أرض السمسمة الفتوحات المكية

22
مة س م س ل ا رض ا ة مِ سْ مِ س ل اُ رض ا ة ي ك م ل ا وحاتُ ت ف ل ا ى ب ر ع% ن ب% ن ب ى الد ي حُ ُ ُ م ر كب الأ خ ي6 ش ل ل درى ق% ان ن ف ل ا اد عد@ ا
  • Upload

    -
  • Category

    Documents

  • view

    750
  • download

    11

Transcript of أرض السمسمة الفتوحات المكية

Page 1: أرض السمسمة الفتوحات المكية

أرض السـمـسـمة

أرض�ـمـة ـمـس� الس�

الفتــــوحات المكـــــية

للشيخ األكبر م���حيى الدين بن عربى إعداد الفنان قدرى

اعلم أن الله تعالى لما خلق آدم عليه السالم الذي هو أول جسم إنساني تكون وجعله أصال# لوجود

األجسام اإلنسانية وفضلت من خميرة طينته فضلة خلق منها النخلة فهي أخت آلدم عليه السالم وهي لنا عمة وسماها الشرع عمة وشبهها بالمؤمن ولها أسرار عجيبة دون سائر النبات وفضل من الطينة

Page 2: أرض السمسمة الفتوحات المكية

بعد خلق النخلة قدر السمسمة في الخفاء فمد الله في تلك الفضلة أرضا# واسعة الفضاء إذا جعل

العرش وما حواه والكرسي والسموات واألرضون وما تحت الثرى والجنات كلها والنار في هذه األرض كان الجميع فيها كحلقة ملقاة في فالة من األرض وفيها من العجائب والغرائب ما ال يقدر قدره ويبهر العقول أمره وفي كل نفس خلق الله فيها عوالم يسبحون الليل والنهار ال يفترون وفي هذه األرض ظهرت عظمة الله وعظمت عند المشاهد لها قدرته

وكثير من المحاالت العقلية التي قام الدليل الصحيح العقلي على إحالتها هي موجودة في هذه األرض وهي مسرح عيون العارفين العلماء بالله

وفيها يجولون وخلق الله من جملة عوالمها عالما# على صورنا إذا أبصرهم العارف يشاهد نفسه فيها وقد أشار إلى مثل ذلك عبد الله بن عباس رضي

الله عنه فيما روى عنه في حديث هذه الكعبة وأنها بيت واحد من أربعة عشر بيتا# وأنa في كل أرض من السبع األرضين خلقا# مثلنا حتى أن فيهم ابن عباس مثلي وصدقت هذه الرواية عند أهل الكشف فلنرجع

إلى ذكر هذه األرض واتساعها وكثرة عالمها المخلوقين فيها ومنها ويقع للعارفين فيها تجليات إلهية أخبر بعض العارفين بأمرا# عرفه شهودا# قال

دخلت فيها يوما# مجلسا# يسمى مجلس الرحمة لم أر مجلسا# قط أعجب منه فبينا أنا فيه إذ ظهر لي تجل

إلهي لم يأخذني عني بل أبقاني معي وهذا من خاصية هذه األرض فإن التجليات الواردة على

العارفين في هذه الدار في هذه الهياكل تأخذهم عنهم وتفنيهم عن شهودهم من األنبياء واألولياء

Page 3: أرض السمسمة الفتوحات المكية

وكل من وقع له ذلك وكذلك عالم السموات العى والكرسي األزهى وعالم العرش المحيط األعلى إذا

وقع لهم تجل إلهي أخذهم عنهم وصعقوا وهذه األرض إذا حصل فيها صاحب الكشف العارف ووقع له تجل لم يفنه عن شهوده وال اختطفه عن وجوده وجمع له بين الرؤية والكالم قال واتفق لي في هذا

المجلس أمور وأسرار ال يسعني ذكرها لغموض معانيها وعدم وصول اإلدراكات قبل أن يشهد مثل

هذه المشاهد لها وفيها من البساتين والجنات والحيوان والمعادن ما ال يعلم قدر ذلك إال الله

تعالى وكل ما فيها من هذا كله حي ناطق كحياة كل حي ناطق ما هو مثل ما هي األشياء في الدنيا

وهي باقية ال تفنى وال تتبدل وال بموت عالمها وليست تقبل هذه األرض شيأ من األجسام الطبيعية الطينية البشرية سوى عالمها أو عالم األرواح منا

بالخاصية وإذا دخلها العارفون إنما يدخلونها بأرواحهم ال بأجسامهم فيتركون هياكلهم في هذه

األرض الدنيا ويتجردون وفي تلك األرض صور عجيبة النشء بديعة الخلق قائمون على أفواه

السكك المشرفة على هذا العالم الذي نحن فيه من األرض والسماء والجنة والنار فإذا أراد واحد منا

الدخول لتلك األرض من العارفين من أي نوع كان أو ملك أو أهل الجنة بشرطجن من أنس أو

المعرفة وتجرد عن هيكله وجد تلك الصور على أفواه السكك قائمين موكلين بها قد نصبهم الله سبحانه لذلك الشغل فيبادر واحد منهم إلى هذا

الداخل فيخلع عليه حلة على قدر مقامه ويأخذ بيدهأ منها حيث يشاء aويجول به في تلك األرض ويتبو

Page 4: أرض السمسمة الفتوحات المكية

ويعتبر في مصنوعات الله وال يمر بحجر وال شجر وال مدر وال شيء ويريد أن يكلمه إال كلمه كما يكلم

الرجل صاحبه ولهم لغات مختلفة وتعطى هذه األرض بالخاصية لكل من دخلها الفهم بجميع ما فيها من األلسنة فإذا قضى منها وطره وأراد الرجوع إلى موضعه مشى معه رفيقه إلى أن

يوصله إلى الموضع الذي دخل منه يوادعه ويخلع عنه تلك الحلة التي كساه وينصرف عنه وقد حصل علوما جمة ودالئل وزاد في علمه بالله ما لم يكن

عنده مشاهدة وما رأيت الفهم ينفد أسرع مما ينفد إذا حصل في هذه األرض وقد ظهر عندنا في هذه الدار وهذه النشأة ما يعضد هذا القول فمن ذلك ما

شاهدناه وال أذكره ومنها ما حدثني أوحد الدين حامد بن أبي الفخر الكرماني وفقه الله قال كنت

أخدم شيخا# وأنا شاب فمرض الشيخ وكان في محارة وقد أخذه البطن فلما وصلنا تكريت قلت له يا سيدي اتركني أطلب لك دواء ممسكا# من صاحب

مارستان سنجار من السبيل فلما رأى احتراقي قال لي رح إليه قال فرحت إلى صاحب السبيل وهو في خيمته جالس ورجاله بين يديه قائمون والشمعة بين يديه وكان ال يعرفني وال

أعرفه فرآني واقفا# بين الجماعة فقام إليa وأخذ بيدي وأكرمني وسألني ما حاجتك فذكرت له حال الشيخ فاستحضر الدواء وأعطاني إياه وخرج معي في خدمتي والخادم بالشمعة بين يديه فخفت أن يراه الشيخ فيحرج فحلفت عليه أن يرجع فرجع فجئت الشيخ وأعطيته الدواء وذكرت له كرامة

األمير صاحب السبيل بي فتبسم الشيخ وقال لي يا

Page 5: أرض السمسمة الفتوحات المكية

ولدي إني أشفقت عليك لما رأيت من احتراقك من أجلي فأذنت لك فلما مشيت خفت أن يخجلك األمير بعدم إقباله عليك فتجردت عن هيكلي هذا ودخلت

في هيكل ذلك األمير وقعدت في موضعه فلما جئت أكرمتك وفعلت معك ما رأيت ثم عدت إلى هيكلي هذا وال حاجة لي في هذا الدواء وما استعمله فهذا شخص قد ظهر في صورة غيره فكيف أهل تلك األرض قال لي بعض العارفين لما دخلت هذه

األرض رأيت فيها أرضا# كلها مسك عطر لو شمه أحد منا في هذه الدنيا لهلك لقوة رائحته تمتد ما شاء الله أن تمتد ودخلت في هذه األرض أرضا# من الذهب األحمر اللين فيها أشجار كلها ذهب وثمرها

ذهب فيأخذ التفاحة أو غيرها من الثمر فيأكلها فيجد من لذة طعمها وحسن رائحتها ونعمتها ما ال

يصفها واصف تقصر فاكهة الجنة عنها فكيف فاكهة الدنيا والجسم والشكل والصورة ذهب

والصورة والشكل كصورة الثمرة وشكلها عندنا وتختلف في الطعم وفي الثمرة من النقش البديع

والزينة الحسنة ما ال نتوهمه نفس فأحرى أن تشهده عين ورأيت من كبر ثمرها بحيث لو جعلت

الثمرة بين السماء واألرض لحجبت أهل األرض عن رؤية السماء ولو جعلت على األرض لفضلت عليها أضعافا# وإذا قبض عليها الذي يريد أكلها بهذه اليد المعهودة في القدر عمها بقبضته لنعمتها ألطف

من الهواء يطبق عليها يده مع هذا العظم وهذا مما تحيله العقول هنا في نظرها ولما شاهدها ذو النون

المصري نطق بما حكى عنه من إيراد الكبير على الصغير من غير أن يصغر الكبير أو يكبر الصغير أو

Page 6: أرض السمسمة الفتوحات المكية

يوسع الضيق أو يضيق الواسع فالعظم في التفاحة على ما ذكرته باق والقبض عليها باليد الصغيرة

واإلحاطة بها موجود والكيفية مشهودة مجهولة ال يعرفها إال الله وهذا العلم مما انفرد الحق به

واليوم الواحد الزماني عندنا هو عدة سنين عندهم وأزمنة تلك األرض مختلفة قال ودخلت فيها أرضا# من فضة بيضاء في الصورة ذات شجر وأنهار وثمر شهي كل ذلك فضة وأجسام أهلها منها كلها فضة وكذلك كل أرض شجرها وثمرها وأنهارها وبحارها وخلقها من جنسها فإذا تنوولت وأكلت وجد فيها من الطعم والروائح والنعمة مثل سائر المأكوالت

غير أن اللذة ال توصف وال تحكى ودخلت فيها أرضا# من الكافور األبيض وهي في أماكن منها أشد

حرارة من النار يخوضها اإلنسان وال تحرقه وأماكن منها معتدلة وأماكن باردة وكل أرض من هذه

األرضين التي هي أماكن في هذه األرض الكبيرة لو جعلت السماء فيها لكانت كحلقة في فالة بالنسبة إليها وما في جميع أراضيها أحسن عندي وال أوفق لمزاجي من أرض الزعفران وما رأيت عالما# من

عالم كل أرض أبسط نفوسا# منهم وال أكثر بشاشة بالوارد عليهم يتلقونه بالترحيب والتأهيل ومن عجائب مطعوماتها أنه أي شيء أكلت منها إذا

قطعت من الثمرة قطعة نبتت في زمان قطعك إياها مكانها ما سد تلك الثلمة أو تقطف بيدك ثمرة من ثمرها فزمان قطفك إياها يتكون مثلها بحيث ال يشعر بها إال الفطن فال يظهر فيها نقص أصال# وإذا

نظرت إلى نسائها ترى أن النساء الكائنين في الجنة من الحور بالنسبة إليهن كنسائنا من البشر

Page 7: أرض السمسمة الفتوحات المكية

بالنسبة إلى الحور في الجنان وأما مجامعتهن فال يشبه لذتها لذة وأهلها أعشق الخلق فيمن يرد

عليهم وليس عندهم تكليف بل هم مجبولون على تعظيم الحق وجالله تعالى لو راموا خالف ذلك ما استطاعوا وأما أبنيتهم فمنها ما يحدث عن همهم ومنها ما يحدث كما تبنى عندنا من اتخاذ اآلالت

وحسن الصنعة ثم أن بحارها ال يمتزج بعضها ببعض كما قال تعالى " مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ ال يبغيان فتعاين منتهى بحر الذهب تصطفق أمواجه ويباشره بالمجاورة بحر الحديد فال يدخل من واحد

في اآلخر شيء وماؤهم ألطف من الهواء في الحركة والسيالن وهو من الصفاء بحيث أن ال يخفى

عنك من دوابه وال من األرض التي يجري البحر عليها شيء فإذا أردت أن تشرب منه وجدت له من

اللذة ما ال تجده لمشروب أصال# وخلقها ينبتون فيها كسائر

النباتات من غير تناسل بل يتكونون من أرضها تكون الحشرات عنندنا وال ينعقد من مائهم في نكاحهم ولد وإن نكاحهم إنما هو لمجرد الشهوة والنعيم وأما مراكبهم فتعظم وتصغر بحسب ما يريده الراكب وإذا سافروا من بلد إلى بلد فإنهم

يسافرون برا# وبحرا# وسرعة مشيهم في البر والبحر أسرع من إدراك البصر للمبصر وخلقها متفاوتون في األحوال ففيهم من تغلب عليهم الشهوات

وفيهم من يغلب عليهم تعظيم جناب الحق ورأيت فيها ألوانا# ال أعرفها في ألوان الدنيا ورأيت فيها

معادن تشبه الذهب وما هي بذهب وال نحاس وأحجارا# من الآلليء ينفذها البصر لصفائها شفافة

Page 8: أرض السمسمة الفتوحات المكية

من اليواقيت الحمر ومن أعجب ما فيها إدراك األلوان في األجسام السفلية التي هي كالهواء

ويتعلق اإلدراك بألوانها كما يتعلق باأللوان التي في األجسام الكثيفة وعلى أبواب مدائنها عقود من

األحجار الياقوتية كل حجر منها يزيد على الخمسمائة ذراع وعلو الباب في الهواء عظيم

وعليه معلق من األسلحة والعدد ما لو اجتمع ملك األرض كلها ما وفى بها وعندهم ظلمة ونور من غير شمس تتعاقب وبتعاقبهما يعرفون الزمان

وظلمتهم ال تحجب البصر عن مدركه كما ال يحجبه النور ويغزو بعضهم بعضا# من غير شحناء وال عداوة

وال فساد بنية وإذا سافروا في البحر وغرقوا ال يعدو عليهم الماء كما يعدو علينا بل يمشون فيه كمشي دوابه حتى يلحقوا بالساحل وتحل بتلك

األرض زالزل لو حلت بنا النقلبت األرض وهلك ما كان عليها وقال لقد كنت يوما# مع جماعة منهم في حديث وجاءت زلزلة شديدة بحيث أني رأيت األبنية تتحرك كلها تحركا# ال يقدر البصر يتمكن من رؤيتها لسرعة الحركة مرورا# وكرورا# وما عندنا خبر وكأنا

على األرض قطعة منها إلى أن فرغت الزلزلة فلما فرغت وسكنت األرض أخذت الجماعة بيدي وعزتني

في ابنة لي اسمها فاطمة فقلت للجماعة إني تركتها في عافية عند والدتها قالوا صدقت ولكن هذه األرض ما تزلزل بنا وعندنا أحد إال مات ذلكك الشخص أو مات له أحد وإن هذه الزلزلة لموت

ابنتك فانظر في أمرها فقعدت معهم ما شاء الله وصاحبي ينتظرني فلما أردت فراقهم مشوا معي

إلى فم السكة وأخذوا خلعتهم وجئت إلى بيتي

Page 9: أرض السمسمة الفتوحات المكية

فلقيت صاحبي فقال لي إن فاطمة تنازع فدخلت عليها فقضت وكنت بمكة مجاورا# فجهزناها ودفناها بالمعلى فهذا من أعجب ما أخبرت عن تلك األرض

ورأيت بها كعبة يطوف بها أهلها غير مكسوة وتكون أكبر من البيت الذي بمكة ذات أركان أربعة تكلمهم إذا طافوا بها وتحييهم وتفيدهم علو ما لم تكن عندهم ورأيت في هذه األرض بحرا# من تراب

يجري مثل ما يجري الماء ورأيت حجارة صغارا# وكبارا# يجري بعضها إلى بعض كما يجري الحديد إلى

المغناطيس ليس في قوته أن يمتنع فإذا ترك وطبعه جرت بعضها إلى بعض على مقدار من

المساحة مخصوص فتضم هذه الحجارة بعضها إلى بعض فينشأ منها صورة سفينة ورأيت منها مركبا#

صغيرا# وشينبين فإذا التأمت السفينة من تلك الحجارة رموا بها في بحر التراب وركبوا فيها وسافروا حيث يشتهون من البالد غير أن قاع

السفينة من رمل أو تراب يلصق بعضه ببعض لصوق الخاصية فما رأيت فيما رأيت أعجب من جريان هذه السفن في ذلك البحر وصورة اإلنشاء في المراكب

سواء غير أن لهم في جناحي السفينة ممايلي مؤخرها اسطوانتين عظيمتين تعلو المركب أكثر من القامة وأرض المركب من جهة مؤخره ما بين

األسطوانتين مفتوح متساو مع البحر وال يدخل فيه من رمل ذلك البحر شيء أصال# بالخاصية وهذا

شكله:ده لمشروب أصال# وخلقها ينبتون فيها كسائر النباتات من غير تناسل بل يتكونون من أرضها تكون الحشرات عنندنا وال ينعقد من مائهم في نكاحهم ولد وإن نكاحهم إنما هو لمجرد الشهوة

Page 10: أرض السمسمة الفتوحات المكية

والنعيم وأما مراكبهم فتعظم وتصغر بحسب ما يريده الراكب وإذا سافروا من بلد إلى بلد فإنهم

يسافرون برا# وبحرا# وسرعة مشيهم في البر والبحر أسرع من إدراك البصر للمبصر وخلقها متفاوتون في األحوال ففيهم من تغلب عليهم الشهوات

وفيهم من يغلب عليهم تعظيم جناب الحق ورأيت فيها ألوانا# ال أعرفها في ألوان الدنيا ورأيت فيها

معادن تشبه الذهب وما هي بذهب وال نحاس وأحجارا# من الآلليء ينفذها البصر لصفائها شفافة

من اليواقيت الحمر ومن أعجب ما فيها إدراك األلوان في األجسام السفلية التي هي كالهواء

ويتعلق اإلدراك بألوانها كما يتعلق باأللوان التي في األجسام الكثيفة وعلى أبواب مدائنها عقود من

األحجار الياقوتية كل حجر منها يزيد على الخمسمائة ذراع وعلو الباب في الهواء عظيم

وعليه معلق من األسلحة والعدد ما لو اجتمع ملك األرض كلها ما وفى بها وعندهم ظلمة ونور من غير شمس تتعاقب وبتعاقبهما يعرفون الزمان

وظلمتهم ال تحجب البصر عن مدركه كما ال يحجبه النور ويغزو بعضهم بعضا# من غير شحناء وال عداوة

وال فساد بنية وإذا سافروا في البحر وغرقوا ال يعدو عليهم الماء كما يعدو علينا بل يمشون فيه كمشي دوابه حتى يلحقوا بالساحل وتحل بتلك

األرض زالزل لو حلت بنا النقلبت األرض وهلك ما كان عليها وقال لقد كنت يوما# مع جماعة منهم في حديث وجاءت زلزلة شديدة بحيث أني رأيت األبنية تتحرك كلها تحركا# ال يقدر البصر يتمكن من رؤيتها لسرعة الحركة مرورا# وكرورا# وما عندنا خبر وكأنا

Page 11: أرض السمسمة الفتوحات المكية

على األرض قطعة منها إلى أن فرغت الزلزلة فلما فرغت وسكنت األرض أخذت الجماعة بيدي وعزتني

في ابنة لي اسمها فاطمة فقلت للجماعة إني تركتها في عافية عند والدتها قالوا صدقت ولكن هذه األرض ما تزلزل بنا وعندنا أحد إال مات ذلكك الشخص أو مات له أحد وإن هذه الزلزلة لموت

ابنتك فانظر في أمرها فقعدت معهم ما شاء الله وصاحبي ينتظرني فلما أردت فراقهم مشوا معي

إلى فم السكة وأخذوا خلعتهم وجئت إلى بيتي فلقيت صاحبي فقال لي إن فاطمة تنازع فدخلت

عليها فقضت وكنت بمكة مجاورا# فجهزناها ودفناها بالمعلى فهذا من أعجب ما أخبرت عن تلك األرض

ورأيت بها كعبة يطوف بها أهلها غير مكسوة وتكون أكبر من البيت الذي بمكة ذات أركان أربعة تكلمهم إذا طافوا بها وتحييهم وتفيدهم علو ما لم تكن عندهم ورأيت في هذه األرض بحرا# من تراب

يجري مثل ما يجري الماء ورأيت حجارة صغارا# وكبارا# يجري بعضها إلى بعض كما يجري الحديد إلى

المغناطيس ليس في قوته أن يمتنع فإذا ترك وطبعه جرت بعضها إلى بعض على مقدار من

المساحة مخصوص فتضم هذه الحجارة بعضها إلى بعض فينشأ منها صورة سفينة ورأيت منها مركبا#

صغيرا# وشينبين فإذا التأمت السفينة من تلك الحجارة رموا بها في بحر التراب وركبوا فيها وسافروا حيث يشتهون من البالد غير أن قاع

السفينة من رمل أو تراب يلصق بعضه ببعض لصوق الخاصية فما رأيت فيما رأيت أعجب من جريان هذه السفن في ذلك البحر وصورة اإلنشاء في المراكب

Page 12: أرض السمسمة الفتوحات المكية

سواء غير أن لهم في جناحي السفينة ممايلي مؤخرها اسطوانتين عظيمتين تعلو المركب أكثر من القامة وأرض المركب من جهة مؤخره ما بين

األسطوانتين مفتوح متساو مع البحر وال يدخل فيه من رمل ذلك البحر شيء أصال# بالخاصية وهذا

شكله: وفي هذه األرض مدائن تسمى مدائن النور ال

يدخلها من العارفين إال كل مصطفى مختار وهي ثالث عشرة مدينة وهي على سطح واحد وبنيانها

عجيب وذلك أنهم عمدوا إلى موضع في هذه األرض فبنوا فيه مدينة صغيرة لها أسوار عظيمة يسير

الراكب فيها إذا أراد أن يدور بها مسيرة ثالثة أعوام فلما أقاموها جعلوها خزانة لمنافعهم ومصالحهم وعددهم وأقاموا على بعد من جوانبها أبراجا# تعلو

على أبراج المدينة بما دار بها ومدوا البناء بالحجارة حتى صار للمدينة كالسقف للبيت وجعلوا ذلك

السقف أرضا# بنوا عليه مدينة أعظم من التي بنوا أوال وعمروها واتخذوها مسكنا# فضاقت عنهم فبنوا عليها مدينة أخرى أكبر منها ومازال يكثر عمارها

وهم يصعدون بالبنيان طبقة فوق طبقة حتى بلغت ثالث عشرة مدينة ثم أني غبت عنهم مدة ثم دخلت إليهم مرة أخرى فوجدتهم قد زادوا مدينتين واحدة فوق أخرى ولهم ملوك فيهم لطف وحنان صحبت منهم جماعة منهم التالي وهو التابع بمنزلة القيل في حمير ولم أر ملكا# أكثر منه ذكر الله قد شغله

ذكر الله عن تدبير ملكه انتفعت به وكان كثير المجالسة لي ومنهم ذو العرف وهو ملك عظيم لم أر في ملوك األرض أكثر من تأتي إليه الرسل من

Page 13: أرض السمسمة الفتوحات المكية

الملوك منه وهو كثير الحركة هين لين يصل إليه كل أحد يتلطف في النزول لكنه إذا غضب لم يقم

لغضبه شيء أعطاه الله من القوة ما شاء ورأيت لبحرها ملكا# منيع الحمى يدعى السابح هو قليل المجالسة مع من يقصد إليه وما له ذلك االلتفات إلى أحد غير أنه مع ما يخطر له ال مع ما يراد منه

ويجاوره سلطان عظيم اسمه السابق إذا دخل عليه الوافد قام إليه من مجلسه وبش في وجهه وأظهر السرور بقدومه وقام له بجميع ما يحتاج إليه من قبل أن يسأله عن شيء فقلت له في ذلك فقال

لي أكره أن أرى في وجه السائل ذلة السؤال لمخلوق غيرة أن يذل أحد لغير الله وما كل أحد يقف مع الله على قدم التوحيد وإن أكثر الوجوه مصروفة إلى األسباب الموضوعة مع الحجاب عن الله فهذا يجعلني أن أبادر إلى ما ترى من كرامة

الوافد قال ودخلت على ملك آخر يدعى القائم بأمر الله ال يلتفت إلى الوافد عليه الستيالء عظمة الحق على قلبه فال يشعر بالوافد وما يفد عليه من يفد من العارفين إال لينظروا إلى حاله التي هو عليها

تراه واقفا# قد عقد يديه إلى صدره عقد العبد الذليل الجاني مطرقا# إلى موضع قدميه ال تتحرك منه شعرة وال يضطرب منه مفصل كما قيل في

قوم هذه حالتهم مع سلطانهم: ال خوف ظلم...كأنما الطير منهم فوق أرؤسهم ولكن خوف إجالل

يتعلم العارفون منه حال المراقبة قال ورأيت ملكا# يدعى بالرادع مهيب المنظر لطيف المخبر شديد الغيرة دائم الفكرة فيما كلف النظر فيه إذا رأى

Page 14: أرض السمسمة الفتوحات المكية

أحدا# يخرج عن طريق الحق رده إلى الحق قال صحبته وانتفعت به وجالست من ملوكهم كثيرا#

ورأيت منهم من العجائب مما يرجع إلى ما عندهم من تعظيم الله ما لو سطرناه ألعيا الكاتب والسامع

فاقتصرنا على هذا القدر من عجائب هذه األرض ومدائنها ال تحصى كثرة ومدائنها أكثر من ضياعها وجميع من يملكها من الملوك ثمانية عشر سلطانا# منهم من ذكرنا ومنهم من سكتنا عنه ولكل سلطان سيرة وأحكام ليست لغيره قال وحضرت يوما# في ديوانهم ألرى ترتيبهم فمما رأيت أن الملك منهم هو الذي يقوم برزق رعيته بلغوا ما بلغوا فرأيتهم

إذا استوى الطعام وقف خلق ال يحصى عددهم كثرة يسمونهم الجباة وهم رسل أهل كل بيت فيعطيه األمين من المطبخ على قدر عائلته ويأخذه الجابي وينصرف وأما الذي يقسمه عليهم شخص واحد ال

غير له من األيدي على قدر الجباة فيغرف في الزمن الواحد لكل شخص طعامه في وعائه

وينصرف وما فضل من ذلك يرفع إلى خزانة فإذا فرغ منهم ذلك القاسم دخل ملك شخص حسن

الهيئة هو على الخزانة يدعونه الخازن بيده جميع ما يملكه ذلك الملك ومن شرعهم أنه إذا واله ليس له

عزله ورأيت فيهم شخصا# أعجبتني حركاته وهو جالس إلى جانب الملك وكنت على يمين الملك

فسألته ما منزلة هذا عندكم فتبسم وقال أعجبك قلت له نعم قال هذا المعمار البذي يبني لنا

المساكن والمدن وجميع ما تراه من آثار عمله ورأيت في سوق صيارفهم أنه ال ينتقد لهم سكتهم إال واحد في المدينة كلها وفيما تحت يد ذلك الملك

Page 15: أرض السمسمة الفتوحات المكية

من المدن قال وهكذا رأيت سيرتهم في كل أمر ال يقوم به إال واحد لكن له وزعة وأهل هذه األرض

أعرف الناس بالله وكل ما أحاله العقل بدليله عندنا وجدناه في هذه األرض ممكنا# قد وقع وإن الله على كل شيء قدير فعلمنا أن العقول قاصرة وأن الله قادر على جمع الضدين ووجود الجسم في مكانين

وقيام العرض بنفسه وانتقاله وقيام المعنى بالمعنى وكل حديث وآية وردت عندنا مما صرفها العقل عن ظاهرها وجدناها على ظاهرها في هذه األرض وكل جسد يتشكل فيه الروحاني من ملك

وجن وكل صورة يرى اإلنسان فيها نفسه في النوم فمن أجساد هذه األرض لها من هذه األرض موضع

مخصوص ولهم رقائق ممتدة إلى جميع العالم وعلى كل رقيقة أمين فإذا عاين ذلك األمين روحا# من األرواح قد استعد لصورة من هذه الصور التي بيده كساه إياها كصورة دحية لجبريل وسبب ذلك أن هذه األرض مدها الحق تعالى في البرزخ وعين منها موضعا# لهذه األجساد التي في الجنة يسمى السوق ونحن نبين لك مثال صورة امتداد الطرف الذي يلي العالم من هذه األرض وذلك أن اإلنسان إذا نظر إلى السراج أو الشمس والقمر ثم حال

بأهداب أجفانه بين الناظر والجسم المستنير يبصر من ذلك الجسم المستنير إلى عينيه شبه الخطوط من النور تتصل من السراج إلى عينيه متعددة فإذا رفع تلك األهداب من مقابلة الناظر قليال# قليال# يرى تلك الخطوط الممتدة تنقبض إلى الجسم المستنير فالجسم المستنير مثال للموضع المعين من هذه

األرض لتلك الصور والناظر مثال العالم وامتداد تلك

Page 16: أرض السمسمة الفتوحات المكية

الخطوط كصور األجساد التي تنتقل إليها في النوم وبعد الموت وفي سوق الجنة والتي تلبسها األرواح

وقصدك إلى رؤية تلك الخطوط بذلك الفعل من إرسال األهداب الحائلة بين الناظر والجسم النير مثال االستعداد وانبعاث تلك الخطوط عند هذه الحال انبعاث الصور عن االستعداد وانقباض

الخطوط إلى الجسم النير عند رفع الحائل رجوع الصور إلى تلك األرض عند زوال االستعداد وليس بعد هذا البيان بيان وقد بسطنا القول في عجائب هذه األرض وما يتعلق بها من المعارف في كتاب

كبير لنا فيها خاصة انتهى الجزء الحادي عشر.

إعداد الفنان قدرى

منتدى المودة العالمى