دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

129
توطئة" / " ءة معاصرة قراب والقرآنلكتا اي صدرت حولى الكتب و الردود التليق عل تع: السرةول الفصل ال: المةلثانيفصل ا ال: القوميةالث الثفصل ال: الشعب الرابعفصل ال: الثورةلخامسفصل ا ال: الشورىمقراطية و الحرية والديادس السفصل ال: الدولةلسابعفصل ا ال: د ونتائجه الستبدالثامنفصل ا اللعقائدياد ا الستبداد الفكري الستبداد المعرفي الستبدلجتماعياد ا الستبداسياد السي الستبدلقتصادياد ا الستبدوم القرآناد على علئج الستبد نتاالمنسوخلناسخ و االعقوبةاص و القصلمعاصر اجتمعنااد على مئج الستبد نتا: لجهاد التاسعفصل ا اللخاتمة ا توطئة

Transcript of دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

Page 1: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

توطئة" / قراءة معاصرة" الكتاب والقرآن تعليق على الكتب و الردود التي صدرت حول

السرة: الفصل الولالمة: الفصل الثانيالقومية: الفصل الثالثالشعب: الفصل الرابع

الثورة: الفصل الخامسالحرية والديمقراطية والشورى: الفصل السادس

الدولة: الفصل السابعالستبداد ونتائجه: الفصل الثامن

الستبداد العقائدي الستبداد الفكري الستبداد المعرفي الستبداد الجتماعي الستبداد السياسي الستبداد القتصادي نتائج الستبداد على علوم القرآن الناسخ والمنسوخ • القصاص والعقوبة • نتائج الستبداد على مجتمعنا المعاصر

الجهاد: الفصل التاسعالخاتمة

توطئة

Page 2: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

، منذ أكثر من مئة عام، تأليف1892وقع بيدي كتيب صغير عنوانه: "علمات قيام الساعة الصغرى والكبرى"، طبع لول مرة عام . في آخر فهرس بعناوين كتب أصدرها المؤلف، كان أحدها "القصيدة الرائية1987يوسف اسماعيل النبهاني، وأعيد طبعه عام

الصغرى في ذم البدعة وأهلها ومدح السنة الغرMا، وخصت بالذم من مبتدعة العصر جمال الدين الفغاني وممد عبده المصري ورشيد.1905رضا صاحب جريدة المنار". وكان هؤلء وقتها ما زالوا على قيد الحياة، حيث توفي الشيخ محمد عبده، مثلQ، عام

والن، وبعد مرور قرن من الزمان، أصبح هؤلء من أعلم النهضة السلمية، ويصنفون مع المصلحين الكبار، وذهبت التهم الموجهة إليهم، مع من وجهوها، أدراج الرياح، فحضرني قوله تعالى: (… فأما الزبد فيذهب جeفاءQ وأما ما ينفع الناي فيمكث في

.16الرض، كذلك يضرب ال المثال) الرعد لقد توجه النتباه في نهاية القرن التاسع عشر إلى أن السلم بحاجة إلى تجديد، وتم ذلك على أيدي مصلحين كبار، أمثال جمال الدين

الفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، في نهاية حياة المبراطورية العثمانية، وفي ذروة الصراع بين العرب والمسلمين من جهة، والغرب من جهة أخرى. ومن أهم ما تم طرحه في ذلك الوقت السلم وقضايا المجتمع. وكان من نتائجه قيام حركات سياسية إسلمية على أساس الخلفة وإصلح الدولة، وحركات قومية على أساس الستقلل عن الدولة العثمانية. وكانت هذه الحركات السلمية منها

خاصة، أسيرة لمنطلقات ظنت أنها من أساسيات السلم كدولة ومجتمع، وكان أهم هذه المنطلقات: أ - النطلق من أن ما فعله الصحابة بعد وفاة النبي (ص) هو من أساسيات السلم، علماQ أنه اجتهاد انساني بحت، وبالتالي عدم التفكير بوضع أسس الدولة والمجتمع على أساس التنزيل الحكيم والجتهاد النساني المعاصر، مستعملين أدوات المعرفة والبحث

المعاصرة. ب - عدم التفكير بمراجعة أصول الفقه والتشريع السلمي، ووضع أصول جديدة تختلف عن الطر المعرفية التي تم وضع هذه

الصول من خللها، في القرنين الثاني والثالث من الهجرة. . وفي قوله تعالى22وهذا المرض، ورد في قوله تعالى: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة| وإنا على آثارهم مهتدون) - الزخرف

. ونحن170(وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل ال قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم ل يعقلون شيئاQ ول يهتدون) - البقرة حين ننظر إلى هذه اليات نظن أنها تعني مشركي العرب، وأنها ل تعنينا مطلقاQ، علماQ أنه سبحانه ذكر فيها داءQ يصيب كل المم قاطبة، مؤمنة وغير مؤمنة، أطلق عليه اسم داء اللفة البائية (ما ألفينا عليه آباءنا). ول أعتقد بوجود شعب في الرض، مصاب بهذا الداء

المزمن، كإصابتنا نحن به، ظانين أننا نحسن بذلك صنعا. جـ - ربط السلم، من خلل السياق التاريخي للدولة السلمية، بأشخاص، ولم يتم تحويله إلى مؤسسات. فالجيد مربوط بشخص

الحاكم، والسلم في أذهاننا أسير شخص الحاكم، فإذا كان الحاكم جيداQ فالمور بخير، وإذا كان شيئاQ فالمور عكس ذلك، كما لو أن المجتمع السلمي مجتمع هامشي ليست له أية فعالية. والمثالن التاليان يوضحان معنى ربط السلم بشخص، ومعنى عدم تحويله إلى

مؤسسة: أ - موقف عمر بن الخطاب (رض) عندما أعطى اليهودي تعويض شيخوخة من بيت مال المسلمين. وهو موقف نفخر به حين نذكره

ونسجله لعمر كرأس الدولة. لكننا نرى اليوم، في نهاية القرن العشرين، دولQ غير إسلمية تعطي إعانات لكل مولود على أرضها، ولو كان من أبوين ل يحملن جنسية هذا البلد، ويحصل المر دون علم رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، ذلك لن عملية العانة هذه

وباقي بنود الضمان الجتماعي، تم تحويلها إلى مؤسسة، بحيث ل يدري بها إل الموظف المسؤول عنها. وبقي عمر بن الخطاب عندناشخصية تاريخية، أما (عمرهم) فتحول إلى مؤسسة، لتهم معها موافقة رئيس الدولة أو عدم موافقته.

ب - مسلسلت (القضاء في السلم) التي نشاهدها على شاشات التلفزيون، تدور حول فكرة واحدة، هي موقف القاضي ضد الوالي أو ضد الخليفة للمحافظة على نزاهة القضاء. أما الن، وبعد أم تم فصل السلطات عن بعضها في القرن العشرين، فإن من المضحك أن

يفكر الفرنسيون مثلQ، بأن قاضياQ في باريس يقف ضد رئيس الجمهورية أو ضد رئيس الوزراء، لنه يتدخل في القضاء. أي أن القضاء عندهم تم تحويله إلى مؤسسة، وأصبح استقلله من نافلة القول، وليس موضع بحث، أي أصبح من عاداتهم وتقاليدهم في شؤون

الحكم. كل هذا أدى إلى أمور هامة هي: - لم يقدم لنا السلم التاريخي (اسلم الواقع) مؤسسات سياسية تضمن حرية الرأي والرأي الخر (حرية المعارضة) وحرية التعبير1

عن الرأي، بحيث تستطيع أن تلفظ أي إنسان يحاول اختراقها والعتداء عليها. فقاد هذا إلى غياب فرع هام من فروع التشريع هو الفقه الدستوري، الذي ينظم بنية الدولة وشرعيتها. لهذا أقول: ل تبحثوا في التراث العربي السلمي عن فقه دستوري، لنه غير

موجود. وهذا أدى إلى النقطة التالية: - لم يقدم لنا السلم التاريخي (إسلم الواقع) مؤسسات تشريعية، بل تم ربط الفقه بأشخاص وليس بمؤسسات. لهذا نجد مفهوم2

النتخابات التشريعية، مثلQ، غريباQ عن السلم التشريعي. - لم يقم لنا السلم التاريخي (إسلم الواقع) مؤسسات قضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية. بل قدم لنا عوضاQ عن ذلك مواقف نبيلة3

لشخاص قضاة ومعاناتهم. فكانت النتيجة المنطقية لغياب هذه النقاط الثلث، وجود مؤسسة بديلة لها، هي مؤسسة الستبداد السياسي، التي نعيشها منذ قرون، ولم يصلنا غيرها. ول أريد هنا تفصيل كيف دفنت الشورى في صدر السلم، وكيف تم استبدالها بمؤسسة استبداد، فقد بحث ذلك من

قبل العديد من المفكرين، وتطرقت إليه في كتابي هذا، لكنني أود أن أبين ماذا فعلت مؤسسة الستبداد السياسي بنا، وكيف وصلتنا، وكيف صاغتنا وشكلتنا حتى صرنا إلى ما نحن عليه الن، وكيف أن ما كتب في الفقه والتفسير والحديث وعلوم العربية حصل تحت

ظلها، ووصل إلينا مطبوعاQ بطابعها. وأن هذه المؤسسة تحمل المواصفات التالية:1.Qأو نفيا Qوبأحسن صورها سجنا ،Qعدم وجود الرأي الخر. فالتصفية للمعارضة تتم بأبشع صورها جسديا - - الخليفة هو الحاكم المطلق، ل يخضع للمحاسبة أو المساءلة، والحكم وراثي. ثم تحول الخليفة في عصور النحطاط إلى صورة2

كرتونية، وأصبح الحم بأيدي العسكر (الطاعة لذي الشوكة) وهذا واضح عند المماليك والعثمانيين، حيث نحن من نتائجهم المباشر. - بيت المال تحت تصرف الحاكم، كما لو أنه ماله الخاص، والمور المالية رهن مزاج الحاكم، فإذا كان نزيهاQ (عمر بن عبد العزيز)3

فهنيئاQ للناس، وإن كان غير ذلك، فليس لهم الصبر وانتظار الفرج دون معارضة. لقد تم ترسيخ هذه المؤسسة في عهد المويين، ثم تطورت واستمرت حتى يومنا هذا. فوضع الستبداد بصماته على كل شيء في حياة

Page 3: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

المواطن كفرد، وفي حياة الجماعة. حتى أنه وضع بصماته على العلوم التي من شأنها أن تحتج على الستبداد، وهي علوم الفقه والتفسير والحديث والعقيدة، والتي من شأنها أيضاQ إذا أرادت، أن تثير الناس على الستبداد. فكيف وضع الستبداد السياسي بصماته

على هذه العلوم؟ - لقد بدأ الستبداد السياسي، أول ما بدأ، بوضع بصماته على العقيدة، وذلك بتقديم تعريف القضاء والقدر. فلكي يبرر المويون1

استلمهم للسلطة تبريراQ شرعياQ، طرحوا المقولة التالية: لقد سبق في علم ال الزلي أن بني أمية ستحكم الدولة العربية السلمية، وبالتالي ل بد لهذا العلم من أن ينفذ. فاستلم بني أمية الحكم

هو نفاذ هذا العلم، وبالتالي فحكمهم هو القدر.وأصبح تعريف القضاء والقدر بذلك كما يلي:

- القضاء علم ال الزلي.1 - القدر نفاذ هذا العلم في عالم الواقع.2

وهذا التعريف للقضاء والقدر يضع المؤمن في إطار الستسلم لكل شيء، أي أن كل ما حصل ل بد من حصوله (مكتوب سلفاQ). ومازال هذا التعريف شائعاQ إلى يومنا هذا، ولم يوضع تحت مجهر النقد.

فإذا أخذنا هذا التعريف، واستعرضنا آيات التنزيل الحكيم كلها، سنجد أن القضاء فيها هو المر والنهي، كما في قوله تعالى (وقضى.23ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا … الية) - السراء

فهذه الية تقول أن ال قضى أل نعبد إل إياه، كما قضى ببر الوالدين، ومع ذلك فنحن نرى أناساQ ل تعبده، وأناساQ ل تبر والديها، ونفهموجود احتمال بأن يكون قضاء ال غير نافذ.

إل أن اليات الخرى تعطينا شرطاQ إضافياQ لنفاذ قضاء ال، هو النفاذ من خلل كلماته كما في قوله تعالى: (… إذا قضى أمراQ فإنما.35يقول له كن فيكون) مريم

قضى أمراQ ---> يقول له (قول الحق) ---> كن فيكون (الكلمات) فعندما قال تعالى (وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه ..) لم يتبعها بقوله كن فيكون. ولهذا نرى بعض الناس ل تعبد ال، ولو قال كن فيكون، لصبحت عبادة ال أمراQ ل مناص منه ول خيار للنسان فيه. والسؤال الن: هل قضى ال سلفاQ أن يحكم هتلر ألمانيان ويسبب كوارث

الحرب العالمية الثانية؟ وهل حكم المستبدين والطغاة من قضاء ال؟ والجواب: كل!! لنها لم تخضع لقوله كن فيكون، كما خضعت ولدة المسيح بدون أب كما في قوله تعالى (ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون * ما كان ل أن يتخذ من ولد| سبحانه، إذا

. 35 و34قضى أمراQ فإنما يقول له كن فيكون) مريم وكما في قوله تعالى (.. إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح� منه فآمنوا بال ورسله ول تقولوا ثلثة

. ونلحظ هنا أن:171..) -النساء عيسى ابن مريم (قول الحق) (كلمة ال) ---> قضى أمراQ ---> يقول له كن فيكون

ومن هنا نرى أن تعريف قضاء ال المطروح أمامنا ل يمت إلى الذكر الحكيم بأية صلة، وأنه تعريف يسلب لنسان كامل حريته ويدعوه إلى السلم، وأنه تعريف يلئم تماماQ استبداد السلطة وخضوع الناس، وليست له علقة بعلم ال الزلي ل من قريب ول من بعيد. وإل

فأين علم ال الزلي في قوله تعالى (وما كان لمؤمن| ول مؤمنة| إذا قضى ال ورسوله أمراQ أن يكون لهم الخيرة من أمورهم، ومن.36يعص ال ورسوله فقد ضلM ضللQ مبينا) -الحزاب

ولو كان القدر هو نفاذ هذا العلم بالضرورة، لصبحت الية ل معنى لها، ول ضرورة لخبار زينب بأن لها الخيار في الزواج قبل الية وبعدها. فالية تقول لزينب أنها إن رفضت تكون قد عصت حكم ال ورسوله، ولكن احتمال الرفض قائم قبل الية وبعدها، إذ ل يوجد

فيها كن فيكون. وهي على هذا أمر ونهي وليست كلمات. ولم تنزل هذه الية إل بعد أن رفضت زينب الزواج من زيد. فإذا انتقلنا إلى تعريف القدر، وأخذناه كما يفسرونه أنه نفاذ علم ال الزلي في الواقع، واستعرضنا التنزيل الحكيم بما فيه من آيات

. فالموت قدر� قدره60ورد فيها ذكر القدر، نجده في أوضح أشكاله بقوله تعالى (نحن قدMرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين) الواقعة ال على الناس، والقتل قضاء. والطعام وجهاز الهضم قدر، والصوم قضاء. ووجود الكف والوجه قدر، والصفع قضاء.

وإمكانية الكذب والصدق قدر، والصدق والكذب قضاء. وإمكانية الجماع بين الذكر والنثى قد إلهي، والزنا والعفة قضاء إنساني. والنشطار النووي قدر، لكن صناعة أسلحة التدمير وتوليد الطاقة الكهربائية قضاء. ولهذا، فقد جاء القدر في القرآن (النبوة)، وجاء

القضاء في أم الكتاب (الرسالة). إن هذا التعريف للقضاء والقدر، هو بصمة الستبداد السياسي الخطيرة على العقيدة السلمية. وما زال راسخاQ مع السف إلى يومنا

هذا، نكرره وكأننا لم نقرأ ونتدبر آيات التنزيل الحكيم. لقد تم سفك الكثير من الدماء، في سبيل ترسيخ هذا التعريف، حيث أقاموا بعد ترسيخه، حواجز وأسواراQ للترهيب، حتى ل يعود البحث

فيه وتوضح المور في نصابها. أما في عصر جيل الراشدين الذي شهد النبي (ص) فقد كان الناس بعيدين عن هذا التعريف. ونحن نسمع عمر (رض) يأمر الناس بالخروج من المناطق الموبوءة بالطاعون، فيقول له أحدهم: أنفر من قدر ال؟ ويجيب عمر: نفر من

قدر ال إلى قدره. حيث كان عمر (رض) يعلم أن ال قدMر الصحة تماماQ كما قدMر المرض وأن النتقال من أحدهما إلى الخر هو منقضاء النسان.

- أثر الستبداد على الناحية العقائدية هذا، تبعته آثار أخرى متممة على نواح أخرى، فقد ارتسم أثره الثاني على الفقه السلمي في3الناحيتين التاليتين:

أ - بعد أن ربط الحاكم المستبد وجوده بقضاء ال وقدره، لم تبق عند الناس حاجة إلى الحتجاج على تصرفاته. حتى وصل بهم المر . ورغم أنهم أعلنوا على استحياء أنه يكفي الحاكم المستبد أن)1(إلى القول بأنه ل يعزل الحاكم والسلطان، وإن جار وظلم ولط وزنا

يقول ل إله إل ال، ول يعلن الكفر البواح بشتم ال ورسوله، ول يمنع الناس من العبادات كالصلة والزكاة والحج، لكي يضمن طاعة الناس وخضوعهم، إل أنهم أغلقوا باب الحتجاج على جوره وظلمه، الذي كان يعني القتل الفردي والجماعي لتصفية المعارضة

بالسجن المؤبد ودس السم، وأخذ أموال الناس، وصرفها كيفما يشاء متى يشاء وعلى من يشاء دون محاسبة أو مساءلة، واسمع معي أبا جعفر المنصور يقول يوم عرفة خطيبا: أيها الناس، إنما أنا سلطان ال في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده.

Page 4: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

وحارسه على ماله، أعمل فيه بمشيئة وإرادته، وأعطيه بإذنه، فقد جعلني ال عليه قفلQ، إذا شاء أن يفتحني فتحني لعطائكم، وإذا. )2(شاء أن يقفلني عليه أقفلني

لقد تم ترسيخ الستبداد تحت اسم إجماع العلماء (كذا)، فكان السبب الساسي في منع تحويل التشريع إلى مؤسسة تشريعية، وفي القضاء على الشورى تحت شعار أن الشورى غير ملزمة للحاكم. وما زلنا نعيش هذه المأساة حتى يومنا هذا، فالسلطات التشريعية

(المجالس) التي تعتبر حديثة نسبياQ على العرب والمسلين، لم تأخذ حتى اليوم دورها الفعال في البلد التي توجد فيها. ب - ظهر الفقه السلمي، كما قلنا، والسلطة المستبدة حقيقة قائمة، فجاء خالياQ من الفقه الدستوري الذي يحدد شرعية الدولة،

والعلقة بين السلطة والمواطن، وحدود صلحيات السلطة، وإقرار الحريات الشخصية والعامة، ومبدأ الختيار والتعبير عن الرأي. وظهر بدلQ منه مفهوم الطاعة، طاعة أولي المر مقرونة بطاعة ال ورسوله، واعتبارها من الفضائل الدينية والدنيوية على حد

سواء. كما ظهر فقه العبادات كالوضوء والصلة والحج والزكاة، حتى شمل هذا الفقه كثيراQ من المجلدات، علماQ أن العبادات جاءت للعالم

والجاهل واضحة وللعامة والخاصة مفصلة ل تحتاج إلى كل ذلك، وما زال يجري التركيز عليها، بسبب داء البائية الذي وصلMنا بالوراثة. مما أوقع الفقه السلمي في تناقض وجوب طاعة الحاكم الظالم الفاسق، مع الدخول في أدق تفاصيل العبادات من وضوء

وطهارة، بشكل أصبحت تبدو معه، وكأن الخلل بواحد فقط من هذه التفاصيل الدقيقة كافياQ لن يرمي بالصلة فيوجه المصلي وبالصوم في وجه الصائم، ووصل المر إلى أن أخذ المسلمون صورة مشوهة عن ال وعدالته، فأظهروه وكأنه حاكم مستبد يعدM على

المؤمنين عثراتهم وهم يعبدونه، وكأن الملئكة موظفين في دولة بيروقراطية ل يهمهم غير الشكل في الروتين، فهم بالمرصاد لصغائرما يرتكبه الناس في الحياة الدنيا، وهم بالمرصاد مع آلت التعذيب في القبر لستكمال التحقيق برئاسة أنكر ونكير وإغلق الملف. ويصورون الخرة والحشر بما تقشعر له البدان، من صور يغرقون في تفصيل رعبها وبشاعتها، فمن معلقات من شعورهن، إلى

.)3(مصلوبات بالخطاطيف من أثدائهن، إلى غير ذلك من مشاهد تحفل بها كتب كثيرة كثيرة وهكذا يعرض الوجود النساني بطريقة إرهابية استبدادية منذ الولدة، وحتى نهاية الحساب. المر الذي نجد خلفه في التنزيل الحكيم، فهو ل يذكر النار إل ذكر معها الجنة، وحين يذكر الرحمن يذكرها عامة واسعة، أما العذاب فمقصور مخصص، كما في قوله تعالى (..

. وبالمحصلة فقد ترك الفقه السلمي الحاكم الفاسق156قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء ..) العراف المستبد، وانصرف يشتغل في المرأة وحجابها!!

لقد خلط الفقه السلمي بين المعاملت والحوال الشخصية والعبادات والخلق، وجعل منها أمراQ واحداQ يضم الفروع الثلثة، وأفاض فيها لنها ل تتعارض مع السلطة المستبدة. ورسم للناس كيف يتعاملون فيما بينهم، ولهذا نرى أن المستوى الفقهي في هذه المور

وصل إلى درجة رفيعة من الستفادة والشرح، بينما بقي الفقه الدستوري معدوماQ أو هزيلQ يتناسب مع السلطة المستبدة. وكانت أزمة الناس دائماQ هي أزمة السلطة. فم يعيشون حياتهم اليومية، إلى أن يموت الحاكم فتتوقف الحياة، حتى تستقر أمور الحاكم

الجديد ويعلمون من هو، لتعود الحياة إلى مجراها العادي، لتتبع شخصية الحاكم ومزاجه دون أي ضابط فقهي دستوري، فإن كانعادلQ فله الجر وعليهم الشكر، وإن كان ظالماQ فعليه الوزر وليس عليهم إل الصبر!!

- أما تأثير الستبداد على الحديث النبوي (السنة) فكان كالتالي: بما أن الستبداد ليس له أي سند في التنزيل الحكيم، بل العكس، فقد3 لعن ال الظالمين والمستبدين، وعبر عن الستبداد فيه بالظاهرة الفرعونية، التي أخذت حيزاQ منه أكبر مما أخذت الحكام كلها. لذا،

كان ل بد من سند عقائدي لتأطير أيديولوجيا الستبداد، فكان هذا السند هو الحديث النبوي. ففي صدر السلم، بعد وفاة الرسول (ص)، كان ثمة عدد كبير من الصحابة ما زال على قيد الحياة، وكان من المستحيل على أحد،

حتى لو كان صحابياQ، أن يقول: قال رسول ال .. وسمعت رسول ال .. دون أن يعترضه معترض (انظر أخبار عمر مع أبي هريرة)، إذكان في أذهان الصحابة وذاكرتهم، ما سمعوه أنفسهم بلسان رسول ال نفسه:

- ل تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ول حرج، ومن كذب علي متعمداQ فليتبوأ مقعده من النار).229، ص18(صحيح مسلم، ج

- بلغ رسول ال أن أناساQ كتبوا أحاديثه، فصعد المنير وقال: ما هذه الكتب التي بلغني أنكم قد كتبتم؟ إنما أنا بشر، فمن كان عنده شيء).34فليأت به. يقول أبو هريرة: فجمعنا ما كتبناه وأتلفناه، أو قال فأحرقناه. (تقييد العلم للخطيب البغدادي، ص

ومع ذلك فنحن نجد أن بداية تدوين الحديث النبوي جاءت في العصر الموي، ومعها بدأ النتحال على رسول ال، وخاصة فيما يتعلقبأيديولوجيا السلطة والطاعة والجهاد. لقد نهى الرسول عن تدوين حديثه في رأينا لسباب:

أ - أن التنزيل الموحى هو أساس السلم وعموده الفقري.ب - أن طاعة الرسول تعني طاعة الرسالة، والرسالة موجودة في التنزيل.

ج - أن المور التي أمر ال الناس بطاعة الرسول فيها، كالصلة والزكاة، قد بلغها الرسول إلى الناس ومارسها فعلQ، ووصلتنابالتواتر.

د - أما في المور التي وصلنا معظمها بطريق الحاد، حتى لو صحت، فإن تطبيقها نسبي وطاعتها في حياته فقط (طاعة الرسولالمنفصلة في حياته).

لقد بلغت الحاديث المنقولة عن النبي (ص)، باعتراف علماء الحديث، حداQ يفوق الوصف، فقاموا بتصنيفها، وقسموها إلى متواتر وآحاد. ويقوم علم الحديث في معظم معظمه على أحاديث الحاد الظنية التي ل تقيم ديناQ ول تبني حياة. وحيث أن أحاديث الحكم

وتسويغ الستبداد من الحاد، فقد أخذ هذه الهمية، ورأيناه في علقة عضوية متلزمة مع الفقه، بحيث أخذ بيد الفقهاء إلى أزمة وورطة لم نخرج منها إلى اليوم. فقد كادت أحاديث الحاد هذه أن تتقدم على التنزيل الحكيم في مجال الحكم والستبداد إن لم تكن قد

تقدمته فعل. ورغم أنها في الصل غير ملزمة لحد، إل أن اللزام واللتزام بها أصبح قسرياQ، وأصبحت هي حجر الساس لدىالمسلمين في استنباط الحكام.

هـ - لقد كان من الضروري للستبداد، لكي يلزم الناس بطاعته، ولتأخذ هذه الطاعة شكلها العقائدي، بحيث يخرج من السلم من لم يلتزم بها ويعدم، أن تندمج الطاعة المتصلة ل ورسوله بالطاعة المنفصلة ل وللرسول، مع الطاعة لولي المر، بحيث تصبح هذه الطاعات على مختلف وجوهها أمراQ واحداQ هو الطاعة الدائمة ل!! فتم دمج (أطيعوا ال والرسول وأولي المر منكم) لينتج من هذا

Page 5: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الدمج أن طاعة أولي المر طاعة ال تماماQ، فندخل في الحق اللهي بالحكم، وأن الحاكم ممثل ال في الرض، كالرسول تماماQ، وأنعصيانه والخروج عليه يوجب غضب ال ورسوله.

إن الفرق بين اليات في الطاعة واضح بشكل ل نظن أن الفقهاء وعلماء الحديث لم ينتبهوا إليه، لكن وقفهم عنده سيوقعهم في إشكالية أساسية هي التعرض لطر السلطة. أي أنهم سيدخلون إلى الفقه الدستوري من مدخل مغاير تماماQ لما تريده السلطة ولما تم

فعل. وكان من جراء ذلك كله أن أخذ علم الحديث بأمور غير مقبولة منهجياQ بمعظمها عند أي باحث علمي. و - فقد أجاز علم الحديث أخذ الحديث عن أطفال، كعبد ال بن عباس، الذي نقل البخاري عنه أنه قال: توفي رسول ال وأنا ابن عشر

حديثاQ. وكأنس بن مالك، وكان عمره أقل من عشر سنوات حين وفاة1696سنين مختونا. ويروي صاحب المنار أن له في مسند أحمد الرسول، وعبد ال بن الزبير، والحسن بن علي، والحسين بن علي … وغيرهم.

وعبد ال ابن عباس لم يعرف النبي، ول اجتمع به قبل الفتح، إذ كان يقيم في مكة مع أبيه الذي لم يهاجر مع من هاجروا إلى المدينة. حتى بعد الفتح، عاد النبي إلى المدينة وبقي ابن عباس مع أبيه في مكة، وهو ابن ثمان. فمن أين له أن يقول كما يروي البخاري: وال

.)4(الذي ل إله إل غيرهن ما نزلت سورة من كتاب ال إل وأنا أعلم أين نزلت، ول نزلت آية من كتاب ال إل وأنا أعلم فيم نزلت ونحن اليوم ل نقبل شهادة طفل في هذه السن، ببيع أو شراء دراجة، فكيف قبل المحدثون ذلك؟ لقد كان علماء الحديث حريصين جدا

، ويرفضون في الوقت نفسه شهادة رجل كعمر بن)5(على أمانة الراوي وعدالته، حتى أن البخاري رفض حديث رجل يكذب على دابتهالخطاب في رجل كأبي هريرة، حيث منعه من رواية الحديث، واتهمه بالسرقة والرشوة في وليته على البحرين.

ومع ذلك زادت أحاديثه في كتب الصحاح والسنن على الخمسة آلف حديث، كما يحكي ابن عساكر، رغم أنه كما يقول الشيخ رشيد رضا: لو أحصينا ما انفرد به أبو هريرة من أحاديث الحكام الشرعية لرأيناه قليلQ جداQ، وعلمنا أنه لو لم يروه لما نقصت كتب الحكام

شيئاQ، وأن الطعن فيه لو كان صادقاQ ما حط من قدر الشريعة شيئاQ، ولو لم يخلق أبو هريرة لما نقصت الشريعة شيئا. (تفسير المنار، ج).108، ص19

من هنا يتم طرح أمور كثيرة على المسلمين تحت شعار السلم، كلها من أحاديث الحاد، دون أن يتعب المسلمون أنفسهم في العودة إلى قراءة التنزيل الحكيم ودراسته دراسة مستفيضة، لما يحتاجونه في ذلك إلى الوقت والجهد وتحمل مسؤولية وجرأة في الحق.

فالقرآن كما يقول الشيخ محمد الغزال: … خطاب الزمن كله، حتى يرث ال الرض وما عليها، خطاب الجيال والجناس والعلماء،.)6(والمستويات الحضارية المتفاوتة، ول يمكن منطقياQ بأي حال من الحوال أن نجمده عند فهم عصر معين

لكن المسلمين، وكما يقول الشيخ الغزالي مرة أخرى، تركوا الكتاب للسنة، ثم تركوا السنة لقوال الئمة، ثم تركوا الئمة للمتون ...)7(فأصبح التراث حاجزاQ يحول بين المسلمين وبين مصادرهم الساسية

- بعد أن رسخ الستبداد بالشكل الخادع الجبري، كما شرحناه، وزرع القناعات المسبقة لدى الناس عن أعمارهم وأعمالهم4 وأرزاقهم، ونتج أن عمر النسان ثابت منذ الزل، وأن رزقه مكتوب، مهما كان عمله، فقد انعكس ذلك مباشرة على علم التفسير،

وعلى شرح اليات المتعلقة بهذه المواضيع. وحين يقرؤ النسان قوله تعالى (.. وما يeعم�ر| ول ينقص من عمره إل في كتاب|، إن ذلك . فهو يفهم أن الحديث بالية يدور حول شخص واحد، وهو محل فعل يعم�ر وفعل ينقص وهاء عمره. وفهم11على ال يسير) - فاطر

أن عمر هذا الشخص الواحد، يطول في كتاب ويقصر في كتاب، وينظر حوله في الواقع ليجد مصداق ذلك في علم الطب الذي يدرسهذه الكتب.

أما المفسر، فسيضطر بحكم الفكرة المسبقة التي يحملها عن ثبات العمار إلى أن يلجأ للتخريجات. والتخريج هنا، أن فعل ينقص يعود على شخص آخر غير المعمر الذي يطول عمره. ومع حمل الفكار المسبقة، ومع اللجوء إلى التخريج، ل يفيد التبحر في اللغة، ول

تفيد التقوى، ول تفيد العبقرية. لقد كان معظم المفسرين التراثيين لغويين، وأتقياء، وعباقرة، لكنهم كانوا يحملون أفكاراQ مسبقةيخرMجون على أساسها تفاسيرهم!!

ونضرب على ذلك مثلQ علمياQ من عصرنا الحاضر، هو ما حدث مع ألبرت أينشتاين صاحب النظرية النسبية، وعالم الرياضيات والفيزياء الذي ل يشك أحد في عبقريته. فعندما كتب مجموعة معادلت النسبية، نتج لديه أن الكون غير ثابت، وأنه في حالة اتساع

. لكن الفكرة المسبقة التي كانت عنده بأن الكون ثابت، جعلته يلجأ إلى تخريجه، تسوغ ما وصل إليه مع ما يحمله، بأن أضاف)8(دائم إلى المعادلت معاملQ هو (معامل الثبات) ليحول الكون من متسع دائم إلى ثابت. المر الذي اعترف به بعد سنين، وقال أنها كانت أكبر

.)9(خطيئة ارتكبها في حياته. فانظر كيف أن الفكرة المسبقة غلبت الذكاء والعبقرية لقد انتصرت مدرسة الترادف تحت ظل الستبداد، على مدرسة عدم الترادف، حيث تؤدي الثانية إلى دراسة التنزيل دراسة دقيقة،

وتشير إلى الفروق بين الكتاب والقرآن والذكر، وبين الحكم والحكمة، وبين المام المبين واللوح المحفوظ، وبين الرسالة والنبوة. وتقود إلى فهم أفضل للتنزيل وفهم أفضل لمسائل القضاء والقدر والحرية والشورى والتشريع، وتؤدي إلى الخذ بيد مدرسة الرأي

وترك مدرسة الحديث. لهذا نرى سيبويه وابن خلدون يقولن بالترادف، فيؤخذان كمراجع أهم من ثعلب وأبي علي الفارسي. كل هذا أدى بعلوم التفسير إلى أن تقتصر على آيات الحكام، وإلى أن تفسر بالحديث والسيرة، دون أن تقترب من آيات الكونيات

والقصص القرآني، فإن اقتربت ، فمرجعها السرائيليات وأخبار القصاص في المساجد إذ كان ل يوجد لديهم مراجع أخرى. أي أن كتبالتفسير ليست أكثر من:

(فقه أحكام + سيرة نبوية + إسرائيليات) ومما زاد الطين بلة، منع الجتهاد في التفسير أو نقده، وبما أن النبي (ص) والصحابة جميعاQ، لم يفسروا آيات القصص القرآني

والكونيات، ولم يفسروها هم أنفسهم في تفاسيرهم، فقد حذروا الناس من القتراب منها، ودفعوهم بعيداQ عنها، بوضعهم قاعدة أنك كلما اقتربت من السلف في التفسير (أي المأثور) أصبت. رغم أن العكس صحيح، فكلما ابتعدت عن المأثور بالزمان والمعارف اقتربت

من فهم التنزيل. آية من آيات750لقد حاول أحد المفسرين المعاصرين، هو الشيخ جوهري طنطاوي في كتابه "الجواهر في تفسير القرآن" أن يجمع

التنزيل في الكونيات، ويشرحها شرحاQ علمياQ معاصرا،Q فتصدى له مناع القطان في كتابه "مباحث في علوم القرآن" يقول معلقاQ على ، إن في تفسير طنطاوي كل شيء ما عدا التفسير!! والحقيقة عكس ذلك، فقد سار الشيخ طنطاوي على المنهج العلمي في371ص

التفسير، فأنكروا ذلك عليه.

Page 6: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

مرة74لقد جاء القصص القرآني، ليس من أجل الخبار، كأي كتاب تاريخ، لكنه جاء ليشرح سنن التاريخ وحركته، وذكره فرعون بشكل مباشر، وكون اليات التي تحدثت عنه وعن هامان وقارون أكثر من آيات الحكام مجتمعه، لم يلفت نظر المفسرين ليقفوا

عندها، بل قاموا كالفقهاء بشر نواقص الوضوء ومفسدات الحج والصلة، ومروا على الباقي مر الكرام، أو علقوا عليها في أحسن الحوال تعليقات ل معنى لها، ولو تركوها لنا دون تفسير لكان أفضل لنا وللمسلمين، إذ سنعلم أن فهمها في هذه الحالة يقع على

عاتقنا. : واضح أن السلم إطلق للعقل ل حجر عليه، وإعمال له ل تعطيل لوظائفهن والقرآن جاء دعوة إلى)10(يقول الشيخ محمد الغزالي

قراءة كتاب الكون، وتأمل أسراره، وسننه وحث الفرد على التأمل داخل نفسه وخارجها للوصول إلى تعاون أفضل مع بني جنسه وفهم أتم لوحدات الكون وطبيعة المادة، ولكن الصابات التي أحدثت في ثقافتنا نمواQ غير طبيعي من تضخم المرويات الواهية، وتضخم

الحكام الفقهية في الفروع، والذبول في علم الكون والحياة بموت المكتشفين والرواد والوائل في الكيمياء والفيزياء والرياضيات، كلذلك كان سبباQ في انحسار واضح في الجوانب الخرى من الشمولية القرآنية".

: .. لقد انتزعنا مثلQ آية (وال خلقكم وما تعلمون) من سياقها لنقول إن العمل الذي نؤديه هو من صنع ال، ولندل على)11(ويقول مذهب أهل السنة في أن العمل مخلوق ل. ونسينا أن هذا الكلم لو صح، ما كان عبدة الصنام مسؤولين، لنهم إذا كانوا مخلوقين ل،

وأعمالهم في شركهم ووثنيتهم مخلوقة ل، فما عليهم من ذنب!!.

، يوم الحرة في المدينة المنورة، حيث نهبها وافتض فيها ألف عذراء. وانظر209) اقرأ ما فعله يزيد في "تاريخ الخلفاء"، ص1(، ص12حديث حذيفة بن اليمان عن الرسول قوله: تسمع وتطيع المير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع. (صحيح مسلم، ج

238.(.186، ص4) انظر العقد الفريد، ج2( ) وردت هذه الصور وغيرها في كتب العامة حول قصة المعراج، التي اختeلف فيها وصدر حولها كثير من الراء المتباينة، علماQ أن3(

من الثابت قطعاQ ورود قصص مشابهة لها في ديانات ما قبل السلم. ) يجدر التنويه هنا إلى أننا نستهدف ابن عباس كصحابي راو| للحديث طفل|، أما بعد أن بلغ أشده فقد غدا من أبرز علماء المة في4(

صدر السلم.) وترك شعبة بن الحجاج حديث رجل سمع شعبة في بيته صوت طنبور، وحديث رجل رآه يلعب الشطرنج.5(.164، ص1992) انظر "كيف نتعامل مع القرآن"، دار الوفاء للطباعة والنشر،6(.208) المصدر نفسه، ص7( - وتعتمدها دليلQ على أن العلم مهما اتسع فلن يخرج عن اليات47) لك أن تقرآ (والسماء بنيناها بأيد| وإنا لموسعون) الذاريات 8(

الكونية في التنزيل.) انظر "موجز تاريخ الزمن" تأليف ستيفن هو كينغ ترجمة الدكتور أدهم السمان.9(.88، ص1992) كيف نتعامل مع القرآن-دار الوفاء للطباعة والنشر 10() المصر نفسه.11(

تعليق عل الكتب والمقالت والردود التي صدرت حول "الكتاب والقرآن / قراءة معاصرة

بعد صدور عدد من الكتب والمقالت الناقدة، داخل سوية وخارجها، في الرد على "الكتاب والقرآن / قراءة معاصرة" الصادر ، كان علي أن أختار أحد طريقين. إما الرد على هذه الردود تباعا;، أو النصراف إلى المزيد من العطاء والتفرغ1990عام

للنظر في مواضيع التنزيل الحكيم التي ل تنضب ول تنتهي. وكنت خلل هذه المدة كلها أميل إلى الطريق الثاني، إلى أن ترسخت هذه القناعة عند ذات يوم، وأنا أسمع الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة وهو يقول: هل نقضي عمرنا في الدفاع عن

قيثارتنا، أم في العزف عليها!! ومن يومها قررت أن أقضي العمر في العزف وليس في الدفاع، منطلقا; من قوله (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض) راجيا; منه سبحانه أن يكون فيما أصنع نفع للناس ابتغاء مرضاتهن إنه خير سميع وخير مجيب.لقد

تحدثت في مقدمة هذا الكتاب، عن مرض البائية، الذي يمكن أن تبتلى به أية أمة من أمم الرض، والذي هو من المراض المستعصية عندنا، خاصة حين نتكلم في علوم الولين (القرنين الول والثاني الهجريين) وكأنهم فوق البشر. فعلى كل من

يبدي رأيه في أمر منها، أن يذكر المرجع السلفي الذي استقى منه رأيه هذا، وإل فهو مبتدع، خارج عن مناهجهم وآرائهم.ولقد لحظت أن هذه المشكلة، مشكلة المرجعية، هي القاسم المشترك بين كل هذه الكتب والردود، ل أستثني منها سوى مقالة

. فأنا وأصحاب الردود على192الدكتور نصر حامد أبو زيد، التي رددت عليها بمجلة الهلل المصرية عدد كانون الثاني طرفي نقيض، هم يعتبرون المرجعية ومراجع التراث وما قاله السلف سلة واجبة للتزام بها، وأنا أراها أمرا; قابل; للحوار

يجب الوقوف عنده. وأضرب على ذلك مثال; جرى معي بالذات.ففي كتابي الول، انطلقت من مسلمة المرجعية في موضوع الناسخ والمنسوخ، وقلت بالنسخ كما يقولون، دون أن أقف عندها بالنظر والبحث. لكنني بعد أن استقصيت قوله تعالى (ما

. ودرسته انطلقا; من صدق106ننسخ من آيةt أو ننسها نأت بخيرt منها أو مثلها ألم تعلم أن ال على كل شيءt قدير) البقرة الخبر القرآني، وجدت أن النسخ ل يمكن أن يكون في آيات التنزيل الحكيم، بل هو بين رسالتين أو رسالت، أي أن النسخ يقع

Page 7: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

على سلم التطور التاريخي للمجتمعات النسانية، وإن تراكم المعلومات والرقي الحضاري يؤدي إلى تطور التشريع.وفي كتابي الول أيضا;، اعتمدت الثقة بالتراث، وسرت وراء المسلمات المرجعية في قراءتي لقوله تعالى: (ولكم في القصاص

فوقعت فيما وقعت فيه من اعتبار أن القصاص هو العقوبة، لكنني حين وقفت عندها بالنظر،179حياة يا أولي اللباب) البقرة وصلت إلى فهم آخر مختلف تماما;، أفردت له بحثا; خاصا; في هذا الكتاب.إن أسلوب تعامل أصحاب الردود وكثير غيرهم مع

التراث، يقوم على مبدأ الثقة والمسلمة، ل على مبدأ العلم والبحث والنظر، وهنا يكمن لب المشكلة، فكيف نلتقي ؟؟ وثمة منظومة معرفية في الكتاب، وفي فهم التنزيل الحكيم، تختلف عن المنظومة المعرفية لدى أصحاب الردود في القراءة والفهم،

.أحد كتب الردود، صاحبه)1(فكيف نتفق؟ وقد حدد الستاذ جودت سعيد هذه المشكلة في كتابه "حتى يغيروا ما بأنفسهم" دكتور في الحقوق، تزيد صفحاته عن الخمسمئة، فيها الكثير الكثير من الجدية والجهد، تعرض فيه لشرح قوله تعالى (ولكم

في القصاص حياة يا ولي اللباب) على أنها نظرية في العقوبات. فإذا كان هو من المختص بحكم دراسته يخلط بين القصاص والعقوبة ويعتبر إحداهما مرادفة للخرى في الدللة، فكيف حال من ليس مختصا;، وكيف يفهم الثنان الفرق بين الكتاب

والقرآن والتنزيل والفرقان، علما; أن قولي هذا، ل يعني أبدا; التشكيك في ذكائه أو تقواه أو حسن نواياه، فهو ليس محل شك مطلقا;، لكن تطبيق مبدأ الترادف في التنزيل الحكيم، والتزام المنظومة المعرفية للسلف في فهمه، لن ينفع معه ذكاء ول تقوى

ول حسن نية.إن كل ما فعله الدكتور صاحب الرد، هو أنه أتعب نفسه وبذل جهدا; كبيرا; في تبني المقولت الموروثة، وأخرجها في حلة أنيقة حديثة، أي أنه قام بأقصى ما يستطيع أن يقوم به انسان مصاب بداء المرجعية، فأخذ النظم المعرفية المرجعية للسلف كمسلمات ثابتة، وغسلها وكواها، ثم ألبسها ثوبا; قشيبا. هذا وإن كان جهدا; يشكر عليه، إل أنه ل يفيد، ول

يضيف جديدا; مفيدا.الحقيقة المعرفية، هي العلقة بين نظم المعرفة وموضوعاتها، وبين المعارف وموادها، فنحن نعيد صياغة المعارف دائما; بحسب أدواتها، التي من شأنها حين تتغير أن تؤدي إلى تغيير المفاهيم وفصل اللتباس بين الحقيقة والوهم، في مسيرة ل تتوقف أبدا. ومن هنا فنحن حين نعيد النظر بمفاهيم السلف في ضوء النظم المعرفية الحديثة التي بين أدينا، فذلك ل

يعني أبدا; التشكيك بذكائهم أو بتقواهم أو بحسن نواياهم، أضف إلى هذا كله أخيرا; أننا ندرك تماما; أن التراث الذي أمامنا اليوم، - فئة تفتقر إلى الجدية العلمية، تحكمها1ليس كل تراث السلف. ومن هنا، يمكن تقسيم كتب ومقالت الردود إلى الفئات التالية:

- فئة تجاهل العارف جوهر المنهج، واكتفت2العواطف والعبارات الرنانة الخطابية، توحي بأن صاحبها قرأ ولم يفهم شيئا. - فئة ذات طابع جدي وجهد مشكور. لكنها تشترك كلها كما قلت في قاسم واحد هو خلفها معي في3بالتعليق على الشكل.

- ل يمكن فهم أي نص1المنهج، أي النظام المعرفي المتبع، الذي انطلقت منه وما زالت، والذي يتلخص في النقاط التالية: - اللفاظ خدم للمعاني، فالمعاني هي المالكة سياستها المتحكمة فيها. ووظيفة اللغة هي2لغوي إل على نحو يقتضيه العقل.

- حين يخاطب المتكلم سامعا;، فهو ل يقصد إفهامه معنى الكلمات المفردة، لذات فالثقافة3نقل ما يريده متكلم إلى سامع. المعجمية غير كافية لفهم أي نص لغوي، فما بالك إذا كان النص هو التنزيل الحكيم.والمعاني موجودة في النظم، وليس في

اللفاظ كل على حده. وحين نقول إن الولد أكل تفاحة حمراء، فنحن نعني ضمنا; أن هناك تفاحا; بألوان أخرى، ولو لم نقل ذلك - اللغة حاملة للفكر، وتتطور معه. وهناك تلزم ل ينفصم بين اللغة ووظيفة التفكير عند النسان، حتى الحلم4لفظا; بالنص.

- اللغة حاملة للفكر النساني، لكن الفكر النساني يمكن أن يكون صادقا;، ويمكن5التي يراها النائم، يراها ضمن نظام لغوي. أن يكون كاذبا;، وهذا يعني أن توفر الرباط المنطقي، وصحة الشكل اللغوي في النص ل يعني بالضرورة أنه حقيقي، وجمال

التركيب اللغوي ومتانته في النص ل يعني بالضرورة أنه صادق. لذا قالت العرب أن "أجمل الشعر أكذبه". وهذه الحقيقة أكدها التنزيل الحكيم في وصفه للشعراء بأنهم (يقولون ما ل يفعلون)، فهم يستعملون تراكيب لغوية خيالية غير قابلة للتحقق

في عالم الواقع، كقول الشاعر:وصرت إذا أصابتني سهام� تكسرت النصال على النصال فالصورة البلغية والخيال المجنح في الشعر هو الذي يجعل منه كاذبا; ل يمت إلى عالم الحقيقة بصلة، ومن هنا ل يمكن

القتصار على إعجاز التنزيل بالقول أنه استعمل مختلف أدوات وأساليب البلغة والبيان التي عرفها العرب، بل يجب بالضافة إلى ذلك اليمان بأن الخبر القرآن صادق وحقيقي، ومن هذا المنطلق الساسي شرحت الناسخ والمنسوخ في الية

من سورة البقرة. ولما كانت البلغة هي إيصال ما يريده المتكلم إلى السامع، ولو بالشارة دون كلم، فقد صح أن نقول106 إن التنزيل الحكيم استعمل أعلى مستويات البلغة التي ل يمكن تجاوزها أو التيان بمثلها في أداء المعنى وتوصيله إلى السامع.لقد كان يعنيني كثيرا; صدق الخبر في النص القرآني، وواقعية التشريع في آيات الحكام أكثر مما يعنيني جمال

التركيب والصياغة ول أشك أنه يعني أيضا; أصحاب الردود، لكنهم كانوا يعنون به من حيث الشكل وسلمة العقيدة وليس تطبيقا; عمليا; على اليات. فالقول بالنسخ في التنزيل، يقتضي وجوبا; وجود الناسخ والمنسوخ ويقتضي أن يكون الناسخ مثل المنسوخ أو خيرا; منه في نفس مجاله وموضوعه، لكنني لم أجده صدقا; وحقا; كذلك.ولتحقيق الصدق في الخبر القرآني، فقد

قلت بأن النسخ ليس في الرسالة الواحدة، بل في الرسالت على مدى مسيرة التاريخ والتطور، ولم يعد يهمني هل قال أحد من قبل بذلك أم ل، وهل ينطبق ما وصلت إليه مع إجماع العلماء أم ل، ومع إجماع الجمهور أم ل، فصدق الخبر اللهي عندي

Page 8: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

- لو تفحصنا كتابا; في الطب أو في الهندسة، بأية لغة من لغات الدنيا، نرى أن6أهم من تصديق المراجع كائنا; من كان مؤلفها. ظاهرة الترادف غير موجودة، فإذا اختلفت خلية عن خلية أخرى ولو اختلفا; بسيطا; جدا;، نجد المؤلف يعطيها إسما; جديدا

لتمييزها، وإذا اختلف حد مجهول في الرياضيات عن حد آخر، ولو اختلفا; تافها; جدا;، رأينا المؤلف يعطيها أرقاما; مميزة عن )، وذلك تحقيقا; للدقة العلمية، ونصر من جانب آخر، على أن كل السينات واحدة في كتاب ال،3، س2، س1بعضها (س

الذي يصف الكون بمخلوقاته وقوانينه، وأن العهود عنده هي المواثيق وهي العقود وهي اليمان، وأن الرسول هو النبي وهو الرجل وهو البشر وهو النسان، وأن الكتاب هو الرسالة وهو الذكر وهو القرآن وهو الفرقان !! كيف يمكن أن يكون المخلوق

- لقد خلق ال الوجود وصاغ التنزيل، فلزم أن نرى فيهما وحدة الخالق الصائغ، التي7في تعابيره أدق من الخالق في تنزيله؟ تجلت في أنه خلق لكل شيء عمل; ووظيفة، فل شيء في الدنيا ل لزوم له أو ل معنى له، ولهذا فقد صاغ التنزيل بالمثل، خاليا

من الحشوية، ل يمكن حذف كلمة منه دون أن يختل المعنى، ول يمكن من جهة ثانية تقديم أو تأخير أي من كلماته وألفاظه، دون أن يفسد النظم الحامل للمعنى، وليس مجرد خلل في جمالية الشكل أو الوقع الموسيقي. واقرأ معي (وأقيموا الصلة وآتوا

. فإذا وضعناها بالشكل التالي (وأطيعوا الرسول وأقيموا الصلة وآتوا56الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) النور الزكاة لعلكم ترحمون) لتغير المعنى تماما; رغم أن الوامر الثلثة في الية بقيت هي نفسها: إقامة الصلة، إيتاء الزكاة، طاعة الرسول. فنحن نفهم من الية في شكلها الثاني بعد التقديم والتأخير، أن ال يأمرنا بطاعة الرسول إطلقا;، ويأمرنا بإقامة صلة وإيتاء زكاة نعرف كيف نقيمها وكيف نؤتيها. فإذا طبقنا هذا الفهم على التنزيل لجاء الخبر في الية كاذبا;، حاشا ال وتعالى، إذ

ل نجد في آيات التنزيل كلها شرحا; للصلة لقيامها وقعودها وركوعها وسجودها، ول شرحا; للزكاة بنسبتها ومقاديرها ومواعيد إخراجها واستحقاقها. ومن هنا نفهم لتحقيق صدق الخبر القرآني أن ال يأمرنا بطاعة الرسول في إقامة الصلة

- التنزيل الحكيم خالt من العبث، وخالt من الخبار غير8وإيتاء الزكاة، التي يعرف سبحانه سلفا; أنه لم يشرحهما في تنزيله. المهمة والمعروفة عند الناس، فهو سبحانه ل يحتاج إلى وحي ليقول للناس، مثل;، إن الجرة تنكسر إذا وقعت على أرض

صلبة من ارتفاع عال. لكننا إذا قرأنا قوله تعالى (.. فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، تلك عشرة كاملة ، وهذا خبر يعرفه10 = 7 + 3. وسل�منا بما ورد في التفاسير بشأنها، رأينا ال يعل�م الناس في الية أن 196.. الية) البقرة

كل الناس، عالمهم وجاهلهم، ول يحتاجون إلى وحي لمعرفته. وهذا غير معقول في ضوء خلو التنزيل من العبث. فإذا حذفنا كلمة (كاملة) من النص، لم يتأثر المعنى الذي ذهب إليه المفسرون وهو أن ال يعلم الناس الجمع والحساب. وهذا أيضا; غير

معقول في ضوء خلو التنزيل من الحشوية. ما هو إذن تفسير الية الذي يحقق كل الفرضيات ول يخل بواحدة منها، ويغطي: صدق الخبر القرآني، وخلوه من الحشو، وبعده عن العبث في سوق المعارف المألوفة عند الناس؟نقول هو التفسير الذي ينتبه إلى وجود أكثر من نظام واحد للعد عند الناس. فهناك النظام الع�ش�ري والنظام السباعي والنظام الثني عشري والنظام الست

، أما العشرة في النظام الع�ش�ري فهي12/10عشري، فالعشرة في النظام الثني عشري مثل; ناقصة نعبر عنها بالشكل التالي عشرة كاملة، وقوله تعالى (كاملة) في الية إشارة إلى نوع نظام العد الذي جاء آية الحج عن أساسه. وهذه النقطة بالذات،

نقطة خلو التنزيل الحكيم من العبث، ومن الخبار المعروفة عند الناس، هي التي جعلت العرب تدعو مسيلمة بالكذاب، حين ساق إليهم آيات من صياغته ادعى أنها من عند ال، محاول; تقليد القرآن، كل ما فيها أن الفيل خرطومه طويل!! ونستمع

يروي1970 دار العلم للمليين 92 و91، ص6للدكتور جواد علي في كتابه "المفصل في تاريخ العرب قبل السلم" ج آيات مزعومة لمسيلمة الكذاب هذا: والمبذرات زرعا;، والحاصدات حصدا;، والذاريات قمحا;، والطاحنات طحنا;، والخابزات خبزا;، والثاردات ثردا;، واللقمات لقما;، إهالة وسمنا;، لقد فضلتم أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه، والمقتر

فآووه، والباغي فناوئوه. فإذا نظرنا في هذا النص، نجد أن صياغته عربية، ولم يرتكب من الناحية اللغوية أية خطيئة، واستعمل السجع والكنايات وأدوات البلغة، كل ذلك مع صدق في الخبر، فلماذا اتهمه الناس بالكذاب؟نقول: لن آياته كانت عبثية، قال فيها للناس، إنكم تزرعون القمح، ثم تحصدونه وتطحنونه وتخبزونه وتثردونه بعد وضع السمن فيه، ثم اتبع ذلك

بمكارم يعرفها الجميع .. ولو أنه قال لهم ذلك دون أن يسميه وحيا; من عند ال لما كذبه أحد. ومن هنا نفهم قوله تعالى في صفات المتقين أنهم (الذين يؤمنون بالغيب) أي أن أخبار التنزيل صادقة، قد ل يعرفها السامع، فهي غيب بالنسبة له، كما نفهم

- عند دراسة أي نص لغوي، مهما كان نوعه، لدينا الركان التالية: المؤلف -9أن كلم مسيلمة الكذاب ل توجد فيه غيبيات. النص - القارئ أو السامع. فالقارئ يتعرف على المؤلف من خلل النص وقراءاته له، وليس ضروريا; أن يذهب القارئ إلى المؤلف ويجلس معه ليفهم منه ماذا يريد بكتابه. فإذا فهم القارئ النص مئة بالمئة كما أراده المؤلف، فهذا يعني أنه دخل إلى عقل المؤلف وصار مثله في المعارف الواردة في النص. وعندما يقرأ القارئ النص فإنه يوظف معلوماته المكتسبة تلقائيا

ليفهمه، فإذا لم يفعل ذلك فإنه يعطل فكره ول يفهم شيئا;، وهذا ما يحصل مع شديد السف عند الكثير من الناس حين يقرؤون آي الذكر الحكيم. ففي التنزيل الحكيم، ول المثل العلى، المؤلف هو ال مطلق المعرفة، والنص هو التنزيل الموحى، والسامع

هو الناس محدود المعرفة من زمن التنزيل إلى أن تقوم الساعة، بمختلف مداركهم ومعارفهم المتطورة دائما; والمتقدمة دائما.

Page 9: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

لهذا، ل يمكن لنسان واحد، أو لمجموعة من البشر في جيل واحد، أن يفهم النص القرآني بشكل كامل مطلق كما أراده . ولما كان ذلك67صائغه، وإل أصبح شريكا; ل في المعرفة، بدللة قوله تعالى (لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) النعام

كذلكن وأنه ل وحي ول تنزيل بعد محمد (ص) الخاتم، يضع النباء في مستقرها، فقد أخذ المؤلف باعتباره اختلف القارئ في الرضية المعرفية وفي المدركات، فجاء تنزيله يحمل ظاهرة التشابه، أي ثبات النص وحركة المحتوى، وجاءت الحكام في هذا التنزيل حنيفية، تحمل مرونة التطابق مع المتغيرات الزمانية والمكانية، في تحركها بين حدود ال الدنيا والعليا، تاركة للمجتمع وللرضية المعرفية في المجتمع صنع المعاني، واختيار النقطة الملئمة لها، ضمن هذه الحدود حصرا;، لتقف عليها

- ل يمكن فهم التنزيل الحكيم، من خلل فهم الشعر الجاهلي ومفرداته، فللجاهليين أرضيتهم العلمية، التي10وتأخذ بها. جاءت مفردات شعرهم عاكسة لها ومعبرة عنها ومقيدة بها، ونحن ل نجد كلمات أو مفردات عند العرب وقتها، تدل على الجاذبية الرضية أو على كرويتها، لنهم لم يعرفوها أصل. ولو حصرنا فهم التنزيل الحكيم بها، لما حق لنا أن نقول إن

المكتشفات الحديثة العلمية أكدت مصداقية القرآن. ومن هنا قلنا إن المجتمعات هي التي تشارك في صنع المعاني حسب تطور معارفها، لكن هذه التطورات نفسها محسوبة في التنزيل، بحيث مهما امتدت واتسعت، فسيجد النسان أنها منسجمة مع النص

- إضافة إلى ما ورد في الفقرة السابقة، فقد جاء التنزيل يحمل في ذاته تطويرا; لغويا11القرآني، مصدقة له، ودائرة في فلكه. لم يعرفه الجاهليون في لسانهم قبله. ففيه مفردات أتى بها من لغات أخرى غير العربية، وفيه أسلوب متميز بالنظم يخرجه كلية من دائرة الشعر أو الخطابة التي عرفها العرب قبله، وفيه مصطلحات مستحدثة انفرد بها، لم تكن موجودة قبله، وهذا وأشباهه كثير كثير، يؤكد استحالة اعتبار مفردات الجاهلية كافية بذاتها لفهم التنزيل الحكيم. هذه النقاط كمرتكزات للمنهج، -1هي التي انطلقت منها في محاولة فهم النص القرآني، على حين انطلق أصحاب الردود من مرتكزات أخرى مختلفة تماما: لقد اعتمد أصحاب الردود النظرية البنيوية في اللغة. ففصلوا الشكل عن المضمون، واعتبروا المحمول بعيدا; عن الموضوع ومسلوخا; عنه، وارتكزوا على الجانب النحوي في اللغة تاركين جانب البلغة والبلغ، ول غرابة في ذلك، فمرتكزهم هذا استمرار لظاهرة تاريخية بدأها الفقهاء والمتصوفة. لكن اللغة ليست مجرد علقات داخلية قائمة بذاتها ولذاتها، كالذرة مثل;، التي تقوم منفصلة عن النسان ببروتوناتها والكتروناتها وأوتارها الفائقة، إذ أن اللغة وظيفة إبلغية بين متكلم وسامع، وثمة

علقة تلزمية بين المحمول في اللغة والموضوع، إذا تركناها أو أهملناها، يصبح الخبر عبثا; ل معنى له. وإذا أنكرنا دور السامع في صياغة المعاني، نتجت لدينا نصوص لغوية منفصلة عن المجتمع ول علقة لها بالواقع، والتعقيد والعراب

- انطلق أصحاب الردود من أن السلف فهم2وضبط الشكل، إن كان يعين على فهم النص، إل نه ل يقيم فهما; مطلقا; بذاته. التنزيل فهما; مطلقا;، طبقا; لمعايير اللغة في العصر الجاهلي، ولكن ذلك إن كان صحيحا;، فإنه يعني تجميد التاريخ ووقف الزمن

وتطور المجتمعات إلى أن تقوم الساعة، وهذا مع السف ما تتبناه مدرسة السلفية، التي تريد للتاريخ أن يقف عند مرحلة السلف، وتحكم بالضلل على كل من يخرج عنها من مجتمعات أهل الرض، ومن هذا المنطلق تم التركيز على الحديث

- أصر أصحاب الردود على أن خير القرون هي القرون الثلثة الولى الهجرية في فهم التنزيل، ثم3النبوي وجعله مطلقا. يقف الفهم عند أهل هذه القرون. وكأن قوله تعالى (لقوم يعقلون) و(لقوم يفقهون) و(لقوم يتفكرون) جاء وقفا; على أهل هذه

- لم يفرق أصحاب الردود بين آيات4القرون، وكأن كل الناس بعدها تولد وتعيش وتموت دون عقل ودون فقه ودون فكر. القرآن والتفسير، وآيات الحكام وفقه الفقهاء، فهي عندهم في مقام واحد، لكنهم غفلوا عن أن السس العقائدية والتشريعية في آيات القرآن والحكام هي (المثال)، وأن التفسير والتطبيق المقهي هو (الواقع)، فالمثال من ال المطلق، والواقع من النسان النسبي، ل يمكن تطابقهما. فالتطابق معرفي نسبي تاريخي، ولهذا ل يحق لنا أن نقدم كتب الفقه والتفاسير على أنها السلم،

وإنما هي علوم إسلمية تحمل صفة التاريخية (الواقع)، وعلنيا تطويرها بأنفسنا، لنفسنا وللجيال القادمة، وكذلك الجيال من - أغفل أصحاب الردود التطور الهائل الذي حصل في القرون الثلثة الخيرة بعلوم الفيزياء والكيمياء واللغة. فعلوم5بعدنا.

اللسانيات، ونشوء اللغات، وارتباط اللغة بالفكر ونشوئه، تنامت واتسعت وتعمقت، وعلينا الخذ بها وعدم إغفالها، لما لها من أثر في آليات القراءة وإشكاليات التأويل، إذ تربط بين اللغة والفلسفة وتهتم بشكل رئيسي بعلم الدللت الذي أهملته مدارس

الترادف، وقضت عليه مدارس الظاهر. التي ينتمي إليها أصحاب الردود. فرأيناهم يهتمون بفصل الشكل عن المضمون، ول يهمهم أن يصل الناس من جراء هذا الفصل إلى حالة العدمية في تعاملهم مع اللغة. والعدمية هي أن تفقد الدالت مدلولتها،

فنصل إلى أن نقرأ النص قراءة ليس لها ما يقابلها في الواقع، ودون أن نكترث بصدق الخبر وانطباقه على الوجود، طالما أنه ل يخرج عما يسمى (قواعد تفسير النصوص). وليس أوضح للحالة العدمية من فهمنا لمقولة: كان ال ول شيء معه.

فأصحاب الردود يفهمونها بأن ال خلق الكون من العدم، الذي هو اللشيء عندهم! لكن قولنا إن اللشيء هو العدم، تعريف ل معنى له مطلقا. ونحن نرى أن الكون قبل أن يصير شيئا;، كان موجودا; فيعلم ال، وهذا ليس عدما;. ويرى أن الخلق كله كان

مدلولت مجردة في علم ال، ثم صارت أشياء لهم دالت نطابقها في الواقع، وهذا أيضا; ليس عدما. ونضرب مثال; سماه أصحاب الردود مآخذ، على تفسيرنا (البنون) بأنه البنيان في قوله تعالى (المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات

Page 10: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

. فإذا أخذنا بفهم السيوطي في الدر المنثور، وهو مقدس عند أصحاب46الصالحات خير� عند ربك ثوابا; وخيرا; أمل) الكهف الردود، نتج لدينا أن معنى الية: إن المال والذكور من الولد زينة الحياة الدنيا، وإن "سبحان ال والحمد ل ول إله إل ال

وال أكبر" خير عند ربك ثوابا; وخير أمل;. وتظهر فورا; أمامنا التساؤلت التالية: أ - إن كان معنى البنون في الية هو الولد الذكور، فأين البنات؟ وهل يعقل أن يتناقض سبحانه مع ذاته، حاشاه، وهو القائل (ألكم الذكر وله النثى * تلك إذن قسمة

، معيبا; على الجاهليين تفريقهم وتفضيلهم. أم يعقل أنه ألغى التساوي، حاشاه، بين الذكر والنثى في22، 21ضيزى) النجم ، وغيرها كثير كثير. ب - ما هي العلقة13 والحجرات 40 و غافر 97 والنمل 124 والنساء 195آيات تنزيله: آل عمران

التي تربط المال والولد الذكور من جهة، بسبحان ال والحمد ل ول إله إل ال وال أكبر، من جهة ثانية؟ وما هو الخبر القرآن المنطقي الصادق الذي يجب أن يفهمه السامع والقارئ من هذا القول ولو بعد مئة ألف عام؟جـ- ما هو موضوع محمول الية؟ أي ما هو الجانب الذي تتلبسه هذه المفردات في الواقع الذي إن بحثنا عنه وجدناه؟ وإنطلقا;، كما قلنا، من حتمية صدق

الخبر القرآني، ومن انتفاء الحشوية والعبثية عنه، ومن انسجامه مع الخبار القرآنية الخرى، فقد ذهبنا ممسكين بالخيط الرفيع اللغوي الذي ل يجوز تركه، في تفسير البنون على أنها من ب�ن�ن-بنى، وعلى أنها جمع جمع للبنيان. وذهبنا إلى أن

الباقيات الصالحات في الية هي الصدقات. ولم نكن نقصد فيما ذهبنا إليه، مجرد مخالفة المام السيوطي حبا; في الظهور، بل كان تجنب الوقوع في العدمية. فصار معنى الية كما رأيناه: المال والبنية، أي الملك المنقولة وغير المنقولة، زينة الحياة

الدنيا، لكن ذلك كله زائل، فل يبقى من العمل الصالح إل الصدقات التي تنفع الناس، فهي خير عند ربك من تلك الزينة وبهارج الحياة الدنيا. من هنا فقد أصبحنا نفهم بوضوح أكر، قول الفقراء من المسلمين للرسول (ص): ذهب أهل الدثور

بالجر. فإذا كانت الباقيات الصالحات هي الصدقات التي يستطيعها أهل الدثور من الموسعين، فأين أجر غير القادرين على الصدقة. ونفهم جوابه (ص): قولوا سبحان ال والحمد ل ول إله إل ال وال أكبر تصبحوا مثلهم. ثمة مثال آخر فيه كما أرى فائدة كبيرة، جاءني ذات يوم من يقول: أنت ضد المعجمية في اللغة، فلماذا؟ قلت أنا لست ضد المعاجم كعلم لتصنيف اللفاظ، لكنني ضد الطرف المعجمية التي يظن الكثيرون معها أنها جمدت اللغة والمعاني ضمن حدود ل خروج منها ول تجديد فيها.

؟ فقال باستغراب: أي قصر عالي البناء. قلت: وهل45قال: أعطني مثال;. قلت: ما معنى قوله تعالى "وقصرt مشيد" الحج هناك قصر في الدنيا غير مشيد، إل إذا أطلق على أرض تخلو من كل بناء؟ قال: كذا وردت عند السيوطي في الدر المنثور.

قلت: مالك وله (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ول تسئلون عما كانوا يعملون)، ألم تقرأ قوله تعالى (.. تتخذون . فإذا اعتبرنا القصور هنا العالي من البنية، رأينا في الية تكرارا74من سهولها قصورا; وتنحتون الجبال بيوتا; ..) العراف

وتضادا;، أو في أحسن الحوال عدم انسجام. لكن القصور في الساس هي قطع الراضي المسو�رة التي تحددها صكوك ملكية أي أن ال سبحانه وتعالى يعطينا خبرا; هاما; في هذه الية وهو ظهور الملكية الخاصة في الرض، والتي من معناها هذا جاء

قوله تعالى (حور� مقصورات� في الخيام)ن ومن معناها هذا جاءت تسمية الغرف الصغيرة في حمام السوق "مقاصير".من هذا كله نصل إلى خلصة القول، بأن ثمة منهجين مختلفين، بيني وبين أصحاب الردود، فل عجب أن نجد اختلفا; في

الستنتاجات. وبأن المشكلة ليست مشكلة ذكاء أو تقوى أو حسن نية، بل هي مشكلة اختلف النظام المعرفي المطبق. ثمة من قال بأن في الكتاب خطأ وصوابا;، ونقول إن الخطأ والصواب يحتاجان في تفريقهما إلى معيار، فما هو معيارهم في الفرز؟

ونرى أن الفضل استخدام مصطلح ملئم وغير ملئم بدل; من خطأ وصواب. فليس ثمة خطأ مطلق، أو صواب مطلق، ونحن حين نكتشف اليوم عند ابن كثير في تفسيره أو عند السيوطي في دره، أغلطا; وأخطاء;، في ضوء تطور المعارف وتقدم

العلوم، فإنما نكتشفها في ضوء التطور والتقدم، أما لو كنا معاصرين لهما، لحملنا آراءهما، وكان ميزانيا; وقتئذ هو ميزانهما : "إن كل361نفسه. فقرة أخيرة أختم بها ردي على الردود وأصحابها، أقتبسها من كتاب "اغتيال العقل" لبرهان غليون ص

ثورة فكرية تبدأ من تحرير المفاهيم من سياقاتها الماضية، ودمجها في سياقات وإشكاليات جديدة، فنتخلص من مدلولتها السابقة المرتبطة بخبرة زائلة، وتصبح مركزا; لبلورة وتخزين خبرة جديدة. فليس هناك مفاهيم أو مقومات ثابتة المعنى وأبدية،

إنما تأخذ دللت ومعاني جديدة ومتجددة، كليا; أو جزئيا;، حسب المناخ الجتماعي الذي يحيط بها، والحقل المعرفي التي توظف فيه والمنظومة الفكرية التي تستوعبها، وتجدد الفكار والمفاهيم نابع من تجدد الشكاليات والمسائل النظرية".والحمد

ل رب العالمين

هـ1414 ذي القعدة 17م 1994 نيسان 28دمشق

الدكتور المهندس محمد شحرور

الفصل الول: السرة

Page 11: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

كان النسان القديم في الفترة ما بين آدم ونوح، ما زال قريبا; من المملكة الحيوانية، من حيث المعاش والمأكل والمسكن والسلوك، دون أي تشريع سماوي، إل النذر. وهي ملئكة تأتي مشخصة لتنذر. وإنذاراتها للدللة فقط على وجود ال

والتعريف به، دون أية تشريعات أخرى. وكان التجريد في أوائله، حيث لم يظهر في أبسط صوره إل في عهد نوح، حين اكتمل أول مجتمع إنساني بلغة مجردة، وطبقات اجتماعية (المل، الكهنة، الراذل). في هذه المرحلة، التي كان السلوك 213النساني ما زال فيها موحدا; في كل أماكن الرض (كان الناس أمة; واحدة; فبعث ال النبيين مبشرين ومنذرين ..) البقرة

حيث ل توجد وسائل إنتاج، والمعاش هو الصيد، والسكن هو الغابات والكهوف، والنتقال على القدام، لن النعام لم تكن مذللة بعد، في هذه الفترة تم� اكتشاف النار. وبما أنه لم تكن توجد أية تشريعات، فقد كانت المور السرية أمورا; مشتركة بين

النسان والبهائم، وخاصة العليا منها، أي أن السرة كانت على أساس بهيمي بحت، الم فيه هي ربة السرة، وذلك لعدم ، وبالتالي فقد كانت العلقة السرية، من حيث)1(ظهور محارم نكاح، فعند البهائم ل يوجد في المجال الجنسي اسمه المحارم

النكاح، بهيمية، تظهر فيه المرأة كرب السرة، وليس الرجل. فالمرأة هي التي تعرف أولدها، أما الرجل فدوره ينحصر في الخصاب كالبهائم. لم يكن مفهوم الخلق في تلك الفترة موجودا;، فأول مفهوم أخلقي أسري ظهر عند النسان هو مفهوم أنه

تعر�ف على أمه وأبيه، فخطا بذلك أول خطوة في البتعاد عن المملكة الحيوانية، تمثلت في مفهوم بر الوالدين، الذي لم يكن موجودا; في المملكة الحيوانية. فالم ترعى أولدها بدافع غريزة المحافظة على النوع، ولكن لم يكن يوجد العكس، بأن يبر

الولد بالم والب. كانت أسرة المومة، إذن، هي النواة الولى في المجتمع، ومع التقدم ظهر مفهوم أخلقي معاكس للطبيعة الحيوانية، هو ظهور أسرة الرجل. وكان ل يمكن لهذا المفهوم أن يظهر إل بظهور تخصص بالعلقات الجنسية دون تشريع،

وإل بظهور وعي الولد لوالديهم. لهذا، نرى في الوصايا (الفرقان) أن وصية (وبالوالدين إحسانا;) جاءت مباشرة بعد قولهتعالى (أل تشركوا به شيئا;). لقد جاءت النذر بمفهوم وحدانية ال، في فترة النسان القديم آدم-نوح) واستمرت بعدها (هود-

. وفي هود (واذكر أخا عاد24لوط-ابراهيم) ففي نوح (ولو شاء ال لنزل ملئكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الولين) المؤمنون وفي لوط (ولما جاءت رسلنا لوطا; سيء بهم21إذ أنذر قومه بالحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ..) الحقاف

. أما مفهوم بر الوالدين،31. وفي ابراهيم (ولما جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى ..) العنكبوت 77وضاق بهم ذرعا..) هود كأول مفهوم أخلقي تم فيه التمييز المباشر عن البهائم، فقد ظهر أول مرة في تاريخ النسان عند نوح (رب اغفر لي ولوالدي

. وأما العلقات الجنسية فكانت علقات بهيمية مباحة، ولم يظهر مفهوم الزنا إل� في وقت28ولمن دخل بيتي مؤمنا; ..) نوح متأخر، حيث بدأ ال سبحانه بتحريم اللواط عند لوط، وبتحريم الفواحش (الزنا) عن موسى، ثم أكمل موضوع الفواحش بتحريم اللواط والزنا والسحاق عند خاتم النبياء محمد (ص)، فلو كان قبل موسى، مما نتبين معه بشكل قاطع أن تحريم

اللواط جاء قبل تحريم الزنا. ولكن كيف انتقلت السرة من المومة إلى البوة؟لقد ظهر هذا النتقال مع ظهور مفهوم الملكية، أي مع ظهور الحاجة إلى الدفاع عن المجال الحيوي للسرة، حيث ظهر التدخل الحاسم للرجل في رئاسة السرة. فالحاجة

الغريزية إلى الطعام والشراب والمأوى، والجهد في الحصول عليها والدفاع عنها، جعل من الرجل رئيسا;، لنه القوى. فظهر مفهوم رب السرة كرجل أول;، ثم كرجل أقوى ثانيا. فكانت هذه بذاتها البذور الولى لظهور الدولة ورئاسة الدولة. ومع ظهور المجال الحيوي للمعاش، والدفاع عنه وعن البقاء، ظهرت بذر الدولة. علما; أن الزراعة والنعام المذللة لم تكن قد

وجدت بعد في هذه الفترة، والمجال الحيوي الوحيد هو مجال الدفاع عن البقاء والطعام الطبيعي (خيرات طبيعية + الصيد المتوفر). أخذ هذا المجال الحيوي بعدا; إضافيا;، بعد اكتشاف النسان للنار، حيث استعمل النسان النار في الدفاع عن مجاله الحيوي ضد الخرين وضد الحيوانات، وأصبح قادرا; على توسيع مجاله الحيوي على حساب السر التي لم تستطع امتلك(هذا السلح. ثم تطورت وسائل انتاج النار بالحتكاك، وظهرت تجمعات انسانية يرأسها الذكر القوى عضليا;، وليس فكريا;

، في الدفاع عن المجال الحيوي وتوسيعه. وبدأ ظهور التمايز بين القوى والضعيف، فكانت الحياة للقوى فقط، ويتم تبديل)2 السلطة بظهور شخص يغلب الرئيس الموجود ويزيحه، وهذا ل يتم إل بالقتل، إذ كان مفهوم التزاحم ضعيفا; جدا;، إن لم يكن

معدوما. فالحياة المادية هي المسيطرة، دون أية قيم اجتماعية أخلقية. ثم ظهر مفهوم التقرب من اللهة، بالقرابين المادية على شكل ذبائح حيوانات أو انتاج طبيعي كالقمح والعسل. ثم تحولت إلى ذبائح بشرية مع ظهور الوثنية، التي كانت عبادة مظاهر الطبيعة أولها. أما من الناحية المعرفية، فكانت معارف النسان تقليد ما حوله من أصوات الطبيعة والحيوانات، فكانت بداية

اللغة المجردة، التي أعطي آدم المصطفى معها القفزة الولى بالتوبة والشعور بالذنب. واستمرت عملية التجريد بشكل بطيء مع تنامي الحياة الجتماعية (أسرة المومة فأسرة البوة) التي أتاحت لبعض الناس فهما; بدائيا; لقوى الطبيعة المباشرة

(حيوانات مفترسة، رياح، أمطار، برق، رعد، شمس، قمر) وتكرست لهذه الظواهر قوى خفية، ظهر معها مفهوم الوثنية الطبيعية. والسبب الساسي في ظهور هذه الوثنية، هو ربط ظواهر الطبيعة المباشرة بالحساسات الداخلية للنسان (الخوف، الجوع، اللذة، اللم، المرض) فربط الرعد والبرق مع الخوف، والشمس بالطعام … وهكذا. فكان ال يبعث النذر بشكل مادي

للنذار بوجود ال الواحد. وتحول الناس الذين حاولوا فهم مظاهر الطبيعة المادية، وأعطوها قوى خفية، وربطوها

Page 12: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

بالحساسات الداخلية للنسان إلى كهنة وعرافين. وهكذا ظهرت طبقة رجال الدين بأبسط صورها، وأخذ المجتمع ينقسم إلى ثلث شرائح متمايزة بعضها عن البعض الخر: الولى، السلطة السياسية، وتميزت بالقوة الجسدية والعضلية. الثانية، رجال

الدين (كهنة وعر�افون) وتميزت بالقوى المعرفية ولعبت الدور الستشاري للشريحة الولى (الحرب، الطب، التنجيم). الثالثة، الراذل (بقية الناس). وكانت هذه الشرائح الثلث تمارس نشاطها ضمن ما يسمى بالمجال الحيوي للمجموعة. ونمت هذه المجموعة باندماج السر بعضها مع بعض بالغلبة، فتوسع المجال الحيوي للمجموعة واتسع عددها، علما; أن التشريعات

اللهية والمعارف ضمن هذا المجال، كانت أولية تتعلق كلها بالعالم المحيط المباشر، وكانت معظم المعارف غيبية ت¢عرى إلى قوى غير مرئية انطلقت من عالم المشخص (روح الشمس، روح البرق، روح الرعد). لهذا فقد مارس الكهنة في ذلك الوقت،

مشاورة رأس المجموعة والتطيب، وتم الحصول على المتيازات. وكانت الشريحة الولى (السلطة السياسية) مع الشريحةالثانية (السلطة المعرفية) متضامنة متكافلة يدعم بعضها بعضا;، تعيش على حساب عمل الخرين، لن الكهنة ل يعملون.

تطور السرة وظهور المجتمع

/<a . ثم وعي الم والب للولد، أي ظهور المحارم في> قلنا إن بداية السرة كانت امومة، ثم أبوة النكاح، ثم وعي الولد للم والب، دون ظهور مفهوم الفاحشة، وقد جاءت كل هذه المراحل في آيتي

)1النكاح: ) - U ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إل ما قد سلف، إنه كان فاحشةU ومقتا وساء سبيل حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالتكم وبنات الخ وبنات الخت - (2. 22النساء

وأمهاتكم اللتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللتي في حجوركم من نسائكم اللتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فل جناح عليكم وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم

النساء ) يكمن في اليتين. 23وأن تجمعوا بين الختين إل ما قد سلف إن ا كان غفورا رحيمافالتسلسل في الية . هو 23المذكورتين آنفا سر نشوء المجتمعات النسانية، ويعكس تطور السرة

تسلسل تاريخي، يعكس تطور المجتمعات النسانية الواعية، والعلقة الواعية بين الفراد التي تشكل فهمفسار التطور النساني باتجاه توسيع دائرة المحارم في. السرة كبنية تحتية أولية لي تجمع انساني

إذ أن أي زيادة في المحارم هي تطور في اتجاه الحضارة وليس. النكاح، وبالتالي توسع دائرة السرعوكما قلت في نظرية الحدود. ، أن اليتين هما الحد الدنى للمحارم، ويمكن للنسان الزيادة)3(العكس

) : ( ل تجمعوا بين البنت( حيث زاد في عدد المحارم بقوله ص عليهما اجتهادا، بدلي ما فعله النبي ( ) كانت صعودا ضمن حدود ا، وهذا تعليم لنا بأن نتيجة). ص وهنا نلحظ أن حركة النبي وعمتها

فإذا ألغينا اليتين السابقتين من أي مجتمع انساني، فإنه يعود. صعودا، ل أن نقف عند الية فقط مباشرة إلى المملكة الحيوانية في المشاعية الجنسية ومشاعية النسل، مما يؤدي إلى انهيار المجتمع

بأكمله، ول يمكن أن نطلق عليه مصطلح مجتمع انساني لن كلمة السرة تتلشى ليحل محلها قطيع.ولو بدأنا بالمحارم. وفي هذه الحالة ل تفيد المجتمع الدبابات والسلحة النووية والتقدم العلمي والتقني

: 23بالترتيب الذي وردت عليه في الية : 1لوجدنا هي أول المحارم التي بدأ مجتمع المومة بها، - المU، لذا فقد كانت هي ربة السرة، لنها هي التي تلد، وقد تشكلت السرة الولى من وعي الولد للم أول استمرارا لما هي عليه المملكة الحيوانية، مع فارق أن الحيوان، في مرحلة معينة، يترك أمة، ول يتعرف

( ، أما في النسان فالبن يتعرف على أمه حتى بعد سن( تصرف غريزي عليها بعد سن الحضانة فتشكلت بداية السرة مع امتناع البن عن معاشرة أمه جنسيا لوعيه لها، وهذه علقة انسانية. الحضانة

. 2واعية غير غريزية، فكانت الم أول المحارم. : ونلحظ هنا أن - هي المرحلة الثانية للمحارم البنت. 31الخطاب موجه للذكر، بعكس الية ويجب، في هذه من سورة النور، التي تخاطب الناث المؤمنات

وبما أن الكلم عن النكاح،. الحالة حتى يستوعب الذكر الخطاب، أن يكون وعي الب لبنته موجودا .( لكن هذا الوعي جاء متأخرا عن( الناضجة جنسيا وجب أن يكون الب واعيا لبنته المؤهلة للخصاب

وعي الولد لمهاتهم، فعندما وعى الولد أمهم بادئ ذي بدء، كانت علقة الب الذكر بابنته غير محرمة،: 3ثم جاء وعيه لبنته فدخلت التحريم. هذه المحرمة الثالثة أكملت الركيزة الساسية في - الخت

المحرمات، التي اكتملت بها السرة النسانية، خلية المجتمع الولى في أبسط أنواعها، متميزة عن السرة

Page 13: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

كانت هذه المحرمات الثلث. الحيوانية، فاكتمل بوعي الخت الناضجة جنسيا، هذا الثالوث من الوعيوباكتمالها. الركيزة الساسية في تشكيل وحدة المجتمع النساني الولى، وهي السرة بأصغر أشكالها

كان اليذان بانتقال أسرة المومة إلى أسرة البوة، حيث الذكر ل ينكح أمه ول ابنته ول أخته، وبالتالي فهوكانت المحارم. يعي أمه وأخته وابنته، وبدون هذا الوعي ل يمكن كما قلنا لسرة البوة أن تتشكل

الثلث موجودة في مجتمع نوح، باعتبارها الحد الدنى لقيام مجتمع انساني، لذا كان مفهوم بر الوالدين الوصية الوحيدة بعد التوحيد، في رسالة نوح، علما بأن وعي الوالدين حصل عند النسان قبل نوح، لقوله

(.. ) نوح : رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات .28تعالى على لسان نوح) : قال نوح رب إنهم. ولقوله تعالى على لسان نوح أيضا فقد بينت هذه الية وعي البناء للباء

نوح ) فأوضحت هذه الية وعي الباء للبناء، أي 21عصوني واتبعوا من لم يزده ما له وولده إل خسارا) مجتمع. ول يوجد في قصة نوح ما يدل على الرق في المجتمع الوعي المتعاكس بين الباء والبناء

. : أما المحارم) المل، الكهنة، الراذل بل كان مجتمع السرة الولية ومجتمع الطبقات الثلث العبيد فإنها أتت متأخرة، بعد أن كانت العلقات الجنسية مفتوحة ومتروكة للعراف، إذا كانت هناك أعراف.

ويخبرنا القصص القرآني بأن أول ما حرم ا من الفواحش، بعد. وأما الزنا كفاحشة فلم يكن موجودا (.. ) العنكبوت . إنكم لتأتون لفاحشة كما ورد على لسان لوط علما 28اكتمال السرة الولية، هو اللواط

بأن نكاح النساء من غير المحارم الواردة أعله، كان وقتها ل يعتبر فاحشة، كما جاء على لسان لوط في (.. هود ( قال يا قوم هؤلء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا ا ول تخزون في ضيفي تzرى. 78قوله تعالى

هل كان يعرض عليهم الزواج ببناته، وهل كان عنده عدد من البنات يساوي عدد الذكور في قومه لنفعل هذان أم كان يعرض عليهم الناث عوضا عن الذكور؟ ويخبرنا القصص القرآني كيف صرف ا سبحانه

الفاحشة عن يوسف، بنكاح امرأة العزيز في قوله تعالى ولقد هم~ت به وهم~ بها لول أن رأى برهان(يوسف ) ترى هل كان يقول ذلك. 24ربه، كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين

لو كان يوسف يعلم أن نكاح امرأة العزيز من الفواحش؟ هنا سمى ا نكاح المرأة الغريبة لول مرةأما بقية المحارم. فاحشة في عهد يوسف، إل أن الزنا لم يحرم بشكل قطعي إل في كتاب موسى

: 23الواردة في الية وعماتكم وخالتكم وبنات الخ وبنات الخت، فقد جاء حلقة في في سورة النساء توسيع دائرة السرة الولية، حصلت مع تطور النسان، ومع توسع وعي السرة، حتى شمل هذا الوعي

) ( ) ( ) ( مفهوم( وبنت الخت مفهوم العم أخ الب وبنت الخ أخت الم والخالة أخت الب العمة هذا التوسع أدى إلى نشوء مفهوم السرة الكبيرة، التي سميت فيها بعد العشيرة،). الخال أخ الم

لقد حصل هذا التطور ضمن أعراف محلية، ثم بشرائع سماوية متنامية،. وتطورت من ثم~ إلى القبيلة 23بدليل أننا ل نجد نكاح بنت الخ وبنت الخت موجودا ضمن المحارم في كتاب موسىلقد وس~عت الية .

. 13من سورة النساء المحارم، حتى شمل عددها ( ونلحظ، كما). وهذا هو الحد الدنى من المحارمالم من الرضاعة، الخ: أسلفنا، أن الرسالة المحمدية ضافت إضافات لم تكن محرمة في الجاهلية هي

( ) ليشير إلى. وكان ا غفورا رحيما وتأتي خاتمة الية من الرضاعة، الجمع بين الختين، امرأة البوهكذا نرى. أن نكاح المحارم المذكورين فيها، قد سلف خلل التطور التاريخي وأن ا قد غفر ما سلف

وقد. النسانية، من زاوية العلقات الجنسية، تسير إلى المام، لتبتعد في سيرها عن المملكة الحيوانية . نسوق. ودعمته الحداث لتاريخية والمكتشفات الثارية أظهر القصص القرآني هذا التجاه بكل وضوح

لقد - 1هنا أمثلة تبين هذا التطابق، وكيف نفهم صدق الخبر القرآن في ضوء التاريخ والمكتشفات: كانت ظاهرة اللواط في قوم لوط ظاهرة علنية، دخلت في بنية العلقات الجتماعية، حتى أصبحت جزءا

ولوطا إذ قال لقومه( مميزا لحضارتهم في شكل طقس تعبدي ولهذا جاء ذكرها في التنزيل الحكيم العراف ) أئنكم لتأتون الرجال وتقطعوا. (80أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد� من العالمين

السبيل وتأتون في ناديكم المنكر، فما كان جواب قومه إل أن قالوا ائتنا بعذاب ا إن كنت منالعنكبوت ) :29الصادقين ونلحظ ثلثة أمور في آية العنكبوت.

. تأتون الرجال- أ

Page 14: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

. تقطعون السبيل- ب . تأتون في ناديكم المنكر- جـ

فإتيان الرجال يصرف عن إتيان النساء، ويقطع لنسل بالنصراف عن سبيل النسل، ولما كانت سبيلأما إتيان المنكر في النوادي والمنتديات، فإشارة واضحة إلى. النسل واحدة فقد جاءت في الية معر~فة

..) قال يا. يوضحها أكثر قوله تعالى أن الممارسة علنية وأن اللواط ظاهرة اجتماعية عند قوم لوطهود ..) (.. 78قوم هؤلء بناتي هن~ أطهر لكم أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس. وقوله تعالى

النمل ) (2. 56يتطهرون جنوب طرطوس على الساحل - لقد أظهرت الحفريات في منطقة عمريت . فإذا وهبت امرأة نفسها للمعبد، كان لكل) أن العلقات الجنسية من الممارسات التعبدية فيها السوري

ونجد أن الحفريات مئات التماثيل الفخارية المصغرة والمكبرة لعضاء. من يدخل المعبد أن يطأها . مما يدلنا. الذكورةكما نجد أن النصب الكبير للمعبد في عمريت، تمثال مك~بر لعضو الذكر التناسلي

بوضوح على الشبكة الكبيرة بين حضارة عمريت وقوم لوط، مع فارق أن الجنس في عمريت كان بينكما يدلنا بوضوح على أن النسانية تسير في حضاراتها. ذكر وأنثى، بينما هو عند قوم لوط بين ذكر وذكر

برقي متصاعد بعيدا عن المملكة الحيوانيةفنحن ل نجد اليوم ول حضارة ترفع مكب~رات العضاء. على عكس ما ينثره البعض. التناسلية على أنصاب، وتفتح لها المعابد، وتفرد لها الطقوس والشموع

لقد ذكر ا سبحانه - 3على رؤوسنا في المناسبات، أن الكون والنسان يسير إلى الرذل والسوأ. والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها( مريم بنت عمران في تنزيله، وامتدحها بقوله

النبياء ) فأخبرتنا الية أنها وصلت إلى سن النضوج الجنسي وهي عذراء محص~نة- 91وابنها آية للعالمينفإذا جاءنا اليوم في القرن العشرين شخص يقول إن فلنة. لم يمسسها بشر، وهذا في مقام المديح

U، وما تزال عذراء محصنة، فلن نرى أية غرابة في هذا الخبر، من الناس، وصلت إلى سن العشرين مثللكننا إذا رجعنا إلى التاريخ، نرى أن مريم عاصرت الحضارة الرومانية، التي اشتهرت. لن مثلها بيننا كثير

بالدعارة، والباحة الجنسية العلنية، فنفهم أن ظاهرة الحصانة والعذرية في مثل ذلك المحيط، أمر( ) ، كان عليه أن ينجو م. ص U، هو النبي يحيى يستحق المديح والتخليدثمة نبي آخر، عاصر وصفا ممثال

.( فهل في( محصورا عن الجنس الفسق في وقته، فجعله ا حصورا، أي غير مؤهل للعلقة الجنسية في ذروة الحضارة - 4حضارات اليوم ممارسات للجنس تماثل التي كانت في عهد السيد المسيح؟

( كان يتم جلب آلف الماء إلى أسواق النخاسة، حتى طغى( دمشق، بغداد، القاهرة العربية السلمية عددهن على عدد الحرائر، فهل يستطيع القارئ تصور العلقات الجنسية التي سادت وفتئذ� فأدت إلى أن

ترتدي الحرائر لباسا خاصا يميزهن عن الماء، من بينة غطاء الوجه، الذي ورثناه باسم الحجاب الشرعي هكذا نرى أن النسانية والحضارات، كما قلنا، تسير إلى المام في أمور العلقات الجنسية، وليس…

إلى الوراء، كما يطيب للبعض أن يصو~ر لنا المور معكوسة.

Page 15: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

إذا أثبت العلم وجود بهائم من فصائل عليا ل تنكح أمهاتها، فهذا يدل أولU على اشتراك البشر والبهائم في النفور من نكاح) 1(ويؤكد ثانيا أن أول المحارم في النكاح هو الم وأن تسلسل. الم مما يعني أن تحريم نكاح الم فطري وليس مكتسبا

التحريم في الية فطري ثم أنتروبولوجي.

Page 16: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

نؤكد هنا على مفهوم القوى، وليس مفهوم الدهى أو الحنك، لن مفهوم الدهاء والحنكة ظهر بعد أن تعقدت الحياة) 2(الجتماعية وزادت الشهوات النسانية.

)3) / قراءة معاصرة، ص) ).453انظر الكتاب والقرآن

الفصل الثاني: المة

قالت تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث ال النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اختلف فيه إل الذين أتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا; بينهم، فهدى ال الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من

. ونرى في هذه الية أن مفهوم الية أن مفهوم المة213الحق بإذنه، وال يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) البقرة وجد قبل أن يبعث ال أي نبي ونراها تؤكد، بما ل يقبل الرد، على أن آدم ليس أبا البشر، وليس نبيا. فأول نبي رسول ذ¢كر في التنزيل الحكيم هو نوح عليه السلم. وفي عهده وصل النسان إلى أبسط لغة مجردة، وشكل بالتالي مجتمعا

واعيا. وقد أطلق التنزيل الحكيم مفهوم المة، من ناحية، على التجمعات النسانية الكثر بدائية قبل نوح، كما أطلقه، من ناحية أخرى، على البهائم في قوله (وما من دابة في الرض ول طائر يطير بجناحيه إل أمم أمثالكم، ما فرطنا في

.38الكتاب من شيء، ثم إلى ربهم ي¢حشرون) النعام كما استعمله من ناحية أخرى على التجمعات النسانية الحديثة في قوله تعالى (ولتكن منكم أمة� يدعون إلى الخير

وأخيرا; استعمله للفرد في قوله تعالى104ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون) آل عمران . فلماذا استعمل مفهوم المة هذا الستعمال120(إن إبراهيم كان أمة; قانتا; ل حنيفا; ولم يك¢ من المشركين) النحل

الساسي، وبدأ بها أمر الناس؟جاء مصطلح المة من (أم) ولهذا الصل في اللسان العربي معانt عدة:

- فمنه جاء (المام) وهو الذي يقود الناس فيتبعونه في سلوكه وفي مقالته، كما في قوله تعالى: (.. واجعلنا للمتقين1 وقوله تعالى: (فقاتلوا أئمة الكفر ..) التوبة71 وقوله تعالى: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم ..) السراء 74إماما) الفرقان

.73 وقوله تعالى (وجعلناهم أئمة; يهدون بأمرنا ..) النبياء 12 - ومنه (المي)، وهو ما أطلقه اليهود على مجموعة الناس التي تجهل تعاليم الدين اليهودي، ثم عمموه على كل2

الناس من غير اليهود، فقالوا عنهم أميين. وانظر معي كيف استعمل العرب لفظة المي، كما وردت في التنزيل الحكيم.)1(2، وفي سورة الجمعة الية 75 و20تماما;، في آل عمران

فعندما هزم الفرس الروم ودخلوا بيت المقدس، قبل الهجرة، وكانت عواطف المسلمين مع الروم، وعواطف المشركين.)2(من قريش مع الفرس، قالوا المشركون للمسلمين: أنتم والنصارى أهل كتاب، ونحن والفرس أميون

- ومنه (المة) وهي الفترة من الزمن كما في قوله تعالى (وقال الذي نجا منهما واذكر بعد أمةt أنا أنبئكم بتأويله3.45فأرسلون) يوسف

- ومنه (المة) بمعنى السبيل والطريق والثر كما في قوله تعالى (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمةt وإنا على آثارهم4.22مهتدون) الزخرف

فاستعمال التنزيل الحكيم مصطلح المة على هذا النحو الواسع، يدل على أنه استعمال أساسي، وأن له معنى هو القاسم المشترك لكل هذه الستعمالت. فإذا عدنا إلى (المام)، الذي أتم الناس في سلوكه، وبيده توجيه السلوك المشترك عند

الناس، فإذا قام قاموا، وإذا قعد قعدوا، نفهم لماذا استعمل مصطلح (المم) للناس والبهائم معا;. فهناك سلوك مشترك عندالنمل والنحل والقرود، وهو ما يدرسه علم سلوك الحيوان، ومن هنا قال تعالى (أمم أمثالكم)، أي من زاوية السلوك. لقد كان الناس ضمن المملكة الحيوانية، ثم تأنسنوا، وبدأوا بالبتعاد عن هذه المملكة، لكن بقي عندهم سلوك مشترك

قريب من المملكة الحيوانية، لم يتطور في تلك الفترة التي سميناها فترة ما قبل التاريخ، ليشكل اختلفا; في السلوكالواعي بين أمة وأخرى، ولهذا قال تعالى (كان الناس أمة واحدة).

إن فترة ما قبل التاريخ هذه، فترة ما قبل نوح وما قبل النبياء: هي الفترة النتقالية بين آية (وما من دابة في الرض ول طائر يطير بجناحيه إل أمم أمثالكم) وبين آية (كان الناس أمة واحدة فبعث ال النبيين). إذ بدأت المجتمعات النسانية، بعد هذه الفترة، بالتشكل، وظهرت المعارف بالنبوات والتشريع بالرسالت، وبدأت مرحلة اختلف الثقافات والسلوك،

، هذه المرحلة التي استمرت إلى118وهي مرحلة (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ول يزاولون مختلفين) هود يومنا هذا، وسيستمر فيها اختلف الثقافات وتباينها إلى نهاية التاريخ.

،123المة مجموعة مخلوقات عاقلة من النس لها سلوك موحد، كما في قوله تعالى (كان الناس أمة; واحدة ..) البقرة أو38أو من النس والجن كما في قوله تعالى (قال ادخلوا في أممt قد خلت من قبلكم من الجن والنس ..) العراف

Page 17: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

مخلوقات غير عاقلة كما في قوله تعالى (وما من دابةt في الرض ول طائرt يطير بجناحيه إل أمم أمثالكم ..) النعام . ومع التطور التاريخي، تغيرت السلوكيات بين الناس والتجمعات النسانية، بتطور المعارف والشرائع والعادات،38

فأصبح الناس أمما;، وهذا من نواميس رب العالمين (وما كان الناس إل أمة; واحدة; فاختلفوا ولو كلمة سبقت من ربك.19لقضي بينهم فيما يختلفون) يونس

والمة هي ما نطلق عليه بالمصطلح الحديث (الثقافة)، وهي حلقة في سلسلة متوالية على امتداد عصور التاريخ القديم منها والمتوسط والحديث، وهي ما أشار إليه تعالى في قوله (كذلك أرسلناك في أمةt قد خلت� من قبلها أمم� …) الرعد

.)3(. وانظر في تعريف الثقافة ما ورد عند الدكتور معن زيادة واقتطفنا منه بعض الفقرات في نهاية هذا البحث30 فإذا أخذنا اليات التي ورد فيها مصطلح المة في التنزيل الحكيم، نراها ل تخرج عن هذا المعنى إل في اليات التي

. فالحساب يوم)4() 23 والزخرف و45يأخذ فيها المصطلح معنى الفترة النتقالية أو معنى السبيل والطريق (يوسف القيامة يقوم على أساس السلوك والعمل، لهذا فقد دمج سبحانه مجموعة الناس ذات السلوك المشترك، بغض النظر عن

اللغة، في مصطلح المة، بقوله عن مشاهد يوم القيامة (ويوم نبعث¢ في كل أمةt شهيدا; عليهم من أنفسهم، . وبقوله تعالى (ويوم نبعث من كل أمةt شهيدا; ل يؤذن¢ للذين كفروا ول هم89وجئنا بك شهيدا; على هؤلء ..) النحل

-75-وبقوله تعالى (ونزعنا من كل أمةt شهيدا; فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق ل ..) القصص 84ي¢ستعتبون) النحل ، وبقوله تعالى28وبقوله تعالى (وترى كل أمةt جاثية;، كل¤ أمةt تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون) الجاثية

.38(قال ادخلوا في أممt قد خلت� من قبلكم من الجن¦ والنس¥ في النار، كلما دخلت امة� لعنت أختها …) العراف وبما أن الختلف في الشرائع والمعارف والعادات والسلوك بدأ منذ أن بعث ال النبيين، أي منذ نوح، فقد قال تعالى

.48(قيل� يا نوح¢ اهبط بسلمt منا وبركاتt عليك وعلى أممt ممن معك، وأمم� سنمتعهم ثم يمس§هم منا عذاب� أليم) هود وحين ب¢عث محمد (ص) كانت ثمة أمم سبقت، واختلفات في الشرائع حصلت، فقال تعالى (ولقد أرسلنا إلى اممt من

، وقال تعالى: (… لكلt جعلنا منكم شرعة; ومنهاجا;، ولو42قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) النعام ونلحظ هنا الربط المباشر بين الشرع والمنهاج والمة.48شاء ال لجعلكم أمة; واحدة; …) المائدة

وليبين وحدة اللوهية واختلف السلوكية بين الناس في تعظيم هذه اللوهية، قال تعالى (ولكل¦ أمةt جعلنا منسكا; هم ونلحظ هنا الربط بين المنسك67ناسكوه، فل ينازع¢نك في المر، وادع¢ إلى ربك، إنك لعلى هدى مستقيم) الحج

والمة. وعندما يلوم سبحانه الناس في اتباعهم للسلف على أساس السلوك والعقيدة والنظرة إلى الكون، فهو يلومهم كأمم، كما

ونلحظ أن المة هنا هي الطريقة في23في قوله (… إنا وجدنا آباءنا على أمةt وإنا على آثارهم مقتدون) الزخرف النظر إلى الكون والحياة والسلوك.

ولبيان أن الحرية النسانية والختلف بين المم من نواميس رب العالمين وقوانينه فقد قال تعالى (ولول أن يكون ونفهم أن ال33الناس أمة; واحدة; لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سق¢فا; من فضةt ومعارج عليها يظهرون) الزخرف

لو أراد للناس أن يكونوا أمة واحدة ذات سلوك واحد ونظرة واحدة إلى الكون، لما استطاع المخالف أن يخالف نواميسرب العالمين، واستعمل سبحانه في الية مصطلح (الرحمن) ليؤكد على أن هذا القانون مادي عام.

وعندما يطلب ال سبحانه وتعالى من الناس القيام بعمل مشترك، والخذ بقناعة مشتركة، يطلب ذلك على أساس المة، وفي قوله تعالى (كنتم خير أمةt أخرجت104كما في قوله تعالى (ولتكن منكم أمة� يدعون إلى الخير …) آل عمران

.110للناس تأمرون بالمعروف¥ وتنهون عن المنكر وتؤمنون بال ..) آل عمران وعندما يذكر ال سبحانه التطور التاريخي، يذكره في قالب تطور العبادات والسلوكيات والشرائع، والختلف بينها،

واندثار أمم وظهور غيرها، واندثار ثقافات وظهور ثقافات أخرى جديدة، كما في قوله تعالى (تلك امة� قد خلت�، لها ما ، وفي قوله تعالى (ولكل¦ أمةt أجل�، فإذا جاء141 و134كسبت� ولكم ما كسبتم، ول ت¢سألون عما كانوا يعملون) البقرة

.34أجلهم ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون) العراف وعندما يميز سبحانه قوم موسى، يميزهم على أساس المة، كما في قوله تعالى (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا; أمما

، ونلحظ هنا كيف حدد أن قوم موسى واحد، ولكن عدة أمم. وفي قوله تعالى (ومن قوم¥ موسى أمة160…) العراف ، ونلحظ هنا كيف سم�ى مجموعة من قوم موسى أمة، أعطاها صفة مشتركة159يهدون بالحق وبه يعدلون) العراف

في الهداية بالحق والعدل به. وعندما يطلب سبحانه من الناس اللتزام بالعبودية له، واللتزام بتقواه، يطلب ذلك منهم على أساس المة، كما في قوله

Page 18: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

، وفي قوله تعالى (وإن هذه أمتكم أمة; واحدة; وأنا ربكم92تعالى: (إن هذه أمتكم أمة; واحدة; وأنا ربكم فاعبدون) النبياء ، مبينا; أن العبودية والتقوى مطلوبتان من كل الناس، والناس متساوون فيهما أمام ال تعالى.52فاتقون) المؤمنون

وعندما استعمل سبحانه مصطلح المة للفرد، استعمله مع ابراهيم، إذ شذ� عن قومه، وشكل قناعات وسلوكيات كان فيها.120رائدا; مفردا; (التوحيد والحنيفية) فقال تعالى (إن ابراهيم كان أمة; قانتا; ل حنيفا; ولم يك¢ من المشركين) النحل

وعندما هرب موسى من فرعون، اتجه شرقا; نحو مدين، فوجد مجموعة من الناس تقوم بعمل مشترك هو السقاية، فقال ، ونلحظ كيف سمى مجموعة الناس23فيه تعالى (ولما ورد� ماء� مدين� وجد� عليه أمة; من الناس¥ يسقون ..) القصص

أمة بدللة العمل المشترك الذي يجمعهم على السقاية، ولو وجد مجموعة من الغزلن تشرب لقال: أمة من الغزلنيشربون.

نخل إلى أن مفهوم المة مفهوم عام شامل، كان مع الحيوان في وحدة السلوك الغريزي، ثم انتقل إلى النسان كبشر، ثم أخذ مفهوم السلوك الواعي في مرحلته النتقالية من المملكة الحيوانية إلى التجمعات النسانية، مع نشوء السرة ونشوء

المجال الحيوي. ثم اختلفت السلوكيات الواعية من ثقافات وشرائع وعادات وتقاليد، فكانت بداية وجود مجتمع انساني (منذ نوح)، ثم تطورت هذه الختلفات مع مجيء باقي النبياء الية: كان الناس أمة واحدة .. ويتمها بقوله: فبعث الالنبيين مبشرين ومنذرين. ثم اختلف الناس فقال تعالى: وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.

ثم أوضح أن هذا الختلف هو محاولت من بعض المجموعات للسيطرة على المجموعات الخرى فقال: وما اختلف فيه إل الذين أتوه من بعد ما جاءتهم البينات. ونلحظ هنا أن قوله البينات يعني النبوات، في ضوء قوله تعالى: فهدى ال

الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق. وقد انعكس هذا التسلسل في النبوات والرسالت بما تحمله من بينات وتشريعات على أهل الرض جميعا;، وعلى

معارفهم وقيمهم الخلقية، فأصبحوا أمما;، أما اختلف الثقافات وتطورها بين المم، فنرى له سببين: - العلقة الجدلية بين حرية الفكر وانطلقة العقل، وبين الطر الجتماعية والقتصادية والسياسية السائدة ضمن1

مجتمع ما. وهي علقة داخلية ضمن المة الواحدة. - علقة التأثير المتبادل بين الثقافات المتعاقبة والمتزامنة. وهي علقة داخلية في الثقافة الواحدة بحالة التعاقب الزمني2

والتاريخي، وخارجية في التلقح بين الثقافات المتزامنة التي يعاصر بعضها بعضا. لقد قلنا أن تعريف المة هو في السلوك الغريزي للحيوان، ثم في السلوك الواعي للنسان وهي ما يدعى بالثقافة. نورد

بعض التعاريف للثقافة كما وردت في كتاب: (معالم على طريق تحديث الفكر العربي / د. معن زيادة / سلسلة عالم).1987 تموز 115المعرفة العدد

- عندما طرح سؤال "ما هي الثقافة؟" في النصف الثاني من القرن الماضي "كانت أشهر الجابات وأكثرها30ص ، جاء فيه: الثقافة هي ذلك المركب الكلي الذي1871تكامل; إجحخابة أدوار ب. تايلور في كتابه "الثقافة البدائية" عام

يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والدب والخلق والقانون والعرف والقدرات والعادات الخرى التي يكتسبهاالنسان بوصفه عضوا; في المجتمع.

- أما ك. رايت فيعرفها بأنها "النمو التراكمي للتقنيات والعادات والمعتقدات لشعب من الشعوب يعيش في حالة31صالتصال المستمر بين أفراده، وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل الناشئ عن طريق الباء، وعبر العمليات التربوية.

إل أن هذا التعريف لم يتمكن من التخلص كلية من الطابع الوصفي الذي أخذ على تعريف تايلور. ول يتضمن الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة في توجيه سلوك النسان، وفي صنع حاضره ومستقبله. ومن هذا القبيل تعريف مالينوفسكي

الذي يؤكد أن الثقافة: "جهاز فع�ال ينتقل بالنسان إلى وضع أفضل، يواكب مشاكل الطموح الخاصة التي تواجه النسان في هذا المجتمع أو

ذاك في بيئته وفي سياق تلبيته لحاجاته الساسية". - وقد اهتمت الدراسات النتروبولوجية بشكل خاص بمحاولة فهم العنصر أو العناصر التي تشتمل عليها الثقافة،32ص

وتجعلها حي�ة متحركة، إل أنها تحت تأثير الدراسات النفسية والنفس-اجتماعية اتجهت إلى اعتبار الثقافة ضربا; من السلوك دون أن تكون سلوكا; .. إنها البناء أو التركيب أو التجريد الذي ينتقل من الباء إلى البناء عبر الروابط

الجتماعية ل عبر الروابط البيولوجية كما هو الحال عند الحيوان. ومن هذه التعريفات تعريف ادوارد هيريو القائل "إنالثقافة هي ما يبقى في ذاكرتنا عندما ننسى كل شيء".

- إل� أن ثمة مآخذ متعددة يمكن أن تؤخذ على هذا التعريف. إذ ل معنى للبناء المنطقي أو الفكار المجردة أو33ص

Page 19: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

تجريد السلوك إل عندما يعبر عنها النسان سلوكيا; بالكلمات أو بالفعال … والواقع أن ما هو بيولوجي يدعم ما هو ثقافي وبالعكس، كما يؤكد ب. ف. سكينر: "ينهار التوازن بين التطور البيولوجي والثقافي عند نقطة النقل" أي عند

نقطة انتقال الممارسات المكتسبة من جيل إلى جيل.

- … نستطيع أن نقول إن الثقافة هي ما يختص به النسان، ليس لن الثقافة ليست سلوكا; بل لن سلوك الحيوان34ص ل يرقى إلى أن يشكل ثقافة. أضف إلى ذلك أننا نستطيع أن نميز السلوك عن الثقافة فنجعله موضوعا; لعلم النفس دون أن نخرج السلوك من عداد الثقافة … فالثقافة كانت وما زالت وستبقى ظاهرة انسانية صرفة. وما يجعلها كذلك قدرة

النسان على الترميز، أي التعبير عن أفكار ومعان وعلقات وغيرها عبر الرموز.

) (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي ل ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن1( . (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن20تولوا فإنما عليك البلغ وال بصير بالعباد) آل عمران

تأمنه بدينارt ل يؤده إليك إل ما دمت عليه قائما; ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الممين سبيل ويقولون على ال الكذب وهم . (هو الذي بعث في الميين رسول; منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمون الكتاب والحكمة وإن75يعلمون) آل عمران

. 2كانوا من قبل لفي ضلل مبين) الجمعة ) انظر "العقل العربي السياسي" للدكتور محمد عابد الجابري.2(.115) "معالم على طريق تحديث الفكر العربي" مجلة عالم المعرفة، العدد 3( . (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمةt وإنا45) (وقال الذي نجا منهما واذكر بعد أمةt أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون) يوسف 4(

. (وكذلك ما أرسلنا من قبلك من قريةt من نذيرt إل قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على22على آثارهم مهتدون) الزخرف . 23أمةt وإنا على آثارهم مقتدون) الزخرف

الفصل الثالث: القومية

لقد ورد القوم في التنزيل الحكيم كمفهوم أعلى من مفهوم المة، وجاء بعدها زمانيا;، فقد ذكر التنزيل القول بالمفاهيم التالية: - جمع امرئ، كما أن النساء جمع امرأة. وجاء بهذا المعنى في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ل يسخر قوم� من قومt عسى1

.11أن يكونوا خيرا; منهم ول نساء� من نساءt عسى أن يكن¦ خيرا; منهن …) الحجرات كما جاء بهذا المعنى في قوله تعالى (وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات، قال يا قوم هؤلء بناتي هن

، وتجدر الشارة هنا إلى أن (قومه) و(قوم) كما78أطهر لكم فاتقوا ال ول تخزون في ضيفي أليس منكم رجل� رشيد) هود وردت في الية الشاهد تعني حصرا; جمع الذكور، إذ ختم الية بقوله (أليس منكم رجل رشيد)، من جهة ثانية، فموضوع الية

.62يدور عن اللواط، واللواط للذكور، كما جمع في قوله تعالى (قال إنكم قوم� منكرون) الحجر - مجموعة من الناس العاقلين، ذكورا; وإناثا;، في بيئة اجتماعية معينة، وقد ورد هذا الخطاب ابتداء من نوح بقوله تعالى (إنا2

، وفي قوله تعالى (قال يا قوم إني لكم نذير� مبين)1أرسلنا نوحا; إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم) نوح .2نوح

بدأ استعمال مصطلح "القوم" مقترنا; بفعل "قال" ابتداء; من نوح، وقد قلنا أن البلغة في القول، فعندما تتحول الكلماتالمنطوقة إلى معنى في الذهن تصبح قول;، مما يدل على وجود لغة مشتركة بين المتكلم والسامع (لغة مجردة بأبسط أشكالها).

ومن هنا أسبغ التنزيل الحكيم مصطلح القوم على المجموعة العاقلة، لوجود لغة تفاهم، وهذا يقودنا إلى المعنى الثالث. - مجموعة من الناس العاقلين لهم لغة مشتركة (وحدة اللغة). وبما أن الناس قبل نوح كانوا أمة واحدة ولم تظهر القوميات3

بعد، إذ تحدد ظهورها في التنزيل بظهور لغة تفاهم مجردة بين متكلم ومخاطب، فقد ظهرت القوميات مع اكتمال مجتمع بأبسط صورة التي ذكرناها في بحث المة (مجتمع نوح) ولما كان نوح أول نبي رسول من البشر، وأراد ال تعالى أن يبين

وجود ألسنt بين المتكلم والمخاطب، وليس لسانا; واحدا;، فقد قال (وما أرسلنا من رسولt إل بلسان قومه ليبين لهم …) ابراهيم

Page 20: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

4 .هنا نلحظ كيف حدد القوم باللسان، وكيف عرف البيان بأن وظيفة اللسان.

هذه هي المعاني الثلثة للقوم، كما رأيناها جاءت في التنزيل الحكيم. ولو دخلنا في تفصيل المعنى الثاني والثالث، أي أن القوم مجموعة من الناس العاقلين لهم لغة (أداة تفكير وتعقيل الحكيم يستعمل دائما; (قال) مع مصطلح (قومه) وليس مع مصطلح .)1((أمته)، مما يدلنا على أن القول بين المتكلم والمخاطب يقصد به البيان، فهو يحتاج إلى لسان، واللسان صفة خاصة بالقوم

كما يدلنا على أن الدعوة تبدأ دائما; بفعل المر، بدءا; من نوح:، لحظ فعل "أنذر".1- (إنا أرسلنا نوحا; إلى قومه أن أنذر قومك ..) نوح

) لحظ فعل "اعبدوا".1- (قال يا قوم اعبدوا ال …) (فصيغة المر صيغة بين متكلم ومخاطب، ل وجود فيها للشخص الثالث الغائب.

وهذا يقودنا إلى أن الناس كانوا أمة واحدة، فأصبحوا أمما; في الثقافات (معارف وتشريعات) المختلفة، وبما أن الثقافة تحتاج إلى لغة، فقد أصبحوا قوميات في اللسن، وبما ان اللسن، كصيغة للتفكير والتعقل والبيان، من صفات العاقل الذي يملك لغة

مجردة، فقد استعملها التنزيل هذا الستعمال الواسع. لقد حفل التنزيل الحكيم بالصفات التي أطلقها على مجموعة من الناس هم القوم، بغض النظر عن مسألة اللسان الواحد

واللسن المختلفة، في مجال التفكير (لقوم يتفكرون) والعقل (لقوم يعقلون) واليمان (لقوم يؤمنون) والتذكر (لقوم يذكرون) والتقوى (لقوم يتقون) والعدل (لقوم يعدلون) وغيرها كثير. ونلحظ أن هذه الصفات تنطبق على كل مجموعة عاقلة، بغض

النظر عن نوع اللغة، وأن هذه المجموعة تملك بالضرورة لغة تفكر وتدبر وتعقل، وأن هذه الصفات من صفات العاقل. من سورة ابراهيم، وتبين لنا أن مفهوم المة مفهوم تحتي لمفهوم4لقد بينا صفة البيان في اللسان، كما في قوله تعالى بالية

القومية، ضمن المرحلة التي ما زال الناس فيها أمة واحدة كبشر، وأمما; كإنسان. وانتقلنا إلى أن المة سلوك بهيمي غريزي (طبائع البهائم) ثم سلوك عاقل واع (ثقافة الناس). كان الناس أمة واحدة عندما كانوا في المملكة الحيوانية، ثم بدأوا بالبتعاد

عنها، ثم تنوعت الثقافات فأصبحوا أمما;، وتنوعت اللسن فأصبحوا قوميات. والواقع أن المة والقومية الن مفهومان متداخلن، فقد توجد أمة واحدة ذات ثقافة مشتركة وسلوك مشترك، تتألف من عدة

قوميات (ألسن مختلفة)، وقد توجد قومية واجدة (لسان واحد) فيه عدة ثقافات (أمم). لذا جاءت صيغة الخطاب في التنزيلللقوم، وصيغة الحساب للمة (لحظ الدقة في استعمال مصطلح المة والقومية) وعلى هذا الساس يمكن أن نقرر ما يلي:

بنو هاشم ----> أهل محمد (ص).قريش ----> قوم محمد (ص) مسلمين وغير مسلمين لن القرآن عربي والحكام عربية والخطاب عربي.

المسلمون ----> أمة محمد (ص) وهم من قوميات مختلفة. والسؤال الن كيف ظهرت القوميات؟ للجابة على هذا السؤال، ل بد من أن نرجع إلى نشأة الكلم النساني، لن مصطلح

القوم استعمل للعاقل حصرا; بصيغة التفكير أو البيان، وهذا يقتضي وجود لغة مجردة في الفترة الواقعة بين آدم ونوح، حيث كان عند نوح كما أسلفنا لسان مجرد بصيغ بدائية، ومجتمع بوحدته الساسية، السرة الولية (الوالدان-الولد) وهيكله

الساسي المل-الكهنة-الراذل. يخبرنا القرآن بأن نشأة القوميات واختلف اللسن ظهرت، بعد قفزة التجريد الولى، من اختلف الشروط الطبيعية، وأن

تأثير هذه الشروط على النسان هو الذي أدى إلى التأثير على تنوع اللغات فكانت بداية اللغات هي: - الكلمة الجملة، التي نسميها اسم الفعل، وهي ذات مقطعين صوتين مثل (آمين) أي يا رب استجب، الموجودة في معظم1

لغات أهل الرض، مع أنها غير موجودة في التنزيل الحكيم، أو ذات مقطع صوتي واحد، مثل (آه، مه، صه، عو، نو، فع) أو ذات مقطع صوتي واحد مكرر، مثل: (هاها) التي تطورت إلى هيهات، كما في قوله تعالى (هيهات هيهات لما توعدون)

، ثم انتقلت الكلمة الجملة بعد التجريد (أي بعد انتقال العلقة الطبيعية بين الصوت والمدلول إلى علقة36المؤمنون اصطلحية) إلى كلمة جملة بوجود الضمائر المتصلة والضمائر الغائبة مثل (قالتا) و(أكلت).

- بعد بداية التجريد كان هناك تأثير متبادل بين الطبيعة والنسان في عملية التجريد، وقد وضع القرآن في آية واحدة2 اختلف اللوان واللسن وخلق السموات والرض بقوله تعالى (ومن آياته خلق السموات والرض واختلف ألسنتكم

، أي أن اختلف اللسن واللوان للناس خضع لقوانين طبيعية رحمانية كخلق22وألوانكم، إن في ذلك ليات للعالمين) الروم السموات والرض، وأن القوانين التي أثرت على اختلف اللوان بين الناس هي نفس القوانين التي أثرت على اختلف اللسن أي قوانين التكيف (الزوجية)، فتأثير الطبيعة، مثل; في المستوى اللغوي ممثل; بمفردات اللغة العربية، عن الثلج

والحيوانات القطبية ومواصفاتها، أقل بكثير من المفردات الموجودة في لغة سكان ألسكا الصليين عن الثلج والحيوانات

Page 21: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

القطبية. ومفردات الصحراء وحيوانات الصحراء كالجمل، أكثر بكثير في اللغة العربية منها في لغة السكيمو، والصوات الشائعة في

لغات أهل الغابات أكثر من الصوات نفسها في لغات أهل الصحراء. نعود إلى تعريف القوم، بأنه مجموعة من الناس العاقلين يحملون أداة تفكير وأداة اتصال وبيان مشترك، ومن هنا جاءت القومية. وباختلف ألسن الناس، ظهرت القوميات المختلفة، مقتصرة بالضرورة على العاقل الذي يملك أداة التفكير وأداة

التصال. فالقومية صفة ذاتية ملزمة لتجمع من الناس العاقلين، لن هذا التجمع ل يوجد بدون أداة اتصال وأداة تفكير هي اللغة. فل

يوجد عرب بدون قومية عربية، ول توجد قومية عربية بدون لسان عربي. أما العروبة فهي شعور واعt بالنتماء إلى القومية العربية والتعصب اليجابي لها. فالقومية العربية من هذا المنظور، وجود حقيقي غير وهمي، شأنها في ذلك شأن القوميات

الخرى، التركية والكردية والنكليزية. فل أفضلية في الوجود لية قومية على قومية أخرى، لكن الفضلية تأتي من مميزاتأخرى تكتسبها قومية ما عن جدارة واستحقاق، وبجهد أفرادها وسعيهم، ل بمجرد أنهم عرب أو أتراك.

فإذا قلنا بأن الوجود القومي لمجموعة من الناس مهدد، فهذا يعني أن هذه المجموعة أكرهت على تغيير لسانها، أما بغزو ثقافي من ثقافة أخرى قومية، كما حصل عندما غزا العرب الندلس، وكانت الثقافة العربية قوية إلى حد غزت معه اللغات المحلية، وأما بغزو تقليدي باحتلل البلد من قبل آخرين فرضوا لغتهم وثقافتهم، وهو ما حاولت فرنسا فعله في الجزائر، وما حاولت الدولة العثمانية فعله عند العرب، وإما بطرد مجموعة من الناس، تحمل لغة معينة، من قبل محتل أجنبي أخذ أراضيهم وأقام

مجتمعه الخاص ولغته الخاصة، وهذا ما حصل في الحروب الصليبية، وفي الغزو الصهيوني لفلسطين. في هذه الحالت يمكن أن نقول أن الوجود القومي مهدد بالنسبة لمجموعة من الناس تعيش على بقعة ما من الرض، وفي هذه الحالة تصبح المعركة التي يخوضها النسان معركة قومية وليست أممية من أجل عقيدة (ثقافة) أو من أجل مكاسب اقتصادية.وربما يكون الغزو بسبب مكاسب اقتصادية، أما الدفاع من قبل السكان في هذه الحالة فهو ليس اقتصاديا; وإنما قومي وسياسي.

ولن¢زيل بعض المفاهيم الخاطئة عن القومية العربية، وعن أصل العرب، نقول إن العرب كما نرى، هم مجموعة من الناس عاشت ضمن مجال حيوي معين، ولنقل أنه أرض شبه جزيرة العرب، وتكلم�ت اللسان العربي. وهذا المفهوم ل يحمل أي

صفة عرقية خاصة، فالعرب ليسوا كلهم من سللة اسماعيل. ثمة عائلت عربية من سللة اسماعيل، ومن هذه العائلت كان النبي (ص)، لكن إذا كان النبي من سللة اسماعيل وابراهيم

وآدم، فهذا ل يعني أبدا; أن العرب كلهم من سللة اسماعيل وابراهيم وآدم، لن ال اصطفى آدم، وخص من ذريته سللت منبين كل البشر، هذه السللت هي نوح وآل ابراهيم وآل عمران، والنبي (ص) كان من آل ابراهيم.

فعروبة عنترة بن شداد وامرئ القيس، ل تقل أبدا; عن عروبة النبي (ص)، لن كليهما ينتمي إلى قوم واحد له نفس اللسان، إضافة إلى أن النبي (ص) ينتمي إلى ابراهيم عليه السلم، أما الباقون لهم بالضرورة هذا النتماء. وهذا يؤكد أن العروبة،

وهي النتماء الواعي إلى القومية العربية والتعصب اليجابي لهذا النتماء، ليست نظرة عرقية، وإنما هي نظرة انسانية صرفة، والتعصب اليجابي لها يتطلب من العرب الجد والسعي والمشاركة الفعالة في صنع الحضارة النسانية مع بقية

القوميات. لنطرح السؤال التالي: هل للقومية العربية خصائص خاصة بها غير اللغة؟ وأقول: كل يوجد. لن الخلق صفة شمولية،

فالصدق وعدم الحنث باليمين، وعدم شهادة الزور، واللتزام بالوفاء بالكيل والميزان، وبر الوالدين، هذه كلها من الخلق، ولكنها ليست عربية وإنما هي إنسانية صرفة. فل يوجد شيء اسمه الصدق العربي، وشيء اسمه الصدق النكليزي، وشهادة زور عربية وأخرى فارسية، كما ل يوجد شيء اسمه الخلق العربية والخلق التركية. وتلتبس هذه المور على النسان

عندما يخلط بين الخلق والعادات، فالخلق من الصراط المستقيم، أما العادات فهي من العراف، وقد أقر السلم كليهما،ولكن شتان ما بينهما.

أما العراف (العادات والتقاليد)، فهناك عادات وأعراف عربية وأخرى تركية، وهذا صحيح. وتتأثر العراف بمؤثرين أساسيين هما البيئة (صحراوية، حارة، باردة، جبلية، غابات) والنتاج (المستوى القتصادي وطرق المعاش). وفي هذا

تختلف العادات العربية نفسها بين منطقة وأخرى عند العرب أنفسهم (بدو، حضر، سكان ساحل، سكان مناطق داخلية …)،كما تختلف العادات العربية عن عادات القوميات الخرى.

فمفاهيم الشهامة والنخوة والكرم، مثل;، وهي كلها من العادات والعراف وليست من الخلق، تختلف بين البدو والحضر، وبين المزارعين والصناعيين. وعلينا أن نقبل هذا على أنه من قوانين رب العالمين في خلقه. وعلينا أن نعيد النظر بمصطلح الخلق العربية لنه مصطلح وهمي، ونستعمل بدل; منه مصطلح العادات والعراف العربية المتغيرة من مكان لخر ومن

زمان لخر.

Page 22: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

أما خصائص اللسان العربي التي تميزه عن كثير من اللسن فهي: الصالة، وهي اليغال في القدم (الجذور)، وهو العنصر الول للصالة، والثمار، أي أنه ما زال مثمرا; حتى يومنا هذا، وهو العنصر الثاني للصالة. ويتجلى العنصر الول في

الصفات التالية: أ- الكلمة الجملة، وهي مرحلة أولية من مراحل نشأة اللسن، وتتجلى بوجود الضمير المتصل والضمير الغائب، كقولنا (قالتا)

وبأسماء الفعال، فكثير من الفعال العربية ما زال يحاكي الطبيعة حتى يومنا هذا (عواء، مواء، فحيح، نقيق، صهيل،خرير).

ب- التطابق بين الحركة الصوتية للفظ الحرف، وبين مدلول الحرف مثل (ف)، فعند لفظها يفتح الفم (الشفتان) فترى الفعال التي تبدأ بها: (فتح، فرق، فخت، فك، فض، فقر) تدل على فتح. والميم بلفظها عبارة عن ضم الشفتين، فنرى أن كل التحام بين

اثنين يبدأ بالميم (مبارزة، مقاتلة، منافسة)، ومكان تجميع الشياء تبدأ بالميم: (مكتب، ملحمة، متجر، مدرسة)، فإذا جمعنا الفاء والميم، نتجت لدينا كلمة (فم) وهو عضو الفتح والضم، كفم النسان وفم المعدة، أما عضو الفتح بدون ضم فهو (فوهة)

.)2(فوهة البندقية وفوهة البركان، ول نقول فم البندقية أو فم البركان جـ- كثرة الصفات (النعوت) للسم الواحد. فللسيف اسم واحد ونعوت كثيرة، فالمهند هو السيف المصنوع في الهند (بلد

المنشأ) وهذه تعكس مرحلة من مراحل تطور اللسن حين لم يكتمل التجريد. بهذا نرى أن اللسان العربي يعكس كل مراحل تطور نشأة الكلم النساني في منطقة الشرق الوسط. وعليه نستطيع القول أن

جميع اللسن، التي كانت في هذه المنطقة واندثرت، ما هي إل مراحل لتطور هذا اللسان، الذي وصل إلى مرحلة اللسان العربي المبين عند نزول الوحي، وأن سكان هذه المنطقة هم عرب بالمفهوم التاريخي ل بالمفهوم القومي. إذ ل يوجد شيء

اسمه القومية السامية، لن القومية يحددها اللسان. فما هو اللسان السامي؟ والقول بالسامية وهم من وجهة نظر القرآن. والذي يدعي أن اليهود ينتسبون إليها (سام بن نوح) وأهم أيضا;، لقوله تعالى عن بني اسرائيل أنهم (ذرية من حملنا مع نوح ..)

.3السراء لقد خضع اللسان العربي لقوانين التطور (الجدل الداخلي والخارجي). أما الجدل الداخلي فهو التناقضات التي كانت تفرزها الحياة الجتماعية والقتصادية والسياسية، انعكست كتناقضات في اللغة الواحدة (هل تفيد هذه اللفظة المعنى المطلوب أم ل

تفيده، وهذا القانون هو أم قوانين التطور اللغوي الداخلي). وقد انعكس في قوانين الصرف في اللغة الواحدة، وفي تنوعلهجاتها (اللهجات المختلفة في اللغة الواحدة) وفي تنوع اللغات وتشعبها.

أما الجدل الخارجي فهو التأثير والتأثر المتبادل (قانون الزوجية / التكيف) فقد انعكس في مستويات، لن قانون الزوجية يعمل في مستويات مختلفة، ل في مستو واحد. الول منها داخلي، وذلك في ظهور السناد (مسند ومسند إليه) بعلم النحو. والثاني،

تأثير الطبيعة على المفردات اللغوية. فأهل الصحراء عندهم مفردات كثيرة عن أحوال الصحراء وحيواناتها، بينما ل يملك أهل أوروبا هذه المفردات، والعكس صحيح. والثالث، التأثير والتأثر المتبادل بين لسانين مختلفين تماما;، أو بين لهجتين للسان

واحد، وهو تلحم ثقافي بين ثقافات مختلفة. فمثل; هناك مفردات في اللسان العربي أصلها فارسي (استبرق، سندس) استعملها القرآن ليبين لنا أن قانون الستعارة بين

لغتين مختلفتين، قانون طبيعي ل عيب فيه، وأن اللفاظ في الستعارة من لغة إلى لغة أخرى، تدخل ضمن قوانين النحو ) علىCOTTONوالصرف للغة، أي ضمن بنيتها الخاصة. ومن هنا نرى أنه ل عيب في أن يطلق الوروبيون لفظة (

القطن وهي لفظة عربية، وأن يستعمل العرب لفظة (أليكترون، وتلفزيون، وتلفون) وهي مفردات غربية. لن ذلك جرى ضمن قوانين التكيف (الزوجية) ولم يفرض بالقوة، وهذا حق طبيعي للذي اكتشف الليكترون أن يسميه كما يريد، وأن

يستعيره الخرون منه كما هو. وهذا يوضح التبادل الثقافي الطبيعي بين اللغات. لذا، فمهما استعارت اللغة العربية من مفردات أجنبية لشياء اكتشفها

الجانب، فهذا ل يؤثر في بنيتها، وتبقى عربية. لكن العيب الوحيد هو في العرب أنفسهم ل في اللسان العربي، لنهم تخلفوا في مضمار العلم، وبالتالي في مضمار المصطلحات العلمية العربية. ومنتج المعرفة هو صاحب الحق في وضع مصطلحاتها، وليس مستهلك المعرفة. أما المستوى الرابع والخير، فهو تكيف اللهجات المحلية بلسان واحد، وذلك من خلل التأثير المتبادل

بين المناطق التي تتكلم نفس اللسان، فنرى أن مصر الن هي المنتج الول للفلم السينمائية والمسلسلت التلفزيونية وللمسرح، ونرى أن اللهجة المصرية هي لهجة مألوفة عند كل العرب أكثر من اللهجة اليمنية مثل;، ول عيب في ذلك، لكن

هذه كلها لهجات للسان واحد، ول يمكن أن نقول أن اللهجة المصرية هي اللهجة النموذجية الصحيحة. ول بد من الشارة إلى مقياس اللفظ اللغوي السليم، ففي كل لغة من لغات الرض لهجات لفظية مختلفة ضمن نفس اللغة للكلمة

) هوSTANDARDالواحدة (القراءة)، لهذا نرى في اللغات العالمية لفظا; قياسيا; للغة المنطوقة، يقاس اللفظ السليم إليه ( الذي نقول عنه اللغة الفصحى. فاللغة الفصحى ل تعني سلمة النحو والصرف فقط، وإنما تعني قياسية اللفظ اللغوي، وخلوه

Page 23: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

من اللهجات والعيوب النطقية مثل الثأثأة والفأفأة واللثغة. هناك مثل; لغة إيطالية، ولكن اللغة اليطالية الفصحى التي نسميها من راديو روما، من مذيع الخبار باليطالية، هي لهجة

KINGأهل فلورنسا، التي تعتبر المقياس الذي تقاس به سلمة النطق اللغوي. والقياس الفصيح في النكليزية هو لغة الملك (lANGUAGEوفي الفرنسية لغة أهل باريس. فما هي اللغة القياسية الفصحى عند العرب؟ وهل وصلتنا هذه اللغة ،(

القياسية (من حيث اللفظ)؟ لقد وصلنا اللسان العربي المبين، من حيث المبنى، في التنزيل الموحى إلى محمد (ص) أما المعنى فهو نسبي انساني، يشارك

(السامع¢ المتكلم في صنعه. هذا اللفظ الفصيح وصلنا من النبي (ص) في قوله إن صح (أنا افصح العرب بيد أني من قريش) والفصاحة في اللسان (اللفظ). فهو يبين هنا، أن قريشا; ليست فصيحة، وأن النموذج الفصيح للتنزيل الموحى، هو نطقه)3

(ص)، وبما أن النبي (ص) كان أميا; بالخط، وجاءه التنزيل منطوقا; ل مخطوطا;، فنطقه (ص) هو اللسان العربي الفصيح، علما; بأن نطقه للتنزيل كما نطقه هو (ص) ليس له علقة بنطق قريش للسان العربي، وهذا النطق وصلنا إلى اليوم عن طريق

تواتر الحفظة لنطق التنزيل كما سمعوه من النبي (ص). نستنتج مما سبق، أن القومية صفتين أساسيتين، أولهما الصفة الذاتية، وهي أنه ل بد� للسان، حتى يصير لسانا;، من وجود

مجموعة من الناس تستعمله كأداة للتفكير وأداة للتصال، والصياغة الثقافية لهذه المجموعة تتم بواسطة هذا اللسان. وثانيتهما الصفة الموضوعية، أي عندما نضع صيغة المضاف إلى القومية كأن نقول: القومية العربية، فهذا وجود موضوعي حقيقي

لمجموعة من الناس تتكلم العربية، وأنتجت ثقافتها بهذه اللغة، وهو وجود موضوعي بالنسبة لقوميات أخرى، فالقومية العربية وجود موضوعي بالنسبة للقومية التركية، واللسان العربي وجود ذاتي بالنسبة للعرب، وإل لما سمينا هذا التجمع النساني

باسم العرب. فإذا أردنا أن نفرق بين الذاتي والموضوعي إن الذاتي هو الذي يستمد وجوده من إدراكنا له، أما الموضوعي فهو الذي نستمد إدراكنا من وجوده، أي أن العلم يتبع المعلوم في الوجود الموضوعي، ل في الوجود الذاتي. فالكون وجود موضوعي خارج الذات النسانية، والخلق لها وجود ذاتي غير منفصل عن النسان. فمعلوماتنا عن الكون تستمد وجودها من الكون نفسه،

لن الكون منفصل عن النسان، أما الخلق والصلة والعبادات فتستمد وجودها من عينا لها، وهنا نلحظ مرة أخرى الفرق.)4(الجوهري بين النبوة والرسالة

من وجهة النظر الموضوعية، إن للقومية العربية وجودا; يرتبط بمجموعة من الناس لها وجود موضوعي بخصائص ذاتية (اللسان كأداة تفكير واتصال) هذا الوجود ل يتميز عن أية قومية أخرى صغرت أم كبرت، وفي هذا المجال ل فضل لعربي

على أعجمي إل بالخصائص الذاتية (الخلق، العلم، التشريع "التقوى") لذا فالعربي ليس بالب والم، وإنما الذي اتخذ اللسان العربي وسيلة للتفكير ووسيلة للتصال والتعبير عن الثقافة (معارف وتشريعات) ول فرق في هذا المجال بين عروبة

محمد (ص) وعروبة عنترة وعروبة المتنبي. أما من ناحية النسب (الدم) فمحمد (ص) ينتسب إلى إبراهيم، بينما عنترة ل ينتسب إلى إبراهيم. وفي هذا المجال أيضا;، يمكن

أن نعرف العرب بأنهم مجموعة من الناس عاشت في مجال حيوي معين (شبه جزيرة العرب-منطقة الشرق الوسط) فكانمنها اللسان العربي، في مختلف مراحل تطوره التاريخي حتى وصوله إلى درجة اللسان المبين حين نزول القرآن.

أما فيما يتعلق بالعروبة، فالعروبة شعور بالنتماء (العصبية) إلى القومية العربية. وهي صفة ذاتية صرفة، قد تأخذ شكل التعصب المتطرف أو التعصب المعتدل. فقد كان تعصب النبي (ص) إلى العروبة تعصبا; معتدل; باعتبار العرب قومه،

والتنزيل جاء باللسان العربي المبين، وكان تعصبه شديدا; حين تلزم الشدة فقط، وظهر في حرصه الشديد على قومه، كما جاء.128بقوله تعالى (لقد جاءكم رسول� من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) التوبة

لهذا، كحان التعصب القومي الذي يظهر في الحرص الشديد من النسان على قومه تعصبا;، ظهر أول ما ظهر عند محمد (ص) على العرب وغيرهم. ثم وضح في سلوك الصحابة بعد النبي (ص) حين فرض عمر بن الخطاب ضرائب مزدوجة

، ليدخلهم في السلم بدافع من حرصه الشديد عليهم كعرب، ليأخذوا دورا; رائدا; في بنية)5(على بني تغلب، العرب المسيحيينالدولة السلمية.

ولهذا، فنحن نعتبر القومية العربية خامة السلم الولى، والتعصب لها تعصب مشروع من باب الحرص عليها، ونعتقد أنه ل تناقض بين العروبة والسلم، إذ جاءت آية سورة التوبة لتصهرهما في آخرها صهرا; مباشرا; في قوله تعالى (… بالمؤمنين رؤوف رحيم). من هنا كان للقومية وجود مادي موضوعي، اعتبرها السلم الخامة الساسية، لكون السلم مبادئ انسانية

(نظرة إلى الحياة والكون والنسان) جاءت للعرب ولغير العرب، إل أن� تطبيقه الول (العملي والتاريخي) كان على العرب.ومن هنا جاء هذا الصهر المباشر بينهما، فالسلم دين أممي تم تطبيقه على خامة قومية هي (القومية العربية).

وفي ضوء ذلك يمكن أن نفهم اللتباس، مثل;، فيما يسمى بالحجاب الشرعي، من حيث هو تعصب للعروبة في القرن السابع ل

Page 24: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

للسلم. أي أنه تعصب لزي المرأة العربية في القرن السابع، يعبر عن عصبية (عروبة) ل عن سلوك إسلمي (أممي)،صالح لكل قوميات أهل الرض في كل زمان ومكان.

وهنا ل بد لي من التذكير بأن للعروبة أيضا; مفهوما; معاصرا;، فهل يجب علينا كلما ذكرنا القومية العربية والعروبة، أن ننظر إلى الوراء دائما;؟ أي: هل من الواجب ضرورة، عندما نضع العروبة على خشبة المسرح، أن يكون الممثلون امرؤ القيس

وعنترة وزهير وعمر والصحابة من قريش والنصار؟ بمعنى آخر، ما هو التعصب الواعي للقومية العربية (العروبة) في القرن العشرين؟ بما أن السنة النبوية أظهرت السلم على أرض الواقع في شبه جزيرة العرب في القرن السابع الميلدي (أي

قومية عربية + إسلم) وكانت الثمرة الولى هذه النطلقة الجبارة، أل يمكن أن تكون ثمة قومية عربية (عروبة + إسلم)في القرن العشرين، وتكون هناك ثمرة أخرى ناضجة وفعالة؟

إنه لمن الممكن، بقراءة معاصرة، أن نفهم الكتاب والقرآن في القرن العشرين (النبوة والرسالة)، أفل يمكن أن نصوغ مفاهيم حديثة فيها التقطع والستمرار، التقطع في المفاهيم والطروحات القومية والتعصب والستمرار في التاريخية؟ أعتقد أن ذلك

ممكن، وأرى أن نعبر عن العروبة في القرن العشرين بالتعصب للقومية العربية تعصبا; معاصرا;، بتعريب الثقافات ونقلها إلى العربية، ليتاح للعرب قراءة كافة الثقافات الخرى، وترجمة النتاج العربي خاصة الدبي إلى لغات حية أخرى، وتعريب

الحاسوب اللكتروني كلية، وتحديث الشعر والقصة والمسرح وطرق التعبير، وتشجيع ثقافات ولغات القليات القومية في الوطن العربي، وتشجيع ترجمتها إلى العربية، وتشجيع هذه القليات على الكتابة والتكلم بلغتها، ليصبح التلقح بينها وبين

اللسان والدب العربي فعال; مثمرا;، وإعادة النظر جذريا; في طرق تدريس اللسان العربي، ووضع قواعد نحو وصرف جديدة، وعدم التحرج من الستعانة بمفردات غير عربية، كالتلفزيون والتلفون، وادخالها إلى اللغة العربية، بعد أن عل¹منا ال في

التنزيل الحكيم أن استعارة مفردات لغة من لغة أخرى هو من باب التأثير والتأثر المتبادل. وهذه من سنة ال في ألسن أهلالرض.

وبهذا المجال ل بد من الهتمام بتطوير قواعد اللغة العربية، باعتبار أن التطور هو العمود الفقري للعقيدة السلمية، وهو العمود الفقري للرسالت كلها، وقد بي�ن سبحانه في آية النسخ كيف تتطور الرسالت .. فهل يمكن تطبيق هذا القانون على

قواعد اللغة العربية؟ لقد وهم الكثيرون، حين ظنوا أن التنزيل الحكيم ثبت� اللغة العربية ضمن إطار دائم أبدي، فنتج من وهمهم هذا، أن قانون

تطور الخلق شمل جميع لغات أهل الرض، وتوقف في اللغة العربية، علما; أن قانون التطور عام شامل. وقد يقول قائل، بأن تطبيق قانون التطور على اللغة العربية، يفصل بين اللغة وأهلها من جهة، وبين التنزيل الموحى بلسان عربي مبين من جهة ثانية. ومن هذه النقطة بالذات، حصل الفصل بين النحو والدللة، ليصبح النحو عبئا; على العرب، غدا

معه العرب أنفسهم يدرسونه كمن يدرس الطب أو الفيزياء النووي، كما لو أنه ليس له أية علقة بنمط تفكيرهم. وقد قاد هذا الوهم، إلى وهم آخر عند البعض، حين سعوا لتطوير اللغة العربية باتجاه اللغة العامية المحكية. ففي هذه الحالة سيأتي يوم على العرب، ل يستطيعون فيه، بمعظمهم على القل، قراءة آي الذكر الحكيم. فكيف نحل هذه المشكلة؟ بمعنى

آخر، كيف نطور اللغة العربية، دون أن نخرج عن اللسان العربي المبين، ودون أن يأتي يوم يسحبنا فيه مد� التطور إلى حيثل نعود نفهم معه التنزيل الحكيم؟

هذا ل يمكن .. إل إذا فهمنا أول;، أن التنزيل الحكيم نفسه قد طو�ر اللغة العربية، بمعنى أنه نزل بلغة ليست هي لغة الجاهلية وما قبل السلم، وضمن دللتها ومدلولتها حصرا. فلغة التنزيل ليست نفس لغة الدب الجاهلي، أي أن فهمنا للدب الجاهلي

كله شعرا; وخطابة ل يعني أننا فهمنا التنزيل الحكيم. إل أننا نلحظ أن التنزيل نفسه، أعطانا التجاهات التي يمكن للسانالعربي أن يتطور في هديها، ومنها التجاه من الصعب إلى السهل.

من هذه الزاوية، فنحن نرى أن سيبويه لم يضع قواعد اللغة العربية، كما يتوهم البعض، بل قام بمجرد توصيف العربية، كما كانت في زمانه، وقبل زمانه. أي أنه قام بعملية جرد إحصائي لمخزون اللغة العربية المتراكم حتى عصره، ثم قام بتبويب وضم وتجميع المواضيع المتشابهة بعضها مع بعض، فخلص بعد ذلك كله إلى قواعد يندرج تحتها (معظم) الكلم العربي،

وترك الخذ بما لم يندرج، معتبرا; أنه من الشواذ، أو من الغريب. ولما كان التنزيل الحكيم، على رأس كلم العرب، الذي تم وضع القواعد في هديه، فقد ظهر معظمه تحت هذا التقعيد، وظل

بعضه خارجه، وبقيت هناك حالت شاذة، كتب فيها أهل التعقيد الكثير من المجلدات لتبريرها، لكنها بقيت عندهم في المحصلةشاذة، أي شاذة عن قواعد سيبويه!!

وانظر في قوله تعالى:.19- (هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نارt ي¢صب من فوق رؤوسهم الحميم) الحج

- (وهل أتاك نبؤ الخصم إذ تسوروا المحراب * إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا ل تخف خصمان بغى بعضنا على

Page 25: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

بعض فاحكم بيننا بالحق ول تشطط واهدنا إلى سواء الصراط * إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة; ولي نعجة� واحدة� فقال.23، 22، 21اكفلنيها وعزني في الخطاب) ص

.45- (ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا; أن اعبدوا ال فإذا هم فريقان يختصمون) النمل نجد أن الضمائر بصيغة المثنى (خصمان-خصمان-فريقان) والفعال بصيغة الجمع (اختصموا-ربهم-الذين-كفروا-لهم-

رؤوسهم-تسوروا-دخلوا-منهم-قالوا-بيننا-واهدنا) وفي هذا كله خلف لتعقيد سيبويه.لكن آيات التنزيل، كما هو واضح أمامنا، تدلنا على أننا نستطيع:

- حذف صيغة المثنى في الفعال، وتبقى صيغة المفرد والجمع.1 - لبقاء على صيغة المثنى في السماء، وأسماء الشارة، وجواز البقاء عليها في السماء الموصولة.2 - الغاء صيغة المثنى من الضمائر، كما في قوله (ربهم) عوضا; من ربهما.3

واسمع معي قوله تعالى: - (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلة والمؤتون الزكاة

.162والمؤمنون بال واليوم الخر، أولئك سنؤتيهم أجرا; عظيما) النساء .12- (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن ل يشركن بال شيئا; .. ) الممتحنة

(المقيمين الصلة) على المرفوع (الراسخون). ونحن في آية)6(ونحن في آية النساء أمام واو عطف تعطف المنصوب الممتحنة أمام فعل ماض (جاءك) عائده مفرد مذكر غائب، وأمام فاعل للفعل (المؤمنات) جمع مؤنث سالم. وهذا كله مرة أخرى مخالف لتعقيد سيبويه، ولو جاء به أحد طلب الثانوية في امتحان اللغة العربية، لنال عليه صفرا; ثلثيا; من الدرجة

الولى. ونلحظ أخيرا; أن صيغة المثنى في اللغة العربية، موجودة في المخاطب والغائب، (أنتما، هما)، لكنها غير موجودة في

المتكلم، فإلى أي مدى نستطيع أن نجعل من هذه الملحظات أساسا; لتطوير يسه�ل العربية على العرب، وتقعيد العربية عليهم، ضمن إطار التنزيل الحكيم، وأن نعبرها إشارات خضراء، أقامتها لنا ال سبحانه في تنزيله، دليل; وهداية ورشدا;، نحو تطوير

النحو العربي .. إننا إذ نأمل من أهل الذكر، وهم هنا علماء اللغة واللسانيات، أن يتدبروا قولنا هذا، بعيدا; عن قدسية المأثور من الطر

القواعدية، وبعيدا; عن العبادة البائية، وعن التعصب الذميم لما وجدنا عليه آباءنا، نرجو أل يكون ردهم في المحصلة، إقفال الطريق على من يود أن يتجاوز سيبويه، دون أن يتجاوز التنزيل الحكيم، وأل يقولوا أن الصل هو قواعد سيبويه، وما نراه

في التنزيل مجرد حالت شاذة، علما; بأن عدد هذه الحالت الشاذة في التنزيل الحكيم غير قليل!! وبهذا نكون قد وضعنا أيدينا على أحد معاني (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وعلى أن ال أعطانا خط تطور اللغة العربية مع مصداقية قوله تعالى (إنا

نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وعلى مصداقية أن قانون التطور يسري على كل شيء بما فيه اللسان العربي المبين الذي صيغ به التنزيل الحكيم. وأن التنزيل الحكيم حوى مراحل تطور اللسان العربي السابقة وأعطى خطوطا; لمراحل تطوره

اللحقة وال الموفق.

،75، 72، 66، 65، 61، 60، 59انظر سورة العراف اليات ()1(79 ،80 ،85.(

) لمزيد من الفاضة، راجع "الخصائص" لبن جني. و2( "العبقرية العربية في لسانها" لزكي الرسوزي / المجموعة الكاملة

.1972، مطابع الدارة السياسية 82-71المجلد الول، ص ) ذكره القاضي عياض في "الشفاء" وروى نحوه الطبراني3(

مرفوعا.-103) راجع كتابنا "الكتاب والقرآن قراءة معاصرة"، ص4(

111.) انظر "العرب النصارى"، حسين العودات، دار الهالي.5( ) أوجد المام السيوطي في الدر المنثور "تخريجه" لها، فقال:6(

هي منصوبة على المدح .. ونحن نقول: ل محل لهذه التخريجةفالمؤمنون في الية أجدر من مقيمي الصلة بالمدح.

Page 26: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الفصل الرابع: الشعب

كيف ارتبط مفهوم الشعب، كمنظومة سياسية، تحتوي بنية اجتماعية اقتصادية، بمفهوم الوطن والوطنية، وكيف أن القومية (القوم) والممية (المة) تختلفان عن مفهوم الوطن، المرتبط بتشكيل الشعوب والقبائل؟ ل بد للجابة على هذا، من شرح كيف

عبرت قوانين الجدل، بما فيها جدل النسان، عن نفسها في تشكيل الشعوب. لقد رأينا كيف بدأ التجمع النساني بالبتعاد عن المملكة الحيوانية، بوعي الولد بعد النضوج الجنسي للوالدين، وبوعي

الوالدين للولد، وكان هذا الوعي موجودا; في مجتمع نوح، أي في بداية النسان الحديث، وكيف كانت آية محرمات النكاح هي المفتاح في تطور السرة وتشكلها، وكيف كانت الم أول المحرمات، وبها تشكل مجتمع المومة، ثم البنت مع النتقال إلى

مجتمع الذكورة، ثم الخت لتكتمل الحلقة الساسية للسرة، ثم تبعتها العمة والخالة وبنت الخ وبنت الخت، فاتسعت بذلك دائرة السرة الولية، لتشكل العشيرة مع أسر أولية أخرى، ثم اتسع مجال العشيرة بانضمام عدة عشائر لها صلت قربى

لتشكل القبلية، ثم انتسب أناس غرباء هاربين من أماكن أخرى إلى القبيلة للحماية، فكانوا الموالي، وكانوا مواطنين من الدرجةالثانية.

كان مكان عيش العشيرة، ومن بعدها القبيلة، هو المجال الحيوي، الذي دفع أفراد القبيلة لتتحد من أجله، وتدافع عنه في أيام الحروب والقحط، كما في جزيرة العرب، وفي أماكن فساد الدورة الزراعية بسبب سوء استعمال الرض. وكانت الهجرات

تحصل بسبب هذين العاملين (الحروب وبوار الرض)، فتسبب حروبا; طاحنة بين السكان الصليين والمهاجرين، وكان الدفاع عن المجال الحيوي هو السبب الكامن وراء تشكل العبيد والعبودية والماء، وبيع الناس كالسلع، وكان ذلك بعد تذليل

النعام واكتشاف الزراعة والبناء، حيث كان الناس بحاجة إلى يد عاملة مجانية ل تقدر أن تدافع عن نفسها، إذ كان الخيار بعد العبودية أو القتل. هكذا تشكلت الشعوب والحضارات القديمة في الماكن الخصبة (أرض زراعية، مياه، حرارة) كما في

وادي النيل وما بين النهرين وحضارات الصين والهند. وذلك حسب الترتيب التالي:

------>القبيلة - 1 الدولة( القومية( نظام سياسي واقتصادي على أرض المجال(

الحيوي، الوطن)

------>القبائل - 2 الدولة( القومية( نظام سياسي واقتصادي على أرض المجال(

الحيوي، الوطن)

عبيد+ - 3 ------>القبائل الدولة( من قوميات أخرى أو من نفس القومية( نظام سياسي واقتصادي على أرض المجال(

الحيوي، الوطن)

------>الشعب - 4 الدولة نظام سياسي واقتصادي على أرض الوطن، كالهند( قوميات مختلفة يمكن أن تحوي أمما(

Page 27: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

مختلفة) وأمريكا)

------>الشعب - 5 الدولة قومية واحدة يمكن أن تحوي أمة أو(

أمما مختلفة) نظام سياسي واقتصادي على أرض المجال(

الحيوي، كاليابان)

من هذا التطور التاريخي نشأت العبودية والعلقات القتصادية البدائية، وكان الغزو من أسرة إلى أخرى أو عشيرة إلى أخرى أو قبيلة إلى أخرى، لتوسيع المجال الحيوي، أو للستبدال بمجال حيوي آخر أكثر خصوبة، مما كان يستدعي قتل المهزوم

لتوفير الغذاء للمنتصر، ثم انتقل القتل إلى العبودية. أي أن ظهور العبودية كان تطورا; إيجابيا; من الناحية التاريخية، حلت فيهالعبودية محل القتل الجماعي أو الفردي.

إل أن القتل بدأ عند ظهور الملمح الولى للسرة (وعي الم) بقتل الولد لتوفير الغذاء، وهي ظاهرة بهيمية صرفة، لذا جاءت الوصية الثالثة في الفرقان بعد الوالدين، بعدم قتل الولد بسبب قلة الغذاء، في قوله تعالى (… ول تقتلوا أولدكم من

-ولحظ كيف قال (.. من إملق..) أي أن قلة الغذاء موجودة. هذا من الناحية التاريخية الصرفة، أي أن151إملق ..) النعام الوصية الثالثة كانت بتحريم القتل المباشر للولد، ثم تطورت مع الزمن حتى أصبحت الن تعني الجهاض، فجاء تحريم قتل

الولد قبل تحريم قتل النفس، إذ لم يحرم ال قتل النفس إل في رسالة موسى. إن أول ما نلحظه في المجتمعات القديمة، هو خلوها من الثورات الداخلية الفعالة. فالثورات الداخلية لم تكن أبدا; سببا; في

هلك هذه الدول، كما لو أن قانون التناقضات الداخلي كان عاطل; عن العمل، أو غير موجود. أي أن أسباب القضاء على دول المجتمعات القديمة تكاد تكون كلها خارجية. لكن قانون جدل الضداد يظل يعمل في الظواهر الطبيعية وفي ظواهر

المجتمعات القديمة والحديثة، لكونه المعب�ر عن القانونين الساسيين للجدل المادي، ولجدل النسان. ففيه يوجد الغني والفقير،والحرية والعبودية، التي هي وليدة هذين القانونين، اللذين يعملن في المجتمعات منذ أن تشكلت.

فقانون صراع المتناقضات موجود في الشيء الواحد، والشيء هنا هو المجتمع نفسه (السرة-العشيرة-القبيلة-الشعب) أي التجمع النساني ذو العلقات الواعية، التي تطورت مع الزمن. أما قانون الزوجية (التأثير والتأثر المتبادل) فهو هنا في علقة

السرة بغيرها من السر، والعشيرة بغيرها من العشائر، والقبيلة بغيرها من القبائل، وفي علقة الشعب بغيره من الشعوب(التكيف). هذه العلقة التي تتجلى:

أ - إما في علقة المجتمع مع الطبيعة والظروف الطبيعية (أرض، مياه، صيد، ثروات، كوارث).ب - أو في علقة المجتمعات النسانية بعضها مع بعض، أسر وعشائر وقبائل وشعوب.

وبدأت علقة التكيف (قانون الزوجية-التأثير والتأثر المتبادل) بعلقة النسان مع الطبيعة وتكيفه معها، ولما كان النسان جاهل; بكثير من قوانين الطبيعة فقد فرضت الطبيعة نفسها عليه، بحيث أصبح هو متكيفا; معها، قبل أن يستطيع تكييفها

لصالحه. ثم أصبحت المعرفة بالقوانين وأدوات النتاج العامل الحاسم في هذه العلقة، فانتقى النسان أماكن سهلة للعيش، ثم اختار مجاله الحيوي، فانتقى الماكن ذات الصيد الوفير والمياه غزيرة، وسكن الكهوف للحماية، وفي هذا الوقت اكتشف النار، فأعطاه ذلك بعدا; إضافيا; في السيطرة على الطبيعة، وعلى التجمعات النسانية الخرى. وكانت وسائل النتاج هي

الحجار (العصر الحجري) ثم تطورت بتذليل النعام واكتشاف البناء (المدماك)، فاستقر في مواطن الستقرار (تربةزراعية-مياه-أنعام-حرارة+بناء). وتشكلت أول حضارة انسانية مستقرة للنسان الحديث، وامتلك النسان لغة مجردة.

لقد شرحنا مفهوم المة ومصطلح القوم كما جاء في التنزيل الحكيم، وأوردنا اليات الشواهد في معرض التوضيح، وتعمدنا أل يرد مصطلح الشعب في البحث أو الشاهد رفعا; لللتباس. إل أن مصطلح الشعب، ورد بدوره في التنزيل الحكيم، كما في

.30قوله تعالى (انطلقوا إلى ظل ذي ثلث شعب) المرسلت الشعب جاءت في اللسان العربي من فعل "شعب" وهو من أفعال الضداد، ويعني التجمع والفرقة. وقد جاء بمعنى الفرقة في الية السابقة، ويأتي بنفس المعنى في قولنا "تشع�ب المر"، أي تفرق إلى عدة نواح، وقد يأتي بمعنى التجمع والفرقة كما في

قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا; وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند ال أتقاكم إن ال عليم، فأورد سبحانه هنا الشعوب والقبائل، وأغفل المم والقوميات، لكنها جاءت متضمنة في الشعب والقبيلة. 13خبير) الحجرات

فالشعب مجموعة من الناس (يا أيها الناس) العاقلين، وبالتالي فإن لهم لسانا;، وينتسبون لقومية أو قوميات، ولهم سلوك متماثل بالغرائز ومختلف بالثقافات. والشعب، من حيث فيه أمة أو أمم، أعم من مفهوم المة والقومية لنه يتضمنها معا;، ويحتوي،

إضافة، على معانt ليست موجودة في المة والقومية. ففي الخلق قال تعالى (ذكر وأنثى) ثم حصل تغير في صيرورة هذا التجمع (الناس) فأصبح شعوبا; وقبائل على سلم التطور، فكانوا أمة واحدة ثم أصبحوا أمما;. وكما بدأوا بتقليد أصوات الطبيعة

Page 28: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

والحيوانات (لغة طبيعية)، فقد أصبحوا قوميات بعد أن امتلكوا لغة مجردة. ولكي نفهم مفهوم الشعب، ل بد أن نربطه بمفهوم متقدم جدا;، هو النظام السياسي والقتصادي. ول بد من تحديد كيف اجتمعت

الفرقة والتجمع في مصطلح الشعب، وكيف احتوت المة (سلوك) على قوميات مختلفة، وكيف يمكن للقومية (كأداة اتصالوتفكير) أن تحتوي على أمم مختلفة (ثقافات مختلفة).

أما التجمع والفرقة، فقد جاء من أن كيان الفرد موجود منفرد، ومحافظ عليه في الحرية الشخصية، ومن أن الكل يعيش ضمن قوانين اجتماعية واقتصادية وحقوقية، وبالتالي، فهو يضم مجموعة من الناس بمختلف ثقافاتهم (أمم) وباختلف ألسنتهم

(قوميات). من هذين المفهومين المتضادين في مصطلح الشعب، ينتج الفرق بينه وبين المجتمع البهيمي، الذي تحكمه قوانين غريزية، ول وجود فيه للنا، ذلك لن الشعب، بالمفهوم النساني، مجموعة من الذوات المتعددة (النا) المنفردة والمتميزة

التي ل تنصهر في الكل، ولول هذه الخاصية لصبح الفرد مجرد عدد في مجموعة، ل يتميز عن غيره كالبهائم تماما. أما في المعنى المقابل المضاد وهو الجمع، فالشعب مجموعة من الذوات المتعددة المتميز بعضها عن بعض، تجمعها علقات

واعية، وتربطها المصالح المشتركة التي يعبر عنها بالمنظومة التشريعية والقانونية، على أرض هي المجال الحيوي تسمىالوطن، وينظم العلقات بينها سلطة تسمى الدولة، سيطرتها تشمل حدود الوطن.

أما أداة هذه العلقة الواعية فهي اللغة، لنها أداة تفكير وأداة اتصال. ومن هنا نرى أن القومية عنصر أساسي مميز مكون للمة والشعب. وباختلف اللسن تميز الناس إلى مجموعات على أساس اللغة (القومية). فإذا وضعنا القومية، كأحد أسس بناء

الدولة (الشعب)، نكون قد وضعنا قانونا; موضوعيا; استثمرناه في خدمة إنشاء الدولة. لقد وضع القرآن القبيلة والشعب معا;، ولم يضع القومية والشعب، أو المة والشعب، وذلك من باب التجانس. فالعرب كانوا

قبائل متعددة، مع أنهم من قومية واحدة. فالقبيلة تضم عدة عشائر، والعشيرة عدة أسر، لها مجال حيوي تعيش فيه وتدافع عنه، وتتعدى عند الشح والزمة القتصادية على مجال قبيلة أخرى، فتحصل الحروب بين القبائل مع أنها جزء من قومية واحدة، لها رأس ومدافعون وجهاز كامل بدائي، لكنه يعبر عن منظومة السلطة والمجال الحيوي لهذه القبيلة ووطنها. وعندما تتحد

مجموعة قبائل، طوعا; أو كرها;، وتضم مجالتها الحيوية بعضها إلى بعض، فإنها تشكل شعبا; يعيش في مجال حيوي له حدودهو الوطن، فالوطن والشعب مرتبطان ارتباطا; عضويا; ل انفصام فيه، والقومية والمة عنصران متضمنان (

SUBSTRUCTURE.في مفهوم الشعب ( كان العرب قبائل، بعث فيها النبي (ص)، وأسس الدولة العربية السلمية في المدينة المنورة، فكل أرض شبه جزيرة العرب، التي كانت تحت سيطرة الدولة، وعاصمتها المدينة المنورة، هي الوطن. وكل الذين يعيشون في هذه الرض تحت سيطرة هذه

الدولة هم الشعب، بغض النظر عن قوميتهم وعن دينهم (قوميات وأمم)، يعيشون في وطن واحد، له حدود واحدة، وفيه نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي واحد. والعلقة التي تربط أفراد الشعب، بغض النظر عن أممهم وقومياتهم، هي علقة

المصلحة المشتركة القتصادية والجتماعية والمنية، التي ينشأ عنها النظام السياسي (الدولة). إن علقة الجدل بين الكل والنا (المجتمع والفرد) في التأثير والتأثر المتبادل، علقة واضحة في مفهوم الشعب، فماذا يحصل

في حال حدوث خلل في هذه العلقة الجدلية؟ هذا ما نراه في الحكام الدكتاتورية عندما تطغى النا الواحدة على الكل، وتصبح هي المفوضة عن الكل بالكلم واتخاذ القرارات، ويصبح الكل في هذه الحالة مسخرا; لنا واحدة ولرغباتها. ولكن هذه النا

- وبما أنه ل يوجد إل أنا واحدة باقية، مسيطرة على هذا الوجود، هي ال،30تبقى انسانية (إنك ميت� وإنهم ميتون) الزمر فالمجتمع يقع في ظاهرة الشرك في أوضح صوره إل إذا كانت هذه النا غير قابلة للموت، وهذا غير ممكن، كما نراه في

الظاهرة الفرعونية بادعاء الربوبية. فلكي تكون هذه النا مطاعة الوامر (اللوهية) يجب أن تتملك الدولة كلها بكل مقاليدها،ليصبح الشعب مجرد عدد ل أكثر ول أقل، مسخرا; لهذه النا. وهنا نقع في شرك اللوهية والربوبية معا;.

أما إذا حصل العكس، وهو سيطرة الكل على النا، كما نراه في كثير من الدعاءات حول سيطرة الكل وإلغاء النا، فهذا مجرد ادعاؤء، لنه غير قابل موضوعيا; للتحقيق. والسبب هو الستحالة الموضوعية في إزالة الفرق بين الكل والنا، حتى ولو طبقت كل وسائل القمع والرهاب في سبيل هذا الشعار، الذي قد يراه البعض جميل; للوهلة الولى، إل أنه في الحقيقة

رجوع إلى المملكة الحيوانية (القطيع) لتساوي أفراده ولغياب النا فيه. لكننا من خلل تطبيق هذا الشعار، نصل إلى النتيجة الولى، وهو سيطرة الفرد (النا)، أو مجموعة يرأسها فرد، على المجتمع، فينتج لدينا نظام ديكتاتوري تتجلى فيه الظاهرة الفرعونية بأعلى صورها. (الربوبية ثم اللوهية). أي أن هذه

المجموعة التي يرأسها فرد (وغالبا; ما يكون هذا الفرد ليس الول بين متساوين) ل بد أن تمتلك كل مقاليد الثروة (القتصاد)والحكم (اللوهية) حتى تطاع بالقمع على أساس الملكية (الربوبية).

أما الحل الحقيقي لهذه المعضلة، بين النا والكل، فهو في الوسط، وهو هنا ليس النتهازية، بل الديموقراطية (الشورى). الذي نفهمه على نسق ما نفهم المثال التالي: الكرم هو الوسط بين البخل والتبذير. وكما نفهمه من قوله تعالى (ول تجعل يدك مغلولة

Page 29: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

.29إلى عنقك ول تبسطها كل البسط¥ فتقعد ملوما; محسورا) السراء فإذا ما عدنا بعد ذلك كله، إلى الطرح الحالي ضمن المفهوم الحاضر لمصطلح الشعب العربي، نجد أنه طرح خاطئ، فالشعب

يحمل مفهوم الدولة والنظام السياسي، ومع أن الوطن العربي فيه قومية واحدة عربية، وأمة واحدة عربية، وأمة واحدة إسلمية، ثقافتها إسلمية، إل أن فيه أكثر من عشرين دولة، وبالتالي أكثر من عشرين شعبا;، فنفهم أن الغاية الوحدوية هي

تشكيل شعب عربي (دولة واحدة) من خامة قومية، ومن منطلق أممي إسلمي معاصر. من هنا نرى كيف فهمت السيرة النبوية هذه المصطلحات. فقد بدأ النبي (ص) بطرحه الممي في مكة (يا أيها الناس) من

نظرة إلى الكون والحياة والنسان موجهة إلى كل الناس على الرض، لكن الممارسة اليومية لهذا الطرح الممي كانت مع العرب، في شبه جزيرة العرب. لذا كانت القومية العربية الخامة الولى للطرح الممي السلمي، فكان المظهر الول

للسلم مظهرا; وقالبا; عربيا. وعندما توفي النبي (ص)، أصبحت الدولة السلمية دولة عاصمتها المدينة المنورة، وحدودها شبه جزيرة العرب، بكل سكانها مسلمين وغير مسلمين، عرب وغير عرب، وأصبح هؤلء السان كلهم هم الشعب، وأصبح

الشعب أعلى مستوى من التشكيل، حوى المة والقومية والدولة والوطن في وحدة كاملة. ولهذا نقول إن الممارسة الفعلية للنبي (ص) كانت قمة النجازات في الطروحات الممية والنشاط القومي. وعلى هذا الساس، نستطيع أن نقول إن ثمة شعبا; واحدا; في دولة واحدة، له ثقافة واحدة ولغة واحدة هو الشعب الفرنسي، تندمج فيه مفاهيم الشعب والمة والقومية معا;، ولو كان ذلك متوافرا; عند العرب، لستطعنا تسميته الشعب العربي، لكنه غير متوفر حاليا. كما نستطيع

أن نقول إن ثمة شعبا; واحدا;، هو الشعب المريكي، فيه قوميات مختلفة، وأمم مختلفة، على أرض وطن واحد، وفي دولةواحدة. وهذا بدوره غير متوفر حاليا; للعرب.

إن ثمة اليوم ثقافة إسلمية، سائدة عند مجموعة من الناس، غالبيتها تتكلم العربية، على رقعة من الرض تسمى الوطن. ورغم أن المة والثقافة واحدة، لسانها هو العربية، مع وجود قوميات أخرى، إل أن القومية العربية والعروبة، والقومية العربية

والسلم، ل تشكل دولة واحدة. ولهذا ل يوجد شيء اسمه الشعب العربي، وإن وجد فليس أكثر من مشروع طموح للعربلتحديد مستقبلهم السياسي، وليجاد مكان فعال لهم في صنع الحضارة النسانية.

قوانين الجدل والوصايا

( - ) ( - هو المسيطر( النسان النسان و الطبيعة النسان قلنا في حديثنا عن الشعب إن الجدل بشقيه وقلنا إن أسباب القضاء على المجتمعات القديمة تكاد تكون كلها خارجية، كما لو. على تطور المجتمعات

U عن العمل، لكننا أضفنا أن قانون جدل الضداد بشقيه يبقى موجودا كان قانون التناقضات الداخلي عاطل ويعملوالمر أشبه بمريض مصاب بجملة أمراض اد~ى أحدها، ربما لنه أقواها، إلى موته، لكن موته.

بهذا السبب ل يعني أبدا خلوه من المراض الخرى.ونبدأ مع ما بدأ به التنزيل. وتأتي روعة القصص القرآني في تفصيلها الوافي، لتؤكد ما نذهب إليه

) قالوا يا نوح قد. فكيف تم إهلك قوم نوح؟ يقول تعالى الحكيم في قصصه، بقصة نوح مع قومههود …) -32جادلتنا فأكثرت جدالنا الحادثة وهذا يدلنا على وجود تناقضات داخلية، تقوم عليها القصة

.( كارثة طبيعية( التاريخية، إل أنها كنهاية تنتهي بالطوفان ..) أتجادلونني في: لنراها تقوم بدورها على جدل داخلي، كما يدلنا قوله تعالى ثم تأتي قصة هود

العراف ..) لكنها تنتهي بجدل خارجي، إذ يتم إهلك المشركين ليس. 71أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم .( ولبيان أن قوم هود كانوا واعين لكارثة قوم( كارثة طبيعية بثورة المؤمنين عليهم، وإنما بريح عاتية

* نوح، أنهم شيدوا البنية في الماكن المرتفعة، كما في قوله تعالى أتبنون بكل ريع� آية تعبثون (الشعراء ) ، ثم ربط البناء بالنعام في الفترة الواقعة بين نوح129و 128وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون

( * الشعراء ( وذلك. 133-132وهود في قوله تعالى واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام� وبنين لقناعة قوم هود بأن الطوفان ل يؤثر على الماكن المرتفعة، فأرسل ا ريحا تؤثر على الماكن العالية

. ( أي هلكا لم يعهدوه من قبل( عذابا نكرا أكثر من الماكن المنخفضة ثم يأتي صالح وقوم ثمود، فكان الجدل الداخلي بينه وبين قومه حول التوحيد والظلم، لكن القصة تنتهي

.( وتأتي بعدها قصة شعيب، فيقوم الجدل الداخلي حول بخس الناس( الصيحة، الرجفة بكارثة طبيعية لحظ تقدم العلقات القتصادية وتبادل السلع منذ شعيب،( بأشياءهم وعدم الوفاء بالكيل والميزان

Page 30: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

. ، ثم تنتهي القصة بإهلك القوم بكارثة طبيعية) بوجود الكيل والميزان، وبوجود تقييم لما يملكه الناس ونقف بعد ذلك كله، أمام قصة موسى، التي تقوم على جدل داخلي بين فرعون وعبودية بني إسرائيل،

( ، ولكن إهلك القوم، ينتهي( جدل داخلي ويقود موسى وهارون تخليص بني إسرائيل من الفراعنة .( – كارثة طبيعية( جدل خارجي أيضا بالغرق

فإذا استعرضنا التاريخ القديم، ل نجد فيه دولة قضي عليها بثورات داخلية، إذ أن هذا القانون يكمن في ( أو بهلك( كارثة طبيعية تحريك المجتمع، وفي ظهور دعوات وحركات تنتهي بالجدل الخارجي المباشر

( - - - - - وذلك( الرومان اليونان الشيوريون الكنعانيون الكلدانيون الحثيثون للدولة على يد عدو خارجي صحيح أنه ظهرت بعض حركات التغيير العفوية ضد العلقات. لعجز النسان عن امتلك أداة التغيير

.( ثورة سبارتاكوس في المبراطورية الرومانية( السائدة في بعض المجتمعات القديمة، ولكنها فشلت ( لول مرة،( علقات تأثير وتأثر متبادل حتى جاء السلم، فغلب فيه الجدل الداخلي الجدل الخارجي

. ( وهذا ما يميز( ل من الخارج، ول بكارثة طبيعية ثورة داخلية وتم تغيير المجتمع العبي من الداخل ( عمن قبله من النبياء كدعوة ومنهاج وعمل، تم بموجبه تغيير المجتمع وعلقاته، وتم( ص محمد

أي أن. تحرير البلدان المجاورة، طبقا لقانون صراع المتناقضات الداخلي ل لقانون الجدل الخارجيالسلم مر بمرحلتين أساسيتين:

1 ( ) بتوحيد شبه جزيرة العرب في دولة واحدة - ص مرحلة تناقضات داخلية، تمت في عهد النبي عاصمتها يثرب، وبداية تحويل القبائل إلى شعب.

2( ) ، وتجلت في الفتوحات العربية السلمية - ص مرحلة التأثير والتأثير المتبادل، تمت بعد النبي ( - - - علما بأن قانون التناقضات الداخلي عمل في( شمال افريقيا العراق مصر بلد الشام الكبرى

المرحلة الثانية. ولقد كان قانون التناقضات الداخلي السبب الكامن وراء حروب الردة، ومعركة الجمل، ومعركة صفين،

- ) ( - ) ( - قوي( و فقير غني و موالي عرب حتى تأسيس الدولة الموية، التي تجل~ت التناقضات فيها بـ، فتولدت حركة المعارضة السرية بقيادة أبناء علي وأحفاده، ثم الثورة العباسية، التي كانت ثورة) ضعيف

( - ) ( - الدور الرئيس بالقضاء على( الفقير الغني و الموالي العرب بكل البعاد، لعب فيها تناقض المويين، كما كان هذا القانون هو السبب الكامن في ظهور المذاهب السلمية، وأسلوب الحكم، وشكل

.)1(الدولة، وصلحياتها ( - فقد انعكس في النبوات والرسالت، النبوات في تطور( الطبيعة النسان أما فيما يتعلق بجدل

المعارف، والرسالت في تطور التشريع والقيم الخلقية للمجتمع، كان فيه النبي هو البديل للعراف( ، وكان الرسول هو البديل للكهنة على صعيد التوحيد، وما ينجم عن ذلك من( الجانب المعرفي والمنجم

قيم أخلقية وتشريع حسب تطور المجتمع.ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن( كان التوحيد القاسم المشترك بين كل النبياء والرسل

الزمر ) وجاءت الوصية الولى من الفرقان في قوله 65أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين (.. النعام (… أل تشركوا به شيئا قانون التطور ونفي النفي، وتغير(151تعالى ، لبيان أهمية التوحيد

. ، ولبيان أهميته التاريخية أيضا، لكونه جاء على رأس الوصايا كلها) صيرورة كل شيء ما عدا ا إننا نرى في تسلسل الوصايا، أهمية تاريخية يجب الوقوف عندها، ونرى في تسلسل المعارف كما وردت عند النبياء، أهمية تاريخية تشرح لنا بالتفصيل تطور هذه المعارف في المجتمعات القديمة، كما نرى في

أما. تسلسل الرسالت كما جاء بها الرسل، أهمية تاريخية لتطور التشريع والحكام والقيم الخلقية ( وفي التبشير بالبنيان، ونراها( اجتياز العوائق المائية المعارف في النبوات، فنراها عند نوح في الفلك

عند هود في تذليل النعام وربطه بالبنيان، ونراها عند شعيب في الكيل والميزان وأسس تقييم الشياء.

أما التشريع والحكام في الرسالت، فنراه في التوحيد عند نوح وعند جميع من لحقه من أنبياء ورسل. وفي بر الوالدين وعدم قتل الولد عند نوح، وبالوفاء في الكيل والميزان عند شعيب، وظهور مفهوم

Page 31: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الفاحشة في اللواط عند لوط. إن عظمة القصص القرآني، ل تقف عند حد الترويج عن النفس، بل في هذا التسلسل التاريخي الطافح

بدللت تطور وتراكم المعارف والتشريعات، وما فيها من أغراض تهم كل المجتمعات النسانية، كقصةقد جاءت الوصايا. أهل الكهل، وذي القرنين، وموسى والعبد الصالح، التي سنعرض لها بالشرح لحقا

.153، والعاشرة في الية 152، وأربع في الية 151في ثلث آيات من سورة النعام، خمس في الية كما نرى الية. حيث نجد التسلسل في اليات يسير من المشخص في العلقات الجتماعية، إلى المجرد

153) ( ) علقات أخلقية لمجتمعات مع المجرد علقات أخلقية لمجتمعات بدائية تدمج المشخص أما الوصايا الخمس الولى في الية ). :151متحضرة فهي

1. أل تشركوا به شيئا - 2. وبالوالدين إحسانا - 3. ول تقتلوا أولدكم من إملق - 4. ول تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن - 5. ول تقتلوا النفس التي حرم ا إل بالحق -

ونرى أن لها علقة مباشرة بالمجتمعات القديمة، وظلت سارية المفعول حتى المجتمعات الحديثة،وستبقى سارية إلى قيام الساعة.

:152أما الوصايا الربع التي تليها في الية فهي 6: ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده -

وهذه الوصية، ل يمكن أن تكون سارية المفعول، إل إذا كان هناك قانون أخلقي وتشريعي قبلها، وهوفالمجتمع الذي ل يعني بقتل الولد. تحريم قتل الولد لسبب اقتصادي، وتحريم قتل النفس إل بالحق

والنفس، أولى به أل يعني برعاية اليتيم والحفاظ على مالهوهذا يدل على علو� في سلم الحضارة. .( الروحية( النسانية للمجتمع، أي على رقي في العلقات المجردة

7: وأوفو الكيل والميزان بالقسط - وتدل هذه الوصية على تقدم العلقات النتاجية، وتبادل السلع، التي تحتاج إلى قانون أخلقي هو الوفاء

بالكيل والميزان.8: وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى -

هذه الوصية تحتاج إلى تجريد ورقي في العلقة الجتماعية والسلم الحضاري، مما يستدعي بالنسان أنيشهد ضد أخيه أو والده أو ابنه، وتدل على تجاوز عصبية السرة والعشيرة والقبلية.

9: وبعهد ا أوفوا - وتحتاج هذه الوصية لتطبيقها إلى رقي أكبر في المستوى الحضاري، هو اللتزام الشخصي باليمين أو ما

يسمى باليمين القانونية أو الدستورية أو القضائية أو المهنية، حيث يقف النسان أحيانا ضد رغباتهالشخصية البحتة.

شائعة في الدول المتحضرة المتقدمة، أكثر بكثير منها في الدول المتخلفة، 9-6كما نرى أن الوصايا من الضمير الجتماعي( حيث نجدها ضعيفة التأثير جدا في العلقات الجتماعية وفي السلوك الشخصي

أي أنه ما زالت هناك مجتمعات انسانية لم ترق إلى مستوى هذه الوصايا حتى يومنا). والضمير الفردي)152هذا، ولهذا انتهت الية ) ، أي من باب التذكير والتأكيد لكونها وصايا لعلكم تذكرون بقوله تعالى

أما الية . .151يمكن أن تنسى ( ) لنها تدخل في العقل قبل الضمير لعلكم تعقلون قبلها فانتهت بقوله (.. منفردة في الية ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ، لتشي إلى أن153ثم تأتي الوصية العاشرة

الصراط المستقيم هو في اتباع الوصايا التسع، وتطبيقها كاملة غير منقوصة، ولتبين أنها تشكل الهيكلالخلقي الساسي النهائي لمم الرض، بغض النظر عن ثقافاتها وعباداتها، إلى أن تقوم الساعة.

Page 32: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

العدل النساني والعدل اللهي

تعتبر قصة موسى والعبد الصالح كما جاءت في سـورة الكهف، من أكثر القصص خطورة إذا أسيء فهمها، لنها توقع النسان في الوهام والفوضى الفكرية والجتماعية إذا تم فهمها سطحيا، فهي لم تأت

للتسلية والتطمين، كما ذهب بعض المفسرين، أو كما فهمها بعض المتصوفة المشعوذين، واستنتجوا منها) ( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه( حسب زعمهم، من قوله تعالى العلم اللدني علما أطلقوا عليه مصطلح

الكهف ) ، بل لتعلمنا كيف نتصرف ونسلك تجاه القوانين الكونية65رحمةU من عندنا وعلمناه من لدنا علماولقد صرفنا في هذا القرآن( والجتماعية، بالمثال والشواهد التي ساقها ا لنا، كما في قوله تعالى

الكهف ..) .54للناس من كل مثل من هذه الزاوية، زاوية أن نتعلم من المثال في القصص القرآني، ننظر في قصة موسى والعبد الصالح

" على العبد الصالح، والدعاء بأنه حي دائما،" الخضر كما وردت في التنزيل الحكيم، أما إطلق اسم ووصفه بصفات أدونيس وعشتار، وربطه في أخبار القديسين بسيرجيوس وجاورجيوس قاتل التنين، مما

لم يرد له أي خبر في الذكر الحكيم، فل محل له عندنا. عام على القل، وما زالت وستبقى، درسا في الفرق بين التشريعات 3000لقد وقعت أحداث القصة منذ

البشرية النسانية لتحقيق العدل النساني، وفي التشريعات اللهية الموحاة لتحقيق العدل اللهي. فالنسان وضع التشريع للفراد لينظم حياتهم بعضهم مع بعض، وللجماعات لبناء الدول، فالمجتمعات

تقوم على التشريعات، وهذه التشريعات لها محدودية التنظيم الجتماعي بحيث ل يمكن أن تغطي علقةكل فرد على حده مع الخر.

وقد مث~ل هذا الطرف موسى عليه السلم، كرسول يحمل رسالة تشريعية، ورغم أن فيها شمولية اجتماعية وانسانية ل يمكن لي مجتمع التنازل عنها وإل فإنه سيدمر نفسه بنفسه، إل أنها ل تحتوي على

العدل اللهي المطلق، حتى ولو كانت تشريعات إلهية، بل تنظم طريقة التعامل بين النسان وأخيه النسان، وتنظم علقة مجموعات من الناس بعضهم ببعض، تماما كما تنظمها التشريعات والقوانين

النسانية. فتطبيق العدالة أمر نسبي يتم طبقا للبينات المتوفرة، أي أننا ل نستطيع كمجتمع أن نطبق عقوبة الجلد

وكذلك ل نستطيع أن نطبق عقوبة القتل على. على الزاني، إل إذا توفرت البينات المطلوبة لقامة الحدلذا فإننا حين نقول بأن الشرائع السماوية والنسانية ل يمكن. القاتل، إل إذا توفرت البينات المادية فعل

تطبيقها بدون بينات، نقول بأن هذه الشرائع تحمل العدالة النسبية في التطبيق، وتحمل الشمول لتطبيقهاعلى مجموعة من الناس، ول تحمل العدالة الفردية لكل انسان على حده.

وبما أن التشريع اللهي الموحى والقانون النساني الموضوع يحملن صفة الشمول الجتماعي والعدالة الجتماعية الكلية ل الفردية، ويحتاج تطبيقها إلى بينات موضوعية، أي إلى شروط ظرفية وبينات مقدمة

فما هو إذن. U ل افتراضا، فإن دور التشريع بعد ذلك يأتي ليقوم بمهمته تبرهن على أن هذا حصل فعل الميزان الذي يطبق العدالة المطلقة لكل فرد على حده، ويعطيه حقه، أو يقتص منه عندما يعجز الدليل

عن تقديم بينات لتطبيق التشريع؟ هذا الميزان هو العدالة اللهية المطلقة، التي تعمل خارج التشريع والقانون، والتي ل يمكن لي انسان أو

هنا يجب أن نميز بين مصطلحين هامين يتعلقان بالعدل اللهي المطلق،. مجتمع أن يحيط بها وبظروفها فالعدل من صفات ا وأسمائه الحسنى، وهو أزلي، أما تطبيقه فهو تطبيق نسبي، منسوب إلى الظروف

التي يتم بها هذا العدل المطلق، ويدخل تحت إرادة ا الظرفية، أي لها علقة بظروف كل فرد علىوبدون هذا التفريق نقع في أن ا كتب منذ الزل على النسان كل. حده، وعلقته ببيئته ومحيطه

أما. شاردة وواردة، وأن النسان دون إرادة نهائيا، تارة تحت اليأس، وتارة أخرى تحت التسليم المطلق إذا فهمنا أن العدل اللهي المطلق أزلي، منسوب تطبيقيا لكل انسان على حده في علقته مع ظروفه

ومع الخرين، فإن المور تتوضع في نصابها.

Page 33: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

وهذا الجانب الخر الذي يمثله العبد الصالح هو الذي تنكشف لنا جزئيا بعض جوانبه أثناء سير حياتنا ( لكي( حنيفية كأفراد أو مجموعات، ولكي تتحقق العدالة في التشريع جاءت التشريعات اللهية حدودية

أي هي تحقيق. تحنف نحو العدالة ما أمكن في كل حخالة على حده، ول يمكن أن تكون غير ذلكانساني لرادة ا في القتراب من تحقيق العدل الكامل.

ولكي يفهم مغزى كلمي، أضرب المثلة التالية: إذا قتل زيد� عمرا، وقال في التحقيق أنه فعل ذلك لن عمروا بعد خمس سنوات سيخون بلده ويبيع - 1

أسرارها للعدو، فلن يوجد محقق أو قاض� في كل الرض يقبل هذا الكلم، حتى ولو كانت عقوبة الخائنالعدام، وسيحاكم زيد ويعدم أو يسجن كقاتل، مع احتمال أن ما قاله صحيح.

إذا جاء زيد ليقتل عمروا ودهسته سيارة عندما وصل وشاهد عمرو حادثة الدهدس، وهو ل يدري - 2 أن ا أنقذه من القتل، فسيحاول أن يقبض على سائق السيارة ويسلمه إلى الشرطة، لنه دهس زيدا.

أما إذا علم أن المدهوس جاء ليقتله، فسيطلب من الشرطة أن يتركوا سائق السيارة، ولن تصدقU، والقتل لم يحصل فعل. الشرطة روايته، حتى لو قدم البينات، وسيعاقب السائق لن الدهس حصل فعل

أراد إنسان أن يسافر بالطائرة، وحصل معه طارئ فاتته معه الطائرة، فإنه سيحزن لهذا حزنا - 3فإذا علم بعد ذلك أن الطائرة تحطمت، وقتل جميع ركابها، فسيأخذ موقفا معاكسا، ويحمد ا. شديدا

ويورد بعض الناس هذا. على هذه النعمة، ويشكر الطارئ الذي منعه من السفر بعد أن كان ناقما عليهالمثال للدللة على ثبات العمار وهذا غير صحيح.

فالصدفة. قد يقول البعض إن هذه هي الصدفة، فيقع في تناقض، لن القانون والصدفة ل يتلقيان موقف معرفي انساني، أما في الطبيعة فل يوجد صدف، بل يوجد قوانين حتمية في الكليات وقوانين

.أي أن الحتمية هي اليقين في الكليات، والحتمالية هي اليقين في الجزئياتاحتمالية في الجزئيات، فالكلية موجودة في. وهكذا نفهم عدل ا المطلق اليقيني في الكليات، وكلية الحتمالت في الجزئيات

وهكذا نرى مليين الحتمالت. الكلي والجزئي، لكن القانون في الكلي صارم، وفي الجزئي احتمالي .( وعلى( الحتمية في عدل ا المطلق في الجزئيات، أما كلية الحتمالت فمجموعها يساوي الواحد

هذا الساس نشرح قصة موسى مع العبد الصالح. يمثل موسى الشرائع والقوانين الكلية، التي جاءت لتطبق على كل الناس بدون استثناء، وبغض النظر

مليارات، وهناك آلف 5عن كل الحتمالت التي تحيط بكل فرد على حده، وبما أن عدد سكان الرض الحتمالت لكل منهم في علقته مع مجتمعه في المنزل والجيران والعمل، يصبح لدينا احتمالت ل يمكن

من هنا نرى أن التشريع اللهي بالرسالت، والتشريع النساني. الحاطة بها من خلل التشريع والقانون بالقوانين جاء عاما، بمعنى أنه ل يضع لكل احتمال وظرف ولكل شخص على حده نصا خاصا به، وإل

احتجنا إلى آلف مجلدات التشريع اللهي والوضعي، بحيث يعجز النسان عن مجرد قراءتها.U، أو توافرت كل الظروفلهذا، أمرنا ا سبحانه في تشريعه أن ل نتصرف إل إذا حدثت الواقعة فعل

ولما كان هذا المنهج عاجزا عن تحقيق العدالة المطلقة، بمفهومها لحدوثها، وثبت يقينا أنها ستحدث..( ) ( الميزان اللهي( والسماء رفعها ووضعه الميزان الحتمالي، تأتي عدالة رب العالمين

يمثل العبد الصالح العدل اللهي، الذي ل يحق للتشريع النساني أن يتدخل فيه لنه عاجز عن ذلك، فإنU، وأرجعنا إلى قانون الغاب، لن العدالة اللهية تدخل فيه، أدى ذلك حتما إلى دمار المجتمع تدميرا كامل

في قانون الغاب مطلقة، والغاب عبارة عن حيوانات بعلقات غير واعية، تنطبق عليها قوانين الطبيعةوتمت كلمة ربك صدقا وعدل( الربانية، وهذه القوانين لها صفة الموضوعية، فهي تحمل الصدق والعدالة

ل مبدل لكلماته). وبما أن العلقات الواعية ل تستطيع أن تحيط بمليارات الحتمالت، فقد وضع لها رب العالمين، ووضعنا

..) هل. من هنا قال موسى للعبد الصالح لها قوانين سلوك واعية، عامة التطبيق على كل الفرادالكهف ) إنك لن تستطيع معي(.. 66أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا ، فأجاب العبد الصالح

( الكهف * وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا .68و 67صبرا

Page 34: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

فيجيبه في الية . 66تبدأ القصة بالية ،67، حين يطلب موسى من العبد الصالح المرافقة بهدف التعليموسبب عدم الصبر كما تشرحه الية . هو قلة 68إنك لن تستطيع صبرا على ما أقوم به، رغم أنك رسول

الخبرة، فعدم صبر النسان على شيء ل يعرفه سلوك طبيعي، والنسان عدو ما يجهل حتى لو كانU، وننتقل الن مع الية (71رسول فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة إلى الحالة الولى حالة السفينة

: فنرى فيها ثلثة عناصر) خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا. ركوب السفينة- أ

. خرق السفينة- ب . استنكار موسى- جـ

لقد استنكر موسى خرق السفينة لنه يخالف الشرائع، وهو كرسول ل يستطيع ول يمكن أن يقبل بذلك.وموقف موسى. فالعدل الجتماعي الذي ينظم علقة النسان مع المجتمع كلي ول يقبل الستثناءات

أما العبد الصالح الذي يمثل العدالة اللهية المطلقة في. هنا يمثل موقف الدولة والقانون والقضاء الجزئيات، فقد أفسد السفينة لنقاذها من الحجز، ولكن ذلك أمر ل تستطيع الشرائع والقوانين الوضعية

U، ولنها تدمر نفسها بذلك ثانيا، علما أننا إذا أخذناه من أن تتدخل فيه، أو تأخذه بعين العتبار لجهلها به أولالحظ" الناحية الجتماعية نرى العدالة اللهية تعمل بشكل يومي مع كل الناس، فالبعض يسميها

. " " والبعض يراها جزئيا، ول يستطيع استيعابها كليا لكثرة عناصرها" صدفة والبعض يراها السعيد(74وتأتي الية فانطلقا حتى إذا لقيا غلما فقتله قال اقتلت لتقف بنا على الحالة الثانية، حالة الغلم

: ، ونرى مرة أخرى العناصر الثلثة) نفسا زكية بغير نفس� لقد جئت شيئا نكرا. الغلم واللقاء به- أ

. قتل الغلم على يد العبد الصالح- ب . استنكار موسى- جـ

لقد استنكر موسى قتل النفس بغير نفس لن كل الشرائع السماوية ابتداءU من موسى وكل الشرائعأما العبد الصالح فقد قتله لن الشروط الموضوعية القائمة،. الرضية جاءت بتحريمه في قانون كلي

وعلقة الغلم بوالديه وبالمجتمع ستوقع الغلم بالكفر، وسيسيء إلى والديه المؤمنين، حتى يتمنيا لو أنهوقتل الغلم سلفا تحقيق لمنية سيضطر الوالدان المؤمنان إلى طلبها من ا تعالى، وهذا. مات صغيرا

وهذا ما نراه في المجتمعات اليوم، فالدولة. حق لله تعالى وحده، وليس لحد أبدا أن يتخذ قرارا بذلكبتشريعاتها تعاقب القاتل بغض النظر عن أن المقتول سيكون مجرما أو عاصيا أو خائنا أو غير ذلك.

من هنا كان موسى يمثل الدولة التي تقوم بتنفيذ القانون على الناس سواسية، طبقا للبينات المتوفرة، ( وتقف عند هذا( النفس بالنفس والبينات في حالتنا هذه حصرا هي هل قتل الغلم أحدا أم ل، أي

( ) وهذا يحصل عندما يموت لنسان طفل أو شاب عزيز عليه،. أقتلت نفسا زكية بغير نفس� فقال الحد ( تقف فقط عند معرفة أن الوفاة حصلت نتيجة لحادث طبيعي( الشرع والقانون فإن حدود الدولة

ووفاة طبيعية، أي ل يوجد عزاء لهم غير ذلك شاؤوا أم أبوا، فمن يقبل بالعدل اللهي، يستطيع أن يتغلبعلى بلوائه، ومن ل يقبل به يموت كمدا وحزنا.

(77ثم تأتي الية بالحالة الثالثة والخيرة، حالة الجدار فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية� استطعما أهلها ونرى) فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه أجرا

العناصر التالية الثلثة:. الجدار اليل للسقوط- أ

. إصلح الجدار بدون أجر- ب . استنكار موسى- جـ

لقد استنكر موسى القيام بعمل دون أجر، وهو قانون كلي ينظم العلقات العامة للناس بعضهم مع بعض، وهذا ما تسعى إليه الدول في شرائعها وقوانينها، فل يحق لنسان أن يستخدم انسانا آخر بدون

حتى ولو تبرع بذلك اعتبر ظاهرة غير طبيعية تخالف الشرائع والقوانين. أجر، ضمن الحد الدنى للجور

Page 35: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

أما موقف العبد الصالح فقد جاء ليبين قانونا إلهيا، بأن النسان يؤجر ويثاب على. الناظمة للمجتمعات العمل الصالح حتى في ذريته، فهنا الوالد ميت والولد أيتام، ول خوف من أن يرهق الولد الوالدين

بناء الجدار بدون( بكفرهم، أما في الحالة الثانية فالغلم غير يتيم، فحفظ ا لهم الكنز دون مقابل . حتى إذا بلغوا سن الرشد أخرجوا الكنز فانتفعوا به) أجر

لقد رأينا أن ا سبحانه، في الحالت الثلث، رحيم بعباده، ول يقبل الظلم من أحد على أحد، وعندما يعجز النسان كفرد عن أن ينال حقوقه بنفسه، أو تعجز القوانين عن أن تحصل له حقوقه، فعليه أن يثق

.بعدل ا سبحانه ورحمته، وعليه أن يثق بميزان رب العالمين الدقيق الذي ل يترك شاردة ول واردةففي حالة السفينة شمل عدل ا الزمن. لقد شمل عدل ا سبحانه، في الحالت الثلث، الزمنة كلها

وفي حالة. الحاضر، أي السفينة موجودة والمساكين موجودون والملك موجود والخرق حصل فعل الغلم شمل العدل الحاضر والمستقبل بدون الماضي، فالبوان المؤمنان موجودان، والغلم موجود،

أما في حالة الجدار، فقد ربط. والمستقبل هو الخشية من طغيان الغلم على البوين وإرهاقهما بالكفر العدل اللهي الحاضر بالماضي والمستقبلفالمتوفى كان صالحا بالماضي، وبناء الجدار تم~ في.

الحاضر، واستخراج الكنز سيتم في المستقبل. ونفهم، حين نلحظ عدم وجود حالة تقتصر على الماضي فقط، أن علينا أن نهتم بالحاضر، ثم بالحاضر

والمستقبل، ثم بالماضي بعد ربطه بالحاضر والنظر إلى المستقبل. ونفهم أن لو وافق موسى ولو مرة واحدة على عمل العبد الصالح، لنسف بذلك كل شرائع وقوانين

الدنيا، ولزالت الدولة من الوجود، وأعطى الحق لكل إنسان بأن يمثل العدل اللهي فيما يفعل، ولقضى على بنية الدولة الساسية في التشريع في الكليات، أي مساواة الناس أمام التشريع والقانون، ولسادت

U، ولقضى على حق كل انسان بالمطالبة بحقوقه الظلمات تحت اسم العدل اللهي الموجود فعل" " هذه إرادة ا" و هذا مكتوب علينا U لقبول الناس بكل شيء تحت شعار ".الواضحة، وأعطى مجال

ولكن موسى احتج، مما يعني أن النسان يجب أن يحتج على الظلم، وعلى المور التي تخالف القوانين والشرائع.

إن عدم الحتجاج على مخالفة الشرائع والقوانين، أي اغفال جانب موسى، يوقع الناس بالفوضى والذكر،وإن عدم الثقة بالعدل اللهي الذي يمثله العبد الصالح، يوقع. والظلم العلني، والتدجيل والشعوذة

لقد سمى المتصوفة المغالون علم العبد الصالح بالعلم اللدني، وقالوا بأنه. الناس في اليأس والقنوط ( وأن ا يعطيه للولياء، ونحن نقول أن ا لو أعطى هذا العلم لحد( العرفان من علوم أهل ا

من هؤلء، فهذا يعني أنه سمح له بتدمير المجتمعات النسانية وتدمير الدول، ولقد ساهم من ادعى هذاالعلم بتدمير مجتمعه.

( فحولوا الناس إلى أشباح تقبل الظلم بكل( هذا مكتوب عليكم لقد طرحوا العدل اللهي تحت شعار أنواعه ول تحتج، وجعلوهم يقبلون التصرفات الشاذة تحت شعار العلم اللدني الذي يحوزونه كما العبد الصالح، لكن ا تعالى يقول في نهاية القصة بشكل ل لبس فيه، بأن ما فعله العبد الصالح كان وحيا

( الكهف (.. وما فعلته عن أمرئ، ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ، لقد انقطع83إليه من ا تعالى الوحي نهائيا بعد الرسول العظم، ول يحق لي انسان أن يدعي ذلك تحت أي شعار.

لهذا، ل يجوز أن نقيس العدل اللهي بمقاييس العدل النساني، وإل كنا كمن يطبق قوانين نيوتن على مجالت ميكانيك الكم، فيقع في تناقض، حيث لكل منظومة معرفية مجال توظيفها الخاص، وتأتي

وحين يطبق النسان مقاييس العدل. مصداقية التوظيف، في طواعية القوانين لرادتنا، أي في التسخيرسبحانه وتعالى عما يقولون علوا.. النساني على العدل اللهي، يصل إلى الستنتاج بأن ا غير عادل

كبيرا. " ، هي" تخريجه وهذا التناقض يقع فيه حتى المؤمنين أنفسهم، ولكي يحل~وا هذا التناقض، يلجأون إلى

أنه إذا مرض النسان، فالمرض عقوبة له على الساءة الفلنية في المكان الفلني، أما وهو غير . وكأن هم ا عقوبة الناس وابتلءهم، وهذا من بقايا الوثنية!! مسيء، فالمرض ابتلء وامتحان

Page 36: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

أما إذا طبقنا مقاييس العدل اللهي على العدل النساني، ينهار الشكل، وتعم الفوضى، وتبطل الحدود، ول يبقى ثمة معنى للثواب ول للعقاب، وهذا هو سر قصة موسى والعبد الصالح في التنزيل كما نراه. ومن هنا فنحن حين نناقش سلوك الصحابة، أو نستعرض للعبرة والتقييم أحداث تاريخهم، رضي ا

عنهم أجمعين، بمقاييس العدل النساني، فهذا حقنا، ول نستطيع في واقع المر أن ننظر إليهم إل من منظور هذه المقاييس حصرا، لكن ذلك ل يعني أننا نحتج على العدل اللهي، وإذا كان هناك صحابي

( وانتقدناه، فهذا ل يعني أبدا أننا نريد إرساله إلى النار، فالجنة والنار من( عدل إلهي مبشر بالجنة اختصاص رب الجنة والنار، وادخال الناس إلى إحداهما، يحصل بقرار منه وحده سبحانه، وليس من

اختصاص أحد من العالمين.

)1( " للدكتور إحسان النص، حيث أسند السباب كلها إلى العصبية" العصبية القبلية انظر U الجانب القتصادي مغفل

الفصل الخامس: الثورة

تغي�ر الصيرورة الجتماعية النسانية بطريق واع إرادي

قبل أن نبدأ الحديث عن الثورة ووضع تعريف لها، يجب علينا أن نشرح أن الثورة هي نشاط إنساني فردي وجماعي. مؤثر أطر) إلى أيديولوجيا (الفكار والنظم المعرفيةفي سياق الحداث الفردية أو الجتماعية. أي أنها عملية تحويل البستمولوجيا (

). أو هي بكلم آخر، تطبيق النظم المعرفية المتطورة دائما; على الواقع الذي يجب أن يتطور دائما; طبقا; لتطورتنظيمية عملية هذه النظم. أي أن النظم المعرفية وأدواتها يجب أن تكون أقوى وأقدر على كسر اليديولوجيا القائمة على نظم معرفية وأدوات

سابقة. -نظرية المعرفة النسانية- بند (الوجود >>> النسان)، وكيف تحصل المعارف)1(لقد شرحت في "الكتاب والقرآن"

النسانية عن ال وعن العالم المحيط. لكنه كان شرحا; لتأسيس نظام معرفي انساني مستنبط حصرا; من القرآن الكريم، ولمأبحث أبدا; التجاه المعاكس، وتأثير هذه المعارف المكتسبة على الوجود الموضوعي. أي على النسان >>> الوجود.

ويعتبر هذا الموضوع من أهم الموضوعات التي طرحها الفكر العربي المعاصر، وخاصة السياسي والقتصادي. علما; أن الفكر العربي السلمي المعاصر، لم يطرح هذا الموضوع من الناحية العلمية، أي كيف يمكن تحويل الوحدة العربية، مثل;،

من مجرد فكرة (قول)، إلى حقيقة موضوعية (فعل). أو كيف نحول مفهوما; عن العدالة الجتماعية من مجرد أفكار مطروحة(قول)، إلى حقيقة قائمة (فعل)، دون أن ندخل في عالم الرومانسية (العواطف)، حيث المتاهات والمآسي الكبرى.

نحن نسمع أقوال; ووعودا; كثيرة، من أشخاص كثيرين (زعماء وغير زعماء) ثم ننظر إلى الواقع فنراه غير ذلك، ونتهم هؤلء الشخاص بالكذب. ونسمع خطبا; ومواعظ وعروضا; للسلم، ثم ننظر إلى الحياة فنراها غير ذلك، ويتهمنا هؤلء بقلة

الدين والبعد عن السلم، وتنتهي العملية عند هذا الحد، دون تحليل السباب!! وأرانا نخطئ في الحالتين، فليس كل من نادى بالوحدة العربية والعدالة الجتماعية كاذبا;، وليس كل الناس في العالم قليلي دين، وبعيدين عن السلم. ولتحليل هذه الظاهرة، يجب أن ندخل أول; في شرح وتحليل قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم

- وفي الفرق بين القول والكلم. فالكلم هو3 و2تقولون ما ل تفعلون * كبر مقتا; عند ال أن تقولوا ما ل تفعلون) الصف الجانب الصوتي في اللسان، وعندما يأخذ الكلم معنى في الذهن يصبح قول. والقول مجموعة الصور والفكار التي تحصل

في الذهن من معرفة العالم الموضوعي، أما الفعل فهو عمل معر�ف، يقوم به النسان من فكرة في ذهنه. ; (قوله الحق) (فعال لما يريد)، والوجودفال سبحانه هو الوحيد القادر على فعل ما يريد، وقوله وفعله متطابقان تماما

كلماته، ولو أراد الوحدة العربية لصبحت واقعا; موضوعيا; ل مناص منه (كن فيكون). ولكن هل من مهام ال صنع الوحدة العربية، أو الدولة العربية السلمية، أو العدالة الجتماعية؟ أم هي ضمن المكانيات الممكنة موضوعيا;، مثلها مثل التجزئة؟

إن الوحدة والتجزئة في علم ال ومشيئته سيان، وترجيح الواحدة على الخرى من مهام النسان حصرا; وليس من مهام ال،

Page 37: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

ودعاؤنا ل أن ينجز هذه المهمة عنا نوع من ضعف اليمان به وبعلمه وبكلماته، وليس قوة إيمان أبدا. بعد هذا ندخل في نظرية القول والفعل والعلقة بينهما، أو بعبارة أخرى، كيف نحول الفكار إلى أفعال، وبالتالي إلى حقائق.

وكيف نحول النظام المعرفي إلى نظام واقعي مادي في العالم الموضوعي، وما هو تأثير الفكر النساني على العالم الموضوعي، وما هي محدودية هذا التأثير، وكيف يتحول الفكر النساني في مختلف المجالت العلمية والنسانية إلى

أيديولوجيا، يتبلور من خللها نشاط النسان الفردي والجتماعي بكل أبعاده، لنصل بعد ذلك كله إلى نظرية الدولة والثورةوتغير الصيرورة الجتماعية والتاريخية.

، وصول; إلى مفهوم الدولة، ونبحث الن في سؤال: ما هو الفعل؟)2(لقد شرحنا نشوء المم والقوميات من الناحية التاريخية أي ما هي الدولة التي نريد تحقيقها، ويمكن تحقيقها، بحيث يتطابق الفكر مع ما نريد (القول والفعل) وهذا ما نسميه تدخل

النسان في صياغة الطبيعة واستثمارها وتسخيرها له أول;، وفي صنع الحداث النسانية ثانيا; (صنع التاريخ). ينقسم الفكر إلى قسمين: الدراك المشخص بالحواس (الدراك الفؤادي) وهو ما تنقله الحواس من صور مباشرة عن طريق

السمع والبصر وبقية الحواس. ثم يأتي الفكر في التحليل والتركيب، والعقل في إطلق الحكم. ونتوقف في مجال الدراك الفؤادي (الصور الولى التي ولدتها الحواس). هذه الصور هي أقوى الصور تأثيرا; عند النسان،

لنها تولد عنده ما يسمى بالنطباع المباشر، الذي يتراكم لديه يوميا; منذ نعومة أظفاره. لذا فإن عملية استعادة هذا النطباع المباشر للصور التية عن طريق الحواس، والمتراكم كمعلومات مخزنة، عملية تسمى الذاكرة. ولهذا فإن أقوى مؤثر على النسان، هو الشيء الذي يأخذ عنده انطباعا; مباشرا; متكررا; يوميا;، بحيث تندم النطباعات المباشرة والذاكرة معا;، كشروق

الشمس مثل. فالنسان يرى شروق الشمس يوميا; بانطباع مباشر، ومن التكرار اليومي لهذه العملية تدخل في ذاكرته، فكل الشياء التي

تدخل في انطباع النسان المباشر وذاكرته معا;، هي من أقوى الشياء التي تدخل في انطباع النسان المباشر وذاكرته معا;، هي من أقوى الشياء تأثيرا; على الفكر النساني وعلى توجيهه معا;، وهي التي تفرض عليه فرضا; التفكير فيها وتحليلها

وعقلنتها. لذا كانت أول محاولة للعقلنة قام بها النسان هي عقلنة الشمس والقمر والنجوم والرعد والبرق والنهار والموت،وربطها مع الحساسات الداخلية (الخوف، اللذة، الشبع).

ومن هنا يظهر الربط الخارجي مع الحساسات الداخلية، في نشوء الوثنية الطبيعية، التي ربطت الشمس والقمر والرعدوالبرق والمطر، بالشح والخوف واللم والجوع واللذة.

ونرى جليا; أن هذه الشياء تدخل ضمن النطباع المباشر والذاكرة معا; منذ النسان القديم، إذ فرضت نفسها فرضا;، كأوليات للفكر النساني والعقلنة، وهذا ما يؤسس مقولة أن الدراك الفؤادي هو بمثابة المحرض والصاعق للفكر النساني، وأن الفكر

الفؤادي يغير من مسلمات الناس، كبيرهم وصغيرهم، عالمهم وجاهلهم كالتلفزيون مثل;، الذي هو من الوليات التي يقوم عليهاالفكر النساني والعقلنة.

يضاف إلى ذلك الطروحة القبلية الوحيدة الموجودة لدى النسان، التي جعلته إنسانا;، وهي قانون عدم التناقض الذي أخذه من ال مباشرة (نفخة الروح). فالمعلومة الولى للنسان مهما كانت بدائية وبسيطة، تقوم على قانون عدم التناقض. أما أطروحات

العلة والمعلول والسببية فهي أطروحات مكتسبة وليست قبلية. إذا أردنا أن نعر�ف النسان نقول:النسان = بشر + كم معرفي (علم + تشريع) (من نفخة الروح قانون عدم التناقض والتجريد).

ومن الحواس وقانون عدم التناقض، بدأ الفكر النساني بمسيرته الجبارة منذ آدم حتى يومنا هذا، وأصبح النسان ي¢عرف بأنهكم معرفي، إضافة إلى وجوده الفيزيولوجي البشري.

ولكن كيف حصل هذا؟ أي ما هي الحلقة التي تسمى الفكر والعقلنة، والتي وجدت لدى النسان بعد هذه الوليات، فجعلته ، أو بالحتمالت الممكنة عقليا. فعندما يبصر النسان وجها;، بالخيالمخترعا; مشرعا; لها؟ إنها الحلقة التي يتولد فيها ما يسمى

فإنه يأخذ انطباعا; عن الوجه، ويتم تخزين الوجه في الذاكرة، ويتم تحليل أن الوجه يتألف من عينين وخدين وجبين وفم وذقن،وأن الذنين على أطرافه، وأن له لونا;، فالوجوه السمراء والصفراء والسوداء كلها انطباعات أولية وذاكرة معا.

ولكن عندما يعيد النسان تركيب هذه العناصر (النطباعات) في ذهنه بعد تحليلها، مستعمل; قانون عدم التناقض، كأن يتصور مثل; وجها; بعين واحدة في منتصفه، وبأربعة ألوان معا;، جزء أصفر وآخر أبيض وثالث أسود، فهذا بمقدور النسان وهو ما

. فالخيال هو مجموعة التركيبات للنطباعات ضمن نسق معين في الفكر النسانينطلق عليه اسم الخيال. وهذه الصفة هي أساس الختراعات النسانية كلها، وهي غير محدودة إل بالدراك الفؤادي، أي ما دخل في علم النسان. فلو

لم ير النسان الطيور والحيوانات والحشرات الطائرة، لما فكر بالطيران أصل; بمعنى أنه لما وجد الطيران ضمن انطباعاته وذاكرته. من هنا نفهم لماذا كان وعي النسان البدائي مشخصا; (الملئكة-النذر) ثم من خلل هذا التحليل والتركيب (الخيال)

توصل النسان إلى قانون السببية والعلية.

Page 38: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

لقد بقيت هذه الحالة في ذاكرة العرب بشكل واهt خفيف، لبعدهم عنها تاريخيا; (وقالوا لول أنزل عليه ملك، ولو أنزلنا ملكا ومن هنا جاء تدخل ال سبحانه بدفع النسان إلى المام في التجريد اللغوي والرمزي،8لقضي المر ثم ل ينظرون) النعام

وفي تعليمه أشياء لم يستطع أن يدركها بالدراك المشخص (انطباعات أولية + ذاكرة) المخيط، الزراعة، النقد، صناعة الفلك،إذ ل يوجد في الطبيعة مجردات بل مشخصات.

وانتقال ال تعالى بالنسان من الوحي المشخص إلى الوحي المجرد، يؤكد أن بداية المعارف النسانية هي النطباعات الولية وهنا يدخل الجانب الشيطاني والجانب الرحماني فيوالذاكرة، كمادة خام للفكر والعقل الذي يمر بمرحلة أساسية هي الخيال،

الفكر النساني، في أن للخيال احتمالين، الول حقيقي رحماني (الحق) والخر وهمي شيطاني (الباطل) وكلهما مربوط.بقانون عدم التناقض

لقد أكد القرآن أن الدراك الفؤادي المشخص هو أساس المعرفة خلل مراحل تطور النسان التاريخية، ول زال، وذلك في قوله تعالى عن قوم هود (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا; وأبصارا; وأفئدة; فما أغنى عنهم سمعهم ول

.26أبصارهم ول أفئدتهم من شيءt إذ كانوا يجحدون بآيات ال وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) الحقاف ولنقارن هذا مع قوله تعالى بشكل مطلق (وال أخرجكم من بطون أمهاتكم ل تعلمون شيئا; وجعل لكم السمع والبصار والفئدة

. ونلحظ أن السمع والبصر والفؤاد عند قوم هود، هو نفسه عند قوم محمد (ص)، وهو نفسه عندنا78لعلكم تشكرون) النمل في العصر الحاضر، أما التحليل والتركيب، وقانون العلية والسببية، فهو الذي اكتسبه النسان مع تطور المراحل التاريخية

للمعرفة. فالدراك الفؤادي هو الذي يشكل النطباع والذاكرة، ويعطي المواد الولية للفكر، الذي من صفاته التحليل والتركيب(الخيال) قانون السببية.

ومن طرح السؤال التالي: كيف يمكن تحويل الخيال في الفكر إلى واقع موضوعي في عالم الموجودات؟ الذي قلنا أنه أساسالختراعات النسانية، وأساس توظيف المعلومات عن الطبيعة لتكون مثمرة مسخرة، نقف أمام حالتين:

أ- الحالة الولى: تحويل الخيال إلى واقع موضوعي في عالم الطبيعة (العلوم الطبيعية-الفاق-الكونيات)..)3(ب- الحالة الثانية: تحويل الخيال إلى واقع موضوعي في عالم النسان (العلوم النسانية)

تتجلى الحالة الولى وتظهر في المور التالية: - التكبير: فنحن نرى، مثل;، في الطبيعة طائرا; بحجم معين، ونتخيل طائرا; بحجم أكبر، كالبعوضة التي نتخيلها ديناصورا1

طائرا. - التصغير: ونرى فيل; بحجمه الطبيعي، فنتخيل فيل; بحجم أصغر.2 - إعادة التركيب: أن نتخيل إنسانا; بعينين في أعلى رأسه وأذنين في رقبته.3 - تغيير نوع المادة: أن نستبدل جناح الريش عند الطائر بجناح من معدن عند الطائرة، وهذا يتطلب دراسة أنواع المواد4

وتركيبها. فالتكبير والتصغير تصرف في البعاد، يحمل مفهوم الوحدة القياسية. وتصرف� في العدد، كأن نتخيل إنسانا; بثلث عيون أو

بعين واحدة. أما إعادة التركيب فهي تصرف في المواقع، يحمل مفهوم النسبة المكانية، وهو ما يسمى بالجانب الهندسي للخيال (من قبيل أن

الهندسة أبعاد ومواقع)، وهذا ينعكس حتى على التعبير اللغوي، فإذا نظرنا إلى كتلة كبيرة من البازلت مثل;، نسميها جبل;، والصغر نسميها صخرة، وال;غر نسميها حجرا;، وال;غر بحصة، وال;صغر رملة والصغر بودرة. علما; أن المادة لم تتغير، ورغم أن تغير البعاد واختلفها يؤثر تأثيرا; مباشرا; على مواصفات هذا الجسم نفسها. ولتوضيح ذلك نقول: نحن ل نستطيع

أن نصنع من القمح عجينا;، لكننا نستطيع ذلك بعد طحنه وتحويله إلى طحين، أي بعد أن ندخل عليه تغييرا; في البعاد. ومع أننا نرى أن كل الخيالت تقوم على هذا الساس، فإن علينا أن نعلم أن لهذه الخيالت مستويات تتبع مستوى المعارف،

فالخيال عند الناس الن، يختلف عن الخيال عند الناس منذ ألف عام، أي أنه بمستوى أعلى بكثير من قبل، وذلك لن المعارف الولية عند النسان الن أكثر بكثير. والقابل للتحقيق من هذه الخيالت، هو الذي يتطابق مع المستوى المعرفي للنسان،

فالخيال النساني تحده المعلومات الولية التي اكتسبها عن طريق الدراك الفؤادي (الملحظة والذاكرة)، وكلما كانتالمعلومات الولية المخزونة كثيرة، كان الخيال أوسع.

وأما المحدودية الساسية للخيال، ومجال التطبيق القابل للتحقيق، وكيف يتحول الخيال إلى واقع، وما هو الممكن، وما هو غير الممكن للتحقيق ضمن مستوى معرفي معين، فهذا يقودنا مباشرة إلى مفهوم البنية الطبيعية ومدى معرفتنا بها. فالبنية هي التي تحدد حدود التصرف (الفعل). فنحن نستطيع، مثل; أن نتخيل إنسانا; بعينين في أعلى رأسه، ونستطيع أن نرسمه أيضا;، لكننا إذادرسنا البنية التشريحية، ثم الوظيفية، لرأس النسان الفعلي، ووجدنا أن هذه البنية ل تسمح بتحقيق الفكرة، بقيت الفكرة خيال.

أما إذا وجدنا أن البنية تسمح، فعندها يمكن تحويل الخيال إلى واقع. لكن هذا يتطلب مستوى معرفيا; معينا; لبنية الرأس، وكلما

Page 39: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

زادت معرفة النسان بالبنى الطبيعية، كلما زاد احتمال تحويل الخيال إلى واقع. - الصورة الخيرة التي يتجلى فيها تحويل الخيال إلى واقع موضوعي هي: تركيب قوانين منفصلة في وحدة متكاملة.5

فالسيارة مجموعة قوانين منفصلة في الكهرباء الساكنة، ومقاومة المواد، والمعادن، والترموديناميك، والمكننة، ونقلالسرعات.

وعليه، فإن المعارف النسانية للطبيعة، هي دراسة البنى الطبيعية، وخواص هذه البنى ومركباتها، وعلقة هذه البنى بعضها ببعض، على أساس هو التقليم (التمييز) عناصره المادة والموقع والبعد والحركة. وهذه الدراسة تبدأ بالكيف، أي بالصغير

والكبير، والقليل والكثير، والفوق والتحت، واليمين والشمال، والبطيء والسريع، ثم تتحول إلى دراسة كمية، يعبر عنهابمعادلت كمية (رياضية).

في هذه الحالة فقط يتحول علم الرياضيات، من لزوم منطقي لنتائج عن مقدمات، انطلقا; من قانون عدم التناقض في البنية الداخلية للقضية الرياضية، إلى لزوم حقيقي بين المقدمات والنتائج في الواقع، وهو ما نسميه بالرياضيات الفيزيائية أو

التطبيقية، أي أن علماء الطبيعة هم الذين يحولون اللزوم المنطقي الرياضي إلى لزوم منطقي وواقعي معا. وهذا يقودنا إلى التجريبية. أي أن التجربة والمخابر هما أساس العلوم الطبيعية. لن التجربة أساس التقليم. ففي التجربة يجري

عزل عناصر الظاهرة كل على حدة، وتقييم تأثير كل عنصر على حدة، فعندما ندرس النقل الحراري والكهربائي للمعادن، مثل;، ونقلم العناصر المؤثرة على النقل، ونرى أنها تتألف من نوع المعدن، وطوله ومقطعه، يجري في المخبر عزل كل

عنصر على حدة، وتأثيره على الظاهرة، ويستنتج التعبير الكمي عنه، ثم تعمم هذه النتيجة على المعادن. وهنا ل بد من أنندخل في موضوع الستقراء في المنطق.

الستقراء عملية انتقال من الخاص إلى العام، بعكس الستنتاج الذي يقوم على النتقال من العام إلى الخاص. والستقراء ليس الستنتاج هو أساس العلوم، ولقد سمي القرآن قرآنا;، من المقارنة والستقراء، ومعظم استدللت القرآن استقرائية وليس

استنتاجية، أي أن براهينه تعتمد على النتقال من الجزء إلى الكل، وهذا الجزء يخضع للتجربة والمشاهدة والبحث العلميالمباشر.

فعندما قدم القرآن الدليل على البعث في قوله تعالى (يا أيها الناس إن كنتم في ريبt من البعث فإنا خلقناكم من ترابt ثم من -إنما إنما أعطى الدللة على البعث بقانون التطور،5نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم …) الحج

وأعطى شاهدا; خاصا; من هذا القانون، قانون تحول المواد المعدنية إلى عضوية ثم إلى خلية حية وهكذا .. بحيث تخضع هذهالشواهد للبحث العلمي. ويتولد الستنتاج الستقرائي على مرحلتين:

أ- المرحلة الولى: مرحلة التوالد الموضوعي. وذلك بمشاهدة الظاهرة، وتحليلها إلى عناصرها، وإقامة التجارب عليهاوتكرار هذه التجارب (المرحلة الفؤادية).

ب- المرحلة الثانية: مرحلة التوالد الذاتي. وهي مرحلة التعميم التي تحصل في الفكر النساني حصرا;، وتنتهي بإقامة حكم عام(الفكر والعقل).

لذا، فإن قناعتنا بالبعث، انطلقا; من قانون التطور وتغير الصيرورة، الذي أعطى القرآن شاهدا; عليه في تطور النسان من تراب، حتى يصبح جنينا;، كقناعتنا بالقانون العام الذي يقول إن المعادن تتمدد بالحرارة. علما; أننا حين شاهدنا تمدد المعادن

بالحرارة، شاهدناه جزئيا;، وأجرينا التجارب على المعادن جزئيا. ولم نشاهد معادن الكون كلها تتمدد بالحرارة، ومع ذلك فإن قناعتنا راسخة بهذا القانون. وعليه، فالذي يشكك بالبعث انطلقا; من قانون التطور وتغير الصيرورة، عليه أن يشكك بكل

قوانين العلوم التي استنتجناها من الستقراء. ولهذا فإننا نستنتج أن موقف الكفر بالبعث واليوم الخر موقف غير علمي. أما النوع الخر من الستدلل، فهو الستدلل الستنتاجي، وهو النتقال من العام إلى الخاص. أي أن تكون النتائج متضمنة

في المقدمات كجزء منها. وقد ورد هذا النوع من الستدلل في التنزيل الحكيم بقوله تعالى (ألم تر أن ال أنزل من السماء ماء -فأعطانا قانونا; عاما; ننتقل منه إلى الخاص، أي أن كل ينابيع الرض أساسها من مياه21فسلكه ينابيع في الرض …) الزمر

المطار، فإذا اخترنا من هذه الينابيع نبه الفيجة مثل;، فالستنتاج المؤكد أنه من مياه السماء (أمطار، ثلوج). وورد في التنزيل الحكيم الستدلل بنوعيه، الستقراء والستنتاج في آية واحدة في قوله تعالى (أنزل من السماء ماء; فسالت

أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا; رابيا;، ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حليةt أو متاعt زبد� مثله، كذلك يضرب ال الحق.17والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء;، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض، كذلك يضرب ال المثال) الرعد

في هذه الية نرى: - الستدلل الستنتاجي من الكل إلى الجزء:1

(أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها).>>> ) 1مقدمة ()2(فاحتمل السيل زبدا; رابيا;). وهي بحد ذاتها مقدمة (>>> ) 1نتيجة (

Page 40: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

).3(ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله). وهي بذاتها مقدمة (>>> ) 2نتيجة ( - الستدلل الستقرائي من الجزء إلى الكل:2

(كذلك يضرب ال الحق والباطل).>>> ) 3)، و(2نتيجة من المقدمة ( - استدلل استقرائي آخر:3

(فأما الزبد فيذهب جفاء; وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض).>>> ) 3، 2، 1نتيجة من المقدمات ( - قانون موضوعي يشكل رباطا; منطقيا; للمقدمات والنتائج والستدللت: (كذلك يضرب ال المثال).4

وهكذا نرى أن تقليم الظواهر الحية وغير الحية، وتمييز بعضها عن بعض، ثم تقليم عناصرها، وإجراء الوصف الكيفي والكمي، واعتماد التجربة المخبرية، والمشاهدة والقياس، وأن فهمنا لهذه العلوم، يقوم على مبدأ التجربة والخطأ والصواب، الذي سمح لنا بفهم بنية الطبيعة أول;، ومكننا من تحديد ما هو الممكن أن يتحقق من خيالنا، وما هو غير الممكن. وهذا يتبع

مستوى المعارف الموجودة لدينا عن الطبيعة. فكلما زاد مستوى المعارف قلنا أن هناك ثورة علمية، وكلما زاد استعمال هذهالمعارف في تحقيق الخيال، قلنا أن هناك ثورة تكنولوجية.

عندما عرفنا، مثل;، قوانين الميكانيك والهيدروليك، ومقاومة المواد ومتانتها، وقوانين دفع الرياح، وقوانين الترموديناميك، استطعنا أن نصنع طائرة. فالطيران كان في الصل ضمن الملحظة والذاكرة، أما معرفة هذه القوانين فهي الثورة العلمية، وتطبيق هذه القوانين بالتكبير والتصغير وإعادة التركيب والجمع (أي المناورة في البعد والموقع والمادة والحركة) هو الذي

أتاح لنا تحقيق خيال النسان بالطيران. إن بنية الطبيعة وقوانينها، هي التي تحدد بشكل مطلق محدودية الخيال، والكم المعرفي للنسان عن هذه النتيجة هو الذي يحدد

الخيال النساني بشكل نسبي. ويبقى الخيال النساني عن البنى الطبيعية متقدما; دائما; على الواقع المعرفي، وهذا ما يدفع النسان لن يكون عنده الطموح المستمر لكتشاف الجديد في البنى الطبيعية لتحقيق خيالته، وعندما تتحقق خيالته جزئيا تتولد عنده خيالت جديدة انطلقا; من المعارف الجديدة، لتعطيه طموحا; جديدا; متجددا; في اكتشاف المزيد من البنى الطبيعية

واستثمارها. وهكذا يحصل ما يسمى بالثورات العلمية والتكنولوجية، وهكذا يمكن أن نحقق أمر ال سبحانه بأن تكون أفعالنا مطابقة لقوالنا، في عالم الوجود المادي الموضوعي. أي أنه ل يمكن أن تكون أفعالنا مطابقة لقوالنا، إل بحد أوسط بين القول

. لذا فإن جهلوالفعل، وهو معرفة النبي التي نمارس فيها أفعالنا، ومن خلل معرفة هذه البنى تتحول أقوالنا إلى أفعال النسان بالوجود وقوانينه (كلمات ال وآياته) أمر مقيت جدا; عند ال، لن هذا الجهل أو التجاهل أو العراض، استخفاف

بكلمات ال وآياته. ونطرح الن السؤال التالي: هل يمكن للنسان أن يركب آلية ما، أو جهازا; ما، يعتمد في بنيته الساسية على المنطق

والرياضيات متجاوزا; الدراك المشخص بالحواس، أي متجاوزا; الحواس الخمس، ومعتمدا; على الفكر والعقل والعلقات المجردة؟ الجواب نعم. لقد استطاع النسان أن يصنع هذا الجهاز، وهو ما يسمى بالكمبيوتر أو الحاسوب اللكتروني. فآلية

)، فنقول لغة2) وعلى اللغة (1عمل الكمبيوتر هي المنطق والرياضيات والنتائج المنطقية، لذا فهو يعتمد على الكم الرياضي (الكمبيوتر ول نقول لغة المحرك البخاري أو لغة الطائرة.

المر المهم هو: هل يستطيع النسان أن يعطي للكمبيوتر إدراكا; مشخصا;، أي حواسا; يستطيع بها إدراك العالم الخارجي المشخص؟ هذا-برأينا-غير ممكن، أو صعب التحقيق ضمن مستوى معارفنا الحالي. لن الكمبيوتر ل يملك فؤادا; انسانيا

يطابق بين الشيء المشخص واسمه، ويزيل التناقض في هل يفيد هذا السم ذلك الشيء أو ل يفيده. والكمبيوتر قائم على عدم التناقض في بنيته الداخلية، لذا فهو غير قادر على حل المسائل المنطقية ضمن بنيته، وخلل لغته، بغض النظر عن كونها

حقيقية أو وهمية، صادقة أو كاذبة. فالحقيقي والوهمي عند الكمبيوتر سيان، والمهم عنده أن المقدمات والنتائج مرتبطة ببعضها ضمن لغته. أما ما هي الصلة بينه

وبين العالم الخارجي المحيط به، فصلة مقطوعة تماما;، ل تتوفر إل عند النسان فقط. أي أنه ل يمكن قطعا; صناعة كمبيوتر قابل للعمل، خالt من المعلومات، نضع له كاميرات (عيون) ولقط صوت (أذن) وأجهزة أخرى تقوم مقام الحواس، بحيث

تنقل معلومات عن العالم الخارجي غير مخزنة مسبقا; عنده، ليخزنها، ويعطيها تعريفا;، ويتعامل معها كمعطيات التقطها، كمايتعامل النسان، ثم يحلل ويركب وتنشأ لديه طموحات.

هنا نلحظ عظمة رب العالمين، عندما أك�د على السمع والبصر والفؤاد (الدراك المشخص) ومطابقة السم والمسمى وتعريفه، وأنها من صميم خلقه سبحانه، وأنها ماركة مسجلة له، غير قابلة للعادة. لهذا قال بعد تكامل الجنين في رحم الم

. ونفهم من هذا أن كل انسان خلقه ال ماركة مسجلة14) المؤمنون ثم أنشأناه خلقاQ آخر، فتبارك ال أحسن الخالقين(.. لوحده، فل يوجد انسانان متماثلن تماما;، ولكن كل الحواسيب اللكترونية مثل; متماثلة تماما; في ماركاتها (شارب موديل

Page 41: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

مثل;) ولو كانت كل امكانيات الناس متماثلة تماما; كالكمبيوتر لما قال ال تعالى (ل يكلف ال نفسا; إل وسعها..) البقرة1980286.

هنا نلحظ كيف قل�د النسان التفكير المجرد عن الحواس بالحاسوب اللكتروني، فأحدث بهذا الختراع ثورة كبرى في العالم اسمها ثورة المعلوماتية، والكنه إلى الن لم يستطيع أن يقلد مقدمات التفكير النساني أو المحرض اللهي، وهو الفؤاد

النساني (الدراك المشخص بالحواس) وإزالة التناقض بين الشيء في ذاته واسمه في ذاكرته. ختاما; لدراسة بنى الطبيعة (الفاق) نقول، إن الخطاء في هذا الحقل ل ينتج عنها كوارث، لننا نتعامل في هذه الحالة مع

(عناصر كيميائية، أحجار، معادن، حرارة، أحياء غير قابلة)، أي أن الخطاء المنهجية في هذا المجال، تكلف النسان مال ووقتا;، لكنها ل تؤدي إلى كوارث اجتماعية وسياسية. فعندما حاول النسان مثل;، تحويل المعادن البخسة إلى ذهب، أضاع وقته وماله، لكنه لم يتسبب بكوارث اجتماعية وسياسية نتيجة هذا الخطأ في المنهج، الذي تولد عن إسقاط الفكر على الواقع (الخيال على الواقع) دون أي دراسة لبنى هذا الواقع، فوقع في هذا الوهم. وهو خطأ منهجي بحت، حصل في تحويل القول

إلى فعل دون معرفة الوسيط الذي هو البنى القابلة لن يتحقق فيها هذا الفعل. ونحن نرى أن مفهوم الثورة في ميدان العلم والتكنولوجيا، هو دراسة البنى، وتطبيق الممكن فعله من الخيال من خلل العلم بهذه البنى. ول أعني بالثورة هنا العنف، إنما مجرد معرفة الوجود والستفادة من هذه المعرفة بتحقيق الخيال النساني من

. فكلما زادت معرفتنا بالبنى الطبيعية، زاد تحول أقوالنا إلى أفعال، وكانت هذه الطبيعةخللها، ليتطابق بذلك القول والفعل مطواعة ومسخرة لنا. أي يجب أن يرافق التقدم العلمي تقدم تقاني، وأن ينتج عن تراكم التقدم العلمي ثورة تقانية

. بالضرورة، فالتكنولوجيا هي أيديولوجيا العلم، أي أنها هي التي تحول العلم إلى أطر عملية وهكذا نفهم قوله تعالى (سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شيء

. أي كلما زادت معرفتنا بالوجود (الفاق) وتحولت هذه المعرفة إلى أفعال، تصبح الفاق امتدادا; للنفس،53شهيد) فصلت فالنسان الذي يملك المعرفة وأطرها (التكنولوجيا) إنسان ضخم عملق، والذي ل يملكها قزم، والنسان الذي يعيش في القرن

العشرين بمستوى معارف وأطر القرن الول أو الثاني، إنسان صغير مهزوم متخلف. والسؤال الخير الكبير الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا كعرب ومسلمين هو: أين موقعنا من هذه الية؟ هل نحن تحت مقت ال أم رضاه؟ ولن يعفينا إيماننا من المقت، لن المؤمن قد يكون مؤمنا; وممقوتا. فقد وجه سبحانه الخطاب أصل; إلى المؤمنين

.3و2فقال (يا أيها الذين آمنوا لم تقولوا ما ل تفعلون * كبر مقتا; عند ال أن تقولوا ما ل تفعلون) الصف لقد تحدثنا عن الحالة الولى التي يتعامل فيها النسان لتحقيق طموحاته مع الطبيعة، واستثمار هذه المعرفة لخضاع الطبيعة

لرادته بالثورة التقانية التي تعطيه أبعادا; إضافية في نشاطه المستمر، باعتبار أن التكنولوجيا هي امتداد للنسان نفسه. فالمجهر امتداد للعين، والسماعة امتداد للذن، والمكبر امتداد للصوت، والسيارة امتداد للرجل، والكمبيوتر امتداد للذاكرة، أي أن التكنولوجيا أعطت انسانا; عملقا;، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وبكل ما تحمل من انعكاسات حياتية أيديولوجية

في ميدان الثقافة والدب والسلوك اليومي، لكل إنسان على حده، وللمجموعات النسانية، بشكل قاربت فيه بين الثقافات المحلية القومية والقبلية والعشائرية، وفتحت طريقا; لخلق ثقافة عالمية طابع الشمول، مع الحفاظ على الخصائص المحلية لكل

ثقافة على حده. وهنا تظهر جدلية الكل والجزء (الخاص والعام) في الثقافات، فالغزو التكنولوجي بحد ذاته غزو ثقافي، شئنا ذلك أم أبينا. لقد أث�رت السيارة والطيارة والكمبيوتر والصاروخ والبراد والمكيف والفرن الكهربائي والكهرباء والتلفون والتلفزيون والراديو

والفيديو على حياتنا اليومية، وطريقة سلوكنا، وردود أفعالنا، حتى أث�رت في مفهومنا على الحسن والقبيح، والمؤذي والمفيد، وأثرت على أعرافنا وعاداتنا وطريقة التعبير عنها. وهذا المر ل مناص منه، علينا تقبله، مع الحفاظ على خصوصياتنا القومية، وأمميتنا النسانية القائمة على المثل العليا السلمية، المتمثلة في الفرقان، من حيث أن الفرقان أخلق عالمية ل

تحمل الطابع القومي أو المحلي، أما ما عدا ذلك فعلينا أن ن¢دخل الحداثة ونقبل المعاصرة كقانون ل مناص منه. فالعار أننا مستهلكون للعلم والتكنولوجيا وغير منتجين لها. إن العرب والمسلمين يعيشون اليوم على هامش الحضارة،

ويعيشون حتى في بلدانهم على هامش أحداثهم الخاصة، فمنهم من تقوقع تحت شعار المحافظة على التراث، ويريد من الزمان وفي هذه الحالة من النغلق ل بد من الصدام بين الجديد والقديم.أن يعود إلى الوراء، ولكن هيهات أن يحصل له ذلك.

والمشكلة الكبرى، التي نعيشها الن نحن العرب والمسلمين، هي في المحافظة على اعتماد طرق استنباط المعرفة، التي تم. وضعها وتوظيفها في القرنين الثاني والثالث الهجريين، على أنها المصدر الوحيد للمعرفة في فهم علوم القرآن والفقه

علما; أن طرق استنباط المعرفة، ومناهج البحث العلمي، واعتماد الستقراء في المعرفة التي توصلنا إليها في القرن العشرين، ملك النسانية جمعاء، ل محل فيها للطابع اليماني أو اللحادي، أو الطابع القومي أو الشعوبي، ولكن المشكلة هي في توظيف

هذه الطرق في خدمة هدف معين، فإذا استثمرها المستعمرون في استعمارنا، فليس ثمة ما يمنع أن نستثمرها نحن في الدفاع

Page 42: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

إن القطيعة المعرفية للمسلمين مع أدوات استنباط المعرفة، التي تم ترسيخها ابتداء من عصر التدوينعن استقللنا. وانتهاء بالغزالي وابن عربي، هي التي تحتاج إلى إعادة نظر من جديد، وبدون ذلك ل أمل لنا في الخروج من القوقعة التي

نحن فيها. إننا نخدع أنفسنا في المحافظة على هذه الطرق تحت اسم التراث ونزداد جهالة، ومثلنا كالسجين الذي سجننفسه بنفسه، دخل السجن وأغلق على نفسه الباب من الداخل.

لقد حاولت كسر هذا القفل الداخلي، واستثمار استنباط المعرفة المعاصرة في فهم السلم بشقيه النبوة والرسالة، لصياغة نظرية معاصرة في المعرفة النسانية، مستنبطة حصرا; من التنزيل الحكيم، وكان من المستحيل أن تصاغ هذه النظرية في عصر التدوين، لختلف طرق استنباط المعرفة في ذلك الوقت، فالنسان يبقى أسير ثقافته المكتسبة خلل حياته من البيت والشارع والمدينة. هكذا عل�منا القرآن، بأن النسان يولد كالصفحة البيضاء بدون معلومات، وكل شيء عنده مكتسب (وال

. 78أخرجكم من بطون أمهاتكم ل تعلمون شيئا; وجعل لكم السمع والبصار والفئدة لعلكم تشكرون) النحل فالنسان وجود فيزيولوجي، مضاف إليه كم معرفي، فكلما زاد هذا الكم المعرفي زادت انسانية النسان، وزاد بعده عن

المملكة الحيوانية. فكيف يمكن للسلف أن يفهم مثل; أن قوانين الطبيعة وظواهرها عبارة عن حقول، وأن في الطبيعة ل يوجد مستقيمات، وإنما كلها منحنيات، وأن نهاية المنحنيات حدودها. لقد فهموا حدود ال على أنها وقوف على النص، وأنه ضمن

حدود ال، وفهمنا نحن أن النشاط والجتهاد النساني غير محدود، فهو يغطي مليارات الحتمالت دون أن يعيق قانونالتطور شعرة واحدة.

لذا فقد جاءت الحدود في أم الكتاب والصفة الحنيفية متطابقة تماما; مع قانون التطور وتغير الصيرورة، كعمود فقري للعقيدة السلمية، يكمن فيه توحيد الربوبية واللوهية، حيث كل شيء متغير، يخضع لتغير الصيرورة، ما عدا ال (كل شيء هالك

إل وجهه). إن تغير الصيرورة هو القانون الوحيد الثابت في هذا الكون، حتى معاني اللفاظ تخضع للتغيير، فالمجتمع هو الذي يصنع المعاني، ولول ذلك لصبح التنزيل الموحى إلى محمد (ص) صالحا; للقرن السابع حصرا;، حتى ولو كان من عند

ال. فل يمكن لنا أن نفهم الرسالة والنبوة، إل إذا فهمنا القاعدة العامة التي ل تخرج منها كل لغات أهل الرض ومجتمعاتها قاطبة، وهي (أن السامع يشارك المتكلم في صنع المعنى) وأن المتكلم حين يوجه الكلم للسامع، فهو ل يقصد ابلغه معاني

الكلمات المفردة، وإنما الدللت المستنتجة من نظم الكلم. فإذا وردت في كلمه مصطلحات جديدة على السامع، عر�فها في السياق، كتعريف أم الكتاب في التنزيل الحكيم. فالمتكلم هو ال في القرن السابع، والسامع هو أهل القرن السابع بأرضيتهم وثقافتهم، والن، المتكلم هو ال نفسه، والسامع هو أهل القرن

العشرين بارضيتهم وثقافتهم، لذا فإن استنباط معاني التنزيل الموحى إلى محمد (ص) من اختصاصهم حصرا;، ل من اختصاص أهل القرن السابع، والصلة الوحيدة التي تربطنا بأولئك السامعين هي التوحيد في أبسط صوره، والعبادات كرموز

العلقة الفردية النسانية بالمطلق (ال). وعليه، فليس للعبادات علقة بسلطة الدولة وتطور المجتمع. من هذا المنطلق، نبحث الحالة الثانية من نظرية القول والفعل في العلوم النسانية، من حيث أن المجتمعات النسانية-أي

النسان الذي كر�مه ال-هو مجال تطبيق هذه العلوم، وهو المادة الخام لها. لذا فقد لزم أن توجد نقاط مشتركة ونقاط مختلفة في منهج التعامل النساني مع العلوم الكونية بكل فروعها، إذ النسان في الحالة الولى يتعامل مع مادة غير حية، أو حية غير

عاقلة، مسخرة له لدراستها والتصرف بها بشكل عقلني دون إفراد أو تفريط. إن علقة التأثير والتأثر المتبادل في الثورات العلمية والتكنولوجية بعادات النسان وسلوكه وثقافته بشكل عام، أمر ل مناص

منه، يحمل وجهين مختلفين: الول، تأثير هذه الكتشافات العلمية وما يتبعها من تكنولوجيا على الناس المستعملة لها، وهذا الوجه من التأثير طبيعي ل يولد أية صدمة. إل أن تأثيره اليديولوجي كبير جدا;، ابتداء من الستعمار والشوفينية القومية

واضطهاد الشعوب المتخلفة، مرورا; بالرأسمالية الحتكارية، وانتهاء بظهور المجتمع التكنوقراطي. والثاني، تأثير هذهالكتشافات العلمية على المجموعات النسانية المتخلفة أي التي لم تشارك في صنع هذا التقدم، بأشكاله الثلثة:

- تقوية عقدة الدونية والضطهاد.- تبني الثقافة الوافدة بهدف التقليد العمى.

- التفاعل المبدع بتبني النظم المعرفية المنتجة للثقافات، وليس الثقافات نفسها. ننتقل الن إلى تحويل القول إلى فعل، في مجال علوم السياسة والجتماع والقتصاد، أي في مجال المجتمعات النسانية التي نعبر عنها بما يسمى الدولة والمجتمع. فالدولة هي البنية الفوقية لبنية تحتية هي العلقات الجتماعية والقتصادية، وهي التي

تمثل قمة الوعي النساني السياسي في مرحلة من المراحل. قلنا أن منهج البحث العلمي في عالم الطبيعة هو التقليم، أي تمييز الظواهر الطبيعية بعضها عن بعضن ثم تقليم العناصر

المكونة لكل ظاهرة كيفيا; ثم كميا. في هذه الحالة يعتبر المختبر، والتجربة في اكتساب المعارف، والستقراء في تعميم المكتسب من المعارف، من الجزئي إلى الكلي، هو المنهج الملئم. ولكن ماذا يقابل هذا المنهج في العلوم القتصادية

Page 43: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

والجتماعية والسياسية، حيث النسان مادة هذه العلوم وليس الطبيعة؟ وهل يمكن إقامة مخبر مادته الخام النسان الواعي نفسه؟ يتم تمييزه عن مخابر التشريح التي تدرس الجسم البشري، وتتعامل مع القردة والرانب، وجثث الموتى والفئران، على

عكس العلوم الجتماعية والقتصادية والسياسية، التي تتعامل مع النسان ككائن عاقل حي واع؟ فأين المنهج هنا، وأينالمخبر في هذه الحالة؟

أما المنهج فهو، من حيث المبدأ، واحد في الحالتين، لنه موضوعي في العلوم الكونية والنسانية، أي أن المعرفة هي إدراك العالم الموضوعي على ما هو عليه، بغض النظر عن كونه عاقل; أم غير عاقل. وبما أن مجال بحثها هو الوجود والسلوك

النساني الفردي والجتماعي، فإن المنهج من حيث المبدأ الموضوعي واحد، لكنه يزداد تعقيدا;، ذلك لن النسان كائن فردي واجتماعي بآن واحد، أي أن هناك القانون الجتماعي والسياسي والقتصادي للمجموعة، وهناك شخصية كل انسان على حده

(خصوصية الفرد النساني) (الماركة المسجلة الربانية للفرد). أي أن هناك علقة جدلية معقدة بين الكل والنا، فالمجتمعالنساني ليس مجموعة أعداد، كقطيع الغنم مثل.

ففي العلوم النسانية هناك قانون كلي عام، ينطبق على المجتمع ككل، الحتمية فيه تمثل اليقين، وهناك قانون فردي لكل فرد، اليقين فيه يتمثل في الحتمال، أي أن قوانين الكليات فيها حتمية يقينية، وأن الجزئيات تخضع لقوانين الحتمال، واليقين يتمثل

في الحتمال. ولهذا قلنا إن علم ال يقيني واحتمالي معا;. فهو كلية الحتمالت قاطبة، بحيث يصبح مجموعها الواحد، فيحملصفة اليقين.

وأضرب على ذلك المثال التالي: نحن نعرف أن أرزاق الناس ككل، تأتي من قانونين اثنين: خيرات الطبيعة-عمل النسان الواعي. وهذان القانونان يحملن صفة الحتمية يقينا;، ولهذا ذكرهما ال سبحانه في التنزيل صراحة كقوانين حتمية صارمة

كلية. أما إذا عرفنا سلفا;، دخل ورزق كل فرد في الرض على حده، منذ أن يولد وحتى يموت، معرفة يقينية على طريقة "العمر محتوم والرزق مقسوم" فهذا يلغي كل التشريعات القتصادية وصندوق النقد الدولي والمؤسسات التنموية القتصادية على المستوى العالمي، كما يلغي على الصعيد المحلي وزارة التخطيط ووزارة الزراعة والمالية والقتصاد، ويلغي من الناحية الجتماعية كل مؤسسات التكافل والجمعيات الخيرية، ويصبح البر الجتماعي ضربا; من العبث، إن عرفنا يقينا; حتميا; من

سيغنى ومن سيفقر، ومن سيصاب بكوارث زراعية وطبيعية كأمر ل مناص منه، ول يسعنا أن نفعل شيئا; تجاهه. فأين العلومفي هذا المجال؟

نحن نقول: كلها احتمالية !! لقد وضع سبحانه قوانين صارمة حتمية تنطبق على كل الناس، (الكليات) ووضع قوانين احتمالية . وقال (وإن يمسسك ال بضر212بالنسبة للفراد كل على حده (الجزئيات) فقال (.. وال يرزق من يشاء بغير حساب) البقرة

. ولهذا فنحن نرى أن ال لم يكتب الغنى على زيد منذ107فل كاشف له إل هو، وإن يردك بخيرt فل راد� لفضله). يونس الزل، والفقر على عمرو منذ الزل، وإنما كتب الغنى والفقر على العموم ل على الخصوص. وهناك مليين الحتمالت بأن

تكون مجموعة ما من الجزئيات غنية، ومجموعة ما من الجزئيات فقيرة. كل هذا يخضع لقوانين الجزئيات التي قال أنها في (إمام مبين). في هذه الحالة يصبح للمؤسسات معنى، وللزكاة والصدقات معنى، إذ لو كانت هذه هي إرادة ال الزلية ل الظرفية، لصبحت الزكاة والصدقات ضربا; من العبث والظلم، ولتساوى في

الرزق المحسن والمسيء مهما فعل، والنشيط والكسول مهما عمل، تعالى ال العدل عن ذلك علوا; كبيرا. وهذا ما نراه في علوم الرياح والغيوم والمطار، فحين نعرف سلفا; وبشكل حتمي يقيني مسيرة كل غيمة ومسار كل قطرة

مطر، ل يبقى أي مبرر لعلم الرصاد الجوية. ونراه في عالم الذرة، فالمدار الذي يسلكه اللكترون حول النواة، مدار احتمالي، أما مدار الرض حول الشمس، فمدار حتمي. فالحتمال في مدار اللكترون حول النواة هو اليقين، والحتمية في

مدار الرض حول الشمس هي اليقين.فإذا طبقنا هذا المنهج على العلوم النسانية، ينتج لدينا منهجان أساسيان هما:

- القوانين الحتمية الجتماعية والقتصادية والسياسية التي تطبق على المجتمع ككل.1 - القوانين الحتمالية التي تطبق على نشاط الفراد في المجتمع كل على حده.2

وبما أن العلوم النسانية ل تحتمل الختبار، أي ل يمكن أن يكون النسان مادة اختبار (كالفأر)، فما هو النمط الذي يمكن أن نطبقه على النسان بديل; للمخبر في العلوم الكونية، وما هو بديل التلسكوب والمنظار والمجهر والمرصد والمفاعل النووي

في العلوم النسانية، حتى نقول أننا نتبع أسلوبا; علميا;؟ نحن ل نستطيع أن نطبق مبدأ الستقراء على العلوم النسانية، كما هو مطبق على العلوم الكونية. فإذا قلنا، مثل;، أن الحديد

يتمدد بالحرارة، انطلقا; من تعميم الخاص إلى العام، بتجربة عدة قضبان من الحديد، فل يمكن أبدا; أن نستعمل نفس المقياس على النسان. لننا إذا سألنا ألف شخص من سكان دمشق: هل تؤيدون زيدا;؟ وجاء الجواب باليجاب، فل يمكننا القول بأن كل

Page 44: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

أهل دمشق يؤيدون زيدا. فهذه النتيجة ل نصل إليها يقينا; إل إذا كان الستقراء استغراقيا;، أي أن نسأل كل أهل دمشق، ويأتي الجواب منهم كلهم

باليجاب. في هذه الحالة يصبح الستقراء والستنتاج سيان، أي نستطيع أن نقول: كل أهل دمشق يؤيد زيدا;، فالربع إذا يؤيده!! إل أن حتى هذا الستغراق ل يمكن العتماد عليه بشكل مطلق دائم، لننا إذا سألنا أهل دمشق السؤال نفسه بعد سنة

مثل;، فقد تأتي النتيجة مغايرة للنتيجة الولى. هذه المشكلة ل تحل إل إذا سلم�نا بوجود جدل خاص بالنسان، إضافة إلى جدل الطبيعة، فكل قوانين جدل الشياء تنطبق على

النسان، إنما يضاف إليها جدل الفكر النساني وجدل النفس النسانية، اللذان يحتويان أيضا; على الجدل التلزميبالمتناقضات-والجدل التقابلي بالزواج-والجدل التعاقبي بالضداد.

فهناك قوانين حتمية تنطبق على المجتمعات النسانية، وتتبع جدل النسان هي: القانون الول: الثنائية التلزمية بصراع المتناقضات، أي (هو وليس هو). هذا القانون يعمل ضمن المجتمع النساني، فيؤدي إلى تطوره وتغير صيرورته، مما يؤدي

إلى هلك كل شكل اجتماعي في بنية المجتمع، وفي العلقات الجتماعية والقتصادية. هذا القانون يعبر عن ذاته في الضداد، فالغني ل يبقى غنيا; إلى أن تقوم الساعة، والفقير ل يبقى فقيرا; إلى أن تقوم الساعة، وكذلك القوي والضعيف،

والمستعم¥ر والمستعم�ر، والمضطه¥د والمضطه�د. هذا القانون يعمل بدون توقف ويفرز الضداد بشكل مستمر، والنسان يعمل على إبطائه أو تسريعه، لكنه ل يلغيه. هذا القانون

يفرز ظواهر يومية تتجلى في الضداد، لذا، فل يمكن أبدا; أن نقول بوجود تناقضات ثابتة، ولكن نقول بوجود قانون للتناقض سائد ما دام هذا الكون قائما; (التسبيح). كما يفرز هذا القانون في كل لحظة تناقضات جديدة بحاجة إلى حل، فكما أن الفكر النساني قائم على عدم التناقض، فنشاط المجتمعات النسانية يقوم على فرز التناقضات وحلها. فالحياة تفرز في كل يوم

تناقضات في النتاج، وفي العلقة النتاجية بالعلوم وبالمجتمع، وتناقضات في علقة الجيال بعضها ببعض، يقوم المجتمعبكشفها وحلها، تماما; كما يقوم الفؤاد النساني بإزالة التناقض، وكما يقوم الفكر النساني على عدم التناقض.

هنا يكمن المبدأ الذي يسيطر على المجتمعات النسانية، ويؤدي إلى تطورها. وهذا هو القانون الحتمي للمجتمعات، ومن هنا نفهم أن مهمة الدولة، بكل مؤسساتها، حل التناقضات التي تفرزها الحياة، وهو عمل يومي ل ينتهي، ل بمشروع الخمس

سنوات، ول بمشروع مئة عام. هو عمل مستمر إلى أن تقوم الساعة، كما نفهم أن الدولة والمؤسسات ل تزول، لكنها تتطورمن شكل إلى آخر، ول تزول إل بنهاية التاريخ.

القانون الثاني: الثنائية التقابلية بقانون الزوجية، وهو ما سميناه بالتكيف. وهو علقة غير تناقضية بين شيئين في مستوى التأثير. فإذا أخذنا، كمثال، علقة النسان بالبيئة المحيطة به، في علقة زوجية تؤثر على النسان، ويؤثر هو بدوره عليها في

مستوى ما معقد جدا;، نجد أن مهمة العلوم هي إيجاد هذا المستوى وتحديده كيفا; وكما. وهناك مثل; أطروحة الوحدة والحريةوالحرية والشتراكية، فهذه كلها ظواهر لها وجوه تقابلها (الحرية-الضطهاد) (الوحدة-التجزئة) (الشتراكية-الرأسمالية).

وإذا قلنا أن هناك علقة جدلية بين الوحدة والحرية والشتراكية، أو بين التجزئة والضطهاد والرأسمالية، غير ضدية وغير تناقضية، فل يمكن أن نقول أن الوحدة تعيق الحرية أو هي ضدها، ول يمكن أن نقول إن الحرية تعيق الشتراكية، أو أن

الشتراكية ضد الحرية. وفي هذه الحالة نطبق القانون الثاني للجدل، فنقول بعلقة التأثير والتأثر المتبادل بين الحرية والوحدة،وبين الوحدة والعدالة الجتماعية، ضمن مستويات تأثير وتأثر معقدة في السياسة والجتماع والقتصاد.

وتحديد هذه العناصر الثلثة يؤلف علقة جدلية غير تناقضية وغير ضدية. وكذلك علقة المجتمعات بعضها ببعض، فهي علقة زوجية تؤدي إلى التكيف، وهذا ما يسمى بالعلقات الدولية، التي تقوم على السلم والتعاون المتبادل أو الحرب. فطبقا

لهذا المبدأ، هناك سببان أساسيان للحروب: - تراكم التناقضات الداخلية، بحيث تلجأ السلطة إلى قمع هذه التناقضات بتحويلها إلى علقة تأثير وتأثر متبادل عدائي بينها1

وبين مجتمعات دول مجاورة أو بعيدة، مما يتيح لها المجال لقمع أي تناقض داخلي، بحيث إذا الغي هذا العداء تنفجر التناقضات الداخلية. وهذا ما نراه جليا; في وقتنا الحاضر، حيث تزكى العدوات بين الدول لقمع التناقضات الداخلية في هذه

الدول، أو حين تنشأ أحيانا; عداوات مفتعلة ل مبرر لها. - تراكم المعارف والتكنولوجيا، مما يؤدي بالقوي إلى استعمار الضعيف (وهذا ما رأيناه في القرنين الماضيين، ونراه حاليا2

في نهاية هذا القرن). أما الضداد ووحدتها فتتجلى في الظواهر، وبشكل واضح في الغنى والفقر، والحرية والضطهاد، وغير ذلك. ونأتي إلى

الجواب عن سؤال: ما هو بديل المختبر والجهزة العلمية، وما هو بديل الستقراء في المنهج العلمي وفي العلوم الكونية، الذي، يتبع في العلوم النسانية، حتى نقول أننا في مجتمع يقوم على العلم ..نيجب أ

هذا البديل هو: الحرية والديمقراطية.

Page 45: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

وما بعدها).252، ص(1990الكتاب والقرآن، قراءة معاصرة"، د. محمد شحرور، دار الهالي، ")1() انظر الفصلين الثاني والثالث من هذا الكتاب.2( ) نستثني من هاتين الحالتين اللغة والرياضيات، لعتمادهما على المنطق حصرا;. فالمنطق هو شباب الرياضيات،3(

والرياضيات هي كهولة المنطق، واللغة هي حامل الفكر، ابتداء من الدراك الفؤادي حتى أعلى أنواع الخيال. وكذلك الرياضيات تعتمد على العلقات المنطقية الصارمة واللزوم المنطقي بين المقدمات والنتائج، بغض النظر عن صدق القضية أو

كذبها، أي بغض النظر عن كون القضية حقيقية أم وهمية، رحمانية أم شيطانية، فالقضية المنطقية تحتمل الحقيقة والوهم، الصدق والكذب، على حدt سواء وقد أورد التنزيل الحكيم مثال; حيا; على قضية منطقية كاذبة، في قصة يوسف واخواته، ذات

مقدمات ونتائج منطقية لكنها كاذبة.

الفصل السادس: الحرية والديمقراطية والشورى

الحرية إرادة واعية بين نفي واثبات في موجود. والديمقراطية ممارسة هذه الحرية من قبل مجموعة من الناس، وفق.مرجعية معرفية، أو أخلقية، أو جمالية، أو عرفية

ولما كان قانون الستقراء العلمي ل ينطبق على المجتمعات النسانية في استنتاج كثير من الحكام، وبما أن التناقضات وعلقة التأثير والتأثر المتبادل تفرز يوميا; أمورا; مستجدة، فإن وجود الرأي والرأي الخر في المجتمع، هو الحل العلمي

الوحيد والمكافئ للمنهج العلمي في العلوم الكونية، وهذا ما نسميه حرية التعبير عن الرأي، لنه النمط الحياتي الوحيد القادر لذا فهو نمط في الحياة، ل هو وسيلة،على كشف التناقضات الداخلية، وعلقات التأثير والتأثر المتبادل الداخلية والخارجية.

.ول هو غاية في ذاته الحرية والديمقراطية ل تصنع خبزا;، ول تجعل الغني فقيرا;، ول تجعل الفقير غنيا;، وإنما هي النمط العلمي للحياة النسانية

للفقير والغني معا;، لهذا فإن من السذاجة والخداع وضع الخبز بديل; للحرية والديمقراطية، أو طرح الديمقراطية على أنها لتصنع غنى، كما لو أن البديل للفقر والجوع هو الديكتاتورية والستبداد.

إن الرأي والرأي الخر، وحرية التعبير عنهما، وتجسيمهما في المؤسسات العلمية والحزبية والسياسية والتشريعية، هو المنهج العلمي الوحيد لحياة المجتمعات المعاصرة. وبما أن الحرية هي إرادة إنسان واعt بين نفي واثبات في موجود،

والموجود هنا هو المجتمع، والظاهرة هي الحرية، والضدان هما (نعم / ل)، فيجب أن تسمح بنية المجتمع بممارسة هذه الظاهرة على كل المستويات، وأعلها المستوى التشريعي والسياسي والجتماعي. ويجب أن تصان حرية النسان بين الـ

"نعم" والـ "ل" فل تمس إل ضمن ضوابط صارمة جدا; متفق عليها هي الدستور (المرجعية). ويجب أن تتم ممارسة الحرية ضمن إطار دستوري، فالدستور يضع الطار (نعم / ل) والقانون ينظم الممارسة ضمن هذا

الطار. وبما أن أساس الحياة في السلم هو الحرية والباحة، فالنسان يعبر عن رأيه، دونما حاجة إلى إذن أحد. أي أن بنية المجتمع والدولة العربية السلمية بنية تقوم على الحرية والديمقراطية، -ول يحد هذه الممارسة- كما قلت-إل تقديم البينات.

ويقوم هذا المجتمع عن الحصاء في أموره، لنها هي التي تقدم البينات، ول يقوم على الستقراء العلمي الصارم. إذ لو كان يقوم على الستقراء العلمي الصارم، لما لزم أن يكون هناك أجهزة استعلمات لدى الدول بعضها على بعض

الخر، لن الستقراء العلمي الصارم يقوم على الدقة والتنبؤ، أما الستقراء في السلوك النساني فيقوم على الحتمال. وكلما كانت المعلومات متوفرة، كلما زادت دقة الحتمال، لكنها ل يمكن أن تصل إلى اليقين. فالسلوك النساني يبقى كيفيا; في

أساسه، بينما الحصاء كمي، ول يمكن تغطية السلوك النساني، كاليثار والغيرة والوطنية والحسد، بقيم كمية، يمكن معهااستنباط علقات صارمة بين هذه المتحولت.

لهذا، فالعلم والحرية توأمان ل يفترقان، يجب أن تقوم بنية الدولة العربية السلمية عليهما، والقاسم المشترك بينهما، هو. فما هي الدولة التي يجب أن تقوم بنيتها على العلم والحرية، بقاسمها المشترك البينات؟تقديم البينات، والرأي والرأي الخر

لقد ورد في التنزيل الحكيم مصطلح خاص بالديمقراطية هو "الشورى". والشورى هي ممارسة مجموعة إنسانية للحرية ضمن مرجعية ما، وعلينا كعرب ومسلمين أن ننظر إليها بهذا المنظار المعاصر، إنطلقا; من جدل النسان الذي ل مناص منه كقانون يعمل، أردنا أم لم نرد. وعلينا أن ندرك حين نقمع الحرية / الشورى، والحرية / الرأي، والحرية/ اختيار أحد الضدين،

والحرية / البينات-العلم، والحرية / قانون حتمي موجود، أن هذا القمع يول�د القمع والعنف والرهاب، من حيث هو قمع لتناقضات داخلية، قمعية / اقتصادية / سياسية، تتراكم ثم تنفجر. ما علينا أن ندرك أن الجانب الخر، أن القبول به يولد

الحوار، ويحل التناقضات اليومية بشكل ل يؤدي إلى تراكمها وانفجارها.لهذا ل بد لنا من أن نعيد تعريف الحرية والشورى:

الحرية في التراث العربي السلمي ضد العبودية. فالحر بالمفهوم التراثي هو الذي ل يباع ول يشترى، أي ليس بعبد، والحرة

Page 46: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

تعني المرأة التي ليست بأمة. وقد انعكس هذا المفهوم على تراثنا الفقهي، لنجد فيه، مثل; نصا; يشرح لباس الحرة في الصلة، يقابله لباس المة في الصلة. وبما أن هذا المفهوم انتهى تاريخيا; فلم يعد ثمة أسواق للنخاسة لبيع العبد والماء، وأن المجتمع

النساني أنهى مفهوم الرق حتى مع أسرى الحرب، فعلينا أن نفهم الحرية بشكل معاصر انطلقا; من رسالة محمد (ص)ونبوته.

تقوم الحرية على جدل النسان كفرد، وعلى جدل النسان كجماعة. فالحرية في جدل النسان كفرد له شخصيته وكرامته، وليس مجرد رقم في مجموعة، هي إرادة واعية بين نفي وإثبات في موجود، في المور التي تخص النسان كفرد. ومن هذه

المور حرية اختيار العقيدة. فالنسان كفرد، له ملؤ الحق بأن يكون مؤمنا; أو يكون كافرا;. وقد أمر ال المؤمنين بذلك، فالكفر، الذي هو ضد اليمان، ل يمكن أن يزول ما دامت النسانية موجودة، لنه من جدل النسان، وذلك في قوله تعالى

وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، إنا اعتدنا للظالمين ناراQ أحاط بهم سرادقها، وإن يستغيثوا يغاثوا(.29) الكهف بماء كالمهل يشوي الوجوه، بئس الشراء وساءت مرتفقا

هنا نلحظ كيف منح ال سبحانه حرية الكفر واليمان لكل الناس على حد سواء، ونلحظ كيف حصر عقوبة الكافرين به وحده سبحانه، ولم يجعلها من مهام النسان. ونقف مع قوله تعالى (ولو أن قرآنا; س¢يرت به الجبال أو قطعت به الرض أو ك¢ل�م

به الموتى، بل ل المر جميعا;، أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء ال لهدى الناس جميعا;، ول يزال الذين كفروا تصيبهم بما . وهنا وضع ال سبحانه الهداية31صنعوا قارعة أو تحل قريبا; من دارهم حتى يأتي وعد ال، إن ال ل يخلف الميعاد) الرعد

على ثلثة أنواع: - الهداية بالخلق، كالملئكة. كما في قوله تعالى (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا1

- ولقد هدى ال البقر بالخلق فخلقها ل تأكل اللحوم، وهدى القطط بالخلق21 و20من ل يسئلكم أجرا; وهم مهتدون) يس فجعلها ل تأكل الحشائش.

- الهداية بالكراه. وهي أن يكون للنسان خيار بين (نعم ول) لكن ثمة قوة قاهرة خارجية تكرهه على أحدهما كما هو2 واضح في قوله تعالى (لعلك باخع� نفسك أل يكونوا مؤمنين * إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)

. لحظ هنا كيف استعمل الهداية بالتنزيل ل بالنزال أي بتنزيل آية مادية من خارج الوعي تخضع لها أعناقهم،4 و3الشعراء فيؤمنون جميعا; خوفا; وقهرا;، دون أن يكون لهم خيار في ذلك.

- الهداية بالحجة والدليل دون إكراه ودون اهتداء أساسي بالخلق. وهذا ما أراده ال سبحانه للنسان في قوله تعالى (قل فلله3 . وفي قوله تعالى (رسل; مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على ال حجة149الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين) النعام

. فكانت الحجة والدليل آيات ال وكلماته الدالة عليه وعلى أسمائه الحسنى،165بعد الرسل، وكان ال عزيزا; حكيما) النساء وتطبيق أسلوب الستقراء العلمي من الجزء المادي المشاهد إلى الكلي الغيبي. وتطبيق أسلوب الستنتاج من الكل إلى الجزء،

باستعمال المنطق والحقيقة معا. لقد ثبت مما سلف أن قوانين جدل النسان حقيقة نافذة ل مناص منها، وأن اختلف الثقافات بين الناس أمر ل بد منه، ابتداء

من العقيدة، وانتهاء بأصغر الجزئيات، وأن القاسم المشترك بين الناس هو المنطق والمعرفة، ولهذا فقد استعمل التنزيل الحكيم . نرى واقعية القرآن118هذا القاسم المشترك في قوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ول يزالون مختلفين) هو

حتى في اليمان، فمع أن ال سبحانه طلب من الناس اليمان، لكنه أمر المؤمنين أل يطمعوا بإيمان أهل الرض جميعا;،.أن يعمM اليمان أهل الرض أمر ميئوس منه، لنه ضد قوانين الجدل التي هي من سنن ال في الخلقفالطموح إلى

إن أول بمند من بنود الحرية الذي يجب أن يعتقده المسلم، هو وجود الطرف الخر أي الكفر. ويتعامل معه حسب موقفه منه، إما بالجدل المتصالح، أو بالجدل المتخاصم. وفي الحالتين يبقى اليمان ضد الكفر، في علقة جدلية، إما سلمية (بالتي هي

أحسن) و(بالموعظة الحسنة)، أو غير سلمية، والذي يحدد أحد هذين الشكلين هو الكفر وليس اليمان. فعندما يكافح المؤمن من أجل حرية العقيدة واختيارها لغيره، ولو كان كافرا;، فهو يكافح عمليا; من أجل نفسه، ومن أجل ضمان الحفاظ على حرية

عقيدته، ومن أجل إبداء رأيه بحرية ضد الكفر، وقد جاء هذا في آياته تعالى: - (قد كانت لكم أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا

وبينكم العداوة والبغضاء أبدا; حتى تؤمنوا بال وحده إل قول ابراهيم لبيه لستغفرن لك وما أملك لك من ال من شيء، ربنا.4عليك توكلنا وإليكم أنبنا وإليك المصير) الممتحنة

.5- (ربنا ل تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم) الممتحنة - (عسى ال أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتهم منهم مودة، وال قدير، وال غفور رحيم) الممتحنة.

- (ل ينهاكم ال عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن ال يحب المقسطين).8الممتحنة

Page 47: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

- (إنما ينهاكم ال عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك. ونلحظ في اليات السابقة المواقف التالية:9هم الظالمون) الممتحنة

- السوة الحسنة في إبراهيم والذين معه، هي في الموقف العقائدي الصلب وبالبراءة من الشرك، وبالعداوة والبغضاء1 للمشركين والكفر، والكفر هنا لسان مقال ل لسان حال، أي أن المؤمنين أعلنوا صراحة أنهم ضد الشرك، وضد عبادة من هو

دون ال، الذي ل مطلق بقاء لغيره. - يمكن أن يكون هذا الموقف موقفا; علنيا; ضد الشرك، ولكن بدون عنف، وهذا هو سر دعاء المؤمنين لربهم أل يجعلهم فتنة2

للذين كفروا، والفتنة هي إكراه الناس على ترك دينهم بالقوة أو بالغراء. - أما المشركون الذين لم يمارسوا فتنة المؤمنين، وهم جزء من كل، فقد قال تعالى (عسى ال أن يجعل بينكم وبين الذين3

عاديتهم منهم مودة …) وأما الذين مارسوا فتنة المؤمنين من المشركين، فقد مارسوها على وجوه عدة:- الجدل التخاصمي في الدين (قاتلوكم في الدين).

- الخراج من الديار بالطرد أو بالنفي (أخرجوكم من دياركم).- المساعدة على الخراج من الديار (وظاهروا على اخراجكم).

فالموقف من الفئة الثانية هو أن ل نتولهم، وإل كنا ظالمين. أما الموقف من الفئة الولى، فالقسط والبر. وهنا نرى أن الجدل التخاصمي للمؤمن مع الكافر (الطرف الخر) يبدأ عندما يبدأ هذا الطرف الخر بفتنة المؤمن عن دينه،

وإكراهه وإخراجه من وطنه، والمساعدة على إخراجه، كطرح شعار "ل حياة إل للكفر" مثل;. والعكس صحيح. فإكراه الناسعلى اليمان في المجتمع تحت شعار "ل حياة في هذا المجتمع إل لليمان".

يعطي الكافر مبررا; لن يستعمل القوة، حين تتيسر له، في فتنة المؤمن وإخراجه. على المؤمن أن يعلم أن الخر حر في تبني العقيدة التي يشاء، وأن ال سبحانه منح حرية اختيار العقيدة هذه لكل الناس على

حد سواء، وأن اليمان يعرف بوجود الكفر، ولو كان كل أهل الرض مؤمنين لما عرفنا اليمان!!. ننتقل من حرية العقيدة، إلى حرية الرأي والتعبير عنه. هذه الحرية أيضا; هبة من هبات ال للناس، فالنسان حر في رأيه

(عقيدته وموقفه) وحر في التعبير عنه، ول يحتاج في ذلك إلى إذن من أحد. وهذا يقتضي وجوبا; وجود رأي آخر. وحرية النسان في التعبير عن رأيه، ل تقاس بمقدار ما يعطيه لنفسه من هذا الحق، بل تقاس بحرية الطرف الخر في التعبير عن

رأيه. هذا الجدل بين الرأي والرأي المضاد هو من أساسيات المنهج العلمي في العلوم النسانية، وبدونه ل يمكن كشف التناقضات الداخلية اليومية والخارجية، ول يمكن أن يكون للنسان ضمير حر دون حرية التعبير عن الرأي. وتتطور طرق

التعبير عن الرأي بتطور العلوم، التي طورت وسائل المعلومات (طباعة-صحافة-راديو-تلفزيون-ندوات-اجتماعات-تظاهراتسلمية).

، أي أن الدستور يكفل حرية الرأي والرأي الخر، وبنية الدولة تقوم على هذهوحرية الرأي يكفلها الدستور وليس القانون . وعلينا أن نتقبل هذه الممارسة، فإذا أردنا أن نعبر عن رأينا،، والقانون ينظم يومياQ هذه الممارسة دون أن يحد منهاالظاهرة

تركنا للطرف الخر أن يعبر عن رأيه أيضا. فحرية التعبير عن الرأي هي البوتقة العامة التي تنصهر فيها كل الراء وتجمععليها.

من هنا ندخل إلى مفهوم الشورى في السلم (الديموقراطية) لنشرحه شرحا; وافيا; معاصرا;، ونحن على مشارف القرنالحادي والعشرين.

قلنا إن الشورى هي ممارسة الحرية من قبل مجموعة من الناس ضمن مرجعية معرفية أخلقية، جمالية، عرفية. وأول أسسالشورى حرية التعبير عن الرأي، بوجود (الرأي والرأي الخر)، والتكافؤ في حرية التعبير بين الراء المختلفة.

لكن هناك بنية اجتماعية واقتصادية وسياسية، يتم التعبير عن الرأي من خللها ل من خارجها، أي أن الشورى تأخذ أشكال تاريخية متعاقبة، وتخضع للتطور التاريخي طبقا; لبنية المجتمع التاريخية وأرضيته المعرفية التي تمارس فيها هذه الشورى.

فكيف تم� فهم قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) وقوله تعالى (وشاورهم في المر) في صدر السلم وفي التاريخ السلمي؟ إذ نحن أخذنا هذه البنية بعين العتبار، فهمنا مبدأ الشورى، وكيف يمارس فعل; من خلل البنية التاريخية، ل من خارجها، ول

من خلل المقصودين حصرا; بضمير "هم"، ووصلنا إلى الشورى التي نريدها ونطمح إليها في عصرنا الحديث، واستطعنابعبارة أخرى، ممارسة الشورى فعل; من خلل بنية اليوم وتاريخية هذا العصر.

إذا نظرنا إلى المجتمع الجاهلي، رأيناه مؤلفا; من قبائل، كل قبيلة لها رأس وشيوخ ومجلس يتم التشاور فيه. والذي حدد رؤوس القبائل وشيوخها، إما الموقع المالي، أو عدد أفراد العائلة، أو عدد الفرسان. أي أن القوة القتصادية

والعسكرية هي التي تحدد وهاء القبيلة وملها. ولهذا كان خطاب النبياء والرسل موجها; إلى هؤلء من أقوامهم، وكان هؤلء هم الذين يتصدون لدعوة النبياء والرسل، وهذا واضح في التنزيل بقوله (قال المل). وكان هذا النظام متوضعا; في قريش في

Page 48: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

دار الندوة، حيث كانت قريش تتألف من عشرة بطون، يرأسها أبرز العائلت في كل بطن (كبني هاشم، وبني مخزوم، وبني أمة، و غيرهم)، ويمثل كل بطن رئيس في دار الندوة، يتوازعون الختصاصات بينهم، ويتشاورون في تسيير أمورهم

القتصادية والسياسية. وكان هذا المجلس هو الشكل الشوري لمجتمع قبلي يمارس التجارة، فإذا أبرم أمر في دار الندوة، فل داعي لن يوافق كل

أفراد القبيلة عليه، أي ل داعي للتصويت. وكانت الحرية تعني في ذلك الوقت ضد العبودية. وكان ثمة نوع آخر من المواطنين هم الموالي، الذين ليسوا عبيدا;، ولكنهم يعيشون في جوار أحد البطون، وهؤلء أيضا; ليس لهم أي رأي في تسيير أمور

المجتمع. أي أن الشورى كانت تمارس عند العرب في الجاهلية من خلل بنية المجتمع، ل من خارجها، وكانت هذه البنيةتقبل بهذا النوع من الشورى.

ثم جاء السلم. فكان المطلب الساسي هو حرية العقيدة، وكانت مشكلة النبي (ص) مع قريش هي (خلو بيني وبين الناس)، فمن شاء أن يؤمن

بالدين الجديد، فله بذلك، ومن شاء أن يبقى على شركه فله ذلك. أي أن سياسة الدعوة السلمية قامت على (ل إكراه في ). ولكن المل من قريش وقفوا علناQ، واتخذوا موقفاQ صريحاQ ضد حريةالدين) وعلى (يا أيها الكافرون، ل أعبد ما تعبدون

.الختيار عند الناس من38 وهي الية فالولى مكيةونقف أمام زمن النزول في اليتين اللتين ورد فيهما ذكر "الشورى" في التنزيل الحكيم.

وهيوالذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) والثانية مدنيةسورة الشورى ( فبما رحمة من ال لنت لهم، ولو كنت فظاQ غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف عنهم من سورة آل عمران (159الية

).واستغفر لهم وشاورهم في المر، فإذا عزمت فتوكل على ال، إن ال يحب المتوكلين ومع أن المرحلة المكية لم تكن مرحلة بناء دولة، إل أنه سبحانه وضع فيها الشورى بعد الستجابة لرب العالمين، بين فرضين تعبديين، فاليمان هو اليمان بال الواحد خالق السموات والرض، والسلم هو الستجابة لرب العالمين، ووضع في اليمان

والسلم ثلثة شروط: - أقاموا الصلة.1 - أمرهم شورى بينهم.2 - مما رزقناهم ينفقون.3

ومن هنا نرى أن الشورى جزء أساسي من اليمان والستجابة لرب العالمين، مع الصلة والنفاق، فهي في الية مبدأ عام (نضالفي بنية اليمان والسلم، قبل أي ممارسة أخرى في المستوى السياسي والقتصادي، وممارسة عقائدية فقد

سلبي). ومن هنا جاء السلم ليفهم الناس أن أية حركة ثورة، تكافح من أجل حرية العقيدة وحرية الرأي، إنما تكافح من أجل الشورى، وأن الذي يمنع الشورى ول يؤمن بها كمانع الصلة والزكاة تماما. هذا لترسيخ الشورى من الناحية العقائدية البحتة،

قبل أية ممارسة أخرى، فالمسلم ل يقبل بديل; عن الشورى من حيث المبدأ، لنها تدخل في أساس عقيدته وعباداته. أما الشورى في الية الثانية، فهي ممارسة تاريخية. أي أن ال سبحانه أمر النبي (ص) أن يشاور الناس في أمور ل تتعلق بالوحي، فجاء الخطاب موجها; إلى النبي، وليس إلى الرسول، في علقته المباشرة مع الناس المعاصرين له، وطبق النبي

(ص) هذا المر من خلل بنية المجتمع الذي عاشه، علما; أنه لم يستعمل التصويت وعد الصوات في كل أمر، بل كان يشاورطبقا; لما تمليه الحالة التي هو بصددها.

فاستعمل المشورة في أسرى بدر، وجاءت المشورة ضد إعدام السرى، فامتثل لهذا الرأي، رغم أنه خاطئ، وذلك بسبب المرحلة الحرجة التي يمر بها السلم في ذلك الوقت، ولكن امتثاله لم يكن خطأ على الطلق، باعتبار أن مخاطبته تمت من

.67مقام النبوة (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الرض …) النفال لقد أوضحنا أن السلم قرر أمرين اثنين في الشورى هما:

- الشورى كمبدأ مطلق، كاليمان بال، وإقامة الصلة، وإيتاء الزكاة.1 - الشورى كممارسة يومية تتبع الحالة التاريخية التي يعيشها مجتمع ما، أي الشورى البنيوية التاريخية.2

من هنا وجب علينا فهم (وأمرهم شورى بينهم)، وكيف تمت ممارستها تاريخيا; من خلل (وشاورهم في المر). أي أن (وأمرهم شورى بينهم) موقف عقائدي، له علقة بأساسيات العقيدة السلمية، ونراه مرتبطا; بمبدأ جدل النسان-الرأي والرأي

الخر- ومرتبطا; مع قوله تعالى (وكان النسان أكثر شيء جدل;). أما كيف نحقق (وشاورهم في المر) ونحن في نهاية القرن العشرين، فمن خلل بنية تسمح بها وتحتويها، وتعني بالضرورة

بوجود الرأي والرأي الخر بين المؤمن والمؤمن، وبوجود الرأي والرأي الخر بين المؤمن والكافر، وبين المؤمن وغيرالمؤمن، في كل ما يخص العلقات الجتماعية والقتصادية والسياسية.

Page 49: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

قلنا إن الشورى عقيدة وممارسة بدليل آيتي الشورى وآل عمران. وقلنا إن الحرية رأي وتعبير، وإنها إرادة واعية واختيار واعt بين نفي وإثبات في موجود، وقلنا إن الديمقراطية (التي هي الشورى بذاتها) هي الحل الحقيقي الوسط بين الكل والنا،

وقلنا أن أساس النسان الحر هو إنسان الـ "ل" وليس إنسان الـ "نعم". وقلنا إن ال سبحانه لم يعط الحق لحد من عباده أيا; كان، بأن يتكلم نيابة عن الناس، أو أن يفرض عليهم أن يتبنوا موقفا; معينا;،

بدعوى أو بأخرى، حتى ول الرسل أنفسهم، حفاظا; منه سبحانه على حرية النسان في تحديد رأيه، وصونا; منه سبحانه لديمقراطية التعبير عن الراء والمواقف، وتنزيها; منه سبحانه لرسله أن يكونوا ديكتاتوريين قامعين يطمسون هويات الخلق

وشخصياتهم. فورد هذا في صريح قوله تعالى:.104- (وقد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها، وما أنا عليكم بحفيظ) النعام

.107- (ولو شاء ال ما أشركوا، وما جعلناك عليهم حفيظا; وما أنت عليهم بوكيل) النعام .80- (من يطع الرسول فقد أطاع ال ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا;) النساء

.86- (بقية ال خير لكم إن كنتم مؤمنين، وما أنا عليكم بحفيظ) هود .48- (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا; إن عليك إل البلغ ..) الشورى

.6- (والذين اتخذوا ممن دونه أولياء ال حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل)الشورى .66- (وكذب به قومك وهو الحق، قل لست عليكم بوكيل) النعام

- (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل� فإنما يضل عليها، وما أنا عليكم.108بوكيل) يونس

.41- (إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل� فإنما يضل عليها، وما أنت عليهم بوكيل) الزمر .54- (ربكم أعلم بكم، إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم، وما أرسلناك عليهم وكيل;) السراء

.43- (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه) الفرقان .24-21- (فك�ر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر * إل من تولى وكفر * فيعذبه ال العذاب الكبر) الغاشية

فعل حفظ في اللسان العربي أصل واحد، هو مراعاة الشيء. والتحفظ قلة الغفلة. والحفاظ المحافظة على المور. والحفيظةالغضب، والحافظ والحفيظ هو ال، وليس أي أحد آخر غيره.

أما فعل وكل، فأصل صحيح يدل على اعتمادك غيرك في أمرك، والمتوكل الضعيف، وواكل فلن إذا ضيع أمره متكل; علىغيره. وسمي الوكيل وكيل; لنه يوكل إليه المر. وواكلت الرجل إذا اتكلت عليه واكل عليك (ابن فارس).

ونرى واضحاQ فيما سبق من آيات، أن ال سبحانه هو واهب الوجود للناس، فل يحق لحد إل هو أن يسلبه من أحد، وأن ال سبحانه هو واهب الحرية للناس، وحق الختيار هبة كهبة الحياة نفسها، حتى اليمان بال أو الكفر به للناس الخيار

. لهذا كله، فمهمة الرسول أن يكون وكيل; لحد أو عن أحد، بل مجرد مبلغ للمانة (الرسالة التي يحملها) بدللة النبوةفيهما التي اختص بها. ولهذا، فالذي يدعي أنه سمح للناس بالحرية، أو أعطاهم الحرية، أو أهداها إليهم، ليس أكثر من مدع

ضمن العقوبات التيحجز الحرية(( )فال سبحانه، احتراماQ منه لحرية الناس، لم يذكر السجنبالربوبية، مطالب باللوهية. .وردت في أم الكتاب، وتركها للناس أنفسهم، لنه ل يليق بمانح الحرية الواحد الحد أن يسلبها

ل شك أن من المفيد قبل أن نبحث في تفصيل كيف نحقق (وشاورهم في المر)، في وعائنا التاريخي الجغرافي المعاصر، أن نستعرض كيف تحقق ذلك في عصر الرسول (ص)، ثم في عصر الخلفاء الراشدين فالمويين فالعباسيين من بعده، وما هي

العناصر التي حددت العقل العربي السياسي.،الحالت التاريخية التي تجلت فيها الشورى:)1(فنرى، كما يرى الدكتور الجابري

- وشاورهم في المر (عصر الرسول)1- وليت عليكم ولست بخيركم (عصر الراشدين)2- هذا قضاء ال وقدره (عصر المويين)3- نحن خلفاء ال في الرض (عصر العباسيين)4

ونرى أن مشكلة المارة والمير، والخلفة والخليفة، التي اعتبرها الدكتور الجابري إحدى النقاط الخطيرة القاتلة في العقل العربي السياسي، نشأت في اللحظة التي توفي فيها النبي (ص)، وقبل أن يدفن، لتبقى دون حل حتى يومنا هذا، بفروعها

الثلثة: كيف ينتخب المير ويختار؟ وما هي صلحياته؟ وما هي مدة حكمه؟ ورغم أن العصر الراشدي قدم حل; بنيويا; تاريخيا; للفرع الول من هذه المشكلة، إل أن ذلك انتهى بانتهاء عصر الراشدين، وعادت المشكلة لتبقى حتى يومنا هذا. فلماذا ترك النبي (ص) هذه القضية مفتوحة دون تحديد، رغم أنها تتعلق ببنية الدولة العربية السلمية منذ أن نشأت؟ والجواب برأينا لنه (ص) نبي، ومؤسس دولة، ولم يكن في يوم من اليام رئيس دولة !!

Page 50: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

والفرق كبير بين مؤسس الدولة ورئيسها (لحظ وفاة الرسول (ص) بعد انتهاء الوحي بأشهر، لنه لو بقي بعده بمدة طويلة،لنتقل وضعه من نبي ورسول إلى رئيس دولة).

لقد كانت للنبي (ص) مهام أداها في حياته على وجهها الكمل، وعلى أتم ما يكون الداء، هي: - تأدية المانة (القرآن)، بدون شرح وبدون تأويل اليات المتشابهات واللمحكمات.1 - تبليغ الرسالة، فشرح العبادات وطبقها، لنها ل علقة لها ببنية الدولة أو المجتمع. وتصرف في غير العبادات ضمن2

حدود ال، واقفا; عليها أحيانا;، طبقا; للبنية الجتماعية العربية السائدة في حينه. فاتجه صعودا; في نكاح المحارم، كما وردت في سورة النساء بحدها الدنى، وزاد فيها فقال (ل تجمعوا بين البنت وعمتها)، أي أنه أعطانا أسوة في التجاه نحو الزيادة، بتقديم

البينات العلمية دون خوف من الوقوع في الحرام. - تأسيس الدولة، في ممارسة سياسية ترتبط ببنية المجتمع العربي آنذاك، لتحويله من مجموعة قبائل إلى شعب (أي إلى3

سلطة مركزية)، وكانت هذه الممارسة جديدة على العرب آنذاك، ولهذا كان تصرف النبي (ص) دقيقا;، بل في غاية الدقة، لنالبنية السياسية وأساليب الحكم تتبع التطور التاريخي.

إل أن الحياة التي عاشها النبي الكريم، بجميع ما فيها من أعمال، وبكل ما فيها من حركة يومية، طفل; وفتى وشابا; ورجل وكهل;، تاجرا; ونبيا; وهاديا;، ورسول; ومحاربا; ومهاجرا;، عازبا; ومتزوجا;، تتمثل في وجوه ثلثة، حددها بكل وضوح قوله

. فالية تقول40تعالى (ما كان محمد� أبا أحدt من رجالكم ولكن رسول ال وخاتم النبيين، وكان ال بكل شيء عليما;) الحزاب إن ثمة ثلثة مقامات لمحمد (ص):

- محمد الرجل.1 - محمد النبي الخاتم.2 - محمد الرسول.3

أما أعماله وأقواله (ص) من مقام الرجل، فغير ملزمة لحد، وهي تشمل علقاته الزوجية والسرية، وأمور طعامه وشرابهولباسه، وأمور معاشه وغدوه ورواحه، وحزنه وفرحه.

وأما أعماله وأقواله (ص) من مقام النبي، فطاعتها غير ملزمة وذلك لن كل آيات الطاعة انحصرت بمحمد الرسول، لكن يجب النتباه بدقة إلى أن النبوة علوم، بمعنى أن النبي، من حيث أنه نبي، يعرف تماما; أن بنية الدولة تتبع التطور العلمي

للنسان من جهة، والتطور القتصادي النتاجي والثقافي لدى الجماعات من جهة أخرى، مما يوجب معه تطور أنماط الدارة والسياسة والعلقات الجتماعية. ولهذا، ومن حيث أنه نبي، فقد ترك ذلك دون تأطير وتحديد، وفقا; للعمود الفقري لنبوته

المتمثل بالتوحيد، فكل شيء متغير إل ال، وكل شيء نسبي إل ال، وكل شيء هالك إل وجه ال. ولو أنه حدد شكل الدولةالبنيوي لخالف أسس نبوته بنفسه (حاشاه).

ومن هنا يختلف النبي عن العبقري، ومن هنا، يكمن الفرق الساسي بين النبوة والعبقرية، فمحمد (ص) يعي تماما; ما يفعل، وأن قانون (كل شيء هالك إل وجهه) هو القانون الساسي للوجود، وأن (وأمرهم شورى بينهم) من أساسيات العقيدة

السلمية، فأسس ممارسة الشورى على أسس بنيوية طبقا; لظروف العصر ومعطياته، ضمن مقولة (كل شيء هالك إلوجهه)، واقتصر في تأكيده على الحدود والعبادات التي تصلح لكل البنى التاريخية، وترك ما بقي مفتوحا; !!

أما العباقرة فيحددون بكل دقة بنية الدولة، بدل أن يتركوها للتطور التاريخي المرحلي، فتأتي النتيجة مدمرة، كما حصل في التجاه السوفييتي. حين حدد لينين (وهو عبقري) أطر وبنية الدولة بكل تفاصيلها، والتزم أتباعه ممن تلوه هذا التأطير تحت

شعار اللينينية، فكان أن دمرت هذه الدولة في أقل من قرن، وكانت اللينينية التي أرست دعائم الدولة السوفييتية، هي التيدمرت هذه الدولة.

نأتي إلى المقام الثالث الخير، وهو مقام محمد الرسول (ص). ونقف هنا أمام الطاعة الواجبة بشقيها المتصل والمنفصل، أي طاعته في حياته، وطاعته في حياته وبعد مماته، ويتمثل ذلك في الحدود والعبادات، لكن المسلمين، بكحل مرارة وأسف، فعلوا

ما لم يفعله (ص) وحددوا ما لم يحدده، وأطروا ما لم يؤطره: - دمجوا الطاعة المنفصلة مع الطاعة المتصلة فاعتبروها واحدة، وسحبوا طاعة الرسول في حياته، على طاعته بعد مماته.1 - أطلقوا مفهوم الطاعة وعمموه على جميع ما قاله الرسول وفعله في مقاماته الثلثة رجل; ونبيا; ورسول;.2 - دونوا الحديث النبوي والسنة النبوية، بعد أن أمر النبي (ص) صراحة بعدم تدوينه، واعتبروا الحديث أساسا; ثابتا; ل يتغير3

في التشريع، فأعطوه بذلك صفة البقاء المطلق، وهي من أسماء ال الحسنى وكلماته حصرا. متكئين في هذا كله على (إن هو إل وحي يوحى) وعلى (وأطيعوا ال وأطيعوا الرسول) وعلى (من يطع الرسول فقد أطاع ال) دون تدبر، ودون تمييز بين

من سورة الحزاب.40المقامات الثلثة التي نصت عليها الية - جعلوا من النماط الدارية والقتصادية السائدة في القرن السابع الميلدي، أنماطا; ثابتة ل يجوز الخروج عنها إلى أن4

Page 51: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

تقوم الساعة، وطبقوا مبدأ الستقراء على العلوم النسانية وعلى النسان. واعتبروا ما قاله الصحابة (رضوان ال عليهمأجمعين) في القرن الول الهجري، أطرا; مطلقة، يجب أن يلتزم بها الفقه ول يحيد عنها عينا; إلى أن تقوم الساعة.

- وضع المتصوفة النبي (ص) في مرتبة المطلق الباقي من حيث الوجود، باستعمالهم مصطلح "الحضرة النبوية" عند5الملكانيين

من النصارى، كما وضعوا الولياء في المرتبة نفسها، فهم يعملون أحياء; ويعملون أمواتا;، لصلتهم المباشرة بال !!)2( وكانت الشورى واحدة مما تم تأطيره وتجميده وتحديده، ورغم أن حفنة من الخبار المتناثرة في التواريخ السلمية، ترسم لنا

أكثر من إشارة استفهام، تقتضي وقوفنا عندها بالتحليل والتدبر، على أخبار العصر الراشدي، إل أن الشكل العام لنتخاب.)3(المير وصلحياته ومدة حكمه، هذه النقطة القاتلة في الفكر العربي السياسي، كان ما زال شوريا

ثم جاء العصر الموي ومن بعده العباسي ليطيح بكل ذلك، بما فيه الشكل الراشدي. وتحولت المارة إلى وراثة، وإلى قضاء من ال مقدور ل سبيل إلى رد�ه، فولدت مع هذا التحول المسوغات التبريرية وعلى رأسها "جواز إمارة المفضول بوجود

الفضل". وتحول الحق المحدد الصريح إلى حق يراد به الباطل، وولد معه علم التلعب باللفاظ وتسمية الشياء بغير أسمائها، وسادت شعرة معاوية العلقات القتصادية والسياسية، فولد معها بالرجاء، كمحاولة للهرب من مسؤولية اتخاذ موقف، وتعليق ذلك

كله على حتمية القضاء والقدر في جبرية متطرفة مطلقة. وتحول الجهاد إلى غزو خارجي وفتوحات مسلحة، في سبيل امتصاص سطوة المعارضة والمعارضين للحكم، بتوجيهها نحو الخارج باسم الجهاد والدعوة. وكان ل بد في ضوء ذلك، من البدء بالقول بالنسخ، في آيات التنزيل، لصرف الناس عن الوجه

الحقيقي للجهاد والممارسة الساسية له، وتم استبعاد عشرات اليات من حيز التطبيق، بدعوى أنها منسوخة، وبدعوى أنها مرحلية تخص العصر النبوي في بداية الدعوة. ولدت مع ذلك كله مسوغات العنف، ومبررات الظلم. وأعذار الطغيان بلي

بعض الحاديث النبوية حينا;، وبوضع ما يقتضيه الحال أحيانا; أخرى. إن كل ما روي من أحاديث نبوية تتعلق بأنماط الحكم، ينتسب إلى صح إلى النمط البنيوي التي في اللحظة التاريخية التي قيل فيها الحديث، أما إذا كانت تتعلق بأنماط مستقبلية للحكم من مثل (الئمة من قريش) فهي أحاديث ملوي�ة مرفوضة، لنها تطبيقا تخالف النبوة كعقيدة وتخالف الرسالة كسلوك، وافتراض صحتها يؤدي إلى افتراض أن النبي (ص) كان يهدم رسالته ونبوته

بنفسه. حاشاه أن يفعل ذلك. ونحن نرى أن كل ما حدث وقيل، بعد وفاة الرسول (ص)، وحتى يومنا هذا، حول أنماط الحكم وطاعة أولي المر إنما هو اجتهاد انساني بحت، قيل وفعل ضمن ظروف تاريخية موضوعية، وهو قابل للتطوير، أي يجب أن يتطور بشكل مؤكد ل

لبس فيه، ول يجوز أن يأخذ صفة شرعية مهما كانت. ونرى أننا الن حين نلتزم اليوم عقائدياQ بقوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) ونطالب أنفسنا بممارسة قوله تعالى

(وشاوروهم في المر)، معتبرين أن "هم" في اليتين هي "نحن"، وأنها تشملنا كما شملتهم، ل يهمنا كيف التزم.السبقون بها، لن هذا بحث أكاديمي تاريخي

قلنا إن الشورى من أساسيات العقيدة السلمية، فكيف نحولها إلى فعل أي كيف نصدق هذا اليمان بالقلب عن طريق الجوارح؟ لنفعل ذلك، علينا أولQ أن نؤمن فعلQ بأن هذا المبدأ هو من أساسيات العقيدة السلمية. وفي هذه النقطة يكمن التغير الكبير المطلوب من المسلمين أن يغيروه بأنفسهم، فبدون اليمان بأن الشورى هي النمط العلمي المتحضر الذي

يبتعد بالنسان عن المملكة الحيوانية، ل أمل في أية دعوة أو إصلح. علينا أن نؤمن بذلك ونحن في أشد حالت ضعفنا، حتى ونحن مضطهدين ل نملك شيئاQ، فالمؤمن المضطهد الضعيف يصلي ويؤمن بالشورى، والمؤمن القوي يصلي ويؤمن

بالشورى. علينا أن نؤمن بأن الشورى ليست ترفاQ فكرياQ مرحلياQ في حياة المؤمن، وإنما نمط في الحياة يتخذه لنفسه،.ويكافح من أجل تحقيقه لنفسه ولغيره، ولو كان هذا الغير يخالفه بالرأي والعقيدة

في هذه الحالة، ل يهمنا من أخطأ، ومن أصاب وفاة الرسول (ص)، من الصحابة رضوان ال عليهم أجمعين. الذي يهمنا، هو أن تصرفات الصحابة تصرفات إنسانية اجتهادية بحتة غير مقدسة، وأن الصحابة بشر مثلنا، تصرفوا حسب درجات وعيهم وفهمهم ومصالحهم، وأن النقسامات التي حصلت بعد وفاة الرسول (ص)، تحصل في أية مجموعة أخذت على عاتقها بناء

دولة، وان قوانين التاريخ ونشوء الدول وجدل النسان، سرت عليهم كما سرت على غيرهم تماما. وأنه ل أحد منهم فوقالبشر.

لهذا، فنحن حين نقيم سلوك الصحابة، وما فعلوه بعد وفاة الرسول (ص)، وخاصة من الناحية السياسية، فنحن ل نضع العدل اللهي تحت التساؤل، بل القرار النساني والسلوك النساني. وعندما نتكلم عن الصحابة فنحن نتكلم عن أناس مؤمنين بال

ورسوله، يعيشون الجدل النساني، وتنطبق عليهم كل صفات النسان في كل مجتمع، فيهم الشجاع والجبان، والفظ والدمث،

Page 52: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

والصريح والملتوي، الزاهد والطامع، الماكر والساذج، والمقبل على الدنيا والمعرض عنها، والشديد القاسي واللين المساير. والرسول (ص) كان واعيا; تماما; هذه النقطة، وأنه يتعامل مع ناس، والناس ليسوا متجانسين، فالشجاع في الجاهلية، بقي

شجاعا; في السلم (خالد بن الوليد)، والجبان في الجاهلية ظل جبانا; في السلم (حسان بن ثابت)، والشديد الحتمال (بلل بن رباح) صبر على التعذيب ورد� عليه بـ(أحد أحد) ولم يذكح رسوله بسوء، أما الضعيف الحتمال (عمار بن ياسر)، فلم يستطع الصمود، واضطر تحت التعذيب ذاته تقريبا; إلى ذكر الرسول بالسوء، ومع ذلك كله لم يقل الرسول لعمار لماذا لم تصنع كما

صنع بلل؟ ولم يأمر حسانا; بأن يتصدى للقتال كما أمر خالد، ولم يقل ما يدل على أن نموذج المؤمن عنده يتمثل في بلل وخالد. بل رأيناه يقول (ص) (الناس معادن خياركم في الجاهلية خياركم في السلم إذا فقهوا). والصحابة كانوا من الناس،

والناس معادن!! إن مشكلتنا هي في أننا عندما نتكلم عن الصحابة، نتكلم عن مجتمع أحادي الجانب، كما لو كانوا فوق البشر، وعندما نقي�م ما حصل بعد وفاة الرسول (ص)، انطلقا; من القاعدة السالفة، نقع في مأزق، نسعى للخروج منه فندخل في تبريرات شتى ل

جدوى منها، لكننا إذا نظرنا إليهم كمجتمع ثنائي الجانب (جدل النسان) توضعت المور في نصابها، ولم تعد ثمة حاجة للتبريرات، ولم يبق ما نخجل منه، فالتاريخ هو التاريخ، وقوانين تشكل الدول والمجتمعات هي هي في كل مكان، وللفرد دوره في ذلك عند العرب وعند غيرهم، وحب السلطة والمال هو هو عند العرب وعند غيرهم. وينطبق عليهم قوله تعالى (تلك أمة

.134قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ول تسئلون عما كانوا يعملون) البقرة قلنا إن ما حصل بعد وفاة الرسول (ص) ليس من صنع الرسول ول علقة له به، فلقد لعب جدل النسان (الثنائية الجدلية)

وبنية المجتمع الجديدة، ورواسب الجاهلية، وكفاءة المنفرد في صنع القرار، دوره في صنع الحداث. والصحابة لم يختلفوا بعد وفاة الرسول (ص) حول أركان السلم، لم يختلفوا على الصلة وكيفية أدائها، وأركانها، ولم يختلفوا على الشهادتين، ول

، بل كان خلفا; سياسيا; إداريا; بحتا; حول السلطة أو الغنيمة ، أو حول السلطة والغنيمة معا;.)4(على الحج، ول على الزكاة بعد وفاة الرسول (ص) كان ثمة قوتان رئيسيتان في المجتمع الجديد، المهاجرون والنصار. تصب قوة المهاجرين في

المحصلة عند قريش في وضع قبلي، والنصار عند الوس والخزرج في وضع قبلي آخر. وكان ثمة صراع سياسي سلمي على رئاسة الدولة في سقيفة بني ساعدة، حسمه عمر بن الخطاب وقتها بمبايعة أبي بكر الصديق، ولم تكن مقولة (الئمة من

قريش) مطروحة ول واردة في رأينا يومئذ، وإل لما جرؤ النصار على اقتراح أميرين للرئاسة أحدهما من المهاجرينوالخر من النصار، ولتم حصر المامة والمارة بقريش إلى أن تقوم الساعة.

على هذا الشكل تمت ممارسة أول نوع من الشورى بين رؤساء المهاجرين والنصار، عدا بني عبد مناف، هذه الشورى التي لم يجر فيها تصويب المهاجرين كلهم والنصار كلهم، بل تمت ضمن الطار القبلي والعلقات القبلية السائدة آنئذt التي كانت تسمح فقط بشورى الرؤساء والوجهاء (المل). من ناحية أخرى كانت الروم والفرس ومصر والحبشة هي الدول المجاورة

للحياة، ولهذا فإن مدة حكم الخليفة لم تكن أصل; لتخطر في بالهم. ومن ناحية ثالثة كانت صلحيات القياصرة والكاسرة مطلقة وغير محدودة، فلم يخطر في بالهم تحديد صلحيات الخليفة، واعتبروا أن أحكام الشرع، وعلى رأسها الشورى هي التي تحدد

صلحيات الحاكم، أي أن الشرع كان بديل; عن المجالس التشريعية، وبقيت الصلحيات مفتوحة للسياق التاريخي. هنا نقف عند وفاة عمر بن الخطاب، وما حدث بعد ذلك. فنحن أمام الفتوحات في البلد وسقوط فارس ومصر بشكل كامل،

وسقوط المبراطورية البيزنطية جزئيا;، وتدفق الموال بشكل هائل على المدينة المنورة. وكان مبدأ التوزيع الذي اعتمده عمر في بداية عهده وسار عليه في بداية الفتوحات عندما لم تكن المبالغ على هذا المستوى من الضخامة، هو القرابة من الرسول (ص) والسبقية في السلم. ولكن عندما أصبحت المبالغ كبيرة، حصل خلل في الدخل والتوزيع، مما اضطر عمر إلى أن

يقول في أواخر عهده (لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لخذت فضول أموال الغنياء ووزعتها على الفقراء). بعد وفاة عمر، كان هناك غنى فاحش، وتفاوت كبير في الثروات، ودولة مترامية الطراف، كل هذا خلل عشر سنوات فقط

من عمر التاريخ، وهي فترة قصيرة جدا;، كان لها أكبر الثر، في انتقال العرب فجأة إلى دولة مركزية في شبه جزيرتهم، بعد أن كانوا قبائل متفرقة، ثم في انتقالهم مرة أخرى مع نهاية عهد عمر إلى دولة مترامية الطراف هزمت أقوى دولتين في

العالم، فرأوا أنفسهم أمام عناصر لعبت دورا; في أحداث ما بعد وفاة عمر: - الدخل الكبير للدولة، وارتجال أسس توزيع الثروات لقلة الخبرة.1 - الدولة المترامية الطراف مع عدم وجود الخبرة الدارية عند العرب لدارة دولة من هذا النوع.2 - دخول شعوب وثقافات جديدة في الدولة.3

وقد لعبت هذه العناصر دورها في إيجاد حلول شورية، لكنها ارتجالية في ذلك الوقت. فبعد أن ط¢عن عمر، أوصى بانتقال خليفته من ستة أشخاص، وتم فعل; النتقاء منهم، لكن الغنيمة والقبلية لعبت دورها الساسي في المدينة المنورة، بعد أن زال

الخوف على السلم وأصبح هو الحاكم لهذه الدولة. وترانا من منظور القبلية والمال نجد أن:

Page 53: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

- عثمان يعين أقاربه من المويين كولة ويحابيهم.- يعتبر عثمان نفسه المتصرف بأموال الدولة، وهو المر الناهي.

- ركز الولة المويون سلطتهم في المصار، وتركزت الثروات بأيديهم وبأيدي قواد الجيوش، حيث ل نجد في عهد عثمان أحدا; من بني هاشم ول من آل النبي (ص) في منصب ولية أو قيادة عسكرية، وبالتالي كانوا هم الطرف الضعف. بل نرى، مثل;، عمار بن ياسر يستقيل من بيت مال الكوفة، عندما رفض الضعف. بل نرى، مثل;، عمار بن ياسر يستقيل من بيت مال الكوفة، عندما رفض والي الكوفة الموي، أن يعيد إلى بيت المال مبلغا; كان قد اقترضه منه، ولم يقم الخليفة عثمان بن عفان

بأي إجراء ضد الوالي، بعد أن اشتكاه عمار إليه. أدى هذا الوضع القبلي المالي، إلى انقسام مقبلي مالي بين الصحابة، أي نشأ هناك يمين ويسار في السلم، بالمفهوم السياسي

) يرأسه(يسار)، والباقي من كبار الصحابة في طرف مقابل يمينالمعاصر، فقادة الجيوش والولة وأغنياء قريش مع عثمان ( علي بن أبي طالب (رض) بسبب قرابته من الرسول (ص)، وبسبب زهده في المال. فحدثت الحرب الهلية الحقيقية رغم أن

عليا; لم يكن راغبا; بها أو داعيا; إليها، وأد�ت إلى مقتل عثمان على أيدي عرب، وإلى مبايعة علي بن أبي طالب، وكانت معركةعلي خاسرة من بدايتها.

فقد استعمل المويون وقواد الجيوش الموال أيام عثمان، وبنوا قواعدهم الخاصة بين الناس، مستثمرين الوضع القبلي العربي، والعلقات القبلية القديمة أحسن استثمار لصالحهم، لذا كان اليمين السلمي منتصرا; من الناحية المالية منذ خلفة عثمان، وتم حسم هذا النتصار عسكريا; بعد مقتله. وعلى رأس اليمين معاوية، وعلى رأس اليسار علي بن أبي طالب. فتم بانتصار اليمين السلمي ترسيخ نظام حكم القوة دون شورى، وجعله وراثة بالقهر. وانكفأ اليسار السلمي، وما بقي من

الصحابة، على نفسه، وأغلق عليه بابه، واعتزل العمل السياسي. فخرجت قوة إسلمية جديدة، ليس لها أي علقة ل بالصحابة ول بالجيل النبوي، هي الخوارج. رفضت الطر السياسية

المفروضة، ونادت بإطار جديد في الحكم، وأن بإمكان أي انسان أن يكون إماما; للمسلمين شريطة موافقة المسلمين عليه، وكان هذا مقبول; من الناحية العقائدية، إذ ليس في السلم ما يمنعه، لكنه مرفوض من الناحية التطبيقية. فالخوارج أنفسهم لم

يعرفوا كيف يحولون هذا القول إلى فعل، فلجأوا إلى العنف والغتيالت وتكفير معارضيهم، ليس من السلطة فحسب بل ومن الناس أيضا. كان خروج الخوارج ليس ضد السلطة فقط، وإنما خرجوا على كل الطر القبيلية والعشائرية والمالية السائدة

آنذاك، أي أنهم أرادوا حكم الشورى في فراغ، وليس في أرض الواقع. لذا كانوا مقاتلين شرسين، ومناظرين تعساء، ل يمكن أن يكتب لهم النجاح. لكن حركة الخوارج كظاهرة، تدلنا على احتجاج

الجيل الجديد على أطر سائدة مرفوضة. ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذان ومع ترسيخ أول دولة عربية إسلمية بالقضاء على هذه الحرب الهلية، وتنظيم الدواوين

والشرطة والجيش، تم ترسيخ المور التالية في الفكر العربي السياسي، على أنها مسلمات، ومن طبائع الشياء، والصيغةالسلمية الثابتة في الحكم:

- الحاكم يحكم مدى الحياة: ونرى هذه الطروحة حتى اليوم غير مستهجنة لدى غالب العرب والمسلمين، إذ كان حكامهم1يحكمون مدى الحياة ابتداء من أبي بكر الصديق.

- من يملك القوة يملك الحكم. فالقوة العسكرية هي التي تحدد الحاكم، وترسم بقاءه واستمراريته، وبالتالي فالحاكم هو آمر2الصرف المالك للقوة المالية. وهو رأس الجيش المالك للقوة العسكرية.

- الحاكم غير محدود الصلحيات.3 - الحكم وراثي في الكثير من الدول.4

أما كيف تم توليف هذه الطروحات من الناحية العقائدية والناحية الشرعية مع العقيدة والشريعة السلمية فقد تم على النحوالتالي:

من الناحية العقائدية بدأ العهد الموي ترسيخ مفهوم أن ما حدث هو قضاء ال وقدره، وأن ال منذ الزل قد�ر على الناس أن يحكم بنو أمية، وسبق في علم ال منذ الزل أن يحدث ما حدث، وأن يدك الحجاج الكعبة بالمنجنيق، فقاد ذلك إلى ظهور جدل

النسان، بظهور رأي آخر هو القدرية، على يد متنورين من أمثال عمرو المقصوص وغيلن الدمشقي. ورأينا كيف بدأت الحركة بالكلم عن القضاء والقدر، ل من فراغ، وإنما من أرض الواقع المعاش، وكيف تم تتويج الحركة

بالمعتزلة أصحاب الفكر الحر. أي أن ظاهرة المعتزلة والقول بخلق القرآن لم تنشأ من فراغ، ولم تكن ترفا; فكريا;، إل أنالمعتزلة أخطأت خطأ; قاتل; في محاولة استعمال السلطة في فرض الفكر.

أما من الناحية التشريعية، فقد تم استعمال السلطة عند الفقهاء من أمثال الوزاعي والتابعين، حين أعطت الدولة القضاء للفقهاء، ولم تتدخل بهم ليحكموا بين الناس حسب الشريعة والجتهاد، فكان القضاء مستقل; نسبيا; للسبب التالي: بعد أن ترسخت

Page 54: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الدولة الموية على السس والطر التي قامت عليها، خرجت مشروعية الحاكم من دائرة الفقه نهائيا;، ولم تعد تدخل في المواضيع الفقهية. أي أن مدة الحكم، وكيفية انتخاب الحاكم وصلحياته، لم تكن أبدا; من اختصاص الفقه، واعتبرت من

المسلمات. لهذا، فنحن نرى الفقهاء الربعة في ظل الخلفاء يفقهون ويجتهدون دون التعرض لمشروعية الحاكم، وبما أن أمور مشروعية

الحكم تتعلق بالدستور ل بالقانون، أي أن الفقه يتدخل في تنظيم الحياة اليومية للناس من عبادات ومعاملت، فهي ناحية لم يتعرض لها الحكام حتى يومنا هذا، لنها ل تؤثر على سلطتهم. وبعد ضعف الدولة العربية السلمية وضعف الحكام، اعتبر

الفقهاء مشروعية الحاكم كائنا; من كان ليس اختصاصهم، وبقوا تبعا; له، ففي قوة الدولة كحان الفقهاء أقوياء، وفي ضعفها كانوا ضعفاء، وعند تشرذمها تشرذموا هم أيضا. حتى أن أحمد بن تيمية، وهو من فقهاء عصور ضعف الدولة قال (الطاعة

لذي الشوكة)، وهذا بمعنى معاصر، أن من استطاع أن يبسط نفوذه بالقوة والغلبة على بقعة من الرض فله الطاعة، أيالطاعة للعسكر والمال.

وقد تم حل مشكلة "ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق" بحصرها في العبادات والحكام الشرعية كالرث والطلق والزواج، أي قانون الحوال الشخصية. فإذا ما طلب الحاكم من الناس ترك الصلة أو الصوم أو الحج أو الرث فل طاعة له

فتم فصل أحد أركان الدينعليهم، وهذا ما حدث فعل;، حيث لم يطلب الحكام من أحد طاعتهم في معصية من هذا النوع البتة، .السلمي وهو الشورى عن بنية الدولة منذ ذلك الوقت

أما بالنسبة للمعارضة السلمية، فقد ظلت حية تعمل في الخفاء والسر، وظلت ملحقتها قائمة، وخاصة آل البيت، فبعد أن تم ترسيخ مبدأ )الئمة من قريش (كان المنافس القرشي الوحيد لبني أمية هم آل البيت وخاصة آل هاشم (الطالبيون والعباسيون) حيث تم تحييد كل بطون قريش على يد المويين ما عدا آل هاشم، فظلوا يلحقونهم على أنهم المنافسين لهم والمؤهلين للبيعة

عوضا; عنهم. وظل آل البيت يعملون في السر، بعد فشل أكثر من محاولة للقضاء على الحكم الموي من قبل الحسين بن علي (رض)، وقد اتبع آل البيت سياق الحداث، على حين اعتمد المويون على العنصر العربي وفضلوه، وأعطوه امتيازات في الحكم والجيش والمال، وكانت العناصر غير العربية تعتبر في الدرجة الثانية، حتى أنهم كانوا يدفعون الجزية ولو أسلموا. فاكتسب آل البيت كقاعدة للمعارضة الدعم الكبير من المسلمين غير العرب، وقادوا الثورة العباسية الكبرى ضد المويين، فكان القادة عربا; من

آل هاشم (العباسيون) والكتلة الساسية من غير العرب (أبو مسلم الخراساني). هنا ظهر التشيع كفلسفة متماسكة، وكفقه متكامل في الثني عشرية والسماعيلية، لعطاء الولء لل البيت المفهوم الزلي،

وأن الئمة هم المعصومون، وأن الدين يؤخذ منهم. فمنذ تولي المويين السلطة بدأ الشرخ بين السلطة في بني أمية، وبين المعارضة في آل البيت، واكتمل وتأطر باستلم العباسيين السلطة، واحتكارهم لها وانتهى بالكتلتين الرئيسيتين في المسلمين، السنة والشيعة، ولهذا نرى أن فقهاء السنة الربعة ومؤسس الفقه الشيعي جعفر الصادق ظهروا في بداية العصر العباسي. بدأ

هذا الشرخ بمعار سياسية بحتة وانتهى بتأطير عقائدي فقهي فلسفي، وكانت المعركة أيام المويين على نطاق السياسة فقط،وامتدت أيام العباسيين لتشمل بقية النواحي المعرفية.

إن هذه الفترة التاريخية، منذ عصر الرسول (ص) حتى العصر العباسي، هي التي تسيطر على تفكيرنا المعرفي والسياسي والفقهي. وإذا عرفنا أسباب نشوء الخلفات فيها، وعرفنا أنها كلها ضمن سياق تاريخي، ل ضمن قرار من ال أزلي، وأنها

تتبع جدلية النسان والمجتمع، نستطيع تجاوزها دون أن نبخس أحدا; حقه، ودون أن نلعن تاريخنا المسجل منه، ودون أن نجعله تاريخا; شاذا; عن حركة التاريخ النساني، بغض النظر عن السنة والشيعة والمعتزلة والشاعرة والخوارج، وتخلف

الفقهاء، وما حصل بعد ذلك من هزائم وجمود وتخلف، أي علينا تجاوز الزمة باتجاهين: - الول، تبني نظم معرفية جديدة، فقد تم تأطير السلم ضمن نظم معرفية في القرن الثاني الهجري، ونحن الن نمتلك1

نظما; معرفية أحدث من السابق، فما علينا إل أن نعيد قراءة الكتاب والقرآن والسنة، ضمن منظور القرن العشرين وضمن النظم المعرفية السائدة في القرن العشرين، انطلقا; من اعتقادنا بأن السلم صالح لكل زمان ومكان، وأن علينا تطوير فهمنا

له وللسنة، بشكل نستطيع معه تجاوز عقدنا السابقة ونقاط التحجر، وبذلك نتجاوز الخلفات المذهبية والفقهية والطائفية، ونتطلع إلى المام كمشاركين في صنع الحضارة النسانية اليوم وغدا;، وليس المس فقط. فالنظر إلى الوراء ل يثمر غير

القطيعة والعداء بين أبناء الدين الواحد في الوطن الواحد. - الثاني، تقديم نظرية وممارسة في الشورى وفي الحكم، تعتمد على معطيات القرن العشرين والبنى الجتماعية2

والقتصادية السائدة فيه، أي أيديولوجيا اسلمية معاصرة، أي القول والفعل في الدولة وبنائها، وما هي بنية الدولة العربيةالسلمية المعاصرة، وما هي أسسها وكيف يؤمكن تحقيقها.

لقد عرفنا الديموقراطية بأنها ممارسة الحرية من قبل مجموعة من الناس، ضمن مرجعية معرفية، عرفية، جمالية، أخلقية،

Page 55: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

دينية تشريعية. وتعتبر مرجعيات الديمقراطية من شروط تشكيل الوحدة الوطنية. فقد يتفق بأفراد الشعب، بمختلف أديانهم وقومياتهم، واتجاهاتهم السياسية، ومواقعهم الطبقية، على وجود الرأي والرأي الخر،

وحرية التعبير عنه، ونبذ التصفية الجسدية والقمع والكراه، لكن ذلك يبقى غير كاف لتأمين الوحدة الوطنية، وخلق روابطبين أفراد الشعب الواحد.

فالوحدة الوطنية ليست بندا; في دستور، أو مادة في قانون، إنما هي ميثاق وطني لكل فئات الشعب وأحزابه في الوطن الواحد،ينبع من مرجعيات ديموقراطية هي التالية:

: - المرجعية المعرفية1 قلنا إن التشريعات تحتاج إلى بينات، وفسرنا ذلك في موضعه، بأن بينات التشريعات هي البحث العلمي، والمعارف الطبيعية

الخرى، ونضيف هنا، أن البحث العلمي ومعلوماتنا عن الطبيعة تحتاج نفسها إلى تشريعات، تنظم الفادة منها إن كانت مفيدة، وتركها وتجنبها إن كانت ضارة. فتقدم المعارف حول المخدرات والتدخين والكحول وتلوث البيئة، أعطانا معلومات

مهمة عن أضرارها، استندنا إليها في إصدار تشريعات خاصة بها. لكن هذه التشريعات، إذا تأملناها بدقة، تحد من حرية النسان المطلقة، رغم أنها ذات منشأ معرفي ومرجعية معرفية. فعندما

يؤمن كل أفراد الشعب وأحزابه، بأن البحث العلمي وتقدم المعارف النسانية له منعكسات تشريعية، هي مرجعية أساسيةللمجتمع ككل، تنظم حريات الفراد، وتحددها لصالحهم، فإن هذه القناعة تلعب دورا; مهما; في ترسيخ دعائم الوحدة الوطنية.

: - المرجعية العرفية2 تلعب أعراف المجتمع، وتقاليده وعاداته، دورا; مهما; في صياغة القوانين، وفي إعطاء شكل الممارسة الديمقراطية

خصوصيتها القومية، التي قد تكون متفردة في الشكل، لكنها تحافظ بكل تأكيد على المحتوى الديموقراطي. لكن هذه العرافتخضع للتطور، فهي تتبع المستوى النتاجي والموقع الجغرافي والرث التاريخي، ومن حق كل انسان انتقادها.

فنحن نرى مثل; أن العراف (العادات والتقاليد) الجتماعية في دمشق منذ خمسين عاما;، تختلف عما هي عليه الن. وتختلف المور التي تعارف عليها الناس وألفوها (المعروف)، والمور التي استنكرها الناس ولم يألفوها (المنكر) من مكان إلى آخر،

لكننا نجدها في بعض البلدان متأصلة حتى في المجالت السياسية. ففي بريطانيا مثل;، وحدة وطنية، وليس فيها دستور، لكن أعراف وتقاليد الحكم والسياسة التي تطورت خلل مئات السنين

فيها، هي السائدة، ولها السيطرة، وفيها تتمثل الوحدة الوطنية بين أفراد الشعب البريطاني، وتقر بها جميع الحزاب السياسيةوتعتبرها تشريعا; هاما; جدا.

من هذه الزاوية بالذات، اعتبر ال سبحانه المة السلمية خير أمة أخرجت للناس، لن من صفاتها الساسية الدائمة أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بال. ومن هذه الزاوية بالذات، فهم الصحابة المعروف كما فهمه عمر وعلي (رض)،

حين جمع عمر الناس بعد توليه وقال: كنت تاجرا;، وقد شغلتموني بأمركم هذا، فما ترون أن يحل لي من هذا المال؟ فقالعلي: ما يصلحك ويصلح عيالك بالمعروف، ليس لك من هذا المال غيره. فقال عمر: القول ما قال علي.

: - المرجعية الجمالية3 وهي التي تعبر عن القيم الجمالية في المجتمع. أو هي ما يدخل عندنا اليوم تحت مصطلح "يليق ول يليق". فالنسان الذي يقبل

أن تتحدد حريته في اختيار لباس معين، ل يقبل ذلك من باب الشرع في ستر العورة، بل من باب اللياقة والناقة. والمرجعية عاما;، مثل;، أن60الجمالية تختلف باختلف الزمان والمكان، وتتطور، وتقبل النقد من قبل الخرين. فقد ل يليق بانسان عمره

يلبس بنطال; قصيرا; أحمر، تحت قميص بنفسجي، في مجتمع ما، بينما نراه لئقا; مقبول; في مجتمعات أخرى. والمرجعية الجمالية تختلف عن المرجعية العرفية، في أنها أضيق منها، فالعراف أوسع من مفاهيم الجمال، إذ قد تحد

العراف من حرية النسان في أمور ل علقة لها مطلقا; باللياقة والناقة، مثال على ذلك الرملة التي قضى شرع ال أل تتزوج أو تتحدث بزواج طوال مدة عدتها، أما نوع لباسها وكلمها على الهاتف مثل;، وحديثها مع الطارق على بابها، فهذه

كلها أعراف متخلفة، قد يرغم المجتمع المرأة على التقيد بها، ليس لها أية علقة بالمور الجمالية وقس على ذلك أمورا; كثيرة.لكن العراف مع المرجعية الجمالية تمثلن جزءا; أساسيا; من التراث الثقافي عند الشعوب.

: - المرجعية الخلقية4 وهي أهم مرجعية على الطلق، فيها أساس قيام الشعوب وترابطها، تعطي المثل العليا، وتحدد الفضائل والرذائل، وذهابها

يؤدي إلى دمار الشعوب والمم، تماما; كما يقول الشاعر:إنما المم الخلق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلقهم ذهبوا

لقد قرن التنزيل الحكيم بين ثلثة أمور، العبادات والتشريعات في المعاملت والخلق. فقس�م الخلق إلى قسمين، الول

Page 56: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الفرقان، وهو الحد الدنى الملزم من القوانين الخلقية التي افترض التنزيل وجودها في النسان وفصلتها اليات الثلث من سورة النعام، والثاني فضائل إضافية أخرى انبثت في سور التنزيل وآياته. كفضيلة الوسطية بين153، 152، 151

البخل والتبذير التي وردت في قوله تعالى (ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوما; محسورا) . وكفضيلة إفساح المجالس في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح ال29السراء

. وكفضيلة اجتناب الغيبة والتجسس في قوله تعالى (.. ول تجسسوا ول يغتب بعضهم بعضا;، أيحب أحدكم11لكم ..) المجادلة . 12أن يأكل لحم أخيه ميتا; فكرهتموه ..) الحجرات

فالغيبة والنميمة والتجسس ودخول البيوت دون استئذان والبخل والتبذير كلها رذائل، واجتنابها مطلوب، لكن ل يمكن في الوقت نفسه أن توضع لها تشريعات وقوانين ودساتير، كأن نقول مثل;، عقاب البخل كذا بموجب المادة كذا، وإنما هي قيم

أخلقية وقيم تربوية، يتمسك بها المجتمع بغض النظر عن دينه وقوميته ومذهبه واتجاهه السياسي، ويقف بنا التنزيل الحكيمبما يحويه من قيم أخلقية وتعاليم تربوية أمام أمرين:

أولهما، أن القيم الخلقية والفضائل، هي نفسها الحكمة التي وردت في قوله تعالى (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة -ودل قوله على أن الحكمة لوحدها ل تحتاج إلى وحي، ولهذا فقد فصلها في الرسالت269فقد أوتي خيرا; كثيرا; ..) البقرة

. ولهذا فنحن ل نرى في48السماوية الموحاة في قوله عن عيسى (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والنجيل)-آل عمران الفرقان والقيم الخلقية والفضائل يأية عبادات وأية أحكام في المعاملت وأية عقوبات، ذلك لنها تخص أهل الرض قاطبة،

ولنها قانون إنساني عام للمؤمن والملحد والمسيحي والمسلم والعربي وغير العربي. ثانيهما، أن تسلسل الوصايا في سورة النعام، تسلسل تاريخي، وليس بحسب الهمية، فقوله تعالى (وبالوالدين إحسانا;) له نفس

القيمة الخلقية لقوله (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)، إل أن الول سبق الثاني تاريخيا;. ، لكن ما يعنينا هو التأكيد على خصائص هذه القوانين وإبراز أهميتها)5(إن العودة إلى شرح القوانين الخلقية ل يعنينا هنا

في المستوى الحضاري للشعوب ككل، كمجموعة من القيم والمثل العليا التي يتمسك بها المجتمع. - هي مثل عليا ل يمكن فرضها بالقوانين على الناس، ول يتم اللتزام بها إل من خلل التربية، لنها تمثل الوازع الذاتي1

للنسان (الضمير). - بما أنها قيم انسانية ذاتية، فهي ضعيفة بذاتها، ويمكن خرقها بسهولة، والتزام النسان بها غير ممكن إل إذا تحولت إلى2

قيمة اجتماعية راسخة، يتعرض تاركها ومخالفها لنبذ المجتمع واحتقاره، فهي ليست كالجاذبية مثل; التي يحتاج النسان للفلت من سلطاتها إلى قدرة وطاقة. لكنها تعطي في الوقت نفسه الملتزم بها الطمئنان والسعادة والوعد، كما في قوله تعالى

(إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة أل تخافوا ول تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون) فصلت . إضافة إلى أن القوانين الموضوعية للوجود ل تؤديها ول ترفضها، ومن هنا نقول إن على النسان أن يؤمن بقوانين30

الحقيقة (الحق) ويطبقها بشكل يدعم ويوقي القيم الخلقية. - ل تحتاج إلى بينات في الدعوة إليها، فهي تقبل لذاتها وبذاتها، والقول بأن الصدق فضيلة والكذب رذيلة، ل يحتاج إلى بينة3

نقدمها للناس ليقتنعوا بها سواء بينات بنصوص دينية أم بقوانين علمية. - ل تخضع للرأي والرأي الخر، إذ هي موضع اتفاق الجميع، من مختلف الديانات والمذاهب الجتماعية والسياسية،4

فالصدق فضيلة عند المؤمن والملحد، والغش في المواصفات رذيلة عند الرأسمالي والشتراكي، والوفاء بالعهود مطلوب ومرغوب عند المحافظ والليبرالي والرجعي والتقدمي، وقانون أساسي لحياة أي مجتمع، وهي تلعب دورا; كبيرا; هاما; في

الحفاظ على الوحدة الوطنية لدى الشعوب، وتعتبر جزءا; ل يتجزأ من الممارسة الديموقراطية في المجتمعات، وبدونها تتحولالديموقراطية إلى فوضى وديماغوجية.

- من أهم صفات المرجعية الخلقية أنها ثابتة نهائية ل تخضع للتطور، ومن هنا فهي تختلف عن العراف والمعارف،5 . يعني أن كلمة الحق يجب أن152فالقانون الخلقي الذي يكرسه قوله تعالى (.. وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى..) النعام

يقولها النسان في كل زمان ومكان، ولو أد�ى ذلك إلى ضرر أقربائه (أب، أم، أخ، عم، خال ..). وهذه قيمة أخلقية ل يمكن فرضها بقانون، وهي الوحيدة القادرة على جعل النسان يتجاوز طوعا; العصبيات السرية والعشائرية، في سبيل قيمة أخلقية

أعلى هي قول الحق. وقل مثل ذلك في القيم الخلقية الخرى. فهل وصل العرب والمسلمون في نهاية القرن العشرين، إلى مستوى العمل بهذه القيم الخلقية (الوصايا) وتطبيقها؟ وهل يفهمون، كما أسلفنا، أن العمل بها واجب مفروض كاليمان بال سواء بسواء؟ والجواب كل .. فما زالت العلقات السرية

والعشائرية والعرقية والطائفية هي السائدة، بينما يفترض العمل بهذه الوصايا والقيم إنسانا; قطع شوطا; أبعد في مجال الحضارةوالرقي، وأصبح مفهوم المجتمع عنده أسمى من كل المفاهيم الخرى الولية.

قلنا إن الحكمة تشمل الوصايا (الفرقان) إضافة إلى العديد من الفضائل والقيم الخرى، لكن علينا أن نفر�ق بين القيمة الخلقية

Page 57: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

للوصايا، وبين القيمة الخلقية للفضائل الخرى، فالوصايا هي الكبائر التي يقوم المجتمع على اللتزام بها ويتدمر بتركها، وتاركها فاسق. أما الفضائل الخرى كالتواضع واللين في القول والتفسح في المجالس فلم تقترن بوعد ووعيد وتحريم في

التنزيل الحكيم، كما اقترنت الوصايا، وتاركها غير مؤدب اجتماعيا;، وهي (المم) التي أشار إليها تعالى في قوله (الذين. 32يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم ..) النجم

من هنا، يخطئ من يقول إن الحضارة الوروبية بل أخلق، لننا نجد الكثير من الفضائل في المجتمعات الوروبية، يمارسه الفراد هناك في حياتهم اليومية. حتى أن بعض الفضائل في سلم أوليات قبل البعض الخر، ووضعوا هم لنفسهم سلم أوليات

بترتيب مغاير للترتيب الذي وضعناه نحن لنفسنا، وهذا كل ما في المر !! والواقع أننا جمعنا الفضائل كلها، تقريبا;، وحصرناها في فضيلة واحدة بعينها هي العفة. وحصرنا ذلك كله بالمرأة دون

. ونحن نرى أن العفة، وإن كانت تحفظ السرة والنساب، وإن كانت هامة إلى حد أن ال سبحانه اصطفى بفضلها)6(الرجل مريم على نساء العالمين لنها أحصنت فرجها، إل أنها ليست كل الفضائل، وليست أهمها إطلقا. فشيوع القتل يدمر المجتمع كشيوع الفاحشة تماما;، وهذا يدمرها كشيوع الغش والخلل بالمواصفات، وهذا يدمرها كشيوع النكث بالعهد سواء بسواء،

فليس ثمة، في الوصايا، أفضلية لواحدة على الخرى، وتسلسلها إنما هو تاريخي بحت. المشكلة عندنا أننا رفعنا وصية (ول تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) على رأس الفضائل كلها بعد أن حضرناها

بالمرأة، يليها عدم قتل النفس، يليها بر الوالدين بالمفهوم الذي يخدم التعصب العشائري والسري، وليس بالمفهوم النساني العام، واعتبرنا باقي الوصايا تليها في الدرجة، فوقفنا منها موقف اللمبالة، ول أقول أنكرناها، ولكن عندما نذكرها فمن باب

ذكر فضائل السلم ل أكثر. فإذا زنت امرأة في مجتمعنا مثل; (وهذه من الكبائر) وزنى رجل مثل;، أو خالف المواصفات في الصنع (وهاتان من الكبائر أيضا)، رأينا الدنيا تقوم في الحالة الولى ول تقعد، ورأينا الدماء تسفك، ورأينا العار يلحق بالذكور من عائلتها ليجل كامل على القل، بينما ل يحصل شيء من ذلك عند عائلة الرجل في الحالة الثانية، وكأن السلم لم يسو في مسألة الفواحش بين الذكر والنثى، وكأن الفاحشة عمل أحادي الجانب هو النثى، وكأن واو الجماعة في قوله (ول تقربوا) تعني النساء فقط،

وننتقل إلى الحالة الثانية، حالة الغش في المواصفات، لنراها ل تؤدي إلى أكثر من مخالفة تموينية في مجتمعنا (لحظ كلمة مخالفة)، أما إذا وقعت في مجتمع أوروبي نتهمه بأنه غير أخلقي، تقوم الدنيا وتقعد، إلى حد يصعب كثيرا; على مرتكبها أن

يتخلص من نتائجها. مثال آخر نأتي به من اليابان، فشرف المهنة وإتقان العمل هناك شرط أساسي من شروط النتساب للجماعة، وعلى رأس سلم

أولويات الفضائل في المجتمع. ورغم أن اتقان العمل عندنا خصلة هامة وصف ال تعالى بها نفسه في قوله (صنع ال الذي . إل أننا وضعناها في الهمية بعد فضيلة العفة عند المرأة، حتى أن النجار88أتقن كل شيءt، إنه خبير� بما تفعلون) النمل

والحداد والخياط والميكانيكي، ل يشعرون بكثير من الحرج والخجل حين يقع في عملهم وانتاجهم عيوب. نقول هذا كله لتوضيح أن الفساد الخلقي ل ينحصر فقط في الفاحشة عند المرأة، فالرشوة والغش واللمبالة بالمسؤولية وعدم اتقان العمل

كلها فساد أخلقي سواء بسواء. ثمة أيضا; من اعتبر القوانين الخلقية متغيرة كالعراف والمعارف، فالحزاب اليسارية ترى في الخلق بنية فوقية لبنية

تحتية هي العلقات النتاجية، وبالتالي يمكن تجاوزها. علما; أن الخلق، كفرقان ووصايا، تطورت طبقا; للتنزيل الحكيم تطورا; تراكميا;، ابتداء من نوح (رب اغفر لي ولوالدي) وانتهاء بالنبي (ص)، بالفرقان والحكمة والفضائل الضافية الخرى،

بمعنى أن فضيلة الصدق ورذيلة الكذب في مجتمع موسى الرعوي، هي نفسها فضيلة الصدق ورذيلة الكذب في القرنالعشرين، وان الوفاء بالكيل والميزان عند شعيب، هو نفسه في القرن العشرين تحت اسم اللتزام بالمواصفات.

لقد جرى نسف القانون الخلقي، بدعوى أنه رجعي، تحت شعار الثورية والتقدمية، رغم أن القانون الخلقي يصلح لكل البنى الجتماعية والقتصادية على مر التاريخ، إن لم نقل وليدها، ولقد قام اليسار الشيوعي ببناء دولة استبدادية لم تكن أول

دولة مستبدة في التاريخ ولن تكون، أضافت إلى رذائل الستبداد رذيلة انفردت بها، هي رذيلة الدولة المستبدة الشمولية،فسيطرت على النتاج بدءا; من صنع الحذية وانتهاء بالصواريخ وما بينهما.

وأدى اعتبار الخلق قيمة بورجوازية عند اليسار الماركسي، وقيمة تراثية رجعية عند اليسار غير الماركسي إلى أن حل�ت هذه الحركات نفسها من القوانين الخلقية، واعتبرت عدم التقيد بها من سمات التقدمية فانتشر نتيجة ذلك الفساد، من رشوة

وتلعب بالمواصفات وتدني إنتاج وسرقات ومحسوبية ونفاق، وشاع الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي، وأصبح النتماء الحزبي أعلى من النتماء الوطني، فقاد ذلك إلى شعور المواطن العادي بعدم المساواة، وبأن هناك فئة تنال امتيازات مالية

وسياسية لمجرد النتماء العشائري أو الطائفي. وبانتشار الفساد الداري في المجتمع، مما أفقد هذه الحركات مصداقيتها. فكانأن انهار الحزب الشيوعي هذا النهيار المشين، ولم يجد بين أعضائه بعد سبعين عاما; من يدافع عنه.

Page 58: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

لقد حاولت الحركات اليسارية في بدء انهيارها، إحكام قبضتها لتتمسك بالحكم، أو على الصح بالبقاء، لكن ذلك أدى إلى المزيد من الستبداد والفساد، فأصبح العلم أيديولوجيا بحد ذاته، وإذا أصبح العلم أيديولوجية بذاته صار غطاء; للستبداد، و غدا الفكر مفروضا; على الناس بالقوة، وتم طرح شعارات رنانة ل تتناسب مع قدرات البلد، وشمل الستبداد الدستور نفسه،

حين أعطى للحزب وحده حق قيادة المجتمع، على أساس أنه ضمير الشعب وعقله (كذا). إل أن ذلك كله عجل بالنهايةالمروعة التي وهم كثيرون من الناظرين من بعيد، أنها بنت الساعة.

المشكلة الولى عندنا إذن، هي أننا صن�فنا المحرمات في الوصايا على درجات بحسب الهمية، ووضعنا على رأسها الفواحش بعد أن حصرناها بالمرأة. أما المشكلة الثانية، فهي أننا خلطنا بين (اللمم من الفواحش) وبين الفواحش نفسها. أي أننا أعطينا

الفضائل الخرى أهمية وقيمة أخلقية ل تقل عن أهمية وقيمة الوصايا والحدود. حتى بلغت الكبائر عند الحافظ الذهبي سبعين، وعند ابن كثير في تفسيره إلى السبعمائة أقرب. فأصبحنا نرى أن: قتل النفس= اللعب بالنرد، وأن: عقوق الوالدين =

اللعب بالشطرنج، وأن: شهادة الزور = لبس الشعر المستعار، وهذا كلم له خبئ معناه ليس لنا عقول. إن مخالفة الحدود والوصايا يعتبر من الكبائر، ولكن التوسع في الكبائر تحت شعار زيادة التقوى فيه إجحاف وضرر بالسلم

والمسلمين. والفراط في المحرمات والكثار منها ل يدخل في باب زيادة التقوى، وإنما يدخل في باب تضييق الخناق على المسلمين والسلم، ويدخل في باب المزاودة على ال. وعلينا أن نضع نصب أعيننا القاعدة التي تقول: كلما نقص عدد

المحرمات زادت شدة تمسك الناس باجتنابها، وزاد عددهم، وكلما زاد عدد المحرمات نقصت شدة تمسك الناس باجتنابهاونقص عددهم.

فشعار الخوف من ال، مثل;، إحدى الفضائل التي ترسخت في الثقافة السلمية، فميزتها عن الثقافات الخرى، لكن هذا الشعار لن يأتي ثماره بشكل فع�ال وإيجابي، إل إذا قصرناه على حدود ال وعلى المحرمات في التنزيل، أما إذا أسقطناه على كل شيء ل نرغب فيه، قل أثره وفقد فعاليته. ونحن إذ نرى في الخوف من ال وخشيته فضيلة من أكبر الفضائل التي يجب

ترسيخها في المجتمع والتأكيد عليها، لنها تشيع الطمأنينة بين الناس جميعا; في علقاتهم بعضهم ببعض، ل بد أن ننوه إلى أن القانون الخلقي قانون تروبي ل سلطوي. فلقد برهنت الحداث في التحاد السوفياتي سابقا;، على أن انخفاض معدل الجريمة

عندهم كان بسبب سلطوي، وما أن ضعفت هذه السلطة وزالت، حتى انتشرت الجريمة بشكل كاسح مرعب. فالسلطةوالستبداد ل يصنعان أخلقا;، حتى ول تحت غطاء السلم.

)2()3( ) لعل الدكتور محمد عابد الجابري من أبرز من أوفى هذا الموضوع حقه في كتابه "العقل العربي1()4(

السياسي"، وإذا فاتنا هنا أن نقتبس فقراته حرفيا;، فلم يفتنا جوهرها وروحها. ) الملكانيون: هم الذين يقولون أن الكلمة اتحدت بجسد المسيح وتدرعت بناسوته، وأن المسيح ناسوت2(

).22كلي ل جزئي، وهو قديم أزلي من قديم أزلي (الملل والنحل: للشهرستاني ص ، في خير239، ص4) نضرب لذلك مثال; واحدا; خوف الطالة، من تاريخ الرسل والملوك للطبري، ج3(

الشورى بعد مقتل عمر بن الخطاب: "أبو جعفر عن سلم بن ج¢نادة أبو السائب قال، حدثنا سلميان بن عبد العزيز بن أبي ثابت بن عبد العزيز عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال، حدثنا أبي عن عبد ال بن

جعفر عن أبيه عن الم¥س�و�ر بن مخرمة قال: وخرج عبد الرحمن بن عوف وعليه عمامته التي –عممه بها الرسول (ص) متقلدا; سيفه حتى ركب المنبر، فوقف وقوفا; طويل;، ثم دعا بما لم يسمع الناس، وأخذ بيد

علي فقال: هل أنت مبايعي على كتاب ال وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال اللهم ل، ولكن على جهديمنه وطاقتي". فانظر هذا الحساس والفهم والوعي لمتغيرات التاريخ!!

) لم تكن حروب الردة كما بدأت، حروب امتناع عن إخراج الزكاة كزكاة، بل كانت خلفا; حول مركزية4(صرف الزكاة في وجوهها، ثم تحولت إلى تهديد بشق الدولة الفتية إلى دولتين أو أكثر.

.531-491) لمزيد من الشرح والتفصيل انظر "الكتاب والقرآن-قراءة معاصرة"، ص5( ) وهذه سمة المجتمع الذكوري الذي يضع الرذائل على النثى لنها العنصر الضعف. فالهزيمة في6(

الحزب سببها (النساء كاسيات عاريات) أما النصر فبهمة الرجال وشجاعتهم. والنثى مصدر الفتنة، أماالرجل فمجرد مسكين مفتون.

Page 59: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الفصل السابع: الدولة

كانت البنية العامة لبداية تشكل المجتمعات النسانية الولى، الذي هو بداية الدولة والسلطة، تتألف مما يلي: - الرض/ المجال الحيوي الذي تطور فيما بعد إلى مفهوم الوطن، بنباتاتها القابلة للكل، وحيواناتها القابلة للصيد، ومياهها القابلة للشرب، ومناطق الحماية الطبيعية فيها كالكهوف. فالمجال الحيوي هو القاعدة المادية لنشوء الدول، والوجه الساسي

لسلوكياتها السياسية.- الدوات البدائية (الحجارة ثم النار).

- المفاهيم الخلقية الولية (صدق، كذب، بر الوالدين، الندم، الضمير الجتماعي في مراحله الولى عند بني آدم). - التمايز الطبقي (الشرائح) المبني على القوة للسلطة المباشرة الولى، والمعرفة للسلطة غير المباشرة الثانية، سلطة رجال

الدين، والراذل عامة الناس.

تعريف الدولة هي أداة للتعبير عن واقع يعيشه شعب ما (يحتوي على قوميات وأمم، أو قومية واحدة وأمة واحدة، أو قومية واحدة وأمم متعددة، أو قوميات متعددة وأمة واحدة) من خلل مؤسسات. وتعتبر الدولة قمة الوعي المعرفي والخلقي والجتماعي والسياسي السائد في المجتمع، لذا فهي بنية فوقية لبنية تحتية، تمثل العلقات الجتماعية والقتصادية السائدة والمستوى

المعرفي، فإذا كانت هذه العلقات متخلفة، فالدولة متخلفة، وإن كانت متقدمة فالدولة متقدمة، وهكذا. ويرتبط تشكيل ا لدولة بنوع هذه العلقة السائدة وبمستواها، فكلما تقدمت هذه الواقعيات تقدمت الدولة. كما أن هذه العلقة

تعمل أحيانا; بشكل معاكس مؤقت. فترفع الدولة درجة الواقعيات السائدة إلى حين (وهذا ما يسمى بالوضع الثوري). لذا فهناك علقة تأثير وتأثر متبادل بين المؤسسات والمجتمع، فكلما كان تأثير البنية التحتية للمجتمع على البنية الفوقية (المؤسسات)

كبيرا;، كانت الدولة أكثر ديموقراطية، وكلما كانت أثير البنية الفوقية (المؤسسات) على البنية التحتية (المجتمع) كبيرا;، اتجهت الدولة باتجاه القمع والديكتاتورية. فالدولة الديمقراطية هي حالة الوسط في التأثير والتأثر المتبادل بين البنى المختلفة، والدولة

مؤسسات ضبط ل مؤسسات قمع. بما أن الدولة هي قمة العلقات الواعية الجتماعية-القتصادية-السياسية، وبما أن السياسة هي قمة هذه العلقات، وتتضمن كل العلقات الخرى، فلنفصل هذه العلقات التحتية، وكيف تنعكس على مؤسسات الدولة، من أن الشعب علقة جدلية بن النا والكل، بين المنفصل الفردي والمتصل الجماعي، والعلقات التي بين�اها سابقا; تكمن في المستوى المعرفي العام والقيم الخلقية لفراد هذه الجماعة، والمستوى المعرفي الخاص لكل فرد على حده، ولهذا فهي علقات واعية وليست علقات

بهيمية.لهذا كله، فإن الدولة تتضمن الذاتي والموضوعي معا;، في علقة تأثير وتأثر متبادل، وهذه العلقات هي:

- العلقة الجتماعية: وتتمثل في تطور القيم والمعايير الخلقية للجماعة ولكل فرد على حده. وهذا ما عبرنا عنه بالتقوى1 الفردية (العبادات) التي تختلف من أمة لخرى، وهو ممارسة فردية ل علقة للجماعة بها. وما عبرنا عنه بالتقوى

الجتماعية، التي تعتبر الوصايا أساس السس فيها وظاهرة عامة مشتركة لكل المم ولكل الشعوب، فهي ظاهرة كونية تمثل الجانب الذاتي في الحياة الجتماعية. وقد بينت أن المعايير الخلقية تطورت من بر الوالدين حتى قمة التجريد والتحضر

الجتماعي (حنث اليمين، الوفاء بعهد ال)، وبدون هذه القيم الخلقية (الروحية) تسقط كل المجتمعات النسانية، بغض النظرعن مدى تطورها التكنولوجي وإمكانياتها العلمية والمادية.

Page 60: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

وبما أنها تمثل الجانب الذاتي هي والتشريعات (القوانين)، فهي ضعيفة في ذاتها، وبحاجة إلى دعم موضوعي. أي أن أخلق الدنيا كلها ل تستطيع مواجهة غواصة أو طائرة، لذا فهي بحاجة إلى دعم موضوعي (حق) يسير معها ويدعمها. ومن هنا

ظهر مفهوم السلطة التنفيذية لحماية القوانين والخلق، ومفهوم السلطة التربوية لجعل التقيد بالقوانين والخلق تقيدا; ذاتيا; عنقناعة ل عن خوف وقهر. وينعكس تمثل الناس لهذه القيم على الدولة في ثلثة مستويات:

أ - المستوى الول – مستوى العلقة السرية والعشائرية والقبلية: إذا سادت هذه العلقة، القديمة تاريخيا;، ولم يتم التغلب عليها والرتقاء إلى مستوى الشعب، انعكس هذا على بنية الدولة،

لتصبح الدولة قائمة معها على العلقات السرية والعشائرية في مضمونها، حتى ولو أخذت الشكال الحديثة في بنيتها، إذ تبقى هذه البنية معطلة تتغلب عليها العلقة القوى، علقة السرة. في هذا الحال، يصبح القانون مجرد تعابير واصطلحات

ل معنى لها، وغطاء; لبنية حقيقية متخلفة هي السرة والعشرية، وهذا واضح في البنى المختلفة في الوطن العربي، والمضامين السرية والعشائرية والقبلية المتضمنة في هذه البنى بدرجات متفاوتة، ابتداء من الوضوح الكامل العلني، حتى

العلقات السرية والعشائرية والقبلية المتخفية خلف صيغ دستورية وقانونية كرتونية هشة وهزيلة. ولكن هذا التجاه ل يمكن أن يظهر في الدولة إل إذا كانت العلقة الجتماعية التحتية السرية والعشائرية هي المسيطرة بين أفراد المجتمع، كما هي

الحالة في الوطن العربي السائدة بدرجات متفاوتة.ب - المستوى الثاني – مستوى العلقة القتصادية:

تحدد هذا المستوى الساسي قوى النتاج والنمط القتصادي السائد في المجتمع، هل هو نمط انتاجي أم نمط ريعي؟ فالنمط النتاجي يؤدي إلى تراكم الثروات في المجتمع نتيجة لعمل منتج وإدارة علمية، ونتيجة توزع قوى النتاج توزيعا; متكافئا; بين

مختلف أنماطه الزراعية والصناعية والتجارية والخدمات، ونتيجة كون الدولة هي أداة ضبط وتوازن بين هذه القوى، ل تسمح بالخلل القتصادي بين النماط المختلفة. وبما أن لثروة النسان (رزقه) مصدرين، هما الخيرات الطبيعية والعمل الواعي في استثمار هذه الخيرات، فإن ضبط هذه الثروات، والعمل الواعي وتوزيعه، وتأهيل النسان، هي من المهمات

الساسية للدولة. أما الدولة الريعية، فهي دولة دخلها لها، تنفق كل ما تجنيه من الناس على نفسها وعلى مؤسساتها وعلى موظفيها. وأول وجوه

هذا النفاق هو حماية نفسها من شعبها أول. وهذه الدولة ل يمكن أن تقوم إل إذا كان نمط النتاج متخلفا;، فالغنى فيها ليس غنى النتاج، وإنما غنى يتبع المنصب والمركز والموقع السري والعشائري. ونرى في هذه الدولة مفهوم الحظ، الذي يختلف تماما; عن مفهوم الحظ في المجتمع النتاجي، ونسمع فيها أقوال; مأثورة من مثل "هذه رزقة فلن" و"ال رزقه وأنعم عليه" ..

وغيرها، بينما ل يقال هذا الكلم في شركة إنتاج سيارات تنتج المليين سنويا;، لن لرباحها الطائلة ما يقابلها من انتاج، أما الغنى والرباح الطائلة في المجتمع الريعي، فليس لها انتاج يقابلها، ولكن لها ما يقابلها من موقع في السلطة، التي هي أساسا أسرية أو عشارية، وبالتالي من موقع في السرة أو العشيرة التي يمثل أفرادها الطبقة الحاكمة، وغناها يأتي من أنها حاكمة

فقط!!ج - المستوى الثالث – مستوى الوعي المعرفي:

وهو الذي ينعكس على كل المستويات الخرى. فالذي ل يعرف شيئا; ل يطلب شيئا; ول يفعل شيئا;. ومن هنا كان هذا المستوى هو الكامن وراء تقدم المجتمعات التكنولوجي والعلمي والجتماعي، الذي يقوم على علم الحصاء بشكل رئيسي. فكلما كان المستوى المعرفية متقدما;، كان المجتمع متقدما. علما; بأن هذا المستوى هو الجانب الموضوعي للدولة، جانب التصور القائم على التصديق. وهذا الجانب له علقة مباشرة ببنية الدولة وبطريقة ممارستها وتعاملها مع المشاكل الجتماعية والقتصادية

والسياسية، أي أن الدولة تقوم على جانبين أساسيين هما المعرفة والتشريع.

وبما أن التشريعات ضعيفة في ذاتها، وتستمد وجودها من إدراكنا لها، فهي بحاجة إلى سلطة تدعمها. وهكذا ظهرت السلطة

Page 61: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

التنفيذية، فأصبحت الدولة تتألف من ثلثة جوانب أساسية:- البحث العلمي والجامعات.1- السلطة التشريعية.2- السلطة التنفيذية.3

وتأتي السلطة القضائية كصلة وصل بين التشريع والتنفيذ. لقد احتوى التنزيل الذي أوحى إلى محمد (ص) هذين الجانبين، الجانب المعرفي (المادي والتاريخي) في النبوة، والجانب

التشريعي في الرسالة، وذلك لن الوامر والنواهي ل تحتوي على بيناتها بذاتها، فهي تحتمل الطاعة والمعصية، ول تحتمل الصدق والكذب. فإذا أمر زيد عمروا; بقوله "اجلس" ل يستطيع عمرو أن يجيبه "صدقت" أو "كذبت"، ولكنه يستطيع أن

يطيع أو يرفض. فقولنا "اجلس" ل يحتوي على بينته فيه، أي حيثيته في ذاته. فإذا سنت الدولة تشريعا; يمنع التدخين، فهو يحتاج إلى تصديق حتى يطاع، أي يحتاج إلى بينات، وهذا التصديق يتمثل بنشرة

طبية كاملة قام بها معهد أبحاث علمية مختص بأمراض الرئة، ومضار التدخين على الجهاز التنفسي، تقدم كبينة تدعو لتصديق التشريع وطاعته بالمتناع عن التدخين، إل أنها تظل تحتمل الصدق والكذب. هنا نتبين السر الكبير في التفريق بين

القرآن والكتاب، وبين النبوة والرسالة. فالرسالة (ام الكتاب) مجموعة أوامر ونواهt (الحدود) تحتمل الطاعة والمعصية، لكنها ل تحمل بينتها في ذاتها، لذا فهي قابلة

للتحوير والتزوير، فجاء القرآن بالوعد والوعيد، والجنة والنار، والبعث والحساب، والخلق والنشوء والتطور، والقوانين العامة الناظمة للكون والتاريخ. لقد جاءت الحقيقة الموضوعية كاملة إلى محمد (ص) في نبوته، لتصديق أم الكتاب، ووضعت

آيات أم الكتاب بين آيات القرآن لحفظها من التزوير والزيادة والنقصان، فالقرآن الذي فرق بين الحق والباطل، والصدقوالكذب، جاء وكله صدق، ليصدق أم الكتاب أول;، ويحفظها من التزوير والتحريف ثانيا.

والدولة الحضارية، تقوم بنيتها على التنزيل الحكيم، بشقيه النبوة والرسالة، الرسالة بالوامر والنواهي التي تحتمل الطاعة والمعصية، والنبوة بالبينات التي يجب أن تقوم لتصديق القوانين. من هنا نقول أن الدولة العربية السلمية المنشودة دولة تقوم في بنيتها على البينات التي يجب أن تقدم قبل اقتراح أي تشريع. وهي بينات مادية علمية. ول يقيد هذه الدولة في تشريعاتها إل

حدود ال، أي أن تحنف ضمن الحدود طبقا; للمستوى المعرفي السائد (الزمان) وطبقا; لموقع الحالة (المكان). ولكن المجتمعات العربية ما زالت بعيدة عن هذا، لن العلقات الجتماعية (أسرية-عشائرية-قبلية-ريعية) هي السائدة، وهي التي تدفع المستوى المعرفي دائما; إلى الوراء، وتقمعه قمعا; مرعبا. ومن هنا أرى أن معاهد البحاث العلمية في البلد العربية السلمية، معاهد أبحاث شكلية صورية، ل يستفيد منها المجتمع الفائدة المرجوة، لن هناك مستويات أقوى منها تقمعها دائما. فنحن ل نحتاج، لكي نصدر أي تشريع في أي بلد عربي، إلى بينة علمية بتاتا;، حتى أنا ل نشعر بوجوب تقديمها، وهذا من قمة مظاهر التخلف في المجتمعات، الذي يرافقه بالضرورة تخلف أخلقي، حين تصبح العلقات الجتماعية القائمة في المجتمع،

وبالتالي في الدولة، عبارة عن علقات تقمع القيم الخلقية النسانية لحساب العلقة القائمة. هنا نصل إلى أن نبين تأثير جدل النسان، في المعرفة، ثم في التشريع، على بنية الدولة. عبارة عن مؤسسات ذات بنيتين

مختلفين تماما;، هي مؤسسات البينات، ومؤسسات التشريعات. أما السلطات المعروفة للدولة (القضائية-التشريعية-التنفيذية)فما هي إل مؤسسات لخدمة وتنفيذ هاتين البنيتين.

إن شق�ي البينات والتشريع اللذين قامت عليهما الدولة خلل السياق التاريخي لنشأة المجتمعات والدول، هما التبرير الرئيسي للسؤال الهام: لماذا كانت نشأة الدول كلها دينية بدون استثناء، حتى يومنا هذا؟ ولماذا كان الدين هو العنصر الكامن وراء رقي النسان على سلم الحضارة، وبدون الديان ل يوجد، ولم نكن لنصل إلى الدول بالمفهوم المعاصر، وبالشكل الذي نراها عليه

الن. نعود إلى القصص القرآني بشقيه النبوات والرسالت، فالنبوة، كما قلت، علوم، والرسالة أحكام. وعدد النبياء كان أكثر بكثير

من عدد الرسل. إذ استدعى تراكم المعلومات لدى النسان بالنبوات، أو بالتعليم المشخص (الملئكة-دفن الموتى-اكتشافالحديد-صناعة الفلك) أو بالملحظة (اكتشاف النار)، قفزة تشريعية، وتغييرا; في التشريع.

فعل�م ال الناس عن طريق النبياء معلومات كانت غيبا; عندهم، إلى أن أصبحنا بعد خاتم النبياء (ص) مؤهلين لنكمل الطريق بأنفسنا، فنحن نعرف الن تماما; كيف توصل النسان إلى كثير من حقائق الكون دون نبوة، لكن هذا حصل بعد محمد (ص) ل

قبله. وكيف شرع ال عن طريق الرسل ما يتناسب مع تطور المجتمعات آنذاك، فنرى أن رسالة اسماعيل، مثل;، كانت آية. 55واحدة فقط (وكان يأمر أهله بالصلة والزكاة وكان عند ربه مرضيا;) مريم

وأن رسالة شعيب كانت مجموعة من التعليمات، لكن وحدانية ال سبحانه كانت غير واضحة لدى القدمين، لذا كانت على رأس دعوة كل رسول ونبي، والقاسم المشترك بينها. وكان عدم فهم الناس للصفات المتضادة للخير والشر، والنور والظلم،

Page 62: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

والخصوبة والجفاف، على أنها كلها ذات مصدر واحد، والسبب في ظهور مفهوم تعدد اللهة حسب الختصاصات. وانعكس مفهوم الله نفسه، كقوي جبار متحكم، على الحكم في الرض، فجاء على أنه رأس السلطة في الرض، مقابل سلطة ال في

السماء، ونشأ من ذلك الحكم المبراطوري والملكي المستبد. حتى في القبائل البدائية، كان رأس القبيلة هو رأس السلطة،يشاركه عراف طبيب كسلطة معرفية، كما لو أن حق الحكم حق الهي لشخص أو فئة.

وهذا ما نلحظه حتى في الدول الحديثة التي تقوم أساسا; على فلسفة (ال-الكون-النسان) ولكن بمقاييس ومعايير مختلفة، وأن كل الفلسفات الحديثة الكامنة وراء نشوء الدول هي فلسفات إسلمية من جوانب صحتها، وكذلك التشاريع وأنماط الحكم فهي عبارة عن تشاريع إسلمية وأنماط إسلمية من خلل سياقها التاريخي، وذلك لطبيعة السلم الحنيفية التي ل توجد في غيره

باعتباره الخاتم.لقد أعطت النشأة الدينية للدول والحضارات مفاهيم للنسانية ل غنى عنها اليوم:

- الشرعية هي شرعية الحكم والسلطة والطاعة.1- شرعية استعمال العنف أو عدم استعماله.2- القانون الخلقي.3- اعتماد العراف كأساس من أسس بنى الدولة.4- اعتماد الطرح الممي والقومي.5- حرية النسان (حق النسان في الحياة والحرية).6

إن البينة والتشريع اللذان يكمنان وراء كل البنى في الدول والمؤسسات هما الموجه الساسي في بنية الدولة العربية السلمية المرجوة. أي أن بنيتها كبنية التنزيل الموحى إلى محمد (ص)، البينات-الحكام (التشريع) التفصيل: تفصيل الحكام وشرحها

وفلسفتها، الذي يظهر في مجال الجتهاد القانوني والدستوري كالمحكمة العليا. وهذه المور الثلثة متداخلة بعضها ببعضكتداخل آيات التنزيل نفسه.

فإذا وجدت دولة من الدول تصرف أكثر من نصف ميزانيتها على التربية والتعليم والبحث العلمي (البينات)، كانت هذه الدولة تقترب من البنية السلمية المطلوبة، لنها تؤمن بأن التقدم العلمي هام لتقدم الصناعة والزراعة والتجارة والطب وكل

الخدمات. وبناء على ذلك، فهي تسن التشاريع المناسبة لهذه البينات المكتشفة، ثم تسن في ضوء مستجدات المعارف في العلومالطبيعية والنسانية، تشريعات جديدة (الحنيفية) تتناسب مع هذه المستجدات.

هنا نلحظ جدل التأثير والتأثر المتبادل بين البينة والتشريع، والذي بدونه ل تقوم قائمة لية دولة، وبدونه تبقى الدولة تجمعا فوقيا; لبنية مجتمع تحتية في غاية التخلف. على هذا الساس انظر إلى بنية الدولة السلمية المعاصرة حين أناقشها، من

منطلق أن القومية خامة الممية، وأن المسلمين أمة، والعرب، كقومية، خامة الدولة العربية السلمية المعاصرة. قد يقول قائل، إن العرب شعب وقومية واحدة، فعن أية بنية نتكلم؟ أنا أقول، ل يهمنا هنا أكانت البنية في بقعة صغيرة من

الوطن العربي أم في الوطن العربي كله، فأنا أتكلم عن بنية الدولة العربية السلمية المعاصرة، وفي رقعة من الوطن، أو في الوطن، التي تحقق شقي البينات والتشريع، وكيف ينعكس ذلك على البنى الساسية للدولة، التنفيذية والتشريعية والقضائية

ومفهوم الحريات العامة، وكيف ينعكس يذلك على مفهومين أساسيين هما الدستور والقانون.

نظرية القول والفعل في الدولة

لقد عرفنا الحرية بأنها الرادة الواعية بين نفي وإثبات في موجود. وأنها الظاهرة الساسية في جدل النسان، وأنها تقوم على الختيار ونفي الكراه، ووجود الضدين بشكل متكافئ. وأن أول الحريات النسانية حرية العقيدة، كهبة من ال لعباده. وأن

ثانيهما حرية التعبير عن هذه العقيدة. وبينا أن الشورى طريقة ممارسة هذه الحريات من قبل مجموعة من الناس، ضمن مرجعية معينة معرفية واخلقية وعرفية

وجمالية، تتبع البنى الجتماعية والقتصادية في المجتمع، وتقوم على حرية الرأي والرأي الخر والتعبير عنه ومفهومالجماع، بترجيح رأي أغلبية الناس في أمر من المور، وهو ما نسميه اليوم بالديموقراطية.

كما بينا أن الشورى (الديموقراطية) تدخل في بنية العقيدة السلمية، وضمن الستجابة ل تعالى كالصلة والزكاة تماما;. وأن ممارستها تدخل ضمن بنية المجتمع التاريخية، أي ضمن الدولة التي تقوم عليها، كجزء من العقيدة السلمية. ورأينا كيف

مارس النبي (ص) الشورى ضمن البنية القائمة في حينه، ولم يحدد بنية الدولة، ول مدة حكم المير وصلحياته وكيفية انتخابه، وكيف أن التنزيل الحكيم ذكر أولي المر ولم يحدد من هم، ول كيف ينتخبون ول صلحياتهم، وإنما حدد السس

الخلقية للمجتمع.

Page 63: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

فالشورى، بالمفهوم السلمي المعاصر، هي الديموقراطية التي تقوم على حرية الرأي والرأي الخر، وعلى حرية التعبير عن هذا الرأي، مستعملة آخر ما توصل إليه العلم من أدوات نشر المعلومات. والشورى تدخل في بنية الدولة الدستورية ل في

اللوائح القانونية. لن الحرية والديمقراطية، كما بينا سابقا;، نمط التجارب المخبرية في منهج العلوم الكونية. فالحرية والعلم توأمان ل ينفصلن، وكلما زاد تعلم الناس ووعيهم، زادت حاجتهم إلى الحرية. وكلما كانوا أحرارا;، زادت فرص نمو العلم

عندهم. وبما أن للثورة العلمية منعكس هو تقدم التكنولوجيا، من حيث أن التكنولوجيا هي أيديولوجيا العلم، فالعدالة الجتماعية النسبية

وتقدم المعارف، وازدياد رفاهية النسان وتحضره هما أيديولوجيا الحرية والديمقراطية، والحرية والديمقراطية هما المنهج العلمي الحضاري في العلقات النسانية. ولتحقيق ذلك، وجب علينا تحديد الشروط البنيوية للدولة التي تمارس فيها الحرية والديمقراطية، وتحديد متى تكون هذه الشروط مقبولة، ومتى تكون غير مقبولة. فلكي تصبح بنية الدولة العربية السلميةمعاصرة، يجب أن تحتوي على الشروط التي تدخل في بنيتها. فكيف يمكن التعبير عن البنية في الدولة العربية المعاصرة؟ هذا التعبير يأخذ شكله من الدستور، فالدستور هو الطار الذي يعبر عن بنية الدولة. وبما أن البنى في الدولة تتطور بشكل

بطيء، فإن تعديل الدساتير يجري بفترات زمنية متباعدة، أكثر من تعديل القوانين. هنا نضع أيدينا على لب الزمة في العقل العربي السياسي، وهو غياب الدستور وأهميته في هذا العقل. فالعقل العربي السياسي، عند الكتلة الساسية من الناس، ل يشعر

بأي حرج من استمرارية حكم الحاكم مدى الحياة، بغض النظر جمهوريا; كان أم ملكيا;، ول يشعر بسلطة الحاكم التي تكاد تكون مطلقة، ول يعني كثيرا; بالطريقة التي وصل بها الحاكم إلى الحكم، ولكنه معني أكثر بأمور الحياة اليومية التي يغطيها

القانون. فالنسان العربي يشعر، مثل;، عندما تتم مخالفة إشارة المرور ويشعر بإجحاف في قانون الجمارك، ويشعر بتعسف ضريبة الدخل، فيعبر عن سخطه، وهو محق في ذلك. لكنه ل يشعر مطلقا; بمخالفة دستورية حين تقع، هذا إن وجد دستور أصل; !!

لماذا؟؟ لن القانون هو الذي ينظم حياة الناس اليومية، وهو ما يعادل الفقه السلمي الذي نظم الحياة اليومية للناس في عصور التدوين وما تلها. فكان بمثابة اللئحة التنفيذية القانونية التي يعمل بموجبها القضاة في فض النزاعات والخصومات، وتنظيم علقات الفراد بعضهم مع بعض. لهذا، فالعقل القانوني عند العرب، أي العقل الفقهي، ل يعاني من قصور، إنما العقل

الدستوري هو الذي يعاني من القصور. والعقل العربي السياسي ما زال يحمل فكرة المام العادل أو المستبد العادل على أنها فكرة مقبولة، وهذه الفكرة هي كفكرة

الليل المضيء لن الستبداد والعدل ل يجتمعان. فمنذ استولى معاوية على الحكم بالقوة، وجعله وراثيا; بالقهر، تم تهميش دور المسلمين، حتى يومنا هذا، في المور التي تتعلق بالسلطة السياسية. وما زالت الشعور العربية والسلمية، حتى يومنا هذا، تعيش على الهامش في المور التي تتعلق بانتفاء الحاكم وصلحياته ومدة حكمه، وما زال الستبداد السياسي هو المسيطر

على العقل العربي الحاكم والمعارض على حد سواء. فالقانون يصدر عن مجلس الشعب أو مجلس الشورى بموجب السلطاتالدستورية بتصويت أعضاء المجلس، أما الدستور فيصدر بالبداية التالية (نحن الشعب قررنا ما يلي ..)

لقد دفعت الشعوب المتحضرة الدماء والدموع ثمنا; لدساتيرها ل ثمنا; لقوانينها. ونحن في دستور الدولة العربية المعاصر الذي ينظم بنية الدولة العربية السلمية المعاصرة، في حلt من كل البنى التاريخية السابقة، لنها غير ملزمة، والسلم يتفاعل مع

كل البنى حسب تاريخيتها، لن العمود الفقري للعقيدة السلمية على صعيد الوجود الكوني والتاريخي هو قانون التطور. لماذا كانت الشورى (الديموقراطية) تدخل في البنية الساسية للعقيدة السلمية، وفي الممارسة البنوية لهذه الشورى، فإن

الشكل المثل لها هو التعددية الحزبية، التي تعبر عن الرأي والرأي الخر بشكل منهجي علمي منظم، وأن حرية الحزاب السياسية من أساسيات الحياة السلمية المعاصرة. أي علينا أن نعي تماما; أن السلم فيه يمين وفيه يسار، واليمين فيه أجنحة،

وكذلك اليسار، وأن الموقف اليميني اليوم يمكن أن يكون يساريا; غدا;، أي علينا أن ندخل في دائرة وعينا السياسي الحقائقالتالية كما وردت في التنزيل الحكيم:

أ - إن ال سبحانه نفسه قبل المعارضة، ولم ينتقم منها، وأرجأها إلى يوم القيامة. فإذا كان ال، وهو الواحد القهار خالقالسموات والرض، قد قبل المعارضة، فلماذا ل نقبلها نحن؟

ب - إن النسان بدأ ممارسة الحرية بالمعصية ل بالطاعة، أي أن النسان عبر عن حريته وأنه فعل; حر بمعصية ال ل بطاعته. أي بدأ بممارسة الحرية بطرفها المقابل، ولو أن كل أهل الرض أطاعوا أوامر ال كلها، لما عرفنا أصل; أن النسان

مخ ير وليس مسيرا. جـ - إن الوقوع في الخطأ، نتيجة لممارسة الشورى ورأي الكثرية، ل يعطي المبرر للغاء الشورى، وأكبر دليل على ذلك هو النبي (ص) عندما استشار الصحابة في أسرى بدر، وكان رأي الكثرية عدم قتلهم، ثم جاء الخبر من السماء بخطأ هذا

الرأي، ومع ذلك لم يلغ هذا التصحيح من ال آية (وأمرهم شورى بينهم) ولم يلغ آية (وشاورهم في المر). وبعد ذلك استشار

Page 64: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الناس في غزوة أحد، وأشاروا عليه بالخروج من المدينة والقتال، وأخذ برأيهم، وتمت الهزيمة في أحد، ومع ذلك لم يوجه اللوم لحد ولم يلم نفسه على هذه الستشارة، أي أن السنة النبوية تعلمنا (إن الخطأ في الشورى ل يبرر إلغاءها). هذا يرد على ما يقوله البعض من أن رأي الكثرية قد يكون خاطئا;، لذلك ل مبرر للشورى والتصويت وحرية الرأي وإجماع أكثرية الناس،

لنها قد تكون جاهلة. وقولهم هذا خطأ لن السلم أقر مبدأ الشورى ورأي الكثرية، حتى وإن تبين أنه خاطئ فيما بعد. وهذا يقودنا إلى مفهوم

الحزب المنظور السياسي. فالحزب، بالمفهوم المعاصر، تعبير عن وعي جماعي من خلل مؤسسة جماعية منظمة وعلنية لها موقف من قضايا المجتمع المعاصرة السياسية والجتماعية والقتصادية، ولها برنامج عمل لتطوير الدولة والمجتمع وحل القضايا الساسية التي تفرزها التناقضات اليومية للمجتمع داخليا;، وعلقات التأثير والتأثر المتبادل مع المجتمعات الخرى، أي العلقات الدولية. فالحزب له

نظرة في حل المشاكل الداخلية والخارجية، وفي قيادة الدولة والمجتمع من خلل الرأي، وحرية الكلمة وموافقة الناس علىبرامجه المقدمة.

وهذا التعريف بالحزب له معنى إيجابي وضروري، أي أنه إطار مادي للتعبير عن الفكار المشتركة لمجموعة من الناس. فإذا أخذنا بهذا المفهوم وطبقناه، نرى أنه قديم، حيث كانت خلفات الرأي قديما; ت¢حل بالعنف، فالقوى هو الذي يغلب

الضعف، ول أرى للناس في ذلك. أي كان هناك أحزاب، ولكن القوي فيها يستبد بالضعيف، ويقضي على معارضته جسديا;. أما الن، فللحزب مفهوم أوضح، هو التعبير عن رأي مجموعة، والحزب الخر أداة للتعبير عن مجموعة لها نظرة مغايرة،

والناس هم الحكم وليس السلح. علينا أن ن¢دخل ضمن قناعاتنا وجود التعددية الحزبية المتكافئة في تعبيرها عن آرائها، حتى نستطيع إقامة حكم شوري

بالمفهوم المعاصر. ولكن كيف يمكن وجود حزب إسلمي، إلى جانب أحزاب غير إسلمية، وكيف يمكن لها أن تتعايش؟ وما هو مفهوم الجزية، كجزء من الممارسة السلمية، في إطار موقف السلم من الرأي الخر ضمن الدولة الواحدة، أي في

حدود مفهوم الشعب وليس المة أو القومية؟ هنا يجب علينا صياغة مفهوم معاصر لموقف السلم من الخر ورأي الخر، آخذين بعين العتبار سياق اليات، والتطبيق التاريخي لية الجزية (قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحر�مون ما حر�م ال ورسوله ول يدينون دين الحق

(انظر فصل الجهاد).29من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدt وهم صاغرون) التوبة وسورة التوبة سورة محكمة كلها، أي كل آياتها أحكام وتشريعات، ولهذا فهي ل تبدأ بالبسملة، وهي التي أشار إليها تعالى في

قوله بسورة محمد (ويقول الذين آمنوا لول ن¢ز¦لت سورة فإذا أنزلت سورة� محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم . أما سورة محمد نفسها ففيها آيات محكمات، وفيها20مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم) محمد

متشابهات أي قرآن، كقوله تعالى (مثل الجنة التي وعد المتقون، فيها أنهار� من ماءt غير آسنt وأنهار� من لبنt لم يتغير طعمه وأنهار� من خمرt لذة; للشاربين وأنهار� من عسلt مصف�ى، ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة� من ربهم، كمن هو خالد� في النار

.15وسقوا ماء; جميعا; فقط�ع أمعاءهم) محمد إننا نرى في إشارته تعالى إلى سورة التوبة، بآية من آيات سورة محمد، دللة على علقة ما تربط بين السورتين، كما نرى

من سورة الممتحنة، تحكم العقل العربي السياسي والسلمي خاصة،9 و8علقة أخرى تربط بين السورتين وبين اليتين في تحديد مبدأ العنف، وفي موقفه من الخر والرأي الخر. ونرى أن علينا الوقوف طويل; أمام السورتين وآيتي الممتحنة،

لتحديد ما إذا كان هذا المبدأ الذي تقرره مطلقا; يعمل في كل زمان ومكان، أم هو مرحلي ينحصر في إطار مرحلة البعثةالنبوية.

- (ل ينهاكم ال عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن ال يحب المقسطين).8الممتحنة

- (إنما ينهاكم ال عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك.9هم الظالمون) الممتحنة

سورتا التوبة ومحمد مدنيتان أيضا;، والمدينة المنورة كانت مرحلة تأسيس الدولة السلمية في شبه جزيرة العرب. فيها المواقف السياسية العلنية، وفيها الحرب الهلية، والحروب الخارجية، وتم تغطية كل ذلك في سورتي محمد والتوبة. فإذا

أخذنا الممتحنة، نجد فيهما بيان من نقاتل، ومن ل نقاتل، بغض النظر عن كونه من أهل الكتاب أم من غيرهم. وبما أن باب البر والقسط مفتوح إلى يوم القيامة، ومقبول بمختلف أنواعه المادية والمعنوية، فال سبحانه لم يحدد شروط وظروف البروالقسط التي يجب توفرها حتى يكون مقبول;، لكنه حدد مبررات وشروط القتال التي يجب توفرها حتى يكون مشروعا.

من سورة الممتحنة، في قتال من قاتلنا في الدين، وأخرجنا9أي انه سبحانه حدد لنا في السورتين شروط وظروف تنفيذ الية

Page 65: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

من ديارنا، وظاهر على إخراجنا. ومن هنا نرى أن محتوى سورتي محمد والتوبة، فيما يخص منهما موضوعنا هذا، ليست من سورة الممتحنة. ونرى دراستها على هذا الساس، كيل نقع في وهم التناقض بين9مطلقة، بل تحددها وتقيدها الية

السورتين والية، أي كيف نأخذ الجزية من الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا ولم يظاهروا على إخراجنا، عن يدt وهم صاغرون؟ وأين البر والقسط في ذلك؟ يقول ال في سورة التوبة (قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما

حر�م ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب ..) فكيف، إذا لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا ولم يظاهرواعلى إخراجنا؟

/الممتحنة، والثاني موقف الية لتتوضح المور،8يجب أن نميز بين موقفين سياسيين متغايرين تماما;، الول موقف الية ولنجد أن القتال جاء على مستويين:

المستوى الول داخلي: (قاتلوكم في الدين) أي قمع حرية الختيار العقائدي، والستبداد والضطهاد الفكري.المستوى الثاني خارجي: أ - عدوان من خارج بلد المسلمين (التتر والمغول والصلبيبيين).

ب - الخراج من الديار بالضطهاد العقائدي (محاكم التفتيش في الندلس) أو لسباب استعمارية استيطانية (إسرائيل فيفلسطين والرض المحتلة).

منها، مثل;، بالحفاظ على حدود ال مطلقا;، سابقا112ولقد شرحت سورة التوبة هذين المستويين، فالمؤمن مطالب بالية وحاليا; ومستقبل; (المرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود ال، وبشر المؤمنين). كما غطت سورتا محمد والتوبة أحداث الدعوة النبوية ومراحلها، فبدأت سورة التوبة بالية بقوله تعالى (براءة� من ال ورسوله إلى الذين عاهدتهم من

المشركين)، ونراها غطت في آياتها مرحلة القتال الداخلي مع مشركي العرب، ومرحلة القتال الخارجي كغزوة العسرة(تبوك)، فنحن ل نجد في التنزيل الحكيم آيات بمستوى قسوة آياتها التي ذكرت المتخلفين والمتقاعسين عن هذه الحملة.

فالقتال مبرر في حالتين:- القمع الداخلي.

- العدوان الخارجي. وعند النتصار على القمع الداخلي، تؤخذ الجزية من الذين أوتوا الكتاب عن يد وهم صاغرون، إذا كانوا طرفا; في هذا القمع،

أو ظاهروا عليه. ويعتبر القتال مبررا; في حالة القمع الداخلي، أي مع فقدان حرية العقيدة والتعبير عنها، ضد أهل الكتاب وغيرهم من الضالعين في هذا القمع، حتى يحصل كل الناس على حرية التعبير عن رأيهم بالتساوي. وهذا يعني أن أي دستور

للدولة العربية السلمية يجب أن يحتوي، حسب السلم، على جملة بنود ومفاهيم: - صيانة حرية تشكيل الحزاب السياسية في الدولة، ول لزوم لموافقة أي سلطة لتشكيل حزب سياسي، وإذا كان للسلطة1

اعتراض، فلتلجأ هي إلى القضاء. - صيانة حرية التعبير عن الرأي، في الجتماعات والتظاهرات السلمية، والندوات، والصحافة والتلفزيون، وجميع الوسائل2

التي توصلت إليها تكنولوجيا المعلومات. - العبادات بجميع أنواعها ل تدخل البتة ضمن برامج الحزاب السياسية، فالعبادات ليست موقفا; اقتصاديا; أو سياسيا;، ول3

علقة لها بتناقضات المجتمع اليومية، أو بعلقاته بغيره من المجتمعات. - تكفل الدولة للناس حرية ممارسة العبادات، في الحد منها. فتخفض مثل; ساعات العمل للصائم في رمضان، لكنها ل4

تخفضها للصائم خارج رمضان.

- بما أن الدولة تمثل الشعب، والشعب يمكن أن يضم في داخله أمما; أو قوميات، فكل المواطنين في الدولة أفراد بالتساوي5لهذا الشعب، بغض النظر عن المة أو القومية التي ينتمون إليها.

- يحق لكل القوميات الصغيرة تنمية ثقافتها، ونشر لغتها وآدابها بكل حرية.6- الداة العسكرية تتبع الرادة السياسية وتخضع لها تماما;.7

لقد استند الستبداد السياسي على ركائز الستبداد العقائدي والفكري والمعرفي والجتماعي لدى الناس، ول أمل في التخلص من الستبداد السياسي، قبل أن ينشأ تيار مؤمن بالديموقراطية قول; وفعل;، ومؤمن بأن الرأي والرأي الخر موجود، وله حق

مقدس ومصان، يصحح المناهج الجتماعية في ضوء ذلك كله. وبما أن الديموقراطية (الشورى) من صلب العقيدة السلمية، فل يوجد في النظام السياسي السلمي إل احتمال واحد، هو

الديموقراطية في السياسة، وهو أمر يستحق النضال والموت في سبيله، لنه النمط العلمي المتحضر للحياة النسانية.

Page 66: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

. أو ما أطلقنا عليه قانون التسبيح. فأي طرح للعدالة خارج هذا القانون هو طرح88(.. كل شيءt هالك� إل وجهه) القصص طوباوي وهمي، ول يمكن أن تكون العدالة إل نسبية مرحلية.

ل بد للتشريع في الدولة العربية السلمية، من أن يبنى على حدود ال كما وردت في أم الكتاب، وليس على شيء اسمه الشريعة السلمية، فالتشريع السلمي تشريع إنساني ضمن حدود ال، ول يجوز أن يصدر في هذه الدولة تشريع يعتمد على تشاريع إنسانية سابقة، ويترك حدود ال، وإذا حصل فهو باطل، فصاحب الحق الوحيد في إصدار تشريعات ثابتة ل تتغير هو ال، أما النصوص الحدية التشريعية التي يضعها النسان، أيا; كان هذا النسان، فمتغيرة تخضع لللغاء، وللعراف، وللتطور التاريخي، والتناقضات الداخلية للمجتمع، وعلقته مع غيره من المجتمعات، لهذا كله، يجب أن يتضمن كل تشريع يصدر عن

الدولة بندا; يحدد مدة صلحيته، يصار بعدها إلى إعادة النظر فيه إبقاء; أو تعديل; أو إلغاء. ول بد أن تقوم العلقات الخلقية في المجتمع العربي السلمي على الفرقان العام (الوصايا)، والدولة ملتزمة بوضع منهاج

تربوي للجيال مبني عليه. كما ل بد أن تحترم الدولة العربية السلمية الجد والعمل، والكسب والتوفير، وطموح الفراد والجماعات فيها بكل مجالت الحياة، ول تقوم علقاتها بمواطنيها على الحقد والحسد، وكذلك علقات المواطنين بعضهم

ببعض. إذ في هاتين النقطتين تكمن عقيدة توحيد اللوهية. تكفل الدولة العربية السلمية للناس، مسلمين وغير مسلمين، ممارسة الحد الدنى من العبادات، فل تصدر أي تشريع يمنع

الناس من هذه الممارسة، أو أي تشريع يجبر الناس على العبادات، كما ل تشجع على تركها، لن العبادات ليست موقفا; سياسيا أو تشريعيا;، لهذا فإن هذه الدولة تنظر إلى مصلحات الخليفة، ورجل الدين، والفقيه، والمفتي، والمام، على أنها ألقاب تاريخية

افرزها تفاعل السلم مع مراحل تاريخية مختلفة للمجتمعات العربية السلمية. بما أن التشريع السلمي تشريع حنيف، يحتاج إلى بينات مادية، وإجماع أكثرية الناس عليه، فإن الدولة العربية السلمية

دولة ديموقراطية، تقوم بنيتها الساسية على التعددية الحزبية وحرية التعبير عن الرأي، حيث يمكن أن تطرح في هذه الدولة عدة اجتهادات لمشكلة معينة وكلها اسلمية ضمن حدود ال، وهذه السس هي ضمان الديموقراطية، تكمن فيها السس المتينة

للوحدة الوطنية من حيث أنها تنسجم مع قوانين الطبيعة وفطرة الناس. لقد أوردت هذه البنود لوضح القطيعة المعرفية مع التراث، والستمرارية التاريخية، إل ل استمرارية تاريخية لنا نحن العرب بدون هذه القطيعة حصرا; مع أدوات المعرفة السابقة، التي استعملت في القرنين الثاني والثالث الهجري لتأطير

السلم، والتي لها صلة هائلة علينا، وأن المعرفة أسيرة أدواتها، وأدوات المعرفة لها سلطة كبيرة على الناس كما في العلقةالتالية:

ولشرح هذه العلقة بوضوح، أسوق المثال التالي: إذ نظر انسان إلى قطرة دم بالعين المجردة، يراها بشكل سائل أحمر، فيجزم بما يراه، وإذا نظر إنسان آخر إلى قطرة الدم هذه بالمجهر، يرى منظرا; آخر تماما;، فيجزم بما يرى، ويصف أشياء لم

يرها الول مختلفة تماما;، وهنا تحصل الزمة بين الثنين، بسبب الداة المعرفية المستخدمة. ففي الحالة الولى كانت الداة العين المجردة، أما في الحالة الثانية، فهي (العين المجردة + المجهر). ونلحظ أن اختلف

المواقف والجزم بالراء ظهر من اختلف أدوات المعرفة، كما نلحظ سلطة هذه الدوات على المشاهدين. لقد استعمل السلف في القرنين الثاني والثالث الهجريين أدوات معرفية في النظر إلى السلم، وكان لهذه الدوات سلطة كبيرة، بحيث التبس

المر علينا، فنحن نقاتل الن بكل ضراوة للدفاع عن هذه الدوات، ظانين أننا ندافع عن السلم. فإذا ما استعملنا أدوات معرفية معاصرة في فهم السلم، ووصلنا إلى رؤية مغايرة لما رآه السلف، فهذا أمر طبيعي جدا;، ومن حقنا اليوم أن نستعمل أدوات معرفية معاصرة لفهم السلم، وهذا يعني أننا ننقد فقط أدوات المعرفة الشائعة في القرنين الثاني والثالث الهجريين، ل أكثر ول أقل. علينا أن نعلم أن أدوات المعرفة متطورة، وأن التنزيل الذي أوحي إلى محمد (ص) ثابت،

ومن إعجازه الكبر أن ال صاغه بحيث يتناسب مع تطور كل الدوات المعرفية مهما تقدمت، إلى أن تقوم الساعة. فإذا طبقنا كل النظم المعرفية الن، وطبق الخلف النظم المتطورة في المستقبل مع أدواتها، فإننا نرى ويرون التنزيل صالحا

لها، كما لو أنه أوحي في وقت سريان مفعول هذه النظم، وهذا هو العجاز الخالد لما أوحي إلى محمد (ص) وفيه تكمن صلحية التنزيل لكل زمان ومكان، وعلينا أل نخاف من تطبيق كل النظم المعرفية وأدواتها على التنزيل، لننا سنرى كما لو

Page 67: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

أنه صيغ من أجلها. من هذا المنطلق نرى أن التنزيل جاء من اجل النسانية جمعاء، وبدون استثناء، ولكل مراحل تطورنظمها المعرفية مع أدوات المعرفة، ول نرى إعجازا; أكبر من هذا العجاز.

لهذا، فعلينا أن ندخل مرحلة جديدة في التاريخ العربي السلمي، بنظرة جديدة، وأدوات معرفية جديدة في التعامل مع الكتاب والقرآن والسنة، لحل المعضلة الساسية التاريخية المستعصية عند العرب والمسلمين، التي نعاني منها يوميا. هذه المعضلة

الكامنة وراء هزائمنا المتلحقة ووضعنا المتخلف، وهي إصرارنا على التمسك بالنظم المعرفية والدوات المعرفية فيالقرون الهجرية الولى، وفهم السلم من خللها.

Page 68: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الفصل الثامن: الستبداد ونتائجه

قال تعالى: - (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر ال، إن ال ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد ال بقوم

.11سوءا فل مرد له وما لهم من دونه من وال) الرعد .53- (ذلك بأن ال لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن ال سميع عليم) النفال

آيتان تقولن أن هناك قانونا ربانيا، هو أن التغيير يبدأ من الناس أول، ومن إرادتهم، فإذا كان هذا التغيير نحو السوأ، فسيحصل السوء ل مرد له، وإذا كان نحو الحسن، فالحسن سيأتي ل مرد له. وإذا كان هناك مجموعة من الناس في وضع حسن، وساء وضعهم، فهذا يعني أن البداية منهم، فالقانون الرباني يعمل فيهم، أي أن الحكمة التي تعمل في كل المجتمعات

هي (عن ال يساعد الذين يساعدون أنفسهم). أما إذا كانوا مؤمنين فلهم زيادة، كما في قوله تعالى: (… إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون، وترجون من ال ما ل

- أي أن قوانين الوجود مطواعة للمؤمن والكافر على حد سواء، وأن أسباب النصر وأسباب الهزيمة104يرجون…). النساء هي نفسها للمؤمن والكافر، لكن المؤمن يزيد بأن له رجاء عند ال تعالى.

من هنا يبدأ الفعل الول وهو التغيير في النفس، ولكن ما هو هذا التغيير؟ هل نزيد من مجالس الصلة على النبي، ونزيد في قراءة الصلة الدارية والصلة المية؟ أم نزيد في قيام الليل والنوافل، ونصوم كل اثنين وخميس؟ أم نطلق لحانا ونعف عن

شواربنا، أم نزيد من الموالد وحلقات الذكر وتلوة آي الذكر الحكيم على الموات، أم نأمر النساء بالتحجب جميعا، ونتلوالوراد والذكار صباح مساء؟

إن السلم، منذ أن بعث محمد صلى ال عليه وسلم رسول إلى يومنا هذا، لم يعان أزمة في العبادات، فالمصلون بالمليين، وعدد المساجد في ازدياد مطرد بكل أنحاءا لعالم السلمي، والصائمون بالمليين، والماكن المقدسة على سعتها ل تتسع

للحجاج الواردني من كل حدب وصوب، ومع ذلك كله نجد العبادات، التي لم نعان أية أزمة فيها، في ظل أي نظام استبدادي أم غير استبدادي، وطني أم أجنبي، هي التي يتم التركيز عليها صباح مساء، في كل أنحاء العالم السلمي خاصة السياسي،

ويتم –بشكل كامل- إسقاط أطروحة التطور كعمود فقري للتوحيد. ومن هنا نرى أن التغيير يبدأ بالنفس وبالتفكير والعمل على - الستبداد العقائدي1التخلص من الستبداد بكل أنواعه التي سنشرحها في هذا الفصل.

الستبداد العقائدي هو القناعة بأن أعمال النسان ورزقه وعمره مكتوبة عليه منذ الزل، وهذا ما يجب أن نرفضه جذريا. ذلك لن ال سبحانه لم يكتب على زيد منذ الزل أن يكون غنيا، وعلى عمرو أن يكون فقيرا، ولكن يوجد في علم ال منذ الزل الغنى والفقر كضدين، أما من هو الغني ومن هو الفقير، فهذا غير مكتوب على أحد، بل هي إرادة النسان التي تعمل ضمن قوانين رب العالمين، والتي تجعل الغني غنيا والفقير فقيرا. أي ان النسان ل يستطيع أن يخلق فعل غير موجود في الطبيعة

أو في بنيته، لكنه يختار بوعي أفعاله الموجودة في بنيته وف الطبيعة، ويستثمرها بالطريق التي يشاء، وهو حر في هذا. والخير والشر موجودان في متناول إرادة النسان، يتجسدان في الهدف من هذه الفعال المسخرة له بمقدار معرفته لها، بغض

النظر عن نتيجة الهدف خيرا أم شرا. وهنا يكمن العدل اللهي المطلق في الخلق، فكل الفعال في الطبيعة وفي بنية النسان مطواعة للنسان للخير والشر على حد سواء، فهي ليست مطواعة بذاتها في الخير، ممتنعة بذاتها عن الشر، وإنما النسان

نفسه هو الذي يسخرها لهذا أو ذاك. وهنا نرى الفرق الكبير بين أم الكتاب والقرآن، فالقرآن يخبرنا عن قوانين الوجود الموضوعي، وأم الكتاب تعطينا ماذا نفعل،

وكيف نتوجه إلى الخير ونتجنب الشر باعتبارهما صفتين ذاتيتين. وخارج النسان ل يوجد خير وشر، بل هو الوجود، لكن

Page 69: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الخير والشر مرتبطان بعمل النسان الواعي، لذا قال تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).8 و7- (ونفس وما سواها * فألهما فجورها وتقواها) –الشمس 8 و7–الزلزلة

هنا لبد مرة أخرى من توضيح الفرق بين اللوح المحفوظ والمام المبين، وكيف جاء القرآن منهما معا، وكيف نميز آيات اللوح المحفوظ، التي حوت القوانين العامة الناظمة للوجود وقوانين التاريخ، وبين آيات المام المبين التي حوت أحداث

الطبيعة الجزئية ،وأحداثا لتاريخ، والتي تعمل ضمن قوانين اللوح المحفوظ ول تناقضها. إذا أردنا أن نفهم هذا الفرق، فماعلينا إل أن ننظر إلى بنية الحاسوب اللكتروني، فالحاسوب يتألف من جزئين أساسيين:

يمكن معرفتها، ولLOOP (أي اقرأ فقط) وهي البنية الساسية للحاسوب، عبارة عن دارات مغلقة ROM- الجزء الول يمكن الدخول إليها ول التصرف فيها، وهي الجزء الثابت من الحاسوب.

(أي ذاكرة الدخول والتصرف والستعمال والتسجيل..) وهي الذاكرة الممكن الوصول إليها، وهيRAM- الجزء الثاني مناط التصرف من قبل مستعملي الحاسوب، ويمكن إليها بأي برنامج يريده المتصرف بالكمبيوتر: إحصائي، طبي، تسجيل

أحداث إنسانية، هندسة، فلك، الخ… وهو الجزء المتغير من الحاسوب، ومناط تصريف الغنسان المبرمج، لكن كل قوانين هذا.ROMالجزء المفتوح ل تخالف ول تخرج عن قوانين الجزء الثابت الـ

فإذا أخذنا آيات القرآن وحاولنا تصنيفها ضمن هذا المبدأ، نرى أن القرآن يحتوي على هذين النوعين، وهنا نميز بين آيات اللوح المحفوظ وآيات المام المبين. وندرج أمثلة من اليات المغلقة في القرآن، التي هي ليست مناط التصريف النساني، بل

هي للقراءة والعلم فقط:.30- (أو لم ير الذين كفروا أن السموات والرض كانتا رتقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حي، أفل يؤمنون) النبياء

.31- (وجعلنا في الرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبل لعلهم يهتدون) النبياء .32- (وجعلنا السماء سقفا محفوظا، وهم عن آياتها معرضون). النبياء

.33- (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر، كل في فلك يسبحون). النبياء .34- (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، أفإن مت فهم الخالدون). النبياء:

.35- (كل نفس ذائقة الموت، ونبلوكم بالشر والخير فتنة، وإلينا ترجعون). النبياء ونلحظ أن هذه اليات جاءت كلها مغلقة ل يمكن الدخول إليها والتصرف بها، فيها قوانين عامة ناظمة للوجود، جاءت

للمعرفة فقط، وليست مناط تصريف، لكنها مناط إيمان وهداية. ونختم هذه المثلة بمثالين من آيات قوانين التاريخ المغلقة:.58- (وإن من قرية، إل نحن مهلكوها قبل يوم القيامة و مذبوها عذابا شديدا، كان ذلك في الكتاب مسطورا). السراء

.48- (وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير). الحج ونلحظ أن هذه اليات عامة ناظمة للتاريخ النساني، وهي للعلم فقط، وليست مناط التصريف النساني. لنأخذ الن مثال على

في الحاسوب) ومناط التصريف النساني، أيRAMاليات المفتوحة في القرآن التي هي من المام المبين (أو ما يعادل الـ أن النسان يستطيع أن يتدخل فيها سلبا أو إيجابا، في قوله تعالى:

.8- (وال الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الرض بعد موتها، كذلك النشور). فاطر - (وال خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا، وما تحمل من أنثى ول تضع إل بعلمه، وما يعمر من معمر ول ينقص

.11من عمره غل في كتاب، إن ذلك على ال يسير). فاطر فالنشور في الية الولى قانون مغلق من اللوح المحفوظ، والبعث حق ل يمكن التدخل به، وال تعالى يقربه من الفهم النساني بهذه الصور من القوانين المتمثلة بالسحاب والمطار وتكثيفها وتفجيرها وإنزالها في مناطق محددة. والموت كالنشور والبعث

. لكن185حق وقانون مغلق ل يمكن الدخول إليه والتصرف به، ورد في قوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت…) –آل عمران تدخل النسان ممكن بطول العمار وقصرها عن طريق الطب، وتخفيض عدد الوفيات مع تقدم المعرفة في حقول الصحة

العامة، إل أن الموت بذاته يبقى محتوما. وننتقل إلى القصص القرآني لنرى أن كل آياته مفتوحة، فقد أرسل ال موسى وهارون إلى فرعون فقال سبحانه (فقول له قول

. ونحن الن يمكن أن نقلد موسى ونقول للخرين قول لينا، أي بإمكاننا الدخول إليها44لينا لعله يتذكر أو يخشى) طه للتصرف وليس للمعرفة فقط. لذا قال ال تعالى عن القصص القرآني (لقد كان في قصصهم عبرة لولي اللباب، ما كان حديثا

.111يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) –يوسف استنادا لما سبق، نعرف أن الحداث النسانية التاريخية أحداث مفتوحة وليست مغلقة. ونطرح السؤال التالي: هل يمكن وجود

؟ أو نطرح السؤال المقابل: هل يمكن أن نستفيد من حاسوب ألغينا فيه الجزء المفتوحROMحاسوب دون جزء ثابت RAM؟ والجواب على السؤالين هو النفي البات الجازم، فنحن في الحالة الولى أمام حاسوب كل ما فيه مفتوح سائب ل ناظم

له ول ثبات، يتصرف فيه المستثمر على هواه وكيفما اتفق، ونحن في الحالة الثانية، أمام حاسوب مغلق ل دور لنا أمامه ول

Page 70: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

عمل، داراته مغلقة تعمل ضمن برمجة ثابتة مفروضة سلفا. وهذا هو الفرق بين اللوح المحفوظ والمام المبين. علينا أن نعلم ان ال لم يكتب الحكم لمعاوية منذ الزل، ولم يكتب الهزيمة على علي منذ الزل، ولم يكتب أن يحكم المماليك

،RAMمصر، ويذلوا شعبها بالفقر حتى يأكل الجيف، وإذا كان المر كذلك فنحن أمام حاسوب مغلق ل وجود فيه للـ والنسان فيه ليس أكثر من دمية تنفذ برنامجا معينا موضوعا. لكن المر ليس كذلك، فالقوانين الموضوعية الظرفية

والجتماعية التي يعيش فيها النسان ويختار موقفه وسلوكه من ضمنها بملء حريته، هي مناط الثواب والعقاب. وهنا يبرزأمران هامان:

- كيف نفهم سورة لمسد على ضوء ما ذكرنا آنفا، فلقد نزلت السورة كاملة بحق عم النبي صلى ال عليه وسلم أبي لهب،1 وامرأته أم جميل، ويقول البعض لو أن أبا لهب أعلن إسلمه لكذبت هذه السورة، وعليه، فكل شيء مكتوب من الزل!! وهنا

نقع في مغالطة موضوعية كبيرة، وهي أن هذه السورة نزلت بعد إعلن أبي لهب وزوجه الكفر، وليس الشرك، لنهم كانوا مشكرني بالصل، فكفروا بالضافة لشركهم باتخاذ مواقف علنية شديدة التطرف ضد النبي صلى ال عليه وسلم، حتى إذا

وصل أبو لهب، ضمن الظروف التي أعلن فيها مواقفه المتطرفة، إلى نقطة اللعودة نزلت هذه السورة. فال سبحانه وتعالىيأمرنا في هذه السورة بعدم التطرف في المواقف، لن التطرف يوصل النسان إلى نقطة اللعودة.

والنموذج هنا أبو لهب. وقد يحصل ذلك عند كثير من المتطرفين. إن سورة المسد تعطينا درسا كبيرا، في اتخاذ المواقفالمتطرفة، بحيث نحشر أنفسنا في زاوية ل حيلة لنا بالخروج منها والرجوع عنها.

- حشر علم ال في غير محله، والقول بأن العلم صفة إخبار وليس صفة تأثير، أي سبق في علم ال منذ الزل أن معاوية2 سيستلم الحكم وليس عليا، وهذه كانت حجة بني أمية في استلم السلطة بالقوة وجعلها وراثة بالقهر، وأن الصحابة ستتقاتل في معركتي الجمل وصفين، وأن الحجاج سيرجم الكعبة بالمنجنيق… وهذا كله غير صحيح. إذ سيصبح ال في هذه الحالة عالما

غير مريد، وسيبدو وكأنه خلق كل شيء، وبرمجة منذ الزل، ثم ترك الكون ينفذ هذه البرامج دون أن يتدخل في ذلك أبدا، وإنما أخبرنا به فقط، أي كأن ال خلق الوجود وأدار له ظهره وتركه، لن كل شيء معلوم مسبقا، وهذا غير صحيح، لننا في

هذه الحالة نشبه ال بالعالم العاجز، حاشاه تعالى، فالعلم يولد القوة ل العجز. أي أننا نشبه ال بعالم نووي كامل العلم، يخبرنا بكل شيء عن الذرة، ول يستثمر هذه المعلومات ل للخير ول للشر، لتبقى مجرد معلومات. ففي هذه الحالة يصبح النسان ذا قدرة تفوق قدرة ال، لنه وظف معلوماته المتواضعة، واستثمر قوانين

الطبيعة المعلومة لديه، وطوعها لمصلحته خيرا أم شرا. فكيف الخروج من هذا المأزق؟ والخروج هو في أن نفهم أننا وضعنا في علم ال ما هو داخل تحت بند إذنه ومشيئته، فوقعنا في الخطأ التالي: إذا سبق في علم

، وتقتل حوالي مئة ألف شخص من مختلف العمار، في1945ال منذ الزل أن تضرب أمريكا قنبلة ذرية على اليابان عام لحظة واحدة، فل يجب علينا أن نحتج على ذلك، لن احتجاجنا عليه سيكون كما لو أننا نضع ال سبحانه في خانة الجهل،

وحرصنا على كمال علم ال وعدم وضعه في خانة الجهل، يجعلنا نقبل بكل حادثة حدثت، وأن حدوثها هو الحتمال الوحيدلتتطابق مع علم ال الزلي، مما يوقعنا في خانة الجبرية دون أن ندري، ثم نلجأ بعدها إلى اللف والدوران.

وأننا بهذا اللغاء أيضا، نلغي دعاء النسان ل واستجابة ال للدعاء، ونلغي الحرية النسانية شئنا أم أبينا، مقابل حرصنا على علم ال الكامل الزلي، بالشكل الذي يطرح علينا، علما بأن كمال المعرفة ل سبحانه ل يحتاج إلى تزكيتنا، والمشكلة أن مشيئة ال الزلية هي في وجود الضداد بشكل مطلق في الفعال وفي السلوك النساني، وسيان في علم ال إن آمن زيد وكفر عمرو أو العكس. فإذا كان ثمة مئات الحتمالت أمام زيد لعمل ما، ومئات الحتمالت أمام عمرو، فهذه الحتمالت متكافئة في علم

ال، وال ل يعلم احتمال أكثر مما يعلم احتمال آخر أو أقل، لذا فال ل يخضع لعنصر المباغتة والمفاجأة والتمني إذ ثمة في كللحظة تطابق كامل بين أحداث الوجود الكوني والوجود النساني وبين علم ال.

وكما عرفنا سابقا، فإن كمال المعرفة هو التطابق الكامل بين الفكر والوجود. وإن إرادة ال سبحانه أن يكون هناك مليين الحتمالت في السلوك النساني تقوم كلها على الضداد، وتستوي وتتكافأ كلها في علمه، وأن إرادة النسان، ضمن الظروف

التي يعيشها هي التي تحدد أحد الحتمالت الممكنة، وال يسجل عليه ذلك ويجازيه به، ومنها يظهر مفهوم الخطأ والصوابوالمعصية والطاعة.

هنا نلحظ كيف خلطنا بين علم ال وإرادته، ونزعنا ما هو داخل تحت بند إرادته ووضعناه تحت بند علمه، فوقعنا في الجبرية بأقسى أنواعها، وزرع النهزامية في منطلقنا العقائدي، وجعلنا نضع كل شيء على عاتق ال. وكان الجدر عوضا عن قولنا

"ل حركة ول سكون.. إل بأمره تكون" أن نقول "الحركة والسكون معا وبشكل مطلق ومتكافئ بإرادة ال "وليس حركة عمرو وسكون زيد، فإذا تحرك عمرو وسكن زيد، فقد اختار عمرو الحركة بنفسه، واختار زيد السكون بنفسه، وعليه يكون

الثواب والعقاب والمسؤولية. ومن هنا قلنا سابقا، أن اليقين في قوانين الكليات حتمي، وأن اليقين في قوانين الجزئيات احتمالي. إن أول ما يجب علينا تغييره في أنفسنا، هو قناعتنا بأن ال لم يكتب الشقاء والسعادة، والغنى والفقر، وطول العمر وقصره

Page 71: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

على أحد أبدا منذ الزل، بل وضع النواميس العامة التي من خللها يتصرف الناس بملء إرادتهم وحريتهم، وفي هذا يقع الثواب والعقاب والمسؤولية، وقناعتنا بأن الحتمال الواحد إكراه، ولو تحقق هذا الحتمال الواحد في علم ال الزلي بلحظة

معينة لنسان ما، لصبح هذا النسان مجبورا بالضرورة، ولكان ذلك نقصانا في معرفة ال، تعالى ال عما تصفون. فإذا وضعنا هذا في قناعاتنا، وأن هناك حسابا، وأن ما يقع من ظلم واضطهاد ليس مكتوبا منذ الزل، وأن الذي يضطهدنا

ويستعمرنا قد فعل ذلك بإرادة شخصية منه، وأن الظلم والعدل متكافئان ف يعلم ال تماما، نستطيع أن نتغلب على ما في أنفسنامن عقد، وأن نحاسب الخرين، وأن ل ندع أحدا يقوم باضطهادنا وتجويعنا وقصف أعمارنا وإذللنا.

لقد لعب هذا النوع من الستبداد العقائدي، الذي تم ترسيخه ابتداء من العصر الموي، دورا هاما في تهميش الناس على صعيد سياسة الدولة والسلطة، وما زال يلعب الدور نفس، في العالمين العربي والسلمي، بترسيخ القناعات الجبرية في أذهان

الناس وضمائرهم، على أنها جزء من العقيدة السلمية، وبتحويلهم إلى مطاوعين لكل سلطة مهما كانت استبدادية، وجعلهم يربطون كل ما يحدث بإرادة ال. وما المآسي التي سطرها تاريخنا، ومواقف الناس السلبية تجاهها، إل إحدى نتائج هذا

- الستبداد الفكري2الستبداد. النوع الثاني من الستبداد، هو الستبداد الفكري. الذي بدأ بعصر التدوين، واكتمل باستقالة العقل العربي السلمي على يد

الغزالي وابن عربي، وبإعطائه للخر مقابل ل شيء. ففي عصر التدوين بالقرن الثاني الهجري، تم تأطير السلم ضمن أطر مازالت موجودة حتى يومنا هذا، وتم تعريف السنة، ووضع أصول الفقه، وحتى أصول اللغة العربية، ضمن أطر نبعت من المعارف السائدة، أي من قبل أناس محكومين بالنظم

المعرفية السائدة في ذلك الوقت. ولما كان ال مطلقا، وما عداه نسبي، فكل ما تم وضعه كان من باب تفاعل الناس مع التنزيل منسوبا إلى القرن الثاني الهجري، وبعد وضع هذه الطر التي ل خروج عنها، اقتصر البحث في الممكنات العقلية، التي يمكن

استنباطها ضمن هذه الطر والنظم، حتى يومنا هذا، إلى أن تم استنفاذها. ونسمع بين الحين والخر من يقول: افتحوا باب الجتهاد!! ونحن نقول إن باب الجتهاد لم يغلق أصل، حتى نطالب بفتحه،

ومجامع الفقه السلمي مشرعة ل أحد يمنعها من الجتهاد، لكن إمكانية الجتهاد ضمن الطر التي رسخت منذ القرنين الثاني والثالث الهجري، قد استنفذت، ولم يعد الجتهاد ممكنا إل إذا تم تجاوز هذه الطر، والعودة إلى قراءة التنزيل على أساس

معارف اليوم، واعتماد أصول جديدة للفقه السلمي، والهم من ذلك كله، أنهم لم يكتفوا بوضع الطر وتحديدها، بل تمإغلق هذه الطر تماما.

حيث مازال رفض إعادة النظر فيها قائما، ينسبونه إلى النبي صلى ال عليه وسلم في قوله عن خير الناس وخير المم وخير ، وكأن النبي صلى ال عليه وسلم حكم، وما كان له أن يفعل، بأن بعد القرن الثاني الهجري، ل يوجد أناس قادرون)2(القرون

على الفهم، وأن تطور التاريخ والمعارف النسانية سيقف بعدها، وأن علينا اليوم أن ننظر إلى أنفسنا نظرة دونية بالمقارنة بالسلف، ول ال لنا مهما فعلنا بالوصول إلى مستواهم، وأن التاريخ وقانون التاريخ يسير إلى الوراء ل إلى المام، وأننا أمام

إما نقل الحاضر إلى الماضي، أو جر الماضي إلى الحاضر، ول يوجد أي مستقبل في كليهما، وأن ازدهار الفكر محصور بهذه القرون الثلثة، أما بعدها، فالعاقل هو المقلد!! وكأن عشرات اليات الواردة في التنزيل الحكيم التي تحدثت عن الذين

يعقلون والذين يتفكرون، هي مخصوصة بأهل تلك القرون، أما نحن.. فل عقل لدينا ول فكر إل التقليد. ونحن نقول، إن هذا الحديث بالذات، وهو من حديث الحاد، بالشكل الذي يرد به في صحاح كتب الحديث، يناقض العمود

الفقري للعقيدة السلمية، ولقوانين التاريخ في القصص القرآني، التي تشير كلها إلى تقدم المعارف والتشريع، ل إلى تخلفها. لقد حصلت في هذه القرون الثلثة، معارك الجمل)3(ويناقض حديث "مثل أمتي مثل المطر، ل يدري أو له خير أم آخره"

وصفين، وقتل الصحابة بعضهم بعضا، وتم إلغاء الشورى من السلم، وترسيخ الستبداد السياسي، واستلم الحكم بالقوة، وتحويله إلى وراثة بالقهر، وترسيخ السلطة المطلقة للخليفة، وتم عصيان أمر النبي صلى ال عليه وسلم بعدم كتابة وتدوين

أحاديثه، فإذا صح هذا الحديث إلى جانب ما ذكرنا، فعلينا أن نقبل كل التخلف الذي نحن فيه، وعلى رأسه الستبداد السياسي وغياب الديموقراطية، وأن ل نطمح بأن يكون لنا في العالم دور نساهم فيه بصنع الحضارة والتقدم. وإذا صح هذا الحديث،

.188فهذا يعني أنه يكذب قول ال سبحانه (ولو كنت علم الغيب لستكثرت من الخير وما مسني السوء…) –العراف لقد انقطع النبي صلى ال عليه وسلم من لحظة وفاته عن الدنيا، فلم تعد له علقة بكل ما حدث بعده، وعلقة الحديث واضحة

بارتباطها بأسباب سياسية واقتصادية وشعوبية وثقافية وعقائدية، لتجعل منه صلى ال عليه وسلم مرجعا لتبرير كل هذه المواقف لصحابها. هناك من يقول: علينا أن نستعمل موازين العلم والمنطق لدينا لفهم السلم، فيرد عليه من يقول: إنك بهذا

تخالف الحديث!! ونحن نسأل، هل كل ما طرح في هذه القرون يجب أن نقبله بالضرورة؟ إن ال سبحانه لم يفوض أهل

Page 72: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

القرون الثلثة بالتفكير عنا، فأعطاهم العقل والفكر، وجردنا منهما، فأصبحنا ليس لنا إل التقليد. وال سبحانه ل يمكن أن يأمر الناس بأمر، إل إذا كانوا قادرين عليه، فهو قد أمرهم، مثل، بالصوم، وهذا يعني بالضرورة أنهم

يستطيعون ذلك، بدليل أنه استثنى غير المستطيع. وأمرهم، مثل، بالسير في الرض والنظر (قل سيروا في الرض فانظروا - ولو كان مستحيل أن يستطيع الناس من النظر في الرض والسير فيها، معرفة بدء الخلق20كيف بدأ الخلق…) العنكبوت

لما أمرهم بذلك. وجاء الوربيون وطبقوا هذه الية، ومازالوا يعملون بها حتى اليوم، فتوصلوا بذلك إلى اختراع الكثير من التجهيزات التي ساعدتهم على المعرفة، وعلى استعمار الرض، وشعوب الرض، أما نحن.. فتركنا العمل بالية، ونظرنا في

كتب الثر ولسلف، وجعلناها حجتنا في بدء الخلق، وأرحنا أنفسنا من عناء البحث والنظر والسير في الرض. ورغم أننا استعمرنا، وصرنا سخرية المم، فمازلنا نصر حتى الن على التمسك بما ورد في الثر، ضاربين بالية عرض الحائط

وكأنها ل تعنينا. ومع هذه النظرة الدونية إلى أنفسنا، التي ترسخت في دائرة وعينا، ومع الصرار الشديد على أن ل يكون هناك مجتهدون

وعباقرة في مستوى القرون الولى، وعلى أنك مهما فعلت أيها النسان، فهم أفضل منك.. تتحول هذه الطروحة إلى نوع من القهر والضطهاد الفكري، كما لو أن ال سبحانه أعطى العقل فقط لولئك الناس، وفوضهم ليفكروا عن كل الجيال اللحقة إلى أن تقوم الساعة، وحاشاه سبحانه أن يفعل ذلك، والحساب عنده في أحد وجهيه فردي على السلوك يوم القيامة (كل نفس

- (بل النسان286- (ل يكلف ال نفسا إل وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) –البقرة 38بما كسبت رهينة) –المدثر - (وأن ليس للنسان إل18- (ول تزر وازرة وزر أخرى) –فاطر 15 و14على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره) – القيامة

.40 و39ما سعى * وأن سعيه سوف يرى) –النجم لقد تم تسليط سيف السلف على كل فكر حر نقدي إبداعي فجمدت عقول الناس بالقهر، ترغيبا تارة وترهيبا تارة أخرى، وتم

استغلل عواطف المسلمين في حبهم ل ورسوله أسوأ استغلل، واندفع المسلمون للقتال والدفاع عن جهلهم، تحت شعار حب ال ورسوله. كل هذا بسبب عدم التفريق بين النص الموحى إلى الرسول صلى ال عليه وسلم وبين ما قاله الناس عنه. فثمة

أمران مختلفان تماما، تم دمجهما وتقديمهما كأنهما أمر واحد، آيات الحكام والفقه السلمي. كما تم الدمج بين التنزيلوالتفاسير كأنهما شيء واحد، رغم أن الول من عند ال، والثاني من عند الناس، ورغم الفرق الكبير بينهما.

لقد تم إسقاط هذا الستبداد الفكري، والنظرة الدونية للذات، على كل نواحي الحياة، فالطالب يفوض أستاذه بالتفكير عنه، حتى غدا المنهج التربوي التعليمي من الناحية التربوية تقليدا أعمى تحت شعار الحترام، ومن الناحية التعليمية تلقينا من الستاذ للطالب، وغدت المتحانات ذاكرة حفظية، ل امتحانات فهم للمعلومات وتفاعل معها. مع إهمال ن أساس التعليم، هو تعليم

النسان كيف يفكر، وأن القادر على التفكير هو القادر على البداع. لقد أصبنا بداء الكسل الفكري في ظل هذا النوع من الستبداد، فأصبحنا نفوض الخرين بالتفكير عنا، ونأخذ ما قالوا دون مناقشة، فالمهم عندنا من قال، وليس ماذا قال. لن العلم

مبني عندنا على الثقة وليس على البينة. هناك قول منسوب للمام علي بن أبي طالب –رضي ال عنه- بعد معركة الجمل ومقتل عدد من الصحابة، حين سأله أحد

الناس: أيعقل يا أمير المؤمنين أن يكون هؤلء على باطل؟ فقال المام: ويحك، الحق ل يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله!!. لقد أصبحنا، بدل من البحث العلمي، نسقط أهواءنا على تفسير الحداث معتمدين مبدأ التجويز، بعيدين كل البعد عن

- أي أن العلم36قوله تعالى (ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول) –السراء الجدير بالتباع هو المبني على الدراك الفؤادي والبينات المادية. وأصبحنا نكيل التهامات، بدل من إزعاج أنفسنا بالبحث

عن البينات وتقديمها. توجه هذا الستبداد الفكري، الذي تجلى وتجسد بظاهرة تفويض الخر، وبالنظرة الدونية للذات، إلى الدول الوربية، فأصبحنا

مصابين بعقدتين: عقدة دونية تجاه الغرب والدول المتحضرة، وعقدة دونية تجاه السلف. وغدونا مستسلمين ثقافيا، إما للسلف أو للغرب، إذ يستحيل أن يكون النسان قزما أمام السلف، وعملقا أمام الغرب. وهذه هي الناحية المطلوب تغييرها في أنفسنا

- الستبداد المعرفي3ثانيا، ليغير ال ما بنا، طبقا للية.النوع الثالث من الستبداد هو الستبداد المعرفي بشقيه، استبداد الموضوع والمنهج، واستبداد الداة والنظام.

فإذا أخذنا النزيل الحكيم، من جانب استبداد الموضوع والمنهج، ونظرنا إلى عدد آيات الحكام، لوجدناها تشكل أقل نسبة من المجموع الجمالي للتنزيل، ولرأيناها جاءت لكل الناس، دقيقة الدللة، لكنها تفهم حسب الداة المستعملة في الفهم (الجتهاد).

فإذا نظرنا في المثلة التالية من اليات: - (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين،1

Page 73: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

وإن كنتم جنبا فاطهروا، وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، ما يريد ال ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم

- (أم الكتاب-أحكام).6تشكرون) –المائدة - (ولقد خلقنا النسان من سللة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا2

(قرآن-قوانين خلق).14-12المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك ال أحسن الخالقين) المؤمنون - (ألم تر أن ال أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم3

) (قرآن-قوانين مياه ونبات).21يجعله حطاما، إن في ذلك لذكرى لولي اللباب) (الزمر ولننظر ماذا كتب المسلمون عن هذه اليات المختلفة خلل أربعة عشر قرنا.

- لقد كتبنا عن آية الوضوء كتبا بأكملها في صفحات طوال، رغم أنها من الحكام المفروضة على كل ذي عشر.1 - بينما ل نجد في كتب التراث كلها عن آيات خلق النسان، سوى بضع صفحات فيها كثير من الوهم العلمي، علما أن أي2

عالم من علماء الجنة، مؤمنا كان أم كافرا، يرى فيها صورة كاملة لتطور الجنين في رحم الم، ويقبلها كحقيقة علميةموضوعية.

فإذا استعرضنا ما كتب حول هذا الموضوع في العالم خلل نصف القرن الخير، نرى أنها مجلدات ومجلدات، كل ما فيهاضروري ومفيد.

- أما آية الينابيع والزرع في سورة الزمر، ففيها علمان من أكبر العلوم وأعقدها، هما علم المياه الجوفية (الهيدرولوجيا)3 وعلم أصل وتطور النبات (بوتاني)، ل يحوي التراث عنهما سوى القليل من الصفحات معظمها خطأ، ونرى عشرات

المجلدات التي كتبت عن هذين العلمين في القرن العشرين وكلها ضرورية ومفيدة. من هنا يتبين لنا نقطة التخلف التي نعاني منها، وهي أن كتب التراث استفاضت ببحث آيات الحكام في مجلدات كثيرة،

وكانت هزيلة في بحث مواضيع الكون والوجود والتاريخ في آيات القرآن، ونفهم في ضوء ذلك ما رمت إليه الية في قوله.30تعالى (وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) –الفرقان

لقد شمل وحي ال إلى رسوله الكريم آيات المواضيع كلها، الحكام والتشريعات، والقرآن والقوانين، والتفصيل والوصف، وتوجهت كلها إلى الذين يعقلون. والذين يتفكرون، وكانت نسبة آيات الحكام إلى مجمل التنزيل قليلة كما قلنا، ومع ذلك كله، نجد كتب الفقه واللغة والتفسير والحديث تنذر مجلداتها لهذا القليل، تاركة ما كان يجب أن تتصدى له من شرح للقرآن، الذي يحتاج إلى آلف المجلدات. من هنا ترانا نقول مع القائلين بأن الحضارة العربية السلمية حضارة فقه ولغة وكلم، وليست

حضارة علوم. والطريف أن نسبة توزع كتب العلوم والدب والقانون في البلدان المتحضرة، تتناسب مع بنية المصحف، فإذا أخذنا مكتبة

الكونغرس المريكي مثل، وأحصينا الكتب الصادرة في أمريكا خلل مئة عام مضت، نرى أن نسبة الكتب العلمية، بما فيها التاريخ والفلسفة، تفوق كثيرا نسبة كتب التشريع والقانون والتربية والسياسة، أي أن نسبة مواضيع القرآن تفوق كثيرا

مواضيع الحكام. وهذه هي البنية السلمية السليمة التي تتطابق مع بنية التنزيل الحكيم في حجم المواضيع وتنوعها، فهناك توازن بين أبحاث

أم الكتاب، وأبحاث القرآن، هذا التوازن لم يحصل في الحضارة العربية السلمية، ولم يصحح حتى الن، فما زالت مجلدات أم الكتاب في الحكام والتشريعات أضعاف أضعاف ما يكتب في القرآن وقوانين الخلق والوجود والطبيعة بمختلف علومها،

وهذا يقف بنا أمام استبداد الموضوع والمنهج في الستبداد المعرفي. إذا تخيلنا مجموعة من الناس تعيش في بلد ما، تعلمت من مشايخها وتراثها الصلة، والوضوء والحج، والزكاة، والتقوى

والزهد، لكنها لم تسمع دروسا في الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك والطب، فستظن أنه ل يوجد علم، إل هذا الذي تلقته. وقد حصلت هذه الظاهرة فعل خلل قرون عديدة من عصور النحطاط، إذ ترسخ في أذهان الناس أن العلم، هو هذا الذي

سمعوه من المشايخ، وأن من يدرس هذا العلم اسمه عالم، فأطلق لقب العلماء على الذين يدرسون هذه المواضيع، ولم يطلقوه على غيرهم، لسبب بسيط هو أنه ل يوجد غيرهم، وبقيت هذه الحالة إلى يومنا هذا. فالعلماء هم علماء الصلة والوضوء

والحج، وعلماء هل التلفزيون حلل أم حرام، أما اختصاصيو الطب والفلك وسائر العلوم القرآنية الخرى، فل يطلق عليهمهذا اللقب، للسبب التاريخي البحت الذي أسلفناه.

وعندما تمر الجيال المتعاقبة بهذه الحالة، تصاب بداء الجهل المطبق، وتفقد ملكة المحاكمة العقلية وملكة التفكير، لن العلوم تحتاج إلى فكر ومحاكمة عقلية بقيت مفقودة عدة قرون، وخبا معها الفكر العربي السلمي ونام. وعندما بدأت العلوم تدخل

إلى العالمين العربي والسلمي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بدأت علومنا وعلماؤنا بالحتجاج. ثمة نموذج نضعه بين يدي القارئ، هو "حاشية الطحطاوي في فقه أبي حنيفة النعمان" ليرى معنا كيف تعمل الممكنات العقلية

Page 74: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

في الفقه، حتى تصل إلى حد المضحك واللمعقول، الذي لم تنتبه إليه إل في القرن العشرين، عندما غزت بقية العلوم الوطنالعربي، وظهر التمرد.

ولكن التمرد وحده ل يكفي، بل يجب تقديم بديل منهجي للمنهج الذي وضع في القرن الثاني الهجري، واستنفذ حتى الن. إن هذا النوع من الخلل يولد الجهل والستبداد المطلق، فالنسان الذي يسمع فقط بما هو حلل وما هو حرام، وما هو مسموح وما

هو ممنوع، تتولد لديه ملكة المسموح وغير المسموح، عوضا عن ملكة المعقول وغير المعقول، والموجود وغير الموجود. والجاهل ل يسأل لنه ل يعرف أسباب تعاسته وتخلفه، فالنسان يطلب الشياء بحسب معرفته لها، فالذي ل يعرف شيئا ل يطلب شيئا. لهذا استمر سبات العرب والمسلمين قرون عديدة، إضافة إلى فلسفة السبات التي صاغها الغزالي وابن عربي،

وفقه السبات الذي أطره الشافعي. فإذا انعكس الخلل، أي اهتم المجتمع بمواضيع العلوم القرآنية، وأهمل مواضيع التشريع والحكام، فسيحصل ما حصل في

الثورة البولشيفية، وقاد الحزب الشيوعي هذه الثورة الدموية العنيفة، وكانت1917التحاد السوفياتي. إذ قامت في عام الشعوب التي تشكل التحاد السوفياتي شعوبا أمية جاهلة، فتقدم العلم، وفتحت الجامعات ومعاهد البحث العلمي، وحصلت قفزة

هائلة في شتى حقول العلوم الونية، لكن مقابل ذلك ثبتت أطر الدولة التي أسسها لينين على مبدأ الحزب الواحد وديكتاتورية البروليتاريا، كبنية تصلح مؤقتا لفترة الثورة. ومع تقدم الزمن تقدم الشعب السوفياتي في العلم. وزادت المعلوماتية عند

هي1987الشعب، وظلت بنية الدولة دون تطوير يتناسب مع وعي المواطن، وبقيت أطروحات الحزب الشيوعي في عام ، وتخلفت الدولة السوفياتية في بنيتها الدارية والحقوقية والقضائية، فمع طبع مليين الكتب1917نفس أطروحاته في عام

العلمية في ظل الثورة العلمية، بقيت المنظومة الحقوقية والقضائية والدارية في الدولة مبهمة وغير محددة. ول نرى كتبا في الحقوق والدارة والقضاء والفلسفة في التحاد السوفياتي، إل ما ندر، تتناسب مع القفزات العلمية في العلوم

الخرى. فمن الناحية الحقوقية، كان غير معروف تماما وغير محدد كيف تدار الدولة، هل تدار بالقانون أم بالتعليمات الحزبية؟ ووصل المر إلى أن كل شيء ممنوع، عدا ما يسمح به الحزب والدولة، عوضا عن أن يكون العكس. ومع تقدم

العلوم، تقدم وعي الشعب السوفياتي، ولحظ الخلل في بنية الدولة وإدارتها، خاصة بعد ثورة المعلوماتية الهائلة التي أحدثها بعد أن كان الحزب الشيوعي أمام الناس، يقودها1917الحاسوب، ومحطات الفضاء، وسرعة انتقال المعلومات. ففي عام

وراء الناس، تقوده خلفها، وغدا عشرة في وجه التطور، كل ذلك بسبب الطار الذي وضعه لينين1987خلفه، أصبح في عام لبنية الدولة وقيادتها، وخاصة إطار الحزب الواحد.

فلينين بنى الدولة السوفياتية، واللينينية قضت على الدولة السوفياتية. والتحاد السوفياتي كان دولة متقدمة علميا، متخلفة إداريا ودستوريا وقانونيا وقئيا، مما أثر تأثيرا بالغا على علقة الناس بالدولة والسلطة. هذه الناحية بالذات لم يقع فيها النبي صلى ال

عليه وسلم فقد أسس لدولة العربية السلمية، طبقا لتطور العرب التاريخي آنذاك، وطبقا لحكام أم الكتاب لهذا اتطور، معالتأكيد على العبادات ووضعها خارج السياق التاريخي للدولة وللمجتمع.

ولكن مع السف، جاء العصر الموي ليرسخ هذا التأطير من الناحية السياسية بالستبداد السياسي المطلق، وجاء الشافعي ليرسخ هذاا لتأطير من الناحية الفقهية، ثم استحكم تأطيرها من الناحية العقائدية والفلسفية على يد الشعري والغزالي وابن

عربي. فالدولة التي أسسها النبي صلى ال عليه وسلم وتركها مفتوحة للحنيفية في كل زمان ومكان، قضى عليها معاوية والشافعي والشعري والغزالي وابن عربي. وتجدنا اليوم ونحن ندافع عن السلم الذي وصلنا، ندافع عن هؤلء، وعنالسلم التاريخي الذي وضعوه، ول ندافع عن التنزيل الموحى إلى محمد صلى ال عليه وسلم، ول عن السنة النبوية.

من الثابت أن الحضارة العربية السلمية كان لها تأثير كبير على صنع عصر النهضة في أوروبا، الذي بدأ من الناحية بسقوط القسطنطينية. ولكن قبل هذا كان هناك مخاض فكري آذن ببداية هذا العصر. بدأ هذا المخاض بنقل1453الشكلية عام

م هو الفيلسوف العربي الذي انتقلت كتبه إلى1198الفلسفة العربية السلمية إلى اللتينية، فكان ابن رشد المتوفى عام اللتيية، وفعلت فعلها في الفكر الوروبي، حتى اضطرت الكنيسة إلى منع كتبه عدة سنوات، ثم اضطرت بعد قيام توما

الكويني بالصلح الكنسي إلى تسمية تأثير فلسفة ابن رشد "الرشدية اللتينية". وأثر ابن سينا على الفكر الوروبي في الطب، فتم تدريس قانونه في أوروبا مئات السنين. كما أثر ابن الهيثم في الضوئيات

والبصريات.. ولكن أين حضور كل هؤلء في العقل العربي؟ لقد أحرقت كتب ابن رشد في شوارع قرطبة على يد "علمائها"، ومات في المنفى، ولم يبق في طول البلد وعرضها من يستحضر ابن رشد في ذاكرته عند الكلم عن السلم، بل يستحضرعوضا عنه، حجة السلم الغزالي الذي نظر إلى الفلسفة نظرة محتقرة، واتهم الفلسفة بالزندقة في كتابه "تهافت الفلسفة".

وإذا كان حظ هؤلء العلم، الذين أثروا على الفكر الوروبي فأخرجوه من الظلمات إلى النور، هو ما شرحناه في الفكر العربي السلمي، فماذا كان تأثير الشافعي وأبو الحسن الشعري والغزالي وابن عربي على الفكر الوروبي؟ والجواب ل

شيء!! فهؤلء ليس لهم أي حضور في الفكر الوروبي ل الن، ول في الماضي.

Page 75: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

قلنا إن الفكر الوروبي تأثر تأثرا مباشرا بابن رشد وابن سينا وابن البيطار وابن الهيثم وابن النفيس، ووقف بفضلهم على أبواب عصر نهضته، ولكن، هل بقي افكر الوروبي يجتر هؤلء ويكررهم إلى يومنا هذا، أم تجاوزهم ليصبحوا من منسياته

في مسيرته التاريخية؟ لقد تجاوز الفكر الوروبي ابن رشد بمراحل عديدة حتى كاد أن يصبح منسيا غل من مؤرخي تاريخالحضارة، وقل مثل ذلك بالنسبة لبقية العلم.

فإذا كان الفكر الوروبي قد استطاع أن يتجاوز هؤلء العلم العرب والمسلمين الذين أثروا به في صنع حضارته، فهل استطعنا نحن أن نتجاوز الشافعي في أصول الفقه ونضع أصول جديدة؟ وهل استطعنا تجاوز البخاري ومسلم ووضعنا أسسا في تنقيح الحديث النبوي؟ وهل استطعنا تجاوز حجة السلم الغزالي؟ وهل استطعنا تجاوز الشيخ الكبر والكبريت الحمر

ابن عربي؟ وهل استطعنا تجاوز علماء الكلم المعتزلة والشعرية معا؟ وهل استطعنا تجاوز الطبري وابن كثير؟ بالعكس… فقد تمسكنا بهم أكثر من ذي قبل، وظننا المخرج والحل عندهم، وهنا تكمن المشكلة!! فبدل من أن يصبح هؤلء من اهتمام

مؤرخي الفقه وعلم الكلم، والفلسفة وعلم الحديث، أصبحوا بما كتبوه عين السلم، وأصبحت كتبهم تقدم كما هي، فيطباعات أنيقة بعشرات اللف إلى الناس لتعليمهم السلم، على أنها هي السلم!!

ثمة نوعان منا لفسفة ومناهج التفكير: الول، فلسفة الغروب أو فلسفة النوم، والثاني فلسفة الشروق والفجر أو فلسفة الصحوة هـ492م، أي أن احتلل الصليبيين بيت المقدس عام 1113هـ 505م وتوفي عام 1058هـ 450والعمل. فالغزالي ولد عام

م، وتوفي ابن عربي عام1187م بعد معركة حطين عام 1198م حصل وهو على قيد الحياة. بينما توفي ابن رشد عام 1099م، فانظر كيف جاء ابن رشد في صحوة بين نومين!!1240

لقد عاصر ابن عربي ابن رشد في شبابه قبل أن يهاجر إلى المشرق، وظهر أتباع هؤلء الثلثة عندما كانت الحضارة العربية السلمية في غروب يتعبه نوم وسبات، وعندما كانت أوربة قد وصلت إلى مرحلة شروق الفجر بعد سبات طويل. لذا، فليس بالمر العجيب أن يصبح الغزالي حجة السلم، ويصبح ابن عربي شيخا أكبر، بعد أن قدما للناس النائمين ما يصلح للحلم

السعيدة (ترك العقل والفلسفة… ترك الدنيا باسم الزهد والتصوف… جهاد النفس… حدثني قلبي عن ربي… التواكل…تفويض الخر بالتفكير… تهميش الناس بشكل كامل نهائي وغبعادهم عن المجتمع والحكم والدولة).

لهذا كله لقي الغزالي وابن عربي إقبال شديدا لدى الناس، ووجودا حاضرا في عقولهم حتى يومنا هذا. أما من الناحية الفقهية،فكان أتباع المذاهب الربعة يعملون في الممكنات العقلية في الفقه والحواشي، حتى غدا الفقه اجترارا للمعلومات.

فإذا كانت فلفة ابن رشد، كما تدلنا قراءات التاريخ، فلسفة فجر وشروق، تصلح لناس يريدون أن يعملوا العقل والمنطق والتفكير، فلماذا دخلت أوروبا، ولقت قبول عندها، ولم تلق قول في العقل العربي؟ السبب في ذلك هو الشق الثاني من

الستبداد المعرفي، استبداد الداة. لقد تم في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري البدء بتدوين التاريخ العربي السلمي واللغة العربية، بما في ذلك العصر

الجاهلي. وبدأت عملية استرجاع الذاكرة في كل شيء (عدا المصحف الذي جرى نسخه في عهد الخليفة عثمان ابن عفان) فتم استعمال أدوات استرجاع الذاكرة، كالتواتر الشفهي، والرقاع الخطية المتناثرة، وفي مجال اللغة العربية تم الرجوع إلى

البداوة، وتم تأطير اللغة على يد سيبويه. وبالمقارنة، فإن في عصرنا الحاضر من أدوات استرجاع الذاكرة ما يقابل التواترالخبري الشفهي كالصحافة والطباعة والكاسيت والفيديو، والهاتف.

ويمتاز عصرنا بسرعة انتشار الخبر والتصالت (الطائرة، التلفون، التلكس، الفاكس…) فإذا كانت السلطة في عصرنا تستطيع مع الموقف اليديولوجي لناقل الخبر المناورة في الخبر والتأثير في صياغته، فما بالكم إذا كانت السلطة استبدادية، والناقل متحيزا، وأدوات استرجاع الذاكرة ضعيفة؟ لقد كان الناس أسرى السلطة السبتدادية والموقف اليديولوجي والداة

البدائية في استرجاع الذاكرة، وهذا ما أثر تأثيرا بالغ الخطورة على استرجاع الذاكرة، وعلى صياغة هذا السترجاع وتقديمه،خاصة في الحديث النبوي.

فقد وصلتنا الحاديث التي قالها النبي صلى ال عليه وسلم لشخاص أو لشخص واحد (أحاديث الحاد)، ولم تصلنا خطب الجمعة التي خطبها، وسمعها كل المسلمين آنذاك، والتي يصل عددها إلى أربعمائة خطبة على القل، وكان المفروض أن

تصلنا بالتواتر. والسبب في ذلك هو النواحي الثلث مجتمعة: ضعف الداة، موقف السلطة الستبدادي، والموقف اليديولوجيللناقل.

ضمن هذا المنظور ثلثي الجوانب، ل يمكن أن يقوم شيء اسمه الموقف الحيادي، فبمجرد اهتمام البخاري ومسلم بأحاديث الحاد وتصحيحها، وعدم التفاتهما إلى خطب الجمعة التي سمعها المسلمون المصلون جميعا من النبي صلى ال عليه وسلم، يوضح أمامنا مدى التحفظ الذي يجب أن نتسلح به، على الناقل وموقفه اليديولوجي، ونحن نقرأ ما ورد في صحيحهما من

أحاديث. ومجرد معرفتنا بأن تدوين الحاديث، وكتابة الخبار والتواريخ، تم في عهد الستبداد السياسي، يجعلنا نشك في حياد السلطة

Page 76: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

المستبدة التي تم التدوين في عهدها، ونضع إشارات استفهام كثيرة على الحاديث النبوية المتعلقة بأمور الحكم، وعلى رأسها حديث حذيفة ابن اليمان، عند مسلم، وفيه ما فيه من الحث على قبول الظلم، وإعطاء الستبداد المبرر العقائدي، فقد حدث حذيفة أن النبي صلى ال عليه وسلم "قال: يكون من بعدي أئمة ل يهتدون بهدايتي ول يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس، قال قلت: كيف أصنع يا رسول ال إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للمير وإن

. )4(ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع" ونحن إذ نرى في هذا الحديث ترسيخا للستبداد والظلم، ننزه الرسول العظم عن قول مثله، وهو الصادق المصدوق الذي

جاء عن ربه بآيات الظلم والظالمين. أمر آخر تم في القرن الثاني الهجري هو تأطير السلم من النواحي العقائدية والفقهية والفسفية، على يد الفقهاء الخمسة وعلى

رأسهم الشافعي، ولما كان النسان يولد خاليا من المعلومات طبقا للطروحة القرآنية، وأن المعلومات تأتيه من الوالدين والمجتمع، بما في ذلك علوم الدين، لذا فإن طريقة استنباط المعارف تخضع لمستوى التطور المعرفي للعصر الذي تحصل به

المعارف، فكيف قام الفقهاء بهذا التأطير الذي ندافع نحن عنه اليوم؟ لقد حصل هذا، عندما اتسعت رقعة الدولة ودخلتها قوميات غير عربية. فظهرت الحاجة إلى تأطير السلم التشريعي ضمن أسس معرفية، عرفت فيما بعد بأصول الفقه. وكان ثمة مدرستان: مدرسة أهل الرأي، يتزعمها أبو حنيفة النعمان، ومدرسة أهل الحديث، يتزعمها الشافعي. فعندما أراد الشافعي تأسيس هذه المدرسة، وإعطاءها أبعادها وأطرها اليديولوجية، اعتمد

على ما يلي: - احتواء التنزيل الموحى إلى محمد صلى ال عليه وسلم على حل لكل المشاكل التي تعترض النسان في حياته، منذ البعثة1

- فهو يقول: "فليست تنزل بأحد من38إلى أن تقوم الساعة، معتمدا على قوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء) –النعام ).20دين ال نازلة إل وفي كتاب ال الدليل على سبيل الهدى فيها" (الرسالة ص

- سعة اللغة العربية بشكل ل يمكن أن يحيط بها إل نبي. فيقول: "ولسان العرب أوسع اللسنة مذهبا، وأكثرها ألفاظا، ول2).42نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي…" (الرسالة ص

- إن اللغة العربية غنية بالمترادفات. فيقول: "… وتسمى الشيء الواحد بالسماء الكثيرة، وتسمى بالسم الواحد المعاني3).52الكثيرة…" (الرسالة ص

، يقصد به السنة واستقللها بالتشريع،81 وآل عمران 113 - إن مصطلح الحكمة الذي ورد في التنزيل الحكيم، النساء 4 واعتبارها وحيا من نمط مغاير لوحي التنزيل، أي اعتبارها إلهاما. فيقول: "كل ما سن رسول ال مما ليس فيه كتاب، ومما

كتبنا في كتابنا هذا، من ذكر ما من ال به على العباد من تعلم الكتاب والحكمة: دليل على أن الحكمة سنة رسول).32ال…" (الرسالة ص

- إن الجماع يعني جيل الصحابة رضوان ال عليهم. أي أنه فرق بين التواتر والجماع، لستبعاد أن يفعل الصحابة ما فيه5.)5(مخالفة لسنن النبي صلى ال عليه وسلم

ونحن نرى أن الحكمة ل تعني السنة النبوية ل من قريب ول من بعيد. والقول بأنهما شيء واحد خطأ، حصل من عطف - ومن اعتبار113الحكمة على الكتاب في قوله تعالى (.. وأنزل ال عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم…) –النساء

أن الكتاب هو كل ما بين دفتي المصحف، فهي إذن شيء آخر غير التنزيل وهي إذن السنة النبوية، والسنة النبوية إذن وحيلها قوة التنزيل في التشريع!!

لقد بينا أن الحكمة تعليمات أخلقية، وردت كجزء من أم الكتاب، هي الوصايا العشر عند عيسى كما في قوله تعالى (ويعلمه - ووردت أيضا في سورة السراء، بدءا من قوله تعالى (وقضى ربك أل48الكتاب والحكمة والتوراة والنجيل) –آل عمران

تعبدوا إل إياه…) إلى قوله تعالى (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة…). ونلحظ في هذه اليات أنه ل يوجد فيها تشريع،ولكن فيها شرحا للوصايا، إضافة إلى تعليمات أخلقية ليست تشريعية.

ولقد بين التنزيل الحكيم بشكل قاطع، بأن الحكمة ل تحتاج إلى نبوة، ول إلى رسالة، وذلك في قوله تعالى (يؤتي الحكمة من -. فلقمان أوتي الحكمة وهو ليس بنبي269يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، وما يذكر إل أولو اللباب) –البقرة

ول برسول في قوله تعالى (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر ل، ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن ال غني حميد) - فإذا كانت الحكمة هي السنة، فأين هي السنة عند نوح وهود وشعيب وصالح وموسى وعيسى إلياس وإسماعيل12–لقمان

-81وإبراهيم ويوسف، وهؤلء يشملهم قوله تعالى (وإذا أخذ ال ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة…) –آل عمران وأين السنة عند آل إبراهيم الذين قال عنهم تعالى (أم يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب

-.54والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) –النساء إننا نرى أن الحكمة ل تعني السنة أبدا، والسنة النبوية ليست بوحي قطعا، فالحكمة ل تنقطع على ألسن الحكماء، إلى أن يرث

Page 77: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

ال الرض وما عليها، وقد استعملت الحكمة على أنها السنة النبوية، لعطاء السنة نفس مشروعية التنزيل. فكل رسول عندهحكمة، ولكن ليس كل من أوتي الحكمة رسول.

علينا أن نميز هنا بين مصطلح الحكمة في التنزيل، ومصطلح الحكم في التنزيل أيضا كمفهوم مختلف. فقد ورد الحكم في قوله - للدللة على أم الكتاب، التي تعتبر الحكمة جزءا منها. وورد في قوله تعالى37تعالى (وكذلك أنزلناه حكما عربيا) –الرعد

اسما17- وهذا يعني أن لوطا رسول (حكما) ونبي (علما). وقوله تعالى بعد أن أورد 74(ولوطا آتيناه حكما وعلما) –النبياء –فالمعنيون بـ "أولئك" كلهم أنبياء، لذا89لرسول ونبي في سورة النعام (أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة) النعام

قال "النبوة" ومنهم رسل ليسوا أصحاب كتاب مثل إلياس وإسماعيل، لذا قال "الحكم"، ومنهم رسل أصحاب كتاب (مجموعةتشريعات كاملة) مثل موسى وعيسى، لذا قال "الكتاب".

وبما أنه يتكلم عن أنبياء يوحى إليهم، فهو لم يذكر الحكمة في هذا المقام، الذي هو مقام الوحي. أما الداة الثانية التي استعملت للدللة على أن السنة النبوية وحي، فهي قوله تعالى (والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما

. فلقد جاءت هذه السورة في أوائل التنزيل، وكان المشكوك4-1غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحي يوحى) النجم فيه هو القرآن والنبوة، وليس السنة، لن السنة في أوائل التنزيل لم تكن موضع بحث، إذ لم تكن قد وجدت أصل.

وال سبحانه يعطينا في هذه السورة الدللة المادية المباشرة على أن الموحى إلى محمد صلى ال عليه وسلم هو من عند ال، وليس من صنع البشر، وهذه الدللة هي (والنجم إذا هوى). ومواقع النجوم هي الفواصل بين اليات (فل أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم)، وفهم مواقع النجوم يلعب دورا كبيرا في تأويل اليات، كما دلت سورة النجم على أن مواقع النجوم هي الدللة المادية المباشرة على أن القرآن الموحى إلى محمد صلى ال عليه وسلم من عند ال، ولتدلنا على أنه في

حال سقوط النجم (التقطيع بين آيتين)، وخلو اليات من الفواصل بينها، يصبح الخبر في اليات كاذبا، بدل من أن يكون.)6(صادقا

من هذا كله، نرى أن ل علقة البتة للسنة بالحكمة أو بالوحي، وأن فهم اليات على هذا الشكل فهم ظاهري، يشبه ما ذهبغليه أهل الظاهر في فهم الية (يد ال فوق أيديهم…) فوقعوا في التشخيص، تعالى ال عما يصفون.

والجماع عند الشافعي إجماع الصحابة، فأخرج بذلك حياة النبي صلى ال عليه وسلم والصحابة من التاريخ، مما أمكن معهوضعهم في القرن الربعين في آلسكا، كما هم عليه في القرن السابع في شبه جزيرة العرب.

أما قوله إن اللغة العربية ل يحيط بها إل نبي، فهذا غير صحيح، لن التنزيل جاء إلى الناس كافة، ولن اللغة هي أداة التفكير وأداة التصال لهل الرض جميعا. وأما قوله أنها غنية بالمترادفات، فهناك مدارس لغوية عربية بأكملها ل تقر الترادف

(ثعلب-أبو علي الفارسي-ابن جني-الجرجاني)، وأقر العديد من الدراسات اللغوية الحديثة عدم وجود الترادف في اللغات، ومايظن أنه من المترادفات، إنما يعكس مرحلة من مراحل تطور اللغات النسانية قبل التجريد واكتمال التجريد.

كما نرى أن الدوات التي استعملها الشافعي لتأسيس الفقه السلمي عليها، هي المشكلة وليس السلم نفسه. ونرى أننا بحاجة إلى إعادة تأصيل الصول، وإعادة النظر بأدوات المعرفة المستعملة في القرن الثاني الهجري، واستعمال أدوات معرفية

جديدة للقرن العشرين، يمكن معها أن تؤسس أصول جديدة للفقه السلمي المعاصر. إن لهذه الدوات الموروثة سلطة كبيرة علينا، فمن خللها فهمنا السلم، وأقمنا الحكام، فإذا استعملنا أدوات جديدة لستنباط المعرفة، سنحصل على فقه إسلمي

جديد، وليس على إسلم جديد، وهو أمر مشروع طالما أن ال أعطانا العقل.انظر إلى هرم (المعرفة –الداة- السلطة) في الشكل التالي:

Page 78: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

لتجد أن المعرفة أسيرة أدواتها، ومن هنا تأتي سلطة الداة بالنسبة للباحث، أو ما يسمى بالمدرسة، وتأتي سلطة الباحث المباشرة على العامة الذين ل يعرفون الدوات. كما تأتي سلطة الداة من خلل المؤسسات، فالزهر، مثل، مؤسسة تمثل

سلطة الداة بالنسبة للباحث، وتمثل سلطة المعرفة بالنسبة للعامة. وهذه الحالة يجب أن تنتهي، بإحداث قطيعة معرفية مع أدوات استنباط المعرفة المستعملة سابقا، وباستعمال أدوات جديدة،

وهذه هي المعركة الكبرى التي على الجيال القادمة أن تخوضها، لن سر تخلف المسلمين الفكري يكمن في هذه النقطة بالذات، أي بإدخال أدوات المعرفة المعاصرة في فهم الكتاب والقرآن، وتحديث أصول الفقه السلمي والعقل العربي، وهذا

هدف يستحق التضحية من أجله. إننا نلحظ أن علوم الحديث كلها ازدهرت وتأسست بعد الشافعي وليس قبله، وذلك إيذانا بانتصار النقل وقتل العقل حتى يومنا هذا، أي أن الفقه الموروث نشأ عن مبادئ السلم المطلقة، مضافا إليها الدوات المعرفية المستعملة في ذلك الوقت، متوافقا

، ليوفق بين مبادئ السلم، واستبدادية السلطة القائمة،)7(مع السلطة الستبدادية، فجاء هذا الفقه توفيقيا، أو إن شئت تلفيقيا وانتصرت مدرسة الحديث، وانهزمت مدرسة الرأي، لنها جاءت متوافقة مع رغبات السلطة السياسية، مقرة بالستبداد تحت

- الستبداد الجتماعي4شعار الشريعة. ثم يأتي الستبداد الجتماعي، لتندرج تحته كل العلقات الجتماعية الموروثة من عهود النحطاط وما يمثلها، الراسخة باسم

العراف، التي وصل التطرف فيها أحيانا إلى إدراج التقاليد الجتماعية تحت باب الحلل والحرام. ويتجلى هذا النوع منالستبداد في وجوه كثيرة، نأخذ منها مثال هو صراع الجيال.

لقد تجسد صراع الجيال، كوجه من وجوه الستبداد الجتماعي، تحت شعار بر الوالدين، باضطهاد البناء من قبل الباء. وقد حسم السلم صراع الجيال لمصلحة البناء من الناحية التطورية، ولصالح الباء من الناحية الخلقية. فاليمان بال ل

علقة له بصراع الجيال، الذي يقوم بين المؤمنين والمؤمنين، ويظهر بين الباء والبناء، ويعم المجتمع كله. وقد خصص ال ، بقوله تعالى (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم9سبحانه قصة كاملة عن صراع الجيال في سورة الكهف، بدأت بالية

كانوا من آياتنا عجبا)، إلى قوله تعالى (… فل تمار فيهم إل مراء ظاهرا ول تستفت فيهم منهم أحدا). فتكشف لنا القصة عنالحقائق التالية:

- وجود مجتمع مشرك غير مؤمن بال، في قوله تعالى (هؤلء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لول يأتون عليهم بسلطان بين1).15فمن أظلم ممن افترى على ال كذبا) (الكهف:

- خروج طليعة مؤمنة قليلة شجاعة، تدعو إلى اليمان بال والتوحيد، في قوله تعالى (وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا2.14ربنا رب السموات والرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا)، الكهف

ونقف هنا لنلحظ الدعوة إلى توحيد اللوهية انطلقا من اليمان بالربوبية، فوسيلة الستدلل على ألوهية ال، في حال عدم وجود وحي، هي النطلق من ربوبيته. وأهل الكهف لم يكونوا أنبياء ول رسل يوحى إليهم. أما ذكر اللهة بالجمع عند

قومهم، فهو للدللة على شرك القوم وتعدد اللهة حسب الختصاص، كالخير والشر والخصب والمطر. أما ذكر الله مفرداعندهم، فهو للدللة على إيمان بال الواحد رب السموات والرض.

وللدللة على أنهم قلة قال تعالى (فتية)، وللدللة على أنهم شجعان قال تعالى (وربطنا على قلوبهم). ونفهم أن الدعوة إلىالتوحيد في مجتمع مشرك، ل تبدأ إل بالقلة الشجاعة، لتواجه الجمع الكثير وعداوته.

- إن وعد ال حق، والباطل مهما طال أمده لبد زائل ولو بعد حين، وهذا الحين قد ل يشاهده من دعا إلى لحق، بل يأتي3بعد وفاته.

- إن الساعة آتية ل ريب فيها، وإن الموت كالسبات، كما في قوله تعالى (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إل عشية أو ضحاها).4 - انقسام أهل المدينة في فتية الكهف إلى قسمين بدليل قوله تعالى (إذ يتنازعون بينهم أمرهم…) لكن الكثرية التي غلبت5

هي الكثرية المؤمنة، وهذا يعني أن اليمان فشا بين الناس، وزهق الباطل الذي هرب منه الفتية إلى الكهف. - موت أصحاب الكهف بعد رجوعهم إلى المدينة، بدليل قوله تعالى (لنتخذن عليهم مسجدا)، بعد أن لم يستطيعوا التعايش6

مع جيل يسبقهم بثلثمئة سنة، حتى لو كان هذا الجيل مؤمنا. والسؤال الن: لماذا لم يستطع أصحاب الكهف التعايش مع جيل مؤمن جاء بعدهم بثلثة قرون؟ والجواب هو: لنهم رجعيون. والرجعية اصطلح نطرحه كثيرا في أشكال عديدة وصور شتى، حتى أنه يختلف في دللته من شخص إلى آخر، ومن بلد إلى

آخر. فالرجعي في الحساب، هو الذي يستعمل أصابع اليدين بدل من اللة الحاسبة. والرجعي في البناء، هو الذي يخلط الرمل

Page 79: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

والسمنت والماء بيديه، بدل من الجبالة. والرجعي في الدراسات السلمية، هو الذي يتبنى النظم المعرفية وأدوات استنباط المعرفة السائدة في القرن الثاني الهجري، ويريد الحفاظ عليها في القرن العشرين!! أما التقدمي بالمقابل، فهو الذي يتبنى

النظم المعرفية وأدوات المعرفة السائدة في القرن العشرين بدراساته السلمية، علما أن كليهما مؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر، وكليهما مؤمن بأن النبي صلى ال عليه وسلم خاتم النبياء والرسل. لكن الفضلية تبقى للتقدمي، لنه

قادر على استيعاب الرجعي وفهمه، أما الرجعي فغير قادر على فهم التقدمي واستيعابه، ول يريد ذلك أصل. وأشير هنا إلى الطروحة التي تقول دائما، لو أن ال بعث الصحابة أجمعين في القرن العشرين، لحلوا لنا مشاكلنا، ورفعونا

إلى السؤدد والرفعة. وهذا وهم، لن ذلك لو حصل، لكان شأنهم شأن أهل الكهف. فالصحابة عاشوا في القرن السابع الميلدي، واستعملوا أدوات القرن السابع، وتاريخية القرن السابع، وفهم القرن السابع للقرآن والكتاب، وهذا أمر ل مناص

منه، ولو تواجدوا معنا في القرن العشرين بأرضية القرن السابع، فلن يفيدونا في شيء، وسيكونون عبئا علينا. وهذا هو حال السلفية السلمية، التي تريد أن تحضر الصحابة، وعصر النبوة، والخلفاء الراشدين، إلى القرن العشرين، وتفرضه فرضا

على أنه السلم النقي الصافي، فوقعت في الرجعية السلمية، حين ظنت أنه يمكن أن يكون هناك إسلم بل تاريخ، ووقعتفي صراع مع التقدمية التي ل يمكن أن تفصل فهم السلم عن الشروط التاريخية المنتجة لهذا الفهم.

وهذه الناحية تختلف عن صراع الجيال، فصراع الجيال صراع آباء وأبناء في جيلين، أما صراع الدوات والنظم المعرفية،فهو صراع في جيل واحد.

وتظهر خطورة هذا الصراع، الذي قد يؤدي إلى صدام، من كون الرجعي في الدراسات السلمية إنسانا متشنجا، يريد أن يفرض السلم اللتاريخي على الناس بالقوة كما يراه، تحت حجة حاكمية ال، مستعينا ومعتمدا على السلطة الستبدادية، التي هو بالصل مسوغ وجودها، بإعطائها صفة الشرعية. ففي قصة أهل الكهف حسم الصراع بموتهم جميعا، بعد أن لم يستطيعوا

.)8(التعايش مع ما كانوا هم أنفسهم يدعون إليه ) لقد استعملنا مصطلح الستبداد في كتابنا هذا لشيوعه وتداوله، ولمزيد من التفاصيل حول الطاغية والديكتاتوري والمستبد1(

انظر كتاب "الطاغية" للدكتور عبد الفتاح إمام..3451، وعند البخاري رقم 2533) انظر الحديث بكامل رواياته عند مسلم رقم 2( من تخريج السيوطي، وهو عن أنس عند الترمذي وأحمد، وعن علي5854) انظر الحديث في صحيح الجامع تحت رقم 3(

عند أبي يعلى، وعن ابن عمر وابن عمرو عند الطبراني في الكبير.) انظر صحيح مسلم / كتاب المارة.4(، مطبعة مصطفى البابي الحلبي.1940) الرسالة لمحمد بن إدريس الشافعي، تحقيق أحمد محمد شاكر، الطبعة الولى 5( /دار إحياء التراث العربي بيروت153 ص 127) انظر روح المعاني لشهاب الدين السيد محمود اللوسي البغدادي الجزء 6(

"… وقال جماعة منهم ابن عباس: النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها". ) انظر "درء تعارض العقل والنقل" للمام ابن تيمية الحراني الحنبلي تحقيق الدكتور أحمد رشاد سالم، دار الكتب7(

.1971المصرية ) ثمة أمر آخر، يجدر الوقوف عنده، قبل أن نمضي في شرح أنواع الستبداد، يرد في قوله تعالى (سيقولون ثلثة رابعهم8(

كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم، قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إل قليل، فل . فهل أعطت الية العدد الحقيقي لصحاب الكهف، أم22تمار فيهم إل مراء ظاهرا ول تستفت فيهم منهم أحد) –الكهف

أعطت ما خمنه الناس فقط رجما بالغيب؟ ونحن نرى أنها أعطت الحالتين: - أعطت تخمين الناس في رقمين هما الثلثة والخمسة، بدللة (رجما بالغيب).1 - وأعطت الرقم الحقيقي وهو سبعة، بدللة قوله تعالى (قل ربي أعلم بعدتهم)، كقوله في آل عمران (فلما وضعتها قالت2

لكننا بعد هذا كله نتساءل، ماذا يفيدنا هذا الخبر ونحن في36رب إني وضعتها أنثى وال أعلم بما وضعت…) –آل عمران القرن العشرين، حتىيجعله ال قرآنا يحفظه إلى أن تقوم الساعة؟ وماذا يهمنا فيما قاله الناس عن عدد أهل الكهف، أو عددهم بالفعل، إذا كان الموضوع موضوع عدد فقط؟ وما هو الجانب المهم في هذا الخبر، الصادق قطعا، الذي يجعله يأخذ حيزا في

القرآن؟ الجانب المهم نستنتجه من وضع واو العطف في قوله (سبعة وثامنهم كلبهم)، التي يسميها العرب واو الثمانية، وتأتي في

لسانهم بين السبعة والثمانية. فما هي هذه الواو، وما هي دللتها؟ هي أول واو عطف بالضرورة، وهي للتغاير وليست من باب عطف الجزء على الكل، لن الثمانية أكبر من السبعة وليست

-فهي هنا للتغاير أيضا.5جزءا منها، شأنها في ذلك شأن الواو في قوله تعالى (…ثيبات وأبكارا…) التحريم فإذا أخذنا التطور التاريخي لنظم العد، نرى أن العدد يخضع لنظم عديدة، كالنظام الثنائي، والثني عشري، والستة عشري،

Page 80: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

والذي يهمنا هنا هو النظامان التاليان: - النظام العشري: وهو النظام الذي نتبعه حاليا في الحسابات، أساسه العشرة، ومكوناته من الصفر إلى التسعة، بحيث يمكن1

التعبير عن كل العداد من خلل هذه المكونات وهذا النظام. - النظام السباعي: وهو نظام قديم كان عند البابليين، على أساسه تم تقسيم السبوع إلى سبعة أيام، أساسه السبعة، الوحجة2

الكاملة في هذا النظام، تماما كالعشرة في النظام العشري. حيث ننتقل في النظام العشري، بعد العشرة، إلى مرحلة جديدة هي 3+20 و2+20 و1+20 وننتقل بعد العشرين إلى مرحلة جديدة هي 13، 12، 11 أي 3+10 و2+10 و1+10 و10+1 1+7.. أما في النظام السباعي فالسبعة هي المرحلة الولى في العد، ننتقل بعد اكتمالها إلى مرحلة جديدة هي 23، 22، 21أي 17 أي 3+14 و16 أي 2+14 و15 أي 1+14 إلى رمحلة جديدة هي 14 وننتقل بعد الـ 10 أي 3+7 و9 أي 2+7 و8أي

وهكذا.. ومن هنا جاءت واو الثمانية في الية لتفصل بين السبعة والثمانية، ولتحمل إلينا جانبا هاما من تاريخية الخبر وأرضية نظام

العد فيه، وتفهمنا أن نهظام العد في عصر أهل الكهف كان سباعيا، بدليل عدم ورود الواو بين الثلثة والربعة، ول بين الخمسة والستة، باعتبار هذه العداد ليست وحدات في أساس النظام.

- الستبداد السياسي

ليس القصص القرآني كتاب في التاريخ، يسرد الحوادث بترتيب زمني، لمجرد إخبارنا ماذا فعل زيد أو عمرو. فهذا النوع من السرد موجود في كتب الخبار، وهو من اختصاص المؤرخين. لكن القصص القرآني تفسير للتاريخ وقوانينه، وخط سيره

بالمعارف والتشريعات، وإيراد الظواهر الفكرية والسياسية والقتصادية، التي هي ليست قوانين زمنية كحدث تاريخي، وإنما كقانون تاريخي. مثل ذلك الظاهرة الفرعونية والظاهرة الهامانية والظاهرة القارونية. فالقرآن لم يذكر السم الحقيقي لفرعون، أو لهامان، أو لقارون، بل اكتفى باللقاب كرموز تعبر عن ظواهر الستبداد السياسي، والستبداد الديني العقائدي، والستبداد

المالي القتصادي، وتحالفات هذه الستبدادات الثلثة وعلقتها ببعضها. مرة في القرآن، وتحدثت عنه اليات أكثر مما تحدثت عن74فقد ورد ذكر فرعون، كرمز للستبداد السياسي والسلطة،

الوضوء والرث والصدقات والزواج والطلق والحج مجتمعة، مما يدل على أهميته، وعلى أهمية أن نفهم أن هذه الظواهر والقصص لم تأت لمجرد تسلية النبي صلى ال عليه وسلم كأحداث تاريخية ثم تسجيلها بعد وقوعها. فالقصص القرآني جاء من

المام المبين، أي من قوانين مفتوحة قابلة للتصريف، بدللة قوله تعالى (لقد كان في قصصهم عبرة لولي اللباب، ما كان-.111حديثا يفترى…) – يوسف

إل أن ثمة ثلثة قوانين مغلقة للتاريخ جاء بها القرآن ليست من القصص والمام المبينن بل هي من اللوح المحفوظ، قوانينمغلقة عامة ناظمة للتاريخ غير قابلة للتصريف، هي:

- القانون الذي يشير إلى أن الزمن كفيل بإهلك كل الحضارات، وإلغاء الشكال القديمة وإبدالها بأشكال جديدة، وأن كل1 حضارة تبلى من الزمن، فتبدأ بطور الجنين، ثم الطفولة، ثم الشباب، فالكهولة، فالشيخوخة، فالموت. ثم ينشأ من أحشاء هذه

الحضارة جنين حضارة جديدة… وهكذا، وأن الزمات القتصادية من السباب الرئيسية لهلك الحضارات، كما جاء في –ونلحظ هنا قوله (آل130قوله تعالى (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون) العراف

فرعون) ليعني سلسلة الحضارة الفرعونية بكاملها، كما نلحظ القانون العام (السنين) والقانون الخاص (نقص من الثمرات)وهو ما نسميه الن نقص الستثمارات والزمات القتصادية.

- القانون الذي يقول أن المتيازات الطبقية تؤدي إلى دمار الحضارات (القرى) الذي ورد في قوله تعالى (وإذا أردنا أن2 - إل أن المسافة الزمنية بين سيطر16نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيه فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) –السراء

أصحاب المتيازات الطبقية وبين الهلك قد تطول أو تقصر، فهي مفتوحة، كما ورد في قوله تعالى (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف ال وعده، وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون * وكاين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي

- وأكد هذا القانون في قوله تعالى (وإذا قالت أمة منهم لم تعظون قوما ال مهلكهم أو معذبهم عذابا48 و47المصير) –الحج -.164شديدا قالوا معذر إلى ربكم ولعلهم يتقون) –العراف

- قانون الهلك الحتمي لكل الحضارات قبل يوم القيامة، بغض النظر عن صانع الحضارة هل هو قديس أم شيطان، وهو3 قانون يمكن معرفته فقط لنه مغلق، وجاء في قوله تعالى (وإن من قرية إل نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا

-.58شديدا، كان ذلك في الكتاب مسطورا) –السراء والحديث عن الستبداد السياسي والقتصادي، كمناط لتصريف النساني، وكقوانين مفتوحة من المام المبين، وكمحط للتأمل

Page 81: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

والعتبار، يبدأ باليات التالية: - (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الرض ونري فرعون

.6 و5وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) القصص - (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليوم ول تخافي ول تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من

.8 و7المرسلين * فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) القصص - (وقال فرعون يا أيها المل ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي ياهامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله

).38موسى وإني لظنه من الكاذبين) (القصص - (واستكبر هو وجنوده في الرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا ل يرجعون * فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف

.40-39كان عاقبة الظالمين) القصص .41- (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة ل ينصرون) القصص

- (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه ل تفرح.76إن ال ل يحب الفرحين) القصص

- (وألقي السحرة ساجدين * قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون * قال فرعون أآمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون * لقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف ثم لصلبنكم أجمعين)

.124 إلى 120العراف من - (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين * وقارون

.39-38وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الرض وما كانوا سابقين) العنكبوت - (فكل أخذنا بذنبه فمنهم من ارسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الرض ومنهم من أغرقنا،

.40وما كان ال ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) العنكبوت .24-23- (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب) غافر

- (وقال فرعون ياهاما ابن لي صرحا لعلي أبلغ السباب * أسباب السموات فألطع إلى إله موسى وإني لظنه كاذبا، وكذلك.37 و36زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل، وما كيد فرعون إل في تباب) غافر

وسنحاول من خلل هذه اليات تعريف مصطلحات فرعون وهامان وقارون وإعطاءها مضمونها المعاصر: أما فرعون، فقد اشتقت من جمع فعلين في اللسان العري، وهما أصلن صحيحان، الول (فرع) يدل على ارتفاع وعلو وسمو،

ومنه (الفرع) وهو على الشيء، وفرعت الشيء فرعا إذا علوته، ويقال أفرع بنو فلن إذا انتجعوا في أوائل الناس، وفرعة ). والثاني (عون) وهو أصل صحيح ومنه اشتقت العانة والماعون491 ص 4الطريق ما عل منه وارتفع (ابن فارس م

والعوان، والضربة العوان، التي تحتاج إلى مراجعة (تاج العروس) والحرب العوان، التي كانت قبلها حرب بكر، ثم تكونعوانا كأنها ترفع من حال إلى حال أشد منها (كتاب العين للفراهيدي).

فالعوان هي التي لها قبل ولها بعد، كالبقرة العوان في قوله تعالى (… قال إنه يقول إنها بقرة ل فراض ول بكر عوان بين ذلك . والعوان في البقر هي التي قبلها بكر وبعدها فارض. ومن هذين الفعلين (فرع + عون =68فافعلوا ما تؤمرون) –البقرة

فرعن) نأتي إلى معنى فرعون. ففرعون هو أعلى الهرم في السلطة ويحمل صفة الستبداد (البطش والشدة) وهي ظاهرة كانت قبل موسى وبقيت بعده، تطلق

على ممارسي الستبداد السياسي والبطش والشدة من قل ومن بعد، بغض النظر عن أسمائهم الحقيقية كأشخاص، كرمسيسوتحتمس وأمنحوتب.

وأما هامان، فجاء من فعل (همن)، ونقول المهيمن أي الحافظ والرقيب، كما في قوله تعالى (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا - وهامان جاء لقبا للشخص الحافظ لوامر اللهة والرقيب عليها بين48لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه…) –المائدة

-.23الناس، ومثاله في قوله تعالى (وقالوا لتذرن آلهتكم ول تذرن ودا ول سواعا ول يغوث ويعوق ونسرا) –نوح فجاء ذكر اللهة بصيغة الجمع للدللة على تعدد اللهة، وعلى أن لكل إله هامانه الخاص، وعلى أنه كان لقوم نوح خمسة

آلهة، وعندهم خمسة هامانات، أو ما نسميهم رجال دين، يدعون أنهم حافظون لتعاليم اللهة ورقباء على تنفيذها بين الناس، أي الحفظ كجانب إلهي من المهمة، ورقابة التنفيذ كجانب إنساني للمهمة. وحين يتعدد هؤلء، يصبح لهم رئيس يدعى هامان،

فهامان فرعون كان رئيسا للكهنة، والرجل الثاني في السلطة، أو ما نطلق عليه رأس السلطة الدينية (رئيس العلماء). حتى في حال دين الله الواحد خالق السموات والرض، بعيدا عن الوثنية والصنام وتعدد اللهة، فكل الذين يدعون أنعهم

حافظون لدين ال، رقباء على تطبيقه، وأن الدين يمر من خللهم في التجاهين من ال أو من الرسول إلى الناس، ومن الناس إلى ال، هم من الهامانات، عرفوا ذلك أم لم يعرفوا، شاؤوا ذلك أم أبوا، أشخاصا كانوا أو مؤسسات، فقد جاء السلم للناس

Page 82: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

كافة دونما حاجة إلى هامانات، وإذا رأينا أو سمعنا من يدعي الختصاص بهذا الدين، وأن العلم به يأتي عن طريقه وبوساطتهحصرا لسبب أو لخر، فهو هامان، بغض النر عن اللقب الذي يعطيه لنفسه.

أما قارون فجاء من فعل (قرن)، وهو أصل يدل على جمع، فالقرآن سمي قرآنا لنه قرن بين معلومات اللوح المحفوظ والمام المبين. وعرفه ال سبحانه بفحض الغنى في قوله (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي اقوة) وبأنه ليس له

وطن أو قومية في قوله (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم) فقارون من قوم موسى لكن ال صنفه مع فرعون وهامان في قوله (وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات) كما أخبرنا ال سبحانه في هذه الية بأن هؤلء الثلثة أعوان

(عوان) لهم سوابق وسيكون لهم لواحق، وذلك في قوله (فاستكبروا في الرض وما كانوا سابقين). فقارون فرعون تمثله الن الشركات الحتكارية لكبرى التي ليس لها وطن (متعددة الجنسيات) وتملك من الكنوز (ما إن

مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة) لكن ذلك ل يعني أبدا الرأسمالية الوطنية، أو الغنى المشروع، فقارون لقب لنوع خاص من الغنى، هو الغنى الحتكاري الكبير، وليس الغنى بشكل عام، لن الغنى النسبي والفقر النسبي من ظواهر جدل المجتمعات

النسانية كما أسلفنا. وقد أطلق القرآن على بقية الناس مصطلحا هو (المستضعفون في الرض)، وهؤلء المستضعفون قادرون على مواجهة

فرعون هامان، كما في قوله تعالى (… ونري فرعون وهامان وجنودهما منعهم ما كانوا يحذرون) هنا نلحظ أنه لم يضعقارون مع فرعون وهامان، وهذا ما سنبينه عند دراسة العلقات بين هؤلء الثلثة، فلنأخذ الن صفات كل من هذه اللقاب.

لقد قلنا بأن فرعون لقب وليس اسم علم لشخص بعينه، وقلنا إنه يعني الستبداد السياسي والنفراد بالسلطة، فمقومات هذا الستبداد والنفراد هي: ادعاء الربوبية، واداء اللوهية. أما ادعاء الربوبية كما في قوله (أنا ربكم العلى) و (أليس لي ملك مصر وهذه النهار تجري من تحتي)، فيدعي لنفسه صفات الربوبية التي وردت في قوله تعالى (إن بطش ربك لشديد * إنه

. 16-12هو يبدئ ويعيد * وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعال لما يريد) البروج وأما ادعاء اللوهية كما ورد في قوله تعالى (ما علمت لكم من إله غيري) فيدعي صفة اللوهية التي جاءت في قوله تعالى

، فالحاكم المستبد يبدأ فيدعي بأن كل26(… أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ول يشرك في حكمه أحدا) –الكهف البلد ملكه الشخصي، ويتصرف على هذا الساس (أليس لي ملك مصر) ثم ينتقل إلى التصرف على أساس أ الناس العاقلين

ملكه أيضا، تمهيدا للدعاء الثاني، وهو ادعاء اللوهية، الذي يختص بالعاقل فقط كما في قوله (ما علمت لكم من إله غيري). 23وقوله تعالى (ل يسأل عما يفعل وهم يسئلون) –النبياء

فاللوهية تتضمن الطاعة الكاملة من الناس لفرعون، بأل يتصرفوا بشيء بقناعاتهم الشخصية دون إذن منه، لذا قال فرعون للسحرة (ءآمنتم به قبل أن آذن لكم) وأنزل بهم العقوبة بقوله (لقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف ثم لصلبنكم أجمعين) ل

لنهم آمنوا برب موسى وهارون، وإنما لنهم آمنوا قبل أن يأذن لهم، ولو أنهم استأذنوه لكان من الرجح أن يأذن لهم، لنهمباستئذانهم له، ل يتحدونه في ألوهيته.

هاتان الصفتان من صفات الحكم الستبدادي المطلق، ومن صفات الظاهرة الفرعونية، ما تزالن حتى يومنا هذا. فليس من الضروري أبدا أن يقف المستبد ويعلن صراحة أنه رب البلد وأنه إله سكان البلد، وإنما يعرف ذلك من صلحياته ومن نمط

الحكم نفسه. مقابل ذلك، نجد أن الناس الذين يعيشون تحت سيطرته لهم صفة الشياء، فالمجتمع عدد على الهامش، بغض النظر عن المنظمات والمؤسسات الموجودة فيه. لذا وصفهم تعالى بالفسق في ظل فرعون بقوله (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم

.54كانوا قوما فاسقين) –الزخرف لقد عرض ال سبحانه نوعين من الحاسب يوم القيامة، الحساب الدنيوي الفردي والجماعي، والحساب الخروي الفردي

والجماعي: أما الحساب الدنيوي الفردي، فيقع على الذنوب الفردية عند الناس، ومن أجل هذا الحساب أعطانا ال آيات التشريع في الرسالت، وأعطانا صلحية تطبيقها، وصلحية سن تشريعات من أجل المجتمع، أي أن آيات التشريع اللهي وقوانين

التشريع النساني يجمعهما قاسم مشترك، هو أنهما تشريع لمجتمع. لكن آلية التطبيق فردية لكل حالة على حدة، فعقوبة الحد العلى للسرقة، قطع اليد، جاءت لكل الناس، ولكن تطبيقها فردي تماما على الشخص الذي تنطبق عليه مواصفات عقوبة الحد

العلى. وأما الحساب الدنيوي الجماعي، فيقع على الذين تنطبق عليهم آية (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين) حيث جاء

- وفي قوله عن قوم40الحساب الدنيوي الجماعي في قوله (فكل أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا…الية) العنكبوت هود (وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد * واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة، أل إن

. ونلحظ هنا كيف ذكر العقوبة الجماعية في الدنيا والخرة، التي60 و59عادا كفروا بربهم، أل بعدا لعاد قوم هود) –هود تصيب كل من رضخ وصفق للستبداد والجبروت.

Page 83: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

40-39ويتجلى الحساب الخروي الفردي في قوله تعالى (وأن ليس للنسان إل ما سعى * وأن سعيه سوف يرى) –النجم - وفي قوله تعالى عن94وفي قوله تعالى (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فل كفران لسعيه وإنا له كاتبون) النبياء

.15الدنيا والخرة (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون) –الجاثية أما الحساب الخروي الجماعي فيتجلى في قوله تعالى (وترى كل أمة جاثية، كل أمة تدعى إى كتابها اليوم تجزون ما كنتم

. ونلحظ كيف أن لحساب فردي29 و28تعملون * هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) –الجاثية وجماعي، أي على السلوك الفردي كالصلة ولصوم والصدق وشهادة الزور والفواحش، وعلى السلوك الجماعي في قوله (كل أمة تدعى إلى كتابها). فالحساب الفردي يأتي عن السلوك، والحساب الجماعي يأتي عن المواقف، والحياة كلها سلوك

ومواقف. وأول المواقف المطلوبة هو مكافحة الستبداد بكل أنواعه، السياسي والديني والقتصادي والجتماعي، حتى في حالة العجز

فالعذر غير مقبول، وذلك في قوله تعالى (إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفن في - ولم يستثن منهم97الرض، قالوا ألم تكن أرض ال واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) –النساء

سوى قليل الحيلة من النساء والرجال والطفال في قوله (إل المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ل يستطيعون حيلة ول - أي هؤلء الذين إذا هاجروا كانوا عالة على الخرين، فقد سامحهم ال بقوله (فأولئك عسى ال أن98يهتدون سبيل) –النساء

- ونلحظ كيف لم يعف عن المقتدر على مكافحة الستبداد والوقوف في99يعفو عنهم، وكان ال عفوا غفورا) –النساء وجهه، حتى ولو صام وصلى وزكى، وكيف أن العقيدة السلمية ل تقبل الستبداد والطغيان بكل أنواعه، حتى ولو كان

المستبد من الصائمين، المصلين، ودافعي الزكاة. أما الصفة الثالثة من صفات الستبداد فهي صفة "فرق تسد" كما وردت في قوله تعالى إن فرعون عل في الرض وجعل

- فمن سمات الستبداد السياسي الساسية، سواء كان استعماريا أم محليا، أن يفرق بين الناس،4أهلها شيعا..الية) القصص ويجعلهم طوائف وشيعا، بتشجيعه النقسام العرقي والطائفي والمذهبي.

أما الصفة الرابعة، فهي وجود بطانة تنفذ أوامره وتعتبره إلها حقيقيا، أطلق عليها سبحانه اسم المل في قوله (وقال فرعون يا - وتشكل هذه البطانة طبقة كاملة لبد منها لكل حاكم مستبد، تؤيده في38أيها المل ما علمت لكم من إله غيري) – القصص

كل شيء، ومن صفاتها أنها تأخذ سلطاتها من سلطات فرعون، فتتكلم باسمه، وتأخذ من الناس ما تشاء باسمه، وتزرع الرهبة في القلوب باسمه، وتتمتع بامتيازات يحرم المستضعفون في الرض منها تماما، وتنشرا لدعاية لفرعون على أنه الله وأن كل ما يريده هو عزتهم ومنعتهم، لنه يعلم مصالح الناس أكثر منهم، ول يسمح بأن يسمع أي شيء مغاير، حتى لو كان من البطانة والمقربين، كما ورد في قوله تعالى (يا قوم لكم الملك اليوم ظهرين في الرض فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا،

.29قال فرعون ما أريكم إل ما أرى وما أهيدكم إل سبيل الرشاد)-غافر والصفة الخامسة هي زيادة الفساد في الرض. فالستبداد السياسي طغيان، والصلح والفساد من قوانين جدل النسان

والمجتمعات، لكن النظام الستبدادي يغلب الفساد على الصلح إنما ل يبيده، ونعني بالفساد فساد الوظائف وأجهزة الدولة والعلقات الجتماعية والقتصادية، وهذا من سمات الطغيان الساسية في قوله تعالى (ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلد * وثمود الذين جابوا الصخر بالواد * وفرعون ذي الوتاد * الذين طغوا في البلد *

.12-6فأكثروا فيها الفساد) الفجر لنتأمل الن حجج الستبداد السياسي عندما يواجه من قبل خصومه، المستضعفين في الرض، حين يطلبون منه التنازل عن

الستبداد. والمراحل التي يمر بها نضالهم ضد الظاهرة الفرعونية الستبدادية، ثم نتأمل علقة فرعون بهامان، وعلقة فرعون بقارون، وعلقة قارون بهامان، وعلقة هؤلء بالمستضعفين، دون أن ننسى أن علقة فرعون بالمستضعفين، علقة

ربوبية وألوهية. تبدا مراحل مواجهة الستبداد السياسي من قبل المستضعفين في الرض، بمرحلة النضال السلمي، والمجادلة بالتي هي و43أحسن، والقول الحسن. كما في قوله تعالى (اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقول له قول لينا لعله يتذكر أو يخشى) –طه

- ولما كانت صورة المستبد عند الناس هي صورة البطش والرهاب، فقد أجاب موسى وهارون (… إننا نخاف أن يفرط44 وذلك لنه يملك مقاليد المور كلها بيده، من سلطة وأموال يسخرها الحاكم المستبد وبطانته45علينا أو أن يطغى) طه

لستعباد الناس وإذللهم، كما في قوله تعالى (وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون ومله زينة وأموال في الحياة الدنيا ربنا88ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فل يؤمنوا حتى يروا العذاب الليم) –يونس

- أي أن عقوبتهم ليست في الخرة فقط، وإنما في الحياة الدنيا، وعلى أيدي المستضعفين في الرض. ونجد أن الحاكم المستبد يواجه هذا القول اللين لتحرير الناس من العبودية بالتكذيب أول، وبالتشكيك في النوايا، كما قوله تعالى

.12-10(وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين * قوم فرعون، أل يتقون * قال رب إني أخاف أن يكذبون) الشعراء

Page 84: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

لكن الدعوة بالقول اللين، في مرحلتها السرية، تكسب بعض النصار من البطانة نفسها، نراها في قوله تعالى (وقال رجل من- .28آل فرعون يكتم إيمانه…) –غافر

كما نرى أن موقف النصار المؤمنين سرا، موقف وسط وحياد، يأخذه كثير من الناس في هذه المرحلة، نجده في قوله تعالى - لكن هذا الموقف ينقلب إلى مواجهة28(… وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصيبكم بعض الذي يعدكم..) –غافر

علنية، بعد إيمان السحرة، وانتشار الدعوة. هنا ينتقل الحاكم المستبد من التكذيب إلى ابطش والعدام، كما في قوله تعالى (فلما جاءهم بالحق من عندنا قاول اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إل في ضلل * وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف

. ولكن من هؤلء الذين (قالوا اقتلوا)؟ لقد جاء الجواب في غافر26 و25أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الرض الفساد) غافر بقوله تعالى (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب).24 و23

فالذي اتخذ قرار القتل ثلثة هم فرعون رأس السلطة السياسية، وهامان رأس السلطة الدينية، وقارون ممثل الغنياء، وأغنىواحد فيهم.

فالتحالف غير المقدس قائم بين هذه السلطات الثلث لقمع المطالبة بالحرية والتحرير، ولكن رأس السلطة السياسية المستبدةهو المنفذ لرغبات هذه السلطات الثلث، كما يوضح قوله تعالى (وقال فرعون ذروني أقتل موسى).

) لجأ فرعون إلى التهام بقلب نظام116-110فبعد فشل السحرة أمام موسى وسجودهم له وإيمانهم به (انظر سورة العراف الحكم (يريد أن يخرجكم من أرضكم)، وحجته التآمر، التي يلجأ إليها كل حاكم مستبد، عندما يتهدد نظام حكمه. فالوطن ليس

أثر من شركة تجارية، رأسمالها السلطة، ومجال نشاطها الوطن، وعندما تتهدد هذه الشركة، تطرح نظرية المؤامرة على- .117الوطن كواجهة، كما جاء في قوله تعالى (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون) العراف

ونلحظ هنا كيف انتصر الطرح الجديد على الستبداد بأنواعه وعلى رأسه الستبداد السياسي في المواجهات الفكرية - واندحر الطرح البالي الذي استرهب الناس،118والعلمية، فقال بعدها (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون) –العراف

- وآمن السحرة لنهم تكنوقراط وليسوا من المل، لن119وأصبح هشا صغيرا (فغلبوا هناك وانقلبوا صاغرين) –العراف النسان المهني يعرف أسرار مهنته، وإذا كان مخلصا لها، فإنه يقبل الطرح القوى والكثر علمية، أما رجال الدين فلهم

وضع هاماني خاص بهم، ل يقبلون معه بأية طروحات علمية، لنها تهدد وضعهم الهاماني، وممارساتهم في الستبداد الفكريوالعقائدي.

وهنا يأتي دور هامان في صياغة نظرية المؤامرة بقلب نظام الحكم. فهامان هو رئيس الكهنة والحافظ لدين اللهة، الرقيب على تنفيذها وانتشارها ين الناس، والتزام الناس بها. وبما أن دعوة موسى جاءت للتوحيد ولنقض تعددية اللهة السائدة آنذاك،

وتحرير بني إسرائيل من الستعباد، فقد كان هناك خطر كبير على هامان ومنصبه، وعلى فرعون وسلطته، فعلقة هامانبفرعون هي إعطاء الشرعية للسلطة المستبدة، التي ترضى عنها اللهة.

وكان طبيعيا أن يطلب فرعون من هامان أن يعرفه بإله موسى، وبما أن مفهوم الربوبية واللوهية في ذلك الوقت، مفهوم مجسد مشخص، يصور اللهة مخلوقات تعيش بين النجوم أو على النجوم، ولها قوة خارقة، فقد جاء طلب فرعون من هامان

يعكس هذا المفهوم والتصور. ولهذا كان سؤال فرعون لموسى عن ربه يتعلق بالوجود المادي (قال فمن ربكما يا موسى) ويجيبه موسى (قال ربنا الذي

. كما كان سؤاله يتعلق بالوجود التاريخي (قال فما بال القرون الولى) ويجيب50 و49أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) –طه . ويتوافق ذلك كله مع التصور المشخص للله52 و51موسى (قال علمها عند ربي في كتاب ل يضل ربي ول ينسى) طه

عند فرعون، في طلبه من هامان أن يدله على الله الذي يزاحمه في مقاما للوهية (وقال فرعون يا أيها المل ما علمت لكم من إله غيري، فأوقد لي ياهامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لظنه من الكاذبين) –القصص

38.- ونلحظ هنا أمرين، أولهما أن إله موسى نافس فرعون في ألوهيته وهذا ما ل يسمح به فرعون، وثانيهما أن مفهوم اللوهية

وخدمة اللهة هي من اختصاص هامان، وأنه المعني بها مباشرة، لذا طلب منه أن يجعل له صرحا، ليطلع إلى إله موسى فيالعلى، كما هو مشخص في تصوره.

ونعود إلى نظرية المؤامرة كنهاية مطاف، وردت في قوله تعالى (قال فرعون ءآمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا مكر مكرتموه . هذا الخطاب والتهديد موجه للسحرة الذين آمنوا برب موسى123في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون) العراف

- (وقال124وهارون، وبه تأتي مرحلة البطشة الكبرى (لقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف ثم لصلبنكم أجمعين) –العراف - وهي ما نسميه الن مرحلة التصفية الجسدية. ولكن الحاكم المستبد يحتاج إلى26فرعون ذروني أقتل موسى…) – غافر

مبرر لهذه البطشة، وهذا المبرر هو الدعاء بوجود مؤامرة في البلد لستلم السلطة، وقلب نظام الحكم (… إن هذا لمكر

Page 85: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

.)1(مكرتموه في المدينة…) لقد استعمل فرعون هذا المكر السيء في مواجهة موسى ومن آمن معه، واستعمل نظرية المؤامرة لتبرير البطشة الكبرى. فقد

طلب موسى وهارون من فرعون تحرير بني إسرائيل (فأرسل معنا بني إسرائيل ول تعذبهم) فاتهمهما فرعون بتغيير الدينوإظهار الفساد في الرض، وبعد فشله اتهمهما بالتآمر على قلب نظام الحكم.

ولننظر إلى قوله (لتخرجوا منها أهلها) وتقديم الجار والمجرور على المفعول به، فموسى وهارون يريدان السكان (بني إسرائيل) ول يريدان المدينة، أي أنهما يريدان إخراج أهلها منها، لكن فرعون يقلب القصد، ويتهمهما بالتآمر والمكر

للستيلء على المدينة بأن يخرجوا منها أهلها. وهذا يعني قلب نظام الحكم الذي يستحقان عليه عقاب المتآمرين. وقد حصل هذا مع النبي صلى ال عليه وسلم في دعوته لمواجهة النظام القائم، بأبعاده العقائدية والجتماعية والفكرية

والسياسية، وتما لمكر بالنبي صلى ال عليه وسلم من قبل النظام القائم في ثلث مراحل متتالية، جاءت في قوله تعالى (وإذ.30يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر ال وال خير الماكرين) –النفال

فمن خلل مراحل السيرة النبوية، كانت السيرة الذاتية للنبي صلى ال عليه وسلم قبل البعثة نظيفة جدا ول غبار عليها، حتى لقب بالصادق المين، فلم يستطع كفار قريش القدح بسيرته الذاتية. وكان صلى ال عليه وسلم معروفا بينا لناس ومن

أوساطهم، فلم يستطع كفار قريش الطعن بجذوره، ومن هنا تجلت أول مرحلة عند قريش بعرض المال والثروة، ثم بعرض الملك، فأبى النبي صلى ال عليه وسلم، فلجأوا إلى المكر السيء والتهام بالتآمر، حين أدركوا أن في تركه ودعوته نهاية

النظام القائم وتدميره كليا. فانتقلوا إلى المراحل التي مازالت سارية المفعول حتى يومنا هذا، في مواجهة كل دعوات التحريروالعدالة.

المرحلة الولى (ليثبتوك)، ثبت أصل واحد في اللسان العربي هو الدوام على الشيء (ابن فارس) ففي هذه المرحلة يحاول المستبد صرف المعارضة عن هدفها، وتثبيتها على ما كان دارجا في المجتمع، أي بإثبات الوضع القائم، باستعمال شتى أنواع

الترغيب من مال ومنصب وجاه. المرحلة الثانية والثالثة (أو يقتلوك أو يخرجوك). وتأتي هاتان المرحلتان بشكل متناوب، أو تندمجان معا، فقد حصل مع النبي صلى ال عليه وسلم أن كفار قريش حاولوا تثبيته فلم يفلحوا، وعندما اكتسبت الدعوة أنصارها حاولوا تثبيت هؤلء النصار،

فأفلحوا مع البعض، ولم يفلحوا مع الكثير، وتعرض النصار بعد ذلك إلى التعذيب الجسدي، سقطت سمية، أول شهيدة في السلم، وهرب أنصار الدعوة بانفسهم إلى الحبشة، ليصل الوضع بعدها إلى مرحلة التصفية الجسدية، فتآمر كفار قريش

بالنبي صلى ال عليه وسلم لقتله، وواكب ذلك هجرة النبي صلى ال عليه وسلم إلى المدينة، وهذا يفسر ما قلناه أن القتل والخراج قد يتناوبان فيسبق أحدهما الخر، أو يأتيان معا، فيخرج الحاكم المستبد عددا من المناضلين المطالبين برفع

الستبداد والحرية من أوطانهم، ويلجأ إلى التصفية الجسدية، ولكن يبقى عليه تبرير هذا العمل. ويأتي التبرير بادعاء المؤامرةعلى قلب نظام الحكم التي ابتدعها فرعون.

ويؤكد التنزيل الحكيم مرة أخرى على أن حاشية الحاكم المستبد، المستفيدة من الوضاع القائمة والمتيازات، هي التي تحرضه على البطش، وتنصحه بذلك، كما في قوله تعالى (وقال المل من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الرض

- وهذا الجراء مازال يمارس إلى127ويذرك وآلهتك، قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون) –العراف - الستبداد القتصادي6يومنا هذا.

تمثل في قارون ظاهرة الستبداد القتصادي، فقد وصفه ال سبحانه بقوله (وآتيناه منا لكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة…). وأشرنا سابقا إلى وجوب التمييز بين هذا النوع من الستبداد، وبين ظاهرة الغنى والفقر، التي هي من ظواهر جدل النسان والمجتمعات، ومن القوانين المغلقة التي ل يمكن معها نفي أحدهما في أي عصر وأي مجتمع. أما الظاهرة القارونية،

الستبداد القتصادي، فليس لها وطن ول قومية. فقارون كان من قوم موسى، لكن ذلك لم يمعه من أن يطغي ويبغي عليهم، وهذه سمة الشركات الحتكارية العالمية ذات

الجنسية الواحدة، أو متعددة الجنسيات. فالقارونية ل علقة لها بالغنى الوطني (البروجوازية الوطنية) التي تلعب دورا إيجابيا في تطور المجتمع وعلقاته القتصادية. وخير مثال على الظاهرة القارونية، احتكارات النفط، والكمبيوتر، والسيارات، والتعدين، والصناعات الكيميائية اليرويابانية، التي ليس لها وطن، بل هي متعددة الجنسيات تضع الدول وأجهزتها في

خدمتها. وفي الظاهرة القارونية يجب أن نميز بين نوعين: النوع الول، القارون النتاجي. ومثاله الشركات والمصارف المريكية-اليابانية والوروبية التي تحكم العالم عمليا، داخل

. ولهذه)2(بلدها وخارجها. وما السلطات التنفيذية في هذه الدول سوى أداة تنفيذ لمصالح هذه الشركات والمصارف الكبرى

Page 86: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الشركات معياران في التعامل، من حيث أنها إنتاجية، الول معيار داخلي. فقد وجدت هذه الشركات لكونها تؤمن بالعلم والعقل، أن الليبرالية في المجتمع، والديموقراطية في السياسة، والرأسمالية في القتصاد، وحرية الصحافة، هي الشكل العلمي

العقلني للحياة في وجوهها المختلفة. ولما كانت هذه الشركات التي تمولها المصارف، شركات منتجة، بحاجة إلى مجتمع قادر على شراء منتجاتها، مما يستلزم أن يكون دخل أفراد هذا المجتمع كافيا لشراء تلك المنتجات، لهذا نرى أن دخل الفرد هناك يرتفع، ونجد في تلك المجتمعات نسبة

كبيرة من التكنوقراط الفنيين المتخصصين، كما نجد أيضا تسهيلت للشراء. أما المعيار الثاني فخارجي، تنظر من خلله هذه الشركات إلى العالم الثالث على أنه حقل تجارب، ومصدر للمواد الخام،

ومستهلك. فهي ل تعنى بالتقدم الجتماعي والقتصادي والسياسي لهذه الدول، بل تتعامل معها معاملة السيد للعبد، وبطريقة ذرائعية، على مبدأ فرق تسد، فإذا راجعنا تاريخ القرن التاسع عشر، وهو قرن ذروة الستعمار والنهب الوروبي، لرأينا هذين المعيارين مترافقين، ولرأينا أيضا أن هذا القرن هو قرن التحرير وتشكيل المجتمعات والشركات الوطنية المستقلة،

داخل هذه الدول. فإذا أخذنا فرق المستوى المعرفي والتكنولوجي بين هذه الدول ودول العالم الثالث، أدركنا أنه كبير جدا، وأن المستويات

المعرفية واليديولوجية المطروحة في العالم العربي، لم تبلغ بعد مستوى مواجهة الطروحات والمكانيات الموجودة لدى ما يسمى بالعالم المتقدم، والعالم العربي اليوم هو خير نموذج لطريقة تعامل هذه الدول مع الدول المتخلفة، إذ يكفي أن ننظر إلى

معايير تعامل هذه الدول مع إسرائيل ومع العرب حتى نعي النهج الذي تسير عليه في سياساتها. أما النوع الثاني، فهو القارون الريعي، وهو الذي بدأ يتشكل في العالم العربي والسلمي بعد الخلفة الراشدية مباشرة، فالدولة العربية السلمية كانت تجني الموال لتصرف معظمها على العسكر (المن)، وكان ولء العسكرتاريا للخليفة

شخصيا ل الوطن، وأصبح الخليفة ذو سلطة يملك من خللها مفاتيح بيت المال بيده. والتاريخ حافل بالمكافآت التي كان يغدقها الخلفاء على الشعراء المادحين، وكيف أعطوا الضياع والراضي للمقربين، لن الراضي ملك الدولة، وبالتالي ملك للخليفة

يعطيها من يشاء، وكان الحكم إقطاعيا، كل شيء يتبع مزاج الخلفية، وبالتالي لم ينشأ هذا الرتباك الكبير بين الفلحوالرض، فكان من السهولة طرد الفلحين مزاجيا.

يقول ابن جبير بهذا المجال أنه زار المارات الصليبية في سواحل بلد الشام، وتأسف أشد السف حين رأى أن الفلحين المسمين، الذين تدخل أراضيهم ضمن المارة الصليبية، ينعمون بالمن والطمئنان، أكثر بكثير من الفلحين الذين يعملون

.)3(في أرض تابعة لمارة الحكام المسلمين لقد أخذ الحاكم في البلد العربية والسلمية دور فرعون قوارون معا، لنه أول حاكم مستبد، وثانيا لن كل أموال الدولة

تحت تصرفه، فكان أسو نموذج لتحاد فرعون وقارون الريعي، الذي يجمع الكنوز ول ينتج شيئا، ورأسماله السلطة والعسكر في شخص واحد. ومنذ ضعف الخلفة العباسية المدنية، ابتداء من عهد المعتصم والمتوكل، انتقلت السلطة إلى العسكر

مباشرة، فأصبحوا الحكام الحقيقيين لكل البلد العربية والسلمية، وتحولت الخلفة إلى منصب شكلي صرف يدعو إلى الرثاء. وأصبح لكل بلد أميرها الخاص، هو فرعونها وهو قارونها، وكان الهامانات يبررون لهؤلء الفراعنة والقوارين كل

تصرفاتهم، حتى أصبحت الطاعة الشرعية واجبة لذي الشوكة، أي أن كل من استلم السلطة بالقوة طاعته واجبة. . وقد لعب التصوف دورا هاما في تدجين الناس وتهيئتهم لقبول كل شيء، وتحول)4(وصار ذلك جزءا من الفقه السلمي

الجهاد إلى جهاد النفس ضد الهوى، وأصبحت الحياة العامة متشرذمة فردية، وأصبح المر بالمعروف والنهي عن المنكر نوعا من السخرية، تم حصره في المرأة قبل كل شيء، تأكيد الذكورية المجتمع. وقد حقق الصوفية والفقهاء نوعا من

المصالحة البدية بين الناس وحكامهم، كائنا من كان الحاكم. وبغض النظر عن كيفية وصوله إلى الحكم، حتى أن مشروعية الحاكم، التي تكمن في طريقة وصوله إلى الحكم، وفي نوع صلحياته المحدودة، أصبح أمرا غير قابل للبحث، وإذا ظهرت بعض أصوات الحتجاج فالجوبة جاهزة لسكاتها: دعوا

الفتنة نائمة لعن ال من أيقظها، عليك بالسمع والطاعة للحاكم ولو أوجع ظهرك وأخذ مالك، هذه ذنوبكم لنكم ابتعدتم عن ال، الطاعة لذي الشوكة والغلبة، اللهم ل تسلط علينا بذنوبنا من ل يخافك ول يرحمنا، الظالم سيف ال في الرض ينتقم به ثم ينتقم

منه. وهذه الجوبة الجاهزة، وغيرها كثير، تغلغلت ورسخت في تراثنا الشعبي والفصيح، بأشكال شتى وصور مختلفة، أبرزها

الجبرية، فالعمر محتوم، والرزق مقسوم، ول قيمة لما يفعله النسان بالغا ما بلغ في زيادة رزقه، أو الهرب من مكتوبه المقدر. ولعل في المقتطفات التالية، التي اقتطفناها من مصادرها في التراث ما يوضح ما نريد:)5(على جبينه

).7 ص 1- يزع ال بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن (العقد الفريد ج - نصح المام ولزوم طاعته واتباع أمره ونهيه في السر والجهر فرض واجب ل يتم إيمان إل به ول يثبت إسلم إل عليه.

Page 87: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

).9 ص 1(العقد الفريد ج - من تعرض للسلطان أرداه، ومن تطامن له تخطاه، وإذا زادك السلطان إكراما فزده إعظاما، وإذا جعلك عبدا فاجعله ربا.

).18 ص 1(العقد الفريد ج - ينسب ابن قتيبة في عيون الخبار إلى عبد ال بن مسعود قوله: إذا كان المام (أي الحاكم) عادل فله الجر وعليك الشكر،

) أما ابن عبد ربه في العقد الفريد فينسبه إلى عبد ال بن عمر (ج3 ص 1وإذا كان جائرا فعليه الوزر وعليك الصبر. (ج).8ص 1

).2 ص 1عيون الخبار ج0- سلطان تخافه الرعية خير للرعية من سلطان يخافها - خير السلطان من أشبه النسر حوله الجيف وليس من أشبه الجيفة حولها النسور (عيون الخبار/كتاب السلطان).

- يقول أبو موسى الشعري: الكرامات للولياء حق، وهي من وجه تصديق النبياء وتأكيد المعجزات (الملل والنحل).104للشهرستاني ص

- أصحاب عيسى بن صبيح المردار أبي موسى: يكفرون من لبس السلطان (أي كان من حاشية الداخلين والخارجين عليه)).72وأنه ل يرث ول يورث (الملل والنحل ص

هو عبد الوهاب الشعراني الصوفي صاحب الطريقة له كتاب "البحر المورود") رجل يقبل0- والمريد الذي يؤدبه الشعراني كل شيء، ليس له أن يثور على الحكام وإن كانوا ظلمة، لن ال ل يرفع أحدا إل لحكمة، وقد يكون الحاكم الظالم سوطا سلطة

).192 ص 2ال على المذنبين. (التصوف السلمي – زكي مبارك ج - من حدثنا أنه قرأ القرآن كله بالحروف ثلثمائة ألف مرة في يوم وليلة فهو صادق، لنه إذا تجردت الروح عن هذا الجسم

).268الكثيف فعلت ذلك. (البحر المورود-الشعراني ص - قال وهب بن منبه: ومما ناجى ال به موسى عليه السلم: … واعلم أنه من أهان لي وليا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة

).266وبادأني وعرضني لنفسه ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي… (عيون الخبار –كتاب الزهد ص - عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم أن ال عز وجل قال: من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب. وعن المامين

الجليلين أبي حنيفة والشافعي رضي ال عنه قال: إن لم يكن العلماء أولياء ال فليس له ولي. و قال المام الحافظ ابن عساكر رحمه ال: إعلم يا أخي وفقنا ال وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم

العلماء مسمومة، وعادة ال في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتله ال تعالى قبل موته بموت القلب، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم. (التبيان في آداب حملة القرآن

للنووي/الباب الثالث في إكرام أهل القرآن والنهي عن أذاهم). - المحاربي عن الفريقي قال، حدثنا ابو علقمة عن أبي هريرة قال، إن أهل السماء ليرون بيوت أهل الذكر تضيء لهم كما

تضيء الكواكب لهل الرض. - حدثني محمد بن داوود قال، حدثنا أبو الربيع الزهراني قال، حدثنا أبو عوانه عن المغيرة عن إبراهيم، في الرجل يرى

).216 ص 1الضوء بالليل قال، هو من الشيطان، فلو كان هذا فضل لوثر به أهل بدر (عيون الخبار ج - قال أبو عبيدة (من أئمة اللغة): تقول الروم لول ضجة أهل رومية وأصواتهم، لسمع الناس جميعا صوت وجوب القرص في

).90 ص 1يعني انطفاء الشمس في البحر من جانب الغرب) (البيان والتبيين ج0المغرب - قال الوليد بن عبد الملك للزهري، ما حديث يحدثنا به أهل الشام، أن ال إذا استرعى عبدا، كتب له الحسنات ولم يكتب عليه السيئات؟ قال باطل يا أمير المؤمنين، أنبي خليفة أكرم على ال أم خليفة غير نبي؟ قال بل نبي خليفة. قال فإن ال يقول لداوود

(يا داوود إنا جعلناك خليفة في الرض فاحكم بين الناس بالحق ول تتبع الهوى فيضلك عن سبيل ال. إن الذين يضلون عن).60 ص1سبيل ال لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) فقال الوليد: إن الناس ليغووننا عن ديننا (العقد الفريد ج

- قال زياد بن أبيه لصحابه: من أغبط الناس عيشا؟ قالوا: المير وأصحابه. قال: كل، إن لعواد المنابر لهيبة، ولقرع لجاما لبريد لفزعة، لكن أغبط الناس عيشا رجل له دار يجري عليها كراؤها، وزوجة قد وافقته في كفاف من عيشه، ل يعرفنا ول

).83 ص 1نعرفه، فإذا عرفنا وعرفناه أفسدنا عليه آخرته ودنياه. (العقد الفريد ج - سأل عمر بن الخطاب رجل عن شيء فقال: ال أعلم. فقال عمر: قد شقينا إن كنا ل نعلم أن ال أعلم، إذا سئل أحدكم عن

).177 ص 1شيء ل يعلمه فليقل ل أدري. (البيان والتبيين ج لقد كان دور الهامان والمتصوفة ول زال، صلة الوصل بين فرعون وقارون من جهة، وبين الناس من جهة أخرى، بدعوة

الناس إلى الرضى بأوضاعهم، وإيجاد المصالحة الدائمة بينهم وبين فراعنتهم وقوارينهم، واستمر هذا الدور مرورا بالمماليك والدولة العثمانية، وازداد نفوذ الهامانات على الناس، وازدادت مكاسبهم وامتيازاتهم عند فرعون وقارون، فحكم العسكر

الغراب (المماليك) ظاهرة لم تشهد لها المجتمعات النسانية مثيل في أي مجتمع آخر، والعالم العربي الن عالم ذو إنتاج يقل

Page 88: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

كثيرا عن إمكانياته الطبيعية والبشرية، عالم اندمج فراعنته بقوارينه، لذا ل نرى أثرا إيجابيا يذكر للبرجوازية الوطنية المنتجةغير الريعية.

لقد حدث ال سبحانه عنا لهامانات والفراعنة والقوارين السابقين للبعثة المحمدية، وكيف أخذهم، وذلك في قوله تعالى (فكل أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الرض ومنهم من أغرقنا وما كان ال

- ويتضح أمامنا كيف هلك القوام المذكورون بظواهر طبيعية، أي بحرب40ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) العنكبوت ربانية مباشرة، والسبب أن المستضعفين في الرض كانوا عاجزين عن أخذ حقوقهم بأيديهم، فجاءتهم مساعدة من ال مباشرة

بإهلك القوام الظالمين. لكن هذه الظاهرة انتهت ببعثة الخاتم محمد صلى ال عليه وسلم التي كانت ثورة معلومات وتعاليم بإمكانيات بشرية صرفة،

فالتحرر من الفراعنة والقوارين والهامانات ل يكون بقيام الليل، نصلي وندعو ال ليحارب عنا، بل علينا أن نساعد أنفسنا لكي يساعدنا ال، فالنبي صلى ال عليه وسلم دعا في معركة بدر بعد أن استنفذ كل التدابير المادية البشرية، وهذه هي السنة التي

يجب التأسي بها. ثمة نوع آخر من أنواع الستبداد، هو ما يسمى باستبداد الكثرية. فكثير من الناس ينادي بنظام حكم تحت شعار الكثرية، ويجدون فيه نظاما شوريا ديموقراطيا تريده الكثرية. ولكن هذه الدعوة قد تخفي وراءها استبدادا ينطوي على فرض رأي

الكثرية بالقوة على القلية. إثر انتخابات1933ظهر هذا النوع من الستبداد في القرن العشرين عند الحزب النازي في ألمانيا، الذي استلم السلطة عام

حرة، حاز فيها على أكثرية المقاعد في البرلمان اللماني (الرايح ستاغ)، ولكن ماذا حصل بعد ذلك؟ لقد جرى القضاء على المعارضة جسديا، تحت شعار أغلبية مقاعد البرلمان، وجرى قمع حرية الرأي والتعبير، ووضعت كل أجهزة الدولة والعلم

في خدمة الحزب، وتم انتهاك حقوق النسان على أبشع صورة. لقد حاولت الحزاب الشيوعية أن تسلك نفس الطريق في أوروبا الغربية، لكن وعي المواطن الوروبي بأن الديموقراطية

وحرية التعبير عن الرأي التي تنادي بها هذه الحزاب، مجرد مرحلة تكتيكية لتصل بها إلى السلطة، تتحول بعدها إلى ديكتاتورية قمعية تحت شعار أكثرية البروليتاريا، جعله يحرص على إبقاء هذه الحزاب ضمن صفوف المعارضة، ل

تتعداها، كما جعله ل يعطي صوته لهذه الحزاب بشكل تصل فيه إلى لسلطة، لنها إن وصلت فعلى الديموقراطية السلم..)6(يقول فريدريك أنجلز: إن البر وليتاريا بحاجة إلى الدولة ل من أجل الحرية، بل من أجل قمع خصومها

وثمة تيارات في الحركات السياسية بالوطن العربي والبلدان السلمية، بغض النظر عن موقعها في السلطة أو المعارضة،وبغض النظر عن عدد الملتزمين معها قل أم كثر، بعضها يدعي العلمانية، والثاني يطرح شعار (السلم هو الحل).

فإذا كان التيار الذي يدعي العلمانية (ماركسيا كان أم غير ماركسي) يريد السلطة للقضاء على خصومه، ل من أجل حرية كل الناس في الري والتعبير عنه، كان طبيعيا أن نجد عنده الشعارات الرنانة جاهزة، والتهم جاهزة (عدو الثورة والشعب،

ورجعي، متآمر، إمبريالي، بورجوازي، الخ..) والعدامات جاهزة والسجون تنتظر الساكنين الجدد. وإذا كان التيار السلمي يريد السلطة من أجل القضاء على خصومه، ل من أجل حرية العقائد لكل الناس، وممارسة العبادات والتعبير عن الرأي،

كانت أيضا الشعارات الرنانة جاهزة، والتهم أيضا جاهزة (ملحد، مرتد، زنديق، كافر، فاسق)، وأحكام العداد جاهزة أيضا،والسجون ومعسكرات العتقال تنتظر المقيمين الجدد.

فهل تستحق هذه الشعارات سفك الدماء، وبذل الموال، ووضع الناس في السجون؟ هل نريد التحية بالغالي والرخيص من أجل استبدال نظام استبدادي يحمل شعارا، بنظام استبدادي آخر يحمل شعارا آخر؟ إننا نرى أن هذه من أهم السئلة المطروحة

الن على كل من يعمل في السياسة بالوطن العربي والسلمي. أما إذا كان الشعار تحقيق نظام ديموقراطي قائم على التعددية الحزبية، وعلى حرية التعبير عن الرأي، ويلتزم بالقيم الخلقية

التي بدأت مع نوح واكتملت بمحمد، مرورا بموسى وعيسى، عليهم جميعا أفضل الصلة والسلم، وبالحفاظ على حقوق النسان وكرامته وحرياته، فهذا هوا لهدف النبيل الذي يستحق التأييد والتضحية، بغض النظر على شكل الحكم الذي يتبناه،

وهذا هو الهدف الذي يربط الدنيا بالخرة، ويجعل من الدنيا مزرعة الخرة. وبدون هذا الهدف نصل إلى حلقة مفرغة، مازلنا نعيشها حتى ويمنا هذا، هي جعل الدولة وسيلة لتصفية الخصوم والقضاء

عليهم، ل وسيلة للمحافظة على حقوق الناس، كل الناس، وحرياتهم، المر الذي برر للمعارضة استخدام العنف المضاد على مدى قرون مضت حين يتسنى لها ذلك، ول حل لهذه المعضلة إل بالمؤسسات الديموقراطية التي تلفظ كل من يخالفها.

وبمجرد أن نعطي لنفسنا الحق باستعمال العنف فإننا نعطي للطرف الخر هذا الحق، في دوامة ل خروج منها. أما الدولة العربية السلمية فلبد أن تقبل أن الملحد إنسان حقوقه مصانة، وسلمته محفوظة، له رأيه الحر الذي يعبر عنه

بالطرق المشروعة السلمية والمفتوحة للجميع، وله دوره في صنع القرارات الديموقراطية، فالعنف في السلم مبرر فقط من

Page 89: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

أجل حرية الناس، كل الناس، وحرية اختيارهم، والتعبير عن رأيهم، حتى لو كان كفرا وإلحادا، لكنه غير مبرر من أجلفرض عقيدة بعينها، أو أحكام بعينها كما يتوهم البعض. ولكن كيف يولد العنف الذي يلد العنف المضاد؟

كل إنسان، فردا كان أم مجموعة، يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة، يصبح مستبدا حتما وبشكل آلي، ول يبقى أي مجال للحوار معه، ول أمل عنده في قبول الرأي الخر والتعايش معه، وتصبح المثل العليا لديه أسيرة الحقيقة المطلقة التي يتوهم أنه

يملكها، ويسخر كل شيء من أجل ذلك. وأول ما تجلت فكرة الحقيقة المطلقة هذه في التاريخ القديم، تجلت في شخص الحاكم بأنه ابن اللهة، أو الله نفسه، أو أنه على القل القائم على تنفيذ رغبات اللهة. فالعدل المطلق فيه، والسلطة المطلقة بيده،

واللهام المطلق منه. كما تجلت الفكرة ذاتها في الماركسية حين ظنت أنها ملكت الحقيقة المطلقة، بمقولة الحتمية التاريخية للوصول إلى المجتمع

الشيوعي، فأغلقت بذلك باب الحوار معها، وأصبح عندها كل من ل يقبل بحقيقتها المطلقة تلك امرتدا، منحرفا، رجعيا، بورجوازيا…الخ. كما أصبح للماركسية (هامانات) يطلقون عليها اسم "المنظرين". ما المسلمون فلهم موقف مغاير من

الحقيقة المطلقة. فال الحق، المطلق العدل، كامل المعرفة، أرسل تنزيل من عنده إلى الناس، لكن الناس محدودو المعرفة، والنسان كائنا من

كان، وليد مجتمعه ومعارفه ونظمه، وحين يقرأ التنزيل الذي جاء من المطلق، يفهمه فهما محدودا نسبيا، طبقا لنظمه كيف يمكن الوصول إلى المعنىالمعرفية، وتطوره الجتماعي والقتصادي والسياسي. ووجد المسلمون أنفسهم أمام تيارين: "

الموضوعي للنص القرآني؟ وهل في طاقة البشر بمحدوديتهم ونقصهم الوصول إلى القصد اللهي في كماله وإطلقه؟ لميزعم أحد من أهل الرض إمكان هذا.

كانوا أكثر حرية في الفهم وفتح باب الجتهاد، بينما تمسك (أهل الحديث)، وإن لم يقرروا(أهل الرأي)غاية المر أن المؤولة .)7("ذلك صراحة، بإمكانية الفهم الموضوعي الكامل من قبل أهل القرن السابع/الصحابة

ومع السف تغلبت على العامة مدرسة أهل الحديث، فجمد السلم، وأغلق باب النقاش والحوار، وأصبح سلوك الصحابة وفهمهم الموضوعي للتنزيل في عصرهم جزءا ل يتجزأ من الدين السلمي (الجماع ثم القياس)، وأصبحت المدرسة السلفية

تدعي لنفسها الحقيقة المطلقة، تماما كما ادعتها الماركسية لنفسها، فل حوار ول رأي آخر، بل فرض فوقي بالقوة لنموذج بعينه على المسلمين، برزت معه الستبدادية الفكرية والجتماعية والسياسية كأمر ل مناص منه باعتبار أن كل من خرج عنها

أو حتى ناقشها، مرتد أو زنديق أو كافر أو فاسق. علينا ان نعي، ن كل من يدعي أنه يملك الحقيقة المطلقة، هو مستبد، فردا كان أم جماعة أم حزبا. وعلينا أن ل ننخدع بالكلم

المعسول والوعود البراقة وأنهار اللبن والعسل وصورة المجتمع المثالي في مثل هذا الطرح الخادع، كما يجب أل ننخدعبإطلق اللحى والعتكاف في التكايا وقيام الليل والنهار، ففي الحالتين تفوح رائحة الستبداد والقهر وفرض الرأي بالقوة. ول يجوز أن تحتوي الديموقراطية على أية بذور للستبداد، حتى ول تحت شعار الكثرية، وقد أعطانا ال سبحانه مبادئ

أساسية لضمان ذلك: - حياة النسان هبة من ال سبحانه، ل تخضع للتصويت، ول تؤخذ فرديا ول جماعيا إل بأمر صريح منه يرد في آيات1

أحكامه وحدوده، ولهذا فقد ذكر سبحانه جميع حالت قتل النفس، الفردية والجماعية، صراحة في أم الكتاب، ليخرجها مندائرة الجتهاد والفتوى والقياس وإجماع الجمهور.

- وقال النبي صلى ال عليه وسلم: أكبر العمل بعد70 - كرامة النسان، فقد قال تعالى (ولقد كرمنا بني آدم…) السراء 2 اليمان بال التودد إلى الناس واصطناع المعروف إلى البر والفاجر. وقال علي بن أبي طالب في رسالته للشتر النخعي:

الناس اثنان، أخ لك في الدين، ونظير لك في الخلق. - حرية المعتقد والختيار، فقد أعطاها ال لكل الناس، حتى في الكفر واليمان بقوله (ل إكراه في الدين). فحرية العقيدة3

أيضا من المثل العليا في السلم التي ل تخضع للتصويت أصل. - حرية التعبير عن الرأي، فقد وهبها ال لكل عباده، ول يحق لحد انتزاعها منهم لي سبب كان، في قوله (فذكر إنما أنت4

. وهي حرية ل تخضع بدورها للتصويت.22 و21مذكر * لست عليهم بمصيطر) الغاشية - تجاوز حدود ال ل يخضع للتصويت، وكذلك المثل العليا. فالسماح باللواط مثل، ل يخضع للتصويت كما فعلت بعض5

برلمانات الدول الوروبية. - اختلف القوميات والعروق، فهي من قوانين وسنن ال في خلقه، كما في قوله (ومن آياته خلق السموات والرض6

. ولهذا فإن من المثل العليا السلمية اختلف القوميات والعروق، وتكافؤها في22واختلف ألسنتكم وألوانكم…) الروم وجودها، فكل إلغاء لهوية قومية أو عرقية تحت أي شعار، مخالف لسنن رب العالمين، ول يخضع أيضا للتصويت.

- اختلف الثقافات، سنة أخرى من سنن ال تعالى في قوله (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ول يزالون مختلفين * إل7

Page 90: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

. فاختلف الثقافات غاية الخلق، ولهذا ل يحق لحد فرض ثقافته على الخر119و 118من رحم ربك، ولذلك خلقهم..) هود بالقوة، إضافة إلى أنه أمر غير خاضع للتصويت.

من هنا نتبين بوضوح صمام المان الذي أعطانا إياه ال سبحانه ضد ديكتاتورية الكثرية واستبدادها، والمتمثل في المثل العليا التي ل تخضع للتصويت، كعمود فقري لدستور الدولة العربية السلمية، إلى جانب البحث العلمي والبينات التي يقدمها

العلم.

الخلصة: 11وهكذا نرى أن أبرز خواص الستبداد، التي وردت في قوله تعالى (الذين طغوا في البلد * فأكثروا فيها الفساد) –الفجر

12و- هي إعاقة النمو العقلي والروحي والقتصادي والجتماعي في المجتمع.

فمن الناحية العقلية، يطرح المستند نفسه على أنه المانح المانع، وأنه المسؤول عن كل خيرات ونعم البلد. فأول ما يقتل في الناس شعورهم بالمسؤولية. فالمواطن في المجتمع الستبدادي ل يشعر بأية مسؤولية تجاه المجتمع وقضاياه الصغرى

والكبرى، لكونه بالصل يعيش على الهامش، ول رأي له، واعتاد على كلمة (نعم) دائما. مما يقتل عنده روح المحاكمةالعقلية، ويتبلد ذهنه، لوجود من يتخذ القرارات عوضا عنه.

لهذا فإن أكبر إشكالية تقف في وجه ممارسة الديموقراطية ببلد تعودت الستبداد لمدة طويلة، هي أن المواطن اعتاد على الخمول والكسل ولم يتعود على حمل المسؤولية، بينما النظام الديموقراطي القائم على التعددية الحزبية المتكافئة وعلى حرية

التعبير عن الرأي، يتطلب مواطنا يشعر بالمسؤولية ويتحملها. ونحن نرى أن علقة الشعوب التي اعتادت العيش تحت الستبداد طويل، بالمستبدين، أشبه ما تكون بعلقة الطفل المفطوم حديثا بأمه، فالفطام هو لمصلحة الطفل ليبدأ العتماد على

نفسه في تناول الطعام، ثم في الحصول عليه، لكننا نرى الطفل يقاوم عملية الفطام بضراوة، لنه تعود على الحصول علىالحليب من ثدي أمه بأسهل الطرق، وعلى أن أمه تحمل مسؤولية كل شيء عنه.

ومرحلة مقاومة الفطام هذه قد يصاب بها شعب بأكمله إذا استمرأ الستبداد، واعتاد على وجود من يقر له كل الكبائر والصغائر، ثم تعرض إلى الفطام السياسي والجتماعي، فل نستغرب تأييده للستبداد تحت شعار الستقرار والطمأنينة، ول

نستنكر دعاءه للمستبد بطول العمر، لنها تدل على ظاهرة انخفاض وعي الذات، وانخفاض وعي المجتمع، وهي ما نطلقعليه اسم (الظاهرة الطفولية في مقاومة الفطام)، التي تؤدي إلى إعاقة نمو الطفل.

أما من الناحية القتصادية، فقد برهن التاريخ على أن النسان الحر ينتج أكثر من العبد، في جميع مجالت العطاء والنتاج. والنسان الذي يعمل في ظل نظام ديموقراطي يحفظ عليه كرامته ول يضطهد رأيه، ينتج أكثر من الذي يعمل في ظل نظام

مستبد ل توجد فيه حرية رأي. فالنظام الديموقراطي يسمح بالجتماعات والتظاهرات السلمية للعمال إذا لحق بهم إجحاف فيشرحون مشكلتهم ومطالبهم ويتوقف العمل فترة إلى أن تنحل المشكلة، ليعود النتاج إلى مسيرته الجدية، أما في النظام

الستبدادي، فالمجتمع يعيش حالة إضراب غير معلن سنوات وسنوات، يذهب الناس خللها إلى العمل ول ينتجون، مما يؤديفي نهاية المطاق إلى كوارث اقتصادية.

وأما من الناحية الجتماعية، فالستبداد السياسي يعيق تقدم وتعميق العلقات الجتماعية بين أفراد المجتمع. فل أحد يأمن جانب أحد، وتنتشر ظاهرة غياب الضمير (قول الحق بدون خوف) حتى بين أفراد السرة الواحدة، ويقل فعل الخير بين الناس، وتتشوه المثل العليا لمجتمع، ويصبح الذي يحصل على المال دون أن يعمل (فهلويا)، والذي يتحايل على القانون (شاطرا)، والذي يحتكر ويغش المواصفات (تاجرا ماهرا)، وتنمو ظاهرة الغنى غير المنتج (الريعي) مما يزيد من نمو

الحقاد بين الناس، وتفشو ظاهرة العتماد على الحظ، فالذي يحصل على لمليين دون أن ينتج محفظوظ، وهذه المليينرزق ساقه ال إليه، أما في المجتمع الديموقراطي، حيث حرية الضمير وتحمل المسؤولية.

فالناس تخاف من الغنى غير المنتج، لنه يعرضها للمساءلة من قبل الخرين، الذين يبدون رأيهم بصراحة في ظل ديموقراطية المجتمع. لهذا سمى ال تعالى الذين يعيشون في ظل الستبداد ويستمرئونه، ول يفعلون ضده شيئا، بالفاسقين في

.54قوله (فاستخف قومه فأطاعوه، إنهم كانوا قوما فاسقين)- الزخرف

)1 .( ) وقال الليث) ابن فارس مكر في اللسان العربي أصل صحيح يدل على الحتيال والخداع : .( ) : صرف النسان عن مقصوده: والمكر تاج العروس كادة احتيال في خفية، ومكر به المكر

.( ) محيط المحيط. وهو نوعان محمود يقصد به الخير، ومذموم يقصد به الشر بحيلة

Page 91: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

ول يحيق المكر السيء إل(… والمكر في التنزيل الحكيم صنفان، مكر سيء ورد في قوله تعالى فاطر ) والقول بالمكر السيء يعني أن هناك مكرا غير سيء، وصف ا تعالى نفسه به في- 43بأهله

-( آل عمران ( ومكروا ومكر ا وا خير الماكرين فالب يمكر بطفله ليسقيه الدواء، والطبيب. 54قوله يمكر بالمريض بمساعدة أهله لشفائه، والمرشحون فيا لحزب الواحد، يمكر بعضهم ببعض في تكتيكات انتخابية للفوز بالكراسي والمناصب، فإذا أخذنا مفهوما لمكر بهذاا لنوع من التآمر الحسن، نرى أن الحياةا

أما أن نفهم المكر. لسرية والجتماعية والقتصادية والسياسية مليئة به، لكنه ليس بالضرورة مكرا سيئا بمعناه السلبي فقط، فهذا خطأ فادح وقعنا فيه، وعزونا معه كل خيباتنا وفشلنا إلى نظرية مؤامرة نحوكها

ترى خارجية تتآمر علينا. مما انعكس بشكل مخيف على عقليات الحكومات والمنظمات السياسية والفراد، كتفسير ساذج للحداث

فعندما تطالب الدولة في الداخل، بتحقيق العدالة النسبية،. الداخلية والخارجية حين يقع الفشل والعجز وبحرية التعبير عن الرأي، فالتهام المباشر هو التآمر ثم التصفية، وهذا حاصل أيضا على صعيد المنظمات

أما في الحقل الخارجي، فكل فشل في. السياسية، فكل منها تتهم الخرى بالتآمر عليها لتبرر عداوتها لها حرب أو في خطة تنمية أو تحقيق وحدة، يعزى إلى التآمر الخارجي، كذريعة لتبرير الفشل في مواجهة

الحداث العالمية ومواكبة ركب التطور. أولهما، أن العقل العربي: وتعزى هذه الظاهرة في العقل العربي، إلى علة تتجلى في سببين رئيسيين

ثانيهما، أن العقل العربي. عقل غير جدلي، ينظر إلى الشياء والحداث منفصلة عن بعضها البعض الحالي ل يعمل إل من خلل الخر، فهو عقل غير مبدع، لم يستطع إلى الن إظهار إمكانياته وتحقيق

الستقللية التاريخية.)2" " ، ترجمة أحمد عبد الكريم، دار الهالي،) رجال المال والمصارف يحكمون العالم انظر كتاب

.1992دمشق، )3. " " ، أمين معلوف) الحروب الصليبية كما يراها العرب انظر )4. " " للماوردي) الحكام السلطانية انظر )5." " ألف ليلة وليلة) انظر كتاب .287الدولة والثورة ص 2موسكو ج 1968لينين، مختارات دار التقدم ) 6()7." " إشكاليات القراءة وآليات التأويل) الدكتور نصر حامد أبو زيد

- نتائج الستبداد على علوم القرآن

أ - الناسخ والمنسوخ : ثمة أثر آخر من آثار الستبداد على علوم القرآن، تهو بحث الناسخ والمنسوخ في التنزيل الحكيم. قال تعالى (ما ننسخ من آية

.106أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها، ألم تعلم أن ال على كل شيء قدير) –البقرة ويقول ابن فارس: النون والسين والخاء أصل واحد، إل أنه مختلف في قياسه. قال قوم: قياسه رفع الشيء وإثبات شيء مكانه.

وقالوا: النسخ: نسخ الكتاب. وقال السجستاني: النسخ، ن تحول ما في الخلية من العسل والنحل إلى خلية أخرى. اهـ. فلنسخإذن معنيان:

الول: رفع الشيء وإثبات شيء مكانه. كما في قوله تعالى (… فينسخ ال ما يلقي الشيطان ثم يحكم ال آياته، وال عليم حكيم).52–الحج

الثاني: رفع الشيء نفسه من مكان إلى آخر، كما في نسخ الكتاب في قوله تعالى (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق، إنا كنا نستنسخ.29ما كنتم تعملون) –الجاثية

/البقرة، نرى أنها تحمل المعنيين جميعا. فهي تعني رفع آية وإثبات آية أخرى مكانها، وفي هذه106فإذا نظرنا إلى الية الحالة تكون الية المثبتة خيرا من الية المرفوعة، وتعني رفع ونقل الية من مكان إلى آخر، وفي هذه الحالة تكون في

موضعها الجديد مثلها في موضعها الول (نسخة طبق الصل).

Page 92: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

ونرى أن النسان في الية يحمل المعنى الول للنسخ، أي رفع الية وغثبات ية أخرى مكانها خير منها. كما نرى أخيرا أن النسخ والنساء يقع على آيات الحكام (أم الكتاب) ول يقع على آيات قوانين الوجود المتشابهات (القرآن)، (اللوح المحفوظ)

(والمام المبين)، إذ ل يمكن، بل ل يجوز، نسخ قانون المطر أو قانون الجاذبية أو قانون أحداث التاريخ. ففي الدستور والقانون، يتم النسخ بمفهومية المماثلة والستبدال، مع اشتراط أن يكون الستبدال بخير منها ل بأسوأ منها، ويتم

تعديل الدستاير والقوانين في البلد، في الحالت التالية: - أن تبقى بعض المواد على ما هي عليه، وهذا هو مثلها (نسخة طبق الصل) ويعدل البعض الخر لعدم ملءمته للحياة1

ولتغير الواقع الجتماعي، فيؤتي بمواد جديدة ملئمة، وهذا هو خير منها. - أن يندثر مفعول قانون بكامله، ويتم تشريع قانون جديد يتلءم مع الحياة، وهذا هو (ننسها). والقانون الجديد ل ينطبق عليه2

(مثلها) بل ينطبق عليه (خير منها). أما القانون الذي يندثر فهو ل يندثر هكذا فجأة وبشكل قاطع، بل يبقى في أذهان الناس إلىحين، ويبقى ساري المفعول ضمن فترة انتقالية، ثم يندثر ويبطل ويدخل دائرة النسيان التاريخي.

- أن يبطل القانون كلية في شكله ومضمونه، وهذا يدخل في القوانين ذات الخصوصية الشديدة التي جاءت لحالت معينة3 خلل الريخ، وينطبق عليها قوله تعالى (ولقد أرسلنا رسل من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك، وما

. فالية تتحدث عن رسالت وشرائع جاءت قبل محمد صلى ال عليه وسلم78كان لرسول أن يأتي بآية إل بإذن ال..) غافر في الشكل والمضمون، ثم ألغيت كلية ولم تصلنا إطلقا، أي دخلت في نطاق (ومنهم من لم نقصص عليك)، وأما الذي

قصصنا عيك، فشرائع لم تبطل تماما بل تم تطويرها بالنسخ (مماثلة-تبديل)، وتم إضافة أشياء جديدة إليها لم تكن أصلموجودة.

ونلحظ أن المواضيع الجديدة والحكام التي جاءت في الرسالة المحمدية، جاءت في سورة النساء، ولهذا فنحن نرى أن اسم السورة هنا يعني جمع نشيء وليس جمع امرأة، أي أنها سورة أحدث الحكام وأجدها عهدا، ونرى أن عدد اليات التي جاءت

فيها ناسخة أو خير من الحكام التي نزلت على موسى ليس بالقليل. وهناك بعض آيات الحكام جاءت في سورة النساء ولم يكن الوضع التاريخي زمن التنزيل يسمح بتطبيقها، وإنما سيتم الوصول إليها فيما بعد طبقا لدرجة التطور الحضاري (أي أن

تطبيقها سيأتي متأخرا عن زمن نزولها) فهي نساء أيضا من جمع نسيء. في سورة النساء التي تتحدث عن التعددية الزوجية، فالوضع الحضاري للعرب حتى الن لم يصل3و مثال ذلك الية رقم

إلى مستوى هذه الية لكي يتبناها، أي أن هناك آيات في الحكام نزلت إلى محمد (ص) ولم تطبق في حياته ول بعد مماته حتى الن وهذا ما يؤكد خاتمية الرسالة المحمدية، وأنها جاءت إلى كل أهل الرض إلى أن تقوم الساعة، وأنها تتناسب مع

التطور (الفطرة). - جاء التطور في الخلق تراكميا، فمع تطور الحياة ظهرت القيم الخلقية، ثم تراكمت هذه القيم، بمعنى أنها جاءت تكمل4

بعضها بعضا، وليس لتلغي إحداها الخرى. فبر الوالدين جاء لنوح، والوفاء بالكيل والميزان جاء لشعيب، وأضيف إلى بر الوالدين، حتى صارت عشرة تحت اسم الوصايا عند موسى، ثم تراكمت عليها بعد ذلك قيم أخرى إضافية تحت أسم الحكمة

(إنما بعثت لتمم مكارم الخلق). - العبادات تراكمية في العدد، موحدة في المضمون، مختلفة في الشكل. فعند نوح ل يوجد صلة ول صوم ول زكاة. ثم5

تراكمت بعد نوح عدديا، وبقي مضمونها واحدا هو طاعة العبد لربه. واختلف الشكل، فأصبح الصوم صوما عن الطعام مثل،بعد أن كان صوما عن الكلم في الصل. وأصبحت الصلة وضوءا وقراءة وركوعا وسجودا بعد ن كانت دعاء وذكرا.

ولهذا ل يمكن أن يأتي التبديل ضمن الشريعة الواحدة للرسول الواحد، بل لبد أن يكون بين الشرائع المختلفة والرسل المتتابعين. وقد أصاب من فهم أن نسخ الية هو نسخ الرسالة والشريعة، ولهذا ل يمكن أن يوجد ناسخ ومنسوخ في التنزيل

الحكيم الموحى إلى محمد صلى ال عليه وسلم. وهذا كله يطرح علينا السئلة التالية: هل هناك آيات أحكام فيا لتنزيل الحكيم متماثلة؟ فإذا وجدت فلماذا النسخ؟ وهل هناك آيات أحكام خير من آيات أخرى في التنزيل؟ فإذا وجدت فما هي؟ وأيها

الناسخة؟ وأيها المنسوخة؟ وما هي اليات المنساة؟. بما أن التطور في التشريع يتجه من المشخص إلى المجرد، متطابقا مع خط سير النسانية، فيجب في المماثلة، أن تكون الية

الجديدة مماثلة ومطابقة للية المنسوخة القديمة، وهنا يأتي معنى النسخ بمعنى نسخة طبق الصل، أما في حالة (خير منها)فيجب أن تشمل أمرين:

أ - أن تكون الية المنسوخة عينية مشخصة، والية الناسخة تقترب من التجريد، لتتناسب مع تطور النسانية كما قلنا فيالتجاه من التشخيص إلى التجريد وتتحدثان عن نفس الموضوع.

ب - أن يتجه التشريع فيها نحو التخفيف فيما يتعلق بالعقوبات، وليس نحو التشديد، ونحو توسيع الحلل على حساب تضييق الحرام، المر الذي يؤكده قوله تعالى في غرسال عيسى إلى بني إسرائيل إذ كانت رسالته الميل بالتشريع نحو التخفيف

Page 93: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

. ونحو توسيع المحارم في حالت50(ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولحل لكم بعض الذي حرم عليكم…) آل عمران البعد عن المملكة الحيوانية واكتمال المجتمع النساني المتحضر كمحارم النكاح إذ جرى زيادة عددها في رسالة محمد (ص)

لن فيها تطورا باتجاه المجتمعات المتحضرة. (الذين يتعبون الرسول النبي المي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل

.157التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) –العراف فإذا ما تأملنا في التنزيل الحكيم، رأينا فيه الحكام. البديلة لليات المنسأة، لكن يبقى علينا أن نبحث حكما خارج التنزيل لنجد اليات المنسأة نفسها. وإذا ما وضعنا باعتبارنا أن تطور التشريع بطيء، والتبديل نسخا أو إنساء ل يتم خلل شهور أو عدة سنوات، بل يحتاج إلى مئات السنين، خاصة فيما يتعلق بأسس التشريع وعمومياته (وهذا ما تؤكده دساتير العالم، إذ أنها ل

تتعدل خلل خمس أو عشر سنوات). وليس بخصوصياته وتفاصيله (الجتهاد)، وإذا ما لحظنا أخيرا أنه صلى ال عليه وسلم لم يأمر أبدا أصحابه ن يضعوا آية

من التنزيل مكان أخرى تحت مفهوم الناسخ والمنسوخ، ولم يصلنا بالتواتر أنه أشار إلى هذا المفهوم أو ذكره، يبقى لدينا احتمال واحد، هو أن النسخ والنساء جاء على شريعة سابقة للرسالة المحمدية، ونرى أنها شريعة موسى وكتابه، بدليل ذكر

. ونضرب مثال باليات التالية:)1(أهل الكتاب وما أنزل إليهم في التنزيل الحكيم بالعديد من السور، وبكثير من الستفاضة - (… قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس، تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا، وعلمتم ما لم

.91تعلموا أنتم ول آباؤكم، قل ال، ثم ذرهم في خوضهم يلعبون)-النعام .53- (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون)- البقرة

- عن المسيح.48- (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والنجلي) –آل عمران - (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ول المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم وال يختص برحمته من يشاء وال ذو

.105الفضل العظيم) البقرة .106- (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها، ألم تعلم أن ال على كل شيء قدير)-البقرة

- (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قد جاءكم من ال نور وكتاب.15مبين) المائدة

الشريعة (الحكام).>>>>الكتاب يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون.>>>>مثلها

ويعفو عن كثير>>>>خير منها - (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا

.13فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم غليه، ال يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) الشورى من سورة النور (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة… الية) قد نسخت2لقد ذهب القائلون بالنسخ إلى أن الية

(واللتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى16 و15آيتي النساء يتوفاهن الموت أو يجعل ال لهن سبيل * واللذان يأتيانها منكم آذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن ال كان توابا

رحيما). ونرى أن هذا خطأ، قاد إليه خطأ سبقه، هو العتقاد بجواز النسخ في الرسالة الواحدة. تتحدث عن فاحشة بين النساء حصرا، عقوبتها المساك في البيوت بعد استكمال الشكل بالشهادة، وهي ما نسميه15فالية

تتحدث عن فاحشة بين الذكور حصرا، والفاحشة في اليتين ليست الزنا، إذ الزنا جماع بين16اليوم "السحاق"، والية رقم من سورة النور، ونصت على عقوبته بالجلد.2أنثى وذكر دون عقد شرعي، وهو ما استهدفته الية

من سورة البقرة (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة234وذهب القائلون بالنسخ إلى أن الية 240أشهر وعشرا، فإذا بلغن أجلهن فل جناح عليكم فيما فعلن ف يأنفسهن بالمعروف، وال بما تعملون خبير) نسخت الية

من السورة نفسها (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج، فإن خرجن فل جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف، وال عزيز حكيم). ونرى مرة أخرى أن القول بالنسخ هنا خطأ. فالعجيب العجيب أن تنسخ آية نزلت، آية أخرى لما تنزل بعد. والعجب منه أن نعلق ما نشاء من الثياب على مشجب النسخ، بعيدا عن كل متواتر

موثوق، اعتمادا على اجتهادات وتفاسير هي أضعف من أن يعتمد عليها في إعمال نص قرآني وحكم إلهي، أو في إبطالهونسخه.

وقد يقول قائل: عن ورود الية الناسخة في المصحف الذي بين ايدينا الن قبل الية المنسوخة، ل يعد برهانا، فترتيب المصحف بسورة وآياته لم يتوخ تسلسل النزول. نقول: هذا العتراض يؤدينا ول يعارضنا، فالترتيب جاء بيده صلى ال عليه

وسلم، ومن قبله، وفقا لوحي جبريل المين، آيات وسورا، والخبار المتواترة أفادت بأنه كان صلى ال عليه وسلم يرشد

Page 94: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

أصحابه إلى موقع اليات من السور، وإلى موقع السور من التنزيل. وهذا أمر في علوم القرآن، كتب القوم فيه وأكثروا، من سورة البقرة وليس قبلها،106فليرجع إليه من يرغب بالتفاصيل. أضف إلى ذلك، أنك تجد كل اليات الناسخة بعد الية

أي بعد ذكر موضوع النسخ.ويقول قائل: إذا كان ما تقوله صحيحا، فيجب حين ننظر في التنزيل الحكيم أن نرى فيه:

- أحكاما من شريعة موسى، يوجد ما يماثلها في أم الكتاب (نسخة طبق الصل).1 - أحكاما من شريعة موسى، يوجد خير منها في أم الكتاب (وفي الموضوع نفسه).2 - أحكاما من شريعة موسى ظلت سارية المفعول في عهد النبي صلى ال عليه وسلم وطبقها، ثم نزل في أم الكتاب خير3

منها، نحا نحو التخفيف والتجريد (النساء). من سورة البقرة (انظر106ونقول: نعم نحن نجد كل هذه الحالت في التنزيل الحكيم، تؤكد ما ذهبنا إليه في فهم الية

الجداول في الصفحات التالية).ونسير مع جدول المقارنة، لنناقش ونوضح ونعلق على كل نقاطه، ولنضيف ما نرى أنه ينفع في التوضيح:

،151 - الفرقان هو ما أنزل على موسى في الوصايا، يمثال ما أنزل على محمد صلى ال عليه وسلم في سورة النعام 1 . وقد أضاف إليها سبحانه قيما أخلقية لم تكن معروفة في عهد موسى ول في شريعته، شكلت مع الفرقان153، 152

مصطلح الحكمة. ولما كانت القيم الخلقية، أي الحكمة بما فيها من الفرقان، إنسانية عامة ومثل عليا، تحمل الصفة التراكمية رسالة بعد أخرى،

وبدأت بنوح (رب اغفر لي ولوالدي)، فهي لوحدها ل تحتاج إلى وحي ول إلى رسالة. - التشريعات التي أنزلت على موسى (العين بالعين والسن بالسن) تشريعات مشخصة عينية لمجتمع رعوي زراعي2

عشائري (أسباط)ن لم يقطع شوطا في سلم التطور التاريخي.

)52 (البقرة (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون) (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ول المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم، وال يختص برحمته من يشاء وال ذو

).106-105 (البقرة الفضل العظيم * ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها، ألم تعلم أن ال على كل شيء قدير) (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قد جاءكم من ال نور وكتاب

).15) (المائدة مبين المحارم عند موسى قليلة جدا حيث لم تكن الخت مثل من ضمن المحارم كما لم يكن زواج البناء من زوجات آبائهم المتوفين

13-2من المحارم أيضا (انظر سفر الملوك الول

ما أنزل إلى موسى( ص(

( نهائي إلى( ص ما أنزل إلى محمد يوم القيامة

ملحظات

وإذ آتينا موسى- الكتاب والفرقان لعلكم

البقرة( تهتدون ولقد آتينا موسى ).-3

وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين

).48النبياء (

شهر رمضان الذي- أنزل فيه القرآن هدى

للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن

شهد منكم الشهرالبقرة … ( ).185فليصمه

نسخة( مثلها طبق

الصل)

لقد أنزل ا على موسى عليه الصلة والسلم فرقانا فيه السس الخلقية هو

الوصايا، إلى جانب كتاب هو التشريعاتوالحكام.

وأنزل على محمد صلى ا عليه وسلم هذا الفرقان في آيات ثلث من سورة

وانظر كيف يشير. 153-152-151النعام تعالى إلى ذلك بعد هذه اليات الثلث

) ثم آتينا موسى الكتاب تماما على: بقوله ( النعام … الية .154الذي أحسن

وإذا قلتم- .. فاعدلوا ولو كان ذا

) الوصية.. قربى

يأيها الذين آمنوا- كونوا قوامين بالقسط

شهداء لله ولو على

نسخ خير منها نلحظ أن وصية النعام فيها العدل ولو كان ذا قربى، أما آية النساء فهي خير منها

لنه أضاف ولو على أنفسكم، وأضاف

Page 95: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الثامنة من الفرقان -).152النعام

أنفسكم أو الوالدين والقربين، إن يكن غنيا

أو فقيرا فالله أولى بهما، فل تتبعوا الهوى

أن تعدلوا، وإن تلووا أو تعرضوا فإن ا كان

بما تعملون خبيرا).135النساء (

والتقيد بهذه الية. الوالدين ثم القربين يحتاج إلى شعب وصل إلى مستوى

حضاري رفيع جدا، لنها غير قابلة للتطبيق في مجتمع يقوم على السرة والعشيرة

كمجتمعنا الحاضر، لذا فقد جاءت الية في سورة النساء للدللة على أنها ستطبق في

. ( من التطور( نسيء مرحلة لحقة

ول تقربوا مال اليتيم- إل بالتي هي أحسن

حتى يبلغ أشده).152النعام (

وآتوا اليتامى- أموالهم ول تتبدلوا الخبيث بالطيب ول تأكلوا أموالهم إلى

أموالكم، إنه كان حوباوإن خفتم أل* كبيرا

تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم

من النساء مثنى وثلث ورباع فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم، ذلك

أدنى أل تعولوا).3، 2النساء (

وابتلوا اليتامى حتى- إذا بلغو النكاح فإن آنستم منهم رشدا

فادفعوا إليهم أموالهم ول تأكلوها إسرافا

وبدارا أن يكبروا، ومن كان غنيا فليستعفف

ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف، فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا

عليهم، وكفى باللهالنساء ( ).6حسيبا

إن الذين يأكلون- أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا

وسيصلون سعيرا).10النساء (

نسخ خير منها

وكتبنا عليهم فيها أن- النفس بالنفس والعين

كتبنا عليهم فيها أن- لنفس بالنفس والعين

نسخة( مثلها طبق الصل)

أما. ضمير عليهم هنا يعود على اليهود المكان الذي كتبنا عليهم فيه هذا الحكم

Page 96: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

بالعين والنف بالنف والذن بالذن والسن

بالسن والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له، ومن لم يحكم بما أنزل ا فألوئك هم الظالمون

).45المائدة ( انظر لمزيد من(

و 196المقارنة المادة و 229و 200و 197 من شريعة 230

العرب) حمورابيواليهود في التاريخ –

دار- أحمد سوسة.370ص 1975العربي

بالعين والنف بالنف والذن بالذن والسن

بالسن والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له، ومن لم يحكم بما أنزل لله فأولئك هم الظالمون

).45المائدة (

فهو كتاب موسى، بدللة سياق ما قبل اليةبما استحفظوا من: (… في قوله

المائدة…) كتاب ا وكانوا عليه شهداء44.

وكتبنا عليهم فيها أن- النفس بالنفس والعين

بالعين والنف بالنف والذن بالذن والسن

بالسن ولجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له، ومن لم يحكم بما أنزل ا فأولئك هم الظالمون.

).45المائدة ( انظر لمزيد من(

المقارنة سفر اللويين 21وسفر الخروج 24

19و 4وسفر التثنية في كتاب العهد

القديم).

ول تقتلوا النفس- التي حرم ا إل بالحق، ومن قتل

مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فل

يسرف في القتل إنهالسراء( كان منصورا

33.( وما كان لمؤمن أن-

يقتل مؤمنا إل خطأ، ومن قتل مؤمنا خطأ

فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله

إل أن يصدقوا، فإن كان من قوم عدو لكم

وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان

من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى

أهله وتحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد

فصيام شهرين متتابعين توبة من ا، وكان ا

ومن* عليما حكيما يقتل مؤمنا متعمدا

نسخ خير منها ( بين القتل( ص لقد فرق كتاب موسى العمد والقتل الخطأ، تمام كما فرق كتاب

( بينهما، إل أنه مال في( ص محمد العقوبة بالرسالة المحمدية نحو التمخفيف،

فجلعها في أدنى درجاتها صيام شهرين متتاليين لمن لم يجد الدية، بينما كانت في كتاب موسى تصل إلى النفي لحدى ثلث

مدن بعينها، وهذا يأخذنا قياسا إلى قلع العين وكسر السن المتعمد وعقوبته المثل

قصاصا كما في الية، أما القلع والكسرالخطأ فبدفع مرتكبة تعويضا ماديا.

Page 97: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ا عليه ولعنه وأعد له عذابا

النساء ( و 92عظيما 93.(

وعلى الذين هادوا- حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم

حرمنا عليهم شحومهما إل ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط

النعام … ( ).146بعظم وقالوا هذه أنعام-

وحرث حجر ل يطعمها إل من نشاء بزعمهم

وأنعام حرمت ظهورها وأنعام ل يذكرون اسم

ا عليها افتراءالنعام … ( ).138عليه

قل ل أجد في ما- أوحي إلي محرما على

طاعم يطعمه إل أن يكون ميتة أو دما

مسفحا أو لحمالنعام … ( ).145خنزير

أحلت لكم بهيمة- .. النعام إل ما يتلى

عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم، إن ا

المائدة( يحكم ما يريد 1.(

نسخ خير منها انتقل من العيني المشخص في التحريم إلى التوسيع والتخفيف، أي من الحدي إلى الحدودي بذكر الحد الدنى من المحرمات

أما ما زاد عن ذلك فهو. وإطلق التحليل اجتهاد إنساني مسموح، كمنع المخدرات

والسموم.

فبظلم من الذين- هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم..

).160النساء ( كل الطعام كان حل-

) آل.. لبني إسرائيل).93عمران

وانظر سفر التثنية( لمزيد من تفصيل ما

حرم الحبار على أنفسهم وعلى بني

إسرائيل زاعمين أنهمن عند ا).

اليوم أحل لكم- المائدة … ( ).5الطيبات

يسألونك ماذا أحل- لهم قل أحل لكم

المائدة … ( ).4الطيبات يا أيها الذين آمنوا-

كلوا من طيبات ماالبقرة… ( رزقناكم

172.( يأيها الذين آمنوا ل-

تحرموا طيبات ما أحلالمائدة… ( ا لكم

87.(

نسخ خير منها النتقال هنا واضح من التشخيص إلى التجريد العمومي المطلق في ربط التحليل

بالطيبات عموما، بعد أن أوضح سبحانه الحد الدنى من المحرمات، وإعادة حكم

التحليل إلى ما كان عليه، قبل أن يظلمالذين هادوا أنفسهم.

إذا وجد رجل- مضطجعا مع امرأة

زوجة بعل يقتل الثنان، الرجل

المضطجع مع المرأةسفر… والمرأة

.22التثنية اكتفينا هنا بهذا

الشاهد، رغم تعددها

الزانية والزاني- فاجلدوا كل واحد منهما

مئة جلدة ول تأخذكم بهما رأفة في دين ا

إن كنتم تؤمنون بالله… واليوم الخر

).2النور (

إنساء خيرمنها

بقيت الية حدية، لكنها اتجهت نحو التخفيف، يجعل الشكل أهم من

المضمون حتى كاد يطغى عليه ويلغيه، وقد استعمل النبي صلى ا عليه وسلم الرجم للزاني المحصن كمرحلة انتقالية،

لتشابه المجتمع العربي وقتها مع المجتمع اليهودي، إلى أن يأتي يوم ينسى فيه

الناس هذا الحكم، ويصبح تاريخا عندهم.

Page 98: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

في أسفار العهد القديم وبخاصة الخروج

واللويين والتثنية. ل تضاجع ذكرا-

مضاجعة امرأة، إنهسفر اللويين. رجس

18. إذا اضطجع رجل-

من ذكر اضطجاع امرأة فقد فعل كلهما

. إنهما يقتلن. رجساودمهما عليهما.

واللذان ياتيانها منكم- فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا

عنهما، إن ا كان تواباالنساء ( ).16رحيما

إنساء خيرمنها

انتقل الحكم في اللواط من الحدي المشخص، إلى الحدودي المجرد الذي يترك مفهوم اليذاء لمقتضيات المجتمع

وظروفه، فمال بذلك نحو التخفيف، والتخفيف ليس إقلل من شأن الجرم أو

تسويفا له كما قد يتوهم البعض، لكنه استبدال للعقوبة بحد أخف، يؤدي في

الوقت نفسه الغاية من الردع، مع رقي النسان الحضاري، وزيادة وعيه، وقد فتح

عقوبة اليذاء بشكل واسع بحيث تحوي كل عقوبة ممكنة عدا القصاص والعدام،

وأسقط الشكل نهائيا وتركه للمجتمعلتحديده.

ل توجد/ الرث أحكام عند موسى

يzوص�يكzمz الل~هz ف�ي- "�د�كzم� ل�لذ�ك�ر� م�ث�لz ح�ظ أ�و�لzنث�ي�ي�ن� ف�إ�ن كzن� ن�س�اء ال

ف�و�ق� اث�ن�ت�ي�ن� ف�ل�هzن� ثzلzث�ا م�ا ت�ر�ك� و�إ�ن ك�ان�ت� و�اح�د�ة

�ب�و�ي�ه ف�ل�ه�ا الن�ص�فz و�ل ل�كzل� و�اح�د� م�ن�هzم�ا

الس�دzسz م�م�ا ت�ر�ك� إ�ن ك�ان� ل�هz و�ل�د� ف�إ�ن ل�م

ي�كzن ل�هz و�ل�د� و�و�ر�ث�هz أ�ب�و�اهzم�ه� الث�لzثz ف�إ�ن ك�ان� ل�ه ف�ل

zم�ه� الس�دzس إ�خ�و�ة� ف�ل م�ن ب�ع�د� و�ص�ي�ة� يzوص�ي

ب�ه�ا أ�و� د�ي�ن� آب�آؤzكzم� ت�د�رzون� أ�ي�هzم و�أ�بناؤzكzم� ل أ�ق�ر�بz ل�كzم� ن�ف�عا ف�ر�يض�ة

م�ن� الل~ه� إ�ن� الل~ه� ك�ان ع�ل�يما ح�ك�يمUا (*)

و�ل�كzم� ن�ص�فz م�ا ت�ر�ك أ�ز�و�اجzكzم� إ�ن ل�م� ي�كzن

ل�هzن� و�ل�د� ف�إ�ن ك�ان� ل�هzن و�ل�د� ف�ل�كzمz الر�بzعz م�م�ا ت�ر�ك�ن� م�ن ب�ع�د� و�ص�ي�ة

يzوص�ين� ب�ه�ا أ�و� د�ي�ن� و�ل�هzن الر�بzعz م�م�ا ت�ر�ك�تzم� إ�ن ل�م

مواضيع جديدة الرث من الحكام التي لم تأتي إلى( ( و هي لذلك آية( ص رسول قبل محمد

حدودية مباشرة)

Page 99: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

ي�كzن ل�كzم� و�ل�د� ف�إ�ن ك�ان ل�كzم� و�ل�د� ف�ل�هzن� الث�مzن

م�م�ا ت�ر�ك�تzم م�ن ب�ع�د و�ص�ي�ة� تzوصzون� ب�ه�ا أ�و د�ي�ن� و�إ�ن ك�ان� ر�جzل

�ل�ةU أ�و ام�ر�أ�ة يzور�ثz ك�ل و�ل�هz أ�خ� أ�و� أzخ�ت� ف�ل�كzل و�اح�د� م�ن�هzم�ا الس�دzس

ف�إ�ن ك�انzو�ا� أ�ك�ث�ر� م�ن ذ�ل�ك ف�هzم� شzر�ك�اء ف�ي الث�لzث م�ن ب�ع�د� و�ص�ي�ة� يzوص�ى ب�ه�آ أ�و� د�ي�ن� غ�ي�ر� مzض�آر و�ص�ي�ةU م�ن� الل~ه� و�الل~ه

النساء ( � 11ع�ل�يم� ح�ل�يم) "12و ي�س�ت�ف�تzون�ك� قzل� الل~ه-

�ل�ة� إ�ن يzف�ت�يكzم� ف�ي ال�ك�ل ام�رzؤ� ه�ل�ك� ل�ي�س� ل�هz و�ل�د و�ل�هz أzخ�ت� ف�ل�ه�ا ن�ص�فz م�ا ت�ر�ك� و�هzو� ي�ر�ثzه�آ إ�ن ل�م ي�كzن ل�ه�ا و�ل�د� ف�إ�ن ك�ان�ت�ا

اث�ن�ت�ي�ن� ف�ل�هzم�ا الث�لzث�ان� م�م�ا ت�ر�ك� و�إ�ن ك�انzوا� إ�خ�و�ةU و�ن�س�اء ف�ل�لذ�ك�ر ر�ج�ال

zنث�ي�ي�ن� يzب�ي�ن م�ث�لz ح�ظ� ال الل~هz ل�كzم� أ�ن ت�ض�ل�وا� و�الل~ه

ب�كzل� ش�ي�ء� ع�ل�يمل توجد/ السحاق

أحكام�ت�ي ي�أ�ت�ين� ال�ف�اح�ش�ة و�الل

م�ن ن�س�آئ�كzم ف�اس�ت�ش�ه�دzوا� ع�ل�ي�ه�ن

أ�ر�ب�عةU م�نكzم� ف�إ�ن ش�ه�دzوا ف�أ�م�س�كzوهzن� ف�ي ال�بzيzوت

ح�ت�ى� ي�ت�و�ف�اهzن� ال�م�و�ت أ�و� ي�ج�ع�ل� الل~هz ل�هzن� س�ب�يل

)15النساء (

مواضيعجديدة

أضاف فاحشة جديدة ل توجد عند موسى( ختم( و هي السحاق و بذلك أغلق

الفواحش كلها

في كتاب العهدالقديم).

ول تنكحوا ما نكح- آباؤكم من النساء إل ما

قد سلف، إنه كان فاحشة ومقتا وساء

حرمت عليكم* سبيل أمهاتكم وبناتكم

نسخ خير منها أضاف محارم جديدة في النكاح، وذلك لتوسيع دائرة السرة، وفي هذا تطور

حضاري نحو المام، فزيادة عدد المحارم تؤدي إلى ترقي النسانية للمام، وقد زاد

( عددها من عنده، لنها آية( ص النبي حدودية تمثل الحد الدنى من محارم

Page 100: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

وأخواتكم وعماتكم وخالتكم وبنات الخ

وبنات الخت وأمهاتكم اللتي أرضعنكم

وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم

وربائبكم اللتي في حجوركم من نسائكم اللتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن

فل جناح عليكم وحلئل أبنائكم الذين من

أصلبكم وأن تجمعوا بين الختين إل ما قد

سلف، إن ا كان غفورا رحيما *

والمحصنات من النساء إل ما ملكت أيمانكم،

كتاب اله عليكم، وأحل لكم ما وراء ذلكم أن

تبتغوا بأموالكم محصنين غير

مسافحين، فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن

فريضة، ول جناح عليكم فيما تراضيتم به من

بعد الفريضة، إن ا كان عليما حكيما

).24و 23و 22النساء (

النكاح.

ملحظات تتعلق بالجداول

- إن بحث الناسخ والمنسوخ يبين لنا مدى صحة ما ذهبنا إليه في كتابنا الول، حول أن القرآن مصدقا لما بين يديه، وأن1 الذي بين يديه هو أم الكتاب (الرسالة) وليس التوراة والنجيل. وبما أن جزءا من رسالة محمد بن عبد ال جاء من رسالة

موسى (مثله) فقد قال تعالى (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على. 47أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر ال مفعول) –النساء

هذا ما يؤكد أن التصديق دائما للحكام، ونرى أيضا أن كتاب موسى ذكر في التنزيل الحكيم أكثر مما ذكرت التوراة (نبوة موسى) وبما أن القصص جزء من التوراة فيه اختلف لذا قال تعالى (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه

- والغريب أن القرآن أكد أن هناك خلفات في قصص التوراة ومع ذلك اعتمدها المفسرون في تفسير76يختلفون) – النمل القصص القرآني.

Page 101: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

أما التوراة كنبوة فجاءت هدى للناس من قبل القرآن وجاء القرآن هدى للناس ونسخها كلية. أما شريعة محمد صلى ال عليه وسلم فقد نسخت كلية شريعة موسى، لنها حوت كل التعديلت والضافات النهائية لكي تكون لكل زمان ومكان والرسالة

الخاتم، فل غرابة أنها سارية المفعول الن في كل العالم المتحضر بدون أن يعلموا ذلك، وقد حوى النسخ كل الحالت الممكنةعلى سلم التطور التاريخي إلغاء ومماثلة وتعديل وإضافة.

- إن الية المنساة هي حكم عند موسى نسخ بحكم خير منه في أم الكتاب استعمل في زمن النبي صلى ال عليه وسلم وكل2 حكم استعمله النبي صلى ال عليه وسلم في حياته وهو في كتاب موسى وجاء خير منه في رسالته (أم الكتاب) فهو من الحكام المنساة والنساء تاريخي بحت. أي يدخل في مفهومنا المعاصر تحت عنوان "الحكام النتقالية". العلقات الحضارية، ولهذا جاء التشريع مشخصا غلب المضمون فيه الشكل. والنسان في مجتمع مثل هذا، يفهم أن القتل هو القتل، ول يفرق بين العمد

والخطأ، ولهذا جاءت شريعة موسى ل تفرق بينهما. ولما كانت الشريعة المحمدية هي الخاتم لكل الزمنة والناس، فقد أبقت على هذه الية للمجتمعات التي لم تقطع شوطا في سلم

الحضارة، وجاءت بخير منها للمجتمعات المتحضرة (حكم للقتل العمد وحكم للقتل الخطأ)، أي أنها أخذت بعين العتبار أن التطور الحضاري للمجتمعات النسانية ل يسير بنفس الخطوة وبنفس المعدل عند جميع أهل الرض، فالمجتمعات البدائية

تأخذ بشريعة موسى (المضمون غالب على الشكل). كما يمكن في المجتمع الواحد تطبيق شريعة موسى، عندما يكون بدائيا، ثم ينتقل مع التطور ومع الزمن إلى ما هو خير منها،

ويتحول الحكم من حدي إلى حدودي، ويتوسع الجتهاد النساني. وهنا نرى مفهوم الخاتمية واضحا في رسالة محمد صلى ال عليه وسلم ومفهوم الصلحية لكل زمان ومكان، وللعالمين كافة، إذ كلما تقدمت المجتمعات على سلم الحضارة كلما أخذت

الصلحية في الجتهاد والتشريع لنفسها ضمن حدود ال، وكلما توسعت في الحنيفية. ونلحظ الن أن كل شعوب الرض وخاصة المتحضرة تقلد، وبدون أن تقرأ التنزيل الحكيم، في تطور قوانينها وتشريعاتها الخط ذاته الذي جاء في التنزيل الحكيم، النسخ كنسخة طبق الصل لبعض المواد والنسخ بمعنى البدال لمواد أخرى وإلغاء

مواد قديمة وإضافة مواد جديدة، ومرة أخرى تظهر صلحية التنزيل الحكيم في بنيته لكل أهل الرض (الفطرة). ) آية عينية لها ظروفها الموضوعية في التطبيق، هي حالة القتال العشائري-القبلي178 - آية القصاص في القتلى (البقرة 3

ضمن المجتمع الواحد، لنهاء قوانين الثأر المقيتة، وهي في المجتمع المتحضر غير قابلة للتطبيق، لنتفاء هذه الظروفالموضوعية، فمن مؤشرات الحضارة في المجتمع، اختفاء التعصب السلبي الممقوت للسرة والعشيرة والقبيلة.

أضف إلى أن المضمون في الية يغلب الشكل، بينما في المجتمعات المتحضرة الشكل والمضمون متلزمان في العقوبات. فأنت ل تفرق في المجتمعات المتحضرة بين العقوبة (المضمون) وبين الشروط الواجب تحقيقها لتوقيع العقوبة (الشكل)، التي تتضمن مثل بالنسبة للقتل، التحقيق والتحليل المخبري والبصمات والشهود وتحديد العمد والخطأ أو الدفاع عن النفس، فبدون

هذا الشكل ل تقوم عقوبة، وهذه من سمات المجتمع المتحضر. فإذا سأل سائل: وهل هناك في المجتمعات المتحضرة حولنا الن محل لتطبيق هذه الية؟ أقول: نعم. في حالت خاصة جدا، أبرزها الجريمة المنظمة (المافيا) التي تعاني منها معظم

المجتمعات المتحضرة إن لم يكن كلها. فهناك مجرمون يعرفون أن من سمات المجتمع المتحضر في العقوبات تلزم الشكل والمضمون، فينفذون جرائمهم،

ويخططون كيل تستطيع السلطات استكمال الشكل، فيفلتون من العقاب، وهناك مجرمون تعرف السلطات تماما بأنهم قتلة (مافيا) ولكن الشكل غير مكتمل لنزال العقوب بهم، لهذا كله، فإن آية القصاص في القتلى التي أخذت بالمضمون وأهملت

الشكل، وقال عنها تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب) هي البلسم الشافي للقضاء على المافيات والجريمة المنظمة قضاء مبرما، أقول الجريمة المنظمة ول أقول الجريمة العادية، لن للجرائم العادية حكمها المختلف في تلزم الشكل

والمضمون. بقوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين…) وتنتهي بقوله تعالى (… ومن لم45 - تبدأ سورة المائدة 4

يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الظالمون). والظلم، وضع الشيء في غير مكانه عنوة، فهو الظلم المقصود مع سابق الصراروالترصد، أو جهل وخطأ، فهو الظلم غير المقصود. فلماذا وصف تعالى عدم الحكم بما أنزل ال بأنه ظلم؟

لقد ذكر الظلم هنا، لن مبدأ العين بالعين والسن بالسن عقوبة عينية مشخصة تغلب فيها المضمون على الشكل، وتطبيقها على المجتمعات المتحضرة، وضع للشيء في غير مكانه، وهذا هو الظلم. كذلك تطبيق مبدأ تحرير الرقبة أو صيام الشهرين فيالقتل الخطأ على المجتمعات البدائية الرعوية التي ل تعرف سوى المشخص، وضع للشيء في غير مكانه، وهذا هو الظلم. فالظلم هو وضع آيات الحكام والعقوبات في غير مكانها، ل الحياة وحدها والتطور التاريخي الحضاري في المجتمع، هو

الذي يقرر الية التي ستطبق عنده، وهو الذي يحدد حالت القصاص أو العقوبات الحدودية أو الحدية التي سيعتمدها، والذي يحدد هذه المور في المجتمع هم الحياء المشرعون، ول يحتاجون معه إلى قول صحابي من أربعة عشر قرنا. فتطور الحياة

Page 102: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

ومقتضياتها هي المعلم، وآيات الحكام جاءت لتلئم التطور في الزمان، واختلف التطور باختلف المكان، وهنا أيضا تكمنخاتمية الرسالة المحمدية.

أما أن نجتزيء قوله تعالى (… ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الظالمون) من سياقه، ونرفعه شعارا نضع خلفه أحاديث الحاد، والم، وشرح الباري، والفتاوى، و(هكذا أجمع العلماء) و(هكذا اتفق الجمهور)، نكون قد ظلمنا أنفسنا، وظلمنا الناس

معنا، ووصلنا وأوصلناهم إلى طريق مسدود، ونكون قد مارسنا الستبداد بتقديم اجتهادات إنسانية تحت اسم الشريعةالسلمية، اجتهادات جاءت لمرحلة معينة من التاريخ، ول يمكن تطبيقها على مراحل أخرى إل بالكراه.

علينا أن نعي ذلك، ول نهدر أموال الناس وأنفسهم تحت شعارات ظاهرها الرحمة (ما أنزل ال) وباطنها العذاب (فرضعلوما لسلف على الحياء المعاصرين، وإيقاف حركة التاريخ والتطور).

أما قوله تعالى (… ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون) وقوله تعالى (… ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور، يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين44الفاسقون) فقد جاء قوله الول تذييل لية المائدة

هادوا والربانيون والحبار بما استحفظوا من كتاب ال وكانوا عليه شهداء، فل تخشوا الناس واخشون، ول تشتروا بآياتي ثمناقليل، ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هما لكافرون).

و واضح من الية أنها خطاب للنبيين والربانيين والحبار من اليهود، الذين أضافوا اجتهاداتهم إلى شريعة موسى، وعطوها منزلة ما أنزل ال في كتابه، وانطبق عليهم قوله تعالى (ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل). ولهذا نعتهم بالكفر، لن الذي يضيف أحكاما إنسانية، ويعطيها نفس قيمة ما أنزل ال في كتابه، أو يدعي أنها عين ما أنزل ال في كتابه، يرتكب الكفر بعينه، ولذا

قال (ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون). (وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه، ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم47وجاء قوله الثاني تذييل لية المائدة

الفاسقون). وواضح أن الية تحكي عن أهل النجيل حصرا. فلماذا هذا الحصر بأهل النجيل ونحن نعلم أن الكتاب المقدس عند المسيحيين هوا لعهد القديم والعهد الجديد، الذي يحتوي على (الكتاب والحكمة والتوراة والنجيل)، ولماذا خص النجيل

بالذات من هذه المركبات الربعة؟ السبب هو أن الذي وضع الطر للديانة المسيحية هو بولس وليس عيسى بن مريم. فإذا تصفحنا النجيل، نجد في نهايته

رسائل بولس. وعندما أرسى بولس أسس الديانة المسيحية، التي كانت سائدة عند نزول الوحي على محمد صلى ال عليه وسلم م، نجد أنه ألغى تماما شريعة موسى، أي ألغى المركب الول من المركبات الربعة، وجعل الديانة المسيحية610-632

مستقلة تماما عن الديانة اليهودية، وأقامها ديانة دون تشريع، أي عبادات وأخلق فقط، وأصبح المسيحيون يقرؤون العهد القديم للتلوة فقط، وأبطلوا التقيد نهائيا بشريعة موسى، رغم أن النجيل الذي هو نبوة عيسى أمرهم باتباع شريعة موسى وكتابه مع بعض التعديلت، لن النجيل ل يوجد فيه تشريع، ففعلوا عكس ما فعله اليهود، وتركوا الشرائع وخرجوا عن

طاعة ال في أحكامه. ولهذا قال عنهم (ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون). لذا فإن استعمال ذيول هذه اليات ونهاياتها إطلقا على

المسلمين، مقطوعة من سياقها، ظلم فادح، ووضع هذه المقتطفات (ظالمون-كافرون-فاسقون) شعارا سياسيا تحت اسم حاكميةال، خطأ يؤدي بصاحبه وبالناس إلى طريق مسدود.

من سورة النور، بما فيها من حكم على الزانيةو والزاني، مفهوم النساء تماما، فالحكام المنسأة،2 - يتضح أمامنا مع الية 5 أحكام طبقتها شرائع سابقة لشريعة محمد صلى ال عليه وسلم، ومع التطور التاريخي، ومع الصعود في سلم الحضارة،

ستلغى هذه العقوبات والحكام وتستبدل بأخف منها. كما حكم الزنا في شريعة موسى العدام، وهنا نفهم سبب عدم ورودها في التنزيل الحكيم، مع أنها العقوبة الشد، ونفهم لماذا طبقها النبي صلى ال عليه وسلم. فحكم الرجم جاء لمجتمع ذكوري رعوي عشائري قبلي، والمجتمع العربي في حياته صلى

ال عليه وسلم ل يختلف كثيرا عن هذه الصفات. ولهذا طبق شريعة موسى في رجم الزاني المحصن، مع علمه إنها لم ترد في التنزيل، لنه سيأتي يوم على سلم الحضارة ينسى فيه الناس أن هناك عقوبة رجم (إعدام)، وتبقى عقوبة الجلد الخف، التي

يتغلب فيها الشكل على المضمون. هذا كله يوضح لنا معنى النساء بأنه تاريخي بحت، ويوضح لنا أن ال سبحانه لم يعط الحق لحد من خلقه بأن يضع

تشريعات أبدية إلى أن تقوم الساعة، ويوضح لنا أن الحكام التي طبقها صلى ال عليه وسلم ولم ترد في التنزيل، صحيحة مئة بالمئة، وصحتها تاريخية مرحلية انتقالية، عدا الخلق ولعبادات فهي ليست أحكاما. وهنا نضع أيدنا على المفهوم الحقيقي

للسنة النبوية وسبب منع كتابتها، لن الناسخ والمنسوخ أعطانا برهانا بأن ال لم يعط الحق لحد بالتشريع إلى أن تقوم الساعة، بل أعطى الحق في تشريعات ظرفية مرحلية. وهنا تكمن أيضا السوة الحسنة بالرسول في تعليمنا الجتهاد كتشريع مرحلي

ظرفي تاريخي.

Page 103: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

- لقد أثر الستبداد السياسي على تدعيم مفهوم أن الناسخ والمنسوخ يقع في التنزيل الحكيم، متكئا على أن معنى كلمة (آية)6هو الجملة القرآنية بين فاصلتين، وذلك للسباب التالية:

أ - لقد حث التنزيل الحكيم على مكافحة الظلم أيا كان مصدره، وكان لبد للستبداد لكي يضع حدا للمعارضة الداخلية الشديدة والحروب الهلية، من إيجاد مخرج في التنزيل نفسه وفي السنة القولية. ترسخ الستبداد بشكله النهائي، ابتداء من عثمان بن

عفان رضي ال عنه في قوله (ل أخلع ثوبا ألبسنيه ال…) مرورا بعبد الملك بن مروان في قوله (ل أسمع رجل يقول بعداليوم اتق ال إل ضربت عنقه) وانهاء بأبي جعفر المنصور ومن بعده في قوله (إنما نحكم فيكم بسلطان ال).

120وكان لبد لصرف المعارضة، أو على الصح من بقي منها، عن المجال الداخلي إلى المجال الخارجي، فكان أن تم نسخ ، وكان أن لبس الجهاد لبوس القتال والغزو الخارجي، وكان أن قام الفقهاء بتقسيم الكون)2(آية من آيات الجهاد بآية السيف

إلى دار إسلم ودار كفر، وأن الجهاد حصرا هو الذي يتم بينهما، وأن دار السلم هي التي تقام فيها شعائر العبادات علنا (أذان، صلة، صوم)، وكأن السلم هو هذه العبادات، وتغاضوا عن ظلم الحاكم وفسقه، واعتبروها مقبولة من الحاكم،

. )3(وإتيانه لها ل يوجب العزل وعزوا ذل إلى الجماع وإلى الجمهور وإلى أحاديث الحاد، وعلى رأسها حديث حذيفة بن اليمان عن الرسول صلى ال عليه

. وحديث نافع، عن عبد ال بن عمر حين جاء عبد)4(وسلم، بوجوب السمع والطاعة للمير، وإن ضرب الظهر وأخذ المال.)6( يلومه على خلع يزيد والخروج عليه)5(ال بن المطيع بعدها كان من أمر الحرة

أما التناقضات الداخلية فقد اخترع لها الفقهاء عقابا هو القتل تحت اسم الحرابة، أخذوه ظلما من قوله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من

. إذ لما كانت السلطة المستبدة قد أخذت شرعيتها33الرض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الخرة عذاب عظيم) –المائدة من الحق اللهي في الحكم، ومن قضاء ال وقدره، ومن خلفة ال في الرض، فكل محاربة للستبداد هي محاربة ل

ورسوله، وجزاؤها كما هو وارد بالية. ب - لقد تم الضرب بالشورى عرض الحائط، فقوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) وقوله تعالى (وشاورهم في المر) ل يعني الحاكم المستبد ل من قريب ول من بعيد، إذ هو، كما يرى الفقهاء، غير ملزم بالشورى، حتى لو استشار فرأى الكثرية غير

ملزمة له، إن شاء أخذ وإن شاء ترك!! ج - كما تم خنق الفكر والمعارضة الفكرية تحت اسم الزندقة تارة، والردة تارة أخرى، والخروج أو العتزال تارات متفرقة،

وليس المام ابن حنبل، وعبد ال بن المقفع، وابن تيمية، إل أمثلة حية في تاريخنا، هي غيض من فيض، عن خنق الفكر والقلموالمعارضة.

من هنا نرى أن حرية التعبير عن الرأي، والحتجاج بالوسائل السلمية المتاحة، ل تعتبر فسادا في الرض. ونرى في البنودالتالية أمثلة لما يدخل تحت هذا الباب:

. ترويج المخدرات والمتاجرة بها.1 . تصريف وبيع الطعمة الفاسدة التي ل تصلح غذاء للنسان.2 . ترويج الدعارة وتجارة الرقيق البيض، وإشاعة الفاحشة بالكتب والفلم والصور الخلعية.3 . تسميم المياه والنباتات والمواشي.4 . بيع أسرار الدولة للعدو.5 . تخريب الطرق والجسور والمنشآت العامة.6 . تخريب القتصاد الوطني بإشاعة الكسب غير المشروع ونشر الرشوة.7

هذه المور يمكن مناقشتها في مجتمع ديموقراطي متعدد الحزاب، ووضع تشريعات لها تخضع للتصويت والتعديل، معالتأكيد على أن حقوق النسان والمطالبة بها ل تدخل تحت باب الفساد في الرض، ول تخضع أصل للتصويت.

- أود ختاما، أن أؤكد على حقيقة أن العلم والحرية توأمان ل ينفصلن. فكما أن تاريخ العلوم هو تاريخ أخطائها ل تاريخ7 صوابها، كذل فإن التاريخ النساني هو تاريخ أخطاء المجتمعات النسانية، فالعبرة تأتي من الخطأ ل من الصواب. ولهذا

السبب في رأينا، أخذ القصص القرآني هذا الحيز الكبير في التنزيل الحكيم، لكي يستنتج الحياء العبرة من أخبار من طوى التاريخ أخطاءهم، فالتاريخ هو المعلم الول في العلوم النسانية. والذي ل يقرأ التاريخ، عليه أن يعيشه مرة أخرى ليكتشفه من

. 111جديد، وحتى ل تحصل هذه الحالة، نبهنا سبحانه بقوله (لقد كان في قصصهم عبرة لولي اللباب…) –يوسف فالعبرة تكون في تحليل الحداث وليس في مجرد سردها، وأي شخص يستطيع أن يسرد أحداث التاريخ، ولكن ليس كل

شخص يستطيع تحليلها، ولهذا خص سبحانه أولي اللباب بالعبرة من القصص ولم يقل (عبرة للناس).

Page 104: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

وقد يسأل سائل: أليس في تاريخنا صفحات ناصعة، وآراء صائبة؟؟ أقول: بلى، يوجد!! لكن الصفحات الناصعة والصواب ل تدخل في موضوع العبرة، وضمن ما يفيدنا في حاضرنا ومستقبلنا

كيل تعاد الخطاء وتتكرر. إن من يدرس التاريخ، عليه أن يبتعد عن المور التالية: - أل يعتبر نفسه قاضيا في محكمة، يصدر الحكام على أناس التاريخ وشخصياته، فنحن لسنا قضاة، لنحاكم زيدا فندينه، أو1

نحاكم عمروا فنبرئه. - أل ينصب من نفسه مدعبا عاما يوجه التهامات.2 - أل يعتبر نفسه محاميا يدافع عن المتهمين.3

هذه المور الثلثة ليس لها إيجابيات في قراءة التاريخ ودراسته، بل كلها سلبيات، فهي تزكي الصراع المذهبي والطائفي، وتوجه التهامات لزيد، وتنبري للدفاع عن عمرو، وتدين شخصا وتبريء شخصا آخر. أما الصواب عندي، فهو أن نقرأ التاريخ واضعين أمامنا قوله تعالى (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، ول تسئلون عما كانوا يعملون) –البقرة

.111. إلى جانب قوله تعالى (لقد كان في قصصهم عبرة لولي اللباب…) يوسف 141 و134 إننا نتمنى على كل الحركات السياسية والفكرية في الوطن العربي، أن تتقدم إلى إنساننا العربي، بمفصل يحوي جميع النقاط والمور التي وصلت فيها من واقع خبراتها وممارساتها إلى طريق مسدود. لقد سمعنا الكثير الكثير عن أمجاد وانتصارات،

ولم نسمع أبدا عن خيبات وعثرات، لن هذه هي التي سيخلدها التاريخ، وهذه هي التي ستزود الجيال القادمة بمناعة تدفع بهاإلى القرارات والسياسات الصحيحة، فتتعلم الدروس من الخطاء والفشل، حين ل تستطيع أن تتعلمها من النجاحات والمجاد. ثمة قاعدة في البحث العلمي تقول، عندما يقوم باحث في أحد فروع العلم ببحث، يتضح بعد عدة سنوات خطؤه، ويصل به إلى

طريق مسدود، يتهم تقديم هذا البحث إلى المؤسسات العلمية، وينال الباحث عليه درجة علمية، رغم أنه خطأ، معتبرين أن إيجابيته تكمن في أنه دل الخرين على أن المنهج الذي سلكه في بحثه أوصله إلى طريق مسدود، على الخرين اجتنابه في

أبحاثهم المقبلة. فهل من يدلنا على المناهج التي توصل صاحبها إلى طرق مسدودة، كي تتجنبها الجيال القادمة؟؟ يتبين لنا، في الختام، أن علم الناسخ والمنسوخ، كجزء من علوم القرآن، كما ورد لنا من أدبيات التراث، هو وهم من أوله إلى

آخره. ونحن نعجب أن السلف، لم يهتم به بشكل جدي ومسؤول كما اهتم بتحقيق أحاديث الحاد؟!!

قولنا إن الساس في التشريع قبل محمد صلى ا عليه وسلم هو كتاب موسى وشريعته، فلن) 1( عيسى المسيح جاء ليأخذ بشريعة موسى نحو التخفيف، وليحل لبني إسرائيل بعض ما حرم عليهم، وهو

(146ما فصلته الية وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر، ومن البقر والغنم حرمنا من سورة النعام .( الية… عليهم شحومها

)2- " " دار الوفاء للطباعة والنشر ) للشيخ محمد الغزالي كيف نتعامل مع القرآن .82ص 1992انظر )3. " " للمام الشافعي) الم انظر .52، الحديث 1477، ص3انظر صحيح مسلم تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ج) 4( من كتاب المارة اسم الغزوة التي قام بها يزيد بن معاوية على المدينة المنور لرغام أهلها على بيعته، ثم استباجتها) 5(

. وانظر تاريخ الرسل والملوك للطبري. ثلثة أيام، وافتضاض ألف عذراء فيها.58، الحديث 1478، ص3انظر صحيح مسلم، ج)6( من كتاب المارة

:ب - القصاص والعقوبةثمة أثر آخر من آثار الستبداد على علوم القرآن هو في القصاص والعقوبات.

القصاص جاء من (قص). والقص في اللسان العربي أصل واحد صحيح يدل على تتبع الشيء. ومن ذلك قولهم: قصصت الثر، إذا تتبعته. ومن ذلك اشتقاق القصاص في الجراح، وذلك أنه يفعل به مثل فعله الول فكأنه اقتفى أثره. ومن الباب: القصة والقصص، كل ذلك يتتبع فيذكر. ومن الباب: قصصت الشعر، وذلك أنك قصصته، فسويت بين كل شعرة وأختها،

فصارت الواحدة كأنها تابعة للخرى مساوية لها في طريقها (ابن فارس). أما العقوبة، فجاءت من (عقب). ولها أصلن صحيحان، أحدهما يدل على تأخير شيء، والتيان بغيره بعده، والخر يدل على

Page 105: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

ارتفاع وشدة وصعوبة، وسميت العقوبة عقوبة لنها تكون آخر وثاني للذنب، والعاقبة هي ما يعقب المر من خير أو شر،وكل شيء يعقب شيئا فهو عقيبه (ابن فارس). فالعقوبة هي ما يعقب الذنب أكانت من جنسه أم من غير جنسه.

من هنا نرى أن للقصاص، كعقوبة، طبيعة خاصة به، هي طبيعة المماثلة للجرم كما وكيفا. أي أن فعل العقوبة هو نفس فعلالذنب، وقد ورد القصاص في التنزيل الحكيم بأربعة مواقع، جاءت كلها بهذا المعنى:

- (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والنثى بالنثى، فمن عفي له من أخيه شيء.178فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) البقرة

.179- (ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب…) البقرة - (الشهر الحرام بالشهر الحرام، والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا ال

.194واعلموا أن ال مع المتقين) البقرة - (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والنف بالنف والذن بالذن والسن بالسن والجروح قصاص، فمن

.45تصدق به فهو كفارة له، ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الظالمون) المائدة فالقصاص كما ورد في اليات الربع، عقوبة تطابق فعل الذنب نفسه كما وكيفا:

( الفعل( الجرم القصاص( العقوبة(

قتل النفسقلع العين

جدع النفكسر السن

سم 1/2سم وعمق 1جرح الرأس بطول مع توصيف( جرحان في اليد وجرح في الصدر

كل جرحقتل النفسقلع العين

جدع النفكسر السن

سم 1/2سم وعمق 1جرح الرأس بطول مع توصيف( جرحان في اليد وجرح في الصدر

كل جرح

فإذا كسر زيد سنا لعمرو، وكسر عمرو سنين لزيد، فالقصاص أن يكسر زيد سنا أخرى لعمرو. أي حذو النعل بالنعل كما يقولون. ونحن نستعمل القصاص في يومنا هذا بكل أنحاء الرض في المؤسسات المالية والبنوك والحساب ونسميه

ليرة عند مؤسسة زيد، فالتقاص أن50 ليرة عند مؤسسة عمرو، وكان لمؤسسة عمرو 100"التقاص". فإذا كان لمؤسسة زيد ليرة ليقفل الحساب.50تدفع مؤسسة عمرو لمؤسسة زيد

لهذا ل يمكن أن يأتي القصاص إل موضحان أي القصاص بماذا.. وفعل جاء القصاص في التنزيل الحكيم موضحا: القصاص في القتلى… الحرمات قصاص… الجروح قصاص. إضافة إلى أن عقوبات القصاص يجب أن تحمل وجه المماثلة مع الذنب

كما وكيفا. وفعل فقد عددت آية المائدة حالت القصاص بالنفس والعين والنف والسن وسحبتها على الجروح التي لها مئاتالحالت، مما ل يمكن معها تحديد كل حالة على حدة، وعرفت أنا لقصاص هو في الضرر الجسدي.

(الشهر الحرام بالشهر الحرام) فأباحت القتال في الشهر194كما حددت المماثلة بالقصاص في عامل الزمن بآية البقرة الحرام للرد المماثل على من يقاتل بالشهر الحرام بقولها (الحرمات قصاص) كما حددت رد العدوان بالمثل وهو قصاص

(فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم). . فال تعالى يقول (وقاتلوا في سبيل ال الذين194والمماثلة والرد بالمثل دون زيادة، وردت في آيات سبقت آية البقرة

. ثم يقول (… وأخروجوهم من حيث أخرجوكم … ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى190يقاتلونكم ول تعتدوا…) البقرة

Page 106: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

، (كتب عليكم القصاص…)178. ولهذا فهو سبحانه حين يقول في الية 191يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم…) البقرة فإنما يشير باللف واللم العهدية هذه إلى ما كان قد ذكره قبل من القصاص بالمماثلة الذي أصبح واضحا في الذهان. وكما

و178عرف سبحانه القصاص في آية المائدة بأنه الضرر الجسدي يلحقه إنسان بإنسان آخر، فقد أوضح القصاص في اليتين /البقرة بأنه القتال والحرب.194

ونلحظ في اليات الربع أن لفظ "قصاص" جاء معرفا في آيتين ونكرة في آيتين. ولقد ذكرنا أن التعريف في اليتين يعني ، موجودة179الشارة إلى ذلك القصاص بالمماثلة من جهة والمتعلق بالقتال من جهة أخرى، وأن الحياة، الواردة في الية

في هذا القصاص المشار إليه بالذات. نفهم من ذلك كله إذن، أن مماثلة الحر بالحر والعبد بالعبد والنثى بالنثى، مماثلة تختص بالقتلى، أي بالقتال الجماعي، أما

مماثلة النفس بالنفس والعين بالعين والنف بالنف والسن بالسن، فمماثلة تختص بالقتال الفردي الذي يقع بين شخصين، وهي مماثلة عينية أنزلت في كتاب موسى من قبل، بدللة سياق اليات في سورة المائدة. وهنا يبرز سؤال هام جدا: كيف نطبق هذه

اليات في حالة أنثى قتلت رجل حرا، أمة كانت أم حرة؟ أو في حالة عبد قتل حرا؟ أو في حالة حر قتل أنثى، أمة كانت أم حرة؟ كيف نطبقها وفي أذهاننا فكرتين مسبقتين: الولى أن القصاص هو الحدود والعقوبات، والثانية أن القصاص هو العقوبة

في الخصومات الفردية حصرا. فإذا قتلت النثى حرا، إما ن نقتلها به، فنطبق آية النفس بالنفس، ونخالف آية الحر بالحر والنثى بالنثى. أو أن نقتل به رجل

من أهل المرأة، فنطبق آية الحر بالحر، ونخالف آية النفس بالنفس حين نقتل رجل لم يقتل أحدا. فما هو المخرج من هذا التناقض، واليات كلها آيات ال وأحكام أم الكتاب؟ ونحن نرى أنه ل يمكن إزالة هذا التناقض إل إذا فهمنا أن آية (النفس

بالنفس) جاءت للجرائم الفردية وأن آية (الحر بالحر والعبد بالعبد والنثى بالنثى) جاءت لحالت القتال الجماعي، بدللة قولهتعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى…).

فإذا قتل زيد عمروا (حالة قتل فردية) نطبق آية (النفس بالنفس) ونعدم زيدا، وإذا قتلت سعاد سعيدا (حالة قتل فردية) نطبقآية (النفس بالنفس) ونعدم سعاد، حتى لو كان المقتول ذكرا. وهذا ما نسميه أحكام القانون المدني.

أما آية (الحر بالحر والعبد والنثى بالنثى) فل يمكن تطبيقها إل في وجود جماعة أولى (أسرة، عشيرة، قبيلة) وجماعة ثانية (أسرة، عشيرة، قبيلة) وجهة ثالثة أقوى من الجماعتين، ولها سلطة مركزية (سلطة الدولة). و وهذا ل يكون إل في مجتمع

تسوده العشائرية والقبلية، يعجز القانون المدني فيه (النفس بالنفس) عن إقرار السلم والمن بين السر والعشائر. فإذا قام خلف بين أسرتين أو عشيرتين أو قبيلتين، وقاد هذا الخلف إلى قتال نتج عنه سقوط قتلى، فما هو الحل الذي ينهي

هذا الوضع دون ذيول، ودون ثارات قد تستمر عشرات السنين، يعيش فيها الطرفان حالة الرعب الدائم، وحوادث القتلالثأرية التي تولد بدورها ثأرا جديدا في سلسلة ل تنتهي.

الحل هو في آية (الحر بالحر والعبد بالعبد والنثى بالنثى)، حيث تأتي السلطة المركزية (الدولة) كطرف ثالث أقوى منالعشيرتين، وتحصي القتلى في عشيرة زيد والقتلى في عشيرة عمرو، فينتج لديها، مثل;، الجدول التالي:

قتلى عشيرة زيد قتلى عشيرة عمرو10أحرار 15عبيد 8إناث

8أحرار 20عبيد 10إناث

ثم تتم مساواة القتلى بين العشيرتين، بأن تقوم السلطة المركزية دون تحقيق، أو سؤال أو جواب، بقتل رجلين حرين من عشرة عبيد وامرأتين من عشيرة زيد، ليصير عدد القتلى في العشيرتين متساويا; بالقصاص حذو النعل بالنعل. وتنطبق5عمرو، و

الية بعد أم تم إلغاء الرق على الذكور والناث (الذكر بالذكر والنثى بالنثى). في هذه الحالة فقط، لن تبقى ثارات، وستفضل العشائر والسر بعدها أن تنهي خلفاتها بالتفاوض، إذ يصبح القتال ل معنى

له، ولن يجرؤ أي زعيم أسرة أو عشيرة أو قبيلة على أخذ قرار بالقتال على مسؤوليته، لنه سيعرض للعدام بالقصاص إناثاقد تكون ابنته منهن، وذكورا; قد يكون هو أخوه أو ابنه منهم.

Page 107: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

في هذه الحالة فقط، تتحول الحرب إلى نتيجة واحدة بين الطرفين المقاتلين، فل غالب ول مغلوب مع القصاص في القتلى، ويصبح تطبيق الية بلسما; شافيا; لجميع حالت الخلف العشائري والقبلي، وعلجا; لقضايا الثأر عند السرة الكبيرة التي قد

تستمر لسنين وسنين. ويعتبر الردع النووي في العصر الحديث مكافئا; للقصاص في القتلى، فعندما تمثلت دولتان سلحا; نوويافالحرب مستحيلة، والنتيجة ل غالب ول مغلوب، بل دمار لكل الطرفين.

قد يظن المرء للوهلة الولى، أن في تطبيق الية بالشكل الذي شرحناه ظلما; وإجحافا;، أي أن نقتل أناسا; لم يثبت بالبينة أنهم من البقرة لتقول (ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب) أي أن ثمة179ارتكبوا ما يستحقون عليه القتل، هنا تأتي الية

سرا; في القصاص (قصاص المماثلة الذي يطبق في القتال) يحمل ثناياه الحياة، ل يعرفه إل أصحاب العقول: ولكم في القصاص حياة (هنا اللم لم العهد)>>>>كتب عليكم القصاص في القتلى (هنا اللم لم التعريف)

الحياة بأمن وسلم بين العشائر والسر، تختفي فيها الثارات التي تطيح بمئات البرياء على مر>>>>القصاص في القتل السنين

ومثل هذا التشريع، الذي يحقق إنهاء الثأر في المجتمعات العشائرية والقبلية، ويرفع المجتمع إلى مجتمع مدني يسوده قانون (النفس بالنفس) ل يحق لحد أن يأخذه على عاتقه إل ال سبحانه، لنه وحده واهب الحياة، وهو وحده صاحب الحق في قرار

ينفذ القتل في حالت كهذه، وفي حالت أخرى، لن قتل النسان أمر في غاية الخطورة والجدية. وهنا نلحظ :يف زال التناقض الذي كنا نتوهمه في اليات، حيث اعتبر بعض كتب التراث هذه الية منسوخة نسختها آية

النفس بالنفس (انظر الكشاف للزمخشري) كما نلحظ أن آية القصاص في القتلى ل تسري بمفعولها على مجتمع مدني قطع شوطا; في سلم الحضارة، فإذا طبقناها عليه نكون قد ظلمناه وظلمنا أنفسنا ووضعنا تشريعات ال في غير ظروفها، تماما; مثل

آية (النفس بالنفس) التي ل تكفي لحل إشكالت الثأر في حالت العشائرية القبلية. وقد يسأل سائل، أل يوجد حل أخف من هذا وأرحم؟ أقول، نعم يوجد !! وهو في تتمة الية بقوله تعالى (.. فمن عفي له من

أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء� إليه باحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة� فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب� أليم). فاستكمال الية يبين لنا أن القصاص في القتلى، هو في قتال بين مؤمنين، وضمن دولة واحدة، لذا قال (فمن عفي له من أخيه شيء)، والتخفيف هو أن يتنازل الطرف ذو الضحايا الكثر في حقوقه في القصاص، شريطة إنهاء القتال، دون إضمار الثأر لنفسه

فيما بعد، لذا قال (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب� أليم�)، واعتبر سبحانه التنازل عفوا; ولم يعتبره صدقة تسجل في صحيفة من عفا، وهذا غير الذي يتنازل عن حقه في حالة القتل الخطأ، إذ اعتبر تنازله صدقة في قوله: (.. ومن قتل مؤمنا; خطأ; فتحرير

ومع ذلك نرى أنه سبحانه قد اعتبر الحل الول (القصاص في92رقبةt مؤمنةt ود�ية� مسل�مة� إلى أهله إل أن يص�دقوا ..) النساء القتلى) هو المرجح الشافي، لقوله بعد ذلك (ولكم في القصاص حياة). فالقصاص يبتر مشكلة الثأر بترا; من جذورها، بشكل ل

يمكن أن يفكر أي طرف بالقتل ثأرا;، أما العفو فقد يعفو النسان ثم يثأر. ونرى أن هذه الية مع أسباب أخرى، العامل الرئيسي في نقل المجتمع من مرحلة البداوة والعشائر والقبائل إلى مرحلة

المجتمع المتحضر (الشعب). ونرى لو أنها طبقت لصبحت العشائرية والروح القبلية عندنا تاريخا; وليس واقعا; معاشا; كما نراه اليوم، لكن مصلحة المستبد ل تقوم على تطبيق الية وإنهاء العشائرية القبلية في المجتمع، فالسلطة المستبدة تقوم أصل

على السرة (هاشم، طالب، عباس، أمية) وعلى العشيرة (قريش) وعلى القبائل (تغلب، قيس، غسان، تميم) وعلى تزكية الخلفات بينها كلما هدأت، ثم تطورت لتأخذ شكل عرب - موالي. ومصلحة هذه السلطة إثارة الصراعات تحت مختلف

التسميات ليتلهى الناس عنها. لقد بينا أن القصاص عقوبة، لكن ليس كل عقوبة قصاص. ونناقش الن لماذا ل يمكن أن يكون القصاص هو العقوبة في كل

حالت الجرائم والمخالفات. ولماذا ل يمنكن تطبيقه بالمفهوم الذي شرحناه على كل الجرائم والمخالفات الخرى. - كيف نطبق القصاص في السرقة؟ أي إذا سرق إنسان ألف ليرة فما هي عقوبة القصاص المماثلة حرفيا; التي نطبقها عليه؟1

والجواب: أن نسرق منه بالمقابل ألف ليرة !! فإذا تجاوزنا عن الكيف وهو السرقة، واكتفينا بتحصيل الحق المسروق عينا;، أخذنا منه ألف ليرة، وأطلقنا سراحه !! وقل مثل ذلك في الرشوة. ي هذه الحالة سيستشري أمر اللصوص والمرتشين في

المجتمع. قد يقول قائل: هذه ليست عقوبة، فللسرقة حد وللرشوة حد. وأقول: نعم، القصاص هنا ليس عقوبة. وعقوبة السرقة (قطع اليد كحد أعلى) ليست قصاصا;، وهناك عقوبات أخف من قطع اليد هي السجن والجلد، وهذه كلها قصاصا;، وهناك عقوبات أخف

من قطع اليد هي السجن والجلد، وهذه كلها عقوبات وليست قصاصا. وهكذا نرى أن القصاص محصور فقط بالقتل العمدالفردي والقتال الجماعي الداخلي والخارجي، وبالضرار الجسدية المتعمدة، أما ما خل ذلك فهو عقوبات.

- المضحك حسب هذا النحو أن نطبق مبدأ القصاص في الزنا، ونعني به مبدأ (الحر بالحر والعبد بالعبد والنثى بالنثى)،2ونعني به الجزء الماثل للذنب حذو النعل بالنعل. إذ ل يمكن أ، نتخيل وسيلة لتطبيقه عمليا;.

Page 108: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

- تطبيق القصاص مستحيل على شهادة الزور، والحنث باليمين، والكذب، لنه غير قابل للتحقيق. وكذلك المر في التزوير3 وتهريب المخدرات ومخالفات السير، إذ كيف نعاقب بالقصاص إنسانا; يتجاوز الشارة الضوئية مثل;، عقوبة تنطبق عليها

مواصفات القصاص بالمماثلة (العين بالعين والسن بالسن)؟ الجواب: مستحل !! لذا نقول أن قانون العقوبات هو الحالة العامة، والقصاص هو الحالة الخاصة، ومن هنا يتضح لنا خطأ اتخاذ الية (ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب) شعارا; في

قاعات المحاكم والقصر العدلي، والصح منه شعار (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل). وننتقل إلى جانب هام جدا; في العقوبات وتطبيقها، هو جانب الشكل والمضمون، الذي نعتقد أن النظام القضائي في العالم

المتحضر يقوم عليهن وأنه أساس قانون الحرب والسلم في العلقات الدولية، والناظم لقانون القتال المشروع في التحرير. وأوضح مثال لدينا عن الشكل والمضمون، هو الصلة. فالصلة دعاء�، وصلة بين العبد وربهن ومخ العبادة. وهذا هو

المضمون. فالنسان يستطيع أن يدعو ربه وأن يقيم معه صلة نجوى، في أي وضع كان، لكن ذلك ل يعتبر صلة. إذ للصلة شكل ل تكتمل إل به، يبدأ بالطهارة والوضوء والنية والتكبير، مرورا; بالركوع والسجود والقيام والقعود، وانتهاء بالتسليم

والستغفار. فإذا استكمل النسان هذا الشكل إلى جانب المضمون نقول أنه أقام الصلة، ونفهم أن في الصلة علقة ل تنفصمبين الشكل والمضمون، إذ سقط أحدهما بطلت الصلة.

فإذا نظرنا إلى العقوبات من هذه الزاوية، زاوية أن لكل عقوبة شكل ومضمون، نجد لدينا ثلث حالت:- عقوبات الشكل فيها أهم من المضمون.

- وعقوبات المضمون فيها أهم من الشكل.- وعقوبات يتساوى فيها الشكل والمضمون، فل يتحقق الهدف إل بهما معا;.وهذه الحالت الثلث وردت في التنزيل الحكيم، فلنشرح كل حالة على حده.

أ- حالة الشكل أهم من المضمون، ونراها في تطبيق عقوبة الزنا. فإذا شهد إنسان ما واقعه زنا بأم عينه، فل يستطيع أن يطالب بتطبيق العقوبة، لن من شروط التطبيق وجود أربعة شهود أو شهادة الزاني على نفسه. فالمضمون هنا هو الزنا وقد

صل فعل;، لكن الشكل بقي ناقصا; لم يتم استيفاؤه فسقطت العقوبة. والكثر من ذلك، إذا أصر هذا النسان على ادعائه، وأعلن . وتأمل كيف جاءت عقوبة الزنا (المضمون))1(عن الواقعة، وذكر السماء،يقام عليه حد القذف، ويترك الزاني دون عقوبة

). 10-4) وكيف جاء تطبيقها (الشكل) في سبع آيات (النور2في آية واحدة (النور أي أن ال سبحانه جعل الزنا جريمة غير قابلة للتحقيقات، فإما الشهود الربعة، وإما العتراف، ول شيء غير ذلك.

فالعتراف سيد الدلة في كل الجرائم ما عدا الزنا، إذ سيد الدلة فيها الشهود، وقد أعطى النبي (ص) مجال; للمعترف بأن يسحب اعترافه، في حالة عدم وجود الشهود، ولو سمح ال للدول بإجراء التحقيقات في الزنا كما في الجرائم الخرى، للزم

لذلك جهز يستنفذ كل ميزانياتها ول يكفي.ونحن نرى أن تغليب الشكل على المضمون في مسألة الزنا جاء للسببين التاليين:

جلدة ل تزيد واحدة ول تنقص واحدة. وبما أن حدود100 - لن عقوبة الزنا عقوبة حدية ل حدودية، أي أنها محددة بـ 1 العقوبات هي الحد العلى دائما;، كقطع اليد في السرقة، لذا قال (ول تأخذكم بهما رأفة) مشيرا; إلى أن عقوبة الزنا أعلى وأدنى

معا. ولما كانت القيم المحددة في الحياة والوجود عسيرة التطبيق إن لم تكن مستحيلة، لنعدام مجال الحركة والمرونة فيهاصعودا; وهبوطا;، ولما كانت عقوبة الزنا حدية محددة ل تزيد ول تنقص، فقد جاء الشكل، الذي يجب اكتماله لتطبيقها، قاسيا.

. والطبيب يطلب من مريضه المحافظة على النسبة110 إلى 70مثال ذلك نسبة السكر في الدم، فهي تتحرك كل ساعة بين مثل; ل تزيد ول تنقص أمر مستحيل، وأن شروط تحقيق ذلك صارمة ل90بين الحدين، لكنه يعمل أن تثبيت النسبة على

يطيقها المريض. - لن جريمة الزنا هي الوحيدة من بين كل الجرائم المذكورة في التنزيل الحكيم، التي تتصف بصفة أساسية تميزها، هي2

أنها جريمة رضائية ل تقع إل برضى الطرفين. فال سبحانه خلق الذكر والنثى، وهو الذي خلق عندهما غريزة الجنس، وليس المجتمع، وهو الذي يعلم مدى تعلق أحدهما بالخر وانجذابه له، ول حاجة بالنسان إلى المجتمع ليتعلم الجنس

وممارسته، فهو مغروس فيه ويعرفه لوحده، ولهذا فقد جعل سبحانه الطعام أساس استمرار حياة الجسد، والجنس أساس استمرار حياة السرة والمجتمع، وكلهما من الطيبات. لذا فإن الزنا يقوم على رضى الطرفين (الذكر والنثى) وبخاصة

رضى النثى، وهكذا فقد جاءت الزانية قبل الزاني في قوله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدt منهما مئة جلدة ..) النور. وهذا يدلنا على أن الجريمة هنا رضائية بحتة (زنا) وليست اغتصابا;. 2

فلغتصاب جريمة أخرى غير الزنا. ويختلف الزنا من الناحية عن القتل مثل;، فالقتل جريمة غير رضائية، ول يعتبر القتل من الطيبات، ول يوجد فيها اتفاق وقبول بين القاتل والمقتول. وكذلك السرقة، التي هي جريمة غير رضائية وليست من

الطيبات، ول يوجد فيها اتفاق بين السارق والمسروق منه، فإذا وجد، فإنما هو اتفاق على سرقة طرف ثالث. ولهذا السبب قدم

Page 109: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الزانية على الزاني لوجود التفاق، إذ لول موافقة النثى لما حصل الزنا. ولهذا السبب نفسه قدم السارق على السارقة في ، تقديما; لغويا; تاريخيا; بحتا;، ولو أن عملية السرقة ل تتم إل بوجود أنثى، لقدم السارقة على السارق، كما فعل في آية38المائدة

الزنا-النور.فإذا نظرنا في إحصائية جرائم بلد ما عدد سكانه خمسة مليين:

- نجد عدد جرائم القتل قليل;، فهناك أيام ل تحصل فيها ول جريمة قتل.1 - نجد عدد جرائم السرقة في اليوم الواحد أكثر من جرائم القتل.2 - فهل يمكن أن نتصور كم واقعة زنا تحصل يوميا; في هذا البلد، إنها ل شك أكبر بكثير من جرائم القتل والسرقة مجتمعة.3

مليون عملية100فإذا عممنا هذه النظرة على العالم كله، بعدد سكانه البالغ خمسة مليارات تقريبا;، نستنتج أن هناك حوالي ملين عملية شرعية (زنا)، فإذا افترضنا أن نصف أبطال هذه العمليات25جنسية تحصل يوميا;، منها، إذا أحسن�ا الظن،

مليون حكم جلد، ونصف المحكومين بها ذكور، ونصفه إناث. 25 مليون حكم اعدام و25محصنين، فهذا يعني أن لدينا يوميا; 25 مليون انسان، أي بمعدل 50فإذا عرفنا إلى جانب ذلك كله أن عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية خلل ست سنوات كان

ألف يوميا;، لدركنا بوضوح أية مجازر جماعية تحصل، لو طبقنا المضمون في جرم الزنا وتغاضينا عن الشكل أو تساهلنا فيه. وتصوروا معنا ماذا يحدث لو أن ال تعالى نص في تنزيله على مضمون عقوبة الزنا، وترك تحديد الشكل لهواء ابشر، وإلى أية حالة وحشية تصل المجتمعات، حتى لتعتبر محاكم التفتيش بجانبها قطعة حلوى. من هنا نفهم رحمة ال بعباده حين

جعل الشكل أهم من المضمون، ونص على الشكل حرفيا;، ولم يتركه الحنيفية والمجتمع والتشريع النساني، كما فعل بالسرقةأو الرشوة.

ونرى كيف قدر سبحانه حرية إرادة النسان واختياره حتى في المعصية، لن الزنا هو الجريمة الوحيدة الرضائية بين الطرفين التي تخلو من الكراه، وكيف أن ال حرم الكراه في اليمان وفي الطيبات. وفي هذه النقطة بالذات، نكون قد وضعنا

أيدينا على العيب الرئيسي في الفقه السلمي، الذي جعل الشكل أهم من المضمون في كل شيء تقريبا. (واللئي يأتين افاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى15وكذلك آية النساء

يتوفاهن الموت أو يجعل ال لهن سبيل) التي تتحدث عن فاحشة تتعلق بالنساء، هي ظاهرة السحاق، فقد جعل سبحانه الشكل فيها أهم من المضمون حتى كاد أن يلغيه، واشترط لها شهادة أربعة كالزنا تماما;، إل أنه اشترط هنا أن يكون الشهداء (منكم)،

مما لم يشترطه في إثبات الزنا، أي أن اعتراف المرأة التي مارست السحاق غير مقبول ول يؤخذ به، لن الجريمة جريمةنسائية بحتة، والمرأة يمكن أن تخضع للتهديد بسهولة.

(واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن ال كان توابا ;رحيما;) فهي تتحدث16أما في آية النساء عن لواط بين ذكرين بدللة مثنى المذكر، فقد جعل المضمون مفتوحا; (فآذوهما) وترك تحديد عين الذى للمجتمع، وترك الشكل مفتوحا; فلم يشترط الشهود، أي أن المجتمع هو الذي يحدد الشكل والمضمون (اليذاء) الذي تندرج تحته كل أنواع

العقوبات ما عدا القتل والقصاص. ب- حالة المضمون أهم من الشكل. وهي التي وردت في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر

.178بالحر والعبد بالعبد … الية) البقرة فالذي يعنيه المضمون هنا، القضاء على الثارات وعلى الخصومات السرية والعشائرية والقبلية، وأما الشكل فغير مهم. ففي

عملية القصاص بالقتلى، يقتل أي حر ل على التعيين مقابل الحر المقتول من أجل المساواة في الكم، وكذلك العبد والنثى، والمهم هو المساواة بين القتلى والمماثلة كما; وكيفا;، وفقا; لحكمة وانتقاء الطرف الثالث القائم على تطبيق القصاص (وهو هنا

الدولة). وليس المهم شكل التنفيذ، فقد يكون شنقا; أو رميا; بالرصاص أو قطعا; للرأس. المهم هو القضاء على القتال العشائري والطائفي

والسري والقبلي ليعم المن كل المجتمعات. جـ- حالة تلزم وتساوي الشكل والمضمون. وهي الحالة التي وردت في قوله تعالى (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا ال واعلموا أن ال م على المتقين * وأنفقوا في سبيل

.195 و194ال ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا، إن ال يحب المحسنين) البقرة واليتان تعطيان المسلمين وغير المسلمين سنة إلهية في الحروب، وأساسا; في القتال هو القصاص بالمماثلة (الشهر الحرام

بالشهر الحرام والحرمات قصاص) كمضمون، أما الشكل الذي يجب التقيد به فهو (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل مااعتدى عليكم) أي أن:

(عقوبة مماثلة) العدوان والقتل.>>>>المضمون: العدوان والقتل الشكل: العدو يجب أن يبدأ بالعدوان والقتل.

Page 110: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

والتقيد بالشكل هنا، أساس الخلق السلمية في القتال، إذ أن التقيد بالمضمون دون الشكل يؤدي إلى وقوع ضحايا بل فائدة، ونضرب لهذا مثل; من واقعنا المعاش بالمقاومة الفلسطينية، فالمضمون هو القتال للتحرير، والشكل هو بداية القتل ونوعيته.

فإذا كان المضمون هو التحرير، وبدأ الفلسطينيون بالقتل العشوائي (جنود، نساء، أطفال) ل على التعيين، داخل الرض المحتلة وخارجها، فهذا سوف يتسبب في وقوع آلف الضحايا منهم دون مبرر، وفي الوقوع بأخطاء كثيرة، رأينا اليسار

الفلسطيني الطفولي يوقعها بالشعب الفلسطيني في أوائل السبعينات، حيث أدى الهتمام بالمضمون (التحرير) دون الهتمامبالشكل، إلى قتل آلف الفلسطينيين مجانا.

لقد استوعبت المقاومة الفلسطينية هذا الدرس وبدأت بالنتفاضة، فالحتجاجات السلمية والمظاهرات ليست قتال;، وليست بدءا فلسطينيين مثل;، فقد حق للفلسطينيين الرد بالمثل قصاصا;، وهذا ما فعلوه ويفعلونه10بقتال. أما عندما يقتل جنود الحتلل

عن جدارة وحق. من هنا ننظر إلى مذبحة الحرم البراهيمي التي قام بها جيش العدو، والمسل�حون من المستوطنين المحتلين، وإلى المذابح التي

حصلت قبلها، على أنها بدء بالقتال من قبل العدو، تعطي الحق للفلسطينيين، بموجب الية (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم). ثمة درس وتعليم في الية، يشرح لنا أخلق القتال في السلم، هو تقوى ال في القتال، التي تحمل في نتيجتها أمرا

هاما; جدا;، هي أن ال يقف مع المتقين (واتقوا ال واعلموا أن ال مع المتقين)، ولما كان الحديث في الية وسياقها يدور حولالقتال، وليس حول شهادة الزور مثل; أو بر الوالدين.

فتقوى ال هنا أل تكون البادئ بالقتال أول;، وأن تعتدي بالمثل (القصاص) ثانيا;، سواء من حيث العدد، أو من حيث النوع، الرجل بالرجل، والنثى بالنثى، والطفل بالطفل، فحياة النسان هي الساس عند ال وفي السلم، وصيانتها هي الهدف،

حتى لو كان أصحابها أعداء. والقتال عند ال والسلم مضمون، هو المماثلة في القصاص، والشكل هو أن يبدأ عدوك بالعدوان والقتل، ليأتي بعد ذلك

دورك في القصاص. لهذا، فإن جميع أنواع الحتجاج في السلم مشروعة، تظاهرات وخطب، مقالت في الصحافةوالعلم، اجتماعات ونشرات وكتب .. وليس لحد أن يمنعها داخليا; وخارجيا;.

أما العنف في ذلك كله فغير مبرر، والبدء به مخالفة صريحة للية، ول يبرره إل بدء السلطة المستبدة الداخلية أو العدو الخارجي بالعدوان وإراقة الدماء، وتهديم المنازل ومصادرتنا، عندها يصبح الرد بالعنف واجبا; بدللة فعل المر في الية

(فاعتدوا عليه) شرط أل يخرج الرد بالعنف عن مضمونه وهو المماثلة بالقصاص. ولكن هل رد العنف بالعنف ممكن دائما; ؟؟ أي هل يستطيع دائما; الطرف المعتدى عليه أن يرد العتداء بمثله، ويملك الوسائل

اللزمة لذلك ؟؟ هنا نجد الجواب في قوله تعالى (وأنفقوا في سبيل ال ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة). أي تقديم النفاق على القتال لن أساس الجهاد هو المال والنفس لقوله تعالى (إنما المؤمنون الذين آمنوا بال ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم

. 15وأنفسهم في سبيل ال أولئك هم الصادقون) الحجرات فإذا كانت وسائل الرد غير متوفرة، والرد بالمثل سوف يعود على المعتدى عليه بإراقة دماء كثيرة دون جدوى، مما يؤدي إلى

أن يدمر نفسه داخليا; وخارجيا;، فعليه الجهاد بالمال والستمرار باللعنف، وتحمل الذى، وخلق تيارات بين صفوفه تؤمن بالحرية لكل الناس، حرية الختيار والرأي وحرية التعبير، وتؤمن بالديمقراطية (الشورى) والتعددية الحزبية، وحرية

الصحافة، ولو أخذ ذلك كله وقتا; طويل;، وبعد أن يكتمل، يأتي العنف طلقة خلص للمستبد المعتدي داخليا; كان أم خارجيا. أما إذا كان الطرف المعتدى عليه ضعيفا;، وقام بالرد على عنف المستبد القوي، فسيؤدي به رده إلى التهلكة، وعليه أن يتحمل

الذى إلى أن تكتمل لديه الوسائل، وينتظر أن تبدأ السلطة المستبدة بالعدوان والقتل، ليرد عليها بالمثل وهو قادر على الرد. وقد يقول قائل: إفرض أن السلطة المستبدة لم تبدأ؟ نقول: العنف والعدوان هو الساس الذي تقوم عليه السلطات المستبدة

داخليا; وخارجيا;، وهو الخبز اليومي لهذه السلطات، وبدون العنف والعدوان ل يبقى المستبد مستبدا;، وإذا كان العدوان خارجيا ول يملك المعتدى عليه وسائل الرد (القصاص) فعليه النتظار والستعداد والمناورة وهذه كلها تحتاج إلى تقديم المال (وأنفقوا

في سبيل ال) حتى يتحقق التوازن. ونقف هنا بالشرح عند قوله تعالى (والفتنة أشد من القتل)، الذي سو�غ الفقهاء عبر التاريخ للسلطات الحاكمة المستبدة تحت

شعاره، قمع كل معارضة مهما كان نوعها، وإعطاءها المبرر للفتك بالناس والقتل الجماعي، وفتح السجون والمعتقلت، ومصادرة أموال المعارضين، والتهمة هي (الفتنة نائمة لعن ال من أيقظها). فما هي الفتنة التي هي أشد من القتل، والتي

ترفعها السلطة المستبدة فوق رأس كل إنسان يريد أن يقول شيئا; أو يعترض على شيء؟؟ ونأخذ قوله تعالى (وقاتلوا في سبيل ال الذين يقاتلونكم ول تعتدوا، إن ال ل يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم، والفتنة أشد من القتل، ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم

.191 و190فاقتلوهم، كذلك جزاء الكافرين) البقرة

Page 111: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

لقد بدأ النبي (ص) بدعوة الناس إلى التوحيد، وكانت دعوته سلمية، تترك الخيار للناس كلهم في اليمان والكفر والتوحيد والشرك، حجته في ذلك كله التنزيل الموحى إليه، وشعاره (خل�وا بيني وبين الناس)، للتحدث إليهم ودعوتهم دون إكراه

ومخاطبتهم بالموعظة الحسنة، وهو ما نسميه اليوم بالحوار السلمي الفكري، في المجتمعات الديمقراطية، فالمجتمعالديمقراطي ل يقمع ول يمنع أي فكر جديد طالما أنه ل يستعمل العنف والكراه.

وكان جواب المشركين وقريش (السلطة المستبدة) المنع والقمع، منع الناس من الستماع إليه، ومنعه من الكلم إليهم، وقمع كل من اختار من الناس عن قناعة ورضى ما كان يدعو النبي (ص) إليه. كانت هذه المرحلة بالنسبة للنبي (ص) هي ما نسميه

(النضال السلبي)، حيث قامت قريش بعرض الجاه والمال والملك عليه، مقابل أن يترك ما يدعو إليه (يثبتوك)، في محاولةمنها لغرائه، وفتنته عن طريق دعوتهن وهذه الفتنة التي وردت في الية كما نرى.

ثم رأينا في قراءة التاريخ، كيف رفض النبي (ص) هذه الفتنة وهذا الغراء، ورأينا كيف قاد القمع والمنع والتعذيب إلى الهجرة (الخراج من الديار)، ثم إلى قتل الناس، وكيف دخلت الدعوة بعد الهجرة في مرحلة ما نسميه (النضال اليجابي)، ثم

كيف بدأ (ص) بتأسيس دولته الجديدة، وبالرد على العتداء بالعتداء وعلى القتال بالقتال وعلى القتل بالقتل، ردا; يقوم على أساس المماثلة والقصاص من جهة، والتقوى، أي عدم التجاوز والسراف في القتل والقتال، من جهة أخرى. لكن هذا القتل الذي وقع، بقتله وضحاياه، إنما جاء نتيجة للغراء والفتنة، لذا قال تعالى أن هذه الفتنة التي قادت إلى القتل أشد من القتل

نفسه. إن أية دعوة سلمية فكرية تتبنى مبدأ اللعنف في خطابها للناس (تظاهرات سلمية، مطالبة بحرية الكلم والتعبير، وحرية

الجتماعات، وحرية النشر) تدخل تحت المبدأ النبوي (خلو بيني وبين الناس) وإن أية مقاومة لدعوات كهذه مؤمنة أو ملحدة، بالقمع والمنع والغراء، هي الفتنة. فالفتنة بناء على ذلك، أمر وتصرف يصدر عن السلطة المستبدة (الطرف القوى) وليس

عن الناس المقموعين الممنوعين المفتونين كما ذهب البعض. وهذه هي الفتنة التي تعتبر أشد من القتل، فالمجتمع السلمي هو المجتمع الديمقراطي الذي يقوم على حرية العقيدة، وحرية

التعبير، والتعددية الحزبية، وحرية النتخابات، وفصل السلطات الثلث، وهو المجتمع الذي ل توجد فيه فتنة تمارسها السلطة المستبدة وبالتالي ل يوجد فيه قتل. إل أن الفقهاء والمفسرين عكسوا تماما; مفهوم الفتنة في الية، فجعلوها تصدر عن الناس

وليس عن السلطة المستبدة والتي هي الطرف القوى، إذ كيف يمكن لطرف ضعيف أن يمارس الفتنة، فتحولت إلى مشروععلى رقاب الناس وفكر الناس، وهذا من بصمات الستبداد على علوم الفقه وعلوم القرآن. فاعرف هذا!!

بعد أن شرحت نظرية الحدود في كتابي الول وشرحت مفهوم القصاص والعقوبات ومفهوم الناسخ والمنسوخ في هذا الكتابأترك للقارئ الكريم الحكم فيما إذا كان يمكن فصل السلم عن الحياة، لنه و الحياة، جاء لتعيش به ل من أجله.

وكذلك فإن بحث الناسخ والمنسوخ والقصاص والعقوبات والشورى يبين لنا حجم الكارثة التي أصابت العرب والمسلمين بطريقة تعاملهم مع التنزيل الحكيم (مع نبوة محمد بن عبد ال ورسالته)، والتي يعتبر الستبداد السياسي وفقهاء (هكذا أجمع

الجمهور) وأحاديث الحاد لبطال الرئيسيين لهذه الكارثة، ول غرابة أن العرب والمسلمين الن يعيشون على هامش التاريخ، وكثير من الناس المتدينين يقول بكل براءة وصدق لنهم بعدوا عن السلم (دين ال) وهذا صحيح، ولكن يظنون أنهم بعدوا

عن العلوم التي سماها البعض العلوم السلمية وهذه العلوم تحمل الصفة التاريخية وفيها كثير من الوهام كالناسخ والمنسوخ،ومبنية على الثقة ل على العلم والنقد ولم تكن الثقة يوما; من اليام مصدرا; للمعرفة.

أما عندنا فهي المصدر الساسي إن لم يكن الوحيد لمعرفة السلم، وطرح العقل والعلم والمنطق وأثرهم على الهامش - نتائج الستبداد على مجتمعنا المعاصر8وأصبح السلم اليوم يقوم على قوة الذاكرة والحفظ عوضا; عن التحليل والتركيب والفكر والستنتاج..

لقد أثر الستبداد، بكل أنواعه التي تم شرحها تفصيل;، في هذا الكتاب، وأخذ المظاهر التالية: أ - ففي علوم القرآن تم القتصاد على الشكل، بإقامة مدارس لتحفيظ التنزيل الحكيم (عن ظهر قلب)، واقتصر الهتمام على

الخط والناقة، والمد� والغنة، كما ظهرت روابط لقراءة القرآن الكريم لتهتم أيضا; بشكل الظهار والخفاء والدغام والقلقة والتفخيم والترقيق، أما المضمون فإياك أن تدخل فيه، فستقوم قائمة رجال الدين المختصين لتكيل التهامات، التي أحسنها التفسير بالرأي. وإذا سألتهم عن المضمون أحالوك إلى التفاسير التراثية الموروثة، فإذا فتحت هذه التفاسير رأيتها تطفح

بالمتناقضات. … وقد رأيتونستمع إلى الشيخ محمد الغزالي يتحدث عن التفسير والمفسرين بمقتطفات من كتابه "كيف نتعامل مع القرآن":

عددا; من المفسرين، كانوا بلء; على المة السلمية على الرغم من أنهم خدموا البلغة العربية، وخدموا التفسير البيانيللقرآن أحل� خدمة، لكن حملت تفاسيرهم إلى جانب ذلك إساءات كبيرة للفكر القرآني ..

Page 112: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

.. نريد للعصر الحديث والصحوة السلمي لكي تكون ناشبة بأعماق السلم، ومنطلقة من أعماقه الصحيحة، أن تقدم له جيل واعيا; موصول; بالقرآن، مدركا; لبعاده ومقاصده. في ضوء منهج نضيج، فل تقول كلما; مضحكا; .. فمثل; عندما أقرأ في

تفسير ابن كثير حديثا; واهي السند يقول فيه: كانت سورة الحزاب في مثل طول البقرة، ثم نسخ منها ما نسخ!! فهل يمكن أنينزل ال سورة من أربعين صفحة ثم ينسخ منها خمسا; وثلثين صفحة؟؟ ..

.. التقريب بين الدراسة القرآنية، وبين ما وصلت إليه النسانية وحضارتها، يحتاج منا إلى أن ننخلع قليل; عن بعض مواريثناالقديمة، التي ليست من ثوابت الدين وقيمه الصلية ..

.. لقد وجدنا المة السلمية عندما هجرت كتابها، أو على القل أخذت تقرؤه على أنه تراتيل دينية، فإنها فقدت صلتها بالكون، وكانت النتيجة، أن الذين درسوا الكون خدموا به الكفر .. والغريب أن هذه الطريقة في حفظ ألفاظ القرآن، صرفتني

عن معان كثيرة كنت أمر بها ول أعرفها .. يخيل إلي� أن بعض الكتاتيب أساءت إلى القرآن من حيث تريد الحسان، من ناحيةأنها خرجت أشرطة مسجلة ولم تخر�ج كيانات حية للناس، لذلك أرى أنه ل بد من إعادة نظر في الموضوع ..اهـ.

وهكذا يظهر استبداد الشكل في الذكر الحكيم حين اندمجت التلوة بالقراءة، فصارتا شيئا; واحدا;، فحل الشكل محل المضمونفي التنزيل الحكيم وألغاءه.

ب - أثر الستبداد في تغليب الشكل على المضمون، انعكس على الفقهاء والفقه وكتب الفقه، ابتداء من الم للشافعين مرورا بحاشية ابن عابدين، وحاشية الطحطاي، وانتهاء بالفقه على المذاهب الربعة للجزيري. ول يحتا قارئها إلى أي جهد ليلحظ

عشرات البنود ومئات الفقرات والصفحات في موضوع الطهارة والوضوء والصلة، حتى ليقع النسان في الوسواس منطهارته وصحة وضوئهن حين يخشى إغفال بند من هذه البنود.

ونفتح مرة أخرى كتاب "كيف نتعامل مع القرآن" لنسمع الشيخ محمد الغزالي يقول: .. ما معنى أن القرآن شفاء للمؤمنين؟ يقول أصحاب النكت، أنه أيام التراك كان يجيء في السطول من يقرأ البخاري، ليكون بركة للمعركة القادمة، فقيل لهؤلء إن السطول يسير بالبخار ل بالبخاري!! .. ومجرد قراءة البخاري ل تنفع هنا إطلقا; وما

حدث أن نفعت من سبق .. .. الفقيه في اصطلح الفقهاء، هو هذا العلم المتصل بأحكام العبادات والمعاملت، أما المعنى الشامل للفقه كما ورد في القرآن

حين وصف اليهود بأنهم قوم ل يفقهون (لهم قلوب ل يفقهون بها)، فكان الكلم فيه مستبعدا;، لن الحاكم يرفض أن يكونالكلم في الشورى، وفي حدود ماله وما عليه..

.. ول أزال أدعو إلى غلق باب الجتهاد في العبادات، يكفينا في أمور العبادات ما ورثناه في أقوال في الصلة والحج والصياموما إلى ذلك ..

.. فإذا نظرنا في فقه المعاملت والعبادات، ل نجد أمة أطالت الوقت في الفروع الفقهية كأمتنا، الوضوء مثل;، يمكن أن يتعلم في دقيقتين. فما الذي يجعل فيه مئات الصفحات والكتب، بل والمجلدات، وتختلف المذاهب فيه؟ هذا شيء عجيب!! حتى أنني

سميت الوضوء "علم تشريح الوضوء". … أ هـ. هذا ما كان من أمر الفقهاء، أما الصوفية، فقد قامت بنشاط معاكس تماما;، حين أخذت بالمضمون مسقطة الشكل، فقال

الصوفيون بأن القرآن ظاهر وباطن، فأهل الفقه هم أهل الظاهر، وأهل التصرف هم أهل الباطن، أو أهل الشريعة، أو أهل الحقيقة. وكان ل بد من ذلك ليعطوا أنفسهم حق التحليق في تأويلت ليس لها علقة بالنص البتة، فوقع الخلل في العلقة بين

الشكل والمضمون (البنية والدللة). علما; أنه ل بد في التأويل من أن يبقى خيط ما، ولو رفيع، يربط ويصل الشكل بالمضمون، فإذا انقطع هذا الخيط بين البنية

والدللة، تصبح احتمالت معاني الية ل نهائية. كمثل قوله تعالى (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ ل يبغيان) الرحمن . فحين نترك الخيط الواصل بين شكل اللفظ في (البحرين) وبين مضمون معنى دللته، يتحول البحران إلى أي شيء20 و19

يمكن أن يخطر ببال صاحب التأويل، فقد يعني عنده آدم وحواء، وقد يعني عنده الحسن والحسين، وقد يعني عنده الخير والشريعني ما شاء له الستنتاج أن يعني.

ثمة مآزق يقع بها الفقهاء أحيانا;، في تأويل الحكام، فيلجأون إلى التحايل على الشكل (الحيل الشرعية)، كما في حكاية المرأة التي كانت تصعد السلم في بيتها، فحلف زوجها بطلقها إن صعدت أو نزلت، فرمت بنفسها من على السلم غير صاعدة ول

نازلة، وجاز ذلك عندهم، مغفلين أمر المضمون والبنية في يمين الزوج، إذ لو خطر له ذلك لقاله!!. مثل هذه المآزق يقع بها الصوفيون، فيلجأون إلى كرامات الولياء لحلها، والكرامة عندهم هي الخروج من مأزق ل يسمح

العقل والسببية والتنزيل الحكيم بالخروج منه. ولهذا نرى أن النشاط العقلي عندهم في أخفض مستوياته قاطبة، وهو أشبه بنشاط مرحلة الطفولة، حين تذكرها قصص كراماتهم بقصص الطفال الخيالية (سندريل-أليس في بلد العجائب-علء الدين

Page 113: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

والفانون السحري)، وحين يطلقون على المتخلفين عقليا; مصطلح أهل ال، والمجاذيب إلى ال. ومن هنا نرى كيف أن المسلمين فقدوا وسيطتهم في قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا; لتكونوا شهداء على الناس .. الية)

. حين تركوا الخيط الذي يربط الشكل بالمضمون، والذي يصبح معه الخير القرآني صادقا; والتشريع واقعيا; يتناسب143البقرة ويتوافق مع الفطرة النسانية والتطور التاريخي الحضاري، ول يدخل في عالم الخيال. أي أن لدينا:

جـ - اعتماد الفقه على أحاديث الحاد، حيث تم تغليب السنة القولية على التنزيل، أو اعتبرت في مرتبته بأحسن الحوال، فأصبحت بذلك آلة للستبداد يواجه بها الفكر الحر، ويخيف بها الناس، المر الذي أدخل الفقهاء في مشكلة كبيرة في استنباط

أحكام الشورى والجهاد والجزية وشروط القتال، لم يخرجوا منها إل بالقول بالنسخ حينا; وتحت عنوان إجماع العلماء والجمهور حينا; آخر، معتمدين في هذا كله على أحاديث الحاد، وعلى الشكل دون المضمون، وعلى القول بجواز أن تنسخ

السنة آيات التنزيل، وأقاموا لتسويغ ذلك كله الموالد ومجالس الصلة على النبي، ووضعوا للحضرة المحمدية أسماء تساويبعددها أسماء الحضرة اللهية .. تعالى ال عما يصفون !!

د - تغليب الشكل على المضمون في علوم اللغة، حيث تم فصل النحو عن البلغة وعلم الدللت، وأصبح العراب مستقل عن المعاني، ول يهتم مطلقا; بعلقة المعاني بالواقع أو بعدم علقتها به، وأوضح مثال على ما نقول، أننا ندرس العربية في

مدارسنا البتدائية والعدادية والثانوية، حصرا; في علوم العراب والنحو، فليس عندنا مثل;، ل في الماضي القريب ول في الحاضر الماثل، أستاذ لعلم الدللت يشرح لطلبه الفرق في المعنى بين الكذب والفك والفتراء، أو بين البغي والظلم، أو بين

الفعل والعمل، أو بين النظر والرؤية، مما ساعد على ترسيخ وهم الترادف لدى أهل التضاد، وهذا يدخل في أهداف الستبدادوآثاره.

ثمة مثال يخطر على بالي، ما كنت لعرض له لول فائدته في توضيح السياق، هو أن واحدا; من الكتب التي صدرت ردا على كتابي الول، استغرق أكثر من نصف حجمه، يعدد الغلظ الملئية التي وقعت بها. وعليه فهو يستحق عندي درجة جيد في

الملء والشكل الذي لم يعرض له البتة !! هـ - تغليب الشكل على المضمون في القضاء فقد أصبحت شكليات العمليات القضائية وتعقيداتها صورة طبق الصل عن شكليات الفقه. وكما أن في حيل; شرعية على الشكل، أصبح العالم الجهبذ هو الذي يعطيك بمساعدتها حل; لمشكلتك، كذلك

أصبح المحامي القدير، هو الذي يتقن لعبة الشكل، ليجاد مخرج لزبونه من مشكلة ما، المضمون فيها واضح. فضاعت الحقوق مع الحيل القضائية، وفقد القضاء مصداقيته، وأصبح الشكل يقتضي سنين لستكماله في القضايا. وألف الناس العبارة

المشهورة التي يطلقها النصابون أمام ضحاياهم "باب القصر العدلي يدخل الجمل"، لعلمهم أن الحقوق تموت هناك. وبالمقابل عمدت بالدول إلى الخلص من طغيان الشكل على المضمون في القضاء العادي، فأنشأت لنفسها محاكم خاصة

بقضاياها، على رأسها محاكم أمن الدولة، غلب فيها المضمون على الشكل، فأصبحنا نرى المواطن في المحاكم العادية يموت قهرا; وحزنا; وغيظا; وملل;، وفي محاكم أمن الدولة يموت تعذيبا; أو إعداما. أما في الدولة السلمية الديموقراطية، دولة

الشورى والحريات، دولة المثل العليا والخلق والوصايا، فليس ثمة إل قضاء واحد، وجهاز قضائي واحد، وقانون واحد،ودستور واحد.

و – تغليب الشكل على المضمون في آلية عمل إدارات الدولة ومؤسساتها، فنشأت البيروقراطية، أي الروح الشكلية المكتبية، في أجهزة الدولة، التي يهمها استكمال الشكل الورقي المستندي في المعاملت سواء كان ذلك حقا; وصدقا; أم ل. مثال ذلك

التقارير الطبية لتبرير الغياب، في المدرسة والعمل والجامعة والوظيفة، وغيرها. ول يهم إن كان النسان مريضا; فعل; أم ل. أو كارثة تحصل في إحدى المنشآت ويأتي التفتيش، فإذا كان الشكل مستوفيا; في الملفات، ضاعت المسؤولية ووقعت الخسائر

الفادحة. وقد أتقن البعض لعبة البيروقراطية والشكل، وكيف يربحون علنا; مليين الليرات بين استكمال الشكل أو إبقائه غامضا;، وهم

في المضمون ل يستحقونها. ول يمكن حل هذه المشكلة إل باختيار طريقة في الدارة تضبط الشكل كما; وكيفا;، بما ل يلغيالمضمون، ويتلزم فيها الشكل والمضمون ويتوازنان، فل يتم تغليب أحدهما على حساب الخر.

ز – تغليب الشكل على المضمون في معظم مظاهر الحياة الجتماعية، أفرادا; وجماعات، فكم من أموال تهدر، وكم من أشخاص يستدينون من أجل المحافظة على الشكل، والمثلة أكثر من أن تحصى، لن حياتنا الجتماعية مليئة بها، أو قل أنها

تكاد أن تقوم عليها. ح - تغليب الشكل على المضمون في الدين السلمي، واختزاله وحصره بالنسبة للمرأة في الحجاب، لعدد من السباب، أولها العجز، وأهمها ذكورية المجتمع، والتضييق على العباد باسم الدين. فبعد أن قصر العلماء علمهم على الشكل دون المضمون،

Page 114: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

وأصبح همهم ينصب في استيفاء الشكل كالوضوء والطهارة وعقود النكاح، فقد صاروا عاجزين تماما; عن فهم مضامينالظواهر الجتماعية وتحليلها، وعن احترام حرية النسان وتقديسها.

والنطلق من السيطرة الذكرية على كل شيء، تم التأكيد على ذكورية المجتمع، التي ترجع إلى عصور الجاهلية، والتي ترجع إلى عصور الجاهلية، والتي جاء السلم ليضع بدايات تعديلها في عصر النبوة، حيث بقي المجتمع ذكوريا; مع بعض

الحقوق للمرأة، إذ تحتاج ذكورية المجتمع إلى وقت كبير لزالتها بالكامل. لكن الفقهاء بعد هذا العصر، وضعوا الفقه على أسس ذكورية لمجتمع ذكوري، أصبحت المرأة معه شيئا;، كالسيارة الفخمة والحلي، يجب على مالكه أن يحافظ عليه، ويضع

له حراسا; وأقفال;، وغدت رعاية المرأة والمحافظة عليها تنطلق من مفهوم ملكية الشياء الثمينة وأطلق عليها نفاقا; اسم(التكريم).

فإذا أراد العرب والمسلمون التحرر والتقدم، وتحقيق الدولة الواحدة، فإن ذلك ل يمكن أن يتم في مجتمع ذكوري، فالذكورية حالة متخلفة حضاريا; وانسانيا; وحتى تاريخيا. وقد ضرب لنا أهل النتفاضة في الرض المحتلة أروع المثلة في النضال حين

بدأوا بالتخلي فعل; عن النظرة الذكورية إلى المجتمع. ولهذا فالجانب النسائي في مجتمعنا بحاجة إلى خرق فكري وسياسي. لقد تم إقناع المرأة بأنها مصدر المتاعب والهزائم، وأنها الجانب الضعف غير الناضج اجتماعيا; وسياسيا;، وأنها مصدر الفتنة

للرجل المسكين المفتون، وأنها ليست أكثر من سيارة فخمة أو قطعة حلي، يمكن سرقتها. وتم إغفال أن المرأة إنسان، له مشاعر وإرادة يستطيع معها أن يقول "ل" و"نعم". وأن يدافع عن نفسه إذا أراد أحد العتداء عليه، خاصة وأن ال سبحانه قد

سل�حها بالخلق بسلح تستطيع معه الدفاع عن نفسها، فليس لحد مهما كان قويا; أن يفعل معها شيئا; إل بإرادتها، سافرة أممحجبة.

ولما أخرج سبحانه الشكل في الزنا من دائرة الجتهاد، فحدده في موضعه، فقد انصرف الفقهاء إلى ممارسة ذكوريتهم على باقي المور، فصارت المصافحة في رأيهم زنا، والنظر والختلط زنا، حتى أنهم ألفوا البحاث عن شرعية نظر الخاطب

إلى مخطوبته، وتفننوا في التضييق على خلق ال وعباده. ونحن نقول، إن حجاب المرأة من المور الشخصية التي تقررها المرأة بنفسها ولنفسها دون ضغط أو إكراه أو إغراء أو

تخويف، ودون إفراط أو تفريط. ونقول، إن التنزيل الحكيم الذي نزل على عبد ال ورسوله الخاتم إلى الناس كافة، ل يجوز اختزاله بالنسبة للمرأة في حجابها، ونسمي المرأة السافرة التي وضعت حجابا; بأنها "رجعت إلى دينها"، ونقيم لها الحتفالت الترسيمية الخاصة بهذه العودة إلى الدين، وكأنها كانت خارجه. وأعتبر هذا الختزال إهانة كبيرة للسلم من جهة ولكرامة

المرأة من جهة أخرى، حين نحصر هذا الدين الشامل العظيم في قطعة قماش، ليصبح معه حجاب المرأة حجاب عقل ل حجاب شرع. ونقتطف فيما يلي بعض المعلومات التاريخية القديمة من مخطوط "تاريخ الحجاب"-حسين العودات-دار

الهالي.. "انتقل النسب والوراثة إلى الرجل في المجتمعات القديمة، مما فرض مجموعة من القيم والمفاهيم، منها فرض الخفر على

النساء واعتباره قيمة فضلى (كان ذلك بداية الحجاب). وفرض الحجاب فيما بعد على المرأة البابلية المتزوجة فلم يسمح لها.)2(بالخروج من منزلها دون حجاب

فرضت العزلة والحجاب على المرأة الفارسية أيام (دارا) وأصبح على النساء أن يتحجبن عند خروجهن، وإذا ركبن الدواب. كما فرضت الديانات الهندية الحجاب على المرأة.)3(أرخيت من حولهن السدول

، وعزلتها في المعابد في الرواق أو خلف الرجال.)4(طالبت الديانة اليهودية المرأة بلبس الحجاب فعلت الديانة المسيحية مثل اليهودية، لكن الحجاب عندها اقتصر على الصلة فقط، إذا ل يليق بالمرأة أن تصلي وهي حاسرة

.)5(غير مغطاة ، ولم يشر صراحة إلى فرضه على نساء المسلمين، بل طالبهن)6(فرض السلم الحجاب على نساء الرسول (ص) فقط

، والخمار والجلباب ليس الحجاب. فضرب الخمار على)8(، وأن يدنين عليهم من جلبيبهن)7(بضرب الخمار على جيوبهنالجيوب هو الحد الدنى للباس الداخلي للمرأة أما الجلباب فهو اللباس الخارجي وتحكمه العراف المحلية والمجتمعية. ونقول، ثمة أمور كثيرة، حبذا لو نعطيها هذا الهتمام وهذه الهمية، كالكذب والنميمة والغش وعقوق الوالدين والحنث

باليمين، وتضييع العمر فيما ل ينفع الناس، ونعالجها بنفس الحماس الذي نعالج به الحجاب، الذي ليس بالساس من أركان السلم الخمسة، أو العشرة، أو المئة. لنذكر أننا حين نقول عن المرأة التي تبدأ بوضع الحجاب أنها "رجعت إلى دينها"، فهذا

أمر له ذيول خطيرة، أحدها أنه سيأتي يوم يفرض فيه الحجاب بالقهر والقوة من الدولة، بحجة إرجاع النساء إلى دينهن. وثانيها أننا نعتبره مؤشرا; رئيسيا; للصحوة السلمية، في حين أنه في حقيقة المر مؤشر على استمرار الغفوة السلمية،

والهاء المسلمين بأمور ل تفيدهم ل في دينهم ول في دنياهم. على الرجل والمرأة أن يعلما أن الحجاب مرتبط بالحرية، وكما انه ل إكراه في الدين، كذلك ل إكراه في الحجاب. فإذا أرادت

Page 115: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

المرأة أن تتحجب فل إكراه ل الن ول في المستقبل، والحجاب والسفور ل يخرجها ول يدخلها في الدين، وعلى الدولة أن تعلم أن موضوع فرض الحجاب أو فرض السفور ليس من مهامها، لن ذلك له علقة بالحريات العامة التي ل تخضع أصل

حتى للتصويت ولنه له علقة بالتربية والتوجيه فقط. ونعود إلى أثر الستبداد على سلوكية الشخاص والمجتمعات، فأول آثاره ونتائجه على الفرد أنه يخلق إنسانا; مهزوما; من

الخارج أول;، ثم تنتقل الهزيمة من الخارج إلى الداخل. فالنسان المهزوم داخليا;، إنسان عاجز، يحتاج إلى وقت طويل لستعادة صحته وحل أموره بنفسه وتحمل مسؤوليته، فالمسؤولية صنو الحريةن والنسان ي¢سأل عن قدر ما يتاح له من

حرية، وهذه سنة ال سبحانه، الذي أعطى خلقه الحرية أول;، ثم حملهم المسؤولية ثانيا;، إذ ل ثواب ول عقاب بدون الحرية.وهذا ينطبق على المجتمع النسانية والفراد، فالفرد والمجتمع في النظام الستبدادي مصاب بالصابات التالية:

- التكالية وانعدام المسؤولية في كل شيء، فالولد والبنت يتكلن على الم والب، حتى بعد سن النضج، والموظف الصغير1 يتكل على الموظف الكبير في كل قراراته، لنه يفكر عنه، والمريد يتكل على شيخه في أن يفكر عنه، والشعب يتكل على الدولة في كل شيء لتفكر عنه، ومن هنا نشأ الستبداد الفكري، فطالما أن هناك من يفكر عنك، فل حاجة بك إلى أن تفكر

أصل;، وتعطلت بذلك أعظم هبات ال للنسان وهي الفكر والعقل. - الخوف من الغير، وعدم الثقة به. فالجار ل يثق بجاره، والبائع ل يثق بالمشتري، والعكس صحيح، وسوء النية وليس2

حسن النية هو القاعدة الساسية، التي تحكم علقة الرجل بالمرأة، فالذكر ل هم� له إل النفراد بالنثى ليغتصبها، وأي امرأة سافرة مهيأة لن تكون عاهرة، والموظف عند المواطن ل عمل له إل تعقيد المعاملت البسيطة، والدولة عند المواطن ل شغل

لها إل أخذ ماله لتصرفه على أجهزتها وكبار مسؤوليها، حتى صار المواطن "الشاطر" هو الذي يعرف كيف يتحايل علىالدولة لدفع أقل ما يمكن دفعه، وتشعبت هذه الروح حتى شملت كافة المستويات.

فالمواطن في ظل الستبداد غير حريص على حياة الخرين، وغير حريص على الملك العامة، ول علقة له بسلمة الطرقات أو بنظافة أو بنظافة الحدائق والمستشفيات، ول يعنيه حب الوطن والغيرة عليه في شيء، وهذا كله رد على سلبه

الحرية بادئ ذي بدء. - سلوك المواطن في ظل الستبداد السياسي بين الخنوع والستبداد. فهو خانع لمن فوقه، مستبد بمن تحته. الرجل يستبد3

بالمرأة تحت شعار الطاعة الزوجية، والوالدان يستبدان بالولد تحت شعار بر الوالدين، ونلحظ هنا أن اسبتداد الم بأولدها أكبر، فقد عاشت تحت استبداد أهلها، ثم تحت استبداد زوجها، حتى يواريها التراب، أو تصبح أرملة. والكبير يستبد بالصغير تحت شعار الحترام، والستاذ يستبد بتلميذه تحت شعار تبجيل المعلم، ورجل الدين يستبد بمن حوله تحت شعارات لها أول

وليس لها آخر. كل ذلك في سلسة تنحدر نزول; لتصب على أضعف عنصر في المجتمع، ل يجد من يستد به سوى الشياء. فيقطع الشجار في

الحدائق، ويتلف المصابيح في الشوارع، ويمزق أغطية المقاعد في الباصات ودور السينما، إذ ليس من أحد يصب عليه استبداده سوى الشياء. وهذا في رأينا، من علمات عدم قبول الرأي والرأي الخر، والهروب من الحوار بين الراء، التي تنصب في المحصلة استبدادا; بتخريب الشياء التي ل تستطيع الرد، ونرى ذلك واضحا; في ظواهر هيجان الجماهير بالبلدة

المتخلفة. - من الظواهر التي يخلفها الستبداد، ظاهرة النسحاب الطوعي من المجتمع، التي تسمى بالزهد والتصوف، والتي بدأت4

بذورها في العصر العباسي (الحلج-أبو يزيد البسطامي) واكتملت عند ابن عربي والغزالي (غروب الحضارة العربيةالسلمية)، وبدأ السبات العميق مع استمرارية عنف الستبداد.

فحين يقع الناس بالعجز الكامل، ل يبقى لهم إل الدعاء، والمستبد ل يمنع أحدا; من الدعاء. فليدعوا ما شاؤوا .. متى شاؤوا .. وكيفما شاؤوا .. بالقفز (حلقات الذكر) وبالدوران (المولوية) وبالطبل والصنوج (النوبة) وبالغناء والصوت الجميل (الموالد) وبإغماض العينين صبحا; وظهرا; ومساء;. فكثرت الدعية والولد، حتى صار لكل شيء في الدنيا دعاء، دعاء للخروج من البيت، ودعاء لدخوله، ودعاء قبل النوم، ودعاء بعد النوم، ودعاء السفر، ودعاء العودة من السفر، وأوراد الصباح، وأوراد الضحى، وأوراد الظهر، والمساء والليل والغسق والفجر، حتى أصبحت لهذه الدعية والوراد أدبياتها الخاصة التي تتلءم

مع الموجة السائدة، فحين دخل المغول البلد كان الدعاء: اللهم يا قهار انصرنا على التتار. أما اليوم فقد صار الدعاء: اللهم يا ودود انصرنا على اليهود .. وصار الناس ل يفعلون شيئا; سوى الدعاء بالنصر لجيوش

المسلمين في مشارق الرض ومغاربها .. وكلما زاد الدعاء أكثر .. زادت الهزائم أكثر .. ليس لن ال أصم أو غائب، لكن لنه سبحانه ل يستجيب لمن يريدونه أن يقوم عنهم بما يجب عليهم هم أن يفعلوه. ولنه سبحانه يساعد من يساعد نفسه (إن ال

.)9(ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فالبداية علينا والمساعدة في الخاتمة من ال

Page 116: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

انظر خبر المغيرة بن شعبة مع أم جميل بنت عمرو، ومحاكمة عمر بن الخطاب له بتهمة الزنا،) 1( بشهادة أبي بكرة وأخويه لمه، التي انتهت إلى جلد الثلثة بتهمة القذف، بعد أن لم تكتمل شروط التهام

.( - ) وفيات العيان لبن خلكان في ترجمة المغيرة. تاريخ الرسل والملوك لبن جرير الكبري بأربعة)2. قانون حمورابي) )3 " " " لوريل دوبرانت ) لدولبورت، ومن تاريخ الحضارة بلد ما بين النهرين .2/7انظر كتاب .5/7نشيد النشاد 65، 24سفر النكوين ) 4(.11/5رسالة بولس إلى أهل كورتوس ) 5(.53الحزاب ) 6(. 31النور ) 7(.59الحزاب ) 8()9 . " - " مصطفى) د سيكولوجية النسان المقهور التخلف الجتماعي انظر لمزيد من الفاضة

" لبعد الرحمن الكواكبي المتوفى عام " طبائع الستبداد ، والذي يعتبر بحق رائد1902الحجازي، وانظر الحرية في الوطن العربي السلمي.

Page 117: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الفصل التاسع: الجهاد

لقد قرر التنزيل الحكيم حرية الختيار، وقرر قيام علقة جدلية بين الكفر واليمان، وأنه ل يمكن لحد أن يلغي الخر، بمعنى أنه ل يمكن إلغاء الكفر، وجعل أهل الرض كلهم مؤمنين، وذلك في قوله تعالى (ولو أن قرآنا; س¢يرت به الجبال أو قط�عت به

الرض أو كلم به الموتى، بل ل المر جميعا;، افلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء ال لهدى الناس جميعا;، ول يزال الذين كفروا. 31تصيبهم بما صنعوا قارعة� أو تحل قريبا; من دارهم حتى يأتي وعد ال، إن ال ل يخلف الميعاد) الرعد

حيث تبين لنا الية بشكل قاطع أن القرآن يعالج المواضيع الكونية ل المواضيع التعبدية أو التشريعية، فذر تسيير الجبال، وتقطيع الرض، وتكليم الموتى، كما تبين لنا أن جدل الكفر واليمان، الذي هو من جدل النسان، ل ينتهي بهداية الناس

أجمعين، لكن ال شاء وتركهم أحرارا; في اختيارهم. لهذا، فعلينا نحن المؤمنين، من الناحية العقائدية، أن نسلم بوجود الكفركطرف آخر، وان ل مجال للغائه، بل بإقامة علقة جدلية معه، وهذه العلقة حددها التنزيل بمستويين:

المستوى الول-المستوى العقائدي: وهو حق كل انسان في أن يختار اليمان أو الكفر بملء حريته وإرادته وبدون إكراه وفي هذا المستوى جعل ال عقوبة الكفر أخروية بحتة. وأعفانا بل منعنا من إكراه الناس على اليمان، والضغط عليهم كي يؤمنوا، وفي هذا المستوى العقائدي قال تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، إنا اعتدنا للظالمين نارا; أحاط

. 29بهم سرادقها، وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه، بئس الشراب وساءت مرتفقا) الكهف وأعطى القرآن ملء الحرية للناس في اختيارهم بين الكفر واليمان. وبما أن الكفر ظلم للنفس من الناحية العقائدية، وقد

يرتكب الظلم من غير الكافر أيضا;، فقد وسع العقوبة الخروية وقال (.. إنا أعتدنا للظالمين نارا; ..). في هذا المستوى العقائدي ل يعتبر الكفر أو ما يسمونه اللحاد معيبة دنيوية، بل هو معيبة أخروية حسابها على ال سبحانه، الذي منع الناس من أن يحاسبوا بعضهم بعضا; على المستوى العقائدي، لنه لو سمح لما استقامت المجتمعات النسانية، لن

الحرية غاية الخلق. وبما أن المجتمعات النسانية، بالمفهوم المعاصر، شعوب تتألف من أمم، وقوميات تعيش في دول، والدول لها قوانين ناظمة تنظم المؤمن والملحد على حد سواء، فقد سمح ال سبحانه بأن يتعايش المؤمن والملحد ضمن الدولة

الواحدة في تسيير أمورهم الدنيوية، دون أن يضطهد بعضهم بعضا. ومنع سبحانه بصريح القول أي إنسان على نطاق المجتمع، أو أية دولة على نطاق الدول، من أن تتهم أحدا; بإيمانه، أو أن تقول له أنه ملحد، أو هذه دولة ملحدة، ول سبيل إلى الصداقة والتعايش معها في مجال الحياة الدنيا، وذلك في قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل ال فتبينوا ول تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا; تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند ال

.94مغانم كثيرة، كذلك كنتم من قبل فمن ال عليكم فتبينوا، إن ال كان بما تعملون خبيرا) النساء فجاءت هذه الية لتبين أنه ل يجوز، حتى في القتال، أن نتهم من ألقى إلينا السلم بأنه غير مؤمن، حتى لو كان غير مؤمن

فعل;، فإذا كان ذلك كذلك في القتال، فما بالكم بالمور التي ل تتعلق بالقتال. وهذه الية من سورة النساء جاءت ناسخة لتشريعمعاملت العداء في كتاب موسى، وينطبق عليها مصطلح (خير منها) أو (ويعفو عن كثير).

المستوى الثاني – المستوى السلوكي العدائي: وهو الذي يتم فيه فرض الكفر على المؤمنين ويضطهدهم، أي عندما يأخذ الكافر موقفا; من المؤمن، ويحاول أن يفرض عليه هذا الموقف. فالمؤمن إنسان يعترف بالخر عن طواعية وقناعة، وعندما

يعترف الكافر بالخر عن طواعية وقناعة، فل سبيل إلى القتال بينهما، ولكن عندما يحاول الكافر أن يلغي الخر المؤمن، ول يعترف بوجوده أصل;، بعند ذلك يصبح القتال مشروعا;، ل للغاء الكفر، ولكن لتأسيس حرية الختيار للناس، وحرية العقيدة

والتعبير عن الرأي بدون خوف. وفي هذا المستوى الثاني قال تعالى (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم، ومأواهم جهنم وبئس المصير) التوبة

. هنا نلحظ كيف أضاف أمر القتال الدنيوي إلى العقوبة الخروية.73 لقد بدأ سبحانه الية بقوله (يا أيها النبي) ليبين لنا أنها تعليم ل تشريع، وقرن المنافقين بالكفار. وكلنا يعلم من السيرة النبوية

Page 118: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الشريفة، أن النبي (ص) لم يتخذ بحق المنافقين، وعلى رأسهم عبد ال بن أبي بن سلول، أية عقوبة دنيوية، لن العقوبات في السلم على العمال ل على النوايا. وهذه قاعدة من أهم القواعد التي أسسها الرسول (ص) لبني النسان، بأن النوايا ل

سبحانه، يجزي بها أو يعاقب عليها، أما العقوبات عند الناس فهي على العمال. هنا يتبين لنا أن الخطوط الساسية للجهاد (العنف) في السلم، هي محاربة الستبداد ونفي الخر، أي يجب في أي مجتمع أن

يسمح بحرية العقيدة بدون أي إكراه، ويسمح باليمان واللحاد على حد سواء، وأن يكون حق المؤمن في إيمانه، وعباداته، والتعبير عن رأيه بصراحة، كحق الملحد تماما; في إلحاده، وفي التعبير عن رأيه بصراحة. فإذا ما تحقق ذلك، أصبح العنف

العقائدي غير مبرر، والستبداد، كما شرحنا سابقا;، مستويات غير المستوى العقائدي، منها السياسي، والقتصادي،والجتماع، والعرفي، لكنه بكل مستوياته على نوعين: داخلي وخارجي.

ويأخذ في الحالتين نفس التعريف، وهو إلغاء الخر، وعدم العتراف به. وأعتقد أن هذه الناحية تشرح لنا كيف ظهرت العبودية منذ فجر التاريخ. فظهور العبودية يحمل شقين. الشق الول، إلغاء الخر وعدم العتراف به كند مكافئ من الناحية النسانية، ولكن هذا الشق غير كاف للعبودية بدون الشق الثاني، وهو أن هذا الخر قبل هذا الوضع. أو بتعبير آخر، غلبت

عنده النا البشرية على النا النسانية. أي أن:العبودية = عدم اعتراف الخر بالنا كند + النا البشرية > النا النسانية

فمع تحقق هذين الشقين نشأت العبودية منذ فجر التاريخ، وما زال كذلك حتى يومنا هذا، في العبودية بكل ظواهرها ابتداء منالعبودية المنزلية بين الرجل والمرأة، وانتهاء بالعبودية في أعلى مستوياتها بين الدول.

من هذا المنظار سنحلل آيات الحوار بين ابني آدم، كما وردت في سورة المائدة (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الخر قال لقتلنك قال إنما يتقبل ال من المتقين * لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي

(فطوعت بله نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين) المائدة28 و27إليك لقتلك إني أخاف ال رب العالمين) المائدة . ونتبين ما يلي:30 - كان التقرب من ال مشخصا; (القرابين) ولم يصل إلى مرحلة التجريد (الصلة والصوم والزكاة) إل في عصور متأخرة.1 - أرادت أنا الثاني، أن تلغي أنا الول بالقتل.2 - تغلبت النا النسانية عند الول على النا البشرية، أي تغلب الشعور النساني عنده على غريزة البقاء وغريزة التملك،3

فوصل إلى موقف اللمعقول، وقبل أن يضحي بنفسه، ولو لم يفعل ذلك لصبح عبدا; للول. وبعبارة أخرى، كلما تغلبت غريزة البقاء وغريزة التملك عند النسان على النا النسانية عنده (الحرية والكرامة – اعتراف

الخر به كند) يصبح النسان عبدا;، وقد حصل ذلك منذ قدم التاريخ حتى اليوم، على مستوى الفراد وعلى مستوى الدول. وتعتبر هذه المتراجحة من أصعب المتراجحات إذا عكسناها، أي كانت النا النسانية فيها أكبر من النا البشرية (غريزة

البقاء والتملك والشهوات الدنيوية). فإذا ما انعكست هذه المتراجحة بالشكل الذي أشرنا إليه، يصل النسان إلى موقف اللمعقول. أي إذا هدرت كرامة النسان من أجل الطعام، وأراد أن يدافع عن كرامته (النا النسانية لديه) كان موقفه هذا في

التضحية بحياته ل معقول;، عندما يتم تحليله بالمقاييس المادية المعقولة. لذا عوض ال سبحانه هؤلء الناس تعويضا; ماديا; من جنس التضحية، وهو الحياة والشهوات الدنيوية، فاعتبرهم شهداء

ووصفهم بقوله (ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا;، بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم ال من فضله . هنا نلحظ أن التعويض اللهي من نفس جنس التضحية (الحياة170 و169ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم ..) آل عمران + الرزق) في قوله (أحياء عند ربهم يرزقون).

من خلل استعراض أحداث التاريخ، نجد أن موقف اللمعقول هذا (التضحية بالنا البشرية وبالرزق) صدر عن أناس مؤمنين، وعن أناس غير مؤمنين. إذ المهم في المر هو القضية التي تكافح من أجلها الحرية يأخذ مستويات مختلفة (عقائدي،

اقتصادي، اجتماعي، سياسي) لكنها كلها ل تخرج عن الكفاح للحصول على اعتراف الخر كند، أي اعتراف أنا الخر بأنا الذات كند في البشرية والنسانية. وعندما يتم ذلك، فلن تبقى أية مبررات لشيء اسمه عنف أو كفاح، ويبقى شيء اسمه الحوار

والتعايش وطرح الفكار. فرأس الكفاح هو الحصول على اعتراف الخر بحرية الفكر والتعبير عن الرأي بالوسائل السلميةالمتاحة.

يبقى لدينا أنه ل يمكن أن يصل النسان إلى موقف اللمعقول (التضحية) بدون عقيدة شمولية للحياة والكون والنسان، مبنية بكل أسسها على المعقول. فإذا حللنا نظرية العقيدة في السلم كما وردت في التنزيل الحكيم، رأيناها كلها تقوم على المعقول،

لرتباطها موضوعيا; ومنطقيا; مع قوانين الطبيعة. هذا الطرح المعقول كبداية، يصل بالنسان إلى اللمعقول في النهاية، منأجل الحرية واعتراف الخر.

وهؤلء هم المؤمنون الذين قال عنهم تعالى (إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل ال

Page 119: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

فيقتلون ويقتلون وعدا; عليه حقا; في التوراة والنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من ال، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ..) ، هذه الية تضع سنة من سنن ال في خلقه، بأن الذي يكافح من أجل الحرية واعتراف الخر، وحرية الختيار111التوبة

لدى الناس، ل من أجل فرض آرائه تحت أي شعار، ثم يقاتل ويقتل فإن له الجنة كقانون حتمي لراد له إذا كان مؤمنا. أما إذا كان الطرح الفكري بالصل ل يقوم على العقل والمعقول، فل يمكن أن يصل إلى موقف اللمعقول المجدي، بل يصل إلى طريق مسدود، وإذا وقع اللمعقول، فهو ل معقول انتحاري، ل يمت إلى عالم الحقيقة بصلة. لهذا فإن تحليلنا لقوله تعالى

(ل إكراه في الدين) يجب أن يقوم على تحليل الية نفسها. - (ل إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها، وال

.256سميع عليم) البقرة - (ال ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات،

.257أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة - (ألم تر إلى الذي جاح إبراهيم في ربه أن آتاه ال الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال

.208إبراهيم فإن ال يأتي بالشمس من المشرق فأت¥ بها من المغرب فبهت الذي كفر، وال ل يهدي القوم الظالمين) البقرة - (أو كالذي مر� على قريةt وهي خاوية� على عروشها قال أن�ى يحيي هذه ال بعد موتها فأماته ال مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت¢ يوما; أو بعض يومt قال بل لبثت مائة عامt فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس

.259وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما;، فلما تبين له قال أعلم أن ال على كل شيء قدير) البقرة - (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن

.260إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا; ثم ادعهن يأتينك سعيا;، واعلم أن ال عزيز حكيم) البقرة - (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا; من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلء أهدى من الذين آمنوا

.51سبيل) النساء - (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن

.60يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل; بعيدا) النساء - (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل ال والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان

.76ضعيفا) النساء - (قل هل أنبئكم بشرt من ذلك مثوبة عند ال، من لعنة ال وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، أولئك

.60شر� مكانا; وأضل عن سواء السبيل) المائدة - (ولقد بعثنا في كل أمةt رسول; ان اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت عليه الضللة، فسيروا

.36في الرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) النحل .17- (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنا إلى ال لهم البشرى، فبشر عباد) الزمر

ونبدأ بفعل (طغى)، فهو أصل صحيح يعني مجاوزة الحد في العصيان. يقال هو طاغ، وطغى السيل، إذ جاء بماء كثير، كقوله ، قال الخليل: الغضبان والطغوان لغة (ابن فارس) والفعل منه طغيت11تعالى (إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية) الحاقة

وطغوت. أما الجبت فتعني الساحر أو الكاهن (رجل الدين). فالطغيان هو مجاوزة الحد في كل شيء (كطغيان الماء) وهي دائما; تأخذ معنى سلبيا; دون أن يكون لها معان إيجابية كقوله

. والطاغية عند قوم ثمود، الصيحة والرجفة، فالصيحة موجة صوتية تجاوزت5تعالى (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) الحاقة حدود تحمل الذن البشرية، والرجفة الزلزال الذي تجاوز حدود الهزة التي ل تحدث دمارا.

من سورة البقرة بقوله تعالى (ل إكراه في الدين) أي أن النسان ل يكره على اعتناق دين، حتى لو كان السلم256تبدأ الية نفسه، ول يتحقق هذا الشرط إل بزوال الطغيان وسياسة الكراه، لن حرية الختيار وحرية التعبير عن الرأي هما قدس

القداس، وهبة ال إلى الناس وليسا هبة أحد كائنا; من كان، فردا; أو مجموعة. هنا نلحظ الدقة في التعبير، فعندما أخذ حالة خاصة كحالة ثمود قال (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) ولكن عندما وضع سنة

عامة لكل أهل الرض وهي (ل إكراه في الدين) استعمل صيغة (ومن يكفر بالطاغوت). فصياغة الطاغوت على وزن فاعول للدللة على استمرارية (ل إكراه في الدين) وأنها ليست حالة خاصة مؤقتة، ومثلها في ذلك الحاسوب والساطور، فالحاسوب

هو الجهاز الذي يقوم بعمليات الحساب بشكل مستمر، وليس لمرة واحدة، وكذلك الساطور. ثم نرى أنه تعالى قدم صيغة (ومن يكفر بالطاغوت) على صيغة (ويؤمن بال) لن اليمان بال يتطلب الكفر بالطاغوت أول

(الظاهرة الفرعونية) ثم الكفر بالجبت (الظاهرة الهامانية)، فاليمان بحرية الناس أحد أسس العقيدة السلمية التي تصدق بأن حاملها مؤمن بال، لذا فقد جعل سبحانه اليمان بالحرية ونبذ الكراه أساسا; عقائديا; عند المؤمن، ل أساسا; سلوكيا; شرعيا;،

Page 120: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

تماما; كما دمج اليمان بالشورى في الممارسة الجتماعية والسياسية مع العبادات، فجعله كالعبادات غير قابل للتغيير، وجعلهمن الثوابت مهما تغيرت وتطورت بنية الدول. فإذا نظرنا إلى القاعدتين التاليتين:

يؤمن بال على نطاق عقائدي>>> يكفر بالطاغوت >>>ل إكراه في الدين اليمان بال على نطاق اجتماعي سياسي>>> زوال الطاغوت >>>وأمرهم شورى بينهم

ثم لحظنا كيف اتبع ذلك بقوله (فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها) لرأينا كيف تكمن في هذين المرين الوحدة الساسية العامة لكل المؤمنين على الرض، فمن يتمسك بـ(ل إكراه في الدين) وبالشورى (الحرية والديموقراطية) يصل إلى حالة تسمح له بالتضامن مع جميع المؤمنين، ومع جميع الذين يكافحون من أجل الحرية وإلغاء الطغيان. فإذا اخذنا قوله تعالى

(قد تبين الرشد من الغي) نجده يحتوي على متضادين، الرشد والغي، وينتج لدينا : يؤمن بال (العروة الوثقى)>>> يكفر بالطاغوت >>> الرشد >>>ل إكراه في الدين

يكفر بال (انفصام العروة الوثقى)>>> يؤمن بالطاغوت >>> الغي >>>إكراه في الدين ولكي يطمئن ال المؤمنين بأنه وليهم، وأن الذي يؤمن بالطغيان له أولياء من دون ال، فقد استعمل مصطلح الكافرين في قوله

(والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت) والكفر هنا، كفر بالحرية. ثم أتبع ذلك بمثال مهم جدا;، جاء بعد قوله تعالى (ألم تر ..) الذي يربط المثال بالموضوعين قبله، الطغيان والكراه في الدين، وذلك ليؤكد أن أشد أنواع الطغيان وأبرزها وضوحا; هو الطغيان السلطوي، الذي تمارس فيه السلطة الطغيان العقائدي، فيقود

بالضرورة إلى إلغاء حرية الختيار، الذي يؤدي بالضرورة أيضا; إلى إلغاء الشورى، وأعلى مستوى لهذه الظاهرة هو المستوى السلطوي السياسي، لذا جاء المثال سلطويا; بحتا. في قوله تعالى (أن آته ال الملك ..) فالطغيان السلطوي، كما عند

فرعون، يقود بالضرورة إلى: - طلب الطاعة المطلقة (ما علمت لكم من إله غيري).1 - الملكية المطلقة لمقدرات البلد والناس (أنا ربكم العلى).2 - الفردية المطلقة (ل يشرك في حكمه أحدا;).3 - التصرف المطلق (فعال لما يريد).4 - علوه عن المحاسبة والمساءلة (ل يسئل عما يفعل وهم يسئلون).5

فقد نسب تعالى هذه الصفات إلى نفسه، ونفاها عن غيره نفيا; قاطعا;، ليعلمنا أن معنى (ل إله إل ال) ليست حاكمية ال في كل صغيرة وكبيرة من حياة الناس، التي تؤدي بالضرورة إلى الطغيان الفردي أو الجماعي، ولكنها تعني أنه ل طاعة مطلقة لغير

ال كائنا; من كان، وأنه ل ملكية مطلقة لمقدرات العباد والبلد لغير ال كائنا; من كان، وتعني أن الذي يفعل ما يريد هو الحصرا;، أما غير ال فيخضع للحساب والمساءلة كائنا; من كان.

وبما أن فرعون تجاوز حده فادعى لنفسه هذه الصفات التي تخص ال تعالى وحده، والتي أطلقت عليه اسم الظاهرة ، (قال ربنا إننا17، النازعات 24الفرعونية، فقد قال ال لموسى عندما أرسله إلى فرعون (اذهب إلى فرعون إنه طغى) طه

، وجاء الطغيان في الخطاب إلى موسى، وإلى موسى وهارون معا;، ليبين أن45نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى) طه مكافحة الطغيان من مهمات الرسالة، ومن مهمات النبوة أيضا;، وأن السكوت عن الطغيان كفر بالحرية، وكفر بـ (ل إكراه في

الدين). أما رد فعل الطغاة في الحياة الدنيا، عندما يتم تحديهم في ربوبيتهم وألوهيتهم، فهو زيادة الطغيان، كما في قوله تعالى (..

، ولهذا فإن ال ل يهديهم،68وليزيدن كثيرا; منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا; وكفرا;، فل تأس على القوم الكافرين) المائدة ويستزئ بهم، ويمدهم في طغيانهم، لنهم نسبوا صفات ال الخمس المذكورة أعله إلى أنفسهم، وأكروا اليمان بال واليوم

الخر..15- (ال يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) البقرة

.110- (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) النعام .186- (من يضلل ال فل هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون) العراف

وقد أكد سبحانه أن الطغيان يؤدي بالضرورة إلى زيادة الفساد وانتشاره (الذين طغوا في البلد * فأكثروا فيها الفساد) أي أن قانون "الطغيان إلى الفساد" هو من سنن ال في المجتمعات النسانية بغض النظر أكان الطاغية مؤمنا; أم كافرا;. وعلينا أل

ننخدع بانجازات الطاغية المادية، كشق الطرق وإقامة الجسور والسدود، فالطغيان يؤدي بالضرورة إلى تدمير النسان، الذيهو أغلى وأهم ما في الوجود.

فإذا فهمنا أن حاكمية ال، هي في عدم نسب هذه الصفات الخمس لغير ال كائنا; من كان، نكون قد وضعنا أيدينا على النقطة الجوهر في الطروحات السياسية، أما إذا فهمنا أن حاكمية ال تعني حجاب المرأة، والسواك، ولبس الجلبية، ومنع الموسيقى

Page 121: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

والغناء، وعمل المرأة، وأمرنا أو منعنا هذه المور تحت شعار حاكمية ال، وفرضناها على الناس بحجة أن ال سخرنا لذلك، وأننا نفعله ابتغاء مرضاته، نكون قد وقعنا في فخ الطاغوت. فحاكمية ال هذه، تقود بالضرورة إلى الكراه، وإلى سلب حرية

الختيار من الناس. فإذا كانت هذه الحرية هبة ال إلى الناس، حتى في الختيار بين الكفر واليمان، فكيف ل تكون في اختيار اللباس؟ والشرع السلمي المتمثل في حدود ال يتناسب مع قوانين الطبيعة وفطرة النسان، ولو لم يكن كذلك، فل حاجة لحد به، ولصبح عبئا; ثقيل; على الناس يحملونه مخالفا; لفطرتهم ولقوانين الطبيعة، ظانين أن هذا هو طريق الجنة. ونعود إلى قوله تعالى في

:258البقرة السلطة السياسية وهي أعلى سلطة>>>أن آتاه ال الملك

نفي الربوبية عن أية سلطة مهما علت>>>إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت ادعاء الربوبية عن طريق العفو والعدام>>>قال أنا أحيي وأميت

ربوبية ال في قانون دوران الرض حول الشمس>>>إن ال يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب عجز النسان عن تغيير قوانين الربوبية>>>فبهت الذي كفر لتشير الولى إلى قانون آخر من قوانين الزمن، وكيف سرى على الحمار، وتوقف عن الطعام.260 و259ثم تأتي اليتان

ولتشرح الثانية قانونا; ثالثا; هو قانون البعث بإحياء الموتى، والخلق الجديد الذي ل علقة له بالخلود، لن الذي مر على القرية فأماته ال مائة عام ثم بعثه، قد مات بعد ذلك، وكذلك الحمار. كل هذا ليمنح ال الناس الطمئنان إلى أن الذي يدعو إلى الحق

بالحجة، يستطيع أن يواجه أية قوة، مهما كانت غاشمة، وأن هذه الكلمة تؤتي أكلها ولو بعد حين، وأن الحق سيظهر. وحتى لو قتل إبراهيم على يد الطاغوت، فإن الذي سيبقى هو حجة إبراهيم، وأن الذي سيفنى هو الطاغوت، فحجة إبراهيم وموقفه في المثل الول، يقابلها الطعام الذي لم يتسنه في المثل الثاني، والطاغوت في المثل الول يقابله الحمار الذي أصبح عظاما; في

المثل الثاني. ثم أعطانا ال بعد ذلك قاعدة يقبلها كل العالم المتحضر المتقدم اليوم، هي الشك للوصول إلى اليقين، ومبدأ الختبار والتجربة.

فإبراهيم يؤمن بأن ال يحيي ويميت، لكنه لم يشاهد إحياء الموتى مشاهدة مشخصة عينية، فطلب إجراء اختبار عملي لهذه القناعة، وتم له ذلك، وبهذا أصبح إماما; للناس وليس للمتقين فقط، ونحن نرى الن أن مليارات الدولرات تصرف على

المخابز والتجهيزات، وإجراء التجارب المخبرية، من أجل تأكيد قناعات علمية نظرية، ومطابقتها مع عالم الحقيقة، وهكذا تتقدم النسانية وإبراهيم إمامها، ويقف المسلمون خلل أربعة عشر قرنا; عند إبراهيم نفسه، هل كان مؤمنا; أم كان متشككا;،

وينبرون للدفاع عن إيمان إبراهيم، وهو ليس بحاجة إلى دفاعهم، ولو أنهم ساروا على منهجه، ووصلوا إلى القمر، وغاصوافي أعماق البحار، لوفروا على أنفسهم وعلينا، وعلى النسانية، الكثير.

نلخص ما سبق فنقول، إنه ل يجوز من الناحية العقائدية إكراه الناس على شيء، إبتداء من الخيارين بين الكفر واليمان إلى غيره من أشياء دون ذلك. أما من ناحية الممارسة الجتماعية والسياسية، فالشورى أساس الحياة في السلم، وهي نمط

أساسي ثابت ل يتغير كالعبادات، ول يخضع لشروط التطور التاريخي، والذي يخضع للتطور هو طرق التعبير عن الشورىتطبيقا.

فأين إذن يكمن العنف، الذي سميته بالعنف الداخلي، بنوعيه الفكري والسياسي؟ في هذه الناحية نتبع قوله تعالى (لقد كان لكم ، أي أن أساس الكفاح السلمي يقوم21في رسول ال أسوة حسنة لمن كان يرجو ال واليوم الخر وذكر ال كثيرا) الحزاب

على محاربة الطغيان، المتمثل بالسس الخمسة سالفة الذكر، بغض النظر عن صاحبها، وعن اللقاب التي يطلقها على نفسه. وتبدأ هذه المحاربة بالمطالبة بشكل سلمي بحرية الكلمة وحرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل المتاحة، وأن الناس متكافئة في

التعبير عن رأيها، وهذا هو الجهاد في سبيل ال، كما في قوله تعالى : (فليقاتل في سبيل ال الذين يشرون الحياة الدنيا بالخرة، ومن قاتل في سبيل ال فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا; عظيما; *

وما لكم ل تقاتلون في سبيل ال والمستضعفين من الرجال والنساء والوالدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا; واجعل لنا من لدنك نصيرا * والذين آمنوا يقاتلون في سبيل ال والذين كفروا يقاتلون في سبيل

.76، 75، 74الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا) النساء فالقتال في سبيل (ل إكراه في الدين) هو القتال في سبيل ال، والقتال لكراه الناس هو في سبيل الطاغوت، حتى لو جاء هذا الكراه تحت شعار حاكمية ال. إن حاكمية ال بالشكل المطروح الن، تؤدي إلى حكم رجال الدين (الجبت) وإلى الكراه)

الطاغوت) بنوعيه السياسي والمالي. والطغيان يؤدي إلى العمه، أي إلى الحيرة والتخبط وقلة الهتداء. لقد كانت خطة النبي (ص) في كل المرحلة المكية تقوم على جملة واحدة (خلو بيني وبين الناس) أي أن المشكلة كانت في

طغيان سياسي ومالي وكهنوتي، منع النبي (ص) من أن يوصل كلمته إلى الناس (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) أي أن

Page 122: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

نضاله (ص) كله في مكة كان في سبيل حرية الختيار وحرية التعبير عن الرأي، ول أحد من مؤمني الرض يشك في أن نضال النبي (ص) في مكة لم يكن في سبيل ال، وأنه تحمل في سبيل ال كل أنواع الذى، وكان سلحه الصبر على هذا الذى، واحتمل العنف بدون عنف مضاد، وأن كل الذين أوذوا في مكة واستشهدوا، كان إيذاؤهم في سبيل اللهن وكانوا

شهداء، علما; أنهم لم يردوا على العنف بالعنف المضاد، فالعنف المضاد يعطي الخر مبررا; لكل أنواع التصفية الجسدية، فكانت هذه المرحلة، مرحلة احتمال أذى مع قول الحق بكل جرأة للحصول على اعتراف الخر، وعندما حصل النبي (ص)

على اعتراف الخر (صلح الحديبية) قبل به واعتبره نصرا; مبينا;. هذا هو العمود الفقري للنضال الداخلي في السلم، متمثل; بالحصول على اعتراف الخر كند، مع التأكيد على أن حرية

الختيار والشورى وحرية التعبير عن الرأي هي من أساسيات العقيدة السلمية، وليست مجرد شعارات مرحلية تكتيكية، الهدف منها الوصول إلى السلطة، ثم الضرب بها عر الحائط تحت شعارات أخرى كحاكمية ال، أو الكراه تحت شعار حكم

الشرع السلمي أو غير ذلك. تتمثل حاكمية ال في البنود الخمسة التي تم طرحها، والشرع السلمي يتمثل في حدود ال التي تتناسب تماما; مع الفطرة

النسانية وقوانين الطبيعة، والحركة ضمن الحدود تحددها الحزاب والمنظمات حسب سياق التطور التاريخي، دون أن يتهمأحد أحدا; بالكفر أو بالزندقة، وتحددها المجالس التشريعية المنتخبة (الشورى) أي أكثرية الناس التي يقوم التشريع من أجلها.

إن طرح حاكمية ال بالشكل الذي أوردته، وطرح الشرع السلمي كحدود ل، وكتشريع مدني إنساني ضمن حدود ال، سيقبل به حتى الملحد، وسيشعر بحرج شديد في الوقوف ضده، وسيخلق المناخ النظري العقائدي السلمي للديموقراطية والتعددية الحزبية وحرية التعبير عن الرأي. لهذا فإن المهمة الساسية لكل المسلمين، هي خلق تيار من الناس يؤمن بهذه الطروحات،

مستعد لتحمل كل أنواع الذى، فإذا وقع بالعنف الفعلي، كان بمثابة طلقة الخلص من الطغيان، وأشبه ما يكون بفتح مكة،التي لم يذهب فيها سوى عدد يعد على الصابع من الضحايا (معركة سلمية بحتة).

أما معارك النبي (ص) بعد الهجرة، فكانت كلها معارك سياسية لتأسيس دولة موحدة في شبه جزيرة العرب، والذي شرحناه بشكل كافt في القصاص والعقوبات أي تلزم الشكل والمضمون بين العنف والعنف المضاد، وعندما يضرب المستبد بالعنف

،195فعلى الطرف الخر الصبر وعدم الرد إذا كان ل يستطيع ذلك، تطبيقا; ليات الجهاد وعدم إلقاء النفس بالتهلكة (البقرة ). 15، الحجرات 41 التوبة 20، 88

إن خلق مثل هذا التيار سيقتضي عددا; من الضحايا (الشهداء) وكثيرا; من التضحيات، ثم يأتي بعد ذلك العنف السياسي لتأسيس دولة تقوم على الشورى وحرية الختيار. والمجموعة التي ستخلق هذا التيار، وتتحمل التضحيات، هي الطليعة، التي ستتحول

مع تطور النضال والعمل إلى أحزاب. لهذا، ل يمكننا أن نطلق صفة الثورية على أي حزب أو طليعة، بالمفهوم المطروحأعله، إل عندما تكون خارج السلطة، إذ ل يوجد في السلطة شيء اسمه حزب ثوري أو طليعة ثورية.

وإذا وجد، كان فيه مقتل السلطة ذاتها، لن الثورة والثورية ستحل محل الدستور والقانون، وسيحكمان الناس بدون استثناء. فالهدف الساسي من الثورة أصل;، ترسيخ دستور يضمن البنية الديموقراطية، وحرية التعبير، وحرية الحزاب. والقانون يتم

تشريعه من خلل المجالس الشورية، مع وجود سلطة أساسية رابعة مضمونه في الدستور، هي سلطة الصحافة (الرأيوالرأي الخر)، بالضافة إلى السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.

وبما أن الدولة السلمية تمثل حاكمية ال في البنود المذكورة أعله، وفي حدود ال كتشريع، وفي الفرقان كمبدأ تربوي أخلقي، فإنها تستوعب في هذه الحالة، حتى غير المؤمنين، لن الدولة تمثل كل الناس (الشعب) ضمن حدود هي الوطن، ول

تمثل قومية بعينها أو طائفة دينية بعينها، وبما أن الدولة تقوم بالمور الدنيوية الصرفة، فعلينا عندما نطرح برامج الدولة والحكم، أن نعي أن الدولة تمثل: القتصاد والبنية القتصادية والسياسية الزراعية والمن الغذائي، والسياسة الصناعية وزيادة

النتاج، وخدمات الصحة والتعليم والسكان، في بنود تنعكس من خلل قوانين تصدرها المجالس التشريعية، وعلينا أن نأخذهذه البنود بعين العتبار، عند انتخاب ممثلين يستطيعون قيادة الدولة والتشريع لها.

إذ ل علقة لللحاد واليمان بذلك، فقانون السير، وقانون الجمارك وقانون تنظيم الجامعات، قانون ناظم للمؤمن والملحد على حد سواء، ول يوجد قانون سير أو جمارك خاص بالمؤمن، وآخر خاص بالملحد. ولهذا، فإن على الحزاب السلمية حين تطرح برامجها، أن تطرح البرامج الخاصة بالدولة، والتي تهم الجميع، وتنظيم كل أفراد المجتمع، لتأخذ في هذه الحالة فقط

دورا; فعال. إن النضال من أجل حرية التعبير عن الرأي والديموقراطية، يتم من خلل الجرأة في قول الحق، بطريقة سلمية، وذلك من خلل المشاكل التي يعاني منها الناس في حياتهم اليومية، بدءا; من رغيف الخبز وانتهاء بأزمة السكان والبطالة ومرورا بأزمة الكهرباء. ومن العبث طرح أمور أخروية، لها علقة باليوم الخر، من أجل بناء الدولة، لن المسلم يمكن أن يدخل

الجنة وهو في دولة متخلفة، ويمكن أن يدخلها وهو في دولة متقدمة، فالدولة ظاهرة دنيوية صرفة. والدعوة من أجل الحرية

Page 123: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

دعوة سياسية مفصولة تماما; عن العبادات وعن إطلق اللحية، وعن لباس الرجل والمرأة، وطرح هذه المور تحت شعارحاكمية ال مضيعة للوقت.

كانت الزكاة، بعد وفاة النبي (ص) هي الدخل الوحيد للدولة في عهد أبي بكر (رض)، ولهذا حارب مانعي دفع الزكاة إلى الدولة، وعارضه عمر (رض)، فهم لم يمتنعوا عن دفع الزكاة مطلقا;، بمعنى إخراجها بنصابها أصول; من الموال، بل أمتنعوا عن دفعها لصندوق الدولة، فكان موقف أبي بكر صحيحا; من الناحية الدارية والسياسية، وكان موقف عمر صحيحا; أيضا; من

الناحية العرفية البحتة. ولما أصبح للدول دخل غير الزكاة، كالضرائب وخيرات الرض من معادن ونفط وغاز، فقد وجب حين نطرح مشكلة الدولة والقتصاد، أل ندخل الزكاة في الدورة القتصادية وفي الموازنة، لكونها ظاهرة اجتماعية تعبدية، يمارسها الناس بدون تدخل

الدولة بشكل فعال أكثر من ممارسة الدولة ذاتها.أما العنف الخارجي، فهو يأخذ الشكال التالية:

- تهديد عدو خارجي غير مسلم للدولة، أو احتلل أراضيها (الجهاد الخارجي).1 - تهديد عدو خارجي مسلم للدولة المسلمة ومحاربتها.2

لقد أمرنا التنزيل الحكيم بأن نفي بالعهود والمواثيق حتى ولو كانت مع غير المسلمين، وأمرنا بإلغائها إذا كانت مضرة بمصالحنا، وهذا يفتح آفاقا; واسعة للتعاون بين شعوب الرض قاطبة، المؤمنة وغير المؤمنة، العرب وغير العرب، لذا قال

. وقوله تعالى (.. ول تقولوا لمن ألقى إليكم السلم1تعالى (براءة من ال ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) التوبة .94لست مؤمنا; تبتغون عرض الحياة الدنيا ..) النساء

هاتان اليتان هما أساس العلقة الدولية بين المسلمين وغيرهم، أما الحرب فهي العرض، وليست الساس في العلقات الدولية. وقد تكون هذه الحرب ردا; على عدوان أو تهديد خارجي يستهدف أرض الوطن وخيراته، وفي هذه الحالة يعتبر

التقاعس عن الجهاد جريمة كبرى ل مغفرة لها، وقد جاءنا هذا المثال فيما سمي بغزوة العسرة (غزوة تبوك) عندما شعر النبي (ص) بعد غزوة مؤتة، بأن الروم قد يدخلون شبه جزيرة العرب، فأسرع في حملة احتياطية، لفهام الروم أنه ل مجال لهم

لدخول أرض شبه جزيرة العرب. عندما يقرأ أحدنا سورة التوبة يعلم مدى التعنيف الذي وجه للمتقاعسين في هذه الحملة، حتى أن ال سبحانه وجه اللوم للنبي

.43(ص) لنه أذن لبعضهم (عفا ال عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) التوبة - (لقد تاب ال على النبي والمهاجرين والنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب

.117عليهم، إنه بهم رؤوف رحيم) التوبة - (وعلى الثلثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن ل ملجأ من ال إل إليه

.118ثم تاب عليهم ليتوبوا، إن ال هو التواب الرحيم) التوبة - (ما كان لهل المدينة ومن حولهم من العراب أن يتخلفوا عن رسول ال ول يرغبون بأنفسهم عن نفسه، ذلك بأنهم ل

يصيبهم ظمأ ول نصب� ول مخصمة� في سبيل ال ول يطؤون موطئا; يغيظ الكفار ول ينالون من عدوt نيل; إل كتب لهم به عمل.120صالح�، إن ال ل يضيع أجر المحسنين) التوبة

وهذا ما أقرته كل دول العالم، عندما تتعرض دولة لعدوان خارجي، فلها كل الحق بأن ترد على هذا العدوان (والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه)، ولكن عليها أن تمتلك مع هذا الرد أسباب النصر، وأن تتوكل على ال بالعزائم.

وهذا يقودنا إلى أن نشرح الفرق بين الرغبة والعزيمة والرادة. عندما تحصل المعرفة بالعالم الموضوعي عن طريق البنى الطبيعية (عالم الوجود) أو الجتماعية (عالم السلوك النساني)

تتولد الرغبة. والرغبة في اللسان العربي من رغب، وله أصلن، أحدهما طلب للشيء، والجمع منه رغبات، والخر سعة فيالشيء، والجمع منه رغائب (ابن فارس).

والرغبة نوعان، الول رغبة غير واعية، وهي غريزة في طلب الشيء نتيجة بنية فيزيولوجية كالطعام والجنس، والثاني رغبة واعية، وهي إدراك الشيء ووعيه ثم طلبه. ومنها جاءت الشهوات كرغبات واعية، ل يمكن أن تتولد إل كنتاج معرفي

معين، فالنسان يرغب في الشياء حسب مستوى معارفه، فانسان القرن التاسع عشر لم يرغب إطلقا; في اقتناء جهاز تلفزيون، لنه ل يعرفه. لذا نقول أن المستوى المعرفي يولد الرغبات. ولذلك، ولتخفيف رغبات الشعوب يجب ابقاؤها في حالة معرفية متدنية، وهذا شأن الستعمار والستبداد السياسي، الذي تعتبر ظاهرة حجب المعلومات عن الناس من سماته

الساسية. . أي ترك ملة إبراهيم الحنيفية130في هذا المعنى جاء قوله تعالى (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إل من سفه نفسه ..) البقرة

(التطور والتغير) عن إدراك ووعي، ففي هذه الحالة يسفه النسان نفسه عن قصد.

Page 124: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

بعد الرغبة تأتي العزيمة، من فعل عزم. وهو أصل واحد يدل على اليقين والقطع. قال الخليل: العزم ما عقد عليه القلب منأمر أنت متيقنة. ويقال ما لفلن عزيمة أي ما يعزم عليه، كأنه ل يعدم المر بل يختلط فيه ويتردد.

فالعزيمة هي التيقن من فعل المر، وهذا ل يتأتى إل بمعرفة السباب في الظواهر، وتطبيق قانون السببية عمليا;، فالعزم يأتي بعد الرغبة، لنه تطبيق عملي مباشر لقوانين السببية. وهذا ما فعله ذو القرنين عندما عرف السباب في الظواهر التي سئل

، فالتمكين في الرض ل85 و84عنها في قوله تعالى (إن�ا مك�نا له في الرض وآتيناه من كل شيءt سببا; * فأتبع سببا;) الكهف هي تطبيقها العملي الذي تم85 هي معرفة السباب، والية 84يتأتى إل من خلل السباب (لحظ مواقع النجوم) فالية

شرحه في اليات التي تلتها. وقانون السببية هو سنة ال في خلقه، أي قوانين الطبيعة، وقوانين التاريخ، وقوانين المجتمع (.. فلن تجد لسنة ال تبديل; ولن

. وبدون معرفة هذه السنن أول;، وتطبيقها ثانيا; (أي استثمارها) ل يمكن أن تكون هناك عزيمة43تجد لسنة ال تحويل) فاطر أو أي كلم عن عزيمة. وبالتالي يلغي مفهوم التوكل على ال، لنه اشترط في التوكل العزم ل الرغبة (.. فإذا عزمت فتوكل

.159على ال، إن ال يحب المتوكلين) آل عمران وعندما أراد ال إهلك القرى، أهلكها من خلل السباب، التي هي سننه سبحانه، فهل خلق ال الطوفان من أجل قوم نوح

فقط، أم أن الطوفان كان من سنن ال قبل قوم نوح وبعدهم، وكذلك الصيحة، وكذلك الرجفة. فالمتوكل على ال هو من عرف سنن ال (السباب) أول;، واستثمرها ولو لم يلفظ عبارة "توكلت على ال" حتى لو لم يعرف

أن ما يفعله هو عين التوكل على ال. ثم تأتي درجة ما بعد العزم، وهي الرادة. فالرادة نتائج استثمار السباب في الحقيقة، أي عندما تتحول الرغبات إلى حقيقة

عن طريق العزم، فل تقل عن عمل أو إنجاز أنه إرادة إل إذا تم هذا العمل فعل;، وأصبح في عالم الحقيقة. فالرادة جاءت منفعل (رود) وهو مجيء وذهاب وانطلق من جهة واحدة.

كن فيكون>>>أراد ال من خلل السباب >>>أراد الناس

من هنا نقول أن مطلب الوحدة العربية هو رغبة العرب، وعملية تطبيقها هي عزيمة العرب، وبعد إنجازها وتحقيقها هي إرادة العرب، وأينما وجدت الشورى (الديموقراطية) أصبح الطريق إلى الوحدة معبدا; فالتناقض الرئيسي عند العرب الن هو

الديموقراطية والستبداد. ولهذا قال تعالى عن الجدار (فوجدا فيها جدارا; يريد أن ينقض فأقامه) أي أن انقضاض الجدار أصبح حقيقة قائمة، لذا أتبعها بقوله (فأقامه). كما قال سبحانه (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ..) (ومن أراد

.19 و18الخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) السراء ولهذا، فنحن ل نجد في التنزيل الحكيم كله صيغة "رغب ال" أو صيغة "عزم ال"، لن إرادة ال مرتبطة بقوله. كما في قوله

. ولن قوله الحق.82تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئا; أن يقول له كن فيكون) يس فالرغبة عند ال تعالى هي كمال المعرفة (وهو بكل خلق عليم) (عالم الغيب والشهادة). والعزيمة عنده هي في أنه خالق

السباب. وقد أعطانا ال الطمئنان بأن معرفة السباب من قبل الناس مهمة، وأنها غير خاضعة لمزاج أحد، فقال (.. فلن تجدلسنة ال تبديل;، ولن تجد لسنة ال تحويل) ويتضح ما قلناه في المتتالية التية:

بالنسبة ل سبحانه وتعالى: الرادة>>> العزم >>>الرغبة

الوجود>>> السببية الصارمة >>>كمال المعرفة الحقيقي كن فيكون>>> خالق السباب >>>وهو بكل خلق عليم

قوله الحق>>> لن تجد لسنة ال تبديل; >>>عالم الغيب والشهادة

بالنسبة للنسان: الرغبة النسبية>>>المستوى المعرفي للرغبات

العزم (التوكل على ال)>>>استثمار السنن وتطبيقها الرادة>>>النجاز الفعلي

لهذا، علنيا أن نكون أصحاب عزائم لتحقيق إرادتنا في النصر، وعند ذلك فقط يكون ال معنا. ولهذا، ل مجال لقبول إسرائيل في الوطن العربي على المدى الطويل، لنها مغتصبة للرض وللشعب، ومن يقبل وجودها على المدى الطويل فعليه لعنة ال

Page 125: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

والناس. لكن ذلك ل يمنع أبدا; من خطوات مرحلية تكتيكية، وخاصة فيما يتعلق بتصرفات الشعب العربي الفلسطينيومؤسساته. فالمكر من صفات السياسية، حتى تتوفر لنا العزائم (السباب).

لقد تم طمس عزيمة الجهاد من الناحية التاريخية، وتم ربطها بالسلطة، فكلما تهددت السلطة داخليا;، لجأت إلى حل تناقضاتها، بإيجاد يعدو خارجي، حتى لو كان وهميا. ونلحظ أن ذلك، بدأ تاريخيا; بالمويين. الذين لجأوا إلى حل تناقضاتهم الداخلية، إثر

تحويلهم الخلفة إلى سلطان موروث، عن طريق توجيه الطاقات المتصارعة باتجاه الجهاد بالغزو الخارجي، ليقطفوا في زعمهم حسنة الجهاد و حسنة امتصاص المعارضة، كما نلحظ أن ذلك تواكب مع بدء تأطير مفهوم دار الحرب ودار الكفر

ودار السلم في الفكر السلمي، مما اقتضى بالضرورة، رسوخ مفهوم النسخ في اليات، بعد أن وجد أصحاب المذاهب.)1(أنفسهم أمام تناقض في آيات الجهاد

آية من آيات الجهاد بحجة أنها مرحلية، تتعلق بجهاد النبي120مما اضطرهم، لتوليف ذلك كله، إلى القول بنسخ أكثر من (ص) أول أيام الدعوة، ثم تم نسخها بانقضاء مرحلتها. وقاد ذلك كله إلى أحكام فقهية شرعية طبعت الفكر السلمي بطابعها

حول دار الكفر ودار الحرب، وحول جواز أو عدم جواز الستيطان في دار الفكر بالهجرة، مبنية على فهم الجهاد في ظلالعنف والسياسة، وما زال بعض المستشرقين من أصحاب الهوى حتى يومنا هذا يعتمدون عليها في النيل من السلم.

لقد سئل المام المحدث سفيان الثوري، عن المشاركة في حملت الغزو والجهاد فأجاب، إن الذين يجاهدون يهملون واجباتدينية أخرى( ).

وسئل المام مالك بن أنس، سيد الفتوى في المدينة المنورة، عن جواز دفع فرسان المسلمين، إلى مزيد من الجهاد في القتال مقابل مال، فقال، الجهاد استحثاث الناس للقبال على السلم، فكيف يجوز القيام بما من شأنه إعراضهم عن ذلك ودفعهم إلى

.)2(المعان في الكفر والهلك لقد طبق النبي (ص) أحكام آيات الجهاد كلها، ولم يصلنا عنه أنه قال بنسخ أي من هذه اليات. فحصر جهاده الداخلي في (خلو

بيني وبين الناس)، ووقع الصحيفة مع يهود يثرب، وعقد مع قريش صلح الحديبية، وفتح مكة، وقاتل بعدها الذين قاتلوه أونكثوا عقودهم معه، لكنه خلل ذلك كله لم يجعل من الجهاد عنفا; يحتكم فيه إلى السيف، ويبادئ به.

نأتي الن إلى الحرب بين المؤمن والمؤمن، وإلى الحرب بين العربي والعربي، ونبدأ بقوله تعالى: .6- (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق� بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما; بجهالةt فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) الحجرات

- (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ال،.9فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن ال يحب المقسطين) الحجرات

. أي أن القتتال بين المؤمنين، والعرب منهم بشكل خاص،6 مربوطة ربطا; مباشرا; بالية رقم 9إن آية اقتتال المؤمنين رقم يمكن أن يقوم للسباب التالية:

- الظلم، وهو أن يوجد حكم طاغوتي هاماني في بلدين متجاورين، له صفة أساسية هي تفريق الهالي إلى شيع، يستضعف1 طائفة منهم ويقوي طائفة، ليذيق بعضهم بأس بعض، وهذه الظاهرة استعملها الستعمار وما زال، وأخذها حكام الطاغوتية

الدكتاتورية. فبوجود هذه الظاهرة في البلدين المتجاورين، تتناقض مصالح الطواغيت أحيانا;، إضافة إلى أن الحكم الطاغوتي قوي داخليا;، هش ضعيف خارجيا;، قابل للوقوع في الفخاخ الخارجية بسهولة، للحفاظ على ملكه، ولو أدى ذلك إلى إفساد

المجتمع بأكمله. وهذا ما يفعله المريكان في دول العالم الثالث (المستضعفون في الرض) إذ من خواص الظاهرة الفرعونيةأن تجعل أهل الرض شيعا.

والخلفات بين الطواغيت ل علقة لها بالمؤمنين ول بالعرب، فالمعارك تخص الطواغيت الطواغيت وحدهم، وما الناس إل وقود ل أكثر، وما رفع الشعارات إل من باب التعمية والتغرير بالناس. هذا النوع من القتتال يجب أن نكون حريصين على

تجنب الوقوع فيه، لن حياة الناس ومقدرات الوطن بأكمله ستكون تحت سيطرة الطواغيت الذين يستنجدون بالجنبي الغريب لحماية أنفسهم، تحت شعارات براقة خادعة، يعلنون شيئا; ويخفون في أنفسهم أشياء أخرى، لن الطاغوت والوطن اندمجا

عندهم في شعار واحد هو (وطن الطاغوت). وفي هذا يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم،

إن ال ل يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فعسى ال أن.52 و51يأتي بالفتح أو أمرt من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) المائدة

نحن هنا أمام مصطلح اليهود والنصارى، وإذا أردنا أن نفهمه فهما; معاصرا; فهو الصهيونية والصليبية العالمية. ول علقة لهما البتة بأصحاب الديانة اليهودية أو النصرانية الذين يعيشون مع العرب والمسلمين، وتجمعهم معهم رابطة الشعب،

ويعيشون ضمن وطن واحد، ولكن السقاط هنا هو إسقاط على شعوب مختلفة ودول مختلفة. لهذا ل يجوز لنا الستعانة بهذه الدول بعضنا على بعض، لن من يتولهم فهو مهم، ولو صام وصلى وحج وأدى الزكاة ونطق

Page 126: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

، أن المسارعة إليهم تأتي خوفا; منهم أو من شعوبهم، كي ل تدور52بالشهادتين وتكلم العربية. ولقد أكد� سبحانه في الية الدائرة على من تسارع إليهم، وهذا يختلف تماما; عن العهود والمواثيق المتكافئة، التي تقوم على أسس تجارية وعلى منافع

. وأما الذي ل يوفي بالعقود فقد أمرنا سبحانه أن1متبادلة، أكدها سبحانه في قوله (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود..) المائدة نفسخ عقودنا معه، على أن نعطيه مهلة، وذلك في قوله تعالى (براءة من ال ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين *

.2 و1فسيحوا في الرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي ال وأن ال مخزي الكافرين) التوبة - أما القتتال بنوعه الثاني، فهو بين طائفتين من المؤمنين (العرب) ل يوجد عندهم حكم طاغوتي، ويوجد حرية الحزاب2

ومجالس العشب وحرية الصحافة واستقلل القضاء. وفي هذه الحالة، يمكن أن يقع بعض الناس في فخ القتتال، كما في الية الحجرات. وهذا يعني أن للدول الخارجية مصالح حقيقية في بث النباء الكاذبة والشاعات بين المؤمنين، ليحرضوا بعضهم6

على بعض، فيقع أحد الطراف في هذا الفخ. لذا، خاطب ال المجتمع كله بأن يتدخل للصلح بين الطائفتين. وهذا المجتمع قديكون مؤسسة دولية، أو إقليمية، لها سلطة الصلح بين الطائفتين.

فهو حتى تفيء إلى أمر ال. وأمر ال هنا في قوله أصلحوا (إنما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين9أما القتال كما ورد في الية ، هو في الصلح بين المؤمنين الخوة.10أخويكم..) الحجرات

أما فيما يتعلق بغي المسلمين ممن شملتهم آية الجزية، وعلى ضوء ما تقدم في فصل الستبداد ونتائجه، نرى ما يلي:يقول تعالى:

(قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحر�مون ما حرم ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب.29حتى يعطوا الجزية عن يدt وهم صاغرون) التوبة

ولقد شرحنا في كتابنا هذا، كيف أن التنزيل ل يوجد فيه ناسخ ومنسوخ، كما شرحنا أن الظلم هو وضع الشيء في غير محله، وتطبيق الحكام في إطارات غير الطارات التي نزلت من أجلها، وأن التاريخ هو الوحيد الذي يحدد شروط تطبيق أحكام

اليات، كما في آيات القصاص والقتل العمد والقتل الخطأ. فإذا نظرنا في آية التوبة، رأيناها تضع شروطا; محددة للجزية تقع على جزء من الذين أوتوا الكتاب وليس كلهم، تنطبق عليه

المواصفات التالية: - أن يبدأوا بقتال المسلمين، ثم ينتهي هذا القتال بهزيمتهم، بدللة قوله تعالى (صاغرين).1 - أل يكونوا من المؤمنين بال ول باليوم الخر.2 - أل يحرموا ما حرم ال ورسوله، من قتل وشهادة زور وفواحش.3

وإذا نظرنا في ضوء ذلك إلى المواطنين المسيحيين الذين يعيشون معنا جنبا; إلى جنب، لهم مالنا، وعليهم ما علينا، فهل تنطبق عليهم الشروط المذكورة أعله؟ أنا أراها تنطبق على الذين يقاتلون ويقتلون المسلمين في البوسنة والهرسك، وعلى الذين يقاتلون ويقتلون المسلمين والمسيحيين في الرض المحتلة، لكنها ل تنطبق نهائيا; على المسيحيين الذين يعيشون معنا في

الوطن العربي وفي العالم السلمي. بل بالعكس، فالمسلمون العرب والمسيحيون العرب يتعرضون معا; في الرض المحتلةللقتل، دون نظر إلى عقيدتهم ودينهم.

أما عندما تنطبق هذه الشروط، فتظهر لدينا السماحة في السلم، ضمن مفهوم هو أنه إذا بدأ طرف من أهل الكتاب القتال، وهو غير مؤمن بال ول باليوم الخر ول يحرم ما حرم ال ورسوله، ثم قاتلته وانتصرت عليه، استحق حدا; أدنى من عقوبة

عليه أن يدفعها وهو مذعن، لنه هو الذي بدأ القتال، وهذا الحد الدنى هو الجزية، بالمصطلح الذي نعرفه اليوم باسم(التعويضات)، كما نراه في الممارسات الدولية، والذي تندرج تحته عقوبات أخرى كالحصار القتصادي.

هنا نفهم السماحة في السلم، في وضع كان يمكن أن تكون العقوبات فيه أشد، كالقتل مثل; أو النفي، حين تأخذ من خصمك اقل من استحقاقك. أما أن نقصر مفهوم السماحة السلمية، على جانب السماح لصحاب الديان الخرى بممارسة عباداتهم،

وبالحياة جنبا; إلى جنب مع المسلمين، فهذا مسخ ل معنى له، وفيه إجحاف بالسلم والخرين، الذين هم أناس مثلنا، وحقهمبالحياة معنا مثل حقنا بالحياة معهم تماما.

لقد تم أخذ الجزية في صدر السلم، هذا صحيح، لكن الشروط التاريخية وقتها كانت تختلف عما هي عليه اليوم، والمواصفات المنصوص عليها في الية كانت متحققة ومجسدة، على غير ما هي عليه اليوم، والصدقات وجزء الغنيمة

والفيء، هي المصدر الوحيد لدخل الدولة آنئذt، ولهذا فقد تم أخذ ضريبة من المسيحيين بدل الصدقات، من حيث أنهم مواطنين، فكان هذا الجراء فنيا; بحتا;، الهدف منه تأمين دخل لتغطية أعمال الدولة، وعلى رأس هذه العمال، أن المسلمين

كانوا يقاتلون ملزمين في سبيل "ل إكراه في الدين" ولم يلزموا الخرين بالقتال معهم، فكانت أشبه ما تكون بالبدل النقدي للخدمة اللزامية، فاندمج مفهوم الضريبة، مع مفهوم بدل القتال النقدي، وهذه حالة تعاقدية بحتة، وليست حالة إذعان، بدليل

.)3(إرجاع الجزية في حال الخلل بالعقد

Page 127: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

أما الن فقد تغيرت آلية الدولة، وتغيرت مصادر الدخل، وأصبح المسيحيون مواطنين كالمسلمين تماما;، في نظام واحد عليه اللتزام بالمثل العليا الواحدة عند المسيحيين والمسلمين على السواء، واللتزام بحدود ما أنزل ال، هذه الحدود التي تنسجم مع

الفطرة البشرية النسانية، مسيحية كانت أم مسلمة، واللتزام بحقوق النسان وكرامته، والحفاظ على حرية الرأي والعقيدة،وحرية التعبير عن الرأي والعبادات، مما يهم كل انسان مهما كان دينه.

من هنا، فإن من يطرح مفهوم الجزية الن، دون تحديد لشروطها الواردة في الية، ويطرح القول بتطبيق هذا المفهوم على المسيحيين العرب، هو إنسان يسيء إلى السلم أول; وآخرا;، لعدم توفر الشروط وانطباقها. والمشكلة في هذا الطرح، أن

أصحابه أخذوا نموذجا; تاريخيا; بعينه، في زمن بعينه، وقالوا هذا هو السلم، ثم راحوا ينسخون من هذا النموذج صورا; طبق الصل، يجهدون في لصقها على جميع مراحل الزمن والتاريخ والحياة، ناسين أو الزمن والتاريخ والحياة هي التي تحدد

حصرا; شروط تطبيق الحكام في اليات، وليس إجماع الفقهاء أو الجمهور أو العلماء.

) يجدر التنويه هنا، إلى أن التناقض المشار إليه ليس في اليات ذاتها، بل في طريقة فهمها، ومحاولة توليفها مع مفهوم1(العنف والسيف الذي ساد ظاهرة الجهاد، والذي فرضته أسباب سياسية أموية كما قلنا.

.194 و44) انظر "اختلف الفقهاء" لبن جرير الطبري، ص2( )انظر كتاب "العرب والنصارى" لحسين العودات، دار الهالي.3(

الخاتمة

نخلص من كل ما تقدم، إلى أن مبدأ الشورى (الديموقراطية) من أساسيات العقيدة السلمية، وركن من أركان ممارستها. كما نخلص إلى أن المؤسسة الوحيدة التي وصلتنا عبر التاريخ هي مؤسسة الستبداد، وأن مبدأ الشورى كان أول ما تم التخلي

عنه، ابتداء من العصر الراشدي إلى اليوم. ولقد انعكس هذا على سلوكيات الفراد والحركات السياسية العربية المعاصرة، إذ لم تكن الديموقراطية الركيزة الساسية في طرحها وممارستها، وبقيت العلقات السرية-العشائرية-الطائفية-المذهبية تشكل البنية التحتية للسلوكيات المعاصرة في بناء

الدولة، وفي مجال السياسات الداخلية خاصة، مما أعاق تطور الوعي الديموقراطي لدى الفراد، وزاد من عمق الشعورباللمسؤولية.

ونقف مع صفحات الكتاب أمام مفهوم جديد لحاكمية ال، مخالف للفهم السائد لياته تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الظالمون .. ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون .. ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون) وذلك بشرح

معانيها كما وردت في سياق آيات التنزيل الحكيم. وأمام شرح تكوين المجتمع النساني من الناحية النتروبولوجية، بدءا; من السرة فالمة فالقومية وانتهاء; بالشعب، من واقع

معاني هذه المصطلحات كما وردت في التنزيل الحكيم. كما نقف أمام مدخل لفهم نظرية الجهاد، ورغم حاجة هذه النظرية إلى بحث مفصل كامل مستفيض، يجعل منها كتابا; مستقل

بذاته، إل أننا اقتصرنا في التصدي له، على الشارة إلى اليات التي يجدر بالباحث-في رأينا-النطلق منها، مع مزيد النتباه إلى رفض مبدأ النسخ في آيات الجهاد، حيث فصلنا ذلك في موضعه، ومع التزام الدقة في فهم مسألة العنف والسيف والجزية، لما يؤدي سوء الفهم فيها إلى كوارث فردية واجتماعية، ولما لهذه النقاط من أهمية ل يكفي إجماع الجمهور لحلها، ول يجدي

فيها تطبيق فتاوى أناس عاشوا مرحلة تاريخية سابقة غير المرحلة التي نعيشها. ونخلص إلى أن العلم والحرية توأمان، انطلقا; من أن الستقراء المنطقي العلمي وجدل النسان لهما نفس المنهج في

الممارسة. فالعلم نظام يقوم على المؤسسات، جامعات، ومراكز دراسات، ومخابر، ومعاهد للبحث العلمي، وهذه المؤسسات في العالم لم تخلق دفعة واحدة، بل نمت وتطورت مع تطور المجتمع ونموه حتى أصبحت عصب الريادة العلمية، تصرف

عليها الدول مليارات الدولرات سنويا;، وأصبحت كما نراها اليوم هي التي تدفع التطور القتصادي والسياسي والثقافي

Page 128: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

للمجتمعات، وهي التي تقوم على ترميم وتقويم هذه المجتمعات وإصلح أخطائها. والحرية، كتوأم للعلم، تنمو بالسلوب ذاته، أي ل تنمو إل من خلل الديموقراطية ومؤسساتها، كالبرلمانات، والمجالس

التشريعية، والصحافة التي تضمن وتعبر عن وجود الرأي والرأي الخر. وهذه المؤسسات ل يمكن أن توجد هكذا، بلمسةسحرية دفعة واحدة، فهي تتطور وتنمو بدورها مع تطور بالمجتمع ونموه.

فالديموقراطية المعاصرة أحسن نظام واقعي وصل إليه النسان حتى اليوم، رغم أنه ليس مطلقا;، يحقق الشورى بالمفهومالعقائدي وممارساته النسبية، أي بمفهوم تطور المجتمعات التاريخي.

والعلم والحرية نظامان يرممان نفسهما بنفسهما من خلل المؤسسات، فالطيران مثل; بدأ مع بداية القرن الحالي بطائرة، نجدها الن بدائية، تطير عشرات المتار، ثم جاءت البحوث العلمية وصناعة الطائرات لتطور هذه القفزة الهائلة في مجال النقل والنتقال، لتصل بها إلى ما نراه اليوم من عظمة وتنوع. والديموقراطية لم تترسخ في فرنسا مثل; إل بعد قرن تقريبا; من

الثورة الفرنسية، ولم تتعمق في ألمانيا إل بعد الحرب العالمية الثانية. إل أنه ما زال ثمة من ينتقد النظام الديموقراطي في العالم، وهذا في رأينا أمر طبيعي، فالواقعية التاريخية لتطور أنظمة الحكم في العالم ل تسير على وتيرة واحدة في كل مكان، والنسان الذي أوجد النظام الديمقراطي للبتعاد عن الستبداد وتفاديه، ليس هو نفسه في القطار المعمورة، وسيظل ثمة دائما; من يحن إلى حكم الفرد والقهر ويقاوم الديموقراطية، مما دعانا إلى تشبيهه بالطفل الذي ألف الرضاعة ويقاوم الفطام. لهذا فعلينا أل ننسى أن لكل نظام نسبيته وتطوره بالمقارنة مع ما سبقه في التاريخ،

وعلينا أن نبتعد عن التفكير الطوباوي في إقامة جمهورية أفلطونية أو مدنية فاضلة فارابية، لنها وهم وأحلم يقظة، تبعدناعن التطور التاريخي وجدل المجتمعات النسانية.

والطريف الملحظ، أن منتقدي النظام الديموقراطي أنفسهم، هم ممن يعيشون في مجتمعات أسرية-عشائية-قبلية، ولم يعرفوا للديموقراطية طعما;، لن النظام الديموقراطي يحتاج لممارسته وتذوقه مرحلة أعلى هي مرحلة الشعب. ونقول لهؤلء: ل

يحق لمن يركب البغال في السفر من مدينة إلى أخرى، أن ينتقد الطائرة ويدعي عيوبها وأخطارها!! الديموقراطية نظام يؤتي أكله مع وصول المجتمع إلى مرحلة الشعب، ومع تجاوز مجتمع السرة-العشيرة-القبلية-الطائفية-

المذهب، ومع تجاوز مرحلة المجتمع الذكوري. ونرى أن المجتمعات العربية ما زالت حتى الن تمر في مرحلة انتقالية بينالمرحلتين، وهذا هو سبب تعثر قضية الوحدة العربية، وإيجاد الشعب الواحد في الوطن العربي، لن السرة-العشيرة-القبيلة- مضافا; إليها المصالح القليمية النانية ما زالت هي المسيطرة على المجتمعات والدول في هذا الوطن. فقضية الوحدة العربية

مرتبطة ارتباطا; ل انفصام فيه مع الحرية، ومع دعم مؤسسات الحرية، وليس مع الحرية الرومانسية. والنضال كما نراه يجب أن ينصب على الخروج من مرحلة مجتمع الذكورة ومجتمع السرة-العشيرة-القبيلة إلى مرحلة

الشعب، ويجب أن ينصب على خلق مؤسسات الحرية ومؤسسات الديموقراطية، بعد أن نبني النسان الفرد الذي يخلق هذهالمؤسسات. في هذه الحالة يصبح الطريق إلى الوحدة العربية معبدا;.

يجب أن نكون طموحين، إنما يجب أن يبقى طموحنا واقعيا; وليس خياليا;، نستطيع أن نبدأ بدايات متواضعة، إنما بدايات جدية ومدروسة كحلقات سلسلة، تقود واحداتها الخرى، بعيدا; عن الدعائية والستعراضية والشعارات الجوفاء، وبعيدا; عن

الرومانسية، فالرومانسية وإن كانت ضرورية في حياة الشعوب وآدابها وتجميع جماهيرها واستثارة صفوفها وعواطفها، إل أنها ل تصنع شعوبا; ول تقيم ديموقراطية ول تدعم حرية. ومثالنا هو الطرح الوحدوي في الربعينات والخمسينات من هذا

القرن الذي كان رائعا; .. لكنه كان رومانسيا; !! علينا أن نحذر من الشعارات الخلبة البراقة التي تكرس في المحصلة استبدال مستبد بمستبد آخر .. وعلينا أن ننشر الوعي الديموقراطي بين الناس في حياتهم اليومية، وتعويدهم على قبول الرأي والرأي الخر والتعايش معه كشيء موجود، وعلينا

أن نخلق تيارا; يؤمن بالشورى السلمية في إطارها وسياقها التاريخي المعاصر وهو الديموقراطية، وهذا كله يحتاج إلى عملدؤوب مدروس مخلص، لكن طريق اللف ميل يبدأ، كما يقولون، بخطوة واحدة.

أخيرا;، أرجو أن يعتبر كتابي هذا، مساهمة متواضعة في خدمة التنزيل الحكيم وفي تقدم العرب لتحقيق أهدافهم التحررية والوحدوية والجتماعية، وفي خدمة المسلمين نحو فهم أفضل للسلم، مما يساعد على تجاوز التعصب الديني والمذهبي

والطائفي، فإن أصبت فبتوفيق من ال وفضله، وإن أخطأت فمن نفسي.

والحمد ل رب العالمينم1994نيسان 11دمشق

هـ1414الول من ذي القعدة

Page 129: دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتم

الدكتور المهندس محمد شحرور