تجربة الإسلاميين في ادارة الشؤون الاقتصادية...

11
ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ ﺍﻟﺘﻮﻧﺴﻴﺔ ﻧﻤﻮﺫﺟﺎ ﻣﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺭﺿﺎ ﺍﻟﺴﻌﻴﺪﻱ، ﻗﺪ ﺍﻟﻮﺯﻳﺮ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻟﻠﺸﺆﻭﻥ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﺘﻮﻧﺴﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻧﺪﻭﺓ: ﻤﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻈ ﻣﺮﻛﺰ ﻛﺎﺭﻧﻴﻐﻲ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﺑﺎﻟﺸﺮﻕ ﺍﻷﻭﺳﻂ2014 ﺟﻮﺍﻥ13 12 ﺑﺒﻴﺮﻭﺕ ﻳﻮﻣﻲ

description

نص المداخلة التي قدّمها السيد رضا السعيدي، الوزير السابق للشؤون الاقتصادية في الحكومة التونسية في ندوة: المواطنة والعدالة الاجتماعية التي نظمها مركز كارنيغي للدراسات الاستراتيجية بالشرق الأوسط ببيروت يومي 12 و 13 جوان 2014

Transcript of تجربة الإسلاميين في ادارة الشؤون الاقتصادية...

Page 1: تجربة الإسلاميين في ادارة الشؤون الاقتصادية والإجتماعية بين الرؤية والممارسة حركة النهضة التونسية

تجربة اإلسالميين في ادارة الشؤون االقتصادية واإلجتماعيةبين الرؤية والممارسة

حركة النهضة التونسية نموذجا

قّدمها السيد رضا السعيدي، الوزير السابق للشؤون االقتصادية في الحكومة التونسية

في ندوة: المواطنة والعدالة االجتماعيةالتي نّظمها

مركز كارنيغي للدراسات االستراتيجية بالشرق األوسطببيروت يومي 12 و 13 جوان 2014

Page 2: تجربة الإسلاميين في ادارة الشؤون الاقتصادية والإجتماعية بين الرؤية والممارسة حركة النهضة التونسية

تجربة اإلسالميين في ادارة الشؤون االقتصادية واإلجتماعيةبين الرؤية والممارسة

حركة النهضة التونسية نموذجاالسيد رضا السعيدي

Page 3: تجربة الإسلاميين في ادارة الشؤون الاقتصادية والإجتماعية بين الرؤية والممارسة حركة النهضة التونسية

لقد أحدث الربيع العربي زلزاال في المنطقة العربية هّز عدد من العروش الّظالمة ودّك بعض األنظمة المـستبّدة وزعزع الباقي مـنها، وال يزال يشّق طريقه نحو االنعتاق والـحّرّية وبـناء كرامة اإلنـسان العربّي، بـرغم الـمصـاعب هنا واالنـتكاسات هـناك، وبـرغم الـّدور الـّسافر والمشبوه لبعض القوى المحّلّية واإلقليمية والّدولّية التي تسعى جاهدة ببذل الـمال وتوظيف االعالم وتـقـديم الـغطاء الـسياسي الـالزم

لعرقلة مسيرة التغيير ومنع الوصول &إلى شاطئ األمان واالستقرار. ولكن األمل دائم التجّدد في قدرة القوى السياسية العربية الوطنية على اجهاض محاوالت اإلرباك ودعـاوي

االنتكاس وبناء تجربة ديمقراطية رائدة تحّقق حلم العرب في الّنهضة والّرقّي واحتالل موقع متقّدم بين األمم.واألمل معقود في بعض الحاالت القليلة التي تحمل بشرى الوالدة الجديدة، وعلى رأسـها التجربة التونسّية التي تـعّد نموذجا في حــسن+ ادارة االختالف والتوافق حول القضايا الكبرى وأولوّيات التغيير ومنهج البناء المـتدّرج للـتجربة الـديمقراطّية الناشئة، انـطالقا بـتشكيل حكومة ائتالفية مـنبثقة عن انتخابات حـرة وشـفافة والتوّفق في صـياغة دسـتور نـموذجي جامع لكّل الـتونـسيين وكـل الـقوى الّسياسّية والـفـكـرّية واإلجـتماعّية بالبالد، ووصـوًال إلى بناء المؤّسسات الـدسـتـورّية وبعث الهيئات الّتعديـلية الـمستقّلة والـّتوافق حـول الّرزنـامة الّسـياسـّية التي تـنـّظم الـمـحطات االنـتـخابية المـقبلة، لتـنـتـقل بذلك البالد من المرحلة االنتقالية المؤقتة إلى المرحلة المستقرة التي

ستساعد على تحقيق األهداف الوطنية وتجسيم تطّلعات الشعب التونسي في النماء والرقي والرفاه.لـقد جـّنب هذا الـتـمشي البالد عديد المخاطر واالنزالقات، كما برهنت حركة الّنهضة، التي فازت بانتخابات الـمجلس الـوطني التأسيسي سنة 2011 وقادت حكومتين في سنتي 2012 و2013، عن نضج سياسي وحكمة عالية بتنازلها عن الّسلطة لصالح ''حكومة التكنوقراط'' بـقيادة أحـد الوزراء الـذين شـاركوا في حـكـومتها الثانية بـقيادة االستاذ عـلي العرّيض، وذلك مقابل مهر غال أال وهو تمكين البالد من

دستور جامٍع لكّل الّتونسيين ومن هيئٍة مستقلة لالنتخابات واالستعداد لتنظيم االنتخابات العاّمة قبل نهاية سنة 2014.فـكان المهر غـاليا حّقًا ولصالح تونس وإلنجاح مسار االنتقال الديمقراطي وتتويجه باالنتخابات التي ستنبثق عنها المؤّسسات الدستورية التي سـتـقـود البالد نحو االسـتقرار السياسي والّسلم االجتماعي والنمو االقتصادي، وهي المطالب األساسّية للشعب التونسي الـذي قاد ثـورة سـلمّية ألجل الـكرامة والـحياة األفضل، وليـحتّج على واقع التهميش والفساد والتمييز بين الفئات االجتماعية والفجوات في التنمية

بين الجهات واالنحياز في توزيع الفرص وتقاسم الموارد. ولكن بعد أن قال الّشعب كلمته واختار من يمّثله في مؤسسات القرار وتسيير الشأن العـام، هل تـحّقق الحلم وتّم تنفيذ الوعود، ال سـيما وقد كان الشعار الـمـركزي للحملة االنتخابّية لـحـركة النهضة ''أوفياء صـادقون''؟ وهل تّمت االسـتـجـابة للـمـطالب الـّشعبّية الـمتنامية والنـتظاراتها العالية؟ ومن جهة أخرى ما هي الـرؤية االقـتصادّية واإلجـتماعّية التي تّم اعـتمادها لصياغة الـّسياسات االقـتصادّية وبلورة الخـيارات االجـتماعّية الـمـحّققة للّتضامن والـعـدالة االجـتماعّية؟ وما هي األدوات الـمالّية التي تّم اعتمادها لتحقيق األهداف المرسومة؟ وكيف تّم التـعاطي مـع تـحـديات الـمـرحلة وإكـراهات الـواقع الـجديد الذي أفرزته الثورة أو كان من تداعياتها السلبية، من ارتفاٍع لسقف المطالب االجتماعية والفئوية ولدى الجهات وانـتشاٍر لثقافة الغنيمة وتوّسٍع لـمـظاهر االنـفالت العام وضـعف االنـضباط للـقانون وتـناٍم

لـظاهرتْي العزوف عن الـعمل والـسعي للـربح اـلسريع مّما زاد في تـراجع االنتاج وعـّمق في تدهور اإلنتاجية، كّل ذلك في مناٍخ عام يّتسم باستحكام العداء اإلديولوجي والمناهضة السياسية ألغلب األطراف المنافسة التي تملك نـفوذًا واسـعًا في األوسـاط اإلعـالمية والنقابية،

األمر الذي عّمق حجم التجاذبات السياسية والمزايدات النقابية وزاد في درجات االحتقان العام .

سنحاول من خالل هذه الورقة تقديم إجابات أّولّية عن األسئلة الهاّمة المطروحة وفتح المجال لنقاش ثرّي وعميق حـول الـقضايا الـحارقة ومـالمسة االشـكاليات العمـيقة للّتحّوالت السّـياسّية التي تـعيشها بـعض بـلداننا الـعربّية، وفـي مقّدمتها تـونس مـجال بحثنا األساسي.في الـبدايـة ال بد من اإلشـارة الى أن الرؤية اإلـقتصادية للحـركات واألحزاب السياسية ذات المرجعية االسالمية ال تزال في طـور الّتشّكل عـبر االجتهاد الفكري النظري وعـبر الممارسة الميدانّية في اطار أجهزة الحكم. فأـغلب الحـركات االسـالمية تملك رؤية عامة في الـمجال

االقتصادي واالجتماعي قّدمتها في برامج ودراسـات، تبقى الخـطوط الّتفصيلّية بحـاجة إلى مـزيد االشـتغال الّنـظري والـّتأصيل الـفـكري والتعميق المـنهجي، حّتى تكـتمل المـنـظومة في مختلف أبـعـادها الّنظـرّية والعملّية انطالقا من القواعد واألسس وصوًال إلى الّسياسات والبرامج. فعدم اكتمال هذه المنظومة ال يعني االفتقاد إلى الّرؤية، ولو في ارهاصاتها األولى، كما هو الشأن تقريبًا لدى الـغالبية العظمى

من األحزاب والتيارات السياسية من مختلف المشارب الفكرية، وهي كافية حالّيا للمساهمة في بلورة المفاهيم والخطوات العملّية لصياغة البرامج والسياسات القادرة على النهوض بواقع البالد في المجاالت االقتصادية واالجتماعية والّتنموّية، السيما اذا اعتمدنا منهجية المراحل

في التأسيس وبراغماتية السياسة الواقعية عند التنزيل.

مقّدمة:

01

Page 4: تجربة الإسلاميين في ادارة الشؤون الاقتصادية والإجتماعية بين الرؤية والممارسة حركة النهضة التونسية

تقف معظم الحركات واألحزاب السياسية ذات المرجعية االسالمية والمنتمية للتيار الوسطي المعتدل على أرضية فكرية متشابهة وترتبطبنفس المنظومة الـقيمية. وتـسعى جـميعها لـتـحقيق نفس األهـداف الـسياسية واالقتـصادية واالجـتماعية الـكبرى، من نـظاٍم سـياسـي ديمـقراطي تعّددي يـضـمن الحـقوق وَيُصون الحـريات ويحـمي المـكاسب ويحـّقق الحياة الكريمة لكل المواطنين، ونظاٍم اقتصادي عادل ومتوازن يحقق العدالة والتنمية الشـاملة وُيَصّوب للـرقي والرفاه، وهـي تـشترك جميـعها في جـعل الـعدالة االـجتماعـية أحد أبرز عناوين برامجها االقتصادية واالجتماعية، مع دعمها للمبادرة الخاصة وحـرية النشاط االقتصادي، وتؤكـد كلها تقريبا في لوائحها وبـياناتها على دفاعها عن البرامج والسياسات االجتماعية التي تسعى للقضاء على الفقر والتهميش والبطالة وغالء األسعار وضمان َتَمتُّع كل المواطنين

بالمرافق االساسية كالتعليم والّصحة والرعاية االجتماعية والخدمات العامة في النقل والمواصالت والبيئة السليمة.ويمكن رصد أوجه االختالف بين برامج هذه الحركات واألحـزاب في درجة االرتـباط بالمـرجعية الفكرية وفي تـرتيب األولويات وفي درجـة االهـتمام بـبعض الـقـطاعات دون غيرها. كـما تختلف هذه الحـركات في حـجـم االنـفـتـاح والتفاعل والتعاون مع بقية األطراف السياسية واالجتماعية على النطاق الُقطري واإلقليمي والدولي، وعلى درجة القبول بالقواسم المشتركة مع بقية األطراف السياسية لتحديد أولويات

البالد والتوافق على برامج اقتصادية واجتماعية في إطار تشاركي.وعند َتسلُّم هذه الحركات مقاليد السلطة، أو تقاسمها مع غيرها، واجهت أوضـاًعا صـعبة وواقًعا معّقًدا وإرًثا مثقال بالمـظالم واالخـتالالتوضياع البوصلة، وتوّفقت، وبأقداٍر مختلفة في اإلجابة عن األسئلة المفصلية وتحقيق بعض المكاسب واالنجازات وتقديم برامج براغماتيةسـاهـمـت في إيـجاد حلول لـبـعض المشكالت االقتصادية واالجـتماعية، والسـيما اسـتعادة نمو االقتصاد بعد فترة ركود وتباطؤ مرتبطة أساسا بتداعيات الثورة، وذلك برغم الصعوبات الظرفية وتنامي دور أطراف المعارضة والنقابات في إعتاقة مسارات دفع االقـتصاد وتـنفيذ

مشاريع التنمية وتجسيم البرامج االجتماعية.

سنحاول في هذا الباب تقديم عرض موجز لبرنامج حركة النهضة في المجال االقتصادي واالجتماعي، يقف عند األسس الفكرية هات العامة ويعطي فكرة والموجِّ

عن البرامج التنفيذية والحصيلة العامة لتجربة الحكم وادارة الشأن العام في المجاالت المذكورة ألكثر من عامين قادت فيها حركة النهضة حكومة االئتالف الثالثي، أو ما أصبح ُيعرف بالترويكا، الذي جمع الحركة ذات المرجعية االسالمية مع حزبين علمانيين ينتميان

ليسار الوسط والتيار الليبرالي االجتماعي .

األسس والمنطلقات : تقّدم حركة النهضة نفسها على أّنها حركة إصالح شامل في أبعاده المختلفة الّسياسّية والّثقافّية-القيمّية واالقتصادّية-االجتماعّية، وعلى

أنها امتداد ومواصلة لحركة اإلصالح والّتنوير، التي قادها الُرّواد منذ نهاية القرن التاسع عشر. فهي تنطلق من المرجعية اإلسالمّية كأرضّية فكرّية وكمنهج في الّتغيير، األمر الذي يجعلها حركة أصيلة متجّذرة في عمقها الحضاري العربي واالسالمي، وهي في ذات الوقت

حركة منفتحة على الكسب اإلنساني وإبداعات العقل البشري وعلى تجارب الشعوب وخبرتها، في مجال الفكر والسياسة والّثقافة واالجتماع وعلى مقتضيات العصر، في انفتاٍح يثري الفرد ويدعم المجموعة وينّمي أبعاد مشروع الّتغيير الّشامل، اّلذي ُتعتبر الحّرّية

والّديمقراطية وإقامة العدل مدخله األساس للّنهضة الّشاملة واإلصالح متعّدد األبعاد والمجاالت، وذلك في تقديرنا مفتاح الّزمن العربي الجديد. فاالنطالق من أرضية فكرية متأّصلة في تربتها الحضارية ومتفاعلة مع مقتضيات العصر، وُمشبعة باألبعاد المقاصدية التي

تسعى لتحقيق المصالح الضرورية والحاجية، وصوًال للمصالح الكمالية، للبالد والعباد، إلى جانب تبني مقاربة سياسية تتميز بالمرونة واالنفتاح، تكون فيه الحركة بمثابة القطب الجامع لمختلف القوى السياسية واالجتماعية الوطنية الوسطية التي تشترك في تبّني البرامج

والخيارات الوطنية الوفية ألهداف الثورة والمحققة لتطلعات الشعب التونسي في الحرية والديمقراطية والتنمية. لذلك تقّدم حركة النهضة نفسها كخادمة للمجتمع وكأمينة على تطلعاته وكمساهمة مع غيرها، في إطار شراكة حقيقّية، في تقّدم البالد وازدهارها.

لقد مّكنت الثورة الفرد التونسي من استعادة حريته المغتصبة واسترداد وطنيته المغتصبة ومّكنته من لعب الدور المركزي في إحداث الّتغيير وبناء الّنموذج الذي حلمت به األجيال التي واكبت النكسات وشهدت االنكسارات. لقد كان التخلف دومًا مالزما لممارسات االستبداد.

ولقد كان النحراف دولة االستقالل عن المبادئ والعهود التي ُقطعت إّبان الّتحّرر من قيود االستعمار دور كبير في إعاقة شعبنا عن عيش

تجربة الحركات االسالمية:

عرض موجز لتجربة حركة النهضة في إدارة الشؤون االقتصادية واالجتماعية:

02

Page 5: تجربة الإسلاميين في ادارة الشؤون الاقتصادية والإجتماعية بين الرؤية والممارسة حركة النهضة التونسية

حـياة ديمـقراطية حـقيقية وبـناء تجـربة أصـيلة في التـنمية. فبـعد عقوٍد من االسـتعمار الـذي اسـتنزف قدراتنا واستغل يراتنا وأعـاق التطّور الّطبيعي لبلدنا، وهو األمر الذي كان ممكنا منذ زمن رّواد الّنهضة الحديثة، وجد الشـعب نفسه مكّبًال أمام دولة قهـرية وحـكم فردي وُمْلك عضوض. ومع هبوب نسمات الحرية، التي تّوج�ْت عقودًا من النضال والعذابات، تهّيأْت للـشعب فرصة تاريخية لقول كلمته واسـتعادة دوره الطبيعي في المشاركة في بناء دولته وصيانة استقاللها والمساهمة في رسم مالمح مستقبلها الذي نسعى جميعًا أن يكون مشرقًا وّضاًء.

إّن اإلنسان في فكر حركة النهضة هو محور الّتغيير وجوهر مشروع الّنهضة الّشاملة. فهو في نفس الوقت هدف الّتنمية الّشاملة ووسيلتها، كّرمه اهللا على سائر الكائنات وكّلفه بعمارة األرض وَربط الّتكليف بالحّرّية وجعل العقل مناط الّتكليف.

وهـي تـؤمن بالـّدور األساس للـمجتمع في إحـداث الّتغـيير وفي دور الـّدولة المـدنّية في رعـاية الّشأن العام وصـيانة الحّرّية وحـماية الّسلم اإلجتماعي وضمان العدالة االجتماعّية وتحقيق الّرفاه االقتصادي.

ر وُمقنِّن للّنشاط االقتصادي لضـمان الّتوازن اإلجـتماعي ل وُمؤطِّ ومن هذا المنطلق يتحّدد دور الّدولة المدنّية في المجال االقتصادي كُمعدِّن الحياة الكريمة للمـواطن والعيش في بـيئة سـليمة، وضبط حركة الّسوق (دولة صديقة للسوق)، وَكَراٍع للقطاعات االستراتيجّية التي ُتَؤمِّ

ر الّنفاذ للخدمات االجتماعية في الّصّحة والّتعليم والّنقل مع ضمان الّتمّتع بالحّق في السكن الالئق الكريم. وُتَيسِّ

وتتبّنى حركة الّنهضة خيار االقتصاد الحّر االجتماعي، الذي تتكامل فيه أدوار القطاعين العـام والـخاص كأهّم فاعلين في الّدورة االقتصادّية،خلًقا للّثروة وَمواطن الّشغل وتنميًة للمجتمع وتطويًرا للـبالد، مع الّدور الجـديد الذي تـضـطلع به قـوى الـمـجتمع الحّية فـي تـنمية الـقطاع التعاوني-الّتضامني، اّلـذي أصـبح ُيعرف باالقـتصاد االجـتمـاعي الّتـضامني (l’économie sociale et solidaire) واّلذي يـساهم في سّد الفـجـوات وتيسير حياة الّناس، السـيـما في مـجاالت الّتعليم والّصّحة والّرعاية االجتماعّية، ويـدعم الّتنمية المـحّلّية في ما يـعرف بالّتمـكين

االقـتصادي عبر الّتمـويل الّصغير والّتعاوني. ويـندرج كـّل هذا في بـاب المنظومة الـقيـمّية، الّنابعة من عـمـق الـمـخزون الّثقافي والحضاري للمجتمع الّتونسي، التي تؤمن بها حـركة الّنهضة والتي تسعى من خـالل بـرامجها إلى تـفعيـلها وإحـيائها مـثل مـفهـوم الّتـكافل والّتعاون والّتضامن والعدالة اإلجـتماعّية ومـكافحة الفـساد والّرشوة والـكسب غـير المشروع وترشيد االستهالك ونـبذ سـلـوك الّتبذير وهـدر الّثروات والتـشجيع على الـكّد والعمل والـكسب المـشروع واالبتكار والمبادرة وإحياء األخالق والقيم الفاضلة في مجال المعامالت، كالّصدق والّنزاهة

والّشفافّية واألمانة والّثقة وااليثار.

كما تسعى حركة الّنهضة من خالل برامجها إلى توظيف الّزكاة، اّلذي يـبقى من زاوية نظر الّدولة عمال اختيارّيا ال يعّوض مـنـظومة األداءاتوالّضرائب، وإلى تفعيل مجال الوقف، ليساهما معا في التنمية الّشاملة للمجتمع بما يوّفره المجاالن من تعبئة موارد مالّية هاّمة تنفق لصالح

المجتمع، والسيما فئاته الّضعيفة عبر آليات شفافة ومقاييس موضوعية.

ويبقى المصدر األساس لتمويل البرامج والمشاريع التنموية العمومية هي ميزانية الدولة بمواردها التقليدية الجبائية والذاتية، وعن طريق االقتراض، سواء عبر الجهاز البنكي التقليدي أو عبر آليات التمويل االسالمية من صكوك وصناديق اسـتثمارية في إطار مـنظـومة المشاركة

وتمويل االقتصاد الحقيقي.وتشّجع الحركة روح المبادرة واالبداع والمنافسة الشريفة والكسب المشروع وتحترم الملكّية الخاّصة وتحميها وتعتبر العمل الّشريف والمتقن هو قـاعدة الّتقّدم والعنـصر األساس في كـسب مـعارك الّتنمية والمـنافسة المتنامية بين الّدول، وأّن مـنظـومة التـعليم والـتكوين والـبحثوالـتطوير هي الرافعة الحقيقية للبالد لتحـقيق التـنمية والتـقدم والـرفاه، بما يفـرض إصـالح هـذه المنظومة ومواءمتها مع احتياجات البالد ومتطلبات التنمية. كما تحرص الحركة على منع الممارسات االحتكارية وتفعيل المنافسة والّتقليص من االمتيازات ''االحتكارّية'' في التمثيل

التجاري واالنتقال الّتدريجي الى اعتماد كّراسات الشروط وشفافية المعامالت والّتوزيع العادل للنيابات.

وتعمل الحركة على تنقية مناخ األعمال ودعم المبادرة الخاّصة، السيما في القطاعات المجّددة وذات القيمة المضافة العالية، وتسعى لبعث جيل جديد من المستثمرين ورجال األعمال إلحكام حسن توزيع الّثروات وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في اطار المنافسة الّنزيهة والعدالة

و ''القيام بالقسط بين الّناس''.

’‘...تتبّنى حركة الّنهضة خيار االقتصاد الحّر االجتماعي، الذي تتكامل فيه أدوار القطاعين العـام والـخاص كأهّم فاعلين في الّدورة االقتصادّية...‘‘

03

Page 6: تجربة الإسلاميين في ادارة الشؤون الاقتصادية والإجتماعية بين الرؤية والممارسة حركة النهضة التونسية

وبناًء على التوجهات الجديدة للفكر التنموي، وتماشيا مع صـور التـمكين الحضاري واالرتـقاء االجـتماعي التي عرضتها النـصوص التأسيسية من قرآن وسنة نبوية، تتبّنى حركة النهضة المفهوم الموّسع للتنمية باعتبارها، استناًدا لكتابات "أمرتيا سن" عالم االقتصاد الهـندي الحائز على جائزة نوبل لالقتصاد، عملية لتـوسيع حـريات الـبـشر الـحقيـقية والـرامية لخدمة رفاهيـتهم االقتصادية والـفرص االجـتماعية والحقوق السياسية. وال ينظر لهذه الحريات على أنـها أهداف للتـنمية فحـسب، بل كـذلك عـلى أنها وسائل لـبلوغها، فالـحرية الـسياسية تـساهم في تحقيق النمو االقتصادي كما تساعد في توسيع الفرص االجتماعية في المشاركة االقتصادية. كما أن الرفاه االقـتصادي، وفق شـروط معّينة، يدعم التسهيالت االجتماعية ويقّوي من الحقوق السياسية. وتوسيع الحريات يـعتمد على مـحّددات أخـرى غـير تـلك الـمتعّلقة بتحقيق النمو كالترتيبات االجتماعية لتوفير خدمات الصحة والتعليم، والحقوق السياسية والمدنية الـتي ُتهّيئ الفرص للمشاركة في صناعة القرار والجدل

حول القضايا العاّمة ومساءلة أصحاب القرار.

وفـي مثل هذا المنظور، الذي يتـعارض مع الـمقاربات الضّيقة للتنمية كتلك التي تعتبر التنمية على أنها نمّو الناتج القومي اإلجمالي أو أنها تزايد متوّسط دخل الفرد أو التصنيع

أو الـتقّدم التـقني، فإّن التـنمية تستوجب القضاء على أهّم مصادر عدم الحرية وأولها الفقر وانعدام الفرص االقتصادية والحرمان االجتماعي وإهمال الخدمات العاّمة ومظاهر االقصاء والقمع بواسطة أجهزة الدولة.

وتعتبر حركة النهضة عملية توسيع حرّيات المواطن التونسي الغاية األساسية للتنمية وكـذلك الـوسيلة الرئيسية لتحقيق التنمية المرغوبة والستدامتها.

والمقصود بـ "الغاية األساسية" الدور البنائي أو اإلنشائي للحرية في عملية الـتنمية والـذي ُيـعنى بأهـمّية الـحريات الـحـقيقية في إثراء حياة المواطن، وتشتمل هذه الحريات على القدرات أو االمكانيات األولية لتفادي مختلف أنواع الحرمان، مثل الجوع وسوء التغذية واعـتالل الّصحة،

واالستمتاع بمختلف أنواع الحريات المرتبطة بالمعرفة والتعليم واالبداع والمشاركة السياسية.والمقصود بـ “الوسيلة الرئيسية” الدور األدواتي أو الوسائلي للحرية في عملية التنمية الذي ُيعنى بالطريقة التي ُتـساهم بها مـخـتلف أنواع

الحقوق والفرص واالستحقاقات في توسيع حريات المواطن.

والمعلوم أّنه في إطار تحديد المكونات اإلنشائية للحرية الوسائلية، تّم التركيز على خمسة جـوانب تعتبرها النهضة ركـائز أسـاسية "للعقد االجتماعي" وذات عالقة بعدد من قضايا السياسات التي تتطّلب اهتماًما خاًصا في المرحلة االنتقالية التي يـمّر بها الـمجتمع الـتونسي من

أجل تثبيتها وهي كالتالي:

−الحريات السياسية :بمعناها العريض، بما في ذلك الحقوق المدنية التي تتعّلق بالُفرص المتاحة للمواطنين ليقّرروا من سيحكمهم وعـلى أي مبادئ ولـيراقبوا وينتقدوا ويحـاسبوا السـلطات ولـيعّبروا عن آرائـهم من خـالل صـحافة حـّرة وليقّرروا االنضمام لمختلف األحزاب السياسية. وتشتمل الحريات السياسية على االستـحقاقات المـتوّفرة في الـنظم الـديمقراطية بمـعـناها الـواسع بـما في ذلـك فـرص السجال

السياسي والمعارضة والنقد وحرية المشاركة السياسية.

−التسهيالت االقتصادية : تتعّلق بالفرص المتاحة لألفراد السـتغالل الـموارد االقتـصادية بشـكل عادل ومتوازن ألغـراض االستهالك واإلنتاج والتبادل. وتعتمد االستحقاقات االقتصادية للـفرد على ما يمـلكه من مـوارد أو ما هو مـتاح منها الستـخدامه وعلى ظـروف التبـادل

واألطر المؤسساتية المنظمة له.

−الفرص االجتماعية : تـتعّلق بالـترتيبات االجـتماعية فـي الـمجاالت الـتي تؤّثر في الـحريات الحـقيقية الـمتاحة لألفـراد ليعيشوا حياة يثّمنونها، كالترتيبات المتعلقة بالتعليم والصحة. وال تقتصر أهمية مثل هذه الخدمات للحياة الخاصة لألفراد فحسب وإنما تمتّد لتؤثر على

تفعيل مشاركتهم في النشاطات االقتصادية واالجتماعية والثقافية والسياسية.

−ضمانات الشفافية : وهي ضـمانات تـعـكسها األنـظمة والـقوانين لتـعزيز الثقة في الـتعامل بيـن الناس في إطار المجتمع، وهو أمر يتعّلق بالحرية في التعامل بين األفراد

وبين األفراد والدولة على أساس ضـمان اإلفـصاح والسالسة. وتـلعب هذه الـضمانات دوًرا واضًحا في الـحّد من المـمارسات الفـاسدة وعدم المسؤولية وفي تطوير البيئة المالئمة لالستغالل األفضل للموارد والفرص االقتصادية المتاحة. كـما تعتبر هـذه الضمانات مـقّوم أسـاس

من مقومات الحكم الصالح.

−األمان الوقائي أو الحمائي : اعـترافا بأّنه مهما كـانت كـفاءة تنـظيم وعمل النظام االقتصادي، فإّن هناك بعض الناس في حـالة من االنكشاف تعرّضهم لقدر كبير من الحرمان والمعاناة نـتيجة الـتغّيرات الفجائية التي تؤّثر سلبًا على أنـماط حـياتهم. فاألمان الـوقائي ُيعنى بتوفير شبكات حماية ورعاية اجتماعية، للحيلولة دون وقوع مثل هذه الشرائح في شراك الفقر المدقع. ويـشتمل مـجال األمان الوقائي على ترتيبات مؤسـسية ثابتة ومـستمرة) كاإلعـانات، وبرامج الضـمان االجتماعي، والمنح الداخلية )وتـرتيبات انـتـقالية حسبما تتـطّلبه الـظروف

( كبرامج العون الطارئة في حاالت استثنائية والبرامج العامة للتشغيل.

04

Page 7: تجربة الإسلاميين في ادارة الشؤون الاقتصادية والإجتماعية بين الرؤية والممارسة حركة النهضة التونسية

لذلك تسعى حركة النهضة من خالل برنامجها الشامل لصياغة منوال تنمية جـديد يـقطع مع الـخيارات السابقة التي تـبّين مـحدوديتها في تحقيق نقلة اقتصادية حقيقية بالبالد، واالتجاه، مع شركائها، نحو التأسيس لنموذج جديد يقوم على حسن توظيف طاقات البالد ومواردها البشرية والطبيعية وتوجيه الخيرات المكتسبة بالعمل والجهد وتراكم التجربة، لخدمة التنمية الشاملة االدماجية واالندماجية. فهي تنمية ادماجية تعمل على تشريك مختلف الفـئات االجـتماعية، والسـيما الـمـهّمشة وضـعيفة الدخل، وإدماج مختلف جهات البالد، وفي مـقـدمتها المناطق المـهّمشة والجـهات الداخـلية، وعلى حسن تـوزيع الثروات المـنتجة تحـقيقًا للعدالة االجـتماعية وقيامًا بالقسط بين الناس. وهي تنمية اندماجية تعمل على تحقيق التفاعل والتكامل داخليا بين مختلف القطاعات االقـتصادية تحقيقًا للنـجاعة االقتصادية وتـثمينًا للموارد الوطنية وتنمية للقيمة المضافة المحلية، وخارجياًّ بتعزيز التكامل والتعاون مع الفـضاء االقـتصادي الجهـوي واإلقليمي، السـيما المغاربي- العربي واإلفريقي، الى جانب مواصلة الـتعاون مع بقـية الفـضاءات االقـتصادية الـواعدة كـجنوب شـرق آسيا وأمريكا الالتـينية، والـتجمعات

االقتصادية التقليدية كشريكنا االوروبي الذي نسعى الى تطوير عالقاتنا معه باتجاه المزيد من العدالة والتكافؤ والتعاون المثمر.

ويقوم النموذج المقترح على خيارات التوسيع والـتنويع والتدعيم لالرتقاء نـحو األفضل. فتـوسيع الشركاء يمـّكننا من اسـتثمار الـمزيد من فرص التعاون والرفع من حـجم المـبادالت االقتـصادية، وتـنويع مـصادر الـتمويل يـضاعف من إمـكانيات التمويل الـمتاحة وـغير المستغلة، كمنتوجات المالية االسالمية والتمويل المباشر عبر السوق المالية وعـبر صناديق االستثمار. كما أّن تـدعيم خيـار تنويع القاعدة االقتصادية والتوجه أكثر نحو القطاعات الواعدة والُمجّددة الحاملة للقيمة المضافة العالية والـمحتوى التكنولوجي عالي الجودة، هو الـخيار األمثل الذي

يرتقي باقتصادنا ويجعله أكثر قدرة على المنافسة وتنمية الثروة وخلق فرص الشغل للشباب.

وقد حاولت حركة الّنهضة من خالل برنامجها العام الذي خاضت به انتخابات المجلس الوطني الـتأسيسي في 23 أكتوبر 2011، ومن خـالل قيادتها للحكومة اإلئتالفّية،

أن ُتجـّسم بعض خـياراتها في المجال االقـتصادي واالجـتماعي وفي مجال إدارة الّدولة وتـسيير مـختلف مـرافقها، في الحدود الذي سـمح به البـرنامج االئتالفي الذي تّم الّتـوافق حوله بين أطـراف ''الترويكا'' المتحالفة، واّلـذي تمحور حول تـنفيذ األولويات المنبثقة عن اسـتـحقاقات الّثورة، من تـحقيق للّتنمية المتوازنة بين الجهات وتـوفير لـمواطن الّشغل الكريم لمختلف فئات المجتمع، السيما الّشباب الحامل للّشهائد

العليا، وتحقيق العدالة االجتماعّية ومقاومة الفساد.

وفي نفس الوقت الذي اّتسم فيه بـرنامج الـحكومة بالـجمع بـين الواقعّية والّطموح، كـان الّسياق العام وطـنيا ودولّيا غـير مـالئم لـتجسيمه وتنفيذ معظم أجزائه. فقد كانت حقيقة الواقع الذي كشفت عنه الّثورة واستلمت فيه الحكومة مهامها تّتسم بالهـشاشة والّصعوبة وتـنامي االحـتقان االجـتماعي وارتـفـاع سقف المـطالب واالنـتظارات وتزامـن كل ذلك مع تـعّثر دورة االنـتاج التي بدأت تُـنذر باالنكماش االقـتصادي (كـانت نسبة الّنمو المسّجلة في سـنة 2011 سلبّية: - 2 %) وتـراجع الـمقدرة الـشرائّية للمواطن مع ارتـفاع الـمعّدل الـعام لألسـعار (نقص

اإلنتاج، تهريب، غياب الّرقابة، انفالت أمني ...)

كـما تمّيز الوضع اإلقليمي والّدولي بتطورات غير مالئمة لالقتصاد العالمي وخاصة منطقة اليورو، شـريكنا األسـاسي الّتقليدي، بـما أّثر علـى الّطلب في القطاعين الّصناعي والّسياحي، إلى جـانب تنامي األسـعار العالمّية للـمواد األساسّية والمحروقات، بما شّكل ضغوًطا إضافّية عـلـى ميزانّية الّدولة اّلتي بدأ يتوّسع عجزها منذ سـنة 2011 (من حوالي %1 سـنة 2010 إلى 3,3 % سنة 2011، ثـم لترتفع ألكثر من %5 ابـتـداء من سنة 2012 الى اآلن) بفعل تنامي حجم نفقات دعم المحروقات الذي تضاعف سبع مرات، ونفقات دعم النقل، وحجم دعم المواد األساسية التي تضاعف سعرها في األسواق العالمية، وتتابع الزيادات في األجور واالنعكاسات المالية الـهامة لبعض الّتـسويات اإلجتماعّية التي تـمت

في ظل تعاقب حكومات الترضيات قبل االنتخابات.

وأمـام هذه المفارقات والّتـباين بين الموارد والـنفقات وبين االمكانيات والّطموحات، وضرورة اّتخاذ إجراءات عاجلة لدفع االقتصاد واسـتعادة الّثقة لتنمية االستثمار وتسوية الملفات اإلجتماعّية، أقّرت الحكومة جملة من االجراءات بعضها عاجل وملح وبعضها آجل واستراتيجي يندرجضـمن اإلصـالحات الهيكلّية،كمراجعة منظومة االسـتثمار وسـّن قانون ينـظم الشـراكة بـين الـقطاع الـعام والـقطاع الخـاص واالنطالق في مراجعة سياسة الدعم باعتماد سياسة االستهداف وتوجيه الدعم إلى مستحّقيه، واالنطالق في مشروع إصالح المنظومات الجـبائية والبـنكية

والصفقات العمومية ومراجعة منظومة التربية والتكوين والبحث والتطوير وإرساء قواعد الشفافية وأسس الحْوكمة الرشيدة وآليات حـسنالـتصرف في الـمال العام وعـقلنة ترشيد الـنفقات الـعـامة واالنـطالق في اعـتماد مـنظومة اعـداد الـميزانية حـسب األهداف واقرار المقاربة

التشاركية مع القطاع الخاص وفعاليات المجتمع المدني عند االستشارات العامة وإقرار المشاريع العمومية األساسية والخيارات الكبرى.

وقد تأّسس البرنامج االقتصادي واالجتماعي للحكومة على رؤية اقتصادّية ذات خلفّية ''كينزّية'' اختارت الّتوّسع في االنفاق العمومي المرحلي، في ظّل ترّدد المستثمر الخاص لغموض الرؤية لديه واختياره االنتظار على المبادرة باالستثمار، والذي يتّم بمقتضاه توجيه الّتمويل العمومي

لتـطوير الـبنية األسـاسّية والـمرافق العاّمة، من طـرقات ومـناطق صناعّية ومؤسّـسات استشفائّية ومشاريع تطوير الـبنية الفالحية، السـيماهة للفئات ضعيفة الدخل. بالمناطق المهّمشة، وتنفيذ البرامج االجتماعية السيما تلك المَوجَّ

05

Page 8: تجربة الإسلاميين في ادارة الشؤون الاقتصادية والإجتماعية بين الرؤية والممارسة حركة النهضة التونسية

وقد تّم اعتماد سياسة Go and Stop لـتأطير هذا التـمشي في سـياسة المالية الـعمومية بـتحديد سنتين لتنفيذ مرحلة (Go) ثـّم االنتقال لمرحلة (Stop) بعد أن تكون قد تهّيأت األرضّية والمناخات العاّمة لالستثمار الخاص، مع الّتقليص الّتدريجي للنفقات العامة

وإحكام ضبط الّتوازنات للتخفيض في نسب عجز الميزانية والتحكم العقالني في المديونّية.(Maitrise du déficit budgétaire et soutenabilité de la dette)

وقـد ساعد اعتـماد سياسة ''Go and Stop''، بـرغم الّصـعوبات الـّظرفّية وتنامي الّتـحّديات الّسياسّية واألمـنّية (اغتياالت سياسّية، أعـمال ارهابية ...) من تـحقيق نـسب نـمو معقولة (3.6 % سنة 2012 و 2.8 % سنة 2013) والّتقليص من الـبطالة من 18.9 % إلى

15.3 % في نهـاية سـنة 2013. كـما تّم الّتحـّكم في عجز الـميزانّية في حدود 5,7 % والمديونية في حدود 45 % من الناتج المحلي اإلجمالي. هذا إلى جانب تنفيذ مئات المشاريع الّتنموّية في الجهات والقطاعات، من جسور وطرقات وتعبئة موارد مائّية وتنمية إنتاج

الّطاقة الكهربائّية وبناء مؤّسسات تعليمّية واجتماعية. أّما في المجال االجتماعي فقد بلغت الّتحويالت االجتماعية حوالي 60 % من ميزانية الّدولة (25 % من الـناتج) تّم تخـصيصها لـتنفيذ البرامج والمشاريع في مجاالت الّصّحة والّتربية والتعليم والتـكوين والتـشغيل والرعاية االجـتماعية والخدمات الـعاّمة. ويـندرج ذلك في اطار عزم الحكومة على تحقيق سياسة اجتماعية عادلة وشاملة ومتضامنة وعلى تحقيق مقّومات الكرامة وفي مقّدمتها الّتشـغيل

ومجابهة كل مظاهر اإلقصاء والّتهميش وذلك تكريسا ألهداف الّثورة ولمبادئ حقوق اإلنسان.

وتّم في هذا االطار العمل على تحقيق جملة من األهداف في مجاالت تحسين إدماج طالبي الّشغل وتطوير العالقات المهنّية وتحسين ظروف العمل والوقاية من األخطار المهنّية والّنهوض بالفئات الّضعيفة وذات االحتياجات الخصوصّية. ومن بين البرامج الّرائدة

اّلتي تندرج ضمن أولويات حكومات ما بعد الثورة والمنبثقة عن االنتخابات الحّرة، ما يلي:

الـبرنامج الوطني إلعانة العائالت المعوزة: يمّكن هذا البرنامج من تخصيص مساعدات قاّرة وبطاقات عالج مجاني لحوالي 235 ألفمن العائالت األشّد فقرا. وقد تّم الّترفيع في ظرف سنتين في عدد هذه العائالت بـ 50 ألف عائـلة والّترفيع في قيمة المـنحة المالّية من 70 إلى 100 دينار ) ولمزيد اضـفاء الشـفافّية على قائمة الـعائالت المـنتفعة بالمنحة االجتماعّية والعالج الـمجاني 235 ألف( )والعائالت المنتفعة بالعالج بالّتعريفة المنخفضة 560ألف( تّمت مراجعة قاعدة المعطيات وتـدقيقها ميدانّيا وباعتماد معايير شّفافة

وموضوعّية في اسناد المنح بعيدا عن الّتوظيف والّزبونّية الّسياسّية.

الترفيع في منحة الشيخوخة من 70 الى 100 دينار شهريا ومضاعفة عدد المنتفعين من 4500 الى10000.

االنـطالق في تـنفيذ الـبرنامج الـخصوصي للـسكن االجـتماعي : ويـقترن فـيه البعد االقتصادي بالبـعد االجتماعي ويتمّثل في توفير 30 ألف مـسكن اجتـماعي على مـدى 3 سـنوات مـوّزعة على كافة مـناطق البالد، يتّم تخصيصها للفئات اإلجـتماعّية محدودة الّدخل

بتمكينها من مساكن الئقة وإزالة المساكن البدائّية المنتشرة في بعض األرياف وحول المدن (حوالي 10 000 مسكن).

تهذيب وتأهيل األحياء الّسكنّية: ويشمل حوالي120 حّيا شعبّيا بمختلف الواليات يقطنها حوالي 700 ألف ساكن، وبكلفة تناهز435مـليون دينار) حـوالي 275 مـليون دوالر(، وتشمل أعمال تـعبيد الـطرقات ومّد قنوات الّتطهير واالنارة العمومّية وتحسين المساكن

وإقامة المرافق والفضاءات العاّمة.

مراجعة وتطوير برامج التشغيل والياته.

اعتماد برنامج دعم احداث المؤّسسات الّصغرى بالجهات الّداخلّية في اطار المشاريع المدعومة من الجمعيات الّتنموّية وبكلفة جملّيةبـ 180 مليون دينار (حوالي 112 مليون دوالر).

بـرنامج الـتشجيع على العـمل الذي يشمل برامج الّتكوين والـتربصات (Tunisian Works) وبرنامج صّك تحسين الـتشغيلية الذي يـهدف الى اكساب طـالبي الـّشغل مـؤّهالت ومـهارات تـطبيقّية قصد تـيسير ادماـجهم في الحـياة الـمهنّية واالسـتجابات للحاجيات

المشخصة للمؤّسسات االقتصادّية، ويشمل البرنامجان حوالي 8400 منخرط.

تنظير األجر األدنى الفالحي مع األجر األدنى الّصناعي والّترفيع فيهما وإقرار مبدأ الّزيادة الّدورّية الّسنوّية عبر آلّية موضوعّية مرتبطة بمعّدل الّنمّو وبتطّور المعّدل العام لألسعار لحماية القدرة الشرائّية لهذه الفئة من العّمال.

اقرار مبدأ الّتمييز اإليجابي ألصحاب االحتياجات الخاّصة لضمان العيش الكريم لهذه الفئة االجتماعية الخاصة والحصول على فرصعمل مناسبة وسكن، وتوفير الّرعاية الّصّحية والحماية اإلجتماعّية.

06

Page 9: تجربة الإسلاميين في ادارة الشؤون الاقتصادية والإجتماعية بين الرؤية والممارسة حركة النهضة التونسية

توسيع دائرة المشمولين بأنظمة الّضمان االجتماعي لتستوعب أوسع عدد مـمكن من األنـشطة االقـتصادية والحرفّية ضمانا للحياةالكريمة وتحقيقًا لألمان االجتماعي لمختلف الفئات االجتماعية.

اعتماد اجراءات جـبائّية لصالح الـفئات الّضـعيفة بإعفاء أصحاب الـدخل الـسنوي ما دون 5000 ديـنار من الـضريبة الـمستوجبة على األشخاص، وهو ما مّكن هذه الفئة من اقتصاد ما يساوي أجرة شهر في السنة.

المفاوضات االجتماعية: تمّكنت المفاوضات العامة مع المنظمة النقابية من إقرار زيادات هامة في األجور والمنح ساهمت في تحسينالقدرة الشرائية للعمال والموظفين وفي تحقيق أقدار من التهدئة االجتماعية التي يتطّلبها إنجاح المرحلة االنتقالية .

التخفيض في نسبة البطالة من %18,9 سنة 2011 الى %16,7 سنة 2012 للوصول الى %15,3 مع نهاية سنة2013 .

وتشير أرقام المعهد الوطني لإلحصاء الى نزول هذه النسبة الى %15 مع نهاية الثالثية االولى لسنة 2014 في ظل الحكومة الحالية.

تطّور نسة البطالةولـئن كـانت هـذه األرقام مرضية بالـمقارنة بالوضع الذي تعيشه الـبالد إّالأّن نوعية مواطن الشغل المحدثة ال تزال غير قادرة على االستجابة لمطالببعض الفئات وخاّصة أصحاب الشهائد الـعليا الذين بلغ عـدد الـعاطلين عنالـعمل مـنهم حـوالي 248.4 ألـفا في الـثالثية الـثالثة لسنة 2013. وتـقدر بذلك نسبة بطالتهم بـ 33.5 % مقابل 31.6 % في الثالثي الثاني من نفسالسنة كما ال تزال نسبة البطالة لدى اإلناث مرتفعة نسبيا إذ بلغت 22.5 %

خالل الثالثي الثالث مقابل 13.1 % للذكور.

تطور نسق جلب االستثمارات الخارجية: تمّكنت البالد من استقطاب المزيد من االستثمارات الخارجية وخاّصة المباشرة والتي تطورنسقها سنتي 2012 و2013.

مّكنت االستثمارات الخارجية المباشرة من إحداث 10263 موطن شغل جديد خالل سنة 2012 منها 8944 موطن شغل بالصناعات المعملية، وتطورت هذه االسـتثـماراتبـحوالي %15 سنة 2013 لتبلغ 1800مــليـون ديـنار وتـسـاهـم في احـداث

حوالي 8000 موطن شغل.

07

Page 10: تجربة الإسلاميين في ادارة الشؤون الاقتصادية والإجتماعية بين الرؤية والممارسة حركة النهضة التونسية

تنفيذ مشاريع التنمية بمختلف الجهات والقطاعات: بلغت الميزانية المخّصصة للتنمية في سنة 2012 4800 م.د. وما يعادل 4500 م.د سنة 2013 ، شملت أساسا تحسين البنية التحتية الطرقية وحماية المدن من الفيضانات والنهوض بالبنية التحتية الصناعية وتعصيرها وإنجاز مشاريع التنمية الفالحية من سدود ومناطق سقوية ومسالك فالحية وتزويد بالماء الصالح للشرب

وغيرها من المشاريع األخرى.كما تّم اتخاذ مجموعة من اإلجراءات واإلصالحات من شأنها تجاوز العراقيل والصعوبات التي شهدتها مشاريع التنمية بعد الثورة

نتيجة اإلشكاليات العقارية والظروف األمينة والتحّركات االجتماعية التي حالت دون انطاق أو مواصلة عددمن المشاريع.

المشـاريع االسـتثمارية الكبـرى: تـّم إحداث اللجنـة العليـا للمشـاريع الكبـرى كإطار مؤسساتي شـفاف أقّرت العديـد مـن المشـاريعالهاّمـة علـى غــرار مشــروع المدينــة االستشــفائية بالخبايات مــن واليــة قابــس ومشــروع مدينــة تونــس العالميــة للمعرفــة

بــرواد مــن واليــة أريانة ومشــروعا للتخزيــن االنتقالــي للطائــرات بمطـار تـوزر- نفطـة ومشـروع إحداث قطـب تنافسـي لصيانـةاليخـوت بطبرقـة مـن واليـة جندوبـة وال تـزال مشـاريع أخـرى تحـت الـدرس.

وتشـير التقديـرات األوليـة أّن حجـم االسـتثمار الجملي لهـذه المشـاريع يفـوق 3400 م.د، معظمهـا اسـتثمارات خارجيـة مـا مـن شـأنه أن يحـّد مـن اختـالل ميـزان الدفوعـات الخارجية ويسـّرع فـي نسـق إحداث مواطـن الشـغل وذلـك بالنظـر إلى الطاقـة

التشـغيلية الهاّمـة لهـذه المشـاريع والتـي يمكـن أن توّفـر فـي مجملهـا اكثر مـن عشـرين ألـف موطـن شـغل مباشـر خـالل فترتـي اإلنجـاز واالستغالل.

النمو االقتصادي: تمّكن االقتصاد التونسي من تجاوز نكسة تراجع النمو سنة2011 (2- %) والذي كان نتيجة تداعيات الثورة وضعفمؤسسات الدولة وغياب اإلجراءات االقتصادية والمالية المناسبة لخصوصيات الظرف االنتقالي، واستطاع تحقيق نسبة نمو إيجابية

ب %3,6 سنة 2012 و%2,6 سنة 2013 .

08

Page 11: تجربة الإسلاميين في ادارة الشؤون الاقتصادية والإجتماعية بين الرؤية والممارسة حركة النهضة التونسية

قّدمها السيد رضا السعيدي، الوزير السابق للشؤون االقتصادية في الحكومة التونسية

في ندوة: المواطنة والعدالة االجتماعيةالتي نّظمها

مركز كارنيغي للدراسات االستراتيجية بالشرق األوسطببيروت يومي 12 و 13 جوان 2014