بعضهم فيؤذي تقصده وال الحق تعرفسيآتهم بها الله يكفر حقهم في محنة ذلك فيكون منهم الحق اهل على منهم الباطل

تكون بل لهم الظالمين كيد يضرهم ال وتقواهم وبصبرهم درجاتهم عليها بالصبر ويرفعالغالبين الله وجند المفلحين الله وحزب المتقين الله أولياء من ويكونون للتقوى العاقبة

المحسنين أجر يضيع ال الله فان ويصبر يتق من فانه واليقين الصبر أهل من كانوا إذا

Page 46: النبوات

عليه عدوانهم بعد يوسف إخوة على تاب كما عليه الله يتوب أن إما منهم والمتعديقالوا لما قال كما وتقواه بصبره عليهم الله أئنك ألنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخيوآثره

قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله ال يضيع أجر المحسنين قالوا تالله لقد آثرك الل�ه علين�ا وان

كنا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،92.

سبحانه  لخاطئين قال ال تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فعل وكمافيهم وقال وللمؤمنين لله عدوا كانوا الذين االحزاب وعدوكمبقادة عدوي تتخذوا ال

قال  أولياء عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتهم منهم مودة والله قدير والله غفورثم

مواليا  رحيم لله وليا يصير ثم لله عدوا يكون قد الشخص أن على دل ما هذا وفيإيابه الله فالى يتب لم ومن تاب من على يتوب سبحانه فهو والمؤمنين ورسوله لله

من ورسوله به الله أمر ما غيره ومع معه يفعلوا أن المؤمنين وعلى حسابه وعليهعن ونهيهم بالمعروف وأمرهم النور الى الظلمات من وإخراجهم نصيحتهم قصدخير من يكون حتى األنفس تهوى وما للظن اتباعا ال ورسوله الله أمر كما المنكر

وهؤالء بالله ويؤمنون المنكر عن وينهون بالمعروف يأمرون للناس أخرجت أمةلله خالصة أعمالهم وعدل صدق أهل وهم الخلق ويرحمون ويقصدونه الحق يعلمون

تعالى قال كما الله ألمر موافقة عمال صواب أحسن أيكم ابن  ليبلوكم الفضيل قالالسنة على يكون أن والصواب لله يكون أن والخالص وأصوبه أخلصه وغيره عياض

قال كما الله ارتضاه الذي اإلسالم دين هما األصلين هذين فان قالوا كما ومنوهو

 أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع مل��ة اب��راهيم حنيف��ا واتخ��ذ الل��ه اب��راهيم خليال

هو والمحسن الله وجه بعمله ويبتغي لله نيته يخلص الذي هو لله وجهه أسلم فالذيالصالح والعمل الصالح العمل هي والحسنات الحسنات فيعمل عمله يحسن الذي

من ليس هذا وال هذا من ليس فما ومستحب واجب من ورسوله به الله أمر ما هوقال لمن قال وكذلك محسنا فاعله يكون فال الصالح والعمل لن يدخل الجنةالحسنات

إال من كان هودا أو نصارى ق�ال تل�ك أم�انيهم ق�ل ه�اتوا بره�انكم ان كنتم ص�ادقين بلى من أس�لم

تعالى  وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه وال خوف عليهم وال هم يحزنون قال ومنوقد

الخاسرين من اآلخرة في وهو منه يقبل فلن دينا االسالم غير جميع  يبتغ دين هو واالسالمكما االمم من اتبعهم ومن والمرسلين االنبياء

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،93.

أخبر الله بنحو ذلك في غير موض�ع من كتاب�ه ف�أخبر عن ن�وح واب�راهيم واس�رائيل انهم ك�انوا مس��لمين

وكذلك عن اتباع موسى وعيسى وغيرهم واالسالم هو أن يستسلم لله ال لغيره فيعبد الله وال يش��رك ب��ه

شيئا ويتوكل عليه وحده ويرجوه ويخافه وحده ويحب الله المحبة التامة ال يحب مخلوقا كحبه لله ويبغض

لله ويوالي لله ويعادي لله فمن استكبر عن عبادة الله لم يكن مس�لما ومن عب�د م�ع الل�ه غ�يره لم يكن

مسلما وإنما تكون عبادته بطاعته وطاع�ة رس�له من يط�ع الرس�ول فق�د أط�اع الل�ه فك�ل رس�ول بعث

بشريعة فالعمل بها في وقتها هو دين االسالم وأما ما بدل منها فليس من دين االسالم وإذا نسخ منها م��ا

نس�خ لم يب�ق من دين االس�الم كاس�تقبال بيت المق�دس في أول الهج�رة بض�عة عش�ر ش�هرا ثم االم�ر

باستقبال الكعبة وكالهما في وقته دين االسالم فبع��د النس��خ لم يب��ق دين االس��الم إال أن ي��ولي المص��لي

وجهه شطر المسجد الحرام فمن قصد أن يصلي إلى غير تلك الجهة لم يكن على دين االسالم النه يري��د

أن يعبد الله بما لم يأمره وهكذا كل بدعة تخالف أمر الرسول إما أن تكون من ال��دين المب��دل ال��ذي م��ا

شرعه الله قط أو من المنسوخ الذي نس�خه الل�ه بع�د ش�رعه كالتوج�ه الى بيت المق�دس فله�ذا ك�انت

السنة في االسالم كاالسالم في الدين هو الوسط كما قد شرح هذا في غير موضع والمقصود هنا أن��ه اذا

رد ما تنازع فيه الناس إلى الله والرسول سواء كان في الفروع أو األصول كان ذلك خيرا وأحم��د عاقب��ة

تعالى قال فان  كما منكم األمر وأولي الرسول وأطيعوا الله أطيعوا آمنوا الذين أيها ياخير ذلك اآلخر واليوم بالله تؤمنون كنتم إن والرسول الله الى فردوه شيء في تنازعتم

Page 47: النبوات

تأويال تعالى وأحسن ومنذرين  وقال مبشرين النبيين الله فبعث واحدة أمة الناس كانالذين إال فيه اختلف وما فيه اختلفوا فيما الناس بين ليحكم بالحق الكتاب معهم وأنزل

من فيه اختلفوا لما آمنوا الذين الله فهدى بينهم بغيا البينات جاءتهم ما بعد من أوتوهمستقيم صراط الى يشاء من يهدي والله باذنه وفي صحيح مسلم عن عائشة أن النبيالحق

صلى الله عليه وسلم كان اذا قام من الليل يقول اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،94.

واألرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لم��ا اختل��ف في��ه من

الحق باذنك إنك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم وهذه حال أهل العلم والحق والسنة يعرفون الح��ق

الذي جاء به الرسول وهو الذي اتفق عليه صريح المعقول وصحيح المنق��ول وي��دعون الي��ه وي��أمرون ب��ه

نصحا للعباد وبيانا للهدى والسداد ومن خالف ذلك لم يكن لهم معه هوى ولم يحكم��وا علي��ه بالجه��ل ب��ل

حكمه الى الله والرسول فمنهم من يكفره الرسول ومنهم من يجعله من أهل الفسق أو العصيان ومنهم

من يعذره ويجعله من أهل الخطأ المغفور والمجتهد من هؤالء المأمور باالجتهاد يجعل له أجرا على فعل

ما أمر به من االجتهاد وخطؤه مغفور له كما دل الكتاب وأما أهل البدع فهم أهل أهواء وش��بهات يتبع��ون

أهواءهم فيما يحبونه ويبغض��ونه ويحكم��ون ب��الظن والش��به فهم يتبع��ون الظن وم��ا ته��وى االنفس ولق��د

جاءهم من ربهم الهدى فكل فريق منهم قد أصل لنفسه أصل دين وضعه إما برأيه وقياسه الذي يس��ميه

عقليات وإما بذوق�ه وه�واه ال��ذي يس��ميه ذوقي��ات وإم�ا بم�ا يتأول��ه من الق�رآن ويح�رف في��ه الكلم عن

مواضعه ويقول انه إنما يتبع القرآن كالخوارج وإما بما يدعيه من الح��ديث والس��نة ويك��ون ك��ذبا وض��عيفا

كما يدعيه الروافض من النص واآليات وكثير ممن يكون قد وضع دينه برأيه أو ذوقه يحتج من القرآن بما

يتأوله على غير تأوله ويجعل ذلك حجة ال عمدة وعمدته في الب��اطن على رأي�ه كالجهمي��ة والمعتزل��ة في

الصفات واالفعال بخالف مسائل الوعد والوعيد فانهم قد يقصدون متابعة النص فالبدع نوع��ان ن��وع ك��ان

قصد أهلها متابعة النص والرسول لكن غلطوا في فهم المنصوص وكذبوا بم��ا يخل��ف ظنهم من الح��ديث

ومعاني اآليات كالخوارج وكذلك الشيعة المسلمين بخالف من كان منافقا زنديقا يظه��ر التش��يع وه��و في

الباطن ال يعتقد االسالم وكذلك المرجئة قصدوا اتباع االمر والنهي وتصديق الوعيد مع الوع��د وله��ذا ق��ال

عبد الله بن المبارك ويوس�ف ابن أس�باط وغيرهم�ا ان الثن�تين والس�بعين فرق�ة أص�ولها أربع�ة الش�يعة

والخوارج والمرجئة والقدرية وأما الجهمية النافية للصفات فلم يكن أصل دينهم اتباع الكتاب والرسول

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،95.

فانه ليس في الكتاب والسنة نص واحد يدل على ق�ولهم ب�ل نص�وص الكت��اب والس��نة متظ��اهرة بخالف

قولهم وإنما يدعون التمسك بالرأي المعق�ول وق�د بس�ط الق�ول على بي�ان فس�اد حججهم العقلي�ة وم�ا

يدعيه بعضهم من السمعيات وبين أن المعق�ول الص�ريح مواف�ق للمنق�ول الص�حيح في بطالن ق�ولهم ال

مخالف له والمقصود هنا الكالم في أفعال الرب فان الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم صاروا يسلكون فيه

بأصل أصل بالمعقول ويجعلونه العم��دة وخاض��وا في ل��وازم الق��در ب��رأيهم المحض فتفرق��وا في��ه تفرق��ا

عظيما وظهر بذلك حكمة نهي النبي صلى الله عليه وسلم ألمته عن التنازع في القدر مع أن المتن�ازعين

كان كل منهما يدلي بآية لكن كان ذلك يفضي إلى إيمان كل طائفة ببعض الكتاب دون البعض فكي��ف إذا

كان المتنازعون عمدتهم رأيهم والحديث رواه أهل المسند والسنن مفصال ورواه مس��لم مجمال عن عب��د

الله بن رباح االنصاري أن عبد الله بن عمرو قال هجرت إلى رس�ول الل�ه ص�لى الل�ه علي�ه وس�لم يوم�ا

فسمع صوت رجلين اختلفا في آية فخرج علينا صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال إنما

هلك من كان قبلكم باختالفهم في الكتاب وقال اإلمام أحمد في المسند حدثنا أبو معاوي��ة ح��دثنا داود بن

أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال خرج رسول الل�ه ص�لى الل�ه علي�ه وس�لم ذات ي�وم

والناس يتكلمون في القدر قال فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب قال فقال مالكم تضربون

كتاب الله بعضه ببعض بهذا هلك من كان قبلكم قال فما غبطت نفسي بمجلس في��ه رس��ول الل��ه ص��لى

الله عليه وسلم لم اشهده م��ا غبطت نفس��ي ب��ذلك المجلس أني لم أش��هده وه��ذا ح��ديث محف��وظ من

رواية عمرو بن شعيب وقد رواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية وكتب أحم��د في رس��الته إلى المتوك��ل

هذا الحديث وجعل يقول في مناظرته لهم يوم الدار في المحنة إن�ا ق�د نهين�ا عن أن نض�رب كت�اب الل�ه

Page 48: النبوات

بعضه ببعض وروى هذا المعنى الترمذي من حديث أبي هريرة وقال حديث حسن غريب قال وفي الب��اب

الذي فررت منه فانه كما قي��ل ان ل��ه حي��اة وعلم��ا وق��درة وإرادة وغض��با ورض��ى ونح��و ذل��ك قلت ه��ذا

يستلزم أن يكون موافقا للمخلوق في مسمى هذه االسماء وهذا تشبيه فقيل هذا يل�زم مثل�ه في ال�ذات

فان قيل بتعطيل الذات فذلك يستلزم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،96.

ما فررت منه من ثبوت جسم قديم حامل لالعراض والحركات وإذا كان ه��ذا الزم��ا ل��ك على تق��دير نفي

الذات كما ثبت انه الزم على تقدير إثباتها كان الزما على تقدير النقيضين النفي واإلثبات وما ك��ان ك��ذلك

لم يمكن نفيه وأما نحن فقد بينا أن الالزم على تقدير إثباتها ال محذور فيه وإنما المحذور الزم على تقدير

نفيها وهذا قد بسط في غير هذا الموضع والمقصود هنا أنه يقال لهؤالء ال��ذين ينف��ون الحكم��ة ثم االرادة

ثم الفعل في األفعال نظير ما قيل ألولئ��ك في الص��فات ويجع��ل مب��دأ الكالم من االرادة في الموض��عين

فيقال لمن أثبتها ونفي الحكم��ة من المنتس��بين الى إثب��ات الق��در والمنتس��بين الى الس��نة والجماع��ة لم

نفيتم الحكمة فاذا قالوا ألنا ال نعرف من يفعل لحكمة إال من يفع��ل لغ��رض يع��ود الي��ه وه��ذا ال يك��ون إال

فيمن يجوز عليه اللذة واأللم واالنتفاع والضرر والله منزه عن ذلك فيقال لهم ما قاله نف��اة االرادة وأنتم

ال تعقلون ارادة إال فيمن يجوز عليه اللذة وااللم واالنتفاع والضرر وقد قلتم ان الله تعالى مري��د فام��ا أن

تطردوا أصلكم النافي فتنفوا االرادة أو المثبت فتثبتوا اللذة واال فما الفرق فاذا ق��ال نف��اة االرادة فله��ذا

نفينا االرادة كما رجحه الرازي في المطالب العالية واحتج به الفالسفة قي��ل لهم ف��انفوا أن يك��ون ف��اعال

فانكم ال تعملون فاعال غير مقهور إال بارادة وال تعقلون ما يفعل ابتداء إال بارادة أو ف��اعال حي��اء إال ب��ارادة

أو فاعال مطلقا إال بارادة فان قال أتباع أرسطو فلهذا قلنا أن�ه ال يفع�ل ش�يئا وليس بم�وجب بذات�ه ش�يئا

لكن قلنا ان الفلك يتشبه به أو قال من هو أعظم تعطيال منهم فله��ذا نفين��ا األول بالكلي��ة ولم يثبت عل��ة

تفعل وال علة يتشبه بها قيل لهم فهذه الحوادث مشهودة وحرك�ة الك�واكب والش�مس والقم�ر مش�هودة

فهذه الحركات الحادثة وغيرها من الحوادث مثل السحاب والمطر والنبات والحيوان والمعدن وغير ذل��ك

مما يشهد حدوثه أحدث بنفسه من غير أن يحدثه محدث قديم أو ال بد للح��وادث من مح��دث ق��ديم ف��ان

قالوا بل حدث كل حادث بنفسه من غير أن يحدثه أحد كان هذا ظاهر الفس��اد يعلم بض��رورة العق��ل أن��ه

في غاية المكابرة ونهاية السفسطة مع لزوم ما فروا منه فانهم فروا من أن يكون ثم فاعل محدث

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،97.

وقد أثبتوا فاعال محدثا لكن جعلوا كل ح�ادث ه�و يح�دث نفس�ه ويفعله�ا فجعل�وا م�ا ليس بش�يء يجع�ل

الشيء وجعلوا المعدوم يحدث الموجود فلزمهم ما فروا منه من إثبات فاع�ل م�ع م�ا ل��زمهم من الكف�ر

العظيم وغاية الجهل وغاية فساد العقل وان قالوا بل كل محدث يحدث��ه مح��دث وللمح��دث مح��دث قي��ل

لهم هذا أيضا ممتنع في صريح العقل فان التسلسل في الفاعل ممتنع بصريح العقل واتفاق العقالء فان��ه

كلما كثر ما يقدر أنه حادث كان أحوج إلى القديم فليس في تقدير حوادث ال تتناهى ما يوجب اس��تغناءها

عن القديم بل إذا كان المحدث الواحد ال بد له من محدث غ��يره فمجم��وع الح��وادث أولى باالفتق��ار إلى

محدث لها خارج عنها كلها فان المحدث لمجموعها يمتنع أن يكون واحدا منها فانه يلزم أن يحدث نفس��ه

ويمتنع أن يكون المجموع أحدث المجموع ف��ان الش��يء ال يح��دث نفس��ه والمجم��وع هي اآلح��اد الحادث��ة

وهيئتها االجتماعية وتلك الهيئة محتاجة الى المجموع الذي هو كل واحد واح��د والمجم��وع ليس إال اآلح��اد

واجتماعها وكل ذلك مفتقر إلى محدث مباين لها فال بد للحوادث من قديم ليس بحادث ثم يق��ال لهم إذا

قدر تسلسل الفاعلين وان ما كان محدثا له محدث وهلم جرا فهذا فيه إثبات ما فررتم منه وه��و أن ه��ذا

المحدث فعل هذا وهذا فعل هذا لكن أثبتم ماال يتناهى من ذلك في آن واحد فركبتم م��ا ف��ررتم من��ه م��ع

لزوم هذه الجهاالت التي تقتضي غاية فساد العقل والكفر بالسمع وإذا كان المحذور يلزمهم على تق��دير

أن يكون الحادث أحدث نفسه أو أحدث كل حادث حادثا آخ��ر م��ع فس��اد ه��ذين ت��بين أن��ه ال ينفع��ه انك��ار

القديم وان قال بل أقر بالمحدث القديم قيل فقد أقررت بفعل القديم للمحدث وإذا ثبت أن القديم فعل

المحدث وأنت ال تعلم فاعال إال لجلب منفعة أو دفع مضرة قيل له فما كان جوابك عن هذا كان جوابا عن

كونه يفعل بارادته وقيل لمثبت االرادة ما كان جوابك عن هذا كان جوابا عن حكمته فقد بين أن من نفي

الحكمة فال بد أن ينقض قوله ويلزمه مع التناقض نفي الصانع وهو مع نفي الصانع تناقضه أشد والمحذور

Page 49: النبوات

الذي فر منه ألزم فلم يغن عنه فراره من إثبات الحكمة إال زيادة الجه��ل والش��ر وهك��ذا يق��ال لمن نفى

حبه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،98.

ورضاه وبغضه وسخطه وهذا مقام شريف من تدبره وتصوره تبين له أن�ه ال ب�د من اإلق�رار بم�ا ج�اء ب�ه

الرسول وأنه هو الذي يوافق صريح المعقول وأن من خالفه فهو ممن ال يسمع وال يعقل وهو أس��وأ ح��اال

ممن فر من الملك العادل ال��ذي يلزم�ه بطع�ام امرأت�ه وأوالده والزك�اة الش�رعية إلى بالد ملكه�ا ظ�الم

ألزمه باخراج أضعاف ذلك لخنايزه وكالبه مع قلة الكسب في بالده وبمنزلة من ف��ر من معاش��رة أق��وام

أهل صالح وعدل ألزموه ما يل��زم واح��دا منهم من األم��ور المش��تركة إذا ك��انوا مقيمين أو مس��افرين أن

يخرج مثلما يخرجه الواحد منهم فكره هذا وفر إلى بلد فألزمه أهلها بأن ينفق عليهم ويخدمهم وإال قتلوه

وما أمكنه الهرب منهم فمن فر من حكم الله ورسوله أمرا وخبرا أو ارت��د عن االس��الم أو بعض ش��رائعه

خوفا من محذور في عقله أو علمه أو دينه أو دنياه كان ما يص��يبه من الش��ر أض��عاف م��ا ظن��ه ش��را في

من  اتباع الرسول قال تعالى انزل وما اليك أنزل بما آمنوا أنهم يزعمون الذين إلى تر ألمأن الشيطان ويريد به يكفروا أن أمروا وقد الطاغوت الى يتحاكموا أن يريدون قبلك

المنافقين رأيت الرسول والى الله أنزل ما الى تعالوا لهم قيل واذا بعيدا ضالال يضلهمبالله يحلفون جاءوك ثم أيديهم قدمت بما مصيبة أصابتهم اذا فكيف صدودا عنك يصدون

وعظهم عنهم فأعرض قلوبهم في ما الله يعلم الذين أولئك وتوفيقا احسانا إال أردنا اناذ أنهم ولو الله باذن ليطاع إال رسول من أرسلنا وما بليغا قوال أنفسهم في لهم وقلفال رحيما توابا الله لوجدوا الرسول لهم واستغفر الله فاستغفروا جاءوك أنفسهم ظلموامما حرجا أنفسهم في يجدوا ال ثم بينهم شجر فيما يحكموك حتى يؤمنون ال وربك

تسليما ويسلموا قضيت ويقال لهم لم فررتم من إثبات المحبة والحكمة واالرادة والفعل فان قالوا ألن ذلك ال يعق��ل إال) فصل (

في حق من يلتذ ويتألم وينتفع ويتضرر والله منزه عن ذلك قيل للفالسفة فأنتم تثبتون أن�ه مس�تلذ مبتهج

فهذا غير محذور عندكم وان قلتم الن ذلك يستلزم لذة حادثة قيل لكم في حلول الحوادث ق��والن وليس

معكم في النفي إال ما يدل على نفي الصفات مطلقا كدليل التركيب وقد عرف فساده من

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،99.

وجوه وقيل للجهمية والمعتزلة أن أردتم أن ذلك يقتضي حاجته الى العباد وأنهم يضرونه أو ينفعونه فهذا

ليس بالزم ولهذا كان الله منزها عن ذلك كما قال الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم في الح��ديث الص��حيح

اإللهي يا عبادي انكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني فالله أج��ل من أن يحت��اج إلى

عباده لينفعوه أو يخاف منهم أن يضروه واذا كان المخلوق العزيز ال يتمكن غيره من قهره فمن له العزة

جميعا وكل عزة فمن عزته أبعد عن ذلك وك��ذلك الحكيم المخل��وق اذا ك��ان ال يفع��ل بنفس��ه م��ا يض��رها

تعالى قال ممتنعا كان اذا فكيف ممكنا كان لو ذلك يفعل ال أن أولى جالله جل الذين  فالحق شيئا الله يضروا لن إنهم الكفر في تعالى يسارعون وأنزلنا  وقال الغمام عليهم وظللنا

أنفسهم كانوا ولكن ظلمونا وما رزقناكم ما طيبات من كلوا السلوى المن عليهم فقد بين أن العصاة ال يضرونه وال يظلمونه كعصاة المخلوقين فان مماليك السيد وجند الملكيظلمون

وأعوان الرجل وشركاءه اذا عصوه فيما يأمرهم ويطلبه منهم فقد يحص��ل ل��ه ب��ذلك ض��رر في نفس��ه أو

ماله أو عرضه أو غير ذلك وقد يكون ذلك ظلما له والله تعالى ال يقدر أحد على أن يضره وال يظلمه وان

كان الكافر على ربه ظهيرا فمظاهرته على رب�ه ومعادات�ه ل��ه ومش��اقته ومحاربت��ه ع�ادت علي��ه بض�رره

وظلمه لنفسه وعقوبته في الدنيا واآلخرة وأما النفع فه��و س��بحانه غ��ني عن الخل��ق ال يس��تطيعون نفع��ه

البيت  فينفعوه فما أمرهم به اذا لم يفعلوه لم يضروه بذلك كما قال تعالى حج الناس على وللهالعالمين عن غني الله فان كفر ومن سبيال اليه استطاع فإنما  وقال من يشكر ومن

كريم غني ربي فان كفر ومن لنفسه وال  وقال يشكر عنكم غني الله فان تكفروا إنأخرى وزر وازرة تزر وال لكم يرضه تشكروا وان الكفر لعباده وان أردتم أنه سبحانهيرضى

Page 50: النبوات

ال يريد وال يفعل ما يفرح به ويجعل عباده المؤمنين يفعلون ما يفرح به فمن أين لكم هذا وان سمى ه��ذا

لذة فااللفاظ المجملة التي قد يفهم منها معنى فاسد اذا لم ترد في كالم الشارع لم نكن محتاجين

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،100.

الى اطالقها كلفظ العشق وان أريد به المحبة التامة وقد أطل��ق بعض��هم على الل��ه أن��ه يعش��ق ويعش��ق

وأراد به أنه يحب ويحب محبة تام��ة ف��المعنى ص��حيح والمع��نى في��ه ن��زاع والل��ذة يفهم منه��ا ل��ذة االك��ل

والشرب والجماع كما يفهم من العشق المحبة الفاسدة والتصور الفاسد ونحو ذلك مما يجب تنزي�ه الل��ه

عنه فان الذين قالوا ال يجوز وصفه بأنه يعشق منهم من قال ألن العشق ه�و اإلف�راط في المحب�ة والل�ه

تعالى ال افراط في حبه ومنهم من قال العشق ال يكون اال مع فساد التص��ور للمعش��وق واال فم��ع ص��حة

التصور ال يحصل إفراط في الحب وهذا المعنى ال يمدح فاعله فان من تصور في الله م�ا ه�و م�نزه عن�ه

فهو مذموم على تصوره ولوازم تصوره ومنهم من قال الن الشرع لم يرد بهذا اللفظ وفيه إبه��ام وإيه��ام

فال يطلق وهذا أقرب وآخرون ينكرون محبة الله وأن يحب ويحب كالمعتزل��ة والجهمي��ة ومن وافقهم من

االشعرية وغيرهم فهؤالء يكون الكالم معهم في كونه يحب ويحب كما نطق به الكتاب والس��نة في مث��ل

ويحبونه  قوله يحبهم بقوم الله يأتي إبهامفسوف فيه اللذة لفظ كذلك العشق لفظ في ال

وإيهام والشرع لم يرد باطالقه ولكن استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الله يفرح بتوبة التائب

أعظم من فرح من وجد راحلته بعد أن أفقدها وأيس منه��ا في مف��ازة مهلك��ة ويئس من الحي��اة والنج��اة

من تلك االرض ومن وجود مركبه ومطعمه ومشربه ثم وجد ذلك بعد اليأس قال الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه

وسلم فكيف تجدون فرحه بدابته قالوا عظيما يا رسول الل��ه ق��ال لل��ه أش��د فرح��ا بتوب��ة عب��ده من ه��ذا

براحلته وق��د نط��ق الكت��اب والس��نة بأن��ه يحب المتقين والمحس��نين والص��ابرين والت��وابين والمتطه��رين

والذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص وأنه يرض��ى عن المؤم��نين ف��اذا كنتم نفيتم حقيق��ة

الحب والرضى ألن ذلك يستلزم اللذة بحصول المحبوب قيل لكم إن كان هذا الزما فالزم الحق حق وان

لم يكن الزما بطل نفيكم والفرح في االنسان هو لذة تحصل في قلب��ه بحص��ول محبوب��ه وق��د ج��اء أيض��ا

وصفه تعالى بأنه يسر في األثر والكتب المتقدمة وهو مثل لفظ الفرح وأما الضحك فكث��ير في األح�اديث

ولفظ البشبشة جاء أيضا أنه يتبشبش للداخل الى المسجد كما يتبشبش أهل الغائب

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،101.

بغائبهم اذا قدم وجاء في الكتاب والسنة ما يالئم ذلك ويناسبه شيء كثير فيقال لمن نفى ذل��ك لم نفيت��ه

ولم نفيت هذا المعنى وهو وصف كمال ال نقص فيه ومن يتصف به أكمل ممن ال يتصف به وإنم��ا النقص

فيه أن يحتاج فيه الى غيره والله تعالى ال يحتاج الى أحد في شيء بل هو فعال لما يريد لكن القدرية قد

يشكل هذا على قولهم فان العباد عندهم مستقلون بإحداث فعلهم ولكن هذا مثل إجابة دعائهم وإث��ابتهم

على أفعالهم ونحو ذلك مما فيه أن أفعالهم تقتضي أمورا يفعلها هو وهم ال يف��رون من كون��ه يجب علي��ه

أشياء وأنه يفعل ما يجب عليه فيكون العبد قد جعله مريدا لما لم يكن مريدا له وحينئ��ذ ف��اذا ك��ان العب��د

يجعلونه مريدا عندهم فالقول في لوازم االرادة ك�القول فيه��ا وه�ذا إم�ا أن ي�دل على فس��اد ق�ولهم في

القدر وهو الصواب وإما أن يكون هو الذي شاء ذلك من العبد فيلزمهم في لوازمها ما يلزمهم فيه��ا وام��ا

على قول المثبتة فكل ما يحدث فهو بمشيئته وقدرته فما جعله أحدا مريدا فاعال بل هو الذي يحدث ك��ل

شيء ويجعل بعض االشياء سببا لبعض فان قال نافي المحبة والفرح والحكم��ة ونح��و ذل��ك ه��ذا يس��تلزم

حاجته الى المخلوق ظهر فساد قوله وان قيل ان ذلك ان كان وصف كمال فقد كان فاق��دا ل��ه وان ك��ان

نقصا فهو منزه عن النقص قيل له هو كمال حين اقتضت الحكم��ة حدوث��ه وحدوث��ه قب��ل ذل��ك ق��د يك��ون

نقصا في الحكمة أو يكون ممتنعا غير ممكن كم�ا يق�ال في نظ�ائر ذل�ك وتم�ام البس�ط في ه�ذا األص�ل

مذكور في غير هذا الموضع والمقصود هن��ا التنبي��ه على ل��وازم ذل��ك ف�ان نف�اة ذل��ك نف�وا أن يك��ون في

الممكن فعل ينزه عنه فليس عندهم فعل يحسن منه وفعل ينزه عن��ه ب��ل عن��ده تقس��يم األفع��ال أفع��ال

الرب والعبد الى حسن وقبيح ال يكون عندهم إال بالشرع وذلك ال يرجع الى صفة في الفع��ل ب��ل الش��ارع

عندهم يرجح مثال على مثل والحسن والقبيح إنما يعقل إذا كان الحسن مالئما للفاعل وهو الذي يلت��ذ ب��ه

والقبيح ينافيه وهو الذي يتألم به والحسن والقبح في أفعال العباد بهذا

Page 51: النبوات

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،102.

االعتبار متفق على جوازه وإنما النزاع في كونه يتعلق ب�ه الم�دح والث�واب وه�ذا في الحقيق�ة يرج�ع الى

االلم واللذة فلهذا سلم الرازي في آخر عمره ما ذكره في كتاب ان الحس�ن والقبح العقل�يين ثابت�ان في

أفعال العباد دون الرب اذا كان معناهما يؤول الى اللدة وااللم والمعتزلة أثبتوا حسنا وقبح��ا عقل��يين في

فعل القادر مطلقا سواء كان قديما أو محدثا وقال الحس��ن م��ا للق��ادر فعل��ه والق��بيح م��ا ليس ل��ه فعل��ه

وقالوا ان ذلك ثابت بدون كونه مستلزما للذة واأللم كما ادعوا ثبوت حكمته للفاعل القادر وال تع��ود الي��ه

وال يستلزم اللذة فادعوا ما هو خالف الموجود والمعقول ولهذا تسلط عليهم النف��اة فك��ان حجتهم عليهم

أن يثبتوا أن هذا أمر ال يعقل إال مع اللذة وااللم ثم يقولون وذلك في حق الله محال فحجتهم مبني��ة على

مقدمتين أن الحسن والقبح والحكمة مستلزم لل��ذة وااللم وذل��ك في ح�ق الل��ه مح�ال والمعتزل��ة منع��وا

المقدمة األولى فغلبوا معهم والمقدمة الثانية جعلوها محل وفاق وهي مناس�بة المعتزل�ة لك�ونهم ينف�ون

الصفات فنفى الفعل القائم به أولى على أصلهم ونفى مقتضي ذل��ك أولى على أص��لهم وه��ذه المقدم��ة

التي اشتركوا فيها تقتضي نفي كونه مريدا ونفي كون�ه ف�اعال ونفي ح�دوث ش�يء من الح�وادث كم�ا أن

نفي الصفات يقتضي نفي قائم بنفسه موصوف بالصفات فنفي اتصافه بالصفات يستلزم أن ال يكون في

الوجود شيء يتصف بصفة ونفي فعله وأحداثه يقتضي أن ال يكون في الوجود شيء حادث فكان ما نفوه

مستلزما نهاية السفسطة وجحد الحقائق ولهذا كان من وافق هؤالء على نفي محبة الله لما أم��ر ب��ه من

الصوفية يلزمهم تعطيل األمر والنهي وان ال ينفي إال القدر الع��ام وق��د ال��تزم ذل��ك طائف��ة من محققيهم

وكان نفي الصفات يستلزم نفي الصفات وان ال يكون موجودان أحدهما واجب قديم خالق واآلخر ممكن

أو محدث أو مخلوق وهكذا التزمه طائفة من محققيهم وهم القائلون بوحدة الوج�ود وهم يقول�ون بك�ون

العبد أوال يشهد الف��رق بين الطاع��ة والمعص��ية ثم يش��هد طاع��ة بال معص��ية ثم ال طاع��ة وال معص��ية ب��ل

الوجود واحد فالذين اثبتوا الحسن والقبح في االفعال وأن لها صفات تقتضي

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،103.

ذلك قالوا بما قال��ه جمه�ور العقالء من المس�لمين وغ�يرهم ق�ال أب�و الخط�اب ه�ذا قول��ه أك�ثر الفقه�اء

والمتكلمين لكن تناقضوا فلم يثبوا الزم ذلك فتسلط عليهم النفاء أكثر الفقهاء والمتكلمين لكن تناقض��وا

فلم يثبوا الزم ذلك فتسلط عليه النفاء لما نفوا الحسن والقبح في نفس األمر قالوا ال فرق في ما يخلقه

الله وما يأمره به بين فعل وفعل وليس في نفس األمر حسن وال قبيح وال صفات ت��وجب ذل��ك واس��تثنوا

ما يوجب اللذة واأللم لكن اعتقدوا ما اعتقدته المعتزلة أن هذا ال يجوز اثباته في حق الرب وأما في حق

العبد فظنوا أن األفعال ال تقتضي إال لذة وأما في ال��دنيا وأم��ا كونه��ا مش��تملة على ص��فات تقتض��ي ل��ذة

وألما في اآلخرة فذلك عندهم باطل ولم يمكنهم أن يقولوا إن الشارع يأمر بما في�ه ل�ذة مطلق�ا وينه�يى

عما فيها ألم مطلقا وكو الفعل يقتضي ما يوجب اللذة هو عندهم من باب التول��د وهم ال يقول��ون ب��ه ب��ل

قدرة العبد عندهم ال تتعلق إال بفعل في محلها مع أنها عند شيخهم غير مؤثرة في المق��دور وال يق��ول إن

العبد فاعل في الحقيقة بل كاسب ولم يذكروا بين الكسب والفعل فرقا معقوال بل حقيق��ة ق��ولهم ق��ول

جهم أن العبد ال قدرة له وال فعل وال كسب والله عندهم فاعل فعل العبد وعله ه�و نفس مفعول�ه فص�ار

الرب عندهم فاعال لكل ما يوجد من أفعال العباد ويلزمهم أن يك��ون ه��و الفاع��ل للقب��ائح وان يتص��ف به��ا

على قولهم أنه بوصف بالصفات الفعلية القائمة بغ�يره وق�د تناقض�وا في ه�ذا الموض�ع فجعل�وه متكلم�ا

بكالم يقوم بغيره وجعلوه عادال ومحسنا بعدل واحسان يقوم بغيره كما قد بس��ط في غ��ير ه��ذا الموض��ع

وحينئذ فما بقي يمكنهم ان يفرقوا بين ممكن وممكن من جميع األجناس أي يقولوا هذا يحسن من الرب

فعله وهذا ينزه عنه بل يجوز عندهم ان يفعل كل ممكن مقدور والظلم عندهم ه��و فع��ل م��ا نهى الم��رء

عنه أو التصرف في ملك الغير وكالهما ممتنع في حق الله فأما ان يكون هن��اك ام��ر ممكن مق��دور وه��و

منزه عنه فهذا عندهم ال يجوز فلهذا جوزوا عليه كل ما يمكن وال ينزهونه عن فعل لكونه قبيح��ا أو نقص��ا

او مذموما ونحو ذل��ك ب�ل يعلم م�ا يق�ع وم�ا ال يق�ع ب�الخبر أي بخ�بر الرس�ول كم�ا علم بخ�بره الم�أمور

والمحظور والوعد

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،104.

Page 52: النبوات

والوعيد والثواب والعقاب أوبالعادة مع أن العادة يج��وز انتقاض��ها عن��دهم لكن ق��الوا ق��د يعلم بالض��رورة

عدم ما يجوز وقوعه من غير فرق ال في الوجود وال في العلم بين م��ا علم��وا انتف��اءه وم��ا لم يعلم��وه إذ

كان أصل قولهم هو جواز التفريق بين التماثلين بال سبب فاالرادة القديمة عندهم ترجح مثال على مثل بال

سبب في خلق ال�رب وفي أم�ره وك�ذلك عن�دهم ق�د يح�دث في قلب العب�د علم�ا ض�روريا ب�الفرق بين

المتماثلين بال سبب فلهذا قالوا أن الشرع ال يأمر وينهى لحكمة ولم يعتمدوا على المناس��بة وق��الوا عل��ل

الشرع أمارات كما قالوا ان أعفال العباد أمارة على السعادة والشقاء فقط من غ��ير أن يك��ون في أح��د

الفعلين معنى يناسب الثواب أو العقاب ومن أثبت المناسبة من مت�أخريهم ك�أبي حام�د ومن تبع�ه ق�الوا

عرفنا باالستقراء أن المأمور به قترن به مصلحة العباد وهو حص��ول م��ا ينفعهم والمنهى عن��ه تق��ترن ب��ه

المفسدة فإذا وجد األمر والنهى علم وجود قرينه الذي علم بعادة الشرع من غير أن يكون الرب أمر ب��ه

لتلك المصلحة وال نهى عن�ه لتل�ك المفس�دة وجمه�وةهم وأئمتهم على أن�ه يمتن�ع أن يفع�ل لحكم�ة لكن

اآلمدي قال إن ذلك جائز غير واجب فلم يجعله واجبا وال ممتنعا

فصل وهذا األصل دخل في جميع أبواب الدين أصضوله وفروعه في خلق الرب لما يخلقه ورزقه واعطائه ومنعه وسائر ما يفعله تبارك وتعالى وجهل في أمره ونهيه

وجميع ما يأمر به وينهى عنه ودخل في المعاد فعندهم يجوز أن يعذب الله جميع أهل العدل والصالح والدين واألنبياء والمرسلين بالعذاب األبدي وأن ينعم دميع أهل الكذب

والظلم والفواحش بالنعيم األبدي لكن بمجرد الخبر عرفنا أنه ال يفعل هذا ويجوز عندهم أن يعذب من ال له ذنب أصال بالعذاب األبدي بل هذا واقع عند من يقول بأن أطفال الكفار يعذبون في النار مع آبائهم كلهم يجوزون تعذيبهم إذ كان عندهم يجوز

تعيب كل حي العذاب المؤبد بال ذنب وال غالض وال حكمة لكن هل يقع هذا في أطفال المشركين منهم جزم بوقوعه كالقاضي أبي يعلى ومن وافقه ومنهم من توقفت لعدم

الدليل السمعى عنده ال لمانع عقلي كالقاضي

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،105.

أبي بكر ونحوه وليس عندهم من أفعال الرب ما ينزهونه عن��ه أو م�ا تقتض�ي الحكم�ة وج�وده ب�ل يج�وز

عندهم أن يفعل كل ممكن ويجوز أن ال يفعل شيئا من الخير لكن إذا أخبر أنه يفعل شيئا أو أن��ه ال يفعل��ه

علم أنه واقع أو غير واقع بالخبر ويج�وز عن�دهم أن يع�ذب من ال ذنب ل�ه ومن ه�و أب�ر الن�اس وأع�دلهم

وأفضلهم عذابا مؤبدا ال يعذبه أحدا من العالمين ويج��وز أن ينعم ش��ر الخل��ق من ش��ياطين اإلنس والجن

نعيما في أعلى درجات الجنة ال ينعم مثله لمخلوق لكن لما أخبر ب��أن المؤم��نين ي��دخلون الجن��ة والكف��ار

يدخلون النار علم ما يقع مع أنه لو وقع ضده لم يكن بينهما فرق عندهم ثم مع مجيء الخبر فكث��ير منهم

وافقه أما في جنس الفساق مطلقا فيجوزون أن يدخل جميعهم الجنة ويجوزون أن ي��دخل جميعهم الن��ار

ويجوزون أن يدخل بعضهم كما يقوله من يقول��ه ممن واف�ق الش�يعة واألش�عرية كالقاض�ي أبي بك�ر ألن

القرآن عنده لم يدل على شيء واألخبار أخبار آحاد بزعمه فال يحتج بها في ذلك وأما جمه��ور المنتس��بين

الى السنة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم فيقطعون بان الله يع��ذب بعض أه��ل

تعالى قال كما بعضهم ويعفو عن بالنار دون  الذنوب ما ويغفر به يشرك أن يغفر ال الله انيشاء لمن فهذا فيه اإلخبار بانه يغفر ما دون الشرك وأنه يغفر لمن يشاء ال لكل أحد لكن هلذلك

الجزاء والثواب والعقاب مبني على الموازن��ة بالحكم��ة والع��دل كم��ا اخ��بر الل��ه ب��وزن األعم��ال أو يغف��ر

ويعذب بال سبب وال حكمة وال اعتبار الموازنة في�ه له�ؤالء ق�والن فمن ج�وز ذل�ك فان�ه يج�وز عن�دهم أن

يعذب الله من هو من أبر الناس وأكثرهم طاعات وحسنات على س��يئة ص��غيرة ع��ذابا أعظم من ع��ذاب

أفسق الفاسقين ويج��وز عن��دهم أن يغف��ر ألفس��ق الفاس��قين من المس��لمين وأعظمهم كب��ائر ك��ل ذنب

ويدخله الجنة ابتداء مع تعذيبهم ذلك في النار على صغيرة وله��ذا ق��ال جمه��ور الن��اس عن ه��ؤالء إنهم ال

ينزهون الرب على السفه والظلم بل يصفونه باألفعال التي يوصف بها المجانين والسفهاء فان المجن��ون

والسفيه قد يعطي ماال عظيما لمن ليس هو له بأهل وقد

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،106.

Page 53: النبوات

يعاقب عقوبة عظيمة من هو أهل لإلكرام واإلحسان والرب تعالى أحكم الحاكمين وأعدل العادلين وخ��ير

الراحمين والحكمة وضع األشياء مواضعها والظلم وضع الش�يء في غ�ير موض�عه ومن ت�دبر حكمت�ه في

مخلوقاته ومشروعاته رأى ما يبهر العقول فانه مثال خلق العين واللس��ان ونحوهم��ا من االعض��اء لمنفع��ة

وخلق الرجل والظفر ونحو ذلك لمنفعة فال تقتضي الحكم��ة أن يس��تعمل العين واللس��ان حيث يس��تعمل

اليد والرجل والظفر وال أن يستعمل الرجل واليد حيث يستعمل العين واللسان وهذا من حكمت��ه موج��ود

في أعضاء االنسان وسائر الحيوان والنبات وسائر المخلوقات فكي��ف يج��وز في حكمت��ه وعدل��ه ورحمت��ه

في من هو دائما يفعل ما يرضيه من الطاعات والعبادات والحسنات وقد نظر نظرة منهيا عنها أن يعاقبه

على هذه النظرة بما يعاقب به أفجر الفس�اق وأن يك�ون أفج�ر الفس�اق في أعلى عل�يين وه�و س�بحانه

يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لكن ال يشاء إال ما يناسب حكمته ورحمته وعدله كما ال يش��اء ويري��د إال م��ا

علم أنه سيكون فلو قيل هل يجوز أن يشاء ما علم أنه ال يك��ون لم يج��ر ذل��ك باتف��اقهم لمناقض��ة علم��ه

والعلم يطابق المعلوم فكيف يشاء م�ا ين�اقض حكمت�ه ورحمت�ه وعدل�ه وبس�ط ه�ذه االم�ور ل�ه مواض�ع

��������������������������������������������������������������������������������������������������������������������������������ددة متع

والمقصود أن هؤالء لما احتاجوا الى إثبات النبوات اضطربوا في صفة النبي وما يجوز علي��ه وفي اآلي��ات

التي بها يعلم صدقه فجوزوا أن يرسل الله من يش��اء بم��ا يش��اء ال يش��ترطون في الن��بي إال أن يعلم م��ا

أرسل به ألن تبليغ الرسالة بدون العلم ممتنع ومن جوز منهم تكليف ما ال يطاق مطلق��ا يلزم��ه ج��واز أن

يأمره الله بتبليغ رسالة ال يعلم ما هي وجوزوا من جهة العقل ما ذكره القاضي أبو بكر أن يكون الرسول

فاعال للكبائر إال أنه ال بد أن يكون عالما بمرسله لكن م�ا علم ب�الخبر أن الرس�ول ال يتص�ف ب�ه علم من

جهة الخبر فقط ال ألن الله منزه عن إرسال ظالم أو مرتكب للفواحش أو مكاس أو مخنث أو غ��ير ذل��ك

فانه ال يعلم نفي شيء من ذلك بالعقل لكن بالخبر وهم في السمعيان عم��دتهم اإلجم��اع وأم��ا االحتج��اج

بالكتاب والسنة فأكثر ما يذكرونه تبعا للعقل او االجماع والعقل واالجماع مقدمان عندهم على

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،107.

الكتاب والسنة فلم يعتمد القاضي أبو بكر وأمثاله في تنزي��ه االنبي��اء ال على دلي��ل عقلي وال س��معي من

الكتاب والسنة فان العقل عنده ال يمنع أن يرسل الله من شاءاذ كان يجوز عنده على الله فع��ل ك��ل م��ا

يقدر عليه وإنما اعتمد على اإلجماع فما أجمع المسلمون عليه أنه ال يكون في النبي نزه عنه ثم ذكر م��ا

ظنه إجماعا كعاداته وعادات أمثاله في نقل إجماعات ال يمكن نقلها عن واحد من الص��حابة وال ثالث��ة من

التابعين وال أربعة من الفقهاء المشهورين كدعواه االجماع على أن الصالة في الدار المغصوبة مجزئة مع

قوله إن العقل يحيل أن يكون مأمورا به فيدعي االجماع على براءة المأمور من فعل م��ا أم��ر ب��ه لكون��ه

فعل ما نهي عنه وألهل الكالم والرأي من دعوى اإلجماعات التي ليست صحيحة بل قد يكون فيه��ا ن��زاع

معروف وقد يكون إجماع السلف على خالف ما ادعوا فيه االجماع ما يطول ذكره هنا وقد ذكرن��ا قطع��ة

من االجماعات الفروعية حكاها طائفة من أعيان العلماء العالمين باالختالف مع أنها منتقضة وفيه��ا ن��زاع

ث��ابت لم يعرف��وه وق��د يك��ون غ��يرهم حكى االجم��اع على نقيض ق��ولهم وربم��ا ك��ان من الس��لف كق��ول

الشافعي ما اعلم أحدا قبل شهادة العبد وقبله من الصحابة أنس بن مالك يقول ما أعلم أح��د رد ش��هادة

العبد وك��دعوى ابن ح��زم االجم��اع على إبط��ال القي��اس وأك��ثر األص��وليين ي��ذكرون االجم��اع على إثب��ات

القي����������������اس وبس����������������ط ه����������������ذا ل����������������ه موض����������������ع آخ����������������ر

ولما أرادوا إثبات معجزات االنبياء عليهم السالم وأن الله سبحانه ال يظهرها على يد ك��اذب م��ع) فصل (

تجويزهم عليه فعل كل شيء فنفوا منعا فقالوا لو جاز ذلك لزم أن ال يقدر على تصديق من ادعى النبوة

وما لزم منه نفي القدرة كان ممتنعا فهذا هو المشهور عن األشعري وعليه اعتمد القاضي أب��و بك��ر وابن

فورك والقاضي أبو يعلى وغيرهم وهو مب��ني على مق��دمات أح��دها أن النب��وة ال تثبت اال بم��ا ذك��روه من

المعجزات وأن الرب ال يقدر على إعالم الخلق بأن هذا نبي إال بهذا الطريق وأنه ال يجوز أن يعلم�وا ذل��ك

ضرورة وان اعالم الخلق بان هذا نبي بهذا الطريق

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،108.

ممكن فلو قيل لهم ال نسلم أن هذا ممكن على قولكم فانكم إذا جوزتم عليه فعل كل شيء وارادة ك��ل

شيء لم يكن فرق بين أن يظهرها على يد صادق أو كاذب ولم يكن ارسال رس��ول يص��دقه ب��المعجزات

Page 54: النبوات

ممكنا على أصلكم ولم يكن لكم حجة على جواز إرسال الرسول وتصديقه بالمعجزات إذ ك��ان ال طري��ق

عندهم إال خلق المعجز وهذا إنما يكون دليال اذا علم أنه إنما خلقه لتصديق الرسول وأنتم عندكم ال يفعل

شيئا لشيء ويجوز عليه فعل كل شيء وسلك طائفة منهم طريقا آخر وهي طريقة أبي المعالي وأتباع��ه

وهو أن العلم بتصديقه لمن أظهر على يديه المعجز علم ضروري وضربوا له مثال بالملك وهذا ص��حيح اذا

منعت أصولهم فان هذه تعلم اذا كان المعلم بصدق رس�وله ممن يفع�ل ش�يئا لحكم�ة فام�ا من ال يفع�ل

شيئا لشيء فكيف يعلم أنه خلق هذه المعجزات لتدل على صدقه ال لشيء آخ�ر ولم ال يج�وز أن يخلقه�ا

اللشيء على أصلهم وقالوا أيضا ما ذكره األشعري المعجز علم الصدق ودليل��ه فيس��تحيل وج��وده ب��دون

الصدق فيمتنع وجوده على يد الكاذب وهذا كالم صحيح لكن كونه علم الصدق مناقض الصولهم فانه إنما

يكون علم الصادق اذا كان الرب منزها عن ان يفعله على يد الك��اذب أو علم باالض��طرار أن��ه إنم��ا فعل��ه

لتصديق الصادق أو أنه ال يفعله على يد كاذب وإذا علم باالضطرار تنزهه عن بعض األفعال بطل أص��لهم

والمعتزلة قبلهم ظنوا أن مجرد كون الفعل خارقا للعادة هو اآلية على صدق الرسول فال يج��وز) فصل (

ظهور خارق إال لنبي والتزموا طردا لهذا انكار أن يك�ون للس�حر ت�أثير خ�ارج عن الع�ادة مث�ل أن يم�وت

ويمرض بال مباشرة شيء وأنكروا الكهانة وأن تكون الجن تخبر ببعض المغيبات وأنكروا كرامات االولي��اء

فاتى هؤالء فأثبتوا ما أثبته الفقهاء وأهل الحديث من السحر والكهان�ة والكرام�ات لكن قي��ل لهم فم�يزوا

بين هذا وبين المعج��زات فق��الوا ال ف��رق في نفس الجنس وليس في جنس مق��دورات ال��رب م��ا يختص

باالنبياء لكن جنس خرق العادة واح�د فه��ذا اذا اق�ترن ب�دعوى النب��وة وس�لم عن المعارض�ة عن��د تح�دي

الرسول بالمثل فهو دليل فهي عندهم لم تدل لكونها في نفسها وجنسها دليال بل اذا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،109.

استدل بها المدعي للنبوة ك��انت دليال وإال لم تكن دليال ومن ش��رط ال��دليل س��المته عن المعارض��ة وهي

عندهم غاية الفرق فاذا قال المدعي للنبوة ائتوا بمثل هذه اآلية فعج��زوا ك��ان ه��ذا ه��و المعج��ز المختص

بالنبي وإال فيجوز عندهم أن تكون معج��زات الرس��ول من جنس م��ا للس��حرة والكه��ان من الخ��وارق اذا

استدل بها الرسول فالحج�ة عن��ده مجم�وع ال��دعوى والخ�ارق ال الخ�ارق وح�ده واالعتب��ار بالس��المة عن

المعارض بل ق�د ال يش�ترطون أن يك�ون خارق�ا للع�ادة لكن يش�ترطون أن اليع�ارض وعج�ز الن�اس عن

المعارضة مع أنه معتاد ال خارق للعادة فاالعتبار عندهم بشيئين باقترانه بالدعوى وتحديه لمن دع��اهم أن

يأتوا بمثله فال يقدرون قالوا وخوارق األنبياء يظهر مثلها على يد الساحر والكاهن والص��الح وال ت��دل على

النبوة ألنه لم يدعها قالوا ولو ادعى النبوة أحد من أهل هذه الخ��وارق م��ع كذب��ه لم يكن ب��د من أن الل��ه

يعجزه عنها فال يخلقها على يده أو يقيض له من يعارضه فتبطل حجته واذا قيل لهم لم قلتم ان الله ال بد

أن يفعل هذا وهذا وعندكم يجوز عليه كل شيء وال يجب عليه فعل شيء وال يجب منه فعل شيء ق��الوا

ألنه لو لم يمنعه من ذلك أو يعارضه بآخر لكان قد أتى بمثل ما يأتي به النبي الصادق فتبطل دالل��ة آي��ات

االنبياء فاذا قيل لهم وعلى أصلكم يجوز أنه تبط��ل داللته��ا وعن��دكم يج��وز علي��ه فع��ل ك��ل ش��يء أج��ابوا

بالوجهين المتقدمين إما لزوم أنه ليس بقادر أو أن الداللة معلومة باالضطرار وقد عرف ضعفهما ثم هن��ا

يلزمهم شيء آخر وهو أنه لم قلتم إن المعجز الذي يدل ب�ه على ص�دق االنبي�اء م�ا ذكرتم�وه من مج�رد

كون����ه خارق����ا م����ع ال����دعوى وع����دم المعارض����ة ف����ان ه����ذا يق����ال إن����ه باط����ل من وج����وه

أنه إذا كان ما يأتي به النبي يأتي به الساحر والك��اهن لك��ان أولئ��ك يعارض��ون وه��ذا ال يع��ارض) أحدها (

فاالعتبار إذن بعدم المعارضة فقولوا لكل من ادعى النبوة وقال معجزتي أن ال يدعيها غيري فه��و ص��ادق

أو ال يقدر غيري على دعواها فهو صادق أو أفعل أمرا معتادا من األكل والشرب واللباس ومعجزتي أن ال

يفعله غيري أو ال يقدر غيري على فعله فهو صادق فالتزموا هذا وقالوا المنع من المعتاد

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،110.

كإحداث غير المعتاد وعلى ه��ذا فل��و ق��ال الرس��ول معج��زتي أني أركب الحم��ار أو الف��رس أو آك��ل ه��ذا

الطعام أو ألبس هذا الثوب أو أعدو إلى ذلك المكان وأمثال ذلك وغيره ال يقدر على ذل��ك ك��ان ه��ذا آي��ة

دعواه وهذا ال ضابط له فان ما يعجز عنه ق��وم دون ق��وم ال ينض��بط ولكن ه��ذا يفس��د ق��ول من فس��رها

بخرق العادة فان العادات تختلف وقد ذكروا هذا وقالوا المعج�زة عن�د ك�ل ق�وم م�ا ك�ان خرق�ا لع�ادتهم

وقالوا يشترط أن تكون خارقة لعادة من دعاهم وان كان معتادا لغ��يرهم وق��الوا إذا ك��ان الم��دعي ك��ذابا

Page 55: النبوات

فان الله يقيض له من يعارضه من أهل تلك الصناعة أو يمنعه من القدرة عليها وهذا وجه ث��ان ي��دل على

فس�������������������������اد م�������������������������ا أص�������������������������لوه هم والمعتزل�������������������������ة

المعارضة بالمثل أن يأتي بحجة مثل حجة النبي وحجت��ه عن��دهم مجم��وع دع��وى النب��وة) الوجه الثالث (

واالثبات بالخارق فيلزم على هذا أن تكون المعارضة بأن يدعي غ��يره النب��وة وي��أتي بالخ��ارق وعلى ه��ذا

فليست معارضة الرسول بأن يأتوا بالقرآن أو عشر سور أو سورة ب��ل أن ي��دعي أح��دهم النب��وة ويفع��ل

ذلك وهذا خالف العقل والنقل ولو قال الرسول لقريش ال يقدر أحد منكم أن يدعي النب��وة وي��أتي بمث��ل

القرآن وهذا هو اآلية وإال فمجرد تالوة القرآن ليس آية بل قد يقرأه المتعلم له فال تكون آيه ألنه لم ي��دع

النبوة ولو ادعاها لكان الله ينسيه إياه أو يقيض له من يعارضه كما ذكرتم لكانت ق��ريش وس��ائر العلم��اء

يعلم�������������������������������������ون أن ه�������������������������������������ذا باط�������������������������������������ل

أنه إذا كان اعتمادكم على عدم المعارضة فقولوا ما قاله غيركم وهو أن آي�ة س�المة م�ا يقول��ه) الرابع (

من التناقض وأن كل من ادعى النبوة وكان كاذبا فال بد أن يتناقض أو يقيض الل��ه ل��ه من يق��ول مث��ل م��ا

قال وأما السالمة من التناقض من غير دعوى النبوة فليست دليال فهذا خير من ق��ولكم فان��ه ق��د علم أن

كل ما جاء من عند غير الله فانه ال بد أن يختلف ويتناقض وما جاء من عند الله ال يتناقض كما قال تعالى

كثيرا اختالفا فيه لوجدوا الله غير عند من كان وأما دعوى الضرورة فمن ادعى الضرورةولو

في شيء دون شيء مع تماثلهما وعدم الفرق بينهما في نفس األمر كانت دعواه مردودة ب��ل ك��ذبا ف��ان

وجود العلم الضروري بشيء

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،111.

دون شيء ال بد أن يكون لفرق إما في المعلوم وإما في العالم وإال فاذا قدر تساوي المعلومات وتساوي

ح���������ال الع���������الم به���������ا لم يعلم بالض���������رورة أح���������د المتم���������اثلين دون اآلخ���������ر

انه ال بد أن تكون اآلية التي للنبي أمرا مختصا باالنبياء فان ال��دليل مس��تلزم للم��دلول علي��ه) الخامس (

فآية النبي هي دليل صدقه وعالمة صدقه وبرهان صدقه فال توجد قط إال مستلزمة لصدقه وقد ادعوا أن

آيات صدقهم التي تكون منفكة عن صدقهم تكون لساحر وك��اهن ورج��ل ص��الح ولم��دعي اإللهي��ة لكن ال

تكون لمن يكذب في دعوى النبوة فجوزوا وجود الدليل مع عدم المدلول عليه إال اذا ادعى المدلول عليه

كاذب واستدلوا على ذلك بأن الساعة تخرق عندها خوارق وال تدل على صدق أحد ولو ادعى مدع النب��وة

مع تلك الخوارق لدلت قالوا فعلم أن جنس ما هو معجز يوجد بدون صدق النبي لكن مع دعوى النب��وة ال

يوجد إال مع الصدق واآلية عندهم الدعوى والخارق والصدق هو المدلول عليه فال يكون ذلك كذلك إال م��ع

هذا وأما وجود الخارق مجردا عن الدعوى فليس بدليل وال فرق عندهم بين خارق وخ�ارق وخ�ارق معت�اد

عند قوم دون قوم وليس لهم ضابط في العادات ولسائل أن يقول جميع م��ا يفعل��ه الل��ه من اآلي��ات في

الع�الم فه�و دلي�ل على ص�دق االنبي�اء ومس�تلزم ل��ه وإن ك�انت اآلي�ات معت�ادة لجنس االنبي�اء أو لجنس

الصالحين الذين يتبعون االنبياء فهي مستلزمة لصدق مدعي النبوة فانها إذا لم تكن إال لنبي أو من يتبع��ه

لزم أن يكون من أحد القسمين والكاذب في دعوى النبوة ليس واح��دا منهم��ا فالت��ابع لالنبي��اء الص��الح ال

يكذب في دعوى النبوة قط وال يدعيها إال وهو صادق كاالنبياء المتبعين لشرع موسى ف��اذا ك��ان آي��ة ن��بي

إحياء الله الموتى لم يمتنع أن يحي الله الموتى لنبي آخر أو لمن يتبع االنبياء كم��ا ق��د أح��يي الميت لغ��ير

واحد من االنبياء ومن تبعهم وكان ذلك آية على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة من قبله إذا ك��ان

إحياء الموتى مختصا باالنبي��اء وأتب��اعهم وك��ذلك م��ا يفعل��ه الل��ه من اآلي��ات والعقوب��ات بمك��ذبي الرس��ل

كتغريق فرعون وإهالك قوم عاد بالريح الصرصر العاتية وإهالك قوم صالح بالصيحة وأمثال ذلك فان ه��ذا

جنس لم يعذب به إال من كذب

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،112.

الرسل فهو دليل على صدق الرسل وقد يميت الله بعض الن��اس ب��أنواع معت��ادة من الب��أس ك��الطواعين

ونحوها لكن هذا معتاد لغير مكذبي الرسل أما ما عذب الله به مك��ذبي الرس��ل فمختص بهم وله��ذا ك��ان

تخويفا  من آيات الله كما قال إال باآليات نرسل وما بها فظلموا مبصرة الناقة ثمود وآتينا وكذلك ما يحدثه من أشراط الساعة كظهور الدجال ويأجوج ومأجوج وظهور الدابة وطلوع الش��مس من

مغربها بل والنفخ في الصور وغير ذل�ك ه�و من آي�ات االنبي�اء ف�انهم أخ�بروا ب�ه قب�ل ان يك�ون فك�ذبهم

Page 56: النبوات

المكذبون فاذا ظهر بعد مئين أو ألوف من السنين كما أخبروا به كان هذا من آيات صدقهم ولم يكن هذا

إال لنبي أو لمن يخبر عن نبي والخبر عن النبي هو خبر النبي ولهذا كان وج��ود م��ا أخ��بر ب��ه الرس��ول من

المستقبالت من آيات نبوته إذا ظهر المخبر به كما كان أخبر فيما مضى ع��رف ص��دقه فيم��ا أخ��بر ب��ه إذ

كان هذا وهذا ال يمكن أن يخبر به إال نبي أو من أخذ عن نبي وهو لم يأخذ عن أحد من االنبياء شيئا ف��دل

على نبوته ولهذا يحتج الله له في القرآن بذلك كما بسط في غير هذا الموضع وأخبار الكهان فيه��ا ك��ذب

تعالى قال فجوره مع كثيرا يكذب أنه عرف قد والكاهن تنزل  كثير من على أنبئكم هلكاذبون وأكثرهم السمع يلقون أثيم أفاك كل على تنزل والكهانة جنس معروفالشياطين

ومعروف أن الكاهن يتلقى عن الشيطان وال بد من كذبهم وفجورهم والنبي ال يكذب قط وال يكون إال برا

تقيا فالفرق بينهما ثابت في نفس صفاتهما وأفعالهما وآياتهما ال يقول عاقل إن مجرد م��ا يفعل��ه الك��اهن

هو دليل إن اقترن بصادق وليس بدليل إذا لم يقترن بصادق وانه م��تى ادع��اه ك��اذب لم يظه��ر على ي��ده

وه���������������������������������������ذا أيض���������������������������������������ا باط���������������������������������������ل

ويظهر بالوجه السادس وهو أنه قد ادعى جماع��ة من الك��ذابين النب��وة وأت��وا بخ��وارق من جنس خ��وارق

الكهان والسحرة ولم يعارضهم أحد في ذلك المكان والزمان وكانوا كاذبين فبطل ق��ولهم إن الك��ذاب إذا

أتى بمثل خوارق السحرة والكه��ان فال ب��د أن يمنع��ه الل��ه ذل��ك الخ��ارق أو يقيض ل��ه من يعارض��ه وه��ذا

كاالسود العنسي الذي ادعى النبوة باليمن في حياة النبي ص�لى الل��ه علي��ه وس�لم واس�تولى على اليمن

وكان معه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،113.

شيطان سحيق ومحيق وكان يخبر بأشياء غائبة من جنس أخبار الكه��ان وم��ا عارض��ه أح��د وع��رف كذب��ه

الشياطين  بوجوه متعددة وظهر من كذبه وفجوره ما ذكره الله بقوله تنزل من على أنبئكم هلأثيم أفاك كل على الحلبي وباباتنزل الدمشقي ومكحول الحارث الكذاب وكذلك وكذلك مسيلمة

ال���رومي لعن���ة الل���ه عليهم وغ���ير ه���ؤالء ك���انت معهم ش���ياطين كم���ا هي م���ع الس���حرة والكه���ان

أن آيات األنبياء ليس من شرطها استدالل النبي بها وال تحديه باإلتيان بمثلها بل هي دليل على) السابع (

نبوته وان خلت عن هذين القيدين وهذا كإخبار من تقدم بنبوة محمد فانه دليل على صدقه وان ك��ان ه��و

لم يعلم بما أخبروا به وال يستدل به وأيضا فما كان يظهره الله على يديه من اآليات مث��ل تكث��ير الطع��ام

والشراب مرات كنبع الماء من بين أصابعه غير مرة وتكثير الطعام القلي��ل ح��تى كفى أض��عاف من ك��ان

محتاجا اليه وغير ذلك كله من دالئل النبوة ولم يكن يظهرها لالستدالل بها وال يتح��دى بمثله��ا ب��ل لحاج��ة

المس��لمين اليه��ا وك��ذلك إلق��اء الخلي��ل في الن��ار إنم��ا ك��ان بع��د نبوت��ه ودعائ��ه لهم الى التوحي��د

أن الدليل الدال على المدلول عليه ليس من شرط داللته استدالل أحد به بل م��ا ك��ان النظ��ر) الثامن (

الصحيح فيه موصوال الى علم فهو دليل وان لم يستدل به أحد فاآلية أدلة وبراهين تدل سواء استدل به��ا

النبي أو لم يستدل وما ال يدل اذا لم يستدل به ال ي�دل إذا اس�تدل ب�ه وال ينقلب م�ا ليس ب�دليل دليال اذا

اس����������������������������تدل ب����������������������������ه م����������������������������دع لداللت����������������������������ه

أن يق��ال آي��ات االنبي��اء ال تك��ون إال خارق��ة للع��ادة وال تك��ون مم��ا يق��در أح��د على معارض��تها) التاس��ع (

فاختصاصها بالنبي وسالمتها عن المعارضة شرط فيها بل وفي كل دليل فان��ه ال يك��ون دليال ح��تى يك��ون

مختصا بالمدلول عليه وال يكون مختصا إال اذا سلم عن المعارضة فلم يوجد مع عدم المدلول علي�ه مثل�ه

وإال اذا وجد هو أو مثله

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،114.

بدون المدلول لم يكن مختصا فال يكون دليال لكن كما أنه ال يكفي مجرد كونه خارقا بع��ادة أولئ��ك الق��وم

دون غيرهم فال يكفي أيضا عدم معارضة أولئك القوم بل ال بد أن يكون مما لم يعتده غير االنبياء فيك��ون

خارقا لعادة غير االنبياء فمتى عرف أنه يوجد لغير االنبياء بطلت داللت��ه وم��تى ع��ارض غ��ير الن��بي الن��بي

بمثل ما أتى به بطل االختصاص وما ذكره المعتزلة وغيرهم كابن حزم من أن آي��ات االنبي��اء مختص��ة بهم

كالم صحيح لكن كرامات االولياء هي من دالئل النب��وة فانه��ا ال توج��د إال لمن اتب��ع الن��بي الص��ادق فص��ار

وجودها كوجود ما أخبر به النبي من الغيب وأما ما يأتي ب��ه الس��حرة والكه��ان من العج��ائب فتل��ك جنس

معتاد لغير االنبياء وأتباعهم بل الجنس معروف بالكذب والفجور فهو خارق بالنس��بة الى غ��ير أهل��ه وك��ل

Page 57: النبوات

صناعة فهي خارقة عند غير أهلها وال تكون آية وآيات االنبياء هي خارق��ة لغ��ير االنبي��اء وان ك��انت معت��ادة

���������������������������������������������������������������������������������������������������������������������������������اء لالنبي

أن آيات االنبياء خارجة مقدور من أرسل االنبياء اليه وهم الجن واالنس فال تقدر االنس والجن) العاشر (

بمثل  أن يأتوا بمثل معجز االنبياء كما قال تعالى يأتوا أن على والجن االنس اجتمعت لئن قلظهيرا لبعض بعضهم كان ولو بمثله يأتون ال القرآن المالئكة فال تضر قدرتهم علىهذا وأما

مثل ذلك فان المالئكة انما تنزل على االنبياء ال تنزل على الس�حرة والكه�ان كم�ا أن الش�ياطين التت�نزل

على االنبياء والمالئكة ال تكذب على الله فاذا كانت اآلي��ات من أفع��ال المالئك��ة مث أخب��ارهم للن��بي عن

الله بالغيب ومثل نصرهم له على عدوه وإهالكهم له نصرا وهالكا خارجين عن العادة كما فعلته المالئك��ة

يوم بدر وغيره وكما فعلت بقوم لوط وكما فعلت بمريم والمسيح ونحو ذلك وكاتي�انهم لس�ليمان بع�رش

بلقيس فقد روي أن المالئكة جاءته به وهي أقدر من الجن لم يكن هذا خارجا عما اعتاده االنبياء بل ه��ذا

ليس لغير االنبياء فال يقال ان غير االنبياء اعتادوه فنقضت عادتهم بل هذا لم يعتده إال االنبياء وهو مناقض

لجنس عادات اآلدميين بمعنى انه ال يوجد فيما

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،115.

اعتاده بنو آدم في جميع األص�ناف غ�ير االنبي�اء كم�ا اعت�ادوا العج�ائب من الس�حر والكهان�ة والص�ناعات

العجيبة وما يس�تعينون علي�ه ب�الجن واالنس والق�وى الطبيعي�ة مث�ل الطالس�م وغيره�ا فك�ل ه�ذا معت�اد

معروف لغير االنبياء وهؤالء جعلوا الطالسم من جنس المعجزات وقالوا لو أتى بها نبي لكانت آية له واذا

أتى بها من لم يدع النبوة جاز وان ادعاها كاذب سلبه الله علمها أو قيض له من يعارضه وهذا قول ق��بيح

فانه لو جعل شيء من معجزات االنبي��اء وآي��اتهم من جنس م��ا ي��أتي ب��ه س��احر أو ك��اهن أو مطلس��م أو

مخدوم من الجن الستوى الجنسان ولم يكن فرق بين األنبياء وبين هؤالء ولم يتميز بذلك النبي من غ��يره

وهذا مما عظم غلط هؤالء فيه فلم يعرفوا خصائص النبي وخصائص آياته كم��ا أن المتفلس��فة أبع��د منهم

عن االيمان فجعلوا للنبوة ثالث خصائص حصول العلم بال تعلم وق��وة نفس��ه الم��ؤثرة في هي��ولي الع��الم

وتخيل السمع والبصر وهذه الثالثة توجد لكثير من عوام الن��اس ولم يفرق��وا بين الن��بي والس��احر إال ب��أن

هذا بر وهذا فاجر والقاضي أبو بكر وأمثاله يجعلون هذا الفرق س��معيا والف��رق ال��ذي ال ب��د من��ه عن��دهم

االستدالل به��ا والتح�دي بالمث��ل وك�ل من ه�ؤالء وه�ؤالء أدخل��وا م�ع االنبي��اء من ليس بن��بي ولم يعرف�وا

خصائص االنبياء وال خصائص آياتهم فلزمهم جعل من ليس بنبي نبيا أو جعل النبي ليس بن��بي اذ ك��ان م��ا

ذكروه في النبوة مشتركا بين االنبياء وغيرهم فمن ظن أنه يكون لغير االنبياء ق�دح في االنبي�اء أن يك�ون

هذا هو دليلهم بوجود مثل ما جاءوا به لغ��ير الن��بي ومن ظن أن��ه ال يك��ون إال لن��بي إذا رأى من فعل��ه من

متنبئ كاذب وساحر وكاهن ظن أنه نبي وااليمان بالنبوة أصل النجاة والسعادة فمن لم يحقق هذا الب��اب

اضطرب عليه باب الهدى والضالل وااليمان والكفر ولم يميز بين الخطأ والصواب ولما كان الذين اتبع��وا

هؤالء وهؤالء من المتأخرين مثل أبي حامد والرازي واآلمدي وأمثالهم هذا ونحوه مبل�غ علمهم ب�النبوة لم

يكن لها في قلوبهم من العظمة ما يجب لها فال يستدلون به��ا على االم��ور العلمي��ة الخبري��ة وهي خاص��ة

النبي وهو االخبار عن الغيب واالنباء به فال

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،116.

يستدلون بكالم الله ورسوله على اإلنباء بالغيب ال��تي يقط��ع به��ا ب��ل عم��دتهم م��ا يدعون��ه من العقلي��ات

المتناقضة ولهذا يقرون بالحيرة في آخر عمرهم كما قال الرازي % نهاية إقدام العقول عق��ال % وأك��ثر

سعي العالمين ضالل % % وأرواحن��ا في وحش��ة من جس��ومنا % وحاص��ل دنيان��ا أذى ووب��ال % % ولم

نس������تفد من بحثن������ا ط������ول عمرن������ا % س������وى أن جمعن������ا في������ه قي������ل وق������الوا %

لقد تأملت الط��رق الكالمي��ة والمن��اهج الفلس��فية فم��ا رأيته��ا تش��في عليال وال ت��روي غليال ورأيت أق��رب

اإلثبات في اقرأ القرآن طريقة الطيب  الطرق الكلم يصعد العرش  اليه على الرحمنشيء  واقرأ في النفي استوى كمثله علما  ليس به يحيطون ومن جرب مثل تجربتي عرفوال

مث�������������������������������������������������������������ل معرف�������������������������������������������������������������تي

أن آي�ات االنبي�اء مم�ا يعلم العقالء أنه�ا مختص�ة بهم ليس�ت مم�ا تك�ون لغ�يرهم) الوجه الحادي عشر (

فيعلمون أن الله لم يخلق مثلها لغير االنبياء وسواء في آياتهم التي كانت في حياة ق��ومهم وآي��اتهم ال��تي

Page 58: النبوات

فرق الله بها بين أتباعهم وبين مكذبيهم بنجاة هؤالء وهالك هؤالء ليست من جنس ما يوج��د في الع��ادات

المختلفة لغيرهم وذلك مثل تغريق الله لجميع أهل األرض إال لنوح ومن ركب معه في الس��فينة فه��ذا لم

يكن قط في العالم نظيره وك�ذلك إهالك ق�وم ع�اد إرم ذات العم�اد ال�تي لم يخل�ق مثله�ا في البالد م�ع

كثرتهم وقوتهم وعظم عماراتهم التي لم يخلق مثله�ا في البالد ثم أهلك�وا ب�ريح صرص�ر عاتي�ة مس�خرة

سبع ليال وثمانية أيام حسوما حتى صاروا كلهم كأنهم أعجاز نخل خاوي��ة ونج��ا ه��ود ومن اتبع��ه فه��ذا لم

يوجد نظيره في العالم وكذلك قوم صالح أصحاب مدائن ومساكن في الس��هل والجب��ل وبس��اتين أهلك��وا

كلهم بصيحة واحدة فهذا لم يوجد نظيره في العالم وكذلك قوم لوط أصحاب م��دائن متع��ددة رفعت الى

السماء ثم قلبت بهم وأتبعوا بحج�ارة من الس��ماء تتب��ع ش�اذهم ونج�ا ل��وط وأهل��ه إال امرأت�ه أص�ابها م�ا

أصابهم فهذا لم يوجد نظيره في العالم وكذلك قوم فرعون وموسى جمعان

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،117.

عظيمان ينفرق لهم البحر كل فرق كالطود العظيم فيسلك هؤالء ويخرجون سالمين فاذا سلك اآلخ��رون

انطبق عليهم الماء فهذا لم يوجد نظ�يره في الع�الم فه�ذه آي�ات تع�رف العقالء عموم�ا أنه�ا ليس�ت من

جنس ما يموت به بنو آدم وقد يحصل لبعض الناس طاعون ولبعضهم جدب ونحو ذلك وه��ذا مم��ا اعت��اده

الناس وهو من آيات الله من وجه آخر بل كل حادث من آيات الله تع��الى ولكن ه��ذه اآلي��ات ليس��ت من

جنس ما اعتيد وكذلك الكعبة فانها بيت من حجارة بواد غير ذي زرع ليس عن��دها أح��د يحفظه��ا من ع��دو

وال عندها بساتين وأمور يرغب الناس فيه�ا فليس عن�دها رغب�ة وال رهب�ة وم�ع ه�ذا فق�د حفظه�ا بالهيب�ة

والعظمة فكل من يأتيها يأتيها خاضعا ذليال متواضعا في غاي��ة التواض��ع وجع��ل فيه��ا من الرغب��ة أن يأتيه��ا

الناس من أقطار االرض محبة وشوقا من غير باعث دنيوي وهي على هذه الحال من أل��وف من الس��نين

وهذا مما ال يعرف في العالم لبنية غيرها والملوك ينبون القصور العظيمة فتبقى م�دة ثم ته��دم ال ي�رغب

أحد في بنائها وال يرهبون من خرابها وك�ذلك م�ا ب�ني للعب��ادات ق�د تتغ��ير حال��ه عى ط�ول الزم�ان وق�د

يستولي العدو عليه كما استولى على بيت المقدس والكعب��ة له��ا خاص��ة ليس��ت لغيره��ا وه��ذا مم��ا ح��ير

الفالسفة ونحوهم فانهم يظنون أن المؤثر في هذا العالم هو حركات الفلك وأن ما ب��ني وبقي فق��د ب��ني

بطالع سعيد فحاروا في طالع الكعب�ة اذ لم يج�دوا في االش�كال الفلكي�ة م�ا ي�وجب مث�ل ه�ذه الس�عادة

والفرح والعظمة والدوام والقهر والغلبة وكذلك ما فعل الل��ه بأص��حاب الفي��ل لم��ا قص��دوا تخريبه��ا ق��ال

عليهم  تعالى وأرسل تضليل في كيدهم يجعل ألم الفيل بأصحاب ربك فعل كيف تر ألممأكول كعصف فجعلهم سجيل من بحجارة ترميهم أبابيل قصدها جيش عظيم ومعهمطيرا

الفيل فهرب أهلها منهم فبرك الفيل وامتنع من المسير الى جهتها واذا وجه��وه الى غ��ير جهته��ا توج��ه ثم

جاءهم من البحر طير أبابيل أي جماعات في تفرقة فوجا بع��د ف��وج رم��وا عليهم حص��ى هلك��وا ب��ه كلهم

فهذا مما لم يوجد نظيره في العالم فآيات االنبياء هي أدلة وبراهين على صدقهم والدليل يجب أن يك��ون

مختصا بالمدلول عليه ال يوجد

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،118.

مع عدمه ال يتحقق الدليل إال مع تحقق المدلول كما أن الحادث ال بد له من محدث فيمتن�ع وج�ود ح�ادث

بال محدث وال يكون المحدث إال قادرا فيمتنع وجود االحداث من غير ق��ادر والفع��ل ال يك��ون اال من ع��الم

ونحو ذلك فكذلك ما دل على صدق النبي يمتنع وجوده إال مع كون النبي صادقا ولم يجعلوا آي��ات االنبي��اء

تدل داللة عقلية مستلزمة للمدلول وال تدل بجنسها ونفسها بل قال بعضهم ق��د ت��دل وق��د ال ت��دل وق��ال

آخرون تدل مع الدعوى وال تدل مع ع��دم ال��دعوى وه��ذا يبط��ل كونه��ا دليال وآخ��رون أرادوا تحقي��ق ذل��ك

فقالوا تدل داللة وضعية من جنس داللة اللفظ على م�راد المتكلم ت�دل إن قص�د الدالل��ة وال ت�دل ب�دون

ذلك فهي تدل مع الوضع دون غيره فيقال لهم وما يدل على قصد المتكلم ه��و أيض��ا دلي��ل مط��رد يمتن��ع

وجوده بدون المدلول وداللته تعلم بالعق��ل فجمي��ع االدل��ة تعلم بالعق��ل داللته��ا على الم��دلول ف��ان ذل��ك

اللفظ إنما يدل اذا علم أن المتكلم أراد به هذا المعنى وهذا قد يعلم ض�رورة وق�د يعلم نظ��را فق�د يعلم

قصد المتكلم بالضرورة كما يعلم أحوال االنسان بالض��رورة فيف��رق بين حم��رة الخج��ل وص��فرة الوج��ل

وبين حمرة المحموم وصفرة المريض بالضرورة وقد يعلم نظرا واستدالال كما يعلم أن عادته إذا قال كذا

أن يريد كذا وانه ال ينقض عادته إال اذا بين ما يدل على انتقاضها فيعلم هذا كما يعلم سائر العاديات مث��ل

Page 59: النبوات

طلوع الشمس كل يوم والهالل كل شهر وارتفاع الشمس في الصيف وانخفاض��ها في الش��تاء ومن ه��ذا

تعالى قال مكذبهم وبين وأتباعهم االنبياء بين الفرق في الله سنن  سنة قبلكم من خلت قدالمكذبين عاقبة كان كيف فانظروا األرض في سنة  وقال تعالى فسيروا إال ينظرون فهل

تحويال الله لسنة تجد ولن تبديال الله لسنة تجد فلن في  وقال تعالى االولين يسيروا أفلمولكن االبصار تعمى ال فانها بها يسمعون آذان أو بها يعقلون قلوب لهم فتكون االرض

الصدور في التي القلوب تعالى تعمى منهم  وقال أشد هم قرن من قبلهم أهلكنا وكمالقى أو قلب له كان لمن لذكرى ذلك في ان محيص من هل البالد في فنقبوا بطشا

شهيد وهو فان هذه العجائب واآليات التي لالنبياء السمع

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،119.

تارة تعلم بمجرد االخبار المتواترة وان لم نشاهد شيئا من آثارها وتارة تشاهد بالعيان آثاره��ا الدال��ة على

مساكنهم  ما حدث كما قال تعالى من لكم تبين وقد وثمودا بيوتهم  وقال تعالى وعادا فتلكظلموا بما تعالى خاوية تعقلون  وقال أفال وبالليل مصبحين عليهم لتمرون وقالوإنكم

وان  تعالى للمؤمنين ألية ذلك في ان مقيم لبسبيل وانها للمتوسمين آليات ذلك في انمبين لبامام وانهما منهم فانتقمنا لظالمين األيكة أصحاب أي لبطريق موضح متبين لمنكان

مر به آثارهم وهذا االخبار كانت منتشرة متواترة في العالم وقد علم الن��اس أنه��ا آي��ات لالنبي��اء وعقوب��ة

فرعون آل مؤمن قال كما لالعتبار نظائرها عند يذكرونها كانوا لهذا أخاف  لمكذبيهم إني قوم ياظلما يريد الله وما بعدهم من والذين وثمود وعاد نوح قوم دأب مثل اآلخرة يوم مثل

أو  وقال شعيب للعباد نوح قوم أصاب ما مثل يصيبكم أن شقاقي يجرمنكم ال قوم وياببعيد منكم لوط قوم وما صالح قوم أو هود والقرآن آيته باقية على طول الزمان من حينقوم

صادقين  جاء به الرسول تتلى آيات التحدي به ويتلى قوله كانوا ان مثله بحديث فأتوا  فليأتوامثله سور مثله  و بعشر من أن  ويتلى قوله بسورة على والجن االنس اجتمعت لئن قل

ظهيرا لبعض بعضهم كان ولو بمثله يأتون ال القرآن هذا بمثل فنفس إخبار الرسول بهذايأتوا

في أول االمر وقطعه بذلك مع علمه بكثرة الخلق دليل على أنه كان خارق��ا يعج��ز الثقلين عن معارض��ته

وهذا ال يكون لغير االنبياء ثم مع طول الزمان قد سمعه الموافق والمخ��الف والع��رب والعجم وليس في

االمم من أظهر كتابا يقرأه الناس وقال انه مثله وهذا يعرفه كل أح��د وم��ا من كالم تكلم ب��ه الن��اس وان

كان في أعلى طبقات الكالم لفظا ومعنى إال وقد قال الناس نظيره وما يشبهه ويقاربه سواء كان ش��عرا

أو خطابة أو كالما في العلوم والحكمة واالستدالل والوعظ والرسائل وغير ذلك وما وجد من ذل�ك ش�يء

إال ووجد ما يشبهه ويقاربه والقرآن مما يعلم الناس عربهم وعجمهم أنه لم يوجد

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،120.

له نظير مع حرص العرب وغير العرب على معارضته فلفظه آية ونظمه آية وإخباره بالغيوب آي��ة وأم��ره

ونهيه آية ووعده ووعيده آية وجاللته وعظمته وسلطانه على القلوب آي�ة واذا ت�رجم بغ��ير الع��ربي ك�انت

معانيه آية كل ذلك ال يوجد له نظير في العالم واذا قيل إن التوراة واإلنجيل والزب��ور لم يوج��د له��ا نظ��ير

أيضا لم يضرنا ذلك فإنا قلنا إن آيات االنبياء ال تكون لغيرهم وان كانت لجنس االنبياء كاإلخبار بغيب الل��ه

فهذه آية يشتركون فيها وكذلك إحياء الموتى قد كان آية لغير واحد من االنبياء غير المسيح كما كان ذلك

لموسى وغيره وليس المقصود هنا ذكر تفض��يل بعض االنبي��اء على بعض ب��ل المقص��ود أن جنس االنبي��اء

متم��يزون عن غ��يرهم باآلي��ات وال��دالئل الدال��ة على ص��دقهم ال��تي يعلم العقالء أنه��ا لم توج��د لغ��يرهم

فيعلمون أنها ليست لغيرهم العادة وال خرق عادة بل اذا عبر عنها بأنها خ��رق ع��ادة وبأنه��ا من العج��ائب

فاألمر العجيب هو الخارج عن نظائره وخارق العادة ما خرج عن االمر المعتاد فالمراد بذلك أنه��ا خارج��ة

عن االمر المعتاد لغير االنبياء وأنها من العجائب الخارجة عن النظائر فال يوجد نظيره��ا لغ��ير األنبي��اء واذا

وجد نظيرها سواء كان أعظم منها أو دونها لنبي فذلك توكيد له��ا أنه��ا من خص��ائص االنبي��اء ف��ان االنبي��اء

يصدق بعضهم بعضا فآية كل نبي لجميع االنبياء كما أن آيات أتباعهم آيات لهم أيضا وه�ذا أيض�ا من آي�ات

االنبي��اء وه��و تص��ديق بعض��هم لبعض فال يوج��د من أص��حاب الخ��وارق العجيب��ة ال��تي تك��ون بغ��ير االنبي��اء

كالسحرة والكهنة واهل الطبائع والصناعات اال من يخالف بعضهم بعضا فيما يدعو اليه ويأمر ب��ه ويع��ادي

Page 60: النبوات

بعضهم بعضا وكذلك أتباعهم اذا كانوا من أهل االس��تقامة فم��ا أتى ب��ه االول من اآلي��ات فه��و دلي��ل على

نبوته ونبوة من يبشر به وما أتى به الثاني فهو دليل على نبوته ونبوة من يصدقه ممن تقدم فم��ا أتى ب��ه

موسى والمسيح وغيرهما من اآليات فهي آيات لنبوة محمد إلخبارهم بنبوت�ه فك�ان ه�ذا الخ�بر مم�ا دلت

آياتهم على صدقه وما أتى به محمد من اآليات فهو دليل على إثبات جنس االنبياء مطلقا وعلى نبوة ك��ل

من سمي في القرآن خصوصا اذا كان هذا مما أخبر به

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،121.

محمد صلى الله عليه وسلم عن الله ودلت على صدقه فيما يخبر به عن الله وحينئذ فاذا قدر أن التوراة

أو االنجيل أو الزبور معجز لما فيه من العلوم واإلخبار عن الغيوب واالمر والنهي ونحو ذلك لم ين��ازع في

ذلك بل هذا دليل على نبوتهم ص�لوات الل�ه عليهم وعلى نب�وة من أخ�بروا بنبوت�ه ومن ق�ال إنه�ا ليس�ت

بمعجزة فان أراد ليست معجزة من جهة اللفظ والنظم كالقرآن فه��ذا ممكن وه��ذا يرج��ع في��ه الى أه��ل

اللغة العبرانية وأما ك�ون الت�وراة معج�زة من حيث المع�اني لم�ا فيه�ا من اإلخب�ار عن الغي�وب أو األم�ر

والنهي فهذا ال ريب فيه ومما يدل على أن كتب االنبياء معجزة ان فيه�ا اإلخب�ار بنب�وة محم�د ص�لى الل�ه

عليه وسلم قبل أن يبعث بمدة طويلة وهذا ال يمكن علم��ه ب��دون إعالم الل��ه لهم وه��ذا بخالف من أخ��بر

بنبوته من الكهان والهواتف فان هذا إنما كان عند قرب مبعثه لما ظهرت دالئل ذلك واس��ترقته الجن من

المالئكة فتحدثت به وسمعته الجن من أتباع االنبياء فالنبي الثاني اذا ك��ان ق��د أخ��بر بم��ا ه��و موج��ود في

كتاب النبي االول وقد وصل اليه من جهته لم يكن آية له فان العلم��اء يش��اركونه في ه��ذا وأم��ا اذا أخ��بر

بقدر زائد لم يوجد في خبر األول او كان ممن لم يصل إليه خبر نبي غيره كان ذلك آية له كما يوج��د في

نبوة أشعيا وداود وغيرهما من صفات النبي ماال يوجد مثل�ه في ت�وراة موس�ى فه�ذه الكتب معج�زة لم�ا

فيها من أخبار الغيب الذي ال يعلمه إال نبي وكذلك فيها من االمر والنهي والوعد والوعيد ما ال يأتي ب��ه إال

نبي أو تابع نبي وما أتى أتباع االنبياء من جهة كونهم أتباعا لهم مثل أمرهم بما أمروا به ونهيهم عما نه��وا

عنه ووعدهم بما وعدوا به ووعيدهم بما يوعدون به فانه من خصائص االنبياء والكذاب الم��دعي للنب��وة ال

يأمر بجميع ما أمرت به االنبياء وينهى عن كل ما نهوا عنه ف��ان ذل��ك يفس��د مقص��وده وه��و ك��اذب ف��اجر

شيطان من أعظم شياطين االنس والذي يعينه على ذلك من أعظم ش�ياطين الجن وه�ؤالء ال يتص�ور أن

يأمروا بما أمرت به االنبياء وينهوا عما نهوا عنه ألن ذلك ين��اقض مقص��ودهم ب��ل وان أم��روا ب��البغض في

ابتداء االمر من يخدعونه ويربطونه فال بد أن يناقضوا فيأمروا بما نهت عنه االنبياء وال يوجبوا ما أمرت به

االنبياء كما جرى مثل ذلك لمن ادعى النبوة من الكذابين ولمن أظهر موافقة االنبياء وهو في

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،122.

الباطن من المن��افقين كالمالح��دة الباطني��ة ال��ذين يظه��رون االس��الم والتش��يع ابت��داء ثم إنهم يس��تحلون

الشرك والفواحش والظلم ويسقطون الصالة والصيام وغ��ير ذل��ك مم��ا ج��اءت ب��ه الش��ريعة فمن أظه��ر

خالف ما أبطن وكان مطاعا في الناس فال بد أن يظهر من باطنه ما يناقض ما أظهره فكي��ف بمن ادعى

النبوة وأظهر انه صادق على الله وهو في الباطن كاذب على الله بل من أظهر خالف ما أبطن من آح��اد

الناس يظهر حاله لمن خبره في مدة فان الجسد مطيع للقلب والقلب ه��و المل��ك الم��دبر ل��ه كم��ا ق��ال

صلى الله عليه وسلم أال ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح لها سائر الجس��د واذا فس��دت فس��د له��ا

سائر الجسد أال وهي القلب فاذا كان القلب كاذب��ا على الل��ه ف��اجرا ك��ان ذل��ك أعظم الفس��اد فال ب��د أن

يظهر الفساد على الجوارح وذلك الفساد يناقض ح�ال الص�ادق على الل��ه وق�د بس��ط ه�ذا في غ��ير ه�ذا

الموضع وذكر أن آيات االنبياء الدالة على صدقهم كثيرة متنوعة وان النبي الصادق خير الن��اس والك��اذب

على الله شر الناس وبينهما من الفروق ماال يحصيه إال الله فكيف يش��تبه ه��ذا به��ذا ب��ل له��ذا من دالئ��ل

صدقه ولهذا من دالئل كذبه ماال يمكن إحصاؤه وكل من خص دليل الص�دق بش��يء معين فق�د غل��ط ب�ل

آيات االنبياء هي من آيات الله الدالة على أمره ونهيه ووعده ووعيده وآي��ات الل��ه كث��يرة متنوع��ة كآي��ات

وجوده ووحدانيته وعلم�ه وقدرت�ه وحكمت��ه ورحمت��ه س�بحانه وتع��الى والق�رآن ممل��وء من تفص�يل آيات�ه

وتصريفها وضرب االمثال في ذلك وهو يسميها آيات وبراهين وق��د ذكرن��ا الف��رق بين اآلي��ات والمق��اييس

الكلي���������ة ال���������تي ال ت���������دل اال على أم���������ر كلي في غ���������ير ه���������ذا الموض���������ع

أن ما يأتي به الساحر والكاهن وأهل الطب��ائع والص��ناعات والحي��ل وك��ل من ليس) الوجه الثاني عشر (

Page 61: النبوات

من أتباع االنبياء ال يكون إال من مقدور االنس والجن فما يقدر عليه االنس من ذلك ه��و وأنواع��ه والحي��ل

فيه كثير وما يقدر عليه الجن هو من جنس مقدور االنس وإنما يختلف��ون في الطري��ق ف��ان الس��احر ق��د

يقدر على أن يقتل انسانا بالسحر أو يمرضه أويفسد عقله أو حسه وحركته وكالم��ه بحيث ال يج��امع أو ال

يمشي أو ال يتكلم ونحو ذلك وهذا كله مما يقدر االنس على مثله لكن بطرق

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،123.

أنا  أخرى والجن يطيرون في الهواء وعلى الماء ويحملون األجسام الثقيلة كما قال العفريت لسليمان مقامك من تقوم أن قبل به الحيوانآتيك من والجن االنس دون هو لمن يكون الجنس وهذا

كالطيور والحيتان واالنس يقدر على جنسه ولهذا لم يكن هذا الجنس آية لنبي لوجوده لغير االنبياء فكثير

من الناس تحمله الجن بل ش��ياطين الجن وتط��ير ب��ه في اله��واء وت��ذهب ب��ه الى مك��ان بعي��د كم��ا ك��ان

العفريت يحم��ل ع��رش بلقيس من اليمن الى مك��ان بعي��د ونحن نع��رف من ه��ؤالء ع��ددا كث��يرا وليس��وا

صالحين بل فيهم كفار ومنافقون وفساق وجهال ال يعرفون الشريعة والشياطين تحملهم وتط��ير بهم من

مكان الى مكان وتحملهم الى عرفات فيشهدون عرفات من غير إحرام وال تلبية وال طواف بالبيت وه��ذا

الفعل حرام والجهال يحسبون أنه من كرامات الصالحين فتفعله الجن بمن يحب ذلك مكرا به وخديعة أو

خدمة لمن يستخدمهم من هؤالء الجهال بالشريعة وان كان له زهد وعبادة وكذلك الجن كث��يرا م��ا ي��أتون

الناس بما يأخذونه من أموال الناس من طعام وشراب ونفقة وماء وغير ذلك وهو من جنس م��ا يس��رقه

االنسي ويأتي به الى االنسي لكن الجن تأتي بالطعام والشراب في مكان العدم ولهذا لم يكن مث��ل ه��ذا

آية لنبي وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع ي�ده في الم�اء فينب�ع الم�اء من بين أص�ابعه وه�ذا ال

يقدر عليه ال إنس وال جن وكذلك الطعام القليل يصير كثيرا وهذا ال يقدر عليه ال الجن وال االنس ولم يأت

النبي صلى الله عليه وسلم قط بطعام من الغيب وال شراب وإنما كان هذا قد يحصل لبعض أصحابه كما

أتى خبيب بن عدي وهو أسير بمكة بقطف من عنب وهذا الجنس ليس من خصائص االنبياء ومريم عليها

السالم لم تكن نبية وكانت تؤتى بطعام فان هذا قد يكون من حالل فيكون كرامة يأتي به إما مل��ك وإم��ا

جني مسلم وقد يكون حراما فليس كل ما كان من آيات االنبياء يكون كرامة للص��الحين وه��ؤالء يس��وون

بين هذا وهذا ويقولون الفرق هو دعوى النبوة والتحدي بالمثل وه�ذا غل��ط ف�ان آي�ات االنبي��اء ال��تي دلت

على نبوتهم هي أعلى مما يشتركون فيه هم وأتباعهم مثل االتيان بالقرآن ومثل اإلخب��ار ب��أحوال االنبي��اء

المتقدمين وأممهم واإلخبار بما يكون يوم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،124.

القيامة وأشراط الساعة ومثل إخراج الناق��ة من األرض ومث��ل قلب العص��ا حي��ة وش��ق البح��ر ومث��ل أن

يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيك�ون ط�يرا ب�إذن الل�ه وتس�خير الجن لس�ليمان لم يكن مثل�ه

لغيره لكن من الجن المؤمنين من يعاون المؤمنين ومن الجن الفساق والكف�ار من يع�اون الفس�اق كم�ا

يعاون االنس بعضهم بعضا فإما طاعة مثل طاعة سليمان فهذا لم يكن لغير سليمان ومحم��د ص��لى الل��ه

عليه وسلم أعطي أفضل مما أعطي سليمان فانه أرسل الى الجن وأمروا أن يؤمن��وا ب��ه ويطيع��وه فه��و

يدعوهم الى عبادة الله وطاعته ال يأمرهم بخدمته وقضاء حوائجه كما كان س��ليمان ي��أمرهم وال يقه��رهم

باليد كما كان سليمان يقهرهم بل يفعل فيهم كما يفعل في االنس فيجاه�دهم الجن المؤمن�ون ويقيم�ون

الحدود على منافقيهم فيتصرف فيهم تصرف العبد الرس�ول ال تص�رف الن��بي المل��ك كم�ا ك�ان س�ليمان

يتصرف فيهم والصالحون من أمته المتبعون له يتبعون��ه فيم��ا ك��ان ي��أمر ب��ه االنس والجن وآخ��رون دون

هؤالء قد يستخدمون بعض الجن في مباحات كما قد يستخدمون بعض االنس وقد يكون ذلك مم��ا ينقص

دينهم ال سيما ان كان بسبب غير مباح وآخرون ش��ر من ه��ؤالء يس��تخدمون الجن في أم��ور محرم��ة من

الظلم والفواحش فيقتلون نفوسا بغير حق ويعينونهم على ما يطلبون�ه من الفاحش�ة كم�ا يحض�رون لهم

امرأة أو صبيا أو يجذبونه اليه وآخرون يستخدمونهم في الكفر فهذه االمور ليست من كرامات الصالحين

فان كرامات الصالحين هو ما كان سببه االيم�ان والتق�وى ال م�ا ك�ان س�ببه الكف�ر والفس��وق والعص�يان

وأيضا فالصالحون سابقوهم ال يستخدمونهم إال في طاعة الله ورسوله ومن هو دون هؤالء ال يس��تخدمهم

إال في مباح وأما استخدامهم في المحرمات فهو حرام وان كانوا إنما خدموه لطاعت��ه لل��ه كم��ا ل��و خ��دم

االنس رجال صالحا لطاعته لل��ه ثم اس�تخدمهم فيم�ا ال يج�وز فه��ذا بمنزل��ة من أنعم علي��ه بطاعت��ه نعم�ة

Page 62: النبوات

فصرفها الى معصية الله فهو آثم بذلك وكثير من هؤالء يسلب تلك النعمة ثم قد يس��لب الطاع��ة فيص��ير

فاسقا ومنهم من يرتد عن دين االسالم فطاعة الجن لالنسان ليست أعظم من طاع��ة االنس ب��ل االنس

أجل وأعظم وأفضل وطاعتهم أنفع واذا كان المطاع من االنس قد يطاع في طاعة الله فيك��ون محم��ودا

مثابا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،125.

وقد يطاع في معصية الله فيكون مذموما آثما فكذلك المطاع من الجن الذي يطيعه الناس والمطاع من

االنس قد يكون مطاعا لصالحه ودينه وقد يكون مطاعا لملكه وقوته وقد يكون مطاعا لنفعه لمن يخدمه

بالمعاوضة فكذلك المطاع من الجن قد يطاع لقول وملك محمود أو م��ذموم ثم المل��ك اذا س��ار بالع��دل

حمد وإن سار بالظلم فعاقبته مذمومة وق��د يهلك��ه أعوان��ه فك��ذلك المط��اع من لجن اذا ظلمهم أو ظلم

االنس بهم أو بغيرهم كانت عاقبته مذمومة وقد تقتله الجن أو تسلط عليه من االنس من يقتله وكل ه�ذا

واقع نعرف من ذلك من الوقائع ما يطول وصفه كما نعرف من ذلك من وق��ائع االنس م��ا يط��ول وص��فه

وليس آيات االنبياء في شيء من هذا الجنس ونبينا صلى الله علي��ه وس��لم لم��ا أس��ري ب��ه من المس��جد

الحرام الى المسجد االقصى إنما أسري به ليرى من آيات ربه الكبرى وهذا هو ال��ذي ك��ان من خصائص��ه

سدرة  أن مسراه كان هذا كما قال تعالى عند أخرى نزلة رآه ولقد يرى ما على أفتمارونهالمأوى جنة عندها للناس  وقال تعالى المنتهى فتنة اال أريناك التي الرؤيا جعلنا قالوما

ابن عباس هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم ليل��ة اس��ري ب��ه فه��ذا ال��ذي ك��ان من

خصائصه ومن أعالم نبوته وأما مجرد قطع تلك المسافة فهذا يكون لمن تحمله الجن وقد قال العف��ريت

مقامك  لسليمان تقوم أن قبل به آتيك وحمل العرش من القصر من اليمن الى الشام أبلغ منأنا

طرفك  ذلك اليك يرتد أن قبل به آتيك أنا الكتاب من علم عنده الذي فهذا أبلغ منوقال

قطع المسافة التي بين المسجدين في ليلة ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضل من الذي عنده علم من

الكتاب ومن سليمان فكأن الذي خصه الله به أفضل من ذلك وهو أنه أسري به في ليلة ليري��ه من آيات��ه

عندها  فالخاصة ان اإلسراء كان ليريه من آياته الكبرى كما المنتهى سدرة عند أخرى نزلة رآهطغى وما البصر زاغ ما يغشى ما السدرة يغشى اذ المأوى الجنة مثله حصل ما فهذا

لسليمان وال لغيره والجن وان قدروا على حم��ل بعض الن��اس في اله��واء فال يق��درون على إص��عاده الى

السماء واراءته آيات ربه الكبرى فكان ما آتاه الله محمدا خارجا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،126.

عن قدرة الجن واالنس وانما كان الذي صحبه في معراج��ه جبري��ل ال��ذي اص��طفاه الل��ه لرس��الته والل��ه

يصطفي من المالئكة رسال ومن الناس وكان المقصود من اإلسراء أن يريه م��ا رآه من آيات��ه الك��برى ثم

يخبر به الناس فلما أخبر به كذب به من كذب من المشركين وصدق ب��ه الص��ديق وأمثال��ه من المؤم��نين

للناس  فكان ذلك ابتالء ومحنة للناس كما قال فتنة إال أريناك التي الرؤيا جعلنا أي محنةوما

وابتالء للناس ليتميز المؤمن عن الكافر وكان فيما أخبرهم به أنه رأى الجنة والنار وهذا مما يخ��وفهم ب��ه

تعالى كبيرا  قال طغيانا إال يزيدهم فما فيونخوفهم كذبوه رآه بما أخبرهم لما والرسول

اإلسراء وأنكروا أن يكون أسري به الى المسجد االقصى فلما سألوه عن صفته فوصفه لهم وق��د علم��وا

أنه لم يره قبل ذلك وصدقه من رآه منهم كان ذلك دليال على صدقه في المس��رى فلم يمكنهم م��ع ذل��ك

تكذيبه فيما لم يروه وأخبر الله تعالى بالمسرى الى المسجد االقصى ألنهم قد علموا صدقه في ذلك بما

أخبرهم به من عالماته فال يمكنهم تكذيبه في ذلك وذكر أنه رأى من آيات رب��ه الك��برى ولم يعين م��ا رآه

وهو جبريل الذي رآه في صورته التي خلق عليها مرتين ألن رؤية جبريل هي من تم�ام نبوت�ه ومم�ا ي�بين

كريم  ان الذي أتاه بالقرآن ملك ال شيطان كما قال في سورة إذا الشمس كورت رسول لقول انهأمين ثم مطاع مكين العرش ذي عند قوة قال ذي رآه  ثم ولقد بمجنون صاحبكم وما

هو إن تذهبون فأين رجيم شيطان بقول هو وما بضنين الغيب على هو وما المبين باالفقللعالمين ذكر إال

ومما يبين ضعف طريقة هؤالء أنهم قالوا المعجزات ال تدل بجنسها على النبوة ب��ل يوج��د مث��ل) فصل (

المعجز من كل وجه وال يدل على النبوة كأشراط الساعة وكما يوج�د للس�حرة والكه�ان والص�الحين من

Page 63: النبوات

الخوارق التي تماثل آيات االنبياء فيم��ا زعم��ه ه��ؤالء ق��الوا لكن الف��رق أن ه��ذا ي��دعي النب��وة ويحتج به��ا

ويتحداهم بالمثل فال يقدر أحد على معارضته وأولئك لو ادعوا النبوة لمنعهم الله منها وان كانوا قبل ذلك

غير ممنوعين منها أو لقيض لهم من يعارضهم ولو عارضوا بها نبيا لمنعهم الله إياها ليس��لم دلي��ل النب��وة

قالوا والمعجز انما يدل داللة وضعية بالجعل والقصد كداللة األلفاظ

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،127.

والعقد والخط والعالمات التي يجعلها الناس بينهم فيقال لهم ه�ذه األم�ور كله��ا انم�ا ت�دل إذا تق�دم علم

المدلول بها أن الدال جعلها عالمة كما يوكل الرجل وكيال ويجع��ل بين��ه وبين��ه عالم�ة إم��ا وض��ع ي��ده على

ترقوته وإما وضع خنصره وإما وضع يده على رأسه فمن جاء بهذه العالمة علم أن موكله أرسله فأم��ا إذا

لم يتقدم ذلك لم تكن داللة جعلية وضعية اصطالحية وآيات االنبياء لما لم تتقدم قبلها من الرب مواض��عة

بينه وبين العباد قالوا هي تشبه ما إذا قال الرج�ل لموكل�ه والرس�ول لمرس�له ان�ك أرس�لتني الى ه�ؤالء

القوم فان كنت أرسلتني فقم واقع��د ليعلم��وا ان��ك أرس��لتني ف��اذا ق��ام وقع��د عقب طلب الرس��ول علم

الحاضرون أنه قام وقعد ليعلمهم أنه رسوله وان كان بدون طلبه قد يقوم ويقعد ألمور أخرى فيق��ال لهم

هنا لما علم الحاضرون انتفاء داع يدعوه إال قصد التصديق علموا أنه قصد تصديقه ولهذا لو جوزوا قيام��ه

لحاجة عرضت أو لحية أو عقرب وقعت في ثيابه أو لغير ذلك لم يجعلوا ذلك دليال والسبر والتقسيم مم��ا

يعلم به الدليل وان لم يقصده الدليل حتى أن الرجل المش��هور إذا خ��رج في غ��ير وقت خروج��ه المعت��اد

فقد يعرف كثير من الناس الي شيء خرج لعلمهم بانتفاء غيره وأن خروجه له مناس��ب وان لم يكن هن��ا

أحد طلب االستدالل فخروج االنسان عن عادته قد يكون السباب فاذا اق��ترن بس��بب ص��الح وعلم انتف��اء

غيره علم أنه لذاك السبب وهذا إنما يكون ممن يفعل لداع ي�دعوه وال�رب تع�الى عن�دهم ال يفع�ل ل�داع

يدعوه فلزمهم إما إبطال أصلهم وإما إبطال هذه الداللة وايضا فيقال لهم بل الدليل دل لجنسه وهو هذا

الفعل الذي لم يفعل إال لهذا الطلب ومتى وجد هذا كان جنسه دليال وليست الدعوى جزءا من الدليل بل

طلب االعالم بهذا الفعل مع الفعل هو الدليل ولهذا لو قال فافعل م��ا ي��دل على ص��دقي وق��ام وقع��د لم

يدل على صدقه بخالف ما إذا قال فقم واقعد ولو قال فأظهر ما ي��دل على ص��دقي فال ب��د أن يظه��ر م��ا

يدل جنسه أنه دليل كقول أو خط أو غير ذلك أو خلعة تختص بمثل ذلك فف��رق بين أن يطلب فعال معين��ا

أو دليال مطلقا وهو إذا طلب فعال معينا كقيام أو وضع يد على ال��رأس أو ص�الة ركع��تين أو غ��ير ذل��ك من

األفعال دل على

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،128.

صدقه وان كان ذلك معتادا له أن يفعله فليس من شرط داللته أن يخرج عن عادته لكن شرط داللته أن

يعلم أنه فعله ألجل االعالم بحيث ال يكون هناك س�بب داع غ�ير األعالم وحينئ�ذ فه�و دال لجنس�ه وك�ذلك

يقال الرب إذا خرق العادة لمدعي الرسالة عقب مطالبت��ه بآي��ة علم أن الل��ه لم يخل��ق تل��ك األدل��ة على

صدقه فهذا يدل وهذا انما يتم مع كون الرب يفعل شيئا ألجل شيء آخ��ر وحينئ��ذ فق��د يك��ون من ش��رط

الدليل مطالبة الط�الب ب�دليل ال أن نفس ال��دعوى هي ج�زء ال��دليل وف�رق بين طلب�ه من ال��رب آي�ة أو

طلبهم منه آية وبين الدعوى فاظهار ما يظهره الرب عقب طلبهم أو طلبه قد يقال في��ه أن الطلب ج��زء

الدليل وأنه لو أظهره بدون الطلب لم يدل وأما نفس دعوى النبوة فليست جزءا وعلى هذا فاذا قدر أن��ه

يفعل ذلك عند طلبه أو طلب غيره آي��ة دل على ص��دقه لكن ه��ذا يك��ون إذا علم أن��ه لم يفعل��ه إال إلعالم

أولئك بصدقه وهذا ال يكون إال بأن يتميز جنس ما دل به عن غيره وال يجوز أن ي��دل م��ع وج��ود مثل��ه من

غير داللة بل متى قدر وجود مثله من غير داللة بطل كونه دليال ولو كانت الدعوى جزءا من الدليل لكانت

المعارضة ال تكون إال مع دعوى النبوة فلو أتوا بمثل الق��رآن من غ��ير دع��وى النب��وة لم يكون��وا عارض��وه

وهذا خالف ما في القرآن وخالف ما أجمع المسلمون بل العقالء والله أعلم وهم يسمون ما يكون بقصد

الدال كالكالم دليال وضعيا فاألقوال واألفعال التي يقصد بها الداللة كالعقد وما يجعله الرجل عالم��ة ونح��و

ذلك يسمونه دليال وضعيا ويسمون ما يدل مطلقا دليال عقليا واألجود أن يقال جميع األدل��ة عقلي��ة بمع��نى

أن العقل إذا تص��ورها علم أنه��ا ت��دل ف��ان ال��دليل ه��و م��ا يك��ون النظ��ر الص��حيح في��ه مفض��يا الى العلم

بالمدلول عليه وإنما يكون النظر الصحيح لمن يعقل داللة ال��دليل فمن لم يعق��ل ك��ون ال��دليل مس��تلزما

للمدلول لم يستدل به ومن عقل ذلك استدل به فهو ي�دل بص�فة ه�و في نفس�ه عليه�ا ال بص�فة هي في

Page 64: النبوات

المستدل لكن كونه عقليا يرجع إلى أن المستدل علمه بعقله وهذا صفة في المس��تدل ال في��ه أو األج��ود

أن يقال الدليل قد يدل بمجرده وقد يدل بقصد الدال على داللته فاالول ال يحت��اج الى قص��د الدالل��ة كم��ا

تقول النحاة أن األصوات تدل بالطبع وتدل بالوضع فالذي يدل بالطبع كالنحنحة

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،129.

والس��عال والبك��اء ونح��و ذل��ك من االص��وات وه��ذا ليس كالم��ا وحينئ��ذ فم��ا ي��دل بقص��د ال��دال أح��ق

بالداللةوداللته أكمل ولهذا كانت داللة الكالم على مقص��ود المتكلم وهي دالل��ة س��معية أكم��ل من جمي��ع

أنواع األدلة على مراده وهو البيان الذي علمه الله االنسان وامتن بذلك على عباده فمنها ما يدل بمجرده

ومنها ما يدل بقصد الدال فاذا انضم اليه ما يعرف أنه قص�د الدالل��ة دل فال��دليل هن�ا في الحقيق�ة قص�د

الدال للداللة وهي داللة ال تنتقض اذا لم يجوز عليه الكذب وإنما الذي دل ب�ه على قص�ده ه�و دل بجعل�ه

دليال لم يدل بمجرده فهو دليل باالختيار ال بمجرده فاالقوال واالفعال التي يقصد بها الدالل��ة ت��دل باختي��ار

الدال بها ال بمجردها وداللتها تعلم بالعقل وقد تفتقر من العقل الى أكثر مما يفتق��ر الي��ه العقلي المج��رد

النها تحتاج الى أن يعلم قصد الدال ولكن ما يحصل بها من الداللة أوضح وأك�ثر ك�الكالم وعلى ه�ذا ف�اذا

أريد تقسيمها الى عقلي ووضعي أي الى عقلي مجرد والى وضعي يحتاج مع العقل الى قص��د من ال��دال

فهو تقسيم صحيح فدال يعلم بمجرد العقل وهذا ال يحتاج مع العقل إلى السمع أو غيره وحينئذ فاذا قي��ل

في السمعيات انها ليست عقلية أي ال يكفي فيها مجرد العقل بل ال بد من انض�مام الس�مع الي�ه وك�ذلك

ذكر الرازي وغيره أن السمع المحض ال يدل ال بد من العقل وه�ذا ص�حيح ف�ان العق�ل ش�رط في جمي�ع

العلوم التي تختص بالعقالء والله أعلم ومما يلزم أولئك ان ما كان يظهر على يد النبي ص��لى الل��ه علي��ه

وسلم في كل وقت من االوقات ليس دليال على نبوته ألن��ه لم يكن كلم��ا ظه��ر ش��يء من ذل��ك احتج ب��ه

وتحدى الناس باالتيان بمثله بل لم ينقل عنه التحدي إال في القرآن خاصة وال نقل التح��دي عن غ��يره من

االنبياء مثل موسى والمسيح وصالح ولكن السحرة لم��ا عارض��وا موس��ى أبط��ل معارض��تهم وه��ذا ال��ذي

قالوه يوجب أن ال تكون كرامات األولياء من جملة المعجزات وقد ذكر غير واحد من العلماء أن كرام��ات

االولياء معجزات لنبيهم وهي من آيات نبوته وهذا هو الص��واب كقص��ة أبي مس��لم الخ��والني وغ��يره مم��ا

جرى لهذه االمة من اآليات ومثل ما كان يظهر على أيدي الحواريين وعلى يد موسى وأتباع��ه ألن��ه جع��ل

التحدي بالمثل جزءا من دليله وآيته فال يكون دليال حتى يتح�داهم بالمث�ل ب�ل ق�د علم أن نفس اس�تدالل

المستدل

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،130.

بالدليل يوجب اختصاصه بالمدلول عليه وكل من أتى بآية هي دليل وبرهان وحجة فقد علم أنه يقول انها

مستلزمة للمدلول عليه ال يوجد مع عدمه فال يمكن أحدا أن يعارضها فيأتي بمثلها مع عدم المدلول عليه

وهؤالء جعلوا من جملة الدليل دعوى النبوة واالحتجاج به والتحدي بالمثل ثالث��ة أش��ياء وه��ذه الثالث��ة هي

أجزاء الدليل ودعوى النبوة هو الذي تقام عليه البينة والذي تقام عليه الحجة ليس ه��و ج��زءا من الحج��ة

والدعوى تسمى مدلوال عليها ونفس المدعي يسمى مدلوال علي��ه وثب��وت الم��دعي يس��مى م��دلوال علي��ه

والعلم بثبوته يسمى مدلوال عليه فهنا دعوى النبوة وهنا النبوة الم��دعاة قب��ل أن يعلم ثبوته��ا وهن��ا ثبوته��ا

في نفس االمر وهنا علم الناس بثبوتها وكذلك سائر الدعاوي فمن ادعى تحريم النبيذ المتنازع في��ه فهن��ا

دعواه التحريم ونفس التحريم هل هو ث�ابت أم منت�ف وثب�وت التح�ريم في نفس االم�ر والعلم ب�التحريم

وكذلك من أدعى حقا عند الحاكم فهنا دعواه الحق وهنا نفس المدعي وهو اس��تحقاقه ذل��ك الح��ق وهن��ا

ثبوت هذا االستحقاق في نفس االمر وهنا العلم باستحقاقه فالبينة والحجة يجب أن يقارن المدلول علي��ه

الذي هو المدعي وثبوته في نفس االمر سواء ادعاه مدع أو لم يدعه وسواء علمه عالم أو لم يعلمه فان

الدليل مستلزم لحرمة النبيد واستحقاق الحق وثبوت الحرمة في نفس االمر يستلزم للحرمة وأما مجرد

الحرمة المتصورة فليست مستلزمة لوجودها في نفس االمر بل ق�د يتص�ور في األذه�ان م�اال يوج�د في

االعي���������������������������������������������������������ان والل���������������������������������������������������������ه أعلم

وقد ذكر القاضي أبو بكر ان من المثبتة المجيزين للكرامات من أجاب عن حجة النفاة بأن قال) فصل (

Page 65: النبوات

األدلة على ضربين عقلية ووضعية فالعقلي يدل لنفسه وجنسه والوضعي يدل مع المواطأة وال يدل مثل��ه

مع عدمها كعقد العشرة وضعف أبو بكر هذا بأن قال لهم أن يقولوا إذا ك��انت المعج��زات تج��ري مج��رى

القول فحيث قصدت دلت وعنده أن األمر ليس كذلك قلت بل هذا القائل أحس��ن ألنه��ا ت��دل إذا قص��دت

بها الداللة مثل قيام األمر وقعوده إذا طلب ذلك منه ومثل العالمة التي تكون للشخص إذا جعله��ا عالم��ة

فحيث قصد الداللة به دل لكن الزم هذا أن ال يكون إال إذا طلب االستدالل بها النفس الدعوى ثم أنه ذكر

أن الخارق للعادة

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،131.

ال بد أن يكون خارقا لع��ادة جمي��ع المرس��ل اليهم ثم ج��وز أن يك��ون مم��ا اعت��اده كث��ير منهم بش��رط أن

يمنعهم عن المعارضة فيكون ذلك خرق عادة ثم قال في الكرامات ال يجوز أن تكثر حتى تصير عادة الن

من حق المعجز على قولنا وقولهم ان يكون خارقا للعادة فال تجوز إدامة ظه��وره فيص��ير ع��ادة ب��ل يق��ع

نادرا وقد جوزوا في السحر والكهانة أن يكون عادة لكن عند دعوى النبوة يمنعهم من المعارضة فك��انت

الكرامات أولى بذلك هي عادة للصالحين وإذا ادعى النبوة صادق منع من المعارضة فهذا اضطراب آخ��ر

وادعى اجماع األمة على أنها ال تظهر على فاس��ق ول��وال اإلجم��اع لج��وز ذل��ك الن��ه ال ينقض دلي��ل النب��وة

فصارت تدل على الوالية باإلجماع على أنها ال تظهر اال على ي��د ن��بي أو ولي فبه��ذا اإلجم��اع يعلم أن من

ظهرت على يده هو ولي لله إذا لم يدع النبوة وهذا تناقض من وجهين أحدهما أنهم قد قالوا إنه��ا ال ت��دل

على الوالية الن الولي من مات على االيمان وهذا غير معلوم الثاني أنه يقال اذا جوزت أن يظهر على يد

الساحر والكاهن ونحوهما من الكفار ما ه�و من جنس المعج�زات والكرام�ات وقلت يجب أن ال يس�تثنى

من السحر شيء ال يفعل عنده إال م��ا ورد اإلجم��اع والتوقي��ف على أن��ه ال يك��ون بض��رب من الس��حر وال

يفعل عنده كفلق البح�ر ونح�وه فيك��ون الف�رق بين الس��حر وغ��يره إنم�ا يعلم به��ذا اإلجم�اع ان ثبت واال

فعندك يجوز أن يظهر على يد الساحر كل ما يظهر على ي��د الن��بي إذا لم ي��دع النب��وة وال يحتج ب��ذلك إذا

ادعى النبوة وعارضه معارض بالمثل فكيف تقول مع هذا إن الخ��وارق ت��دل على الوالي��ة باإلجم��اع وانت

تجوز ظهورها على أيدي الكفار من السحرة والكهان فان قال السحر والكهانة كان��ا قب��ل الرس��ول فلم��ا

جاء بطال قيل أنت قد أثبت أن نفسه سحر بعد النبوة وان السحر كان على عهد الصحابة وقتلوا الس��احر

وذكرت اجماع الفقه��اء على أن الس��حر يك��ون من المس��لمين وأه��ل الكت��اب والس��احر ليس ب��ولي لل��ه

والسحر عندك هو من جنس الكرامات الجميع خارق للعادة لم يستدل ب��ه على النب��وة فكي��ف تق��ول م��ع

هذا إن الخوارق ال تكون إال لنبي أو ولي وأنت أثبتها للكفار وهذا كل��ه من جه��ة أن��ه أخ��ذ جنس الخ��وارق

مشتركا فجوز أن يكون للنبي وغير النبي مع قوله ان الخارق ال بد أن يكون خارقا لعادة جمي��ع المرس��ل

اليهم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،132.

ولكن عنده هذا يحصل بعدم المعارضة وحينئذ فاشتراط كونه خارقا ومختصا بمقدور الرب باطل وهو قد

حكى ان اإلجماع على أن المعجز ال بد أن يكون خارق��ا للع��ادة فق��ال اعلم��وا رحمكم الل��ه أن الك��ل من

س��ائر األمم ق��د ش��رطوا في ص��فة المعج��ز أن يك��ون خارق��ا للع��ادة ثم ق��ال في فص��ول الكرام��ات

ويقال لهم ان من الناس من ال يشترط في اآلية المعجزة أن تكون خارقا للعادة وهذا كما ذك��ر) فصل (

إجماع الناس على أنه ال يدل على صدق النبي اال المعجزات فق��ال في االس��تدالل على انه��ا ل��و لم ت��دل

لزم عجز القديم إذ ال دليل بقول كل احد أثبت النبوة على نبوة الرسل وصدقهم اال ظهور المعجزة فه��ذا

إجماع ال خالف فيه فلو ظهرت على يد المتنبي لبطلت داللة النبوة ولوجب عج��ز الق��ديم عن دلي��ل ي��دل

على نبوتهم وهو نفسه قد ذكر في ذلك عدة أقوال في غير هذا الكتاب وأيضا فاالس�تدالل باإلجم�اع إنم�ا

يكون بعد ثبوت النبوة فال يحتج على مقدمات دليل النبوة بمج�رد اإلجم�اع وه�ؤالء إنم�ا أوقعهم في ه�ذه

المناقضات أن القدرية يجعلون لربهم شريعة بالقياس على خلقه ويقولون ال يج��وز أن يفع��ل ك��ذا وال أن

يفعل كذا كقولهم ال يجوز أن يضل هذا فإنا لو جوزنا عليه االضالل لجاز أن يظه��ر المعج��زات على أي��دي

الكذابين فان غاية ذلك أنه اضالل واذا جاز ذلك لم يبق دليل على ص��دق االنبي��اء ولم يف��رق بين الص��ادق

والكاذب فعارضهم هؤالء بأن قالوا يج�وز أن يفع�ل ك�ل ممكن مق�دور ليس يجب أن ي�نزه عن فع�ل من

األفعال وليس في الممكنات ما هو قبيح أو ظلم أو شيء بل كل ذلك حسن وعدل فل��ه أن يفعل��ه فقي��ل

Page 66: النبوات

لهم فجوزوا اظهار المعجزات على أيدي الكذابين ففتقوا لهم فتقا فقالوا هذا يلزم من��ه عج��ز ال��رب عن

أن ينصب دليال يدل على صدق النبي وان كان يمكنه أن يعرف صدقهم بالضرورة فذاك يوجب أن يعرفوا

نفسه بالضرورة وهو يرفع التكليف والتحقي��ق ان اظه��ار المعج��زات الدال��ة على ص��دق االنبي��اء على ي��د

الكاذب ال يجوز لكن قيل المتناع ذلك في نفسه كما قاله األشعري وقيل ألن ذلك يمتنع في حكمة ال��رب

وعدله وهذا أصح فانه قادر على ذلك لكن لو فعله بطلت داللة المعجز على الصدق وه��ذا كم��ا أن��ه ق��ادر

على سلب العقول ولو فعل

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،133.

ذلك لبطلت العلوم وهو سبحانه لو فعل ذلك قادر على تعريف الصدق بالضرورة وقادر على أن ال يعرف

بذلك وال يميز للناس بين الصادق والكاذب لكنه ال يفعل هذا المقدور ونحن نعلم باالضطرار أن��ه ال يفع��ل

ذلك وأنه ال يبعث أنبياء صادقين يبلغون رسالته ويأمر الناس باتباعهم ويتوع��د من ك��ذبهم فيق��وم آخ��رون

كذابون يدعون مثل ذلك وهو يسوي بين هؤالء وهؤالء في جميع ما يفرق به بين الصادق والكاذب بل ق��د

علمنا من سنته أنه ال يسوي في دالئل الصدق والكذب بين المحدث الصادق والكاذب والش��اهد الص��ادق

والكاذب وبين الذي يعامل الناس بالصدق والكذب وبين الذي يظهر االسالم صادقا وال��ذي يظه��ره نفاق��ا

وكذبا بل يميز هذا من هذا بالدالئل الكثيرة كما يم��يز بين الع��ادل وبين الظ��الم وبين األمين وبين الخ��ائن

فان هذا مقتضى سنته التي ال تتبدل وحكمت��ه ال��تي ه��و م��نزه عن نقيض��ها وعدل��ه س��بحانه بتس��ويته بين

المتماثالت وتفريقه بين المختلفات فكيف يسوي بين أفض��ل الن��اس وأكملهم ص��دقا وبين أك��ذب الن��اس

وشرهم كذبا فيما يعود الى فساد العالم في العقول واألديان واألبضاع واألم��وال وال��دنيا واآلخ��رة وق��ول

القدري اذا جاز عليه اضالل من أضله جاز عليه اضالل بعض الن��اس يق��ال ل��ه أوال ليس اظه��ار المعج��زة

على أيدي الكذابين من باب االضالل بل لو ظه��رت على ي��ده لك��انت ال ت��دل على الص��دق فلم يكن دليال

يفرق بين الصدق والكذب وعدم الدليل يوجب عدم العلم بذلك الدليل ال يوجب اعتقاد نقيضه ولو كان ال

يظهرها اال على يد كاذب لكانت إنما تدل على الكذب فاالشتراك بين الص��نفين يرف��ع داللته��ا واختص��اص

أحدهما بها يوجب داللتها على المختص ويق�ال ثاني�ا تج�ويز اض�الل طائف�ة معين�ة بمع�نى أن�ه حص�ل لهم

الضالل لعدم نظرهم واستداللهم وقصدهم الحق وجعل قل��وبهم معرض��ة عن طلب الح��ق وقص��ده وأنه��ا

تكذب الصادق ليس هو مثل اضالل العالم كله ورفع ما يعرف به الحق من الباطل بل مثل ه��ذا مث��ل من

قال اذا جاز ان يعمي طائفة من الناس جاز أن يعمي جميع الناس فال يرى أح��د ش��يئا واذا ج��از أن يص��م

بعض الناس جاز أن يصم جميعهم فال يسمع أحد شيئا وإذا جاز أن يزمن بعض الناس أو يش��ل يدي��ه ج��از

إزمان جميع الناس وإشالل أيديهم حتى

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،134.

ال يقدر أحد في العالم على شيء وال بطش بي��ده واذا ج��از أن يجنن بعض الن��اس ج��از أن يجنن جميعهم

ح��تى ال يبقى في األرض اال مجن��ون ال عاق��ل واذا ج��از أن يميت بعض الن��اس ج��از أن يميتهم كلهم في

ساعة واحدة مع بقاء العالم على ما هو علي��ه وأن يق��ال اذا ج��از أن يض��ل بعض الن��اس عن قب��ول بعض

الحق جاز أن يضله عن قبول لكل حق حتى ال يصدق أحدا في شيء وال يقبل شيئا لما يقال ل��ه فال يأك�ل

وال يشرب وال يلبس وال ينام وان كل من أضل جاز أن يفعل به هذا كله وه��ذا كل��ه مم��ا يع��رف بض��رورة

العقل الفرق بينهما ومن سوى بين هذا وهذا كان مصابا في عقله وآيات االنبياء هي من ه��ذا الب��اب فل��و

لم يميز بين الصادق والكاذب لكان قد بعث أنبياء يبلغون رسالته ويأمرون بما أمر به من أط��اعهم س��عد

في الدنيا واآلخرة ومن كذبهم شقي في الدنيا واآلخرة وآخرين كذابين يبلغون عن��ه م�الم يقل��ه وي�أمرون

بما نهى عنه وينهون عما أمر به ومن اتبعهم شقي في الدنيا واآلخرة ولم يجعل ألح��د س��بيال الى التمي��يز

بين هؤالء وهؤالء وهذا أعظم من أن يقال انه خلق أطعمة نافعة وسموما قاتلة ولم يميز بينهم��ا ب��ل ك��ل

ما أكله الناس جاز أن يكون من هذا وهذا ومعلوم أن من جوز مثل هذا على الله فه��و مص��اب في عقل��ه

ثم ان الله جعل االشياء متالزمة وكل ملزوم هو دليل على الزمه فالصدق له لوازم كث��يرة ف��ان من ك��ان

يصدق ويتحرى الصدق كان من لوازمه أنه ال يتعمد الك��ذب وال يخ��بر بخ��برين متناقض��ين عم��دا وال يبطن

خالف ما يظهر وال يأتي هؤالء بوجه وهؤالء بوجه وال يخون أمانته وال يجحد حقا هو علي��ه الى أمث��ال ه��ذه

األمور التي يمتنع أن تكون الزمة اال لصادق فاذا انتفت انتفى الصدق وإذا وجدت كانت مستلزمة لص��دقه

Page 67: النبوات

والكاذب بالعكس لوازمه بخالف ذلك وهذا الن اإلنس��ان حي ن��اطق والنط��ق من لوازم��ه الظ��اهرة لب��ني

جنسه ومن لوازم النطق الخبر فانه ألزم له من االمر والطلب حتى قد قيل ان جميع أن��واع الكالم يع��ود

الى الخبر فلزم أن يكون من لوازم االنسان أخباره وظهور أخباره وكثرته وان هذا ال بد من وج��وده حيث

كان وحينئذ فاذا كان كذابا عرف الناس كذبه لكثرة ما يظه��ر من��ه من الخ��بر عن الش��يء بخالف م��ا ه��و

عليه من أحوال نفسه وغيره ومما رآه وسمعه وقيل له في الشهادة والغيب ولهذا كل من كان كاذبا

ظهر عليه كذبه بعد مدة سواء كان مدعيا للنبوة أو كان كاذبا في العلم ونقله أو في الشهادة أو في غ��ير

ذلك وان كان مطاعا كان ظهور كذبه أكثر لما فيه من الفساد وفي الصحيح عن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه

وسلم أنه قال ثالثة ال يكلمهم الله وال ينظر اليهم يوم القيام��ة وال ي��زكيهم ولهم ع��ذاب أليم مل��ك ك��ذاب

وشيخ زان وعائل مستكبر ويروى وفقير مختال ولهذا كثير من أهل الدول كانوا يتواصون بالكذب وكتمان

أمورهم ثم يظهر كالقرامطة ولهذا امتنع اتفاق الناس على الكذاب والكتم�ان من غ��ير تواط�ؤ لم�ا جع��ل

الله في النفوس من الداعي الى الصدق والبيان وجعل الله في القلوب هداية ومعرفة بين هذا وهذا ولم

يعرف قط في بني آدم أنه اشتبه صادق بكاذب اال م��دة قليل��ة ثم يظه��ر االم��ر وليس ه��ذا كالض��الل في

أمور خفية ومشتبهة على أكثر الناس فان التمييز بين الصادق والكاذب يظه��ر لجمه��ور الن��اس وع��امتهم

بعد مدة وال يطول اشتباه ذل��ك عليهم وإنم�ا يش�تبه االم�ر عليهم فيم�ا لم يتعم�د في�ه الك�ذب ب�ل أخط�أ

أصحابه فأخذ عنهم تقليدا لهم وأما مع كون أصحابه يتعمدون الكذب فهذا ال يخفى على عامة الناس

) فصل (

وقد تقدم ذكر بعض الفروق بين آيات االنبياء وغيرهم وبينها وبين غيره��ا من الف��روق م��اال يك��ان يحص��ى

االول أن النبي صادق فيما يخبر به عن الكتب ال يكذب قط ومن خالفهم من الس��حرة والكه��ان ال ب��د أن

أثيم  يكذب كما قال أفاك كل على تنزل الشياطين تنزل من على أنبؤكم الثاني من جهةهل

ما يأمر به هذا ويفعله ومن جهة ما يأمر به هذا ويفعله فان االنبي��اء ال ي��أمرون اال بالع��دل وطلب اآلخ��رة

وعبادة الله وحده وأعمالهم البر والتق��وى ومخ��الفوهم ي��أمرون بالش��رك والظلم ويعظم��ون ال��دنيا وفي

أعمالهم االثم والعدوان الثالث أن السحر والكهانة ونحوهما أمور معتادة معروفة ألصحابها ليست خارق��ة

لعادتهم وآيات االنبياء ال تكون اال لهم ولمن اتبعهم الرابع أن الكهانة والسحر يناله االنسان بتعلمه وسعيه

واكتسابه وهذا مجرب عند الناس بخالف النبوة فانه ال ينالها أحد باكتسابه الخامس أن النبوة لو قدر أنه��ا

تنال بالكسب فانما تنال باالعمال الصالحة والصدق والعدل والتوحيد ال تحصل م��ع الك��ذب على من دون

الله

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،136.

فضال عن أن تحصل مع الكذب على الله فالطريق الذي تحصل به لو حصلت بالكس�ب مس�تلزم للص�دق

على الله فيما يخبر به السادس أن ما يأتي به الكهان والسحرة ال يخ�رج عن كون�ه مق�دور للجن واالنس

وهم مأمورون بطاعة الرسل وآيات الرسل ال يقدر عليه��ا ال جن وال إنس ب��ل هي خارق��ة لع��ادة ك��ل من

اليه النبي يأتون  أرسل ال القرآن هذا بمثل يأتوا أن على والجن االنس اجتمعت لئن قلظهيرا لبعض بعضهم كان ولو السابع أن هذه يمكن أن تعارض بمثلها وآيات االنبياء ال يمكنبمثله

أحدا أن يعارضها بمثلها الثامن أن تلك ليست خارقة لعادات بني آدم بل ك��ل ض��رب منه��ا معت��اد لطائف��ة

غير االنبياء فليست معتادة لغير الصادقين على الله ولمن صدقهم التاسع أن هذه ال يقدر عليها مخلوق ال

المالئكة وال غيرهم كانزال القرآن وتكليم موسى وتلك تقدر عليها الجن والشياطين العاش�ر أن�ه إذا ك�ان

من اآليات ما يقدر عليه المالئكة فان المالئكة ال تك��ذب على الل��ه وال تق��ول لبش��ر ان الل��ه أرس��لك ولم

يرسله وانما يفعل ذلك الشياطين والكرامات معتادة في الصالحين من��ا ومن قبلن��ا ليس��ت خارق�ة لع��ادة

الصالحين وهذه تنال بالصالح بدعائهم وعبادتهم ومعجزات االنبياء ال تنال ب��ذلك ول��و طلبه��ا الن��اس ح��تى

الله  يأذن الله فيها عند اآليات إنما آية  قل ينزل أن على قادر الله ان الحادي عشر أنقل

النبي قد تقدمه أنبياء فهو ال يأمر اال بجنس ما أمرت به الرسل قبله فله نظراء يعتبر بهم وكذلك الساحر

والكاهن له نظراء يعتبر بهم والثاني عشر أن النبي ال يأمر اال بمصالح العباد في المعاش والمع��اد في��أمر

Page 68: النبوات

ب��المعروف وينهى عن المنك��ر في��أمر بالتوحي��د واالخالص والص��دق وينهى عن الش��رك والك��ذب والظلم

فالعقول والفطر توافقه كما توافقه االنبياء قبله فيصدقه صريح المعقول وص��حيح المنق��ول الخ��ارج عم��ا

جاء به والله أعلم

فصل

ومن تدبر هذا وغيره تبين له أن جميع ما ابتدعه المتكلم�ون وغ�يرهم مم�ا يخ�الف الكت�اب والس�نة فان�ه

باطل وال ريب أن المؤمن يعلم من حيث الجملة ان ما خالف الكت�اب والس�نة فه�و باط�ل لكن كث�ير من

الناس ال يعلم ذلك في المسائل المفصلة ال يعرف ما

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،137.

الذي يوافق الكتاب والسنة وما ال�ذي يخالف�ه كم�ا ق�د أص�اب كث�ير من الن�اس في الكتب المص�نفة في

الكالم في أصول الدين وفي الرأي والتصوف وغير ذلك فكثير منهم قد اتبع طائف��ة يظن أن م��ا يقولون��ه

هو الحق وكلهم على خطأ وضالل ولقد أحسن االمام أحمد في قوله في خطبته وان ك��انت م��أثورة عمن

�����������������������������������������������������������������������������������������������������������������������������������دم تق

الحمد لله الذي جعل في كل زمان ف�ترة من الرس�ل بقاي�ا من أه�ل العلم ي�دعون من ض�ل الى اله��دى

ويصبرون منهم على األذى يحيون بكت��اب الل��ه الم��وتى ويبص��رون بن��ور الل��ه أه��ل العمى فكم من قتي��ل

البليس قد أحيوه وكم من ضال تائه ق�د ه�دوه فم�ا أحس�ن اث�رهم على الن�اس وأقبح أث�ر الن�اس عليهم

ينفون عن كتاب الله تحري��ف الغ��الين وانتح��ال المبطلين وتأوي��ل الج��اهلين ال��ذين عق��دوا ألوي��ة البدع��ة

وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب محالفون للكتاب مجمعون على مفارق��ة الكت��اب يقول��ون

على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكالم ويخ��دعون جه��ال الن��اس بم��ا

يش��������������������بهون عليهم فنع��������������������وذ بالل��������������������ه من فتن المض��������������������لين

فهؤالء أهل البدع من أهل الكالم وغيرهم كما قال مختلفون في الكتاب مخالفون للكت��اب متفق��ون على

مفارقة الكتاب وتصديق ما ذكره أنك ال تجد طائفة منهم توافق الكتاب والسنة فيما جعلوه أص��ول دينهم

بل لكل طائفة أصول دين لهم فهي أصول دينهم الذي هم عليه ليس هي أصول الدين الذي بعث الله ب��ه

رسوله وأنزل به كتابه وما هم عليه من الدين ليس كله موافق��ا للرس��ول وال كل��ه مخالف��ا ل��ه ب��ل بعض��ه

إسرائيل  موافق وبعضه مخالف بمنزلة أهل الكتاب الذين لبسوا الحق بالباطل كما قال تعالى بني يابما وآمنوا فارهبون وإياي بعهدكم أوف بعهدي وأوفوا عليكم أنعمت التي نعمتي اذكروا

فاتقون وإياي قليال ثمنا بآياتي تشتروا وال به كافر أول تكونوا وال معكم لما مصدقا أنزلتتعلمون وأنتم الحق وتكتموا بالباطل الحق تعالى والتلبسوا لم  وقال الكتاب أهل يا

تعلمون وأنتم الحق وتكتمون بالباطل الحق لكن بعض الطوائف أكثر مخالفة للرسولتلبسون

من بعض وبعضها أظهر مخالفة ولكن الظهور أمر نسبي فمن عرف السنة ظهرت له مخالفة من خالفها

فقد تظهر مخالفة بعضهم للسنة لبعض الناس لعلمه بالسنة دون من

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،138.

ال يعلم منها ما يعلمه هو وقد تكون السنة في ذلك معلومة عند جمهور االمة فتظهر مخالف��ة من خالفه��ا

كما تظهر للجمهور مخالفة الرافضة للسنة وعند الجمهور هم المخ��الفون للس��نة فيقول��ون أنت س��نى أو

رافضي وكذلك الخوارج لما كانوا أهل سيف وقتال ظهرت مخالفتهم للجماعة حين كانوا يق��اتلون الن��اس

وأما اليوم فال يعرفهم أكثر الناس وبدع القدرية والمرجئة ونحوهم ال تظهر مخالفتها بظهور هذين وهاتان

البدعتان ظهرتا لما قتل عثمان في الفتنة في خالفة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وظهرت الخوارق

بمفارقة أهل الجماعة واستحالل دمائهم وأموالهم حتى قاتلهم أمير المؤم��نين علي بن أبي ط��الب متبع��ا

في ذلك ألمر النبي صلى الله عليه وسلم قال االمام أحمد بن حنبل صح الحديث في الخوارج من عشرة

أوجه وهذه قد رواها صاحبه مسلم بن الحجاج في صحيحه وروى البخاري قطع��ة منه��ا واتفقت الص��حابة

على قتال الخوارج حتى ان ابن عمر مع امتناعه عن الدخول في فرقة كسعد وغيره من السابقين ولهذا

Page 69: النبوات

لم يبايعوا ألحد اال في الجماعة قال عند الموت ما آسى على شيء إال على أني لم أقاتل الطائفة الباغية

مع علي يريد بذلك قتال الخوارج واال فهو لم يبايع ال لعلي وال غ��يره ولم يب��ايع معاوي��ة اال بع��د ان اجتم��ع

الناس عليه فكيف يقاتل احدى الطائفتين وانما أراد المارقة التي قال فيها النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم

تمرق مارقة على حين فرقة من الناس يقتلهم أدنى الطائفتين الى الحق وهذا حدث به أب��و س��عيد فلم��ا

بلغ ابن عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج وأمره بقتالهم تحسر على ترك قت��الهم فك��ان

قتالهم ثابتا بالسنة الصحيحة الصريحة وباتفاق الصحابة بخالف فتنة الجمل وص�فين ف�ان أك�ثر الس�ابقين

االولين كرهوا القتال في هذا وهذا وكثير من الصحابة قاتلوا إم�ا من ه�ذا الج�انب وإم�ا من ه�ذا الج�انب

فكانت الصحابة في ذلك على ثالثة اقوال لكن الذي دلت علي�ه الس�نة الص�حيحة أن علي بن أبي ط�الب

كان أولى بالحق وأن ترك القتال بالكلية كان خيرا وأولى ففي الصحيحين عن أبي سعيد أن الن��بي ص��لى

الله عليه وسلم قال تمرق مارقة على حين فرقة من االس��الم يقتلهم أولى الط��ائفتين ب��الحق وق��د ثبت

عنه أنه جعل القاعد فيها خيرا من القائم والقائم خيرا من الماشي والماشي خيرا من الساعي وانه أثنى

على من صالح ولم يثن على من قاتل ففي البخاري وغيره عن أبي بكرة ان النبي صلى الله عليه وسلم

قال عن الحسن ان ابني هذا سيد

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،139.

وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين فاثنى على الحسن في اصالح الله به بين الفئتين وفي ص��حيح

مس��لم وبعض نس��خ البخ��اري أن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ق��ال لعم��ار تقتل��ك الفئ��ة الباغي��ة وفي

الصحيحين أيضا أنه قال ال تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الح��ق ال يض��رهم من خ��ذلهم ح��تى تق��وم

الساعة قال معاذ وهم بالشام وفي صحيح مسلم عنه أنه قال ال يزال أهل المغ��رب ظ��اهرين ال يض��رهم

من خذلهم قال أحم�د بن حنب�ل وغ�يره أه�ل المغ�رب أه�ل الش�ام أي أنه�ا أول المغ�رب ف�ان التغ�ريب

والتشريق أمر نسبي فلكل بلد غرب وشرق وهو صلى الله عليه وسلم تكلم بمدينته فما تغرب عنها فهو

غرب وما تشرق عنها فهو شرق وهي مسامته أول الشام من ناحية الفرات كما أن مكة مسامته لح��ران

وسميساط ونحوهما وتص�ويب قت�الهم ان ك�ان بع�د االص�الح فلم يق�ع االص�الح وإن ك�ان عن�د بغيهم في

االقتتال وان لم يكن اصالح فهؤالء البغاة لم يكن في اصحاب علي من يقاتلهم بل تركوا قتالهم إما عجزا

وإما تفريطا فترك االصالح المأمور به وعلى هذا قوتلوا ابتداء قتاال غير مأمور به ولما صار قتالهم مأمورا

به لم يقاتلوا القتال المأمور به بل نكل أصحاب علي عن القتال إما عجزا وإم�ا تفريط�ا والبغ�اة الم�أمور

بقتالهم هم الذين بغوا بعد االقتتال وامتنع�وا من االص�الح الم�أمور ب�ه فص�اروا بغ�اة مق�اتلين والبغ�اة اذا

ابتدأوا بالقتال جاز قتالهم باالتفاق كما يجوز قتال الغ��واة قط��اع الطري��ق اذا ق��اتلوا باتف��اق الن��اس فأم��ا

الباغي من غير قتال فليس في النص أن الله أمر بقتاله بل الكفار إنما يقاتلون بشرط الحراب كما ذهب

اليه جمهور العلماء وكما دل عليه الكتاب والسنة كما هو مبسوط في موضعه والص�ديق قات�ل المرت�دين

الذين ارتدوا عما كانوا فيه على عهد الرسول من دينه وهم أنواع منهم من آمن بمتنبئ كذاب ومنهم من

لم يقر ببعض فرائض االسالم التي أقر بها مع الرسول ومنهم من ترك االسالم بالكلية ولهذا تسمى ه��ذه

وأمثالها من الحروب بين المسلمين فتنا كما سماها النبي صلى الل�ه علي�ه وس�لم والمالحم م�ا ك�ان بين

المسلمين والكفار وبسط هذا له موضع آخر والمقصود هنا أن الخوارج ظهروا في الفتنة وكفروا عثم��ان

وعليا ومن واالهما وباينوا المسلمين في الدار وسموا دارهم دار الهجرة وكانوا كما وصفهم الن��بي ص��لى

الله عليه وسلم يقتلون أهل االسالم ويدعون أهل االوثان وكانوا أعظم الناس صالة

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،140.

وصياما وقراءة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يحقر أحدكم صالته مع صالتهم وصيامه مع ص��يامهم

وقراءته مع قراءتهم يقرأون القرآن ال يجاوز حناجرهم يمرقون من االسالم كما يمرق السهم من الرمي��ة

ومروقهم منه خروجهم باستحاللهم دماء المس�لمين وأم�والهم فان�ه ق�د ثبت عن�ه في الص�حيح أن�ه ق�ال

المسلم من سلم المس��لمون من لس��انه وي��ده والمه��اجر من هج��ر م��ا نهى الل��ه عن��ه وهم بس��طوا في

المسلمين أيديهم وألسنتهم فخرجوا منه ولم يحكم علي وأئمة الصحابة فيهم بحكمهم في المرت��دين ب��ل

جعلوهم مسلمين وسعد بن أبي وقاص وهو أفض��ل من ك��ان ق��د بقي بع��د علي وه��و من أه��ل الش��ورى

 واعتزل في الفتنة فلم يقاتل ال مع علي وال مع معاوية ولكنه ممن تكلم في الخوارج وت�أول فيهم قول�ه

Page 70: النبوات

الله أمر ما ويقطعون ميثاقه بعد من الله عهد ينقضون الذين الفاسفين اال به يضل وماالخاسرون هم أولئك االرض في ويفسدون يوصل أن االلهيةبه الشيعة أيضا طوائف وحدث

الغالة فرفع الى علي منهم طائفة ادع��وا في��ه االلهي��ة ف��أمرهم ب��الرجوع فأص��روا ف��أمهلهم ثالث��ا ثم أم��ر

بأخاديد من نار فخدت وألقاهم فيها فرأى قتلهم بالنار وأما ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم بالن��ار

لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعذب بعذاب الله ولض�ربت أعن�اقهم لقول��ه ص�لى الل�ه علي�ه

وسلم من بدل دينه فاقتلوه رواه البخ��اري وأك��ثر الفقه��اء على ق��ول ابن عب��اس وروي أن��ه بلغ��ه أن ابن

السوداء يسب أبا بكر وعمر فطلب قتله فهرب منه فاما قتله على الس��ب أو ألن��ه ك��ان متهم��ا بالزندق��ة

وقيل إنه هو الذي ابتدع بدعة الرافضة وأنه كان قصده افساد دين االس�الم وه�ذا يس��تحق القت��ل باتف�اق

المسلمين والذين يسبون أبا بكر وعمر فيهم تزن��دق كاالس��ماعيلية والنص��يرية فه��ؤالء يس��تحقون القت��ل

باالتفاق وفيهم من يعتقد بنبوة النبي صلى الله علي��ه وس��لم كاالمامي��ة فه��ؤالء في قتلهم ن��زاع وتفص��يل

مذكور في غير هذا الموضع وتواتر عن علي بن أبي طالب أنه قال خير هذه األمة بع��د نبيه��ا أب��و بك��ر ثم

عمر وهذا متفق عليه بين قدماء الشيعة وكلهم كانوا يفضلوا أب��ا بك��ر وعم��ر وانم��ا ك��ان ال��نزاع في علي

وعثمان حين صار لهذا شيعة ولهذا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،141.

شيعة وأما أبو بكر وعمر فلم يكن أحد يتشيع لهما بل جمي��ع االم��ة ك��انت متفق��ة عليهم��ا ح��تى الخ��وارج

فانهم يتولونهما وانما يتبرءون من علي وعثمان وروي أن معاوية قال البن عباس أنت على مل��ة علي أم

عثمان قال ال على ملة علي وال عثمان أنا على ملة رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وك��ان ك��ل من

الشيعتين يذم اآلخر بما برأه الله منه فكان بعض شيعة عثمان يتكلم��ون في علي بالباط��ل وبعض ش��يعة

علي يتكلمون في عثمان بالباطل والش��يعتان م��ع س��ائر االم��ة متفق��ة على تق��ديم أبي بك��ر وعم��ر قي��ل

لشريك بن عبد الله القاضي أنت من شيعة علي وأنت تفضل أبا بكر وعم��ر فق��ال ك��ل ش��يعة علي على

هذا هو يقول على أعواد هذا المنبر خير هذه االمة بعد نبيها أبو بكر ثم عم�ر أفكن��ا نكذب�ه والل��ه م�ا ك�ان

كذابا وقد روى البخاري في صحيحه من حديث محمد بن الحنفية أنه قال له يا ابت من خ��ير الن��اس بع��د

رسول الله فقال يا بني أو ما تعرف قال ال قال أبو بكر قال ثم من قال ثم عمر وه��و م��روي من ح��ديث

الهم��دانيين ش��يعة علي عن أبي��ه وروي عن علي أن��ه ق��ال % ول��و كنت بواب��ا على ب��اب الجن��ة % لقلت

لهم�����������������������������������������������������دان ادخلي بس�����������������������������������������������������الم %

وقد روي عنه انه قال ال أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إال جلدته حد المفتري وقد ثبت عن علي

رضي الله عنه باالحاديث الثابتة بل المتواترة أنه قتل الغالية كالذين يعتقدون إلهيته بعد أن استتابهم ثالثا

كسائر المرتدين وأنه كان يبالغ في عقوبة من يسب أبا بكر وعمر وأنه كان يقول انهم��ا خ��ير ه��ذه االم��ة

بعد نبيها وهذا مبسوط في مواضع والمقصود هنا أن هاتين البدعتين ح��دثتا في ذل��ك ال��وقت ثم في آخ��ر

عصر الصحابة حدثت القدرية وتكلم فيهم من بقي من الصحابة كابن عمر وابن عباس ووائلة بن االس��قع

وغيرهم وحدثت أيضا بدعة المرجئة في االيمان واآلثار عن الصحابة ثابتة بمخالفتهم وأنهم ق��الوا االيم��ان

يزيد وينقص كما ثبت ذلك عن الصحابة كما هو مذكور في موضعه وأما الجهمية نفاة االس��ماء والص��فات

فإنما حدثوا في أواخر الدولة االموي�ة وكث��ير من الس��لف لم ي�دخلهم في الثن��تين والس��بعين فرق�ة منهم

يوسف ابن أسباط وعبد الله بن المبارك قالوا أصول البدع أربعة الخوارج والشيعة

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،142.

والقدرية والمرجئة فقي�ل لهم الجهمي�ة فق�الوا ليس ه�ؤالء من أم�ة محم�د وله�ذا تن�ازع من بع�دهم من

أصحاب أحمد وغيرهم هل هم من الثنتين والسبعين على قولين ذكرهما عن أصحاب أحمد أب�و عب�د الل�ه

بن حامد في كتابه في االصول والتحقيق أن التجهم المحض وهو نفي االسماء والص��فات كم��ا يحكي عن

جهم والغالية من المالحدة ونحوهم من نفي اسماء الله الحسنى كف��ر بين مخ��الف لم��ا علم باالض��طرار

من دين الرسول وأما نفي الصفات مع اثبات االسماء كقول المعتزلة فهو دون هذا لكنه عظيم أيضا وأما

من أثبت الصفات المعلومات بالعقل والسمع وإنما نازع في قيام االم��ور االختياري��ة ب��ه ك��ابن كالب ومن

اتبعه فهؤالء ليسوا جهمية بل وافقوا جهما في بعض قوله وإن كانوا خالفوه في بعضه وهؤالء من اق��رب

الطوائف الى السلف وأهل السنة والحديث وكذلك السالمية والكرامية ونحو ه��ؤالء يوافق��ون في جمل��ة

Page 71: النبوات

أقوالهم المشهورة فيثبتون االسماء والصفات والقضاء والقدر في الجملة ليسوا من الجهمي��ة والمعتزل��ة

النفاة للصفات وهم أيضا يخالفون الخوارج والشيعة فيقولون باثبات خالفة االربعة وتقديم أبي بكر وعمر

وال يقولون بخلود أحد من أهل القبلة في النار لكن الكرامية والكالبية وأك��ثر االش��عرية مرجئ��ة وأق��ربهم

الكالبية يقولون االيمان هو التصديق بالقلب والقول باللسان واالعم��ال ليس��ت من��ه كم��ا يحكى ه��ذا عن

كث��ير من فقه��اء الكوف��ة مث��ل أبي حنيف��ة وأص��حابه وأم��ا االش��عري ف��المعروف عن��ه وعن أص��حابه أنهم

يوافقون جهما في قوله في االيمان وأنه مجرد تصديق القلب أو معرفة القلب لكن قد يظهرون مع ذل��ك

قول أهل الحديث ويتأولونه ويقولون باالستثناء على الموافاة فليس��وا م��وافقين لجهم من ك��ل وج��ه وإن

كانوا أقرب الطوائف اليه في االيمان وفي القدر أيضا فان��ه رأس الجبري��ة يق��ول ليس للعب��د فع��ل البت��ة

واالشعري يوافقه على أن العبد ليس بفاعل وال له قدرة مؤثرة في الفعل ولكن يقول ه�و كاس�ب وجهم

ال يثبت له شيئا لكن هذا الكسب يقول أكثر الناس انه ال يعقل فرق بين الفعل الذي نفاه والكسب ال��ذي

أثبته وقالوا عجائب الكالم ثالثة طفرة النظام وأحوال أبي هاشم وكسب االشعري وأنشدوا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،143.

% مما يقال وال حقيقة عنده % معقوله تدنو الى االفهام % % الكسب عن��د االش��عري والح��ا % ل عن��د

البهش����������������������������������مي وطف����������������������������������رة النظ����������������������������������ام %

وأما الكرامية فلهم في االيمان قول ما سبقهم اليه أحد ق�الوا ه�و االق�رار باللس�ان وإن لم يعتق�د بقلب�ه

وقالوا المنافق هو مؤمن ولكنه مخل��د في الن��ار وبعض الن��اس يحكي عنهم أن المن��افق في الجن��ة وه��ذا

غلط عليهم بل هم يجعلونه مؤمنا مع كونه مخلدا في النار فينازعون في االسم ال في الحكم وق��د بس��ط

القول على منشأ الغلط حيث ظنوا أن االيمان ال يكون اال شيئا متماثال عند جمي��ع الن��اس اذا ذهب بعض��ه

ذهب سائره ثم قالت الخوارج والمعتزلة وهو أداء الواجبات واجتناب المحرمات فاسم المؤمن مثل اسم

البر والتقى وهو المستحق للثواب فاذا ترك بعض ذلك زال عنه اسم االيمان واالسالم ثم قالت الخ��وارج

ومن لم يستحق هذا وال هذا فهو كافر وقالت المعتزلة بل ينزل منزل��ة بين المنزل��تين فنس��ميه فاس��قا ال

مسلما وال كافرا ونقول انه مخلد في النار وهذا هو الذي امتازت به المعتزلة واال فسائر بدعهم قد قاله��ا

غيرهم فهم وافقوا الخوارج في حكمه ونازعوهم ونازعوا غيرهم في االسم وقالت الجهمية والمرجئة بل

األعمال ليست من االيمان لكنه شيئان أو ثالثة يتفق فيها جميع الناس التصديق بالقلب والق�ول باللس�ان

أو المحبة والخضوع مع ذلك وقالت الجهمية واالشعرية والكرامي��ة ب��ل ليس إال ش��يئا واح��دا يتماث��ل في��ه

الناس وهؤالء الطوائف أصل غلطهم ظنهم أن االيمان يتماثل فيه الناس وأن��ه اذا ذهب بعض��ه ذهب كل��ه

وكال االمرين غلط فان الناس ال يتماثلون ال فيما وجب منه وال فيما يقع منهم بل االيمان الذي وجب على

بعض الناس قد ال يكون مثل الذي يجب على غيره كما كان االيمان بمكة لم يكن الواجب من��ه ك��الواجب

بالمدينة وال كان في آخر االمر كما كان في أوله وال يجب على أهل الضعف والعجز من االيمان م��ا يجب

على أهل القوة والقدرة في العقول واألبدان بل أهل العلم بالقرآن والسنة ومعاني ذلك يجب عليهم من

تفصيل االيمان ماال يجب على من لم يعرف ما عرفوا وأهل الجه�اد يجب عليهم من االيم�ان في تفص�يل

الجهاد ماال يجب على غيرهم وكذلك والة االمر واهل االموال يجب على كل من معرفة م��ا أم��ر الل��ه ب��ه

ونهى عنه وأخبر

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،144.

به ماال يجب على غيره واالقرار بذلك من االيمان ومعلوم أنه وان كان الناس كلهم يشتركون في االقرار

بالخالق وتصديق الرسول جملة فالتفصيل ال يحصل بالجملة ومن عرف ذلك مفص��ال لم يكن م��ا أم��ر ب��ه

ووجب عليه مث�ل من لم يع�رف ذل�ك وايض�ا فليس الن�اس متم�اثلين في فع�ل م�ا أم�روا ب�ه من اليقين

والمعرفة والتوحيد وحب الله وخشية الله والتوكل على الله والصبر لحكم الل��ه وغ��ير ذل��ك مم��ا ه��و من

ايمان القلوب وال في لوازم ذلك التي تظهر على االبدان واذا قدر أن بعض ذلك زال لم ي�زل س�ائره ب�ل

يزيد االيمان تارة وينقص تارة كما ثبت ذلك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مث��ل عم��ر بن

حبيب الخطمي وغيره انهم قالوا االيمان يزيد وينقص كما قد بسط في غير هذا الموضع إذ المقصود هن��ا

أن طوائف أهل البدع من أه��ل الكالم وغ��يرهم ليس فيهم من يواف��ق الرس��ول في أص��ول دين��ه ال فيم��ا

اشتركوا فيه وال فيما انف��رد ب��ه بعض��هم ف��انهم وان اش��تركوا في مق��االت فليس إجم��اعهم حج��ة وال هم

Page 72: النبوات

معصومون من االجتماع على خطأ وقد زعم طائفة ان إجماع المتكلمين في المس��ائل الكالمي��ة كاجم��اع

الفقهاء وهذا غلط بل السلف قد استفاض عنهم ذم المتكلمين وذم أهل الكالم مطلقا ونفس ما اشتركوا

فيه من إثبات الصانع بطريقة االعراض وأنها الزمة للجسم أو متعاقبة عليه فال يخلو منها وما لم يخل من

الحوادث فهو حادث المتناع حوادث ال أول لها وأن الله يمتنع أن يقال أنه لم يزل متكلما بمشيئته وقدرته

او يمتنع أن يقال أنه لم يزل فعاال وأنه صار فاعال أو فاعال ومتكلما بمش��يئته مبت��دع في االس��الم أول م��ا

عرف أنه قاله الجهم بن صفوان مقدم الجهمية وأبو الهذيل العالف مقدم المعتزل��ة وله��ذا ط��رداه فق��اال

بامتناع الحوادث في المستقبل وقال الجهم بفناء الجنة والنار وقال أبو الهذيل بانقطاع حركاتهما كما ق��د

بسط فروع هذا االصل الذي اشتركوا فيه ثم افترقوا بعد ذلك في فروعه فائمتهم كانوا يقولون كالم الله

القرآن وغيره مخلوق وكذلك سائر ما يوصف به الرب ليس له صفة قامت به ألن ذلك ع��رض عن��دهم ال

يقوم اال بجسم والجسم حادث فقالوا القرآن وغيره من كالم الله مخل��وق وك��ذلك س��ائر م��ا يوص��ف ب��ه

الرب فجاء بعدهم مثل ابن كالب وابن كرام واالشعري وغيرهم من

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،145.

شاركهم في أصل قولهم لكن قالوا بثبوت الصفات لله وأنها قديمة لكن منهم من قال ال تسمى أعراض��ا

الن العرض ال يبقى زمانين وصفات الرب باقية كما يقوله االشعري وغيره ومنهم من قال تسمى أعراضا

وهي قديمة وليس كل عرض حادثا كابن كرام وغيره ثم افترقوا في الق�رآن وغ��يره من كالم الل��ه فق�ال

ابن كالب ومن اتبعه هو صفة من الصفات قديمة كسائر الصفات ثم قال وال يجوز أن يكون صوتا الن��ه ال

يبقى وال معاني متعددة فإنها ان كان لها عدد مقدر فليس قدر بأولى من قدر وإن كانت غير متناهية لزم

ثبوت معان في آن واحد ال نهاية لها وهذا ممتنع فقال انه معنى واحد وهو معنى آية الكرسي وآي�ة ال�دين

والتوراة واالنجيل وقال جمهور العقالء إن تصور هذا القول تصورا تاما يوجب العلم بفساده وقال طائف��ة

بل كالمه قديم العين وهو حروف أو حروف وأصوات قديمة أزلي��ة م��ع أنه��ا مترتب��ة في نفس��ها وأن تل��ك

الحروف واالص��وات باقي��ة أزال وأب�دا وجمه��ور العقالء يقول��ون ان فس��اد ه�ذا معل��وم بالض�رورة وهات�ان

الطائفتان تقوالن انه ال يتكلم بمشيئته وقدرته وقال آخرون كالهشامية والكرامية بل ه��و متكلم بمش��يئته

وقدرته وكالمه قائم بذاته وال يمتنع قيام الحوادث لكن يمتنع أن يكون لم يزل متكلما ف��إن ذل��ك يس��تلزم

وجود حوادث ال أول لها وهو ممتنع فهذه األربعة في القرآن وكالم الله هي أقوال المش��ركين في امتن��اع

دوام ك�������������ون ال�������������رب فع�������������اال بمش�������������يئته أو متكلم�������������ا بمش�������������يئته

وأما أئمة السنة والحديث كعبد الله بن المبارك واحمد بن حنبل وغيرهما فقالوا لم يزل الرب متكلم��ا اذا

شاء وكيف شاء فذكروا أنه يتكلم بمشيئته وقدرته وأنه لم يزل كذلك وهذا يناقض االص��ل ال��ذي اش��ترك

فيه المتكلمون من الجهمية والمعتزلة ومن تلقى عنهم فال هم موافقون للكتاب والسنة وكالم الس��لف ال

فيما اتفقوا عليه وال فيما تن��ازعوا في��ه وله��ذا يوج�د في عام�ة أص�ول ال��دين لك��ل منهم ق�ول وليس في

أقوالهم ما يوافق الكتاب والسنة كأقوالهم في كالم الله واقوالهم في ارادت��ه ومش��يئته وفي علم��ه وفي

قدرته وفي غير ذلك من صفاته وإن كان بعضهم اقرب الى السنة والسلف من بعض ولكن قد شاع ذلك

بين أهل العلم والدين منهم فكثير من أهل العلم والدين المنتسبين الى السنة والجماعة من قد يوافقهم

على بعض أقوالهم في مسألة القرآن أو

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،146.

غيرهما اذ كان ال يعرف اال ذلك القول أو ما هو أبعد عن السنة منه اذ كانوا في كتبهم ال يحكون غير ذلك

اذ كانوا ال يعرفون السنة واقوال الصحابة وما دل عليه الكت�اب والس�نة ال يعرف�ون اال ق�ولهم وق�ول من

يخالفهم من أهل الكالم ويظنون أنه ليس لالمة اال هذان القوالن أو الثالثة وهم يعتم��دون في الس��معيات

على ما يظنونه من االجماع وليس لهم معرفة بالكتاب والسنة ب��ل يعتم��دون على القي��اس العقلي ال��ذي

هو أصل كالمهم وعلى االجماع واصل كالمهم العقلي باطل واالجم��اع ال��ذين يظنون��ه انم��ا ه��و اجم��اعهم

واجماع نظرائهم من أهل الكالم ليس هو إجماع أمة محمد وال علمائها والل��ه تع��الى إنم��ا جع��ل العص��مة

للمؤمنين من أمة محمد فهم الذين ال يجتمعون على ضاللة وال خطأ كما ذكر على ذل��ك ال��دالئل الكث��يرة

وكل ما اجتمعوا عليه فهو مأثور عن الرسول فإن الرس��ول بين ال��دين كل��ه وهم معص��ومون أن يخطئ��وا

كلهم ويضلوا عما جاء به محمد بل هم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فال يبقى معروف اال أم��روا

Page 73: النبوات

به وال منكر اال نهوا عنه وهم أمة وسط عدل خيار شهداء الله في االرض فال يشهدون اال بحق فإجماعهم

هو على علم موروث عن الرسول جاء من عند الله وذلك ال يكون اال حقا وأما من كان إجماعهم على ما

ابتدعه رأس من رءوسهم فيجوز أن يكون إجماعهم خطأ اذ ليسوا هم المؤمنين وال أمة محمد وانم��ا هم

فرق��ة منهم واذا قي��ل المعت��بر من أم��ة محم��د بعلمائه��ا قي��ل اذا اتفقت علماؤه��ا على ش��يء فالب��اقون

يسلمون لهم ما اتفقوا عليه ال ينازعونهم فيه فصار هذا اجماعا من المؤم��نين ومن ن��ازعهم بعلم فه��ذا ال

يثبت االجماع دونه كائنا من كان وأما من ليس من أهل العلم فيما تكلموا فيه فذاك وجوده كعدمه وقول

من قال االعتبار بالمجتهدين دون غيرهم وأنه ال يعتبر بخالف أهل الحديث أو أهل االص��ول ونح��وهم كالم

ال حقيقة له فإن المجتهدين ان أريد بهم من له قدرة على معرفة جميع األحكام بأدلته��ا فليس في األم��ة

من هو كذلك بل أفضل األمة كان يتعلم ممن هو دونه شيئا من السنة ليس عنده وإن عني ب��ه من يق��در

على معرفة االستدالل على االحكام في الجملة فهذا موجود في كثير من أهل الحديث واالص��ول والكالم

وإن كان بعض الفقهاء أمهر منهم بكثير من الفروع أو بأدلتها الخاص�ة أو بنق�ل االق�وال فيه�ا فق�د يك�ون

أمهر منه في معرفة اعيان االدلة كاألحاديث

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،147.

والفرق بين صحيحها وضعيفها ودالالت االلفاظ عليها والتمييز بين ما ه�و دلي�ل ش�رعي وم�ا ليس

بدليل وبالجملة العصمة إنما هي للمؤمنين المة محمد ال لبعضهم لكن اذا اتفق علماؤهم على شيء

فسائرهم موافقون للعلماء واذا تنازعوا ولو كان المن�ازع واح�دا وجب رد م�ا تن�ازعوا في�ه الى الل�ه

والرسول وما أحد شذ بقول فاسد عن الجمهور اال وفي الكت�اب والس�نة م�ا ي�بين فس�اد قول�ه وإن

كان القائل كثيرا كقول سعيد في أن المطلقة ثالثا تباح بالعقد فحديث عائش��ة في الص��حيحين ي��دل

على خالفه مع داللة القرآن أيضا وكذلك غيره وأما القول الذي يدل عليه الكتاب والس��نة فال يك��ون

شاذا وأن القائل به أقل من القائل بذاك القول فال ع��برة بك��ثرة القائ��ل باتف��اق الن��اس وله��ذا ك��ان

الس��لف من الص��حابة والت��ابعين لهم باحس��ان ي��ردون على من أخط��أ بالكت��اب والس��نة ال يحتج��ون

باإلجماع اال عالمة وقد يبعث معه نشابه أو س��يفه أو ش��يئا من الس��الح المختص ب��ه أو يركب��ه دابت��ه

المختصة به ونحو ذلك مما يعلم الناس أنه قصد به تخصيصه وإن كانت تلك االفعال تفعل مع أمثاله

وقد تفعل لغير الرسول ممن يقصد اكرامه وتشريفه لكن هي خارقة لعادته بمع��نى أن��ه لم يعت��د أن

يفعل ذلك مع عموم الناس وال يفعله اال مع من م��يزه بوالي��ة أو رس��الة أو وكال��ة والوالي��ة والوكال��ة

تتضمن الرسالة فكل من هؤالء هو في مع��نى رس��وله الى من واله أني ق��د وليت��ه والى من أرس��له

بأني أرسلته فهذه عادة معروف�ة في العالم�ات وال�دالئل ال�تي ي�بين به�ا المرس�ل أن ه�ذا رس�ولي

وجنس خرق العادة ال يستلزم االكرام بل تخ��رق عادت��ه باالهان��ة ت��ارة وب��االكرام أخ��رى فق��د يخ��رج

ويركب في وقت لم تجر عادته به بل لعقوبة قوم وآيات الرب تعالى ق�د تك�ون تخويف�ا لعب�ادة كم�ا

تخويفا  قال اال باآليات نرسل أمما مكذبين واذا قص قصصهموما أهلك بها كما يهلك وقد

آليات  قال ذلك في وكان إهالكهم خرقا للعادة دل بها على أنه عاقبهم بذنوبهم وتكذيبهمان

للرسل وأن ما فعلوه من الذنوب مما ينهى عنه ويعاقب فاعله بمثل تلك العقوبة فهذه خرق عادات

الهانة قوم وعقوبتهم لما فعلوه من الذنوب تجري مجرى قوله عاقبتهم ألنهم كذبوا رسولي وعصوه

يقول إياهم كلما قص قصة من كذب رسله وعقوبته يقول سبحانه عذابي  ولهذا كان فكيفيسرنا ولقد ونذر

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،148.

آخر  القرآن للذكر فهل من مدكر موضع في يقول إنو  إن في ذلك آليات وإن كنا لمبتلين كما

االليم  في ذلك آلية وما كان أكثرهم مؤمنين العذاب يخافون للذين آية فيها واذا كانتوتركنا

تلك العالمات مما جرت عادته انه يفعلها مع من أرسله ويهلك بها من كذب رسله كانت أبل��غ في الدالل��ة

وكانت معتادة في هذا النوع وهؤالء تكلموا بلفظ لم يحققوا معناه وهو لفظة خرق العادة وقالوا الع�ادات

تنقسم الى عامة وخاصة فمنها ما يشترك فيه جميع الناس في جمي��ع األعص��ار كاالك��ل والش��رب واتق��اء

الحر والبرد والخاص منها ما يكون كعادة للمالئكة فقط أو للجن فقط أو لالنس دون غيرهم ق��الوا وله��ذا

صح أن يكون لكل قبيل منهم ضرب من التحدي وخرق لما هو عادة لهم دون غ��يرهم وحج��ة عليهم دون

Page 74: النبوات

ما سواهم ومنها ما يكون عادة لبعض البشر نحو اعتي��اد بعض��هم ص��ناعة أو تج��ارة أو رياض��ة في رك��وب

الخيل والعمل بالسالح لكن هذه كلها مقدورات للبشر قالوا وآية الرسل ال تكون مقدورة لمخل��وق ب��ل ال

تكون اال مما ينفرد الله بالقدرة عليه فاذا قالوا هذا ظن الظان أنهم اشترطوا أمرا عظيما ولم يشترطوا

شيئا فإنهم قالوا في جنس األفعال التي ال تق��در الن��اس اال على اليس��ير منه��ا كحم��ل الجب��ال ونقله��ا أن

المعجزة هنا إقدارهم على الفعل ال نفس الفعل ورجحوا هذا على ق��ول من يق��ول نفس الفع��ل آي��ة ألن

جنس الفعل مقدور وليس هذا بفرق طائل فإنه ال فرق بين تخصيصهم بالفعل أو بالقدرة عليه ف��اذا ك��ان

إقدارهم على الكثير الذي لم تجر به العادة معج��زة ك��ان نفس الكث��ير ال��ذي لم تج��ر ب��ه الع��ادة معج��زة

وهؤالء عندهم أن قدرة العباد ال تؤثر في وجود شيء وال يكون مقدورها اال في محله��ا فهم في الحقيق��ة

لم يثبتوا قدرة فكل ما في الوجود هو مقدور لله عندهم ولهذا عدل ابو المعالي ومن اتبع��ه ك�الرازي عن

هذا الفرق فلم يشترطوا أن يكون مما ينفرد الرب بالقدرة عليه وإذ كانت جميع الحوادث عن��دهم ك��ذلك

وقالوا ان ما يحصل على يد الساحر والكاهن وعامل الطلسمات وعن��د الطبيع��ة الغريب��ة ه��و مم��ا ينف��رد

الرب بالقدرة عليه ويكون آية للنبي وهذا معتاد لغير االنبياء فلم يبق لقولهم خرق للع��ادة مع��نى معق��ول

بل قالوا واللفظ للقاضي أبي بكر الواجب على هذا االصل أن يكون

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،149.

خرق العادة الذي يفعله الله مما يخرق عادة جميع القبيل الذين تح��داهم الرس��ول بمثل��ه ويحتج ب��ه على

نبوته فإن أرسل ملكا الى المالئكة أظهر على يده ما هو خرق لعادتهم وإن أرسل بشرا أرسله بما يخرق

عادة البشر وان أرسل جنيا أظهر على يديه ما هو خارق لعادة الجن فيقال السحر والكهانة معتاد للبش��ر

وأنتم تقولون يجوز أن يكون ما يأتي به الساحر والكاهن آية بشرط أن ال يمكن معارضته فلم يبق لكون��ه

خارقا للعادة معنى يعقل عندكم ولهذا قال محققوهم انه ال يشترط في اآلي��ات أن تك��ون خارق��ة للع��ادة

كما قد حكينا لفظهم في غير هذا الموضع كم�ا تق�دم وانم�ا الش��رط أنه��ا ال تع��ارض وأن تق�ترن ب�دعوى

النبوة هذان الشرطان هما المعتبران وقد بينا في غير موضع أن كال من الشرطين باطل واالول يقتض��ي

أن يك�����������������ون الم�����������������دلول علي�����������������ه ج�����������������زءا من ال������������������دليل

وآيات النبوة أنواع متعددة منها ما يكون قبل وجوده ومنها ما يكون بعد موته ومنه��ا م��ا يك��ون في غيبت��ه

والمقصود هنا كان هو الكالم على المثال الذي ذكروه وأن ما ضرب من االمثلة على الوجه الصحيح فان�ه

ولله الحمد يدل على صدق الرسول وعلى فس�اد أص�ولهم ولكن هم ض�ربوا مث�اال اذا اعت�بر على الوج�ه

الصحيح كان حجة ولله الحمد على صدق الن��بي وعلى فس��اد م��ا ذك��روه في المعج��زات حيث ق��الوا هي

الفعل الخارق للعادة المق�ترن ب�دعوى النب�وة واالس�تدالل ب�ه وتح�دي الن�بي من دع�اهم أن ي�أتوا بمثل�ه

وشرط بعضهم أن يكون مما ينفرد الرب بالقدرة عليه وهذه االربع��ة هي ال��تي ش��رط القاض��ي أب��و بك��ر

ومن سلك مس�لكه ك�ابن اللب�ان وابن ش�اذان والقاض�ي أبي يعلى وغ�يرهم أن يك�ون مم�ا ينف�رد ال��رب

بالقدرة عليه على أحد القولين أو منه ومن الجنس اآلخر اذا وقع على وجه يخرق العادة وطري��ق متع��ذر

على غيرهم مثله على القول اآلخر قالوا وهذا لفظ القاضي أبي بكر والثاني أن يكون ذلك الشيء ال��ذي

يظهر على أيديهم مما يخرق العادة وينقضها ومتى لم يكن كذلك لم يكن معج�زا والث�الث أن يك�ون غ�ير

النبي ممنوعا من إظهار ذلك على يده على الوجه الذي ظهر عليه ودع��ا الى معارض��ته م��ع كون��ه خارق��ا

للعادة والرابع أن يكون واقعا مفعوال عند تحدي الرسول بمثله وادعائه آية لنبوته وتقريعه بالعجز عنه من

خالفه وكذبه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،150.

ق��������الوا فه��������ذه هي الش��������رائط واألوص��������اف ال��������تي تختص به��������ا المعج��������زات

فيقال لهم الشرط االول قد عرف أنه ال حقيقة له ولهذا أعرض عنه أك��ثرهم والث��اني أيض��ا ال حقيق��ة ل��ه

فإنهم لم يميزوا ما يخرق العادة مما ال يخرقها ولهذا ذهب من ذهب من محققيهم الى الغاء هذا الش��رط

فهم ال يعتبرون خرق عادة جميع البشر بل ما اعتاده السحرة والكهان وأه�ل الطالس�م عن�دهم يج�وز أن

يكون آية إذا لم يعارض وما اعتاده أهل صناعة أو علم أو ش��جاعة ليس ه��و عن��دهم آي��ة وإن لم يع��ارض

فاالمور العجيبة التي خص الله باألقدار عليها بعض الناس لم يجعلوها خرق عادة واالمور المحرمة أو هي

كفر كالسحر والكهانة والطلمسات جعلوها خرق عادة وجعلوه�ا آي�ة بش�رط أن ال يع�ارض وه�و الش�رط

Page 75: النبوات

الثالث وهو في الحقيقة خاصة المعجزة عندهم لكن كون غير الرسول ممنوعا منه أن اعتبروا أنه ممنوع

مطلقا فهذا ال يعلم وإن اعتبروا انه ممنوع من المرسل اليهم فهذا ال يكفي بل يمكن ك��ل س��احر وك��اهن

أن يدعي النبوة ويقول أنني كذا قالوا لو فعل هذا لكان الله يمنعه فعل ذلك أو يقيض له من يعارضه قلنا

من أين لكم ذلك ومن أين يعلم الناس ذلك ويعلمون ان كل كاذب فال بد أن يمن��ع من فع��ل االم��ر ال��ذي

اعتاده هو وغيره قبل ذلك أو أن يعارض والواقع خالف ذلك فم��ا أك��ثر من ادعى النب��وة أو االس��تغناء عن

االنبياء وأن طريقه فوق طري�ق االنبي�اء وأن ال�رب يخاطب�ه بال رس�الة وأتى بخ�وارق من جنس م�ا ت�أتي

الس������������������حرة والكه������������������ان ولم يكن فيمن دع������������������اه من يعارض������������������ه

وأما الرابع وهو أن يكون عند تحدي الرسول فب�ه يح�ترزون عن الكرام�ات وه�و ش�رط باط�ل ب�ل آي�ات

االنبياء آيات وإن لم ينطقوا بالتحدي بالمثل وهي دالئ��ل على النب��وة وص��دق المخ��بر به��ا وال��دليل مغ��اير

للمدلول عليه ليس المدلول عليه جزءا من الدليل لكن اذا قالوا الدليل هو دعاء الرسول لزمه أن يريهم

آية وخلق تلك اآلية عقب سؤاله وإن كان ذلك قد يخلقه بغير سؤاله لحكمة أخرى فه��ذا متوج��ه فال��دليل

هو مجموع طلب العالمة مع فعل ما جعله عالمة كما ان العباد اذا دعوا الله فأجابهم كان ما فعل��ه إجاب��ة

لدعائهم ودليال على أن الله سمع دعاءهم وأجابهم كما أنهم اذا استسقوه فسقاهم واستنصروه فنصرهم

وإن كان قد يفعل ذلك بال دعاء فال يكون

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،151.

هناك دليل على إجابة دعاء فهو دليل على إجابة الدعاء اذا وقع عقب الدعاء وال يكون دليال اذا وق��ع على

غير هذا الوجه وكذلك الرسول اذا ق��ال لمرس��له أعط��ني عالم��ة فأعط��اه م��ا ش��رفه ب��ه ك��ان دليال على

رسالته وإن كان قد يفعل ذلك لحكمة أخرى لكن فعل ذلك عقب سؤاله آي�ة لنبوت�ه ه�و ال��ذي يختص ب�ه

وكذلك اذا علم أنه فعله اكراما له مع دعواه النبوة علم أنه قد أكرمه بما يكرم ب�ه الص�ادقين علي��ه فعلم

أنه صادق ألن ما فعل��ه ب��ه مختص بالص��ادقين االب��رار دون الك��اذبين علي��ه الفج��ار وعلى ه��ذا فكرام��ات

االولياء هي من آيات االنبياء فإنها مختصة بمن شهد لهم بالرسالة وكل ما استلزم صدق الشهادة بنبوتهم

فهو دليل على صدق هذه الشهادة سواء كان الشاهد بنبوتهم المخبر بها هم أو غيرهم بل غيرهم إذا أخبر

بنبوتهم وأظهر الله على يديه ما يدل على صدق هذا الخبر كان هذا أبلغ في الداللة على ص��دقهم من أن

يظهر على أيديهم فقد تبين أنه ليس من شرط دالئل النبوة القتران�ه ب�دعوى النب��وة وال االحتج�اج ب�ه وال

التحدي بالمثل وال تقريع من يخالفه بل كل هذه االمور قد تقع في بعض اآليات لكن ال يجب أن ما ال يق��ع

معه ال يكون آية بل هذا إبطال الكثر آيات االنبي�اء لخلوه�ا عن ه�ذا الش�رط ثم ه�و ش�رط بال حج�ة ف�ان

الدليل على المدلول عليه هو ما استلزم وجوده وهذا ال يكون اال عند عدم المعارض المساوي او ال��راجح

وما كان كذلك فهو دليل سواء قال المستدل به ائتوا بمثله وانتم ال تقدرون على االتي��ان بمثل��ه وق��رعهم

وعجزهم أو لم يقل ذلك فهو اذا كان في نفسه مما ال يقدرون على االتي��ان بمثل��ه س�واء ذك�ر المس��تدل

هذا أو لم يذكره ال بذكره يصير دليال وال بعدم ذكره تنتفي داللته وه��ؤالء ق��الوا ال يك��ون دليال اال اذا ذك��ره

المستدل وهذا باطل وكذلك الدليل هو دليل سواء استدل به مستدل أو لم يستدل وهؤالء ق��الو ال يك��ون

دلي��ل النب��وة دليال اال اذا اس��تدل ب��ه الن��بي حين ادعى النب��وة فجع��ل نفس دع��واه واس��تدالله والمطالب��ة

بالمعارضة وتقريعهم بالعجز عنها كلها جزءا من الدليل وهذا غل��ط عظيم ب��ل الس��كوت عن ه��ذه االم��ور

أبلع في الداللة والنطق بها ال يقوي الدليل والله تعالى لم يقل فليأتوا بحديث مثل��ه اال حين ق��الوا اف��تراه

لم يجعل هذا القول شرطا في الدليل ب�ل نفس عج�زهم عن المعارض�ة ه�و من تم�ام ال�دليل وهم أنم�ا

شرطوا ذلك ألن كرامات

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،152.

األولياء عندهم متى اقترن بها دعوى النبوة كانت آية للنبوة وجنس السحر والكهانة متى اقترن به

دعوى النبوة كان دليال على النبوة عندهم لكن قالوا الساحر والكاهن لو ادعى النبوة لكان يمتنع من

ذلك أو يعارض بمثله وأما الصالح فال يدعي فكان أصلهم أن م��ا ي��أتي ب��ه الن��بي والس��احر والك��اهن

والولي من جنس واحد ال يتميز بعضه عن بعض بوصف لكن خاصة النبي اقتران الدعوى واالستدالل

والتحدي بالمثل بما يأتي به فلم يجعلوا آليات االنبياء خاص��ة تتم��يز به��ا عن الس��حر والكهان��ة وعم��ا

يكون آلحاد المؤمنين ولم يجعلوا للنبي مزية على عم��وم المؤم��نين وال على الس��حرة والكه��ان من

Page 76: النبوات

جهة اآليات التي يدل الله بها العباد على صدقه وهذا افتراء عظيم على االنبياء وعلى آياتهم وتسوية

بين أفضل الخلق وشرار الخلق بل تسوية بين ما يدل على النبوة وما يدل على نقيضها فإن ما يأتي

به السحرة والكهان ال يكون اال لكذاب فاجر عدو لله فه�و من�اقض للنب�وة فلم يفرق�وا بين م�ا ي�دل

على النبوة وعلى نقيضها وبين ماال يدل عليها وال على نقيض�ها ف�إن آي�ات االنبي��اء ت�دل على النب��وة

وعجائب السحرة والكهان تدل على نقيض النبوة وأن صاحبها ليس ببر وال ع��دل وال ولي لل��ه فض��ال

عن أن يكون نبيا بل يمتنع أن يكون الساحر والكاهن نبيا بل هو من أعداء الله واالنبياء أفضل خل��ق

الله وايمان المؤمنين وص�الحهم ال ين�اقض النب�وة وال يس�تلزمها فه�ؤالء س�ووا بين االجن�اس الثالث�ة

فكانوا بمنزلة من سوى بين عبادة الرحمن وعبادة الشيطان واالوثان فإن الكهان والسحرة يأمرون

بالشرك وعبادة االوثان وما فيه طاعة للشيطان واالنبياء ال يأمرون اال بعبادة الله وحده وينه��ون عن

عبادة ما سوى الله وطاعة الشياطين فسوى هؤالء بين هذا وه��ذا ولم يب��ق الف��رق اال مج��رد تلف��ظ

المدعي بأني نبي فإن تلفظ به كان نبيا وإن لم يتلفظ به لم يكن نبيا فالك��ذاب المتن��بي اذا أتى بم��ا

يأتي الساحر والكاهن وقال أنا نبي كان نبي��ا وق��ولهم إن��ه اذا فع��ل ذل��ك من��ع من��ه وع��ورض دع��وى

مجردة فهي ال تقبل لو لم يعلم بطالنها فكيف وقد علم بطالنها وإن كثيرا ادعوا ذل��ك ولم يعارض��هم

ممن ادعوه أحد وال منعوا من ذل��ك فل��زم على ق��ول ه��ؤالء التس��وية بين الن��بي الص��ادق والمتن��بي

أليس  الكاذب وقد قال تعالى جاءه اذ بالصدق وكذب الله على كذب ممن أظلم فمنجهنم في

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،153.

المتقون هم أولئك به وصدق بالصدق جاء والذي للكافرين هؤالء  مثوى بين هؤالء يفرق ولمتعالى وقال هؤالء وآيات هؤالء آيات بين وال وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما أنزلوهؤالء

الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلون��ه ق��راطيس

تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم مالم تعلموا أنتم وال آب�اؤكم ق�ل الل�ه ثم ذرهم في خوض�هم يلعب�ون وه�ذا

كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون باآلخرة يؤمنون به

وهم على صالتهم يحافظون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح اليه ش��يء

ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الم��وت والمالئك��ة باس��طوا أي��ديهم

أخرج�وا أنفس��كم الي��وم تج�زون ع�ذاب اله��ون بم�ا كنتم تقول��ون على الل��ه غ��ير الح�ق وكنتم عن آيات�ه

تستكبرون ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وم��ا ن��رى معكم

الله  شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون فنسألالنبيين من عليهم أنعم الذين صراط المستقيم الصراط الى يهدينا أن العظيم

به أرسل بما وآمنوا له شريك ال وحده عبدوه الذين والصالحين والشهداء والصديقينوالغي والضالل والهدى والباطل الحق بين وفرق اآليات من به جاءوا وبما رسله

ممن فكان عليهم والمغضوب الضالين الله وأعداء المتقين الله أولياء وطريق والرشادبالله إال قوة وال حول وال به أمروا فيما وأطاعهم به اخبروا فيما الرسل صدق

وهؤالء يجوزون أن يامر الله بكل شيء وأن ينهى عن كل شيء فال يبقى عندهم فرق بين النبي الص��ادق

والمتنبي الكاذب ال من جهة نفسه فإنهم ال يشترطون فيه اال مجرد كونه في الباطن مقرا بالص��انع وه��ذا

موجود في عامة الخلق وال من جهة آياته وال من جهة ما يأمر به والفالسفة من هذا الوجه أجود قوال في

االنبياء فإنهم يشترطون في النبي اختصاصه بالعلم من غير تعلم وبالقدرة على التأثير الغ��ريب والتخيي��ل

ويفرقون بين الساحر والنبي بأن النبي يقصد العدل وي�أمر ب�ه بخالف الس��احر وله��ذا ع�دل الغ��زالي في

النبوة عن طريق أولئك المتكلمين الى طريق الفالسفة

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،154.

فاستدل بما يفعله النبي ويأمر به على نبوته وهي طري��ق ص��حيحة لكن انم��ا أثبت به��ا نب��وة مث��ل

نبوة الفالسفة وأولئك خير من الفالسفة من جهة أنهم لما أقروا بنبوة محمد صدقوه فيم��ا أخ��بر ب��ه

من أمور االنبياء وغيرهم وكان عندهم معص�وما من الك��ذب فيم�ا يبلغ��ه عن الل��ه ف�انتفعوا بالش��رع

والسمعيات وبها صار فيهم من االسالم ما تميزوا به على أولئك فإن أولئك ال ينتفعون بأخبار االنبي��اء

Page 77: النبوات

اذ كانوا عندهم يخ�اطبون الجمه��ور بالتخيي��ل فهم يك��ذبون عن��دهم للمص�لحة ولكن آخ�رون س�لكوا

مسلك التأويل وقالوا انهم ال يكذبون ولكن أس��رفوا في��ه ففي الجمل��ة ظه��ور الفالس��فة والمالح��دة

والباطنية على هؤالء تارة ومقاومتهم لهم تارة ال ب��د ل��ه من أس��باب في حكم��ة ال��رب وعدل��ه ومن

أعظم اسبابه تفريط أولئك وجهلهم بما جاء به االنبياء فالنبوة التي ينتسبون الى نصرها لم يعرفوه��ا

ولم يعرف�وا دليله�ا وال ق�دروها ق�درها وه�ذا يظه�ر من جه�ات متع�ددة وال ح�ول وال ق�وة إال بالل�ه

قد ذكرنا في غير موضع أن أصول الدين الذي بعث الله به رسوله محمدا صلى الله علي��ه) فصل (

وسلم قد بينها الله في القرآن أحس�ن بي�ان وبين دالئ�ل الربوبي�ة والوحداني�ة ودالئ�ل أس�ماء ال�رب

وصفاته وبين دالئل نبوة أنبيائه وبين المعاد بين إمكان��ه وقدرت��ه علي��ه في غ��ير موض��ع وبين وقوع��ة

باالدلة السمعية والعقلية فكان في بيان الله أص��ول ال��دين الح��ق وه��و دين الل��ه وهي أص��ول ثابت��ة

صحيحة معلومة فتضمن بيان العلم الن�افع والعم�ل الص�الح اله�دى ودين الح�ق وأه�ل الب�دع ال��ذين

ابتدعوا أصول دين يخالف ذلك ليس فيما ابتدعوه ال هدى وال دين حق فابتدعوا ما زعم��وا أن��ه أدل��ة

وبراهين على إثبات الصانع وصدق الرسول وإمكان المعاد أو وقوعه وفيم��ا ابت��دعوه م��ا خ��الفوا ب��ه

الشرع وكل ما خالفوه من الشرع فقد خالفوا فيه العقل أيضا فإن الذي بعث الله به محمدا وغ��يره

من االنبياء هو حق وصدق وتدل عليه االدلة العقلية فهو ثابت بالسمع والعقل والذين خالفوا الرس�ل

بقوله تعالى عنهم الله أخبر كما سألهم  ليس معهم ال سمع وال عقل فوج فيها ألقي كلماان شيء من الله نزل ما وقلنا فكذبنا نذير جاءنا قد بلى قالوا نذير يأتكم ألم خزنتها

السعير أصحاب في كنا ما نعقل أو نسمع كنا لو وقالوا كبير ضالل في إال أنتمبذنبهم فاعترفوا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،155.

الرسل  فسحقا الصحاب السعير لمكذبي تعالى أفلم يسيروا في االرض فتكون لهم قلوبوقال

ذلك  يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها ال تعمى االبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ذكرقوله وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم ابراهيم وقوم لوط وأصحاب مدينبعد

وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير فكأين من قري�ة أهلكناه�ا وهي ظالم�ة وهي

قال  خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد أفلم يسيروا في االرض اآلية ثم قال وكأين منثم

أملى  قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير لمن وأمالءه أهلك من إهالك فذكرالموضع هذا غير في هذا بسط وقد يهلكنا لم نحن فيقول المغتر يغتر لئال

والمقصود هنا أن ما جاء به الرسول يدل عليه السمع والعقل وهو حق في نفسه كالحكم الذي يحكم ب��ه

فإنه يحكم بالعدل وهو الشرع فالعدل هو الشرع والشرع هو العدل وله��ذا ي��أمر نبي��ه أن يحكم بالقس��ط

وأن يحكم بما أنزل الله والذي أنزل الله هو القسط والقسط هو الذي أنزل الله وكذلك الح��ق والص��دق

هو ما أخبرت به الرسل وما أخبرت به فهو الحق والصدق والسلف واألئمة ذم��وا أه��ل الكالم المبت��دعين

الذين خالفوا الكتاب والسنة ومن خالف الكتاب والسنة لم يكن كالمه اال باطال فالكالم الذي ذمه السلف

يذم النه باطل وألنه يخالف الشرع ولكن لفظ الكالم لما كان مجمال لم يعرف كثير من الناس الفرق بين

الكالم الذي ذموه وغيره فمن الناس من يظن أنهم إنما أنك��روا كالم القدري��ة فق��ط كم��ا ذك��ره ال��بيهقي

وابن عساكر في تفسير كالم الشافعي ونحوه ليخرجوا أصحابهم عن الذم وليس كذلك بل الشافعي أنكر

كالم الجهمية كالم حفص الفرد وأمثاله وهؤالء كانت منازعتهم في الصفات والقرآن والرؤية ال في الق�در

وكذلك أحمد بن حنبل خصومه من أهل الكالم هم الجهمية ال��ذين ن�اظروه في الق�رآن مث��ل أبي عيس��ى

محمد بن عيسى برغوث صاحب حسين النجار وأمثاله ولم يكونوا قدرية وال كان النزاع في مسائل القدر

ولهذا يصرح أحمد وأمثاله من السلف بذم الجهمية بل يكف��رونهم أعظم من س��ائر الطوائ��ف وق��ال عب��د

الله بن المبارك ويوسف بن أسباط وغيرهما أصول أهل

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،156.

االهواء أربع الشيعة والخوارج والمرجئة والقدرية فقيل لهم الجهمية فقالوا الجهمية ليسوا من أمة محمد

ولهذا ذكر أبو عبد الله بن حام��د عن اص��حاب أحم��د في الجهمي��ة ه��ل هم من الثن��تين والس��بعين فرق��ة

وجهين أحدهما أنهم ليسوا منهم لخروجهم عن االس��الم وطائف��ة تظن أن الكالم ال��ذي ذم��ه الس��لف ه��و

Page 78: النبوات

اال  مطلق النظر واالحتجاج والمناظرة ويزعم من يزعم من هؤالء أن قوله الكتاب أهل تجادلوا والأحسن هي نوحبالتي قوم عن أخبر قد تعالى الله فان غالطون أيضا وهؤالء السيف بآية منسوخ

جدالنا  وابراهيم بمجادلتهم للكفار حتى فأكثرت جادلتنا قد نوح يا  وقال عن قوم ابراهيم قالوا

قومه على ابراهيم آتيناها حجتنا وتلك قوله الى قومه للكافروحاجه ابراهيم محاجة وذكر

أهل  والقرآن فيه من مناظرة الكفار واالحتجاج عليهم ما فيه شفاء وكفاية وقوله تعالى تجادلوا والمنهم ظلموا الذين اال أحسن هي بالتي اال أحسن  وقوله الكتاب هي بالتي ليسوجادلهم

في القرآن ما ينس��خهما ولكن بعض الن��اس يظن أن من المجادل��ة ت��رك الجه��اد بالس��يف وك��ل م��ا ك��ان

متضمنا لترك الجهاد المأمور به فهو منسوخ بآيات السيف والجهاد والمجادلة ق��د تك��ون م��ع أه��ل الذم��ة

والهدنة واألمان ومن ال يجوز قتاله بالسيف وقد تكون في ابتداء الدعوة كما كان النبي ص��لى الل��ه علي��ه

وسلم يجاهد الكفار بالقرآن وقد تكون لبيان الحق وش��فاء القل��وب من الش��به م��ع من يطلب االس��تهداء

والبيان وبسط هذا له موضع آخر والمقصود هنا أن المبتدعين الذين ابتدعوا كالما وأصوال تخالف الكت��اب

وهي أيضا مخالفة للميزان وهو العدل فهي مخالفة للسمع والعقل كما ابت��دعوا في اثب��ات الص��انع إثبات��ه

بحدوث االجسام وأثبتوا حدوث االجسام بأنه�ا مس�تلزمة لالع�راض ال تنف�ك عنه�ا ق�الوا وم�ا اليخل�وا عن

الحوادث فهو حادث المتناع ال أول لها فهؤالء إذا حقق عليهم ما قالوه لم يوجدوا قد أثبتوا العلم بالص��انع

وال أثبتوا النبوة وال أثبتوا المعاد وهذه هي أص��ول ال��دين وااليم��ان ب��ل كالمهم في الخل��ق والبعث المب��دأ

والمعاد وفي اثبات الصانع ليس فيه تحقيق العلم ال عقال وال نقال وهم معترفون ب��ذلك كم��ا ق��ال ال��رازي

لقد تأملت الطرق الكالمية

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،157.

والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليال وال تروي غليال ورأيت أقرب الط��رق طريق��ة الق��رآن أق��رأ في

شيء  النفي كمثله علما  و ليس به يحيطون العرش  وأقرأ في االثبات ال على الرحمنالطيب  استوى الكلم يصعد السماء  اليه في من تجربتيأأمنتم مثل قال ومن جرب ثم

عرف مثل معرفتي وكذلك الغزالي وابن عقيل وغيرهما يقولون ما يشبه هذا وهو كما قالوا ف�ان ال�رازي

قد جمع ما جمعه من طرق المتكلمين والفالسفة ومع هذا فليس في كتبه اثب��ات الص�انع كم�ا ق�د بس��ط

هذا في غير هذا الموضع وبين جميع ما ذكره في اثبات الصانع وأنه ليس فيه ذلك وليس فيه أيضا اثب��ات

النبوة فان النبوة مبناها على أن الله قادر وأنه يحدث اآليات لتصدق بها الرسل وليس في كتبه اثب��ات ان

الله قادر وال مريد بل كالمه فيه تقرير حجج من نفي قدرته وارادته دون الجانب اآلخر كم�ا ق�د بين�ا ذل��ك

في الكالم على ما ذكره في مسألة القدرة واالرادة مع أنه ولله الحمد االدل��ة الدال��ة على اثب��ات الص��انع

واثب���ات قدرت���ه ومش���يئته تف���وق االحص���اء لكن من لم يجع���ل الل���ه ل���ه ن���ورا فم���ا ل���ه من ن���ور

وسبب ذلك إعراضهم عن الفطرة العقلية والشرعة النبوية بما ابتدعه المبتدعون مما أفسدوا به الفطرة

والشرعة فصاروا يسفسطون في العقليات ويقرمطون في السمعيات كما قد بين هذا في مواضع وأيضا

فإذا عرف أن الله قادر كما قد عرفه غ�يره فليس عن�ده في النب�وة اال طري�ق أص�حابه األش�عرية ال�ذين

سلكوا مسلك الجهمية في أفعال الله تعالى أو طريق الفالسفة ولهذا يقول من يقول من علماء الزيدي��ة

وهم يميلون الى االعتزال مع تش��يع الزيدي��ة يقول��ون نحن ال نتكلم في الش��افعي فإن��ه إم��ام لكن ه��ؤالء

صاروا جهمية يعني القدر فالسفة والشافعي لم يكن جهميا وال فيلسوفا وه��ؤالء لم يعرف��وا آي��ات االنبي��اء

والفرق بينها وبين غيرها لكن ادعوا ان ما يأتي به الكهان والسحرة وغيرهم ق��د يك��ون من آي��ات االنبي��اء

لكن بشرط أن ال يقدر أحد من المرسل اليهم على معارضته وهذه خاصة المعجز عندهم وهذا فاسد من

وجوه كثيرة كما قد بسط في غير هذا الموضع وأما كالمه في المعاد فأبعد

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،158.

من هذا وهذا كما قد بين ايضا وكذلك كالم من تقدمه من الجهمية وأتباعهم من األش��عرية وغ��يرهم ومن

المعتزلة فإنك ال تجد في كالمهم الذي ابتدعوه ال إثبات الربوبي��ة وال النب��وة وال المع��اد واألش��عري نفس��ه

وأتباعه ليس في كتبهم إثبات الربوبية وال المعاد وكذلك من سلك س��بيلهم في أدلتهم من أتب��اع الفقه��اء

كالقاضي أبي يعلى وابن عقيل وابن الزاغوني وغيرهم والمعتزلة كذلك أيضا وكذلك الكرامية وقد تأملت

كالم أئمة هؤالء الطوائف كأبي الحسين البصري ونحوه من المعتزلة وكابن الهيضم من الكرامي��ة وك��أبي

Page 79: النبوات

الحسن نفسه والقاضي أبي بكر وأبي المعالي الجوي�ني وأبي اس�حاق األس�فراييني وأبي بك�ر بن ف�ورك

وأبي القاسم القشيري وأبي الحسن التميمي والقاض�ي أبي يعلى وابن عقي��ل وابن الزاغ��وني غف�ر الل��ه

لهم ورحمهم أجمعين وتأملت ما وجدته في الصفات من المقاالت مثل كتاب الملل والنحل للشهرستاني

وكتاب مقاالت االسالميين لألشعري وهو أجمع كتاب رأيته في هذا الفن وقد ذكر فيه م�ا ذك�ر أن�ه مقال��ة

أهل السنة والحديث وأنه يختارها وهي أقرب ما ذكره من المقاالت الى السنة والح��ديث لكن في��ه أم��ور

لم يقلها أحد من أهل السنة والحديث ونفس مقالة أهل السنة والحديث لم يكن يعرفها وال هو خب��ير به��ا

فالكتب المصنفة في مقاالت الطوائف التي صنفها هؤالء ليس فيه��ا م��ا ج��اء ب��ه الرس��ول وم��ا دل علي��ه

القرآن الفي المقاالت المجردة وال في المقاالت التي يذكر فيها األدلة فإن جميع هؤالء دخل��وا في الكالم

المذموم الذي عابه السلف وذموه ولكن بعضهم أقرب الى الس��نة من بعض وق�د يك��ون ه�ذا أق�رب في

بعض وهذا أقرب في مواضع وهذا لكون أصل اعتم��ادهم لم يكن على الق��رآن والح��ديث بخالف الفقه��اء

فإنهم في كثير مما يقولونه إنما يعتمدون على القرآن والحديث فلهذا كانوا أكثر متابعة لكن ما تكلم في��ه

أولئك أجل ولهذا يعظمون من وجه ويذمون من وجه فإن لهم حسنات وفضائل وسعيا مشكورا وخطأهم

بعد االجتهاد مغفور واألشعري أعلم بمقاالت المختلفين من الشهرستاني ولهذا ذكر عشر طوائ��ف وذك��ر

مقاالت لم يذكرها الشهرستاني وهو أعلم بمقاالت أهل السنة وأقرب اليهم وأوسع علما من

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،159.

الشهرستاني والشهرستاني أعلم باختالف المختلفين ومقاالتهم من الغزالي وله��ذا ذك��ر لهم في الق��رآن

أربع مق��االت وع��دد طوائ��ف من أه��ل القبل��ة والغ��زالي حص��ر أه��ل العلم اآللهي في أربع��ة اص��ناف في

الفالسفة والباطنية والمتكلمين والصوفية فلم يعرف مقاالت أهل الحديث والسنة وال مقاالت الفقهاء وال

مقاالت أئمة الصوفية ولكن ذكر عنهم العمل وذكر عن بعضهم اعتقادا يخ�الفهم في�ه أئمتهم وأب�و ط�الب

أعلم منهما بأقوال الصوفية ومع هذا فلم يعرف مقالة األكابر كالفضيل بن عياض ونح��وه وأب��و الولي��د بن

رشد الحفيد حصر أهل العلم اآللهي في ثالثة في الحشوية والباطنية واألش��عرية والباطني��ة عن��ده ي��دخل

فيهم باطنية الصوفية وباطنية الفالسفة ومن هنا دخل ابن سبعين وابن عربي فأخ�ذوا م�ذاهب الفالس�فة

وادخلوها في التصوف وأبو حامد يدخل في بعض هذا فإن ابن سينا تكلم في مق��االت الع��ارفين بتص��وف

فاسد ثم ان هؤالء مع هذا لما لم يجدوا الصحابة والتابعين تكلموا بمثل كالمهم بل وال نقل ذلك عن النبي

صلى الله عليه وسلم صار منهم من يقول كانوا مشغولين بالجهاد عن هذا الباب وأنهم هم حققوا م��ا لم

يحققه الصحابة ويقولون أيضا ان الرسول لم يعلمهم هذا لئال يشتغلوا ب��ه عن الجه��اد فان��ه ك��ان محتاج��ا

اليهم في الجهاد وهكذا يقول من يقول من مبتدع�ة أه�ل الزه�د والتص�وف إذا دخل�وا في عب�ادات منهي

عنها ومذمومة في الشرع قالوا كان الصحابة مشغولين عنها بالجهاد وكان النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم

يخاف أن يشتغلوا بها عن الجهاد واهل السيف قد يظن من يظن منهم أن لهم من الجهاد وقتال االع��داء

مالم يكن مثله للصحابة وأن الصحابة كانوا مشغولين بالعلم والعبادة عن مثل جه��ادهم ومن أه��ل الكالم

من يقول بل الصحابة كانوا على عقائ�دهم وأص�ولهم لكن لم يتكلم�وا ب�ذلك لع�دم ح�اجتهم الي�ه فه�ؤالء

جمعوا بين أمرين بين أن ابتدعوا أقواال باطلة ظنوا أنها هي أص��ول ال��دين ال يك��ون عالم��ا بال��دين اال من

وافقهم عليها وأنهم علموا وبينوا من الحق مالم يبينه الرسول والصحابة وإذا تدبر الخب��ير حقيق��ة م��ا هم

عليه تبين له أنه ليس عند القوم فيما ابتدعوه ال علم وال دين ال شرع وال عق��ل وآخ��رون لم��ا رأوا ابت��داع

هؤالء وأن الصحابة والتابعين لم يكونوا يقولون مثل ق��ولهم ظن��وا أنهم ك��انوا كالعام��ة ال��ذين ال يعرف��ون

األدلة والحجج وأنهم كانوا ال يفهمون ما في

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،160.

اذا كان الوقف على قوله أنه إال  القرآن مما تشابه على من تشابه عليه وهموتو تأويله يعلم وما كان المراد أنه ال يفهم معناه اال الله ال الرسول وال الصحابة فصاروا ينسبون الصحابة بل والرسولالله

الى عدم العلم بالسمع والعقل وجعلوهم مثل أنفس��هم ال يس��معون وال يعقل��ون وظن��وا أن ه��ذه طريق��ة

السلف وهي الجهل البسيط التي ال يعقل صاحبها وال يسمع وهذا وصف أهل النار ال وصف افضل الخل��ق

بعد االنبياء قال ابن مسعود رضي الله عنه من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فان الحي ال يؤمن

عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد أبر هذه االمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة

Page 80: النبوات

نبيه واقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فانهم كانوا على اله��دى المس��تقيم وق��ال أيض��ا ان

الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برس��الته ثم نظ��ر

في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قل��وب أص��حابه خ��ير قل��وب العب��اد بع��د قلب��ه فجعلهم وزراء نبي��ه

يقاتلون على دينه فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحا فه��و عن��د الل��ه

قبيح وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال خ��ير الق��رون الق��رن

تعالى قال وقد يلونهم الذين ثم يلونهم الذين ثم فيهم بعثت من  الذي االولون والسابقونباحسان اتبعوهم والذين واالنصار اتبعهمالمهاجرين السابقين مطلقا ورضي عمن فرضي عن

باحسان وذلك متناول لكل من اتبعهم الى يوم القيامة كما ذكر ذلك أهل العلم ق��ال ابن أبي ح��اتم ق��رئ

والذين  على يونس بن عبد االعلى أخبرنا ابن وهب حدثني عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قوله باحسان آخر اتبعوهم موضع له هذا وبسط الساعة تقوم أن إلى االسالم أهل من بقي من قال

والمقصود هنا أن الهدى البيان واألدلة والبراهين في القرآن فإن الله تعالى أرسل رس��وله باله��دى ودين

الحق وأرسله باآليات البينات وهي األدلة البينة الدالة على الحق وك��ذلك س��ائر الرس��ل ومن الممتن��ع أن

يرسل الله رسوال يأمر الناس بتصديقه وال يكون هناك ما يعرفون به صدقه وك�ذلك من ق�ال إني رس�ول

الله فمن الممتنع أن يجعل مجرد الخبر المحتمل للصدق والكذب دليال له وحجة على الناس

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،161.

هذا ال يظن بأجهل الخلق فكيف بأفضل الناس وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أن��ه ق��ال

ما من نبي من االنبياء اال وقد أوتي من اآليات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوح��اه

تعالى قال القيامة يوم تابعا أكثرهم أكون أن فأرجو إلي من  الله أنزلنا ما يكتمون الذين انالالعنون ويلعنهم الله يلعنهم أولئك الكتاب في للناس بيناه ما بعد من والهدى البينات

فالبينات جمع بينة وهي االدلة والبراهين التي هي بينة في نفس��ها وبه��ا يت��بين غيره��ا يق��ال بين االم�ر أي

تبين في نفسه ويقال بين غيره فالبين اسم لما ظهر في نفسه ولما أظه�ر غ�يره وك�ذلك الم�بين كقول��ه

فاحشة مبينة أي متبين�ة فه�ذا ش�أن االدل�ة ف�ان مق�دماتها تك�ون معلوم�ة بنفس�ها كالمق�دمات الحس�ية

والبديهية وبها يتبين غيرها فيستدل على الخفي بالجلي والهدى مص�در ه�داه ه�دى واله�دى ه�و بي�ان م�ا

ينتفع به الناس ويحتاجون اليه وهو ضد الضاللة فالضال يضل عن مقصوده وطريق مقصوده وهو سبحانه

بين في كتبه ما يهدي الناس فعرفهم ما يقصدون وما يسلكون من الطرق عرفهم أن الله ه��و المقص��ود

المعبود وحده وأنه ال يجوز عبادة غيره وعرفهم الطريق وهو ما يعبدونه به ففي الهدى بيان المعبود وم��ا

يعبد به والبينات فيها بيان األدلة والبراهين على ذلك فليس ما يخبر به ويأمر ب��ه من اله��دى ق��وال مج��ردا

عن دليله ليؤخذ تقليدا واتباعا للظن بل هو مبين باآليات البينات وهي األدلة اليقيني��ة وال��براهين القطعي��ة

وكان عند أهل الكتاب من البينات الدالة على نبوة محمد وصحة ما جاء به أمور متعددة كبش��ارات كتبهم

الله  وغير ذلك فكانوا يكتمونه قال تعالى من عنده شهادة كتم ممن أظلم فإنه كان عندهمومن

فيه  شهادة من الله تشهد بما جاء به محمد وبمثله فكتموها وقال تعالى أنزل الذي رمضان شهروالفرقان الهدى من وبينات للناس هدى فانزله هاديا للناس وبينات من الهدى والفرقانالقرآن

فهو يهدي الناس إلى صراط مستقيم يهديهم الى صراط العزيز الحميد الذي ل��ه م��ا في الس��ماوات وم��ا

في االرض بما فيه من الخبر واألمر وهو بينات دالالت وبراهين من الهدى من األدلة الهادية المبينة للحق

ومن الفرقان المفرق بين الحق والباطل والخير والشر والصدق والك��ذب والم��أمور والمحظ��ور والحالل

والحرام

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،162.

وذلك أن الدليل ال يتم اال بالجواب عن المعارض فاالدلة تشتبه كثيرا بم�ا يعارض�ها فال ب�د من الف�رق بين

الدليل الدال على الحق وبين ما عارضه ليتبين ان الذي عارضه باطل فال��دليل يحص��ل ب��ه اله��دى وبي��ان

الحق لكن ال بد مع ذلك من الفرقان وهو الفرق بين ذلك الدليل وبين ما عارضه والفرق بين خ��بر ال��رب

والخبر الذي يخالفه فالفرقان يحصل ب��ه التمي��يز بين المش��تبهات ومن لم يحص��ل ل��ه الفرق��ان ك��ان في

للناس  اشتباه وحيرة والهدى التام ال يكون اال مع الفرقان فلهذا قال أو ال وبينات  ثم قال هدىوالفرقان الهدى الذي هو دليلمن الهدى بينات من الهدى وهي فالبينات األدلة على ما تقدم من

Page 81: النبوات

على أن األول هدى ومن الفرقان الذي يفرق بين البينات والشبهات والحجج الصحيحة والفاسدة فالهدى

مثل أن يؤمر بسلوك الطريق إلى الله كما يؤمر قاصد الحج بسلوك طريق مكة مع دليل يوصله والبينات

ما ي�دل وي�بين أن ذل��ك ه�و الطري�ق وأن س�الكه س�الك للطري�ق ال ض�ال والفرق�ان أن يف�رق بين ذاك

الطريق وغيره وبين الدليل الذي يسلكه ويدل الناس عليه وبين غ��يرهم ممن ي��دعي الدالل��ة وه��و جاه��ل

مضل وهذا وامثاله مما يبين أن في القرآن االدلة الدالة للناس على تحقيق ما في��ه من األخب��ار واالوام��ر

كثير وقد بسط هذا في غير ه��ذا الموض��ع والمقص��ود هن��ا الكالم على النب��وة ف��إن المتكلمين المبت��دعين

تكلموا في النبوات بكالم كثير لبسوا فيه الحق بالباطل كما فعلوا مثل ذل��ك في غ��ير النب��وات كاإللهي��ات

وكالمعاد وعند التحقيق لم يعرفوا النبوة ولم يثبتوا ما يدل عليه��ا فليس عن��دهم ال ه��دى وال بين��ات والل��ه

سبحانه أنزل في كتبه البينات والهدى فمن تصور الشيء على وجهه فق�د اهت�دى الي�ه ومن ع�رف دلي�ل

ثبوته فقد عرف البينات فالتصور الصحيح اهتداء والدليل الذي يبين التصديق ب��ذلك التص��ور بين��ات والل��ه

أنزل الكتاب هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان والق��رآن اثبت الص��فات على وج��ه التفص��يل ونفي

عنها التمثيل وهي طريقة الرسل جاءوا باثبات مفصل ونفي مجمل وأعداؤهم جاءوا بنفي مفصل وإثب��ات

مجمل فلو لم يكن الحق فيما بينه الرسول للناس وأظهر لهم بل كان الح��ق في نقيض��ه لل��زم أن يك��ون

عدم الرسول خيرا من وجوده إذ كان وجوده لم يفدهم عند هؤالء علما وال هدى بل ذكر أقواال ت��دل على

الباطل

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،163.

وطلب منهم أن يتعلموا الهدى بعقولهم ونظرهم ثم ينظروا فيما جاء به فأم��ا أن يت��أولوه ويحرف��وا الكلم

عن مواضعه وإما أن يعوضوه فذكرنا هذا ونحوه مما ي��بين أن اله��دى م��أخوذ عن الرس��ول وأن��ه ق��د بين

لالمة ما يجب اعتقاده من أصول الدين في الص�فات وغيره�ا فك��ان الج�واب خطاب�ا م�ع من يق�ر بنبوت�ه

ويشهد له بأنه رسول الل��ه فلم ي��ذكر في��ه دالئ��ل النب��وة وذك��ر أن الش��بهات العقلي��ة ال��تي تع��ارض خ��بر

الرسول باطلة وذكر في ذلك ما هو موجود في هذا الجواب ثم بعد ذل��ك ح�دثت أم�ور أوجبت أن يبس��ط

الكالم في هذا الباب ويتكلم على حجج النفاة ويبين بطالنها ويتكلم على ما أثبتوه من أنه يجب تقديم م��ا

يزعمون أنه معقول على ما علم بخبر الرسول وبسط في ذلك من الكالم والقواعد ما ليس هذا موضعه

وتكلم مع الفالسفة والمالحدة الذين يقولون ان الرسل خاطبوا خطابا قصدوا به التخيي��ل الى العام��ة م��ا

ينفعهم ال أنهم قصدوا االخبار بالحقائق وهؤالء لم يكن وقت الجواب قص��د مخ��اطبتهم اذ ك��ان ه��ؤالء في

الحقيقة مكذبين المرسل يقولون أنهم كذبوا لما رأوه مصلحة بل كان الخطاب مع من يقر بأن الرس��ول

ال يقول اال الحق باطنا وظاهرا ثم بعد هذا طلب الكالم على تقرير أصول الدين بأدلتها العقلية وان كانت

مستفادة من تعليم الرسول وذكر فيها ما ذكر من دالئل النبوة في مصنف يتض�من ش�رح عقي�دة ص�نفها

شيخ المنظار بمصر شمس ال��دين االص�بهاني فطلب م�ني ش�رحها فش�رحتها وذك�رت فيه�ا من ال��دالئل

العقلية ما يعلم به أصول الدين وبعدها جاء كتاب من النصارى يتضمن االحتجاج ل��دينهم بالعق��ل والس��مع

واحتجوا بما ذكروه من القرآن فأوجب ذلك أن يرد عليهم ويبين فساد ما احتجوا ب��ه من األدل��ة الس��معية

من القرآن ومن كالم االنبياء المتقدمين وما احتجوا به من العقل وأنهم مخالفون لألنبياء وللعق��ل خ��الفوا

المسيح ومن قبله وحرفوا كالمهم كما خالفوا العقل وبين ما يحتج��ون ب��ه من نص��وص االنبي��اء وانه��ا هي

وغيرها من نصوص االنبياء التي عندهم حجة عليهم ال لهم وبين الجواب الصحيح لمن حرف دين المس��يح

وهم لم يطالبوا ببيان دالئل نبوة نبينا لكن اقتضت المصلحة أن يذكر من ه��ذا م��ا يناس��به ويبس��ط الكالم

في ذلك بسطا أكثر من غيره وقلوب كثير من الناس يجول فيها أمر النبوات وما جاءت به الرسل

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،164.

وهم وإن أظهروا تصديقهم والش�هادة لهم ففي قل�وبهم م�رض ونف�اق اذ ك�ان م�ا جعل�وه أص�وال

لدينهم معارض لما جاءت به االنبياء وهم لم يتعلموا ما جاءت ب��ه االنبي��اء ولم يأخ��ذوا عنهم ال��دالئل

واالصول والبينات والبراهين وإذا وجب أن يؤخ��ذ عن االنبي��اء م��ا أخ��بروا ب��ه من أص��ول ال��دين ومن

تصديق خبرهم مع وجود ما يعارضه فألن يؤخذ عنهم ما بينوا به تل��ك العقائ��د من اآلي��ات وال��براهين

أولى وأحرى فإنه بهذا يتبين ذاك وإال فتصديق الخبر متوقف على دليل صحته أو على صدق المخ��بر

به وتصديقه بدون أن يعلم أنه في نفسه حق أو أن المخبر به صادق قول بال علم والرسول صلوات

Page 82: النبوات

الله عليه وسالمه قد أرسل بالبينات والهدى بين األحكام الخبرية والطلبية وأدلته��ا الدال��ة عليه��ا بين

المسائل والوسائل بين الدين م�ا يق�ال وم�ا يعم�ل وبين اص�وله ال��تي به�ا يعلم أن�ه دين ح�ق وه�ذا

المعنى قد ذكره الله تعالى في غير موضع وبين أنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظه��ره على

الدين كله ذكر هذا في سورة التوبة والفتح والصف واله�دى ه�و ه�دى الخل�ق الى الح�ق وتع�ريفهم

ذلك وإرشادهم اليه وهذا ال يكون اال بذكر االدلة واآليات الدالة على أن هذا هدى واال فمجرد خبر لم

يعلم أنه حق ولم يقم دليل على أنه حق ليس بهدي وهو سبحانه اذا ذكر االنبياء نبينا وغيره ذكر ان��ه

أرسلهم باآليات البينات وهي االدلة والبراهين البينة المعلومة علما يقينيا اذ كان ك��ل دلي��ل ال ب��د أن

ينتهي الى مقدمات بينة بنفسها قد تسمى بديهيات وقد تسمى ضروريات وقد تس��مى أولي��ات وق��د

يقال هي معلومة بأنفسها فالرسل صلوات الله عليهم بعث��وا باآلي��ات البين��ات وفي الص��حيحين عن��ه

صلى الله عليه وسلم أنه قال م��ا من ن��بي من االنبي��اء إال وق��د أوتي من اآلي��ات م��ا آمن على مثل��ه

البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله الي ف��أرجو أن أك��ون اك��ثرهم تابع��ا ي��وم القيام��ة وه��و

سبحانه اذا خاطب جنس االنس ذكر جنس االنبياء وأثبت جنس ما جاءوا به واذا خاطب أهل الكت��اب

المقرين بنبوة موسى خاطبهم باثبات نبي بعده كما قال في سورة البقرة في خطابه لبني اسرائيل

لما ذكر ما ذكره من أحوالهم مع موسى وذكرهم بإنعامه عليهم وبما فعلوه من الس��يئات ومغفرت��ه

وآتينا  لها قال تعالى بالرسل بعده من وقفينا الكتاب موسى آتينا ولقد

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،165.

عيسى بن مريم البينات وأيدناه ب��روح الق��دس أفكلم��ا ج��اءكم رس��ول بم��ا ال ته��وى انفس��كم اس��تكبرتم

فقال  ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون محمدا ذكر ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهمثم

وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا ب��ه فلعن��ة الل��ه على الك��افرين

بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يش��اء من عب��اده

مهين عذاب وللكافرين غضب على بغضب اليهم  فباءوا المسيح أرسل أنه سبحانه فذكرأنه وذكر يقتلونهم وتارة الرسل يكذبون تارة وأنهم الرسل قبله أرسل ما بعد بالبينات

يذكر لم ولهذا قبله من بخالف التوراة شرع بعض بنسخ جاء ألنه بالبينات عيسى أرسلكتابه حرفوا ولكن بنبوته مقرين كانوا ألنهم الكتاب أتاه إنه موسى في وقال عنهم ذلك

ذكر قد تعالى وهو المواضع بعض وفي أحيانا اللفظ وحرفوا الناس باتفاق المعنى فيناجاه لما فقال البينات باآليات موسى أرسل أنه موضع غير وألق عصاك فلما رآها تهتزفي

كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ي��ا موس��ى ال تخ��ف إني ال يخ��اف ل��دي المرس��لون اال من ظلم ثم ب��دل

بيضاء من غير سوء بعد سوء فاني غفور رحيم وادخل يدك في جيبك تخرج آيات  حسنا تسع فيالقصص سورة في وقال فاسقين كانوا انهم وقومه فرعون يا موسى أقبل وال تخف انكالى

من اآلمنين اسلك يدك في جيبك تخرج بيض��اء من غ��ير س��وء واض��مم الي��ك جناح��ك من ال��رهب ف��ذانك

انهم كانوا قوما فاسقين الى فرعون وملئه تعالى  برهانان من ربك الطوفانوقال فأرسلنا عليهم

لما  والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصالت فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين تعالى قال وقداالنبياء ذكر ثم أعدائهم وإهالك لهم ونصره وشعيب وصالح وهود نوح الرسل قصص قص

فقال وما أرسلنا في قرية من نبي اال أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون الى قوله أوعموما

لم يهد لل��ذين يرث��ون االرض من بع��د أهله��ا أن ل��و نش��اء أص��بناهم ب��ذنوبهم ونطب��ع على قل��وبهم فهم ال

يسمعون تلك القرى نقص عليك ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ك��ذلك

يطبع الله على قلوب

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،166.

القرى  الكافرين وما وجدنا الكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين أهل أن أخبر فقدفما متقدميهم متأخروهم شابه ولكن بالبينات رسلهم جاءتهم أهلكهم الذين كلهموهذا الكافرين قلوب على الله يطبع كذلك أشباههم به كذب بما ليؤمنوا هؤالء كان

تعالى تعالى  كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول اال قالوا ساحر أو مجنون كقوله ثمقال

 بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا الى فرعون وملئه فظلموا بها ف��انظر كي��ف ك��ان عاقب��ة المفس��دين

Page 83: النبوات

القصة أثناء في وقال بآياته موسى بعث أنه سبحانه إني رسول من رب العالمينفبين

 حقيق على أن ال أقول على الله اال الح��ق ق��د جئتكم ببين��ة من ربكم فارس��ل معي ب��ني اس��رائيل

منه آية فهي وبرهان الله من بدليل الله من بينة بآية أي الله من ببينة جاء أنه فأخبربالرسول متعلق ربكم من قوله فإن منه رسول واني صدقي على منه وعالمة

كما منه واآلية منه والرسول منه فالعالمة فالن من بعالمة جاء قد فالن يقال وباآليةالرسول  فذانك برهانان من ربك قال آيات ومن الرسول من واحد كل أن على فدل

فرعون له قال تعالى الله من وذكر  ان كنت جئت بآية فأت بها ان كنت من الصادقين هوقال أن الى له السحرة ومعارضة فأوحينا الى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقفالقصة

ما يأفكون فوقع الح��ق وبط��ل م��ا ك��انوا يعمل��ون فغلب��وا هنال��ك وانقلب��وا ص��اغرين وألقي الس��حرة

ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال فرعون آمنتم به قبل إن آذن لكم أن هذا

لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون ألقطعن أي��ديكم وأرجلكم من خالف

ثم ألصلبنكم أجمعين قالوا انا الى ربنا منقلبون وما تنقم منا اال أن آمنا بآي��ات ربن��ا لم��ا جاءتن��ا ربن��ا

وهم  أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسليمن جاءتهم لما ربهم بآيات آمنوا أنهم السحرة فذكرموسى قال كما الله من آيات اآليات هذه أن علموا لما بالسحر الناس أعلم قدمن

جئتكم ببينة من ربكم الى قوله فارس�لنا عليهم الطوف�ان والج�راد والقم�ل والض�فادع وال��دم آي�ات

مفصالت فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين الى قوله فأغرقن��اهم في اليم ب��أنهم ك��ذبوا بآياتن��ا وك��انوا

فرعون  عنها غافلين الى ذهب لما موسى فان منزال كتابا هنا باآليات المراد وليس

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،167.

لم تكن التوراة قد نزلت وإنما أنزلت التوراة بعد أن غرق فرعون وخلص ببني اسرائيل فاحت�اجوا

تعالى قال بها يعملون القرون  الى شريعة أهلكنا ما بعد من الكتاب موسى آتينا ولقدوهدى للناس بصائر إنهااآلولى وقولهم الله من آية تكون أن إنكارهم بآياته تكذيبهم ولكن

نحن  سحر كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله فما بها لتسحرنا آية من به تأتنا مهما وقالوابمؤمنين وكانوا عنها غافلين لم يذكروها ويتأملوا ما دلت عليه من صدق موسى وانه مرسللك

من الله فالتكذيب ضد التصديق والغفلة عنها ضد النظر فيه��ا وله��ذا قي��ل النظ��ر تجري��د العق��ل عن

الغفالت وقيل هو تحديق العقل نحو المرئي واألول هو النظر الطلبي وهو طلب ما يدله على الح��ق

والثاني هو النظر االستداللي وهو النظر في الدليل الذي يوص��له الى الح��ق وه��ذا الث��اني ه��و ال��ذي

يوجب العلم فذمهم على الغفلة عن آياته يتضمن النوعين النظر فيها والتأمل له��ا والت��ذكر له��ا ض��د

الغفلة عنها وهي آيات معينة فإذا جرد العقل عن الغفلة عنها وصدقه للنظر فيها حصل له العلم به��ا

بها  وقد يحصل العلم بها ولكن يمتنع عن اتباعها لهواه كما قال الله عن قوم فرعون وجحدواوعلوا ظلما أنفسهم والدالئلواستيقنتها بالضرورة واآليات إذا ظهر صار معلوما الحق فإن

الظاهرة تدل على لوازمها بالضرورة لكن اتباع الهوى يصد عن التصديق بها واتب��اع م��ا أوجب��ه العلم

بها وهذه حال عامة المكذبين مثل مكذبي محمد وموسى وغيرهما فإنهم علموا صدقهما علما يقينيا

تعالى الهوى صد قال اتباع الكثيرة لكن آيات الصدق ودالئله يكذبونك  لما ظهر من ال فإنهميجحدون الله بآيات الظالمين فرعون ولكن قوم عن تعالى بها  وقال وجحدوا

وعلوا ظلما أنفسهم لفرعون واستيقنتها موسى اال  وقال هؤالء أنزل ما علمت لقدبصائر واألرض السماوات غافلين  ولهذا قال رب عنها فعلموا أنها حق وغفلوا عنهاوكانوا

الله تعالى قال تعالى أغفلنا  كما يغفل االنسان عما يعلمه ومنه الغفلة عن ذكر من تطع والفرطا أمره وكان هواه واتبع ذكرنا عن تعالى قلبه نفسك  وقال في ربك واذكر

واآلصال بالغدو القول من الجهر ودون وخيفة تضرعا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،168.

تعالى  وال تكن من الغافلين ان الذين ال يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بهاوقال

النار بما كانوا يكذبون آياته غافلون أولئك مأواهم آياته  والذين هم عن عن هم الذين فذكروضد عنها الغفلة مع بها بالتكذيب وصفهم وهناك هناك ذكرهم كما هنا غافلون

Page 84: النبوات

وهو القلب في وحضورها بها العلم يوجب سبحانه آلياته والتذكر التذكر الغفلةتعالى قال هوى يمنعه أن اال التباعها ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين الموجب

الله فيهم خيرا ألسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون لو  يعقلون ولو علم سبحانه فهووهم لتولوا أفهمهم فلو فيهم خير ال لكنهم ألفهمهم الحق قصد وهو خيرا فيهم علم

تعالى وقال ربمعرضون رسول اني فقال وملئه فرعون الى بآياتنا موسى أرسلنا ولقد

العالمين فلما جاءهم بآياتنا اذا هم منها يضحكون وما نريهم من آية إال هي أكبر من أختها وأخ��ذناهم

غير  بالعذاب لعلهم يرجعون موضع غير في منه النبوة دالئل هي التي اآليات ذكر وقدتعالى كقوله تقدم قدما تعذبهم وال اسرائيل بني معنا فارسل ربك رسوال انا فقوال فائتياه

جئناك بآية من ربك والسالم على من اتبع الهدى انا قد أوحي الينا أن العذاب على من كذب وت��ولى

قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال فما بال القرون االولى

قال علمها عند ربي في كتاب ال يضل ربي وال ينسى الذي جعل لكم االرض مهادا وس��لك لكم فيه��ا

سبال وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواج�ا من نب��ات ش�تى كل��وا وارع�وا أنع��امكم ان في ذل��ك

آليات ألولى النهى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنه��ا نخ��رجكم ت��ارة أخ��رى ولق��د أرين��اه آياتن��ا كله��ا

فكذب وأبى قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك ي��ا موس��ى فلنأتين��ك بس��حر مثل��ه الى قول��ه عن

البينات من جاءنا ما على نؤثرك لن تعالى  السحرة قدوقال اني إسرائيل بني الى ورسوال

تعالى  جئتكم بآية من ربكم وقالوا لو ال يأتينا بآية من ربه أو لم تأتهم بينة ما في الصحفوقال

أنه  االولى منه وعالمات الله من آيات هي وبراهينها النبوة دالئل هي التي فاآلياتففيها وأمره لعباده إخباره تتضمن كالمه هي التي اآليات أن وكما الرسول أرسل

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،169.

اإلعالم وااللزام فكذلك دالئل النبوة هي آي�ات من�ه تتض�من إخب�اره لعب�اده ب�أن ه�ذا رس�وله وأم�ره لهم

بطاعته ففيها اإلعالم واإللزام وكما أن آياته القولية زعم المكذبون أنها ليست كالمه وال من��ه ب��ل هي من

قول البشر وزعم��وا أن الرس��ول افتراه��ا أو من مع��ه أو تعلمه��ا من غ��يره فك��ذلك اآلي��ات الفعلي��ة زعم

المكذبون أنها ليست آية منه وعالمة وداللة منه على أن الرسول ورسوله بل مما يفعله الرسول فيكذب

وهذه من فعل المخلوقين لكنها عجيبة فهي سحر سحر بها الناس فلم يكن من المك��ذبين من ق��ال انه��ا

من الله ولكن لم يخلقها لنصدقك بها بل خلقها ال لشيء أو خلقها وان كنت كاذبا فإنه قد يخلق مثل هذه

على أيدي الكذابين ليضل بها الناس فإن هذا وان كان يقال انه قبيح فانه ال يقبح من��ه ش��يء كم��ا أن��ه لم

يكن في المكذبين من قال ان الكالم كالم الله لكنه كذب اذ الكذب وإن كان قبيحا من المخلوق فالخالق

ال يقبح منه شيء وهذا ألنه من المعلوم بالفطرة الض�رورية لجمي�ع ب�ني آدم ان الل�ه ال يك�ذب وال يفع�ل

القبائح فال يؤيد الكذاب بآيته ليضل بها الناس لكن قالوا ليست آية من الله بل هي سحر من عن��دك وهم

وإن كانوا قد يعلمون أن الله خالق كل شيء ففرق بين ما يفعله البشر ويتوصلون إلي��ه باالكتس��اب وبين

ماال قدرة لهم على التوصل إليه بسبب من األسباب وف��رق بين م��ا ق��د علم��وا أن��ه يخلق��ه لغ��ير تص��ديق

الرسل كالسحر فإنه لم يزل معروفا في بني آدم فقد علموا انه ال يخلقه آية وعالمة لنبي اذ كان موجودا

لغير االنبياء معتادا منهم وإن كان عجيبا خارجا عن العادة عند من لم يعرفه بل ك�ان المك�ذبون يط�البون

الصادقين  الرسل باآليات كقول فرعون من كنت ان بآية أنت  وقول قوم صالح له فات إنماالصادقين من كنت ان بآية فأت مثلنا بشر اال أنت ما المسحرين تأتيمن االنبياء وكانت

باآليات وهي آيات بينات فيكذبون بها كما يكذب المعاند ب��الحق الظ��اهر المعل��وم كم��ا ق��ال فرع��ون إن��ه

الذي  ساحر ولما غلب السحرة وآمنوا واعترفوا بأن هذه آية من الله قال لهم فرعون لكبيركم إنهأهلها منها لتخرجوا المدينة في مكرتموه لمكر هذا وان السحر كذب ظاهرعلمكم وهذا

فإن موسى جاء من السام ولم يجتمع بالسحرة إنما فرعون جمعهم ولم يكن دين موس��ى دين الس��حرة

وال مقصودة مقصودهم بل هم وهو في غاية التعادي والتباين

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،170.

وكذلك سائر السحرة والكهنة م��ع االنبي��اء من أعظم الن��اس ذم��ا لهم وأم��را بقتلهم م��ع تص��ديق االنبي��اء

بعضهم ببعض وايجاب بعضهم االيمان ببعض وهم يأمرون بقتل من يك��ذب نبي��ا وي��أمرون بقت��ل الس��حرة

Page 85: النبوات

ومن آمن بهم والسحرة يذم بعضهم بعضا واالنبياء يصدق بعضهم بعضا وهؤالء يأمرون بعبادة الل��ه وح��ده

والصدق والعدل ويتبرءون من الشرك وأهله وهؤالء يحبون أهل الشرك ويوالونهم ويبغضون أهل التوحيد

نبي  والعدل فهذان جنسان متعاديان كتعادي المالئكة والشياطين كما قال تعالى لكل جعلنا وكذلكربك شاء ولو غرورا القول زخرف بعض الى بعضهم يوحي والجن االنس شياطين عدوا

وليرضوه باآلخرة يؤمنون ال الذين أفئدة اليه ولتصغي يفترون وما فذرهم فعلوه مامقترفون هم ما أووليقترفوا الساحر جعل من بمنزلة هو مجنونا أو ساحرا النبي جعل فمن

المجنون نبيا وهذا من أعظم الفرية والتسوية بين االضداد المختلفة وهو شر من قول من يجع��ل العاق��ل

مجنون��ا والمجن��ون ع��اقال أو يجع��ل الجاه��ل عالم��ا والع��الم ج��اهال ف��إن الف��رق بين الن��بي وبين الس��احر

والمجنون أعظم من الفرق بين العاق��ل والمجن��ون والع��الم والجاه��ل وموس��ى ص��لوات الل��ه علي��ه أم��ر

بتصديق من يأتي بعده من االنبياء الصادقين كما أمر بتكذيب الكذابين وأما السحرة فإنه أمر بقتلهم وفي

التوراة سأقيم لبني اسرائيل من إخوتهم نبيا مثلك اجعل كالمي على فمه كلكم يس��معون وه��ذا يقتض��ي

طاعة من يقوم بعده من االنبياء ثم من الناس من يعين هذا فاليهود يقولون هو يوشع والنصارى يقول��ون

هو المسيح وبعض المسلمين يقولون هو محمد صلى الله عليه وسلم يحتجون على ذلك بحجج كثيرة ق��د

ذكرت في غير هذا الموضع ومنهم من يقول بل هذا اس�م جنس وه�و ع�ام في ك�ل ن�بي ي�أتي بع��ده لئال

يكذبوه كما فعلت اليهود وانكروا النسخ وهذا القول أقرب فيدخل في هذا المس��يح ومحم��د ومن قبلهم��ا

من أنبياء بني اسرائيل فان المقصود أمرهم بتصديق االنبياء وطاعتهم وأن الله سبحانه ينزل على االنبياء

كالمه فالذي يقولونه هو كالم الله ما سمعوا منه وبسط ه��ذا ل��ه موض��ع آخ��ر وق��د بس��ط الق��ول في أن

الناس يعلمون بالضرورة أن اآليات التي يأتي بها االنبياء آيات من الله وعالمة أعلم بها عباده أنه أرسلهم

وأمرهم بطاعتهم والذين كذبوا بها كانوا يقولون ليست من الله بل هي سحر أو كهانة أو نحو ذلك

ال يقرون بأنها آية من الله ويقولون مع ذلك قد يخلقها الله لغير التصديق أو يخلقها ليض��ل به��ا الخل��ق أو

نحو ذلك فإن بسط هذه االمور له موضع آخر والمقص��ود هن��ا أن الرس��ول بين للن��اس االدل��ة وال��براهين

أنزلنا  الدالة على أصول الدين كلها كما قد ذكر سبحانه هذا في مواضع كقوله ما يكتمون الذين انالله يلعنهم أولئك الكتاب في للناس بيناه ما بعد من والهدى البينات شهر  وقوله منوالفرقان الهدى من وبينات للناس هدى القرآن فيه أنزل الذي قولهرمضان ذلك ومن

آياته  تعالى عليهم يتلو أنفسهم من رسوال فيهم بعث اذ المؤمنين على الله من لقدمبين ضالل لفي قبل من كانوا وإن والحكمة الكتاب ويعلمهم وقد وصف الرسولويزكيهم

رسوال  بذلك في مواضع فذكر هذا في البقرة في دعوة ابراهيم وفي قوله تعالى فيكم أرسلنا كماوالحكمة الكتاب ويعلمكم ويزكيكم آياتنا عليكم يتلو الله  وفي قوله منكم نعمة واذكروا

به يعظكم والحكمة الكتاب من عليكم أنزل وما وهنا لم يذكر يتلو عليهم آياته ويزكيهمعليكم

فيهم  لحكمة تختص بذلك وذكر هذا في آل عمران في قوله بعث إذ المؤمنين على الله من لقدوالحكمة الكتاب ويعلمهم ويزكيهم آياته عليهم يتلو أنفسهم من واذكرن  وقد قال رسوال

والحكمة الله آيات من بيوتكن في يتلى وهذا شبه الموضع الثالث في البقرة فأخبر في غيرما

موضع عن الرسول أنه يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فالتالوة والتزكية عامة لجمي��ع

المؤمنين فتالوة اآليات يحصل بها العلم ف��إن اآلي��ات هي العالم��ات وال��دالالت ف��اذا س��معوها دلتهم على

المطلوب من تصديق الرسول فيما أخبر واإلقرار بوجوب طاعته وأما التزكية فهي تحص�ل بطاعت�ه فيم�ا

يأمرهم به من عبادة الله وحده وطاعته فالتزكية تكون بطاعة مرة كم��ا أن تالوة آيات��ه يحص��ل به��ا العلم

كقوله الله آيات انها وقيل آيات القرآن آيات بالحق  وسميت عليك نتلوها الله آيات ألنهاتلك

عالمات ودالالت على الله وعلى ما أراد فهي تدل على ما أخبر به وعلى ما أمر به ونهى عنه وتدل أيض��ا

على أن الرسول صادق اذ

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،172.

كانت مما ال يستطيع االنس والجن أن يأتوا بمثلها وقد تحداهم بذلك كما ق��د بس��ط ه��ذا في غ��ير

هذا الموضع وأيضا فهي نفسها فيها من بينات االدلة والبراهين ما يبين الح��ق فهي آي��ات من وج��وه

والحكمة  متعددة ثم قال الكتاب وهذا لمن يعلم ذلك منهم وقد يتعلم الشخص منهمويعلمهم

Page 86: النبوات

بعض الكتاب والحكمة فالكتاب هو الكالم المنزل الذي يكتب والحكمة هي السنة وهي معرفة الدين

تعالى قال وقد به يؤمنون  والعمل ال قوم عن والنذر اآليات تغني تعالى وما  وقال

هزوا أنذروا وما آياتي ففرق بين اآليات الدالة على العلم التي يعلم بالعقل انها دالئلواتخذوا

للرب وبين النذر وهو اإلخبار عن المخوف كاخبار االنبياء بما يستحقه العصاة من العذاب فه��ذا يعلم

رسوال  بالخبر والنذر ولهذا قال نبعث حتى معذبين كنا وأما اآليات فتعلم داللتها بالعقلوما

تعالى وقال والنذر باآليات جاءوا اليهم  واالنبياء نوحي رجاال إال قبلك من أرسلنا وماتعلمون ال كنتم ان الذكر أهل تعالى  بالبينات والزبر فاسألوا فإن كذبوك فقد كذبوقال

االنبياء  رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير جميع أن يذكر كثير هذا ومثلجاء فيما مقصرين الناس من كثير كان ولما بالعقل داللتها تعلم التي باآليات جاءوافي الناس تنازع الشرع مسمى عن بالعقل داللته تعلم ما أخرجوا قد الرسول به

بالشرع يجب أو بالشرع ويحصل يجب هل الدين وأصول وتوحيده الله معرفةاإلمام ألصحاب مشهورة أقوال ثالثة على بالعقل ويحصل يجب أو بالعقل ويحصل

وهو به ويحصل بالشرع يجب يقولون فطائفة األربعة األئمة أتباع من وغيرهم أحمدعن حكاه الذي هو وهذا المقدسي الفرج أبي الشيخ مثل وغيرهم السالمية قولوابن درباس ابن مثل شابههم من وكذلك وغيرهم أحمد أصحاب من السنة أهلالذين والفقه الحديث أهل عن المشهور وهو الشافعي أصحاب من وغيرهما شكر

وبين المتكلم الحنبلي الحسين بن صدقة بين النزاع فيه وقع مما وهذا الكالم يذمونأولئك منهم وطائفة الجوزي بن الفرج أبي بين وكذلك أحمد أصحاب من طائفة

والوجوب بالعقل الحصول يقولون وهؤالء بالشرع والحصول الوجوب يقولونبالشرع

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،173.

وقد ذكر اآلمدي ثالثة اقوال في طرق العلم قيل بالعقل فقط والسمع ال يحصل به كق��ول ال��رازي وقي��ل

بالسمع فقط وهو الكتاب والسنة وقيل بكل منهما ورجح هذا وهو الصحيح والقول الث��اني أنه��ا ال تجب إال

بالشرع لكن يحصل بالعقل وهو قول األشعري وأصحابه ومن وافقهم كالقاضي أبي يعلى وابن الزاغ��وني

وابن عقيل وغيرهم والقول الثالث أنها تحصل بالعقل وتجب به وهو ق��ول من ي��وجب بالعق��ل كالمعتزل��ة

والكرامية وغيرهم من أتباع األئمة كأبي الحس��ن اآلم��دي وأبي الخط��اب وغ��يرهم وه��و ق��ول طائف��ة من

المالكية والشافعية وعليه أكثر الحنفية ونقلوه عن أبي حنيفة نفسه وقد صرح هؤالء قبل المعتزلة وقب��ل

أبي بكر الرازي وأبي الخط��اب وغ��يرهم أن من لم يأت��ه رس��ول يس��تحق العقوب��ة في اآلخ��رة لمخالفت��ه

موجب العقل وقد ذكرنا في غير هذا الموضع أن أعدل األقوال أن األفعال مشتملة على أوصاف تقتض��ي

حسنها ووجوبها وتقتضي قبحها وتحريمها وأن ذلك قد يعلم بالعقل لكن الله ال يع��ذب أح��دا إال بع��د بل��وغ

رسوال  الرسالة كما قال نبعث حتى معذبين كنا ولم يفرق سبحانه بين نوع ونوع وذكرنا أنوما

هذه اآلية يحتج به�ا األش�عري وأص�حابه ومن وافقهم كالقاض�ي أبي يعلى وأتباع�ه وهم يج�وزون أن الل�ه

يعذب في اآلخرة بال ذنب حتى قالوا يعذب أطفال اآلخرة ف��احتجوا به��ا على المعتزل��ة واآلي��ة حج��ة على

الط������������ائفتين كم������������ا ق������������د بس������������ط في غ������������ير ه������������ذا الموض������������ع

وقد ذكر الله تعالى في القرآن الحجة على من أنك��ر قدرت��ه وعلى من أنك��ر حكمت��ه ف��أول م��ا) فصل (

الذي  أنزل الله تعالى االكرم وربك اقرأ علق من االنسان خلق خلق الذي ربك باسم اقرأيعلم لم ما االنسان علم بالقلم غايةعلم المحسن وهو الكريم من أبلغ وهو األكرم أنه فذكر

االحسان ومن كرمه أنه علم بالقلم علم االنسان مالم يعلم فعلمه العلوم بقلبه والتعبير عنها بلسانه وأن

يكتب ذلك بالقلم فذكر التعليم بالقلم يتناول علم العبارة والنطق وعبارة المعاني والعلوم ف��إذا ك��ان ق��د

علمه هذه العلوم فكيف يمتنع عليه أن يعلمه ما يأمره ب��ه وم��ا يخ��بره ب��ه وبي��ان ذل��ك أن��ه ق��ال في أول

علق  السورة من االنسان خلق خلق الذي بك باسم ومعلوم أن من رأى العلقة قطعة مناقرأ

دم فقيل له هذه العلقة يصير منها انسان بعلم كذا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،174.

Page 87: النبوات

وكذا لكان يتعجب من هذا غاية التعجب وينكره أعظم االنكار ومعل��وم أن نق��ل االنس��ان من كون��ه علق��ة

إلى أن يصير انسانا عالما قادرا كاتبا أعظم من جعل مثل هذا االنسان يعلم ما أمر الله به وم��ا أخ��بر ب��ه

فمن قدر على أن ينقله من الصغر إلى أن يجعله عالما قارئا كاتبا كان أن يقدر على جعله عالما بما أم��ر

به وبما أخبر به أولى وأحرى وهذا كما استدل على قدرته على اع��ادة الخل��ق بقدرت��ه على االبت��داء وق��د

ذي  أخبر الله تعالى عن الكفار أنهم تعجبوا من التوحيد ومن النبوة ومن المعاد فقال تعالى والقرآنحين والت فنادوا قرن من قبلهم من أهلكنا كم وشقاق عزة في كفروا الذين بل الذكر

إلها اآللهة أجعل كذاب ساحر هذا الكافرون وقال منهم منذر جاءهم أن وعجبوا مناصعجاب لشيء هذا أن أن  فذكر تعجبهم من التوحيد والنبوة وقال تعالى واحدا عجبا للناس أكان

ربهم عند صدق قدم لهم أن آمنوا الذين وبشر الناس أنذر أن منهم رجل إلى وهذاأوحينا

منهم  أيضا تعجب من أن أرسل اليهم رجل منهم وقوله رجل إلى أوحينا أن عجبا للناس أكانالناس أنذر دل على أنه منذر لجنس الناس وأنه من جنس الناس ال يختص به العرب دون غيرهمأن

تعالى وقال وبلسانهم اليهم أرسل ما أول كان جاءهم  وان أن عجبوا بل المجيد والقران قبعيد رجع ذلك ترابا وكنا متنا أإذا عجيب شيء هذا الكافرون فقال منهم  وقال تعالى منذر

بربهم كفروا الذين أولئك جديد خلق لفي أإنا ترابا كنا أإذا قولهم فعجب تعجب وانخالدون فيها هم النار أصحاب وأولئك أعناقهم في األغالل عجبت  وقال تعالى وأولئك بل

يستسخرون آية رأوا وإذا يذكرون ال ذكروا وإذا فالرسول كان يعجب من تكذيبهمويسخرون

لما جاءهم به من آيات االنبياء وهم يعجبون مما جاء به لكونه خارجا عما اعت��ادوه من النظ��ائر ف��إنهم لم

الله  يعرفوا قبل مجيئه ال توحيدا وال نبوة وال معادا قال أن يشهدون الذين شهداءكم هلم قليؤمنون ال والذين بآياتنا كذبوا الذين أهواء تتبع وال معهم تشهد فال شهدوا فإن هذا حرم

يعدلون بربهم وهم وأما حكمته في إرسال بشر فقد ذكر أنه من جنسهم وأنه بلسانهم فهوباآلخرة

أتم في الحكمة والرحمة وذكر أنهم ال يمكنهم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،175.

األخذ عن الملك وأنه لو نزل ملكا لكان يجعله في صورة بشر ليأخذوا عن��ه وله��ذا لم يكن البش��ر

يرون المالئكة إال في صورة اآلدميين كما كان جبريل يأتي في صورة دحي��ة الكل��بي وكم��ا أتى م��رة

في صورة أعرابي ولما جاءوا ابراهيم وامرأته حاضرة كانوا في صورة بشر وبشروها باس��حاق ومن

قالوا  وراء إسحاق يعقوب قال تعالى ان اال الهدى جاءهم اذ يؤمنوا أن الناس منع وماعليهم لنزلنا مطمئنين يمشون مالئكة االرض في كان لو قل رسوال بشرا الله أبعث

رسوال ملكا السماء وأما قدرته على تعريف الخلق بأنه نبيه فكما تقدم فإنه إذا كان قادرامن

على أن يهدي االنسان الذي كان علقة ومضغة إلى أنواع العلوم بأنواع من الطرق انعاما علي��ه وفي

ذلك من بيان قدرته وحكمته ورحمته ما فيه فكيف ال يق��در أن يعرف��ه ص��دق من أرس��له الي��ه وه��ذا

أعظم النعم عليه واالحسان اليه والتعريف بهذا دون تعريف االنسان ما عرفه ب��ه من أن��واع العل��وم

فإنه إذا كان هداهم إلى ان يعلم بعضهم صدق رسول من أرسله اليه بشر مثل��ه بعالم��ات ي��أتي به��ا

الرسول وان كان لم تتقدم مواطأة وموافقة بين المرسل والمرسل اليهم فمن هدى عب��اده إلى أن

يرسلوا رسوال بعالمة ويعلم المرسل إليه أنها عالمة تدل على ص��دقه قطع��ا فكي��ف ال يق��در ه��و أن

يرسل رسوال ويجعل معه عالمات يعرف بها عباده أنه قد أرسله وهذا كمن جعل غيره ق��ديرا عليم��ا

حكيما فهو أولى أن يكون قديرا عليما حكيما فمن جعل الناس يعلمون ص��دق رس��ول يرس��له بعض

خلقه بعالمات يعلم بها المرسل صدق رسوله فمن هدى العباد الى ه��ذا فه��و أق��در على أن يعلمهم

صدق رسوله بعالم�ات يعرف�ون به�ا ص�دقه وإن لم يكن قب�ل ذل�ك ق�د تق�دم بينهم وبين�ه مواط�أة

وللناس طرق في داللة المعجزة على صدق الرسول طريق الحكمة وطريق الق��درة وطري��ق العلم

والضرورة وطريق سنته وعادته التي بها يعرف أيضا ما يفعل وه��و جنس المواط��أة وطري��ق الع��دل

وطريق الرحمة وكلها طرق صحيحة وكلما كان الناس إلى الشيء أحوج كان الرب به أجود وك��ذلك

األكرم سبحانه فإنه أجود به كان أحوج العلم بعض إلى كانوا علم  كلما بالقلم علم الذييعلم مالم الذي االنسان كل  وهو أعطى الذي وهو فهدى قدر والذي فسوى خلق

ثم خلقه شيء

Page 88: النبوات

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،176.

به  هدى جاء ما وأن رسوله هذا أن يعلمون أن إلى عباده يهدي أن يقدر ال فكيفأن حكمته تقتضي وكيف بصدقه له الله من شهادة وهي الله من آية اآليات من

الصادق به يؤيد ما بمثل الصدق آيات من الكاذب فيؤيد والكاذب الصادق بين يسويوال وطاعته به بااليمان الخلق يأمر رسوال يرسل وأن هذا من هذا يعرف ال حتى

يقدرون وماال عليه يقدرون ال بما كتكليفهم وهذا صدقه معرفة إلى طريقا لهم يجعليكلف ال فإنه سبحانه عنه منزه وهو الرب صفة في ممتنع وهذا يعلموه أن على

الصادق به أيد ما بمثل الكذاب يؤيد ال أنه وعادته سنته من علم وقد وسعها إال نفسامسلطا ظالما ملكا نصر وإذا يهلكه أن بد ال بل ينصره وال يفضحه أن بد ال بل قط

تعالى قال كما ظالم على سلطه ظالم هو بل عليه كذب وال النبوة يدع لم فهوبعضا الظالمين بعض نولي تأييدا  وكذلك يؤيده ال فهذا أرسله انه قال من بخالف

أنهم الرسل كذب بمن فعل كما يهلكه ثم مدة يمهله قد لكنه الصدق مع اال مستمراأمهلهم رويدا الكافرين في  يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل هو الرسول كلفظ النبي ولفظ

الالم فكانت بالالم عرف ثم الله رسول فيقال الله الى مضافا قيل إنما األصلكقوله اإلضافة ال تجعلواوقوله  فارسلنا الى فرعون رسوال فعصى فرعون الرسول تعاقب

اسم  دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منهم لو اذا وكذلكقال كما الله نبي يقال لهم  فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين النبي الوقيل

يا  تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا الله نبي يا قولوا بل محمد يا فتقولونالله أرسله الذي الله فرسول مرسل أي مفعول بمعنى فعول ورسول الله رسوليقال أن من أجود وهذا الله نبأه الذي الله منبأ أي مفعول بمعنى هو الله نبي فكذلك

لم أو غيره بذلك أنبأ سواء الله نبي فهو الله نبأه إذا فانه منبئ أي فاعل بمعنى انهفإنه غيره عن به امتاز ما يبين مما وهذا الله ينبئه أن نبيا النبي به صار فالذي ينبئه

وصدق حق الله نبأ فما الله يرسله الذي هو الرسول أن كما الله ينبئه الذي كان إذاليس إيحائه من هو الشيطان يوحيه وما عمدا وال خطأ ال كذب فيه ليس

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،177.

من إنباء الله فالذي اصطفاه الله النبائه وجعله نبيا له كالذي اصطفاه لرسالته وجعله رسوال له فكم��ا أن

رسول الله ال يكون رسوال لغيره فال يقبل أمر غير الله فكذلك نبي الله ال يك��ون نبي��ا لغ��ر الل��ه فال يقب��ل

أنباء أحد إال أنباء الله واذا أخبر بما أنبأ الله وجب االيمان ب��ه فإن��ه ص��ادق مص��دوق ليس في ش��يء مم��ا

أنبأه الله به شيء من وحي الشيطان وهذا بخالف غير النبي فإنه وإن كان قد يلهم ويحدث وي��وحى الي��ه

أشياء من الله ويكون حقا فقد يلقي اليه الشيطان أشياء ويشتبه هذا بهذا فإنه ليس نبيا لله كما أن الذي

يأمر بطاعة الله غير الرسول وإن كان أكثر ما يأمر به هو طاعة الله فقد يغل��ط وي��أمر بغ��ير طاع��ة الل��ه

أطاع  بخالف الرسول المبلغ عن الله فإنه ال يأمر اال بطاعة الله قال تعالى فقد الرسول يطع منالله  وقال تعالى الله باذن ليطاع إال رسول من أرسلنا فنبي الله هو الذي ينبئه الله ال غيرهوما

أنزل  ولهذا أوجب الله االيمان بما أوتيه النبيون فقال تعالى وما الينا أنزل وما بالله آمنا قولواأوتي وما وعيسى موسى أوتي وما واالسباط ويعقوب واسحاق واسماعيل ابراهيم الى

مسلمون له ونحن منهم أحد بين نفرق ال ربهم من بما  وقال تعالى النبيون الرسول آمنمن أحد بين نفرق ال ورسله وكتبه ومالئكته بالله آمن كل والمؤمنون ربه من اليه أنزل

تعالى رسله والنبيين  وقال والكتاب والمالئكة واآلخر واليوم بالله آمن من البر ولكنربك  وليس كل ما أوحي اليه الوحي العام يكون نبيا فإنه قد يوحي الى غير الناس قال تعالى وأوحى

يعرشون ومما الشجر ومن بيوتا الجبال من اتخذي أن النحل في  وقال تعالى الى وأوحيأمرها سماء تعالى عن يوسف وهو صغير كل في  وقال يجعلوه أن وأجمعوا به ذهبوا فلما

يشعرون ال وهم هذا بأمرهم لتنبئنهم اليه وأوحينا الجب أم  وقال تعالى غيابة الى وأوحيناأرضعيه أن وبرسولي  وقال تعالى موسى بي آمنوا أن الحواريين الى أوحيت  وقوله وإذ

Page 89: النبوات

وحيا اال الله يكلمه أن لبشر كان الملهمين كما فيوما كالمحدثين االنبياء وغيرهم يتناول وحي

الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد كان

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،178.

في االمم قبلكم محدثون فان يكن في أمتي أحد فعمر منهم وقال عبادة بن الصامت رؤي��ا الم��ؤمن كالم

يكلم به الرب عبده في منامه فهؤالء المحدثون الملهمون المخاطبون يوحى اليهم هذا الحديث الذي ه��و

لهم خطاب وإلهام وليسوا بأنبياء معصومين مصدقين في كل ما يقع لهم فإنه قد يوسوس لهم الشيطان

بأشياء ال تكون من ايحاء الرب بل من ايحاء الشيطان وإنما يحصل الفرق��ان بم��ا ج��اءت ب��ه االنبي��اء فهم

الذين يفرق�ون بين وحي ال��رحمن ووحي الش�يطان ف�إن الش�ياطين أع�داؤهم وهم يوح�ون بخالف وحي

الى  االنبياء قال تعالى بعضهم يوحي والجن االنس شياطين عدوا نبي لكل جعلنا وكذلكيفترون وما فذرهم فعلوه ما ربك شاء ولو غرورا القول زخرف تعالى بعض وان  وقال

لمشركون انكم اطعتموهم وان ليجادلوكم أوليائهم الى ليوحون وقد غلط فيالشياطين

النبوة طوائف غير الذين كذبوا بها إما ظاهرا وباطنا وإما باطنا كالمنافق المحض بل الذين يزعم��ون أنهم

آمنوا بما أن��زل الى الرس��ول وإلى من قبل��ه وهم خل��ق كث��ير فيهم ش��عبة نف��اق وان لم يكون��وا مك��ذبين

للرسول من كل وجه بل قد يعظمونه بقلوبهم ويعتقدون وجوب طاعته في أمور دون أمور وأبع��د ه��ؤالء

عن النبوة المتفلسفة والباطنية والمالحدة فإن هؤالء لم يعرفوا النبوة اال من جه��ة الق��در المش��ترك بين

بني آدم وهو المنام وليس في كالم أرسطو وأتباعه كالم في النبوة والفارابي جعلها من جنس المنام��ات

فقط ولهذا يفضل هو وأمثاله الفيلسوف على النبي وابن سينا عظمها أك��ثر من ذل��ك فجع��ل للن��بي ثالث

خصائص أحدها أن ينال العلم بال تعلم ويسميها الق��وة القدس��ية وهي الق��وة الحدس��ية عن��ده والث��اني أن

يتخيل في نفسه ما يعلمه فيرى في نفسه صورا نورانية ويسمع في نفس��ه أص��واتا كم��ا ي��رى الن��ائم في

نومه صورا تكلمه ويسمع كالمهم وذلك موجود في نفسه ال في الخارج فهكذا عند هؤالء جميع م��ا يختص

به النبي مما يراه ويس�معه دون الحاض�رين انم�ا ي�راه في نفس�ه ويس�معه في نفس�ه وك�ذلك المم�رور

عندهم والثالث أن يكون له قوة يتصرف بها في هيولي الع��الم باح��داث أم��ور غريب��ة وهي عن��دهم آي��ات

االنبياء وعندهم ليس في العالم حادث اال عن قوة نفسانية أو ملكية أو طبعية كالنفس الفلكية واالنسانية

واألشكال الفلكية والطبائع التي للعناصر

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،179.

االربعة والمولدات ال يقرون بأن فوق الفلك نفسه شيء يفعل ويحدث ش�يئا فال يتكلم وال يتح�رك

بوجه من الوجوه ال ملك وال غير ملك فضال عن رب العالم والعقول التي يثبتونها عن��دهم ليس فيه��ا

تحول من حال الى حال البتة ال بارادة وال قول وال عمل وال غ��ير ذل��ك وك��ذلك المب��دأ االول وه��ؤالء

عندهم جميع ما يحصل في نفوس االنبياء إنما هو من فيض العقل الفعال ثم انهم لم��ا س��معوا كالم

االنبي��اء أرادوا الجم��ع بين��ه وبين أق��والهم فص��اروا يأخ��ذون ألف��اظ االنبي��اء فيض��عونها على مع��انيهم

ويسمون تل��ك المع��اني االلف��اظ المنقول��ة عن االنبي��اء ثم يتكلم��ون ويص��فون الكتب بتل��ك االلف��اظ

المأخوذة عن االنبياء فيظن من لم يعرف مراد االنبياء ومرادهم أنهم عنوا بها ما عنته االنبي��اء وض��ل

بذلك طوائف وهذا موجود في كالم ابن س�ينا ومن أخ�ذ عن�ه وق�د ذك�ر الغ�زالي ذل��ك عنهم تعريف�ا

بمذهبهم وربما حذر عنه ووقع في كالمه طائف��ة من ه��ذا في الكتب المض��نون به��ا على غ��ير أهله��ا

وفي غير ذلك حتى في كتابه االحياء يقول الملك والملكوت والج��بروت ومقص��وده الجس��م والنفس

والعقل الذي أثبتته الفالسفة ويذكر اللوح المحفوظ ومراده به النفس الفلكية الى غير ذلك مما ق��د

بسط في غير هذا الموضع وهو في التهافت وغيره يكفرهم وفي المضنون به ي��ذكر م��ا ه��و حقيق��ة

مذهبهم حتى يذكر في النبوات عين ما قالوه وكذلك في اإللهيات وهذه الصفات الثالث التي جعلوها

خاصة االنبياء توجد لعموم الناس بل توجد لكثير من الكفار من المش��ركين وأه��ل الكت��اب فإن��ه ق��د

يكون الحدهم من العلم والعبادة ما يتميز به على غيره من الكفار ويحصل له بذلك حدس وفراس��ة

يكون أفضل من غيره وأما التخييل في نفسه فهذا حاصل لجميع الناس ال��ذين ي��رون في منام��اتهم

ما يرون لكن هو يقول أن خاصة النبي أن يحصل له في اليقظة م��ا حص��ل لغ��يره في المن��ام وه��ذا

موجود لكثير من الناس قد يحصل له في اليقظة ما يحص�ل لغ�يره في المن�ام ويكفي�ك أنهم جعل�وا

Page 90: النبوات

مثل هذا يحصل للممرور وللساحر ولكن قالوا الساحر قصده فاسد والممرور ناقص العقل فجعل��وا

ما يحصل لالنبياء من جنس ما يحصل للمجانين والس�حرة وه�ذا ق�ول الكف�ار في االنبي�اء كم�ا ق�ال

إال  تعالى رسول من قبلهم من الذين أتى ما وكذلك

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،180.

لالنبياء عندهم يكن فلم الناس عامة في موجود به فرقوا الذي القدر وهذا عقلأثبتوه ما وكذلك المؤمنين عموم فيه يشاركهم ما اال والمجانين السحرة على مزية

يعرفون ال أنهم وذلك وغيره للساحر تحصل عندهم هي المتصرفة الفعالة القوة مننفس قوة على ذلك فأحالوا العالم في عجيبة بأمور أخبروا وقد والشياطين الجن

المصروع به يخبر وما والكهان والسحرة اآليات من االنبياء به يأتي فما االنسانبالنفس التصالها هو بالغيب فالخبر االنسان نفس قوة من كله عندهم هو والممرور

ابن حذق وهذا النفسانية بالقوة هو والتصرف المحفوظ اللوح ويسمونها الفلكيةاخراجها فاراد بها التكذيب يمكنه لم غريبة العالم في بأمور أخبر لما وتصرفه سينا

لما بل ابتداء نثبتها لم االمور هذه وقال إشارته في بذلك وصرح أصولهم علىأرسطو وأما أسبابها نبين أن أردنا الجنس هذا من أمورا العالم في أن تحققنا

ولكن االنبياء آيات على وال عليها يتكلموا ولم الغريبة االمور هذه يعرفوا فلم وأتباعهفان وااللهية الكلية العلوم عن االمم أبعد من وهؤالء فيهم موجودا السحر كاناالمم عامة عرفة قد مما والكهان بالسحرة واقترانهم الجن من الغرائب هذه حدوثوعباد المشركين من وغيرهم والترك الهند مثل العرب غير كتبهم في وذكروه

الجن من هو الخوارق هذه من كثيرا أن وعرفوا والعزائم الطالسم وأصحاب االصناممكتسبة النبوة أن اصلهم من كان ولهذا ذلك يعرفوا لم الجهال وهؤالء والشياطين

والنبوة وغيره سبعين ابن وكذلك نبيا يكون أن يطلب المقتول السهروردي وكانالله من ووحيه ينبئه الذي هو الله كان من الله ونبي لعبده الله إنباء هي الحق

الكذاب كمسيلمة الكذابين المتنبئين جنس من فهم الشياطين من وحيهم وهؤالءبأمور وتخبرهم فتكلمهم أرواح تأتيهم كانت فإنهم منهم أحذق أولئك بل وأمثالهووجود هذا مثل يعرفون ال وهؤالء أنفسهم في ال الخارج في موجودة وهي غائبة

هنا عشره سطر يمكن أن من أكثر كالمهم وسماع الخارج في والشياطين الجنعلى وتكلمهم لالنس صرعهم وكذلك

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،181.

ألسنتهم والفرق بين النبي والساحر أعظم من الفرق بين الليل والنهار والن��بي يأتي��ه مل��ك ك��ريم

تعالى قال ويخبره يأمره شيطان معه انما والكاهن والساحر الله عن ينبئه الله عند هل  من وأكثرهم السمع يلقون أثيم أفاك كل على تنزل الشياطين تنزل من على أنبئكم

فال الخبر كالخبر وال االمر كاالمر وال مخبر هذا كمخبر هذا وال آمر هذا كآمر هذا كما أنهكاذبون

ليس هذا مثل هذا ولهذا قال تعالى لما ذكر الذي جاء ب�القرآن الى محم�د وأن�ه مل�ك منفص�ل ليس

تعالى قال هؤالء يقوله كما نفسه في ذي  خياال عند قوة ذي كريم رسول لقول انههو وما المبين باالفق رآه ولقد بمجنون صاحبكم وما أمين ثم مطاع مكين العرش

للعالمين ذكر اال هو ان تذهبون فاين رجيم شيطان بقول هو وما بضنين الغيب علىالعالمين رب الله يشاء أن إال تشاءون وما يستقيم أن منكم شاء فالقرآن قوللمن

رسول أرسله الله لم يرسله الشيطان وهو ملك كريم ذو قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين

فهو مطاع عند ذي العرش في المأل األعلى والشياطين ال يطاعون في السماوات ب��ل وال يص��عدون

اليها وابليس من حين أهبط منها لم يصعد اليها ولهذا كان أصح القولين أن جنة آدم جنة التكليف لم

 تكن في السماء فإن إبليس دخل الى جنة التكليف جنة آدم بعد إهباطه من السماء وقول الله ل��ه

الدين يوم الى لعنتي عليك وإن رجيم فإنك منها منها  وقوله فاخرج فاخرج قالمدحورا منمذموما أكل لما ثم المشرق ناحية من االرض في عال مكان في كانت لكن

Page 91: النبوات

الشجرة أهبط منها الى األرض كما قد بسط هذا في غير هذا الموضع ولفظ الجن��ة في غ��ير موض��ع

كقوله االرض بستان في به يراد القرآن الجنة  من أصحاب بلونا كما بلوناهم  وقوله انا

أتت الجنتين كلتا قوله الى أعناب من جنتين ألحدهما جعلنا رجلين مثال لهم واضربلنفسه ظالم وهو جنته ودخل قوله الى شيئا منه تظلم ولم ومثل  وقوله تعالى أكلها

اآلية بربوة جنة كمثل أنفسهم من وتثبيتا الله مرضاة ابتغاء أموالهم ينفقون الذينوأعناب نخيل من جنة له تكون أن أحدكم أيود قوله كان  اآلية وقوله تعالى الى لقد

في لسبأ

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،182.

مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال الى قوله وبدلناهم بجنتيهم جن��تين ذواتي أك�ل خم�ط وأث�ل

وقوله  كم تركوا من جنات وعيون وقوله  وشيء من سدر قليل أتتركون فيما ههنا آمنيناآلية

أن  في جنات وعيون بعد الشيطان يدخلها لم السماء في التي والثواب الجزاء وجنةيدخل أن قبل آلدم السجود من امتنع لما السماء من أهبط وهو السماء من أهبط

وقد أيضا مخلوقة الجزاء وجنة منها وأخرجه له وسوس التي التكليف جنة الى آدمبعد تخلق لم لكونها يدخلها لم آدم ان وقال مخلوقة تكون أن البدع أهل بعض أنكرأن السلف من وغيره العالية أبو ذكر وقد السنة علماء من أنكره من ذلك فأنكر

الجزاء وجنة الغائط الى احتاج أكل فلما غائط لها كان آدم عنها نهي التي الشجرةكان السلف بعض أن المقصود وإنما النقل هذا بصحة أعلم الله لكن هذا فيها ليسفي الجنة ولفظ االرض من عال مكان في إنها يقول وبعضهم السماء في إنها يقول

الجزاء وجنة االرض في جنة به وأريد المواضع من الله شاء فيما ذكر قد القرآنكقوله بمماتهم قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلنيمخصوصة

المكرمين اآلية  من هذه في كما الموت حين من الجنة تدخل المؤمنين أرواح فإنتعالى  قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين قال

وما أنزلنا على قومه بعده من جند من السماء وما كنا منزلين إن ك��انت إال ص��يحة واح��دة ف��اذا هم

تعالى  خامدون  وال تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون وقال

الموت عند الموتى أحوال ذكر لما تعالى المقربين فروح وريحانوقال فأما ان كان من

وجن��ة نعيم وأم��ا ان ك��ان من أص��حاب اليمين فس��الم ل��ك من اص��حاب اليمين وأم��ا ان ك��ان من

من  المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم السورة أول في ذكره ما غير وهذاسبحانه فانه ومكذبين يمين وأصحاب سابقين الى الكبرى القيامة يوم انقسامهم

عند انقسامهم آخرها في وذكر الكبرى القيامة يوم انقسامهم السورة أول في ذكرقيامته قامت فقد مات من شعبة بن المغيرة قال كما الصغرى القيامة وهو الموت

قامت فقد هذا أما ميت عن جبير بن وسعيد علقمة قال وكذلك

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،183.

نارا فادخلوا آل فرعون أغرقوا القيامة  وقال عن ويوم وعشيا غدوا عليها يعرضون النارالعذاب اشد فرعون آل أدخلوا الساعة وبسط هذا له موضع آخر والمقصود هنا الكالم علىتقوم

النبوة فهؤالء المتفلسفة م�ا ق�دروا النب��وة ح�ق ق�درها وق�د ض�ل بهم طوائ�ف من المتص�وفة الم�دعين

للتحقيق وغيرهم وابن عربي وابن سبعين ضلوا بهم فانهم اعتقدوا مذهبهم وتص��وفوا علي��ه وله��ذا يق��ول

ابن عربي ان االولياء أفضل من االنبياء وسائر االولياء يأخذون عن خاتم االنبياء علم التوحيد وإنه هو يأخذ

من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي ب�ه الى الرس�ول ف�إن المل�ك عن�ده ه�و الخي�ال ال�ذي في

النفس وهو جبريل عندهم وذلك الخيال تابع للعقل فالنبي عندهم يأخ��ذ عن ه��ذا الخي��ال م��ا يس��معه من

الصوت في نفسه ولهذا يقولون أن موسى كلم من سماء عقله والصوت الذي سمعه ك��ان في نفس��ه ال

في الخارج ويدعي أحدهم أنه أفضل من موسى وكما ادعى ابن عربي أنه أفض��ل من محم��د فان��ه يأخ��ذ

عن العقل الذي يأخذ منه الخيال والخيال عنده هو الملك الذي يأخذ منه النبي فلهذا ق��ال فإن��ه يأخ��ذ من

المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به الى النبي قال فإن عرفت هذا فقد حص��ل ل��ك العلم الن��افع

Page 92: النبوات

وبسط الكالم على هؤالء له مواضع أخر والمقصود هنا الكالم على النبوة فالنبي هو الذي ينبئه الل��ه وه��و

ينبئ بما أنبأ الله به فإن أرسل مع ذلك الى من خالف أمر الله ليبلغه رس��الة من الل��ه الي��ه فه��و رس��ول

وأما اذا كان انما يعمل بالشريعة قبل�ه ولم يرس�ل ه�و الى أح�د يبلغ�ه عن الل�ه رس�الة فه�و ن�بي وليس

تعالى الشيطان  برسول قال ألقي تمنى اذا إال نبي وال رسول من قبلك من أرسلنا وماأمنيته نبي  وقوله في وال رسول فذكر ارساال يعم النوعين وقد خص أحدهما بأنه رسول فانمن

هذا هو الرسول المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته الى من خالف الله كنوح وقد ثبت في الصحيح أنه أول

رسول بعث الى أهل األرض وقد كان قبله أنبياء كشيت وإدريس

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،184.

وقبلهما آدم كان نبيا مكلما قال ابن عباس كان بين آدم ونوح عش��رة ق��رون كلهم على االس��الم فأولئ��ك

االنبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه ويأمرون ب�ه المؤم�نين ال��ذين عن��دهم لك��ونهم مؤم�نين بهم كم�ا

يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلم�اء عن الرس�ول وك�ذلك أنبي��اء ب�ني اس�رائيل ي�أمرون

بشريعة التوراة وقد يوحى الى أحدهم وحي خاص في قصة معينة ولكن كانوا في شرع الت��وراة كالع��الم

الذي يفهمه الله في قضية معنى يطابق القرآن كما فهم الله سليمان حكم القض��ية ال��تي حكم فيه��ا ه��و

وداود فاالنبياء ينبئهم الله فيخبرهم بأمره وبنهيه وخبره وهم ينبئون المؤمنين بهم ما أنب��أهم الل��ه ب��ه من

الخبر واالمر والنهي فإن أرسلوا الى كفار يدعونهم الى توحيد الله وعبادته وحده ال ش�ريك ل��ه وال ب�د أن

أو  يكذب الرسل قوم قال تعالى ساحر قالوا اال رسول من قبلهم من الذين أتى ما كذلكقبلك  وقال مجنون من للرسل قيل قد ما اال لك يقال الى مخالفينما الرسل ترسل فان

بعضهم يسيروا فيوقال  فيكذبهم أفلم القرى أهل من اليهم نوحي رجاال إال قبلم من أرسلنا وما

االرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ول��دار اآلخ��رة خ��ير لل��ذين اتق��وا أفال تعقل��ون ح��تى اذا

 استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء وال يرد بأسنا عن القوم المج��رمين

وما أرسلنا من قبلكفقوله  انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم االشهاد وقال

نبي وال رسول لم  من النه االطالق عند رسوال يسمى وال مرسل النبي أن على دليلولهذا كالعلم حق أنه يعرفونه بما المؤمنين يأمر كان بل يعرفونه ال بما قوم الى يرسل

يأتي أن الرسول شرط من وليس االنبياء ورثة العلماء وسلم عليه الله صلى النبي قالكانا وسليمان وداود ابراهيم ملة على وكان رسوال كان يوسف فان جديدة بشريعة

فرعون آل مؤمن عن تعالى قال التوراة شريعة على وكانا ولقد جاءكم يوسف منرسولين

وقال  قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى اذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسوال واسحاقتعالى واسماعيل ابراهيم الى وأوحينا بعده من والنبيين نوح الى أوحينا كما اليك أوحينا انا

ويعقوب واالسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،185.

وآتينا داود زبورا ورسال قد قصصناهم عليك من قبل ورسال لم نقصصهم عليك وكلم الل�ه موس�ى

الشياطين  تكليما وإرسال الرياح وإرسال المالئكة إرسال يتناول عام اسم واإلرسالتعالى قال النار تعالى  يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس وإرسال جاعل المالئكةوقال

أجنحة أولي األلوكة  رسال حامل هو اللغة في والملك رسال كلهم المالئكة جعل فهناآخر موضع في قال وقد الرسالة فهؤالء  الله يصطفي من المالئكة رسال ومن الناس وهي

قال كما بالوحي يرسلهم الله إال وحيا أو من وراء حجاب أوالذين وما كان لبشر أن يكلمه

تعالى  يرسل رسوال فيوحي باذنه ما يشاء  وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وقال

تعالى الله  إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين توزهم أزا وقال الى المضاف الرسول لكنقال كما والبشر المالئكة من الله برسالة يأتي من فهم الله رسول قيل اللهاذا

المالئكة  يصطفي من المالئكة رسال ومن الناس  يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا اليك وقالت

تعالى قال رسالة لتبلغ ال فعال لتفعل إرسالها فإن والجن والرياح المالئكة عموم وأما اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون

وأما  بصيرا االطالق عند الله رسل هم ونهيه أمره الله عن يبلغون الذين الله فرسل

Page 93: النبوات

أنهم كما الخلق كل يتناول عام فهذا وقدرته الله بمشيئة فعال ليفعل الله أرسله منما بأمره يفعلون االيمان أهل لكن لمشيئته المتضمن وإذنه بمشيئته يفعلون كلهم

وهم بأهوائهم يفعلون والشياطين رسله ويطيعون وحده ويعبدونه ويرضاه يحبهكلفظ وهذا وقدرته بمشيئته يفعلون كانوا وان يسخطه لما متبعون المره عاصون

قال كما الشرعي البعث يتناول منهم البعث رسوال االميين في بعث الذي ويتناول  هو كقوله الكوني العام فاذا جاء وعد أوالهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسواالبعث

تعالى  خالل الديار  واذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب وقالوقدرته مشيئته بحكم أيضا هو والخاص وقدرته مشيئته بحكم فالعام

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،186.

وهو مع ذلك بحكم أمره ورضاه ومحبته وصاحب الخ�اص من أولي�اء الل�ه يكرم�ه ويثبت�ه وأم�ا من خ�الف

أمره فإنه يستحق العقوبة ولو كان فاعال بحكم المشيئة ف��إن ذل��ك ال يغ��ني عن��ه من الل��ه ش��يئا وال يحتج

بالمشيئة على المعاصي اال من تكون حجته داحضة ويكون متناقضا متبعا لهواه ليس عن��ده علم بم��ا ه��و

قالوا الذين كالمشركين شيء  عليه من حرمنا وال آبانا وال أشركنا ما الله شاء كما قدولو

بس������������������ط في غ������������������ير ه������������������ذا الموض������������������ع والل������������������ه أعلم

الدليل الذي هو اآلية والبرهان يجب طرده كما تقدم فإنه لو كان تارة يتحقق مع وجود المدلول) فصل (

عليه وتارة يتحقق مع عدمه فإذا تحقق لم يعلم هل وجد المدلول أم ال فإنه كما يوج�د م�ع وج�وده يوج�د

مع عدمه ولهذا كان الدليل إما مساويا للمدلول عليه وإما أخص منه ال يكون أعم من الم��دلول وله��ذا لم

يكن لألمور المعتادة داللة على ما هو أخص كطلوع الشمس والقمر والكواكب ال يدل على صدق أحد وال

كذبه ال مدعي النبوة وال غيره فإنها توجد مع كذب الكاذب كما توجد مع صدق الصادق لكن ي�دل على م�ا

هو أعم منها وهو وجود الرب وقدرته ومشيئته وحكمته فان وجود ذاته وص��فاته ث��ابت س��واء ك��انت ه��ذه

المخلوقات موجودة أو لم تكن فيلزم من وجود المخلوق وج�ود خالق�ه وال يل��زم من عدم�ه ع�دم خالق�ه

فلهذا كانت المخلوقات كلها آيات للرب فما من مخلوق إال وهو آية له هو دليل وبرهان وعالمة على ذاته

وصفاته ووحدانيته وإذا عدم كان غيره من المخلوقات يدل على ما دل عليه ويجتمع على المعلوم الواحد

من االدلة ما ال يحصيه اال الله وقد يكون الشيء مستلزما لدليل معين فإذا عدم عرف انتفاؤه وه��ذا مم��ا

يكون الزما ملزوما فتكون المالزمة من الطرفين فيكون كل منهما دليال وإذا قدر انتف��اؤه ك��ان دليال على

انتفاء اآلخر كاالدلة على االحكام الشرعية فما من حكم إال جع��ل الل��ه علي��ه دليال وإذا ق��در انتف��اء جمي��ع

األدلة الشرعية على حكم علم أنه ليس حكما شرعيا وكذلك ما تتوفر الههم والدواعي على نقله فإنه اذا

نقل دل التواتر على وجوده وإذا لم ينقل مع توفر الهمم والدواعي على نقله لو كان موجودا علم أن��ه لم

يوجد كاألمور الظاهرة التي يشترك فيها الناس مثل موت ملك وتبدل ملك

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،187.

بملك وبناء مدينة ظاهرة وحدوث حادث عظيم في المسجد أو البل��د فمث��ل ه��ذه االم��ور ال ب��د أن ينقله��ا

الناس اذا وقعت فإذا لم تنقل نقال عاما بل نقله�ا واح�د علم أن�ه ق�د ك�ذب وه�ذا مبس�وط في غ�ير ه�ذا

الموضع وقد بسط في غير هذا الموضع الفرق بين اآلية ال��تي هي عالم��ة ت��دل على نفس المعل��وم وبين

القياس الشمولي الذي ال يدل اال على قدر كلي مشترك ال يدل على ش��يء معين اذ ك��ان ال ب��د في��ه من

قضية كلية وأن ذلك القياس ال يفيد العلم بأعيان األمور الموج��ودة وال يفي��د معرف��ة ش��يء ال الخ��الق وال

نبي من أنبيائه وال نحو ذلك بل اذا قيل كل محدث فال بد له من مح��دث دل على مح��دث مطل��ق ال ي��دل

على عينه بخالف آيات الله فانها تدل على عينه وبينا أن القرآن ذكر االس��تدالل بآي��ات الل��ه وق��د يس��تدل

بالقياس الشمولي والتمثيلي لكن داللة اآليات أكمل وأتم وتبين غلط من عظم دالل��ة القي��اس الش��مولي

المنطقي وأنهم من أبعد الناس عن العلم والبيان وذكرنا أيضا غل��ط من فض��ل الش��مولي على التم��ثيلي

وأنهما من جنس واحد والتمثيلي أنفع وإنما اآليات تكون أحسن وقد ذكر أبو الفرج بن الج�وزي م�ا ذك�ره

فكنتم  أبو بكر بن األنباري وغيره في اآليات آيات القرآن مثل قوله عليكم تتلى آياتي كانت قدمستكبرين تنكصون أعقابكم ثالثة اقوال قال في معنى اآلية ثالثة أقوال أحدها أنها العالمةعلى

فمعنى آية عالمة النقطاع الكالم الذي قبلها وبعدها قال الش��اعر % أال أبل��غ ل��ديك ب��ني تميم % بآي��ة م��ا

Page 94: النبوات

يحب���������������������������������������������������������ون الطعام���������������������������������������������������������ا %

وق����ال النابغ����ة % ت����وهمت آي����ات له����ا فعرفته����ا % لس����تة أع����وام وذا الع����ام س����ابع %

قال وهذا اختيار أبي عبيد قلت أما أن اآلية هي العالمة في اللغة فهذا صحيح وما استشهد به من الش��عر

يشهد لذلك وأما تسمية اآلية من القرآن آية ألنها عالمة صحيح لكن قول القائل إنها عالمة النقطاع الكالم

الذي قبلها وبعدها ليس بطائل فإن هذا المعنى الح��د والفص��ل فاآلي��ة مفص��ولة عم��ا قبله��ا وعم��ا بع��دها

وليس معنى كونها آية هو هذا وكيف وآخر اآليات آية مثل آخر سورة الناس وكذلك آخر آي��ة من الس��ورة

وليس بعدها شيء وأول اآليات آية وليس قبلها شيء مثل أول آية من

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،188.

القرآن ومن السورة وإذا قرئت اآلية وحدها كانت آية وليس معها غيرها وقد قام النبي ص��لى الل��ه علي��ه

أصبح حتى يرددها بآية العزيز  وسلم أنت فإنك لهم تغفر وإن عبادك فانهم تعذبهم ان فهي آية في نفسها ال لكونها منقطعة مما قبلها وما بعدها وأيضا فكونه عالمة على هذا االنقطاعالحكيم

قدر مشترك بين جميع االشياء التي يتميز بعضها عن بعض وال تسمى آيات والسورة متم��يزة عم��ا قبله��ا

وما بعدها وهي آيات كثيرة وأيضا فالكالم الذي قبله��ا منقط��ع وم�ا قبله��ا آي�ة فليس��ت دالل��ة الثاني��ة على

االنقطاع بأولى من داللة األولى عليه وأيضا فكيف يكون كونها آية عالمة للتمييز بينه��ا وبين غيره��ا والل��ه

بالحق  سماها آياته فقال عليك نتلوها الله آيات والصواب أنها آية من آيات الله أي عالمة منتلك

عالماته وداللة من أدلة الله وبيان من بيانه فان كل آية قد بين فيها من أمره وخ��بره م��ا هي دلي��ل علي��ه

وعالمة عليه فهي آية من آياته وهي أيضا دالة على كالم الل��ه المب��اين لكالم المخل��وقين فهي دالل��ة على

الله سبحانه وعلى ما أرسل بها رسوله ولما كانت كل آية مفصولة بمقاطع اآلي ال��تي يختم به��ا ك��ل آي��ة

صارت كل جملة مفصولة بمقاطع اآلي آية ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقف على رءوس اآلي

العالمين  كما نعتت قراءته رب لله الرحيم  ويقف الحمد الدين  ويقف الرحمن يوم مالك ويقف ويسمى أصحاب الوقف وقف السنة ألن ك��ل آي��ة له��ا فص��ل ومقط��ع تتم��يز ب��ه عن االخ��رى ق��ال

والوجه الثاني أنها سميت آية ألنها جماعة حروف من القرآن وطائفة منه ق�ال أب�و عم�ر الش�يباني يق�ال

خ��رج الق��وم ب��آيتهم أي بجم��اعتهم وأنش��دوا % خرجن��ا من النق��بين الحي مثلن��ا % بآياتن��ا ن��زجي اللق��اح

المط��������������������������������������������������������������������������������������������������������������������������افال %

قلت هذا فيه نظر فإن قولهم خرج القوم بآيتهم قد يراد به بالعالمة التي تجمعهم مثل الراية واللواء فإن

العادة أن كل قوم لهم أمير تكون له آية يعرفون بها فاذا أخ�رج االم�ير آيتهم اجتمع�وا الي�ه وله�ذا س�مى

ذلك علما والعلم هي العالمة واآلية ويسمى راية النه يرى فخروجهم بآيتهم أي بالعلم واآلية التي تجمعهم

فيستدل به على خروجهم جميعهم فإن االمير المطاع اذا خرج لم يتخلف أحد

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،189.

بخالف ما اذا خرج بعض أمرائه وإال فلفظ اآلية هي العالمة وهذا معلوم باالضطرار من اللغ��ة واالش��تراك

في اللفظ ال يثبت بأمر محتمل قال والثالث أنها سميت آية النها عجب وذلك أن قارئها يستدل اذا قرأه��ا

على مباينتها لكالم المخل��وقين وه��ذا كم��ا يق��ول فالن آي��ة من اآلي��ات أي عجب من العج��ائب ذك��ره ابن

األنباري قلت هذا القول هو داخل في معنى كونها آية من آي��ات الل��ه ف��إن آي��ات الل��ه كله��ا عجيب��ة فإنه��ا

خارجة عن قدرة البشر وعما قد يشبه به�ا من مق�دور البش�ر والق�رآن كل�ه عجب تعجبت ب�ه الجن كم�ا

قالوا انهم تعالى عنهم نشرك  حكى ولن به فآمنا الرشد الى يهدي عجبا قرآنا سمعنا اناأحدا فإنه كالم خارج عن المعهود من الكالم وهو كما في الحديث ال تنقضي عجائبه وال يشبع منهبربنا

حسبت  العلماء وال يخلق عن كثرة الرد وكل آية لله خرجت عن المعتاد فهي عجب كما قال تعالى أمعجبا آياتنا من كانوا والرقيم الكهف أصحاب العالمات والداللة ومنها مألوف معتادأن فاآليات

ومنها خارج عن المألوف المعتاد وآي�ات الق�رآن من ه�ذا الب�اب ف�القرآن عجب ال ألن مس�مى اآلي�ة ه�و

عجبا  مسمى العجب بل مسمى اآلية أعم ولهذا قال آياتنا من ولكن لفظ اآلية قد يخص فيكانوا

العرف بما يحدثه الله وإنها غير المعتاد دائما كما قال النبي صلى الله علي��ه وس��لم ان الش��مس والقم��ر

آيتان من آيات الله وانهما ال تخسفان لموت أحد وال لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده

تعالى قال الناقة  وقد ثمود وآتينا االولون بها كذب أن اال باآليات نرسل أن منعنا وما

Page 95: النبوات

تخويفا اال باآليات نرسل وما بها فظلموا وفي الحديث الصحيح لما دخلت أسماء علىمبصرة

عائشة وهي في الصالة فسألتها فقالت سبحان الله فقالت آية فأشارت أي نعم وتسمى صالة الكس��وف

صالة اآليات وهي مشروعة في أحد القولين في مذهب أحمد في جميع اآليات التي يحصل به��ا التخوي��ف

كانتثار الكواكب والظلمة الشديدة وتصلى للزلزلة نص عليه كما جاء األثر ب��ذلك فه��ذه اآلي��ات أخص من

معرضين  مطلق اآليات وقد قال تعالى عنها كانوا اال ربهم آيات من آية من تأتيهم وقالوما

صلى الله عليه وسلم ثالث آيات يتعلمهن خير له من ثالث خلفات سمان

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،190.

والدليل الذي هو اآلية والعالمة ينقسم إلى ما يدل بنفسه وإلى ما يدل بداللة ال��دال ب��ه) فصل (

فيكون الدليل في الحقيقة هو الدال به الذي قصد أن يدل به وقد جعل ذلك عالمة وآية ودليال والذي

يدل بنفس�ه يعلم أن�ه ي�دل بنفس�ه وان لم يعلم أن أح�دا جعل�ه دليال وان ك�ان في نفس األم�ر ك�ل

مخلوق قد جعله الله آية وداللة وهو سبحانه عليم مري�د فال يمكن أن يق�ال لم ي�رد بالمخلوق�ات أن

تكون أدلة له وال أنها ليست دليال يجعلها أدلة كما قد يطلقه طائفة من النظار ولكن يستدل به��ا م��ع

عدم النظر في كونها جعلت أدلة كما قد يطلقه اذ كان فيها مقاصد كثيرة غير الداللة وال��ذي جعله��ا

دليال وهو الله جعل ذاتها يستدل بها مع قطع النظ��ر عن كونه��ا هي دليال فم��ا من مخل��وق إال ويمكن

االستدالل به على الخالق والمحدث نفسه يعلم بصريح العقل أن له محدثا وه��ذه األدل��ة ال��تي ت��دل

بنفسها قد تسمى األدلة العقلية ويسمى النوع اآلخر االدلة الوض�عية لكونه�ا انم�ا دلت بوض�ع واض�ع

والتحقيق أن كالهما عقلي إذا نظر فيه العقل علم مدلوله لكن هذه تدل بنفس��ها وتل��ك ت��دل بقص��د

الدال بها فيعلم بها قصده وقصده هو الدال بها كالكالم فإنه يدل بقصد المتكلم به وارادته وهو ي��دل

على مراده وهو يدلنا بالكالم على ما أراد ثم يستدل بارادت��ه على لوازمه��ا ف��إن الالزم أب��دا م��دلول

عليه بملزومه واآليات التي تدل بنفسها مجردة نوعان منها ما هو ملزوم مدلول عليه بذات��ه ال يمكن

وجود ذاته دون وجود الزمه المدلول عليه مثل داللة المخلوقات على الخالق ومنها ما ه��و مس��تلزم

له مدة طويلة أو قصيرة فتدل عليه تلك المدة مثل نجوم السماوات فإنه يستدل به��ا على الجه��ات

واالمكنة وعلى غيرها من النجوم وعلى الزمان ماضيه وغابره ما دام العالم على هذه الص�ورة ق�ال

وعالمات  تعالى تهتدون لعلكم وسبال وأنهارا بكم تميد أن رواسي األرض في وألقييهتدون هم ظلمات  وقال تعالى وبالتجم في بها لتهتدوا النجوم لكم جعل الذي وهو

نفس من أنشأكم الذي وهو قال ثم يعلمون لقوم اآليات فصلنا قد والبحر البرمن أنزل الذي وهو قال ثم يفقهون لقوم اآليات فصلنا قد ومستودع فمستقر واحدة

به فأخرجنا ماء السماء

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،191.

وألقيوقوله  نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا الى قوله ان في ذلكم آليات لقوم يؤمنون

في  في األرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبال لعلكم تهتدون وعالمات ألقاها عالمات هيويستدل بالنهار بها يستدل الطرق معالم هي طائفة قالت األكثرين قول وهذا األرض

الله سماها ولهذا به يستدل مما أيضا وهي الجبال هي طائفة وقالت بالليل بالنجمقوله في كالجبال  وله الجواري المنشآت في البحر كاألعالم فبأي آالء ربكما تكذبان أعالما أي

ومنه المنصوبة الطرق أعالم ومنه كالعالمة به يعلم ما والعلم علم جمع واألعالمعالمة جعلت وإنها علم انها المرفوعة للراية ويقال النبوة أعالم النبوة لدالئل يقال

وهو به يختم ما الخاتم أن كما به يعلم ما الخاتم مثل بالفتح والعالم وأتباعه لصاحبهاالخالق على وبرهان علم ألنه عالما المخلوقات من صنف كل ويسمى العالم بمعنى

قال يختم الذي فإنه بالكسر كالخاتم يعلم الذي فانه بالكسر العالم بخالف تعالىوالعاقب  ولكن رسول الله وخاتم النبيين تعالى والحاشر الماحي يسمى كما ختمهم ألنه

والبحر البر في لمن عالمات وهي أعالم فالجبال به ختموا أي وخاتم قرئ وقدتزال ال وهي وجوده وجودها من يلزم فانه األمكنة من يقاربها ما على بها يستدلقرية عندها يكون فقد غيرها من أثبت وهي موجودا ومدلولها موجودة دامت ما دالة

Page 96: النبوات

الداللة فتزول السكان ويذهب القرية تخرب قد ثم عليهم علما فيكون وسكانمعينة كلها اآليات بل معينا يكون قد الدليل أن يبين مما كله وهذا الملزوم لزوال

الدبران مع كالثريا اآلخر من أعم أحدهما ليس لمدلوله مالزما مطابقا يكون وأنأن إما فيقال االدلة يحصر أنه ذكر من غلط فتبين ذلك ونحو نعش بنات مع وكالجدي

اآلخر على الخاصين بأحد أو العام على بالخاص أو الخاص على بالعام يستدلما بينا وقد التمثيل هو والثالث االستقراء هو والثاني الشمولي القياس هو واألول

المقسمون هؤالء فإن أقسامه حكم وفي حصره في الغلط من الكالم هذا فيجميع يستوفي أن يجب المقسم كان إذ وهذا هذا في يغلطون ما كثيرا العامة لألمور

كثيرا فيها يغلطون وهم كالحاد منها ليس ما فيها يدخل وال األقسام

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،192.

لعدم إحاطتهم بأقسام المقسوم كم�ا يقس��مون أقس��ام الموج�ودات أو أقس��ام م�دارك العلم أو أقس��ام

العلوم أو غير ذلك وليس معهم دليل على الحصر اال عدم العلم وحص��ر األقس��ام في المقس��وم ه��و من

االستقراء ثم إذا حكموا على تلك األقسام بأحك��ام فق��د يغلط��ون أيض��ا كم��ا ق��د ذك��ر ه��ذا في غ��ير ه��ذا

الموضع مثل غلط من حصر األدل��ة في ه��ذه األن��واع من أه��ل المنط��ق ومن تبعهم وق��د بس��ط ه��ذا في

مواضع وذل��ك مث��ل ق��ولهم ال��دليل إم��ا أن يس��تدل بالع��ام على الخ��اص أو بالخ��اص على الع��ام أو بأح��د

الخاصين على اآلخر فان الدليل أوال ال يكون قط أعم من المدلول عليه إم�ا مس�اويا ل�ه وإم�ا أخص من�ه

فإن الدليل ملزوم للم��دلول علي��ه والمل��زوم حيث تحق��ق تحق��ق الالزم وإذا انتفى الالزم انتفى المل��زوم

فحيث تحقق الدليل تحقق المدلول عليه فإذا كان مساويا له أو أخص كان حيث تحقق المدلول كم��ا أن��ه

حيث تحقق ما هو ناطق النطق الذي يختص االنسان تحقق االنسان وتحقق أيضا ما هو أعم من االنس��ان

وهو ثبوت حيوان وجسم حساس تام متحرك باالرادة بمعنى أنه تحقق مطلق هذا الجنس وإال فلم يوج��د

شيء أعم من االنسان بمجرد وجوده لكن وجد من صفاته ما يشبه به غ��يره ويص��ح اطالق��ه علي��ه وعلى

غيره وهو مسمى الجسم والحيوان ونحو ذلك وكذلك إذا وجد آية أو خ��بر ي��دل على االيج��اب أو التح��ريم

لزم ثبوت االيجاب أو التحريم وقد ثبت االيجاب والتحريم بآية أخرى أو خبر آخر فله��ذا قي��ل ال��دليل يجب

طرده وال يجب عكسه وإذا كان الدليل ال يكون أعم من المدلول عليه فقولهم إما أن يستدل بالعام على

الخاص إنما أرادوا به القياس الشمولي ال�ذي ه�و مق�دمتان ص�غرى وك�برى كقولن�ا النبي�ذ المتن�ازع في�ه

مسكر وكل مسكر حرام أو كل مسكر خمر كما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله

عليه وسلم أنه قال كل مسكر خمر وكل مسكر حرام بين أن المسكر موص�وف بأن�ه خم�ر وبأن�ه ح�رام

ولم يقصد القياس الشمولي وهو أن يستدل على أن المسكر حرام فالرسول أجل من هذا ش��رعا وعقال

صلى الله عليه وسلم فإنه بكالمه تثبت االحكام وغيره إذا قال كل مسكر خمر أو حرام احتاج أن يستدل

عليه وأما هو فيستدل بنفس كالمه والنظم الشمولي المنطقي

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،193.

ال يوجد في كالم فصيح بل هو طويل ال يحتاج اليه كما ق�د بس��ط في مواض�ع وبين أن ال��دليل ق�د يك��ون

مقدمة واحدة وقد يكون مقدمتين وقد يكون ثالث مقدمات وأربعا وأكثر بحسب ما يحتاج الي��ه المس��تدل

الطالب لداللة نفسه أو الطالب ليدل غيره فإنه ق��د ال يحت��اج اال الى مقدم��ة واح��دة مث��ل من ع��رف أن

الخمر حرام لكن لم يعرف أن كل مسكر هو خمر فإذا عرف بالنص أن كل مسكر خمر عرف أن مسكر

حرام وكان علمه موقوفا على مقدمة واحدة بخالف من لم يكن عرف بعد أن الخم��ر ح��رام فيحت��اج الى

مقدمة ثانية ثم ان كان عرف أن محمدا رسول الله بنصوصه المتواترة كفاه ذلك وإن كان لم يقر بنبوت��ه

احتاج الى مقدمة ثالثة وهو االيمان بأنه رسول الله ال يقول على الله اال الحق ويذكر له من دالئل النب��وة

وأعالمها ما يعرف به ذلك فيهتدي أن كان طالب علم وتقوم عليه الحجة ان لم يكن ك��ذلك فق��ول ه��ؤالء

في مثل هذا انا استدللنا بالعام على الخاص لبس عظيم فإن المدلول عليه وه��و تح��ريم النبي��ذ المتن��ازع

فيه مثال وان كان أخص من تحريم المسكر والخمر فالدليل ليس هو القضية العامة بل ال��دليل أن النبي��ذ

المتنازع فيه مسكر وهو احدى المقدمتين وهذه قضية خاص��ة أخص من مس��مى المس��كر ف��إن المس��كر

يتناول المتفق على تحريمه والمتنازع فيه وهذا هو الحد االوسط وهو المتك��رر في المق��دمتين ال��ذي ه��و

Page 97: النبوات

محمول في الصغرى موضوع في الكبرى فاالستدالل وقع بإسكاره على أنه خمر ومحرم ومس��كر النبي��ذ

المتنازع فيه أخص من مسمى المسكر والخمر والمقدمة الثاني�ة الك�برى وهي قولن�ا وك�ل مس�كر خم�ر

ليست هي الدليل بل ال بد من الصغرى معها وهي خاصة فالمدلول عليه ان ك��ان تح��ريم النبي��ذ المتن��ازع

فيه فهذا انما يدل على تحريمه أنه مسكر وليس اسكاره أعم منه بل يلزم من ثبوت اسكاره ثبوت��ه ف��ان

ثبوت الموصوف بدون الصفة ممتنع فاسكاره دل على تحريمه وليس تحريمه أعم من اسكاره ب��ل جنس

االسكار والحرام أعم من هذا المسكر فهذا المحرم لكن هذا الع��ام ليس ه��و ال��دليل ب��دون الخ��اص ب��ل

قوله كل مسكر حرام ي��دل على تح��ريم ك��ل مس��كر مطلق��ا من غ��ير تع��يين فيك��ون اإلس��كار مس��تلزما

للتحريم والمسكر أخص من الحرام وهذا إستدالل بالخاص على الع�ام فوج�ود المس�كر أخص من وج�ود

الحرام حيث

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،194.

كان مسكر كان الحرام موجودا وليس اذا كان الحرام موجودا يجب وجود المسكر الن المحرمات كث��يرة

كالدم والميتة ولحم الخنزير فالحد األوسط وهو المسكر دل على ثب��وت االعم وه��و التح��ريم من األخص

في االخص وهو النبيذ المتنازع فيه فالمدلول عليه التحريم وهو أعم من المسكر فه��و اس��تدالل بالخ��اص

على العام لكن المعنى العام الكلي ال يوجد في الخارج عاما كليا ب��ل معين��ا فه��و اس��تدالل على ن��وع من

أنواعه وهو التحريم الثابت في النبيذ المتنازع فيه وهذا أخص من مطلق التحريم كم��ا أن مس��كره أخص

من مطلق المسكر ومن هنا ظنوا أنهم استدلوا بالع��ام على الخ��اص حيث اس��تدلوا بتح��ريم ك��ل مس��كر

على تحريم هذا المسكر وليس االمر كذلك بل الذي دل على تحريم هذا المسكر ليس هو مجرد القض��ية

العامة الكليةبل ال بد معها من قضية أخص منها جزئية مثل قولن�ا ه�ذا النبي�ذ مس�كر وبه�ذا الخ�اص يعلم

ثبوت ذلك ال بمجرد العام والدليل هنا ليس هو أعم من المدلول عليه وال يمكن ذلك قط وأم��ا ق��ولهم ان

االستدالل بالخاص على العام هو االستقراء فمجرد الخاص ان لم يستلزم العام ال يدل عليه والمس��تقرئ

ان لم يحصر االفراد ال يعلم أن ذلك المعنى شامل لها فما استدل بخاص على عام بل بعام مثله مط��ابق

له وقولهم في قياس التمثيل انه استدالل بخ��اص على خ��اص ليس ك��ذلك ف��ان مج��رد ثب��وت الحكم في

صورة ال يستلزم ثبوته في أخرى ان لم يكن بينهما قدر مشترك وال يثبت بذلك حتى يق�وم دلي��ل على أن

ذلك المشترك مستلزم للحكم والمشترك هو الذي يسمى في قي��اس التمثي��ل الج��امع والوص��ف والعل��ة

والمناط ونحو ذلك فإن لم يقم دليل على أن الحكم متعلق به الزم له لم يصح االستدالل وهذا المشترك

في قياس التمثيل هو الحد االوسط في قياس الشمول بعينه فالمعنى في القياسين واحد ولكن الت��أليف

والنظم متنوع اذا أراد أن يثبت تحريم النبيذ بقياس الشمول قال هذا هو حرام ألنه شراب مسكر فيكون

حراما قياسا على المسكر من العنب فالدليل هو المسكر وهو المشترك وهو الح��د االوس��ط ثم ال يكفي

ذلك حتى يبين أن العلة في االصل هي المشترك فيقول وعصير العنب حرم لكونه مسكرا وهذا الوص��ف

موجود في الفرع الذي هو صورة النزاع فيجب اشتراكهما في التحريم وقوله انه حرام لكونه مسكرا هي

المقدمة الكبرى في قياس

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،195.

الشمول وهي قولنا كل مسكر حرام فثبت أن علة التحريم هي السكر إما بالنص وهو قول��ه ك��ل مس��كر

حرام وإما بداللة القرآن وهو أنه يوقع العداوة والبغضاء ويصد عن ذكر الله وعن الص�الة وإم�ا بالمناس�بة

وإما بالدوران وإما بالسبر والتقسيم كم�ا ق�د ع�رف في موض�عه وه�و نظ�ير م�ا يس�تدل ب�ه على ثب�وت

القضية الكبرى ثم الدليل قد يكون قطعيا وقد يكون ظنيا لخصوص المادة ال تعلق لذلك بص��ورة القي��اس

فمن جعل قياس الشمول هو القطعي دون قياس التمثيل فقط غلط كما أن من جع��ل مس��مى القي��اس

هو التمثيل دون الشمول فلم يفهم معناه والذي عليه جمهور العلماء أن كال منهما قياس قد يكون قطعيا

وقد يكون ظنيا وطائفة يقولون اسم القياس ال يستعمل اال في الشمول كما يقوله ابن حزم ومن يقول��ه

من المنطقيين وطائفة يقولون ال يستعمل حقيقة إال في التمثيل ومن هؤالء من يقول ليس في العقليات

قياس وهذا مبسوط في مواضع والمقصود هنا التنبيه على جنس االدلة وأيضا فالدليل ق�د يك�ون مطابق�ا

للمدلول عليه مالزما له ليس أعم منه كالكواكب التي في السماء المتالزمة التي يستدل بكل منه��ا على

اآلخر وكالناطقية واالنسانية التي يستدل بثبوت كل منهما على ثبوت اآلخر وهذا خارج عن تقسيمهم فان

Page 98: النبوات

هذا ليس استدالال بعام على خاص وال بخاص على ع�ام وال بخ�اص على نظ�يره بطري�ق التمثي�ل ب�ل ه�و

استدالل بأحد المتالزمين على اآلخر قد يكون��ان ع��امين وخاص��ين ف��الكواكب خاص��ة والع��ام كاالس��تدالل

بالحيوانية على الحس والحركة اال أنه استدالل بعام على عام مالزم له وك��ذلك االس��تدالل بكون��ه جس��ما

على وجود جنس العرض واالستدالل بوجود جنس العرض على وج��ود جنس الجس��م ه��و اس��تدالل بأح��د

العامين المتالزمين على اآلخر والمقصود هن��ا أن ه��ذه المعين��ات ك��النجوم والجب��ال والط��رق كله��ا آي��ات

وأعالم وعالمات على ما هو الزم لها في العادة وكذلك قد يستدل على منزل الشخص بما ه��و مالزم من

دور الجيران والباب وغير ذلك وشجرة هناك وغير ذلك من العالمات ال��تي ي��ذكرها الن��اس يس��تدلون به��ا

ويدلون غيرهم بها وسميت الجبال أعالما ألنها مرتفعة عالية والع�الي يظه�ر ويعلم ويع�رف قب�ل الش�يء

المنخفض ولهذا يوصف

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،196.

كقوله بالظهور يظهروه  العالي أن استطاعوا قولهفما ومنه المنبر على الخطيب ظهر ويقال

النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح وأنت الظاهر فليس فوق�ك ش�يء فأدخ�ل مع�نى العل�و

في اسمه الظاهر ألن الظاهر يعلو والعالي يظهر وكذلك العالي يعرف قبل غيره ومنه قيل عرف ال��ديك

أصله فعل بمعنى مفعول أي معروف كما يقال كره بمعنى مكروهه ومنه األعراف وهي أمكنة عالي��ة بين

وبالنجم  الجنة والنار وقد قيل في قوله النجوم منها ما يكون عالمة الوعالمات العالمات هي أن

في  يهتدى به ومنها ما يهتدى به وقول األكثرين أصح فإن العالمات كلها يهت��دى به��ا وألن��ه ق��ال وألقيوعالمات تهتدون لعلكم وسبال وأنهارا بكم تميد أن رواسي ألقاه فياألرض وهذا كله مما

األرض وهو منصوب بألقى أو بفعل من جنسه كما ق�ال بعض�هم أي وجع��ل في األرض أنه��ارا ألن األلق�اء

من جنس الجعل وبس�ط م�ا في ه�ذا من إع�راب ومع�ان ل�ه مق�ام آخ�ر والمقص�ود هن�ا ذك�ر العالم�ات

والعالمات يدخل فيها ما تقدم من الرواسي والسبل فإن كونها رواسي وسبال يسلكها الن��اس غ��ير كونه��ا

الذات كقوله اتحاد قدر  عالمات والعطف قد يكون لتغاير الصفات مع والذي فسوى خلق الذي وأمثاله فكيف اذا كانت العالمات تتناول هذا وغيره فإن الجبال أعالم وهي عالمات وكذلك الطرقفهدى

يستدل بها السالك فيها ولهذا يسمى الطريق إماما ألن السالك يأتم ب��ه وك��ذلك يس��مون م��ا يس��تدل ب��ه

المستدل طريقا ومسلكا ويقال الصحاب هذا القول عدة طرق ومسالك حتى أطلقوا على ما يص��نف من

االحتجاج على مسائل النزاع طريقة ألنه فيه أدلة المصنف على موارد النزاع ومن هذا الب��اب االس��تدالل

على المرض بعالمات له واالستدالل باالصوات فان كانت كالما كانت الداللة قصدية إرادية قص��د المتكلم

أن يدل بها وهي داللة وضعية عقلية وان كانت غير كالم كانت الداللة عقلية طبعية كما يستدل باالصوات

التي هي بكاء وانتحاب وض�حك وقهقه��ة ونحنح�ة وتنخم ونح�و ذل��ك على أح�وال المص�وت ومن ال��دالئل

الشعائر مثل شعائر االسالم الظاهرة التي تدل على أن الدار دار االسالم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،197.

كاألذان والجمع واألعياد وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه

وسلم إذا غزا قوما لم يغز حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وان لم يس�مع أذان�ا أغ�ار بع�دما يص�بح ه�ذا

لفظ البخاري ولفظ مسلم كان يغير اذا طلع الفجر وكان يستمع االذان فإن سمع أذان��ا أمس��ك وإال أغ��ار

فسمع رجال يقول الله اكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفطرة ثم قال أش��هد أن ال إل��ه

إال الله فقال خرجت من النار وعن عصام المزني قال كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا بعث الس��رية

يقول اذا رأيتم مسجدا أو سمعتم منادي��ا فال تقتل��وا أح��دا رواه أب��و داود والترم��ذي وابن ماج��ه ومن ه��ذا

النوع دالئل الجهات ومنه دالئل القبلة يستدل عليها بالنجوم والشمس والقمر والرياح والطرق وغير ذلك

من ال�������دالئل كم�������ا ق�������د ذك�������ر الن�������اس م�������ا ذك�������روه من دالئ�������ل القبل�������ة

والنوع الثاني ما يدل بقصد الدال به كالكالم وكالعقد باليد واالشارة بها أو بالعين أو الح��اجب أو) فصل (

غير ذلك من األعضاء وقد يسمى ذلك رمزا ووحيا وكذلك الخط خط الكتابة بخالف االستدالل بآثار خطى

االنسان فإن هذا من النوع االول وكذلك القيافة وهي من النوع االول وهو االستدالل بالشبه على النسب

وكذلك القائف قد يعرف باألثر من هو الواطئ وأين ذهب ومن ه��ذا الن��وع االمي��ال ال��تي جعلت عالم��ات

على حدود الحرم واالميال تجعل في الطرقات فإنه قصد بها الدالل��ة على الطري��ق أي قص��د الن��اس به��ا

Page 99: النبوات

ذلك وهذا النوع قسمان منه ما يكون باالتفاق والمواطأة بين اثنين فصاعدا كما يتف��ق الرج��ل م��ع وكيل��ه

على عالمة لمن يرسله اليه مثل وضع خنص��ره في خنص��ره ومث��ل وض��ع ي��ده على ترقوت��ه كم��ا روي أن

النبي صلى الله عليه وسلم جعل ذلك عالمة مع بعض الناس وكما يجع��ل المل��وك وغ��يرهم لهم عالم��ات

عند بعض الناس من جاء بها عرفوا أنه مرسل من جهته ومن هذا الباب ش��عائر الن��اس في الح��رب ك��ل

طائفة يعرف أصحابها بشعارها وله��ذا ق��ال الفقه��اء ويجع��ل لك��ل طائف��ة ش��عارا يت��داعون ب��ه كم��ا ك��ان

للمهاجرين شعار ولالنص��ار ش��عار ومن ه��ذا الب��اب األعالم والراي��ات للمق��دمين ف��ان الراي��ة ت��رى فيعلم

صاحبها وكذلك

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،198.

العلم يعلم فيعلم صاحبه وقد تميز راية عن راية لما يختص به صاحبها ويسمى ذلك رنكا وقد يك��ون ذل��ك

اسم الشخص وقد يكون غير ذلك لكن قد اتفق مع غيره على أن هذا عالمة وآية ل��ه فم��تى رؤي اس��تدل

به على أنه هو المضاف اليه ذلك العلم ويجعل هذا على الدور والثياب والدواب ومنه الوس��م ال��ذي تعلم

به إبل الصدقة وإبل الجزية فإن الوس��م عالم�ة مقص��ودة للواس��م وأم��ا الس��يما فهي عالم��ة بنفس��ها لم

من  يقصدها مثل سيما المؤمنين وسيما المنافقين قال تعالى في المؤمنين وجوههم في سيماهمالسجود بسيماهم  وقال في المنافقين أثر زنيم  وقال فلعرفتهم ذلك بعد قيل له زنمةعتل

من الشر يعرف بها ومنه سيما المؤمنين يوم القيامة التي بها يع��رفهم ن��بيهم وه��و أنهم غ��ر محجلين من

آثار الوضوء فهذه عالمة وآية لكنها من الن�وع االول لم يقص�د المس�لمون أن يتوض�ئوا ليعرف�وا بالوض�وء

لكن من اللوازم لهم الوضوء للصالة وقد جعل الله أثر ذلك نورا في وجوههم وأيديهم وليس هذا لغيرهم

فإن هذا الوضوء لم يكن لغيرهم والح��ديث ال��ذي ي��روى ه��ذا وض��وئي ووض��وء النب��يين من قبلي ض��عيف

بخالف الصالة في المواقيت الخمس فإن االنبياء كانوا يصلون في ه��ذه الم��واقيت كم��ا ق��ال ه��ذا وقت��ك

ووقت االنبياء قبلك والوسم والسيما من الوسم متفقان في االشتقاق االوس�ط ف�ان أص�ل س�يما س�وما

فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء مثل ميقات وميعاد ونحو ذلك واالس��م أيض��ا من ه��ذا الب��اب

وهو علم على المسمى ودليل عليه وآيه عليه وهذا المعنى ظاهر فيه فلذلك ق��ال الكوفي��ون ان��ه مش��تق

من الوسم والسمة وهي العالمة وقال البصريون بل هو مشتق من السمو فإنه يقال في تصغيره س��مي

ال وس��يم وفي جمع��ه أس��ماء ال أوس��ام وفي تص��ريفه س��ميت وال وس��مت وكال الق��ولين ح��ق لكن ق��ول

البصريين أتم فإنه مشتق منه على قولهم في االشتقاق االصغر وهو اتفاق اللفظين في الحروف وتأليفها

وعلى قول الكوفيين هو مشتق منه من االشتقاق االوسط وهو اتفاق اللفظين في الحروف ال في ترتيبها

كما قلنا في الوسم والسيما والسمو هو العلو والسامي هو الع��الي والعل��و مس��تلزم للظه��ور كم��ا تق��دم

فالعالي ظاهر والظاهر عال

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،199.

فكان االسم بعلوه يظهر فيدل على المسمى ألنه يظهر باللسان والخط ويظهر للسمع المسمى فيع��رف

بالقلب وقد تقدم أنهم يسمون الجبال أعالما لما فيها من الظهور وداللة االسم على مسماه داللة قصدية

فان المسمى يسمى باالسم ليعرف به المسمى وليدل عليه يقصد به الداللة على مجرد نفس��ه كأس��ماء

األعالم لألشخاص وتارة يقصد به الداللة على ما في اللفظ من المعنى كاألس��ماء المش��تقة مث��ل الع��الم

والحي والقادر ومن هذا الباب تسمية المعبودين آلهة سموها بما ال تس��تحقه كم�ا يس��مى الجاه�ل عالم�ا

أنزل  والعاجز قادرا والكذاب نبيا فلهذا قال تعالى ما وآباؤكم أنتم سميتموها اسماء إال هي انسلطان من بها والنوع الثاني من هذه الداللة القصدية أن يقصد الدال الداللة من غير مواطأةالله

مع المستدلين على أنه دليل لكن هم يعلمون أنه قصد الداللة لعلمهم بأحواله مثل ما يرسل الرجل شيئا

من مالبسه المختص به مع شخص فيعلمون أنه أرسلها عالمة على أنه أرس��له ق��ال س��عيد بن جب��ير عن

للمؤمنين  ابن عباس آلية ذلك في قال العالمة تكون بين الرجل وأهله رواه ابن المنذر حدثناان

موسى بن هارون حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن سماك عن س��عيد بن جب��ير عن

ابن عباس ورواه ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان حدثنا أب��و اس��امة ح��دثني س��فيان

آلية  عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ذلك في قال عالمة ألم تر إلى الرجل إذا أرادان

أن يرسل إلى أهله في حاجة أرسل بخاتمه أو ثبوته فعرفوا أنه حق فتارة يرسل خاتمه معه فيعلمون أنه

Page 100: النبوات

أرسله ليعلموا أنه أرسله إذ كانوا قد علموا أن الخاتم معه وأنه ليس في إرساله مع ذلك الش��خص ال��ذي

ال يعرفونه مقصود له إال أن يكون عالمة على أنه أرسله اليهم فيص�دقونه فيم�ا أخ�بر عن��ه وت�ارة يرس�ل

معه عمامته أو نعليه وقد علموا أنه ال يخلع عمامته ويبعثها مع ذلك الشخص إال لتكون عالمة على ص��دقه

كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة الفتح لما كانت راية الخزرج مع سعد بن عبادة وكان في��ه

حدة وقال ال قريش بعد اليوم اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة قيل للنبي صلى الله عليه وس��لم

إنه يخاف منه أن يضع السيف في أهل مكة فقال قولوا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،200.

له يعطى الراية البنه قيس فقيل انه ال يقبل منه فقال هذه عمامتي قولوا له قد أم��ر رس��ول الل��ه ص��لى

الله عليه وسلم بذلك فلما رأى عمامته مع من جاء بها علم أنه ليس له في إعطائ��ه عمامت��ه مقص��ود إال

أن تكون عالمة ولم يكن قبل ذلك قد واطأه على ذلك وكذلك لما أعطى أبا هريرة نعلي��ه ليخ��رج فيبش��ر

الناس بما ذكره له فإنهم إذا أرادوا معه نعليه علموا أنه لم يعطه النعلين إال عالمة وكذلك ق��د يك��ون بين

الشخص وبين غيره سر لم يطلع عليه المرسل فيقول له اعطني عالمة فيقول قل له بعالم�ة م�ا تكلمت

أنت وهو في كذا وكذا أو ما فعلت أنت وه��و ك��ذا وك��ذا فيعلم المرس��ل الي��ه أن المرس��ل ه��و أعلم ه��ذا

الرسول بهذا األمر اذ كان غيره لم يعلمه ويعلم أنه ليس له في إعالمه به مقصود إال أن يكون عالمة ل��ه

على تصديقه ثم أكثر هذه اآليات التي هي عالمات للناس يرسلونها مع من يرس��لونه ليع��رف ص��دقه هي

قطعية عند المستدل بها المرسل الي��ه من األه��ل واالص��دقاء وال��وكالء والن��واب وغ��يرهم ي��أتيهم الرج��ل

بعالمة وهي مستدلة على حيهم فيعلمون قطعا أن هذا جاء من عنده ويعلمون قطعا أنه لم يرس��له بتل��ك

العالمة اال ليعلموا صدقه ال يخطر لسعد بن عبادة حين رأى عمامة الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم معهم

أنهم أخذوها بغير قصده بأن تكون سقطت منه ونحو ذلك بل قد علم أنه��ا ك��انت على رأس��ه وه��و راكب

في الجيش وقد أرسلها مع هذا وكذلك خاتم الشخص الذي يعلمون أنه ال ي��نزع خاتم��ه من ي��ده ويعطيه��ا

لغيره ليعبث بها عنه وهو ال يختم بها شيئا إال لذلك وقد يقع في مثل ذلك احتماالت فيستعمل المستدلون

التقسيم فإن االستدالل مداره على أنه أرسله بالعالمة وأنه إنما أرسله بها ليبين ص��دقه فق��د يع��رض في

المقدمة االولى أنه أخذها بغير اختياره أو أن الخاتم سقط منه أو ان كان مسافرا أنه قت��ل أو م��ات فق��د

يقع مثل ذلك وقد يؤخذ خاتم الرجل بغير أمره ويختم به كتابه كما حكى أن مروان فعل مثل ذلك بعثمان

والمقدمة الثانية أنه قد يرسله بالخاتم ليختم به شيئا أو ليصلحه ونحو ذلك فإذا عرض مثل هذا االحتم��ال

وقوى توقفوا وإن عرفوا انتفاء ذلك مثل أن يكون قد ذهب من عندهم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،201.

قريبا وليس له ما يختم به ونحو ذلك قطعوا بأنه أرسله عالمة ثم بعد هذا قد يعلمون أنه أرس��له لكن ق��د

يكذب عليه ولكن العهدة في هذا على المرسل فإن ارسال العالمة هو إعالم منه لهم بأني أرس�لته اليكم

فهذا الفعل هو مث�ل ه�ذا الق�ول يج�ري مج�رى إعالمهم وإخب�ارهم بأن�ه أرس�له وتص�ديقه في قول�ه ه�و

أرسلني واإلخبار تارة يكون بالقول وتارة يكون بالعمل كما يعلم الرجل غيره باالشارة بيده ورأسه وعينه

وغير ذلك وان لم يتقدم بينهما مواضعة لكن يعلم قصده ضرورة مثل أن يسأله عن شيء هل كان فيرفع

رأسه أو يخفضه أو يشير بيده أو يكون قائما فيشير اليه اجلس أو قاعدا مطلوب��ا فيش��ير الي��ه أن اه��رب

فقد جاء عدوك أو نحو ذلك من االشارات التي هي أعم��ال باألعض��اء وهي ت��دل دالل��ة ض��رورية تعلم من

قصد الدال كما يدل القول وقد تكون أقوى من داللة القول لكن داللة القول أعم وأوسع فإن��ه ي��دل على

األمور الغائبة وعلى األمور المعضلة وهذه األدلة العيانية هي أقوى من وج�ه ولكن ليس فيه��ا من الس��عة

للمع�������������������������اني الكث�������������������������يرة م�������������������������ا في االق�������������������������وال

وخاصة الدليل أن يكون مستلزما للمدلول فكل ما استلزم شيئا كان دليال علي��ه وال يك��ون دليال) فصل (

إال إذا كان مستلزما له ثم دالله الدليل تعلم كما يعلم لزوم الالزم للملزوم وهذا ال بد أن يعلم بالض��رورة

أو بدليل ينتهي الى الضرورة وعلى هذا فآيات األنبياء هي أدلة صدقهم وهي ما يس��تلزم ص��دقهم ويمتن��ع

وجوده بدون صدقهم فال يمكن أن يكون ما يدل على النبوة موجودا بدون النبوة ثم كونه مستلزما للنبوة

ودليال عليها يعلم بالضرورة أو بما ينتهي إلى الضرورة فآيات األنبياء ص�لوات الل�ه عليهم وس�المه ال تح�د

بحدود يدخل فيها غير آياتهم كحد بعضهم كالمعتزلة وغيرهم بأنها خ��رق الع��ادة ولم يع��رف مس��مى ه��ذه

Page 101: النبوات

العبارة بل ظن أن خوارق السحرة والكهان والصالحين خرق للع�ادة فك�ذبها وح�د بعض�هم بأنه�ا الخ�ارق

للعادة إذا لم يعارضه أحد وجعل هذا فصال احترز به عن تلك االمور فقال المعجزة هي الخ�ارق المق�رون

بالتحدي بالمثل مع عدم المعارضة وجوز أن يأتي غير االنبياء بمثل ما أتوا به سواء م�ع المعارض�ة وجع�ل

ما يأتي به الساحر والكاهن معجزات مع عدم المعارضة وحقيقة المعجز هذا ما لم يعارض وال حاج��ة إلى

كونه خارقا للعادة

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،202.

بل االمور المعتادة إذا لم تعارض كانت آية وهذا باطل قطعا ثم مس��يلمة واألس��ود العنس��ي وغيرهم��ا لم

يعارضوا ثم يقال ما يع��ني بع��دم المعارض�ة في ذل��ك المك��ان والزم�ان فالس��حرة والكه��ان ال يعارض�ون

والعنسي ومسيلمة لم يعارضا في مكانهم ووقت اغ��رائهم وإن ق��ال ال يع��ارض البت��ة فمن أين يعلم ه��ذا

العدم فإن قيل فما آيات االنبياء قيل هي آيات االنبي��اء ال��تي تعلم أنه��ا مختص��ة باالنبي��اء وأنه��ا مس��تلزمة

لصدقهم وال تكون إال مع صدقهم وهي ال بد أن تك�ون خارق�ة للع�ادة خارج�ة عن ق�درة االنس والجن وال

يمكن أحدا أن يعارضها لكن كونها خارقة للعادة وال تمكن معارضتها هو من لوازمها ليس هو حدا مطابق��ا

لها والعلم بأنها مستلزمة لصدقهم قد يكون ضروريا كانشقاق القم��ر وجع��ل العص��ا حي��ة وخ��روج الناق��ة

فمجرد العلم بهذه اآليات يوجب علما ضروريا بأن الل��ه جعله��ا آي��ة لص��دق ه��ذا ال��ذي اس��تدل به��ا وذل��ك

يستلزم أنها خارقة للعادة وأنه ال يمكن معارضتها فهذا من جملة صفاتها ال أن هذا وحده كاف فيه��ا وه��ذا

اذا قال من قال أن فالنا أرسلني اليكم فإنه يأتي بما يعلم أنه عالمة والعالمة وال��دليل واآلي��ة ح��دها أنه��ا

تدل على المطلوب وآيات االنبياء تدل على صدقهم وهذا ال يكون اال مع كونها مستلزمة لصدقهم فيمتن��ع

أن تكون معتادة لغيرهم ويمتنع أن يأتي من يعارضهم بمثلها وال يمتنع أن يأتي نبي آخر بمثلها وال أن يأتي

من يصدقهم بمثلها فان تصديقه لهم يتضمن صدقهم فلم يأت إال مع صدقهم وقد تكون اآليات ت��دل على

جنس الصدق وهو صدق صاحبها فيلزم صدقه اذا قال أنا نبي ولكن يمتنع أن يك��ون لك��اذب فه��ذا ونح��وه

مما تنكشف به حقيقة هذا الباب وهو من أهم األمور وإذا فسر خرق العادة بأنها خرق لعادات غير االنبياء

أي ال يكون لغير جنسهم وجنس من صدقهم وفسر ع��دم المعارض��ة بأن��ه ال يق��در أن ي��أتي به��ا من ليس

بن�������بي أو متب�������ع لن�������بي ك�������ان المع�������نى واح�������دا واتح�������دت التفاس�������ير الثالث�������ة

والله سبحانه دل عب��اده بال��دالالت العياني��ة المش��هودة وال��دالالت المس��موعة وهي كالم�ه لكن) فصل (

عامتهم تعذر عليهم أن يسمعوا كالمه منه فأرسل اليهم بكالمه رسال وأنزل اليهم كتبا والمخلوق اذا قصد

إعالم من يتعذر أن يسمع منه أرسل اليه رس�ال وكتب الي�ه كتب�ا كم�ا يفع�ل الن�اس والة االم�ور وغ�يرهم

يرسلون

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،203.

الى من بعد عنهم رسوال ويكتبون اليه كتبا ثم انه سبحانه جعل مع الرسل آيات هن عالمات وبراهين هي

أفعال يفعلها مع الرسل يخصهم بم�ا ال يوج�د لغ�يرهم فيعلم العب�اد الختصاص�هم به�ا أن ذل��ك إعالم من�ه

للعباد وإخبار لهم أن هؤالء رسلي كما يعلمهم بكالمه المسموع منه ومن رسوله وله��ذا ق��د يعلم برس��الة

رسول بإخبار رسول أخبر عنه وقد يخبر عن ارساله بكالمه لمن سمع كالمه منه كما أخبر موسى وغ��يره

بالوحي الذي يوحيه اليهم فآيات االنبياء هي عالمات وبراهين من الله تتضمن إعالم الل��ه لعب��اده وإخب��اره

فالدليل وهو اآلية والعالمة ال يدل إال إذا كان مختصا بالمدلول عليه مستلزما له إما مساويا له وأما أخص

منه ال يكون أعم منه غير مستلزم له فال يتصور أن يوجد الدليل بدون المدلول علي��ه فاآلي��ات ال��تي أعلم

الله بها رسالة رسله وصدقهم ال بد أن تكون مختصة بهم مس��تلزمة لص�دقهم ف�ان اإلعالم واإلخب��ار ب�أن

هذا رسول وتصديقه في قوله إن الله أرسلني ال يتصور أن يوجد لغير رس��ول واآلي��ات ال��تي جعله��ا الل��ه

عالمات هي أعالم بالفعل الذي قد يكون اقوى من القول فال يتصور أن تكون آيات الرسول إال دالة على

صدقهم ومدلولها أنهم صادقون ال يجوز أن توجد بدون ص��دق الرس��ل البت��ة وك��ون ال��رب أراد به��ا إعالم

عباده بصدقهم وصدقهم بها في إخبارهم أنه أرسلهم وكونها آية وعالمة على صدقهم أمر يعلم كم��ا تعلم

داللة سائر االدلة كما يعلم من الرجل أصدقاؤه ووكالؤه أنه أرسل ه��ذا به��ذه العالم��ات فت��ارة يعلم ذل��ك

بالضرورة بعد تصور االمر وتارة يحتاج الى نظر هل هذه العالمة منه أو من غيره وهل ه��و أرس��له به��ا أو

غيره وهل قصد بها اإلعالم والتصديق أم ال وهل يعلم من حال الذاكر أنه أرسله أن��ه ص��ادق فق��د يرس��ل

Page 102: النبوات

من يعلمون هم صدقه وأنه ال يكذب فيعلمون صدقه بمجرد قوله هو أرسلني من غير آية وال عالمة ولهذا

إذا قال من صدقه إنه رأى رؤيا صدقه وجزم بصدقه من قد خ��بر ص��دقه والرؤي��ا ج��زء من س��تة وأربعين

جزءا من النبوة وكذلك لو أخبر بغير ذلك كما أخبر عمران بن حصين أن المالئكة تس��لم علي��ه فلم يش��ك

الذين أخبرهم في صدقه من غير آية فمن ك��ان يعلم ص��دق موس��ى والمس��يح ومحم��د وغ��يرهم وأنهم ال

يكذبون في أخف االمور فكيف بالكذب على الله إذا أخبرهم أحدهم بما

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،204.

جاءه من الوحي والرسالة وما غاب من المالئكة فإنه قد يجزم بصدقه من غ�ير آي�ة ال س�يما ان ك�ان م�ا

يقوله لهم مما يؤيد صدقه ولهذا لم يكن من شرط االيم�ان باالنبي��اء وج�ود اآلي�ات ب�ل ق�د يعلم ص�دقهم

بدون ذلك كما قد بين في موضع آخر وت��ارة يحت��اجون إلى العالم��ة وت��ارة يعلم��ون كذب��ه ب��أن ي��ذكر عن

صاحبهم ما يعلمون هم خالفه ويصفه بما علموا نقيضه وقد يظهر لهم من قصده أنه كذاب ملبس طالب

أغراض له إما م��ال يعطون��ه أو والي��ة يولون��ه أو ام��رأة يزوجون��ه به��ا أو غ��ير ذل��ك من أغ��راض النف��وس

فيسألونه عن مقصوده فإذا عرفوا مقصوده فقد يعلمون كذبه أو صدقه ومثل هذا كثير في عادات الناس

فكثيرا ما يجيء الرجل بما يزعم أنه عالمة وتكون مشتركة فيقال له ما تريد فيذكر مراده فيعلمون كذبه

فدالئل الصدق والكذب ال تنحصر ك�دالئل الحب والبغض هي كث��يرة ج�دا وه�ذا يعرف�ه من ج�رب ع�ادات

����������������������������������������������������������������������������������������������������������������������������������اس الن

  فاآليات التي تكون آيات لالنبياء هي دليل وبرهان والله تعالى سماها برهانا في قوله لموس��ى ) فصل (

ربك من برهانان وهي العصا واليد وسماها برهانا وآيات في مواضع كثيرة من القرآن فحدهافذانك

حد الدليل والبرهان وهي أن تكون مستلزمة لصدق النبي فال يتصور أن توجد مع انتف��اء ص��دق من أخ��بر

أن الله أرسله فليس له إال حاالن إما أن يكون الل�ه أرس�له فيك�ون ص�ادقا أو ال يك�ون أرس�له فال يك�ون

صادقا فآيات الصدق ال توجد إال مع أحد النقيضين وهو الصدق ال توجد قط مع اآلخر وه��و انتف��اء الص��دق

كسائر االدلة التي هي البراهين واآليات والعالمة فإنها ال توجد إال م��ع تحق��ق الم��دلول علي��ه ال توج��د م��ع

عدمه قط اذ كانت مستلزمة له يلزم من وجود الدليل وج��ود الم��دلول علي��ه فال يوج��د ال��دليل م��ع ع��دم

المدلول عليه فال توجد آياتهم مع عدم صدقهم فيجب أن يتصور هذا الموضع فإنه حق معلوم بعد تص��وره

لكل العقالء بالضرورة فال يمكن أحدا كذب النبي أن ي�أتي بمثله�ا فإن�ه ل��و أتى بمثله�ا م�ع تك�ذيب الن�بي

لكانت قد وجدت مع قوله اني صادق ومع قول هذا المكذب إنه ك��اذب فلم تختص بص��دقه ولم تس��تلزمه

فال يلزم إذا قال إني صادق أن يكون صادقا وهذا قد أتى

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،205.

بمثل ما أتى به وقال انه كاذب وال يكون إعالما من الله لعباده وإخبارا لهم ب��أني أرس��لته وال تص��ديقا ل��ه

كما لو قال رجال إن فالنا أرسلني وجاء بعالمة ذكر أنه خصه بها مثل أن يقول العالمة أنه أعطاني خاتم��ه

فيقول المكذب وأنا أيضا أعطاني خاتمه األخرى الصلحها له أو ألختم به��ا ك��ذا وأنت إنم��ا أعط��اك خاتم��ه

لتصلحها أو أن تختم بها فإذا أتى المكذب له بمثل ما أتى به امتنع كونها آية ولكن لو كان قد جاء بالخ��اتم

غيره ألمر آخر أرسله له لم يمتنع ذلك بل قد جرت عادته معهم بأنه من ارسله يرس�ل مع�ه خاتم�ه فق�د

صار ارسال الخاتم عادة له يدل على صدق من أرسله فهو يميز رسله بالخ��اتم ال يخص به��ا واح��دا منهم

وهي عادة منه لرسله ليست لغيرهم ال عادة وال غير عادة فهذا شأن اآليات والعالمات التي يقصد ال��دال

به����������������������������������������ا أن ي����������������������������������������دل به����������������������������������������ا

والله تعالى سماها آيات وبراهين وهو اسم مطابق لمسماه مط��رد ال ينتقض فال تك��ون ق��ط إال) فصل (

آيات لهم وبراهين وأما تسميتها بخرق العادة فللناس في ذلك ثالثة أقوال أحدها أن ذلك ح��د له��ا مط��رد

منعكس فكل خرق هو معجزة للنبي فهو خرق عادة والثاني أن خرق العادة ش��رط فيه��ا وليس بح��د له��ا

فيجب أن تكون خارقة لعادة ولكن ليس كل خارق للعادة يكون آي�ة لن�بي كأش�راط الس�اعة ب�ل أن يق�ع

على وجه مخصوص مثل دعوى النب�وة واالس�تدالل به�ا والتح�دي بمثله�ا م�ع عج�ز الن�اس عن معارض�ته

والق�ول الث�الث أن كونه�ا خارق�ة للع�ادة ليس بح�د وال ش�رط ق�ال القاض�ي أب�و بك�ر في مناظرت�ه في

الكرامات ويقال لهم أيضا إن من الناس من ال يشترط في اآلية المعجزة أن تكون خارقة للع��ادة ويق��ول

إنما تكون آية اذا كانت من فعل الله م��ع التح��دي بمثله��ا ودع��وى النب��وة ف��داللتها على وج��ه ال يمكن أن

Page 103: النبوات

يشترك في ادعائه الصادق والكاذب فإذا ظه��رت على ه��ذا الوج��ه ك��انت آي��ة لمن فعلت على ي��ده ق��ال

المجيبون بهذا ولهذا لم تكن أشراط الساعة آية الحد وان خرقت العادة اذ لم يكن معها دعوى نبوة وألن

موت زيد عند قول الرسول آيتي أن يميت الله زيدا عند دعائي موته فإذا مات عند دعوته صار ذل��ك آي��ة

له وإن كان فعل الموت في االنسان وغيره من الحيوان معتادا قال ان قالوا لو كان كذلك لكان من قال

آيتي

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،206.

أن تطلع الشمس وتغرب ويأتي الليل والنهار والضياء والظالم وفعل ذلك مع دعواه الرسالة كان آي��ة ل��ه

وإن لم يكن المفعول من ذلك خارقا للعادة فلما لم يكن كذلك وإن كان واقعا من فع��ل الل��ه م��ع دع��وى

النبوة لكونه غير خارق للعادة بطل ما قلتموه يقال لهم ق��د أجبن��ا عن ه��ذا حين قلن��ا ويك��ون الواق��ع من

فعل الله مع دعوى النب��وة مم�ا ال يش��ترك في��ه الص�ادق والك��اذب ويس��توي م�ع ظه��وره دع�وى المح�ق

والمبطل وطلوع الشمس وغروبها ولو قال النبي آيتي أن يظلنا السحاب الساعة وتزلزل االرض وتحدث

االمطار بدعوى فحدث ذلك لكان آية ل�ه وإن ك�ان مث�ل ذل�ك ق�د يح�دث في العص�ر ويش�اهد ف�إذا ق�ال

المتنبي انني معارضه وآيتي في كوني نبيا ظهور مثل ذلك منع منه ولم يحدث قلت هذا الذي ذك��روه ه��و

أيضا خرق للعادة فإن ظهور مثل ذلك على هذا الوجه مما لم تجر به العادة وهو نفسه القاضي أب��و بك��ر

في هذا الكتاب كتاب البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل والكهانة والس�حر والنيرنجي�ات

قد قال قبل هذا باب القول في معنى العادة وانخراقها والعادة التي اذا انخرقت دلت على صدق الرسل

واالعتياد لألمر وتفصيل ذلك وتنزيله واعلموا رحمكم الله أن الكل من سائر االمم قد ش��رطوا في ص��فة

المعجز أن يكون خارقا للعادة وإذا كان ذلك واجبا وجب معرفة هذه العادة ومعرف�ة انخرافه�ا فق�د حكي

هنا اإلجماع وهناك صرح باالختالف وقوى ذلك القول وسبب ذلك اضطرابهم في معنى الع��ادة وانخراقه��ا

فان كل قوم يفهمون غير ما يفهمه اآلخرون والله تعالى انما سماها آيات وهذا القول الذي ذك��ره وق��واه

وهو ال يشترط فيها أن تكون خارقة للعادة هو حقيقة قول القاضي وأمثاله من المتكلمين األش�عرية ومن

وافقهم كالقاضي أبي يعلى وأمثاله فإن المعجزات عندهم ال تختص بجنس من األجناس المق��دورات ب��ل

خاصتها أن النبي يحتج بها ويتحدى بمثله�ا فال يمكن معارض�ته فاش�ترطوا له�ا وص�فين أن تك�ون مقترن�ة

بدعوى النبوة وجعلوا المدلول جزءا من الدليل وأنها ال تعارض وباالول فرق��وا بينه��ا وبين الكرام��ات وب��ه

وبالثاني فرقوا بينها وبين السحر والكهانة وصرحوا بأن جميع خ��وارق الس��حرة والكه��ان يج��وز أن تك��ون

معجزة لنبي لكن إذا كانت معجزة لم تمكن معارضتها فلو ادعى ساحر أو كاهن النبوة لكان الله

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،207.

يعجزه عن تلك الخوارق التي علم أن غيره من السحرة والكهان يفع��ل مثله��ا وليس بن��بي وم�ا ي�أتي ب�ه

االنبياء من المعجزات جوزوا أن يأتي بمثل��ه الس��احر والك��اهن إال م��ا من��ع من��ه الس��مع لإلجم��اع على أن

الساحر ال يقلب العصا حية وهذا الفرق ليس يختص به أحد النوعين وال ضابط له وصرحوا بأنه ال يستثنى

من الخوارق إال ما انعقد عليه اإلجم�اع وص�رحوا ب�أن العج�ائب الطبيعي�ة مث�ل ج�ذب حج�ر المغن�اطيس

الحديد يجوز أن يكون معجزة لكن بشرط أن ال يعارض وكذلك الطالسم وكذلك االمور المعتادة يجوز أن

تكون معجزة بشرط أن يمنع غيره منها فتكون المعجزة منع المعتاد فالخاصة عندهم فيها أنها ال تع��ارض

وأنها تقترن بدعوى النبوة وقد يشترطون أن تكون خارقة للعادة لكن يكتفون بمنع المعارض فه��و وح��ده

خرق للعادة فال يشترطون هذا وهذا وقد اشترط القاضي أب��و بك��ر أن يك��ون مم��ا يختص ال��رب بالق��درة

عليه وال حقيقة له فإن جميع الحوادث كذلك عندهم وكل ما خرج عن مح�ل ق�درة العب�د ف�الرب عن�دهم

مختص بفعله كخوارق السحرة والكه��ان وحقيق�ة االم�ر أن�ه ال ف�رق عن��دهم بين المعج�زات والكرام�ات

والسحر والكهانة لكن هذه إذا لم تقترن بدعوى النبوة لم تكن آية وإذا اقترنت بها كانت آية بشرط أن ال

تعارض ثم انه لما أثبت النبوة قال انه يجوز على النبي فعل كل ش��يء من الكب��ائر اال أن يمن��ع من ذل��ك

سمع كما قال كل ما كان معجزة لالنبياء يجوز أن يأتي به الساحر إال أن يمنع منه سمع اذ كان في نفس

االمر ال فرق بين فعل وفعل بل يجوز من الرب كل شيء فيج��وز أن يبعث ك��ل أح��د وال يقيم على نبوت��ه

دليال هذا حقيقة قولهم انه يجوز أن يبعث كل احد وإن�ه اذا بعث�ه ال يقيم دليال على نبوت�ه ب�ل يل�زم العب�اد

بتصديقه بال دليل يدلهم على صدقه فإن غاية هذا تكليف ماال يطاق وهم يجوزونه وهذا الذي قالوه باط��ل

Page 104: النبوات

من وجوه متعددة قد بسطت في غير هذا الموضع منها أنهم جعلوا المدلول عليه وهو اخب��ارالنبي بنبوت��ه

وشهودها وثبوتها جزءا من الدليل قالوا ألنها لو كانت معجزة لجنسها لم تق�ع اال معج�زة والخ�وارق ال�تي

تكون أمام الساعة ليست معجزة ألحد فعلم ان الدليل هو مجموع دعوى النب��وة والخ��ارق والج��واب عن

هذا من وجهين أحدهما أن تلك من آيات الله تعالى

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،208.

فالخوارق التي ال يقدر عليها العباد كلها آيات الله تعالى وهي دالة على ما تظهر داللتها عليه ت��ارة تك��ون

تخويفا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الشمس والقمر آيتان من آيات الل��ه وإنهم��ا ال تنكس��فان

لموت أحد وال لحياته ولكنهما آيتان من آيات الل��ه يخ�وف بهم�ا عب��اده والتخوي�ف يتض�من االم�ر بطاعت��ه

والنهي عن معصيته وأشراط الساعة آيات على قربها وعلى جزاء األعم�ال وه�و يتض�من االم�ر بالطاع�ة

والنهي عن المعصية والثاني أن يقال هي آيات على ص��دق االنبي��اء ف��إنهم أخ��بروا به��ا وهي آي��ة على م��ا

اخبروا به وعلى ص�دقهم وأيض�ا ف�إن عام�ة معج�زات الرس�ول لم يكن يتح�دى به�ا ويق�ول ائت�وا بمثله�ا

والقرآن انما تحداهم لما قالوا إنه افتراه ولم يتحدهم به ابتداء وسائر المعجزات لم يتحد بها وليس فيم��ا

نقل تحد إال بالقرآن لكن قد علم أنهم ال يأتون بمثل آيات االنبياء فهذا الزم لها لكن ليس من شرط ذل��ك

أن يقارن خبره وايضا فمن آيات االنبياء ما كان قبل والدتهم وقبل إنبائهم وما يكون بعد موتهم فإن اآلي��ة

دليل على صدق الخبر بأنه رسول الله وهذا الدليل ال يختص ال بمكان وال زمان وال يك��ون ه��ذا ال��دليل إال

من جنس ال يق�در علي�ه اإلنس كلهم وال الجن فال ب�د أن يك�ون جنس�ه معج�زا أعج�ز االنس والجن وأم�ا

قولهم خاصة المعجز عدم المعارضة فهذا باطل وإن كان عدم المعارضة الزما له فإن هذا الع��دم ال يعلم

إذ يمكن أن يعارضه من ليس هناك إذا كان مما يعلم أنه معتاد مثل خوارق السحرة والكهان فإنه وإن لم

يمكن أن يعارض في هذا الموضع ففي السحرة والكهان من يفعل مثلها مع أنه ليس بنبي ودلي��ل النب��وة

يمتنع ثبوته بدون النبوة وإذا قالوا الدليل هو مجموع الدعوى والدليل تبين خطأهم وان الق��وم لم يعرف��وا

دالئل النبوة وال اقاموا دليال على نبوة االنبياء كما لم يقيم��وا دليال على وج��ود ال��رب فليس في كتبهم م��ا

ي�دل على ال��رب تع��الى وال على رس�وله م�ع أن ه�ذا ه�و المقص�ود من أص�ول ال��دين وايض�ا فمس��يلمة

والعنسي لم يكن عندهما من يعارضهما وأيضا فالمعارض ان اعت��بروه في الم��دعوين وه��ذا مقتض��ى في

خرق العادة وإن العادات تختلف فلكل قوم عادة قالوا فالمعتبر خ�رق ع�ادة من أرس�ل اليهم وعلى ه�ذا

فإذا أرسل الى بني اسرائيل ففعل مالم يقدروا عليه كان آية وإن كان ذلك

فيه الله قال الذي السحر بأن وصرحوا والكهان السحرة عليه ويقدر العرب عليه يقدر وما  مما تكفر فال فتنة نحن انما يقوال حتى أحد من يجوز أن يكون من معجزات االنبياء اذا لميعلمان

يعارض وقد قال الرازي أن السمعيات ال يحتج بها ألن داللتها مشروطة بعدم المعارض العقلي وذلك غير

معلوم وكذلك يقال في معجزات هؤالء إن خاصتها ع��دم المعارض��ة ف��إن اعت��بروا أن أح��دا من الخل��ق ال

يعارض فهذا ال يعلم وإن اكتفوا بأن ال يعارض في ذلك المكان والزمان فكث��ير من الص��ناعات والعج��ائب

والعلوم من هذا الباب وهم ال ينكرون هذا بل يقولون المعج��ز ه��و ه��ذا م��ع دع��وى النب��وة وق��د ت��بين أن

الشيء في نفسه إذا لم يكن دليال لم يصر دليال باستدالل المس�تدل ب�ه ب�ل ه�و في نفس�ه دلي�ل وإن لم

يستدل به اذ كان الدليل هو المستلزم للمدلول فدليل صدق النبي هو يدل على أنه نبي وأن الخبر بنبوته

صدق وإن كان هو ال يستدل بذلك وال يتحدى بمثلها وقد ال يخبر بنبوة نفس�ه ويك�ون ل�ه دالئ�ل ت�دل على

نبوته كما كانت قبل أن يولد وفي االمكنة البعيدة فتبين أن قول هؤالء هو أنه ال يعلم ما يس��تدل ب��ه على

نبوة االنبياء وهذا اذا انضم الى أصلهم وهو أن الرب يجوز عليه فعل كل شيء ص��ارا ش��اهدين بأن��ه على

أصلهم ال دليل على النبوة اذ كان عندهم ال فرق بين فع��ل من ال��رب وفع��ل وعن��دهم ال ف��رق بين جنس

وجنس في اختصاصه باالنبياء به فليس في أجن��اس المعق��والت م��ا يك��ون آي��ة تختص باالنبي��اء فيس��تلزم

نبوتهم بل ما كان لهم قد يكون عند غيرهم حتى السحرة والكهان وهم أعداؤهم وفرقوا بعدم المعارض��ة

وهذا فرق غير معلوم وهو مجرد دعوى قالوا لو ادعى الساحر والكاهن النبوة لك��ان الل��ه ينس��يه الكهان��ة

والسحر ولكان له من يعارضه الن السحر والكهانة هي معجزة عندهم وفي هذه االقوال من الفساد عقال

وشرعا ومن المناقضة ل��دين االس��الم وللح��ق م��ا يط��ول وص��فه وال ريب أن ق��ول من أنك��ر وج��ود ه��ذه

الخوارق أقل فسادا من هذا ولهذا يشنع عليهم ابن ح�زم وغ�يره بالش�ناعات العظيم�ة وله�ذا يقيم أك�ابر

Page 105: النبوات

فضالئهم مدة يطلبون الفرق بين المعجزات والسحر فال يجدون فرقا اذ ال ف��رق عن��دهم في نفس االم��ر

والتحقيق أن آيات االنبياء مستلزمة للنبوة ولصدق الخبر بالنبوة فال يوجد إال مع الشهادة للرسول بأنه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،210.

رسول ال يوجد مع التكذيب بذلك وال مع ع�دم ذل��ك البت�ة وليس�ت من جنس م�ا يق�در علي�ه ال االنس وال

الجن فان ما يقدر عليه االنس والجن يفعلونه فال يكون مختصا باالنبياء ومعنى كونها خارقة للعادة أنه��ا ال

توجد إال للنبوة ال مرة وال أقل وال أكثر فالعادة هنا تثبت بمرة والقاضي أبو بكر يقول ان م��ا فع��ل م��رات

يسيرة ال يكون معتادا وفي كالمه في هذا الباب من االضطراب ما يطول وصفه وه��و رأس ه��ؤالء ال��ذين

اتبعوه كالقاضي أبي يعلى وأبي المعالي والرازي واآلمدي وغيرهم وما يأتي ب��ه الس��حرة والكه��ان يمتن��ع

أن يكون آية لنبي بل هو آية على الكفر فكيف يكون آية للنبوة وه�و مق�دور للش�ياطين وآي�ات االنبي�اء ال

يقدر عليها جن وال إنس وآيات االنبياء آيات لجنسها فحيث كانت آي��ة لل��ه ت��دل على مث��ل م��ا أخ��برت ب��ه

االنبياء وإن شئت قلت هي آيات لله يدل به��ا على ص�دق االنبي��اء ت�ارة وعلى غ��ير ذل��ك ت�ارة وم�ا يك��ون

للسحرة والكهان ال يكون من آيات االنبياء بل آيات االنبياء مختصة بهم وأم��ا كرام��ات االولي��اء فهي أيض��ا

من آيات االنبياء فإنها إنما تكون لمن تشهد لهم بالرسالة فهي دليل على صدق الشاهد لهم بالنبوة وأيضا

فإن كرامات االولياء معتادة من الصالحين ومعجزت االنبياء فوق ذلك فانش��قاق القم��ر واإلتي��ان ب��القرآن

وانقالب العصا حية وخروج الدابة من صخرة لم يكن مثله لالولي��اء وك��ذلك خل��ق الط��ير من الطين ولكن

الكبرى  آياتهم صغار وكبار كما قال تعالى اآلية فلله تعالى آية كبيرة وصغيرة وقال عن نبيهفأراه

الكبرى  محمد ربه آيات من رأى فاآليات الكبرى مختصة بهم وأما اآليات الصغرى فقد تكونلقد

للصالحين مثل تكثير الطعام فهذا قد وجد لغير واحد من الصالحين لكن لم يوجد كم��ا وج��د للن��بي ص��لى

الله عليه وس��لم أن��ه أطعم الجيش من ش��يء يس��ير فق��د يوج��د لغ��يرهم من جنس م��ا وج��د لهم لكن ال

يماثلون في قدره فهم مختصون إما بجنس اآلي��ات فال يك��ون لمثلهم كاإلتي��ان ب��القرآن وانش��قاق القم��ر

وقلب العصا حية وانفالق البحر وأن يخلق من الطين كهيئة الطير وإما بقدرها وكيفيتها كنار الخلي��ل ف��إن

أبا مسلم الخوالني وغيره صارت النار عليهم بردا وسالما لكن لم تكن مثل نار ابراهيم في عظمته��ا كم��ا

وصفوها فهو مشارك للخليل في جنس اآلية كما هو مشارك في جنس االيمان محبة

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،211.

الله وتوحيده ومعلوم أن الذي امتاز به الخليل من هذا ال يماثله فيه أبو مس��لم وأمثال��ه وك��ذلك الط��يران

 في الهواء فإن الجن ال تزال تحمل ناسا وتطير بهم من مكان إلى مكان كالعفريت الذي قال لس��ليمان

مقامك من تقوم أن قبل به آتيك أن  لكن قول الذي عنده علم من الكتاب أنا قبل به آتيك أناطرفك اليك ال يقدر عليه العفريت ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم الى بيت المقدس ليريهيرتد

الله من آياته الكبرى أمر اختص به بخالف من يحمل من مكان الى مكان ال ليريه الله من آيات��ه الك��برى

أمر اختص به وال يعرج الى السماء فهؤالء كثيرون وهذا مبسوط في غير هذا الموضع والمقص��ود هن��ا أن

هؤالء حقيقة قولهم انه ليس للنبوة آية تختص به��ا كم�ا أن حقيق�ة ق�ولهم إن الل��ه ال يق�در أن ي�أتي بآي�ة

تختص بها وإنه لو كان قادرا على ذلك لم يلزم أن يفعله بل ولم يفعله فهذان أم��ران متعلق��ان ب��الرب اذ

هو عندهم ال يقدر أن يفعل شيئا لش�يء واآلي�ة انم�ا تك�ون آي�ة اذا فعله�ا لت�دل ول�و ق�در أن�ه ق�ادر فهم

يجوزون عليه فعل كل شيء فيمكن أنه لم يجعل على صدق النبي دليال وأما الذي ذكرناه عنهم هنا فإن��ه

يقتضي أنه ال دليل عندهم على نبوة النبي بل كل ما قدر دليال فإنه يمكن وقوعه مع عدم النبوة فال يكون

دليال فهم هناك حقيقة قولهم انا ال نعلم على النبوة دليال وهنا حقيقة قولهم إنه ال دليل على النبوة وله��ذا

ك�ان كالمهم في ه�ذا الب�اب منته�اه التعطي�ل وله�ذا ع�دل الغ�زالي وغ�يره عن ط�ريقهم في االس�تدالل

بالمعجزات لكون المعجزات على أصلهم ال تدل على نبوة ن��بي وليس عن��دهم في نفس االم�ر معج��زات

وإنما يقولون المعجزات علم الصدق النها في نفس االمر كذلك وهم صادقون في هذا لكن على اص��لهم

ليست دليال على الصدق وال دليل على الصدق فآيات األنبياء تدل على صدقهم دالل��ة معلوم��ة بالض��رورة

تارة وبالنظر أخرى وهم قد يقولون إنه يحصل العلم الضروري بأن الل��ه ص�دقه به��ا وهي الطريق�ة ال��تي

سلكها أبو المعالي والرازي وغيرهما وهي طريقة صحيحة في نفسها لكن تناقض بعض أصولهم فالقدس

ليس في آيات األنبياء لكن في األقوال الفاسدة التي تنافض ما هو معلوم بالضرورة عقال وم��ا ه��و أص��ل

Page 106: النبوات

االيمان شرعا ومن عرف تناقضهم في االس��تدالل يع��رف أن اآلف��ة في فس��اد ق��ولهم ال في جه��ة ص��حة

الداللة فقد

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،212.

المنافقون سورة أول في يقولون الذين كالمنافقين قلبه في ليس ما بلسانه أنك  يظهر نشهدلكاذبون المنافقين أن يشهد والله لرسوله أنك يعلم والله الله اإلماملرسول ولقد صدق

أحمد في قوله علماء الكالم زنادقة وطريقة القرآن فيها اله��دى والن��ور والش��فاء س��ماها آي��ات وب��راهين

فآيات االنبياء مستلزمة لصدقهم وصدق من صدقهم وشهد لهم بالنبوة واآليات التي يبعث الله به��ا انبي��اء

قد يكون مثلها ألنبياء أخر مثل إحياء الموتى فقد كان لغير واحد من األنبياء وقد يكون إحياء الم�وتى على

يد أتباع االنبياء كما قد وقع لطائفة من هذه االمة ومن أتباع عيسى ف��إن ه��ؤالء يقول��ون نحن إنم��ا أح��يى

الله الموتى على أيدينا التباع محمد أو المسيح فبايماننا بهم وتصديقنا لهم أحيى الله الم��وتى على أي��دينا

فكان إحياء الموتى مستلزما لتصديقه عيسى ومحمدا لم يكن قط مع تك��ذيبهما فص��ار آي��ة لنب��وتهم وه��و

أيضا آية لنبوة موسى وغيره من أنبياء بني اسرائيل الذين أحيى الله الم��وتى على أي��ديهم وليس م��دلول

اآليات هو مجرد دعواه أن الله أرسلني وإخب��اره عن نفس��ه ب�ذلك ألن ذل��ك معل��وم ب�الحس لمن س�معه

وبالتواتر لمن لم يسمعه بل صدقه في هذا الخبر وهو ثبوت نبوته فاآلية مستلزمة لص��دقه وثب��وت نبوت��ه

ومن أخبر غيره عن إرسال الله له وأتى هذا المخبر بآية كانت أيضا آي�ة على ص�دق ه�ذا المخ�بر وثب��وت

نبوة النبي فان من أخبر عن نبوة نبي من االنبياء وأتى بآية على ص��دقه في خ��بره ك��انت تل��ك آي��ة ودليال

على نبوة النبي وأن إخبار المخبر بنبوته صدق بل كون غيره هو المخبر اآلتي بالعالم��ة أبل��غ وله��ذا ك��انت

من أعظم آيات النبي إخبار غيره من االنبياء بنبوته فإن قال آخر إن��ه ك��ذب وأتى بمث��ل تل��ك اآلي��ة بطلت

الداللة المعينة وال يلزم من بطالن دليل معين بطالن سائر األدلة فان الدليل يجب طرده وال يجب عكسه

ولو جاء من قال إن فالنا أرسلني ومعه شخص فصدقه وقال إنه أمرني أن أخبركم ب��أني رس��وله بعالم��ة

كيت وكيت لكان ذلك أبلغ وكل من علم صدق النبي فق�د ص�دقه أن�ه أن يعلم الن��اس أن الل��ه يش��هد ل��ه

بالنبوة ويحكم بينه وبين منازعيه بتصديقه وتكذيبهم وذلك بآياته وعالماته ي��بين به��ا أن��ه مص��دق للرس��ول

وقد يصدقه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،213.

بكالمه الذي قد بين أنه كالمه فكونه في نفسه آية وعالم�ة إذ ك��ان ال يمكن الجن واالنس أن ي��أتوا بمثل��ه

فهو من أعظم اآليات وبغير ذلك فاآليات كلها شهادة ب�النبوة وإخب�ار به�ا وتص�ديق للمخ�بر فهي تس�تلزم

ثبوت النبوة في نفسها وأن ص��احب اآلي��ات ق��د نب��أه الل��ه وأوحى الي��ه كم��ا أوحي إلى غ��يره من االنبي��اء

وتستلزم أيضا صدق اإلخبار بأنه نبي فهو اذا قال إني نبي كان صادقا وك��ذلك ك��ل من أخ��بر بنبوت��ه فإن��ه

يكون صادقا وثبوت الشيء وصدق من أخبر به متالزمان فكل حق ث�ابت إذا أخ�بر ب�ه مخ�بر فه��و ص�ادق

وكل خبر صادق فقد تحقق مخبره فالخبر الصادق ه�و ومخ�بره متالزم�ان يل�زم من ص�دق الخ�بر تحق�ق

مخبره ومن تحقق الشيء صدق المخبر به بخالف الكذب فإنه ومخبره ليسا متالزمين ب�ل الخ�بر الك��ذب

يوجد مع انتفاء مخبره والمخبر ب�ه يتحق�ق على ص�فة خالف م�ا في الخ�بر الك�اذب فله�ذا ك�انت اآلي�ات

والعالمات والدالئل ونحو هذا كما تدل على المدلول وأنه حق ثابت فهي أيضا ت��دل على ص��دق من أخ��بر

به كائنا من كان فمن قال اني ابن فالن وقامت بينة بنسبة فهي تثبت صدقه وصدق كل من قال ه��و ابن

فالن وكذلك البينة التي تشهد برؤية الهالل هي تشهد بصدق كل من أخبر بطلوعه وك��ذلك ك��ل دلي��ل دل

على مدلول فهو دليل على صدق ك�ل من أخ�بر ب�ذلك الم�دلول علي�ه وك�ذلك اذا ق�ال الص�ادق ان الل�ه

أرسلني فهذا خبر منه عن ارسال الله فاآلية الدال��ة على ص��دقه ت��دل على ص��دق ك��ل من ق��ال ان الل��ه

قوله به في الله أمره ما قال اذا الدالة على صدق محمد فاآليات إني  أرسله الناس أيها يا قلجميعا اليكم الله هي دالة على صدق كل من قال أشهد أن محمدا رسول الله فجميع آياتهرسول

وآيات االنبياء الذين أخبروا بنبوته كموسى والمسيح وأنبياء بني اس�رائيل وغ��يرهم كله��ا آي�ات ومعج�زات

تبين صدق كل واحد من المؤمنين به الذين يقول أحدهم أشهد أن محمدا رسول الله سواء قالها مج��ردة

أو قالها في صالته أو عقب طهارته أو متى ما قالها ليست آيات النبوة دالة على أن��ه وح��ده ه��و الص��ادق

في قوله اني رسول الله اليكم جميعا بل اآليات تصدقه وتصدق كل من شهد ل��ه بالرس�الة وهك�ذا س�ائر

Page 107: النبوات

االدلة الدالة على مدلول فإنها تدل على صدق من أخبر بذلك المدلول عليه من جميع الخلق وق��د ع��رف

أن الدليل ال بد أن

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،214.

يكون مختصا بالمدلول عليه مستلزما له فآيات االنبي��اء وس�ائر أن�واع اآلي�ات واألدل��ة ال تك��ون م�ع نقيض

المدلول عليه أي مع عدمه فإنها اذا كانت مع وجوده وعدمه لم تكن دالة على وجوده وال على عدمه ولم

يكن االستدالل بها على وجوه أولى به من االستدالل على عدمه كاالمور المعتادة التي توجد مع الص��ادق

والكاذب كطلوع الشمس وغروبها فإن ه�ذه ال ت�دل على ص�دق أح�د وال كذب�ه وك�ذلك خ�وارق الس�حرة

والكهان هي معتادة مع صدق أحدهم ومع كذب��ه فال ت��دل على الص��دق اذ ك��ان ك��ذبهم أك��ثر من ص��دقهم

تنزل  كالذين يخبرون بكلمة صدق وعشر كذب قال تعالى الشياطين تنزل من على أنبئكم هلكاذبون وأكثرهم السمع يلقون أثيم أفاك كل فكيف إذا كان مع الصدق مائة كذبة كما قالعلى

النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الكهان كما روى البخاري في ص��حيحه عن عائش��ة رض��ي الل��ه

عنها قالت سأل ناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه

وسلم ليسوا بشيء قالوا يا رسول الله فانهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا فقال رس��ول الل��ه ص��لى

الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يحفظها الجني فيقرها في أذن ولي�ه ق�ر الدجاج�ة فيخلط�ون فيه�ا

أكثر من مائة كذبة فيلزم من هذا أن آيات االنبياء ال يك��ون مثله��ا لمن يك��ذبهم وه��و ال��ذي يخ��بر بك��ذبهم

والناس فيهم رجالن إما مصدق وإما مكذب فالمكذب لهم يمتنع أن يأتي بمثل آياتهم ومتى كذب مك��ذب

لمدعي النبوة وأتى بمثل آيته سواء دل على أن تلك ليست من آيات االنبي��اء وال ت��دل على ص��دق الن��بي

لكن ال يلزم أن تدل على كذبه فإن الدليل المعين إذا بطل ال يستلزم انتفاء المدلول عليه فقد تك��ون ل��ه

آيات أخر تدل على نبوته وصدق الصادق وكذب الكاذب يعرف بوجوه كثيرة جدا وك��ذلك النب��وة له��ا آث��ار

مستلزمة لها بدون إخبار النبي بانه نبي وكذب المتنبي الذي يزين له الشيطان أن يقول إنه ن�بي ل��ه آث�ار

تستلزم انتفاء النبوة وأنه كاذب إما عمدا وإما أن الشيطان قد لبس عليه فإن الخبر عند كثير من الن��اس

ينقسم الى صدق وكذب فالمطابق هو الصدق والمخالف هو الكذب وأثبت بعضهم واسطه بين

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،215.

الصدق والكذب وهو مالم يتعم�ده االنس�ان ق�ال فه�ذا ليس بص�دق ألن�ه غ�ير مط�ابق وليس بك�ذب ألن

صاحبه لم يتعمد الكذب بل أخطأ ولس كل من أخطأ يقال انه كاذب كالناسي في الصالة إذا قال ص��ليت

أربعا ولم يصل إال ثالثا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لم��ا ق��ال ل��ه ذو الي��دين أقص��رت الص��الة أم

نسيت فقال لم أنس ولم تقصر فقال بلى قد نسيت فقال أكما يق��ول ذو الي��دين ق��الوا نعم وال��ذي ي��دل

عليه القرآن أن كل من تكلم بال علم فأخطأ فهو كاذب كالذين حرموا وحللوا وأوجبوا وان كان الش��يطان

أنه حق ولهذا قال تنزل  قد زين لهم ذلك وأوهمهم الشياطين تنزل من على أنبئكم هل قلأثيم أفاك كل تعالى على قال يصدقها أنه يظن من على تتنزل ذكر  وهي عن يعش ومن

أنهم ويحسبون السبيل عن ليصدونهم وإنهم قرين له فهو شيطانا له نقيض الرحمنووعدتكم  وقال تعالى مهتدون الحق وعد وعدكم الله ان االمر قضى لما الشيطان وقال

وكذلك الذي تدل عليه الشرع أن كل من أخبر بخبر ليس له أن يخبر به وهو غير مطابقفأخلفتكم

له قيل لما وسلم عليه الله النبي صلى كقول الكذب يتعمد لم كان وإن كاذبا يسمى أبا  فإنه انإن قالها من كذب فقال وعشر أشهر أربعة عليك يمر حتى بناكحة أنت ما قال السنابل

الملحمة يوم اليوم الفتح يوم في عبادة بن سعد قال ولما مجاهد جاهد أنه ألجرين لهكذب قال وسلم عليه الله صلى الله لرسول سفيان أبو وحكاه الحرمة تستحل اليوم

بن عبادة قال وكذلك الكعبة فيه تكسى ويوم الكعبة فيه الله تعظم يوم هذا ولكن سعدابن وكذلك محمد أبو كذب فقال واجب الوتر يقول محمد أبا إن له قيل لما الصامت

فقال الخضر موسى هو ليس اسرائيل بني موسى إن يقول نوفا إن له قيل لما عباساال تصديقه عن نهوا وقد فيه يصدقوه أن طلب خبرا الناس أخبر من وأيضا نوف كذب

القرآن في تعالى قال كما كاذب أيضا فإنه يأتواببينة لم فإذا شهداء بأربعة عليه جاءوا لوال

Page 108: النبوات

الكاذبون الله هم القاذفين  بالشهداء فأولئك عند في فاجلدوهم ثمانين جلدة وال تقبلوا لهموقال

شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون اال الذين تابوا من بعد

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،216.

بعينه  ذلك وأصلحوا فان الله غفور رحيم الفاحشة رأى قد كان وإن القاذف أن وكذلكذلك لهم وليس خبره بمجرد يصدقوه أن منهم يطلب فهو الناس بها أخبر إذا لكنه

بل ليكذبوه الناس يخبر ال وهو شهداء بأربعة يأتي حتى يصدقوه أن لهم ليس بلوهم الفاحشة فعل قد المقذوف أن ويعتقدوا به أخبرهم ما ثبوت ليعتقدوا يخبرهمالله عند فهو شهداء بأربعة يأت لم فإذا شهداء بأربعة إال ذلك يقولوا أن لهم ليسوأن تصديقهم به طلب خبرا وقال الفاحشة فعل هذا بأن الناس أخبر ألنه كاذب

بل هذا عليها يرتب ظاهرة فاحشة فعل هذا أن خبره فحقيقية فعلها هذا أن يظهرلم كتم إذا الذنب أن علم وقد الناس به يعلم لم سرا فعله فقد شيئا فعل كان ان

المسلمين وأكثر يعلنه لم وهذا الناس ضر ينكر فلم أعلن إذا ولكن صاحبه اال يضرفي ببعض بعضهم الناس يتشبه إعالنها ومن منها تاب باطنة فاحشة أحدهم فعل إذا

فعلت اذا فإنها صدق وغير صدقا بها التكلم وعن فعلها عن الله نهى فلهذا ذلكعليه الله صلى النبي قال كثيرة مفاسد فيها كان أظهرت وإذا أمرها خف وكتمت

لنا يبد من فإن الله بستر فليستتر بشيء القاذورات هذه من ابتلي من وسلمالمهاجدة من وإن المجاهدين اال معافى أمتي كل وقال الله كتاب عليه نقم صفحته

كذا البارحة فعلت فالن يا يقول فيصبح الله ستره قد الذنب على الرجل يبيت انأقر اذا ما بخالف القاذف فكيف ويعلنها يظهرها أن صاحبها تعالى الله نهى فقد وكذافيه فذاك الحد إلقامة تام نصاب بها يشهد أو الحد عليه ليقيم أمر ولي عند بها

ويستفتيه يتوب كيف يعلمه لمن سرا الناس بعض بها يخبر وقد وصالح منفعةيشيع وال ذلك عليه يكتم أن والمشير المفتى ذلك فعلى يفعل فيما ويستشيرهرسول اني قال من في الناس أن هنا والمقصود آخر موضع له هذا وبسط الفاحشة

آيات بمثل يأتي أن يمكنه ال بمصدق ليس فمن مصدق غير وإما مصدق إما قسمانأتباع المؤمنون وكذلك والتكذيب التصديق في توقف أو كاذب انه قال سواء االنبياء

يصدق ال من يمكن فال اتبعوه الذي النبي نبوة على دليال كانت بآية أتوا اذا االنبياءلما مسلم أبو كان ولهذا االنبياء آيات من تكن لم عارضهم ومتى يعارضهم أن النبي

أن أتشهد قال أسمع ما قال الله رسول أني أتشهد العنسي االسود له قال

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،217.

محمدا رسول الله قال نعم فألقاه في النار فصارت عليه بردا وسالما فكرامات الصالحين هي مستلزمة

لصدقهم في قولهم ان محمد رسول ولثبوت نبوته فهي من جملة آيات االنبياء وآياتهم وما خصهم الله به

ال يكون لغير االنبياء واذا قال القائل معجزات االنبياء وآياتهم وما خصهم الله به فهذا كالم مجمل فان��ه ال

ريب أن الله خص االنبياء بخصائص ال توجد لغ��يرهم وال ريب ان من آي��اتهم م��ا ال يق��در ان ي��أتي ب��ه غ��ير

االنبياء بل النبي الواحد له آيات لم يأت بها غيره من االنبياء كالعصا واليد لموسى وفرق البح�ر ف�إن ه�ذا

لم يكن لغير موسى وكانشقاق القمر والقرآن وتفجير الماء من بين األصابع وغير ذل��ك من اآلي��ات ال��تي

لم تكن لغير محمد من االنبياء وكالناقة التي لصالح فإن تلك اآلية لم يكن مثلها لغ��يره وه��و خ��روج ناق��ة

من االرض بخالف احياء الموتى فانه اشترك فيه كثير من االنبياء ب��ل ومن الص��الحين ومل��ك س��ليمان لم

بعدي  يكن لغيره كما قال من ألحد ينبغي ال ملكا لي وهب لي اغفر فطاعة الجن والطيررب

وتسخير الريح تحمل��ه من مك��ان الى مك��ان ل��ه ولمن مع��ه لم يكن مث��ل ه��ذه اآلي��ة لغ��ير س��ليمان وفي

الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال م�ا من ن�بي من االنبي�اء إال وق�د أوتي من اآلي�ات م�ا

آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة

أن  وهو من حين أتى بالقرآن وهو بمكة يقرأ على الناس على والجن اإلنس اجتمعت لئن قلظهيرا لبعض بعضهم كان ولو بمثله يأتون ال القرآن هذا بمثل آياتيأتوا فقد ظهر أن من

Page 109: النبوات

االنبياء ما يختص به النبي ومنها ما يأتي به عدد من االنبياء ومنها ما يشترك في��ه االنبي��اء كلهم ويختص��ون

إال  به وهو االخبار عن الله بغيبه الذي ال يعلمه اال الله قال أحدا غيبه على يظهر فال الغيب عالمأبلغوا قد ان ليعلم رصدا خلفه ومن يديه بين من يسلك فإنه رسول من ارتضى من

عددا شيء كل وأحصى لديهم بما وأحاط ربهم لكن ما يظهر على المؤمنين بهم منرساالت

اآليات بسبب االيمان بهم فيه قوالن قال طائف�ة ليس ذل�ك من آي�اتهم وه�ذا ق�ول من يق�ول من ش�رط

المعجزة أن تقارن دعوى النب��وة ال تق�دم عليه��ا وال تت��أخر عنه��ا كم�ا قال��ه ه�ؤالء ال��ذين يجعل��ون خاص�ة

المعجزة التحدي بالمثل وعدم المعارضة

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،218.

وال تكون إال مع الدعوى كما تق�دم وه�و ق�ول ق�د ع�رف فس�اده من وج�وه والق�ول الث�اني وه�و الق�ول

الصحيح أن آيات األولياء هي من جملة آيات االنبياء فإنها مستلزمة لنبوتهم ولص��دق الخ��بر بنب��وتهم فإن��ه

لوال ذلك لم�ا ك�ان ه�ؤالء أولي�اء ولم تكن لهم كرام�ات لكن يحت�اج أن يف�رق بين كرام�ات األولي�اء وبين

خوارق السحرة والكهان وما يكون للكفار والفساق وأهل الضالل والغي بإعانة الشياطين لهم كما يف��رق

بين ذل���ك وبين آي��ات االنبي���اء والف��روق بين ذل���ك كث���يرة كم��ا ق��د بس���ط في غ���ير ه��ذا الموض��ع

فقد تبين أن من آيات االنبياء ما يظهر مثل��ه على اتب��اعهم ويك��ون م��ا يظه��ر على أتب��اعهم من) فصل (

آياتهم فان ذلك مختص بمن يشهد بنبوتهم فهو مستلزم له ال تكون تلك اآليات اال لمن أخ�بر بنب��وتهم وإذا

لم يخبر بنبوتهم لم تكن له تلك اآليات وهذا حد الدليل وهو أن يكون مستلزما للم�دلول علي��ه ف�إذا ع�دم

المدلول عليه عدم الدليل ولهذا من السلف من يأتي باآليات داللة على ص��حة االس��الم وص��دق الرس��ول

كم�����ا ذك�����ر أن خال�����د بن الولي�����د ش�����رب الس�����م لم�����ا طلب من�����ه آي�����ة ولم يض�����ره

في معنى خرق الع��ادة وأن االعتب��ار أن تك��ون خارق��ة لع��ادة غ��ير االنبي��اء مطلق��ا بحيث تختص) فصل (

باالنبياء فال توجد اال مع اإلخبار بنبوتهم وأما إخبار الكهان ببعض االمور الغائبة إلخبار الشياطين لهم ب��ذلك

وسحر السحرة بحيث يموت االنسان من السحر أو يمرض ويمنع من النكاح ونح��و ذل��ك مم��ا ه��و باعان��ة

الشياطين فهذا أمر موجود في العالم كثير معتاد يعرف�ه الن��اس ليس ه�ذا من خ�رق الع��ادة ب�ل ه�و من

العجائب الغريبة التي يختص بها بعض الناس كما يختص قوم بخفة اليد والشعبذة وقوم بالسباحة الغريبة

حتى يضطجع أحدهم على الم�اء وكم�ا يختص ق�وم بالقياف�ة ح�تى يب��اينوا به��ا غ��يرهم وكم�ا يختص ق�وم

بالعيافة ونحو ذلك مما هو موجود ولهذا كان مكذبو الرسل يجعلون آياتهم من جنس السحر وهذا مستقر

عليم  في نفوسهم أن الساحر ليس برسول وال نبي كما في قصة موسى لما قالوا لساحر هذا انتأمرون فماذا بسحرة أرضكم من يخرجكم أن تعالى يريد من  قال الذين أتى ما كذلك

مجنون أو ساحر قالوا إال رسول من قبلهم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،219.

وهذا لحيرتهم وضاللتهم تارة ينسبون إلى الجنون وعدم العقل وتارة الى الحذق والخ�برة ال��تي ين��ال به��ا

السحر فان السحر ال يقدر عليه وال يحسنه كل أحد لكن العج�ائب والخ�وارق المق�دورة للن��اس منه��ا م�ا

سببه من الناس بحذقهم في ذلك الفن كما يحذق الرجل في صناعة من الصناعات وكما يح��ذق الش��اعر

والخطيب والعالم في شعره وخطابته وعلمه وكما يحذق بعض الن��اس في رمي النش��اب وحم��ل ال��رمح

وركوب الخيل فهذه كلها قد يأتي الشخص منها بما ال يقدر عليه أهل البلد بل أهل االقليم لكنها م��ع ذل��ك

مقدورة مكتسبة معتاده بدون النبوة قد فعل مثله��ا ن��اس آخ��رون قبلهم أو في مك��ان آخ��ر فليس��ت هي

خارقة لعادة غير االنبياء مطلقا بل توجد معتادة لطائف��ة من الن��اس وهم ال يقول��ون انهم أنبي��اء وال يخ��بر

أحد عنهم بأنهم أنبياء ومن هنا دخل الغلط على كثير من الناس فإنهم لما رأوا آيات االنبياء خارقة للعادة

لم يعتد الناس مثلها اخذوا مسمى خرق العادة ولم يميزوا بين م��ا يختص ب��ه االنبي��اء ومن أخ��بر بنب��وتهم

وبين ما يوجد معتادا لغيرهم واضطربوا في مس��مى ه��ذا االس��م كم��ا اض��طربوا في مس��مى المعج��زات

ولهذا لم يسمها الله في كتابه إال آيات وبراهين فإن ذل��ك اس��م ي��دل على مقص��ودها ويختص به��ا ال يق��ع

على غيرها لم يسمها معجزة وال خرق عادة وان ك��ان ذل��ك من بعض ص��فاتها فهي ال تك��ون آي��ة وبرهان��ا

حتى تكون قد خرقت العادة وعجز الناس عن اإلتيان بمثلها لكن هذا بعض صفاتها وشرط فيه��ا وه��و من

لوازمها لكن شرط الشيء والزمه قد يكون أعم منه وهؤالء جعلوا مس��مى المعج��زة وخ��رق الع��ادة ه��و

Page 110: النبوات

الحد المطابق لها طردا وعسكا كما أن بعض الناس يجعل اسمها أنها عج�ائب وآي�ات االنبي�اء اذا وص�فت

بذلك فينبغي أن تقيد بما يختص بها فيقال العجائب التي أتت به��ا االنبي��اء وخ��وارق الع��ادات والمعج��زات

التي ظهرت على أيديهم أو التي ال يقدر عليها البشر أو ال يق��در عليه��ا االنس والجن أو ال يق��در عليه��ا اال

الله بمعنى أنه ال يقدر عليها أحد بحيلة واكتساب كما يقدرون على السحر والكهانة فب��ذلك تتم��يز آي��اتهم

عما ليس من آياتهم وإال فلفظ العجائب قد يدخل فيه بعض الناس الش��عبذة ونحوه��ا والتعجب في اللغ��ة

يكون من أمر خرج عن نظائره وما خرج عن نظائره فقد خرق تلك العادة المعينة في نظائره فه�و أيض�ا

خارق للعادة وهذا شرط في آيات االنبياء أن

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،220.

ال يكون لها نظير لغير االنبياء ومن يصدقهم فإذا وجد نظيرها من ك��ل وج��ه لغ��ير االنبي��اء ومن ش��هد لهم

بالنبوة لم تكن تلك من آياتهم بل كانت مشتركة بين من يخبر بنبوتهم ومن ال يخبر بنب��وتهم كم��ا يش��ترك

هؤالء وهؤالء في الطب والصناعات وأما السحر والكهانة فهو من إعانة الشياطين لبني آدم فإن الك��اهن

يخبره الجن وكذلك الساحر انما يقتل ويمرض ويصعد في الهواء ونحو ذلك باعانة الشياطين له فأمورهم

الجن  خارجة عما اعتاده االنس باعانة الشياطين لهم قال تعالى معشر يا جميعا يحشرهم ويومأجلنا وبلغنا ببعض بعضنا استمتع ربنا االنس من أوليائهم وقال االنس من استكثرتم قد

الله شاء ما إال فيها خالدين مثواكم النار قال لنا أجلت فالجن واالنس قد استمتع بعضهمالذي

ببعض فاستخدم هؤالء هؤالء وهؤالء هؤالء في أمور كثيرة كل منهم فعل لآلخر ما هو غرض��ه ليعين��ه على

غرضه والسحر والكهانة من هذا الباب وكذلك ما يوجد لعباد الكفار من المشركين وأه��ل الكت��اب ولعب��اد

المن��افقين والملح��دين من المظه��رين لالس��الم والمبت��دعين منهم كله��ا باعان��ة الجن والش��ياطين لكن

الشياطين تظهر عند كل قوم بما ال ينكرونه فإذا كان القوم كفارا ال ينكرون السحر والكهان��ة كم��ا ك��انت

العرب وكالهند والترك المش��ركين ظه��روا به��ذا الوص�ف ألن ه�ذا معظم عن��د تل��ك األم�ة وإن ك�ان ه�ذا

مذموما عند أولئك كما قد ظه��ر ذم ه�ؤالء عن��د أه�ل المل��ل من المس��لمين واليه��ود والنص�ارى أظهرت�ه

الشياطين فيمن يظهر العبادة وال يكون مخلصا لله في عبادته متبعا لالنبياء بل يك��ون في��ه ش��رك ونف��اق

وبدعة فتظهر ل�ه ه�ذه االم�ور ال�تي ظه�رت للكه�ان والس�حرة ح�تى يظن أولئ�ك أن ه�ذه من كرام�ات

الصالحين وأن ما هو عليه هذا الشخص من العبادة هو طريق أولياء الله وإن كان مخالفا لطري�ق االنبي�اء

حتى يعتقد من يعتقد أن لله طريقا يسلكها اليه أولياؤه غير االيمان باالنبياء وتص��ديقهم وق��د يعتق��د بعض

هؤالء أن في هؤالء من هو أفضل من االنبياء وحقيقة االمر أن هؤالء عارضوا االنبياء كما ك��انت تعارض��هم

السحرة والكهان كم��ا عارض��ت الس��حرة لموس��ى وكم��ا ك��ان كث��ير من المن��افقين يتح��اكمون إلى بعض

الكهان دون النبي صلى الله عليه وسلم ويجعلونه نظ�ير الن��بي وك�ان في الع��رب ع�دة من ه�ؤالء وك�ان

بالمدينة منهم أبو

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،221.

فيه تعالى الله أنزل الذي ان كاهنا وقد قيل كان أن يسلم االسلمي قبل الذين  برزة الى تر المالطاغوت الى يتحاكموا أن يريدون قبلك من أنزل وما اليك أنزل بما آمنوا أنهم يزعمون

بعيدا ضالال يضلهم أن الشيطان ويريد به يكفروا أن أمروا وقد ذكر قصته غير واحد منوقد

المفسرين ولما كان الذين يعارضون آيات االنبياء من السحرة والكهان ال ي��أتون بمث��ل آي��اتهم ب��ل يك��ون

 بينهما شبه كشبه الشعر بالقرآن ولهذا قالوا في النبي إن�ه س�احر وك�اهن وش�اعر مجن�ون ق�ال تع�الى

سبيال يستطيعون فال فضلوا االمثال لك ضربوا كيف بينهماانظر فجعلوا له مثال ال يماثله بل

شبه مع وجود الفارق المبين وهذا هو القياس الفاسد فلما كان الشعر كالما له فواصل ومقاطع والق�رآن

آيات له فواصل ومقاطع قالوا شاعر ولكن شتان وكذلك الكاهن يخبر ببعض المغيبات ولكن يكذب كث��يرا

أنبئكم  وهو يخبر بذلك عن الشياطين وعليه من آثارهم ما يدل على أنه أفاك أثيم كما قال تعالى هلكاذبون وأكثرهم السمع يلقون أثيم أفاك كل على تنزل الشياطين تنزل من  ثم قال على

يفعلون ماال يقولون وأنهم يهيمون واد كل في أنهم تر ألم الغاوون يتبعهم فذكروالشعراء

سبحانه الفرق بين النبي وبين الكاهن والشاعر وكذلك الساحر لما ك��ان يتص��رف في العق��ول والنف��وس

بما يغيرها وكان من سمع القرآن وكالم الرسول خضع له عقل��ه ولب��ه وانق��ادت ل��ه نفس��ه وقلب��ه ص��اروا

Page 111: النبوات

يقولون ساحر وشتان وكذلك مجنون لما كان المجنون يخالف عادات الكفار وغيرهم لكن بما في��ه فس��اد

 ال صالح واالنبياء جاءوا بما يخالف عادات الكفار لكن بما فيه صالح ال فس��اد ق��الوا مجن��ون ق��ال تع��الى

هم بل به أتواصوا مجنون أو ساحر قالوا إال رسول من قبلهم من الذين أتى ما كذلكطاغون فتارة يصفونه بغاية الحذر والخبرة والمعرفة فيقولون ساحر وتارة بغاية الجهل والغباوةقوم

تعالى االمثال  والحمق فيقولون مجنون وقد ضلوا في هذا وهذا كما قال لك ضربوا كيف انظرسبيال يستطيعون فال يمينا وشماال والفضلوا يأخذ الطريق وقد ضل عنها السائر في فهم بمنزلة

يهتدي الى السبيل التي تسلك والسبيل التي يجب سلوكها قول الصدق والعمل بالعدل

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،222.

والكهان��ة والس��حر ين��اقض النب��وة ف��إن ه��ؤالء تعينهم الش��ياطين تخ��برهم وتع��اونهم بتص��رفات خارق��ة

ومقصودهم الكفر والفسوق والعص��يان واالنبي��اء تعينهم المالئك��ة هم ال��ذين ي��أتونهم فيخ��برونهم ب��الغيب

ويعاونونهم بتصرفات خارقة كما كانت المالئكة تعين النبي صلى الله علي�ه وس�لم في مغازي�ة مث�ل ي�وم

عنكم  بدر أمده الله بألف من المالئكة ويوم حنين قال تغن فلم كثرتكم أعجبتكم اذ حنين ويومعلى سكينته الله أنزل ثم مدبرين وليتم ثم رحبت بما االرض عليكم وضاقت شيئا

الكافرين جزاء وذلك كفروا الذين وعذب تروها لم جنودا وأنزل المؤمنين وعلى رسولهرحيم غفور والله يشاء من على ذلك بعد من الله يتوب فقد  وقال تعالى ثم تنصروه ال ان

ان تحزن ال لصاحبه يقول اذ الغار في هما إذ اثنين ثاني كفروا الذين أخرجه إذ الله نصرهتروها لم بجنود وأيده عليه سكينته الله فأنزل معنا تعالى الله الى  وقال ربك يوحي اذ

الرعب كفروا الذين قلوب في سألقي آمنوا الذين فثبتوا معكم إني بينالمالئكة وقد

عند  سبحانه أن الذي جاء بالقرآن ملك كريم ليس بشيطان فقال قوة ذي كريم رسول لقول إنههو وما المبين باالفق رآه ولقد بمجنون صاحبكم وما أمين ثم مطاع مكين العرش ذي

تذهبون فأين رجيم شيطان بقول هو وما بضنين الغيب مؤيدةعلى االنبياء كانت ولما

بالمالئكة والسحرة والكهان تقترن بهم الشياطين كان من الفروق التي بينهم الفروق ال��تي بين المالئك��ة

والشياطين والمتفلسفة الذين لم يعرفوا المالئكة والجن كابن سينا وأمثال��ه ظن��وا أن ه��ذه الخ��وارق من

قوى النفس قالوا والفرق بين النبي والساحر أن الن��بي ي��أمر ب��الخير والس��احر ي��أمر بالش��ر وجعل��وا م��ا

يحصل للممرور من هذا الجنس اذ لم يعرفوا صرع الجن لالنسان وإن الجني يتكلم على لس��ان االنس��ان

كما قد عرف ذلك الخاصة والعام�ة وعرف�ه علم�اء األم�ة وأئمته�ا كم�ا ق�د بس�ط في غ�ير ه�ذا الموض�ع

والجهمية المجبرة الذين قالوا ان الله قد يفعل كل ممكن مقدور ال ينزهونه عن فعل شيء ويقولون ان��ه

يفعل بال سبب وال حكمة وهو الخالق بجميع الحوادث لم يفرقوا بين ما تأتي به المالئك��ة وال م��ا ت��أتي ب��ه

الشياطين بل الجميع يضيفونه الى الله على حد واحد ليس في ذلك حس��ن وال ق��بيح عن��دهم ح��تى ي��أتي

الرسول فقبل ثبوت

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،223.

الرسالة ال يميزون بين شيء من الخير والشر والحسن والقبيح فلهذا لم يفرقوا بين آيات االنبي�اء

وخوارق السحرة والكهان بل قالوا ما يأتي به السحرة والكهان يجوز أن يكون من آيات االنبياء وم��ا

ياتي به االنبي��اء يج��وز أن يظه��ر على أي��دي الس��حرة والكه��ان لكن ان دل على انتف��اء ذل��ك نص أو

إجماع نفوه مع أنه جائز عندهم أن يفعله الله لكن بالخبر علم��وا أن��ه لم يفعل��ه فه��ؤالء لم��ا رأوا م��ا

جاءت به االنبياء وعلموا أن آياتهم تدل على صدقهم وعلموا ذلك اما بضرورة وإم��ا بنظ��ر واحت��اجوا

الى بيان دالئل النبوة على أصلهم كان غاية ما قالوا أنه كل شيء يمكن أن يكون آية للن��بي بش��رط

أن يقترن بدعواه وبشرط أن يتحدى باالتيان بالمثل فال يعارض ومعنى التحدي بالمثل أن يقول لمن

دعاهم ائتوا بمثله وزعموا أنه اذا كان هناك سحرة وكهان وكانت معجزت��ه من جنس م��ا يظه��ر على

أيديهم من السحر والكهانة فإن الله ال بد أن يمنعهم عن مثل ما كانوا يفعلون��ه وأن من ادعى منهم

النبوة فانه يمنعه من تلك الخ�وارق أو يقيض ل��ه من يعارض�ه بمثله��ا فه��ذا غاي�ة تحقيقهم وفي��ه من

الفساد ما يطول وصفه وطاع��ة الجن والش��ياطين لس��ليمان ص��لوات الل��ه علي��ه لم تكن من جنس

معاونتهم للسحرة والكهان والكفار وأه��ل الض��الل والغي ولم تكن اآلي��ة والمعج��زة والكرام��ة ال��تي

Page 112: النبوات

أكرمه الله بها هي ما كانوا يعتادون��ه م��ع االنس ف��إن ذل��ك انم��ا ك��ان يك��ون في أم��ور معت��ادة مث��ل

اخبارهم أحيانا ببعض الغائبات ومثل إمراضهم وقتلهم لبعض االنس كما أن االنسي قد يمرض ويقتل

غيره ثم هم انم��ا يع��اونون االنس على اإلثم والع��دوان إذا ك��انت االناس��ي من أه��ل اإلثم والع��دوان

جميعا  يفعلون ما تهواه الشياطين فتفعل الشياطين بعض ما يهوونه قال تعالى يحشرهم ويومبعضنا استمتع ربنا االنس من أوليائهم وقال االنس من استكثرتم قد الجن معشر يا

وأما التسخير الذي سخروه لسليمان فلم يكن لغيره من االنبياء فضال عمن ليس بن��بي وق��دببعض

من  سأل ربه ملكا ال ينبغي الحد من بعده فقال ألحد ينبغي ال ملكا لي وهب لي اغفر ربالوهاب أنت إنك أصاب  قال تعالى بعدي حيث رخاء بأمره تجري الريح له فسخروا

أو فامنن عطاؤنا هذا االصفاد في مقرنين وآخرين وغواص بناء كل والشياطينبغير أمسك

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،224.

تعالى  حساب باركنا فيها وكناوقال التي الريح عاصفة تجري بأمره على االرض ولسليمان

 بكل شيء عالمين ومن الش��ياطين من يغوص��ون ل��ه ويعمل��ون عمال دون ذل��ك وكن��ا ل��ه ح��افظين

تعالى ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلناله عين القطر ومن الجن من يعملوقال

بين يديه ب��إذن رب��ه ومن ي��زغ منهم عن أمرن��ا نذق��ه من ع��ذاب الس��عير يعمل��ون ل��ه م��ا يش��اء من

محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل دواد شكرا وقلي��ل من عب��ادي الش��كور

فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إال دابة األرض تأكل منسأته فلما خر ت��بينت الجن أن ل��و

له  كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين العفريت قول من ذكره ما أناوكذلك

هذه  آتيك به قبل أن تقوم من مقامك مثل في اختيارهم بغير التسخبر من الطاعة فهذهيفعل أن بغير ذلك وكان االنس من بأحد فعلته مما ليس العظيمة الظاهرة االعمال

أن الكفار يزعم كما الشركية والطالسم واالقسام العزائم من يهوونه مما شيئابقوله ذلك عن الله فنزهه بهذا سخرهم ملكسليمان على الشياطين تتلو ما واتبعوا

لنبينا  سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر الجن طاعة وأمامن به الله أمرهم فيما طاعتهم هذا فان آخر نوع فهذا كموسى الرسل من وغيره

عبادة الى فدعاهم الطائفتين الى أرسل حيث لنبينا االنس كطاعة وطاعته عبادتهاآلخرة في العذاب يستحقون بها التي معصيته عن ونهاهم وطاعته وحده الله

آمن من منهم به ينتفع انما هذا لكن منهم وسليمان ذلك إلى دعوهم الرسل وكذلكيكون حتى يترك هل الرسول ذلك شريعة بحسب يكون فإنه يؤمن لم ومن طوعا

لمن واستخدامه التوراة شريعة على كان وسليمان يجاهد أو منه ينتقم الذي هو اللهأكمل واالنس الجن مع نبينا فحال الكافر االسير استخدام مثل هو منهم يؤمن لم

وأما يشاء فيما ملكية طاعة كانت لسليمان طاعتهم فإن وغيره سليمان حال منالله وطاعة الله عبادة من به يأمرهم فيما ورسالة نبوة فطاعة لمحمد طاعتهمكان وسلم عليه الله صلى ومحمد ملكا نبيا كان سليمان فان الله معصية واجتناب

داود أن مع وغيرهما ويوسف داود مثل وسليمان وموسى ابراهيم مثل رسوال عبدا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،225.

وسليمان ويوسف هم رسل أيضا دعوا إلى توحيد الله وعبادته كما أخبر الله أن يوس��ف دع��ا أه��ل مص��ر

لكن بغير معاداة لمن لم يؤمن وال إظهار مناوأة بالذم والعيب والطعن لما هم عليه كما كان نبينا أول م��ا

انزل عليه الوحي وكانت قريش اذ ذاك تقره وال تنك�ر علي�ه إلى أن أظه�ر عيب آلهتهم ودينهم وعيب م�ا

كانت عليه آباؤهم وسفه أحالمهم فهنالك عادوه وآذوه وكان ذلك جهادا باللسان قبل أن يؤمر بجهاد الي��د

كبيرا  قال تعالى جهادا به وجاهدهم الكافرين تطع فال نذيرا قرية كل في لبعثنا شئنا ولو وكذلك موسى مع فرعون أم�ره أن ي�ؤمن بالل��ه وأن يرس�ل مع��ه ب�ني إس�رائيل وان ك�ره ذل��ك وجاه�د

فرع��ون بالزام��ه ب��ذلك باآلي��ات ال��تي ك��ان الل��ه يع��اقبهم به��ا إلى أن أهلك��ه الل��ه وقوم��ه على يدي��ه

فالذين سموا هذه اآليات خوارق العادات وعجائب ومعجزات اذا جعلوا ذلك شرطا فيه��ا وص�فة) فصل (

Page 113: النبوات

الزمة لها بحيث ال تكون اآليات اال كذلك فهذا صحيح وإن كانت هذه االمور ق��د تجع��ل أم��را عام��ا فتك��ون

متناولة آليات االنبياء وغيرها كالحيوان الذي ينقسم الى انسان وغير انسان وأما اذا جعلوا ذل��ك ح��دا له��ا

وضابطا فال بد أن يقيدوا كالمهم مثل أن يقول��وا خ�وارق للع�ادات ال��تي تختص االنبي�اء أو يقول��وا خ�وارق

عادات الناس كلهم غ�ير االنبي�اء ف�إن آي�اتهم ال ب�د أن تخ�رق ع�ادة ك�ل أم�ة من األمم وك�ل طائف�ة من

الطوائف ال تختص آياتهم بخرق عادة بلد معين وال من أرسلوا اليه بل تخرق عادة جميع الخلق إال االنبياء

فإنها اذا كانت معتادة لألنبياء مثل الخبر الصادق بغيب الله تعالى الذي ال يع��رف إال من جهتهم فم��ا ك��ان

معتادا لالنبياء دون غيرهم فهو من أعظم آياتهم وبراهينهم وإن كان معتادا لهم فإن الدليل هو ما يستلزم

المدلول عليه فإذا لم يكن ذلك معتادا اال لنبي كان مستلزما للنبوة وكان من أتى به ال يكون إال نبي��ا وه��و

المطلوب بل لو كان مستلزما للصدق وال يأتي به اال صادق لكان المخبر عن نبوة نبي إما نب��وة نفس��ه أو

نبوة غيرها إذا كان كاذبا لم يحصل له مثل ذلك الدليل الذي ه��و مس��تلزم للص��دق وال يحص��ل أيض��ا لمن

كذب بنبوة نبي صادق اذ هو أيضا كاذب وانما يحص��ل لمن أخ��بر بنب��وة ن��بي ص��ادق وحينئ��ذ فيك��ون ذل��ك

الدليل مستلزما للخبر الصادق بنبوة النبي وهذا هو المطلوب

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،226.

فإن مدلول اآليات سواء سميت معجزات أو غيرها هو الخ�بر الص�ادق بنب�وة الن�بي وم�دلولها إخب�ار الل�ه

الله  وشهادته بأنه نبي وأن الله أرسله فقول الله رسول إليكم  وقوله محمد الله رسول إني وقول كل مؤمن انه رسول الله كل ذلك خبر عن رسالته وهذا هو مدلول اآليات وقد يكون مدلول اآليات

نفس النبوة التي هي مخبر هذا الخبر ويكون الدليل مثل خبر من األخب��ار وه��ذا من جنس االول فم��ا دل

على نفس النبوة دل على صدق المخبر بها وما دل على ص��دق المخ��بر به��ا دل عليه��ا وأم��ا نفس إخب��ار

الرب بالنبوة وإعالمه بها وشهادته بها قوال وعمال فهو إخبار منه بها وه�و الص�ادق في خ�بره فإخب�اره ه�و

دليل عليها فإنه ال يقول اال الحق وال يخبر اال بالصدق وايضا فهو الذي أنشأ الرسالة وإرس��اله بكالم��ه ق��د

يكون إنشاء للرسالة وقد يكون إخبارا عن إرساله كالذي يرس��ل رس��وال من البش��ر ق��د يرس��له والن��اس

يسمعون فيقول له اذهب الى فالن فقل له ك�ذا وك�ذا وق�د يرس�له بين�ه وبين�ه ثم يق�ول للن�اس إني ق�د

أرسلته ويرسله بعالمات وآيات يعرف بها المرسل اليه صدقه وكذلك اذا وصفت بأنها معجزات فال ب��د أن

يعجز كل من ليس بنبي ولم يشهد للنبي بالنبوة فتعجز جميع المكذبين للرسول والشاكين في نبوت��ه من

الجن واالنس وكذلك إذا قيل هي عجائب والعجب ما خرج عن نظيره فلم يكن له نظير فال ب��د أن يك��ون

من العجائب التي ال نظير لها أصال عند غير االنبياء ال من الجن وال من االنس فإذا كان ليس لها نظير في

شيء آخر فهذا يؤيد أنها من خصائص االنبياء ومن آي��اتهم فه��ذا الموض��ع من فهم��ه فهم��ا جي��دا ت��بين ل��ه

الفرقان في هذا النوع فإن كثيرا من الناس يصفها بأنها خوارق ومعجزات وعجائب ونحو ذل��ك وال يحق��ق

الفرق بين من يجب أن يخرق عادته ومعجزه ومن ال يجب أن يكون في حقه ك��ذلك ف��الواجب أن يخ��رق

عادة كل من لم يقر بنبوة االنبياء فال يكون لمكذب بنبوتهم وال لشاك وقولنا يخرق ع��ادتهم ه��و من ب��اب

العادة التي تثبت بمرة ليس من شرط فسادها أن تقع غير مرة مع انتفاء الشهادة بالنبوة بل متى وقعت

مرة واحدة مع انتفاء الشهادة بالنبوة لم تكن مختص�ة بش�هادة النب�وة وال ب�النبوة فال يجب أن تك�ون آي�ة

وقولنا وال يجب أن

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،227.

تخرق عادات األنبياء ولم نقل وال يجوز أن تخرق عادات االنبياء بل قد تكون خارقة أيض��ا لع��ادات االنبي��اء

وقد خص بها نبي واحد مثل أكثر آيات االنبياء فإن كل نبي خص بآي��ات لكن ال يجب في آي��ات االنبي��اء ان

تكون مختصة بنبي بل وال يجب أن يختص ظهورها على يد النبي بل متى اختصت ب��ه وهي من خصائص��ه

كانت آيه له سواء وجدت قبل والدته أو بعد موته أو على يد أحد من الشاهدين له بالنبوة فك��ل ه��ذه من

آيات االنبياء والذين قالوا من شرط اآليات أن تقارن دعوى النب��وة غلط��وا غلط��ا عظيم��ا وس��بب غلطهم

أنهم لم يعرفوا ما يخص باآليات ولم يضبطوا خارق العادة بضابط يم��يز بينه��ا وبين غيره��ا ب��ل جعل��وا م��ا

للسحرة والكهان هو أيضا من آيات االنبياء إذا اقترن ب��دعوى النب��وة ولم يعارض��ه مع��ارض وجعل��وا ع��دم

المعارض هو الفارق بين النبي وغيره وجعلوا دعواه النبوة جزءا من اآلية فقالوا هذا الخارق إن وج��د م��ع

دعوى النبوة كان معجزة وإن وجد بدون دعوى النبوة لم يكن معجزة فاحتاجوا ل��ذلك أن يجعل��وه مقارن��ا

Page 114: النبوات

للدعوى قالوا والدليل على ذلك أن مثل آيات االنبياء يأتي في آخر الزمان إذا جاءت أشراط الساعة ومع

ذلك ليس هو من آياتهم وكذلك قالوا في كرامات األولياء وليس االمر كذلك بل أشراط الس��اعة هي من

آيات االنبياء من وجوه منها أنهم أخبروا بها قبل وقوعها فإذا جاءت كما أخبروا كان ذلك من آياتهم ومنه��ا

أنهم أخبروا بالساعة فهذه االشراط مصدقة لخبرهم بالساعة وكل من آمن بالس��اعة آمن باالنبي��اء وك��ل

والجن  من كذب االنبياء كذب الساعة قال تعالى االنس شياطين عدوا نبي لكل جعلنا وكذلكيفترون وما فذرهم فعلوه ما ربك شاء ولو غرورا القول زخرف بعض الى بعضهم يوحي

مقترفون هم ما وليقترفوا وليرضوه باآلخرة يؤمنون ال الذين أفئدة اليه وقالولتصغي

حولها  تعالى ومن القرى أم ولتنذر يديه بين الذي مصدق مبارك أنزلناه كتاب وهذابه يؤمنون باآلخرة يؤمنون أشراطوالذين جاءت فاذا بالقرآن آمن فقد باآلخرة آمن من فكل

الساعة كانت دليال على صدق خبرهم أن الساعة حق وأن القرآن حق وكان ه��ذا من اآلي��ات الدال��ة على

صدق ما جاء به الرسول من القرآن وهو المطلوب فال يوجد خرق عادة

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،228.

لجميع الناس إال وهو من آيات االنبياء وك��ذلك ال��ذي يقتل��ه ال��دجال ثم يحيي��ه فيق��وم فيق��ول أنت األع��ور

الكذاب الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما ازددت فيك إال بصيرة فيريد الدجال أن

يقتله فال يقدر على ذلك فهذا الرجل بعد أن قتل وقام يقول للدجال أنت األعور الكذاب ال��ذي أخبرن�ا ب�ه

رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما ازددت فيك بهذا القتل إال بصيرة ثم يريد الدجال أن يقتل��ه فال

يقدر عليه فعجزه عن قتله ثانيا مع تكذيب الرجل له بعد أن قتل��ه وش��هادته للرس��ول محم��د ص��لى الل��ه

عليه وسلم بالرسالة هو من خوارق العادات التي ال توجد إال لمن شهد لألنبياء بالرسالة وهذا الرج��ل ه��و

من خيار أهل األرض المسلمين فهذا الخارق الذي جرى فيه ه��و من خص��ائص من ش��هد لمحم��د ب��النبوة

فهو من أعالم النبوة ودالئلها وكونه قتل أوال أبلغ في الداللة فإن ذلك لم يزغه ولم يؤثر في��ه وعلم أن��ه ال

يسلط عليه مرة ثانية فكان هذا اليقين واإليمان مع عجزه عنه ه��و من خ��وارق اآلي��ات ومعل��وم أن قتل��ه

ممكن في العادة فعجزه عن قتله ثانيا هو الخارق للعادة ودل ذلك على أن إحياء الله له لم يكن معج��زة

للدجال وال ليبين بها صدقه لكن أحياه ليكذب الدجال وليبين أن محم��دا رس��ول الل��ه وأن ال��دجال ك��ذاب

وأنه هو األعور الكذاب الذي أنذر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ما من نبي إال وق�د أن�ذر أمت�ه

األعور الدجال وسأقول لكم فيه قوال لم يقله نبي ألمته إنه أعور وإن الله ليس بأعور مكت��وب بين عيني��ه

كافر يقرأه كل مؤمن قارئ وغير قارئ وفي بعض األحاديث الصحيحة واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه

حتى يموت فذكر لهم آيات ظاهرة يشترك فيها الناس ت��بين لهم كذب��ه فيم��ا يدعي��ه من الربوبي��ة اذ ك��ان

كثير من الناس يجوزون ظهور اإلله في البشر النصارى وغير النصارى وما يأتي به الدجال إنما يحار في��ه

ويراه معارضا آليات االنبياء من لم يحكم الفرق��ان فق��وم يك��ذبون أن ي��أتي بعجيب ويقول��ون م��ا مع��ه اال

التمويه كما قالوا في السحر والكهانة مثل كثير من المعتزلة والظاهري�ة ك�ابن ح�زم وق�وم يقول��ون لم�ا

ادعى اإللهية كانت الدعوى معلومة البطالن فلم يظهر الخارق كما يقول ذلك القاض��ي أب��و بك��ر وطائف��ة

ويدعون أن النصارى اعتقدت في المسيح اإللهية لكونه أتى بالخوارق م��ع إق��راره بالعبودي��ة فكي��ف بمن

يدعي االلهية ولكن هذا الخارق الذي يظهره

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،229.

الله في هذا الرجل الصالح الذي طلب منه الدجال أن ي�ؤمن ب�ه فلم يفع�ل ب�ل كذب�ه وق�ال أنت األع�ور

الدجال الذي أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم فقتله ثم أحياه الله فقال له أنت األعورالدجال فكذبه

قبل أن قتل وبع��د م�ا أحي��اه الل��ه وأراد ال��دجال قتل��ه ثاني��ة فلم يمكن فعج�زه عن قتل��ه ثاني��ا من أعظم

الخوارق مع تكذيبه وأما إحياؤه مع تكذيبه له أوال وعجزه ثاني��ا عن قتل��ه فليس بخ�ارق فه��ذا إحي��اء معين

معه دالئل معدودة تبين أنه من اآليات الدالة على صدق الرسول ال على ص��دق ال��دجال وت��بين ب��ذلك أن

اآليات جميعها تدل على صدق األنبياء فان آيات الله مرة أو مرتين أو ثالثا ال يشترط في ذل��ك تك��رار ب��ل

شرطها ان ال يكون لها نظير في العالم لغير االنبياء ومن يشهد بالنبوة ولم يوج�د لغ�يرهم ك�ان ه�ذا دليال

على أنها مختصة باالنبياء ومن أطلق خرق العادة ولم يفسره ويبين�ه فلم يع�رف خاص�تها ب�ل ظن أن م�ا

وجد من السحر والكهانة خرق عادة أو ظن أن خ�رق الع�ادة أن ال يعارض�ها مع�ارض من المرس�ل اليهم

Page 115: النبوات

وكثير من المتنبئين الكذابين أتوا بخوارق من جنس خوارق السحرة والكه��ان ولم يكن من أولئ��ك الق��وم

من أتى بمثلها لكن ق�د علم أن في الع�الم مثله�ا في غ�ير ذل�ك المك�ان أو في غ�ير ذل�ك الزم�ان وإنم�ا

ال  الخارق كما قال في القرآن القرآن هذا بمثل يأتوا أن على والجن االنس اجتمعت لئن قلظهيرا لبعض بعضهم كان ولو بمثله قل  ولهذا قال في آيات التحدي يأتون افتراه يقولون أم

صادقين كنتم إن الله دون من استطعتم من وادعوا مفتريات مثله سور بعشر وقالفأتوا

هو  في تلك اآلية إال إله ال وأن الله بعلم أنزل ما أن فاعلموا لكم يستجيبوا لم فلمفان

يكتف بعجز المدعوين بل أمرهم أن يدعوا الى معاونتهم كل من استطاعوا أن يدعوه من دون الله وه�ذا

على  تعجيز لجميع الخلق االنس والجن والمالئكة وقال في البقرة نزلنا مما ريب في كنتم وإنصادقين كنتم ان الله دون من شهداءكم وادعوا مثله من بسورة فأتوا أي ادعوا كلعبدنا

من يشهد لكم فيوافقكم على أن هذا ليس من عند الله ادعوا ك�ل من لم يق�ر ب�أن ه�ذا م�نزل من الل�ه

فهذا تعجيز لكل من لم يؤمن به ومن آمن به وبقي في ريب بل قد علم أنه من عن�د الل�ه وه�ذا التح�دي

في البقرة وهي مدنية بعد يونس وهود ولهذا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،230.

ريب  قال في كنتم افتراه  وهناك قال وإن يقولون فهذا تحد لكل مرتاب وذاك تحد لكل مثلام

ذلك في قيل ولهذا استطعتم  مكذب هذا من في وقيل أبلغ بعضشهداءكم  فإنه قال وقد

المفس��رين ش��هداءكم آلهتكم وق��ال بعض��هم من يش��هد أن ال��ذي جئتم ب��ه مث��ل الق��رآن والص��واب أن

شهداءهم الذين يشهدون لهم كما ذكره ابن اسحاق باسناده المعروف عن ابن عباس قال شهداءكم من

اس��تطعتم من أع��وانكم على م��ا أنتم علي��ه وق��ال الس��دي عن أبي مال��ك ش��هداءكم من دون الل��ه أي

شركاءكم فإن هؤالء هم الذين يتصور منهم المعارضة اذا ك�انوا في ريب من�ه أم�ا من أيقن أن�ه من عن�د

الله فانه يمتنع أن يقصد معارضته لعلمه ب�ان الخل��ق ع�اجزون عن ذل��ك والل��ه تع��الى ش�هد لمحم�د بم�ا

أظهره من اآليات فادعوا من يش�هد لكم وه�ؤالء يش�هدون من دون الل�ه ال يش�هدون بم�ا ش�هد الل�ه ب�ه

قال كما الله لشهادة مضادة شهادتهم بعلمه  فتكون أنزله اليك أنزل بما يشهد الله لكنيشهدون الكتاب  وقال والمالئكة علم عنده ومن وبينكم بيني شهيدا بالله كفى كماقل

العلم  قال وأولو والمالئكة هو إال إله ال أنه الله وقد قلنا يجوز أن تكون آياتهم خارقة لعادةشهد

للنبي لكن ال يجب هذا فيها فإن قيل اال الخلق الخوارق  جميع هي االنبياء آيات أن ذكرتم قدوهذا بالنبوة لهم شهد من ولغير االنبياء لغير تكون فال الثقلين جميع عادة تخرق التي

قال من بخالف منعكس مطرد بفصل وغيرهم االنبياء آيات بين به فصلتم صحيح كالمتارة متناقض بكالم العادة خرق في وتكلم غيرها وبين بينها يميز ولم العادة خرق هيعدم الفرق ولكن اآليات من الجنس هذا يجعل وتارة والكهانة السحر وجود يمنعلماذا وآية وخارقا معجزة كونها ونفس االمر نفس في الفرق يذكروا لم لكن المعارضة

الدليل فذكرتم غيرها دون ودليال آية صارت حتى به امتازت الذي الوصف هو وما كانعنها يعجز مما تكون أن بد ال قيل دليال الدليل صار بها التي الحقيقة تذكروا لم لكن

تعالى قال كما الرسل اليهم بعث الثقلين هذين فان والجن يا معشر الجن واالنس ألماالنس

يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،231.

يكون  الكافرين أن بد فال كذبهم من ومنهم بالرسل آمن من منهم والجن واالنسمن المؤمنين بها يخص الكرامات ثم والجن االنس جنس عليها يقدر ال ممابهم اإليمان الناس على وجب وبها نبوتهم تثبت بها التي األنبياء آيات وأما الطائفتين

الخارقة المعجزات من يكون بل لغيرهم وال لالولياء يكون ال االنبياء يخص أمر فهيالجن أو اإلنس كان فما االنبياء غير والجن االنس جميع لعادات الناقضة للعادات

من يكون قد فذاك المالئكة عليه تقدر وما للنبي آية وحده يكون فال عليه يقدرونتفعله فما الله بإذن اال شيئا تفعل ال والمالئكة المالئكة الى يرسلوا لم النهم آياتهم

وخاصتها والجن اإلنس بخالف االنبياء به خص ما وهو الله بإذن فهو معهم المالئكة

Page 116: النبوات

فهو نبوتهم استلزم ما فكل نبوتهم على ودليال آية تكون أن غيرها عن بها تمتاز التيبل الموجودات من بجنس مختصة وليست بآية فليس نبوتهم يستلزم ال وما لهم آية

القدرة جنس في وتكون به اختص الذي الرب بغيب واالخبار العلم جنس في تكونأي في يجعلها أن سبحانه فله للرب مقدورة وهي العالم في والتأثير والتصرف

آياته تتنوع الواحد النبي بل االنبياء آيات تنوعت ولهذا المقدورات من كان جنسمن وهذا هذا وال القمر انشقاق جنس من وكالمه الله قول هو الذي القرآن فليس

الرب آيات أن كما وهذا االصابع بين من الماء كنبع والشراب الطعام تكثير جنسأنبيائه آيات فكذلك بنوع تختص ال ونهيه وأمره وحكمته ومشيئته قدرته على الدالةالنبي لصدق مستلزمة إال تكون ال أنها خاصتها ولكن يعرف أن ينبغي مما فهذااالنبياء مكذبي من أحد يقدر وال قط يكذبه لمن تكون فال نبي من بأنه الخبر وصدق

من هو به يأتون ما بأن معترفون فهم مصدقوهم وأما االنبياء آيات بمثل يأتي أنقد كانوا وإن مطلقا المتبوع آيات مثل الى االتباع آيات تصل ال أنه مع االنبياء آياتفي يشركونه فال والشراب الطعام وتكثير الموتى كاحياء بعضها في يشاركونه

غيرهم على االنبياء فضل الله ألن القمر وانشقاق البحر وفلق القرآن

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،232.

وفضل بعض النبيين على بعض فال بد أن يمتاز الفاضل بما ال يقدر المفضول على مثله اذ لو أتى بمثل ما

أتى لك�������������������������������������ان مثل�������������������������������������ه ال دون�������������������������������������ه

وكثير من هؤالء مضطربون في مسمى العادة التي تخرق والتحقيق أن العادة أمر إضافي فق��د) فصل (

يعتاد قوم مالم يعتده غيرهم فهذه إذا خرقت فليست إال لصدق النبي ال توجد بدون صدقه والرب تع��الى

ولن  في الحقيقة ال ينقض عادته التي هي سنته التي قال فيها قبل من خلت قد التي الله سنةتبديال الله لسنة ولن  وقال تجد تبديال الله لسنة تجد فلن األولين سنة إال ينظرون فهلتحويال الله لسنة وهي التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين فهو سبحانه إذا ميز بعضتجد

المخلوقات بصفات يمتاز بها عن غيره ويختصه بها قرن بذلك من األمور ما يمتاز به عن غيره ويختص به

وال ريب أن النبوة يمتاز بها األنبياء ويختصون بها والله تعالى يصطفي من المالئكة رسال ومن الناس وهو

أعلم حيث يجعل رسالته فمن خصه بذلك كان ل�ه من الخص�ائص ال�تي ال تك�ون لغ�يره م�ا يناس�ب ذل�ك

فيستدل بتلك الخصائص على أن�ه من أه�ل االختص�اص ب�النبوة وتل�ك س�نته وعادت�ه في أمثال��ه يم�يزهم

بخصائص يمتازون بها عن غيرهم ويعلم أن أصحابها من ذلك الص��نف المخص��وص ال��ذين هم االنبي��اء مثال

ولم تكن له سبحانه عادة بان يجعل مثل آيات االنبياء لغيرهم حتى يقال إنه خرق عادته ونقضها بل عادته

وسنته المطردة أن تلك اآليات ال تكون اال مع النبوة واإلخبار بها ال مع التكذيب بها أو الشك فيه�ا كم�ا أن

سنته وعادته أن محبته ورضاه وثوابه ال يكون إال لمن عبده وأطاعه وأن سنته وعادت��ه أن يجع��ل العاقب��ة

لولوا  للمتقين وسنته وعادته أنه ينصر رسله والذين آمنوا كما قال تعالى كفروا الذين قاتلكم ولوالله لسنة تجد ولن قبل من خلت قد التي الله سنة نصيرا وال وليا يجدون ال ثم األدبار

وكل ما يظن أنه خرقه من العادات فله أسباب انخرقت فيها تلك العادات فعادته وسنته ال تتبدلتبديال

اذ أفعاله جارية على وجه الحكمة والعدل هذا ق��ول الجمه��ور وأم��ا من ال يثبت س��ببا وال حكم��ة وال ع��دال

فإنهم يقولون انه يخرق عادات ال لسبب وال لحكمة ويجوزون أن يقلب الجبل ياقوتا والبحر لبنا والحجارة

آدميين ونحو

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،233.

ذلك مع بقاء العالم على حاله ثم يقولون مع هذا ولكن نعلم بالضرورة أنه لم يفعل ذلك ويقولون العق��ل

هو علوم ضرورية كالعلوم بجاري العادات وهذا تناقض بين فإنهم اذا جوزوا هذا ولم يعلموا فرق��ا بين م��ا

يقع منه وما ال يقع كان الجزم بوقوع هذا دون هذا جهال وغاية ما عن��دهم ان ق��الوا يخل��ق في قلوبن��ا علم

ضروري بأن هذا لم يقع ويخلق في قلوبنا علم ضروري بأن الله خرق العادة لتصديق هذا النبي فيقال اذا

كان قد جعل الله في قلوبكم علما ضروريا كما جعله في قلوب أمثالكم فأنتم صادقون فيما تخ��برون ب��ه

عن أنفسكم من العلم الضروري لكن خطاكم اعتقادكم أن العادات قد ينقضها الله بال س��بب وال لحكم��ة

Page 117: النبوات

فهذا ليس معلوما لكم بالضرورة وخطاكم من حيث جوزتم ان يكون شيئان متس��اويان من ك��ل وج��ه ثم

يعلم بضرورة أو نظر ثبوت أحدهما وانتفاء اآلخر فإن هذا تفريق بين المتماثلين وهذا قدح في الب��ديهيات

فإن أصل العلوم العقلية النظرية اعتبار الشيء بمثله وأن حكمه حكم مثله فإذا جوزتم أن يكون الشيئان

متماثلين من كل وجه وأن العقل يجزم بثبوت أحدهما وانتفاء اآلخ��ر ك��ان ه��ذا ق��دحا في أص��ل ك��ل علم

وعقل وإذا قلتم ان العادات جميعها سواء وان الله يفعل ما يفعل بال سبب وال حكمة بل محض المش��يئة

مع القدرة رجحتم هذا على هذا وقلتم ال فرق بين قلب الجبال ب��واقيت والبح��ار لبن��ا وبين غ��ير ذل��ك من

العادات وجوزتم أن يجعل الله الحجارة آدميين علماء من غير سبب تغير به المخلوق��ات ك��ان ه��ذا ق��دحا

في العق��ل فال أنتم ع��رفتم س��نة الل��ه المعت��ادة في خلق��ه وال ع��رفتم خاص��ة العق��ل وه��و التس��وية بين

المتماثلين فإنه سبحانه لم يخرق قط عادة اال لسبب يناس��ب ذل��ك فل��ق البح��ر لموس��ى وغ��ير ذل��ك من

اآليات التي بعث بها فإن ذلك خلقه ليكون آي��ة وعالم��ة وك��ان ذل��ك بس��بب نب��وة موس��ى وانجائ��ه قوم��ه

وبسبب تكذيب فرعون ومن جوز أن ذلك البحر أو غيره ينفلق كما انفلق لموسى من غير أن يكون هناك

سبب إلهي يناسب ذلك فهو مصاب في عقله وله�ذا اض�طرب أص�حاب ه�ذا الق�ول ولم يكن عن�دهم م�ا

يفرقون بين دالئل النبوة وغيرها وكانت آيات االنبياء والعلم بأنه��ا آي��ات ان حققوه��ا على وجهه��ا فس��دت

أصولهم وإن طردوا أصولهم كذبوا العقل والسمع ولم يمكنهم ال تصديق االنبياء وال العلم بغير ذلك من

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،234.

أفع���ال الل���ه تع���الى ال���تي يفعله���ا بأس���باب وحكم كم���ا ق���د بس���ط ه���ذا في موض���ع آخ���ر

ودليل الشيء مشروط بتصور المدلول عليه فال يعرف آيات االنبياء إال من عرف م��ا اختص ب��ه) فصل (

االنبياء وامتازوا به عمن سواهم والنبوة مشتقة من االنباء والنبي فعيل وفعيل قد يكون بمعنى فاع��ل أي

منبئ وبمعنى مفعول أي منبأ وهما هنا متالزمان فالنبي الذي ينبئ بما أنبأه الله به والنبي الذي نب�أه الل�ه

وهو منبأ بما أنبأه الله به وما أنبأه الله به ال يكون كذبا وما أنبأ به النبي عن الله ال يك��ون يط��ابق ك��ذبا ال

خطأ وال عمدا فال بد أن يكون صادقا فيما يخبر به عن الله يطابق خ�بره مخ�بره ال تك��ون في��ه مخالف�ة ال

عمدا وال خطأ وهذا معنى قول من قال هم معصومون فيما يبلغونه عن الله لكن لفظ الصادق وإن النبي

 صادق مصدوق نطق به القرآن وهو مدلول اآليات والبراهين ولفظ العصمة في الق��رآن ج��اء في قول��ه

الناس من يعصمك عنوالله الله يحفظه الذي هو القرآن في اللفظ هذا فمعنى أذاهم من أي

الكذب خطأ وعمدا والتعبير عن حقائق االيمان بعبارات القرآن أولى من التعبير عنها بغيره�ا ف�ان ألف�اظ

القرآن يجب االيمان بها وهي تنزيل من حكيم حميد واألمة متفقة عليها ويجب االقرار بمضمونها قب��ل أن

تفهم وفيها من الحكم والمعاني ماال تنقضي عجائبه واأللفاظ المحدثة فيها إجمال واش��تباه ون��زاع ثم ق��د

يجعل اللفظ حجة بمجرده وليس هو قول الرسول الصادق المصدوق وقد يضطرب في معناه وه��ذا أم��ر

 يعرفه من جربه من كالم الناس فاالعتصام بحبل الله يكون باالعتصام بالقرآن واالسالم كما قال تعالى جميعا الله بحبل ومتى ذكرت ألفاظ القرآن والحديث وبين معناها بيانا شافيا فإنها تنظمواعتصموا

جميع ما يقوله الناس من المعاني الصحيحة وفيها زيادات عظيمة ال توجد في كالم الناس وهي محفوظة

لحافظون  مما دخل في كالم الناس من الباطل كما قال له وإنا الذكر نزلنا نحن  وقال تعالى إناحميد حكيم من تنزيل خلفه من وال يديه بين من الباطل يأتيه ال عزيز لكتاب وقالوإنه

خبير  تعالى حكيم لدن من فصلت ثم آياته أحكمت الحكيم  وقال كتاب الكتاب آيات تلكوفيه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،235.

من دالئل الربوبية والنبوة والمعاد ماال يوجد في كالم أحد من العباد ففي��ه أص��ول ال��دين المفي��دة لليقين

وهي أصول دين الله ورسوله ال اصول دين مح��دث ورأي مبت��دع وق��د يك��ون معص��وما على لغ��ة الق��رآن

بمعنى أن الله عصمه من الشياطين شياطين االنس والجن وأن يغيروا ما بعث ب�ه أو يمنع�وه عن تبليغ�ه

من  فال يكتم وال يكذب كما قال تعالى ارتضى من إال أحدا غيبه على يظهر فال الغيب عالمربهم رساالت أبلغوا قد أن ليعلم رصدا خلفه ومن يديه بين من يسلك فإنه رسول

عددا شيء كل وأحصى لديهم بما الرسول ومن خلفهوأحاط يدي بين الوحي من يسلك فهو

وهذا في معنى عصمته من الناس فهو المؤي��د المعص��وم بم��ا يحفظ��ه الل��ه من اإلنس والجن ح��تى يبل��غ

Page 118: النبوات

رساالت ربه كما أمر فال يكون فيها كذب وال كتمان ولفظ اإلنباء يتضمن معنى اإلعالم واإلخب��ار لكن��ه في

عامة موارد استعماله أخص من مطلق األخبار فهو يس��تعمل في اإلخب��ار ب��االمور الغائب��ة المختص��ة دون

بيوتكم  المشاهدة المشتركة كما قال في تدخرون وما تأكلون بما نبأها  وقال وأنبئكم فلماالخبير العليم نبأني قال هذا أنبأك من قالت معرضون  وقال به عنه أنتم عظيم نبأ هو قل

مختلفون  وقال فيه هم الذين العظيم النبأ عن يتساءلون االحزاب  وقال عم يأت وإنقليال إال قاتلوا ما فيكم كان ولو أنبائكم عن يسألون األعراب في بادون أنهم لو يودوا

حين  وقال بعد نبأه مستقر  وقال ولتعلمن نبأ كنتم  وقال لكل إن هؤالء بأسماء أنبئونيلكم أقل ألم قال بأسمائهم أنبأهم فلما بأسمائهم أنبئهم آدم يا قال قوله الى صادقين

تكتمون كنتم وما تبدون ما وأعلم واألرض السماوات غيب أعلم يعتذرون  وقوله إنيالله وسيرى أخباركم من الله نبأنا قد لكم نؤمن لن تعتذروا ال قل اليهم رجعتم اذا اليكم

تعملون كنتم بما فينبئكم والشهادة الغيب عالم الى تردون ثم ورسوله فهذا فيعملكم

خطاب المنافقين ولم يق�ل والمؤمن��ون ألنهم لم يكون�وا يطلع��ون المؤم�نين على م�ا في بط��ونهم وه�ذا

لها  بخالف قوله أوحى ربك بأن أخبارها تحدث فإنها أمور مشهودة يعرفها يومئذ

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،236.

قل  الناس لكن العجب كون األرض تخبر بذلك فالعجب في المخبر ال في الخبر كشهادة األعضاء وقال كنتم ان بعلم نبئوني األنثيين أرحام عليه اشتملت ما أم األنثيين أم حرم آلذكرين

أنبياء مثل ولي وأولياء ووصي وأوصياء وقوي وأقوياء ويشبهه حبيب وأحباء كماصادقين النبي وجمع

وأحباؤه  قال تعالى الله أبناء نحن والنصارى اليهود ففعيل اذا كان معتال أو مضاعفا جمعوقالت

على أفعالء بخالف حكيم وحكماء وعليم وعلماء وهو من النبا وأص�له الهم�زة وق�د ق�رئ ب�ه وهي ق�راءة

نافع يقرأ النبئ لكن لما كثر استعماله لينت همزته كما فعل مثل ذلك في الذرية وفي البرية وقد قيل هو

من النبو وهو العلو فمعنى النبي المعلى الرفيع المنزلة والتحقيق أن ه��ذا المع��نى داخ��ل في األول فمن

أنبأه الله وجعله منبئا عنه فال يكون اال رفيع القدر عليا وأما لف��ظ العل��و والرفع��ة فال ي��دل على خص��وص

قال كما األعلى بأنه يوصف بل بنبي ليس من به يوصف هذا كان اذ تحزنوا  النبوة وال تهنوا والاألعلون وقراءة الهمز قاطعة بأنه مهموز وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أناوأنتم

نبي الله ولست بنبئ الله فما رأيت له إسنادا ال مسندا وال مرسال وال رأيت��ه في ش��يء من كتب الح��ديث

وال السير المعروفة ومثل هذا ال يعتمد عليه واللفظان مشتركان في االشتقاق األكبر فكالهما في��ه الن��ون

والباء وفي هذا الهمزه وفي هذا الحرف المعتل لكن الهمزة أشرف فإنها أقوى قال سبويه هي نب��وة من

الخلق تشبه التهوع فالمعنى ال��ذي ي��دل علي��ه ويمكن أن تلين فتص��ير حرف��ا معتال فيع��بر عن��ه ب��اللفظين

بخالف المعتل فإنه ال يجعل همزة فلو كان أصله نبي مثل علي ووصي وولي لم يجز أن يقال بالهمز كما

ال يقال علئ ووصيء ووليء بالهمز وإذا كان أصله الهمز جاز تليين الهم��زة وإن لم يك��ثر اس��تعماله كم��ا

في لفظ خبئ وخبيئة وأيضا فإن تصريفه أنبأ ونبأ وينبئ بالهمزة ولم يستعمل فيه نبا ينبو وإنما يقال ه��ذا

ينبو عنه والماء ينبو عن القدم اذا ك�ان يجف�و عنه�ا ويق�ال النب�وة وفي فالن نب�وة عن�ا أي مجانب�ة فيجب

القط���������ع ب���������أن الن���������بي م���������اخوذ من اإلنب���������اء ال من النب���������وة والل���������ه أعلم

قد تقدم أن للناس في وجه داللة المعجزات وهي آيات األنبياء على ) فصل (

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،237.

نبوتهم طرقا متعددة منهم من ق��ال داللته��ا على التص��ديق تعلم بالض��رورة ومنهم من ق��ال تعلم ب��النظر

واالستدالل وكال القولين صحيح فإن كثيرا من العلوم في ه��ذا الب��اب كدالل��ة األخب��ار المت��واترة فإن��ه ق��د

يحصل بالخبر علم ضروري وقد يحصل العلم باالستدالل وطائفة منهم الكعبي وأبو الحسين البصري وأبو

الخطاب أنه نظري والتحقيق أن كال القولين حق فإنه يحصل به��ا علم ض��روري واالدل��ة النظري��ة تواف��ق

ذلك وكذلك كثير من االدلة والعالمات واآليات من الناس من يعرف استلزامها للوازمها بالضرورة ويكون

اللزوم عنده بينا ال يحتاج فيه إلى وسط ودليل ومنهم من يفتقر إلى دليل ووسط يبين له ان ه�ذا ال�دليل

مستلزم لهذا الحكم الزم له ومن تأمل معارف الناس وجد أكثره��ا من ه��ذا الض��رب فق��د يجيء المخ��بر

اليهم بخبر فيعرف كثير منهم صدقه أو كذبه بالضرورة ألمور تقترن بخبره وآخ��رون يش��كون في ه��ذا ثم

Page 119: النبوات

قد يتبين لبعضهم بأدلة وقد ال يتبين وكثير من الناس يعلم صدق المخبر بال آي��ة البت��ة ب��ل إذا أخ��بره وه��و

خبير بحاله أو بحال ذلك المخبر به أو بهما علم بالضرورة إما صدقه وإما كذب��ه وموس��ى بن عم��ران لم��ا

جاء إلى مصر فقال لهارون وغيره ان الله أرسلني علم��وا ص��دقه قب��ل أن يظه��ر لهم اآلي��ات ولم��ا ق��ال

لهارون ان الله قد أمرك أن تؤازرني صدقه هارون في هذا لما يعلم من حاله ق��ديما ولم��ا رأى من تغ��ير

حاله الدال على صدقه وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر حاله لخديجة وغيره��ا وذهبت ب��ه الى

ورقة بن نوفل وكان عالما بالكتاب األول فذكر له النبي صلى الله عليه وس��لم م��ا يأتي��ه علم أن��ه ص��ادق

وقال هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى ياليتني فيها جذعا ي��اليتني أك��ون حي��ا حين يخرج��ك قوم��ك

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أومخرجي هم قال نعم لم يأت أح��د بمث��ل م��ا جئت ب��ه إال ع��ودي

وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا وكذلك النجاشي لم�ا س�مع الق�رآن ق�ال إن ه�ذا وال��ذي ج�اء ب�ه

موسى ليخرج من مشكاة واحدة وكذلك أبو بكر وزيد بن حارثة وغيرهما علموا صدقه علما ض��روريا لم��ا

أخبرهم بما جاء به وقرأ عليهم ما أنزل عليه وبقي القرآن الذي قرأه آية وما يعرفون من صدقه وأمانت��ه

مع غير ذلك من القرائن يوجب علما ضروريا بأنه صادق وخبر الواحد المجهول من آحاد الناس قد تقترن

به القرائن يعرف بها صدقه بالضرورة فكيف

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،238.

بمن عرف صدقه وأمانته وأخبر بمثل هذا األمر الذي ال يقوله إال من هو من أصدق الناس أو من أك��ذبهم

وهم يعلمون أنه من الصنف األول دون الثاني فإذا كان العلم بصدقه بال آية قد يكون علما ضروريا فكيف

بالعلم بكون اآلية عالمة على صدقه وجميع األدلة ال بد أن تعرف داللتها بالضرورة فإن األدل��ة النظري��ة ال

بد أن تنتهي إلى مقدمات ضرورية وأكثر الخلق اذا علم�وا م�ا ج�اء ب�ه موس�ى والمس�يح ومحم�د علم�وا

صدقهم بالضرورة ولهذا ال يوجد أحد قدح في نبوتهم إال أحد رجلين إم�ا رج�ل جاه�ل لم يع�رف أح�والهم

واما رجل معان�د متب��ع له��واه وعام�ة من ك�ذبهم في حي��اتهم ك�ان معان�دا فالرؤس�اء ك�ذبوهم لئال ت�زول

رئاستهم أو مأكلتهم واالتباع طاعة لكبرائهم كما أخبر الله بمثل ذلك في غير موض��ع من الق��رآن لم يكن

التكذيب لقيام حجة تدل على الكذب فإنه يمتنع قيام دلي��ل ي��دل على الك��ذب فالمك��ذب مف��تر متكلم بال

علم وال دليل قطعا وكذلك كل من كذب بشيء من الح�ق أو ص�دق بش�يء من الباط�ل يمتن�ع أن يك�ون

عليه دليل صحيح فإن الدليل الصحيح يستلزم مدلوله فإذا كان المدلول منتفيا امتنع أن يكون عليه دلي��ل

صحيح وكثير من الناس قد يكون شاكا لعدم طلب��ه العلم وإعراض��ه عن��ه فالمك��ذب متكلم بال علم قطع��ا

والشاك معرض عن طلب العلم مقصر مفرط ولو طلب العلم تبين له الحق اذا كان متمكن��ا من معرف��ة

أدلة الحق وأما من لم يصل اليه الدليل وال يتمكن من الوصول اليه فهذا عاجز وأما الذين سلكوا طري��ق

الحكمة فلهم أيضا مسالك مثل أن يقال ان الل��ه س��بحانه وتع��الى اذا بعث رس��وال أم��ر الن��اس بتص��ديقه

وطاعته فال بد أن ينصب لهم دليال يدلهم على صدقه فإن ارسال رسول بدون عالمة وآية تعرف المرسل

اليهم أنه رس��ول قبح وس��فه في ص��رائح العق��ول وه��و نقص في جمي��ع الفط��ر وه��و س��بحانه م��نزه عن

النق��ائص والعي��وب وله��ذا ينك��ر على المش��ركين أنهم يص��فونه بم��ا ه��و عن��دهم عيب ونقص ال يرض��ونه

ألنفسهم مثل كون مملوك أحدهم شريكه يساويه فإن هذا من النقائص والعيوب ال��تي ي��نزهون أنفس��هم

عنها ويعيبون ذلك على من فعله من الناس فإذا كان هذا عيبا ونقصا ال يرضاه الخل��ق النفس��هم لمنافات��ه

الحكمة والعدل فإن الحكمة والعدل تقتضي وضع كل شيء موضعه الذي يلي��ق ب��ه ويص��لح ب��ه فال تك��ون

العين

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،239.

النبوات كالرج�ل وال اإلم�ام ال��ذي ي�ؤتم ب�ه في ال��دين وال��دنيا في آخ�ر الم�راتب والس��فلة من أتباع�ه في أعلى

المراتب فكذلك المالك ال يكون مملوكه مساويا له فإن ذلك يناقض كون أح��دهما مالك��ا واآلخ��ر مملوك��ا

ولهذا جاءت الشريعة بأن المرأة ال تتزوج عبدها لتناقض األحكام فان ال��زوج س��يد الم��رأة وح��اكم عليه��ا

والمالك سيد المملوك وحاكم عليه فإذا جعل مملوكها زوجه��ا ال��ذي ه��و س��يدها تناقض��ت األحك��ام فه��ذا

Page 120: النبوات

العقالء ولهذا قال تعالى يبين أن هذه القضية مستقرة في فطر من  وأمثاله مما مثال لكم ضربتخافونهم سواء فيه فأنتم رزقناكم فيما شركاء من أيمانكم ملكت مما لكم هل أنفسكم

اتبع بل يعقلون لقوم اآليات يفصل كذلك بعضا بعضكم يخاف كما أي أنفسكم كخيفتكمناصرين من ومالهم الله أضل من يهدي فمن علم بغير أهواءهم ظلموا وكذلك كلالذين

أحد يعلم بفطرته أن الذكر أفضل من األنثى وكانت الع��رب أش��د كراهي��ة للبن��ات من غ��يرهم ح��تى ك��ان

قتلت  منهم ن يئد البنات ويدفن البنت وهي حية حتى قال تعالى ذنب بأي سئلت الموءودة وإذامن  وقال تعالى القوم من يتوارى كظيم وهو مسودا وجهه ظل باألنثى أحدهم بشر وإذا

التراب في يدسه أم هون على أيمسكه به بشر ما وكانوا ال يورثون االناث وقد قالت أمسوء

كاألنثى  مريم الذكر أفرأيتم  وكان من الكفار من جعل له اإلناث أوالدا وشركاء قال تعالى ولسهي ان ضيزى قسمة إذا تلك األنثى وله الذكر ألكم األخرى الثالثة ومناة والعزى الالت

وآباؤكم أنتم سميتموها أسماء تعالى إال ليسمون  وقال باآلخرة يؤمنون ال الذين انمن يغني ال الظن وان الظن اال يتبعون ان علم من به لهم وما االنثى تسمية المالئكة

شيئا تعالى الحق أحدهم  وقال بشر وإذا يشتهون ما ولهم سبحانه البنات لله ويجعلونعلى أيمسكه به بشر ما سوء من القوم من يتوارى كظيم وهو مسودا وجهه ظل باالنثى

يحكمون ما ساء أال التراب في يدسه أم يعني ساء الحكم حكمهم أي بئس الحكم حكمهمهون

كما يقال بئسما فعل وبئسما حكم حيث حكموا بأن لله البنات ولهم ما يشتهون فهذا حكم ج��ائر كم��ا أن

تلك القسمة قسمة جائرة عوجاء فهذا حكمهم بينهم وبين ربهم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،240.

النبوات وهذا قسمهم يجعلون النفسهم أفضل النوعين ولربهم أدنى النوعين وهو مثل السوء ولل��ه المث��ل األعلى

فالواجب أن يكون أفضل األنواع وأكملها لله وما فيها نقص وعيب فالمخلوق أحق بها من الخالق اذ ك��ان

كل كمال في المخلوق فهو من خالقه فيمتنع أن يكون االنقص خلق االكمل والفالسفة يقول��ون بعب��ارتهم

كل كمال في المعلول فه�و من العل�ة وأيض�ا ف�الموجود ال�واجب أكم�ل من الممكن والق�ديم أكم�ل من

المحدث والغني أكمل من الفق��ير فيمتن��ع اتص��اف األكم��ل بالنق��ائص واتص��اف األنقص بالكم��االت وله��ذا

يوصف سبحانه بأنه األكرم واألكبر واألعلى وأنه أرحم الراحمين وخير الحاكمين وخير الغ��افرين وأحس��ن

الخالقين فال يوصف قط اال بما يوجب اختصاصه بالكم��االت والمم��ادح والمحاس��ن ال��تي ال يس��اويه فيه��ا

 غيره فضال عن أن يكون لغيره النوع الفاض�ل ول��ه الن�وع المفض�ول وله�ذا ع�اب الل�ه المش�ركين ب�ان

فما لشركائنا وهذا بزعمهم لله هذا فقالوا نصيبا واألنعام الحرث من ذرأ ما لله جعلوايحكمون ما ساء شركائهم الى يصل فهو لله كان وما الله الى يصل فال لشركائهم كان

فبئس الحكم حكمهم في هذا كما أنه بئس الحكم حكمهم في جعل الذكور لهم واالناث له وس��اء بمع��نى

بآياتنا  بئس كقوله كذبوا الذين القوم مثال ساء  أي بئس مثال مثلهم ولهذا قالوا في قوله ساءيحكمون انكم  بئسما يقضون وقال تعالى ما اناثا المالئكة من واتخذ بالبنين ربكم أفاصفاكم

عظيما قوال أم  وقال تعالى لتقولون مبين لكفور االنسان ان جزءا عباده من له وجعلواظل مثال للرحمن ضرب بما أحدهم بشر وإذا بالبنين وأصفاكم بنات يخلق مما اتخذ

وجعلوا مبين غير الخصام في وهو الحلية في ينشأ من أو كظيم وهو مسودا وجههويسألون شهادتهم ستكتب خلقهم أشهدوا إناثا الرحمن عباد هم الذين فهذهالمالئكة

الطريقة وهي أن ما يستحقه المخلوق من الكم�ال ال��ذي ال نقص في�ه فالخ�الق أولى ب�ه وم�ا ي�نزه عن�ه

المخلوق من العيوب المذمومة فالخالق تع��الى أولى بتنزيه��ه عن ك��ل عيب وذم وه��و س��بحانه الق��دوس

السالم الحميد المجيد من ابلغ الطرق البرهانية وهي مستعملة في القرآن في غير موض��ع فل��ذلك يق��ال

الواحد من الناس قادر على ارسال رسول

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،241.

Page 121: النبوات

وعلى أن يرسل نشابة وعالمة يعرف المرسل اليهم بها صدقه فكيف ال يقدر الرب على ذل��ك ثم

اذا أرسله اليهم وأمرهم بتصديقه وطاعته ولم يعرفهم أنه رسوله ك�ان ه�ذا من أقبح االم�ور فكي�ف

يجوز مثل هذا على الله ولو بعثه بعالمة ال تدلهم على صدقه كان ذلك عيبا مذموما فكل ما ترك من

لوازم الرسالة اما أن يكون لعدم القدرة واما أن يكون للجهل والسفة وعدم الحكم��ة وال��رب أح��ق

بالتنزيه عن هذا وهذا من المخلوق فإذا أرسل رسوال فال بد أن يعرفهم أنه رسوله وي��بين ذل��ك وم��ا

جعله آية وعالمة ودليال على صدقه امتنع أن يوجد بدون الص��دق ف��امتنع أن يك��ون للك��اذب المتن��بي

فان ذلك يقدح في الداللة فهذا ونحوه مما تعرف به داللة اآلي��ات من جه��ة حكم��ة ال��رب فكي��ف اذا

انضم الى ذلك ان هذه سنته وعادته وأن هذا مقتضى عدله وكل ذلك عند التصور التام يوجب علم��ا

ضروريا بصدق الرسول الصادق وأنه ال يج��وز أن يس��وي بين الص��ادق والك��اذب فيك��ون م��ا يظه��ره

النبي من اآليات يظهر مثله على يد الكاذب اذ لو فعل هذا لتع��ذر على الخل��ق التمي��يز بين الص��ادق

والكاذب وحينئذ فال يجوز أن يؤمروا بتصديق الصادق وال يذموا على ترك تص��ديقه وطاعت��ه اذ االم��ر

بذلك بدون دليله تكليف ماال يطاق وهذا ال يجوز في عدله وحكمته ولو قدر أنه جائز عقال فإن��ه غ��ير

واق�����������������������������������������������������������������������������������������������������������������������������ع

وقد دل القرآن على أنه سبحانه ال يؤيد الكذاب علي�ه ب�ل ال ب�د أن يظه�ر كذب�ه وأن ينتقم) فصل (

تعالى فقال منه  منه لقطعنا ثم باليمين منه الخذنا األقاويل بعض علينا تقول ولوحاجزين عنه أحد من منكم فما وماال  ذكر هذا بعد قوله الوتين تبصرون بما أقسم فال

كاهن بقول وال تؤمنون ما قليال شاعر بقول هو وما كريم رسول لقول انه تبصرونالعالمين رب من تنزيل تذكرون ما الخذنا  ثم قال قليال االقاويل بعض علينا تقول ولو

حاجزين عنه أحد من منكم فما الوتين منه لقطعنا ثم باليمين هذا بتقدير أن يتقولمنه

وقوله كلها الرساله يتقول بمن فكيف االقاول منه  بعض لقطعنا ثم باليمين منه الخذنايتضمنالوتين االنسان عاجال وذلك اذا قطع مات القلب نياط يقال هو الباطن الوتين عرق في

ألخذنا  هالكه لو تقول على الله وقوله

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،242.

النبواتفيجر  منه باليمين بيده خذ فيقال القتل عند يهان بمن يفعل كما بيمينه الخذنا قيل

وقيل للمقتول هالك وتعجيل وإهانة الفاعل من وقدرة بعزة هالك فهذا يقتل ثم بيدهقال  الخذنا منه باليمين كما بشماله يأخذ ممن أقوى الميامن فان والقدرة بالقوة أي

قال  فاخذناهم أخذ عزيز مقتدر قال  ان بطش ربك لشديد وكما يقل  أخذنا منه لكنه ولمتعالى وقال األول القول يقوي فهذا أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ يختمألخذناه

عطف  ويمحو الله الباطل فقوله  على قلبك ثم قال ويمحو الله الباطل ويحق الحق بكلماته وهو بالضم الحق ويحق قال ألنه الشرط جواب من وليس قالوا جملة على جملة

قوله على أن  يمحو الله الباطل معطوف بد ال منه خبر الحق وإحقاقه للباطل فمحوهكلماته أنزل اذا فانه بكلماته الحق ويحق الباطل يمحو أن بد ال أنه بين فقد يفعله

يحق أيضا وهو الباطل من الحق بها وبين له آية كانت إذا صادق نبي أنه على بها دلإذا صادق نبي أنه على بها دل كلماته أنزل إذا فإنه بكلماته الباطل ويبطل الحق

بكلماته الباطل ويبطل الحق يحق أيضا وهو الباطل من الحق بها وبين له آية كانتكما الحق أهل به ينصر وما اآليات من يظهره بما الحق فيحق األشياء بها تكون التي

قال كما بذلك كلمته ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وانتقدمت

الغالبون لهم كلمات ربك صدقا وعدال وقال  جندنا ربها وكتبهوقال  وتمت بكلمات وصدقت

تعالى  وكانت من القانتين وهو  أتى أمر الله فال تستعجلوه وقال به يأمر ما يتضمن وأمرهتعالى وقال بكلماته صدق  انما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون الكائن وكلماته

المبلغ عليه الصادق يجعل أن عدله فمن مواضعها االشياء وضع والعدل وعدلمن به يليق حيث عليه الكاذب يجعل وأن ونصره كرامته من يصلح حيث لرسالته

Page 122: النبوات

تعالى قال وذله ان الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيااهانته

المفترين نجزي أعظم  وكذلك ومن القيامة يوم الى مفتر لكل هي قالبة ابو قالوالرسالة النبوة دعوى عليه االفتراء

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،243.

النبواتاليه  كذبا كما قال تعالى يوح ولم إلي أوحي قال أو كذبا الله على افترى ممن أظلم ومن

الله أنزل ما مثل سأنزل قال ومن الذينشيء الكاذبين أصناف جميع الكالم هذا في وذكر

إذ  يعارضون رسله الصادقين كما ذكر فيما قبله حال الكاذبين في قوله قدره حق الله قدروا ومانورا موسى به جاء الذي الكتاب أنزل من قل شيء من بشر على الله أنزل ما قالوا

وال أنتم تعلموا لم ما وعلمتم كثيرا وتخفون تبدونها قراطيس تجعلونه للناس وهدىبين الذي مصدق مبارك أنزلناه كتاب وهذا يلعبون خوضهم في ذرهم ثم الله قل آباؤكم

صالتهم على وهم به يؤمنون باآلخرة يؤمنون والذين حولها ومن القرى أم ولتنذر يديهإليه يوح ولم إلي أوحي قال أو كذبا الله على افترى ممن أظلم ومن قال ثم يحافظون

اآلية فان الكاذب إما أن يقول ان غيري أنزل علي وإما أن يقول أنا أصنف مثل هذا القرآن وإذاشيء

قال غيري أنزل علي فأما أن يعينه فيقول أن الل��ه أنزل��ه علي وإم��ا أن يق��ول أوحي وال يعين من أوح��اه

فقال الثالثة األصناف ولم  فذكر إلي أوحي قال أو كذبا الله على افترى ممن أظلم ومنشيء اليه فهذان نوعان من جنس ثم قال ومن لم يقل أو قال اذ كان هذا معارضا ال يدعي أنهيوح

الله  رسول فقال أنزل ما مثل سأنزل قال وهؤالء المعارضون قد تحداهم في غير موضعومن

ولو  وقال بمثله يأتون ال القرآن هذا بمثل يأتوا أن على والجن االنس اجتمعت لئن قلظهيرا لبعض بعضهم والرسول أخبر بهذا خبرا تاما في أول االمر وهذا ال يمكن إال مع قطعه أنهكان

سأنزل  على الحق وإلى اآلن لم يوجد أحد أنزل مثل ما أنزل الله قوله قال ولم يقل أقدر أنومن

أنزل فإن قوله سأنزل هو وعد بالفعل وبه يحصل المقصود بخالف قوله أق��در فان��ه ال يحص��ل ب��ه غ��رض

المعارض وإنما يحصل إذا فعل فمن وعد بانزال مثل ما أنزل كان من أظلم الناس وأك��ذبهم اذ ك��ان ق��د

الله  تبين عجز جميع الثقلين االنس والجن عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن وقوله أنزل ما يقتضيمثل

أن كل ما أنزله الله على أوليائه فهو معجز ال يقدر عليه اال الله كالتوراة واالنجيل والزبور وهذا حق ف��إن

في ذلك من أنباء الغيب ماال يعلمه اال الله

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،244.

النبوات وفيه أيضا من تأييد الرسل بذلك ماال يقدر على أن يرسل بتلك الرس��الة إال الل��ه فال يق��در أح��د أن ي��نزل

مث����ل م����ا أن����زل الل����ه على نبي����ه فيك����ون ب����ه مث����ل الرس����ول وال أن يرس����ل ب����ه غ����يره

واالستدالل بالحكمة أن يعرف أوال حكمته ثم يعرف أن من حكمته أنه ال يسوي بين الصادق بما) فصل (

يظهر به صدقه وبأن ينصره ويعزه ويجعل له العاقبة ويجعل له لسان صدق في العالمين والك��اذب علي��ه

يبين كذبه ويخذله ويذله ويجعل عاقبته عاقبة سوء ويجعل له لسان ال��ذم واللعن��ة في الع��المين كم��ا ق��د

وقع فهذا هو الواقع لكن المقصود أن نبين أن ما وقع منه فهو واجب الوقوع في حكمته ال يج��وز أن يق��ع

منه ضد ذلك فهذا استدالل ببيان أنه يجب أن يقع منه ما يقع ويمتنع أن يق��ع من��ه ض��ده وذل��ك ببي��ان أن��ه

حكيم وأن حكمته توجب أن يبين صدق االنبياء وينصرهم ويبين كذب الكاذبين ويذلهم ك�ذلك يفع�ل بأتب�اع

النبيين وبأعدائهم كما أخبر بذلك في كتابه وبين أن هذا حق عليه يجب أن يفعل��ه ويمتن��ع أن يفع��ل ض��ده

تعالى قال من  كما فانتقمنا بالبينات فجاءوهم قومهم الى رسال قبلك من أرسلنا ولقدالمؤمنين نصر علينا حقا وكان أجرموا إن  وكما قال الذين ورسلي أنا ألغلبن الله كتب

Page 123: النبوات

عزيز لقوي وقوله ألغلبن قسم أقسم الله عليه فهو جواب قسم تقديره والله الغلبن أنا ورسليالله

وهذا يتضمن إخباره بوقوع ذلك وأنه كتب على نفسه ذلك وأمر به نفسه وأوجبه على نفس�ه ف�إن ص�يغة

القسم تتضمن التزام ما حلف عليه إما حضا عليه وأمرا به وإما منعا منه ونهيا عنه ولهذا ك��ان في ش��رع

من قبلنا يجب الوفاء بذلك وال كفارة فيه وكذلك كان في أول االس��الم وله��ذا ك��ان أب��و بك��ر ال يحنث في

يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين كما ذكرت ذلك عائشة ولهذا أمر أيوب أن يأخذ بيده ضغثا فيضرب ب��ه

وال يحنث فإن ذلك صار واجبا باليمين كوجوب المنذور الواجب بالن��ذر يحت��ذى ب�ه ح�ذو ال��واجب بالش��رع

والضرب بالضغث يجوز في الحدود اذا كان المضروب ال يحتمل التفريق كما ج��اء في الح��ديث ول��و ك��ان

في شرعهم كفارة ألغنت عن الضرب مطلق��ا لكن اإلنس��ان ق��د يل��تزم م��اال يعلم عاقبت��ه ثم ين��دم علي��ه

والرب تعالى عالم بعواقب االمور فال يحلف على أمر ليفعلنه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،245.

النبواتألغلبن  إال وهو يعلم عاقبته واليمين موجبة ولهذا قال تعالى الله  وكتب مثل كتب في قوله كتب

الرحمة نفسه على ربكم دابة  فهي كتابة تتضمن خبرا وايجابا ومنه قوله تعالى كتب من ومارزقها الله على إال األرض وفي الحديث الصحيح اآللهي يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسيفي

وجعلته بينكم محرما فال تظالموا وقد بسط هذا األصل في مواضع مثل الكالم في مسألة الق��در المخت��ار

ومسألة العدل والظلم وغير ذلك فان كثيرا من المتكلمين يق��ول ان الق��ادر المخت��ار ال يفع��ل اال بوص��ف

الجواز فيفعل الفعل في حال تردده بين أن يفع��ل وأن ال يفع��ل ومنهم من يق��ول يفعل��ه م��ع رجح��ان أن

يفع��ل رجحان��ا ال ينتهي إلى ح��د الوج��وب وه��و ق��ول محم��د بن الهيض��م الك��رامي ومحم��ود الخ��وارزمي

المعتزلي وبهذا استطال عليهم الفالسفة فقالوا ال��رب م��وجب ألن الممكن ال يق��ع ح��تى يحص��ل الم��ؤثر

التام الموجب له والتحقيق أن الرب يخلق بمشيئته وقدرته وهو موجب لكل ما يخلق��ه بمش��يئته وقدرت��ه

ليس موجبا بمجرد الذات وال موجبا بمعنى أن موجبه يقارنه فإن هذا ممتنع فه��ذان معني��ان ب��اطالن وه��و

قادر يفعل بمشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فم��ا ش��اءه وجب كون��ه وم��ا لم يش��أه امتن��ع كون��ه

ولهذا قال كثير من النظار إن االرادة موجبة للمراد وعلى هذا فقولنا يجوز أن يك��ون ويج��وز أن ال يك��ون

إنما هو جواز الشيء بمعنى الشك في أيهما هو الواقع وإال ففي نفس االمر أحدهما ه��و الواق��ع ليس في

نفس االمر ظنيا مترددا بين الوقوع وعدم الوقوع واالمكان الذهني قد يراد به ع��دم العلم باالمتن��اع وق��د

يراد به الشك في الواقع وكال النوعين عدم علم واالمكان الخارجي يراد به أن وجوده في الخ��ارج ممكن

ال ممتنع كوالدة النساء ونبات االرض وأما الجزم بالوقوع وعدمه فيحتاج الى دليل وفي نفس االمر ما ثم

اال ما يقع أو ال يقع والواقع ال بد من وقوعه ووقوع��ه واجب الزم وم��ا ال يق��ع فوقوع��ه ممتن��ع لكن واجب

بغيره وممتنع لغيره وهو واجب من جهات من جه��ة علم ال��رب من وجهين ومن جه��ة إرادت��ه من وجهين

ومن جهة كالمه من وجهين ومن جهة كتابته من وجهين ومن جهة رحمته ومن جهة عدله أم��ا علم��ه فم��ا

علم انه سيكون فال بد أن يكون وما علم أنه ال

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،246.

يكون فال يكون وهذا مما يعترف به جميع الطوائف إال من ينكر العلم الس��ابق كغالة القدري��ة ال��ذين ت��برأ

منهم الصحابة ومن جهة أنه يعلم ما في ذلك الفعل من الحكمة فيدعوه علم��ه إلى فعل��ه أو م��ا في��ه من

الفساد فيدعوه الى تركه وهذا يعرفه من يقر بأن العلم داع ومن يقر بالحكمة ومن جهة إرادت��ه فإن��ه م��ا

شاء كان وما لم يشأ لم يكن ومن جهة حكمته وهي الغاية المرادة لنفسها ال��تي يفع��ل ألجله��ا ف��اذا ك��ان

مريدا للغاية المطلوبة لزم أن يريد ما يوجب حصولها ومن جهة كالمه من وجهين من جه��ة أن��ه اخ��بر ب��ه

وخبره مطابق لعلمه ومن جهة أنه أوجبه على نفسه وأقسم ليفعلن��ه وه��ذا من جه��ة إيجاب��ه على نفس��ه

والتزام�ه أن يفعل��ه ومن جه��ة كتابت��ه إي�اه في الل��وح وه�و يكتب م�ا علم أن س�يكون وق�د يكتب إيجاب�ه

ورسلي  والتزامه كما قال أنا ألغلبن الله الرحمة  وقال كتب نفسه على ربكم فهذهكتب

عشرة أوجه تقتضي الجزم بوقوع ما سيكون وأن ذلك واجب حتم ال ب��د من��ه فم��ا في نفس األم��ر ج��واز

Page 124: النبوات

يستوي فيه الطرفان الوجود والعدم وإنما هذا في ذهن االنسان لعدم علم��ه بم��ا ه��و الواق��ع ثم من علم

بعض تلك االسباب علم الواقع فت��ارة يعلم ألن��ه أخ��بر بعلم��ه وه��و م��ا أخ��برت االنبي��اء بوقوع��ه كالقيام��ة

والجزاء وتارة يعلم من جهة المشيئة ألنه ج��رت ب��ه س��نته الش��املة ال��تي ال تتب��دل وت��ارة يعلم من جه��ة

حكمته كما قد بسط في غير هذا الموضع والحكمة والعدل والرحمة والعادة تعلم بالعقل كم��ا ق��د ع��رف

من حكمة الرب وعدله وسنته ويستدل بذلك على العلم والخبر والكت��اب كم��ا أن العلم والخ��بر والكت��اب

يعلم بإخبار االنبياء ويستدل بذلك على العدل والحكمة والرحم��ة والجهمي��ة المج��برة ال تج��زم بثب��وت وال

انتفاء إال من جهة الخبر أو العادة اذ كانوا ال يثبتون الحكمة والعدل والرحمة في الحقيق�ة كم�ا ق�د بس��ط

في غير موضع وحكي عن الجهم أنه كان يخرج فينظر الجذمي ثم يقول أرحم الراحمين يفعل هذا يق��ول

أنه يفعل لمحض المشيئة ولو كان يفعل بالرحمة لما فعل هذا وه��ذا من جهل��ه لم يع��رف م��ا في االبتالء

من الحكمة والرحمة والمصلحة والمجبرة المثبتة للقدر المتبع��ون لجهم والقدري��ة النف��اة مناقض��ون لهم

كما قد بسط الكالم على ذلك في غير موضع وما زال العقالء يستدلون بما علموه من صفات الرب على

ما

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،247.

يفعله كقول خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال لها لقد خشيت على نفس�ي فق�الت كال والل�ه ال

يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتصدق الح�ديث وتكس�ب المع�دوم وتعين

على نوائب الحق فاستدلت بما فيه من مك��ارم االخالق ومحاس��ن االعم��ال على أن الل��ه ال يخزي��ه ومن��ه

أثيم  قوله تعالى أفاك كل على تنزل الشياطين تنزل من على أنبئكم هل فان الشيطانقل

إنما ينزل على ما يناسبه ويطلبه وهو يري�د الك�ذب واإلثم في�نزل على من يك�ون ك�ذلك وبس�ط ه�ذا ل��ه

موضع آخر والكالم في النبوة فرع على إثبات الحكمة التي توجب فعل ما تقتضيه الحكمة ويمتنع فعل ما

تنفيه فنقول هو سبحانه وتعالى حكيم يضع كل شيء موضعه المناسب له فال يج�وز علي�ه ان يس�وي بين

جنس الصادق والكاذب والعادل والظالم والعالم والجاهل والمصلح والمفسد بل يف��رق بين ه��ذه االن��واع

بما يناسب الصادق العادل العالم المصلح من الكرامة وما يناسب الك��اذب الظ��الم الجاه��ل المفس��د من

أم  الهوان كما قال تعالى األرض في كالمفسدين الصالحات وعملوا آمنوا الذين نجعل أمكالفجار المتقين كالمجرمين  وقال نجعل المسلمين على منأفنجعل انكار استفهام وهذا

ظن ذلك وهو يتضمن تقرير المخاطبين واع�ترافهم ب�ان ه�ذا ال يج�وز علي�ه وأن ذل��ك بين مع�روف يجب

اعترافهم به وإقرارهم به كما يقال لمن ادعى امرا ممتنعا مثل نعم كث��يرة في موض��ع ص��غير فيق��ال ل��ه

أههنا كانت هذه النعم أي هذا ممتنع فاعترف بالحق وإذا ادعى على من هو معروف بالصدق واالمانة أن��ه

قوله ومنه هذا فعل أهذا له قيل ماله وأخذ داره للناس  نقب قلت أأنت مريم بن عيسى ياالله دون من إلهين وأمي للمالئكة  وقوله تعالى اتخذوني يقول ثم جميعا يحشرهم ويوم

يعبدون كانوا إياكم أن  ونظائره كثيرة وكذلك قوله أهؤالء السيئات اجترحوا الذين حسب أميحكمون ما ساء ومماتهم محياهم سواء الصالحات وعملوا آمنوا كالذين فإن هذانجعلهم

استفهام إنكار على حسب أنه يسوي بين هؤالء وهؤالء فبين أن هذا الحساب باطل وأن التسوية ممتنع��ة

في حقه ال يجوز أن يظن به بل من ظن ذلك فقد ظن بربه ظن السوء وذل��ك ظن أه�ل الجاهلي��ة ال��ذين

يظنون بالله ظن السوء

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،248.

يفعله كقول خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال لها لقد خشيت على نفس�ي فق�الت كال والل�ه ال

يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتصدق الح�ديث وتكس�ب المع�دوم وتعين

على نوائب الحق فاستدلت بما فيه من مك��ارم االخالق ومحاس��ن االعم��ال على أن الل��ه ال يخزي��ه ومن��ه

أثيم  قوله تعالى أفاك كل على تنزل الشياطين تنزل من على أنبئكم هل فان الشيطانقل

إنما ينزل على ما يناسبه ويطلبه وهو يري�د الك�ذب واإلثم في�نزل على من يك�ون ك�ذلك وبس�ط ه�ذا ل��ه

موضع آخر والكالم في النبوة فرع على إثبات الحكمة التي توجب فعل ما تقتضيه الحكمة ويمتنع فعل ما

تنفيه فنقول هو سبحانه وتعالى حكيم يضع كل شيء موضعه المناسب له فال يج�وز علي�ه ان يس�وي بين

جنس الصادق والكاذب والعادل والظالم والعالم والجاهل والمصلح والمفسد بل يف��رق بين ه��ذه االن��واع

Page 125: النبوات

بما يناسب الصادق العادل العالم المصلح من الكرامة وما يناسب الك��اذب الظ��الم الجاه��ل المفس��د من

أم  الهوان كما قال تعالى األرض في كالمفسدين الصالحات وعملوا آمنوا الذين نجعل أمكالفجار المتقين كالمجرمين  وقال نجعل المسلمين على منأفنجعل انكار استفهام وهذا

ظن ذلك وهو يتضمن تقرير المخاطبين واع�ترافهم ب�ان ه�ذا ال يج�وز علي�ه وأن ذل��ك بين مع�روف يجب

اعترافهم به وإقرارهم به كما يقال لمن ادعى امرا ممتنعا مثل نعم كث��يرة في موض��ع ص��غير فيق��ال ل��ه

أههنا كانت هذه النعم أي هذا ممتنع فاعترف بالحق وإذا ادعى على من هو معروف بالصدق واالمانة أن��ه

قوله ومنه هذا فعل أهذا له قيل ماله وأخذ داره للناس  نقب قلت أأنت مريم بن عيسى ياالله دون من إلهين وأمي للمالئكة  وقوله تعالى اتخذوني يقول ثم جميعا يحشرهم ويوم

يعبدون كانوا إياكم أن  ونظائره كثيرة وكذلك قوله أهؤالء السيئات اجترحوا الذين حسب أميحكمون ما ساء ومماتهم محياهم سواء الصالحات وعملوا آمنوا كالذين فإن هذانجعلهم

استفهام إنكار على حسب أنه يسوي بين هؤالء وهؤالء فبين أن هذا الحساب باطل وأن التسوية ممتنع��ة

في حقه ال يجوز أن يظن به بل من ظن ذلك فقد ظن بربه ظن السوء وذل��ك ظن أه�ل الجاهلي��ة ال��ذين

يظنون بالله ظن السوء

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،248.

وطائفة  فمن جوز ذلك على الله فقد ظن بربه ظن السوء وقوله تعالى فيما جرى يوم أحد الجاهلية ظن الحق غير بالله يظنون أنفسهم أهمتهم فسره ابن عباس وغيره بأنهمقد

ظنوا أن الله لم يقدر ما جرى وأنه ال ينصر رسوله فكما أن القدر يجب االيمان به ويعلم أن ك��ل م��ا

كان فقد سبق به علم الرب فكذلك يعلم أنه ال بد أن ينصر رسله والذين آمنوا وكما ان�ه ال يج�وز أن

يقع خالف المقدر فال يجوز أن ال ينصر رسله والذين آمنوا ومثله قوله تعالى فيما أنزله عام الحديبية

تعالى ينصرون فقال الرسول وأتباعه ال أن والمنافقات  لما ظن ظانون المنافقين ويعذبالله وغضب السوء دائرة عليهم السوء ظن بالله الظانين والمشركات والمشركين

مصيرا وساءت جهنم لهم وأعد ولعنهم وهذا يدل على أن هذا ظن سوء بالله ال يجوزعليهم

أن يظن به أن يفعل ذلك ومن ينفي الحكمة يقول يجوز عليه فعل كل شيء وليس عنده ظن س��وء

بالله وإن قيل لما أخبر أنه بنصره كان ضد ذلك ظن سوء ألن خبره ال يق��ع بخالف مخ��بره قي��ل عن

هذا جوابان أحدهما أن هؤال يلزمهم تجويز إخالف الوعد علي��ه ألن ه��ذا من ب��اب االفع��ال المق��دورة

وهو يجوزون كل مقدور وإذا قيل إخالف الوعد قبيح فهم ليس عندهم شيء قبيح ينزهون الرب عنه

الثاني أنه إذا علم أنه يفعله ولو بالعلم الضروري فإنما ذاك ألنه واقع ولو ق��در أن رجال ظن أن الل��ه

ال يفعل ما سيفعله مما ليس فيه ذم مثل أن يظن أنه يم�وت بع�د ش�هر لم يق�ل أن ه�ذا ظن س�وء

وإنما يكون ظن سوء اذا كان المظنون عيبا قبيحا ال يجوز أن يض��اف الى المظن��ون ب��ه ومن��ه قول��ه

القلوب  تعالى وبلغت االبصار زاغت واذ منكم أسفل ومن فوقكم من جاءوكم إذاالظنونا بالله ويظنون تعالى الحناجر قوله ذلك ومن الظنون بالله ظن لمن ذم  فهذا

تحكمون كيف مالكم كالمجرمين المسلمين وهذا يقتضي أن هذا ممتنع عليه ومنأفنجعل

حكم بجوازه فقد حكم حكما باطال جائرا ممتنعا كالذين جوزوا أن تك��ون ل��ه بن��ات وهم يكره��ون أن

تعالى قال عندهم قبيح هو ما الله على فيجوزون بنات لهم البنات  تكون لله ويجعلونكظيم وهو مسودا وجهه ظل باالنثى أحدهم بشر وإذا يشتهون ما ولهم سبحانه

أيمسكه به بشر ما سوء من القوم من يتوارى

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،249.

النبواتيحكمون ما أال ساء التراب يدسه في أم أفعاله  على هون نقول أن حكمته يبين ومما

فإنهم هؤالء من عليه االتفاق وقع مما وهذا علمه على دلت المتقنة المحكمةوعند عندهم ضروري أمر وهذا الفاعل علم على يدل واإلتقان اإلحكام أن يسلمون

Page 126: النبوات

انما واإلتقان واإلحكام مدلولها ثبوت يجب التي العقلية االدلة أعظم من وهو غيرهممثل منه المقصودة الحكمة به لتحصل المناسب محله في شيء كل يضع أن هو

وكذلك اليدين قدر على والكمين العنق قدر على الطوق فيجعل قميصا يخيط الذييوسع اإلبريق يصنع والذي السقف ليعتدل متماثلة الحيطان يجعل الدار يبني الذيباهرة المخلوقات جميع في الرب وحكمة منه يخرج ما ويضيق الماء منه يدخل ما

لها إثباتا الناس أعظم من والفالسفة الطوائف جميع بها واعترف العقالء بهرت قدوالعلم االرادة أمر في قصر من فيهم كان وإن الغائية والحكمة العناية يثبتون وهم

في كانوا وإن مخلوقاته في الحكمة إثبات على متفقون كلهم المتكلمون وكذلكالعين أن ذلك وأدنى االنسان خلق في مثلما وذلك متنازعين لغاية وفعله االرادة

فان مر األذن وماء عذب الفم وماء ملح العين فماء ورطوبة مياه فيها واالذن والفمسببا له فان البحر تمليح حكمة أيضا وهذه تذوب أن تحفظها والملوحة شحمة العينتمنع أنها وحكمتها مائه ملوحة توجب فهي وملوحتها أرضه سبوخة فسببه وحكمةأنتن ولو ألنتن مائه ملوحة لوال فإنه العظيمة الحيتان من فيه يموت بما الماء نتنفإنه كثير خلق قتل أحيانا وقع وإذا بفساده الناس فهلك له لمالقاته الهواء لفسد

الهوام دخول ليمنع مر األذن وماء كثير خلق ذلك بسبب يموت حتى الهواء يفسدلفسد مرا الفم ماء الله جعل فلو يأكله ما به ليطيب عذب الفم وماء األذن إلى

هذا ونظائر الدماغ في الذباب لدخل عذبا االذن ماء جعل ولو أكلته على الطعامويجعل القدمين في العينين يجعل أن مثل ذلك بخالف يفعل أن يجوز فال كثيرة

أنه الحكمة من بل والمشي النظر مصلحة يفسد فانه كالقدمين غليظا خشنا الوجهوجعل يمشي أين فيدري أمامه ما بها ليرى مقدمه في البدن أعلى في العينين جعل

أدنى يفسدها لطيفة والعين وغيره التراب من تالقيه ما على تصبر خشنة الرجلعلى دل الرب مخلوقات من ومثله هذا فنقول واهدابا تغطيها أجفانا لها فجعل شيء

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،250.

النبوات أنه قد أحكم ما خلقه وأتقنه ووضع كل شيء بالموضع المناسب له وهذا يوجب العلم الضروري أنه عالم

فيميز بين هذا وبين هذا حتى خص هذا بهذا وهذا بهذا وهو أيضا يوجب العلم الضروري بأنه أراد تخص�يص

هذا بهذا وهذا بهذا فدل على علمه وإرادته وهذا مما يسلمونه فنقول ودل أيضا على أنه جع��ل ه��ذا له��ذا

فجعل ماء العين والبحر ملحا للحكمة المذكورة وجعل العين في أعلى البدن وجع��ل له��ا أجفان��ا للحكم��ة

المذكورة وكذلك إذا أنزل المطر وقت الحاجة اليه علم أنه أنزله ليحيي به األرض وكذلك إذا دعاه الناس

مضطرين فأنزل المطر علم أنه أنزله ليحيي األرض الجابة دعائهم فال يتصور أن يعلم أن��ه أراد ه��ذا له��ذا

وال يتصور اإلحكام واالتقان إال اذا فعل هذا للحكمة المطلوبة فكان ما علم من إحكامه وإتقان��ه دليال على

علمه وعلى حكمته أيضا وأنه يفعل لحكمة والذين استدلوا باالحكام على علم��ه ولم يثبت��وا الحكم��ة وأن��ه

يفعل هذا لهذا متناقضون عند عامة العقالء وحذاقهم معترفون بتناقضهم فإنه ال معنى لإلحكام إال الفع��ل

لحكمة مقصودة فإذا انتفت الحكمة ولم يكن فعله لحكمة انتفى االحكام وإذا انتفى االحك��ام انتفى دلي��ل

العلم وإذا كان االحك��ام معلوم�ا بالض�رورة وداللت��ه على العلم معلوم�ة بالض�رورة علم أن حكمت��ه ثابت��ة

بالضرورة وهو المطلوب وأيضا فإذا ثبت أنه عام فنفس العلم يوجب أنه ال يفعل قبيحا وال يجوز أن يفعل

القبيح اال من هو جاهل كما قد بسط في غير هذا الموضع وبين أن العالم يعلم ما ال��ذي يص��لح أن يفع��ل

وإن فعل هذا أولى من فعل هذا وإذا كان مريدا للفعل وقد علم أن الفع��ل على ه��ذا الوج��ه ه��و االص��لح

امتنع أن يريد الوجه اآلخر واالنسان ال يريد القبيح اال لنقص علمه ما أن يفعل بال علم بل لمجرد الش��هوة

أو يظن خطأ فيظن أن هذا الفعل يصلح وهو ال يصلح فإنما يقع القبيح في فعله لفعله مع الجهل البس��يط

أو المركب والرب منزه عن هذا وهذا فيمتنع أن يفعل القبيح وأيض��ا فإن��ه ق��د ثبت أن��ه مري��د وأن االرادة

تخصص المراد عن غيره وهذا انما يكون اذا كان التخصيص لرجحان الم��راد ام��ا لكون��ه أحب الى المري��د

Page 127: النبوات

وأفضل عنده فأما اذا ساوى غيره من كل وجه امتنع ترجيح االرادة له فكان اثبات االرادة مستلزما اثبات

الحكمة واال لم تكن االرادة فقد تبين ثبوت

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،251.

النبوات حكمته من جهة علمه ومن جهة نفس أفعال��ه المتقن��ة المحكم��ة ال��تي ت��دل على علم��ه باالتف��اق

وهذه أصول عظيمة من تصورها تصورا جيدا انكشف له حقائق هذا الموضع الش��ريف وإذا ثبت أن��ه

حكيم وأن حكمته الزمة لعلمه والزمة الرادته وهما الزمان لذاته كانت حكمته من لوازم ذاته فيمتن��ع

أن يفعل اال لحكمة وبحكمة ويمتنع أن يفع��ل على خالف الحكم��ة ومعل��وم بص��ريح العق��ل أن العلم

خير من الجهل والصدق خير من الكذب والعدل خ��ير من الظلم واالص��الح خ��ير من االفس��اد وله��ذا

وجب اتصافه تعالى بالرحمة والعلم والصدق والعدل واالصالح دون نقيض ذلك وهذا ثابت في خلق��ه

وأمره فكما أنه في خلقه عادل حكيم رحيم فكذلك هو في أمره وما شرعه من الدين فإنه ال يك��ون

اال عدال وحكمة ورحمة ليس هو كما تقول الجهمية المجبرة ومن اتبعهم من أهل الكالم وال��رأي أن�ه

يأمر العباد بما ال مصلحة لهم فيه اذا فعلوه وأن ما أم�ر ب�ه ال يجب أن يفع�ل على حكم�ة وينك�رون

تعليل االحكام او يقولون أن علل الشرع أمارات محضة فهذا كله باطل كم��ا ق��د بس��ط في مواض��ع

بل ما يأمر به مصلحة ال مفسدة وحسن ال قبيح وخير ال فساد وحكمة وعدل ورحمة والحمد لله رب

العالمين فإذا قدر رجالن ادعيا على الرب الرس��الة أو تولي��ا على الن��اس أو كان��ا من ع��رض الن��اس

أحدهما عام صادق عادل مصلح واآلخر جاهل ظ��الم ك��اذب مفس��د ثم ق��در أن ذل��ك الع��الم الع��ادل

عوقب في الدنيا واآلخرة فاذل في الدنيا وقه��ر وأهل��ك وجع��ل في اآلخ�رة في جهنم وذل��ك الظ��الم

الكاذب الجاهل أكرم في الدنيا واآلخرة وجعل في الدرجات العلى كان معلوم��ا باالض��طرار أن ه��ذا

نقيض الحكمة والعدل وهو أعظم سفها وظلما من تعذيب ماء البحر وماء العين فإن هذا غايته موت

شخص أو النوع وهذا أقل فسادا من إهالك خيار الخلق وتعذيبهم وإكرام شرار الخلق وإه��انتهم وإذا

كان هذا أعظم مناقضة للحكمة والعدل من غيره وتبين ب��البراهين اليقيني��ة أن ال��رب ال يج��وز علي��ه

خالف الحكمة والعدل علم باالضطرار أن الرب س��بحانه ال يس��وي بين ه��ؤالء وه��ؤالء فض��ال عن أن

فقال التسوية أنكر سبحانه وهو األخيار على األشرار اجترحوا  يفضل الذين حسب أمآمنوا كالذين نجعلهم أن السيئات

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،252.

النبواتيحكمون ما الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء تعالى  وعملوا المسلمينوقال أفنجعل

والمؤمنين  كالمجرمين مالكم كيف تحكمون رسوله ينصر ال الله أن جوز من جعل وقداآلخرة في يكرمهم الفراعنة وأن جهنم في اآلخرة في ويعذبهم واآلخرة الدنيا فيوعلمه وحكمته ارادته وإلى الرب الى بالنسبة وهذا هذا بين فرق ال عنده والمنازع

إنما والخبر اآلخر ووجوب أحدهما المتناع ال الخبر بمجرد أحدهما وقوع علم انما بلأصله وعلى صدقهم يستلزم وهو بصدقهم العلم على موقوف وذلك االنبياء خبر هو

اذ أصله على والكاذب الصادق بين الله يسوي أن يجوز فانه بصدقهم العلم يمتنععلى يجوز فال لحكمة فعال يفعل أن يجوز ال وعنده مقدور كل عنده عليه يجوز كانيقدر ال أنه يقتضى ذلك تجوبز قال وإذا صدقهم على به ليدل آية الله يخلق أن اصله

تعجيزه الى يقضي ألنه ذلك من منعت فلذلك الصادق صدق يبين به ما خلق علىيمكن ال أصلك وعلى ممكنا الصدق دليل خلق كان اذا عجزه الى يفضي انما له قيل

وأي عدمه مع ثبوته ويمتنع المدلول يستلزم الدليل فإن امكانه على الدليل إقامة

Page 128: النبوات

فعل عن تنزهه ال وأنت الكاذب يد على أصلك على يخلقه أن جاز قدرته شيءفعل فإن تناقضا هذا كان عجزه يستلزم ممكن فعل عن أنزهه قلت وإذا ممكن

ما يقال أن ذلك وبيان العجز يستلزم الممكن امتناع بل العجز يستلزم ال الممكنليس قلت فان ال أم الكاذب يد على يخلقه أن على قادر هو الصادق يد على خلقهشيء عن ينزه ال عندك فالمقدور ذلك على قادر هو قلت وان عجزه أثبت فقد بقادرعجزه أثبت قولك حقيقة كان عجزه يلزم لئال عنه أنزهه المقدور هذا قلت وإن منهالعجز اثبات بين النقيضين بين فجمعت عاجزا تجعله لئال عاجزا فجعلته عجزه نفي ال

كلها المقدورات فاستوت مقدور فعل عن الرب ينزه ال ألنه هذا لزمه وإنما ونفيهيجوز والعادة الخبر او بالعادة إال مقدور بثبوت يحكم ولم عنده عليه الجواز فيفتبين ذلك الى له طريق وال المخبر بصدق العلم على موقوف والخبر عنده انتقاضها

أن يمكنه لم والعدل بالحكمة ويصفه والسفه السوء عن الرب ينزه لم من كل أنمن طريقة فهذه اإلخبار من شيء في الرب صدق وال المعاد وال نبي نبوة يعلم

االنبياء صدق على المعجز داللة وجه يجعل

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،253.

النبوات لئال يلزم العجز وأما الطريق الثاني��ة وهي أج��ود وهي ال��تي اختاره��ا أب��و المع��الي وأمثال��ه فه��و أن دالل��ة

المعجز على التصديق معلومة باالضطرار وهذه طريقة صحيحة لمن اعتقد أن يفعل لحكمة وأما إذا قي��ل

انه ال يفعل لحكمة انتفى العلم االضطراري واالمثلة التي يذكرونها كالملك الذي جعل آي��ة لرس��وله أم��را

خارجا عن عادته انما دلت للعلم بأن الملك يفعل شيئا لشيء فإذا نفوا ه��ذا بطلت الدالل��ة وك��ذلك دلي��ل

القدرة هو دليل ص��حيح لكن م��ع إثب��ات الحكم��ة فإن��ه س��بحانه وتع��الى ق��ادر على أن يم��يز بين الص��ادق

والكاذب اذ كان قادرا على أن يهدي عباده الى ما هو أدق من هذا فهداهم الى أس��هل لكن ه��ذا يس��تلزم

اثبات حكمته ورحمته فمن لم يثبت له حكمة ورحمة امتنع علي��ه العلم بش��يء من أفعال��ه الغائب��ة وأيض��ا

فآيات االنبياء تصديق بالفعل فهي تدل اذا علم أن من صدقه الرب فهو صادق وذلك يتض��من تنزيه��ه عن

الك��ذب وعلى أص��لهم ال يعلم ذل��ك ف��إن م��ا يخلق��ه من الح��روف واألص��وات عن��دهم ه��و مخل��وق من

المخلوقات فيجوز أن يتكلم كالما يدل على شيء وقد أراد به ش��يئا آخ��ر ف��إن ه��ذا من ب��اب المفع��والت

عندهم والكالم النفسي ال سبيل ألحد الى العلم به فعلى اصلهم يجوز الكذب في الكالم المخلوق العربي

وهو الذي يستدل ب��ه الن��اس فال يبقى طري��ق الى العلم بأن��ه ص��ادق فيم��ا يخلق��ه من الكالم وله��ذا نج��د

حذاقهم في السمعيات انما يفرون الى ما علم باالضطرار من قص�د الرس�ول ال الى االس�تدالل ب�القرآن

فالقاضي أبو بكر عمدته أن يقول هذا مما وقفنا عليه الرسول وعلمنا قصده باالضطرار كم��ا يق��ول مث��ل

ذلك في تخليد أهل النار وفيما علمه من االحكام اذ كانوا ال يعتم��دون على الق��ول المس��موع ال خ��برا وال

أمرا فهم ال طريق عندهم الى التمييز بين ما يقع وما ال يقع مثل التمييز بين كونه يثيب المحسن ويعاقب

المسيء أو ال يفعله ففي الجملة جميع أفعاله من ارسال االنبياء ومجازاة العباد وقي��ام القيام��ة ال طري��ق

لهم الى العلم بذلك اال من جهة الخبر وطريق الخبر على أص�لهم مس�دود وهم يعلم�ون ص�دق الرس�ول

وصدق خبره معلوم في أنفسهم لكن يناقض أصولهم لكن مع هذا هم واقفة فيما أخبرت ب��ه الرس��ل من

الوعيد فضعف علمهم بما أخبرت به الرسل فصاروا في نقص عظيم في علمهم وايمانهم بما اخبرت ب��ه

الرسل وما أمرت به وفي أصل ثبوت الرسالة هذه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،254.

النبوات

Page 129: النبوات

السمعيات وأما العقليات فم�دارها على ح�دوث الجس�م وق�د ع�رف فس�اد أص�لهم فيه�ا فه�ذه أص�ولهم

العقلية والسمعية وهم ال يعلمون أيضا ما يفعله الرب من غ��ير الخ��بر اال من جه��ة الع��ادة والع��ادة يج��وز

عندهم نقضها بال سبب وال لحكمة ويجوزون أن تصبح الجبال بواقيت والبحار زيبقا فإذا احتج��وا بالع��ادات

فقيل لهم عندكم يجوز نقضها بال سبب وال حكمة أجابوا بأن الشيء قد يعلم جوازه ويعلم بالض��رورة أن��ه

ال يقع وهذا أيضا جمع بين النقيضين وهم يقولون العق��ل ه��و العلم بج��واز الج��ائزات وامتن��اع الممتنع��ات

ووجوب الواجبات كالعلم بأن الجبل لم ينقلب ياقوت��ا ثم يجعل��ون ه��ذا من الج��ائز على أص��لهم ليس في

األفعال ال واجب وال ممتنع بل كل مقدور فإنه جائز الوجود وجائز العدم ال يعلم أحد الطرفين اال بخ��بر أو

عادة ال بسبب يقتضيه وال حكمة تستلزمه كما ان المرجح ل��ه عن��دهم مج��رد االرادة ال بس��بب وال حكم��ة

وإذا علم جواز الشيء وعدمه ولم يعلم ما يوجب أحدهما أمتنع أن يعلم بالضرورة ثبوت أحدهما والن��اس

إنما يعلمون أن الجبال لم تنقلب بواقيت لعلمهم بأن هذا ممتن��ع وأن الل��ه اذا أراد قلبه��ا ب��واقيت أح��دث

أسبابا تقتضي ذلك فأما انقالب العادة بال سبب فهذا ممتنع عند العقالء وجميع ما خرق الله به العادة كان

السباب تقتضيه ولحكم فعل الجلها لم يكن ترجيحا بال مرجح كما يقوله هؤالء فهذا هذا وال ح��ول وال ق��وة

اال بالله ولو لم يتعلق هذا بااليمان بالرسول وبم��ا أخ��بر ب��ه الرس��ول واحتجن��ا الى ان نم��يز بين الص��حيح

والفاسد في االدلة واالصول لما ورد على ما قاله هؤالء من هذه السؤاالت لم تكن بنا حاج��ة الى كش��ف

االسرار لكن لما تكلموا في اثبات النبوة صاروا يوردون عليها أسئلة في غاية القوة والظه�ور وال يجيب�ون

عنها اال بأجوبة ضعيفة كم�ا ذكرن�ا كالمهم فص�ار ط�الب العلم واإليم�ان واله�دي من عن�دهم ال س�يما إذا

اعتقد أنهم أنصار االسالم ونظاره والقائمون ببراهينه وأدلته إذا عرف حقيقة ما عندهم لم يجد ما ذك�روه

يدل على ثبوت نبوة االنبياء بل وجده يق��دح في االنبي��اء وي��ورث الش��ك فيه��ا أو الطعن فيه��ا وأنه��ا حج��ة

لمكذب االنبياء أعظم مما هي حجة لمصدق االنبياء فافسد طري��ق االيم��ان والعلم وانفتح طري��ق النف��اق

والجهل ال سيما على من لم يعرف اال ما قالوه والذي يفهم ما قالوه ال يكون

إال فاضال قد قطع درجة الفقهاء ودرجة من قلد المتكلمين فيص��ير ه��ؤالء إم��ا من��افقين وإم��ا في قل��وبهم

مرض ويظن الظان أنه ليس في االمر على نبوة االنبياء براهين قطعي�ة وال يعلم أن ه�ذا انم�ا ه�و لجه�ل

هؤالء أصولهم الفاسدة التي بنوا عليها االستدالل وق��دحهم في اآللهي��ة وأنهم لم ي��نزهوا ال��رب عن فع��ل

شيء من الشر وال أثبتوا له حكمة وال عدال فكان ما جهلوه من آيات االنبياء إذ كان العلم بآيات الل��ه وم��ا

قصه لخلقه من الدالئل والبراهين مستلزما لثبوت علمه وحكمته ورحمته وعدله ف��إذا انتفى الالزم انتفى

الملزوم وهم في االصل انما قصدوا الرد على القدرية الذين قالوا إن الله لم يشأ ك��ل ش��يء ولم يخل��ق

أفعال العباد وهو مقصود صحيح لكن ظنوا أن هذا ال يتم إال بجحد حكمته وعدله ورحمته فغلطوا في ذلك

كما أن المعتزلة أيضا غلطوا من جهات كثيرة وظنوا أنه ال تثبت حكمته وعدله ورحمته إن لم يجحد خلقه

لكل شيء وأنه ما شاء كان وما لم يش�أ لم يكن ويجح�د اتص�افه ب�الكالم واالرادة وغ�ير ذل�ك من اق�وال

المعتزلة التي هي من أقوال ه��ؤالء ف��إن ه��ؤالء في الص��فات خ��ير من المعتزل��ة وفي االفع��ال من بعض

الوجوه ولهذا لما ظهر للغزالي ونحوه ضعف طريق االستدالل ب��المعجزات ال��ذي س��لكه ش��يوخه وه��و ال

يعرف غيره أعرض عنها وذكر أنه إنما علم ثبوت النبوة بقرائن تعج�ز عنه�ا العب�ارة وهي عل�وم ض�رورية

حصلت له على الطول وجعل الدليل على النبوة هو العلم بنأ ما جاء به حق من غير جهت��ه وه��ذه طري��ق

صحيحة قد سلك الجاحظ نحوا منها ولكن النبوة التي علمها أب�و حام�د هي النب�وة ال��تي تثبته�ا الفالس�فة

وهي من جنس المنامات ولهذا استدل على جوازها بمبدأ الطب والهندسة ونحو ذلك وأم��ر النب��وة أعظم

من هذا بكثير وتلك النب��وة موج��ودة لخل��ق من الن��اس فله��ذا ال يوج��د للنب��وة م��ا تس��تحقه من التص��ديق

واالحترام وال يعتمدون عليها في استفادة شيء من العلم الخبري وهي اإلنباء بالغيب وهي خاص��ة النب��وة

والرازي كالمه في النبوة متردد بين نبوة الفالسفة ونب��وة اص�حابه ه�ؤالء كم�ا ت�رى وليس في واح�د من

الطريقين إثبات النبوة التي خص الله بها أنبياءه فلهذا ضعفت معرفة ه��ؤالء باألنبي��اء وض��عف أخ��ذ العلم

من طريقهم ال سيما وقد عارضوا كثيرا مما جاء عنهم بالعقليات ودخلوا فيما

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،256.

النبوات

Page 130: النبوات

هو أبعد عن الهدى والعلم من العقليات والذوقيات التي من سلكها ضل ضالال بعيدا وإنما ينجو من س��لك

منها شيئا إذا لطف الله فعرفه السلوك خلف طريق االنبياء فمن لم يهتد بما جاءت به االنبي��اء فه��و أبع��د

الهدى يؤمنون  الناس عن وآياته الله بعد حديث فبأي بالحق عليك نتلوها الله آيات تلكفبشره يسمعها لم كأن مستكبرا يصر ثم عليه تتلى الله آيات يسمع أثيم افاك لكل ويل

مهين عذاب لهم أولئك هزؤا اتخذها شيئا آياتنا من علم وإذا أليم لهم  بعذاب قيل وإذايؤمنون بعده حديث فبأي للمكذبين يومئذ ويل يركعون ال وأنتم  اركعوا تكفرون وكيف

مستقيم صراط الى هدي فقد بالله يعتصم ومن رسوله وفيكم الله آيات عيكم ولهذاتتلى

اعترف الرازي بهذا في آخر مصنفاته حيث قال ولقد ت��أملت الط��رق الكالمي��ة والمن��اهج الفلس��فية فم��ا

االثبات في اقرأ القرآن الطرق طريقة أقرب ورأيت غليال تروي وال عليال تشفي يصعد  رأيتها اليهالطيب استوى  الكلم العرش على النفي الرحمن في شيء  وأقرأ كمثله وال  ليس

علما به فيمايحيطون هو هؤالء بكالم االنتفاع وأكثر معرفتي مثل عرف تجربتي مثل جرب ومن

يثبتونه من فساد أقوال سائر الطوائف وتناقضها وك�ذلك كالم عام�ة طوائ�ف المتكلمين ينتف�ع بكالم ك�ل

طائفة في بيان فساد قول الطائفة االخرى ال في معرف��ة م��ا ج��اء ب��ه الرس��ول فليس في طوائ��ف أه��ل

االهواء والبدع من يعرف حقيقة ما جاء به الرسول ولكن يعرف كل طائفة منه ما يعرف��ه فليس��وا كف��ارا

جاحدين له وليسوا عارفين به % فلقد عرفت وما عرفت حقيق��ة % ولق��د جهلت وم��ا جهلت خم��وال %

وبس�����ط ه�����ذه االم�����ور ل�����ه موض�����ع آخ�����ر ولكن نبهن�����ا هن�����ا على طري�����ق الحكم�����ة

  وإذا عرفت حكمة الرب وعدله تبين أنه إنما يرسل من اصطفاه لرسالته واختاره لها كما قال ) فصل (الناس ومن رسال المالئكة من يصطفي قال لموسى الله لما  وكما فاستمع اخترتك وأنا

وأنه إذا أبلغ الرسالة وقام بالواجب وصبر على تكذيب المكذبين وأذاهم كما مضت به سنته في يوحى

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،257.

النبواتأتواصوا  الرسل قال مجنون أو ساحر قالوا إال رسول من قبلهم من الذين أتى ما كذلك

طاغون قوم هم بل ربك  وقال تعالى به إن قبلك من للرسل قيل قد ما إال لك يقال ماأليم عقاب وذو مغفرة تعالى لذو وعاد  وقال نوح قوم قبلكم من الذين نبأ يأتكم ألم

في ايديهم فردوا بالبينات رسلهم جاءتهم الله اال يعلمهم ال بعدهم من والذين وثمودقالت مريب اليه تدعوننا مما شك لفي وإنا به أرسلتم بما كفرنا إنا وقالوا أفواهم

ويؤخركم ذنوبكم من لكم ليغفر يدعوكم واالرض السماوات فاطر شك الله أفي رسلهمفأتونا آباؤنا يعبد كان عما تصدونا أن تريدون مثلنا بشر إال أنتم إن قالوا مسمى أجل الىيشاء من على يمن الله ولكن مثلكم بشر إال نحن إن رسلهم لهم قالت مبين بسلطان

وما المؤمنون فليتوك الله وعلى الله باذن إال بسلطان نأتيكم أن لنا كان وما عباده منفليتوكل الله وعلى آذيتمونا ما على ولنصبرن سبلنا هدانا وقد الله على نتوكل أال لنا

فأوحى ملتنا في لتعودن أو أرضنا من لنخرجنكم لرسلهم كفروا الذين وقال المتوكلونمقامي خاف لمن ذلك بعدهم من االرض ولنسكننكم الظالمين لنهلكن ربهم اليهم

صديد ماء من ويسقى جهنم ورائه من عنيد جبار كل وخاب واستفتحوا وعيد وخافغليظ عذاب ورائه ومن بميت هو وما مكان كل من الموت ويأتيه يسيغه يكاد وال يتجرعه

الى سائر ما أخبر به من أحوال الرسل والرسل صادقون مصدقون من عند الله يخبرون بالحق ويأمرون

بالعدل ويدعون الى عبادة الله وحده ال شريك له وأهل الكذب المدعون للنبوة ضد هؤالء ك�اذبون ي�أتيهم

الشياطين الكاذبون يأمرون بما نهى الله عنه وينهون عما أمر الله ب�ه ف�إنهم ال ب�د أن ي�أمروا بتص�ديقهم

واعتقاد نبوتهم وطاعتهم وذلك مما نهى الله عنه وال بد أن ينهوا عن متابعة من يك��ذبهم ويع��اديهم وذل��ك

مما أمر الله به فإنه يمتنع في حكمة الرب وعدله أن يس��وي بين ه��ؤالء خي��ار الخل��ق وبين ه��ؤالء ش��رار

الخلق ال في سلطان العلم وبراهينه وأدلته وال في سلطان النصر والتأييد بل يجب في حكمت��ه أن يظه��ر

اآليات والبراهين الدالة على صدق هؤالء وينصرهم ويؤيدهم ويعزهم ويبقى لهم س��لطان الص��دق ويفع��ل

ذلك بمن اتبعهم وان يظهر اآليات المبينة لكذب أولئك ويذلهم

Page 131: النبوات

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،258.

النبوات ويخزيهم ويفعل ذلك بمن اتبعهم كما قد وقع في هؤالء وهؤالء وقد دل الق��رآن على االس��تدالل به��ذا في

غير موضع واالدلة والبراهين كما تق��دم نوع��ان ن��وع ي��دل بمج��رده بحيث يمتن��ع وج��وده غ��ير دال كدالل��ة

حدوث الحادث على محدث فهذا يدل بمجرده وان قدر أن أحدا لم يقصد الداللة به لكن الرب بكل شيء

عليم وهو مريد لخلق ما خلقه ولصفاته لكن ال يشترط في االستدالل بهذا أن يعلم أن داال قص��د أن ي��دل

به والنوع الثاني ما هو دليل بقصد الدال وجعله فهذا لوال القصد وجعله دليال لم يكن دليال فهو انم��ا قص��د

به الداللة فهذا مقصوده مجرد الداللة وذلك بمجرده هو الدليل وه��ذا ك��الكالم ال��ذي ي��دل بقص��د المتكلم

وغير ذلك مثل االشارة ب�الرأس والعين والح�اجب والي�د ومث�ل الكتاب�ة ومث�ل العق�د ومث�ل األعالم ال�تي

نصبت على الطرق وجعلت عالمة على حدود االرض وغير ذلك ومن ذلك العالمات التي يبعثه��ا الش��خص

مع رسوله ووكيله إلى أهله سواء كان ق�د تواط�أ معهم عليه�ا مث�ل أن يق�ول عالمت�ه أن يض�ع ي�ده على

ترقوته أو يضع خنصره في خنصره ونحو ذلك أو كانت عالمة قصد بها اإلعالم من غير تقدم مواطأة مث��ل

إعطائه عمامته أو نعليه كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم عمامته عالمة على والي��ة قيس بن س��عد

وعزل أبيه عن اإلمارة يوم الفتح وكما أعطى أبا هريرة نعليه عالمة على ما أرسله به وكما يعطي الرجل

لرسوله خاتمه ونحو ذلك فهذه الدالئل دلت بالقصد والجعل وقد كان يمكن أن ال تجع��ل دليال ف��اذا ك��انت

آيات االنبياء من هذا الجنس فهي إنما تدل م�ع قص�د ال�رب الى جعله�ا دليال وجعل�ه له�ا دليال ب�أن يجع�ل

المدلول الزما له�ا فك�ل من ظه�رت على ي�ده ك�ان نبي�ا ص�ادقا ف�إن ال�دليل ال يك�ون دليال إال م�ع كون�ه

مستلزما للمدلول فيمتنع أن يكون دليال اذا وجد معه عدم المدلول أو وج�د ض�د الم�دلول فآي�ات االنبي�اء

الدالة على صدقهم يمتنع وجودها بدون صدق النبي ووجودها مع مدعي النبوة كاذبا أعظم استحالة فإنه��ا

اذا كانت ممتنعة م�ع ع�دم نب�وة ص�ادقة وإن لم تكن هن�اك نب�وة كاذب�ة فم�ع الكاذب�ة أش�د امتناع�ا فهي

مستلزمة للنبوة ال تكون مع عدم النبوة البتة والكاذب قد عدمت في حقه النب��وة ووج��د في حق��ه ض��دها

وهو الكذب في دعواها يمتنع كونه نبيا صادقا فيمتنع أن يخل��ق ال��رب م�ا ي�دل على ص�دق االنبي��اء ب�دون

صدقهم المتناع

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،259.

النبوات وجود الملزوم دون الزمه ومع كذبهم المتناع وجود الشيء مع ضده والكذب ضد الصدق فيمتنع أن يكون

قوله أنا نبي صدقا وكذبا فاذا استلزم الصدق امتنع وجود الكذب وخل��ق دلي��ل الص��دق م��ع ع��دم الص��دق

ممتنع غير مقدور لكن الممكن المقدور أن ما جعله دليال على الص�دق يخلق�ه ب�دون الص�دق فيك�ون ق�د

خلقه وليس بدليل حينئذ ويمكن أن يخلق على يد الكاذب ما يدل انه دليل على صدقه وليس بدليل مث��ل

خوارق السحرة والكهان كما كان يجري لمسيلمة والعنسي وغيرهم��ا لكن ه��ذه ليس��ت دليال على النب��وة

لوجودها معتادة لغير االنبياء وليست خارقة لعادة غير االنبياء بل هي معتادة للسحرة والكه��ان فالتفري��ط

ممن ظنها دليال ال سيما وال بد أن تكون دليال على كذب صاحبها فإن الش��ياطين ال تق�ترن إال بك��اذب كم�ا

أثيم  قال تعالى أفاك كل على تنزل الشياطين تنزل من على أنبئكم وال يجوز أن يظهرهل

الرب ما جعله دليال للنبوة مع عدم النبوة كما أنه ال يجوز أن يتكلم بالكالم الذي جعله لبي��ان مع��ان ب��دون

إرادة تلك المعاني بل ذلك ممتنع من وجوه من جهة حكمت��ه ومن جه��ة عادت��ه ومن جه��ة عدل��ه ورحمت��ه

ومن جهة علمه وإعالمه وغير ذلك كما قد بسط في مواضع ومن جهة قدرته أيضا فإن��ه ق��ادر على ه��دي

عبادة وتعريفهم وذلك إنما يكون بتخصيص الصادق بما يستلزم صدقه فاذا ما سوي بين الصادق والكاذب

فإنه يمتنع التعريف والممتنع ليس بمقدور فقدرته تقتضي خلق الفرق وقد يق��ال ه��و ق��ادر لكن ال يفع��ل

مقدوره فيقال فعله له ممكن وال يمكن إال على هذا الوجه فيكون ق��ادرا على ه��ذا الوج��ه ف��إن قي��ل ه��و

قادر ولكن ال يفعله قيل إن أريد أنه يمتنع فه��ذا باط��ل وإن أري��د أن��ه يمكن فعل��ه ولكن ال يفعل��ه لم يكن

Page 132: النبوات

على هذا النفي دليل بل وجوده يدل على أنه فعله وأيضا فأفعال ال��رب إم��ا واجب��ة وإم��ا ممتنع��ة وإذا لم

يكن ممتنعا تعين أنه واجب وأنه قد فعله وهذا قد فعله وهذا مبسوط في غير هذا الموضع والمقصود هنا

أن هذا كله يستلزم أن الرب منزه عن أن يفعل بعض االمور الممكنة المقدورة لكون ذلك يستلزم أم��را

يناقض حكمته ولكون فعل الشيء ال يكون إال مع لوازمه وانتفاء أضداده فيمتنع فعله بدون لوازمه أو م�ع

ضده كما يمتنع جعل الدليل دليال مع وجوده بال مدلول أو مع وجود

النبوات ضد المدلول معه والذين قالوا يجوز منه فعل كل شيء وال ينزه عن شيء يتعذر على أصلهم وجود دليل

جعلي قصدي ال الكالم وال الفعال فيمتنع على أصلهم كون كالم الرب يدل على مراده أو كون آياته ال��تي

قصد بها الداللة على صدق االنبياء أو غيرهم تدل ألنه يقدر أن يفعل ذلك وغير ذل��ك كم��ا يق��در أن يظه��ر

على يد الكاذب ما أظهره على يد الصادق وهم يقولون المعجزة هي الخ�ارق المق�رون بالتح�دي بالمث�ل

وعدم المعارضة وهذا يقدر على إظهاره على يد الصادق فمن سوى بين جميع االم�ور وجع��ل إرادت�ه له��ا

سواء لم يفرق بين هذا وهذا فقالوا نحن نستدل على أنه لم يظهرها على يد الكاذب بأن��ه ل��و فع��ل ذل��ك

لبطلت قدرته على تصديق الصادقين باآليات فإنه إنما يستدل على صدقهم باآليات فلو أظهره��ا على ي��د

الكاذب لم يبق قادرا هذه عمدة أكثرهم وعليها اعتمد القاضي أبو بك�ر في كت�اب المعج�زات فيق�ال لهم

هذا ال يبطل قدرته على ذلك ولكن هذا يوجب أنه لم يفعل المقدور فيلزم من ذلك أنه سوى بين الصادق

والكاذب ولم يبين صدقه وهذا مقدور ممكن وكل مقدور ممكن فه��و عن��دكم ج��ائز علي��ه فلم يكن الالزم

رفع قدرته بل الالزم أنه لم يفعل مقدوره وهذا ج��ائز عن��دكم ومم��ا يوض��ح ه��ذا أن يق��ال ه��و ق��ادر على

إظهار ذلك على يد الكاذب أم ال فإن قلتم ليس بقادر أبطلتم قدرت��ه وإن قلتم ه��و ق��ادر فثبت أن��ه ق��ادر

على إظهار ذلك على يد الصادق والكاذب فبقي مش��تركا ال يخص أح��دهما فال يك��ون حينئ��ذ دليال فمج��رد

القدرة لم يوجب اختصاص الصادق به وان قلتم ال يقدر على إظهاره على يد الكاذب فق�د رفعتم الق�درة

فأنتم بين أمرين إن أثبتم القدرة العامة فال اختصاص لها وإن نفيتم القدرة على أحدهما بطل اس��تداللكم

بشمول القدرة وأيضا فالقدرة إنما تكون على ممكن وعلى أصلكم ال يمكن تصديق الصادق فهم استدلوا

بمقدمتين وكالهما باطلة قالوا لو لم يكن دليال رفع القدرة وه�ذا باط�ل ب�ل يل�زم أن�ه لم يفع�ل المق�دور

وهذا جائز عندهم فال يجب عندهم شيء من األفعال ثم قالوا وهو قادر على ذلك وعلى أصلهم ليس ه��و

بقادر على ذلك فإنهم قالوا يمكنه تصديق االنبياء بالفعل كما يمكنه التص��ديق ب��القول فيق��ال لهم كالهم��ا

يدل بالقصد والجعل وهذا إنما يكون ممن يقصد أن يفعل الشيء ليدل وعندكم هو ال يفعل ش��يئا لش��يء

فيلزم على

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،261.

النبوات أصلكم أن ال يفعل شيئا الجل أنه يدل به عباده ال فعال وال كالما إذ كان هذا عندكم ممتنعا وهو فعل شيء

لمقصود آخر غير فعله واذا كان هذا ممتنعا عندكم لم يكن مقدورا فال يقدر على أصلكم أن ينصب لعباده

دليال ليدلهم به على شيء بل هذا عندهم فعل لغ�رض وه�و ممتن�ع علي�ه وإن قلتم ه�و وأن لم يقص�د أن

يفعل شيئا لحكمة لكن قد يفعل الشيئين المتالزمين فيستدل بأحدهما على اآلخر قيل هذا إنما يكون بع��د

أن يثبت التالزم وأن أحدهما مستلزم لآلخر وهذا معلوم فيما يدل بمجرده فإنه يمتنع وجوده بدون الزم��ه

إما ما يدل بالجعل والقصد فيمكن وجوده بدون ما جعل مدلوال له واللزوم إنما يكون بالقصد وهو عندكم

يمتنع أن يفعل شيئا الجل شيء فبطلت االدلة القصدية على أصلكم وهي أخص بالداللة من غيرها وله��ذا

ال يكادون يستدلون بكالم الله بل يعتمدون في السمعيات إما على ما علم بالضرورة أو االجماع وحقيق��ة

األمر أن األدلة الجعلية القصدية ال ب�د فيه�ا من إرادة ال�رب ومش�يئته أن تك�ون أدل�ة فال ب�د أن يري�د أن

يجعل هذا الفعل ليدل وهم ال يجوزون أن يريد شيئا لشيء بل كل مخلوق هو عندهم مراد من نفس��ه لم

يرد لغيره فامتنع أن يكون يريد الرب جعل شيء دليال على أصلهم فتبين أنه على أصلهم غ��ير ق��ادر على

Page 133: النبوات

نصب ما يقصد به داللة العباد وهدايتهم وإعالمهم ال قول وال فع��ل فبطلت المقدم��ة الك��برى وبتق��دير أن

يكون قادرا على ذلك فهو إذا أظهر على يد الكاذب ما يظهر على يد الصادق كان لم يفعل ه��ذا المق��دور

ولم يجعل ذلك دليال على الصدق ال يلزم أن ال يكون قادرا فهم اعتمدوا على هذه الحجة وقالوا ه��ذا ه��ذا

وهذا هذا فقد تبين أن من لم يثبت حكمة الرب يلزمه نفي إرادته ومشيئته كما تق��دم ويلزم��ه أيض��ا نفي

قدرته على أن يفعل شيئا لشيء فال يمكنه أن ينصب دليال لي��دل ب��ه عب��اده على ص��دق ص��ادق وال ك��ذب

كاذب وهم يقولون من فعل شيئا لحكمة دليل على حاجته ونقصه ألنه فعل لغرض والغرض ه��و الش��هوة

وذلك يتضمن الحاجة وهذا بعينه يق��ال في اإلرادة أن من أراد فإنم��ا يري��د لغ��رض وش��هوة فق��ولهم بنفي

الحكمة يتضمن نفي االرادة ونفي القدرة وقد بسط هذا في غير هذا الموض��ع وبين أن من نفى الحكم��ة

يلزمه نفي االرادة ومن نفى االرادة يلزمه نفي فعل الرب ونفي األحداث ومن نفى

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،262.

النبوات ذلك يلزمه امتناع حدوث حادث في الوج��ود وأن أثب��ات الحكم��ة الزم لك��ل طائف��ة على أي ق��ول

قالوه كما قد بسط في غير هذا الموضع إذ المقصود التنبيه على أن أثبات آيات االنبي��اء واالس��تدالل

بكالم الله وآياته التي أراد أن يدل بها عباده بدون إثبات حكمته ممتنع ولهذا اض��طرب كالم من نفى

حكمته في آيات االنبياء وفي كالم الرب سبحانه وهي اآليات التي بعثت بها االنبياء القولي�ة والفعلي�ة

واضطربوا في االستدالل على ما جاءت به االنبياء كم��ا ق��د نب��ه علي��ه والل��ه س��بحانه وتع��الى أعلم

وأما االستدالل بسنته وعادته فهو أيضا طريق برهاني ظ��اهر لجمي��ع الخل��ق وهم متفق��ون) فصل (

عليه من يقول بالحكمة ومن يقول بمجرد المشيئة فإنه قد علم عادته سبحانه في طل��وع الش��مس

والقمر والكواكب والشهور واالعوام وعادته في خلق االنسان وغ�يره من المخلوق�ات وعادت�ه فيم�ا

عرفه الناس من المط��اعم والمش��ارب واألغذي��ة واألدوي��ة ولغ��ات االمم ك��العلم بنح��و كالم الع��رب

وتصريفه والعلم بالطب وغير ذلك كذلك سنته تعالى في االنبياء الص��ادقين وأتب��اعهم وفيمن ك��ذبهم

أو كذب عليهم فأولئك ينصرهم ويع��زهم ويجع��ل لهم العاقب��ة المحم��ودة واآلخ��رون يهلكهم وي��ذلهم

ويجعل لهم العاقبة المذمومة كما فعل بقوم نوح وبعاد وثمود وقوم لوط واص��حاب م��دين وفرع��ون

وقومه وكما فعل بمن كذب محمدا من قومه ق�ريش ومن س�ائر الع�رب وس�ائر االمم غ�ير الع�رب

أنهم  وكما فعل من نصر أنبيائه وأتباعهم قال تعالى المرسلين لعبادنا كلمتنا سبقت ولقدالغالبون لهم جندنا وان الحياة  وقال المنصورون في آمنوا والذين رسلنا لننصر انا

األشهاد يقوم ويوم تعالى الدنيا قائم  وقال منها عليك نقصه القرى أنباء من ذلكمن يدعون التي آلهتهم عنهم أغنت فما أنفسهم ظلموا ولكن ظلمناهم وما وحصيد

تتبيب غير زادوهم وما ربك أمر جاء لما شيء من الله يكذبوك  وقال تعالى دون وإنمدين وأصحاب لوط وقوم ابراهيم وقوم وثمود وعاد نوح قوم قبلهم كذبت فقد

نكير كان فكيف أخذتهم ثم للكافرين فأمليت موسى يسيروا  وقال تعالى وكذب أولمقوة منهم أشد كانوا قبلهم من الذين عاقبة كان كيف فينظروا االرض في

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،263.

النبوات وأثاروا االرض وعمروها اكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما ك��ان الل��ه ليظلمهم ولكن

ك��انوا أنفس��هم يظلم��ون ثم ك��ان عاقب��ة ال��ذين أس��اءوا الس��وءى أن ك��ذبوا بآي��ات الل��ه وك��انوا به��ا

تعالى  يستهزئون أولم يسيروا في االرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهموقال

كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في االرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الل��ه من واق ذل��ك

العقاب شديد قوي إنه الله فأخذهم فكفروا بالبينات رسلهم تأتيهم كانت تعالى  بأنهم وقال

Page 134: النبوات

كذبت قبلهم قوم نوح واالح��زاب من بع��دهم وهمت ك��ل أم��ة برس��ولهم ليأخ��ذوه وج��ادلوا بالباط��ل

تعالى  ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب أفلم يسيروا في االرض فينظروا كيفوقال

كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآث��ارا في االرض فم��ا أغ��نى عنهم م��ا ك��انوا

يكسبون فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يس��تهزئون

فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا ب��ه مش��ركين فلم ي��ك ينفعهم إيم��انهم لم��ا رأوا

تعالى  بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ولو قاتلكم الذينوقال

كفروا لولوا األدبار ثم ال يجدون وليا وال نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تج�د لس��نة الل��ه

تعالى  تبديال أهدى من إحدى األمموقال ليكونن نذير أيمانهم لئن جاءهم بالله جهد واقسموا

فلما جاءهم نذير ما زادهم إال نفورا استكبارا في االرض ومكر الس��يء وال يحي��ق المك��ر الس��يء إال

تحويال الله تجد لسنة تبديال ولن الله تجد لسنة فلن االولين إال سنة ينظرون وقال  بأهله فهل قليال تعالى إال خالفك يلبثون ال وإذا منها ليخرجوك االرض من ليستفزونك كانوا وقال  وإن أنتعالى ولوال خليال التخذوك وإذا غيره علينا لتفتري إليك أوحينا الذي ليفتنونك عن كادوا وان

ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليال اذا ألذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم ال تجد لك علين��ا

سنته  نصيرا فهذه لعاقبة عليه افترى لو أنه تبين الشورى وآية الحاقة آية قيل وقدبنظيره الشيء اعتبار هو وعادته بسنته االستدالل وحقيقة الكاذبين في

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،264.

النبوات وأثاروا االرض وعمروها اكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما ك��ان الل��ه ليظلمهم ولكن

ك��انوا أنفس��هم يظلم��ون ثم ك��ان عاقب��ة ال��ذين أس��اءوا الس��وءى أن ك��ذبوا بآي��ات الل��ه وك��انوا به��ا

تعالى  يستهزئون أولم يسيروا في االرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهموقال

كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في االرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الل��ه من واق ذل��ك

العقاب شديد قوي إنه الله فأخذهم فكفروا بالبينات رسلهم تأتيهم كانت تعالى  بأنهم وقال كذبت قبلهم قوم نوح واالح��زاب من بع��دهم وهمت ك��ل أم��ة برس��ولهم ليأخ��ذوه وج��ادلوا بالباط��ل

تعالى  ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب أفلم يسيروا في االرض فينظروا كيفوقال

كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآث��ارا في االرض فم��ا أغ��نى عنهم م��ا ك��انوا

يكسبون فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يس��تهزئون

فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا ب��ه مش��ركين فلم ي��ك ينفعهم إيم��انهم لم��ا رأوا

تعالى  بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ولو قاتلكم الذينوقال

كفروا لولوا األدبار ثم ال يجدون وليا وال نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تج�د لس��نة الل��ه

تعالى  تبديال أهدى من إحدى األمموقال ليكونن نذير أيمانهم لئن جاءهم بالله جهد واقسموا

فلما جاءهم نذير ما زادهم إال نفورا استكبارا في االرض ومكر الس��يء وال يحي��ق المك��ر الس��يء إال

تحويال الله تجد لسنة تبديال ولن الله تجد لسنة فلن االولين إال سنة ينظرون وقال  بأهله فهل قليال تعالى إال خالفك يلبثون ال وإذا منها ليخرجوك االرض من ليستفزونك كانوا وقال  وإن أنتعالى ولوال خليال التخذوك وإذا غيره علينا لتفتري إليك أوحينا الذي ليفتنونك عن كادوا وان

ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليال اذا ألذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم ال تجد لك علين��ا

سنته  نصيرا فهذه لعاقبة عليه افترى لو أنه تبين الشورى وآية الحاقة آية قيل وقدبنظيره الشيء اعتبار هو وعادته بسنته االستدالل وحقيقة الكاذبين في

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،264.

النبوات

Page 135: النبوات

 وهو التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين وهو االعتبار المامور به في القرآن كقول��ه تع��الى

مثليهم يرونهم كافرة وأخرى الله سبيل في تقاتل فئة التقتا فئتين في آية لكم كان قداالبصار ألولي لعبرة ذلك في إن يشاء من بنصره يؤيد والله العين هو  وقال تعالى رأي

يخرجوا أن ظننتم ما الحشر الول ديارهم من الكتاب أهل من كفروا الذين أخرج الذيفي وقذف يحتسبوا لم حيث من الله فأتاهم الله من حصونهم مانعتهم أنهم وظنوااالبصار أولي يا فاعتبروا المؤمنين وأيدي بأيديهم بيوتهم يخربون الرعب وقالقلوبهم

االلباب  تعالى الولي عبرة قصصهم في كان والتمثيل كمالقد بالقياس به العبرة تكون وإنما

قال ابن عباس في دية االصابع هن سواء واعتبروها بدية االسنان فإذا عرفت قصص االنبي��اء ومن اتبعهم

ومن كذبهم وأن متبعيهم كان لهم النجاة والعافية والنصر والسعادة ولمكذبيهم الهالك والبوار جعل االم��ر

في المستقبل مثلما كان في الماضي فعلم أن من صدقهم كان سعيدا ومن كذبهم كان شقيا وهذه س�نة

من  الله وعادته ولهذا يقول سبحانه في تحقيق عادته وسنته وأنه ال ينقضها وال يبدلها خير أكفاركمالزبر في براءة لكم أم معأولئكم العذاب من ينجون فكيف منهم خيرا يكونوا لم فاذا يقول

الزبر  مماثلتهم لهم هذا بطريق االعتبار والقياس ثم قال في براءة لكن أي معكم خبر من اللهأم

قولهم ذكر ثم والسمعي العقلي الدليلين فنفي يعذبكم ال منتصر  بأنه جميع مننحن نغلب وانا

الدبر  يغالبنا فقال تعالى ويولون الجمع وهذا مما أنبأه من الغيب في حال ضعف االسالمسيهزم

حسبتم  واستبعاد عامة الناس ذلك ثم كان كما أخبر وقد قال للمؤمنين في تحقيق سنته وعادته أموزلزلوا والضراء البأساء مستهم قبلكم من خلوا الذين مثل يأتكم ولما الجنة تدخلوا أن

قريب الله نصر ان أال الله نصر متى معه آمنوا والذين الرسول يقول  وقال لمحمد حتى

قبلك من للرسل قيل قد ما اال لك يقال من  وقال ما قبلهم من الذين أتى ما كذلكطاغون قوم هم بل به أتواصوا مجنون أو ساحر قالوا إال وقال تعالى رسول

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،265.

النبوات  وهو التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين وهو االعتبار المامور به في القرآن كقول��ه تع��الى

مثليهم يرونهم كافرة وأخرى الله سبيل في تقاتل فئة التقتا فئتين في آية لكم كان قداالبصار ألولي لعبرة ذلك في إن يشاء من بنصره يؤيد والله العين هو  وقال تعالى رأي

يخرجوا أن ظننتم ما الحشر الول ديارهم من الكتاب أهل من كفروا الذين أخرج الذيفي وقذف يحتسبوا لم حيث من الله فأتاهم الله من حصونهم مانعتهم أنهم وظنوااالبصار أولي يا فاعتبروا المؤمنين وأيدي بأيديهم بيوتهم يخربون الرعب وقالقلوبهم

االلباب  تعالى الولي عبرة قصصهم في كان والتمثيل كمالقد بالقياس به العبرة تكون وإنما

قال ابن عباس في دية االصابع هن سواء واعتبروها بدية االسنان فإذا عرفت قصص االنبي��اء ومن اتبعهم

ومن كذبهم وأن متبعيهم كان لهم النجاة والعافية والنصر والسعادة ولمكذبيهم الهالك والبوار جعل االم��ر

في المستقبل مثلما كان في الماضي فعلم أن من صدقهم كان سعيدا ومن كذبهم كان شقيا وهذه س�نة

من  الله وعادته ولهذا يقول سبحانه في تحقيق عادته وسنته وأنه ال ينقضها وال يبدلها خير أكفاركمالزبر في براءة لكم أم معأولئكم العذاب من ينجون فكيف منهم خيرا يكونوا لم فاذا يقول

الزبر  مماثلتهم لهم هذا بطريق االعتبار والقياس ثم قال في براءة لكن أي معكم خبر من اللهأم

قولهم ذكر ثم والسمعي العقلي الدليلين فنفي يعذبكم ال منتصر  بأنه جميع مننحن نغلب وانا

الدبر  يغالبنا فقال تعالى ويولون الجمع وهذا مما أنبأه من الغيب في حال ضعف االسالمسيهزم

حسبتم  واستبعاد عامة الناس ذلك ثم كان كما أخبر وقد قال للمؤمنين في تحقيق سنته وعادته أموزلزلوا والضراء البأساء مستهم قبلكم من خلوا الذين مثل يأتكم ولما الجنة تدخلوا أن

قريب الله نصر ان أال الله نصر متى معه آمنوا والذين الرسول يقول  وقال لمحمد حتى

قبلك من للرسل قيل قد ما اال لك يقال من  وقال ما قبلهم من الذين أتى ما كذلكطاغون قوم هم بل به أتواصوا مجنون أو ساحر قالوا إال وقال تعالى رسول

Page 136: النبوات

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،265.

النبواتمثل   قبلهم من الذين قال كذلك آية تأتينا أو الله يكلمنا لوال يعلمون ال الذين وقال

وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لتركبن سنن من كانقولهم

قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه قالوا يا رس��ول الل��ه اليه��ود والنص��ارى ق��ال

نعم وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم أن��ه ق��ال

ليأخذن أمتي ما أخذ االمم قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع قالوا يا رس�ول الل�ه ف�ارس وال�روم ق�ال ومن

الناس إال هؤالء وفي السنن لما قال به بعض أصحابه أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ق��ال الل��ه

أكبر قلتم كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ثم قال انه السنن لتركبن سنن من كان قبلكم

تعالى عاقبة  وقال كان كيف فانظروا االرض في فسيروا سنن قبلكم من خلت قدشعيب المكذبين كقول الرسل مكذبي في وعادته الله بسنة احتج من احتج ال  ولهذا قوم ويا

قوم وما صالح قوم أو هود قوم أو نوح قوم أصاب ما مثل يصيبكم أن شقاقي يجرمنكمببعيد منكم مثل  وقال مؤمن آل فرعون لوط االحزاب يوم مثل عليكم أخاف إني قوم يا

للعباد ظلما يريد الله وما بعدهم من والذين وثمود وعاد نوح قوم كدأب  وقال تعالى دأبقبلهم من والذين فرعون لن  والدأب العادة في ثالثة مواضع قال تعالى آل كفروا الذين إن

فرعون آل كدأب النار وقود هم وأولئك شيا الله من أوالدهم وال أموالهم عنهم تغنيالعقاب شديد والله بذنوبهم الله فأخذهم بآياتنا كذبوا قبلهم من قال ابن قتيبة وغيرهوالذين

الدأب العادة ومعناه كعادة آل فرعون يريد كفر اليهود كل فريق بنبيهم وقال الزجاج هو االجتهاد أي دأب

هؤالء وهو اجتهادهم في كفرهم وتظ��اهرهم على الن��بي كتظ��اهر آل فرع��ون على موس��ى وق��ال عط��اء

والكسائي وأبو عبيدة كسنة آل فرعون وقال النضر بن شميل كعادة آل فرعون يريد عادة ه��ؤالء الكف��ار

في تكذيب الرسل وجحود الحق كعادة آل فرعون وقال طائفة نظم اآلية أن الذين كفروا لن تغ��ني عنهم

أموالهم وال أوالدهم عند حلول النقمة والعقوبة مثل آل فرعون وكفار االمم الخالية أخذناهم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،266.

النبوات فلن تغني عنهم أموالهم وال أوالدهم وفي تفس��ير أبي روق عن الض��حاك عن ابن عب��اس ك��دأب فرع��ون

قال كصنيع آل فرعون قال ابن أبي حاتم وروى عن مجاهد والضحاك وأبي مالك وعكرمة نحو ذل��ك ق��ال

وروي عن الربيع بن أنس كشبه آل فرعون وعن السدي قال ذك�ر ال�ذين كف�روا كمث�ل ال�ذين من قبلهم

في التكذيب والجحود قلت فهؤالء جعلوا الشبيه في العمل فإن لفظ الدأب يدل عليه قال الجوهري دأب

فالن في عمله أي جد وتعب دأبا ودءوبا فهو دئب وأدأبته أنا وال��دائبان اللي��ل والنه��ار ق�ال وال��دأب يع��ني

بالتسكين العادة والشأن وقد يحرك قال الفراء أص�له من دأبت إال أن الع�رب ح�ولت معن�اه إلى الش�أن

قلت الزجاج جعل ما في الق�رآن من ال�دأب ال�ذي ه�و االجته�اد والص�واب م�ا قال�ه الجمه�ور أن ال�دأب

بالتسكين هو العادة وهو غير الدأب بالتحري�ك إذا زاد اللف�ظ زاد المع�نى وال��ذي في الق�رآن مس�كن م�ا

علمنا أحدا قرأه بالتحريك وهذا معروف في اللغة يقال فالن دأبه كذا وكذا أي هذا عادت��ه وعمل��ه المالزم

تعالى قوله ومنه واجتهاد تعب ذلك في يكن لم وإن دائبين  له والقمر الشمس لكم وسخر والدائب نظير الدائم والباء والميم متقاربان ومنه الالزب والالزم قال ابن عطية دائبين أي متماديين ومنه

قول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الجمل الذي بكى وأجهش الي��ه ان ه��ذا الجم��ل ش��كا إلي أن��ك

تجيعه وتدئبه أي تديمه في العمل له والخدمة قال وظاهر اآلية أن معناه دائبين في الطلوع والغروب وما

بينهما من المنافع للناس التي ال تحصى كثرة ق��ال وحكى الط��بري عن مقات��ل بن حي��ان يرفع��ه الى ابن

عباس أنه قال معناه دائبين في طاعة الله قال وهذا قول ان كان يراد ب��ه أن الطاع��ةانقيادهما للتس��خير

فذلك موجود في طاعة قوله وسخر وإن كان يراد أنها طاع�ة مق�دورة كطاع�ة العب��ادة من البش��ر فه��ذا

Page 137: النبوات

بعيد قلت ليس هذا ببعيد بل عليه دلت االدلة الكث��يرة كم��ا ه��و م��ذكور في مواض��ع وق��الت طائف��ة منهم

البغوي وهذا لفظه دائبين يجريان فيما يعود الى مصالح عباد الله ال يفتران ق��ال ابن عب��اس دءوبهم��ا في

طاعة الله ولف�ظ أبي الف�رج داءبين في اص�الح م�ا يص�لحانه من النب�ات وغ�يره ال يف�تران ق�ال ومع�نى

الدءوب مرور الشيء على عادة جارية فيه قلت

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،267.

النبوات واذا كان دأبهم هو عادتهم وعملهم الذي كانوا مص�رين علي�ه فالمقص�ود أن ه�ؤالء أش�بهوهم في العم�ل

فيشبهونهم في الجزاء فيحيق بهم ما حاق بأولئك هذا ه�و المقص�ود ليس المقص�ود التش��بيه في الج�زاء

وقود  كقوله هم وأولئك شيئا الله من أوالدهم وال أموالهم عنهم تغني لن كفروا الذين انشديد والله بذنوبهم الله فأخذهم بآياتنا كذبوا قبلهم من والذين فرعون آل كدأب النار

 أي فهؤالء ال تدفع عنهم أموالهم وأوالدهم عذاب الله اذا جاءهم كدأب آل فرعون وكذلك قوله العقاب عذاب وذوقوا وأدبارهم وجوههم يضربون المالئكة كفروا الذين يتوفى اذ ترى ولوفرعون آل كدأب قوله الى للعبيد بظالم ليس الله وان أيديكم قدمت بما ذلك الحريق

كانوا وكل فرعون آل وأغرقنا بذنوبهم فأهلكناهم ربهم بآيات كذبوا قبلهم من والذين فهذا كله يقتضي التشبيه في العذاب وأما الطائفة االخرى فجعلوا الدأب نفس فعل الرب بهمظالمين

وعقوبته لهم قال مكي بن أبي طالب الكاف في كدأب في موضع نصب نعت لمحذوف تقديره غيرن��اهم

كما غيروا تغييرا مثل عادتنا في آل فرعون ومثلها اآلي��ة االولى اال أن االولى الع��ادة في الع��ذاب تق��ديره

فعلنا بهم ذلك فعال مثل عادتنا في آل فرعون وقد جمع بعضهم بين المعنيين فقال أب��و الف��رج ك��دأب آل

فرعون أي كعادتهم والمعنى كذب أولئك ف��نزل بهم الع��ذاب كم��ا ن��زل بأولئ��ك قلت ال��دأب الع��ادة وه��و

مصدر يضاف الى الفاعل ت��ارة وإلى المفع��ول أخ��رى ف��اذا أض��يف الى الفاع��ل ك��ان المع��نى كفع��ل آل

فرعون وإذا أضيف إلى المفعول كان المعنى كعادتهم في العذاب والمصائب التي ن�زلت بهم يق�ال ه�ذه

عادة هؤالء لما فعلوه ولما يصيبهم وهي ع�ادة ال��رب وس�نته فيهم والتحقي��ق أن اللف�ظ يتن��اول االم�رين

العادة والشأن وهذا كقوله الدأب أن الفراء والجوهري تقدم عن قبلكم  جميعا وقد من خلت قدالمكذبين عاقبة كان كيف فانظروا االرض في فسيروا باالسنادسنن حاتم أبي ابن روى

المعروف عن مجاهد قد خلت من قبلكم سنن من الكفار والمؤمنين في الخير والش��ر وعن أبي اس�حاق

أي قد مضت مني وقائع نقمة في أهل التكذيب لرسلي والشرك بي عاد

النبوات وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين فرأوا مثالت قد مضت مني فيهم فقد فسرت السنن بأعم��الهم

وبجزائهم قال البغ��وي مع��نى اآلي�ة ق�د مض�ت وس�لفت م�ني فيمن ك�ان قبلكم من االمم الماض�ية

الكافرة بامهالي واستدراجي إياهم حتى يبلغ الكتاب فيهم أجلي الذي أجلته الهالكهم وأدال��ة أنبي��ائي

فسيروا في االرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين أي آخرة المكذبين منهم قال وهذا في ح�زب

واحد يقول فانا أمهلهم وأستدرجهم حتى يبلغ أجلي الذي أجلت من نصرة النبي وأوليائه قلت ونظير

تعالى قوله آذان  هذا أو بها يعقلون قلوب لهم فتكون االرض في يسيروا أفلمالصدور في التي القلوب تعمى ولكن األبصار تعمى ال فإنها بها أو  وقوله يسمعون

قوة منهم أشد كانوا قبلهم من الذين عاقبة كان كيف فينظروا االرض في يسيروا لمالله كان فما بالبينات رسلهم وجاءتهم عمروها مما أكثر وعمروها االرض وأثاروا

يظلمون أنفسهم كانوا ولكن وأشد  وقوله في اآلية األخرى ليظلمهم منهم أكثر كانوابالبينات رسلهم جاءتهم فلما يكسبون كانوا ما عنهم أغنى فما االرض في وآثارا قوة

قالوا بأسنا رأوا فلما يستهزئون به كانوا ما بهم وحاق العلم من عندهم بما فرحوابأسنا رأوا لما إيمانهم ينفعهم يك فلم مشركين به كنا بما وكفرنا وحده بالله آمنا

Page 138: النبوات

الكافرون هنالك وخسر عباده في خلت قد التي الله اللهسنة أن سنة يبين كله فهذا

وعادت������ه مط������ردة ال تنتقض في إك������رام مص������دقي الرس������ل وإهان������ة مك������ذبيهم

آيات االنبياء كما قد عرف هي مستلزمة لثب��وت النب��وة وص��دق المخ��بر به��ا والش��اهد به��ا) فصل (

قيلزم من وجودها وجود النبوة وصدق المخبر بها ويمتنع أن تكون مع التكذيب بها وكذب المخبر به��ا

فال يجوز وجودها لمن كذب االنبياء وال لمن أقر بنبوة كذاب سواء كان هو نفس��ه الم��دعي للنب��وة أو

الله  ادعى نبوة غيره وهذان الصنفان هما المذكوران في قوله على افترى ممن أظلم ومنالله أنزل ما مثل سأنزل قال ومن شيء إليه يوح ولم إلي أوحي قال أو وهؤالءكذبا

قال كما الكاذبين أظلم من اذ  كلهم بالصدق وكذب الله على كذب ممن أظلم فمنجاء والذي قال ثم للكافرين مثوى جهنم في أليس جاءه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،269.

النبواتبالصدق  بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون جاء الذي هو ثبوتها مع بالنبوة فالمخبر

هو ثبوتها مع بها والمكذب الله على كذب الذي هو انتفائها مع بها والمخبر به وصدقهي نبوة أثبت من لصدق مستلزمة هي النبوة فدالئل جاءه لما بالحق كذب الذي

دل دليل كل وكذلك بنبوة ليست نبوة أثبت أو هذه نفى لمن تكون أن يمتنع حق نبوةعلى الدليل عليه دل بما المخبرين به المؤمنين صدق على دل الصانع إثبات علىصدق على أو ذلك نفي على دالة األدلة تلك تكون أن ويمتنع ذلك نفى من كذب

أن على دل وما لغيره ثابتة الرب صفات جعل من صدق على أو ذلك بنفي الخبرمع يدل أن ويمتنع له النافي وكذب بذلك المخبر صدق على يدل لزيد ملك الدار هذهبه المخبر ولصدق لذلك مستلزم فإنه وعدله شخص علم على دل وما الملك انتفاء

والعدل العلم انتفاء مع يدل أو النافي صدق على يدل أن يمتنع له النافي وكذلكمستلزما الالزم عدم وكان نقيضه كذب استلزم وصدقه شيء ثبوت استلزم ما فإنمستلزما كان بها المخبر وصدق النبوة لثبوت مستلزما كان فما الملزوم لعدم

مع موجودا يكون أن وامتنع نفاها من مع موجودا يكون أن فامتنع نفاها من لكذبمع ثبوته يمتنع عليه مدلول كل فدليل النقيضين بين الجمع يستلزم ذلك فإن انتفائها

النقيضين بين الجمع للزم عدمه مع وجد فلو لثبوته مستلزم فانه عليه المدلول عدمال الشخص نبوة فإن النبوة جنس على دليل فهو شخص نبوة على دليال كان فما

أحد وثبوت النبوة عدم مع الدليل ذلك وجود فيمتنع النبوة جنس ثبوت مع إال تثبتالمخبر لكذب مستلزم بثبوتها المخبر صدق فثبوت اآلخر لنفي مستلزم النقيضين

أدلة األدلة جميع في تصوره بعد بالبديهة معلوم به مقطوع عقلي أمر فهذا بانتفائهاوكذب بها المخبر صدق وعلى النبوة على دل ما يكون أن يجوز فال وغيرها النبوة

وال النبوة يدعي الذي كالمتنبي انتفائها مع دليال وال بها للمكذب دليال بها المكذبوأما النبوة دالئل من شيء بنبوته المصدق مع وال معه يكون أن يتصور فال معه نبوة

هو هذا بل حق فهذا كان من كائنا بها المصدق مع النبوة دالئل من دليل كونبعلم بالنبوة صدق من فكل علم بال متكلما كان دليل بال بها صدق فمن الواجب

اآليات من االنبياء به جاءت بما التواتر أهل وإخبار أدلتها من دليل فمعه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،270.

النبوات

Page 139: النبوات

هو من أدلة ثبوتها فكل من آمن بالرسول عن بصيرة فال بد أن يكون في قلبه علم بأنه نبي حق إما علم

ضروري أو علم نظري بدليل من األدلة والعلوم النظرية م��ع أدلته��ا تبقى ض��رورية وق��د تك��ون في نفس

االمر علوم ضرورية وال يمكنه التعبير عما يدل عليها كالذي يجده االنسان في نفس��ه ويعلم��ه من العل��وم

البديهية والضرورية وغير ذلك فإن كثيرا من الناس ال يمكنهم بيان االدلة لغيرهم على وجود ذلك عن��دهم

واذا عرف هذا فقولنا دالئل النبوة مختصة باالنبياء ال تكون لغيرهم له معنيان أحدهما أنه ال يشاركهم فيها

من يكذب بنبوتهم ال من يدعي نبوة كاذبة وهذا ظ��اهر بين ف��إن ال��دليل على الش��يء ال يك��ون دليال على

وجوده وعلى عدمه فال يكون ما يدل النبوة أو غيرها وعلى صدق المخ��بر ب��ذلك دليال على ك��ذب المخ��بر

بذلك وال دليال على النبوة مع انتفاء النبوة والمعنى الثاني أنها ال توجد إال مع النبي فهذا إن أريد به أنه��ا ال

توجد إال والنبوة ثابتة فهو صحيح وإن كانت مع ذلك دليال على نبي فال يمتنع أن يكون الشيء الواحد دليال

على أمور كثيرة لكن يمتنع أن يوجد مع انتفاء مدلوله فما دل على النبوة قد ي��دل على أم��ور أخ��رى من

أمور الرب تبارك وتعالى لكن ال يمكن أن يدل مع انتفاء النبوة أي مع كون النبوة المدلول عليها باطلة ال

حقيقة لها ولكن قد يدل مع موت النبي ومع غيبته فان موته وغيبته ال ينفي نبوته وليس من ش��رط دلي��ل

النبي أن يكون موجودا في مح��ل الم��دلول علي��ه وال في مكان��ه وال زمان��ه وق��ول من اش��ترط في آي��ات

األنبياء أن تكون مقترنة بالدعوى في غاية الفساد والتن�اقض كم�ا ق�د بس�ط ال س�يما واآلي�ات ق�د تك�ون

مخلوقة نائية عن النبي وعن مكانه وكذلك سائر األدلة ال سيما م��ا يج��ري مج��رى الخ��بر فاالخب��ار الدال��ة

على وجود المخبر به ال يجب أن تكون مقارنة المخبر به ال في محله وال زمان��ه وال مكان��ه وآي��ات االنبي��اء

هي شهادة من الله وإخبار منه بنبوتهم فال يجب أن تكون في محل النبوة وال زمانها وال مكانها لكن يجوز

ذلك فال يمتنع أن يكون الدليل في محل المدلول عليه أو في مكان��ه لكن يج��وز ذل��ك في��ه فاالنس��ان ق��د

تقوم به أمور تدل على بعض األمور التي فيه وقد تعلم أموره بخبر غيره وببعض آثاره المنفصلة عنه فاذا

أريد بأن آيات االنبياء مختصة بهم وأنها ال تكون لغيرهم أنها ال تكون مع انتفاء النبوة المدلول عليه��ا فه��ذا

صحيح

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،271.

النبوات ألنه يستلزم الجمع بين النقيضين وأما إذا أريد أنها ال توجد إال في ذات النبي أو مقترن��ة بخ��بره عن نبوت��ه

أو في المكان الذي كان فيه أو في الزمان فهذا كله غلط وخطأ ممن ظنه وجهل بين بحقائق األدل��ة وان

كان من األدلة وآيات النبوة ما يكون في ذات الن��بي ويك��ون مقترن��ا بقول��ه إني رس��ول الل��ه ويك��ون في

المكان الذي هو فيه وفي زمانه فهذا يمكن وهو الواقع فإن النبي صلى الله علي��ه وس��لم ب��ل وغ��يره من

االنبياء كان في نفس أقوالهم وأفعالهم وصفاتهم وأخالقهم وسيرهم أمور كثيرة تدل على نبوتهم وك��ذلك

لما قال إني رسول الله أتى مع ذلك بآيات دلت على صدقه وكذلك في مكانه وزمانه ظه��ر من انش��قاق

القمر وغيره ما دل على نبوته لكن آيات االنبياء أعم من ذلك كما أن دليل ك��ل ش��يء أعم من أن يختص

بمعنى المدلول وزمانه ومكانه وبهذا يظهر خطأ كثير من الناس في ع�دم مع�رفتهم بجنس آي�ات االنبي�اء

لعدم تحقيقهم جنس األدلة والبراهين وأن خاصة الدليل أنه يلزم من تحققه تحق�ق الم�دلول علي��ه فق�ط

سواء كان مقارنا للمدلول عليه أو كان حاال في محله أو مجاوزا لمحله أو لم يكن كذلك والنبوة ق��د ق��ال

طائفة من الناس إنها صفة في النبي وقال طائف��ة ليس��ت ص��فة ثبوتي��ة في الن��بي ب��ل هي مج��رد تعل��ق

الخطاب اآللهي به بقول الرب إني أرسلتك فهي عندهم صفة إضافية كما يقولونه في االحك�ام الش�رعية

انها صفات اضافية لالفعال ال صفات حقيقية والصحيح أن النبوة تجمع هذا وهذا فهي تتضمن صفة ثبوتي��ة

في النبي وصفة إضافية هي مجرد تعلق الخطاب اآللهي به بقول الرب إني أرس��لتك فهي عن��دهم ص��فة

إضافية كما يقولونه في االحكام الشرعية إنها صفات إضافية لألفعال ال صفات حقيقية لكن على االقوال

الثالثة ليس من شرط أدلتها أن تكون حالة في ذات الن�بي ولكن يج�وز أن تك�ون له�ا أدل��ة قائم�ة ب�ذات

النبي كما كان في محمد صلى الله عليه وسلم عدة أدلة من دالئ��ل النب��وة كم��ا ه��و مبس��وط في دالئ��ل

نبوته اذ المقصود هنا الكالم على جنس آيات االنبياء ال على شيء معين ال دليل معين وال نبي معين ف��اذا

عرف أن دالئل النبوة يمتنع ثبوتها لش�خص ال نب�وة في�ه إذا ادعاه�ا أو ادعيت ل�ه ك�ذبا ويمتن�ع ثبوته�ا م�ع

Page 140: النبوات

المكذب بالنبوة الصادقة وإنها ال توجد إال والنبوة ثابتة وأنه��ا دلي��ل على ص��دق المخ��بر ب��النبوة من جمي��ع

الخلق فكل من آمن أن محمدا رسول الله فقد أخبر عن نبوته كما أخبر هو عن نبوة

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،272.

النبواتجميعا  نفسه بما أمره الله به حيث قال اليكم الله رسول إني الناس أيها يا فهذا الخبر وهوقل

الشهادة بأنه رسول الله الى الناس جميعا سواء وج��د من��ه او من غ��يره ه��و م��دلول علي��ه بجمي��ع دالئ��ل

النبوة فاذا وجد هذا الخبر في غير النبي ووجد ما يدل على صدق هذا الخ�بر ك�ان ذل��ك من دالئ�ل النب�وة

كما وجد هذا في خلق كثير من المؤمنين ومن دالئل النبوة وجود العلم الضروري بخبر أهل التواتر الذين

أخبروا باآليات فهذا العلم الضروري هو بمنزل��ة المش��اهدة لآلي��ات وك��ذلك م��ا يوج��د أله��ل االيم��ان مم��ا

يستلزم صدق خبرهم بأن محمدا رسول كما يوجد ألمت��ه من اآلي��ات الكث��يرة عن��د تحقي��ق أم��ره ونص��ره

وطاعته والجهاد عن دينه والذب عنه وبيان ما أرسل به كما وجد أمث��ال ذل��ك للص��حابة والت��ابعين وس��ائر

المؤم�����������������������������������نين الى ي�����������������������������������وم القيام�����������������������������������ة

فجميع ما يختص بالسحرة والكهان هو مناقض للنب��وة فوج��ود ذل��ك ي��دل على أن ص��احبه ليس) فصل (

بنبي ويمتنع أن يكون شيء من ذلك دليال على النبوة ف��إن م��ا اس��تلزم ع��دم الش��يء ال يس��تلزم وج��وده

وكذلك ما يأتي به أهل الطالسم وعبادة الكواكب ومخاطبتها كل ذلك مناقض للنبوة ف��ان الن��بي ال يك��ون

إال مؤمنا وهؤالء كفار فوجود ما يناقض االيمان هو مناقض للنبوة بطريق األولى وهو آي��ة ودلي��ل وبره��ان

على عدم النبوة فيمتنع أن يكون دليال على وجوده�ا وجمي�ع م�ا يختص بالس�حرة والكه�ان وغ�يرهم ممن

ليس بنبي ال يخرج عن مقدور االنس والجن وأعني بالمقدور ما يمكنهم التوصل اليه بطريق من الط��رق

فان من الناس من يقول ان المق�دور ال ب�د أن يك�ون في مح�ل الق�درة وليس ه�ذا ه�و لغ�ة الع�رب وال

غيرهم من األمم ال لغة القرآن والحديث وال غيرهما وإنما يدعون ذلك من جهة العق��ل وق��ولهم في ذل��ك

باطل من جهة العقل لكن المقصود هنا التكلم باللغة المعروفة لغة العرب وغيرهم التي كان نبين��ا ص��لى

الله عليه وسلم وغيره يخاطب بها الناس كقوله في الحديث الصحيح البي مسعود بما ضرب غالمه اعلم

أبا مسعود اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك على هذا فجعل نفس المملوك مقدورا عليه لس��يده كم��ا

يقول الناس القوة على الضعيف ضعف في القوة ويقولون فالن قادر على فالن وفالن عجز عن فالن

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،273.

النبواتالفلك  ويقولون فالن ناسج هذا الثوب وبنى هذه الدار ومنه قوله تعالى فجعل الفلك مصنوعةويصنع

تعملون  لنوح ومنه قوله تعالى وما خلقكم أي واألصنام التي تعملونها وتنحتونها فجعل ما فيوالله

االصنام من التأليف معموال لهم كما جعل تأليف السفية مصنوعا لهم وهذا كثير والمقصود هنا أن ما يأتي

به السحرة والكهان ونحوهم هو مما يصنعه االنس والجن ال يخرج ذلك عنهم واالنس والجن ق��د أرس��لت

اليهم الرسل فآيات االنبياء خارجة عن قدرة االنس والجن ال يق��در عليه��ا ال االنس وال الجن ولل��ه الحم��د

والمنة ومقدورات الجن هي من جنس مقدورات االنس لكن تختلف في المواضع فإن اإلنسي يقدر على

أن يضرب غيره حتى يمرض أو يم��وت ب��ل يق��در أن يكلم��ه بكالم يم��رض ب��ه أو يم��وت فم��ا يق��در علي��ه

الساحر من سحر بعض الناس حتى يمرض أو يم�وت ه�و من مق�دور الجن وه�ومن جنس مق�دور االنس

ومنعه من الجماع ه��و من جنس الم��رض الم��انع ل��ه من ذل��ك والحب والبغض لبعض الن��اس كم��ا يفعل��ه

الساحر هو من استعانته بالشياطين وه��و من جنس مق��دور االنس ب��ل ش��ياطين االنس ق��د ي��ؤثرون من

البغض والحب أعظم مما تؤثره شياطين الجن والجن تقدر على الط��يران في اله��واء وه��و من األعم��ال

والطيور تطير فهو من جنس مق�دور االنس لكن يختل��ف المح�ل ب�أن ه�ؤالء س�يرهم في اله��واء واالنس

سيرهم على األرض وكذلك المشي على الماء وطي االرض وهو قطع المسافة البعيدة في زم�ان ق�ريب

Page 141: النبوات

هو من هذا الجنس هو مما تفعله الجن وهو مما تفعله الجن ببعض الناس وقد أخبر الله عن العفريت أنه

بالشام وسليمان باليمن وهو بلقيش عرش عن لسليمان من  قال تقوم أن قبل به آتيك أناعلىمقامك بهم وتمشي الهواء في الجن بهم تطير والجهال والفساق الكفار من كثير يوجد ولهذا

الماء وتقطع بهم المسافة البعيدة في المدة القريبة وليس شيء من ذلك من آيات االنبي��اء ولل��ه الحم��د

والمنة إذ كان مقدور االنس والجن واالخبار ببعض االمور الغائبة التي يأتي بها الكهان هو أيضا من مقدور

الجن فإنهم تارة ي�رون الغ��ائب فيخ�برون ب�ه وت�ارة يس��ترقون الس��مع من الس��ماء فيخ�برون ب�ه وت�ارة

يسترقون وهم يكذبون في ذلك كما أخبر النبي ص�لى الل��ه علي��ه وس�لم عنهم وم�ا تخ�بر ب�ه االنبي��اء من

الغيب ال يقدر عليه إنس وال جن

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،274.

النبوات وال كذب فيه وأخبار الكهان وغيرهم كذبها أكثر من صدقها وكذلك كل من تعود االخبار عن الغائب فاخبار

الجن ال بد أن تكذب فإنه من طلب منهم االخب��ار ب��المغيب ك��ان من جنس الكه��ان وك��ذبوا في بعض م��ا

يخبرون به وإن كانوا صادقين في البعض وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم س��ئل عن

الكهان فقيل له إن منا قوما يأتون الكهان قال فال تأتوهم وثبت عنه في الصحيح أنه ق��ال من أتى عراف��ا

فسأله عن شيء لم تقبل له صالة أربعين يوما وفي السنن عن�ه أن�ه ق�ال من اقتبس ش�عبة من النج�وم

فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد والنبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به من المس�جد الح�رام

 الى المسجد االقصى لم يكن المقصود مجرد وصوله الى االقص�ى ب�ل المقص�ود م�ا ذك�ره الل�ه بقول��ه

آياتنا من النجم لنريه عندها  كما قال في سورة المنتهى سدرة عند أخرى نزلة رآه ولقدربه آيات من رأى لقد طغى وما البصر زاغ ما يغشى ما السدرة يغشى إذ المأوى جنة

وما رآه مختص باالنبياء ال يكون ذلك لمن خالفهم وال يريه الله تعالى ما أراه محمد حين أسريالكبرى

به وكذلك صالته باالنبياء في المسجد االقصى وركوبه على البراق هذا كل��ه من خص��ائص االنبي��اء وال��ذين

تحملهم الجن وتطير بهم من مكان الى مكان أكثرهم ال يدري كيف حمل بل يحم��ل الرج��ل الى عرف��ات

ويرجع وما يدري كيف حملته الشياطين وال يدعونه يفعل ما أمر الله ب�ه كم�ا أم�ر الل�ه ب�ه ب�ل ق�د يق�ف

بعرفات من غير إحرام وال إتمام مناسك الحج وقد يذهبون به الى مكة ويطوف بالبيت من غير إحرام اذا

حاذى الميقات وذلك واجب في أحد قولي العلماء ومستحب في اآلخر فيفوته المش��روع أو يوقعون��ه في

الذنب ويغرونه بأن هذا من كرامات الصالحين وليس هو مما يكرم الله ب��ه ولي��ه ب��ل ه��و مم��ا أض��لته ب��ه

الشياطين وأوهمته أن ما فعله قربة وطاعة أو يكون صاحبه له عند الله منزل��ة عظيم��ة وليس ه��و قرب��ة

وطاعة وصاحبه ال يزداد بذلك منزلة عند الله فإن التقرب الى الله انما يك��ون ب��واجب أو مس��تحب وه��ذا

ليس بواجب وال مستحب بل يضلون صاحبه ويصدونه عن تكميل ما يحب��ه الل��ه من��ه من عبادت��ه وطاعت��ه

وطاعة رسوله ويوهمونه أن هذا من افضل الكرامات حتى يبقى طالبا له عامال عليه وهم بسبب اعانتهم

له على ذلك قد

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،275.

استعملوه في بعض ما يريدون مما ينقص قدره عند الله أو وقوعه في ذنوب وإن لم يع��رف انه��ا

ذنوب فيكون ضاال ناقصا وإن غفر له ذلك لعدم علمه فإنه نقص درجته وخفض منزلت��ه ب��ذلك ال��ذي

أوهموه أنه رفع درجته وأعلى منزلته وهذا من جنس ما تفعله السحرة فإن الس��احر ق��د يص��عد في

الهواء والناس ينظرونه وقد يركب شيئا من الجمادات إما قصبة واما خابية وإم��ا مكنس��ة وإم��ا غ��ير

ذلك فيصعد به في الهواء وذلك أن الشياطين تحمله وتفعل الشياطين هذا ونح��وه بكث��ير من العب��اد

والضالل من عباد المشركين وأهل الكتاب والض��الل من المس��لمين فتحملهم من مك��ان الى مك��ان

وقد يرى أحدهم بما يركبه إما فرس وإما غيره وهو شيطان تصور له في صورة مرك�وب وق�د ي�رى

أنه يمشي في الهواء من غير مركوب والشيطان قد حمله والحكايات في ه�ذا كث�يرة معروف�ة عن�د

من يعرف هذا الباب ونحن نعرف من هذا أمورا يطول وصفها وكذلك المشي على الماء ق��د يجع��ل

Page 142: النبوات

له الجن ما يمشي عليه وهو يظن أنه يمشي على الماء وقد يخيلون أليه أنه التقى طرفا النهرليع��بر

والنهر لم يتغير في نفسه ولكن خيلوا اليه ذلك وليس ه��ذا ولل��ه الحم��د ش��يء من جنس معج��زات

االنبياء وقد يمشي على الماء قوم بتأييد الله لهم وإعانت��ه إي��اهم بالمالئك��ة كم��ا يحكى عن المس��يح

وكما جرى للعالء بن الحضرمي في عبور الجيش والبي مسلم الخوالني وذلك اعانة على الجهاد في

سبيل الله كما يؤيد الله المؤمنين بالمالئكة ليس هو من فع��ل الش��ياطين والف��رق بينهم��ا من جه��ة

السبب ومن جهة الغاية أما السبب فإن الصالحون يسمون الله ويذكرونه ويفعلون ما يحبه الل��ه من

توحيده وطاعته فييسر لهم بذلك ما ييسره ومقصودهم به نصر الدين واالحسان الى المحتاجين وما

تفعله الشياطين يحصل بسبب الشرك والكذب والفجور والمقصود به االعانة على مثل ذل��ك والجن

فيهم مسلم وكافر فالمسلمون منهم يعاونون االنس المسلمين كما يعاون المسلمون بعضهم بعض��ا

والكفار مع الكفار والجن الذين يطيعون االنس وتستخدمهم االنس ثالثة أصناف أعالها أن ي��أمروهم

بما أمر الله به ورسله فيأمرونهم بعبادة الله وحده وطاعة رسله فإن الل��ه أوجب على الجن طاع��ة

قد  الرسل كما أوجب ذلك على االنس وقال تعالى الجن معشر يا جميعا يحشرهم ويومربنا اإلنس من أولياؤهم وقال االنس من استكثرتم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،276.

استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي اجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إال ما ش��اء الل��ه إن

ربك حكيم عليم وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بم�ا ك�انوا يكس�بون ي�ا معش�ر الجن واالنس ألم

يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على انفسنا وغ��رتهم

الحياة الدنيا وش��هدوا على أنفس��هم أنهم ك��انوا ك��افرين ذل��ك أن لم يكن رب��ك مهل��ك الق��رى بظلم

االنس  وأهلها غافلون ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون من تكون فالرسلرسل الجن في يكون هل واختلفوا العلماء باتفاق الجن من والنذر الثقلين الى

تعالى قال كما فيهم رسل ال أنه على وما أرسلنا من قبلك إال رجاال نوحي اليهمواالكثرون

من  من أهل القرى وال البادية أهل من نبيا الله يبعث لم قال البصري الحسن وعننعلم ما قتادة وقال الجوزي وابن البغوي منهم طائفة عنه ذكره النساء من وال الجن

العمور أهل من وأحلم أعلم كانوا ألنهم القرى أهل من إال قط رسوال أرسل الله أنإلى أرسل قد وسلم عليه الله صلى محمد ونبينا طائفة وذكره حاتم أبي ابن رواه

قومهم الى وولوا القرآن فسمعوا نصيبين جن من آمن من به آمن وقد الثقلينجبل وبين األبطح بين بمكة معروف بشعب االسالم على فبايعوه أتوا ثم منذرين

ما أوفر عليه الله اسم ذكر عظم كل لكم فقال ولدوابهم لهم الطعام وسألوه حراءتستنجوا فال وسلم عليه الله صلى النبي قال لدوابكم علف بعرة وكل لحما يكونالصحيح في مشهورة كثيرة بذلك واالحاديث الجن من إخوانكم زاد فانهما بهما

قرأ أنه وغيره الترمذي روى وقد وغيرها والفقه التفسير وكتب والمسند والسننكفارهم أن على العلماء اتفق وقد للثقلين خطاب وهي الرحمن سورة عليهم

قوله في بذلك الله أخبر كما النار قال ادخلوا في أمم قبلكم من الجن واالنس فييدخلون

تعالى  النار كلما دخلت أمة لعنت أختها الله  ألمألن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين وقالأجمعين وقال والناس الجنة من جهنم أنهم  ألمألن على العلماء فأكثر مؤمنوهم وأما

قول وهو أصح واالول كالدواب ترابا يصيرون بل طائفة وقال الجنة يدخلونوأحمد والشافي مالك عن ذلك ونقل ومحمد يوسف وأبي ليلى أبي وابن األوزاعي

أصحابهم قول وهو حنبل بن

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،277.

عملوا  واحتج عليه االوزاعي وغيره بقوله مما درجات النار منولكل الجنة وأهل بعد ذكره أهل

عملوا  الجن واالنس كما قال في سورة األنعام وفي االحقاف مما درجات بعد ذكر هل الجنةولكل

والنار وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم درجات أهل الن��ار ت��ذهب س��فوال ودرج��ات أه��ل الجن��ة ت��ذهب

صعودا فنبينا صلى الله عليه وسلم هو مع الجن كما هو مع االنس واالنس معه إما مؤمن به وإم��ا مس��لم

Page 143: النبوات

له وإما مسالم له وإما خ��ائف من��ه وك��ذلك الجن منهم الم��ؤمن ب��ه ومنهم المس��لم ل��ه م��ع نف��اق ومنهم

المعاهد المسالم لمؤمني الجن ومنهم الحربي الخائف من المؤمنين وكان هذا أفضل مما أوتيه س��ليمان

فان الله سخر الجن لسليمان تطيعه طاعة الملوك فإن سليمان كان نبي�ا ملك�ا مث�ل داود ويوس�ف وأم�ا

محمد فهو عبد رسول مثل ابراهيم وموس��ى وعيس��ى وه��ؤالء أفض��ل من أولئ��ك فأولي��اء الل��ه المتبع��ون

لمحمد إنما يستخدمون الجن كما يستخدمون االنس في عبادة الله وطاعته كم�ا ك�ان محم�د ص�لى الل�ه

عليه وسلم يستعمل االنس ال في غرض له غير ذلك ومن الن��اس من يس��تخدم من يس��تخدمه من اإلنس

في أمور مباحة كذلك فيهم من يس��تخدم الجن في أم��ور مباح��ة لكن ه��ؤالء ال يخ��دمهم االنس والجن اال

بعوض مث��ل أن يخ�دموهم كم�ا يخ�دمونهم أو يعين��ونهم على بعض مقاص�دهم وإال فليس أح�د من االنس

والجن يفعل شيئا إال لغرض واالنس والجن اذا خدموا الرجل الصالح في بعض أغراض�ه المباح�ة فام�ا أن

يكونوا مخلصين يطلبون االجر من الله وإال طلبوه منه إما دعاءه لهم وإما نفع��ه لهم بجاه��ه أو غ��ير ذل��ك

والقسم الثالث أن يستخدم الجن في أمور محظورة أو بأسباب محظورة مثل قتل نفس وإمراضها بغ��ير

حق ومثل منع شخص من الوطء ومثل تبغيض شخص الى شخص ومث��ل جلب من يه��واه الش��خص الي��ه

فهذا من السحر وقد يقع مثله لكثير من الناس وال يعرف السحر بل يكون موافق��ا للش��ياطين على بعض

أغراضهم مثل شرك أو بدعة وضاللة أو ظلم أو فاحشة فيخدمونه ليفعل مايهوون��ه وه��ذا كث��ير في عب��اد

المشركين وأهل الكتاب وأهل الضالل من المسلمين وكثير من هؤالء ال يعرف أن ذلك من الشياطين بل

يظنه من كرامات الصالحين ومنهم من يعرف أنه من الشياطين ويرى أنه بذلك حص��ل ل��ه مل��ك وطاع��ة

ونيل ما يشتهيه من الرياسة والشهوات وقتل عدوه فيدخل في

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،278.

ذلك كما تدخل الملوك الظلمة في أغراضهم وليس أحد من الناس تطيعه الجن طاعة مطلقة كما ك��انت

 تطيع سليمان بتسخير من الله وأمر منه من غير معارضة كما أن الطير كانت تطيعه والريح قال تعالى يعمل من الجن ومن القطر عين له وأسلنا شهر ورواحها شهر غدوها الريح ولسليمانيشاء ما له يعملون السعير عذاب من نذقه أمرنا عن منهم يزغ ومن ربه بإذن يديه بين

من وقليل شكرا داود آل اعملوا راسيات وقدور كالجواب وجفان وتماثيل محاريب منالشكور العاصي وفيهمعبادي أو المنافق أو الجاهل المطيع والمسلم المؤمن والجن واالنس فيهم

الكافر وكل ضرب يميل الى بني جنسه والذي أعطاه الله تعالى س�ليمان خ�ارج عن ق�درة الجن واالنس

فإنه ال يستطيع أحد أن يسخر الجن مطلقا لطاعته وال يستخدم أحدا منهم اال بمعاوضة إما عمل م��ذموم

تحبه الجن وإما قوم تخضع له الشياطين كاالقسام والعزائم فان كل جني فوق��ه من ه��و أعلى من��ه فق��د

يخدمون بعض الناس طاعة لمن فوقهم كما يخدم بعض االنس لمن أمرهم سلطانهم بخدمته لكتاب معه

منه وهم كارهون طاعته وقد يأخذون منه ذلك الكتاب وال يطيعونه وق��د يقتلون��ه أو يمرض��ونه فكث��ير من

الناس قتلته الجن كما يصرعونهم والصرع ألجل الزنا وتارة يقول��ون إن��ه آذاهم إم��ا بص��ب نجاس��ة عليهم

وإما بغير ذلك فيصرعون صرع عقوبة وانتقام وتارة يفعلون ذلك عبثا كما يعبث ش��ياطين االنس بالن��اس

والجن أعظم شيطنة وأقل عقال وأكثر جهال والجني قد يحب اإلنسي كما يحب األنسي االنسي وكما يحب

الرجل المرأة والمرأة الرجل ويغار عليه ويخدمه بأشياء واذا صار مع غيره فقد يعاقبه بالقتل وغيره ك��ل

هذا واقع ثم الذي يخدمونه تارة يسرقون له شيئا من أموال الناس مما لم يذكر اسم الل��ه علي��ه ويأتون��ه

إما بطعام وإما شراب واما لباس واما نقد وإما غير ذلك وتارة يأتونه في المفاوز بماء عذب وطعام وغير

ذلك وليس شيء من ذلك من معجزات االنبياء وال كرامات الصالحين فإن ذلك انما يفعلونه بسبب شرك

وظلم وفاحشة وهو لو كان مباحا لم يجز أن يفعل بهذا السبب فكي�ف اذا ك�ان في نفس�ه ظلم�ا محرم�ا

لكونه من الظلم والفواحش ونحو ذلك وقد يخبرون بأمور غائبة مما رأوه وس��معوه وي��دخلون في ج��وف

االنسان قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الشيطان يجري من االنسان مجرى الدم لكن

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،279.

الله قال كما سلطانهم ربهم  إنما وعلى آمنوا الذين على سلطان له ليس إنهمشركون به هم والذين يتولونه الذين على سلطانه انما  ولما قال الشيطان يتوكلون

المخلصين منهم عبادك إال أجمعين وألغوينهم االرض في لهم ألزينن أغويتني بما رب

Page 144: النبوات

سلطان  قال الله تعالى عليهم لك ليس عبادي من  أي لكن إال  ثم قال ان اتبعك منمقسوم جزء منهم باب لكل أبواب سبعة لها أجمعين لموعدهم جهنم وان الغاوين

فأهل االخالص وااليمان ال سلطان له عليهم ولهذا يهربون من البيت الذي تق��رأ في��ه س��ورة البق��رة

ويهربون من قراءة آية الكرسي وآخر س�ورة البق�رة وغ�ير ذل��ك من ق�وارع الق�رآن ومن الجن من

يخبر بأمور مستقبلة للكهان وغير الكهان مما يس��رقونه من الس��مع والكهان��ة ك��انت ظ��اهرة كث��يرة

بأرض العرب فلما ظهر التوحيد هربت الشياطين وبطلت أو قلت ثم انها تظه��ر في المواض��ع ال��تي

يختفي فيها أثر التوحيد وقد كان حول المدين��ة بع��د أن ه��اجر الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم كه��ان

يتحاكمون اليهم وكان أبو بردة بن نيار كاهنا ثم أسلم بعد ذلك وهو من أسلم واالصنام لها ش��ياطين

كانت تتراءى للسدنة أحيانا وتكلمهم أحيانا قال أبي بن كعب مع كل صنم جنية وقال ابن عباس في

كل صنم شيطان يتراءى للسدنة فيكلمهم والشياطين كما قال الله تقترن بما يجانسها بأهل الكذب

تعالى قال أثيم  والفجور أفاك كل على تنزل الشياطين تنزل من على أنبئكم هلكاذبون وأكثرهم السمع فكيف يجوز أن يقال إن مثل هذا يكون معجزة لنبي أو كرامةيلقون

لكم  لولي وهذا يناقض االيمان ويضاده واالنبياء واالولياء أعداء هؤالء قال تعالى الشيطان انالسعير أصحاب من ليكونوا حزبه يدعو انما عدوا فاتخذوه أعهد  وقال تعالى عدو ألم

صراط هذا اعبدوني وأن مبين عدو لكم إنه الشيطان تعبدوا ال أن آدم بني يا اليكمتعقلون تكونوا أفلم كثيرا جبال منكم أضل ولقد إخبارمستقيم بين الفرق يظهر وهذا

يظهر  االنبياء عن الغيب ما ال سبيل لمخلوق الى علمه إال منه كما قال تعالى فال الغيب عالمرصدا خلفه ومن يديه بين من يسلك فإنه رسول من ارتضى من اال أحدا غيبه على

لديهم بما وأحاط ربهم رساالت أبلغوا قد أن ليعلم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،280.

النبواتبعض  على غيبه فقوله  وأحصى كل شيء عددا يعلمه ما وأما به اختص الذي غيبه هو

منه تخبر أيضا فهذا علمه لمن شهادة وهو يعلمه لم عمن غيب فهو المخلوقينبقوله اللمسيح إخبار في كما به تخبر أن الشياطين يمكن ال بما بمااالنبياء وأنبئكم

بيوتكم في تدخرون وما وبما  تأكلون الناس بعض يأكله بما يخبرون قد الجن فإناسم يذكر ال كالذي الله اسم يذكر ال من على تتسلط انما الشياطين لكن يدخرونه

وكذلك معه يأكلون فانهم أكل اذا الله اسم يذكر لم وإن معه فيدخلون دخل اذا اللههذا جرى كما بعضه يسرقون وقد به عرفوا عليه الله اسم يذكر ولم شيئا ادخر اذا

سلطان فال يجتازه ما وعلى طعامه على الله اسم يذكر من وأما الناس من لكثيريخبر كان السالم عليه والمسيح أخذه يستطيعون وال ذلك يعرفون ال عليه لهم

به تعلم ال والشياطين عليه الله اسم ذكر مما يدخرون وما يأكلون بما المؤمنينوأهل والتوحيد االيمان أهل يكاشف ال تخبره شياطين عن إخباره يكون من ولهذا

وأمثالهم هؤالء يكاشف ال أنه ويعترف منهم يهرب بل الله بنور المنورة القلوبيظهروا أن يمكنهم ال أنهم لهم الجن بمعاونة خوارقهم الذين واالنس الجن وتعترفالشرع قدام تظهر ال أحوالنا ويقولون والقرآن االيمان أهل بحضرة الخوارق هذه

الشياطين أولياء أولئك ألن وهذا والفجار الكفار عند تظهر وإنما والسنة والكتابالخوارق من يفعلونه ما على ويتفقون المخدومين شياطين يعاونون شياطين ولهم

ألقى لما الخليل فإن وسالما بردا عليهم تصر لم كونها مع النار كدخول الشيطانيةاالسود له قال لما الخوالني مسلم أبو وكذلك وسالما بردا عليه صارت النار فيرسول محمدا أن أتشهد قال أسمع ما قال الله رسول أني أتشهد المتنبي العنسي

وقد فيها يصلي فوجدوه اليه فجاءوا فيها وألقي له فأوقدت بنار فأمر نعم قال اللهوأخذه وسلم عليه الله صلى النبي موت بعد المدينة فقدم وسالما بردا عليه صارت

أمة في أراني حتى يمتني لم الذي لله الحمد وقال بكر أبي وبين بينه فأجلسه عمر

Page 145: النبوات

فيهم دخلت فاذا الشياطين اخوان وأما بابراهيم فعل كما به فعل من محمديحس وال سوط الف أحدهم يضرب كما تحرقهم وال النار يدخلون فقد الشياطينيطول ما ذلك من رأينا قد معروف كثير أمر وهذا ذلك تتلقى الشياطين فإن بذلك

في الشياطين من نحن ضربنا وقد وصفه

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،281.

النبوات االنس ما شاء الله حتى خرجوا من االنس ولم يعاودوه وفيهم من يخرج بالذكر والقرآن وفيهم من يخرج

بالوعظ والتخويف وفيهم من ال يخرج إال بالعقوبة كاالنس فهؤالء الشياطين اذا كانوا مع جنسهم ال��ذين ال

يهابونهم فعلوا هذه االمور وأما اذا كانوا عند أهل ايمان وتوحيد وفي بيوت الله التي يذكر فيه��ا اس�مه لم

يجترئوا على ذلك بل يخافون الرجل الصالح أعظم مما يخافه فجار االنس وله��ذا ال يمكنهم عم��ل س��ماع

المكاء والتصدية في المساجد المعمورة بذكر الله وال بين أهل االيمان والشريعة المتبعين للرس��ول إنم��ا

يمكنهم ذلك في األماكن ال��تي تأتيه�ا الش�ياطين كالمس�اجد المهج�ورة والمش�اهد والمق�ابر والحمام�ات

والمواخير فالمواضع التي نهى النبي صلى الله علي��ه وس��لم عن الص��الة فيه��ا ك��المقبرة وأعط��ان االب��ل

والحمام وغيرها فتكون حال هؤال فيها أقوى ألنها مواضع الش��ياطين كالم��اخور والمزبل��ة والحم��ام ونح��و

الله  ذلك بخالف األمكنة التي ظهر فيها االيمان والقرآن والتوحيد التي أثنى الله على أهلها وقال فيهم كأنها الزجاجة زجاجة في المصباح مصباح فيها مشكاة نوره مثل واألرض السماوات نور

لم ولو يضيء زيتها يكاد غربية وال شرقية ال زيتونة مباركة شجرة من يوقد دري كوكبوالله للناس االمثال الله ويضرب يشاء من لنوره الله يهدي نور على نور نار تمسسهبالغدو فيها له يسبح اسمه فيها ويذكر ترفع أن الله أذن بيوت في عليم شيء بكليخافون الزكاة وإيتاء الصالة وإقام الله ذكر عن بيع وال تجارة تلهيهم ال رجال واآلصال

والله فضله من ويزيدهم عملوا ما أحسن الله ليجزيهم واالبصار القلوب فيه تتقلب يوماحساب بغير يشاء من فهذه أمكنة النور والصالحين والمالئكة ال تتسلط عليها الشياطين بكليرزق

ما تريد بل كيدهم فيها ضعيف كما أن كيدهم في شهر رمض�ان ض�عيف اذ ك�انوا في�ه يسلس�لون لكن لم

يبطل فعلهم بالكلية بل ضعف فشرهم فيه على أهل الصوم قليل بخالف أهل الش��راب وأه��ل الظلم��ات

فإن الشياطين هنالك محالهم وهم يحبون الظلمة ويكرهون الن��ور وله��ذا ينتش��رون باللي��ل كم��ا ج��اء في

الحديث الصحيح ولهذا أمر الل��ه ب��التعوذ من ش��ر غاس��ق اذا وقب وخ��وارق الجن كاإلخب��ار ببعض االم�ور

الغائبة وكالتصرفات الموافقة ألغراض بعض االنس كثيرة معروفة في جميع االمم فقد كانت في العرب

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،282.

النبوات كثيرة وكذلك في الهند وفي الترك والفرس والبربر وسائر االمم فهي أمور معت��ادة للجن واالنس وآي��ات

االنبياء كما تق��دم خارج��ة عن مق��دور االنس والجن ف��إنهم مبعوث��ون الى االنس والجن فيمتن��ع أن تك��ون

آياتهم أمورا معروفة فيمن بعثوا اليه اذ يقال هذه موج��ودة كث��يرا لالنس فال يختص به��ا االنبي��اء ب��ل ه��ذه

الخوارق هي آية وعالمة على فجور صاحبها وكذبه فهي ض�د آي�ات االنبي�اء ال��تي تس�تلزم ص�دق ص�احبها

وعدله ولهذا يكون كث��ير من ال��ذين تخ�دمهم الش��ياطين من أه�ل الش��ياطين وه�ذا مع��روف لكث��ير ممن

تخدمه الشياطين بل من طوائف المخدومين من يكونون كلهم من هذا الباب كالبويي الذي للترك وأك��ثر

المولهين من هذا الباب وهم يصعدون بهم في الهواء ويدخلون المدن والحصون باللي��ل واالب��واب مغلق��ة

ويدخلون على كثير من رؤساء الناس ويظنون أن هؤالء صالحون قد طاروا في الهواء وال يعرف أن الجن

طارت بهم وهذه االخوال الشيطانية تبطل أو تضعف إذا ذكر الله وتوحيده وقرئت قوارع القرآن ال س��يما

آية الكرسي فإنها تبطل عامة هذه الخ��وارق الش��يطانية وأم��ا آي��ات االنبي��اء واألولي��اء فتق��وى ب��ذكر الل��ه

Page 146: النبوات

وتوحيده والجن المؤمنون قد يعينون المؤمنين بشيء من الخوارق كما يعين االنس المؤمن��ون للمؤم��نين

بما يمكنهم من اإلعانة وما ال يكون إال مع اإلق�رار بنب�وة االنبي�اء فه�و من آي�اتهم فوج�وده يؤي�د آي�اتهم ال

يناقضها مع أن آيات االنبياء التي يدعون اعلى من هذا وأعلى من كرامات االولي��اء ف��إن تل��ك هي اآلي��ات

الكبرى والذين ذكر عنهم إنكار كرامات االولياء من المعتزل��ة وغ��يرهم ك��أبي اس��حاق االس��فراييني وأبي

محمد بن أبي زيد وكما ذك�ر ذل��ك أب�و محم�د بن ح�زم ال ينك�رون ال��دعوات المجاب�ة وال ينك�رون الرؤي�ا

الصادقة فإن هذا متفق عليه بين المسلمين وهو أن الله تعالى قد يخص بعضهم بما يريه من المبش��رات

وقد كان سعد بن أبي وقاص معروفا باجابة الدعاء فإن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ق��ال اللهم س��دد

رميته وأجب دعوته وحكاياته في ذلك مشهورة وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه

قال لم يبق بعدي من النبوة اال الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له وثبت عنه في الصحيح أن��ه

قال ان من عباد الله من لو أقسم على الله البره ذكر ذلك لما أقسم أنس بن النض��ر أن��ه ال تكس��ر ثني��ة

الربيع

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،283.

فاستجاب الله ذلك وايضا فإن منهم البراء بن مالك أخو أنس بن مالك وكانوا اذا اشتد الحرب يقولون ي��ا

براء أقسم على ربك فيقسم على ربه فينصرون والقسم قيل هو من جنس الدعاء لكن ه��و طلب مؤك��د

بالقسم فالسائل يخضضع ويقول أعطني والمقسم يقول أقسم علي�ك لتعطي�ني وه�و خاض�ع س�ائل لكن

من الناس من يدعي له من الكرامات ماال يجوز ان يكون لالنبياء كقول بعضهم ان لل��ه عب��ادا ل��و ش��اءوا

من الله أن ال يقيم القيامة لما اقامها وقول بعض��هم إن��ه يعطي كن أي ش��يء أرادة ق��ال ل��ه كن فيك��ون

وقول بعضهم ال يعرب عن قدرته ممكن كما ال يعزب عن قدرة رب��ه مح��ال فان��ه لم��ا ك��ثر في الغالة من

يقول بالحلول واالتحاد وإلهية بعض البش�ر كم�ا قال��ه النص�ارى في المس�يح ص�اروا يجعل�ون م�ا ه�و من

خصائص الربوبية لبعض البشر وهذا كفر وأيضا فإن كثيرا من الناس ال يكون من أهل الصالح وتك��ون ل��ه

خوارق شيطانية كما لعباد المشركين وأهل الكتاب فتتجلى لهم على أنها كرامات فمن الناس من يك��ذب

بها ومنهم من يجعل أهلها من أولياء الله وذل�ك ألن الط�ائفتين ظنت أن مث�ل ه�ذه الخ�وارق ال يك�ون إال

ألولياء الله ولم يميزوا بين الخوارق الشيطانية التي هي جنس م��ا للس��حرة والكه��ان ولعب��اد المش��ركين

وأهل الكتاب وللمتنبئين الكذابين وبين الكرامات الرحمانية التي يكرم الله بها عب��اده الص��الحين فلم��ا لم

يميزوا بين هذا وهذا وكان كثير من الكفار والفجار وأهل الضالل والبدع لهم خوارق شيطانية ص��ار ه��ؤالء

منهم حزبين حزبا قد شاهدوا ذلك وأخبرهم به من يعرفون صدقه فقالوا هؤالء اولياء الله وحزب��ا رأوا أن

أولئك خارجون عن الشريعة وعن طاعة الله ورسوله فقالوا ليس هؤالء من األولياء ال��ذين لهم كرام��ات

فكذبوا بوجود ما رآه أولئك وأولئك قد عاينوا ذلك أو تواتر عندهم فص��ار تك��ذيب ه��ؤالء مث��ل تك��ذيب من

ينكر السحر والكهانة والجن وصرعهم لالنس إذا كذب ذلك عند من رأى ذلك أو ثبت عنده ومن كذب بما

تيقن غيره وجوده نقصت حرمته عنه هذا المتيقن وكان عنده إما جاهال وإما معاندا فربم�ا رد علي�ه كث�يرا

من الحق بسبب ذلك ولهذا صار كثير من المنتسبين إلى زه��د أو فق��ر أو تص��رف أو ول��ه أو غ��ير ذل��ك ال

يقبلون قولهم وال يعبأون بخالفهم ألنهم كذبوا بحق

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،284.

قد تيقنه هؤالء وأنكروا وجوده وكذبوا بم��ا لم يحيط��وا بعلم��ه وق��د ي��دخلون انك��ار ذل��ك في الش��رع كم��ا

أدخلت المعتزلة ونحوهم إنكار كرامات األولياء وإنكار السحر والكهانة في الشرع بناء على أن ذلك يقدح

في آيات االنبياء فجمعوا بين التكذيب بهذه االمور الموجودة وبين عدم العلم بآيات االنبياء والف��رق بينه��ا

وبين غيرها حيث ظنوا أن هذه الخوارق الشيطانية من جنس آيات االنبياء وأنها نظ��ير له��ا فل��و وقعت لم

يكن لألنبي��اء م��ا يتم��يزون ب��ه وال��ذين ردوا على ه��ؤالء من األش��عرية ونح��وهم يش��اركونهم في ه��ذا في

التسوية بين الجنسين وأنه ال فرق لكن هؤالء لما تيقنوا وجودها جعلوا الفرق ما ليس بفرق وهو اقترانه��ا

بالدعوى والتحدي بمثلها وعدم المعارضة وهم يقولون إنا نعلم بالضرورة أن ال��رب إنم��ا خلقه��ا لتص��ديق

النبي وهذا كالم صحيح لكنه يستلزم بطالن ما أصلوه من أن��ه ال يخل��ق ش��يئا لش��يء وأيض��ا فاختصاص��ها

بوجود العلم الضروري عندها دون غيرها ال بد أن يكون ألمر أوجب التخصيص وهم يقولون بل قد تستوي

االمور ويوجد العلم الضروري ببعضها دون بعض كما قالوا مثل ذلك في العادات انه يجوز انخراقه��ا كله��ا

Page 147: النبوات

بال سبب على أعظم الوجوه كجعل الجبال بواقيت لكن يعلم بالضرورة أن ه�ذا ال يق�ع فك�ذلك ق�الوا في

المعجزات يجوز أن يخلقها على ي��د ك��اذب إنم��ا خلقه��ا على ي��د الص��ادق بم��ا ادعى من العلم الض��روري

صحيح وأما قولهم إن المعلوم به يماثل غيره فغلط عظيم بل هم لم يعرفوا الفرق بمنزلة الع��امي ال��ذي

أوردت عليه شبهات السوفسطائية فهو يعلم بالضرورة أنها باطلة ولكن ال يعرف الفرق بينها وبين الح��ق

ولكن العامي يقول فيها فساد ال أعرفه ال يقول دالئل الحق ك��دالئل الباط��ل وه��ؤالء ادع��وا االس��تواء في

نفس االمر فغلطوا غلطا عظيما ولو قالوا بينهما فرق لكنه لم يتخلص لن��ا لك��ان ق��ولهم حق��ا وك��انوا ق��د

ذكروا عدم العلم ال العلم بالعدم كما يقول ذلك كثير من الناس يقول ما أع��رف الف��رق بينهم��ا وذل��ك أن

العلم الضروري يحصل ببعض األخبار دون بعض وقد قيل إنا نعلم أنه متواتر بحصول علمنا الض��روري ب��ه

والتحقيق انه اذا حصل له علم ضروري كان قد حصل الخبر

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،285.

الذي يوجبه لهم وقد ال يحصل لغيرهم والعلم يحصل بعدد المخبرين وبصفاتهم وب��أمور أخ��رى تنض��م الى

الخبر ومن جعل االعتبار بمجرد العدد فقد غلط واألكثرون يقولون العلم الحاصل ب��ه ض��روري وقي��ل ان��ه

نظري وهو اختيار الكعبي وأبي الحسين وأبي الخطاب والتحقيق أنه قد يكون ضروريا وق��د يك��ون نظري��ا

وقد يجتمع فيه األمران يكون ضروريا ثم إذا نظر فيه وجد أنه ي��وجب العلم وك��ذلك العلم الحاص��ل عقب

اآليات قد يكون ضروريا وقد يكون نظريا وكل نظري فإن منته��اه أن�ه ض�روري وله��ذا ق�ال أب�و المع��الي

المرتضى عندنا أن جميع العلوم ضرورية أي بعد حصول أسبابها وال بد من ف��رق في نفس االم��ر بين م��ا

يوجبه العلم وماال يوجبه وأصل خط��أ الط��ائفتين أنهم لم يعرف��وا آي��ات االنبي��اء وم��ا خص��هم الل��ه ب��ه ولم

يقدروا قدر النبوة ولم يقدروا آيات االنبياء قدرها بل جعلوا هذه الخوارق الش�يطانية من جنس�ها فإم�ا ان

يكذبوا بوجودها وإما أن يس��ووا بينهم��ا وي��دعوا فرق��ا ال حقيق��ة ل��ه وله��ذا يوج��د كث��ير ممن يك��ذب به��ذه

الخوارق الشيطانية أن تكون لبعض االشخاص لما يراه من نقص دينه وعلمه فاذا عاينها بعد ذلك أو ثبتت

عنده خضع لذلك الشخص الذي كان عنده إما كافرا وإما ضاال وإما مبتدعا جاهال وذلك ألنه أنك��ر وجوده��ا

معتقدا أنها ال توجد إال للصالحين فلما تيقن وجودها جعله��ا دليال على الص�الح وه�و غال��ط في االص�ل ب�ل

هذه من الشياطين من جنس ما للسحرة والكهان ومن جنس م��ا للكف��ار من المش��ركين وأه��ل الكت��اب

فإن لمشركي الهند والترك وغيرهم ولعباد النص�ارى من ه�ذه الخ�وارق الش��يطانية أم�ورا كث��يرة يط��ول

وصفها أكثر وأعظم من أكثر مما يوجد منها الهل الضالل والبدع من المسلمين وما يوجد منها للمن��افقين

فإن الشياطين ال تتمكن من إغواء المسلمين وإن كان فيهم جهل وظلم كما تتمكن من إغواء المشركين

وأهل الكتاب ولهذا ثنى في القرآن قصة موسى مع السحرة وذكر ما يقولوه الكفار النبيائهم فإنه ما جاء

من  نبي صادق قط اال قيل فيه إنه ساحر أو مجنون كما قال تعالى قبلهم من الذين أتى ما كذلكطاغون قوم هم بل به أتواصوا مجنون أو ساحر قالوا إال وذلك أن الرسول يأتي بمارسول

يخالف عاداتهم ويفعل ما يرونه غير نافع ويترك ما يرونه نافعا وهذا فعل المجنون فإن المجنون

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،286.

فاسد العلم والقصد ومن كان مبلغه من العلم إرادة الحياة الدنيا ك��ان عن��ده من ت��رك ذل��ك وطلب م��اال

يعلمه مجنونا ثم النبي مع ه��ذا ي��أتي ب��أمور خارج��ة عن ق��درة الن��اس من إعالم ب��الغيوب وأم��ور خارق��ة

لعاداتهم فيقولون هو ساحر وهذا موجود في المن��افقين الملح��دين المتظ��اهرين باالس��الم من الفالس��فة

ونحوهم يقولون ان ما أخبرت به االنبياء من الغيوب والجنة والنار هو من جنس ق��ول المج��انين وعن��دهم

خوارقهم من جنس خوارق السحرة والممرورين المجانين كما ذكر ابن سينا وغيره لكن الفرق بينهما أن

النبي حسن القصد بخالف الساحر وأنه يعلم ما يقول بخالف المجنون لكن معجزات االنبياء عندهم ق��وى

نفسانية ليس مع هذا وال هذا شيء خارج عن قوة النفس والقاض��يان أب��و بك��ر وأب��و يعلى ومن وافقهم��ا

متوقفون في وجود المخدوم الذي تخدمه الجن قالوا ال يقطع بوجوده وكذلك الكاهن ذكروا في�ه الق�ولين

قول من يقول إنه المتخرص وقول من يقول إنه مخدوم وهم متوقفون في��ه ال يقطع��ون بوج��ود مخ��دوم

كاهن كما يقطعون بوجود الساحر ألنه في زمانهم وجد الساحر والقرآن أخبرنا بالسحر في سورة البقرة

أنبئكم  بخالف الكاهن فإن القرآن ذكر اسمه ولو تدبروا لعلموا ان الكاهن هو المذكور في قوله هلكاذبون وأكثرهم السمع يلقون أثيم أفاك كل على تنزل الشياطين تنزل من وفيعلى

Page 148: النبوات

الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له ان منا قوما يأتون الكهان قال فال تأتوهم وس��ئل عن

الكهان وما يخبرون به فأخبر أن الجن تسترق السمع وتخبرهم ب�ه فالكت�اب والس�نة أثبت�ا وج�ود الك�اهن

وأحمد قد نص على أنه يقتل كالساحر لكن الكاهن إنما عنده أخبار والساحر عنده تصرف بقتل وإم�راض

وغير ذلك وهذا تطلبه النفوس أكثر وابن صياد كان كاهنا ولهذا قال له النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم ق��د

خبأت لك خبيئا فقال الدخ فقال اخسأ فلن تعدو قدرك انما أنت من إخوان الكهان ولما قضى في الجنين

بغرة قال حمل بن مالك أيودي من ال شرب وال أكل وال نطق وال استهل قتل ذلك يط��ل فق��ال إنم��ا أنت

من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع فكانوا يسجعون أساجيع وقد رأيت من

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،287.

هؤالء شيوخا يسجعون أساجيع كأساجيع الكه�ان ويك�ون كث�ير منه�ا ص�دقا وله�ذا جم�ع الل�ه بين الك�اهن

قوله تذكرون  والشاعر في ما قليال كاهن بقول وال تؤمنون ما قليال شاعر بقول هو وماالعالمين رب من قوله تنزيل بعد والشاعر الكاهن ذكر الشعراء في رب  وكذلك لتنزيل وإنه

الى مبين عربي بلسان المنذرين من لتكون قلبك على االمين الروح به نزل العالمينالسمع يلقون اثيم أفاك كل على تنزل الشياطين تنزل من على أنبئكم هل قوله

كاذبون ايضا وأكثرهم وقال الحاقة محمد آية قوة  والرسول في ذي كريم رسول لقول انهوما المبين باالفق رآه ولقد بمجنون صاحبكم وما أمين ثم مطاع مكين العرش ذي عند

للعالمين ذكر إال هو إن تذهبون فأين رجيم شيطان بقول هو وما بضنين الغيب على هو فلما أخبر به أنه قول رسول هو ملك من المالئكة نفى أن يكون قول شيطان ولما أخبر هن��اك أن��ه ق��ول

رسول من البشر نفى أن يكون قول شاعر أو كاهن فهذا تنزيه للق��رآن نفس��ه ون��زه الرس��ول أن يك��ون

على الغيب بظنين أي متهم وأن يكون بمجنون فالجنون فساد في العلم والتهم�ة فس�اد في القص�د كم�ا

الطور في وقال مجنون أو ساحر يقولون  قالوا أم مجنون وال بكاهن ربك بنعمة أنت فماالمتربصين من معكم فإني تربصوا قل المنون ريب به نتربص وقد أخبر عن االنبياءشاعر

مجنون  قبله أنه أو ساحر قالوا اال رسول من قبلهم من الذين أتى ولم يقولوا كاهن ألنما

الكاهن عند العرب هو الذي يتكلم بكالم مسجوع وله ق��رين من الجن وه��ذا االس��م ليس ب��ذم عن��د أه��ل

الكتاب بل يسمون أكثر العلماء بهذا االسم ويسمون ه��ارون وأوالده ال��ذين عن��دهم الت��وراة به��ذا االس��م

والقدر المشترك العلم باالمور الغائبة والحكم بها فعلماء أهل الكتاب يخبرون ب��الغيب ويحكم��ون ب��ه عن

الوحي الذي أوحاه الله وكهان العرب كانت تفع��ل ذل��ك عن وحي الش��ياطين وتمت��از بأنه��ا تس��جع الكالم

بخالف اسم الساحر فإنه اسم معروف في جميع االمم وقد يدخل في ذلك عندهم المخدوم الذي تخ��بره

الشياطين ببعض االمور الغائبة ولكون الساحر يأتي

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،288.

بالخوارق شبهوا به النبي وقالوا ساحر فدل ذلك على قدر مش��ترك لكن الفرق��ان بينهم��ا أعظم ك��الفرق

بين المالئكة والشياطين وأهل الجنة وأهل النار وخيار الناس وش��رارهم وه��ذا أعظم الف��روق بين الح��ق

والباطل والكفار قالوا عن االنبياء انهم مجانين وسحرة فكم��ا يعلم بض��رورة العق��ل وج��ود أعظم الف��رق

بينهم وبين المجانين وأنهم أعقل الناس وأبعدهم عن الجنون فكذلك يعلم بض��رورة العق��ل أعظم الف��رق

بينهم وبين السحرة وأنهم أفضل الناس وأبعدهم عن السحر فالساحر يفسد االدراك حتى يسمع االنسان

الشيء ويراه ويتصور خالف ما هو عليه واالنبياء يصححون سمع االنسان وبصره وعقله والذين خ��الفوهم

صم بكم عمي فهم ال يعقلون فالسحرة يزي��دون الن��اس عمى وص��مما وبكم��ا واالنبي��اء يرفع��ون عم��اهم

وصممهم وبكمهم كما في الصحيح عن عطاء بن يسار أن�ه س�أل عب��د الل��ه بن عم�رو روى عب��د الل��ه بن

سالم أنه قيل له أخبرنا ببعض صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال انه لموصوف في

ونذيرا  التوراة ببعض صفته في القرآن ومبشرا شاهدا أرسلناك إنا النبي أيها وحرزا لالميينيا

انت عبدي سميتك المتوكل لست بفظ وال غليظ وال س��خاب باالس��واق وال تج��زي بالس��يئة الس��يئة ولكن

تجزي بالسيئة الحسنة وتعفو وتغفر ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء ف��أفتح ب��ه أعين��ا عمي��ا وآذان��ا

صما وقلوبا غلفا بأن يقولوا ال اله اال الله وهذا مذكور عند أهل الكتاب في نبوة أشعيا ولف�ظ الت�وراة ق�د

يراد به جميع الكتب التي نزلت قبل االنجيل فيقال التوراة واالنجيل ويراد بالتوراة الكت��اب ال��ذي ج��اء ب��ه

Page 149: النبوات

موسى وما بعده من نبوة االنبياء المتبعين لكتاب موسى قد يسمى هذا كل��ه ت��وراة ف��إن االت��وراة تفس��ر

بالشريعة فكل من دان بشريعة التوراة قيل لنبوته انها من التوراة وكثير مما يعزوه كعب األحب��ار ونح��وه

إلى التوراة هو من هذا الباب ال يختص ذلك بالكتاب المنزل على موسى كلفظ الشريعة عن��د المس��لمين

يتناول القرآن واالحاديث النبوية وما استخرج من ذلك كما قد بسط هذا في موضع آخر والمقصود هنا أن

االنبياء يفتحون األعين العمي واآلذان الصم والقلوب الغلف والسحرة يفس��دون الس��مع والبص��ر والعق��ل

حتى

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،289.

أعين  يخيل لالنسان األشياء بخالف ما هي عليه فيتغير حسه وعقله قال في قصة موسى سحرواعظيم بسحر وجاءوا واسترهبوهم وهذا يقتضي أن أعين الناس قد حصل فيها تغير ولهذاالناس

تعالى سكرت  قال إنما لقالوا يعرجون فيه فظلوا السماء من بابا عليهم فتحنا ولومسحورون قوم نحن بل فقد علموا أن السحر يغير االحساس كما يوجب المرض والقتلابصارنا

وهذا كله من جنس مقدور االنس فإن االنسان يقدر أن يفع��ل في غ��يره م��ا يفس��د إدراك��ه وم��ا يمرض��ه

ويقتله فهذا مع كونه ظلما وشرا هو من جنس مقدور البشر والجني إذا اراد أن يرى قرين��ه أم��ورا غائب��ة

سأل عنها مثلها له فاذا سأل عن المسروق أراه ش��كل ذل��ك الم��ال وإذا س��أل عن ش��خص أراه ص��ورته

ونحو ذلك وقد يظن الرائي أنه رأى عينه وإنما رأى نظيره وق��د يتمث��ل الج��ني في ص��ورة اإلنس��ي ح��تى

يظن الظان أنه اإلنسي وهذا كثير كما تصور لقريش في صورة س��راقة ابن مال��ك بن جعش��م وك��ان من

من  اشراف بني كنانة قال تعالى اليوم لكم غالب ال وقال أعمالهم الشيطان لهم زين وإذلكم جار وأني اآلية فلما عاين المالئكة ولى هاربا ولما رجعوا ذكروا ذلك لسراقة فقال واللهالناس

ما علمت بحربكم حتى بلغني هزيمتكم وهذا واقع كثيرا حتى ان��ه يتص��ور لمن يعظم شخص��ا في ص��ورته

فاذا استغاث ب�ه أت�اه فيظن ذل��ك الش��خص ان�ه ش�يخه الميت وق�د يق�ول ل��ه إن�ه بعض االنبي��اء أو بعض

الصحابة االموات ويكون هو الشيطان وكث�ير من الن�اس أه�ل العب�ادة والزه�د من يأتي�ه في اليقظ�ة من

يقول إنه رسول الله ويظن ذلك حقا ومن يرى إذا زار بعض قبور االنبياء أو الص��الحين أن ص��احب الق��بر

قد خرج اليه فيظن أنه صاحب القبر ذلك النبي أو الرجل الص�الح وإنم�ا ه�و ش�يطان أتى في ص�ورته إن

كان يعرفها وإال أتى في صورة انسان ق��ال إن��ه ذل��ك الميت وك��ذلك ي��أتي كث��يرا من الن��اس في مواض��ع

ويقول انه الخضر وإنما كان جنيا من الجن ولهذا لم يجترئ الش��يطان على أن يق��ول ألح��د من الص��حابة

إنه الخضر وال قال أحد من الصحابة إني رأيت الخضر وإنما وقع هذا بعد الصحابة وكلما ت��أخر االم��ر ك��ثر

حتى إنه يأتي

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،290.

اليهود والنصارى ويقول انه الخضر ولليهود كنيسة معروفة بكنيس��ة الخض��ر وكث��ير من كن��ائس النص��ارى

يقصدها هذا الخضر والخضر الذي يأتي هذا الشخص غير الخضر الذي ي��أتي ه��ذا وله��ذا يق��ول من يق��ول

منهم لكل ولي خضر وإنما هو جني معه والذين يدعون الكواكب تتنزل عليهم أشخاص يسمونها روحاني��ة

الكواكب وهو شيطان نزل عليه لما أشرك ليغويه كما تدخل الشياطين في االص��نام وتتكلم أحيان��ا لبعض

الناس وتتراءى للسدنة أحيانا ولغيرهم أيضا وقد يستغيث المشرك بشيخ له غ��ائب فيحكى الج��ني ص��وته

لذلك الشيخ حتى يظن أنه سمع صوت ذلك المريد مع بعد المس��افة بينهم��ا ثم ان الش��يخ يجيب��ه فيحكي

الجني صوت الشيخ للمريد حتى يظن أن شيخه سمع صوته وأجاب��ه وإال فص��وت االنس��ان يمتن��ع أن يبل��غ

مسيرة يوم ويومين وأكثر وقد يحصل للمريد من يؤذيه فيدفعه الجني ويخيل للمريد أن الشيخ ه��و دفع��ه

وقد يضرب الرجل بحجر فيدفعه عنه الج��ني ثم يص��يب الش��يخ بمث��ل ذل��ك ح��تى يق��ول اني اتقيت عن��ك

الضرب وهذا أثره في وقد يكونون يأكلون طعاما فيصور نظيره للشيخ ويجعل يده فيه ويجعل الش��يطان

يده في طعام أولئك حتى يتوهم الشيخ وهم ان يد الشيخ امتدت من الشام الى مصر وص��ارت في ذل��ك

االناء وعمر بن الخطاب لما نادى يا سارية الجبل قال ان لله جندا يبلغ��ونهم ص��وتي فعلم أن ص��وته انم��ا

يبلغ بما ييسره الله من تبليغ بعض المالئكة او صالحي الجن فيهتفون بمثل صوته كالذي ينادي ابن��ه وه��و

بعيد ال يسمع يا فال فيسمعه من يريد إبالغه فينادي يا فالن فيسمع ذل��ك الص��وت وه��و المقص��ود بص��وت

أبيه وإال فصوت البشر ليس في قوته أن يبلغ مسافة اي�ام وق�د قلن�ا أن آي�ات االنبي�اء ال��تي اختص�وا به�ا

Page 150: النبوات

بمثل  خارجة عن قدرة الجن واالنس قال تعالى ياتوا أن على والجن االنس اجتمعت لئن قلظهيرا لبعض بعضهم كان ولو بمثله يأتون ال القرآن وأما اذا كانت مما تقدر عليه المالئكةهذا

فهذا مما يؤيدها فإن المالئكة ال يطيعون من يكذب على الله وال يؤيدونه بالخوارق ف��اذا أي��د ب��ه كم��ا أي��د

الله به نبيه والمؤمنين يوم بدر ويوم حنين كان ه��ذا من أعالم ص��دقه وإن��ه ص��ادق على الل��ه في دع��وى

النبوة فإنها

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،291.

ال تؤيد الكذاب لكن الشياطين تؤيد الكذب والمالئكة تؤيد الصدق والتأييد بحسب االيمان فمن كان إيمانه

أقوى من غيره كان جنده من المالئكة أقوى وان كان ايمانه ض��عيفا ك��انت مالئكت��ه بحس��ب ذل��ك كمل��ك

االنسان وشيطانه فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما منكم من أح��د إال

وكل به قرينه من المالئكة وقرينه من الجن قالوا وبك ي�ا رس�ول الل��ه ق�ال وبي لكن الل��ه أع�انني علي��ه

فأسلم وفي حديث آخر فال يأمرني إال بخ�ير وه�و في ص�حيح مس��لم من وجهين من ح�ديث ابن مس��عود

ومن حديث عائشة وقال ابن مسعود ان للقلب لمة من المل��ك ولم��ة من الش��يطان فلم��ة المل��ك إيع��اد

الخير وتصديق بالحق ولمة الشيطان ايعاد بالشر وتكذيب بالحق فاذا كانت حس��نات االنس��ان أق��وى أي��د

بالمالئكة تأييدا يقهر به الش�يطان وإن ك�انت س�يئاته اق�وى ك�ان جن�د الش�يطان مع�ه أق�وى وق�د يلتقي

شيطان المؤمن بشيطان الكافر فشيطان المؤمن مهزول ضعيف وشيطان الكافر سمين قوي فكم��ا أن

االنسان بفجوره يؤيد ش�يطانه على ملك�ه وبص�الحه يؤي�د ملك�ه على ش�يطانه فك�ذلك الشخص�ان يغلب

أحدهما اآلخر ألن اآلخر لم يؤيد ملكه فلم يؤيده أو ضعف عنه ألنه ليس معه إيمان يعينه كالرجل الص��الح

اذا ك���ان ابن���ه ف���اجرا لم يمكن���ه ال���دفع عن���ه لفج���وره وبس���ط ه���ذه االم���ور ل���ه موض���ع آخ���ر

والمقصود هنا الكالم على الفرق بين آيات االنبياء وغيرهم وأن من قال أن آيات االنبياء والسحر والكهانة

والكرامات وغير ذلك من جنس واحد فقد غلط ايضا والطائفتان لم يعرفوا قدر آيات االنبياء ب��ل جعلوه��ا

من ه������ذا الجنس فه������ؤالء نف������وه وه������ؤالء أثبت������وه وذك������روا فرق������ا ال حقيق������ة ل������ه

واذا قال القائل آيات االنبياء ال يقدر عليها إال الل�ه أو أن الل�ه يخترعه�ا ويبت�دئها بقدرت�ه أو أنه�ا من فع�ل

الفاعل المختار ونحو ذلك قيل له هذا كالم مجمل فقد يقال عن كل ما يك��ون ان��ه ال يق��در علي��ه إال الل��ه

فإن الله خالق كل شيء وغيره ال يستقل باحداث شيء وعلى هذا فال فرق بين المعج�زات وغيره�ا وق�د

يقال ال يقدر عليها إال

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،292.

الله أي هي خارجة عن مقدورات العباد فإن مقدوراته على قسمين منها ما يفعله بواس��طة ق��درة العب��د

كأفعال العباد وما يصنعونه ومنها ما يفعله بدون ذلك كإنزال المطر فإن أراد هذا القائل أنه��ا خارج��ة عن

مقدور اإلنس بمعنى أنه ال يقع منهم ال بإعانة الجن وال بغير ذلك فهذا كالم صحيح وإن أراد أنه خ��ارج عن

مقدورهم فقط وإن كان مقدورا للجن فهذا ليس بصحيح فإن الرسل أرسلوا إلى االنس والجن والس��حر

هل  والكهانة وغير ذلك تقدر الجن على إيصالها إلى االنس وهي مناقضة آليات االنبياء كما قال تعالى أثيم أفاك كل على تنزل الشياطين تنزل من على مقدورأنبئكم عن خارجة أنها أراد وإن

المالئكة واإلنس والجن أو أن الله يفعلها بال سبب فهذا أيضا باطل فمن أين له أن الله يخلقه��ا بال س��بب

ومن أين له أنه ال يخلقها بواسطة المالئكة الذين هم رسله في عامة ما يخلقه فمن أين له أن جبريل لم

 ينفخ في مريم حتى حملت بالمسيح وقد أخبر الله بذلك وهو وأمه مما جعلهما آية للعالمين قال تع��الى

ومعين قرر ذات ربوة الى وآويناهما آية وأمه مريم ابن منوجعلنا أب بال المسيح وخلق

سويا  أعظم اآليات وكان بواسطة نفخ جبريل قال تعالى بشرا لها فتمثل روحنا اليها فأرسلنازكيا غالما لك ألهب ربك رسول أنا إنما قال تقيا كنت إن منك بالرحمن أعوذ إني قالت

بغيا أك ولم بشر يمسسني ولم ولد لي يكون انى عمران  وقال تعالى قالت ابنة ومريمروحنا من فيه فنفخنا فرجها أحصنت وكذلك طمس أبصار قوم لوط كان بواسطة المالئكةالتي

الجن لسليمان قال عفريت من لما الكتاب من  والذي عنده علم من تقوم أن قبل به آتيك أنايرتد أن قبل به آتيك انا الكتاب من علم عنده الذي قال أمين لقوي عليه واني مقامك

طرفك أتته به المالئكة كذلك ذكره المفسرون عن ابن عباس وغيره أن المالئكة أتته به أسرعاليك

Page 151: النبوات

مما كان يأتي به العفريت وقد أخبر الله تعالى أنه أيد محمدا ص�لى الل��ه علي��ه وس�لم بالمالئك��ة وب�الريح

بصيرا  وقال تعالى تعملون بما الله وكان تروها لم وجنودا ريحا عليهم وقال تعالىفأرسلنا

يوم حنين

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،293.

تروها   لم جنودا وأنزل المؤمنين وعلى رسوله على سكينته الله وقال تعالىفأنزل

الغار تروها  يوم لم بجنود وأيده عليه سكينته الله تعالى فأنزل ربك  وقال يوحي اذالرعب كفروا الذين قلوب في سألقي آمنوا الذين فثبتوا معكم أني المالئكة وقدالى

ثبت في الصحيح أن االنسان يصوره ملك في الرحم بإذن الله ويقول المل��ك أي رب نطف��ة أي رب

 علقة أي رب مضغة فاذا كان الخلق المعتاد يكون بتوسط المالئكة فإنه يقرر التوحيد بقوله تع��الى

ربكم اعبدوا الناس أيها بقوله يا النبوة ثم على  اآليات نزلنا مما ريب في كنتم وإنفأتوا ثم المعاد وكذلك االنعام يقرر التوحيد ثم النبوة في وسطها ثم يختمها بأصول الشرائععبدنا

والتوحيد أيضا وهو ملة ابراهيم وهذا مبسوط في غير هذا الموضع والمقصود أن��ه ق��د ي��بين انف��راده

أفمن  بالخلق والنفع والضر واالتيان باآليات وغير ذل�ك وإن ذل�ك ال يق�در علي�ه غ�يره ق�ال تع�الى يخلق ال كمن تعالى يخلق بنين  وقال له وخرقوا وخلقهم الجن شركاء لله وجعلوا

له يكون انى واالرض السماوات بديع يصفون عما وتعالى سبحانه علم بغير وبناتإله ال ربكم الله ذلكم عليك شيء بكل وهو شيء كل وخلق صاحبة له تكن ولم ولد

وهو االبصار تدركه ال وكيل شيء كل على وهو فاعبدون شيء كل خالق هو إالوما فعليها عمي ومن فلنفسه ابصر فمن ربكم من بصائر جاءكم قد الخبير اللطيف

ما اتبع يعلمون لقوم ولنبينه درست وليقولوا االيات نفصل وكذلك بحفيظ عليكم أناأشركوا ما الله شاء ولو المشركين عن وأعرض هو إال إله ال ربك من إليك أوحي

دون من يدعون الذين تسبوا وال بوكيل عليهم أنت وما حفيظا عليهم جعلناك ومامرجعهم ربهم ألى ثم عملهم أمة لكل زينا كذلك علم بغير عدوا الله فيسبوا الله

قل بها ليؤمنن آية جاءتهم لئن أيمانهم جهد بالله وأقسموا يعملون كانوا بما فينبئهموأبصارهم أفئدتهم ونقلب يؤمنون ال جاءت إذا أنها يشعركم وما الله عند اآليات إنما

في ونذرهم مرة أول به يؤمنوا لم كما

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،294.

قال  طغيانهم يعمهون اآليات إنزال في حتى التوحيد تقرير اآليات هذه إنما اآليات عندففي

العنكبوت  الله في قوله وقالوا لوال أنزل عليه آيات من ربه قل إنما اآليات عند الله وإنماوكذلك

انا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحم��ة وذك��رى لق��وم يؤمن��ون

قل كفى بالله بيني وبينكم ش�هيدا يعلم م�ا في الس�موات واالرض وال�ذين آمن�وا بالباط�ل وكف�روا بالل�ه

أيضا  أولئك هم الخاسرون وقالوا لوال أنزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آيةوقال

في  ولكن أكثرهم ال يعلمون سلما أو األرض في نفقا تبتغي أن استطعت فان قوله بعد هذاالجاهلين من تكونن فال الهدى على لجمعهم الله شاء ولو بآية فتأتيهم وهو أرسلهالسماء

بآيات بان بها الحق وقامت بها الحجة وكانوا يطلبون آيات تعنت��ا فيظن من يظن أنهم يهت��دون به��ا لكن ال

يحصل بها المقصود وقد تكون موجبة لعذاب االستئصال فتكون ضررا بال نفع وبين سبحانه أنه ق��ادر على

انزال اآليات وأنها ليست إال عنده وغير أفع�ال العب�اد ق�د اتف�ق الن�اس على أن�ه ال يخلق�ه اال الل�ه وإنم�ا

تنازعوا في أفعال العباد والصواب انها أفعال لهم وهي مخلوقة لله لكن آيات االنبياء ال تك��ون مم��ا يق��در

العبد كما قال الله  عليه عند اآليات إنما إنما هي سبب من األسباب كما في خلققل والمالئكة

المسيح من غير أب فجبريل إنما كان مقدوره النفخ فيها وهذا ال يوجب الخلق بل هو بمنزلة االن��زال في

حق غير المسيح وكذلك المس��يح لم��ا خل��ق من الطين كهيئ��ة الط��ير إنم��ا مق��دوره تص��وير الطين وإنم��ا

الخليل يحيي ويميت وهذا من خصائصه ولهذا قال الله فباذن فيه الحياة يحيي  حصول الذي ربيالحي  وفي القرآن في غير مواضع ويميت من الميت ويخرج الميت من الحي وكنتم  يخرج

فأحياكم موتها  أمواتا بعد االرض ويميت  يحيي يحيي المالئكةوالله أفعال عن يتولد وما

Page 152: النبوات

وغيرهم ليسوا مستقلين به بل لهم فيه شركة كطمس ابصار اللوطية وقلب مدينتهم وكذلك النص��ر إنم��ا

يقدرون على القتال كاالنس

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،295.

الله كما قال تعالى قلوبكم  والنصر هو من عند به ولتطمئن بشرى إال الله جعله وماالله عند من إال النصر فهموما ابتداء إحداثه على ال به النزول على يقدرون إنما والقرآن

يقدرون على االتيان بمثله من عند الله وأما الجن واالنس فال يقدرون على االتيان بمثله ألن الل��ه ال

بمثله  يكلم بمثله الجن واالنس ابتداء ولهذا قال يأتون مثله  وقال تعالى ال من بسورة فأتوامثله  وقال سور بعشر صادقين  وقال فأتوا كانوا ان مثله بحديث لم يكلفهمفليأتوا

نفس اإلحداث بل طالبهم باالتيان بمثله إما إحداثا وإما تبليغا عن الله أو عن مخلوق ليظهر عج��زهم

من جميع الجهات فقد يقال فنفس أفعال العباد ليست من اآليات إذ كانت مق��دورة ومفعول��ة للعب��د

وإن كان ذلك بأقدار الله تع�الى وال نفس الق�درة على ذل��ك الفع�ل ف�إن المقص�ود من الق�درة ه�و

الفعل بل اآليات خارجة عن مقدور جميع العباد المالئكة والجن واالنس وهي أيضا ال تنال باالكتساب

فإن اإلنس والجن قد يق�درون بأس�باب مباين�ة لهم على أم�ور كم�ا يق�درون على قت�ل من يقتلون�ه

وإمراضه ونحو ذلك وآيات االنبياء ال يقدر أحد أن يتوصل اليها بس��بب والس��حر والكهان��ة مم��ا يمكن

التوصل اليه بسبب كالذي يأتي بأقوال وأفعال تحدثه بها الجن فالنبوة ال تنال بكسب العبيد وال آياتها

تحصل بكسب العباد وهذا من الفروق بين آيات االنبياء وبين الس�حر والكهان�ة وبينهم�ا ف�روق ك�ثرة

أكثر من عشرة أحدها أن ما تخبر به االنبياء ال يكون اال صدقا وأما م��ا يخ��برهم ب��ه من خ��الفهم من

السحرة والكهان وعباد المشركين وأهل الكتاب وأهل البدع والفجور من المسلمين فإن�ه ال ب�د في�ه

من الكذب الثاني أن االنبياء ال تأمر اال بالعدل وال تفعل اال العدل وه��ؤالء المخ��الفون لهم ال ب��د لهم

من الظلم ف��إن من خ��الف الع��دل ال يك��ون اال ظلم��ا في��دخلون في الع��دوان على الخل��ق وفع��ل

الفواحش والشرك والقول على الل��ه بال علم وهي المحرم�ات ال��تي حرمه��ا الل��ه مطلق�ا كم�ا ق�ال

الحق  تعالى بغير والبغي واالثم بطن وما منها ظهر ما الفواحش ربي حرم انما قلعلى تقولوا وأن سلطانا به ينزل لم ما بالله تشركوا وان

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،296.

معتاد  الله ماال تعلمون هو كما االنبياء لغير معتاد يخالفهم من به يأتي ما أن الثالثاالنبياء وآيات والفجور البدع وأهل الكتاب وأهل المشركين وعباد والكهان للسحرةوعلى أنبياء أنهم على فتدل حكمه على وأمره الله خبر على تدل أنها معتادة هي

من هي االولياء وكرامات غيرهم أو المخبرين هم كانوا سواء بنبوتهم أخبر من صدقصدق على تدل أيضا هي الساعة أشراط وكذلك االنبياء بنبوة يخبرون فإنهم هذا

وأشراط االولياء كرامات من أولئك جعله فالذي بها أخبروا قد كانوا اذ االنبياءبالموجود كذبوا فأولئك عليها يدل وال جنسها من هو اذ االنبياء آليات ناقضا الساعة

عند اآليات وكانت آية عندهم الحقيقة في تكن فلم وغيرها اآليات بين سووا وهؤالءأيضا جهلهم نصروا وهؤالء بالحق بالتكذيب جهلهم نصروا وأولئك منتقضة أولئك

ال أنه وزعموا تعارض ال التي بالدعوى المقرونة هي اآلية ان فقالوا الباطل بقولتكذيب وهو آية كان يعارض لم اذا وأنه آية جعل اذا والكهانة السحر معارضة يمكن

ما اآليات في أدخلت فالطائفتان يعارض ولم نبي غير ادعاه قد فإنه أيضا بالحقآيات من الساعة واشراط االولياء فكرامات منها هو ما منها وأخرجت منها ليسوبين بينها سووا أو وأدخلوها آياتهم من ليس والكهانة والسحر وأخرجوها االنبياء

انما فهي باالكتساب تنال أنها قدر لو والنبوة االنبياء آيات أن الرابع ونوابها بل اآلياتبل والظلم بالكذب نبيا يصير أحدا ان عاقل يقول ال فإنه وطاعته الله بعبادة تنال

نفسه زكى اذا انه قال أو العمل على جزاء النبوة ان قال سواء والعدل بالصدقوالعدل الصدق اللتزام مستلزمة هي القولين فعلى االنبياء على يفيض ما عليه فاض

االنبياء خالف من بخالف يفسدها ذلك فإن الله على يكذب صاحبها أن فيمتنع وحينئذ

Page 153: النبوات

واهل الملل أهل من والفجور البدع وأهل المشركين وعباد والكهان السحرة منخوارقهم بل واإلثم الكذب مع الخوارق لهم تحصل هؤالء فإن والمسلمين الكتاب

النبوات مع ذلك أشد ألنهم يخالفون االنبياء وما ناقض الص��دق والع��دل لم يكن إال ك��ذبا وظلم��ا فك��ل من خ��الف

أثيم  طريق االنبياء ال بد له من الكذب والظلم اما عمدا واما جهال وقوله تعالى أفاك كل على تنزل ليس من شرطه أن يتعمد الكذب بل من كان جاهال يتكلم بال علم فيكذب فان الشياطين تنزل عليه أيضا

اذ من أخبر عن الشيء بخالف ما هو عليه من غير اجتهاد يعذر به فهو كذاب ولهذا يصف الله المشركين

بالكذب وكثير منهم ال يتعمد ذلك وكذلك قال النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم لم��ا أف��تى اب��و الس��نابل ب��أن

المتوفي عنها الحامل ال تحل بوضع الحمل بل تعتد أبعد االجلين فقال كذب أبو السنابل أي في قوله ب��أن

المتوفي عنها الحامل ال تحل بوضع الحمل بل تعتد أبعد االجلين وكذلك لما قال بعضهم ابن االك�وع حب�ط

عمله قال النبي صلى الله عليه وسلم كذب من قالها انه لجاهد مجاهد ونظائره كثيرة فاالنبياء ال يقع في

إخبارهم عن الله كذب ال عمدا وال خطأ وكل من خالفهم ال بد أن يقع في خ��بره عن الل��ه ك��ذب ض��رورة

فإن خبره اذا لم يكن مطابقا لخبرهم كان مخالفا له فيكون ك��ذبا فال��ذي ت��نزل علي��ه الش��ياطين اذا ظن

واعتقد انهم جاءوا من عند الله وأخبر بذلك كان كاذبا وكذلك اذا قال عما أوحوه اليه إن الله أوح��اه الي��ه

ليجادلوكم  كان كاذبا قال تعالى أوليائهم الى ليوحون الشياطين ولما شاع خبر المختار بنان

أبي عبيد وهو أول من ظهر في االسالم بالكذب في ه�ذا وثبت في الص�حيح عن الن�بي ص�لى الل�ه علي�ه

وسلم انه قال يكون في ثقيف كذاب ومبير فكان الك��ذاب ه��و المخت��ار بن أبي عبي��د وك��ان يتش��يع لعلي

ولهذا يوجد الكذب في الشيعة اكثر مما يوجد في جميع الطوائف والمب��ير ه�و الحج�اج بن يوس�ف وك�ان

ظالما معتديا وكان يتشيع لعثمان والمختار يتشيع لعلي فذكر البن عم�ر وابن عب�اس ام�ر المخت�ار وقي�ل

أوليائهم  ألحدهما إنه يزعم أنه يوحى اليه فقال صدق الى ليوحون الشياطين وقيل لآلخر إنهان

ينزل عليه فقال صدق أنه أفاك  يزعم كل على تنزل الشياطين تنزل من على أنبئكم هل الخامس أن ما يأتي به السحرة والكهان والمشركون وأهل البدع من أهل الملل ال يخرج عن كون��هأثيم

مقدورا لالنس والجن

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،298.

النبواتوالجن  وآيات االنبياء ال يقدر على مثلها ال االنس وال الجن كما قال تعالى االنس اجتمعت لئن قل

ظهيرا لبعض بعضهم كان ولو بمثله يأتون ال القرآن هذا بمثل يأتوا أن السادس أن ماعلى

يأتي به السحرة والكهان وكل مخالف للرسل تمكن معارضته بمثله وأقوى منه كما هو الواقع لمن عرف

هذا الباب وآيات االنبياء ال يمكن أحدا أن يعارضها ال بمثلها وال بأقوى منه��ا وك��ذلك كرام��ات الص��الحين ال

تعارض ال بمثلها وال بأقوى منها بل ق��د يك��ون بعض آي��ات أك��بر من بعض وك��ذلك آي��ات الص��الحين لكنه��ا

متصادقة متعاونة على مطلوب واحد وهو عبادة الله وتصديق رسله فهي آيات ودالئل وبراهين متعاض��دة

على مطلوب واحد واالدلة بعضها أدل وأقوى من بعض ولهذا كان المش��ايخ ال��ذين يتحاس��دون ويتع��ادون

ويقهر بعضهم بعضا بخوارقه إم��ا بقت��ل وإم��راض وإم��ا بس��لب حال��ه وعزل��ه عن مرتبت��ه وإم��ا غ��ير ذل��ك

خوارقهم شيطانية ليست من آيات االنبياء واالولياء وكثير من هؤالء يكون في الباطن كافرا منافقا وكث��ير

منهم يموت على غير االسالم وكثير منهم يكون مسلما مع ظلم يعرف ان��ه ظلم ومنهم من يك��ون ج��اهال

يحسب أن ما هو عليه مما أمر الله به ورسوله ه�ذا كم�ا يق�ع للمل�وك المتن�ازعين على المل�ك من قه�ر

بعضهم لبعض فهذا خارج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراش��دين الس��ابع أن

آيات االنبياء هي الخارقة للعادات ع��ادات االنس والجن بخالف خ��وارق مخ��الفيهم ف��إن ك��ل ض��رب منه��ا

معتاد لطائفة غير االنبياء وآيات االنبياء ليست معتادة لغير الذين يصدقون على الله ويصدقون من ص��دق

على الله وهم الذين جاءوا بالصدق وصدقوا وتلك معتادة لمن يفتري الك��ذب على الل��ه أو يك��ذب ب�الحق

Page 154: النبوات

لما جاءه فتلك آيات على كذب أصحابها وآيات االنبياء آيات على صدق أصحابها فإن الله سبحانه ال يخلى

أم  الصادق مما يدل على صدقه وال يخلي الكاذب مما يدل على كذبه إذ من نعته ما أخبر ب��ه في قول��ه قلبك على يختم الله يشأ فإن كذبا الله على افترى الله  ثم قال خبرا مبتديا يقولون ويمح

بكلماته الحق ويحق فهو سبحانه ال بد أن يمحق الباطل ويحق الحق بكلماته وقال تعالى الباطل

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،299.

النبواتإن   لدنا من التخذناه لهوا نتخذ أن أردنا لو العبين بينهما وما واالرض السماء خلقنا وما

تصفون مما الويل ولكم زاهق هو فإذا فيدمغه الباطل على بالحق نقذف بل فاعلين كنا كما أخبر في موضع أنه لم يخلق الخلق عبثا وال سدى وإنما خلقهم بالحق وللحق فال بد أن يج��زي ه��ؤالء

فيدمغه  وهؤالء باظهار صدق هؤالء وإظهار كذب هؤالء كما قال الباطل على بالحق نقذف بلزاهق هو الثامن ان هذه ال يقدر عليها مخلوق فال تكون مقدورة للمالئكة وال للجن وال لالنس وإنفاذا

كانت المالئكة قد يك��ون لهم فيه��ا س�بب بخالف تل��ك فإنه��ا إم�ا مق�دورة لالنس أو للجن أو مم�ا يمكنهم

التوصل اليها بسبب وأما كرامات الص��الحين فهي من آي��ات االنبي��اء كم��ا تق��دم ولكن ليس��ت من آي��اتهم

الكبرى وال يتوقف اثبات النبوة عليها وليست خارقة لعادة الص��الحين ب��ل هي معت��ادة في الص��الحين من

أهل الملل في أهل الكتاب والمسلمين وآيات االنبياء التي يختصون بها خارقة لعادة الصالحين التاسع أن

خوارق غير االنبياء والصالحين من السحرة والكهان أهل الشرك والبدع تنال بأفعالهم كعباداتهم ودعائهم

وشركهم وفجورهم ونحو ذلك وأما آيات االنبياء فال تحصل بشيء من ذلك بل الله يفعلها آية وعالم��ة لهم

وقد يكرمهم بمثل كرامات الصالحين وأعظم من ذلك مما يقصد ب�ه إك�رامهم لكن ه�ذا الن�وع يقص�د ب�ه

االكرام والداللة بخالف اآليات المجردة كانشقاق القم��ر وقلب العص��ا حي��ة وإخ��راج ي��ده بيض��اء واإلتي��ان

بالقرآن واإلخبار بالغيب الذي يختص الله به فأمر اآليات الى الله ال إلى اختيار المخل��وق والل��ه ي��أتي به��ا

بحسب علمه وحكمته وعدله ومشيئته ورحمته كما ينزل ما ينزله من آيات القرآن وكما يخل��ق من يش��اء

من المخلوقات بخالف ما حصل باختيار العبد إما لكونه يفعل ما يوجبه أو يدعو الله به فيجيب��ه ف�الخوارق

التي ليست آيات تارة تكون بدعاء العبد والله تعالى يجيب دعوة المضطر وان كان كافرا لكن للمؤم��نين

من إجابة الدعاء ما ليس لغيرهم وتارة تكون بسعيه في أسبابها مثل توجهه بنفسه وأعوانه وبمن يطيع��ه

من الجن واالنس في حصولها وأما آيات االنبياء فال تحصل بشيء من ذلك العاشر أن النبي ق��د خلت من

قبله أنبياء يعتبر بهم فال

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،300.

النبوات يأمر إال بما أمرت به االنبياء من عبادة الله وحده والعمل بطاعته والتصديق باليوم اآلخر وااليمان بجمي��ع

الكتب والرسل فال يمكن خروجه عما اتفقت عليه االنبياء وأما السحرة والكهان والمشركون وأهل الب��دع

من أهل الملل فإنهم يخرجون عما اتفقت عليه االنبياء فكلهم يش�ركون م�ع تن�وعهم ويك�ذبون ببعض م�ا

جاء به االنبياء واالنبياء كلهم منزهون عن الشرك وعن التكذيب بشيء من الحق الذي بعث الل��ه ب��ه نبي��ا

يعبدون  قال تعالى آلهة الرحمن دون من أجعلنا رسلنا من قبلك أرسلنا من وقالواسأل

فاعبدون  تعالى انا إال إله ال أن اليه نوحي إال رسول من قبلك من أرسلنا  وقال تعالى وماالله هدى من فمنهم الطاغوت واجتنبوا الله اعبدوا ان رسوال أمة كل في بعثنا ولقد

الضاللة عليه حقت من والمؤمنون  وقال تعالى ومنهم ربه من اليه أنزل بما الرسول آمنرسله من أحد بين نفرق ال ورسله وكتبه ومالئكته بالله آمن آمنا  وقال تعالى كل قولوا

وما واالسباط ويعقوب وإسحاق واسماعيل ابراهيم الى أنزل وما الينا أنزل وما باللهله ونحن منهم أحد بين نفرق ال ربهم من النبيون أوتي وما وعيسى موسى أوتي

Page 155: النبوات

شقاق في هم فإنما تلوا وإن اهتدوا فقد به آمنتم ما بمثل آمنوا فان وقال تعالىمسلمون

والنبيين والكتاب والمالئكة اآلخر واليوم بالله آمن من البر تعالى ولكن الذين  وقال انونكفر ببعض نؤمن ويقولون ورسله الله بين يفرقوا أن ويريدون ورسله بالله يكفرون

حقا الكافرون هم أولئك سبيال ذلك بين يتخذوا أن ويريدون تعالى ببعض أخذ  وقال وإذمعكم لما مصدق رسول جاءكم ثم وحكمة كتاب من آتيتكم لما النبيين ميثاق الله

فاشهدوا قال أقررنا قالوا إصري ذلكم على واخذتم أأقررتم قال ولتنصرنه به لتؤمننالشاهدين من معكم اليك  وقال وأنا أوحينا والذي نوحا به وصى ما الدين من لكم شرع

على كبر فيه تتفرقوا وال الدين أقيموا أن وعيسى وموسى ابراهيم به وصينا وماينيب من اليه ويهدي يشاء من اليه يجتبي الله اليه تدعوهم ما المشركين

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،301.

النبواتتعالى وإن  وقال عليم تعملون بما اني صالحا واعملوا الطيبات من كلوا الرسل أيها يا

بما حزب كل زبرا بينهم أمرهم فتقطعوا قال ثم فاتقون ربكم وأنا واحدة أمة أمتكم هذهفرحون االنبياء لديهم ذكر لما تعالى فاعبدون  وقال ربكم وأنا واحدة أمة أمتكم هذه ان

كفران فال مؤمن وهو الصالحات من يعمل فمن راجعون الينا كل بينهم أمرهم وتقطعواكاتبون له وإنا تلك  قال تعالى لسعيه نصارى أو هودا كان من إال الجنة يدخل لن وقالوا

فله محسن وهو لله وجهه اسلم من بلى صادقين كنتم إن برهانكم هاتوا قل أمانيهميحزنون هم وال عليهم خوف وال ربه عند ويبشرأجره متقدمهم متأخرهم يصدق فاالنبياء

 متقدمهم بمتأخرهم كما بشر المسيح ومن قبله بمحمد وكما صدق محمد جميع النبيين قبله ولهذا يقول وجوها نطمس أن قبل من معكم لما مصدقا نزل بما آمنوا الكتاب أوتوا الذين أيها يا

السبت أصحاب لعنا كما نلعنهم أو أدبارها على بالحق  وقال فنردها الكتاب عليك نزلإن الفرقان وأنزل للناس هدى قبل من واالنجيل التوراة وأنزل يديه بين لما مصدقا

شديد عذاب لهم الله بآيات كفروا بين  وقال الذين لما مصدقا بالحق الكتاب اليك وأنزلناعليه ومهيمنا الكتاب من واالنبياء وأتباعهم كلهم مؤمنون مسلمون يعبدون الله وحده بما أمريديه

ويصدقون بجميع ما جاءت به االنبياء ومن خالفهم ال يكون اال مش��ركا ومك��ذبا ببعض م��ا أن��زل الل��ه وبين

الطائفتين فروق كثيرة غير خوارق العادات الحادي عش��ر أن الن��بي ه��و وس��ائر المؤم��نين ال يخ��برون إال

بحق وال يأمرون اال بعدل فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وي��أمرون بمص��الح العب��اد في المع��اش

والمع��اد ال ي��أمرون ب��الفواحش وال الظلم وال الش��رك وال الق��ول بغ��ير علم فهم بعث��وا بتكمي��ل الفط��رة

وتقريرها ال بتبديلها وتغييرها فال يأمرون إال بما يوافق المعروف في العقول الذي تتلقاه القلوب السليمة

بالقبول فكما أنهم هم ال يختلفون فال يناقض بعضهم بعضا ب��ل دينهم وملتهم واح��د وإن تن��وعت الش��رائع

فهم أيضا

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،302.

النبوات موافقون لموجب الفطرة التي فطر الله عليها عباده موافقون لالدلة العقلية ال يناقضونها قط بل االدل��ة

العقلية الصحيحة كلها توافق االنبياء ال تخالفهم وآيات الل��ه الس��معية والعقلي��ة العياني��ة والس��ماعية كله��ا

متوافقة متصادقة متعاضدة ال يناقض بعضا بعضا كما قد بسط هذا في غير هذا الموضع والذين يخ��الفون

االنبياء من أهل الكفر وأهل البدع كالسحرة والكهان وسائر أن��واع الكف��ار وكالمبت��دعين من أه��ل المل��ل

أهل العلم وأهل العبادة فهؤالء مخالفون لالدلة السمعية والعقلية للس��ماعية والعياني��ة مخ��الفون لص��ريح

بقوله عنهم الله أخبر كما المنقول وصحيح ألم  المعقول خزنتها سألهم فوج فيها ألقي كلما

Page 156: النبوات

نذير اآلية فهؤالء يخالفون أقوال االنبياء إما بالتكذيب وإما بالتحريف من التأويل وإما باالعراضيأتكم

عنها وكتمانها فأما أن ال يذكروها أو يذكروا ألفاظها ويقولون ليس لها معنى يعرفه مخلوق كما أخبر الل��ه

عن أه��ل الكت��اب أن منهم من يك��ذب في اللف��ظ ومنهم من يح��رف الكلم في المع��نى ومنهم جه��ال ال

تعالى قال يقرأون ما كتبت  يفقهون مما لهم فويل قوله الى لكم يؤمنوا أن أفتطمعونيكسبون مما لهم وويل وكذلك هم مخالفون لالدلة العقلية فاالنبياء كملوا الفطرة وبصرواأيديهم

الخلق كما تقدم في صفة محمد صلى الله عليه وسلم ان الله يفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلف��ا

ومخالفوهم يفسدون الحس والعق�ل كم�ا أفس��دوا األدل��ة الس��معية والحس والعق�ل بهم�ا تع��رف األدل��ة

والطرق ثالثة الحس والعقل والخبر فمخالفوا االنبياء أفسدوا هذا وهذا وهذا أم��ا إفس��ادهم لم��ا ج��اء عن

االنبياء فظاهر وأم�ا إفس�ادهم للحس والعق�ل ف�إنهم قس�مان قس�م أص�حاب خ�وارق حس�ية كالس�حرة

والكهان وضالل العباد وقسم أصحاب كالم واستدالل بالقياس والمعقول وكل منهما يفسد الحس والعقل

أما أصحاب الحال الشيطاني فقد عرف أن السحر يغير الحس والعقل حتى يخي��ل الى االنس��ان الش��يء

بخالف ما هو وكذلك سائر الخوارق الشيطانية ال تأتي إال مع نوع فس��اد في الحس أو العق��ل ك��المولهين

الذين ال تأتيهم إال مع زوال عقولهم وآخرين ال تأتيهم إال في الظالم وآخ��رين تتمث��ل لهم الجن في ص��ورة

االنس فيظنون أنهم إنس أو يرونهم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،303.

النبوات مثال الشيء فيظنون أن الذي رأوه ه��و الش��يء نفس��ه أو يس��معونهم ص��وتا يش��به ص��وت من يعرفون��ه

فيظنون أنه صوت ذلك المعروف عندهم وهذا كثير موجود في أهل العبادات البدعية ال�تي فيه�ا ن�وع من

الشرك ومخالفة للشريعة وأما أصحاب الكالم والمقال البهتاني فإنهم بنوا أصولهم العقلية واصول دينهم

الذي ابتدعوه على مخالفة الحس والعقل فأهل الكالم أصل كالمهم في الج��واهر واألع��راض مب��ني على

مخالفة الحس والعقل فانهم يقولون إنا ال نشهد بل وال نعلم في زماننا حدوث شيء من األعيان القائم��ة

بنفسها بل كل ما نشهد حدوثه بل كل ما حدث من قبل أن يخلق آدم إنم��ا تح��دث أع��راض في الج��واهر

التي هي باقية ال تستحيل قط بل تجتمع وتتفرق والخلق عندهم الموجود في زماننا انما هو جمع وتفري�ق

ال ابتداع عين وجوهر قائم بنفسه وال خلق لشيء ق��ائم بنفس��ه ال انس��ان وال غ��يره وإنم��ا يخل��ق أعراض��ا

ويقولون ان كا ما تشاهده من األعيان فإنها مركبة من جواهر كل جوهر منها ال يتم��يز يمين��ه عن ش��ماله

وهذا مخالفة للحس والعقل كاالول ويقول كثير منهم إن االعراض ال تبقى زم�انين ويقول�ون ان�ه ال يف�نى

ويعدم في زماننا شيء من األعيان بل كما ال يحدث شيء من األعي��ان ال يف��نى ش��يء من األعي��ان فه��ذا

أصل علمهم ودينهم ومعقولهم الذي بنوا عليه حدوث العالم واثبات الصانع وه��و مخ��الف للحس والعق��ل

ويقول الذين يثبتون الجوهر الفرد ان الفلك والرحى وغيرهما يتفكك كلما اس��تدار ويق��ول كث��ير منهم إن

كل شيء فإنه يمكن رؤيته وسمعه ولمسه الى غير ذلك من االم��ور ال��تي جعلوه��ا أص��ول علمهم ودينهم

وهي مك���������������������������������������������������ابرة الحس والعق���������������������������������������������������ل

والمتفلسفة أضل من هؤالء فانهم يجعلون ما في الذهن ثابتا في الخارج فيدعون أن م��ا يتص��وره العق��ل

من المعاني الغائبة الكلية موجودة في الجواهر قائمة بأنفسها إما مج�ردة عن االعي�ان وإم�ا مقترن�ة به�ا

وكذلك العدد والمق�دار والخالء وال��دهر والم�ادة ي�دعون وج�ود ذل��ك في الخ�ارج وك�ذلك م�ا يثبتون�ه من

العقول والعلة االولى الذي يسميه متأخروهم واجب الوجود وعامة ما يثبتونه من العقليات إنما

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،304.

النبوات يوجد في الذهن فالذي ال ريب في وجوده نفس االنسان وما يقوم بها ثم ظنوا ما يقوم بها من العقلي��ات

موجودا في الخارج فكان افسادهم للعق��ل أعظم كم��ا أن افس��اد المتكلمين للحس أعظم م��ع أن ه��ؤالء

Page 157: النبوات

المتفلسفة عمدتهم هي العلوم العقلية والعقليات عندهم أصح من الحس�يات وأولئ�ك المتكلم�ون أص�ول

علمهم هي الحس���يات ثم يس���تدلون به���ا على العقلي���ات وبس���ط ه���ذه االم���ور ل���ه موض���ع آخ���ر

والمقصود هنا التنبيه على أن من خالف االنبياء فإنه كما أنه مكذب لما جاءوا به من النبوة والس��مع فه��و

مخالف للحس والعقل فقد فسد عليه األدلة العقلية والنقلية والله سبحانه وتعالى أعلم

الجزء النبوات، صفحة 1كتاب ،305.