قسطنطني زريق . د

معىن النكبة

٢ אאא

احملتويات

توطئة وتقدمة -

فداحة النكبة -

واجب املفكر -

املعاجلة القريبة -

احلل األساسي -

معىن النكبة -

يف مبادىء جهادنا يف فلسطني : ملحق -

الصراع بني املبدأ والقوة يف قضية فلسطني -

طني ؟ ملاذا جناهد يف فلس -

٣ אאא

توطئة وتقدمة

لست أدعي أني، يف هذه الدراسة املقتضبة حملنة العرب أو، بلغة هذا " ( اخرتعت البارود " يف فلسطني، قد

، أو أني اآتشفت الدواء ")القنبلة الذرية: "العصروإمنا هي حماولة لتصفية تفكريي، . الشايف لعّالتنا مجيعًا اليت يرتتب فيها على آل فرد من يف هذه األزمة اخلانقة

وال شك . أفراد األمة قسطه من الواجب ونصيبه من التبعةيف أن أول شرط حلسن القيام هبذا الواجب صحة الفكر

.واستواء اخلطة

فإذا آان من هذه احملاولة، لبين وطين وللفئات القومية املناضلة منهم خاصة، فائدة يف إزالة بعض

. ّونا احلاضر، فهذا غاية ما أرجوالبلبلة السائدة يف جوإال فليكن نصيبها نصيب النافل الكثري مما تصدره

وعساي، على آل حال، أال أآون قد . مطابعنا اليوم .أخطأت املرمى فأضررت من حيث أردت النفع والفائدة

هبذا الشعور أتقدم هبذه الرسالة إىل آل قومي متحرر . الء من بين وطين عربون إميان ومشارآة وو

١٩٤٨آب ٥

قسطنطني زريق

٤ אאא

فداحة النكبة

ليست هزمية العرب يف فلسطني بالنكسة البسيطة، أو وإمنا هي نكبة بكل ما يف هذه . بالشر اهلني العابر

الكلمة من معىن، وحمنة من أشد ما ابتلي به العرب يف .فيه من حمن ومآس تارخيهم الطويل ، على ما

سبع دول عربية تعلن احلرب على الصهيونية يف فلسطني، خطب نارية . فتقف أمامها عاجزة مث تنكص على اعقاهبا

يلقيها ممثلو العرب يف أعلى اهليئات الدولية منذرة مبا ستفعله الدول والشعوب العربية إن صدر هذا القرار أو

ه الرجال الرمسيني وتصرحيات تقذف آالقنابل من أفوا. ذاكمث جيّد اجلّد ، فإذا . لدى اجتماعات اجلامعة العربية

النار خافتة باهتة وإذا الصلب واحلديد صدىء ملتو سريع العطب والتفتت، وإذا القنابل جوفاء فارغة ال

.حتدث أذى وال تصيب مقتًال

سبع دول تتصدى إلبطال التقسيم، وقمع الصهيونية، املعرآة وقد خسرت قسمًا ال يستهان فإذا هبا خترج من هذه

للعرب يف " املعطى"به من أرض فلسطني، بل من اجلزء التقسيم، وإذا هبا تقهر قهرًا على قبول هدنة ال مصلحة

. هلا فيها وال غناء

: قضية مل يعرف التاريخ أعدل منها وأقرب إىل احلقبلد يغتصب من أهله ليجعل وطنًا لشراذم من اخللق

من شىت أقطار العامل ويقيمون فيه دولة رغم ينزلونه ومع . أنوف أصحابه واملاليني من اخواهنم يف األقطار اجملاورة

ضراح، وما يف بالدهم من ما يف يد العرب من حق مع -، وما للدول فيها من مصاحل يساوم عليهاإمكانيات

هذا آله، يقفون فرادى يف امليدان الدويل، تعاديهم ناوئهم الرأي العام العاملي، وليس هلم الدول العظمى وي

حليف قوي قد أعدوه ليسندهم يف مثل هذا الظرف وينصرهم .يف صراعهم

٥ אאא

أربعمائة ألف عربي أو أآثر يشردون من بيوهتم، وتنتزع منهم أمواهلم وأمالآهم، ويهيمون على وجوههم يف ما تبقى من فلسطني، ويف البلدان العربية األخرى، ال

بئه هلم القدر ، أو أي مورد من موارد يدرون ما خيالعيش يرتادون، ويتساءلون عما إذا آان سيحكم عليهم بالعودة إىل بالدهم ليعيشوا حتت ظل الصهيونيني، ويتحملوا ما يفرضونه عليهم من أذى وإهانة وإذابة،

.وإفناء

فقد حتول التشتت والتشرد من اليهود ! بل شر من هذان العرب ال يعرتفون للمشردين فبعد أن آا. إىل العرب

اليهود حبق، وبعد أن آانت اهليئات اليهودية تسعى لدى املنظمات الدولية حلل معضلتهم باقامة الوطن الصهيوني يف فلسطني، إذا بالدول العربية اآلن تستعطف هذه املنظمات إلعادة مشردي العرب إىل بالدهم الواقعة حتت

وقف " رطًا لتحويل احلكم الصهيوني ، وجتعل ذلك ش ".هدنة"إىل " القتال

مل يكن الوطن الصهيوني يف فلسطني أقرب : وعلى اإلمجالوبالعكس، مل يصب . يومًا إىل التحقيق منه يف هذه األيام

الكيان العربي بعد مبا أصيب به يف هذه املعرآة من تصدع .واهنيار

وفوق االهنيار املادي اهنيار معنوي يتمثل يف شك العربحبكوماهتم، واهتاماهتم لقادهتم وزعمائهم ، بل شك الكثريين منهم يف انفسهم ويف قابليتهم آأمة، وتسرب اليأس إىل صدورهم ، وهترهبم من جماهبة اخلطر، وتضاؤهلم

ان هذا االنتكاس املعنوي ! ولعمري . أمام عظم املصيبةالروحي ألهم من اخلسارة املادية مهما عظمت، ألن الشعب

ذا تفتت عزمه وخسر ثقته بنفسه، فقد أضاع خري ما ميلك إوعجز عن أن ينهض بعد آبوة، أو أن ينفض عن نفسه غبار

.الذل واخلذالن

هي ذي بعض وجوه النكبة اليت حلقت بالعرب يف هذه وآفى هبا، وبأمثاهلا مما يدور . املعرآة من حرب فلسطني

يسمع به آل على األلسن وخيتلج يف القلوب، ومما يشاهده و

٦ אאא

منا يف هذه األيام العصيبة، دليًال على خطورة احملنة، . وشدة املأساة

***

على أن من العدل واالنصاف أن نسرع فنقول إن أسباب فالعدو . هذه الكارثة ال تعود آلها إىل العرب أنفسهم

املتصدي هلم قوي الشكيمة، غزير املوارد، بعيد األثر، هو يتأهب هلذا الصراع، وقد و -بل األجيال -قضى السنني

بث نفوذه وسلطته يف مشارق األرض ومغارهبا ، واستوىل على آثري من مصادر القوى يف الدول العظمى، حىت دانت

وهو إذا حشد قواه على . هذه له أو اضطرت إىل مماألتهإحدى هذه الدول أتعبها واستأثر بكثري من مصاحلها، آما

فعأل يف آل من دول األرض أظهر التاريخ البعيد والقريبفكيف به، وقد نازل أمة ال تزال يف بدء هنضتها، . العظمى

أمة -من تكوهنا االجتماعي والسياسي -ويف املرحلة األوىلظلت قرونًا مقهورة على نفسها حبكم استبدادي آاد جيردها عن ذاهتا، وما لبثت منذ أن خلعت عن نفسها هذا

ع حريتها واستقالهلا من أقوى احلكم الثقيل، تسعى النتزاأمم األرض وأبعدها نفوذًا ؟؟ ليست الصهيونية تلك اجلوايل واملستعمرات املنتثرة يف فلسطني فحسب، وإمنا هي الشبكة العاملية، اجملهزة علمًا وماًال ، املسيطرة يف بالد العامل النافذة، املسخرة آل قواها لتحقيق هدفها يف

. فلسطني بناء الوطن ألبنائها يف

فمن الواجب أن نقر هبذه القوة اهلائلة اليت ميتلكها العدو، وأن حنسب هلا حساهبا عندما ننظر يف معضلتنا

فلقد آان من شر ما بلينا به . احلاضرة ونسعى ملعاجلتهايف السنوات األخرية أننا، بينما آنا نطنب يف تبيان هذه

ين هبا القوة وشرورها للغري، آنا حنن بالفعل مستهرتمث عندما نشبت . ذاهلني عن ازديادها وتكتلها على األيام

املعرآة أخذت دعايتنا الداخلية تلهج بانتصارات لنا خيالية، وختدر اجلمهور العربي بسهولة صراعنا احلربي ومقدرتنا على التفوق واالنتصار، إىل أن وقعت النكبة

سنات و لعل ان يكون من ح. ووقع معها رد الفعل املرير هذه اهلزة العنيفة أن تردنا إىل الواقع، وتنبهنا إىل

٧ אאא

حقيقة احلال، فتساعدنا على أن نقدر األمر قدره ونتخذ .له عدته

من احلق والواجب أن نقر بقوة العدو اهلائلة، فال ولكن من احلق . حنمل أنفسنا من اللوم فوق ما تستحق

ضعف يف والواجب آذلك أن نقر بأخطائنا ونتبني مصادر الآياننا ، وأن نعرف مدى مسؤوليتنا يف هذه الكارثة اليت

ومن الشر آل الشر أن نتهرب من هذه . أصابتنااملسؤولية، ونعمي أبصارنا عن مناحي تقصرينا، فننحي بالالئمة على هذا او ذاك من سوانا دون أن نرى الضعف

فما أآثر ما نسمع بيننا . والعيب والفساد يف نفوسنامن شتم لليهود، ومن تنديد باالنكليز واألمريآان اليوم

والروس، ومبجلس األمن ووسيط األمم املتحدة، وبكل من يقف ال شك يف أن هؤالء عادونا . مناوئًا لنا يف هذا الصراع

ويعادوننا، ومن الضروري أن حنذرهم وأن نذآر لكل موقفه وحناسبه عليه آلما سنحت لنا الفرصة واآتملت

الشك يف أنه جيب أن حنّمل آًال منهم . ةعندنا القومسؤوليته أمام التاريخ، وجناهبه هبا ما استطعنا إىل ذلك

ال شك يف أنه جيب أن حنفظ هذا آله يف قلوبنا . سبيًالونلقنه أبناءنا وأحفادنا، ونعتربه يف رسم سياستنا

ولكن جيب أن ال ننسى، يف الوقت نفسه، . وتدبري أمورنا تزال قائمة على القوة واملصلحة ، وان أن السياسة ال

آًال من هذه الدول تتبع مصلحتها أوًال ، وأنه ال يكفينا أن نندد هبا وحنملها مسؤوليتها، إذا حنن مل نندد أوًال مبواطن الضعف فينا وحنمل أنفسنا ما يرتتب عليها من

وإذا آان . تبعة وما يصيبها من نصيب يف نكبتنا احلاضرةالواقع، وإلقاء العبء على الغري، شرًا خطرًا التهرب من

يف األيام العادية، فهو يف أيام احملن والشدائد أصل وليس أفضل من هذه األيام فرصة . العلة ومصدر الفساد

حملاسبة النفس، والستكشاف مواضع الضعف والعمل ملداواهتا، .أو البدء بذلك على األقل

يف هذه ومن العدل واالنصاف آذلك، عند نظرناالنكبة، وتقديرنا ملداها ونتائجها أن نعلم أهنا معرآة يف حرب طويلة األمد، وأننا إذا غلبنا فيها، فليس معىن ذلك أننا خسرنا احلرب آلها، او هزمنا هزمية هنائية ال

.قيام لنا بعدها

٨ אאא

فعليها . إن هذه املعرآة فاصلة من وجوه عدة! أجل وإذا . أو بطالهنا يتوقف تأسيس الدولة الصهيونية

خسرنا املعرآة بكاملها، وتأسست هذه الدولة ، فمما ال شك فيه أن اليهود يف العامل أمجع سيحشدون قواهم آلها

. لالحتفاظ هبا وتقويتها وتوسيعها آما حشدوها إلنشائهاملفاجآت، والكيان املفروض ولكن التاريخ مليء با

الجتماع، ال ، الذي ال يقوم على سنن الطبيعة وابالقوةميكنه أن يبقى طويًال إذا جاهبته قوى طبيعية حية متمشية

.مع جمرى التاريخ

ولذا، فال مربر لليأس يستويل على نفوسنا، ويشل فعاليتنا، وينزع منا ثقتنا بأنفسنا وبأمتنا، آما فعل بالكثريين منا، فأحدث ذلك التخاذل املعنوي الروحي

هوًال من اخلسارة املادية الذي قلت أنه أشد خطرًا وأعظمبل علينا أن نعد للغد عدته ، وأن . واهلزمية احلربية

نأخذ للمعرآة القادمة أهبتها، وأن نتعلم من أعدائنا النظر البعيد والرتتيب احملكم واخلطة املدبرة، والسعي

، لتحقيق املطلوب وبلوغ احلثيث سنوات، بل أجياًاليف تارخيهم، بل ما فما أآثر ما نكب اليهود . الغاية

أآثر ما تعرض آياهنم يف فلسطني يف السنوات األخرية لالهنيار ولكنهم ظلوا صابرين على املكاره، متحملني . والزوال

الشدائد ، واضعني أعينهم على اهلدف املنصوب، إىل أن . بلغوا ما بلغوه اليوم من قوة وبأس

، وإىل لست أعين بالدعوة إىل العمل البعيد املدى! ال النظر إىل احلرب بكاملها ، بدًال من االقتصار على املعرآة

لست أعين بذلك جمرد االنتظار للحوادث تأخذ -احلاضرةفما . جمراها، واالتكال على الظروف تتناسب وتتوافق

االتكالية املتفائلة بالنجاح احملتم، استنادًا إىل الظروف يأس الشال الذي واملناسبات، خريًا من التشاؤم املطبق وال

ففي آليهما هتّرب من الواقع، وختلص . تثريه اهلزمية اآلنية .واع أو غري واع من املسؤولية املرتتبة والواجب املفروض

وإمنا أعين بالنظر والعمل البعيدين، االهتمام أعين جماهبة الواقع . والتدبري على نطاق واسع وملدى طويل

م اخلطة احملكمة آما هو، وتعيني الغرض املطلوب، ورسلبلوغه، وحتقيق ذلك يومًا بعد يوم، دون يأس أو أي نوع

٩ אאא

هذه هي الطريق اليت رمسها التاريخ . من أنواع التهرب . للظفر يف احلروب، ولبناء الدول وتكوين األمم

***

عسى أن أآون يف ما ذآرت آنفًا قد أصبت احلق يف وصف رهتا وفداحتها، نكبتنا احلاضرة يف فلسطني، فأبنت عن خطو

وعساي أآون آذلك . وشدهتا علينا يف حاضرنا ومستقبلنا قد صورهتا يف واقعها، ورمست االجتاه الذي جيب أن نتخذه

فهذه . منها ، والنظر الذي يقتضي أن ننظر به إليهاهي اخلطوة األوىل الضرورية لتحليل أية معضلة ، ولبحث

.سبل معاجلتها

واجب املفكر

ثه بعض احملن والشدائد يف األمم توزع من شر ما حتدفرتى هؤالء . اآلراء وتفرق النزعات يف األفراد واجلماعات

يؤخذون حينًا هبذا : من شدة ما يصيبهم ذاهلني ضائعنيالرأي وحينًا بذاك، ويتبعون أي دليل يّدعي القيادة،

.إىل طريق اخلالص

وشبيه هبذا ما حل جبمهور الشعب العربي، بل بقادة . رأيه ومثقفيه، اثر النكبة اليت حّلت بالعرب يف فلسطني

فالواقع ان مئات األلوف من أهل هذا البلد املنكوب مل يشردوا من بيوهتم ويهيموا على وجوههم فحسب، بل ان أفكارهم وآراءهم، وأفكار أبناء وطنهم يف شىت منازهلم ، قد شردت أيضأ وهامت، فانتشرت فيهم بلبلة يف الرأي،

ل ما يقال فيها اهنا نذير بشر أعظم إذا مل تبدد أق . وحيل حملها تفكري صاف وعزم موحد

من مظاهر هذه البلبلة هذه االهتامات املختلفة تكال . حينًا هلذا وحينًا لذاك ، وتصب على هذه اجلهة أو تلك

وترى الناس من أثرها شيعًا ينحازون إىل دولة من الدول ون هذا أو ذاك من زعماء العربية على أخرى، ويهامج

العرب وقادهتم، فيشغلون بذلك عن التفكري يف العدو .املشرتك واملصاب امللم

١٠ אאא

فمنا من . آذلك خنتلف يف تعليل النكبة وحتليل أسباهبايرجعها إىل نقص يف الدعاية لقضيتنا احلق، وآخرون لقلة استعدادنا بالعدد واألسلحة، وغريهم إىل اختالف النظر

بني دولنا العربية، أو إىل غري هذه من مواطن والعمل .الضعف فينا

وتربز هذه البلبلة، بصفة خاصة، يف صفوف الشباب الواعي، املتحفز للعمل، املستعد لبذل ذاته يف سبيل

ينظر هذا الشباب إىل . وطنه واملسامهة يف محل أعباء أمتهيتفحص ما قام به من أعمال، وما : نفسه وإىل ماضيه

أن ينشىء من أحزاب، وما بذل من جهود يف سبيل حاولالقضية العامة، فيجد أن هذه آلها مل تكن وافية بالغرض املطلوب ، فال هي استطاعت أن ترد الكارثة، وال

أرضت نوازع هذا الشباب أو أشبعت

ويتساءل هذا . طموحه امللح خلدمة أمته وحتريرهااضر، ودفعًا الشباب عما جيب أن يفعل تدراآًا لشرور احل

ألخطار املستقبل، فال جيد أمامه سبيًال واضحًا أو اسلوبًا فيتخبط يف شىت اآلراء واالجتاهات، ويتطلع حينًا . معينًا

إىل هنا، وحينًا إىل هناك ، ويدور فكره يف األآثر على .نفسه، فال يؤدي إىل نتيجة اجيابية أو أثر حمسوس

لمس طريق هذا النفر من الشباب، الواعي، املتالواجب، املستعد للعمل والتضحية ، املتحرق خلدمة

هذا الشباب . الوطن هو ذخر هذه األمة وعدهتا ملستقبلها. هو اليوم مضطرب البال، موزع الفكر، مشتت اإلرادة

اجلس يف أي من جمالسه شئت ، تر هذا االضطراب قائمًا، ، اضرة األليمة يف تعليل الوضع احلوتلمس البلبلة الشديد

.ويف حتري سبل اخلالص

وال جدال يف أن هذه البلبلة ليست شرًا آلها، فإن فيها من التساؤل واحملاسبة والتأمل النفسي ما قد يشق

ذلك أن التساؤل هو اخلطوة األوىل . طرقًا جديدة للمستقبلللتقدم الفكري، آما أن األمل قد يبعث قوى النفس

. وحيفزها لبذل أوفر وجهد أشد

١١ אאא

غري أن هذا التساؤل والتأمل قد يضيع ويذهب سدى، قد يتحول التساؤل إىل حرية -بل قد ينقلب شرًا وسوءًا

إذا مل –وضياع، واالمل إىل يأس قتال أو سلبية هدامة يتصد هلما الفكر النري، فيفصل بني الصواب واخلطأ، بني العناصر االجيابية والسلبية ، بني عوامل القوة واألمل

عوامل الضعف واخليبة، فينصر األوىل على الثانية، وويوجهها التوجيه احلسن إىل ما حيفظ األمة ويبقي ثقتها

.بنفسها

هي ذي اذن وظيفة الفكر الواعي يف هذه النازلة، بل هي أن يأخذ على عاتقه قيادة . يف آل شدة أو أزمة

الرأي وسط االضطراب واحلرية، هي أن يلقى ضوءًا على املتخبط ، فيظهره على حقيقته، ومييز بني خمتلف الوضع

وظيفته أن يفرق بني األسباب . عناصره ووجوهه والنتائج، فال يقدم الثانية على األوىل، وأن يفصل بني األسباب البعيدة والقريبة وبني األصول والفروع، فيعطي لكل شيء أمهيته، ويقدره قدره يف العملية املعقدة

.املتشابكة

فضل هذا الفصل وميز هذا التمييز عمد إىل وصف فإذاسبل املعاجلة ، فتناول األسباب القريبة مبعاجلة قريية،

عيدة بعمل طويل النفس واسع وتوجه إىل األسباب الب، ومل يهتم باملظاهر اهتمامه بالعوامل، ومل يبذل املدى

.للفروع ما جيب أن يبذله لألصول

ليات الكربى ال ولعل قادة العمل وحاملي املسؤويرتاحون آثريًا إىل مثل هذه املهمة، يأخذها املفكر على

وهم يف ذلك على حق إذا آان الفكر جمردًا ال تتصل . عاتقهجذوره بالواقع، وإذا آان املفكر غري شاعر باملسؤولية،

حينئذ حيق هلم أن . أو وازهنا بامليزان الصحيح العادل وان ينظروا إىل املفكر ،"احلرب باملنظار هني : "يقولوا

حينئذ يكون الفكر خليقًا . شزرًا ، ويستخفوا به بذلك، بل خليقًا بأن خيفق من ذاته مهما آانت نظرة

.رجال العمل إليه، وتصرفهم حنوه

ان هذا الشعور باملسؤولية املرتتبة على آل فرد من أفراد األمة، وعلى مفكريها خاصة ، يف هذا الظرف

١٢ אאא

لذات الدافع إىل وضع هذه الرسالة، وهو العصيب، هو بامبا تتضمن من خطأ، أو تنطوي -فيما أرجو -ما يشفع

وما دامت ناشئة عن هذا الشعور ، . عليه من ضعفومتسلحة هبذه العدة، فلن ختشى مذمة أو مالمًا يف تبيان اخلطأ وحتديد التبعة ، ويف الكشف عن جذور الكارثة

فلعل ان . وقوة إىل اقتالعها احلاضرة، والدعوة بصراحة يكون منها بعض الفائدة يف تبيان طريق اخلالص ودفع

. الفكر والنفس إليها

املعاجلة القريبة

آأمثاهلا من األحداث -قلنا إن نكبة العرب يف فلسطنيوعلى . هلا أسباب قريبة وأخرى بعيدة -ىف التاريخ

أن يبني الفكر أن مييز بني هذين النوعني من االسباب، ونوع املعاجلة اليت تناسب آال منهما وتكون آفيلة

.باستئصاله والتغلب عليه

فلننظر إذن أوًال يف املعاجلة القريبة، لنرى ما جيب يق، وللوقوف يف وجهه ومنع عمله لتدارك اخلطر احمل

، إذا مل يكن من املمكن اآلن القضاء عليه قضاء طغيانه .تامًا هنائيًا

من أن نالحظ أوًال أنه ال ميكن الفصل على أنه ال بد فصًال تامًا بني األسباب القريبة والبعيدة ، فما األوىل يف أحيان آثرية سوى مظاهر للثانية ومثار ناشئة عن

وليست احلياة البشرية من البساطة حبيث ميكن . بذورهاتقسيمها وتنطيمها وإقامة احلدود بني أجزائها بصورة

تكون سبيل املعاجلة اآلنية مستقلة وهكذا لن. اصطناعيةعن سبيل املعاجلة االساسية البعيدة ، بل هي مرتبطة هبا

وعلى املفكر أو املصلح أن يتناول . ومتفرعة عنهاالواجبني معًا ، وينظر إليهما آوحدة، وال يغفل عن النسبة، بينهما، بل يتصدى لكل منهما وعينه متجهة إىل

.ن تدبري وتنظيماآلخر حبكمة ودراية، وحس

وليس باالمكان، يف هذه احملاولة الدراسية، التعرض ولتفاصيلها -القريية والبعيدة -جلزئيات املعاجلة

العديدة املتفرعة، خصوصًا إذا آانت تلك اجلزئيات تنتظم

١٣ אאא

يف آليات ، وهذه التفاصيل والفروع ترتد إىل أصول .جتمعها وتوحد بينها

منها املعاجلة القريبة، فما هي األصول اليت تستمد واألرآان اليت تقوم عليها؟

***

: أرآان هذه املعاجلة، بل هذا اجلهاد، يف نظري، مخسةفهنا . أوهلا تقوية االحساس باخلطر ، وشحذ إرادة الكفاح

ولعل البعض يعترب هذا . اخلطوة األوىل، والعامل األصليفحة وأعمدة صحفنا طا! آيف ال . القول خطأ أو جزافًا

باملقاالت املفصلة للخطرالصهيوني، واحملذرة منه، واخلطب يف هذا املوضوع ترتى يف آل آن ومكان ، وذآر الصهيونية

.وشرها يكاد يكون على آل شفة ولسان

غري أن الواقع انه بالرغم من هذه األقوال واألعمال ال يزال اجلمهور العربي ، بل فريق آبري من مثقفيه،

حساس الكاىف باخلطر األعظم الذي متثله بعيدين عن االإذ مل . الصهيونية على آل بلد من بلدان العامل العربي

تبني هلم بصورة مادية حمسوسة وجوه هذا اخلطر على موارد ومع ما شاهدوا من . آسبهم، بل على آياهنم بالذات

األلوف املشردة ، وما مسعوا عنه من أخبار التهدمي ا من الفظائع، فإهنم مل يدرآوا والقتل والتمثيل وسواه

بعد حقيقة الصهيونية، وقوهتا العاملية، وغايتها يف . الفتح واالفناء، وقساوهتا العارية يف حتقيق هذه الغاية

مل يدرآوا شدة النزعة الكامنة يف صدور القوم، العاملة املتزايدة خالل العصور، ىف سبيل تأسيس دولة هلم يف

تياهنم وشباهبم يف السنوات األخرية فلسطني، مث ما تشّربه فمن النازية وسواها من حب السيطرة والفتح، وما جيدون يف البالد العربية، الغنية املوارد، احملتلة مرآزًا وسطًا

.يف العامل، من جمال جلهدهم القومي التوسعي هذا

ألسنا نرى بني بعض . ولكن ما لنا وجلمهور الشعبية من يضع هذه القضية أو حكامنا وأرآان دولنا العرب

تلك من قضايا بالده على مستوى القضية الصهيونية أو قبلها فيسمح لنفسه بأن ينحرف عن معاجلة اخلطر األآرب

١٤ אאא

الشامل إىل االهتمام باخلطر األصغر الزائل ؟ فال السودنة، وال معاهدة بورتسموث، وال قضية النقد السوري

اهبة، توازي اللبناني ، وال أي من املشاآل املشإذ إن ما متثله من استعمار . الصهيونية خطرًا وبعد أثر

وعبودية شر زائل يومًا ، مهما بعدت أيامه وطالت أما االستعمار الصهيوني ، فغايته إبدال وطن . جذوره

هو االستعمار : بوطن، وافناء قوم ليحل حمله قوم آخرا، وعلى هذ. العاري اجملرد بأوضح ألوانه وأفظع أشكاله

فال جيوز أن يشغلنا عنه شاغل ، حىت تلك املشاآل القومية هذا إذا صرفنا . اليت أقضت مضاجع حكوماتنا، وما تزال

النظر عن السياسات التافهة، والعنعنات الضارة، واملنافسات احلزبية، والشهوات احمللية ، اليت آان جيب أن

ف تلم أذياهلا وتستحي، وختتفي من امليدان يف هذا الظر .العصيب ، وجتاه اخلطر اجلامث

وحنن آثريًا ما نسمع ونقرأ يف الصحف عن حاجتنا إىل ومع ما يف هذا . الدعاية لقضيتنا يف البلدان األجنبية

القول من صحة، فإن الناظر احملقق لريى أنه جبانب هذه الدعاية اخلارجية ، جيب أن ننظم دعاية داخلية يف عقر

هذه ليست أقل من حاجتنا إىل دارنا، وان حاجتنا إىل .تلك، بل قد تكون أقوى منها وأشد

املهم يف هذا التنبيه الداخلي أن يستقر يف الذهن العربي ويف النفس العربية أن اخلطر الصهيوني هو اخلطر

األخطار األخرى تتوجه إىل . األعظم على الكيان العربيعريل بعض أجزاء هذا الكيان ونواحيه، أو تشمل العامل ال

أما هذا اخلطر فهو موجه إىل . وسواه من أجزاء املعمورفكل ما . الكيان العربي بذاته، مبجموعه، بأسس وجوده

سواه هني بالنسبة إليه ، وميكن أن يتسامح به، أو يؤجل حله ، يف سبيل دفع هذا اخلطر األشد واألمشل و صيانة

.النفس منه

باألرقام جيب أن يوضع أمام الشعب العربي، مسنودًاهذا ما جيب أن يستقر يف ذهن حكامنا . والوقائع

هذا ما جيب أن نلخصه يف فكر قاطعة وعبارات . وعامتناهذا . حمكمة، ونلقنه أبناءنا وطلبة مدارسنا صباح مساء

ما جيب أن تنصرف إليه أوًال دوائر الدعاية يف حكوماتنا،

١٥ אאא

، نشرل سبيل آخر من سبل المستخدمة الصحف والراديو وآلتنمي يف نفوس العرب أمجعني هذا االحساس باخلطر، باخلطر األعظم، باخلطر الفريد ، آي يكون آل فكر من أفكارنا . وآل عمل من أعمالنا متأثرًا هبذا الشعور وصادرًا عنه

فإذا قوي هذا االحساس قويت معه إرادة الكفاح، هذه احنا يف فكف. اإلرادة اليت ال تزال، مع األسف ضعيفة فينا

هذه املعرآة آان، على العموم، آفاح متصنع متمهل ، ال .آفاح مستميت ، آأن اجلهاد آان فرض آفاية ال فرض عني

هذه التعبئة احلسية اإلرادية، هي، يف نظري، الرآن .األول للجهاد احلاضر لدرء اخلطر الصهيوني اجلسيم

***

ين أما الرآن الثاني فهو التعبئة املادية يف ميادهو جتنيد قوى األمة احلربية آلها، . العمل آلها

ان : ورب قائل يقول . وتوجيهها إىل ميدان الصراعالدول العربية ال تزال ناشئة ، وجيوشها قليلة العدد هزيلة العدد، وان يف داخلها ومن حوهلا من املشاآل واملخاطر ماال يسمح هلا بأن تلقي مبواردها احلربية آلها

غري أنه يصعب . ويف هذا ما فيه من الصحة . يف امليدانعلى املرء أن يقتنع بأن هذه الدول السبع ال تستطع أن

لو توفر هلا الشعور -حتشد أآثر مما حشدته، أو أهناباخلطر وإرادة النضال على وجهها الصحيح ، و لو أحكمت

ملا استطاعت أن جتمع قوة حربية -اخلطة وأوثقت التدبريمن هذه اليت أنزلتها للميدان فعجزت عن أن أعظم آثريًا

ومن العيب الشائن حقًا ان تظهر . تقف يف وجه الصهيونينيهبذا -وماليينها اليت نتبجح هبا دومًا -الدول العربية

العدد الضئيل من اجليوش ، وهبذا العجز عن دك معاقل وإذا آان . الصهيونية، بل عن الصمود أمامها

جلغرافية الضيقة قد متكنوا من الصهيونيون حبدودهم اجتهيز أنفسهم هذا التجهيز الوافر الواسع ، فلم يعجز

عن أن -حبدودهم الواسعة املفتوحة للشرق والغرب -العربيستجلبوا بالطرق املشروعة وغري املشروعة ما حيتاجون إليه، أو على األقل ما يظهرهم مبظهر حربي أقوى مما

. ذا آان جل ما استطاعوهظهروا به، إن آان حقًا ان هومع االعرتاف مبا للصهيونيني من موارد غزيرة وما يسندهم

١٦ אאא

من قوى سياسية ومالية هائلة ، فإن إمكانيات الدول العربية من هذه الوجوه هي أيضًا غري قليلة، لو أحسن

.استغالهلا ومت هلا التنظيم احملكم والتدبري املنشود

فهي . بئة االقتصادية وجبانب التعبئة احلربية ، التعوال أظن ان الشعوب . العصب احلساس واملورد الراوي

العربية، إذا تفهمت حقيقة اخلطر، حتجم عن التضحية مبا وانه ملما حيزن حقًا أن . جيب يف سبيل هذه التعبئة

املناضلني العرب آانوا يفتقرون مثال إىل أبسط أنواع انت تؤم بريوت األدوية وأدوات املعاجلة، وان رسلهم آ

ودمشق و سوامها من املراآز العربية، لتستحصل على بعض احلاجات األساسية اليت يصعب على املرء أن يتصور عدم وجودها ، يف حني ان مجيع اجلهات احلكومية والشعبية املسؤولة آانت تعرف اننا قادمون على قتال، بل آانت

ف املثري و من املؤس. هي نفسها هتدد بالقتال وتتوعد بهان نرى هؤالء الرسل يطرقون أبوابًا خمتلفة، فيظفرون حينًا وخيفقون أحيانًا ، دون أن تكون هنالك سلطة واحدة

. معينة تعىن هبذه الناحية على األقل من نواحي اجلهاد

و آم هي مؤملة تلك املالحظات اليت يسمعها أحدنا من ون البالد الزوار واملشاهدين األجانب الذين آانوا يؤم

العربية يف أيام القتال، فال يرون فيها مظهر احلرب يرون السيارات باأللوف تلتهم بنهم عنصرًا من . احلقيقية

أهم عناصر احلرب، ويشاهدون الناس يقبلون على أسباب حلفالت والدعوات، شأهنم فيما اللهو والسرور، وعلى ا

ول ، دون أن تغري احلرب اليت شنتها دولتهم والدقبلالعربية األخرى أيًا من عاداهتم ، أو أن حترمهم شيئًا

ولقد آان أحدنا، وما يزال، إذا مسع . من ملذاهتم مالحظات هؤالء الناقدين، صادقني آانوا أم غري صادقني، ال

.جيد نفسه قادرًا على ردها، بل يشعر يف داخله خبجل عميق

ومع التعبئة احلربية واالقتصادية جتري التعبئةيف الداخل لتوحيد أغراض الدول العربية : السياسية

وال . وسياساهتا، ويف اخلارج الستمالة الدول األجنبيةنكران أن ساسة العرب قد بذلوا جهدهم يف الناحية االوىل، ولعلهم ال يستطيعون يف الوضع احلاضر أن يبلغوا أبعد مما بلغوه، ما دامت االطماع ال تزال متحكمة،

١٧ אאא

الالت واألفراد نافذة، وما دام الرأي العام يف ومصاحل السالعامل العربي مل يتنبه بعد ويقو إىل احلد الذي يضغط به على أرباب هذه األطماع واملصاحل الضغط الكايف ليتجردوا منها، قبل أن تدك أرائكهم ويذهبوا هم وأطماعهم هباء

...منثورا

سة أما العمل السياسي اخلارجي فقد حاوله أيضًا ساالعرب فأرسلوا الوفود واتصلوا مبمثلي الدول، وبثوا دعايتهم يف املؤمترات الدولية، ولكن جهودهم يف هذا

وال يزال هنالك جمال . السبيل آانت متفرقة غري حازمةوقد شعرت اجلامعة العربية هبذا يف األيام . واسع للعمل

–على ما قالت الصحف -األخرية، فكلفت بعض أرآاهنام مبسعى سياسي قوي يف أوروبا الغربية قبل القيا

وهكذا . انعقاد هيئة األمم املتحدة يف أيلول القادمال تنفيذًا خلطة حمكمة بعيدة : دومًا تكون حماوالتنا

. األمد، بل بسبب مناسبة، ويف الساعة األخرية

اما االتصال بالدول الكربى فسأتناوله عند عرضي على أن هناك دوًال أخرى جيب . الرآن اخلامس من هذا احلل

ومع أن . متكني الصالت هبا، آدول أمريآا الالتينية مثًال أآثر هذه الدول خاضع للنفوذ األمريآي والضغط الصهيوني، فال حيسن بوجه من الوجوه امهاهلا ونفض اليد

وهناك آذلك الدول الشرقية يف آسيا اليت جتمعنا . منها، واليت عطفت على قضيتنا هبا أخطار االستعمار الغربي

وآزرتنا، واليت جيب تنمية صالتنا هبا لضمان هذه املؤازرة ومن املؤسف ان روابطنا هبذه الدول ال تزال . وتقويتها

ضعيفة، وال تتعدى باألآثر اتصال وفودنا بوفودها يف . املؤمترات الدولية عند تأزم اخلطر وتألب القوى

ي باحلكومات، وتعبئة هذا فيما خيتص باالتصال السياسأما فيما خيتص . القوى العربية من هذه الناحية

بالدعاية الشعبية والتوجه إىل الرأي العام يف هذه الدول، فلقد آان جهد الدول العربية ضئيًال جدًا، وآان

حينًا من اجلامعة نفسها ، . يأتي من مصادر خمتلفةربية اليت مل وحينا من بعض دوهلا، وحينًا من املكاتب الع

فكان من الواجب أن تقّوى . يتضح متامًا باسم من تتكلم هذه اجلهود وتعزز، وتتألف وتتوحد، لتحدث أثرها وتؤتي

١٨ אאא

على أن هذه الدعاية الشعبية لن يكون هلا، . مثرها مهما قويت وتعززت، أثر بارز يف املعرآة احلاضرة ، ألن

يف الرأى الوقت قصري واخلطر مداهم، وعملية التأثري . العام ليؤثر بدوره يف حكوماته عملية طويلة املدى

ولذا، فمع حاجتنا إىل تقوية هذه الدعاية وتوسيعها استعدادًا للمعارك القادمة وللحرب الطويلة، فإن جل جهدنا يف هذه املعرآة احلاضرة جيب أن ينصرف إىل االتصال

حلق باحلكومات ذاهتا، والتكلم بلغة املصلحة ال بلغة اوالعدل ، وتعبئة مجيع قدراتنا على املساومة، يف هذه

هذه التعبئة لقوانا السياسية جيب ان متشي يدًا . السبيلبيد وتنتظم مع تعبئة مواردنا احلربية واالقتصادية بل

.مجيع نواحي حياتنا

وبالعكس، فإن . هذا إذا أردنا النجاة والبقاءلعامة سيؤدي بنا االستهتار والتهاون يف هذه التعبئة ا

. إىل شر مما أودى ببعض دول أوروبا الكربى يف احلرب األخريةومرد هذا االستعتار ، بال جدال، إىل ما أشرنا إليه سالفأ، من عدم االحساس باخلطر إحساسًا آافيًا ، وبالتايل

.عدم تنمية اإلرادة الواجبة للكفاح والنضال

تقتصر على لقد أصبحت احلرب اليوم حربًا شاملة، الاجلنود يف ميادين القتال بل تتعداهم إىل الشعب بكامله، وال تكتفي جبانب من موارد األمة، بل تتطلب جتهيز هذه

وقد فهم أعداؤنا هذه الصفة . املوارد بكاملها األساسية من صفات احلرب احلديثة، فأعدوا لألمر عدته

.وعبأوا له مجيع مواردهم يف امليادين آافة

واجبنا ىف الوقت احلاضر، وإىل مثل هذه هذا هووإذا اضطرنا ذلك ألن نوقف . التعبئة جيب أن نتوجه

أعمال االصالح والبناء الداخلي، وإىل أن حنول لذلك الغرض خمصصات األشغال العامة واملعارف والزراعة بل

فوق القدر األقل الكايف -مجيع موارد الدول العربية طرقات، وال األبنية، وال الإذ ال ! فليكن -للحياة، وال األونيسكو، حىت وال احلفالت واملآدب، لتغنينا املدارس

نفعًا إذا انتصر الصهيونيون يف هذه املعرآة نصرًا مؤآدًا . وا خمالبهم يف جسم األمة العربيةوأسسوا دولتهم ، وغرز

١٩ אאא

ومن البديهي أن هذه التعبئة يف آل من الدول تتوحد جهود هذه الدول إىل مدى العربية ال تكفي إذا مل

. أبعد مما بلغته يف األدوار السابقة من هذه املعرآة ولذا فالرآن الثالث للجهاد احلاضر هو حتقيق أآرب قسط

يف ميادين : من التوحيد املمكن بني الدول العربية وال ريب يف أن . احلرب، والسياسة، واالقتصاد، وسواها

بأوضاع هذه الدول -ناآما قل -هذا التوحيد مقيدو ال ميكن أن حيقق على . ومصاحلها وأطماعها وخماوفها

ولذا فهو يدخل يف . وجهه الصحيح إال بتبديل عميق شاملنطاق احلل األساسي لقضية فلسطني، بل للقضية العربية

. بكاملها، الذي سنتناوله يف الفصل التايل

املعاجلة غري أنه، بانتظار هذا احلل األساسي، وهذه املديدة األفق، ال بد من اختاذ آل اجراء ممكن لتأمني أوفر ما يستطاع من التنسيق والتوحيد بني جهود الدول

وال أظن أحدًا من العرب أعطي شيئا من . العربية املالحظة والتفكري آان يؤخذ بأقوال ساستنا وتصرحياهتم عقب اجتماعات اللجنة السياسية أن الدول العربية مل

تكن ىف وقت من األوقات أآثر اتفاقًا مما هي عليه اآلن، وان اجلامعة العربية مل تكن يومًا أقوى مما هي يف هذا

بل قد خييل إىل املرء أن آثرة هذه . الظرف العصيبالتصرحيات نفسها دليل على ضعف وانقسام خيشى ذيوعه ويراد اخفاؤه، وأن اجلامعة مل تصبح بعد من القوة

يث تستطع أن تفرض على أعضائها احتادًا مكينًا والبأس حب .يف الرأي والعمل

آم مرة اجتمع أرآان حرب هذه الدول يف خالل هذه املعرآة؟ ويف خالل هدنة األسابيع األربعة اليت مننا حنن فيها على فراش وثري بينما العدو يسعى وينظم ليل هنار؟

هدها، ترى هل حزمت قيادتنا احلربية أمرها، ونظمت جواتفقت على خططها يف العمل ؟ أليس من أدل دالئل الضعف أننا آنا نسمع آل يوم أربعة أو مخسة بالغات حربية، بدًال من بالغ حربي واحد؟ أليس من الضروري أن تتوحد نظم اجليوش العربية وأسلحتها، حبيث ميكن للجندي العربي أن خيدم يف أي جيش من اجليوش العربية حبسب

جة؟احلا

٢٠ אאא

أليس باإلمكان إجياد أداة : ويف ميدان السياسةللتنسيق والتوحيد أخف وأآثر فعالية من اللجنة السياسية، املؤلفة يف أآثرها من رؤساء حكومات الدول العربية، يهرعون إليها بني آن وآخر ، وعلى آل منهم أعباء ومهوم ثقيلة تشده إىل بلده؟ أليس باإلمكان إجياد

ابتة يف مكان واحد يوآل إليها تنظيم هيئة دائمة ث اجلهد ومتابعته على ضوء سياسة واحدة تضعها احلكومات؟

فإن اللجنة االقتصادية : أما يف ميدان االقتصادللجامعة، اليت آان يفرتض فيها أن تكون يف هذا الظرف العصيب، أداة التنظيم والتنسيق يف احلرب االقتصادية

ا صوتًا ، وال أحد يدري ما واملالية، فإننا مل نسمع هلإذا آانت قد تشكلت وظهرت إىل حيز الوجود، أم ال تزال

.يف سجالت اجلامعة ومقرراهتا

ويف هذا امليدان، قبل . وآذلك األمر يف ميدان الدعايةغريه، آان مفروضًا أن حيقق االتفاق واالحتاد، ألنه املظهر

على عزميتها األول جلهد الدول العربية، والدليل اخلارجي . ولكن الواقع آان على عكس ذلك متامًا . ومتانة قصدها

فللهيئة العربية العليا وفودها ، و للمكتب العربي فروعه، وقد وجد ممثلو هاتني املنظمتني فعًال يف وقت واحد يف نيويورك ولندن يف أدق مراحل القضية، فلم جيتمع هلم

. ر وتنافس جهد، بل آانوا على العكس يف تباعد وتنافوال ينكر أن أفراد هذه الوفود وسواها، من اليت أرسلت إىل البلدان األخرى ، بذلوا أقصى ما ميكنهم من جهد، ولكن انعدام الوحدة وتعدد السلطات وضياع املسؤولية آانت يف النهاية تشل عملهم وتبطله، بل تأتي بعكس

.املطلوب منه

والسياسة هذا التوحيد املنشود يف ميادين احلربواالقتصاد والدعاية وسواها مقيد بظروف الدول العربية ووضعها احلاضر، وإنه ال ميكن أن يرتفع فوق مستوى هذا

فهو األثر والثمرة، والكيان العربي القائم . الوضع الميكن معه : على أن اخلطر قوي مداهم . هو األصل والعامل

تأمني تلك انتظار االنقالب األساسي يف الوضع العربي ل. الوحدة األصلية الضرورية حلفظ الكيان ودفع البالء

ولذا آان على ذوي السلطان ومحلة التبعات يف الدول

٢١ אאא

العربية أن يضعوا الغرض العام قبل األغراض اخلاصة، وآان على الرأي العام يف شىت أقطار العرب أن يلح يف املطالبة بالتنسيق والتوحيد، وأن يضغط ما وسعه الضغط

يف هذا السبيل، وأن يثور على آل انقسام يف اجلبهة العربية، آي يذلل ما أمكن العقبات القائمة اليوم يف

. وجه التضامن العربي وحيمي آيان العرب يف هذه املعرآة

***

هو إشراك : ومثة رآن رابع للجهاد العربي احلاضرفاجلهاد ال يقتصر على . القوى الشعبية يف النضال

وعلى اجليوش النظامية، بل جيب أن يسري إىل احلكوماتعموم طبقات الشعب، حبيث يقوم آل فرد من أفراد األمة

.بقسطه منه

ولكن احلرب احلديثة غري احلرب القدمية، وهي : سيقالتطلب من أساليب التدرب والتمرس على استخدام أدوات القتال امليكانيكية ما يعجز عنه املقاتل غري النظامي،

مثل هذا املقاتل قد يعيق يف أحيان آثرية العمل وأن .احلربي بدًال من أن يساعده ويقّويه

على أن اختبار األمم يف احلرب العاملية األخرية اليت استخدمت فيها أشد أنواع األسلحة وأآثرها ضخامة وتعقيدًا دل على أن القوى الشعبية، إذا أحسن

ية سندًا كون للجيوش النظامتنظيمها، تستطيع أن ت. ، بل ان تأتي يف بعض األحيان بالضربة الفاصلةقويًا

هذا ما أثبته النضال الشعيب يف بولونيا، وروسيا، . والبلقان، وفرنسا، وغريها من الدول الكربى والصغرى

لقد أثبت أن تعلق الشعب بوطنه ومتسكه بأرض آبائه آل ذلك يبعث فيه -وأجداده ، ودفاعه عن أسرته وشرفه

لشجاعة والتضحية واالستماتة ما يعوض على التدّرب من ااملوفور للجيوش النظامية، بل ما يقوي روح املقاومة يف

.هذه اجليوش ، ويف األمة بكاملها

وملاذا نذهب بعيدًا ، والعدو أمامنا يعطنا على ذلك أفضل دليل وأسطع برهان، ترى هل اقتصر هذا العدو يف

شاع هذا النضال يف الشعب نضاله على جيوش نظامية، أم أ

٢٢ אאא

يف رجاله ونسائه، يف خمتلف جواليه : الصهيوني بكامله ومستعمراته، فكان الفرد منهم يشعر أنه خلية من خاليا

ويهاجم بكل ما فيه من قوة اجلسم املناضل ويدافعوإذا آانت هذه حال املغتصب، فكيف يكون حال ! وحياة

رضه؟املعتدى عليه املدافع عن أرضه ودمه وع

لقد أثبت الشعب العربي يف فلسطني ضعفه : وسيقالوعجزه، فما إن أطلقت القنابل األوىل عليه حىت اهنزم شر هزمية، وجال عن مدنه ومراآزه وسلمها لقمة سائغة

بل إن جزءًا آبريًا منه اهنزم قبل املعرآة واحتمى . للعدو .بالبالد العربية األخرى ، وباملناطق النائية من فلسطني

ولست أنكر أنه قد ظهر يف اجلسم العربي، يف فلسطني ولكن هذه التهمة الشاملة فاسدة يف . وسواها، جنب وتفسخ

أساسها يردها تاريخ هذا الشعب بكامله، وما يتجلى به ويردها . من شجاعة طبيعية ومن جرأة وتضحية يف القتال

آذلك ما قام به هذا الشعب خالل الثالثني سنة األخرية يف ثوراته املتتابعة على السلطة الغاصبة ويف مهامجته

ويرد هذه التهمة أيضًا ما بذله أبناء . للصهيونيةقراه ودساآره من أمواهلم ومواردهم يف شراء األسلحة والذخائر بأعلى األسعار للدفاع عن آياهنم، وما أظهروا من جرأة، وما أحرزوا من فوز يف جيوش االنقاذ، ويف

.س، وحيثما مت هلم قسط من القيادة والتنظيماجلهاد املقد

مل تكن العلة يف الشعب نفسه، بل يف قادته ! آال الذين مل يدربوه، ومل يسلحوه ، بل مل ييسروا له سبل

أليس . التسلح، ومل يدلوه على طريق العمل وسبيل اجلهادبني ألوف الشعب العربي ، املتعلم وغري املتعلم، قلة ميكن

ذا النضال الشعيب، وجعلها مخرية لسريان روح هتيئتها هلهذا النضال يف جمموع األمة ؟ أليس من بوادر اخلذالن الشائن أن يلتفت فريق آبري من الشباب املتعلم يف

البالد العربية حوله، ويبحث عن منحى يقوم فيه بنصيبه من اجلهاد فال جيده؟ أليس من الضعف واهلزمية أن تكون

مقفلة أو ضيقة إىل أبعد حدود الضيق؟أبواب التطوع

أال فليحذر أولئك الذين يتهمون الشعب ويعرضون عن فهم بذلك خيسرون عنصرًا أساسيًا من . النضال الشعيب

٢٣ אאא

على . عناصر اجلهاد، بل يكبتون روح النضال يف صميمهاأن هذه الروح ، وان أضعفت حينًا، فال بد هلا يومًا من

ى قامعيها أوًال ، مث تنطلق يف أن هتب، وقد تثور علجوانب األمة مجيعًا ، لتجعل اجلهاد حلفظ الكيان ومحاية

.الوطن باملعىن الصحيح

***

والرآن اخلامس للجهاد العربي احلاضر حلفظ فلسطني استعداد العرب للمساومة، ولتضحية ببعض املصاحل لدرء

د من فمن الضروري أن نشعر أننا مل نبلغ بع. اخلطر األآربالقوة والسلطان درجة تسمح لنا بنيل مطالبنا وتأمني مصاحلنا آلها دفعة واحدة، وأننا مضطرون للتضحية بأشياء يف سبيل غريها، وان للدول الكربى يف بالدنا مصاحل

فلم يعد . هامة ميكننا أن نساوم عليها لبلوغ غاياتنا باالمكان يف هذا العصر الذي تشابكت فيه حياة الدول ،

أن حتل أية أمة مشاآلها باالستقالل عن األمم األخرى، . ودون تبادل يف املصاحل واملنافع

على أن هلذا التبادل شروطًا إذا مل حتقق مل يأت من هذه . بالفائدة املطلوبة، بل انقلب شرًا ومضرة

الصداقة "الشروط ان ال يكون قائمًا على العاطفة و، فهذه آلها ال تعدو " ة احملالفة الطبيعي"و" التقليدية

يف أآثر األحيان أن تكون اشراآًا وأحابيل إلخفاء األطماع واألساس الوحيد هلذا . وتغطية االستغالل واالستثمار

التبادل يف دنيا املعامالت الدولية احلاضرة هو املصلحة، ولذا آان من شروطه أيضًا أن يقبض مثن . واملصلحة ال غري

فال حنالف مثًال . مني مصلحة مقابلةآل تنازل عن مصلحة بتأالدول الدميقراطية على الشيوعية ، ونضطهد األحزاب اليسارية يف بالدنا، لوجه اهللا وجريًا مع الصداقة، أو

وآذلك جيب أن يستهدف هذا التبادل . جملرد التخاذل فال . مصلحة األمة بكاملها، ال مصلحة فرد أو طبقة منها

للغري على عامة - أو غري واعنيواعني -يكون هؤالء حلفاءوأخريًا جيب أن تنظم مصاحل األمة يف مراتب حبسب . الشعب

خطورهتا، فيضحى بالقليل يف سبيل الكثري، وبالزائل من .أجل الباقي

٢٤ אאא

وال مراء يف أن مصلحة العرب األوىل يف هذا الطور من وعلى هذا . تارخيهم هي يف حفظ آياهنم من اخلطر الصهيوني

بسبب وضعهم اخلاص والوضع الدويل -مفروضًا عليهمآان غري ان . أن يضحوا مبصاحل أخرى يف هذا السبيل -العام

عليهم آذلك أن يبذلوا هذه التضحية بوعي واحرتاز وعلى األسس اليت بينا، وإال انقلبت هذه املساومة تفريطًا ، وجرت املنفعة من جهة واحدة فقط ، وأضاع العرب مصاحلهم

.وق مصلحتهم الكربى يف فلسطنيتلك ف

فإهنا . وال يعتقدن أحد ان هذه املساومة عمل هنيتتطلب قيادة األمة على صراط ضيق ملتو حماط باملزالق

وتتطلب بصرية وحسن دراية وتفهمًا للعقل . واملهاويولكنها تتطلب قبل . الغربي وملصاحل الدول املتضاربة

ضحية باألغراض هذا آله اخالصًا ملصلحة األمة ، وتهذه هي الصفات املطلوبة يف . واألطماع الشخصية يف سبيلها

هبا . رجل السياسة للقيام هبذه العملية الدقيقة اخلطرة هبا ترتفع سياسه عن معناها . يقاس دهاؤه وختترب أصالته

الضيق احلقري وتصبح أداة للبناء واخللق، فما تدخل شيئًا أن حيفظ له التاريخ ما هبا يستحق " . أصلحته " إال

حفظ للساسة البناة، الساسة احلقيقيني ، من عز وجمد .وفخار

***

: تلك هي، يف نظري، األرآان اخلمسة للجهاد احلاضراالحساس باخلطر وإرادة الكفاح، والتعبئة العامة، والتوحيد بني جهود الدول العربية، واشراك القوى

ية، هذه وسواها الشعبية ، واملساومة الدولية الواعشروط أساسية لنجاح مسعانا العاجل يف رد اخلطر

وهي ضرورة بسبب . الصهيوني وحفظ آياننا القائم منهالتحول الذي طرأ على املشروع الصهيوني، وما أصابه

.من التقدم يف اآلونة األخرية

فلقد دخلنا احلرب احلاضرة، و الذهنية املسيطرة ١٩٣٩على ما آانت عليه سنة علينا هي أن احلال ال تزال

وما قبلها وأن املظاهرات واملناوشات واهلجمات املتفرقة هنا وهناك اليت جرينا عليها يف ثوراتنا على الدولة

٢٥ אאא

وخفي علينا أن غاية . املنتدبة آافية يف احلرب احلاضرة هذه اجلهود حينذاك آانت إزعاج الدولة املنتدبة وإضعاف

ا، والتأثري بذلك على الرأي هيبتها وخلخلة أسس حكمهالعام فيها ويف العامل لتخفيف وطأهتا ودفع اخلطر

وملا آانت السلطة . الصهيوني القائم على محايتهاالربيطانية سلطة منتدبة ، وحكمها موقت، نظريًا على األقل، وملا آانت قوهتا العسكرية أقوى آثريًا مما ميكن أهل

خذ جهادهم هذا النوع فلسطني حشده، آان طبيعيًا أن يت . من الكفاح والثورة

مل يعد اجلهاد موجهًا ضد : أما اآلن فقد اختلفت احلالدولة منتدبة بل ضد مجاعة تؤمن حبقها يف البالد ، ويؤازرها يف هذا االميان فريق آبري من الرأي العام

وهي مستعدة ألن . العاملي بفضل نفوذها و سيطرة دعايتهايف امليدان، ألن املعرآة عندها معرآة تلقي جبميع قواها

العرب أمامها والبحر وراءها، وإذا : موت أو حياة فشلت اآلن فسيقضى على حلمها وعلى اجلهود البالغة اليت

.بذلت لتحقيقه خالل السنني

مث اهنا قد حرصت يف السنوات األخرية على استكمال عدهتا يفة إىل قوة وتقوية جهازها، وحتولت من جوال متفرقة ضع

فلم تعد تنفع . موحدة، حمكمة الربط ، شديدة املراس معها املناوشات، واهلجمات املتفرقة، والتجهيز اجلزئي فحسب، بل أصبحت احلاجة يف آفاحها إىل حرب شاملة باملعىن

يف احلربني العامليتني احلديث الذي أثبته االختبار . املاضيتني

صهيونية يفرض علينا هذا التحول يف وضع فلسطني والاجتاهًا جديدًا يف جهادنا احلاضر ، ويضطرنا إىل حتقيق

بل إىل تبديل ذهنيتنا -الشروط اليت ذآرناها آنفًا الكفاحية تبديًال أساسيًا ليحقق جهادنا مطلوبه، ويؤتي

وخاسر . مثره، ولنكون حقًا أبناء احلاضر ال أبناء املاضي !ردومًا من حيارب احلاضر بالغاب

***

٢٦ אאא

. آل هذا قد يكون صحيحًا مجيًال : سيقول القارىء ولكن ما شأنه يف القضية القائمة اآلن ويف األسئلة امللحة اليت جتاهبنا؟ أيستمر العرب يف اهلدنة اليت فرضت عليهم فرضًا واليت تقوي آل يوم جانب الصهيونيني عليهم؟ أيقبل العرب بالتقسيم، وقد تألبت أآثر قوى العامل

لتنفيذه؟ أي موقف تقفه الدول العربية من األمم املتحدة فيما إذا أصرت على حتقيق التقسيم بالقوة؟

واجلواب عن هذه األسئلة وسواها مما يثريه الوضع احلاضر موقوف على قوة العرب احلربية ، وعلى مقدرهتم يف

واآلراء يف هذا املوضوع . توجيه ضربة سريعة ساحقةؤآد أن القوى العربية أعجز يف الوقت بني م: متضاربة

احلاضر، ألسباب خمتلفة، عن أن حتقق هذا األمر ، وبني موقن، من جهة أخرى، من أن هذه القوى لو أطلق عناهنا وأحسن تنظيمها وتنسيقها لسحقت العدو يف فرتة قصرية،

وعلم ذلك عند اهللا . ووضعت العامل أمام األمر الواقع . الدول العربية وخربائها العسكرينيوالراسخني من قادة

. فال جمال اذن ألي فرد خارج هذه الدائرة، أن حيكم فيهبل ان من اجلرم ابداء أي رأي يف هذا األمر اجللل ، إال إذا توافرت األدلة على صحته، ملا يرتتب عليه من نتائج

.خطرية لوضع فلسطني ووضع الدول العربية ذاهتا

الضربة الساحقة وجنحنا فيها ولكن سواء أضربنا هذه وتوصلنا إىل إقامة دولة موحدة دميقراطية يف فلسطني، أم عجزنا عنها وفرض الصهيونيون والعامل علينا التقسيم ،

وان أسوأ ما خيشاه الناظر . فالكفاح جيب أن يظل قائمًا احملقق أن ختمد روح الكفاح هذه ، حىت يف حال جناحنا

فيسري خطر الصهيونية يف جسمنا بإقامة الدولة املوحدة،املهلهل السقيم سريان السرطان، ونصحو يومًا فإذا

يف يد األقلية -حربيًا وماليًا وروحيًا –بفلسطني آلها آذلك يف حال فشلنا وحتقيق . الصهيونية الناشطة املناضلة

التقسيم ، سنصبح ال حمالة فريسة سهلة لقوة الصهيونية االآتساحية ، إذا حنن مل نواصل االمتدادية واطماعها

جهادنا ونراع بيقظة ودقة الشروط اليت ذآرنا اهنا . واجبة لنجاحه

٢٧ אאא

بل ان هذا اخلطر االمتدادي االآتساحي ماثل اآلن، وقبل هناية املعرآة ، فلنحذر من متابعة طريقنا السابقة امللتوية، ولنجاهبه بكل ما أوتينا من عزم وما

قوى، ولنوف جلهادنا احلاضر شروطه نستطيع أن نؤلب من !اخلمسة األساسية، فنبدأ بذلك طريق اخلالص احلقيقية

!إن عظم اجملهود مقيس بعظم الغاية

احلل األساسي

إن اجلهاد احلاضر الذي وصفناه وأبنا أرآانه وشروطه غريأن حماربة الصهيونية .واجب للمعرآة القائمة اآلن ام عليها ال تتم يف معرآة الستئصال جذورها والتغلب الت

. واحدة ، بل تتطلب حربًا مديدة األفق بعيدة األجلإن هذه احلرب -بكل صراحة واخالص -ولنسارع إىل القول

لن تؤدي إىل نصر العرب ما داموا يف وضعهم احلاضر، وان جل ما يستطيعون حتقيقه يف هذا الوضع هو اتقاء شر

ايته من الكيان الصهيونية اآلني ومحاية ما ميكن محأما الغلبة التامة النهائية على هذا الشر، . العربي

، يلها تبدل أساسي يف الوضع العربيسب: فسبيلها غري هذاتفكرينا وعملنا وحياتنا وانقالب تام يف أساليب

. بكاملها

ولن ينكر هذا -ان ما أحرزه الصهيونيون من نصروم على قوم، ليس مرده تفوق ق -النصر إال متغافل متعام

سببه ان جذور الصهيونية . بل متيز نظام على نظام متأصلة يف احلياة الغربية احلديثة ، بينما حنن ال نزال يف

سببه أهنم . األغلب بعيدين عن هذه احلياة متنكرين هلا يعيشون يف احلاضر وللمستقبل، يف حني اننا ال نزال حنلم

.برأحالم املاضي وخندر أنفسنا مبجده الغا

اخلطر الصهيوني، بل آل خطر اعتدائي علينا، ال يرده فإنشاء هذا الكيان . إال آيان عربي قومي متحد تقدمي

آما -هو الرآن األول للجهاد العربي البعيد، وال يتمإال بانقالب أساسي يف احلياة العربية، ومن هنا آان -قلت

اجلهاد اجلهاد اخلارجي لدفع األخطار االعتدائية مربوطًا ب

٢٨ אאא

الداخلي إلقامة الكيان العربي السليم ، بل موقوفًا . عليه ومرهونًا بنجاحه

ترى أحيق لنا أن نقول إن مثت وطنًا عربيًا ؟ إذا عنينا بالوطن اجلبال واألهنار،والسهول والشواطىء، فهو

أما . موجود بال شك، منذ أن نزل العرب ديارهم احلاضرة تغلغل معىن -جب والصحيحآما هو الوا -إذا عنينا به

الوطن يف الذهن العربي ، وتولد اإلرادة حلمايته واعالء !شأنه واطراد تقدمه، فال

هل مثت أمة عربية ؟ إذا أردنا بذلك : وسؤال آخر شعوبًا تتكلم اللغة العربية و تنطوي على إمكانات

أما إذا أردنا . لتحقيق هذه األمة، فاجلواب باالجياب أمة موحدة -آما هو الواجب والصحيح -هبذا اللفظ

املنازع، حمققة االمكانات ، تتوجه للمستقبل، وتفتح ! عينها للنور، وصدرها للخري، أىن آان مصدرمها ، فال

الصهيونيون مل يكن هلم وطن قائم باملعىن الطبيعي االول فنسجوا من تارخيهم القدمي ومن آالمهم احلاضرة

عمدوا إىل حتقيقه يف أرض غري وآماهلم للمستقبل حلمًا وأرضهم، وقطعوا يف هذا التحقيق شوطًا غري قصري، سالحهم يف ذلك تغلغل هذا احللم وإرادة حتقيقه يف صميم حياهتم، واحتادهم يف هذه اإلرادة، وتأصل نفوسهم يف احلياة

.الغربية احلديثة، واستعدادها لكل تقدم وتوثب

فهم من . مة املوحدةليس هلؤالء الصهيونيني مزايا األبالد متباعدة ، يتكلمون لغات خمتلفة، وينهجون مناهج

ومع ذلك . متباينة، ال تربطهم إال رابطة الدين واألمل فقد وحدهتم الفكرة، وشحذت مهمهم، وخلقت فيهم اإلرادة

هبذه اإلرادة، وباقباهلم -احلامسة للنضال ، فكادوا حيققونما ليس طبيعيًا ، بينما –املطلق على احلضارة احلديثة

ال يزال غري - ان يكونوا أمة -ان الطبيعي عند العرب !وهنا الفارق الفاصل . حمقق

إن إرادة البقاء والكفاح ال تصد إال بارادة مثلها ووحدة الوالء ال تقهر إال بوحدة أمت ووالء . وأقوى منها

والنظام القائم على املدنية احلديثة ال يغلب إال. أشد

٢٩ אאא

. بنظام أوسع أخذًا هلذه املدنية وأوفر تسلحًا بقواهاوالذهنية املتطورة املتوثبة لن تقف أمامها ذهنية

إن اخلطر الصهيوني، بل : وباإلمجال نكرر. بدائية راآدةآل خطر أجنيب ال يدفع إال بكيان عربي متحد حمقق هلذه الصفات، ومثل هذا الكيان ال يتأتى للعرب إال بانقالب

فإىل تفهم حقيقة هذا الكيان، . اسي يف نظم عيشهم أسوإىل تلمس سبل إجياده ، جيب أن تنصرف أذهان املفكرين والعاملني يف البالد العربية، الراغبني يف حل القضية الصهيونية، بل القضية العربية بكاملها، حًال أساسيًا

.ناجعًا

***

ب فما هي، اذن، صفات هذا الكيان العربي الذي جي حتقيقه ؟

أي أن ينتظم العرب يف دولة : أوىل هذه الصفات االحتاداحتادية توحد فيها سياستهم اخلارجية واالقتصادية،

فإن مخس دول أو ستًا ، أو سبعًا . وقواهم الدفاعيةفيما عدا -مستقلة الواحدة عن األخرى استقالًال تامًا مة آل مهت –هذه الرابطة الضعيفة اليت متثلها اجلامعة

منها بشؤوهنا ومصاحلها الداخلية، واقعة حتت تأثريات ان -أجنبية خمتلفة وسلطات داخلية ذات مصاحل متضاربة

. طيع دفع عوادي هذا الزمن اجلارفةدوًال هذا شأهنا ال تستوإذا آان االحتاد املنشود غاية قومية يستلزمها ما بني

ن اخلطر العرب من روابط لغوية وتارخيية ومصلحية، فإالصهيوني قد جعلها شرطًا للبقاء ومستلزمًا للحياة نفسها ، ألن هذا اخلطر، مضافًا إليه األخطار األجنبية األخرى ، آفيل بأن يندس بني هذه الدول ، ويدق يف جوانبها األسافني، فيقوي االختالف، ويزيد املصاحل املفرقة

. دعًا تباعدًا وتناقضًا ،و البناء العربي خلخلة وتصوالعصي ما دامت منفرطة أو مربوطة خبيط هزيل ، فمن

وال يسلمها من . اليسري أن تكسر الواحدة تلو األخرى العطب، إال شد وثائقها حبيث ال تنفرط ، بل تواجه آل

.ضربة متحدة قوية، فرتدها خاسئة خاسرة

٣٠ אאא

بل هو نفسه ال . على أن هذا االحتاد وحده ال يكفي هو التطور : للعرب شرط آخر أساسي يتم إذا مل يتحقق

ولذلك وصفنا الكيان . االقتصادي واالجتماعي والفكري خيشى [ضًا تقدمي العربي القومي املتحد املنشود بأنه أي

" االنقالبية"و" التقدمية"بعض القوميني استعمال عبارات وأمثاهلما لكثرة ما يرددها الشيوعيون ، آأهنا وقف

على أني لست اعين هبا هنا الثورة . عليهم وحدهم وقد . الطبقية أو سواها من معاني النظرية الشيوعية

آن الوقت الذي جيب أن تعلم به فئاتنا املتحفزةللتحرر، ان التقدم والتوثب لتحقيق احلرية، والثورة على الرجعية واالستغالل ليست من احتكار الشيوعية، آما ان قوميينا جيب أن يدرآوا أن أآرب خطر على قوميتنا هو الرجعية بشىت مظاهرها، واهنم إذا ارادوا أن حياربوا الشيوعية حقًا فسبيلهم الوحيد ان تكون قوميتهم جمارية

لقوى الزمان ، مكافحة ملقيدات املاضي، ثائرة على آل ] .استغالل متلمسة سبل التقدم اىن آانت

بعد ان غدت -وقد أصبح من الضروري لنا أن نعلمان -القومية عندنا لفظة سهلة تدور على آل لسان

التكون القومي مل يظهر يف الغرب، ولن يظهر يف أية بقعة تتوفر له شروط اقتصادية من بقاع األرض ، إذا مل

فهو مل ينشأ إال على انقاض . واجتماعية وفكرية معينة. والطائفية واجلربية والغيبية -بلة القبلية -االقطاعية

مل يقم إال عندما دخلت اآللة فقلبت النظام البدائي الراآد املتفرق يف االقتصاد والعيش إىل نظام متطور

واجز املنيعة اختصاصي متشابك ، وعندما خفضت احلالقائمة بني طبقات الشعب، وسرى العلم املنطقي املنظم فضبط نوازع اخليال وجماري الفكر وحّول العقلية البسيطة

.الساذجة إىل عقلية واعية متفتحة مرآبة

فالذين يعملون اليوم إلنشاء قومية عربية واحتاد عربي على أساس الوضع االجتماعي احلاضر حياولون عبثًا ،

ولن . ن جهودهم ال متاشي جمرى التاريخ وقوانني االجتماع ألتثمر هذه اجلهود إال إذا ارتبط اجلهاد لالحتاد جبهاد

فالقومية واالحتاد . لالنقالب الداخلي وبين على أساسه –هو العصر احلديث -القومي اللذان قاما يف عصر معني

٣١ אאא

كل وما ميثله من تطور يف الفكر والعمل، ال يلتئمان بش .من األشكال مع نظم القرون القدمية والوسطى وعقليتها

االنقالب، شرط الزم -يف حالتنا حنن -هذا التطور بلوالصفات الثالث اليت . اذن لبناء آياننا املنتظر، " قومي متحد تقدمي : "أطلقناها على هذا الكيان

مرتبطة بعضها ببعض ارتباطًا وثيقًا ، ال تقوم الواحدة وهذه التقدمية الواجبة للبناء . باألخرى منها إال

القومي هي، يف الوقت نفسه، سالح ال بد منه جملاهبة اخلطر -وهبذا السالح. الصهيوني وسواه من األخطار االعتدائية

تغلب علينا الصهيونيون يف هذه -آما ذآرنا آنفًا املرحلة من آفاحنا، وسيظلون يتغلبون ما دمنا عنه

.معرضني

***

ما هي عناصر هذه التقدمية، وما هي غايات االنقالب ف املنشود ؟

ليس هنا جمال التفصيل يف هذا املوضوع، ومقابلة ما وإمنا نوجز فنقول . عليه وضعنا احلاضر مبا جيب أن نكون

إن غايات هذا االنقالب جتتمع أخريًا يف غاية واحدة سم واضحة، هي أن نصبح بالفعل وبالروح، ال باالسم واجل

فقط ، قسما من العامل الذي نعيش فيه ، جناريه يف نظم العيش والفكر، ونتكلم لغته، ونتصل بأصوله ، ونضم

ولبلوغ هذه الغاية جيب أن نتخذ . مقدراتنا إىل مقدراتهخطى عديدة تقلب حياتنا من أوضاع العصور الوسطى

.والقدمية إىل وضع العصر احلديث

هي التالية، أعددها، وأهم هذه اخلطى، يف نظري، .تارآًا استقصاء حبثها وتفصيله إىل مناسبة أخرى

اقتباس اآللة واستخدامها يف استثمار مواردنا : أوًال واآللة هي يف مقدمة العوامل اليت . على أوسع نطاق ممكن

أحدثت يف الغرب ذلك االنقالب الذي أدى إىل نظام احلياة اضرة، وما ينتج عنه من وادخاهلا يف حياتنا احل. احلديثة

هلذه احلياة ، آفيل إىل حد بعيد بتهدمي " تصنيع "

٣٢ אאא

القبلية واالقطاعية وسوامها من النظم القائمة يف وجه . القومية

، عن التنظيم الديين فصًال مطلقًا فصل الدولة: ثانيًا وآل . فإن الفكرة القومية منافية للثيوقراطية احلرفية

ت من التماسك القومي بقدر ما دولة يف الغرب إمنا حققاستأصلت من جذور الطائفية ونظمت حياهتا على أساس آخر

.ما توصل إليه العقل املتفتح والفكر املرتاآم

تدريب العقل و تنظيمه باإلقبال على : ثالثًا العلوم الوضعية والتجريبية ، وتوجيه اجلهد الثقايف يف

تظام العلمي ، األمة إىل حتقيق أآرب قدر من هذا االنواالبتعاد ما أمكن عن اخليال املخدر والرومانطقية

فليس آالعقل املنتظم أداة . املائعة، الضائعة املضيعة .الستئصال الباطل وترآيز حياة األمة على أسس سليمة

فتح الصدر واسعًا الآتساب -وعلى وجه االمجال -رابعًا لية وروحية خري ما حققته احلضارات االنسانية من قيم عق

- فكرًا وعمًال -اثبت صحتها االختبار اإلنساني اجلاهدفإنشاء الدول ال يقوم على اآتساب . لبناء احلضارة

األدوات املادية والعقلية وحسن استخدامها فحسب، بل على متانة يف اخللق، وعمق ىف االميان، وصرب على املكاره ،

إذا ثبتت االمة وهذه آلها ال تتحقق إال: وانطالق إىل اخلريجذورها يف القيم االساسية اليت آشف عنها اجلهاد اإلنساني

.خالل العصور

هذه ،عندي، هي الصفات األساسية للتقدمية املنشودة وقد ينظر البعض . ولالنقالب املرغوب فيه حلياتنا احلاضرة

إىل هذا الرأى شزرًا ، ويظنون أن يف هذا اإلحلاح على حلديثة، مباديتها وروحيتها، خروجًا على اقتباس املدنية ا

والواقع ان من . تارخينا وإضاعة لتقاليدنا القوميةتقاليدنا ما هو زائل ، وهذا سيتهدم وينهزم أمام قوى

اما الصحيح . احلضارة احلديثة، سواء أشئنا أم أبينا الباقي، املوافق هلذا الزمان، بل لكل زمان، فهذا ال

الفاسد الزائل، ونتمثله يف نستطيع أن نكتشفه عن حياتنا احلاضرة متثًال تامًا حمييًا، إال بفعل العقل املتحرر

٣٣ אאא

املنتظم الذي جيب أن نقتبسه من املدنية احلديثة ونبين . انقالبنا على أساسه

إذ لن تستطيع ! ومها يكن من أمر، فليطمئن املشككوند فلق. هذه التقدمية أن تودي بنا إىل شر مما حنن عليه

انتهى وضعنا احلاضر، لدى اهلزة اليت أصابته من النضال الصهيوني ، إىل افالس مادي ومعنوي فاجع، ومل تغننا

-بل وجدنا ان عدونا . تقاليدنا يف هذا النضال فتيالبالرغم مما اآتسب واختزن من احلضارة احلديثة، بل بفضل

يفوقنا يف شدة االميان، ووحدة الوالء –هذا االختزان والتمسك بالقوم واألرض والوطن، مثلما يفوقنا يف

فال خوف إذن علينا من . األسلحة احلربية واألدوات املاديةبل اخلوف آل اخلوف من ’ هذه التقدمية القومية

االنقباض عنها والتنكر هلا واالختناق يف أصدافنا الصلبة . املوروثة

***

النقالب ما السبيل إىل هذا ا: بقي سؤال واحد وأخريالشامل احملقق للتقدم القومي على ابلغ وجه وأوسع

نطاق؟

: هنالك سبل ممهدة هلذا االنقالب ومساعدة له، منهاتشجيع اجلهد الوطين يف استغالل موارد البالد، ونشر العلم والثقافة بشىت الوسائل، وتوسيع مدى احلريات السياسية

ة ، وما إىل واالجتماعية والفكرية ، واصالح سبل اإلدار . ذلك من وسائل التطور والتقدم

غري أن هذه الوسائل، على ما هلا من األثر البعيد يف األوىل أهنا بطيئة : االنقالب املنشود، حمدودة من وجهتني

العمل، حتتاج إىل جهد مديد ووقت طويل لكي حتدث التبديل وحنن يف حال ال نستطيع . األساسي املرجو لوضعنا احلاضر

ا أن نفسح للوقت مداه، وان نطلق للجهد حريته معهاألخطار اخلارجية . ليقوم بعمله على مهل وبراحة

والداخلية اليت هتدد آياننا ال تسمح لنا بانتظار التطور والتدرج، بل تفرض علينا الوثب واالنقالب، إذا

مث ان هذه الوسائل . أردنا السالمة وآثرنا البقاء

٣٤ אאא

إىل : وجدها ويقويها ويعممهااملذآورة حتتاج إىل من يفهى ، من جهتها ، . صنعة خملصني قادرين، وقادة مبدعني

تساعد على وجود هؤالء القادة، ولكن هؤالء، مىت وجدوا، هم الذين يضبطوهنا ويوجهوهنا لتغزير نتائجها وتعزيز

. أثرها يف احداث التبديل األساسي املطلوب

ة، متداخلة ان عوامل التقدم، آجميع قوى احليا متشابكة، فالسبب حيدث نتيجة، وهذه بدورها قد تصبح

وليس من . سببا وتفعل يف السبب األول تقوية وتدعيما -عاقل يود أن يبطل الوسائل التطورية اليت ذآرناها

ولكن ال شك يف أن نقطة االنطالق يف -آنشر العلم وما إليهمنا هي يف ما جيب أن نسعى إليه اليوم من تبديل وانقالب إ

القادة والصنعة، يف الفئة املختارة املبدعة اليت تستطيع أن تقبض على هذه الوسائل وتدفعها دفعًا يف السبيل

.الوحيدة املطلوبة

هذه الفئة املختارة اليت ستلقى على عاتقها هذه بل اليت ستأخذ هي هذه املهمة وتقتنصها -املهمة اخلطرية

ت يف نفسها التقدم جيب أن تكون قد حقق -اقتناصًافالذي يعمل . واالنقالب اللذين تسعى إليهما يف اجملتمع

عن شهوة ال عن اميان ال يستطيع أن يبث االميان يف األمة، والذي مل حيرر نفسه بل ظل . مهما عال صوته وزخرف قوله

عبدًا لنوازعه وأطماعه ال ميكنه أن حيرر الغري، مهما ذي خييم الظالم على عقله وال. ارتفع مرآزه وعظمت سلطته

ويعشش عنكبوت التعصب والرجعية يف زوايا دماغه لن يتأتى له أن يبث النور يف أمته، وأن ينشر التسامح والتضامن والوحدة يف جمتمعه، مهما تظاهر هبذا اللون

.واآتسى هذا الكساء

ولذا فالشرط األول لنجاح العمل التقدمي االنقالبي . يف أنفسهم، انقالبيني يف صميمهمان يكون قادته تقدميني

فعلى آل من يتصدى هلذه املهمة اخلطرية ، ان يزن نفسه -هبذا امليزان، ويقدرها هذا القدر، وعلى الشعب عامة

ان حيكوا قادهتم هبذا احملك، -واملثقفني املتحررين منه خاصةفمن خلص معدنه آان حريًا بالقيادة ، ومن ثبت زغله

.زاءهحكم عليه ونال ج

٣٥ אאא

ومن متممات وجود هذه الفئة املختارة ان تنتظم وتتحد يف أحزاب ومنظمات حمكمة تقوم على عقيدة صافية موحدة، وترتبط بوالء صحيح متني ختضع آافة نزعاهتا له

وان نظرة واحدة إىل تاريخ . وتدين به عن رضى واختيارالنهضات يف العامل لتدل بأجلى بيان على أن اجتماع قوى

الفئات املناضلة يف هذه املؤسسات احلزبية وسواها هذه .آان أآرب عامل يف إحداث النهضة وقلب األوضاع

ومن متممات وجود هذه الفئة آذلك ان تربز إىل الوجود الزعامة احلقيقية، وان تولد أولئك األفراد

. الذين يبنون الدول وخيلقون األمم ويصنعون التاريخ م عميقة إىل حياة الشعب آما أولئك الذين متتد جذوره، الوقت نفسه إىل ما جيب ان تكونهي، وترتفع أنظارهم يف

وما يزالون يعملون، مبساندة اخواهنم يف العقيدة والوالء، حىت يتم هلم أو ملن بعدهم صوغ احلياة اجلديدة

أولئك الذين يعيشون آل دقيقة . وتعمري الكيان املتهدم ة الضمري، ويف رهبة من حكم من دقائق عمرهم حتت وطأ

ال تصوف زهد وإعراض، بل -أولئك املتصوفون. التاريخ الذين ال يسعون إىل الرضى -تصوف إقبال واقدام

والسعادة ، بل تأتيهم السعادة والرضى يف فناء ذواهتم أولئك الذين بدوهنم ، : وبكلمة. بذات الوطن الكربى

أمة، وال زهت وبدون أمثاهلم من املصلحني، ما وجدت .حضارة، وال آان للحياة االنسانية أي طعم أو معىن

***

ان الكيان العربي القومي املتحد التقدمي الذي يتضمن، آما قلنا، احلل األساسي لقضية فلسطني بل للقضية العربية آلها، سيبقى حلمًا وإمكانية، ما مل يتحقق أوًال

وعلى رأسها -يف نفوس الفئة املناضلة من أبناء األمةمث يف النظم اليت تنتظم -الزعامة احلقيقية املتولدة منها

.هبا هذه الفئة، واألحزاب واملؤسسات اليت تنشئها

وينظر أحدنا حوله فيجد ان نقطة االنطالق هذه ما تزال ضعيفة، وأن الفئة املناضلة املطلوبة ما تزال قليلة متفرقة، مل تتقو بعد بالنظر النري واجلهاد

لصاهر، وقد تضافرت مناوآت االستعمار والطبقات ا

٣٦ אאא

احلاآمة ومغرياهتا على إضعافها وتشتيتها، فكان ألفرادها بعض األثر ، ولكن مل يكن هلا جمتمعة متحدة اثر

.ملموس أو عمل بني

ويلتفت فتيان هذه األمم وشباهنا، فال جيدون ضالتهم، هم من جهة، يف الزعامات القائمة ، وال تروي طموح

املتوثب، من جهة أخرى، جهود الفئات القومية املتفرقة، فإما أن : فيجتاحهم اليأس ، و تطغى على نفوسهم احلرية

ينتهوا إىل الشك يف ذات أمتهم، والقنوط من إمكانيات شعبهم، ويتبعوا الطريق املرسومة يف ارضاء الشهوات والتهالك على املغريات ، وأما ا ن يصبحوا طعمًا ألية حرآة هدمية، جيدون عزاءهم يف الصخب واالضطراب لذاهتما ،

وال ينجو من هذه األخطار وحيافظ . ومهما آانت نتيجتهماعلى اميانه وعقيدته إال قلة من ذوي النفوس القوية

ولكن حىت هؤالء يف خطر من التفرق و . واألعصاب املتينة !الضياع بعد نكبة فلسطني

مهما آانت عليه على أنه مهما آان من أمر، وفئاتنا املناضلة يف هذه األيام من ضعف وتفرق ، فمما ال شك فيه ان منهـا نقطة االنطالق، ومبدأ الطريق، ومبعث

.الرجاء

***

أما اجتاهه ففي شحذ روح . هو ذا مبدأ الطريق املقاومة واجلهاد عند هذه الفئات املناضلة، ودوام

وتتبعها لنهضات تفاعلها مع الشعب واحساسها حباجاته،األمم األخرى واآتساهبا الختباراهتا، ومتكني تآلفها وانتظامها، وانصهارها يف الوالء الواحد، وتكرسها

إىل أن تصبح من القوة -املتجدد للغاية املرسومة واالحتاد حبيث حتقق الكيان املرجو يف ذاهتا، فتغدو بذلك

.أهًال ألن حتققه يف جمتمعها

ألساسي يف وضعنا احلاضر، الذى فيه حل إن االنقالب اقضية فلسطني والقضية العربية مبجموعها، مرهون مبدى ما تقطعه فئاتنا املناضلة يف هذه الطريق ، وبنوع الزعامة

ولعل هذه الفئات . اليت ستتولد منها يف جهادها هذا

٣٧ אאא

ستجد أن أول ما يتطلبه هذا االنقالب انقالب يف ذاهتا، فالثورة، ما مل تبدأ . فكريها وعملهاوذهنيتها، وطرق ت

يف النفس وعلى النفس، ال ميكن أن تنتهي إىل الغري أو أن فلتنظر فئاتنا املناضلة يف . يكون هلا أي أثر يف اجملتمع

نفسها هبذا املنظار، ولتحاسب نفسها هذا احلساب، فاملوقف .فاصل، والنتائج حامسة، وقوى احلياة ال ترحم

!صيبنا، ولن نصيب، إال ما نستحقويف النهاية لن ي

معىن النكبة

إن املتتبع لتاريخ األمم وتطور احلضارات ليالحظ أن . نشوءها وتقدمها منوطان مبا يكتنفها من صعاب وشدائد

وليس صحيحًا ما يقوله البعض إن احلضارات ظهرت أوًال يف فاليسر . بالد خصبة األرض، سهلة املوارد، جيدة املناخ

يكونا يومًا من األيام سبيًال إىل النمو والسهولة ملوإمنا نشأت احلضارات ومنت عندما جاهبتها يف . والتقدم

حميطها الطبيعي أو البشري مصاعب ومشاآل دعتها إىل جهد فكان يف هذا البذل . الفكر وبذل النفس للتغلب عليها .واجلهد مسبب تقدمها وسبيل خالصها

وآلنا يعلم أن . ادوحال األمم يف هذا حال األفرالفىت الذى ييسر له أبواه مجيع أسباب التعلم والعمل ،

. ال يصيب ما يصيبه الفىت املعوز املضطر من آسب وجناح جيًال يبين وجيمع باجلد : وهلذا نرى األسر يف األغلب أجياًال

.والنصب، مث يأتي من يتمتع ويتنعم ، مث من يبذر فيضيع

حافز إذن لألفراد -النكباتحىت -فاملصاعب والشدائدولكنها ليست . واجلماعات، وعلة من علل تنبهها و هنضتها

ففي بعضها تكون سببًا للتهدم . آذلك يف مجيع األحوال .واالهنيار ، والتبدد والزوال

الضربة اليت توقظ الفىت الناشىء وتؤدي إىل رد من واملشكلة . جانبه قد تقضي على الشيخ اهلرم املتداعي

ليت تنبه العقل املتفتح وتزيده نشاطًا وفعالية قد تشل ا . العقل املتفسخ املرتاخي

٣٨ אאא

فرب أمة تغلبت على ما يف حميطها : وآذلك عند األمم الطبيعي من عوائق وحواجز ، وأخرى ارتدت عن مثل هذه

بل ان األمة نفسها تكون يف دور . العوائق عاجزة خاسرةيل عقبة ما مما هي يف دور من أدوار حياهتا أقدر على تذل

آخر، وتستطيع يف بعض األحوال أن تتلقى اهلجمات والنكبات وتنهض أآثر قوة وحيوية، بينما تنهزم، أو

والتاريخ مليء بالشواهد على . تنعدم ، يف حال أخرى .هذا آله

يعتقد البعض ان هجمات الربابرة هي اليت قضت على اطورية الرومانية والواقع ان االمرب. الدولة الرومانية

برة صدمات أشد هوًال وأعظم آانت قد تلقت قبل الربا، فصمدت هلا وتغلبت عليها، بل اآتسبت من عراآها خطبًا

ولكنها، عند جميء الربابرة، . قوة جديدة وعزمًا أنفذبل ان . آانت قد احنلت داخليًا ، فلم تقف أمام هجماهتم

يها، وأطمعهم احنالهلا ذاته هو الذي دعا الربابرة إل .فيها

وما زال بعضنا يؤمن بأن غزوات الرتك والترت هي اليت قضت على اخلالفة العباسية

ولكن الواقع هنا أيضًا . وعلى امللك العربي عمومًا هو أن العرب آانوا قد غلبوا على أمرهم داخليًا ، قبل أن يغلبهم الترت، وأهنم لو شنت عليهم تلك الغزوات وهم

ههم ومنوهم ملا طغت عليهم، بل لعلها آانت، يف دور تنب . بالعكس ، منشطة هلم وجمددة

.وهكذا احلال عند باقي األمم

***

إن النكبة اليت نزلت بنا اليوم هي اذن حمك لوضعنا فإذا آانت عوامل الرجعية واالحنالل هي . الداخلي احلاضر

املسيطرة علينا، فإن هذه النكبة ستزيدنا ضعفًا واحنالًالأما إذا آان لعوامل التقدم والنمو بعض . وتفرقًا

فإن الصدمة العنيفة -حىت لو مل تكن هي السائدة -القوةاليت تلقيناها خليقة بأن تعزز هذه العوامل ومتشي هبا

.قدما مبزيد مهة، وتراآم أثر

٣٩ אאא

وإنا آثريًا ما نتكلم عن هنضتنا العربية احلاضرة م رهن التحقيق، ويف هذه النهضة هي اليو. ونباهي هبافإما أن خترج بريئة خالصة، وإما أن يظهر : نار املخترب

ضعفها وفسادها، وطغيان قشورها على لبها، وصخبها على .صحيح عملها

وملا آانت القوى املناضلة التقدمية هي اليت حتمل يف بل -النهاية أعباء هذه النهضة، فإن النكبة احلاضرة

- ضي، أو سنتلقاها يف املستقبلآل صدمة تلقيناها يف املاهي يف احلقيقة اختبار هلا، وامتحان ملناعتها ومتانتها،

وهذا االمتحان ال . ولكفاءهتا للعمل وأهليتها للقيادةقيمة له وال أثر إذا مل يكن املرء واعيًا إياه، بل إذا

.مل يصبح هو ذاته املمتَحن واملمتِحن بوقت واحد

هذه املرتبة أن يتفحص فعلى آل عربي يضع نفسه يفعلى رجال الفكر، وعلى اجملاهدين يف . حاله ويتبني قدره

- شىت مناحي العمل، بل على آل متوثب متحفز خلدمة أمتهعلى هؤالء مجيعًا أن ميتحنوا أنفسهم، فرادى ومجاعات، لريوا ما إذا آانت هذه النكبة قد أضعفتهم وشتتهم أو

.زادهتم عزمية ومضاء واحتادًا

ليمتحنوا خلقهم ومقدرهتم على الصمود يف وجه التعسف !واإلغراء

!ليمتحنوا عقيدهتم ووالءهم وقوهتما إزاء احملن واخلطوب

ليتفحصوا تقدميتهم وانقالبيتهم وحدهتما وصالبتهما ! أمام ضغط الرجعية ومحالهتا

ليقيسوا تفتح أعينهم للنور، وصدورهم للتحرر بكل !معانيه

هم ، ويثوروا على مواطن الضعف ليحاسبوا أنفس ! . والتشتت فيها، وحيتفظوا بعناصر القوة وميكنوها

فإن فعلوا ذلك ، خرجوا من هذه النكبة أمضى عزمية وأقوى احتادًا ، وآان ألمتهم رجاء يف احلياة وعدة

.للمستقبل

٤٠ אאא

.عندها ينقى ، بنار احملنة، جوهرنا ويتبلور آياننا

كون للنكبة معىن اجيابي عندها ، وعندها فقط ، ي .بنائي

عندها ، وعندها فقط ، خيرج من العسر يسر، ومن !االضطراب عزم وصفاء، ومن النكبة بذور ظفر وانتصار

ملحق يف مبادىء جهادنا يف فلسطني

جيد القارىء يف ما يلي فصلني آتبا يف مناسبتني خمتلفتني رتكز قبل النكبة، حاولت أن أبني فيهما املبادىء اليت ي

وخيّيل إّيل اآلن، وقد حدث ما . عليها جهادنا يف فلسطنيحدث، ان القارىء سيشعر لدى قراءهتما بشيء من الفراغ يف ألفاظهما ومعانيهما، وسيتساءل عما إذا آان يصح لنا أن نتحدث عن املبادىء، بعد أن أثبت سري قضية فلسطني ان الكلمة العليا هي للقوة، وان املصلحة طاغية

.غيانًا تامًا يف سياسات الدول وعالقاهتا بعضها ببعضط

آمنت بسمو املبادىء اليت تقوم : سيقول، وال شك عليها قضيتنا ، ولكن ما نفع ذلك وغناؤه؟ ماذا أفاد العرت صحة هذه املبادىء وعدالتها؟ أي أثر آان هلا يف القرارات اليت اختذهتا أعلى املنظمات الدولية يف هذه

يف السياسات اليت تتبعها الدول الكربى القضية، ووالصغرى جتاهها ؟ هل مثت ضمري دويل أو عاملي يتأثر باحلق واملبدأ، عندما تلوح املصلحة املادية، أو يفعل النفوذ فعله، أو تكشر القوة عن أنياهبا؟ لنشح بوجهنا إذن عن الكالم الطيب واملعىن اجلميل، ولننصرف بكل ما فينا إىل

ملادي وإىل استجماع القوى وتعبئة املوارد التجهز ا .للمضي يف آفاحنا

وما أنا عن هذه الدعوة إىل بعث قوانا وجتميعها بل إذا آان مثت مغزى لتحليلي، يف صلب هذا . بغريب

ا وسبل معاجلتها، فهو هذا الكتاب، ألسباب نكبتنهو تنمية روح الكفاح ، وتعبئة املوارد، . بالضبط

و استئصال جذور الضعف وبواعث ه. وتعميم اجلهادالتفرقة، وتنقية جسم األمة من ادران الفساد والرجعية

٤١ אאא

ليغدو سليمًا قويًا مؤهًال للبقاء والنمو، متغلبًا على هو االنبعاث . نفسه قادرًا بذلك على الصمود لسواه

.القومي الشامل، والتجدد التقدمي الدائم

عاث ال تنايف على ان هذه الدعوة إىل التقّوي واالنببل ان اجلهاد ليكتسب قوة إذا . حتّري املبادىء واتباعها

استند إىل عقيدة، وصدر عن اميان، وتعلق مببادىء سامية . هكذا عّلم التاريخ وأثبت اختبار الشعوب. وقيم أصيلة

فالقوة العارية الغامشة آثريًا ما طغت يف حياة األمم ، الستيالء على السلطة والثورات اليت نشدت ا. ولكن إىل حني

أما الثورات . فحسب، مل تؤد إىل غري االضطراب واهلدم احلقيقية، الثورات البانية اجملددة، فقد آانت تدعمها املبادىء، وتسريها األحالم اجلميلة واملثل العليا الساطية

.على أذهان القادة، احملرآة لنفوس الشعب

ن مبادىء فال يضري جهادنا يف فلسطني إذن ان يصدر عصحيحة، وال يضري انقالبنا القومي املنشود أن تدعو إليه

إمنا . عقيدة سليمة وترمسه أحالم صادقة ومثل عليا مبدعةالضري آل الضري ان نعتقد أن هذه أو تلك قادرة على حفظ آياننا وتأمني تقدمنا، إذا حنن مل نعقل مجلنا، وحنزم

. أمرنا، ونعّد لغدنا ما استطعنا من قوة

وليست هذه القوة املنشودة يف املال والسالح والوسائل وإمنا هي أيضًا يف عمق اإلميان، وشدة . املادية وحدها

الوالء، واالستعداد للتضحية، والثبات يف وجه التثبيط هي يف قوة اخللق، ومتانة العصب، وسالمة . واالغراء

هي يف اتفاق الرأي، واحتاد العمل، وانصباب . النفس .يف السبيل املؤدية للغايةاجلهد

هذه القوة، اخللقية الروحية، الضرورية للنضال ال تتأتى للمرء أو للشعب إذا مل يتبني املبادىء اليت يرتكز عليها نضاله، والغايات اليت يسعى إىل حتقيقها، وقيمة هذه الغايات واملبادىء يف ميزان االختبار التارخيي

.والتقدم البشري

الفساد واختالل القيم واملوازين يف هذا ان من دالئل ذلك الفساد الذي بدا واضحًا فاضحًا يف سري قضية -العصر

٤٢ אאא

ان يعمد رجل مهمته خدمة الفكر وغرس املبادىء -فلسطنيحبثه يف املبادىء إحلاقًا " ُيلحق " يف قلوب الناشئة إىل أن

بدًال من أن يضعه يف املقدمة، وإىل أن يضطر إىل أن يربر ولكن، لُيسجل لنا، . فسه ولقرائه ولوج هذا البحثلن

على األقل، اننا مل ننس هذه املبادىء، ولنظل، من جانبنا، نعمل يف تثبيت أصولنا فيها، وتقوية نفوسنا مبا تبعث من عزمية واميان، ولنحتفظ هبا ونستند إليها ونستمد منها وحنن جنمع قوانا للكفاح احلاضر ولالنقالب

.تظرالقومي املن

هذا الذى أهاب بي إىل ضم هذين الفصلني إىل الرسالة، آمأل أن تتسق فكرهتما وفكرهتا، وأن يؤديا معًا بعض ما أرجو يف إعداد الفكر الصحيح والعمل املثمر حلل قضيتنا

.العاجلة واآلجلة

الصراع بني املبدأ والقوة يف قضية فلسطني

من جريدة )١٩٤٧(نشر يف العدد اخلاص بعيد امليالد [ ) ] بريوت ( العمل

الغراء أن أآتب مقاًال يف " العمل "طلبت مين جريدة أوًال آثرة ما آتب : القضية الفلسطينية، فرتددت لسببني

يف هذا املوضوع من نواحيه املختلفة، وما توافينا به الصحف واجملالت والراديو يوميًا من آراء الساسة والكّتاب

ر مما مل يعد يفتقر إىل مزيد، وثانيًا واملعلقني على األخباان هذه القضية قد بلغت حدًا مل تعد احلاجة فيه إىل القول واجلدل واملناقشة، بل إىل العمل السريع والتنفيذ

غري اني عدت فلبيت الطلب، آمًال أن يكون يف ما . احلاسم .سأقول بعض الفائدة يف إنارة املشكلة والكشف عن أسسها

واهر هذه املشكلة متعددة، وتفاصيلها وملا آانت ظمتشعبة، وآانت هذه الظواهر والتفاصيل قد أخذت، آما قلت، بالبحث الواسع والشرح املستفيض، رأيت أن خري ما

. ميكن عمله هو النفاذ إىل اجلوهر ورد الفروع إىل األصلفاملشاآل ال تفهم يف حقيقتها إال عندما ترّد إىل أصوهلا

آان من أثر الدعاية الصهيونية اهلائلة وقد . ومبادئهاان حيك حول لب املشكلة الفلسطينية نسيج من اآلراء

٤٣ אאא

املضللة أهلى الرأي العام العاملي عن حقيقة ذلك اللب، . فأصبح من العسري العودة إليه والوقوف على حقيقته

فلنعّر هذه املشكلة اذن من ظواهرها وأعراضها، ولننفذ ماذا ترانا جند؟ إىل الباطن واجلوهر،

جند أننا أمام قضية يتصارع فيها املبدأ من ناحية، وعلى هذا فأثرها ال . والقوة واملصلحة من ناحية ثانية

يقتصر على العرب والصهيونيني فحسب، بل يتناول العامل أمجع فهي حمك حليوية الضمري العاملي، ولقوة التنظيم

ه اجملتمع الدويل، وهي دليل على االجتاه الذي سيتبعإىل العدل والسالم أو إىل الظلم واحلرب : اإلنساني .املستمرة

املبدأ يف هذه القضية هو حق آل شعب باألرض اليت يعيش عليها، واليت عاش عليها أجداده قرونًا طويلة، واليت صبغها بدمه وعرك تراهبا بعرق جبينه، حقه يف استثمار

كيان السياسي مواردها، ويف أن ينشىء لنفسه عليها الواالجتماعي والثقايف الذي خيتار، شرط أن ال ينتقص من

.حرية غريه من الشعوب وحقوقهم

ولقد جاهدت البشرية قرونًا عديدة يف سبيل اقرار هذا احلق، فأهرقت بامسه الدماء وبذلت من أجله الضحايا، حىت آانت احلرب العاملية األوىل، فأعلنه زعماء

ل للعامل أنه سيكون أساس التنظيم األمم احلليفة، وُخيولكن هذا اخليال ما لبث أن حتطم . الدويل بعد تلك احلرب

على صخرة املصلحة، وعادت القوة والتوازن الدويل : وآذلك آان األمر يف احلرب األخرية . يسّيران دفة العامل

اعالن مبادىء سامية يف ميثاق األطلنتيك وسواه، وتنظيم م املتحدة، ولكن القوة واملصلحة دويل جديد يف األم

والتوازن الدويل ال تزال، مع األسف ، هي العوامل .الفعالة يف السياسة الدولية

وحنن إذا راجعنا مجيع القرارات واالجراءات اليت اختذت بشأن فلسطني وجدناها مناقضة حلق العرب الطبيعي، وللمبدأ األساسي يف حق الشعوب بتقرير مصريها ، هذا

بدأ الذي أعلنت الدول اهنا حتارب من أجله، والذي امل .بذلت بامسه الضحايا والنفوس بسخاء عجيب

٤٤ אאא

فوعد بلفور الذي أعطته انكلرتا لليهود، والذي يتخذه الصهيونيون أول حجر أساسي يف دعواهم

إذ ليس . القانونية، خمالف آل املخالفة للمبدأ املذآور، أن يتصرفوا بأرض من حق االنكليز، بأي وجه من الوجوه

ولست . ليست أرضهم ، وأن يقرروا مصري شعب غري شعبهم أريد أن أتناول هنا خمالفة هذا الوعد للعهود اليت

ألني اقتصر يف حبثي -على أمهيتها -قطعها االنكليز للعربهنا على الناحية املبدأية فحسب، دون النواحي األخرى

.جانب العربالسياسية أو سواها، اليت هي ايضًا يف

إن االنكليز اآتسبوا حق التصرف : ولقد يقول قائلبفلسطني بكوهنم افتتحوها وغنموها من األتراك

والرد على ذلك ان االنكليز مل يفتحوها . العثمانينيوحدهم ، بل مبشارآة العرب الذين حالفوهم وهبوا يف

على أن الرد . ثورهتم الكربى املعروفة لتحرير بالدهم األهم هو أن حق الفتح مل يعد ميكن اختاذه دستورًا املبدأي

يف التنظيم العاملي، وإال رجعنا باملدنية إىل العصور وهو : املظلمة، ودسنا بأقدامنا املبدأ القومي األساسي

.حق آل شعب بأرضه وبتقرير مصريه

إن وعد بلفور قد اآتسب صفة : وقد يقول آخرألمم وجعلت منه قانونية دولية عندما أقرته مجعية ا

واجلواب ان . أساسًا من أسس انتداب انكلرتا على فلسطنيما يبىن على أساس فاسد يبقى فاسدًا ولو أقره العامل

مث ان االنتداب على فلسطني نفسه مناقض ملبدأ . أمجعاالنتداب العام املنصوص عليه يف املادة الثانية

قرة فقد جاء يف الف. والعشرين من عهد مجعية األمم ان بعض اجملتمعات اليت آانت : " الرابعة من هذه املادة

تابعة فيما مضى لالمرباطورية العثمانية قد بلغت درجة من الرقي ميكن معها االعرتاف موقتًا بكياهنا آأمم مستقلة بشرط أن متدها باملشورة واملعونة االدارية دولة منتدبة

وينبغي أن . إىل أن تصبح قادرة على حكم ذاهتا بذاهتايكون لرغبات هذه اجملتمعات االعتبار األول يف اختيار

".الدولة املنتدبة

وعليه فإدخال وعد بلفور يف صك االنتداب على فلسطني ليس خمالفًا حلق العرب الطبيعي فحسب، بل يناقض آذلك

٤٥ אאא

املبدأ األساسي املتعلق جبميع االنتدابات على األراضي اليت ثمانية واليت اعُترف باستقالهلا آانت خاضعة للسلطة الع

فإن سياسة اهلجرة والعمل لبناء وطن يهودي . موقتًا . قومي ينتقصان، وال شك، من هذا االستقالل املعرتف به

ناهيك بأن أهل فلسطني مل يؤخذ رأيهم ال يف االنتداب .نفسه، وال يف اختيار الدولة املنتدبة

سنة بنظام غري وهكذا ظلت فلسطني حتكم مدة مخس وعشرين مبين على مبدأ طبيعي أو قانوني، بل قائم بالفعل على

وهبذه القوة ُسطي على سيادة العرب بدًال . القوة واملصلحةمن أن حيافظ عليها، وأصبح آياهنم يف بالدهم حمفوفًا

.باخلطر، مهددًا با لزوال

وجاءت األمم املتحدة اليوم فاقرتفت اجلرمية نفسها، فقرارها يف التقسيم . على مذبح املصلحة وضحت باملبدأ

خمالف حلق أهل فلسطني بتقرير مصريهم بالطرق الدميقراطية املعروفة ومناقض آذلك مليثاق األمم املتحدة نفسه نصًا

فلو فرضنا أن االنتداب على فلسطني يقوم على . وروحًا فإننا ال جند يف -وهو ما أظهرنا بطالنه -أساس قانونين مواد الفصل الثاني عشر من امليثاق، الذي أية مادة م

يتناول البالد املنتدب عليها، ما يعطي األمم املتحدة حق وإمنا هناك . تقسيم هذه البالد أو التصرف هبا آما تشاء

ومها مساعدة هذه . مبدأ واحد وخطة معينة ال حميد عنهما .البالد على نيل استقالهلا وتقرير مصريها بنفسها

ال يقوم -آصك االنتداب -األمم املتحدة ولذا فقراروقد تقدمت الوفود . على أساس مبدأي أو قانوني

العربية باقرتاح مآله احالة هذه املسألة إىل حمكمة العدل الدولية لتبدي رأيها يف صالحية األمم املتحدة لتقرير التقسيم، فُرّد حىت هذا االقرتاح ، مما يدل على أن

ضغط القوى واملصاحل املختلفة، مل تكن األمم املتحدة، حتت مستعدة ألن تستمع إىل صوت أعلى مرجع قانوني يف العامل يف

.هذه القضية

نستنتج من آل ما تقدم أن الكفاح ضد الصهيونية وضد إقامة دولة يهودية يف فلسطني ليس، من جهة العرب،

٤٦ אאא

آفاحًا قوميًا فحسب، بل هو آفاح من أجل مثل أعلى .ح بني احلق والقوة، بني املبدأ واملصلحة إنساني، آفا

أليس للصهيونيني مبادىء يبنون : وقد يتساءل البعض عليها حرآتهم ويكسون هبا دعايتهم، فيكتسبون بواسطتها

العطف والتأييد؟

، ولكن ليس "مبادىء" اهنم يلوحون بعدة ! أجل . منها ما يقف أمام احلقيقة والربهان

لسطني وطن اليهود القومي ألهنم يدعي الصهيونيون ان فسكنوها أجياًال طويلة يف املاضي، مث أجلوا عنها، ومن

والواقع أن اليهود . حقهم اآلن أن يعودوا إليهاتسربوا إىل فلسطني يف األعصر القدمية، آما تسرب غريهم من القبائل السامية إىل بلدان اهلالل اخلصيب، ولكنهم مل

موحدًا إال على عهد داود ينشئوا فيها ملكًا سياسيًاومل يدم هذا امللك سوى .) م. ق ٩٣٧ -١٠١٧(وسليمان

حىت يف هذه املدة القصرية مل يشمل حكمهم . سنوات معدودةفلسطني بكاملها بل ظل للفلسطنيني وسواهم قوة ونفوذ يف

مث انقسم ملكهم دولتني، مشالية وجنوبية ، هتدمت .. البالدويف خالل . م . ق ٥٧٦الثانية سنة و. م. ق ٧٢٢األوىل سنة

األعصر التالية تفرقوا وحاولوا بناء آيانات سياسية ولكنهم آانوا خيفقون املرة بعد األخرى إىل أن تشتتوا

ومما يدل على . هنائيًا يف القرنني األول والثاني للمسيحأن عالقتهم بفلسطني عالقة عابرة ان االسم الذي عرفت به

لتاريخ ليس مشتقًا منهم، بل من هذه البالد خالل اومن املهم ان نالحظ أهنم حىت . أعدائهم األلداء الفلسطنيني

يف أوج ملكهم مل يكونوا يقطنون املناطق اليت ينزلوهنا أي السهول : اآلن واليت أعطيت هلم يف التقسيم

والشواطىء، بل آانت هذه موطن الفلسطينيني ومرآز .نفوذهم

نيني الذين يهاجرون اآلن إىل مث ان اليهود الصهيوبل هم من . فلسطني ال عالقة هلم باليهود الساميني البتةوقد أثبت . جنس آخر خيتلف آل االختالف عن اجلنس السامي

- املؤرخون أن الكثرة املطلقة من يهود أوروبا الشرقيةيرجعون بنسبهم إىل -وهم الذين ينصّبون على فلسطني اآلن

٤٧ אאא

عتنقت اليهودية يف القرن الثامن قبائل اخلزر اليت اللميالد وانتشرت يف شرقي أوروبا ووسطها، فهم ميتون إىل اليهود الذين نزلوا فلسطني قدميًا بالدين فحسب، وال يصح

.ان يتخذ الدين أساسًا لبناء قومية أو إقامة دولة

أما العرب يف فلسطني، فال ميثلون القبائل اليت نزحت السابع وحسب، إذ آان عدد هذه من اجلزيرة يف القرن

القبائل قليًال، وإمنا ميثلون مجيع سكان فلسطني الساميني الفلسطينيني والكنعانيني واألموريني واآلراميني (وسواهم

الذين تتابعوا على فلسطني منذ فجر التاريخ، مث .) إخلفهم سكان البالد . تعربوا يف القرن السابع وما بعده

قامة اليهود يف بالدهم سوى إقامة األصليون، ومل تكن إ . عابرة موقتة إذا قيست بتاريخ البالد الطويل

حىت لو سلمنا لليهود حبق تارخيي يف املاضي، فأي حق خيوهلم ذلك يف احلاضر؟ لو صحت العالقة التارخيية أساسًا للمطالبة بالبالد واألراضي، حلق للعرب اليوم أن

لرتا، ولوجب أن جيلو يطالبوا باسبانيا، وللطليان بانكمجيع سكان الواليات املتحدة عنها ويعيدوها للهنود

.احلمر

فمن أية وجهة نظرنا إىل املبدأ التارخيي الذي يدعيه .الصهيونيون جنده ال يقوم على أساس أو يصمد لربهان

ويّدعي اليهود الصهيونيون ان فلسطني أرضهم، وعدهم ويؤخذ . ليها حتمًااهللا هبا، وتنبأ األنبياء برجوعهم إ

بعض املسيحيني هبذه األقوال نظرًا ملا ورد يف بعض الكتب ولكن هؤالء املسيحيني ينسون . املقدسة من هذه التنبؤات

ان اليهود رفضوا الرسالة املسيحية بكاملها، وأهنم بتسليمهم بادعاء اليهود هذا يسلمون مهد دينهم إىل

آيف ميكننا أن مث. طائفة رفضته وحاربته خالل األجيالنقبل ان شعبًا ما من الشعوب هو شعب اهللا اخلاص، وأن هناك عهدًا بني اهللا تعاىل وبينه، وان اهللا قد خصه بعالقة

أقرب إىل " الشعب املختار"أو ميزة معينة؟ ان فكرة النازية منها إىل أية فكرة أخرى ، وستلقى نفس ما

.لقيته تلك من سقوط واهنيار

٤٨ אאא

دولة الصهيونية اليت تبىن اآلن يف فلسطني ولنالحظ أن الأبعد ما تكون عن الدين، فهي دولة علمانية بكل ما يف هذه الكلمة من معىن، تستخدم، يف ما تستخدمه، املبدأ الديين سبيًال للدعاية، ولكنها ترآز نفسها يف الواقع على األرض والصناعة والثقافة وسواها من مقومات

تقوم يف أساسها على الفتح الدولة العلمانية، بل !وما أبعد ذلك عن الدين الصحيح -واالغتصاب

وحياول الصهيونيون ان يسندوا دعواهم يف إقامة دولة يف فلسطني مبا أصاب اليهود خالل األجيال من اضطهاد، وما حتملوه من عذاب، خصوصًا حتت احلكم النازي ويف احلرب

هم الذين ال يزالون ويشريون إىل عشرات األلوف من. األخرية . يعيشون يف خميمات الالجئني يف املانيا وسواها

ولو فرضنا جدًال أنه مل يكن لليهود أي يد يف هذا االضطهاد الذي أصاهبم، ومل يسببوه بشكل من األشكال، بل آان آله من مساوىء الشعوب األخرى، فمن املسؤول عن

ن شعوب ذلك، وعلى حساب من جيب أن ُيصلح؟ أيصح أن تكوأوروبا هي اليت تضطهد اليهود وتسومهم العذاب، مث ُيفرض مثن ذلك على العرب؟ أمن العدل أن يطلب من العرب أن يعّوضوا بأرضهم وسيادهتم عن جرائم الشعوب الغربية واستبدادها؟ أمن احلق أن ُيلقى هذا العبء الثقيل على

محوا عاتق العرب، وجيازوا هذا اجلزاء، مع أهنم هم الذيناليهود خالل األجيال، ومنحوهم من احلرية ويّسروا هلم من االزدهار ما مل مينحهم إياه أو ييسره هلم أي شعب آخر يف

املاضي؟

إن قضية اضطهاد اليهود قضية عاملية، وال حتل إال . بانتشار روح التسامح الديين واالجتماعي يف العامل أمجع

يتهم على عاتق أما الالجئون واملشردون فتقع مسؤولوما دام شبح النازية قد زال من . الشعوب اليت اضطهدهتم

أوروبا، فما الذي مينع من إعادهتم إىل أوطاهنم وتسهيل سبل عيشهم فيها؟ احلق لو أن صهيونيي أمريآا أنفقوا على هؤالء، وعلى وسائل اغاثتهم واسكاهنم، جزءًا مما

ح ينفقونه على الدعاية الصهيونية وعلى السالالصهيوني، ملا بقي ما يدعى قضية الجئني أو مشردين من

.اليهود

٤٩ אאא

وأخريأ، إن إقامة دولة يهودية يف فلسطني لن ختفف يف الواقع من اضطهاد اليهود يف الغرب، ولن حتل مشكلتهم، بل قد تعّقد هذه املشكلة وتزيد التعصب واالضطهاد وتدفع

روا أن بالشعوب الغربية، آلما نزلت هبم نازلة وشعلليهود يدًا فيها، إىل أن حيملوا عليهم، ويدعوهم إىل

وهذا ما ينظر إليه . اخلروج من بالدهم واهلجرة إىل فلسطنيعقالء اليهود يف العامل بقلق شديد، ولكنهم ال يستطيعون أن يعلنوه وان يقفوا يف وجه األقلية الصهيونية

.املتماسكة املكافحة

غتصبوا أرض فلسطني، بل يقول الصهيونيون اهنم مل ياشرتوها مباهلم، وان هلم بذلك حقًا يف أن يقيموا دولة

ويؤخذ البعض هبذا القول، ناسني أن فلسطني آانت . عليهايف خالل السنني اخلمس والعشرين األخرية حتت نوع من احلكم

ومن . يسهل بيع األراضي هذا، بدًال من أن حيدده أو مينعهقيام حكومة حترص على سيادة الشعب هنا فائدة االستقالل و

ترى لو أن مجاعات غريبة نزلت لبنان . وعلى حفظ تراثهأو أي بلد آخر مستقل وأخذت تستهوي أهله باألمثان الباهظة فتشرتي األمالك، وتنال االمتيازات، وتؤلف الشرآات الستثمار موارد البالد، وتسن لنفسها قوانني

نفسها ومتنع عودهتا بشكل من حتصر هذه األمالك واملوارد هباترى لو حدث ذلك، أتقف -األشكال إىل أصحاهبا األصليني

احلكومة مكتوفة اليدين، وال تتخذ اجراءات حلماية اإلرث الوطين واملوارد القومية؟ مل تبذل الدولة املنتدبة هذه احلماية، بل بالعكس آان الوضع االقتصادي الذي أقامته

الباهظة اليت فرضتها لدعم نظام يف فلسطني، والضرائب مصطنع، آان ذلك مشجعًا على اضاعة ما أضيع من اإلرث

وليس معىن هذا ان العرب . الوطين بدًال من صونه ومحايتهغري مسؤولني مطلقًا عما حدث من هذا القبيل، وإمنا معناه ان املسؤولية تقع يف الدرجة األوىل على من حرم العرب

راهتم يف أيدي حكومة غريبة عنهم، استقالهلم، ووضع مقدوأنشأ يف بالدهم وضعًا يرمي صراحة إىل هدم آياهنم واقامة

يضاف إىل ذلك أن جمرد امتالك . آيان آخر على أنقاضهأراض يف بلد موحد جغرافيًا ال يصح أن يتخذ أساسًا لتهدمي

بل . هذه الوحدة اجلغرافية، وإقامة دولة غريبة فيها

٥٠ אאא

هذه الوحدة وينشأ الكيان السياسي جيب أن حيافظ على .على أساسها بالطرق الد ميقراطية املعروفة

***

اليت يبين عليها الصهيونيون " املبادىء"هذه هي بعض وهي، وأمثاهلا مما ال ميكننا تناوله يف هذا . دعايتهم

املقال، ال تستند، آما وجدنا، على أساس صحيح أو دعامة مام احلقيقة الواحدة وآلها تنهار وتتبدد أ. قوية

وهي حق العرب يف تقرير : الناصعة اليت ال تقبل ردًا مصريهم ، ويف االحتفاظ مبرياثهم الطبيعي الذي ورثوه عن

. أجدادهم

فما الذي مينع عنهم هذا احلق؟؟

. القوة واملصلحة

سياسيًا، : أما القوة فقوة اليهود العاملية .وماليًا، وثقافيًا

القوة يف احلرب العاملية األوىل فاقتطعت لقد جتّلت هذه من احلكومة االنكليزية وعد بلفور؟ وفرضت على أعضاء مجعية األمم ادخاله يف صك االنتداب، وظلت حتت االنتداب تعمل يف انكلرتا وأمريآا لتأمني متابعة سياستها االغتصابية، بالرغم من تنبه ساسة األنكليز إىل

. رات العربية املتتابعةأخطارها، وبالرغم من الثوولقد مترآزت هذه القوة يف السنوات األخرية يف الواليات

وال يستطع أن يقدرها حق قدرها، ويتصور هول . املتحدةفكثري . خطرها، إال من أقام يف تلك البالد ودرس أحواهلا

من الصناعات واملؤسسات املالية األمريآية هي يف أيدي والراديو والسينما اليهود، وآذلك قل عن الصحف

وسواها من وسائل الدعاية، عالوة على أصوات الناخبني اليهود يف واليات نيويورك والينويز واوهايو وسواها من الواليات اليت هلا أمهيتها يف انتخاب الرئاسة، خصوصًا يف هذه األيام والنزاع على أشده بني الدميقراطيني

صوات من أية ناحية واجلمهوريني، وآالمها يسعى الآتساب األ .آانت

٥١ אאא

ويكفي أن نعلم أن يهود الواليات املتحدة، مجعوا يف مئة ومخسة ماليني دوالر، ويف هذه السنة مئة ١٩٤٦سنة

وسبعني مليونًا ، ويعدون اآلن العدة جلمع ثالمثائة ومخسني يكفي ان -مليونًا ، إلعانة الدولة اليهودية اجلديدة

قوة يف الواليات املتحدة، نعلم ذلك لنقدر خطر هذه ال . وبالتايل يف العامل أمجع

فمصلحة : أما املصلحة. قوة اليهود: هذه هي القوةاألحزاب األمريآية الداخلية ، وهي ، يف الواقع وآما يعلم حق العلم العارفون يف أمريآا، مناقضة ملصلحة

. أمريآا العليا آدولة ذات مصاحل هامة يف البالد العربيةمصلحة روسيا بأن جتد لنفسها منفذًا يف الشرق مث هناك

االدىن من وراء احلصون اليت تبنيها يف وجهها الدول فإذا . االنكلوسكسونية يف اليونان وترآيا وايران

اضطربت احلال يف فلسطني وتدخل جملس األمن مبجموعه، أو بواسطة بعض أعضائه، آان للسوفييت جمال للنفاذ إىل هذه

ية من العامل، من وراء خطوط دفاع املنطقة احليو .األنكلوسكسون األوىل

األمريآية الداخلية، والسوفياتية : هاتان املصلحتاناخلارجية، اتفقتا مع املصاحل االستعمارية األخرى ومع قوة اليهود العاملية، فأدت إىل قرار التقسيم، وإىل تضحية

.احلق واملبدأ

***

إىل ما قررته يف ولذا أعود يف ختام هذا املقال بداءته من أن جوهر القضية الفلسطينية صراع بني احلق

. واملبدأ من ناحية، والقوة واملصلحة من ناحية ثانية

وسيكون هذا الصراع عنيفًا طويًال وسيتطلب من العرب وإذا هم مل يبذلوا هذا املطلوب . أعظم جهد وأبلغ تضحية

ل فقد عرضوا ومل يضحوا بالغايل والرخيص يف هذا السبي .أنفسهم خلطر هائل يهددهم يف مجيع أقطارهم ومنازهلم

فلو أقيمت دولة يهودية فعًال يف فلسطني وترآزت دوليًا باعرتاف األمم املتحدة وسائر الدول هبا، فلن يطول الوقت

-حىت يصبح هلا أآرب قوة جوية يف الشرق األدىن، وحىت نرى هلا

٥٢ אאא

حربيًا يسيطر على هذه أسطوًال جتاريًا و -ال مسح اهللاالشواطىء بكاملها، وجيشًا ميكانيكيًا منظمًا مدعومًا

وستفتح هذه . بالذخائر الوافرة واالخرتاعات اجلهنميةالدولة أبواهبا أللوف املهاجرين يتدفقون عليها من أوروبا وملاليني الدوالرات تنصب عليها من أمريآا، فتغدو

نطقتها، فتتسرب بكل قوة بشرية ومالية يصعب حصرها يف مشكل ممكن إىل بقية البلدان العربية، ويف حال اضطراب

ويزيد يف هذا . عاملي تشكل خطرًا عظيمًا على هذه البلداناخلطر آوهنا حتتل الشواطىء واملنافذ البحرية، وتقوم ىف

ففلسطني مبثابة اجلسر بني . بقعة حيوية بني البالد العربيةيه ايد غريبة قطعت يف ما هذه البالد إذا استولت عل

.بينه العالقات، وفكت عرى التعاون واالحتاد

سيكون آفاح العرب عنيفًا مديدًا، وسيقويهم يف آفاحهم هذا اهنم يردون عن أنفسهم خطرًا من أشد ما عرفوه يف تارخيهم هوًال وجسامة، خطرًا يهدد ذات آياهنم يف

قالهلم خمتلف بالدهم، خطرًا يعرض حقهم الطبيعي واستوسيقويهم يف . املكتسب، أىن آانوا، للزوال واالهنيار

آفاحهم آذلك أهنم يف جانب احلق واملبدأ، جياهبون القوة وقد تتغلب القوة على احلق، . واملصلحة يف أفظع أشكاهلا

. واملصلحة على املبدأ، حينًا، و لكنها لن تتغلب أخريًا اد الكرمي فبورك البذل، وبورآت الضحايا، يف هذا اجله

!املقدس

ملاذا جناهد يف فلسطني

) مايو( ٣١طة االذاعة اللبنانية مساء ألقيت من حم[ ] ١٩٤٨سنة

ملاذا جناهد يف فلسطني ؟ مل ترمي الشعوب العربية باأللوف من شباهنا يف حومة النضال؟ مل يرتفع صوت ممثلي ًا العرب يف األمم املتحدة وسواها من احملافل الدولية دفاع

عن موقف دوهلم وشعوهبم؟ ما هي القضية اليت هببنا مجيعًا للكفاح يف سبيلها بالقلب واليد واللسان، بل باحلياة

نفسها؟

٥٣ אאא

اجلواب األول على هذا السؤال هو أننا جناهد لنرد عن أنفسنا التهجم واالعتداء، ولنحمي آياننا من هول

ة مل ويف الواقع ان البالد العربي. التحكم واالستعمارجتابه يف تارخيها الطويل خطرًا أشد من هذا الذي تتعرض

فإن القوى اليت ميلكها الصهيونيون يف شىت . له اليوم أحناء العامل آفيلة ، إذا تسىن هلا أن تستقر يف فلسطني، بأن هتدد استقالل مجيع البالد العربية وتكّون خطرًا هائًال

من وسائل النمو وأن ما هلذه القوى . دائمًا على حياهتاوالتوسع سيجعل العامل العربي أبدًا حتت رمحتها، وسيشل حيويته ويصرفه عن التقدم والتطور يف معارج الرقي

.هذا إذا قدر له البقاء -والعمران

فنحن إمنا جناهد إذن بالدرجة األوىل دفعًا العتداء وإذا تشدق . غادر علينا، وحمافظة على ذات وجودنا

ألمم املتحدة أو سواها بأن عملنا هذا هو املتشدقون يف اعمل اعتدائي، فإهنم إمنا يقلبون الوقائع رأسا على عقب، وجيرمون يف نظر احلق والتاريخ، ويسجلون على

وال فرق يف نظر ! أنفسهم، بأهنم وحلفاءهم هم املعتدونالتاريخ ما إذا آان هؤالء املتشدقون ميثلون دوًال آربى أو

تلحق هبم أيًا آانوا، وسينالون يومًا صغرى، فاللعنة سجزاء أعماهلم، ألن الشر آفيل بأن ينقلب على صاحبه

.واجلرم بأن يعود فينصّب على مقرتفه

***

على أن جلهادنا احلاضر معىن أهم من هذا الذي ذآرنا، وقيمة تتعدى حدودنا إىل العامل أمجع ومتتد من احلاضر إىل

ننا ال ندافع عن حقنا ذلك أ. آفاق املستقبل البعيدةفحسب، بل عن مبادىء هتم آل شعب من شعوب األرض وتتخذ

وبذلك . لدى احلكم العادل صبغة عاملية، ومغزى تارخييًا يتصل جهادنا باجلهاد اإلنساني خالل العصور يف سبيل

. احلفاظ على القيم الباقية واحلريات البشرية األصلية

ا، أن نكشف عن ومن حقنا حنن العرب، بل من واجبنهذا املعىن األوسع األعمق من معاني جهادنا، لنتبني، ولنبني للعامل، خطورة هذا اجلهاد، ولنضع أنفسنا حيث

وهو . جيب، يف املوآب اإلنساني املناضل عن احلق واملبدأ

٥٤ אאא

املوآب الوحيد الذي يسبغ على احلياة البشرية معناها التاريخ احلقيقي إذ ليس. وخيلق أثرًا اجيابيًا يف التاريخ

سوى قيم إنسانية تكتسب، ومواقف أدبية تتخذ، ومبادىء . توضح وحتقق

املبدأ األول الذي ينطوي عليه جهادنا هو حق آل شعب يف األرض اليت يعيش عليها، واليت ورثها من آبائه

حقه يف أن يستغلها ويقيم فيها النظام الذي -وأجدادههذا احلق، . تعّد على سواهخيتاره، شرط أن ال يكون يف ذلك

حق تقرير املصري، مبدأ إنساني أصيل ما زالت البشرية منذ فجرها األول تسعى لتحقيقه، وما زال القادة واملصلحون ينادون به، واجلماهري الشعبية تضحي بشيبها

فإذا قام العرب اليوم يكافحون من . وشباهبا يف سبيلهوا يهّبون ضد آل أجله، ضد االعتداء الصهيوني، وإذا ظل

حماولة أو مناورة يف احلاضر أو املستقبل لتهدميه أو للتعدي اخلفي بامسه وحتت لوائه، فإهنم ال يعملون لصون آياهنم فحسب، بل لتدعيم رآن من أرآان احلياة البشرية

. السليمة، والتقدم العاملي الصحيح

وعلى األمم الكربى اليت آان وما يزال قادهتا يلّوحون ذا املبدأ آلما تأزمت أحوال العامل واحتاجوا إىل هب

على هذه األمم أن تتبني اليوم -معونة الشعوب الصغريةأي موقف تقف منه، يف الصراع القائم يف فلسطني بينه وبني

لقد قال أحد قادة هذه . قوة املال والسياسة والنفوذأجل ". السالم وحدة ال تتجزأ: "األمم يف احلرب املاضية

ال : ذلك هو احلق، واحلرية، واملبادىء وحدات ال تتجزأوآمعىن هلا إذا طبقت على شعب دون آخر، ويف صقع من أصقاع العامل دون سواه، أو إذا نودي هبا خداعًا وتغريرًا ومل

ومهما آان موقف األمم . تتسرب إىل صميم الفكر والعمل ويف. األخرى، فالعرب يعلمون أين يقفون يف هذا الصراع

فوزهم فوز ملبدأ أساسي من مبادىء االجتماع اإلنساني، .وغنم للبشرية مجعاء

***

واملبدأ الثاني الذي يتضمنه اجلهاد العربي يف فلسطني فلقد صور الصهيونيون للعامل . هو التسامح الطائفي

٥٥ אאא

آذبًا وخداعًا ان يف إقامة دولة صهيونية يف فلسطني حًال يف الواقع ان الدولة و. للقضية اليهودية العاملية

املزعومة ال حتل هذه القضية الكربى، بل تزيدها تعقيدًا، وهتيب بالدول إىل الشك بوالء رعاياها اليهود، وإىل اعتبارهم أجانب عنها والضغط عليهم بشىت الطرق الجالئهم

هبذا سيبقى موقف . إىل تلك الدولة اخلادعة املخدوعةظلون ُينظر إليهم شزرًا، اليهود متأرجحًا بني والءين، وسي

: فقد حاولوا حماولة خاطئة . بل سيزداد موقفهم حراجةحاولوا بناء قومية على أساس دين واعتقاد، خالفًا ملا

.أثبته التاريخ وقضت به سنن السياسة واالجتماع

إن القضية اليهودية العاملية، ال ّحتل إال على ! الىء الكرامة أساس نشر التسامح الطائفي، وتدعيم مباد

. اإلنسانية، باجلهاد السياسي واالقتصادي واالجتماعي اهنا مرتبطة بالكفاح الشعيب ضد االستعمار اخلارجي والداخلي، وضد آل استئثار ينال من حرية الفرد أو

هي مشكلة عاملية يتوقف تذليلها على استعداد . اجلماعةنتصار اليهود أنفسهم لالنصهار يف اجلسم اإلنساني، وعلى ا

وهي مبادىء ال متس : مبادىء حرية الفكر والعقيدة .اليهود فحسب، بل آل فرد أو مجاعة أو طائفة

والعرب يف دفاعهم عن التسامح الطائفي وحرية فقد بذلوا . العقيدة إمنا جيرون على تقليدهم املاضي

لليهود خالل التاريخ من احلرية ما مل يبذله هلم أي شعب ه الطائفة يف عهود النفوذ العرىب وبلغ أبناء هذ. آخر

. من احلكم وعلو الشأن ما مل يبلغوه يف أية دولة أخرى وال يزال العرب يصرحون باهنم مستعدون للعيش واليهود يف ظل حكم دميقراطي واحد ينال اليهود فيه من احلقوق ما يؤهلهم له عددهم، ويتمتعون بنفس احلريات والواجبات

، مما مل يتحقق بعد فعًال يف آثري من اليت يتمتع هبا العرب .دول العامل

على هذا الشكل من حتقيق احلريات الدميقراطية حتل والعرب يف جهادهم ملنع إقامة دولة . القضية اليهودية

صهيونية يف فلسطني، إمنا خيدمون هذه احلريات نفسها بتوجيههم القضية إىل حلها الصحيح، ويكشفون القناع عن

اليت تنادي بالدفاع عن اليهود وتغلق رياء الدول

٥٦ אאא

ان اجلهاد العربي يف فلسطني . بالوقت نفسه دوهنم أبواهباجهاد ضد هذا الباطل وأمثاله، وآفاح من أجل معاجلة قضية طائفية على أسس سليمة ، ولتحقيق حريات أساسية ال يزال املدافعون عن الصهيونيني أبعد الناس عن

ذا يعملون، جهًال أو عمدًا ، حتقيقها، بل هم بدفاعهم ه .على اضعافها وتقويضها

واملبدأ األخري واألعم الذي ينطوي عليه اجلهاد العربي يف فلسطني هو تغليب املبادىء على املصلحة يف التنظيم

ان العامل ليشهد اليوم أسوأ مهزلة عرفها . العاملي يشهد منظمة أممية تضم أآثر دول العامل، . التاريخها . ن أن حتل مشكلة واحدة من املشاآل الدوليةعاجزة ع

ان األمم املتحدة، هبيئتها العامة وجملس األمن وجملس الوصاية، مل تستطع بعد أن حتسم خالفًا واحدًا من اخلالفات

يف : اليت تصّدع جبهة البشرية وتنذر حبرب جديدة هائلة آوريا والصني وأندونيسيا واهلند وايران وفلسطني

ن واملانيا، بل يف آل بقعة حساسة من بقاع واليوناوما ذلك إال ألن الدول األعضاء ال تزال تغلب . األرض

املصلحة على املبدأ، والدول الكربى خاصة ال تزال تسّيرها شهوة التحكم واالستئثار ال الرغبة يف حتقيق القيم

والعرب . الصحيحة يف حياة الشعوب وعالقاهتا بعضها ببعض احلاضر إمنا يقفون يف وجه املصلحة والشهوة، فال يف دفاعهم

خيدمون أنفسهم فحسب، بل خيدمون العامل أمجع ويقومون بنصيبهم يف تنبيه البشرية إىل الطريق الوحيدة اليت

طريق املبادىء األساسية الثابتة، ال -تؤمن سالمتها .املصلحة املرتجرجة والشهوة الغاصبة

***

له من القيمة العاملية ما ليس يف بالد العامل بلد ومل حتتل فلسطني مكانتها يف التاريخ مبيزاهتا . لفلسطني

الطبيعية ومواردها املادية، وإمنا باملعاني اإلنسانية والقيم الرفيعة واملبادىء األصيلة اليت شّعت منها على

واجلهاد العربي اليوم ال يتخذ معناه . العامل بأمجعه. طار وعلى ضوء هذه احلقيقةالصحيح إال من ضمن هذا اإل

انه جهاد عربي يف سبيل احلفاظ على آيان العرب -بل أقول قبل هذا -واستقالهلم، ولكنه إىل جانب هذا

٥٧ אאא

جهاد إنساني عاملي أرجو أن يظل يتابع تقليد فلسطني االجيابي يف بث القيم الصحيحة، والدفاع عن املبادىء

. ةواحلريات واملسؤوليات اإلنسانية األصيل

*****