الحرية الدينية (النجار)

35
عشرةلتاسعة الدورة الشارقةرة ا إماتحدةات العربية امار دولة انية امرية الديميةس الشريعة ا بطهاضوا أبعادها واد إعد أ.د.لنجاريد ا عبد اساعدم العا ام االبحوثفتاء ووروبي للمجلس ا ل

description

الحرية الدينية (النجار)

Transcript of الحرية الدينية (النجار)

الدورة التاسعة عشرة

إمارة الشارقة

دولة اإلمارات العربية املتحدة

احلرية الدينية

يف الشريعة اإلسالمية

أبعادها وضوابطها

إعداد

عبد اجمليد النجارأ.د.

األمني العام املساعد للمجلس األوروبي لإلفتاء والبحوث

1

بسم اهلل الرمحن الرحيم

متهيد

ليت تستأثر باالهتمام اليوم قيمة احلرية، ومن ضمنها احلرية من أكثر القيم ا

الدينية، فيكاد ال خيلو حمفل عاملي أو حملي من حديث عن احلرية يف أبعادها املختلفة

وخاصة منها البعد الديين، ومن أجلها أقيمت املؤسسات، وأنشئت املنظمات، وانتظمت

ية، والنضال من أجل احلصول عليها، ومقاومة املؤمترات، واحملور دائما هو املطالبة باحلر

االعتداء عليها. والعامل اإلسالمي يتوفر على حجم كبري من هذه املناشط؛ وذلك ألن

احلرية فيه تعيش حالة خماض عسري بني مفاهيم غري واضحة املعامل وال حمددة األطراف،

فة سياسية وفكرية وانتهاكات واقعية ملا هو متفق عليه من حدودها على أصعدة خمتل

ودينية.

ويف هذا اخلضم النظري والعملي املتالطم تتأرجح احلرية الدينية بني من يذهب بها

إىل تضييق يكاد يلغي حقيقتها، ومن يذهب بها إىل توسيع يكاد ينقلب بها إىل الفوضى،

ومبا أن الشريعة اإلسالمية قد جاءت مبينة هلذه احلرية من حيث حقيقتها وحدودها

وضوابطها، فإن املتكلم يف احلرية الدينية ينبغي أن يلتزم فيها بتلك احلدود والضوابط

حتى يكون رأيه صادرا عن املفهوم الشرعي، فال مييل إىل هذا التوسيع أو إىل ذلك

التضييق فيحيد عن رأي الدين من حيث حيسب أنه عنه يصدر.

لرؤية الشرعية ما نراه يتوجه إليها ومما يزيد من تأكد الضبط للحرية الدينية وفق ا

يف هذه الرؤية من شبه ترد أحيانا من اخلارج وتأتي أحيانا من الداخل. فالبعض من خارج

الدائرة اإلسالمية يزعم أن احلرية الدينية يف اإلسالم هي قيمة مهدرة، إذ اإلكراه الديين

ورمبا ماأله يف هذا الرأي هو املعنى الذي تتضمنه نصوصه، وهو الذي جرى به التاريخ،

بعض من الداخل ممن هم متأثرون بنفس الوجهة. والبعض من داخل الدائرة اإلسالمية تعدى

باحلرية الدينية ضوابطها فانتهى بها إىل متييع ال تبقى معه هلذه احلرية حقيقة ثابتة.

شريعة وكل من هذا وذاك يدعو إىل حتقيق علمي يف شأن هذه احلرية الدينية يف ال

اإلسالمية، من حيث حقيقتها، ومركزها يف الدين، ومن حيث أبعادها وضوابطها، ومن

حيث ضماناتها وتطبيقاتها، مقارنة يف ذلك باحلرية الدينية يف األديان واملذاهب والقوانني،

وردا على الشبه اليت توجه إليها يف خمتلف هذه العناصر.

2

ـ احلرية واحلرية الدينية 1

ختلفت تعاريف احلرية اختالفا كبريا حبسب الناظر فيها بني مضيق وموسع يف رمبا ا

مدلوهلا، ورمبا انعكس ذلك االختالف أيضا على احلرية الدينية بذات األسباب، ولكن

قدرا معينا من املعنى يف كل منهما قد يكون مشرتكا بني املختلفني يف التعريف، ويبقى

ى األصل املشرتك بالنقض، وهو ما ميكن أن يعتمد يف ما بعده حمل اختالف ال يعود عل

التحليل والتأصيل، مع مراعاة مناطق االختالف خلصوصيات املعرفني واحملللني.

أ ـ احلرية

أن يكون اإلنسان متمكنا من االختيار بني وجوه معانيهااحلرية يف أقرب تعين

سواء على مستوى ،ات السلوكيةالقولية والتصرف والتعبرياتممكنة من القناعات الذهنية

انتمائه اجلماعي. إال أن هذه احلرية يف االختيار يبقى مستوىالفرد يف خاصة نفسه أو على

على أصلها بالنقض، كأن يكون االختيار شامال ملا فيه إحلاق تعدمعناها قائما ما مل

ماعية، بل قد يؤول وهو احلد الذي ينتهي إىل هدم احلياة اجل الناس،الضرر باآلخرين من

ولذلك فإنه ال يتصور معنى حقيقي للحرية إال يف نطاق بعض اإلنسانية؛إىل هدم احلياة

؛ ولذلك فال تنقلب إىل فوضى مدمرة تأتي عليها هي ذاتها باإلبطال تضبطهاالضوابط اليت

النفس قال أبو زهرة عن حقيقة احلرية: إنها" تتكون من حقيقتني: إحداهما السيطرة على

واخلضوع حلكم العقل ال اخلضوع حلكم اهلوى، والثانية، اإلحساس الدقيق حبق الناس

1عليه وإال كانت األنانية، واحلرية واألنانية نقيضان ال جيتمعان"

يكاون العقال يف حركتاه وهاي أن أول ماا يشامل حرياة الاتفكري يشمل معنى احلرية و

ه إال املقتضيات املنطقية اليت تفرضاها طبيعاة ال حتكم تفكريإىل معرفة اجملهول ينطلق يف

وال يتعاماال إال مااع املعطيااات املوضااوعية للقضااية املبحااو فيهااا الفطااري،العقاال يف تركيبااه

سااملا يف ذلاك مان أي توجياه مان خارجاه إىل نتيجاة مسابقة ياراد لاه أن الواقاع، كما هاي يف

ة أو الطبيعااة الواقعيااة ملوضااوع حبثااه، وماان أي قيااد ال تقتضاايه طبيعتااه املنطقياا إليهااا،يصاال

بأنه تفكري حر. التفكري الذي هو حركة العقليوصف حينئذف

األقوال، أو ما يعبر عنه أحيانا حبرية التعبري، وهو يف حريةومن عناصر احلرية

إال أنه يتضمن معنى زائدا عليه، إذ هو حيمل بعدا اجتماعيا، املعتقدحقيقته تابع حلرية

إمنا هي متجهة باخلطاب إىل اآلخرين وليست متجهة إىل ذات القائل، التعابريقوال أو فاأل

احلرية املعتربة أن يصدع اإلنسان بالتعبري عما يراه حقا من الرؤى واألفكار وجوهفمن

مجاعي،ليقنع بها اآلخرين على أنها هي احلق، أو ليكتلهم عليها يف منتظم واملعتقدات،

11أبو زهرة ا يف اجملتمع اإلسالمي: 1

3

للحرية مكملاحلياة حبسب مقتضياتها، فهذا الوجه من احلرية هو من جهة أو ليوجه سري

من معدودالفردية يف املعتقد إذ األقوال هي ترمجان املعتقدات، وهو من جهة أخرى

احلريات اجلماعية باعتبار توجه اخلطاب للمجتمع.

يكون حرية التصرف السلوكي، وذلك على معنى أن أيضايشمل معنى احلرية كما

اليت تشمل أنواع مآكله ومالبسه ومساكنه وأعماله أعماله،اإلنسان خمتارا يف خاصة

وأماكن تنقله وسياحته وما هو يف حكم ذلك من إقامتهاليت يرتزق منها وحمال

أو ذات العالقة باآلخرين من الناس، فاالختيار يف هذه النفسالتصرفات املتعلقة خباصة

عناوين احلرية، والقيود عليها تعد من مظاهر االستبداد، وكل أهممن التصرفات يعترب

والضوابط اليت أحملنا إليها آنفا، واليت تعصم احلرية من أن تؤول إىل احلدودذلك يف نطاق

نفسها بنفسها إذا جتاوزت تلك احلدود. تنقضأن

ني اثنني: احلريات يف العصر احلديث إىل تصنيفها إىل نوع احلريةانتهى حتديد وقد

اليت تتعلق بالفرد يف ذات نفسه أو اليت يكون البعد اجلماعي وهيالفردية أو الشخصية،

يف اختيار األفكار إذا بقيت يف مستوى القناعة الذاتية، واختيار كاحلريةفيها ضعيفا

اليت واملسكن وحمل اإلقامة وما هو يف حكمها. واحلريات العامة، وهي واملأكلامللبس

احلزبيباحلياة اجلماعية العامة، مثل حرية التعبري ونشر األفكار، وحرية التنظم تتعلق

، ولعل احلرية الدينني والتوالي اجلماعي، وحرية االختيار ألنظمة احلكم وللقيمني عليه

.جتمع بني هذين النوعني من احلرية

هلذين النوعني من احلرية يف كما سنبين الحقا تؤسس اإلسالميةجاءت التعاليم وقد

شرحها الفقه اإلسالمي يف أبوابه اخلاصة ثم الوحي قرآنا وسنة، أقرهاأصل مبادئها اليت

انتهى الفكر الغربي إىل إقرار هذه احلريات عرب مراحل من التفاعالت كمابهذا الشأن،

ئام السلمي، وتوجت تراوحت احللقات فيها بني الصراع العنيف والو والثقافيةاالجتماعية

من املعاهدات واملواثيق واإلعالنات اليت تشرحها وتضبط أبعادها وحتدد جبملةأخريا

واليت من أشهرها اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان. ضماناتها،

يف كل من اإلسالم والفكر الغربي حظيتالشخصية قد احلريات كانت وإذا

ملفهوم احلرية إذ ينطلق هذا املفهوم األساسينطلق بقسط من االهتمام باعتبار أنها هي امل

يف كل منهما بذات أيضاالعامة حظيت هي احلريات من رفع القيود عن ذات الفرد، فإن

باحلريات االهتمامالقدر من األهمية، بل قد يكون قدرها من االهتمام أوفى من

يكون بها أقدر على اليتاهليئة الشخصية؛ وذلك بالنظر إىل آثارها يف انتظام اجملتمع على

إىل أبواب من الفنت إذا باجملتمعالنهوض باألداء احلضاري، وبالنظر إىل أن انعدامها يؤدي

تعوق اجملتمعات عن التحضر، اليتما فشا فيه االستبداد الذي هو أحد املفاسد الكربى

وتدفع بها إىل الفتنة املذهبة للريح.

4

وتعقد بناؤها وتشابك تركيبها كانت إىل احلريات العامة تاجملتمعاتطورت وكلما

طلبا؛ وذلك لكثرة ما يعتاص من مشاكلها فال يحل إال باملشورة أشدأحوج، وإليها

األوسع بالرأي والتنفيذ، ولكثرة ما تتعارض من مصاحل وأهواء واملشاركةالواسعة

إال بإجراء املفاوضات بينهم على فال تنتظم يف سياق اجتماعي موحد أفرادها،وأفكار

ممكن لينتهي بينهم بالرتاضي على سنن موحد، والتوافق على صعيد مشرتك نطاقأوسع

األهواء املتضادة، واألفكار املتناقضة، واملصاحل املتنافرة، جراء املطارحات إليهترتاجع

اليت تتاح للجميع فيلتقي الناس بها على سواء. احلرة

اإلنسانية وتعقدت مبا مل يسبق له مثيل يف التاريخ اجملتمعاتلعصر تطورت هذا ا ويف

يف اجملتمع حيتاج يف كل شؤونه إىل مجيع اآلخرين من الفرداإلنساني، فقد أصبح

شأن من شؤون احلياة ال ميكن أن يتم إال باشرتاك بني العدد أياألفراد، وأصبح إجناز

احلريات العامة أصبحت يف العصر احلديث املطلب األعلى فإن ولذلكالكبري من أفراده؛

كان على رأسها احلريات السياسية اليت من أجلها قامت ورمبامن مطالب احلرية،

وغريها، وما زلنا نشهد إىل اليوم كيف أن التاريخ الفرنسيةالثورات الكربى كالثورة

ية بفروعها املختلفة، وهو من أجل احلريات السياس بالتدافعيكاد يتمحض يف حركته

يف العدد األكرب من األقطار على تفاوت بينها يف املقدار الذي العنياألمر الذي ال ختطئه

احلريات وثبات جذورها يف الثقافة االجتماعية ويف اإلجراءات العملية هذهأجنز من إرساء

بها اجملتمع. ينتظماليت

ب ـ احلرية الدينية

كااال ديااان هاااو اإلمياااان جبملاااة مااان الغيبياااات ترتتاااب علياااه لاااوازم احملاااور األساساااي يف

سلوكية قد تتسع أو تضيق من دين إىل آخر ولكن ال خيلو منها ديان علاى اإلطاالق؛ ولاذلك

فإن احلرية الدينية تبتدئ حبرية املعتقد ومتتد إىل سائر لوازمه السلوكية، وهي من أهم ما

ن املعتقاد هاو أ اى ماا يتشاوف إلياه اإلنساان مان ينضوي حتت احلرية من العناصر باعتبار أ

القيم، حتى إنه ليبلغ باه األمار يف ذلاك إىل أن يضاحي حبياتاه وهاي أغلاى ماا ميلاك يف سابيل

معتقده.

علااى أنهااا حااق أو هااي واألفكااارباالعتقاااد هااو اإلميااان جبملااة ماان املفاااهيم املقصااودو

ويتشعب منهاا كال ماا يتعلاق واحلياة،لكون احلق، وخباصة منها تلك اليت تفسر الوجود وا

املعناى بداللاة أعماق علاى ماا يتعلاق مان هاذا بشؤون اإلنسان الفردياة واجلماعياة. وقاد ينطباق

، إذ اإلميان بهاا يكاون يف الغالاب غيبية دينية بصبغةهذه املفاهيم واألفكار مبا هو مصبوغ

ا هاو مصابوغ بصابغة فلسافية، إذ هاو يلحق به ما وقدأحكم يف النفوس وأقوى تأثريا عليها،

يكون أيضا على قدر من اليقينية والرسوخ.

5

ماان املفاااهيم واألفكااار مااا اإلنساااناالعتقاااد تعااين حريااة االختيااار يف أن يتبنااى وحريااة

مان وساائل الابالغ، فتصابح معتقادات أخرىينتهي إليه بالتفكري أو ما يصل إليه بأي وسيلة

النظريااة والساالوكية وفقهااا، دون أن حياتهاااهااي احلااق، ويكيااف لااه، يااؤمن بهااا علااى أنهااا

ودون أن يكاره باأي طريقاة مان طارق الاتحقري، يتعرض بسبب ذلك لالضطهاد أو التمييز أو

أخرى خمالفة هلا. معتقداتاإلكراه على ترك معتقداته، أو تبني

ال ميكاان أن ياارد هااو ماان حيااث ذاتااه ومنهااا املعتقاادات ومعلااوم أن اإلميااان باألفكااار

فاحلرية فيه حاصلة على وجه البداهاة، إال أن الطرياق الايت حيصال منهاا اإلمياان قيد،عليه

هي اليت ميكن أن يطاهلا القهر بااحلجر علاى بعاض املساالك والتوجياه إىل أخارى باألفكار

خمتلفة من احلجر والتوجيه بعضها مباشار وبعضاها غاري مباشار، مثال ماا كاان يفعال بطرق

رـ بأتباعه حينما كان يقول هلم عونفر (، فتكاون حرياة 92/غاافر ) مـا أرر إالمـا أرريي

للموضااوع املوضااوعية يخلااى بااني عقاال اإلنسااان وبااني املعطيااات مبتدئااة ماان أن املعتقااد إذن

.اإلجلاءإجلاء إىل بعضها دون بعض بأي وجه من وجوه غري يففيه املفكر

تااتم حقيقتااه بالنساابة للمعتقإااد إال إذا توافااق فيااه باااطن التصااديق ال االعتقااادأن ومبااا

املعتقااد مااع ظاااهر التكييااف للحياااة الفكريااة والساالوكية وفقااه، فااإن حريااة حبقيااةالقلاا

باني ال يكون هلا معنى إال إذا اجتمعت فيهاا مجلاة مان العناصار الايت تضامن اجلماع االعتقاد

علاى ماثال لظااهر مناه، وإال فاإن هاذه احلرياة إذا ماا اقتصارت ذلك الباطن من املعتقد وباني ا

أمر خفاي التصديقجمرد التصديق القل باملعتقدات فإنها قد ال يكون هلا معنى، إذ جمرد

عان احلرياة يف احلديثال يرد عليه حبال أي ضرب من ضروب املنع أو االضطهاد، وإذن فإن

ال ميكن منعه. الذيذلك باعتبار أنها من احلاصل شأنه يصبح أمرا غري ذي موضوع، و

يف التصاديق باملعتقاد علاى املتمثال إىل العنصار األساساي يف حرياة االعتقااد وباإلضافة

عن ذلك املعتقد، والتعبري اإلعالن، فإن العنصر الثاني من عناصرها هو أو هو احلق أنه حق

: بياناا دائارة اجملتماع علاى سابيل إشااعته فياه لآلخرين، إخراجا له مان دائارة الاذات إىل عنه

، فااذلك هااو املااتمم ملعنااى حريااة ومنافحااة عنااه عليااه،حلقيقتااه، وشاارحا ملفهومااه، واسااتدالال

املعتقد مبفهوم حرية التصديق القلا ، إذ هاذا التصاديق كماا أشارنا إلياه آنفاا ال يارد علياه

.ره بالتعابري واألقوالمعنى احلرية من حيث ذاته، وإمنا يرد عليه من حيث إظها

ماان قيااام االعتقاديااة وماان عناصاارها أيضااا حريااة املمارسااة الساالوكية للمقتضاايات

وتكيياف للحيااة الفردياة الدينياة، بالشعائر التعبدية، وإقامة لالحتفال باملناسابات واألعيااد

تطبيااق ومااا إىل ذلااك ماان مظاااهر ال النظريااة،واألساارية واالجتماعيااة مبااا تتطلبااه املعتقاادات

، فهذا املعنى هو من املتمماات األساساية ملعناى حرياة املعتقاد تصاديقا وتعابريا، إذ السلوكي

السلوك هو ترمجان التصديق، فإذا ماا وقاع صاده فاإن املعتقاد يبقاى حبايس الاذهن واللساان

فال يكون له نفاذ يف الواقع وال تكييف للحياة، وذلاك انتقااص حلقيقاة الادين ياؤول باه إىل

6

الفلسفة العقلياة اجملاردة، وجيارده مان لوازماه املتمثلاة يف العباادة، وال يكاون ديان ضرب من

بدون عبادة.

والسعي يف نشره بني الناس إليه،من أهم عناصر حرية املعتقد احلرية يف الدعوة و

بوسائلها املختلفة يف البالغ إعالميةليصبح معتقدا هلم، مع ما يقتضيه ذلك من حرية

أجل تبليغ املعتقد إليهم وشرحه هلم، منمن حرية يف جتمع الناس وجتميعهم والنشر، و

املشرتك، وتدبري أمر سريورته وانتشاره، معتقدهموحرية جتميع األنصار للتداول يف شأن

وأحزاب من أجل التناصر على ما ييسر ومجعياتوحرية التنظم يف هيئات ومؤسسات

، وأيما خلل الدينية إذا ما اجتمعت اكتملت بها احلرية العناصر السريورة واالنتشار. إن هذه

منها يفضي إىل نقصان فيها حتى ينتهي أمرها إىل الزوال. واحديف

ـ مرجعية احلرية الدينية بني اإلسالم والغرب 2

إن احلديث عن احلرية الدينية يف الشريعة اإلسالمية ال ميكن أن يكون مبعزل عن

ة كما تطرح اليوم يف الثقافة الغربية؛ ذلك ألن هذه احلرية الدينية ضمن احلرية الدينيي

قيمة احلرية بصفة عامة تأخذ حيزا كبريا يف هذه الثقافة، بل لعلها تعترب أعلى القيم اليت

تأسست عليها احلضارة الغربية، ويقوم االدعاء واسعا بأن احلرية الدينية يف هذه احلضارة

افات واحلضارات األخرى أية حرية دينية، وكثريا ما يتم ذلك من خالل ال تضاهيها يف الثق

املقارنة مع وضع هذه احلرية يف اإلسالم، ليقع االنتهاء من ذلك إىل احلكم بتفوق ما هو

موجود يف الغرب يف هذا الشأن عما جاء اإلسالم به، وقد يقع االنتهاء إىل نفي أية حرية

دينية فيه.

ال للمقارنة التفصيلية يف هذا األمر فإنه ميكن االكتفاء باملقارنة وإذ ال يتسع اجمل

بني مرجعية احلرية يف اإلسالم ومرجعيتها يف الغرب ليتبني بذلك نتائج مهمة فيما يتعلق

مبدى قوة احلرية الدينية وثباتها ومصداقيتها يف كل منهما، وهو األمر الذي يرتتب عليه

ع واملصري التارخيي الذي تنتهي إليه يف كل من احلقلني سريورة تلك احلرية يف الواق

احلضاريني.

أ ـ مرجعية احلرية الدينية يف اإلسالم

على أنه هو الدين اخلامت، فهو قائم على وحي ليس نفسهدين جاء يعرض اإلسالم

فيه من تعاليم يف خمتلف جماالت احلياة جاءت معروضة مابعده من وحي آخر؛ ولذلك فإن

هلا من ناقض ينقضها ال من وحي ألن الوحي قد فليسى سبيل الثبات والدميومة، عل

من العقل، وليس لألدنى أن ينقض األعلى، وأما أعلىانقطع، وال من عقل ألن الوحي

منظومة الوحي، وحبسب ما تسمح به وحتدده هذه خاللاالجتهاد العقلي فإنه يتم من

استكشاف ملا هو غري منصوص عليه وفق املبادئ أو، املنظومة من تفسري ملا هو ظني

7

من األحوال ناقضا لتقريرات الوحي كما يزعم بعض حبالوالقواعد الكلية العامة، وليس

الزاعمني.

من التعاليم يندرج عامة واحلرية الدينية خاصة متعلقا باحلرية جاءلذلك فإن ما وتبعا

فليس ألحد أن يغير فيه شيئا، ال من والدميومة،هو أيضا ضمن هذا السياق من الثبات

احلكم الشرعي املعلومة، وال من حيث درجاتحيث ذاته يف أحكامه املندرجة ضمن

عامة، ومنزلة األصول الكلية املؤسسة فيه بصفةمنزلته القيمية املرتبطة مبنزلة الوحي

كل األحوال والظروف على اليت متتد يف الزمنيةبصفة خاصة، وال من حيث الدميومة

االستثناء أو التعطيل أو اإللغاء، وال من حيث إليهاامتداد الوجود اإلنساني دون أن يتطرق

مطلقا عن عوارض اإلنسانية من جنس ولون ودين إنسانيتهتعلقها باإلنسان مبقتضى

تل من هي من مجيع هذه النواحي قيمة كربى حت اإلسالموغريها، فاحلرية كما جاء بها

وهي قيمة ثابتة تتصف بالدميومة يف الزمان واملكان. العليا،سلم املقاصد الدينية الدرجات

التشريع حلرية االعتقاد، وحتريم اإلكراه يف الدين، ويبدو هذا األمر أول ما يبدو يف

نهج يدعو الناس إىل اإلميان، ويرشدهم إىل طريق اهلداية، ويبين هلم امل اإلسالمفلئن جاء

عنها اإلعراضإىل ذلك، إال أنه جاء أيضا يشرع للحرية يف االستجابة هلذه الدعوة أو املؤدي

ال تكون يف اإلميانمع حتمل املسؤولية يف كل من اخليارين، بل إن االستجابة لدعوة

ا العقلي احلر، أما إذ بالنظرامليزان اإلسالمي استجابة معتدا بها إال إذا كانت حاصلة

املثال فإنه يعترب عند أكثر سبيلكان اإلميان بالدين ناشئا عن إجلاء وراثي تقليدي على

عند البعض منهم، وما ذلك إال ملا للحرية من أصالالعلماء إميانا ناقصا، وقد ال يعترب إميانا

وقرلي فيه نصوص كثرية، منها قوله تعاىل: جاءتقيمة يف حتصيل االعتقاد، وهو ما

فرر ر فرمن شاء فرليؤ من ومن شاء فرلي الر (، وقوله تعاىل:92) الكهف/الحق من رب

ولرو شاء ربكر (، وقوله تعاىل:952) البقرة/ إيكراه في الديني قرد تبين الرش د من الغي

رونوا مؤ مننيآلمن من في األرر ضي كرله جمي ريه الناس حتى ي (، 22) يونس/ عا أرفرأرنت ت

تؤسس بصفة قطعية حلرية املعتقد، سواء كان معتقدا دينيا أو كثريفهذه اآليات وغريها

.عامافلسفيا أو فكريا

أشكاالحبرية املعتقد بأنواعه حرية التعبري عنه باألقوال، وحرية ممارسته ويلحق

يفعملية يف الواقع عبادة أو تصرفات شخصية يف خاصة النفس، أو توافقات مجاعية

اإلنسان،أمناط احلياة ، فقد جاء اإلسالم يشرع هلذه احلرية، وجيعلها حقا من حقوق

يندرج ضمن أغلبهاويؤثم إهدارها واحليلولة دونها، بل والتقاعس دون ممارستها باعتبار أن

هلذه احلقوق املمارسةوواجبا يف نفس اآلن، وهو ما يقتضي أن تكون دائرة كونها حقا

يرتق إليه أي دين أو مذهب ملواجبا عباديا مشموال باجلزاء ثوابا وعقابا، وهو وضع للحرية

غري اإلسالم.

8

إن املرجعية املؤسسة للحرية الدينية يف اإلسالم، واملوجهة ملساراتها، والضامنة

رجعية تضرب جبذورها يف تعاليم الدين نفسه، فالدين هو املؤسس هي إذن م لصريورتها

للحرية الدينية، تكليفا إميانيا، وتفصيال تشريعيا، فيكون اإلخالل بها إخالال بالدين يف

مقتضياته اإلميانية والتشريعية، وهي بذلك كله تكتسب وضعا من القوة الذاتية تكون

ديل وال تغيري وال انتقاص، إذ الدين ال يناله شيء من به ثابتة على مر الزمن، ال يناهلا تب

ذلك، كما أنها تكتسب به قوة نفسية يف حتملها، إميانا وسلوكا، إذ يعترب ذلك التحمل

طاعة هلل تعاىل تقرب منه، واإلخالل بها عصيانا يبعد منه.

احلرية يف الفر الغربي مرجعيةـ ب

الفكر الغربي احلديث، واليت شكلت الوعي هاعليأهم املقوالت اليت قام من

بعدها الفردي حريات شخصية، أو يف بعدها يفاحلضاري املعاصر مقولة احلرية، سواء

الفلسفية، وللثورات اإلصالحية، للمذاهباجلماعي حريات عامة، والشعارات الكربى

تكاد ال ختلو منذ أكثر السياسية وللربملاناتولالنتفاضات الشعبية، وللتنظيمات الدولية،

حتى غدت هذه الكلمة تكاد تكون عناصرها،من قرنني من احلرية عنصرا أساسيا من

، ومن أهم عليها احلياة الفردية واجلماعية تشكلاملقوم األكرب من املقومات اليت يراد أن

. عناصر هذه احلرية احملركة للوعي احلضاري احلرية الدينية

يكن ملنشأ وتطور خارج سياق الدين إن قد عمومهر الغربي يف أن الفك ومبا

الفلسفةنقيضا له، ومبا أن الدين املسيحي الذي هو احملضن اجلغرايف الذي نشأت فيه

فإن العامة،الغربية كانت صبغته العامة صبغة روحية تنأى به عن أن يكون موجها للحياة

صلة هلا بالدين، اليف ثقافة الغرب كانت مقولة وضعية مقولة احلرية يف مبدئها وتطوراتها

باملقدس الديين، لهوإمنا هي من حمض التقرير العقلي، ومصدر اإللزام فيها ال عالقة

وإمنا هو مصدر فلسفي اجتماعي ورمبا كان أخالقيا أحيانا.

ما يتعلق لئن كان يف تشكله الفلسفي مبا يف ذلك عامةأن الفكر الغربي بصفة إال

الذي عرف يف الثقافة الغربية بعصر التنوير، ومن هذا احلديثباحلرية هو وليد العصر

الكربى، فهو غري مقطوع الصلة بالفكر الفلسفي القديم أسسهالعصر وأحداثه تشكلت

اليوناني والروماني، بل هو ممتد يف بعض جذوره إىل ذلك املريا متمثال باألخص يف

تتبع هذه اجلذور يف سبيل عن هلذا الفكر ال يغفلون يف الغالب الدارسنيهلذا فإن املريا ؛ و

وال يبعد أن يكون للحرية كما انتهت إليه نظريتها وإجراءاتها فيه األقوم،فهمه الفهم

حنو أو آخر يف ذلك املريا القديم، وهو األمر الذي ال ينبغي إهماله عند علىعرق يضرب

يه. هذا الفكر، فلعل بعض املالمح فيها تعود يف مرجعيتها إليف احلريةتقويم

، وهو األمر الذيمتعددة من الطبيعة آلهلة لقد كان الفكر اليوناني مثقال بالعبودية

التشريع للرق على سبيل يفكان له أثر يف رسوخ فكرة العبودية االجتماعية املتمثلة

9

هو النقيض األكرب الذيية، فاالسرتقاق استحسانه ضرورة من ضرورات احلياة اجلماع

يف الفكر اليوناني، بل االجتماعيةللحرية كان جزءا ثابتا من عناصر الفلسفة السياسية

الفالسفة مثل أفالطون كبارقد كان حمل استدالل على حتميته وصالحه من قإبل

يف مشاهد الطبيعة اجملتمع، إذ حياةوأرسطو، فقد اعترب كل منهما الرق نظاما طبيعيا يف

يصبحأن ينبغيخلدمة األعلى، وهو ما مسخركلها تقابل بني األعلى واألدنى، وأن األدنى

ختدم طبقة األحرار، وهما للعبيد، فتكون طبقة يف تنظيمه االجتماعي على اإلنسان ساريا

لتحرر الديين ، فقد كان إذن اخللل يف ا9طبقتان حمددتان على سبيل الطبع الذي ال يتغير

سببا يف خلل على مستوى التحرر االجتماعي، وكان هلذا املريا تسرب على حنو أو آخر

.إىل الفكر الغربي احلديث

العصور الوسطى تعاني من استبداد فظيع طيلةكانت اجملتمعات األوروبية لقد

ا، الكنيسة على قهر الشعوب وسلب حريته تتواليانمسلط على رقاب الناس من قإبل جهتني

احلريات العامة السياسية واالجتماعية، وكان يسلبون، واحلكام احلرية الدينيةتسلب

هاتني اجلهتني على الشعوب األوروبية اليت بدأت تتنسم قإبلتزايد الضغط االستبدادي من

من احلضارة اإلسالمية، كان ذلك مستفزا هلا كي تنهض إليهاطالئع األنوار القادمة

أن تواجه هذين املصدرين من مصادر االستبداد بثورات عليهابة حبريتها، فكان مطال

تنال حريتها، وكان الصراع عنيفا داميا يف كثري من كيمتتالية وصراعات متعاقبة

الشهرية اليت كان الناس يتناقلونها يف خضم املواجهة، العبارةمراحله، وهو ما خلصته

.«آخر حاكم بأمعاء آخر قسيس ااشنقو »وهي تنادي الناس بأن

زمنا ليس بالقصري الدينية والسياسية احلرية أجلدامت هذه اهلبة الشعبية من وقد

بلغت بضعة قرون، وقد احتضنتها نتائجهالعلها بامتدادها منذ ظهور إرهاصاتها إىل حصول

تائجها وتوجه مسارها، وتلخص ن هلا،من مبتدئها إىل منتهاها حركة فكرية تنظر

من الفالسفة واألدباء، حتى التنويرتلخيصا فلسفيا، يقودها ويرعاها كبار مفكري

فيه من خالل الدينية احلرية تنزلتانتهت إىل تشكيل الفكر الغربي احلديث، الذي

مقولة العلمانية اليت تعين التحرر من الدين أن يكون له سلطان على الشأن االجتماعي

ة فيه لألفراد أن يكون شأنا شخصيا يف املمارسة الروحية إميانا قلبيا العام، وترك احلري

وشعائر تعبدية.

الناس فتوجهها يف التفكري الوجهة اليت عقولتستبد على نيسةكانت الك لقد

حقائق الكون الوجودية والطبيعية، ومارست الكتشافتريد، ومتنعها من التفكري احلر

بالنار ملن يتوصل بفكره احلر إىل اكتشاف حقيقة اإلحراقيف ذلك قهرا عظيما وصل إىل

والنشار مصار والرتمجاة ) ط جلناة التاأليف 925اليونانياة: الفلسافة : يوسف كرم ا تااريخ راجع 9 1292)

10

األرض ودورانها باعتبار أن ذلك خيالف التوجيهات كرويةمن حقائق الطبيعة كحقيقة

اجتماعيا بالتسلط القهري على حياة الناس يف تدبري ظلماالدينية، كما كانت متارس

ز األموال وفرض الضرائب واإلتاوات على اقتصاديا بابتزا وظلماشؤونهم اخلاصة والعامة،

الرقاب.

ثورة حتررية ظهرت أول ما ظهرت يف نزعة نشوء إىلهذا الوضع االستبدادي أدى إن

اليت محلت ةالربوتستانتيوهي املتمثلة يف الثورة نفسها،إصالحية انبثقت من الكنيسة

من القمع الفكري نفسه يف اتجاه التحرر الكنسيإصالحات من داخل النظام

باسم الدين، وقد جوبهت هذه الثورة مبقاومة الكنيسةواالجتماعي الذي كانت متارسه

املتمسكني باالستبداد الفكري واالقتصادي احملافظنيضارية من قإبل حراس الكنيسة

دام متثل يف حروب طويلة بني املذهبني الكنسيني صراعواالجتماعي، وانتهى األمر إىل

امتدت تلك احلروب اليت أصبحت تعرف باحلروب وقدذين أصبحا دينني خمتلفني، الل

تقريبا، كما امتدت على رقعة زمنية كادت بأكملهاالدينية على الرقعة األوروبية

عشر. والسابعتستغرق القرنني السادس عشر

ت إليه مدمرة على اجملتمع األوروبي، مبا أفض آثاركانت هلذه احلروب الدينية لقد

والفوضى، وهو األمر الذي أفضى إىل نشأة االضطراباتمن انشقاقات اجتماعية عمت بها

والفالسفة إىل إنهاء هذا الصراع بإخراج كل من املفكروننزوع عند الناس وعلى رأسهم

للراية الدينية من ساحة احلياة االجتماعية اليت هي احلامالنالطرفني املتصارعني وهما

التدبري يف شؤون احلياة العامة إىل العقل ال إىل الدين وإيكالراع وموضوعه، حمل الص

خماض طويل انتهى األمر إىل التوافق على هذا األمر، فأخرج وبعدبتأويليه املتصارعني،

للعقل فانطلق يف التفكري احلر، ومن أن يكون مدبرا لشؤون موجهاالدين من أن يكون

وكل ذلك للتدبري العقلي املستقل عن الدين، وكانت تلك هي وأ االجتماعيةاحلياة

حتمله من حترر فكري واجتماعي ناشئة من حمضن صراعات دامية على مباالعلمانية

متولدة من تفكري أيديولوجي أو نزوع أخالقي على سبيل التأسيس وليستأساس توافقي،

. 9االبتدائي

نتيجة ألحدا تارخيية معينة، وحال الغربيكر إذن يف الف الدينية كانت احلرية لقد

متصارعة، ومل يكن ألي منها قدرة قوىملشكالت تلك األحدا ، وذلك حينما توازنت

اجلميع، وهكذا كان لصاحلاحلرية هي احلل هذه أن فرئي، اعلى احلسم لصاحله

بدئية املثالية العلوية بامل هلامرجعية ظرفية ال عالقة ومرجعيتهامنشأ احلرية منشأ ظرفيا،

به احلرية يف أذهان األوروبيني، استقرتالدائمة، وهو ما سيفضي حتما إىل الوضع الذي

441: : الدين والسياسة يف الغرب احلديثالسالميف ذلك: رفيق عبد راجع 9

11

بالدوام، وبالوضعية ال بالعلوية اإلميانية وال الوهو الوضع الذي تتصف فيه احلرية بالظرفية

ال باخلريية الذاتية. باملصلحةحتى اخللقية، واقرتنت فيه

والتغري مع تغير طبيعة الواقع وأحداثه؛ الظرفيةمرجعية للحرية طبيعتها إذن إنها

ألن تداخلها ازدواجية املعايري، ونسبية التنفيذ، فإذا قابلةولذلك فإن احلرية ذاتها تكون

معينة وتوازنات قائمة، فإنها ميكن أن تصبح غدا منتهكة لظروفكانت مطلوبة اليوم

تلك الظروف، واختلت تلك التوازنات، فإذا االستبداد هو تغيرتبوجه شرعي إذا ما

وإذا مل يصل الفكر الغربي إىل هذا الوضع إىل حد اآلن، املنكرة،املشروع واحلرية هي

اليت قامت عليها احلرية فيه حتمل القابلية ألن يصل إليه غدا، ومثة من املرجعيةفإن طبيعة

جتاه هذا الفكر يف خصوص احلرية هذه الوجهة.الفعلية اليوم ما ينبئ با املؤشرات

وعند املقارنة يتبين الفرق بني مرجعية احلرية الدينية يف اإلسالم، وهي املتأسسة على

اإللزام الديين الذي يقتضي الطاعة تقربا إىل اهلل تعاىل، فيضفي عليها الثبات والدميومة،

ي عند وقوع اخللل، وبني مرجعيتها يف والدافعية إىل التنزيل السلوكي، والتوجه اإلصالح

الفكر الغربي، إذ هي متأسسة على موازين قوى ظرفية، فإذا ما اختلت تلك املوازين رمبا

أيضا، وذلك املبدأانقلبت احلرية الدينية على أعقابها ليس يف السلوك فحسب وإمنا يف

أن أهل األديان االختالف اجلوهري بني املرجعيتني هو الذي ميكن أن نفسر به كيف

واملعتقدات حافظوا على وجودهم يف البالد اإلسالمية من يوم ظهر اإلسالم إىل يوم الناس

هذا، وكيف أن ماليني املسلمني يف األندلس مل يبق منهم شيء ملا اجتاحها املد املسيحي،

ي حلظة من وخري فيه املسلم بني تنصر أو قتل أو هجرة، وال يبعد أن يعاد هذا األمنوذج يف أ

الزمن يف نطاق الفكر الغربي كما دل عليه إرهاص ما وقع يف البوسنة منذ بعض

السنوات.

ـ التشريع اإلسالمي للحرية الدينية 3

جاءت الشريعة اإلسالمية تولي احلرية الدينية أهمية بالغة يف البيان التشريعي،

، ال من حيث قطعية ما ورد فأسست هلا أحكاما يف غاية القطعية اليت ال حتتمل تأويال

فيها من نصوص وال من حيث قطعية الداللة، حتى أصبحت األحكام املتعلقة بهذه احلرية

يف غاية الوضوح، سواء ما تعلق منها باحلرية يف حصول اإلميان الديين كما هو مطلوب يف

إلسالم واعتناق اإلسالم، أو ما تعلق بفهم الدين وتأويله، أو ما تعلق باختيار دين آخر غري ا

معتقداته وممارسة شعائره، ففي كل ذلك جاء تشريع احلرية فيه على درجة عالية من

البيان.

أ ـ احلرية يف اإلميان باإلسالم

جاء اإلسالم يطلاب مان النااس اإلمياان باه، وجعال اإلمياان باملعتقاات الغيبياة علاى رأس

لتحصايل تقاوم علاى احلرياة، وجعلات هذا الطلب، إال أن هاذا اإلمياان حاددت لاه طريقاة يف ا

12

تلااك الطريقااة املبنيااة علااى احلريااة مقياسااا ل ميااان تقاااس بااه درجااة قوتااه وضااعفه، باال جعلااها

بعض الباحثني مقياسا يقاس به اإلميان يف القبول والارد، وذلاك بنااء علاى ماا تتاوفر فياه مان

أقدار احلرية يف التحصيل.

الصادر عن فكر االستدالليعتقاد هي النظر املشرعة يف حتصيل اال الطريقة وهذه

التوجيه القرآني املستمر حيملهحر من كل القيود واملكبالت الظاهرة واخلفية، وذلك ما

والتفكر يف دواخل األنفس ويف آفاق والتدبريف دعوته إىل اإلميان بالعقيدة إىل التأمل

قرلي ة لتلك العقيدة، ومن ذلك قوله تعاىل: املثبت والشواهدالكون للوقوف فيها على األدلة

) انظرروا ماذا في السماوات واألرر ضي وما تغ ني اآليات والنذر عن قرو م ال يؤ منون

ب أرن ــــأرم تح س : االستداللي(، وقوله يف تقريع من تنكب هذا املسلك 101يونس/

(.44الفرقان/) ل سبيالرــــامي بل ه أرضــــمعون أرو يع قلرون إين ه إيلا كرالأرن عأركثره يس

االستداللياإلميان املعترب يف الشرع هو اإلميان احلاصل بالنظر وبذلك أصبح

بغري ذلكاصل احلاإلميان املتحرر من القيود املوجهة إىل اإلميان على غري اختيار واع، وأما

فإنه النظر املتحرر كأن يكون حاصال بوراثة، أو مبحاكاة غافلة، أو بوجدان إشراقي

كان إميانا مقبوال عند أكثر أهل الرأي من علماء العقيدة، وإن الدرجاتأقل يف يكون

.4حتى يتدعم الحقا حبصول ثان بطريق النظر املتحرر منهم القليلوغري مقبول أصال عند

احلرية يف اإلميان بغري اإلسالم ب ـ

لئن كان اإلسالم يدعو إىل اإلميان به إال أن ذلك الطلب هو طلب على سبيل التخيري

ال على سبيل اإلجلاء بأي وجه من وجوه اإلجلاء، فإذا ما اختار أي إنسان دينا غري اإلسالم

ممارسة الشعائر اليت فإن احلرية مكفولة له يف ذلك، سواء من حيث املعتقد أو من حيث

ليس ألي إنسان مهما يكن له من سلطان فردي أو مجاعي مادي أو ويتطلبها ذلك املعتقد،

إنسانا آخر على اعتناق معتقد ما بطريق اإلكراه، ال بالتحمل التصديقي، حيملمعنوي أن

أن يعتنق من حرا يف إذن يبقى كل إنسانفالقولي، وال باملمارسة العملية، باالعرتافوال

عن اختيار. ما يقتنع به ويرتضيه الدين

وقد جاءت نصوص القرآن الكريم يف هذا املعنى قطعية يف الداللة حبيث ال ميكن

أن يداخلها تأويل بأي وجه من وجوه التأويل، مما يدل على أن التشريع حلرية التدين جاء يف

العقيدة يف تقييم اإلميان إذا مل يكن ناشئا من تفكري حر كأن علماءآراء الباحثني من اختلفت 4 فذهب البعض إىل أنه يعترب إميانا، وذهب آخرون إىل اعتباره إميانا ماع تقليد،يكون موروثا عن

، وإلياه ماال الشايخ كان صاحبه قادرا على النظر احلر، واعتربه آخرون لايس بإمياان إنعصيان حمياي وماا بعادها، وحمماد 92. راجع يف هذه اآلراء: السنوساي ا السنوساية الكاربى : السنوسي

الفرياد والنظاام وماا بعادها ، 949الدين عبد احلميد ا نتائج املذاكرة بتحقيق مباحث املساايرة: .99بتحقيق جوهرة التوحيد:

13

الر :قوله تعاىلما يبدو يف اإلسالم على وجه احلسم الذي ال مدخل فيه لنقض، وهو

فرر : (، ويف قوله تعاىل952) البقرة/ إيكراه في الديني فرمن شاء فرليؤ من ومن شاء فرلي

/ويف قوله تعاىل:(92) الكهف ، ولرو شاء ربكر آلمن من في األرر ضي كرله جميعا

ريه الن رونوا مؤ مننيأرفرأرنت ت يف حرية االعتقاد إنها آيات صرحية ( 22) يونس/ اس حتى ي

أصبحت هذه احلرية حتى ،يف عصمة الناس من اإلكراه العقديوما يقتضيه من تعبد، و

.5التشريعية فيما يتعلق باحلرية الدينيةأصال من األصول

أن التشااريع اإلسااالمي ال يكتفااي يف وممااا يلحااق بهااذا األصاال املشاارع للحريااة الدينيااة

مان قإبال املسالمني جتااه غريهام، بال شارع أيضاا ملناع أي الادين إلكاراه يف اهذا الشاأن مبناع

غااريه بااأي وجااه ماان وجااوه اإلكااراه علااى أي معتقااد ماان يكاارهكااان ماان غااري املساالمني أن

بلااغ األماار يف هااذا املعتقااد شااأنا إنسااانيا عامااا، وقااد حريااةاملعتقاادات، ودعااا إىل أن تكااون

غريهاام علااى معتقااد مااا ماان املعتقاادات ليخلااوا ساابيلهم املكااريهنيالتشااريع إىل حااد حماربااة

ماان دياان ينتهااون إليااه بااالنظر احلاار، ومل تكاان احلااروب الاايت يشاااؤونأحاارارا يف اختيااار مااا

علاى إذ مقصادها األ احلاال، أجال تبلياغ الادعوة إال مندرجاة حتات هاذه مان خاضها املسلمون

مان قإبال حكامهاا معنوياا كان رفاع ماا أكرهات علياه الشاعوب مان ديان إكراهاا مادياا أو

يشااؤون مان دياناات تبساط هلام ماا املستبدين وكهانها املتسلطني، وجعلهم أحارارا خيتاارون

، وهاو خاالف ماا يادعى مان أن تلاك احلاروب على سواء من أجل أن خيتاروا منهاا ماا يريادون

إلكراه غري املسلمني على اعتنااق اإلساالم، وشااهده البااقي علاى مار الازمن ماا إمنا كانت

اشتملت عليه اجملتمعات املسلمة يف كل مكاان وزماان مان فئاات دينياة تعايش باني املسالمني

.حرة يف دينها

ج ـ حرية الفه الديين

ن مل يكن اإلسالم يف تشريعه للحرية الدينية مقتصرا على حرية املعتقد أن يكو

صادرا عن نظر حر وعن اختيار حر، بل تعدى ذلك ليكون مشرعا للحرية يف فهم الدين

بعد اإلميان به، فأحكام الدين مضمنة يف نصوص القرآن والسنة، ومسؤولية املسلم يف

التدين مسؤولية فردية تقوم على فهمه لتلك األحكام من نصوصها فهما حرا ال سلطان فيه

، ومماا رواه الطاربي ا 45لعاماة يف الدولاة اإلساالمية: ا احلرياات ا الغنوشاي يف ذلاك: راشاد راجع 5 مان األنصاار يف رجال مان نزلات أنهاا الر إيكراه في الديني يف سبب نزول آية 99: البيانجامع

فقاال مسالما، بين سامل بن عوف يقال له احلصاني كاان لاه ابناان نصارانيان، وكاان هاو رجاال فاأنزل اهلل فياه ذلاك. النصارانية أال استكرههما فإنهما قاد أبياا إال للن صلى اهلل عليه وسلم:

املثبات حلرياة االعتقااد وباني مجلاة مان األصال وقد استشكل بعاض البااحثني التعاارض باني هاذا أجل الادين، وعناد التحقياق يتباين أن هاذه اآلياة ناساخة مناآليات اليت تشرع لقتال غري املسلمني

والبعض اآلخر منها ليس القتال فياه مساتهدفا اإلكاراه وإنماا هاو اآليات،ك لبعض ما جاء من تلعن النفس، وقد بين ذلك بتفصيل اإلمام ابن عاشاور ا التحريار والتناوير: كالدفاعلغايات أخرى

بعدها. وما 9/95

14

حلق يف أن يفهم األحكام حكرا من دون الناس، ليكونوا هم تابعني لوصي من الناس له ا

له يف ذلك الفهم، وذلك خالفا ألديان أخرى تستبد فيها طبقة كهنوتية بالتأويل الديين

ليكون تأويال لألتباع، أما اإلسالم فال كهنوت فيه، وإمنا املسلمون متساوون فيه يف

ط منهجية تؤهل للفهم، فإذا ما حصلت تلك حرية الفهم، وال يشرتط عليهم إال شرو

الشروط أصبح كل مسلم مهيأ ألن يكون عاملا يف الدين، حرا يف أن يفهم كما يرى

الفهم، ويف أن ينشر فهمه على الناس.

ومن هذه احلرية يف الفهم نشأت املذاهب اإلسالمية املتعددة يف العقيدة ويف الشريعة،

، ولكنها اختلفت يف الفروع، نتيجة ملا أباحه اإلسالم من فتلك املذاهب اتفقت يف األصول

حرية أدت مبؤسسيها وعلمائها إىل أن جيتهدوا يف استخراج األحكام من مداركها، كل

حبسب منهجه وظروفه الزمانية واملكانية، لينتهي إىل رأي تنامى ليصبح مبرور األيام

االجتهاد، فليست املذهبية إذن إال مذهبا قائما خيتلف عن مذهب غريه فيما هو من جمال

مثرة من مثرات احلرية الدينية كما جاءت يف الشريعة اإلسالمية.

ويف هذا الصدد نريد أن نناقش أطروحة ظهرت منذ بعض الزمن ينادي بها بعض

املنتمني إىل العلوم الشرعية، وهي ذات عالقة باحلرية الدينية فيما يتعلق بفهم الدين

ه، ونشر األفهام واالستنباطات بني الناس، وتلك األطروحة هي اليت تدعو واالستنباط من

جمموعة من املختصني مثل إبداء علىإبداء الرأي يف الدين حكرا إىل أنه ينبغي أن يكون

فهذه األطروحة ختالف ما علمي آخر؛ اختصاصالرأي يف الطب أو يف اهلندسة أو يف أي

تنضوي املسلمنيفهم الدين من حيث املبدأ هو مسؤولية مشاعة بني انتهينا إليه آنفا من أن

يف أن يقوم احلقحتت مسؤولية التكليف بالدين عموما، فلكل مسلم بل على كل مسلم

عليه، ثم إن التعبري يتوفرذلك، أو باالستعانة بغريه إن مل إمكانبها باجتهاده إن توفر على

منه مسلم، إال إذا أدى األمر يستثنىيث املبدأ حق مشاع ال عن ذلك الفهم هو أيضا من ح

اعتبارا لتلك العوارض ال ألصل املشروعية.إذن احلريةإىل فتنة أو كان عمال عبثيا، فتقيد

على أي وجه حمل معناه ليس مبيزان صحيح يضمن االختصاصيقال من أمر وما

لشاهد على ذلك أن كثريا ممن يعتربون من فيه، وا اخلطإالرشد يف الفهم ويعصم من

الدراسات الشرعية، أو باعتبار التصدي للمناصب الدينية من مناملختصني باعتبار التخرج

ميارسون حرية التفكري الديين، فيتوصلون إىل تصورات يف اليومإمامة وغريها نراهم

دعوة، واحلال أنها تصورات كثريا ما قناعة، وينشرونها بني الناس حيملونهامسائل دينية

لسقوطها يف اجلزئية، وتغافلها عن املقاصد الشرعية، وهي حتد بذلك الصوابجيانبها

بني الناس، وتكون هلا آثار مرهقة ل سالم واملسلمني. فتنةأحيانا

ة من املصلحني الدينيني واملفكرين اإلسالميني ليس هلم صف ثلةمقابل ذلك فإن ويف

ال على معنى أصحاب هذه األطروحةرأي حبسبالرأي الديين حلريةالتخصص اجمليز

15

املناصب املهنية، ولكنهم ملا مارسوا حريتهم يف التفكري معنىالتخرج العلمي وال على

احلقيقة من حيث الفهم، كما أبدعوا يف تبليغها إىل الناس، ويف إصابةوالتعبري أبدعوا يف

واجتماعية مشهودة بها، ومن أولئك على سبيل املثال حممد إقبال فرديةحات إحدا إصال

، فهؤالء وكثري غريهم مل يكونوا من املختصني يف العلوم ومالك بن ن وحسن البنا

مسلمني نظروا يف دينهم نظرا حرا مع امتالك األدوات باعتبارهمالشرعية، ولكنهم

ىل أفهام يف مجلة من قضاياه حتمل من احلق ملا عبروا عنها فتوصلوا إ النظر،املنهجية لذلك

حرا أيضا ما جعلها حتد تغيريا إصالحيا واسعا. تعبريا

ال نرى من مربر ملوقف كثريين مل ميتلكوا من األدوات املنهجية الوقتيف ذات ولكننا

لرأي الديين يتصدون للنظر يف الدين شيئا، ثم هم باسم حرية ا املوضوعيةوال من الشروط

يف أمهات القضايا الدينية، بل قد يتصدون أيضا ل فتاء يف تفاصيل األكربل فتاء

ذات الطبيعة التقنية الدقيقة، فإذا هم يصدرون من اآلراء واألفهام اجلزئيةاألحكام

يعبرون عنه على أنه من حقيقة الدين ومن مقتضيات مقاصده، ولكنه يف ماواألحكام

أن يكون من حمض آرائهم هم اليت اخرتعوها أو استجلبوها، ثم أظهروها يعدوحقيقته ال

ديين ناشئ من النظر احلر يف مصادر الدين، فكان ما انتهوا إليه بفقدانهم فهمعلى أنها

املنهجية واملوضوعية أقرب إىل العبث منه إىل اجلد، وإىل اإلسقاط منها إىل للشروط

.احلر التفكري

هذاحلرية التفكري الديين والتعبري عنه، وامليل إىل التخصيصامليل إىل ذاك وبني

مبا استوت عليه يف املعادلةميكن أن تستوي املوضوعيةاملنهجية القيودالتعميم املتفلت من

حقا مشاعا وتعبريابادئ أمرها، وذلك بأن تكون احلرية يف الرأي الديين تفكريا

من االعتبارات، وأن اعتبارامة، غري حمصور يف أفراد أو فئات منهم على أي للمسلمني ع

على احلد األدنى من الشروط التوفريكون ذلك احلق مشروطا بامتالك أسبابه املتمثلة يف

إىل أفهام يف أحكامه ومقاصده للتوصلاملنهجية اليت متكن من النظر يف الدين

.ومقتضياته

على هذا النحو، فاكتسى النظر احلر يف الشأن الديين املعادلةما استوت وإذا

عن الدسيسة والعبثية، فال ضري أن تنتج تلك احلرية تعددا يف وابتعداإلخالص واجلدية،

مهما يكن ذلك التعدد بالغا مبلغ التقابل أو التناقض؛ ألن احلكم يف واآلراء،االجتهادات

الجتهادات واآلراء سيكون هو سلطان احلجة العلمية نقلية الدائر بني تلك ا احلوارسوق

وسيكون هلذا السلطان قوة الفرز بني ما هو صحيح فيبقى وما هو خاطئ فيبطل، وعقلية،

يفما هو راجح فيعمل به وما هو مرجوح فيحفظ يف الذاكرة الثقافية عسى أن يرجح وبني

وأثرى اإلسالمية،آللية اليت ازدهرت بها الثقافة يوم ما أو يف ظرف ما فيعمل به، وتلك هي ا

16

وهي اآللية األمم،ثراء تباهي به األمة اإلسالمية بتعدد املذاهب بها الرتا الفقهي والعقدي

ذاتها اليت ميكن أن تعيد الفكر الديين إىل سالف عهده الثري.

د ـ احلرية الدينية وح الردة

سالم مشرعا للحرية الدينية بأنه مينع اخلروج من كثريا ما يعرتض على اعتبار اإل

املعتقد اإلسالمي بعد اعتناقه، وهو املعروف حبكم الردة الذي جاء حكما قاطعا يف

التحريم، قاسيا يف العقوبة، فإذا كان اإلسالم على قول هؤالء يشرع حلرية الدين فلماذا

ن حرا يف الدخول إليه إنه مينع أن يكون اإلنسان حرا يف اخلروج من اإلسالم كما كا

على رأيهم إذن ضرب من اإلكراه يتناقض مع احلرية الدينية.

ويف التعليق على هذا االعرتاض إضافة إىل ما هو معهود متداول يف هذا الشأن ميكان

مغلاظ يف شاأنها إنماا ينادرج حكام ومان ،جاء يف تعاليم اإلساالم مان مناع للاردة إن ماالقول

احلرياة عناد احلاد الاذي تنقلاب فياه حرياة هذهد حرية املعتقد، وهو توقف من قيو قيدضمن

اإلسالمي بعد اعتناقاه هاي مان الناحياة النظرياة املعتقداالعتقاد تصرفا كيديا، فالردة عن

يف الكياد للمعتقاد اإلساالمي والتخاذيل عناه األسااليب مظنة تصرف كيدي، إذ مان أقاوى

بعاد فارتة يرتكاه ليعاود إىل معتقاد آخار، إذ داللاة ذلاك أن ثام عتقاد أن يعتنق اإلنساان هاذا امل

جرب بالتطبيق الفعلي فتباين أناه ال تساتقيم باه احليااة، ويكاون تبنيههذا املعتقد الذي وقع

الكيد، وأبلغ يف إحادا األثار السال حينماا تكاون الاردة مجاعياة، إذ مان يفاألمر أفتك

ن األدياان أن تعتنقاه مجاوع كاثرية مان النااس ثام ترتاد عناه بصافة باه ديان ما يقاومأمضى ما

وتلااك طريقااة معهااودة يف الكيااد السياسااي تسااتعمل لتخااذيل املنظمااات واألحاازاب مجاعيااة،

وهي حتد نفس األثر أو أشد يف الكيد االعتقادي. واحلكومات،

بالغاة التاأثري، كيدياة وسايلة الصعيد الواقعي فاإن الاردة عان اإلساالم اساتعملت وعلى

قصادوا تشاكيك املسالمني، فكاانوا الكتااب من أهل طائفةفقد جاء يف تفسري الرازي أن

آمنــوا اهلل تعااىل عانهم أنهام قاالوا: أخارب يظهارون اإلمياان تاارة، والكفار أخارى، علاى مااا

وهو أيضا ماا جااء يف سارية ابان 2 رهبالذي أرنزيل علرى الذين آمنوا وج ه النهاري واكفرروا آخ

قال عبد اهلل بن صيف، وعدي بان يزياد، واحلاار بان عاوف بعضاهم لابعض: » هشام من أنه

تعااالوا نااؤمن مبااا أناازل علااى حممااد وأصااحابه غاادوة، ونكفاار بااه عشااية، حتااى نلاابس علاايهم

ردتهاام ردة فهااؤالء إنمااا كاناات ، 7 «دياانهم لعلااهم يصاانعون كمااا نصاانع، ويرجعااون عاان دينااه

الباب تندرج الردة الكاربى الايت هذاكيدية للتشكيك يف اإلسالم وصرف الناس عنه. ويف

علاى اإلساالم، ومل تكان جمارد تآمريحدثت يف عهد أبي بكر، فقد كانت ردة ذات بعد

به من احلزم يف املقاومة. قوبلتاختيار حر للمعتقد، ومن أجل ذلك قوبلت مبا

.2/72:الكبريا التفسري الرازي 2 470ابن هشام ا السرية: 7

17

مربراتهاا هاذا البعاد الكيادي أهام ية اليت فرضت يف حق الردة لعل مان القاس والعقوبة

اإلغااراء بالكيااد، إذ هااي حينمااا شااديدةماان أبعادهااا، فااالردة يف نطاااق النظااام اإلسااالمي

اإلساالمي، وذلاك باعتباار أن اجملتماع اجملتماع تكون كيدية فإنها تكون بالغة التأثري على

دياين، فالكياد باالردة ميكان أن يفضاي إىل أسااس فيه علاى اإلسالمي أقيمت كل احلياة

يف قااوانني الدولااة احلديثااة جبرميااة اخليانااة يساامىهاادم اجملتمااع بأكملااه، وذلااك نظااري مااا

هااي تهديااد حقيقااي لنظااام اجملتمااع بأكملااه. وأمااا مباااالعظمااى الاايت تغلااظ فيهااا العقوبااات

يين وإنما الدين فيها شأن فردي، فاإن الاردة على أساس د احلياةاجملتمعات اليت ال تقام فيها

إذ تأثريهااااا يكاااااد ال يتعاااادى حاااادود املرتااااد يف حياتااااه الفرديااااة بالكيااااد،فيهااااا ال تغااااري

ورمبا يكااون ماان الشااواهد علااى ذلااك أن الااردة إذا كاناات مسااترتة يف ضاامري املرتااد اخلاصااة.

اب حتاى وإن علمات حقيقتهاا علام دون أن تظهر يف أقواله وأفعالاه فإنهاا ال ينطباق عليهاا العقا

اليقني.

إىل امليل حبكم الردة حنو املسلمنيهذا امللحظ هو ما ذهب ببعض الباحثني من ولعل

ولي األمر حبسب ما يقدر يف شأن إىلأن يكون حكما تعزيريا يرتك فيه حتديد العقوبة

ب ذلك يف الشدة، العقاب على حس ليكوناملرتد من أن ردته كيدية أو غري كيدية

حكمه يف أحوال املرتدين خمتلفا بالتخفيف كانمستدلني بأن الن صلى اهلل عليه وسلم

بذلك احلوار الواسع الذي جرى بني اخلليفة أبي أيضاوالتشديد بني واحد وآخر، ومستدلني

يف شأن لتقدير احلكم اجتهادييف شأن قتال املرتدين، فهو حوار الصحابةبكر وبني

على تغيري املرتد لدينه، وإنما هي عقوبةهذه الردة. وبناء على ذلك فإن عقوبة املرتد ليست

بذلك متثل خطا مانعا من احلرية يف وهيعقوبة على ذلك البعد الكيدي يف الردة،

.1املعتقد

ـ ضمانات احلرية الدينية 4

باعتبار ذلك تأسيسا هلذه احلرية حتى نيةللحرية الدييقع التشريع أنكان من املهم إذا

صفة الشرعية الدينية، فإنه من املهم أيضا أن حتاط بضمانات تضمن هلا مكتسبةتكون

تأويلالفعلية يف اجملتمع، وحتول دون إهدارها واقعا بأي سبب من األسباب وأي السريورة

مهما تكن عليه من النظرية من التآويل مهما يكن هلا من صفة شرعية نظرية، فاملبادئ

االنتكاس يف الواقع حينما ال تتوفر هلا ضمانات يصيبهاكثريا ما حق يف ذاتها فإنها

جبملة من الضمانات احلرية الدينيةالتشريع اإلسالمي أحاطالتطبيق الفعلي؛ ولذلك فقد

عة: منهجية أيلولتها إىل املمارسة الفعلية، وهي ضمانات متنو كبرياليت تضمن إىل حد

وعقدية وقانونية.

وماااا 41الغنوشاااي ا احلرياااات العاماااة يف الدولاااة اإلساااالمية: راشاااد: تفصااايال لاااذلك يف راجاااع 1 وطه جابر العلواني ا ال إكراه يف الدينبعدها.

18

املنهجية الضماناتـ أ

سااعيا يف غادو اإلنسان تواقا إىل أن يكون حرا يف معتقده، وي يف بعض األحوال يصبح

لااه ماان ذلااك شاايء، فااإذا هااو يف هااذا يتحقااقواقااع أمااره إىل أن يكااون كااذلك، ولكنااه ال

ال يشاعر يف كاثري مان األحياان، وماا حيثيعيش االستبداد من لكنه الشأن يتوهم احلرية و

له بالفعال ممارساة احلرياة يف االعتقااد؛ تضمنالشروط املنهجية اليت يف لوجود خللذلك إال

ضامانات متثال الشاروط مجلاة مان توجياه إىل اماتالك اإلسالميولذلك فقد جاء يف التشريع

الشاروط حماددا يف القيماة تلك ت بعضقد اعترب بلأن تكون منزلة يف الواقع ، هلذه احلرية

اإلميانية للمعتقد كما بيناه آنفا.

القرآني آمرا بتحرير التوجيهنطاق التشريع املوجه لضمانات هذه احلرية جاء ويف

حركته احلرة يف التفكري، تقيدالعقل من سلطان األهواء والشهوات اليت من شأنها أن

مببادئه املنطقية، فتصادر إذن حرية العقلفيتجه حنو اعتقاد ما تقتضيه هي ال ما يقتضيه

الداخلي من ذات اإلنسان. ومن ذلك ما جاء يف السلطانالتفكري واالعتقاد وإن يكن بهذا

بع أوامره ونواهيه يف على من اتخذ من اهلوى إهلا يت الشديدالقرآن الكريم من اإلنكار

أررأري ت : حريته يف ذلك بصفة كاملة، وهو مقتضى قوله تعاىل يلغيحركته العقلية مبا

رون علري ه وكيالر من(. ومن ذلك أيضا ما جاء 49الفرقان/) مني اتخذ إيلرهه هواه أرفرأرنت ت

ى العقل يفضي به إىل اخلطإ يف نهي مشدد عن أن يكون ألهواء النفوس استبداد عل

ر شنآن : وبالتالي إىل اجلور يف أحكامه، وهو ما يفيده قوله تعاىل معتقده، والر يج ريمن

(.1املائدة/ ) قرو م أرن صدوكر عني المس جد الحرامي أرن تع تدوا وتعاونوا علرى الرب والتقو

من إنكار شديد على الكريملتوجيه املنهجي أيضا ما جاء يف القرآن ذلك ا ومن

من املعتقدات، فيفقدون يريهمأولئك الذين سلطوا على أنفسهم سلطانا خارجيا يتبعون ما

االعتقاد جراء هذا السلطان يفبذلك حريتهم يف التفكري، ويفقدون بالتالي حريتهم

متمثال يف اآلباء واألجداد، السلطانوقد يكون ذلك اخلارجي الذي حكموه يف عقوهلم.

كل من يمكن من النفوس فيسطو أوكما قد يكون متمثال يف الكهنة ورجال الدين،

ا آباءنا علرى أرمة وإينا علرى آثاريه ـــإينا وجد ن : عليها. ومن ذلك ما جاء يف قوله تعاىل

اتخذوا أرح باره وره بانه أرر بابا من :(، وما جاء يف قوله تعاىل99/الزخرف) مه تدون

لسلطان عقولهم(، فكل من أولئك وهؤالء أنكر عليهم تسليمهم 91) التوبة/دوني الله

هي بذاتها تكونخارجي ميلي عليها ما ينبغي من معتقدات حبسب ما يراه، بديال من أن

ملعتقداتها جراء حرية التفكري اليت تنتهي حبرية املعتقد.حمصلة

بتحريرهاا العقال مان واملعتقاد هذه الضمانات املنهجياة الايت تضامن حرياة الاتفكري إن

هاذه التوجيهااات علاى أنهااا يفالسالطان الاداخلي واخلااارجي الاذي يصااادر تلاك احلريااة وردت

وبعاد أن يعتناق معتقادا ماا منهاا، املعتقدات،د من إرشاد عام ل نسان قبل أن يتبنى أي معتق

19

مان أجال املراجعاة والتصاحيح، وإذا كاان األمار واحلرياة فهي تضمن إذا احلرياة يف االبتاداء

أنها إذا ما حصلت على الوجه املطلاوب ال ميكان أن مساقبتحصيل هذه الضمانات سيق يف

، فإنها تظال قواعاد عاماة تضامن احلرياة يف إىل املعتقد احلق إاليفضي التفكري املتحرر بها

. واملعتقدالتفكري

ماان هاادر هلااذه للحريااة الدينيااةأكثاار مااا ناارى اليااوم بااالرغم ماان االدعاااء العااريض ومااا

والغواياة الدعائياة املختلفاة اإلعالمياة، الضمانات املنهجية، فإذا االنغالق املذه ، والسطوة

إىل معتقاادات مفروضااة فرضااا ماان حيااث ال فتنتهاايفكريااة األلااوان تساالب العقااول حريتهااا ال

أزمااة منهجيااة عاجلتهااا تعاااليم الاادين مبااا إذنيشااعر صاااحبها يف كااثري ماان األحيااان، إنهااا

.دينياشرعت من هذه التوجيهات امللزمة إلزاما

اجلزائية ـ الضمانات ب

اال يف حتملااها، إن واالعتقاااد مل ترساال يف التعاااليم اإلسااالمية إرساا الااتفكريحريااة إن

مارسااها باعتبارهاا حقااا مان حقوقاه، وإن شاااء تناازل عنهااا علاى ذات االعتبااار، اإلنساان شااء

تبعاااة يف هاااذا وذاك، بااال قاااد ضااامنت معناااى الوجاااوب إضاااافة إىل معناااى كونهاااا حقاااا، دون

حقا وواجبا يف نفاس اآلن، واكتسابت باذلك معناى املساؤولية الايت تساتلزم حتمال فأصبحت

واألفكاار املبادئاجلزائية على ما مت يف شأنها من حتمل هلا أو ختل عنها. وال شك أن عةالتب

معناى املساؤولية حتمال خيتلف األمر يف شأنها من حيث حتملها التطبيقي باني ماا إذا كانات

تكاون اجلزائياة املتبوعة باجلزاء، وباني ماا إذا كانات مرسالة عفاوا مان ذلاك، إذ املساؤولية

أكرب الضمانات يف صريورتها إىل املمارسة الفعلية.إحدى

جعلت مساتتبعة باملساؤولية عنهاا مان حياث فإنهااإلسالم ملا شرعت حرية االعتقاد ويف

مان أجال فاإذا ماا ماارس اإلنساان حرياة الاتفكري نتاائج، ما يفضي إليه حتملها أو عدمه مان

ساينتهي إىل ماا يكاون لاه باه جازاء فإناه على الوجه الصحيح، وبذل الوسع يف ذلكاالعتقاد

مان نوازعاه الداخلياة أهاواءه وشاهوات، عقلاه األجر، وإذا ما أخل بذلك، ونصب سلطانا على

وكهانااا ووسااائل إعااالم وأبااواق غوايااة فإنااه ورهباناااأو ماان مسااتبدين خارجااه آباااء وأجاادادا

معتقدات جزاء عقابا. منيتحمل مسؤولية ما ينتهي إليه

بأن ذلك كان واملعتقدل نسان عذر حينما يتخلى عن حريته يف التفكري وليس

واإلغواء؛ ذلك ألنه مكن من احلرية متكينا فطريا ومتكينا للتسلط تعرضه بسبب

نفسه باختياره للتسلط، فعليه أن يتحمل مسؤولية تفريطه يف حرية وعرضشرعيا فأباها

من حرية املعتقد، وقد ورد هذا املعنى يف قوله تعاىل واصفا تفضي إليه وماالتفكري

وقرال يف حريتهم مع من مكنوهم من التسلط على أنفسهم: املفرطنيجمادلة

ر وما كران لي ر فرأرخ لرفت الشي طران لرما قرضي األرم ر إين الله وعدكر وع د الحق ووعدت

ر ر فراس تجب ت لي فرالر تلروموني ولروموا أرنفرس ر من سلطران إيال أرن دعو ت علري

20

(، فهؤالء الذين مكنوا الشيطان ومن يف حكمه من عقوهلم مصادرة 99إبراهيم/)

سلطان ليس هلم عذر يف ذلك من تسلطهم عليهم؛ وذلك ألنهم ليس هلم عليهم حلريتهم

ممارسةبل قدكانوا ممكنني من تلك احلرية، وإذن فإنهم يتحملون املسؤولية على قاهر،

وعلى التفريط فيها، وحتميل هذه املسؤولية وما يرتتب وما يتبعها من معتقد حرية التفكري

ه اجلزاء هو أحد أقوى الضمانات للممارسة الفعلية للحرية، وذلك ما أشار إلي منعلى ذلك

اهلل بها الناس استقصاء يف اإلبالغ وأخرب »اآلنفة إذ يقول: يةيف شرحه لآل عاشورابن

بينةالناس علما بكل ما سيحل بهم، وإيقاظا هلم ليتأملوا احلقائق اخلفية فتصبح ليحيط

. 2 «واضحة

القانونية الضماناتـ ج

ق األمار فيهااا بشاأن الفاارد ماان الاارأي واملعتقاد أماارا هينااا حينماا يتعلاا حرياة تكااون قاد

للمسؤولية اجلزائية فيه، ومن حيث الضمانات املنهجية اليت تضمن له املمارساة حتملهحيث

بعاادهاهلااذا احلااق والواجااب يف ذات اآلن، ولكاان حينمااا ينظاار إىل هااذه احلريااة يف الفعليااة

الشااروط تااوفر االجتماااعي وهااو جوهرهااا فااإن األماار فيهااا يصاابح أكثاار تعقياادا، إذ قااد ت

بشاكل ذلاك الضامنة ملمارستها بالنظر إىل ذات الفرد، ولكن اهليئة االجتماعية حتاول دون

التفاعااالأو آخااار مااان أشاااكال احليلولاااة، فاااإذا هاااذه احلرياااة ال تبلاااغ مقاصااادها مااان خاااالل

إذ الفااردي،االجتماااعي، فتفقااد الشااطر الكاابري ماان قيمتهااا حتااى وإن حتققاات يف املسااتوى

ولذلك فقاد بيانه؛فكري واملعتقد مبنية يف جوهرها على املعنى االجتماعي كما مر حرية الت

، وحييطهاا مان احلرياة الدينياة جاء التشريع اإلسالمي يولي أهمية بالغة للبعد االجتمااعي يف

فتحقااق االجتماعيااة صااريورتهاتضاامن ماان األحكااام الشاارعية أجاال ذلااك بضاامانات قانونيااة

مقاصدها األساسية.

ليجااري علااى أساسااه معتقاادتلااك الضاامانات منااع التفتاايش عمااا يف القلااوب ماان ماانو

مااا يصاارح بااه صاااحب بظاااهرالتعاماال القااانوني واالجتماااعي مااع أصااحابها، واألخااذ يف ذلااك

احلقيقااة معلومااة بطاارق تلااكاملعتقااد بقطااع النظاار عمااا يضاامره يف حقيقتااه حتااى وإن كاناات

كااانوا حولااه يف املدينااة مماانيااه وساالم يعلاام أن بعضااا أخاارى، وقااد كااان الاان صاالى اهلل عل

علااى معتقااداتهم الشااركية، يزالااونهاام يف حقيقااتهم مااا ويظهاارون إميااانهم بااه وتأيياادهم لااه

اإليقااع بهام كماا أشاار ويارفض ولكنه كان يعاملهم على أساس ما يعلنون من معتقادهم،

كاان شاديد التقرياع ألحاد وسالم عليه بعض اخللص من أصحابه. كماا أناه صالى اهلل علياه

برفاع الشاهادة ماتعلال باأن إمياناه أصحابه حينما متادى يف إحدى املعاارك يف قتال رجال أعلان

أن نقاااارن يف هاااذا الشاااأن مباااا وقاااع يف األنااادلس عناااد ولناااا. 10إعالناااه لااايس إال بغياااة النجااااة

.19/912: والتنويرعاشور ا التحرير ابن 2 حتريم قتل الكافر بعد أن قال ال إلاه إال اهلل ، عان أساامة بان بابمسلم: كتاب اإلميان، أخرج 10

21

تيش عما يف القلاوب على التنصر، وسلك معهم مسلك التف فيهاسقوطها، إذ أكره املسلمون

فلام يكان مكفاوال هلام هاذا احلاق القاانوني الاذي يضامن تصاارحيهم، دون اكتفاء بظاهر

يف املعاملة حبسب التصريح كما هو الشأن يف التشريع اإلسالمي. متمثالهلم حرية املعتقد

والتعاابري عنااه، قااوال املعتقاادتلااك الضاامانات القانونيااة كفالااة احلااق يف إظهااار وماان

املساالم يكفاال لكاال اجملتمااعلشاارح والبيااان، وفعااال مبمارسااة العبااادات والشااعائر، ففااي با

بإقامااة املعابااد والشااعارات عنااهصاااحب دياان أن يعباار عاان دينااه بالشاارح والبيااان، وأن يعباار

مان ذلاك مباا قاد يلجئاه إىل مينعاه والرموز، ومبمارسة العباادات والطقاوس، ولايس ألحاد أن

املعتقد. ومن البين أن كفالاة هاذا حلريةه يف ضرب من اإلكراه املصادر جحد دينه أو تبديل

مبااا تشاايع ماان اطمئنااان إىل نتااائج الدينيااة احلريااةاحلااق يف إظهااار املعتقااد تضاامن ممارسااة

العملياة هلاذا الضارب مان الضامانات القانونياة والتطبيقاات ،القولية والسلوكية امستلزماته

معلوم ال حيتاج إىل برهان. أمري يف تاريخ اجملتمع اإلسالم

ما كفل ملن يعيش يف اجملتمع كمالهيلحق بهذا الضمان القانوني وينتهي به إىل ومما

على صحته، ويف الدعوة إليه، ويف االستداللاإلسالمي من حق يف الدفاع عن معتقده، ويف

د جاءت يف القرآن اإلسالمي نفسه. لق املعتقدنقد ما خيالفه من املعتقدات وإن يكن

بآرائهم يف معتقداتهم، وينافحون عنها، األديانالكريم حماورات كثرية يدلي فيها أهل

إسالمية فال معتقداتبل وينتقدون ما هو معارض هلا من وجيادلون املخالفني هلم فيها،

يتعرضون بسبب ذلك إىل إكراه مادي أو معنوي.

تعريضهم سياقاجملتمع اإلسالمي باملدينة يف وهم يعيشون يف اليهودومن ذلك قول

وقرالرت اليهود يد الله مغ لرولرة : يف شأن اهلل تعاىل يبشر به الن جاءباملعتقد الذي

(، ومل يكن الرد عليهم24) املائدة/ غرلت أري ديهي ولرعنوا بما قرالروا بل يداه مب سوطرتاني

جرى وقد بالرغم من التطاول الذي حيمله انتقادهم. مقالتهم بأكثر من تأنيبهم وتسفيه

لغري املسلمني فيه احلق يف عرض يكفلاجملتمع اإلسالمي يف عهود ازدهاره على أن

وال أدل على ذلك مما كانت حتفل به اإلسالمية،معتقداتهم والدفاع عنها ونقد املعتقدات

العامة من املناظرات العلمية اليت يشرتك فيها أهل واملنتدياتات الدرس جمالس العلم وحلق

معتقداتهم وينقدون فيها املعتقدات اإلسالمية، وما كانت حتفل به فيهااألديان فيعرضون

اجملادلني أفرادا من أولئك نديمرسائل ومدونات من ذلك، وقد عدد ابن الو كتبااملؤلفات

يف سرية فصابحنا احلرقاات مان جهيناة فأدركات وسلمسول اهلل صلى اهلل عليه ر بعثنا »زيد قاليف نفساي مان ذلاك فذكرتاه للان صالى اهلل علياه وسالم فوقاع رجال فقال ال إله إال اهلل فطعنتاه

وسلم أقال ال إله إال اهلل وقتلته قال قلات ياا رساول اهلل إمناا قاهلاا عليهفقال رسول اهلل صلى اهلل «أفال شققت عن قلبه حتى تعلم أقاهلا أم ال قالسالح من الخوفا

22

كتب مصنفة يف نصرة االثنني ومذاهب هلؤالء»وقال فيهم: اإلسالمية،املنتقدين للمعتقدات

. 11«املتكلمون يف ذلك صنفهاأهلها، وقد نقضوا كتبا كثرية

فيهاا هاذا احلاق يف إظهاار قيدكانت قد أتت عصور على اجملتمع اإلسالمي ربما وإذا

أحيانااا أخاارى فااإن أصاال هااذا وجيهااةاملعتقاادات والاادعوة إليهااا بأسااباب وجيهااة أحيانااا و غااري

مطلوباا يف كال زماان ألناه أصال أمارا الضمان من ضمانات ممارسة احلرية االعتقادية يبقى

من املقتضيات االجتماعياة للتادين، حتقيقهشرعي مبدئي، فتكون املطالبة به، والسعي يف

ماام املاودودي الدساتور اإلساالمي مثال اإل فقهااء وهو ما أكده يف العصر احلاديث مجلاة مان

] أي غاري املسالمني يف اجملتماع اإلساالميق احلاق يف هلام سايكون الذي يقول يف هذا الشأن:"

احلق يف نقاد ماذاهبهم وحنلاه وسايكون هلام احلرياة للمسلمنيانتقاد الدين اإلسالمي مثلما

.19حنلهم " مدحكاملة يف

املساواة بني الطوائاف املكوناة يفالضمانات القانونية ملمارسة حرية املعتقد احلق ومن

يف احلقاوق والواجباات، إال يف حاق مساواةللمجتمع اإلسالمي على اختالف معتقداتها، إنها

هاذا املنصاب الاذي مان مهاماه رعاياة الادين خصوصاية الرتشح لرئاسة الدولاة، فإناه باعتباار

قادات غاري اإلساالمية، ويكااد يساتثنى فياه أصاحاب املعت فإنهالذي يتدين به غالبية اجملتمع

قيااودا خيارج بهااا ماان هااذا دسااتورهاوحاديثها ال يعاارف دولااة ال يتضامن قاادميهاتااريخ الاادول

احلق بعض األفراد أو الطوائف املكونة جملتمعاتها.

اجلزياااة علاااى أصاااحاب فياااهماااا يثاااار أحياناااا مااان أن اجملتماااع اإلساااالمي تفااارض وأماااا

بسابب املخال باحلرياة الدينياة وماا يعاد باه ذلاك ضاربا مان احلياف املعتقدات غري اإلسالمية،

مان إعفائهماملعتقد، فتفسريه أن اجلزية إنما هو واجب مالي فرض على غري املسلمني مقابل

مان واجب الزكاة اليت هي عبادة ال ميكن أن تفرض على غي املسلمني، وكذلك إعفاائهم

ذلاك عانهم فاإذا ماا حتملاوا واجاب الادفاع ساقط الواجب العسكري يف الادفاع عان الدولاة،

.19الواجب املالي، فليس هو إذن حبيف اجتماعي بسبب املعتقد

حينماااا تصاااان دساااتوريا شاااأنهاهاااذه الضااامانات القانونياااة مبفهومهاااا الشااارعي ملااان إن

واقعا، إذ حينما يكون اإلنسان آمناا أمرا احلرية الدينيةوواقعيا أن جتعل من ممارسة حرية

ويف حصاوله علاى حقوقاه بالساوية ماع غاريه إليه،يف إظهاره ملعتقده، ويف دفاعه عنه ودعوته

991النديم ا الفهرست: ابن 11 لاه أيضاا: تادوين وراجاع ، 921يف السياساة والقاانون والدساتور: وهدياه ا نظرية اإلسالم املودودي 19

وماا 44العامة يف الدولة اإلسالمية: احلرياتوما بعدها، وراشد الغنوشي: 21الدستور اإلسالمي: 91املوت: فلسفةبعدها، وحمسن امليلي ا العلمانية أو

وما بعدها. 955ا يف النظام السياسي للدولة اإلسالمية: العوايف ذلك: حممد سليم راجع 19

23

ذلك كلاه مان شاأنه أن يكاون لاه دافعاا ملمارساة فإنمن أهل املعتقدات الذين يعيش معهم،

.واملمارسة الدينية حريته يف التفكري واالعتقاد

املمارسةق لذلك، إذ شهد من زمن قوته وازدهاره مصدا اإلسالمياجملتمع ويف

نشيطة، أمثرت ذلك الثراء واجتماعيةالواسعة هلذه احلرية ما قامت به سوق حوارية ثقافية

جرى الواقع يف اجملتمع اإلسالمي قدالفكري والوئام االجتماعي املشهودين. وإذا كان

راء غري موفقة يف يف بعض األحيان آ االجتهاداتأحيانا على غري هذا السياق، أو قد أفرزت

.ومبا جرى عليه غالب األمر حبسب تلك األصول باألصول،هذا الشأن، فإن العربة تكون

ـ ضوابط احلرية الدينية 5

ليس من حرية يف أي جمال من جماالت احلياة ميكن أن تكون حرية مطلقة؛ ذلك

ألن حرية أفراد أو ألنها حينما تكون كذلك فإنها تنتهي إىل أن تعود على نفسها بالنقض،

فئات أو مجاعات قد تكون مناقضة حلرية آخرين، فلو أرسلت على اإلطالق فإنها سوف

تعصف بها، ويؤول األمر إىل نقض احلرية لنفسها؛ ولذلك فإن احلرية عامة واحلرية الدينية

أن من بينها ال بد أن تضبط بضوابط وتقيد بقيود من شأنها أن حتافظ بها على نفسها، و

حتول دون الوقوع يف االنتقاض، إال أن تلك الضوابط ينبغي أن ال تبلغ من التضييق درجة

تنتهي باحلرية إىل اإلهدار، فهي إذن معادلة دقيقة نقدر أن الشريعة اإلسالمية جاء فيها

مبيزان دقيق.

ا احتاج مل اشأنا شخصيا تقف آثاره عند حد الفرد املعين به احلرية الدينيةكانت لوو

إىل ضوابط وحدود، إذ ميكن للفرد حينئذ أن يفكر كما يشاء ويعتقد ما فيهااألمر

تأثري ذلك مقتصرا على ذاته فيتحمل هو مسؤوليته، ولكن ملا كانت هذه ليبقىيشاء

أبعاد اجتماعية، بل إنها ال تكتمل حقيقتها إال بامتدادها يف تلك األبعاد من ذاتاحلرية

واحلدودار املعتقد والدفاع عنه والدعوة إليه كما بيناه سابقا، فإن الضوابط إظه مثل

.اإلنسانحينئذ تصبح أمرا مهما وضروريا شأن كل ما هو ذو بعد اجتماعي من مناشط

والااايت يقتضااايها بعااادها باحلرياااة الدينياااة، هاااذه احلااادود والضاااوابط املتعلقاااة ولعااال

إذ هاي إذا مل تقام علاى العناصار، لياه هاذه القضاية مان االجتماعي هي من أدق ماا تنطاوي ع

ماا يضامن بلوغهاا أهادافها، فإنهاا وبنيمعادلة دقيقة بني ما حيفظ حقيقة احلرية وجوهرها

الذي ينقض حقيقتهاا، وإماا بالفوضاى الايت بالتقييدقد يؤول األمر فيها إىل ما يهدرها، إما

يف التااريخ مباا فياه تااريخ اجملتماع اإلساالمي كاثري شايء تعطل مفعوهلا، وقد وقاع مان ذلاك

وإن على مستوى الواقع العملاي. ولكان املتأمال يف النظري،نفسه، إن على مستوى التأصيل

التعاااليم اإلسااالمية، وكمااا جاارى عليااه األمااار يف أصاالتها تلااك احلاادود والضااوابط كمااا

معادلاة دقيقاة تتفاادى ذلاك الازمن جياد أنهاا قادرت علاى مان اجملتماع اإلساالمي حقباا طويلاة

24

بالقيود املتعسفة أو باالضطراب والفوضى. ولعل مان أهام تلاك احلريةاملصري الذي تنتهي إليه

ما يلي: والضوابطاحلدود

الغواية منعـ أ

تكون حرياة الاتفكري واالعتقااد فيماا تنتهاي إلياه مان إظهاار للمعتقاد أالذلك ومعنى

لكة مساالك التغرياار مباان يتوجااه إلاايهم اخلطاااب، وذلااك مبثاال أن إليااه سااا ودعااوةودفاااع عنااه

مستعمال يف بيان موضاوعه ويف الادعوة إلياه واإلقنااع باه أدوات خارجاة اخلطابيكون ذلك

املوضوع مما يتضمنه من أفكار ومماا يسانده مان حجاج قصاد أن تكاون تلاك ذلكعن ذات

ن املاادعو إليااه، فيكااون ذلااك املعتقااد إذن قااد العتناااق املعتقااد املبااي مسااوغااألدوات اخلارجااة

وأصبح معتقادا هلام ال مبقتضاى قوتاه الذاتياة وإنماا مبقتضاى عوامال خارجياة الناسروج بني

متعاددة املغررات املضللة. وهلذه الغواية اليت تقف حرية املعتقد عند حدودها صور مقامقامت

متجددة.

تقديم أموال أو حتقيق منصحوبا مبغريات مادية اإلغواء بأن يكون اخلطاب م فمنها

اخلطاب من قإبل املدعوين إليه موضوعشهوات فيما يشبه املقايضة متمثلة يف اعتناق املعتقد

من أفكار يتضمنهتقديم تلك املغريات املادية إليهم وليس اقتناعا منهم به يف ذاته ملا مقابل

يتضمنه من تزييف ملا احلرية الدينيةهو حد تقف دونه إن هذا الصنيع .وما يسنده من حجج

مادية لتكون طريقا إشباعاتهو ضرب من اإلكراه النفسي، إذ تستغل فيه احلاجة إىل

والتغرير. ومن اإلشارات اإلضالللنشر املعتقد فيما يشبه االبتزاز الذي هو ضرب من

مة والمو عظرة الحسنةاد ع إيل : القرآنية يف هذا الشأن قوله تعاىل ى سبيلي ربكر بالح

/إىل املعتقدات بغري ذلك من أساليب التغرير الدعوة(، وهو ما يومئ إىل أن 195)النحل

أن الدعوة إىل اعلم »ما قرره الرازي يف قوله: وذلكأمر منكر تقف دونه حرية الدعوة،

.14«مبنية على حجة وبينة نتكواملذهب واملقالة ال بد وأن

األحدا وغريهم، وذلك باأن منإغواء الضعفاء من األميني والبسطاء، والقصر ومنها

إىل خاالء، فيساتغل ضاعفهم بهام يفصل هؤالء عن حميطهم األسري أو االجتماعي، ويركن

، وربما قيل إن يف اإلسالم تشريعا بإعطاء املال إىل من عرفوا 10/141ا التفسري الكبري: الرازي 14 هام قلاوبهم ويف هذا شيء من الدعوة إىل املعتقد برشوة مالياة، واحلاق أن املؤلفاة قلوبهم،باملؤلفة

إنماا هاو لتاأليفهم املاال أولئك الذين أسلموا بعد أو أظهروا ميال ل سالم، وإعطااؤهم قساطا مان وهو ما ذكره الطاربي ا جاامع املال،وتثبيتهم على ما آمنوا به وليس جلعلهم مسلمني بسبب ذلك

فإنهم قوم كانوا يتألفون على اإلسالم ممن مل تصح قلوبهماملؤلفة وأما »يف قوله: 2/907يان: البوذلك ما يوافق تفسري ابن عباس، إذ فسار املؤلفاة قلاوبهم ،وعشريته" نفسهنصرته استصالحا به

أسالموا، قاد لم كانوا يأتون رسول اهلل صلى اهلل عليه وسا قوميف نفس املصدر بأنهم " جاءكما فهاذه األعطياات ،«الصادقات وكان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يرضخ هلم] أي يعطيهمق مان

احلظاارية اإلسااالمية ولاايس ماان أجاال أن يفإذن إنمااا هااي طلبااا لنصاارة هااؤالء املؤلفااة وإدماجااا هلاام ما أشار إليه الرازي.طريق اإلقناع باحلجة ك إليهيقتنعوا باملعتقد اإلسالمي الذي يبقى الطريق

25

ا، فاإذا حمتاواه تبيناا واعيا تباين وقصورهم، وميارس عليهم خطاب ال تكاون هلام قادرة علاى

املخادعااة الاايت تنتفااي فيهااا قاادرتهم علااى يشاابههاام يعبااأون مبعتقاادات يلقنونهااا تلقينااا فيمااا

فيكون قبوهلم للمعتقدات اليت يتضمنها اخلطااب رده،متحيص ما يلقنون والقرار بقبوله أو

املااربر ألن يكااون هااذا اإلغااواء حاادا تقااف دونااه وهااوحاصااال لااديهم بضاارب ماان اإلكااراه،

.احلرية الدينية

ماان باارامج تتجااه اإلعااالمياادخل ضاامن هااذا اإلغااواء مااا نااراه اليااوم حاصااال يف وممااا

ماان شااأنها أن اإلحياااءاتلألطفااال، وختاااطبهم يف بعااض املضااامني االعتقاديااة بضااروب ماان

ماانهم علااى التمييااز بينهااا قاادرةترسااخ تلااك املفاااهيم يف أذهااانهم بطريقااة متاار بهااا إلاايهم دون

منهم على مراجعتهاا حتاى مقدورعليها، بل هي طريقة تصبح بها تلك املفاهيم غري واحلكم

التمييز واحلكم. على، وتبلغ درجة القدرة معندما ترشد عقوهل

بااه إىل العامااة ماان يتجااهيشاابه هااذا أيضااا مااا ميارسااه اإلعااالم اليااوم ماان خطاااب وممااا

ميررهااا إىل عقااوهلم مباشاارة، الناااس، ويكااون حااامال ملعااان عقديااة بصاافة مباشاارة أو غااري

الاذين ال ميلكاون إزاء هاذا املخااطبني بطرق شتى تلتقي كلها عند معنى من التغرير بهؤالء

هااو باطاال، وذلااك لقااوة مااا خيالطااه ماان ومااااخلطاااب إمكانيااة التمييااز بااني مااا هااو حااق فيااه

اء ماا خالطاه مان احلقيقاة فياه ور إدراكالتزيني والتمويه، ولقصور الكاثري مان ساامعيه عان

غساال األدمغااة، حيااث يكاارس علااى ماانتاازيني ومتويااه، إنااه يشاابه أحيانااا أن يكااون ضااربا

يف صاور خمتلفاة وبأسااليب شاتى العقدياة السامعني تكرار مستمر لتلك املعاني ذات األبعااد

فرصاة لتمار مبياازان النقاد الاذي يعتمااد تتااوفرحتاى ترساخ يف األذهاان علااى أنهاا حاق دون أن

يف املعتقد من جهة إظهاره والدعوة إليه، فإذا ماا للحريةاحلجة، وهو الشرط الذي يسمح به

احلال قيدت تلك احلرية ووقفت عند ذلك احلد. هذهاختل مثلما هو األمر يف

الفرص تافؤـ ب

يف اجملتمع اإلسالمي من حياث املبادأ لكال صااحب معتقاد أن يعارض جيوزكان إذا

مبقتضى ما شرع من احلرية يف ذلك، فإن مان القواعاد الايت تضابط تلاك إليهده ويدعو معتق

يكون بني الفرقاء العارضني ملعتقداتهم والداعني إليها تكافؤ يف فرص عرضاهم أناحلرية

حبيث يتساوى اجلميع يف اإلمكانيات املمكنة من ذلك، من كان عارضاا مانهم ودعوتهم،

ن كان حمتجا ومن كان ناقدا للحجج.كان معرتضا، وم ومن

فياه متاوفرين املشااركني بتكافؤ الفرص يف هاذا الشاأن أن يتسااوى مجياع واملقصود

الشاروط اخلارجياة جماال على ذات الشاروط املمكناة مان املشااركة فياه مماا هاو داخال يف

قنااع أو ماا شاابه علاى اإل القادرة اليت ال تتعلق باإلتقاان يف العارض أو الرباعاة يف االحتجااج أو

جبهودهم. املعتقداتذلك مما هو عائد إىل قدرات مكتسبة من قإبل أصحاب

26

حريااة املعتقااد أن تكااون ساابيلميكاان أن يعااد ماان تلااك الشااروط الاايت يطلااب يف وممااا

الايت تتوقاف علاى تارخيص التبلياغ حمل تكافؤ متكن اجلميع من قادر مشارتك مان وساائل

يكااون ذلااك موقوفااا علااى حينماااظيمااات ثقافيااة ومؤسسااات تعليميااة ماان منااابر إعالميااة وتن

يكون ذلك متوقفاا علاى حينماالرتخيص، ومتكنهم من قدر مشرتك من التمويل أو أسبابه

املعرفااة مبعتقااداتهم مناشااطهمماانح خااارجي، ومتكاانهم ماان ظااروف متشااابهة جتااري فيهااا

والداعية إليها.

بااأن وفاارت أو الفاارص،ألسااباب يف تكااافؤ هااذه إذا وقااع حيااف بااأي ساابب ماان ا وأمااا

يف بعاادها احلريااة الدينيااة تااوفرت للاابعض دون الاابعض، فااإن ذلااك يكااون خطااا تقااف دونااه

فرصااة للمقارنااة وماانالادعوي؛ وذلااك ملااا يفضاي إليااه هااذا احلياف ماان خلاال يف تادافع اآلراء،

ماا ماالي يقاوى باه علاى عتقاد مبينها، واختيار ما يقع به االقتناع منهاا، فحينماا يتااح لصااحب

املعتقد، وتنظيمات يانظم مان ذلكاحلركة من أجل عرض معتقده، وأبواق دعائية ينشر بها

أصحاب املعتقادات املغاايره، فاإن ذلاك منخالهلا دعوته إليها، وال يتوفر من ذلك شيء لغريه

واحاادة لعلااو صااوتها، إال إىل دعااوة يسااتمعونيفضااي إىل أن السااامعني ماان أفااراد اجملتمااع ال

هلااا، وذلااك ضاارب ماان التغرياار الااذي املخااالفويحرمااون ماان األصااوات الاايت تنقاادها وتعاارض

الواحاد وحجاب لغاريه مماا مان شاأنه أن يهادر للارأي ، إذ فياه تساويق هاذه احلرياة تقف عناده

إمكان التمييز واحلكم واالختيار.

دون غريهاام ماان أصااحابهان جيااري بااه احلااال اليااوم أن بعااض املعتقاادات يمكاا وممااا

شابكات عاملياة تتخاذ منالوسائل املختلفة لعرضها واإلقناع بها، وقد يكون ذلك بتخطيط

بقاادرات ماليااة هائلااة، فتاازودهمهلااا وكااالء يف خمتلااف الاابالد مبااا فيهااا الاابالد اإلسااالمية،

فة، فإذا هام ومؤسسات خمتل تنظيماتوبوسائل إعالمية فاعلة، وتسهل هلم أعماهلم بتسخري

ال يقادر ماان ذلاك علاى شاايء األياادي يف نشار معتقاداتهم يصااولون وجيولاون، وغريهام مغلااول

من معتقدات، وذلك بفعال سادود وقياود إليهعتقد املخالف ملا يدعون املفيما يتعلق بالتعريف ب

ون، بااملؤامرات والدساائس، أو بقاوة القاان إماا وموانع مباشرة وغري مباشرة تقام يف وجاوههم

وسائل العمل الدعوي. منأو بالبطش واالستبداد، أو باحلرمان

صاحب عقيدة كاي يعارف لكلاجملتمع املسلم ينبغي أن تتوفر الفرص متكافئة ويف

وحينئاذ فاإن التادافع باني اآلراء املختلفاة، بعقيدته، إال أن يكون تغريرا أو غواية مبظاهرهاا

املعتقادات وماا هاو باطال تبعاا لقاوة احلجاج تلاك ق مان واملعتقدات سيظهر به للناس ما هاو حا

ال يصاادرها احتكاار يف العارض أو حياف يف حبريةاليت تسندها، فيختارون منها ما يقنعهم

احلرية يف اختيار السامعني فإن حرية املعتقد متناع تلكفرص التبليغ، فإذا ما صودرت بذلك

27

لوضع بتكافؤ الفرص، وحينما ينعدل ذلك الوضاع حتى ينعدل ا ملعتقداتهميف حق العارضني

.15اإلسالمي حرية املعتقد إظهارا واحتجاجا ودعوة كما مر بيانه اجملتمعيكون لكل يف

ـ األمانة يف العرض ج

ويادعو إلياه ممارساة مبعتقاده أراد صاحب معتقد يف اجملتمع اإلساالمي أ ن يعارف إذا

يعاارض ذلااك املعتقااد بأمانااة بااأنى تلااك احلريااة مطالبااا حلريااة املعتقااد، فإنااه يكااون مبقتضاا

سااواء ماان حيااث بناااؤه وذلااككمااا هااو عليااه يف حقيقتااه الاايت اسااتقر عليهااا وعاارف بهااا،

فاألماناة تقتضاي جديادا الفكري أو من حيث تارخيه أو من حيث آثاره، وإذا كاان معتقادا

بوضاوح ومتياز، وأماا إذا جلديداأن يكون ذلك بينا لدى السامعني، وأن يعرض هذا املعتقد

حقيقته معلوم بوثائقه وتارخياه تزيياف يفداخل عرض املعتقد املدعو إليه، والذي هو مستقر

بعااض مااا فيااه مااع احملافظااة علااى ا ااه ماانوتلباايس، وإحلاااق ملااا لاايس منااه بااه، وجتريااد لااه

ي؛ وذلاك ملاا تنتهاي يف بعادها الادعو املعتقاد املعهود، فإن ذلك يكاون خطاا تقاف دوناه حرياة

يكاون قبيحاا، ويساتدرج الساامعني مباا قاد قاد إليه هاذه احلرياة مان تلبايس خاادع يازين ماا

علاى حاريتهم يف االختياار، تلاك االعتاداء يكون حقا إىل ما هاو باطال، ويف ذلاك ضارب مان

ما هو معروض على حقيقته ال على ماا هاو علىاحلرية اليت تقتضي أن يكون االختيار واردا

ذلااك مااربرا ملصااادرة حريااة العااارض كااانمعااروض بتزييااف، فااإذا مااا داخاال العاارض تزييااف

ضمانا حلرية السامعني.

ملعتقاده علاى النااس إذا العاارض يندرج حتت هذا القيد الضابط حلرية املعتقد أن ومما

ميناا األخارى ينبغاي أن يكاون أ املعتقادات ما قام يف سياق عرضه بنقد ما هو خمالف له مان

تلاك املعتقادات كماا هاي عناد أصاحابها تصاوير يف نقده، وذلك بأن يكون نقده مبنيا علاى

ماان شااأنه أن يشااوه صااورتها ويقبحهااا عنااد ممااادون حتريااف فيهااا بزيااادة أو نقصااان أو تغاايري

هو مما تقاف عناده حرياة املعتقاد كماا وقفات التبشيعاملخاطبني، فهذا التزييف املقصود به

كل منهما من هدر لالختيار احلر بني املعتقدات الاذي يفييف من أجل التحسني ملا عند التز

. 12حقيقتها سواء يف سياق العرض أو يف سياق النقد علىال يتحقق إال بإظهارها

بعض املسلمني عن منع الدعوة إىل معتقدات غري إسالمية يف اجملتماع قإبلاحلديث أحيانا من يقع 15 ما تقوم باه اإلرسااليات التنبشاريية وغريهاا، وحنساب أن احلاديث عان املناع يف مثلاإلسالمي من

من مكفولةا، إذ احلرية يف ذلك ينبغي أن ال يكون معلال بهذه الدعوة من حيث ذاته الشأنهذا إىل معتقاداتهم الادعاة حيث املبدأ، ولكن يعلل بعدم تكافؤ الفرص، إذ غالبا ما يكاون هاؤالء

ماان قإبال اجلهااات الايت ترعااى كابرية املخالفاة ل ساالم متااوفرين علاى إمكانيااات مادياة ومعنويااة بالد اإلسااالمية وال يف الاابالد غااري يف الاا التتااوفر للاادعاة املساالمني ال إمكانياااتنشاااطهم،وهي

الفارص باني اجلمياع يف الادعوة إىل معتقاداتهم فاال تكافاأت اإلسالمية اليت يعيشون فيها، فاإذا املعتقد مرسلة. حريةمربر إذن للمنع، ومتضي

العارض أو يف النقاد ماا قاد يسالك مان مسالك املادح ببياان الصاحة، يفيدخل يف ما قلناه ساواء ال 12 وبيان ما يرتتب على الصحة من منافع ومصاحل، وما يرتتب على الفسااد مان الفساد،ببيان والذم

28

املعتقاد بصافة عاماة فإنهاا حريةكانت هذه األمانة يف عرض املعتقدات شرطا يف وإذا

يعهاد فيهاا اجملتماع إىل مان يعلام الناشائة تربوياة علق األمر بأمانة تصري شرطا مغلظا حينما يت

ينبغي عليه أن يؤدي هذه األمانة بالوقوف يف تعليماه عناد املعلمما يرتضيه من دين، فإن هذا

بتعليمه كما هو عند من كلفوه، فإذا ماا احنارف باه إىل ماا يرتئياه هاو كلفاملعتقد الذي

يف ذلااك املعتقااد، أو احناارف باه إىل مااا يغياار حقيقتااه كمااا هااي عنااد خاصااة بااه تااأويالتمان

باأي صاورة مان صاور التغايري، فااإن ذلاك تكاون باه خياناة األماناة مضااعفة، إذ قااد أصاحابه

باني خياناة األماناة العلمياة وخياناة أماناة التكلياف، فيكاون إذن اخلاط احلائال دون مجعات

ك من اعتداء مضاعف على حرية االختيار.املعتقد فيها أشد وأقوى ملا يف ذل حرية

بأمانااة العاارض مااا املخلااةنشااهده اليااوم ماان مشاااهد تطبيقيااة لاابعض هااذه الصااور وممااا

عاامتهم، أو علاى الناشائة مان يتصدى له بعض املدعني لعرض املعتقد اإلساالمي علاى النااس

اإلساالمي إال االسام، وأماا املعتقاد مان يف إطار الرتبية والتعليم، فإذا بذلك العرض ال حيمال

جااءت تعرضاه مصاادره، وكماا اساتقر يف كماا احملتوى فهو ال ميت بصلة إىل ذلك املعتقاد

هااو تااأويالت تقلااب حقائقااه رأسااا علااى وإنماااأسسااه الكااربى عنااد معتنقيااه طيلااة تارخيااه،

، وياتم ذلاك يف أحياان كاثرية حتات علياه عقب، وجتعل من صفة اإلسالم صافة غاري منطبقاة

عنوان احلرية الدينية إذ الدين ليس ملكاا ألحاد ولكال أن يبادئ رأياه فياه وأن يؤولاه كماا

. يراه

تزيياف إن مثل هذه املشاهد ال ميكن أن تستصحب حرية املعتقاد ملاا تنطاوي علياه مان

يف ذلاك وتغرير بانتحال صفة اإلسالم وإطالقها على ماا هاو لايس بإساالم، ناهياك إذا كاان

غاري آخار والتعليم. ولو عرض هاؤالء العارضاون معتقادهم ودعاوا إلياه حتات اسام إطار الرتبية

عرضااهماساام اإلسااالم ويف غااري إطااار التعلاايم لكااان ذلااك أدعااى إىل استصااحاب احلريااة يف

.17ودعوتهم إذا ما حتققت الشروط األخرى لتلك احلرية

املشاعر الدينية احرتامـ د

د احااارتام املشااااعر الدينياااة، فمااان العلاااوم أن حلرياااة املعتقااا األساسااايةاحلااادود مااان

حرمة ال تدانيها حرمة، حتى إن أصحاب املعتقدات يضحون بأنفساهم النفوسللمعتقدات يف

. وإذا كانت حرية املعتقد تتحمل أن يقع تناول معتقدات اآلخارين بالنقاد معتقداتهميف سبيل

عناد هاو إذا كان كل ذلك مبنيا على تصوير املعتقد املعروض أو املنتقد على وجهه كماا مضارماا فاإذا أصحابه، فإن ذلك يدخل حتت باب االحتجااج الاذي هاو مشاروع يف إطاار حرياة املعتقاد،

قلب األمر إىل تزييف وتلبيس كان مانعا من ممارسة تلك احلرية.انيندرج فيه ما يقع من اختالف أنظار يف فهم الدين، ومن تاأويالت ذات الالبين أن هذا املشهد من 17

كل ما من شأنه أن يبقي على صفة اإلسالم منطبقة على ما يدعى إليه، فهذا ومنوجه معقول، خ اإلسالم مناذ نزولاه متماثال يف ذلاك العادد الكابري مان املاذاهب والفارق الايت تاري عليهما جرى

. إليهابها التاريخ الفكري ل سالم واليت ضمنت هلا احلرية يف عرض معتقداتها والدعوة حفل

29

حججها من تهافت، وما ينتهي إلياه يهدف إىل بيان مكامن الضعف فيها، وبيان ما يف الذي

أن حباال ا هو داخل ضمن االحتجاج العقلي، فإنها ال تتحمل مممن بوار، وغري ذلك اعتناقها

العقلاي، احلجااج يقع تناول تلك املعتقدات مبا جيرح حرمتها يف نفوس أصحابها خاارج نطااق

.فتتأذى تلك النفوس جراء ذلك، ملا ينال معتقداتها من مهانة

املعتقاادات بااالتحقري تناااولجياارح املشاااعر الدينيااة أصااناف ماان التصاارفات، فمنهااا ومااا

ومقدساات خمتلفاة بالتشانيع أشخاصواالستنقاص والشتيمة. ومنها تناول الرموز الدينية من

واللمز والنبز يف تلك الرماوز بصافة مباشارة الغمزاملادي واملعنوي سبابا وقذفا واتهاما. ومنها

ومااا شااابه والرسااوم والروايااات والتمثيليااات األدباايفة غااري مباشاارة عاان طريااق القااص أو بصاا

املشااااعر الدينياااة مباااا هاااي اساااتهتار جتااارحذلاااك، فهاااذه التصااارفات كلهاااا مااان شاااأنها أن

بهاا لشادة حرمتهاا فيهاا، وشادة غريتهاا املؤمناة باملقدسات ونيال منهاا مباا ال تتحملاه النفاوس

عليها.

ألن النقد فيه بيان املشاعرية املعتقد بالنقد وال تسمح مبا جيرح تسمح حر وإنما

باطل ليتخذ السامع منها موقفا أوفيها من حق احلقيقة املعتقدات يف ذاتها قصد إظهار م

التدافع يف هذه احلال هي احلجة فساحةبناء على ما يظهر له من ذلك احلق والباطل،

اجلميع، وأما التحقري والشتيمة واللمز لنظرضوعية مطروحة العقلية الواردة على مادة مو

كمادة موضوعية تتدافعها العقول باحلجة، املعتقدوما يف حكمها فإنها ليست واردة على

ل يذاء والنكاية، وهو ما ال عالقة له بأن تفسح املعتقدينوإنما هي واردة على مشاعر

ح من احلجج العقلية بالنقد املوضوعي، وإنما هو باب ملا يطر تبعاللعقول فرصة االختيار

بني الناس، ليس من شأنه إال أن يؤدي إىل التهارج بينهم، فينفتح الفتنةعريض من أبواب

لالضطراب االجتماعي، وهو املربر ألن يقفل باب احلرية دونه. واسعإذن باب

والر تسبوا : الرأي قوله تعاىل ريةحلاألصول الشرعية املقررة هلذا املبدإ املنظم ومن

(، فبعد التشريع 101) األنعام/ الذين يد عون من دوني الله فريسبوا الله عد وا بغي ري عل

هي أحسن اليتيف شؤون املعتقدات باحلجة العقلية معبرا عنها با " العقليةللمجادلة باإلباحة

يكون اليتحلرية املعتقد، جاء هذا التشريع الضابط لتلك احلرية باحلدود تشريع وهو"

املعتقدات شأنفيها احرتام املشاعر الدينية؛ ولذلك جاء هذا النهي عن أن يؤول احلوار يف

إىل السباب الذي جيرح املشاعر ويفضي إىل الفتنة.

هو أصل عاام يساتوي فياه أهال اإلسالمياألصل املنظم حلرية املعتقد يف اجملتمع وهذا

يف اجملادلااة باحلجااة يف عاارض املعتقااد فاحلريااةاملعتقاادات واألديااان ماان املساالمني وغريهاام،

عناد حاد الساباب والشاتيمة بالنسابة للجمياع احلرياة ونقد خمالفاه حاق للجمياع، وتقاف هاذه

ه ق إبطال ماا خياالف من السب ] املنهي عن وليس »:قولهأيضا، وهو ما أوضحه ابن عاشور يف

غاري املسالمني ق يف مقاام اجملادلاة، ولكان الساب أن نباشارهم يف أياإلسالم من عقائادهم ]

30

بذلك، ونظري هذا ما قاله علماؤنا فيما يصدر من أهل الذمة من ساب اهلل املناظرةغري مقام

فاال ن أصاول كفارهم أو سب الن صلى اهلل عليه وسلم بأنهم إن صدر منهم ما هو ما تعاىل

ميازان حكايم يف التفرقاة باني ماا هاو منااظرة وهاذا . 11«يعد سبا، وإن جتاوزوا ذلك عد سابا

تدخل دائرة املمنوع. جارحةتبسط هلا احلرية، وبني ما هو شتيمة

هلاا حرياة املعتقاد ماا جنام تبساط هذا امليزان فإنه ليس مان بااب احملاجاة الايت وحبسب

منااذ بعااض الساانوات ماان اعتااداءات أيضااا يف اجملتمااع اإلسااالمي و لغاارب باالعنااد بعااض أهاال ا

علااى بعااض مقدسااات اإلسااالم ورمااوزه متمثلااة يف ضااروب ماان االسااتنقاص والااتحقري جارحااة

عنهاااوهااو مااا يساابب أذى كاابريا ملشاااعر املساالمني، ويقااال يف تربيرهااا والاادفاع واالتهامااات،

واللماز. إن الرماز بأن يعرض احلقيقاة، وإنماا جياوز فياه إنها من باب الفن الذي هو غري ملزم

املشااعر مباا هاو شاتيمة علىهذا الضرب من تناول املعتقدات بالعرض النقدي ليس إال تعديا

املعتقاادات. وقااد كااان حريااةوسااباب ولاايس جمادلااة ومناااظرة، وهااو بااذلك خياارج عاان دائاارة

فهاذا احلاس مل يثاره ماا التصارفات، ذه احلس اإلسالمي العام صاادقا يف موقفاه مان مثال ها

إذ ،الايت تساتعمل احلجاج العقلياة املنااظرة جرت باه أقاالم كاثرية يف نقاد اإلساالم يف جماال

علاى املشااعر اإلساالمية بالشاتيمة اعتادي قوبل ذلك النقد حبجاج عقلاي هاادئ، ولكناه ملاا

. 12كانت له ثورة معلومة وردود فعل صارمة والسباب

لتصرفات اليديةا منعـ هـ

موقااف النقااد ماان املعتقاادات املخالفااة أماارا تساامح بااه حريااة املعتقااد الوقااوفكااان إذا

اجلارحااة بالتصاارفاتالتصاارفات الكيديااة إزاء تلااك املعتقاادات تلحااق فااإنكمااا بيناااه،

هاو االساتدراج واملكار، فاإذا كاان الكياد للمشاعر يف وقاوف تلاك احلرياة دونهاا؛ ذلاك أن

نشاار عقيدتااه أساااليب االسااتدراج ساابيلحب عقياادة مااا يف اجملتمااع اإلسااالمي يساالك يف صااا

سابيل صاد النااس عنهاا، فاإن تصارفه يفواملكر، أو كان يسلك ذلك إزاء العقيدة املخالفة

إذ هو تصرف ال ينصر املعتقاد املعتناق املعتقد،ذلك ال يكون داخال ضمن ما تسمح به حرية

ماا يف هاذا مان قاوة وماا يف ذاك مان ضاعف مان حياث بياناملخالف من خالل أو يهزم املعتقد

.491ا 490/ 7:والتنويرعاشور ا التحرير ابن 11 إسااالمي ثااائر صاااحب روايااة آيااات مااا قوباال بااه ماان موقااف الصااددأن يااذكر يف هااذا ميكاان 12

وما حد أخريا من رسوم مسيئة للان صالى اهلل علياه البحر،شيطانية، وصاحب رواية أعشاب فهاؤالء حتات غطااء الفان اعتادوا باالتحقري وسلم، وما اقرتفه الباباا يف حاق اإلساالم مان إسااءة،

قإبال عاماة املسالمني، وقاد إسالمية، فقوبل ذلك باحتجاجاات واساعة مان معتقداتوالتشنيع على قبلهم وبعدهم تعرضوا لتلك املعتقدات بالنقد الذي هو أخطار يف حقيقتاه مان غريهمكان كثري

عماوم ويكااد والشتيمة، ولكن ذلك املوقف مل يقابل إال بردود علمية يف جمال املنااظرة، السبجياري اإلساالمي يخ الفكار املسلمني مل يسمعوا مبا جرى يف هذا الشاأن أصاال، وقاد كاان تاار ناقادين ملعتقادات إساالمية بنيعلى هذا النحو، فقد حفلت املدونة الثقافية اإلسالمية باملناظرات

كتاب املناظرات البن السكوني. ذلكوبني مدافعني عنها يف مناخ من حرية املعتقد. راجع يف

31

بذلك من خالل وسائل خارجية يستدرج بها الناس علاى يقومالذات يف كل منهما، وإنما هو

إلياه، أو ليتخلاوا عاان معتقادهم املاادعو إىل تركاه، وذلااك املاادعوغارة ليساري بياانهم املعتقاد

دونه حرية املعتقد. قفتضرب من التلبيس الذي

من القصد إىل سابقاالصور الظاهرة للتصرفات الكيدية ما أشرنا إليه ومن

اليت يدعيها حقيقتهالتحريف يف عرض املعتقد من حيث بنيته الذاتية، وإظهاره على غري

هو مبشع بغية احلسر، مبالنفسه وتنطق بها مصادره، إما مبا هو حمسن بغية النشر، أو

. ويف التأصيل هلذا املعنى ذاكستدراجا يف ذلك للسامعني كي يقبلوا على هذا ويدبروا عن ا

ر وقرد كران فررييق من ه يس معون كرالرم الله جاء مثل قوله تعاىل: أرفرتطمعون أرن يؤ منوا لر

(، فالتحريف من قإبل هذا الفريق 75البقرة/) ع لرمونث يحرفرونه من بع د ما عقرلروه وه ي

إنما صدر منهم يف سياق الكيد املقصود به أن يصرف عنه الناس هلمللمعتقد املخالف

وإيذا : قرائن ذلك السياق الكيدي ما جاء عقب ذلك من قوله تعاىل ومناملدعوون إليه.

ر ا وإيذا خالر بع ضه إيلرى لرقروا الذين آمنوا قرالروا آمن بع ض قرالروا أرتحدثونه بما فرتح الله علري

ر أرفرالر تع قلرون من هذا الفريق إنما هو فالتحريف(، 72)البقرة/ ليحآجوكر به عند رب

بينه اهلل تعاىل من بعد يف على ما األغراضمن لضرب »مندرج ضمن هذا السياق الكيدي

. 90 «"قليالبه مثنا واشرتواقوله تعاىل: "

املعتقد انتحال معتقد ما مان حريةيكون من الصور الكيدية اليت متتنع ألجلها وربما

شااأنها أن تصااوره يف عيااون الناااس مااناملعتقاادات ماان أجاال التصاارف با ااه تصاارفات مشااينة

تلااك التصاارفات وبااني املعتقااد املنتحاال باانيذهااان ماان التطااابق بصااورة قبيحااة مبااا يقاارتن يف األ

تصارف كيادي تنحسار دوناه حرياة املعتقاد، إذ هاو الذي تصدر با ه. إن هذا االنتحال مبا

ببنيتهاا إىل ضرب من النقاد للمعتقادات املخالفاة نقادا تشاويهيا بوساائل ال عالقاة هلاا آيلهو

النااس باني بنية من ضاعف أو قابح، وهاو أسالوب لاو شااع الذاتية من حيث إظهار ما يف تلك ال

ذلااكيف اجملتمااع ألفضااى إىل اضااطراب كاابري، وإذا أفضاات احلريااة إىل االضااطراب كااان

مؤذنا بتقييدها.

لرئن ل ينته : تعاىل قولهمما يؤصل هلذا القيد من قيود حرية املعتقد ولعل

وبهي مرض والمر جفرون في المدينة لرنغ ريينكر بهي ث لرا المنافقرون والذين في قرلر

(، فهؤالء الذين تستنكر اآلية تصرفهم هم 20)األحزاب/ ايجاويرونكر فيها إيلا قرليل

ا من اإلسالمي باملدينة الذين انتحلوا اإلسالم انتحاال كيديا، وجعلو اجملتمعأولئك النفر يف

خيذلون اإلسالم وخيذلون املسلمني، ويرجفون باألخبار الكاذبة واإلشاعات ذلكموقعهم

يفاملتعلقة بهذا الدين ومعتنقيه قصد صرف الناس عنه، وبث االضطراب والفتنة الزائفة

صلى الن اجملتمع. لقد كان بعض اليهود يف املدينة جيادلون يف شأن املعتقد الذي جاء به

9/142: الكبريبا التفسري الرازي 90

32

تهديدهم باملنع، أو عليه وسلم، نقدا له وانتصارا ملعتقدهم، ومل يكن ذلك سببا ملنعهم اهلل

التصرف الكيدي املتمثل يف انتحال املعتقد هذاولكن ملا تصرف بعض آخر منهم

ذلك سببا يف مصادرة حريتهم يف االعتقاد ملا تفضي التخذيل،كاناإلسالمي نفاقا لغرض

.91من فساد واضطراب أتيحتلو إليه تلك احلرية

إن هذه الضوابط املقيدة للحرية الدينية إمنا هي ضوابط شرعت من أجل محاية هذه

احلرية كي تؤدي إىل اهلدف املقصود، وهو متكني الناس من أن خيتاروا دينهم عن

بصرية، وأن ميارسوا شعائرهم يف اطمئنان، وأما إذا انفلتت احلرية الدينية من كل قيد

فإنها سوف تؤدي إىل فوضى يغرر الناس فيها بعضهم ببعض، ويعتدي فيها البعض على

مشاعر اآلخرين، وتكون من ذلك فتنة اجتماعية كبرية، من حيث إن األديان ما جاءت إال

مبا فيه خري اإلنسان وسالمته وأمنه.

واهلل ولي التوفيق

بط حبثا لنا بعنوان: حرية التفكري واالعتقاد يف اجملتمع املسلمراجع يف هذه الضوا 91

33

ثبت املصادر واملراجع

الكبري،ط دار الفكر، التفسري. ها( 204الدين، ت الرازي ) حممد بن عمر، فخر

.1225لبنان

الدين والسياسة يف الغرب احلديث ) حبث منشاور باجمللاة العلمياة . رفيق عبد السالم

(9ج 19ا10للمجلس األوروبي ل فتاء والبحو ، عدد:

يف اجملتمع اإلسالمي ) ط دار الفكر، مصر د.ت(. أبو زهرة

الكااربى، تااح: عبااد السنوساايةشاارح . د اهلل حممااد باان يوسااف( السنوسااي ) أبااو عباا

1219الفتاح بركة، ط دار القلم، الكويت

1225ط دار الفكر، بريوت البيان،جامع . (910الطربي ) حممد بن جرير، ت.

ال إكراه يف الدين. طه جابر العلواني

ار التونساية للنشار والتناوير، ط الاد التحرير. (1279ابن عاشور ) حممد الطاهر، ت

والدار اجلماهريية )د.ت(.

.)السياسي للدولة اإلسالمية، ط دار الشاروق، باريوت النظاميف . العوا ) حممد سليم

1212.

.) الوحادة احلرياات العاماة يف الدولاة اإلساالمية، ط مركاز الغنوشي ) الشايخ راشاد

. 1229العربية، بريوت

.بتحقيق مباحث املسايرة،ط املكتباة املذاكرةج نتائ حممد حمي الدين عبد احلميد

الفريد بتحقيق جوهرة التوحيد، ط مطبعاة الساعادة، النظام؛ النجارية، مصر )د.ت(

.1255مصر

.)1211مي، ط مؤسسة الرسالة، باريوت اإلسال الدستورتدوين املودودي ) أبو األعلى

.1224وهديه، ط دار الفكر، بريوت ا دمشق اإلسالمنظرية ؛

6891العلمانية أو فلسفة الموت، ط مطبعة قرطاج، تونس ) محسن (. الميلي.

) حرية الاتفكري واالعتقااد يف اجملتماع املسالم ) جملاة إساالمية . النجار ) عبد اجمليد

. 99ا91املعرفة، عدد:

) دمشاق ا ، دار ابان كاثري 9ط السارية النبوياة، ) . ابن هشام ) أبو حمماد عباد امللاك

. (9005 بريرت،

والنشاار، ) ط جلنااة التااأليف والرتمجااة 925: تاااريخ الفلساافة اليونانيااة. يوسااف كاارم

. ( 1292مصر

34

فهرس املوضوعات

الصفحة املوضوع

1 متهيد

9 ـ احلرية واحلرية الدينية 1

9 أ ا احلرية

4 ب ا احلرية الدينية

2 بـ مرجعية احلرية الدينية بني اإلسالم والغر 2

7 أ ا مرجعية احلرية الدينية يف اإلسالم

1 ب ا مرجعية احلرية الدينية يف الفكر الغربي

19 ـ التشريع اإلسالمي للحرية 3

19 أ ا احلرية يف اإلميان باإلسالم

19 ب ا احلرية يف اإلميان بغري اإلسالم

14 ج ا حرية الفهم الديين

17 الردة د ا احلرية الدينية وحكم

11 ضمانات احلرية الدينيةـ 4

12 أ ا الضمانات املنهجية

90 ب ا الضمانات اجلزائية

91 يةج ا الضمانات القانون

94 يةـ ضوابط احلرية الدين 5

95 أ ا منع الغواية

97 ب ا تكافؤ الفرص

92 ج ا األمانة يف العرض

90 دا احرتام املشاعر الدينية

99 ها ا منع التصرفات الكيدية

95 ثبت املصادر