5الفكاهة والمرح عند العرب ج

الفكاهة والمزاح عنـــد

الــعرب

1

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

إعداد : ياسين طاهر األغا

الجزء الخامس

بســـم اللــه

2

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

الرحمنالرحيم

المقدمة الحم��د لل��ه ال��ذي أض��حك وأبكى ، وأم��ات وأحي��ا ، وأنش��أ جن��ات معروش��ات ، وح��دائق ذات بهج��ة ، وطي��ور مغ��ردة ذات أل��وان وأشكال متعددة ، ومن الجبال جدد بيض وحمر وغ��رابيب س��ود ، ومن الناس والدواب مختلف ألوانه ك��ذلك ، وس��ماء ذات أب��راج ، وأرض ذات فجاج ، كل ذلك لفائدة اإلنسان وس��عادته ، ولينش��رح صدره ، وتطيب نفسه بما هيأ الله له من زينة الدنيا ، وأح��ل الل��ه

الطيبات وحرم الخبائث ، وفيما أحل الله بالغا وكفاية لإلنسان .الظريف من الخطاب يخلص من الهالك

3

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وكم ظريف��ة من الخط��اب، ومليح��ة من الج��واب، خلص��ت من الهالك، من نصبت له األشراك، وسلمت من الحتوف، من أصلتت

له السيوف. قال األصمعي: خرج الحجاج متصيدا، فوق��ف على أع��رابي ي�رعى إبال وقد انقطع عن أصحابه، فقال: يا أعرابي، كيف سيرة أميركم الحجاج؟ فقال األعرابي: غشوم ظلوم ال حياه الله وال بي��اه. ق��ال الحجاج: فلو شكوتموه إلى أمير المؤم�نين؟ فق�ال األع��رابي: ه��و أظلم منه وأغشم، عليه لعنة الله! قال: فبينا هو كذلك إذ أحاطت به جنوده، فأومأ إلى األعرابي فأخذ وحمل، فلما صار معهم ق��ال: من هذا؟ قالوا: األمير الحجاج، فعلم أنه قد أحيط به، فحرك دابته حتى ص��ار ب��القرب من��ه، فن��اداه: أيه��ا األم��ير: ق��ال: م��ا تش��اء ي��ا أعرابي؟ ق��ال: أحب أن يك��ون الس�ر ال�ذي بي��ني وبين��ك مكتوم�ا؛

فضحك الحجاج وخلى سبيله. وخرج مرة أخرى فلقي رجال. فقال: كيف سيرة الحجاج فيكم؟ فشتمه أقبح من شتم األول حتى أغض�به، فق��ال: أت�دري من أن�ا؟ قال: ومن عسيت أن تكون؟ قال: أنا الحج��اج، ق��ال: أوت��دري من أنا؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا م��ولى ب��ني ع��امر، أجن في الش��هر

مرتين هذه إحداهما. فضحك وتركه. المهدي وأحد المصلين

وقدم المهدي المدينة، فخرج ليلة إلى مسجد رسول الل��ه ص��لى الله عليه وسلم مستخفيا ليصلي، فبينما هو ك��ذلك إذ ج��اء م��دني فقام إلى جانب��ه يص��لي، فلم��ا قض��ى ص��الته ق��ال للم��دني: أق��دم خليفتكم؟ قال: نعم! فعل الله به وفعل وأراحنا منه، وجعل ي��دعو على المهدي وانصرف؛ فدخل عليه الربيع؛ فقال: ي��ا ربي��ع؛ جلس إلى جانبي البارحة مدني فما ترك دعاء إال ودع��ا ب��ه علي. فق��ال: أتعرف��ه؟ ق��ال: نعم، إذا رأيت��ه! ثم ركب المه��دي واجتم��ع أه��ل المدينة ينظرون، ف��وقعت عين��ه على الرج��ل؛ فق��ال: ي��ا ربي��ع؛ أال ترى الرجل الذي صفته كذا وكذا! هو ذاك صاحبي، فأمر به الربيع فأخذ، فلما رجع المهدي دعا به. فقال: ي��ا ه��ذا، ه��ل أس��أت إلي��ك قط؟ قال: ال؛ قال: فهل لك مظلمة تطالبني به��ا؟ ق��ال: ال، ق��ال:

4

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فما دعاؤك علي حين صليت إلى ج��انبي؟ فق��ال الم��دني: ف��ديتك والله! وعتق ما أملك؛ وامرأتي طالق إن لم أكن أغ��ير كني��تي في

اليوم مرتين وثالثا للمالل. فضحك المهدي وأحسن صلته. حسن التخلص

وخ��رج ابن أحم��د الم��دني أي��ام العص��بية إلى أذربيج��ان، فلقي��ه فرس��ان، فس��قط في ي��ده، فق��ال: الس��اعة يس��ألونني من أن��ا؟ وأخ��اف أن أق��ول مض��ري وهم يماني��ة، أو يم��اني وهم مض��رية، فيقتلونني؛ فقربوا منه، وقالوا: يا فتى، ، فقرب��وا من��ه، وق��الوا: ي�ا ف��تى، ممن أنت؟ ق��ال: ول��د زن��ا، عاف��اكم الل��ه! فض��حكوا من��ه، وأعطوه األمان، فأخبرهم بنفس�ه، فأرس�لوا مع��ه من يوص�له إلى

مقصده.. وخرج الربيع من عند أبي جعف�ر عب�د الل��ه المنص��ور فق�ال: أم��ير المؤمنين يس��أل من يع��رف من يش��بهه من خلف��اء ب��ني أمي��ة أن يذكر ما عنده، فقال أبو بكر بن عياش المنتوف: أنا أع��رف ذل��ك، ولكن ال أقول إال مشافهة، فدخل ثم خرج فق��ال: أم��ير المؤم��نين يقول لك: قد علمت أنك إنما تطلب الدخول لتتوسل إلى أموالنا،

فأدخل. فدخل فقال له: من أشبه من خلفاء بني أمية؟ فقال: عبد الملك بن مروان. قال: كيف قلت ذلك؟

قال: ألن أول اسمك عين وهو أول اسمه عين، وأول اسم أبيه ميم، وأول اسم أبيك ميم، وقتل ثالثة أول أسمائهم عين وكذلك أنت،

قال: ومن قتل؟ قال: عبد الله بن الزب��ير، وعب��د ال��رحمن بن محم��د بن األش��عث،

وعمرو بن سعيد بن العاص، وقتلت يا أمير المؤمنين عبد الرحمن بن مس�لم يري�د أب�ا مس�لم الخراساني وعبد الجبار بن عبد ال��رحمن الخ��ارجي، ق��ال: وأردت أن أقول، وقتلت عبد الله بن علي عمك، فعرفت أنه يك��ره ذل��ك؛ ألنه أسقط عليه البيت الذي ك��ان في��ه، وادعى أن ال��بيت س��قط،

5

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وقد كان عيسى بن موس��ى يس��ام في ن��زع البيع��ة، وه��و مض��يق علي��ه، فقلت: وس��قط الحائ��ط على عب��د الل��ه بن علي. ق��ال: فالحائط سقط عليه فما علينا؟ فقلت: ال شيء يا أمير المؤمنين. وها هنا حائط آخر مائل على عين أخرى وه��و عيس��ى بن موس��ى إن لم تدعموه بفضلكم خفت أن يس��قط. فض��حك ثم ق��ال: أولى

لك. وخرج المأمون منفردا فإذا بأعرابي فسلم عليه. فقال: ما أقدمك يا أعرابي؟ قال: الرجاء لهذا الخليفة، وقد قلت أبياتا أستمطر بها فضله، قال: أنش��دنيها، ق��ال: ي��ا ركي��ك، أويحس��ن أن أنش��دك م��ا أنشد الملوك؟ فقال: يا أعرابي، إنك لن تصل إليه ولن تق��در م��ع امتناع أبوابه وشدة حجابه، ولكن هل لك أن تنحلنيها، وه��ذه أل��ف دينار فخذها وانصرف ودع��ني أتوس��ل، لعلي أتوص��ل؟ ق��ال: لق��د رضيت، فبينما هما في المراجعة إذ أحدقت الخيل به وسلم علي��ه بالخالفة، فعلم األع��رابي أن��ه ق��د وق��ع، فق��ال األع��رابي: ي��ا أم��ير المؤمنين؛ أتحفظ من لغ��ات اليمن ش��يئا؟ ق��ال: نعم! ق��ال: فمن يبدل القاف كافا؟ قال: بنو الحارث بن كعب، قال: لعنها الل��ه منلغة ال أعود إليها بعد اليوم. فضحك المأمون وأمر له بألف دينار.

المأمون ومخارق وغنى مخارق بحضرة المأمون أبي��ات مس��كينالدارمي وذهب عنه معناها وفيمن قيلت، وهي:

على الطائر الميمون والسعد إنه ... لكلك أناس أنجم وسعود أال ليت ش��عري م��ا يق��ول ابن ع��امر ... وم��روان أم م��اذا يق��ول

سعيد إذا المنبر الغربي خلى مكانه ... فإن أمير المؤمنين يزيد

وابن عامر هو عبد الله بن عامر بن كريز، وم�روان بن الحكم بن أبي الع���اص، وس���عيد بن الع���اص، وه���ؤالء ش���يوخ ب���ني أمي���ة والمترشحون للخالفة بعد معاوية، وعمرو بن سعيد بن العاص هو

األشدق، وطلب الخروج على عبد الملك بن مروان فقتله.

6

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فلم��ا بل��غ مخ��ارق إلى آخ��ر ال��بيت األخ��ير وهم أن يق��ول يزي��د استيقظ، فقال: مخارق، فضحك المأمون وقال: لو قلت يزي��د م��ا

(1)عشت.(

أخي القارئ الكريم : بفضل من الله وتوفيق منه ، نقدم الجزء الخامس من الموسوعة

( وقد اشتمل هذا الجزءالفكاهة والمرح عند العربالرائعة ) على معلومات جديدة وممتعة نأمل أن يستفيد القارئ الكريم بما اش��تملت علي��ه من طرائ��ف ون��وادر وم��رح ، وأن يقض��ي أوق��ات

سعيدة معها . والله الموفق

فصل من نوادر أبي العيناء -بين ابن مكرم وأبي العيناء

مقدمة كتاب جواهر األدب )(17

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قدم محمد بن مكرم من الجبل؛ فقال له أبو العين��اء: م��ا ل��ك لم تهد إلينا شيئا؟ فقال: والله ما ق��دمت إال في خ��ف، ق��ال: ك��ذبت، ول��و ق��دمت في خ��ف خفت روح��ك. وأك��ثر علي��ه أب��و العين��اء منالمهاترة، فقال: إن زدت علي قمت، قال: أراك تتهددنا بالعافية.

- وكانا يشربان يوما عند صديق لهم��ا، فق��ال ابن مك��رم لص��احب الدار: أقوم إلى الخالء؛ فق��ال أب��و العين��اء: إذا ال يع��ود إلين��ا من��ك

شيء. -وولد ألبي العيناء مولود فأتاه ابن مك��رم مهنئ��ا، فوض��ع بين ي��دي أبي العين��اء حج��را وانص��رف. فجس��ه أب��و العين��اء فوج��ده حج��را. فقال: من وضع هذا؟ فقالوا: تركه ابن مكرم لما قدم، قال: لعن��ه الله؛ إنما عرض بقول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش

وللعاهر الحجر -وأتى محمد بن مكرم شاعر فقال: إني قد هجوتك بشعر؟ فقال:

قل، فوالله لئن أحسنت ألخلعن عليك خلعة، فأنشده: يا فتى مكرم تنح عن الفخ ... ر فما مكرم وما دينار ال تفاخر إذا فخرت بهذي ... ن فذا كودن وذاك حمار

فقال: أحسنت، ولكني أكسوك من ثيابن�ا، ي�ا غالم، ارم علي�ه جالوبرذعة.

قال أبو العيناء: استودع رجل عند إمام حلت��ه ق��ارورة زنب��ق- قــالوا فجحده إياها، وقام يصلي بهم شهر رمضان وق��رأ:

وكررها. فق��ال الرج��ل:وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون (2 )قارورة زنبق.

-ودخل أبو العيناء على المتوكل؛ فقال: أي شيء تحسن؟ ق��ال: أفهم وأفهم، وآخ��ذ من المجلس م��ا ح��وى، م��رة أغلب

ومرة أغلب. قال: كيف شربك للنبيذ؟ قال: أعج�ز عن قليل�ه وافتض�ح عن��د

كثيره. 47جمع الجواهر في الملح والنوادر )(2

8

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال: فما تقول في بلدك البص�رة؟ ق��ال: ماؤه��ا أج�اج، وحره��اعذاب، وتطيب في الوقت الذي تطيب فيه جهنم.

قال: ارفع حوائجك إلينا. ق��ال: ق��د رفعته��ا إلى الل��ه، فم��ا أحب نجاح��ه فليس ينفع��ني

شرحه. قال: نحب أن تلزم مجلسنا. قال: يا أمير المؤمنين، إن أجه��ل الناس من يجهل نفسه؛ أنا امرؤ محج��وب والمحج��وب تختل��ف إشارته، وقد يجوز قصده، فيصغي إلى غير من يحدث��ه، ويقب��ل بحديث��ه على غ��ير من يس��مع من��ه، وج��ائز أن يتكلم بكالم غ��ير

راض، ومتى لم أفرق بين هذين هلكت. وأخرى: كل من في مجلس��ك يخ��دمك، وأن��ا أحت��اج أن أخ��دم، ولم أق��ل ه��ذا جهال م��ني بم��ا في ه��ذا المجلس من الفائ��دة،

ولكني اخترت العافية على التعرض للبالء. قال الفتح بن خاقان: يا أمير المؤمنين، هذا رجل عاقل ع��ارف بنفسه وبح��ق المل��وك. ق��ال: فيلزمن��ا في ك��ل األوق��ات ل��زوم

(3 )الفرض الواجب. وبلغ أبا العيناء أن المتوكل ق��ال: ل��وال أن أب��ا العين��اء ض��رير-

لنادمناه. فقال: إن أعفاني أمير المؤمنين من رؤية األهلة وق��راءة نقش

الفصوص فأنا أصلح للمنادمة. وإنم��ا ه��ذا تول��ع من��ه بلس��انه؛ واقت��دار على الكالم، وإال فق��د

تعافى من ذلك المقام. ودخل على إبراهيم بن المدبر وعنده الفضل اليزي��دي معلم-

ولده وإبراهيم جالس. فقال للمعلم: في باب هذا؟ قال في باب الفاعل والمفعول ب�ه. فق��ال: ه��ذا ب��ابي وب�اب الوال�دة

أعزها الله. فغضب اليزيدي ونهض. أخذه البحتري فقال إلبراهيم بن المدبر:

63جمع الجواهر في الملح والنوادر )(39

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

أي شيء ألهاك عن سر من را ... ء وظل للعيش فيها ظليل إقتصار على أحاديث فضل ... وهو مستكره كثير الفضول لم تكن نهزة الوضيع وال رو ... حك كانت لفقا لروح الثقيل

فعالم اصطنعت منكسف البا ... ل معار الحذاق نزر القبول إن ت���رده تج���ده أخل���ق من ش���ي ... ب الغ���واني ومن تعفي

الطلولمسرجا ملجما وما متع الصب ... ح إدالجا للجس والتطفيل

غ���ير أن المعلمين على ح���ال م ... قليلي التمي���يز ض���عفيالعقول

فإذا ما تذكر الناس معنى ... من مبين األشعار أو مجهول قال هذا لنا ونحن كشفنا ... غيبه للسؤال والمسؤول

ضرب األصمعي فيهم أم األح ... مر أم لحقوا ... الخليل (4) أبدا شأنه التردد في الفا ... عل من والديه والمفعول

- ق��ال بعض العل��ويين ألبي العين��اء: يقتض��ي وق��د أم�رت بالص��الة علي أن تقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. قال: نعم!

فإذا قلت: الطيبين األخيار خرجت أنت منهم. -أخذ يزيد بن محمد المهلبي فقال في صاحب الزنج بالبصرة:

أيها الخائن الذي دمر البص ... رة أبشر من بعدها بدمار إن تقل جدي النبي فما أن ... ت من الطيبين واألخيار

قد نفى الله في الكتاب ابن نوح ... حين كان ابنه من الكفار (5)وإنما قال المهلبي هذا له قبل أن ينكشف أمره أن دعي.

64جمع الجواهر في الملح والنوادر )(468جمع الجواهر في الملح والنوادر )(5

10

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وأتى أبو العيناء الجاحظ يسأله في رجل أن يكتب له كتاب عناي��ة إلى ص��احب البص��رة. فق��ال: نعم! ال تنص��رف إال ب��ه، وكتب ل��ه الجاحظ الكتاب وختمه ودفعه إليه، فأتى إلى أبي العيناء بالكتاب؛ فقال: افضضه واق��رأه علي؛ ألرى م��ا كتب وأعي��ده إلي��ه ليختم��ه، ففتحه فإذا فيه: كتابي إليك سألني فيه من أخافه لمن ال أعرفهن فافعل في أمره ما تراه، والس��الم. فغض��ب ونهض إلى الجاح��ظ، فقال: أعرفك باعتنائي بهذا الرجل فكتبت له مثل ه��ذا! فق��ال: ال تنكر ذلك فإنها أمارة بيني وبينه إذا عنيت برج��ل. فق��ال: ب��ل أنت ولد زنا لم تك قط لرشدة. قال: أتشتمني؟ قال: ال، إنها أمارة لي

(6)عند الثناء على إنسان.

ابن منارة وأبو العيناء دخل أبو العيناء على ابن منارة الك��اتب وعن��ده أب��و عب��د الل��ه بن المرزبان. فقال البن منارة: أحب أن أعبث بأبي العيناء. فقال له: ال تقوم به. فأبى إال العبث به، فلما جلس أبو العيناء قال له: يا أبا عبد الله؛ لم لبست جباعة؟ قال: وما الجباعة؟ قال: التي م��ا بين جبة ودراعة. قال أبو العين��اء: ألن��ك ص��فديم. ق��ال: وم��ا ص��فديم؟

قال: الذي هو ما بين صفعان ونديم. بالله وبالبربط، ثم سقوني قدحا آخر، فأخذتني نومة لم يوقظ��ني

منها إال حر الشمس من الغد.أبو العيناء أول من أظهر العقوق لوالديه

قال أبو العيناء: أنا أول من أظهر العقوق بالبص��رة لوالدي��ه. ق��ال أبي: إن الل��ه ق��د ق��رن طاعت��ه بط��اعتي؛ فق��ال: " اش��كر لي ولوالديك ". فقلت: يا أبت؛ إن الله أمنني عليك ولم يأمن��ك علي.

فقال: " وال تقتلوا أوالدكم خشية إمالق نحن نرزقكم وإياهم ".- من ملح أبي العيناء

- سرق حمار أبي العيناء فتخلف عن أبي الص��قر. فق��ال ل��ه: م��ا خلفك عنا يا أبا عبد الله؟ قال: سرق حماري. قال: وكيف سرق؟ ق��ال: لم أكن م��ع اللص ف��أخبرك! ق��ال: م��ا منع��ك أن تأتين��ا على

74جمع الجواهر في الملح والنوادر )(611

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

غيره. قال: أقع��دني عن الش��راء قل��ة ذات يس��اري، وعن الك��راءدالة المكاري، وعن اإلعارة منة العواري.

- وقيل له: ما بقي أحد يحب أن يلقى، قال: إال في بئر!- رجع إلى ملح أبي العيناء

قال أبو العيناء البنه وهو مريض: أي شيء تشتهي؟ قال: اليتم. - وكان في مجلس إسماعيل بن إس�حاق القاض�ي، ف�دخل رج�ل ومشى على رجله فصاح؛ فقال: بسم الل��ه! ق��ال: القص��اب ي��ذبح

ويقول: بسم الله. -وكان يوما على بابه فمر به رجل فسلم عليه وقام يمشي مع��ه.فقال: ال تعن يا أبا عبد الله. فقال: ما عنى من أبعدك عن داره!

-وقال له المتوكل: ال تك��ثر الوقيع��ة في الن��اس. ق��ال: إن لي فيبصري لشغال. قال: ذاك أشد لحنقك على أهل العافية.

- وقال له المتوكل يوما: هل رأيت طالبيا قط حسن الوجه؟ قال: يا أمير المؤمنين، ما رأيت أح��دا يس��أل أعمى عن ه��ذا! ق��ال: لم تكن ضريرا فيما سلف، وإنما سألتك عما تقدم. ق��ال: نعم! رأيت ببغ��داد من��ذ ثالثين س��نة ف��تى م��ا رأيت أجم��ل من��ه، وال ألط��ف شمائل. فقال المتوكل: نجده كان مؤاجرا وكنت تقود عليه. فقال أبو العيناء: معاذ الله يا أمير المؤمنين أتراني أترك موالي، وأق��ود على الغرباء! فقال له المتوكل: اسكت يا مأبون. فقال له: مولى

القوم منهم. وكان والء أبي العيناء ألبي العباس، فق��ال المتوك��ل: قاتل��ه الل��ه!

أردت أن أشتفي منه فاشتفى مني. -وقال له مرة: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ ق��ال: في داء يتمن��اهالناس. قيل له: وكم سنك؟ قال: قبضة. يريد ثالثا وتسعين سنة. - ق��ال: ذك��رت لبعض القين��ات فاس��تظرفتني واستحس��نتني على السماع؛ فلما رأتني استقبحتني فقلت له��ا: وش��اطرة لم��ا رأت��ني

تنكرت ... وقالت قبيح أحول ما له جسم

12

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فإن تنكري مني احوالال فإنني ... أريب أديب ال غبي وال فدم فقالت: أنا لم أردك ألوليك ديوان الزمام.

أبو العيناء مع المتوكل وهذا مجلس له م��ع المتوك��ل من طري��ق الص��ولي، ول��ه مج��الس يدخل الرواة بعضها في بعض. ق��ال الص��ولي: ح��دثني أب�و العين��اء قال: أدخلت على المتوكل، فدعوت له وكلمته فاستحسن كالمي، وقال: بلغني أن فيك بذاء. قلت: يا أمير المؤمنين؛ إن يكن الش��ر الذي بلغك عني ذكر المحسن بإحسانه، والمسيء بإس��اءته، فق��د زكى الل��ه تع��الى وذم؛ فق��ال: نعم العب��د إن��ه أواب. وق��ال: هم��از

مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم. وقال الشاعر: إذا أن��ا لم أم��دح على الخ��ير أهل��ه ... ولم أذمم الجبس الل��ئيم

المذمما ففيم عرفت الخ��ير والش��ر باس��مه ... وش��ق لي الل��ه المس��امع

والفما وإن كان الشر الذي بلغك عني كفعل العق��رب ال��ذي تل��دغ الن��بي

والذمي بطبع ال بتمييز؛ فقد صان الله عبدك عن ذلك. ق��ال: بلغ��ني أن��ك رافض��ي. ق��ال: وكي��ف أك��ون رافض��يا وبل��دي

البصرة، ومنشئي في مسجد جامعها، وأستاذي األصمعي. وليس يخلو القوم إن كانوا أرادوا دين��ا أو دني��ا، ف��إن ك��انوا أرادوا الدين فق�د أجم�ع المس�لمون على تق�ديم من أخ�روا وإيم�ان من كفروا؛ وإن كانوا أرادوا الدنيا فأنت وآب��اؤك أم��راء ال دين إال بكم،

وال دنيا إال معكم. قال: فكيف ترى داري هذه؟ ق��ال: رأيت الن��اس بن��وا دارهم في ال��دنيا، وأنت ب��نيت ال��دنيا في

دارك. قال: فما تقول في عبيد الله بن يحيى؟

قال: نعم العبد لله ولك، مقسم بين طاعته وخدمتك، يؤثر رض��اكعلى كل فائدة، وما عاد بصالح ملكك على كل لذة.

13

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال: قد أردتك لمجالستي. قال: أنا رجل محجوب قال: فوصلني بعشرة آالف درهم.

وكان نجاح بن سلمة قد ضمن الحسن بن مخلد وموسى بن عب��د الملك بم��ال عظيم للمتوك��ل؛ فاحت��ال عبي��د الل��ه بن يح��يى ح��تى يضمناه بذلك وعاد عليه األم��ر، ثم اغت��ال موس��ى بن عب��د المل��ك فقتله، فبلغ األمر المتوكل، فأكبره وهم باإليقاع بموسى، فتلط��ف عبي�د الل��ه بن يح��يى وعم�ه الفتح بن خاق��ان ح�تى س�كن غض�به، واتف��ق ذل��ك في والدة المع��تز فاش��تغل ب��اللهو والس��رور ب��ذلك، فدخل أبو العيناء بعد ذلك على المتوكل، وكان واجدا على موسى بن عبد الملك؟ فقال: ما تقول في نجاح بن سلمة؟ قال: ما قاله الله عز وجل: فوكزه موسى فقضى عليه. واتصل ب��ذلك بموس��ى فلقيه عبيد الله بن يحيى. فقال: أيها الوزير، أردت قتلي فلم تج��د حيلة إال إدخال أبي العين��اء على أم��ير المؤم��نين م��ع عداوت��ه لي؛ فعاتب عبيد الله أبا العيناء على ذلك فقال: ما اس��تعذبت الوقيع��ة

(7 )فيه حتى ذممت سريرته فيك، فأمسك عنه. ثم دخ��ل بع��د ذل��ك على المتوك��ل. فق��ال ل��ه: كي��ف كنت بع��دي؟ فقال: في أحوال مختلفة خيرها رؤيتك، وشرها غيبتك. فقال: ق��د والله اشتقتك. قال: إنما يشتاق العبد ربه؛ ألن��ه يعت��ذر علي��ه لق��اء

مواله، وأما السيد فمتى أراد عبده دعاه. فقال له: من أسخى من رأيت؟ قال ابن أبي دواد.

فق��ال ل��ه المتوك��ل: ت��أتي إلى رج��ل ق��د رفض��ته فتنس��به إلىالسخاء.

قال: إن الصدق يا أمير المؤمنين ليس في موضع أنفق من��ه في مجلس��ك، وإن الن��اس يغلط��ون فيمن ينس��بونه إلى الج��ود؛ ألن البرامكة منسوب إلى الرشيد، وجود الحسن والفضل ابني س��هل منسوب إلى المأمون، وجود ابن أبي دواد منسوب إلى المعتصم، وإذا نس��بت الن��اس الفتح بن خاق��ان وعبي��د الل��ه بن يح��يى إلى

السخاء فذاك سخاؤك يا أمير المؤمنين.

107جمع الجواهر في الملح والنوادر )(714

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال: صدقت! فمن أبخل من رأيت؟ قال: موسى بن عبد الملك. قال: وما رأيت من بخله؟

قال: رأيته يحرم القريب كما يح��رم البعي��د، ويعت��ذر من اإلحس�انكما يعتذر من اإلساءة.

قال: ق��د وقعت في��ه عن��دي م��رتين، وم��ا أحب ذل��ك ل��ك؛ فالق��ه واعت��ذر إلي��ه، وال يعلم أني وجهت ب��ك. ق��ال: ي��ا أم��ير المؤم��نين؛ تستكتمني بحضرة ألف. قال: لن تخاف. قال: علي االحتراس من

الخوف. وسار إلى موسى، فاعتذر كل واح��د منهم��ا إلى ص��احبه وافترق��ا عن صلح، فلقيه بعد أيام بالجعفري فقال له: يا أبا عب��د الل��ه؛ ق��د

اصطلحنا، فما لك ال تأتينا؟ قال: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا باألمس.

قال موسى: ما أرانا إال كما كنا. - وقال له المتوكل: إبراهيم بن نوح النصراني واجد عليك. فق��ال:

ولن ترضى عنك اليهود وال النصارى حتى تتبع ملتهم، -وقال له: إن جماعة الكتاب يلومونك. فقال:

إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فال زال غضبانا علي لئامها ومن نوادره

-ووقف به رج��ل من العام�ة ف��أحس ب�ه. فق��ال: من ه��ذا؟ ق��ال: رجل من بني آدم، قال: مرحبا بك، أطال الله بق��اءك، وبقيت في

الدنيا، ما أظن هذا النسل إال قد انقطع. - وزحمه رجل على حمار بالجسر، فضرب بيده على أذن الحمار.

وقال: يا إنسان، قل للحمار الذي فوقك يقول: الطريق! -وسئل أب�و العين�اء عن مال�ك بن ط��وق فق�ال: ل�و ك�ان في ب�ني إسرائيل ونزل ذبح البقرة ما ذبح غيره. قيل: فأخوه عم��ر؟ ق��ال:كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.

15

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قيل: فما تقول في محم��د بن مك��رم والعب��اس بن رس��تم؟ ق��ال: هما الخمر والميسر إثمهما أكبر من نفعهما. وقال له ابن مك��رم: إن ابن الكلبي تعجبه الرائحة الخبيثة، قال: ي��ا س��يدي؛ ل��و وج��دك

لترشفك. -ودعا ضريرا يعش��يه فلم ي��دع ش��يئا إال أكل��ه. فق��ال ل��ه: ي��ا ه��ذا؛

دعوتك رحمة، فصيرتني رحمة. -وقدم إليه أبو عيسى بن المتوكل سكباجة، فجعل ال تق��ع ي��ده إال

على عظم. فقال: جعلت فداك، هذه قدر أو قبر؟- بين أبي العيناء وابن الزيات

دخل أبو العيناء على محمد بن عبد الملك الزيات ال��وزير، فجع��ل ال يكلمه إال بأطرافه. فقال: إن من حق نعمة الله علي��ك، لم��ا ق��د أهلك له في هذه الحال التي أنت عليها، أن تجعل البس��طة أله��ل الحاجة إليك؛ فبقضاء الحاجات تدوم النعم. فقال محم��د: أم��ا إني أعرفك فضوليا كثير الكالم، أوترى أن طول لس��انك يمن��ع م��ع أن

أؤدبك إذا زللت؛ وأمر به إلى الحبس. فكتب إليه من الحبس: قد علمت أن الحبس لم يكن تقدم إليك، ولكنك أحببت أن تريني مقدار قدرتك علي؛ ألن كل جديد يس��تلذ؛ وال ب��أس أن تري��ني من عف��وك مثلم��ا أريتن��ا من ق��درتك، ف��أمر

بإطالقه. وانقطع عنه مدة فلقيه، فحبس محمد بن عبد الملك دابت��ه علي��ه. فقال: ما لي ال أراك يا أبا عبد الل��ه تواص��لنا حس��ب إيجابن��ا ل��ك؟ فقال له أبو العيناء: أما المعرفة بعنايتك فمناكرة، ولكنني أحسب الذي جدد اس��تبطاءك ف��راغ حبس��ك ممن ك��ان في��ه، ف��أحببت أن

تغمرني فيه. عبد الملك بن مــروان وعمــر بن بالل والشــيء يــذكر-��

بالشيء، أي بما قاربه. كان عب��د المل��ك بن م��روان محب��ا لعاتك��ة بنت يزي��د بن معاوي��ة؛ فغاض��بته يوم��ا، وس��دت الب��اب ال��ذي بينه��ا وبين��ه؛ فس��اءه ذل��ك وتعاضله، وشكا إلى من يأنس به من خاص��ته، فق��ال ل��ه عم��ر بن

16

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

بالل األسدي: إن أنا أرض��يتها ل��ك ح��تى ت��رى فم��ا الث��واب؟ ق��ال: حكمك. فأتى إلى بابها، وقد م�زق ثوب�ه وس�وده؛ فاس�تأذن عليه�ا وقال: أعلموها أن األمر الذي جئت في��ه عظيم. ف��أذنت ل��ه؛ فلم��ا دخل رمى بنفسه وبكى. فقالت: ما ل��ك ي��ا عم؟ ق��ال: لي ول��دان هم��ا من اإلحس��ان إلي في الغاي��ة، وق��د ع��دا أح��دهما على أخي��ه فقتله، وفجع��ني ب��ه؛ فاحتس��بته وقلت: يبقى لي ول��د أتس��لى ب��ه؛ فأخذه أمير المؤمنين وقال: ال بد من القود، وإال فالناس يجترئون على القت��ل، وه��و قاتل��ه إال أن يغيث��ني الل��ه ب��ك! ففتحت الب��اب ودخلت على عبد الملك وأكبت على البساط تقبله وتقول: يا أمير المؤمنين؛ ق��د تعلم فض��ل عم��ر بن بالل، وق��د ع��زمت على قت��ل ابن��ه؛ فش��فعني في��ه؟ فق��ال عب��د المل��ك: م��ا كنت بال��ذي أفع��ل؛ فأخذت في التضرع والخضوع حتى وع��دها العف��و عن��ه وص��لح م�ا

(8 )بينهما؛ فوفى لعمر بما وعده به.

- إفهام من الفتى وفهم من المنصور - وعلى ذكر عاتكة بنت يزيد، ق��ال الم��دائني: لم��ا حج أب��و جعف��ر المنصور قال للربي��ع: ابغ��ني ف��تى من أه��ل المدين��ة أديب��ا ظريف��ا عالما بقديم ديارها، ورسوم آثارها فقد بع��د عه��دي ب��ديار ق��ومي، وأريد الوق��وف عليه��ا؛ ف��التمس ل��ه الربي��ع ف��تى من أعلم الن��اس بالمدين��ة، وأع��رفهم بظري��ف األخب��ار، وش��ريف األش��عار؛ فعجب المنص��ور من��ه؛ وك��ان يس��ايره أحس��ن مس��ايرة، ويحاض��ره أزين محاضرة، وال يبتدئه بخطاب إال على وجه الجواب؛ فإذا س��أله أتى بأوضح داللة، وأفصح مقالة؛ فأعجب به المنص��ور غاي��ة اإلعج��اب، وقال للربيع: ادف��ع إلي��ه عش��رة آالف درهم؛ وك��ان الف��تى مملق��ا مضطرا؛ فتش��اغل الربي��ع عن��ه واض��طرته الحاج��ة إلى االقتض��اء، فاجتاز مع المنصور بدار عاتكة؛ فقال: يا أمير المؤمنين؛ ه��ذا بيت

عاتكة بنت يزيد بن معاوية الذي يقول فيه األحوص بن محمد: يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكل

28من كتاب النوادر الممتعة )(817

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقال المنصور: ما هاج منه ما ليس هو طبعه: من أن يخبر بما لم يس��تخبر عن��ه، ويجيب بم��ا لم يس��أل عن��ه؟ ثم أقب��ل ي��ردد أبي��ات

القصيدة في نفسه إلى أن بلغ إلى آخرها وهو: وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق اللسان يقول ما ال يفعل فدعا بالربيع وقال له: هل دفعت للمدني ما أمرنا ل��ه ب��ه؟ فق��ال:

أخرته علة كذا يا أمير المؤمنين، قال: أضعفها له وعجلها. وهذا أحسن إفهام من الفتى، وأدق فهم من المنصور، ولم أسمع

في التعريض بألطف منه.فصل طرف مستملحة-

قال سذابة المغني ألبي العب��اس الم��برد: ص��ر إلي الي��وم لن��أنس بك. قال: أي شيء عندك آكل؟ قال: أنت وأنا علي��ك. يري��د لحم��ا

مبردا وعليه سذاب. - ولقي برد الخي�ار الك�اتب أب�ا العب�اس الم�برد على الجس�ر في يوم بارد. فقال: أنت المبرد، وأنا برد الخيار، واليوم بارد؛ اعبر بن��ا

لئال يصيب الناس الفالج. - وقال عون بن محمد: لقيت باذروجة المغ��ني وس��كباج ال��راقص بس��ر من رأى، فص��حت: ي��ا غالم، المائ��دة؛ فق��د وافت األل��وان، فض��حكوا؛ وأقس��م علين��ا باذروج��ة؛ فكن��ا يومن��ا عن��ده في أطيب

عيش. - من طرف ابن جدار وشعره

كان ابن جدار كاتب العباس بن أحمد بن طولون بارد المش��اهدة، فعاد أبا حفص بن أبي أيوب ابن أخت الوزير، فوافاه وقد أص��ابته

قشعريرة. فقال: ما تجد؟ جعلت فداك! قال: أجدك. - وكان أبو حفص أديبا شاعرا بليغا ولها، وق��د رأى وردا قريب��ا من

أقحوان فقال: أرى أقحوانات يطفن بناصع ... من الورد مخضر النبات نضيد

يميله ريح الصبا فكأنه ... ثغور دنت شوقا للثم خدود 18

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

- وكان ابن جدار ينقل أخبار أبي حفص إلى العباس بن أحم��د بن طولون، فصار إليه يوما فق��ال: أع��زك الل��ه؛ إنم��ا مجلس الم��دام حرمة أنس، ومسرح لبانة، ومذاد هم، ومرتع له��و، ومه��د س��رور؛ وإنم��ا توس��طته عن��د من ال يتهم غيب��ه، وق��د بلغ��ني م��ا تنهي��ه إلى

أميرنا أبي الفضل من أخبار مجالسي. وأنشد: ولقد قلت لألخالء يوما ... قول ساع بالنصح لو سمعوه إنما مجلس المدام بساط ... للمودات بينهم وضعوه

فإذا ما انتهوا إلى ما أرادوا ... من نعيم ولذة رفعوه فاعتذر إليه وحلف أنه ما فعل، وقام عن مجلسه. وأنشد: كم من أخ أوجست منه خيفة ... فأنست بعد وداده بفراقه

لم أحمد األيام منه خليقة ... فتركته مستمتعا بخالقه - وك��ان ابن ج��دار قب��ل تعلق��ه بالعب��اس يتكس��ب بالش��عر ويقن��ع باليسير، فصار إلى دار إس��حاق بن دين��ار بن عب��د الل��ه وامتدح��ه،

فلم يهب له شيئا؛ فقال فيه: عجب الناس أن مدحت ابن دينا ... ر فلم يجزني على مدحيه

قلت ال تعجبوا فما قدم اللؤ ... م عجيبا منه وال منه أخيه إن ديناره أبوه، ومن جا ... د من الناس المرىء بأبيه؟

- وهو القائل في القلم: وعاشق تحت رواق الدجى ... أغرى به الحيرة فقدان

أهيف ممشوق بتحريكه ... يحل عقد السر إعالن يحوك وشيا لم يحك مثله ... بالغة تحكى وبرهان

وربما أحيا وأهدى الردى ... ففيه ماذي وخطبان وفيه للناظر أعجوبة ... يكسو عراة وهو عريان

تجري به خمس مطايا له ... مختلفات القد أقران

19

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

له لسان مرهف حده ... من ريقة الكرسف ريان في دقة المعنى إذا أغرقت ... للقول في التدقيق أذهان

إذا احتسى كأسا كلون الدجا ... حرك منه الرأس نشوان كأنما ينثر من لفظه ... در وياقوت ومرجان

ترى بسيط الفكر في نظمه ... شخصا له حد وجثمان كأنما يسحب في إثره ... ذيال من الحكمة سحبان لوال ما قام منار الهدى ... وال سما بالملك ديوان

هاتف من القبر-�ني وروى األص�معي ق�ال: خ�رجت أري�د بعض أحي�اء الع�رب، فجندت ق��برا، فس��معت في اللي��ل من ��ان، وتوس�� اللي��ل، وبت في جب

القبر قائال يقول:أنعم الله بالخيالين عينا، ... وبمسراك، يا سعاد، إلينا

وحشة ما لقيت من خلل القب ... ر، عسى أن أراك، أو أن ترينا، فإذا بجنازة قد أقب��ل فأرقت له ليلتي، فلما أصبحت دخلت الحي بها،فسألت عنها، فقيل: هذه سعاد كانت تحب ابن عم لها، وإنهما تعاقدا على الوفاء فهلك قبلها، فلم تزل تبكي علي��ه، فه��ا هي ق��د لحقت به. فتبعتهم، حتى دفنت إلى جانب الق��بر ال��ذي بت عن��ده،

(9 )وإذا هو قبر ابن عمها، فخبرتهم بما سمعت وانصرفت.

بين األصمعي وأعرابية:- قال األصمعي: رأيت أعرابية ذات جمال تسأل بم��نى: فقلت له��ا: يا أمة الله، تسألين ولك هذا الجمال؟ قالت: قدر الله فما أص��نع؟

قلت: فمن أين معاشكم؟ قالت: هذا الحاج، نسقيهم ونغسل ثيابهم. قلت: فإذا ذهب الحاج فمن أين؟ فنظرت إلي وقالت: يا صلت الجبين، لو كنا نعيش من

(10)حيث نعلم ما عشنا!

قال األصمعي: قدم أبو مهدية األعرابي من البادية فقال ل��ه- رجل: أبا مهدية أتتوضئون بالبادية ؟ قال: والل��ه ي��ا ابن أخي لقد كنا نتوضأ فتكفينا التوضئة الواحدة ثالثة األيام واألربع��ة،

57 - 1 الظرف والظرفاء )(9162 – 3العقد الفريد )(10

20

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

حتى دخلت علينا هذه الحمراء- يعني الموالي- فجعلت تليق(11 )استاهها بالماء كما تالق الدواة.

ابن جعفر وأعرابية:- الشيباني قال: نزل عب��د الل��ه بن جعف��ر إلى خيم��ة أعرابي��ة وله��ا دجاجة وقد دجنت عندها، فذبحتها وجاءت بها إلي��ه فق��الت: ي��ا أب��ا جعفر، هذه دجاجة لي كنت أدجنه�ا وأعلفه�ا من ق��وتي! وألمس�ها في آناء الليل فكأنما ألمس بنتي زلت عن كبدي، فن��ذرت لل��ه أن أدفنها في أك��رم بقع��ة تك��ون، فلم أج��د تل��ك البقع��ة المبارك��ة إال بطنك، فأردت أن أدفنها فيه. فضحك عبد الله بن جعفر وأمر له��ا

بخمسمائة درهم.

قال األصمعي:- كان لرجل من يحصب على رجل من باهلة دين؛ فلما حل

دينه هرب األعرابي وأنشأ يقول:إذا حل دين اليحصبي فقل له ... تزود بزاد واستعن بدليل

سيصبح فوقي أقتم الريش واقعا ... بقالي قال أو من وراء دبيل

قال األصمعي: اختصم أعرابيان إلى بعض الوالة في دين ألح��دهما على ص��احبه؛ فجعل المدعى عليه يحلف بالطالق والعت��اق، فق��ال ل��ه الم��دعي: دعني من هذه األيمان واحلف بما أقوله لك: ال ترك الله ل��ك خف��ا يتبع خفا وال ظلفا يتبع ظلفا؛ وحتك من أهل��ك ومال��ك حت ال��ورق من الشجر، إن لم يكن لي ه��ذا الح��ق قبل��ك! فأعط��اه حق��ه ولم

(12 )يحلف له.

أعرابية وابنها:- وهذا شبيه قول أعرابية في ابنه��ا، وك��ان له��ا ابن ش��ديد الع��رام ، كثير القتال للناس، مع ضعف أسر ورقة عظم، فواثب م��رة ف��تى من األعراب، فقطع الفتى أنفه، فأخذت أم��ه دي��ة أنف��ه ؛ فحس��ن حالها بعد فقر م�دقع؛ ثم واثب آخ��ر، فقط��ع أذن�ه؛ ثم أخ��ذت دي�ة أذنه فزادت في المال وحسن الحال؛ ثم واثب آخر فقطع ش��فته؛ ثم أخذت دية شفته؛ فلما رأت م��ا ص��ار عن��دها من اإلب��ل والبق��ر

والغنم والمتاع بجوارح ابنها، ذكرته في أرجوزة لها تقول فيها:أحلف بالمروة حقا والصفا ... أنك خير من تفاريق العصا

362 – 3العقد الفريد )(1166 – 4العقد الفريد )(12

21

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقلت ألعرابي: ما تفاريق العصا؟ قال: العصا تقطع ساجورا، ثميقطع الساجور أوتادا، ثم تقطع األوتاد أشظة.

لبعض األعراب في الحج:قال األصمعي:

خرج أعرابي إلى الحج مع أصحاب له، فلما ك��ان ببعض الطري��ق راجعا يريد أهله، لقيه ابن عم له، فسأله عن أهله ومنزله، فق��ال: اعلم أنك لما خرجت وكانت لك ثالثة أيام، وقع في بيتك الحري��ق. فرفع األعرابي يديه إلى السماء، وق��ال: م��ا أحس��ن ه��ذا ي��ا رب!

تأمرنا بعمارة بيتك أنت وتخرب بيوتنا.

وخرجت أعرابية إلى الحج، فلم��ا ك��انت ببعض الطري��ق عطبت راحلته��ا، ف��رفعت ي��ديها إلى السماء وقالت: يا رب، أخرجتني من بيتي إلى بيت��ك، فال بي��تي وال

بيتك!

عرضت السجون بع��د هالك الحج��اج، فوج��دوا قال األصمعي: فيها ثالث��ة وثالثين ألف��ا لم يجب على واح��د منهم قت��ل وال ص��لب؛ وفيهم أعرابي أخذ يبول في أصل سور مدينة واسط؛ فكان فيمن

أطلق؛ فأنشأ يقول:إذا ما خرجنا من مدينة واسط ... خرينا وبلنا ال نخاف عقابا

ألعرابي في األوالد:- ذك��ر عن��د أع��رابي األوالد واالنتف��اع بهم؛ فق��ال: زوج��وني ام��رأة أول��دها ول��دا أعلم��ه الفروس��ية ح��تى يج��ري الره��ان؛ وال��نزع عن

القوس حتى يصيب الحدق، ورواية الشعر حتى يفحم الفحول. فزوجوه امرأة فولدت له ابنة، فقال فيها:

قد كنت أرجو أن تكون ذكرا ... فشقها الرحمن شقا منكراشقا أبى الله له أن يجبرا ... مثل الذي ألمها أو أكبرا

ثم حملت حمال آخر، فدخل عليها وهي في الطلق- وكانت تسمىربابا- فقال:

أيا ربابي طرقي بخير ... وطرقي بخصية وأير وال ترينا طرف البظير

ثم ولدت له أخرى، فهجر فراشها وكان يأتي جارة لها، فقالتفيه- وكان يكنى أبا حمزة-؛

ما ألبي حمزة ال يأتينا ... يظل في البيت الذي يليناغضبان أن ال نلد البنينا ... وإنما نأخذ ما أعطينا!

22

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فأالنه قولها ورجع إليها.

فصل الطرف المتفرقة - دخل بعض أبناء الملوك على المبرد وعنده س��لة حل��وى ق��د-

أعدها لبعض إخوانه، فوج��د ابن��ه الفرص��ة في اش��تغال أبي��هفأقبل يأكل منها. فنظر إليه المبرد فأنشده:

الناس في غفالتهم ... ورحى المنية تطحن -وأصلح محمد بن يحيى بن خال��د دع��وة، وأم��ر الطب��اخ أن يجع��ل الباذنجان في جميع الطعام، وحضر أبو الحارث فكلم��ا ق��دم ل��ون وهم باألكل منعه ما يراه إلى أن ضاق فأقبل يأك��ل بدق��ة المائ��دة

فعطش فقال: اسقوني ماء ال باذنجان فيه. - ودخل على محمد بن يح��يى وبين يدي��ه م��زورات وك��ان محمي��ا، فأكل مع��ه وخ��رج من عن��ده، فلقي��ه بعض إخوان��ه، فغطى رأس��ه منهم واستخفى فقالوا: ما ل��ك ي��ا أب��ا الح��ارث؟ ق��ال: أكلت عن��د محمد بن يحيى بقوال كثيرة. ق��الوا: فم��ا تخ��اف؟ ق��ال: أخ��اف أن

يمر المساح فيمسحني خضراء فال يقبلوا مني مظلمة. -وهذا كما حكي عن الحسين بن عبد السالم المص��ري المع��روف بالجمل: أنه مر ببعض إخوانه بعقبة النجارين، وهو يعدو بأكثر مما يقدر عليه، فقال له: قف علي، فخاف أن تك��ون ن��زلت ب��ه نزل��ة، فأتاه إلى الدار فخرج مستخفيا. فقال: م��ا ل��ك ي��ا أب��ا عب��د الل��ه؟ قال: أما علمت أن السخرة وقعت في الجم�ال؟ فم�ا يؤمن��ني أن يقال ه��ذا الجم��ل، فأؤخ��ذ فال أتخلص إال بش��فاعة. وك��ان الجم��ل

حلوا ظريفا.- ابن المدبر يجيز بالصالة

كان أبو الحسن أحمد بن المدبر إذا مدحه شاعر فلم يحسن وكل به من يمضي معه إلى الجامع فال يفارقه حتى يصلي مائة ركع��ة؛

فتحاماه الشعراء، فأتاه الجمل فأنشده: أردنا في أبي حسن مديحا ... كما بالمدح تنتجع الوالة

23

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقلنا أكرم الثفلين طرا ... ومن كفاه دجلة والفرات فقالوا يقبل المدحات لكن ... جوائزه إلى الناس الصالة

فقلت لهم: وما تغني صالتي ... عيالي! إنما الشأن الزكاة فأما إذ أبى إال صالتي ... وعاقتني الهموم الشاغالت

فيأمر لي بكسر الصاد منها ... لعلي أن تنشطني الصالت فيصلح لي على هذي حياتي ... ويصلح لي على هذي الممات

فأمر له بمائة دينار. وقيل له: من أين اهتديت إلى هذا؟ قال: منقول أبي تمام:

هن الحمام فإن كسرت عيافة ... من حائهن فإنهن حمام برمكي بخيل-

وكان محمد بن يحيى البرمكي يبخل، ولم يكن بخيال إال باإلض��افة إلى أخويه الفضل وجعفر؛ وكان أب��و الح��ارث حم��ير يك��ثر وص��فه ب��ذلك، فقي��ل ل��ه يوم��ا: كي��ف مائ��دة محم��د؟ فق��ال: أم��ا خوان��ه فعدس��ة، وأم��ا ص��حافه فمنق��ورة من خش��ب الخش��خاش، وبين الرغيف والرغيف فترة. قيل: فمن يحض��رها؟ ق��ال: أك��رم الخل��ق

وأألمهم يريد المالئكة عليهم السالم والذباب. وقيل له: كي��ف كنت عن��ده؟ ق��ال: علي��ه الطالق إن لم يكن أق��ام ثالثة أي��ام وبطن��ه يظن أن رأس��ه قط��ع؛ ألن��ه لم ي��دخل إلي��ه آث��ار

طعام وال شراب. من مستجاد ما قيل في البخل -

ومن مستجاد ما قيل في البخل مما جمع إلى الخالعة براعة قولأبي نواس في إسماعيل بن نيبخت:

على خبز إسماعيل واقية البخل ... فق��د ح��ل في دار األم��ان مناألكل

وما خ��بزه إال ك��آوى ي��رى ابنه��ا ... ولس��نا نراه��ا في الح��زون والالسهل

24

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وما خبزه إال كالعنق��اء مغ��رب ... تص��ور في بس�ط المل��وك وفيالمثل

يحدث عنها الناس من غير رؤي�ة ... س��وى ص�ورة م��ا إن تم�ر والتجلي

وما خبزه إال كليب بن وائل ... لبالي يحمي عزه منبت البقل وإذ ه�و ال يس�تب خص�مان عن��ده ... وال الص��وت مرف��وع بج��د وال

هزل فإن خبز إسماعيل حل به ال��ذي ... أص��اب كليب��ا لم يكن ذاك عن

ذل ولكن قض��اء ليس يس��طاع رده ... بحيل��ة ذي دهي وال مك��ر ذي

(13)عقل

-قال الجاحظ: وأبيات أبي نواس على أنه مولد شاطر أش��عر منشعر المهلهل في إطراق المجلس بكليب أخيه إذ يقول:

نبئت أن النار بعدك أوقدت ... واستب بعدك يا كليب المجلس وتحدثوا في أمر كل عظيمة ... لو كنت حاضر أمرهم لم ينبسوا وك��ان كليب إذا جلس في نادي��ه لم يرف��ع أح��د طرف��ه، وال ينط��ق

بكلمة إجالال له. وقال أبو نواس:

رأيت قدور الناس سودا من الصلى ... وق��در الرقاش��يين زه��راءكالبدر

يضيق بحيزوم البعوض��ة ص��درها ... ويخ��رج م��ا فيه��ا على ط��رفالظفر

يبينها للمعتفي بفنائهم ... ثالث كخط الثاء من نقط الحبر إذا ما تنادوا للرحيل سعى بها ... أمامهم الحولي من ولد الذر

24جمع الجواهر في الملح والنوادر )(1325

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وهذا القدر ضد قدر القائل: وبوأت قدري موضعا فوضعتها ... برابية ما بين ميث وأجرع

جعلت لها هضب الرجام وطخفة ... وغوال أثافي دونها لم تنزع بقدر كأن الليل شحنة قعرها ... ترى الفيل فيها طافيا لم يقطع

ويجب أن يأكل ما في هذا القدر من ذكر الفرزدق في قوله: لعمرك ما األرزاق حين اكتيالها ... بأكثر خيرا من خوان العذافر ولو ضافه الدجال يلتمس القرى ... وحل على خبازه بالعساكر

(14) بعدة يأجوج ومأجوج كلهم ... ألشبعهم يوما غداء عذافر

طرف مليحة -دخل رجل على المتوكل فقال له: ما اسمك؟ قال: قطان. ق��ال: وما صناعتك؟ قال: حمدان. قال: لعل اس��مك حم��دان وص��ناعتك

قطان؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، ولكني دهشت لهيبتك. - وقال رجل آلخر معه كلب: ما اس��مك؟ ق��ال: وث��اب. ق��ال: وم��ا

اسم كلبك؟ قال: عروة، قال: واخالفاه! -وق��ال ابن ق��ادم: كن��ا نماش��ي ابن المغت��اب القاض��ي، فمررن��ا بمقبرة، فإذا عليها مكتوب: بركة من الله صاحبها. وكنا في إمالك ف�إذا على من�ارة مكت�وب: ك�ل نفس ذائق�ة الم�وت. فقلت: ه��ذه

بتلك. - وممن وقع ل��ه ه��ذا على الغل��ط فأحس��ن االس��تدراك مطي��ع بن إياس الحارثي، فإنه دخل على الهادي في حياة المهدي وه��و ولي عهد، فقال: السالم عليك يا أمير المؤمنين، فقيل له: مه! فق��ال:

(15 )بعد أمير المؤمنين.

الرشيد واألصمعي:-قال األصمعي:

24جمع الجواهر في الملح والنوادر )(1425جمع الجواهر في الملح والنوادر )(15

26

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

دخلت على هارون الرشيد وبين يديه بدرة، فقال: يا أصمعي، إن حدثتني بحديث في العجز فأضحكتني وهبت��ك ه��ذه الب��درة. قلت: نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا في صحارى األعراب، إذ أنا ب��أعرابي قاعد على أجمة، قد احتملت ال��ريح كس��اءه فألقت��ه على األجم��ة،

وهو عريان؛ فقلت له: يا أعرابي، ما أجلسك ههنا على هذه الحالة؟

فقال: جارية واعدتها يقال لها سلمى، أنا منتظر لها. فقلت: وما يمنعك من أخذ كسائك؟

قال: العجز يوقفني عن أخذه. فقلت له: فهل قلت في سلمى شيئا؟ قال: نعم.

قلت له: أسمعني لله أبوك! ق��ال ال أس��معك ح��تى تأخ��ذ كس��ائيتلقيه علي!

قال: فأخذته فألقيته عليه، فأنشأ يقول:لعل الله أن يأتي بسلمى ... فيبطحها ويلقيني عليهاويأتي بعد ذاك سحاب مزن ... تطهرنا وال نسعى إليها

فاستضحك هارون حتى استلقى على ظهره، وقال. خذ البدرة ال(16 )بورك لك فيها.

الصوم في الصيف- ذكروا أن أعرابيا أتى عينا من ماء صاف في شهر رمضان،

فشرب حتى روى، ثم أومأ بيده إلى السماء فقال.إن كنت قدرت الصيا ... م فأعفنا من شهر آبأو ال فإنا مفطرو ... ن وصابرون على العذاب

من الخائب- خال أعرابي بامرأة ليفسق بها فلم ينتشر له؛ فقالت له. قم خائبا! فقال. الخ��ائب من فتح فم الج��راب ولم يك��ل ل�ه دقي��ق. فخجلت

ولم ترد جوابا.

بالل وخالد بن صفوان:- قال األصمعي: لما ولي بالل بن أبي بردة البصرة بلغ ذلك خالد

بن صفوان، فقال:سحابة صيف عن قليل تقشع

فبلغ ذلك بالال فدعا به، فقال؛ أنت القائل؟سحابة صيف عن قليل تقشع؟

66 – 4العقد الفريد )(1627

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

أما والله ال تقشع حتى يصيبك منها شؤبوب برد! فضربه مائةسوط.

وكان خالد يأتي بالال في واليته، ويغشاه في سلطانه، ويغتابه إذاغاب عنه.

ويقول ما في قلب بالل من اإليمان إال ما في بيت أبي الزردالحنفي من الجوهر. وأبو الزرد رجل مفلس.

عتبة وخالد القسري:- دخل عتبة بن عبد ال��رحمن بن الح��ارث بن هش��ام على خال��د بن عبد الله القسري بعد حجاب شديد ، وكان عتبة رجال سخيا، فقال له خالد يع��رض ب��ه: إن هاهن��ا رج��اال ي��داينون في أم��والهم ، ف��إذا

فنيت يداينون في أعراضهم! فعلم القرشي أنه يعرض به؛ فقال:

أصلح الله األمير، إن رج��اال تك��ون أم��والهم أك��ثر من م��روءاتهم، فأولئك تبقى أموالهم؛ ورجاال تكون م��روءاتهم أك��ثر من أم��والهم،

فإذا نفدت أدانوا على سعة ما عند الله! فخجل خالد وقال: أما إنك منهم ما علمت.

- أبو محجن الثقفي وطرف من أدبه لما مات أبو محجن الثقفي وقف رجل على قبره، فقال: رحمك الله أبا محجن! فوالله لق��د كنت قلي��ل الم��راء، جي��د الغن��اء، غ��ير

نعاس، وال عباس، وال حابس للكاس. واسم أبي محجن ع��روة بن ح��بيب، وك��ان فارس��ا ش��اعرا، وك��ان مشتهرا بالشراب كثيرا يق�ول في��ه؛ فح�ده عم�ر رض�ي الل�ه عن�ه مرات، ثم أخرجه إلى العراق، فشرب، فحده سعد بن أبي وقاص وسجنه في قصر العذيب، وكان س��عد مريض��ا في القص��ر، وأق��ام المسلمون في حرب القادسية أياما، ف��وجهت األع��اجم قوم��ا إلى القصر ليأخذوا من فيه، فاحتال أبو محجن حتى ركب فرس س��عد من غير علمه فخر فأوقع بهم؛ فرآه سعد، فلم��ا انص��رف ب��الظفر خلى سبيله. وقال: ال أض��ربك بع��دها في الش��رب، ق��ال: ف��إني ال

أذوقها أبدا. ودخل ابن أبي محجن على معاوية فقال له: أبوك الذي يقول؟

28

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

إذا مت ف��ادفني إلى جنب كرم��ة ... ت��روي عظ��امي بع��د م��وتيعروقها

وال تدفنني في الفالة فإنني ... أخاف إذا ما مت أال أذوقها فقال: يا أمير المؤمنين؛ لو شئت لذكرت من شعره ما هو أحسن

من هذا وأنشد: ال تسألي القوم عن مالي وكثرت��ه ... وس��ائلي الق��وم عن بأس��ي

وعن خلقي القوم أعلم أني من سراتهم ... إذا تطيش يد الرعديدة الفرق

ته ... وعام��ل ال�رمح أروي��ه من أعطى الس��نان غ��داة ال�روع حص��العلق

وأطعن الطعنة النجالء عن عرض ... وأكتم السر فيه ضربة العنق فقال: لئن كنا أسأنا المقال، ال نسيء الفعال؛ وأمر له بصلة.

(17)الحجاج يضحك في جنازة رجل من أهل الشام -

وقال ابن عائش��ة: م��ات رج��ل من أه��ل الش��ام، فحض��ر الحج��اج جنازته، وكان عظيم الق�در، ول�ه ع��ز وج��اه؛ فص��لى علي��ه وجلس على ش��فير ق��بره، وق��ال: لي��نزل ق��بره بعض إخوان��ه، ف��نزل نف��ر منهم، فقال أحدهم وهو يسوي التراب علي��ه: رحم��ك الل��ه ي��ا أب��ا فالن؛ فإن كنت ما علمت لتجيد الغناء، وتس��رع رد الك��أس، ولق��د

وقعت بموضع سوء ال تخرج منه إال يوم الدكة. قال: فما تمالك الحجاج أن ضحك، وكان ال يضحك في جد وال في

هزل، ثم قال للرجل: هذا موضع هذا األمر. ويلك؟ قال: أصلح الله األمير، فرسي حبيس في س��بيل الل��ه ل��و س��معه

األمير يتغنى: يا لبينى أوقدي النارا ... إن من تهوين قد جارا

رب نار بت أرمقها ... تقضم الهندي والغارا 27جمع الجواهر في الملح والنوادر )(17

29

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

عندها ظبي يؤججها ... عاقد في الخصر زنارا وكان الميت يسمى سعنة.

فقال: أخرجوه من القبر يا أهل الشام، ما أبين حجة أهل الع��راق في جهلكم! وكان الميت أقبح خلق الله وجها، فلم يبق أح��د ممن

(18 )حضر إال استغرق ضحكا.

الرشيد واألصمعي- وقال األصمعي: دخلت على هارون الرشيد، فوجدته منغمس��ا في الفرش، فقال:ما أبط��أ ب��ك ي��ا أص��معي؟ قلت: احتجمت ي��ا أم��ير

المؤمنين. قال: فما أكلت عليها؟

قلت: سكباجة وطباهجة ، قال: رميتها بحجرها! أتشرب؟ فقلت. نعم؛ وقلت.

اسقني حتى تراني مائال ... وترى عمران ديني قد خرب قال: يا مسرور، أي شيء معك؟ قال: ألف درهم. قال: ادفعها

لألصمعي.

- السويقي في ضر ناله حدث أبو إسحاق يحيى بن محمد الح��واري، ق��ال: س��معت ش��يخا من أهل البصرة يق�ول: ق��ال إب�راهيم الس��ويقي م��ولي المهالب��ة: تتابعت علي سنون ضيقة، وألح علي العس��ر وك��ثرة العي��ال وقل��ة ذات اليد؛ وكنت مشتهرا بالشعر أقصد به اإلخ��وان وأه��ل األق��دار وغيرهم، حتى جفاني كل صديق، وملني من كنت أقص��ده؛ فأض��ر بي ذلك جدا؛ فبينما أنا ذات يوم جالس مع امرأتي في يوم شديد البرد، إذ قالت: يا هذا، قد طال علينا الفقر، وأضر بنا الجهد؛ وق��د

« ، هذا مع كثرة الولد؛ فأخرج ع��ني1بقيت في بيتي كأنك زمن » واكفني نفسك، ودعني مع هؤالء الص��بيان أق��وم بهم م��رة وأقع��د بهم أخ��رى. وألحت علي في الخص��ومة، وق��الت لي: ي��ا مش��ئوم، تعلمت صناعة ال تجدي علي��ك ش��يئا! فض��جرت منه��ا ومن قوله��ا، وخرجت على وجهي في ذل��ك ال��برد وال��ريح، وليس علي إال ف��رو

« ، ليس فوقه دثار، وال تحته ش��عار، إال إزار على عنقي؛2خلق » ثم جاءت ريح شديدة، فذهبت به عن يدي، وتفرقت أجزاؤه ع��ني

« ليس علي من��ه3من باله وكثرة رقاعه، وعلى عنقي طيلسان »إال رسمه.

28جمع الجواهر في الملح والنوادر )(1830

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فخرجت والل��ه متح��يرا ال ادري أين أقص�د وال حيث أذهب؛ فبينم�ا أنا أجيل الفكرة، إذ أخذتني س��ماء بفط��ر مت��دارك، ف��دفعت على

« مطل ودكان نظي��ف وليس علي��ه أح��د؛4دار على بابها روشن »فقلت: أستتر بالروشن إلى أن يسكن المطر.

فقصدت قصد الدار، ف��إذا بجاري��ة قاع��دة، ق��د ل��زمت ب��اب ال��دار كالحافظة عليه؛ فقالت لي: إلي��ك ي��ا ش��يخ عن بابن��ا. فقلت: أن��ا- ويحك- لست بسائل، وال أنا ممن تتخ��وف ناحيت��ه! فجلس��ت على الدكان، فلما سكنت نفسي سمعت نغمة رخيمة من وراء الب��اب، تدل على نغمة امرأة: فأصغيت، ف��إذا بكالم ي��دل على عت��اب؛ ثم سمعت نغمة أخرى مثل تلك، وهي تقول فعلت وفعلت! واألخرى تقول: بل أنت فعلت وفعلت! إلى أن قالت إح��داهما: أن��ا- جعلت ف���داك- إن كنت أس���أت ف���اغفري؛ واحفظي في بي���تين لموالن���ا إبراهيم السويقي! فقالت األخ��رى: وم��ا ق��ال؟ فان��ه يبلغ��ني عن��ه

أشعار ظريفة. فأنشدتها تقول:هبيني يا معذبتي أسأت ... وبالهجران قبلكم بدأت

فأين الفضل منك فدتك نفسي ... علي إذا أسأت كما أسأتفقالت: ظرف والله وأحسن!

فلما سمعت ذكري وذك��ر »موالن��ا« علمت أنهم��ا من بعض نس��اء المهالبة؛ فلم أتمالك أن دفعت الب��اب وهجمت عليهم��ا، فص��احتا:��ا ح��تى نس��تتر! وتوهمت��ا أن��ني من أه��ل ال��دار؛ وراءك يا شيخ عن فقلت لهم��ا. جعلت ف��داكما، ال تحتش��ما م��ني؛ ف��إني أن��ا إب��راهيم السويقي؛ فبالله، وبحق حرمتي منكن، إال ش��فعتني فيه��ا، ووهبت

لي ذنبها، واسمعي مني فأنا الذي أقول:خذي بيدي من الحزن الطويل ... فقد يعفو الخليل عن الخليل

أسأت فأجملي تفديك نفسي ... فما يأتي الجميل سوى الجميل « ؛ ثم ق��الت: ي��ا أب��ا5فق��الت: ق��د فعلت وص��فحت عن زلته��ا »

إسحاق، مالي أراك بهذه الهيئ��ة الرث��ة وال��بزة الخلق��ة! فقلت: ي��ا م���والتي، تع���دى علي ال���دهر، ولم ينص���فني الزم���ان، وجف���اني

«6اإلخوان ، وكسدت بضاعتي. فقالت: عز علي ذل��ك وأوم��أت » « من7إلى األخرى؛ فض��ربت بي��دها على كمه�ا، فس�لت دملج��ا »

ساعدها، ثم ثنت باليد األخرى، فسلت منها دملجا آخر؛ فقالت: يا أبا اسحاق، خذ هذا واقعد على الباب مكانك وانتظر الجارية ح��تى تأتيك. ثم قالت : ي��ا جاري��ة، س��كن المط��ر؟ ق��الت: نعم. فقامت��ا، وخ��رجت وقع��دت مك��اني؛ فم��ا ش��عرت إال والجاري��ة ق��د وافت بمنديل فيه خمسة أثواب وصرة فيه��ا أل��ف درهم؛ وق��الت: تق��ول لك موالتي: أنفق ه��ذه، ف��إذا احتجت فص��ر إلين��ا ح��تى نزي��دك إن ش���اء الل���ه! فأخ���ذت ذل���ك وقمت وقلت في نفس���ي: إن ذهبت

31

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

بال��دملجين إلى ام��رأتي، ق��الت: ه��ذا لبن��اتي، وك��ابرتني عليهم��ا؛ ف��دخلت الس��وق فبعتهم��ا بخمس��ين دين��ارا وأقبلت؛ فلم��ا فتحت الباب صاحت امرأتي وقالت: ق��د جئت أيض��ا بش��ؤمك! فط��رحت الدنانير والدراهم بين يديها والثياب؛ فق��الت: من أين ه��ذا؟ قلت:

من الذي تشاءمت به وزعمت أنه بضاعتي التي ال تجدي! فقالت: قد ك��انت عن��دي في غاي��ة الش��ؤم، وهي الي��وم في غاي��ة

(19 )البركة!

- إياس بن معاوية أمام القاضي ودخل إياس بن معاوية بن قرة الشام وهو صغير؛ فخاص��م ش��يخا إلى القاضي وأقبل يصول عليه، فقال القاضي: اس�كت ي�ا ص��بي. فقال: فمن ينطق بحجتي؟ قال: إن��ه ش��يخ كب��ير، ق��ال: إن الح��ق أكبر منه. قال القاضي: ما أراك تقول حقا؛ فقال: ال إل��ه إال الل��ه. فركب القاض��ي من وقت��ه إلى عب��د المل��ك ف��أخبره فق��ال: عج��ل بقضاء حاجت��ه وأخرج��ه من الش��ام لئال يفس��دها. وبإي��اس يض��رب

المثل في الذكاء قال الطائي: إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنفي في ذكاء إياس

أحزم الملوك- خرج بعض ملوك الفرس متنزها، فلقيه بعض الحكماء فسأله عن أح��زم المل��وك؟ فق�ال: من مل�ك ج��ده وهزل�ه، وقه��ر لب��ه ه��واه، وأعرب لسانه عن ض��ميره، ولم يختدع��ه رض��اه عن س��خطه، وال غضبه عن صدقه. فقال الملك: ال، بل أحزم المل��وك من إذا ج��اع أكل، وإذا عطش شرب، وإذا تعب استراح. فقال له: أيها المل��ك؛ قد أجدت الفطنة، أهذا لك علم مستفاد أم غريزي؟ قال: كان لي معلم من حكماء الهند، وكان هذا نقش خاتمه. قال: فه��ل علم��ك غير هذا؟ قال: ومن أين يوجد هذا عند رجل واحد. ثم قال الملك: علم��ني من حكمت��ك أيه��ا الحكيم. ق��ال: نعم! احف��ظ ع��ني ثالث

كلمات؛ قال: صدقت، فهات، قال: صقلك لسيف ليس له جوهر من طبعه خطأ،

– زمن : مريض أو كبير السن ، خلق : قديم مهترئ ، طيلسان226– 6العقد الفريد )(19 : ثوب او عباءة لها قفطان على الراس ، روشن : شباك عليه ستور من الخشب ، زلتها :

يء خطأها ، اومأت : اشارت ، دملج: الدملج: المعضد من الحلي. والدملجة: تسوية صنعة الشوار كما يدملج الس

32

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وبذرك الحب في األرض السبخة ترجو نباته جهل، وحملك الصعب السير على الرياضة عناء.

ومن هنا أخذ أبو تمام قوله: في دولة غراء معتصمية ... ميمونة اإلدبار واإلقبال

فتعمق الوزراء يطفو فوقها ... طفو القذى وتعقب العذال (20)والسيف ما لم يلف فيه صقل ... من طبعه لم ينتفع بصقال

فصل من نوادر الملوك والعمال والقضاة- كان القلهمان أح��د حكم��اء الهن��د وفيلس��وف أطب��ائهم وترجم��ان عل��ومهم، وك��ان ترجم��ان مل��ك من مل��وكهم يق��ال ل��ه ي��اكهثر بن شبرام، وك��ان ركيك��ا إال أن��ه من أه��ل بيت المملك��ة، فق��ال يوم��ا

للقلهمان: ما العلم األكبر؟ قال: معرفة الطب. قال: فإني أعلم من الطب أكثره.

قال: فما دواء المبرسم أيها الملك؟ قال: الموت حتى تقل حرارة صدره ثم يعالج بعد باألدوية الباردة.

قال القلهمان: أيها الملك، من يحييه بعد الموت؟ قال: ليس هذا من الطب. هذا علم آخر يوجد في كت��اب النج��وم. ولم أنظر في شيء منه إال في ب��اب الحي��اة، ف��إني وج��دتها خ��يرا

لإلنسان من الموت. قال القلهمان: أيها الملك، على كل حال خ��ير للجاه��ل. ق��ال: ل�و

نظر الجاهل في باب الموت لعلم أني قلت الحق.

31جمع الجواهر في الملح والنوادر )(2033

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال أزهر: - استعدت امرأة على زوجها عن��د ثمام��ة بن عب��د الل��ه بن أنس بن مال�ك وه��و ق��اض ف��ادعت مهره��ا أل�ف درهم، فق�ال: أل�ك بين��ة؟ قالت: ال، قال: أفأحلفه لك؟ قالت: إنه ف��اجر يحل��ف؛ ولكن ابعث إلى إس��حاق بن س��ويد الفقي��ه فس��له أن يحل��ف لي عن��ه. ق��ال فأرسل إلى إسحاق بن سويد فلما حض��ر. ق��ال ل��ه: احل��ف له��ذه المرأة ما لها على زوجها ألف درهم؟ قال إسحاق: م��ا أن��ا وه��ذا! ق��ال: فيبط��ل ح��ق ه��ذه الم��رأة؟ لتحلفن له��ا أو ألحبس��نك، فلم يحلف فحبس��ه. فأت��اه ابن س��يرين فق��ال: ال ألوم��ك على حبس��ك إسحاق، ولكن لم وليت القضاء؟ ق��ال: أكره��ني علي��ه الس��لطان.

(21)قال: كنت تعلمه أنك ال تحسنه. قال: كنت أنا أكذب؟

الحد على الشاة- وكان نصر بن مقبل بن الوزير على الرقة عامال له��ارون الرش��يد، فأخذ بعض أصحابه رجال ينكح شاة، وأجمعوا الذهاب به إلى نصر، وكان الرجل ظريفا فقال: يا قوم؛ إنها والله ملك يميني. فضحكوا منه وخلوا سبيله، وذهبوا بالشاة إلى نصر؛ فأمر أن تضرب الح��د، فإن ماتت تصلب، قالوا: إنها بهيمة؟ قال: وإن كانت بهيم��ة؛ ف��إن

الحدود ال تعطل، وإن عطلتها فبئس الوالي أنا. فانتهى حديثه إلى الرشيد ولم يكن رآه، وكان نبيل الق��د، حس��ن المنظر، جليل القدر؛ فدعا به فوق��ف بين يدي��ه، فق��ال: من أنت؟ قال: مولى لبني الكلب يا أمير المؤمنين، فضحك. ثم ق��ال: كي��ف بصرك في الحكم؟ قال: البهائم يا أمير المؤم��نين والن��اس عن��دي سواء، ولو وجب الحكم على بهيمة وكانت أمي أم أختي لحددتها،

ولم تأخذني في الله لومة الئم. ف��أمر ه��ارون أال يس��تعمل، فلم ي��زل معطال ح��تى ولي الم��أمون، فرفع يسأله االستعانة به، فواله طبرناب��اذ، وأم��ره أن يك��ون على

العصير بها، فلم يزل على ذلك حتى مات.من قال ال اعرف فقد افتى-

32جمع الجواهر في الملح والنوادر )(2134

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وك��ان مقات��ل بن حس��ان على قض��اء البص��رة، فس��أله رج��ل عن مس�ألة. فق�ال: ال أع�رف الج��واب، فق�ال: أنت ق�اض وال تحس�ن المسألة؟ ق��ال: نعم! ألن الث��ور أعظم من الحم��ار وال يحس��ن أن يركض ركض الحمار. قال: أيها القاضي؛ فهذا مثلك؟ قال: بل هذا مثلي ومثلك. ق��ال: فأيهم��ا أنت؟ ق��ال: أنبلهم��ا وأعظمهم��ا يع��ني

(22) الثور.

الجرنفش وهبنقة- قال األصمعي: سوبق بين الجرنفش وهبنقة، أيهم��ا أجن وأحم��ق، فجاء جرنفش بحجارة خفاف من جص، وجاء هبنقة بحجارة ثق��ال وترس، فبدأ الج��رنفش فقبض على حج��ر. ثم ق��ال: دري عق��اب، بلبن وأش��خاب! ثم رف��ع ص��وته وق��ال: ال��ترس! ف��رمى ال��ترس فأصابه، فانهزم هبنقة، فقي�ل ل�ه: لم انه�زمت؟ فق�ال: إن�ه ق��ال: الترس! ورمى الترس فلم يخطئه، فلو أنه قال العين ورماها أم��ا

(23)كان يصيب عيني؟

قال األصمعي: كان بين رجلين من النوكى عبد. فقام أح��دهما يض��ربه، فق��ال ل��ه شريكه: ما تصنع ؟ قال: أنا أضرب نصيبي منه! قال: وأنا أض��رب حصتي فيه! وقام فضربه؛ فك��ان من رأى العب��د أن س��لح عليهم��ا

وقال: اقسما هذه على قدر الحصص.

من حفر حفرة وقع فيها - ومر بعضهم بامرأة قاعدة على قبر وهي تبكي، فقال لها: ما هذا

الميت منك؟ قالت : زوجي! قال: وما كان عمله؟ قالت: كان يحفر القبور! قال: أبعده الله، أما علم أنه من حفر حفرة وقع

فيها.

ابن أشرس ورجل من النوكى- وطلب رجل من النوكى من ثمامة بن أشرس أن يسلفه ماال ويؤخره به؛ قال:هاتان حاجتان، وأنا أقضي لك إحداهما. قال:

رضيت. قال: أنا أؤخرك ما شئت وال أسلفك.

امرأة أبي رافع وصيرفي-

33جمع الجواهر في الملح والنوادر )(22171 – 7العقد الفريد )(23

35

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وكان أبو رافع مولى رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم؛ وآل أبي رافع من فضالء أهل المدينة وخيارهم، مع بل��ه فيهم وعي ش��ديد؛ فمن ذلك: أن امرأة أبي رافع رأته في نومها بعد موته، فقال لها: أتعرفين فالنا الصيرفي؟ قالت له: نعم. قال: فإن لي عليه م��ائتي

دينار. فلم��ا انتبهت غ��دت إلى الص��يرفي فأخبرت��ه الخ��بر، وس��ألته عن المائتي دينار؛ فقال رحم الله أبا رافع، والله ما جرت بي��ني وبين��ه معاملة قط! فأقبلت إلى مسجد المدينة، فوجدت مش��ايخ من آل أبي راف��ع، كلهم مقب��ول الق��ول، ج��ائز الش��هادة؛ فقص��ت عليهم الرؤيا، وأخبرتهم خبرها مع الصيرفي وإنكاره لما ادعاه أبو راف��ع؛ قالوا: ما كان أبو رافع ليكذب في نوم وال يقظ��ة! ق��ربي ص��احبك

إلى السلطان، ونحن نشهد لك عليه! فلما علم الصيرفي عزم القوم على الشهادة لها، وعلم أنهم إن شهدوا عليه لم يبرح حتى يؤديها : قال لهم: إن رأيتم أن تصلحوا

بيني وبين هذه المرأة على ما ترونه فافعلوا. قالوا: نعم والصلح خير، ونعم الصلح الشطر؛ فأد إليها مائ�ة دين��ار

من المائتين! فقال لهم: أفعل، ولكن اكتبوا بيني وبينها كتابا يكون وثيقة لي.

قالوا: وكيف تكون هذه الوثيقة؟ قال: تكتبون لي عليه��ا انه��ا قبض��ت م��ني مائ��ة دين��ار ص��لحا على الم��ائتي دين��ار ال��تي ادعاه��ا اب��و راف��ع علي في نومه��ا، وأنه��ا ق��د أبرأتني منها، وشرطت على نفسها ان ال ترى أبا راف��ع في نومه��ا مرة اخرى، فيدعي علي بغ��ير ه��ذه الم��ائتي دين��ار، فتجيء بفالن

وفالن يشهدان علي لها! فلما سمعوا الوثيقة انتب��ه الق��وم ألنفس��هم، وق��الوا: قبح��ك الل��ه

وقبح ما جئت به.

عامر بن عبد الله- ع��امر بن عب��د الل��ه بن الزب��ير، أتي بعطائ��ه وه��و في المس��جد، فقام ونسيه في موضعه؛ فلما أتى ال��بيت ذك��ره، فق��ال: ي��ا غالم، ائتني بعطائي ال��ذي نس��يت في المس�جد! ق��ال: وأين يوج��د وق��د

دخل المسجد بعدك جماعة؟ وبقي أحد يأخذ ما ليس له!؟ وسرقت نعله مرة، فلم يلبس نعال بعدها حتى مات، وقال: أكره

أن أتخذ نعال يجيء من يسرقها فيأثم! وفي هذا الضرب يقول أب��و أي��وب الس��ختياني: من أص��حابي من

أرجو بركته ودعاءه وال أقبل شهادته.

36

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

عابد في بني اسرائيل قال األصمعي: كان الشعبي يحدث انه كان في بني إسرائيل عابد جاهل قد ترهب في صومعته ، وله حمار ي��رعى ح��ول الص��ومعة؛ فاطلع علي��ه من الص�ومعة ف��رآه ي�رعى، فرف��ع ي�ده إلى الس�ماء فقال: يا رب، لو كان لك حمار كنت أرعاه م��ع حم��اري وم��ا ك��ان يشق علي ! فهم به نبي كان فيهم في ذلك الزمان، ف��أوحى الل��ه

إليه: دعه، فإنما أثيب كل إنسان على قدر عقله.

ابن سيرين ومجنون- قال هشام بن حسان: أقبل رجل إلى محمد بن سيرين فقال: م��ا تقول في رؤيا رأيتها! قال: وما رأيت؟ قال كنت أرى ان لي غنما، فكنت أعطي بها ثمانية دراهم، فأبيت من البيع ففتحت عيني فلم أر شيئا، فأغلقته��ا وم��ددت ي��دي؟ وقلت: ه��اتوا أربع��ة. فلم أع��ط شيئا فقال له ابن سيرين: لعل القوم اطلعوا على عيب في الغنم

فكرهوها! قال: يمكن الذي ذكرت.

شعراء المجانين- منهم أبو ياسين الحاسب، وجعيفران، وجرنفش، وأبو حية

النميري، وريسيموس، وصالح بن شرزاد الكاتب.وكان أبو حية أجن الناس وأشعر الناس، وهو القائل:

أال حي أطالل الرسوم البواليا ... لبسن البلى مما لبسن الليالياإذا ما تقاضى المرء يوم وليلة ... تقاضاه أمر ال يمل التقاضيا

وهو القائل أيضا:فألبعثن مع الرياح قصيدة ... منى مغلغلة إلى القعقاع

ترد المنازل ال تزال غريبة ... في القوم بعد تمتع وسماعوهو القائل أيضا:

فأبدت قناعا دونه الشمس واتقت ... بأحسن موصولين كفومعصم

وأما جعيفران الموسوس الشاعر، وهو من مجانين الكوفة،- فإنه لقى رجال فأعطاه درهما وقال له: قل شعرا على

الجيم فقال:عادني الهم فاعتلج ... كل هم إلى فرج

سل عنك الهموم بال ... كأس والراح تنفرجوهو القائل:

ما جعفر ألبيه ... وال له بشبيهأضحى لقوم كثير ... فكلهم يدعيه37

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

هذا يقول بني ... وذا يخاصم فيهواألم تضحك منهم ... لعلمها بأبيه

قال أبو الحسن: استأذن جعيفران على بعض الملوك، فأذن- له، وحضر غذاؤه، فتغذى معه؛ فلما كان من الغد استأذن

فحجبه، ثم أتاه في الثالثة فحجمه، فنادى بأعلى صوته:عليك إذن فإنا قد تغذينا ... لسنا نعود، وإن عدنا تعدينا

(24 )يا أكلة ذهبت أبقت حرارتها ... داء بقلبك ما صمنا وصلينا!

- حسن مظهر وسوء مخبر قال أبو الهذيل العالف: كان يختل��ف إلي ف��تى من أه��ل الموص��ل حس��ن الس��مت، ن��ير الوج��ه، تقي الثي��اب؛ فك��ان يص��مت في المجلس، وإذا أتاه النه��وض ق��ال: أس��تغفر الل��ه لي وللمتكلم، ثم يمض��ي. ق��ال: فنب��ل في عي��ني، والط بقل��بي، وحال في ص��دري؛

فذكرت قول الحكيم في كتاب جاودان خرد: يحرم على السامع تكذيب القائل إال في ثالث هن غير الحق؛

صبر الجاهل على مضض المصيبة، وعاقل أبغض من أحسن إليه،

وحماة أحبت كنة. فقال الفتى: لوال حفظي لنظير هذه الكلمات وسماعهن من ثقة! فاشرأببنا إليه وقلنا: ماذا ذاك؟ يرحم��ك الل��ه! وظنن��ا أن��ه س��يأتي بأحسن منهن. فقال: حدثني أبي عن جدي أنه قرأ في بعض كتب الحكماء: ليس الجائع كالشبعان، وال المكسي كالعريان، وال النائم كاليقظان. فطأطأت رأسي، وجعل أص��حابي ينظ��رون إلي وإلي��ه، وكرهت أن أسأله عن شيء بعد هذا. فقال له بعضهم: من أنت يا فتى؟ قال: من فوق األرض ومن تحت السماء. قال: فمن العرب أم من الم��والي؟ ق��ال: من أوس��طهما، ق��ال: فم��ا االس��م؟ ق��ال: لجام، قال: فما الكنية؟ قال أبو السراج، قال: فما بالك ال تنهض؟

184 – 7العقد الفريد )(2438

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فوالله ما أنت إال حم��ار، ف��وثب قائم��ا. وق��ال: ليس البحث منكم،(25)ولكن مني حيث أجلس إلى أمثالكم وال تعرفون ما طحاها.

من كتب الفرس - وكتاب جاودان خرد من أجل كتب الف��رس، وك��ان س��ببه على م��ا ذكر الجاحظ أن بعض األكاسرة كان زاهدا في كتب األدب، راغب��ا في التكبر عن النظر فيهما، والتعظم عن االشتغال بش��يء منه��ا، وكان له وزير يقال له كنجور بن أسفنديار، فص��نع ترجم��ة لكت��اب لم يعلمه��ا أح��د، وجعله��ا في ورق��ة، وألقاه��ا إلى المل��ك وك��انت الترجمة: هذا كتاب تصفية األذهان، ونقاء الفكر، وسراج القل��وب، من كتاب واضح عمود الحكمة. فلما نظر الملك إلى هذه الترجمة شغفه حسنها، فقال لكنجور: لقد غلبت هذه الترجمة على هواي، وقادت عزمي، وبعثت رأيي على هذا الكت��اب؛ فس��ل عن��ه س��ؤاال حفي��ا يرج��ع بجلي��ة الخ��بر، وابعث الحكم��اء األدالء، على تف��تيش منازل الحكم�اء، ف��إن وجدت��ه في ش��يء من مملك��تي، كنت أولى الن��اس باص��طناع ص��احبه، وإن وص��ف أن��ه في ش��يء من أق��اليم الهند، كتبت إلى ملك ذلك اإلقليم، وسألته المن علي بدفع نسخة

منه، وكافأته بهدية مكافأة مثلي على وجود طلبته. فقال كنجور: أيها الملك، لست أف��زع باس��تفراغ مجه��ودي والل��ه

المعين. وص��ار إلى منزل��ه ولم يخ��رج من��ه ح��تى ص��نع كتاب��ه المع��روف

بجاودان خرد. قال الجاحظ: حدثني الواق��دي ق��ال: ق��ال الفض�ل بن س��هل: لم�ا دعي للمأمون بكور خراسان بالخالفة جاءتنا هدايا الملوك سرورا بمكانه من الخالفة، ووجه ملك كابلستان ش��يخا يق��ال ل��ه ذوب��ان، وكتب ي�ذكر أن�ه وج�ه بهدي�ة ليس في األرض أس�نى وال أرف��ع وال أنبل وال أفخر منها. فعجب المأمون وقال: سل الشيخ ما معه من الهدية؟ فقال: ما معي شيء أك��ثر من علمي، فقلت: وأي ش��يء

علمك؟ قال: رأي ينفع، وتدبير يقطع، وجاللة تجمع.

34جمع الجواهر في الملح والنوادر )(2539

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فسر المأمون به وأمر بإنزاله وإكرامه وكتمان أمره؛ فلم��ا أجم��ع على التوجه إلى الع��راق لقت��ال محم��د األمين أخي��ه دع��ا ب��ذوبان، فقال: ما ترى في التوج�ه إلى الع��راق؟ ق��ال: رأي دقي��ق، وح�زم

مصيب، وملك حريب، والسبب ماض، فاقض ما أنت قاض. قال: فمن نوجه؟ قال: الف��تى األع��ور، الط��اهر األطه��ر، الظ��اهر

األظهر، يستر وال يفتر؛ قوي مرهوب، مقاتل غير مغلوب. ق��ال: فمن نوج��ه مع��ه من الجن��د؟ ق��ال: أربع��ة آالف، ص��وارم

األسياف، ال ينقصن في العدد، وال يحتجن إلى مدد. قال: فما رأيت المأمون سر كسروره ذلك الي��وم. فوج��ه بط��اهر؛ فلما تهيأ له الخروج سأل ذوبان: في أي وقت يخ��رج من النه��ار؟

قال: مع طلوع الفجر يجمع لك األمر، وتصير إلى النصر. فخرج في ذلك الوقت، فلما كتب بذكر مقدمه الري دعا المأمون بذوبان فقال: قد قرب صاحبنا من العدو وقربوا من��ه، فم��ا عن��دك داللة أبو بينة تكون لنا أو علين��ا؟ ق��ال: ق��د تع��رفت ش��انه، إذ أتى فسطاطه، كان نصر سريع، وقت��ل ذري��ع، وتف��رقت تل��ك الجم��وع،

والنصر له ال عليه، ثم يرجع األمر إليك وإليه. فكتب المأمون بذلك إلى ط��اهر ليق��وي عزم��ه، فلم��ا كتب بقتل��ه علي بن عيسى ابن ماهان واستيالئه على عسكره وأمواله، وخبر ما أولى الله المأمون في أوليائه؛ من النصر والظفر بأعدائه، دعا ذوبان وأمر له بمائة ألف درهم فلم يقبلها. وقال: أيها المل��ك؛ إن ملكي لم يوجهني إليك هدية لينقصك مالك؛ فال تجعل ردي نعمتك سخطا؛ فليس عن استخفاف بقدرها؛ وسوف أقب��ل م��ا يفي به��ذا المال ويزي�د، وه�و كت�اب يوج�د في الع�راق في�ه مك�ارم األخالق، وعلوم اآلفاق، وهو كتاب عظيم للف��رس، في��ه ش��فاء النفس، ب��ه من صنوف اآلداب، م��ا ال يوج��د في كت��اب، عن��د عاق��ل ل��بيب، وال

فطن أريب، يوجد في خزائن، عند اإليوان بالمدائن. فلما قدم المأمون بغداد، واستقر بها ملكه اقتضاه ذوبان حاجته، وأمر أن تكتب القصة والموضع الذي يشير إلي��ه، فكتب: س��ر إلى وس��ط اإلي��وان، من غ��ير زي��ادة وال نقص��ان، واجع��ل القس��مة

40

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

بالذرعان، ثم احفر المدر، فاقلع الحجر؛ فإذا وصلت إلى الساجة، فاقتلعه��ا تج��د الحاج��ة، فخ��ذها وال تع��رض لغيره��ا، فيلزم��ك غب

ضيرها. فوجه المأمون في ذلك رسوال حصيفا، فسار إلى الموضع، ففع�ل ما قيل له؛ فوجد صندوقا صغيرا من زجاج أسود عليه قف��ل من��ه،

فحمله ورد الحفرة إلى حالها األول. ق��ال عم�رو بن بح��ر: فح��دثني الحس��ن بن س�هل ق��ال: إني لعن�د الم��أمون إذ وص��ل ذل��ك الص��ندوق، فجع��ل يتعجب من��ه، ثم دع��ا بذوبان فقال له: هذه بغيتك؟ قال: نعم! أيه��ا المل��ك، لس��ت ممن تنقض رغبته ذمام عه��ده، وال يح��ل طمع��ه عق��دة وفائ��ه، ثم تكلم بلسانه، ونفخ في القفل فانفتح، فأدخ��ل ي��ده وأخ��رج من��ه خرق��ة ديب��اج فنش��رها فس��قط منه��ا أوراق، ف��رد األوراق في الخرق��ة

ونهض. ثم قال: أيها الملك، هذا الصندوق يص��لح لرفي��ع خبي��ات خزائن��ك،

فأمر به فرفع. قال الحسن بن سهيل: فقلت: ترى يا أم��ير المؤم��نين أن أس��أله ما في هذا الكتاب؟ قال: يا حسن، أفر من الل��ؤم ثم أرج��ع إلي��ه؟ أمرته أال يفتحه بين يدي قطعا للطمع فيه، وصمتة بالمسألة عنه،

وتحريا للرغبة فيه، والله ال كان هذا أبدا. فلم��ا خ��رج ص��رت إلى منزل��ه فس��ألته عن��ه مس��ألة راغب في��ه، فقال: ه��ذا كت��اب ج��اودان خ��رد ت��أليف كنج��ور مل��ك سبراش��هرا، فقلت: أعطني ورق��ة من��ه أنظ��ر فيه��ا. فأعط��اني ف��وقعت عليه��ا عيني. وأسرجت لها ذهني، وأجلت فيه��ا فك��ري؛ فلم أزدد من��ه إال بع��دا؛ ف��دعوت بالخض��ر بن علي، وذل��ك في ص��در النه��ار، فلم ينتصف حتى فرغ من قراءتها بينه وبين نفس�ه؛ ثم جع�ل يفس�رها وأنا أكتب، ثم رددت الورقة وأخذت منه نحو ثالثين ورقة، فدخلت عليه يوما فقلت: يا ذوبان؛ يكون في الدنيا من يحس��ن مث��ل ه��ذا الكتاب؟ قال: يجوز أن يكون فيها من يحسن ترجمة هذا الكت��اب، وال يجوز أن يكون فيها من يحسن مث��ل ه��ذا الكت��اب. قلت: فه��ل تعرف من يترجمه؟ قال: نعم، وأص��فه ل��ك، ه��و ط��وال أن��زع، إن

41

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

تكلم تتعتع، يفوق أهل زمانه، بما يكون من ش��أنه، اس��مه خض��ير، يقوم بأمر خطر، ل��و ك��ان ل��ه عم��ر، ول��وال أن العلم س��بيل ال��دنيا واآلخ��رة، وه��و الكرام��ة الف��اخرة، ومن معرف��ة ق��دره الض��ن ب��ه، لرأيت أن أدفعه إليك بتمامه، ولكن ال سبيل إلى أكثر مما أخذت. ولم تكن األوراق التي أخذتها على التأليف؛ ألنا أص��بنا ورق��ة فيه��ا عالمات فيها الكنوز، وآخر الورق��ة مكت��وب: دلي��ل ه��ذا الب��اب في الورقة التي تليها؛ ولم نجد غير هذا بتا؛ غ��ير أن��ا وج��دنا أبواب��ا من الحكمة تشهد لها القلوب بحقيقة الص��حة، وتحل��ف طيه��ا األلس��ن بغاي��ة النهاي��ة. ه��ذا من كالم الحس��ن بن س��هل كق��ول أبي تم��ام

يصف شعره: (26) ومحلفة لما ترد أذن سامع ... فتصدر إال عن يمين وشاهد

قال الجاحظ: وحدثني الحسن بن سهل ق��ال: ق��ال لي الم��أمون: أي كتب العرب أنبل؟ قال قلت المبتدأ؟ قال: ال. قلت: فالت��اريخ؟ قال: ال، فسكت، فقال: تفسير القرآن، ألنه ال شبه ل��ه، وتفس��يره ال شبه له. ثم قال: أي كتب العجم أنبل؟ فاستعرضتها فقلت: هذا كتاب ذوبان، وقد كتبت بعضه، فقال: إيتني به معجال. فوجهت في حمله، فوافاني الرسول وقد نهض يريد الصالة. فقال: فلم��ا رآني مقبال والكتاب معي انحرف عن القبلة، وأخذ الكتاب وجعل ينظ��ر فيه، فإذا فرغ من باب قال: ال إله إال الله، فلم��ا ط��ال ذل��ك علي��ه قع��د وجع��ل يق��رأ؛ فقلت: الص��الة تف��وت وه��ذا ال يف��وت. ق��ال: صدقت غير أني أخاف السهو في الصالة الشتغال قلبي بلذي��ذ م��ا في هذا الكتاب، وما أج��د للس��هو ح��ائال غ��ير ذك��ر الم��وت فجع��ل

". ثم وض��ع الكت��اب. وق��امإنــك ميت وإنهم ميتــونيق��رأ: " فكبر؛ فلما فرغ من صالته نظر فيه حتى أتى على آخره. ثم قال: أين تمامه؟ قلت: عند ذوبان لم يدفعه إلي. فقال: ل��وال أن العه��د حبل أحد طرفيه بيد الله واآلخ��ر بأي��دينا ألخذت��ه من��ه، فه��ذا والل��ه

الكالم، ال ما نحن فيه من لي ألسنتنا في فجوات أشداقنا. من الحكم قال الحسن بن سهل: قرأت في هذا الكتاب: ثالث ال يصلح فسادهن بشيء من الحيل: العداوة بين األق��ارب، وتحاس��د

األكفاء، والركاكة في العقول. 36جمع الجواهر في الملح والنوادر )(26

42

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وثالث ال يستفسد صالحهن بنوع من المك��ر: العب��ادة في العلم��اء،والقنوع في المستبصرين، والسخاء في ذوي األخطار.

وثالث ال يشبع منهن: الحياة، والعافية، والمال. وثالث تبطل م��ع ثالث: الش�دة م�ع الحيل�ة، والعجل��ة م�ع الت��أني،

واإلسراف مع القصد. وهذا كما قال الخضر بن علي:

رأيت بعدن حجرا مكتوبا عليه بالحميرية: يأيها الشديد؛ احذر الحيلة، ويأيه��ا العج��ول؛ اح��ذر الت��أني، ويأيه��ا المحارب؛ ال تأمن من التفكر في العاقبة، ويأيها الرائد موج��ودا ال

تقطع أملك عن بلوغ مثله. أما قول�ه للمح�ارب، فق�د ق�ال علي بن أبي ط�الب رض�وان الل�ه عليه: من فكر في العواقب لم يشجع. شجاعة وحسن بالء وق��ال

سعد بن ناشب الغنوي: عليكم بداري فاهدموها فإنها ... تراث كريم ال يخاف العواقبا إذا هم ألقى بين عينيه همه ... ونكب عن ذكر العواقب جانبا

يستشر في رأيه غير نفسه ... ولم يرض إال قائم السيف صاحبا وقد قال معاوية رضي الله عنه: هممت م��رات كث��يرة بص��فين أن أخيس فلم ي��ردني إال أبي��ات ابن اإلطناب��ة: أبت لي عف��تي وأبى

بالئي ... وأخذي المجد بالثمن الربيح وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي

وإقدامي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح ألدفع من مآثر صالحات ... وأمنع بعد عن نسب صريح

وابن اإلطنابة هو عمرو بن عامر بن زيد من��اة بن مال��ك بن األغ��ر الخ��زرجي، وه��و ف��ارس مش��هور مع��روف، واإلطناب��ة أم��ه. وق��د

أحسن قطري بن الفجاءة في هذا المعنى حيث قال:

43

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وقولي كلما جاشت لنفسي ... من األعداء ويحك ال تراعي فإنك لو سألت مزيد يوم ... أبى األجل المقدر أن تطاعي

الحيلة خير من الشدة- وق��ال بعض الغ��زاة: فتحن��ا حص��نا من بالد ال��روم، فرأين��ا في��ه

صورة أسد من حجر عليه مكتوب: الحيلة خير من الشدة،

والتأني أفضل من العجلة، والجهل في الحرب أحزم من العقل،

والتفكر في العاقبة من أمارة الجزع.ال تفكر في العاقبة تهزم-

ووجه ملك الروم إلى الرشيد بثالثة أسياف مع هدايا كثيرة، على سيف منها مكتوب: أيها المقاتل؛ احمل تغنم، وال تفك��ر في

العاقبة تهزم. وعلى الثاني: التأني فيما ال تخاف عليه الفوت، أفضل من العجلة

إلى إدراك األملوعلى اآلخر: إن لم تصل ضربة سيفك، فصلها بإلقاء خوفك.

وهذا كقول كعب بن مالك األنصاري: نصل السيوف إذا قصرن بخطونا ... قدما ونحلقها إذا لم تلحق

وكقول نهشل بن حري: إذا الكماة تأبوا أن ينالهم ... حد السيوف وصلناها بأيدينا

وأعطى بعض األمراء سيفا لرجل فقال له: صله بخطوات��ك.-فقال له: الصبر أقرب من تلك الخطوة.

السيوف مأمورة -

44

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وأعطى آخر لرجل سيفا فسأله بدله، وقال: هو غير م��اض. ق��ال:خذه، فالسيوف مأمورة، قال: فهذا أمر أال يقطع.

ولم توغل وال صبرت- وانه��زم رج��ل، ف��دخل على أم��يره فش��تمه وق��ال: أعطيت بي��دك وهربت، ولم توغل وال صبرت! فقال: لئن تش��تمني أص��لحك الل��ه

وأنا حي خير من أن تترحم علي وأنا ميت. وقيل ألعرابي:-

اخرج إلى الغ��زو! فق��ال: أن��ا والل��ه أك��ره الم��وت على فراش��ي،فكيف أمشي إليه ركضا؟!.

أخذ هذا المعنى أحمد بن أبي فنن فقال مستطردا يمدح أبا دلف القاسم بن عيسى العجلي واالستطراد أن يريك الفارس أنه ولى، وإنما ولى لتتبعه فيكر عليك كذلك الشاعر يريك أنه يص��ف ش��يئا، ثم يعن ل��ه مع��نى في��أتي ب��ه، وكأن��ه ليس من قص��ده ولم يقص��د

غيره: ما لي وما لك قد كلفتني شططا ... حمل السالح وقول الدارعين

قف أمن رج��ال المناي��ا خلت��ني رجال ... أمس��ي وأص��بح مش��تاقا إلى

التلف أرى المناي��ا على غ��يري فأكرهه��ا ... فكي��ف أمش��ي إليه��ا ب��ارز

الكتف؟ أخلت أن سواد الليل غيرني ... أو أن قلبي في جنبي أبي دلف؟

ألنه كان شديد السواد. ال يضره سواده-

ولما دخل على المعتز قال: هذا الشاعر األس��ود؟ ق��ال: ال يض��رهسواده، أعزكم الله تعالى؛ فإن بيض أياديكم عنده.

- أعرف أقفاءهم

45

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وق��ال المنص��ور لبعض الخ��وارج وق��د أتي ب��ه أس��يرا: أخ��برني أي أص��حابي ك��ان أش��د إق��داما في مب��ارزتكم؟ فق��ال: م��ا أع��رف وج��وههم مقبلين، وإنم��ا أع��رف أقف��اءهم؛ فم��رهم أن ي��دبروا

ألعرفك أشدهم إدبارا. أخذه ابن الرومي فقال في سليمان بن عبد الله بن طاهر وك��ان

قد خرج في بعض الوجوه فهزم: قرن سليمان قد أضر به ... شوق إلى وجهه سيدنفه

أعرض عن قرنه وفر فما ... أصبح شيء عليه يعطفه كم يعد القرن باللقاء وكم ... يكذب في وعده ويخلفه

ال يعرف القرن وجهه ويرى ... قفاه من فرسخ فيعرفه وله في هذا المعنى أهاج كثيرة فمن ظريفها:

سليمان ميمون النقيبة حازم ... ولكنه حتم عليه الهزائم أال عوذوه من توالي فتوحه ... عسى أن ترد العين عنه التمائم

وقال: جاء سليمان بني طاهر ... فاجتاح معتز بني المعتصم

كأن بغداد لدن أبصرت ... طلعته نائحة تلتدم مستقبل منه ومستدبر ... وجه بخيل وقفا منهزم

عمر بين رجلين في غالم- وحدث أب��و ح��اتم عن األص��معي ق��ال: اختص��م رجالن إلى عم��ر رضي الله عنه في غالم، كالهما يدعيه؛ فسأل عمر أم��ه؛ فق��الت: غش��يني أح��دهما ثم ه��رقت دم��ا ثم غش��يني اآلخ��ر. ف��دعا عم��ر بالرجلين فسألهما، فقال أحدهما: أعلن أم أسر؟ قال: أسر. قال: اشتركنا فيه! فضربه عمر ح��تى اض��طجع: ثم س��أل اآلخ��ر، فق��ال

مثل ذلك؛ فقال عمر: ما كنت أرى مثل هذا يك��ون، ولق��د علمت أن الكلب��ة

يسفدها الكالب؛ فتؤدي إلى كل كلب نجله.

46

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وركب الن��اس في أرجلهم، وركب ذوات األرب��ع في أي��ديها؛ وك��ل(27 )طائر كفه ]في[ رجله.

قال الليث ابن سعد عن ابن عجالن، أن امرأته حملت ]له- مرة[ ، فأقامت حامال خمس سنين ثم ولدت، وحملت له

مرة أخرى فأقامت حامال ثالث سنين ثم ولدت.وولد الضحاك بن مزاحم وهو ابن ثالثة عشرة شهرا.

وقال جويبر: ولد الضحاك لسنتين، ]وولد[ شعبة لسنتين.نهم مزرد-

ق��ال األص��معي: كنت يوم��ا عن��د ه��ارون الرش��يد، فق��دمت إلي��ه فالوذجة، فقال: يا أصمعي، قلت: لبيك ي��ا أم��ير المؤم��نين. ق��ال: حدثني بحديث مزرد أخي الشماخ. قلت: نعم ي��ا أم��ير المؤم��نين، إن مزردا كان رجال جش��عا نهم��ا، وك��انت أم��ه ت��ؤثر عياله��ا ب��الزاد عليه؛ وكان ذلك مم��ا يض��ر ب��ه ويحفظ��ه؛ ف��ذهبت يوم��ا في بعض حقوق أهلها، وخلفت مزردا في بيتها ورحلها، فدخل الخيمة، فأخذ صاعين من دقيق، وصاعا من عجوة، وص��اعا من س��من؛ فض��رب

بعضه ببعض فأكله، ثم أنشأ يقول: ولما مضت أمي تزور عيالها ... أغرت على العكم الذي

كان يمنع خلطت بصاعي حنطة صاع عجوة ... إلى صاع سمن فوقه يتريع

ودبلت أمثال األثافي كأنها ... رءوس رخال قطعت التجمع

وقلت لبطني: أبشر اليوم إنه ... حمى أمنا مما تفيد وتجمع فإن كنت مصفورا فهذا دواؤه ... وإن كنت غرثانا فذا يوم

تشبع قال: فاستضحك هارون حتى أمسك بطنه واستلقى على ظهره،

ثم قعد فمد يده وقال: خذ، فذا يوم تشبع يا أصمعي!

- وقال حميد األرقط- وهو الذي هجا األضياف- يصف أكلالضيف:

ما بين لقمته األولى إذا انحدرت ... وبين أخرى تليها قيد أظفوروقال أيضا:

تجهز كفاه ويحدر حلقه ... إلى الزور ما ضمت عليه االناملأتانا وما ساواه سحبان وائل ... بيانا وعلما بالذي هو قائل

فما زال عنه اللقم حتى كأنه ... من العي لما أن تكلم باقل260 – 7العقد الفريد )(27

47

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وقال:ال أبغض الضيف ما بي جل مأكله ... إال تنفجه حولي إذا قعدا »

2»ما زال ينفخ جنبيه وحبوته ... حتى أقول لعل الضيف قد ولدا »

3»وقال:

ال مرحبا بوجوه القوم إذ نزلوا ... دسم العمائم تحكيها الشياطينألقيت جلتنا شطرين بينهم ... كأن أظفارهم فيها السكاكين

فأصبحوا والنوى عالى معرسهم ... وليس كل النوى تلقي«4المساكين »

هارون واألطباء:- قال األصمعي: جمع هارون من األطباء أربعة: عراقيا، وروميا،

وهنديا، ويونانيا؛ فقال: ليصف لي كل واحد منكم الدواء الذي الداء معه. فقال العراقي:

الدواء الذي ال داء معه حب الرشاد األبيض. وقال الهندي: الهليلج األسود.

وقال الرومي: الماء الحار، وقال اليوناني وكان أطبهم: حب الرش��اد األبيض يول��د الرطوب��ة، والماء الحار يرخي المع��دة، والهليلج األس��ود ي��رق المع��دة؛ ولكن

الدواء الذي ال داء معه: أن تقعد على الطعام وأنت تشتهيه.

من ملح أبي دالمة - وقال روح بن ح��اتم ألبي دالم��ة: اخ��رج معي وه��ذه عش��رة آالف

درهم. فقال: إني أعوذ بروح أن يقربني ... إلى الحمام فتشقى بي بنو أسد

إن المهلب حب الم�وت أورثكم ... وم��ا ورثت اختي��ار الم��وت منأحد

48

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وكان أبو دالم��ة ش��اعرا فص��يحا، وماجن��ا مليح��ا، واس��مه زن��د بن الج��ون األزدي. ودخ��ل على أبي جعف��ر المنص��ور فأنش��ده وذك��ر

زوجته: فاخرنطمت ثم قالت وهي مغضبة ... أأنت تتلو كتاب الله يالكع؟!

قم كي تبيع لنا نخال ومزدرعا ... كما لجارتنا نخل ومزدرع خادع خليفتنا عنها

وببدرة حملت إلي وبغلة ... دهماء ناجية يصل لجامها فدعوت ربي أن يثيبك جنة ... عوضا يصيبك بردها وسالمها

فق��ال: عن��دي ك��ل ش��يء إال البغل��ة فإنه��ا عن��دنا ش��هباء. فق��ال:امرأتي طالق إن كنت رأيتها إال شهباء، ولكني غلطت.

والبن عدل ظريفة مع بشر بن مروان: وذلك أنه كان متصال به، منقطعا إليه، فأغفله، فغاب عنه أياما ثم أتاه فقال: أين غبت، فقد طلبتك فلم أقدر علي��ك؟ ق��ال: خ��رجت أيها األمير إلى البادية أطلب التزوج بابن��ة عم لي أيم فق��الت: لي أموال متفرقة على الناس، وأنا امرأة ال قيم لي، فاقتضها لي وأنا

أتزوجك؛ فاقتضيت لها جميع أموالها، فلما فرغت كتبت إلي: سيخطئك الذي أملت مني ... بقطع حبال وصلك من حبالي كما أخطاك معروف ابن بشر ... وكنت تعد ذلك رأس مال

فضحك وقال: ما أحسن ما تلطفت.- حيلة أبي دالمة

ودخل أبو دالمة يوما على المنصور وبين أصبعيه خرقة، فقال ل��ه:ما هذا يا أبا دالمة؟ فقال: ولدت لي الباحة صبية وقد قلت فيها:

فما ولدتك مريم أم عسى ... ولم يكفلك لقمان الحكيم ولكن قد ولدت ألم سوء ... يقوم بأمرها بعل لئيم

49

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فضحك المنصور وقال: ما تريد؟ قال: ملء هذه الخرق��ة أس��تعينبها على تربيتها.

فق��ال المنص��ور: أمألوه��ا دراهم، ففتحوه��ا ف��إذا هي رداء رقي��ق كب��ير، فمألوه؛ فأخ��ذ عش��رة آالف درهم. وك��ان المنص��ور بخيال، وإنما كان أبو دالمة يستنزله بالملح لشدة بخله، فقد ك��ان يتج��اوز

الغاية في ذلك.

- - حكى األصمعي قال ضلت لي إبل فخرجت في طلبها

وكان البرد شديدا فالتجأت إلى حي من أحياء العرب وإذا بجماعة يصلون وبقربهم شيخ ملتف بكساء وهو يرتعد من

البرد وينشد : أيا رب إن البرد أصبح كالحا وأنت بحالي يا إلهي

أعلم فإن كنت يوما في جهنم مدخلي ففي مثل هذا اليوم

طابت جهنم قال األصمعي فتعجبت من فصاحته وقلت يا شيخ أمايستحي تقطع الصالة وأنت شيخ كبير فأنشد يقول :

أيطمع ربي في أن أصلي عاريا ويكسو غيري كسوةالبرد والحر

فوالله ال صليت ما عشت عاريا عشاء وال وقتالمغيب وال الوتر

وال الصبح إال يوم شمس دفيئة وإن غممت فالويلللظهر والعصر

وإن يكسني ربي قميصا وجبة أصلي له مهما أعيشمن العمر

قال فأعجبني شعره وفصاحته فنزعت قميصا وجبة كانا علي ودفعتهما إليه وقلت له البسهما وقم ،فاستقبل القبلة

وصلي جالسا وجعل يقول : إليك اعتذاري من صالتي جالسا على غير ظهر موميا نحو

قبلتي فمالي ببرد الماء يارب طاقة ورجالي ال تقوى على

ثني ركبتي ولكنني استغفر الله شاتيا وأقضيكها يارب في وجه

صيفتي وإن أنا لم أفعل فأنت محكم بما شئت من صفعي

50

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ومن نتف لحيتي (28)قال فعجبت من فصاحته وضحكت عليه وانصرفت .

- وقال األصمعي : حضرت أنا وأبو عبيدة عند الفضل بن الربيع فقال لي : كم كتابك في الخيل ؟ فقلت : مجلد

واحد ! فسأل أبا عبيدة عن كتابه فقال : خمسون مجلدا !

فقال له : قم إلى هذا الفرس وأمسك عضوا منه وسمه ! فقال : لست بيطارا وإنما هذا شيء أخذته عن العرب !

فقال لي : قم يا أصمعي وافعل ذلك ! فقمت وأمسكت ناصيته وجعلت أذكر عضوا عضوا وبلغت

حافره ! فقال : خذه !

فأخذت الفرس ؛ قال : فكنت إذا أردت أن أغيظه ركبتذلك الفرس وأتيته .

- وقال : كنت عند الرشيد فشرب ماء بثلج فاستطابه فقال :الحمد لله !

ثم قال لي : أتحفظ في هذا شيئا يا عبد الملك ؟ فقلت : نعم ! وأنشدته :

وشربة الثلج بماء عذب ... تستخرج الشكر من أقصى القلب شكرا من العبد لنعمى الرب

فقال لي : يا أصمعي ! ما سمع بمثلك !

قلت : فالناس معذورون فيه إذ قالوا إنه يضع فإن هذا االتفاق الستحضار األبيات بعيد فهو إما أن تكون الواقعة قد وضعها وإما

أن يكون الشعر ارتجله وهو أعظم . - وقال : ال ينبغي لإلنسان أن يدخل على الملوك بغير الملح من

الشعر ؛ فإن الرشيد أعطاني في أبيات أنشدته في ليلة ثالثةآالف دينار !

دخلت عليه ليلة فأنشدته : تزوجت واحدة منكم ... فنكت بشفعتها أربعينا

ونكت الرجال ونكت النساء ... ونكت البنات ونكت البنينا 472 / 2المستطرف )(28

51

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وأرسلت أيري في داركم ... فطورا شماال وطورا يمينا فقال الرشيد : هذا يصل المقطوع ويقيم النائم !

فزدني من هذا المعنى ! فأنشدته :

أما والله لو يلقاك أيري ... قبيل الصبح في ظلماء بيت لكنت ترين أن السحق زور ... وأن الشأن في هذا الكميت

- وقال األصمعي : وصلت بالعلم وكسبت بالملح . - وقال : ذكرت يوما للرشيد نهم سليمان بن عبد الملك وقلت :

إنه كان يجلس وتحضر بين يديه الخراف المشوية وهي كما أخرجت من تنانيرها فيريد أخذ كالها فتمنعه حرارتها فيجعل يده

في طرف حلته ويدخلها في جوف الخروف فيأخذ كاله ! فقال لي : قاتلك الله فما أعلمك بأخبارهم !

اعلم أنه عرضت علي ذخائر بني أمية فنظرت إلى ثياب مذهبة ثمينة وأكمامها زهكة بالدهن فلم أدر ما ذلك حتى حدثتني بهذا

الحديث ! ثم قال : علي بثياب سليمان فنظرنا إلى تلك اآلثار فيها ظاهرة

فكساني منها حلة . وكان األصمعي ربما خرج فيها أحيانا فيقول : هذه جبة سليمان !

- وكان جد األصمعي علي بن أصمع سرق بسفوان فأتوا به علي بن أبي طالب فقال : جيئوني بمن يشهد أنه أخرجها من الرحل

فشهد عليه بذلك فقطع من أشاجعه فقيل له : يا أميرالمؤمنين ! أال قطعته من زنده ؟ فقال : يا سبحان الله !

كيف يتوكأ كيف يصلي كيف يأكل ؟ فلما قدم الحجاج البصرة أتاهعلي بن أصمع فقال : أيها األمير !

إن أبوي عقاني فسماني عليا فسمني أنت ! فقال : ما أحسن ما توسلت به !

قد وليتك سمك البارجاه وأجريت لك كل يوم دانقين فلوساووالله لئن تعديتهما ألقطعن ما أبقاه علي عليك !

- بخل المنصور

52

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وكان المنصور قبل أن يلي الخالفة ينزل على أزهر السمان، فلما استخلف صار إلي��ه أزه��ر. فق��ال: م��ا أق��دمك؟ ق��ال: حاج��ة أم��ير المؤمنين؛ علي أربعة آالف درهم، ولي دار متهدم��ة، وأري��د البن��اء

البني محمد. فأمر له باثني عشر ألف درهم. وقال: يا أزهر؛ ال تأتنا طالب حاجة. قال: أفعل.

فلما كان بعد قليل عاد فقال: يا أزهر؛ ما جاء بك؟ قال: جئت مسلما على أمير المؤمنين،

قال: إنه ليقع في نفس�ي أن م��ا أتيت إال لم�ا أتيت ل��ه في الم��رة األولى، وأمر له باثني عشر ألف درهم. وقال: ال تأتنا طالب حاجة

وال مسلما. قال: نعم! ثم ما لبث أن عاد فقال: يا أزهر؛ ما جاء بك؟

قال: دعاء كنت سمعت أمير المؤم��نين ي�دعو ب�ه فجئت مس�تملياآلخذه عن أمير المؤمنين.

فقال: ال تكتبه فإنه غير مستجاب، ألني دعوت الله به أن يرح��نيمنك فلم يستجب لي. ثم صرفه

ابن هرمة يمدح المنصور فيجيزه - ولما دخل عليه إب�راهيم بن علي بن هرم�ة أنش�ده قص�يدته ال�تي

يقول فيها: له لحظات في حفافي سريره ... إذا كرها فيها عقاب ونائل فأم الذي أمنت آمنة الردى ... وأم الذي حاولت بالثكل ثاكل

فرفع الحجاب له، وأقبل علي��ه وأم��ر ل��ه بعش��رة آالف درهم. ثم قال: يا إبراهيم: ال تتلفا طمعا في مثلها، فما كل وقت تصل إلينا،

وال يصلك منا مثلها. فقال: ألقاك بها يا أمير المؤمنين يوم العرض بختم الجهبذ.

فضحك. وقال: اذكر حوائجك؟

53

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقال: تكتب لي إلى عامل المدينة أال يحدني إذا أتي بي إليه وأن��اسكران،

فقال: هذا حد من حدود الله ال يمكن تعطيله. فقال: تحتال لي يا أمير المؤمنين،

فكتب إلى عام��ل المدين��ة؛ من أت��اك ب��ابن هرم��ة وه��و س��كران فاضربه الحد، واض��رب ال��ذي يأتي��ك ب��ه مائ��ة. فتحام��اه الش��رط. فك��انوا يم��رون ب��ه مطروح��ا في س��كك المدين��ة فيقول��ون: من

يشتري ثمانين بمائة؟! أبو دالمة والمنصور-

وكان المنصور قد أخذ الن��اس بلب��اس قالنس ط��وال، وأن يكتب��وا ،فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم :في ظهور ثيابهم

وأن يطيلوا حمائل سيوفهم. فدخل أبو دالمة عليه في ذلك الزي، فقال: كيف حالك يا أبا دالمة؟ فقال: ما حال من ص��ار وجه��ه في وسطه، وسيفه في استه، وقد نبذ كتاب الله وراء ظه��ره!! ف��أمر

المنصور بتغيير ذلك الزي. ودخ���ل أب���و دالم���ة على أم س���لمة بنت يعق���وب بن مس���لمة المخزومية زوجة أبي العب��اس الس�فاح يعزيه��ا عن�ه فبكى وأنش��د

قصيدة منها: أمسيت باألنبار يابن محمد ... ال تستطيع من البالد حويال

ويلي عليك وويل أهلي كلهم ... ويال وهوال في الحياة طويال فلتبكين لك النساء بعبرة ... وليبكين لك الرجال عويال

مات الندى إذ مت يابن محمد ... فجعلته لك في التراب عديال إن أجملوا في الص��بر عن��ك فلم يكن ... ص��بري وال جل��دي علي��ك

جميال يجدون منك خالئفا وأنا امرؤ ... لو عشت دهري ما وجدت بديال إني سألت الناس بعدك كلهم ... فوجدت أسمح من وجدت بخيال

54

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ألشقوتي أخرت بعدك للذي ... يدع العزيز من الرجال ذليال ألشقوتي أخرت بعدك للذي ... يدع السمين من العيال هزيال

فقالت له أم سلمة: يا زند، ما أصيب أحد بأمير المؤم��نين غ��يري وغيرك؟ قال: وال سواي، أنت لك ولد منه تتسلين به، وأن��ا ال ول��د

لي منه. فض��حكت أم س��لمة ولم تكن ض��حكت من��ذ م��ات أب��و العب��اس،

وقالت: يا زند، ما تدع أحدا إال أضحكته!. - وأنشد أبو دالمة المنصور ه�ذه القص�يدة ف�أبكى الن�اس جميع�ا، وغض��ب المنص��ور غض��با ش��ديدا. وق��ال: لئن س��معتك بع��د الي��وم تنشدها ألقطعن لسانك، فقال: يا أمير المؤم��نين؛ إن أب��ا العب��اس كان لي مكرما وهو الذي جاء بي من البدو كما جاء يوس��ف علي��ه

ال تــثريب عليكم السالم بإخوته، فقل كما قال الله ع��ز وجلــراحمين . فس��ري عناليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الالمنصور وضحك، وقال: قد أقلناك فسل حاجتك؟

فقال: يا أمير المؤمنين، إن أبا العباس قد ك��ان أم��ر لي بعش��رةآالف درهم وهو مريض ولم أقبضها.

فقال المنص�ور: ومن يعلم ذل�ك؟ ق��ال: ه�ؤالء كلهم، وأش�ار إلى جماعة ممن حضر. فوثب سليمان بن مجاه��د وأب�و الجهم، فق��اال:

نحن نعلم ذلك. فقال المنصور ألبي أيوب المورياني: ادفعها إليه وسيره إلى هذا الطاغية يعني عبد الل��ه بن علي، وك��ان ق��د خ��رج وأظه��ر الخالف عليه بناحية الشام، وجمع جمعا كثيرا من بقايا بني أمية وقوادهم،

وأهل البأس والنجدة. فقال أب��و دالم��ة: ي��ا أم�ير المؤم��نين؛ إني أعي��ذك بالل��ه أن أخ��رج معهم، ف��إني والل��ه مش��ؤوم. فق��ال المنص��ور: إن يم��ني يغلب

شؤمك، فاخرج مع الجيش. فقال: والله ما أحب يا أمير المؤمنين، وال أرى أن تج��رب؛ ف��إني

ال أدري على أي المنزلتين تكون.

55

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقال: دعني فال بد من مسيرك. فقال: ي��ا أم��ير المؤم��نين؛ والل��ه ألص��دقنك، إني حض��رت تس��عة عساكر هزمته��ا كله��ا، وإن ش��ئت بينته��ا ل��ك؛ فاس��تفرغ المنص��ور

ضحكا، وأمره بالتخلف مع عيسى بن موسى بالكوفة.هروب ابي دالمة-

وأراد موسى بن داود الخروج إلى الحج، فقال ألبي دالم��ة: ت��أهب ح��تى تخ��رج معي في ه��ذا الوج��ه، وأعط��اه عش��رة آالف درهم، وقال له: خلف لعيالك ما يكفيهم واخرج؛ وإنم��ا أراد أن ي��أنس ب��ه

في طريقه بحديثه وأشعاره ونوادره. فلما حضر خروج موسى هرب أبو دالمة إلى سواد الكوفة، فجعل يش��رب من خمره��ا ويتمت��ع في نزهه��ا، فس��أل عن��ه ف��أخبروه باس��تتاره، فطلب��ه فلم يق��در علي��ه، وخ��اف أن يفوت��ه الحج؛ فلم��ا

يئس منه قال: دعوه إلى النار وحر سقر وأليم عذابه. فلما شارف القادسية إذا هو بأبي دالمة قد خ�رج من قري�ة يري�د

أخرى، فبصر به. فقال: ائتوني بعدو الله الكذاب، فر من الحق إلى الباط��ل، ومن

الحج إلى حانات الخمارين، قيدوه وألقوه في بعض المحامل. ففعل ذلك به، فلما ولت اإلبل، صاح أبو دالمة بأعلى صوته:

يأيها الن��اس قول��وا أجمعين معي ... ص��لى اإلل��ه على موس��ى بنداود

كأن ديباجتي خديه من ذهب ... إذا تشرف في أثوابه السود أما أبوك فعين الجود نعرفه ... وأنت أشبه خلق الله بالجود

نبئت أن طريق الحج معطشة ... من الطالء وما شربي بتصريد والل��ه م��ا في من خ��ير فتطلب��ه ... في المس��لمين وم��ا دي��ني

بمحمود إني أعوذ بداود وتربته ... من أن أحج بكره يابن داود

56

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقال موسى: ألقوه عن المحمل، فعليه لعنة الله، ودعوه ي��ذهبإلى سقر وحر نارها، فألقوه.

ومضى موسى لوجهه، فما زال أبو دالمة يتمتع ب��النزه، ويش��رب الخمر حتى أتلف العشرة آالف درهم، وانصرف موسى من حجه، فدخل أبو دالمة يهنئه، فلما رآه قال: أتدري م��ا فات��ك من الخ��ير؟ فقال: والله ما فاتني خ��ير ليال وال نه��ارا ،يري��د الش��رب والقص��ف

فضحك ووصله.- أبو دالمة يهجو نقسه

ودخل أبو دالمة على المهدي وعنده عيسى بن موسى، والعب��اس بن محمد، وناس من بني هاشم، فقال المهدي: يا أبا دالمة. قال: لبي��ك ي��ا أم��ير المؤم��نين. ق��ال: اهج من ش��ئت ممن ض��مه ه��ذا المجلس ولك الجائزة؛ فنظر في الق��وم فلم ي��ر إال ش��ريفا قريب��ا

من المهدي، فقال: أنا أحد من في المجلس ثم أنشده: أال أبلغ إليك أبا دالمه ... فليس من الكرام وال كرامه إذا لبس العمامة قلت قرد ... وخنزير إذا نزع العمامه فإن تك قد أصبت نعيم دنيا ... فال تفرح فقد دنت القيامه

قال: فضحك المهدي، وسر القوم، إذ لم يسود بأحد منهم، صاد كلب الصيد-

وخرج أبو دالمة م��ع المه��دي وعلي بن س��ليمان إلى الص��يد، فعن لهم ظ���بي؛ فرم���اه المه���دي فأص���ابه، ورمى علي بن س���ليمان فأصاب كلب الصيد، فضحك المه��دي وق��ال ألبي دالم��ة: ق��ل في

هذا شيئا فأنشد: قد رمى المهدي ظبيا ... شك بالسهم فؤاده

وعلي بن سليما ... ن رمى كلبا فصاده فهنيئا لهما ك ... ل امرىء يأكل زاده

57

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

(29 )فاستفرغ المهدي ضحكا وأمر له بجائزة.السفاح وأبو دالمة-

كان أبو العباس الس��فاح مولع��ا ب��أبي دالم��ة، ال يفارق��ه ليال وال نه��ارا لك��ثرة ن��وادره وج��ودة ش��عره، ومعرفت��ه بأي��ام الن��اس وأخبارهم؛ وك��ان أب��و دالم��ة يه��رب من��ه جه��ده، وي��أتي حان��ات الخم��ارين فيش��رب م��ع إخوان��ه من الش��عراء، وك���ان يحب

مجالستهم فقالله السفاح :ما بالك ال تاتينا وتهرب من مؤانستنا؟

فق��ال: والل��ه ي��ا أم��ر المؤم��نين؛ إن الفض��ل والش��رف والع��ز والخير كله في الوقوف ببابك ولزوم خدمتك، ولكن نك��ره كم��ا

ذكرت، وال مللتك قط، وإنك لتعلم ذلك، ق��ال:ولكن��ك ق��د اعت��دت حان��ات الخم��ارين، ومجالس��ة أه��ل المجون. ثم أمره بلزوم قصره، ووكل ب��ه من يمنع��ه الخ��روج، وأمره بمالزمة المسجد الذي يصلي فيه السفاح، حتى أضر ب��ه

فقال: ألم تعلموا أن الخليفة لزني ... بمسجده والقصر، م��ا لي

وللقصر! أصلي به األولى مع العص��ر آيس��ا ... ف��ويلي من األولى وويلي

من العصر ويحبس��ني عن مجلس أس��تلذه ... أعل��ل في��ه بالس��ماع

وبالخمر ووالله ما لي نية في صالته ... وال ال��بر واإلحس��ان والخ��ير

من أمري وما ضره، والله يصلح أمره ... لو أن ذن��وب الع��المين على

ظهري

42جمع الجواهر في الملح والنوادر )(2958

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فلما بلغت األبيات السفاح قال: دعوه وشأنه، فوالل�ه م�ا أفلحقط.

- احبسوه في بيت الدجاج وشرب أبو دالمة مع حم��اد عج��رد، ف��أتى المه��دي ب��أبي دالم��ة فقال: استنكهوه؛ ففعلوا فوجدوا رائحة الخمر، فأحب أن يعبث به؛ فأمر الربيع أن يحبسه في بيت الدجاج ويطين عليه الب��اب، ففعل؛ ثم أمر بعد ي�ومين ف��أخرج ملبب�ا بطيلس�انه، ف�أقيم بين يديه، فقال: يا عدو الله؛ أتشرب الخمر؟ أما إني ألقيمن علي��ك

الحد، وال تأخذني فيك لومة الئم، فأنشأ أبو دالمة: أمير المؤم��نين، ف��دتك نفس��ي ... عالم حبس��تني وخ��رقت

ساجي أقاد إلى السجون بغير جرم ... كأني بعض عمال الخراج ولو معهم حبست لكان خيرا ... ولكني حبست مع الدجاج

أمن صهباء! ريح المسك فيها ... ترقرق في اإلناء لدى المزاج عقار مثل عين الديك صرف ... كأن شعاعها لهب السراج وقد طبخت بنار الله حتى ... لقد صارت من النطف النضاج

وقد كانت تحدثني ذنوبي ... بأني من عقابك غير ناجي على أني وإن القيت شرا ... لخيرك، بعد ذاك الشر، راجي

فأمر به فأقيم عليه الحد، ثم أمر له بأربع��ة آالف درهم، فلم��اولى قال الربيع: يا أمير المؤمنين، أما سمعت قوله:

وقد طبخت بنار الله حتى ... لقد صارت من النطف النضاج قال: بلى، فما يعني بذلك؟ قال: يعني به الشمس. ق��ال: ردوه

نسأله عن ذلك. فلما حض��ر ق��ال ل��ه المه��دي: م��ا تع��ني بن��ار الل��ه؟ أتع��ني به��ا

الشمس؟

59

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال: ال يا أمير المؤمنين، ولكن: نار الله الموق��دة، ال��تي تطل��ع على ف��ؤاد الربي��ع مؤص��دة، وعلى من أخ��برك أني ع��نيت به��ا الشمس مطبقة؛ فضح المهدي وجلس��اؤه وعف��ا عن��ه، ف��ذهب.

(30)

- وخرج الربيع إلى أصحاب المنص��ور وهم بالب��اب، وق��د ه��رب منه سلم غالمه، فق��ال لهم: أم��ير المؤم��نين يق��رئكم الس��الم، ويقول لكم: إن غالمي سلما قد هرب، ومح��ال أن يه��رب أح��د من غلماني إال وقد أسند أمره إلى واحد منكم. فقام أبو دالمة فقال: بلغ عنا أمير المؤمنين كما بلغتنا عن��ه. ق��ال: نعم! ق��ال: أم��ا س��لم فال نع��رف خ��بره وال قص��ته، ولكن ه��ذا ب��ديع يري��د الهروب، فرأي أمير المؤمنين في أخذه، وك�ان بين�ه وبين ب�ديع

(31 )تباعد، فبلغ ذاك المنصور فهرب.

- وم��اتت حم��ادة بنت علي بن عب��د الل��ه بن عب��اس، فص��ار المنص��ور إلى ش��فير قبره��ا ينتظ��ر الجن��ازة، وك��ان أب��و دالم��ة حاضرا فقال: ما أعددت لهذه الحفرة يا أبا دالمة؟ فقال: عم��ة

أمير المؤمنين يؤتى بها الساعة. -

42جمع الجواهر في الملح والنوادر )(3042جمع الجواهر في الملح والنوادر )(31

60

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فصل نوادر متفرقة أخ��ذت ام��رأة في زن��ا وطي��ف به��ا على جم��ل، فم��رت ببعض المجان فقال لها: كيف خلفت الحاج؟ قالت: بخير، وق��د ك��انت

(32)أمك معنا، فخرجت في النفر األول.

حكى األصمعي قال: كنت أسير في أحد شوارع الكوفة ف��إذا- بأعرابي يحمل قطعة من القم��اش ، فس��ألني أن أدل��ه على�دعى زي�دا، وك�ان أع�ور، خياط ق�ريب. فأخذت�ه إلى خي�اط ي��ه خياط��ة ال ت��دري أقب��اء ه��و أم فقال الخياط: والل��ه ألخيطن دراج، فقال األعرابي: والله ألقولن فيك شعرا ال تدري أمدح

هو أم هجاء. فلما أتم الخياط الثوب أخذه األعرابي ولم يعرف هل يلبسه على

انه قباء أو دراج! فقال في الخياط هذا الشعر: ليت عينيه سواء         خاط لي زيد قباء  

فلم يدر الخياط أدعاء له أم دعاء عليه دعا أعرابي على عامل فقال: صب الله عليك الصادات،-

يعني الصفع والصرف والصلب حضر أعرابي مائدة سليمان بن عبد الملك فجعل يمد يديه-

فقال له الحاجب: كل مما يليك، فقال: من أخصب تخير،فأعجب ذلك سليمان وقضى حوائجه

قيل ألعرابي كان يتعشق قينة: ما يضرك لو اشتريتها ببعض- ما تنفق عليها؟ قال: فمن لي إذ ذاك بلذة الخلسة، ولقاء

المسارقة، وانتظار الموعد

قال العتبي: أشرف عمرو بن هبيرة يوما من قصره فإذا ه��و- بأعرابي يرقل قلوصه فقال عم��رو لحاجب��ه : إن أرادني ه��ذا األعرابي فأوصله إلي، فلما وصل األعرابي س��أله الح��اجب ،

43جمع الجواهر في الملح والنوادر )(3261

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقال: أردت األمير، فدخل عليه فلما مثل بين يديه ق��ال ل��ه:ما حاجتك ؟ فأنشد األعرابي يقول:

وال أطيق العيال إذ        أصلحك الله قل ما بيدي               كثروا

فأرسلوني إليك        أناخ دهري علي كلكل���ه               وانتظروا

فأخذت عمرو األريحية فجعل يهتز في مجلسه، ثم قال أرسلوك ال تجلس حتى تعود إليهم بما يسرهم، ثم إلي وانتظروا، والله

أمر له بألف دينارالفرق بين الولد والبنت-

ق��ال أب��و المجس��ر األع��رابي: ك��انت لي بنت تجلس معي علىتني به�ا، فك��برت المائدة فال تقع عينها على لقم��ة نفيس��ة إال خص�� وزوجتها، وصرت أجلس إلى المائدة مع ابن لي، فوالله لن تسبق

عيني إلى لقمة طيبة إال سبقت يده إليهاالتين تحت كسائك -

أقبل أعرابي يريد رجال وبين ي��دي الرج��ل طب��ق تين، فلم��ا أبص��ر األعرابي غطى التين بكسائه واألعرابي يالحظه، فجلس بين يدي��ه فقال له الرج��ل: ه��ل تحس��ن من الق��رآن ش��يئا، ق��ال: نعم، ق��ال اقرأ، فقرأ: والزيتون وطور س��ينين، فق��ال الرج��ل ف��أين ال��تين ؟

فقال األعرابي: التين تحت كسائك !.أبو األسود الدؤلي مشهور بالبخل-

وقف أعرابي على أبي األسود الدؤلي وه��و يتغ��دى فس��لم ف��رد عليه ثم أقبل على األكل، ولم يعزم عليه. فقال له األع��رابي: أم��ا

إني قد مررت بأهلك. قال كذلك كان طريقك.

قال وامرأتك حبلى. قال كذلك كان عهدي بها.

62

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال قد ولدت. قال كان ال بد لها أن تلد.

قال ولدت غالمين. قال كذلك كانت أمها.

قال مات أحدهما. قال ما كانت تقوى على إرضاع أثنين.

قال ثم مات اآلخر. قال ما كان ليبقى بعد موت أخيه.

قال وماتت األم: قال حزنا على ولديها. قال ما أطيب طعامك.

قال ألجل ذلك أكلته وحدي والله ال ذقته يا أعرابيخفي حنين-

س��اوم أح��د األع��راب حنين��ا اإلس��كافي على خفين، ولكن��ه لم يشترهما بعد جدل طويل، فغاظ حنينا جدل األعرابي، فقام وعلق أح��د الخفين في طري��ق األع��رابي، ثم س��ار وط��رح اآلخ��ر في طريقه، وكمن له. فلما مر األع��رابي ورأى أح��د الخفين ق��ال: م��ا أشبه هذا بخف حنين ول��و ك��ان مع��ه اآلخ��ر ألخذت��ه، فتق��دم ورأى الث��اني مطروح��ا، فن��دم على ترك��ه األول، ف��نزل وعق��ل راحلت��ه، ورجع إلى األول، فذهب حنين براحلته، ورجع حنين وليس مع��ه إال الخفان، فقال له قوم�ه: م�ا ال��ذي جئت ب��ه من س��فرك ؟ فق��ال:

جئت بخفي حنين

فما ترى يا ربنا في ما ترى-

قال األصمعي: أصابت األعراب مجاعة فمررت بأعرابي قاعدمع زوجته على قارعة الطريق وهو يقول:

وزوجتي قاعدة كما ترى    يا رب إني قاعد كما ترى          

63

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فما ترى يا ربنا في ما ترى   والبطن مني جائع كما ترى          ؟ --ترى الرجل فتزدريه وفي اثوابه اسد هصور-

وزعم األصمعي أن حربا كانت بالبادية، ثم اتصلت بالبصرة، فتفاقم األمر ثم مشي بين الناس بالصلح، فاجتمعوا في المسجد

الجامع. قال: فبعثت وأن��ا غالم إلى عب��د الل��ه بن عب��د ال��رحمن العقف��اني

عليه ، فأذن لي، فدخلت فإذا هو في شملة يخلط بزرا فاستأذنت لعنز له حلوب، فخبرته بمجتمع الناس، فأمهل ح��تى أكلت الع��نز، ثم غسل الصحفة، وصاح: يا جارية، غدينا. فأتته بزيت وتمر، قال: فدعاني، فقذرته أن آكل معه ، حتى إذا قضى من أكله، وثب إلى طين ملقى في الدار، فغسل به يده، ثم صاح: يا جارية، اس��قيني ماء. فأتته بماء، فشربه، ومسح فضله على وجهه، ثم قال: الحمد لله ماء الفرات، بتمر البصرة، وزيت الشام، متى نؤدي شكر هذه النعمة! ثم قال: علي بردائي. فأتته برداء عدني فارت��دى ب��ه على

تلك الشملة. قال األصمعي: فتجافيت عنه استقباحا لزيه، فلما دخل المسجد

صلى ركعتين، ثم مشى إلى القوم، فلم تبق حبوة إال حلت إعظاما له، ثم جلس فتحمل جميع ما كان بين األحياء في ماله،

(33 )وانصرف.

ومثله- قال األص��معي: جلس إلي رج��ل تقتحم��ه العين، والل��ه م��ا ظننت��ه يجمع بين كلمتين، فاستنطقته فإذا نار تأجج، فقلت: أتحسن ش�يئا من الحكم��ة تفيدني��ه؟ فق��ال: الرج��وع عن الص��مت أحس��ن من الرج��وع عن الكالم، والعطي��ة بع��د المن��ع أحم��د من المن��ع بع��د العطية، واإلقدام على العمل بعد التأني فيه أحسن من اإلمس��اك عنه بعد اإلقدام عليه؛ قال: فعظم والله في عيني حتى مأل قل��بي

هيبة.

قال األصمعي: حججت، فبينا أنا باألبطح إذا شيخ في سحق عباء، صعل الرأس أثط أخزر أزرق، كأنما ينظر من فص زج��اج أخض��ر، فس��لمت ف��رد علي التحي��ة، فقلت: ممن الش��يخ؟ ق��ال: من ب��ني

.532، وثمار القلوب 332/ 1، وعيون األخبار 208، والمستجاد 181/ 1 الكامل 129)( 3364

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنان��ة، قلت: فم��ا االس��م؟ ق��ال: خميص��ة بن ق��ارب. ثم ق��ال: أع��رابي أنت؟ قلت: نعم، ق��ال: من أية؟ قلت: من أه��ل البص��رة، ق��ال: ف��إلى من تع��تزي؟ قلت: إلى قيس عيالن، قال: أليهم؟ قلت: أحد بني بغيض، وأنا أقلب ألواح��ا معي، قال: ما ه��ذه الخش��بات المقرون��ات؟ قلت: أكتب فيهن م��ا اسمع من كالمكم، قال: وإنكم مخل��ون إلى ذل��ك؟ قلت: نعم وأي خل��ة، فص��مت ملي��ا ثم ق��ال في وص��ف قوم��ه: ك��انوا كالص��خرة

الصلدة تنبو عن صفحتها المعاول، ثم زحمها الدهر بمنكبه فصدعها صدع الزجاجة ما لها من جابر،

فأصبحوا شذر مذر، أيادي سبا، ورب قوم - والله - عارم قد أحسنوا تأديبه،

ودهر غاشم قد قوموا صعره، ومال صامت قد شتتوا تألفه،

وخطة بوس قد حسمها أسوهم، وحرب عبوس ضاحكتها أسنتهم،

أم��ا والل��ه ي��ا أخ��ا قيس لق��د ك��انت كه��ولهم جح��اجح، وش��بانهم مراجح، ونائلهم مسفوح، وسائلهم ممنوح، وجنابهم ربيع، وجارهم

منيع. فنهضت ألنصرف فأخذ بمج��امع ذيلي فق��ال: اجلس لق��د أخبرت��ك عن قومي ح��تى أخ��برك عن قوم��ك، فقلت في نفس��ي: إن��ا لل��ه،

سينشد في قيس والله وصمة تبقى على الدهر، فقلت: حس��بك، ال حاج��ة بي إلى ذك��رك ق��ومي، ق��ال لي: بلى

والله، هم هضبة ململمة، العز أركانها، والمجد أغصانها،

تمكنت في الحسب العد، تمكن األصابع في اليد؛ فقمت مسرعا مخافة أن يفسد علي ما سمعت.

ثواب الله خير-وقال األصمعي: رأيت امرأة تتبع ميتا على شرجع وهي تقول:

رحمك الله يا هيثم، فلقد كان مالك لغيرك، وأمرك لغير عرسك،وكنت كما قال الشاعر:

رحيب ذراع بالذي ال يشينه … وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا فقلت: يا أم الهيثم، هل لك من الهيثم خلف؟ وأنا أعني ولد.

(34 )فقالت: نعم، ثواب الله، وهو أجل العوض وأحسن الخلف.

وروي عن األصمعي قال: -

الشرجع: السرير يحمل عليه الميت. اللسان55 – 1 أنس المسجون وراحة المحزون )(34)شرجع(.

65

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

دخلت على الرشيد ودموعه تنحدر على خديه، وهو ينظر في كتاب، فظللت قائما حتى سكن، فحانت منه التفاتة فقال: اجلس

يا أصمعي. فجلست، فقال: أرأيت ما كان؟ فقلت:نعم، يا أمير المؤمنين.

فقال: أما إنه لو كان ألمر الدنيا ما رأيت هذا، ثم رمىبالقرطاس إلي، فإذا فيه شعر ألبي العتاهية بخط جليل:

هل ]أنت[ معتبر بمن خربت … منه غداة قضى دساكره وبمن أذل الموت مصرعه … فتبرأت منه عشائرهوبمن خلت منه أسرته … وبمن خلت منه منابره

درست محاسن وجهه ونفى … عنه السرور كرى يباشره أين الملوك وأين عزهم … صاروا مصيرا أنت صائره

يا مؤثر الدنيا بلذته … والمستعد لمن يفاخره نل ما بدا لك أن تنال من الد … نيا فإن الموت آخره

ثم قال: كأني والله أنا المخاطب بذلك دون الناس. ولم يلبث بعدذلك إال قليال حتى مات.

وقال األصمعي: حضر بعض العرب الموت فرأى جزع أخيه عليه، فقال له: هون

(35 )عليك يا أخي، فيوشك أن تحدث عني وأنت تضحك.

وقال األصمعي: مررت بكناف وهو ينشد:-أضاعوني وأي فتى أضاعوا … ليوم كريهة وسداد ثغري

فقلت: أما سداد الكنف فأنت أحرى به، وأما الثغر فال علم لنابك، فكيف أنت فيه؟ قال: فانعطف علي وأنشد:

وأكرم نفسي إنني إن أهنتها … وحقك لم تكرم على أحد بعديفقلت: يا هذا، والله ما يكون من الهوان شيء أكثر مما بذلتها له.

فقال: بلى، من الهوان لشر مما أنا فيه. فقلت: وما هو؟ (36 )فقال: الحاجة إلى مثلك وأمثالك. فانصرفت عنه خجال.

أبسط لكم وجهي - وقال األصمعي: سمعت ]سيدا[ من قيس يقول لقومه: إنما أن��ا رج���ل منكم، ليس لي فض���ل عليكم ، ولكن أبس���ط لكم وجهي، وأب��ذل لكم م��الي، وأحف��ظ ح��ريمكم، وأقض��ي حق��وقكم، وأع��ود مرضاكم، وأتبع جنائزكم، فمن فعل هذا فهو مثلي، ومن زاد علي�ه

94 – 1انس المسجون )(35191 – 1انس المسجون )(36

66

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فهو خير مني، ومن قصر عنه فأنا خير منه. قيل ل��ه: فم��ا حمل��كعلى هذا؟ قال: أبعثكم على مكارم األخالق.

- وقال األصمعي: نزلت على رجل من جعدة في سنة مجاعة فقدم لي كسيرات وتميرات، وأقبل يعتذر ويقول: إن الله عز

وجل يقول في كتابه:ما كلف الله نفسا فوق طاقتها … وال تجود يد إال بما تجد

فقلت: يا هذا، ليس هذا من كتاب الله، فقال: إنه حسن فألصقوهبه

- من ملح الجماز - قال رجل للجماز: أشتهي أن أرى الشيطان. فقال له: انظ�ر

في المرآة فإنك تراه. - وقال ل��ه رج��ل: أن��ا وج��ع من دم��ل في. ق��ال ل��ه: وأين هي؟ ق��ال: في أخس موض��ع م��ني. ق��ال: ك��ذبت؛ ألني ال أرى في

وجهك شيئا. وقال له رجل: يا أبا عبد الله؛ أن��ا رج��ل جام��د العين، ل��و م��ات أبي م��ا بكيت، ولكن إذا س��معت الص��وت الف��ريح من الوج��ه

المليح، بكيت حتى أغمي علي. فعالم يدل هذا؟ قال: على أنك ال تفلح أبدا.

- وق��ال ل��ه رج��ل: أردت أن أحم��ل أمي إلى بغ��داد، فخفت إن حملته��ا في البح��ر أن تعطب، وإن حملته��ا في ال��بر أن تتعب.

قال: فخذها في سفتجة. -قال بعض جلساء المتوكل: كنا نكثر عن��ده ذك��ر الجم��از ح��تى اشتاقه، فكتب في حمله من البصرة. فلم��ا دخ��ل علي��ه أفحم. فقال له المتوكل: تكلم فإني أحب أن أستبرئك. فقال: بحيضة

أم بحيضتين يا أمير المؤمنين؟ فضحك المتوكل. -ثم ق���ال ل���ه الفتح: ق���د والك أم���ير المؤم���نين على الكالب

والقردة. قال: فاسمع لي وأطع، فأنت من رعيتي. فقال له: إذا وهب لك أمير المؤم��نين جاري��ة، فم��ا تص��نع به��ا؟

فقال: أنا أعرف من نفسي ما تحتاج 67

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

والله جارية إال أن أقود عليها. فضحك المتوكل، وأم��ر ل��ه بعش��رة آالف درهم، فم��ات فرح��ا

(37)ولم يصل إلى البصرة.

- لم أدع كراكي وكان الجماز ال يدخل بيته أكثر من ثالثة لضيقه، فدعا ثالثة من إخوان��ه فأت��اه س��تة، ووق��ف ك��ل واح��د على رج��ل وقرع��وا الباب، فنظر من كوة أسفل الباب وك��ذلك ك��ان يعم��ل فع��د ستة أرجل، فلما فتح الباب دخلوا؛ فقال: اخرجوا عني فإني

دعوت أناسا ولم أدع كراكي. والجماز هو أبو عبد الله محم��د بن عم��رو بن حم��اد بن عط��اء بن ياسر، وكانوا يزعمون أنهم من حمير صليبة نالهم سباء في خالفة

أبي بكر وهم مواليه، وسلم الخاسر عمه. وكان الجماز صاحبا ألبي نواس حتى ماتا.

ووصف أبا نواس، فقال: كان أظرف الناس منطق��ا، وأغ��زرهم أدبا، وأق��درهم على الكالم، وأس��رعهم جواب��ا، وأك��ثرهم حي��اء؛ وكان أبيض اللون، جميل الوجه، مليح النغمة والش��ارة، ملت��ف األعضاء، بين الطويل والقص��ير، مس��نون الوج��ه، ق��ائم األن��ف، حس���ن العي���نين والمض���حك حل���و الص���ورة، لطي���ف الك���ف واألطراف، وك��ان فص��يح اللس��ان، جي��د البي��ان، كث��ير الن��وادر؛ وكان راوية لألشعار، وعالمة باألخبار، وك��ان كالم��ه ش��عرا غ��ير

موزون. من أدب أبي شراعة -

شراعة شاعر مجيد وهو القائل: بني رياح أعاد الله نعمتكم ... خير المعاد وأسقى ربعكم ديما فكم به من فتى حلو شمائله ... يكاد ينهل من أعطافه كرما

(38) لم يلبسوا نعمة لله مذ خلقوا ... إال تلبسها إخوانهم نعما

44جمع الجواهر في الملح والنوادر )(3768

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال أبو العباس المبرد:- وكان أبو شراعة حليما مألوفا، جميل الخل��ق، ك��ريم العش��رة، وكان يقول من الشعر ما يجانب به مذاهب المحدثين، ويقترف طريق الماضين وأهل البادي��ة؛ فش��عره ع��ربي محض، واس��مه

أحمد بن محمد بن شراعة القيسي ومن شعره: تقول ابنة البكري حين أؤوبها ... هزيال وبعض اآليبين سمين

��ك في الق��وم الك��رام لك الخ��ير ال ي��دخل ألهل��ك رحل��ه ... فإنمكين

ذري��ني أمت من قب��ل حلي محل��ة ... له��ا في وج��وه الس��ائلينغضون

وأف��دي بم��الي م��اء وجهي ف��إنني ... بم��ا في��ه من م��اء الحي��اةضنين

فقالت: لحاك الله ال تنأ جانبا ... فقلت: إلخواني الكرام عيون وله يهجو أحمد بن المدبر وأخاه إبراهيم: -

حجاب ابن المدبر كسروي ... كذاك حجاب كسرى أردشير شهدت بأنه من آل كسرى ... سلوه هل شهدت له بزور

كفاك شهادتي بالحق لوال ... تضاحك من أرى حول السرير(39) فإن يكن المدبر جرمقيا ... فلست بذاكر أهل القبور

- وكتب إلى س���عيد بن موس���ى بن س���يد بن س���لم الب���اهلي،يستهديه نبيذا، ووجه إليه بقرابة في غالف:

إليك ابن موسى الخير أعملت ن��اقتي ... مجلل��ة يض��فو عليه��اجاللها

كت��وم ال��وجى ال تش��تكي ألم الس��رى ... س��واء عليه��ا موته��اواعتاللها

43جمع الجواهر في الملح والنوادر )(3844جمع الجواهر في الملح والنوادر )(39

69

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

إذا سقيت أبصرت ما جوف بطنها ... وإن ظمئت لم يبد منها وإن حملت حمال تكلفت حملها ... وإن حط عنها لم أب��ل كي��ف

حالهابعثنا بها تسمو العيون وراءها ... إليك وما يخشى عليها كاللها وغنى مغنينا بصوت فشاقني ... متى راجع من أم عمرو خيالها

أحب لكم قيس بن عيالن كلها ... ويعجبني فرسانها ورجالها(40) وما لي ال أهوى بقاء قبيلة ... أبوك لها بدر وأنت هاللها

أنا أشعر أم أنت؟-بير بن بكار، قال: حدثنا محمد بن مزيد البوشنجي، قال: حدثنا الزام، ق��ال: ق��دم الم��أمون من ��ر بن هش�� بي ��ابت بن الز أخ��برني ث��ا ��ه: من أش��عر أن خراسان ومعه شاعر، فلقيه أبو العتاهية فقال ل��و أم أنت؟ ق��ال: أنت أش��عر وأولى بالتقدم��ة ووق��ره، فق��ال أب��ة من بيت ش��عر؟ ق��ال: ربم��ا أقمت يل ��ة: كم تق��ول في الل العتاهي��ك، على القصيدة ال تكون ثالثين بيت��ا ش��هرا، ق��ال: فأن��ا أش��عر من ربما دعوت الجارية فأمليت عليه��ا خمس مائة بيت، ق��ال: فحمي��ة يل عرك لقلت في الل الخراساني فقال: ل��و كنت أرض��ى مث��ل ش��

خمسة آالف بيت، قال: مثل أي شعر؟ مثل قولك:أال يا عتبة الساعة ... أموت الساعة الساعه

(41 )قال: فاستضحك القوم منه.

قال األصمعي:-��ا ام، فق��ال: ي دخلت على جعف��ر بن يحيى بن خال��د يوم��ا من األي أصمعي! هل لك من زوجة؟ قلت: ال، قال: فجارية؟ قلت: جاري��ةي ��ة نظيف��ة؟ قلت: إن للمهن��ة، ق��ال: فه��ل ل��ك أن أهب ل��ك جاري

لمحتاج إلى ذلك.ن فأمر بإخراج جارية إلى مجلسه، فخرجت جارية في غاية الحس����ا ��ك له��ذا، وق��ال: ي والجمال والهيئة والظرف، فقال لها: ق��د وهبتدي! ��ا س��ي معي! خ��ذها. فش��كرته. فبكت الجاري��ة وق��الت: ي أص��ماجته وقبح منظ��ره؟ يخ م��ع م��ا أرى من س�� تدفعني إلى هذا الش��

وجزعت جزعا شديدا.44جمع الجواهر في الملح والنوادر )(40168 / 1 الجليس الصالح الكافي واألنيس الناصح الشافي )(41

26070

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

��ار؟ قلت: م��ا فقال: يا أصمعي! هل لك أن أعوضك منها أل��ف دين��ا ��ار، ودخلت الجاري��ة، فق��ال: ي ��ألف دين ��ك، ف��أمر لي ب أك��ره ذلي أنكرت على هذه الجارية أمرا ف��أردت عقوبته��ا ب��ك أصمعي! إن

ثم رحمتها منك. ى ي لم آتك حت قلت: أيها األمير! فهال أعلمتني قبل ذلك فإن

حت لحيتي وأصلحت عمتي، ولو عرفت الخبر لصرت إليك سره لو رأتني كذلك لما عاودت شيئا تنكره على هيئة خلقتي، فوالل

(42 )أبدا ما بقيت.

أعرابية قسرية عند خالد القسري-ه القسري لما أحكم قال األصمعي: ذكروا أن خالد بن عبد الل جسر دجلة واستقام له نهر المبارك أفشى عطايا كثيرة وأذناس إذنا عاما، فدخلت عليه أعرابية قسرية فأنشأت تقول: للن

ادة األماجد إليك يا ابن السيعمد في الحاجات كل عامد

اس بين صادر ووارد فالنمثل حجيج البيت نحو خالد

وأنت يا خالد خير والدأصبحت عند الله بالمحامدمجدك قبل الشمخ الرواكد

ليس طريف المجد مثل التالدقال: فقال لها خالد: حاجتك كائنة ما كانت،

فقالت: أصلح الله األمير، أناخ علينا الدهر بجرانه، وعضنا بأنياب��ه،فما ترك لنا صافنا وال ماهنا، فكنت المنتجع وإليك المفزع،

�ان �ا فق�الت: والل�ه لئن ك قال فقال لها خالد: هذه حاجة ل�ك دونن لي نفعها إن لك ألجرها وذخرها، مع أن أه��ل الج�ود ل�و لم يج�دوا

من يقبل العطاء لم يوصفوا بالسخاء، قال لها خالد: أحسنت فهل لك من زوج؟

فقالت: ال، وما كنت ألتزوج دعيا، وإن كان موسرا غنيا، وما كنتي بجزيل مال األمير لغنية، أشتري عارا يبقى بمال يفنى، وإن

(43 ) قال األصمعي: فأمر لها بعشرة آالف درهم.

169 / 1 الجليس الصالح الكافي واألنيس الناصح الشافي )(42 شرح الغريب595 / 1 الجليس الصالح الكافي واألنيس الناصح الشافي )(43

قال القاضي: أما قولها فما ترك لنا صافنا وال ما هنا: الصافن من الخيل فيما ذكر أبوذي يجمع بين يديه وبين طرف سنبك إحدى رجليه، والسنبك مقدم الحافر. قال عبيدة ال

ذي يجمع بين يديه، والذي يرفع طرف سنبك رجليه وقال بعض العرب: بل الصافن الفهو مخيم، يقال أخام برجله.

ناده: القائم��ة على ثالث، وق��د أن��اخت وق��ال الف��راء: الص��افنات فيم��ا ذك��ر الكلبي بإس��وافن ف��إذا األخرى على طرف الح��افر من ي��د أو رج��ل، وهي في ق��راءة عب��د الله " ص��

71

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

من مليح شعر الجماز - وللجماز مقطع��ات مالح، في ض��روب الهج��اء واالمت��داح، منه��ا

قوله في خصي كان يكايده على قينة؛ يسمى رباح: ما للخصي رباح ... وللغواني المالح

أليس زان خصي ... غاز بغير سالح وفي مثله يقول ابن الرومي:

معشر أشبهوا القرود ولكن ... خالفوها في خفة األرواح نمشة فوق صفرة فتراه ... كونيم الذباب في اللفاح

وقال األصمعي: سمعت أعرابيا يقول: أعوذ بك من الفواقر- والبواقر ومن جار السوء في دار المقامة والظعن، وما

(44 )ينكس برأس المرء ويغري به لئام الناس.

وقال األصمعي: سمعت بعض الملوك وهو يركض خلف- كلب وقد دنا خطمه من عجب ذنب الظبي وهو يقول: إيه

(45 )فدتك نفسي!!

ق��ال األص��معي: يظل��ع الكلب لبعض م��ا يع��رض للكالب، فال- يمنع���ه ذل���ك من أن يهيج في زمن هيج الكالب، ف���إذا رأى

يريد معقولة على ثالث، وقد رأيت العرب تجعل الصافن الق��ائم على36وجبت " الحج: ثالث أو غير ثالث، وأشعارهم تدل على أنه القائم خاصة، والله أعلم بصوابه. وق��د رويرى قائم�ة عن ابن عمر أنه قال لرجل يريد نحر ناقت�ه: انحره�ا معقول�ة اليمنى أو اليس�م، أو نحو هذا القول. وقد ق��رئ: " ف��اذكروا ه عليه وسل على ثالث، سنة محمد صلى الل

على ما تقدم من الحكاية عن ابن مسعود وص��وافي36اسم الله عليها صوافن " الحج: بمعنى خالصة لله عز وجل من الصفاء والخلوص، فأما ق�راءة الجمه��ور األعم والس��واده ص�واف على جم�ع الص�افة وهي المص�طفة، ورس�م مص��احف المس�لمين األعظم فإن��وم قل لها في األمة، وقد قال عمرو بن كلث شاهد لهذه القراءة بالصحة مع استفاضة الن

فظة: في معنى هذه اللتركنا الخيل عاكفة عليه ... مقلدة أعنتها صفونا

اعر: ها تعني وال خادما، ومن الماهن قول الش وأما قولها: وال ما هنا فإني أن رأين مويهنا ... تبدو عليه شتامة المملوك وهزئن من

المويهن: تصغير ماهن، والخويدم تصغير خادم، والشتامة القبح والكلوح، يقال: وجه شتيم أي باس قبيح، ومن هذا الشتم والشتيمة في القول معناه قبحه وقذعه،

والمشاتمة المسابة وهما من هجر القول وفحشه.ما يقال عظنا بالظاء، والمعروف فيه وقال بعض اللغويين: ال يقال عضنا الدهر وإن

الضاد.الفواقر الدواهي الحيوان .)(44

201 الحيوان .)(4572

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

الكلبة المس��تحرمة لم يطم��ع في معاظلته��ا والكالب منتبه��ة تنبح، فال يزال ينتظ��ر وقت ف��ترة الكالب ونومه��ا، وذل��ك من

(46 )آخر الليل.

وق��ال األص��معي في تفس��ير ق��ولهم في المث��ل: »ه��ذا أج��ل من الحرش« : إن الضب قال البن��ه: إذا س��معت ص��وت الح��رش فال تخرجن! قال: وذلك أنهم يزعم��ون أن الح��رش تحري��ك الي��د عن��دب، ليخ�رج إذا ظن أن�ه حي��ة- ق��ال: وس�مع ابن�ه ص�وت جحر الض� الحفر فقال: ي��ا أب��ه ه��ذا الح��رش؟ ق��ال: ي��ا ب��ني، ه��ذا أج��ل من

(47 )الحرش! فأرسلها مثال.

قال األصمعي: أخبرني أبو رفاعة، شيخ من أهل البادية، قال: رأيت في المنام كأني أتخطى حيات. فمطرت السماء، فجعلت

أتخطى سيوال. وحكى األصمعي أن رجال رأى في المنام في بيوته حيات، فسأل عن ذلك ابن سيرين أو غيره، فقال: هذا رجل يدخل منزله أعداء

المسلمين. وكانت الخوارج تجتمع في بيته األصمعي قال: أخبرني رجل من أهل البصرة قال: أرسل-

شيخ من ثقيف ابنه فالنا- ولم يحفظ اسمه- إلى ابن سيرين، فكلمه بكالم، وأم ابنه هذا قاعدة، وال يظن أنها تفطن، فقال له: يا بني اذهب إلى ابن سيرين، فقل له:

رجل رأى أن له نعامة تطحن. قال: فقلت له؛ فقال: هذارجل اشترى جارية فخبأها في بني حنيفة.

قال: فجئت أبي فأخبرته، فنافرته أمي، وما زالت به حتى اعترف(48 )أن له جارية في بني حنيفة.

وزعم األصمعي أن عقعق��ا م��رة اس��تلب س��خابا ]الس��خاب:-��ة ك��انت خاب أعرابي القالدة،[ كريم��ا لق��وم، فأخ��ذ أه��ل الس�� عندهم، فبينما هي تض��رب، وتس��حب وتس��ب إذ م��ر العقعقخاب في منق��اره، فص��احوا ب��ه ف��رمى ب��ه، فق��الت والس����ة رت الس��المة بع��د أن ك��انت ق��د ابتليت ببلي األعرابي��ة وت��ذك

أخرى فقالت : ويوم السخاب من تعاجيب ربنا ... كما أنه من بلدة السوء نجاني

285 – 1.الحيوان )(46339 – 4الحيوان .)(47439 – 4الحيوان .)(48

73

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

(49 )تعني الذين كانت نزلت بهم من أهل الحاضرة.

ومن ملح أح��اديث األص��معي، ق��ال: ح��دثني ش��يخ من أه��ل- المدينة وكان عالي السن ق��ال: ق��ال الغاض��ري: ك��انت ه��ذه األرض لقوم ابتدؤوها وشقوها، وكانت الثمرة إذا أدركت قال قائلهم لقيمه: اثلم الحائط، ليصيب المار مما في��ه والمعتفي

[ . ثم يقول: أرسل إلى آل فالن بكذا وكذا، وإلى آل فالن2] بكذا وكذا. فإذا بيعت الثمرة قال: أرسل إلى فالن بكذا وكذا

[ الوكيل.3ودينار، وإلى فالن بكذا وكذا. فيضج ]فيقول: ما أنت وهذا؟! ال أم لك! فلما عم��رت األرض��ون وأغنت ]

[ قوم سواهم، فإن أح��دهم ليس��د حائط��ه، ويص��غر5[ أقطعها ]4 [ ؟! ويس��تطيف7[ فيمر فيقول: ما هذه الثلم��ة ]6بابه، ثم يدلج ]

[ أبي كريز.9[ من وراء الحائط، فهو أطول من معقل ]8] وإذا دخل حائطه دخل معه بقذافة، فإذا رأى العص��فور على القن��ا

[ ، والق��رص11[ رماه، فيقع العص��فور مش��ويا على ق��رص ]10](50 )كالعصفور.

قال األصمعي: قلت ألبي مهدية: كيف تقول: ال طيب إال-المسك؟

قال:فأين أنت من العنبر؟! قال: فقلت: ال طيب إال المسك والعنبر.

قال: فأين البان؟! فقلت: ال طيب إال المسك والعنبر والبان ]6. ]

[ ؟!7 قال: فأين أنت عن أدهان بحجر ] قال: فقلت: ال طيب إال المسك، والعنبر. والبان، وأدهان بحجر.

[ .8 قال: فأين فأرة اإلبل صادرة؟! قال األصمعي: فأرة اإلبل ](51)

85 – 5.الحيوان )(49 [5[ أغنت: كثر عشبها.]4[ يضج: يصيح.]3[ المعتفي: طالب المعروف.]2]201 الحيوان .)(50

[8[ الثلمة: الفرجة.]7[ أدلج: سار من أول الليل.]6اإلقطاع: أن يقطعه قطعة من األرض.][ القنا: عذق النخلة بما فيه من الرطب.10[ المعقل: الحصن.]9استطاف: دار حول الشيء. ]

133[ القرص: يعني قرص الخبز أي الرغيف.11] البان: شجر يسمو ويطول في استواء مثل بغات األسل، وليس لخشبه صالبة، الحيوان .)(51

ينبت في الهضب، وثمرته تشبه قرون اللوبياء، ولها حب، ومن ذلك الحب يستخرج دهن البان.] [ حجر: قصبة اليمامة.»وليس لإلبل فأرة، وإنما هي رائحة طيبة تفوح منها إذا رعت العشب7

5/43وزهره، ثم شربت فعرقت فاح منها رائحة طيبة، يقال لها: فأرة اإلبل« ، وانظر اللسان )فأر( .

74

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وقال األصمعي: قال رجل من أهل المدينة لرجل: أيسرك أن تعيش حتى تجيء حلمة ]حلمة: جمع الحلم، وهي القرادة

الصغيرة.[ من إفريقية مشيا؟ قال: فأنت يسرك ذلك؟ قال: أخاف أن يقول إنسان: إنها

بمخيض، فيغشى علي! ومخيض على رأس بريد من المدينة. - قال األصمعي: قال الخليل بن سهل: »يا أب��ا س��عيد أعلمت أن طول رمح رستم كان سبعين ذراعا من حديد مص��مت، في غل��ظ

« ، فقلت: »ههنا إعرابي له معرفة، فاذهب بن��ا إلي��ه1الراقود« » فحدثه بهذا« . فذهبت به إلى األع��رابي فحدث��ه، فق��ال األع��رابي: »قد سمعت بذلك، وبلغنا أن رستم ه��ذا ك��ان ه��و واس��فنديار أتي��ا لقم��ان بن ع��اد بالبادي��ة، فوج��داه نائم��ا، ورأس��ه في حج��ر أم��ه،

فقالت لهما: ما شأنكما، فقال: »بلغنا شدة هذا الرجل فأتيناه« فانتبه فزعا من كالمهما، فنفخهما، فألقاهما إلى أصبهان،

فقبرهما اليوم بها، فقال الخليل: قبحك الله ما أكذبك! قال:»يابن أخي ما بينا شيئا إال وهو دون الراقود« .

قيل: وقدم بعض العمال من عمل، فدعا قوما إلى طعامه،- وجعل يحدثهم بالكذب، فقال بعضهم: نحن كما قال عز

وجل: »سماعون للكذب أكالون للسحت« .كذاب أمير المؤمنين -

قيل: وكان رجال من أهل المدينة من بين فقيه ورواية وشاعر، يأتون بغداد، فيرجعون بحظوة وحال حسنة؛ فاجتمع عدة منهم، فق��الوا لص��ديق لهم لم يكن عن��ده ش��يء من األدب: »ل��و أتيت

العراق فلعلك أن تصيب شيئا« . قال: »أنتم أصحاب آداب تلتمسون بها« .

فقالوا: »نحن نحتال لك« ، فأخرجوه، فلما قدم بغداد طلب االتص�ال بعلي بن يقطين، وش�كا

إليه الحاجة، فقال: »ما عندك من األدب« ؟

فق��ال: »ليس عن��دي من األدب ش��يء غ��ير أني أك��ذب الكذب��ة وأخيل إلى من يسمعها أني صادق« . وكان ظريفا مليحا، فأعجب به، وعرض عليه ماال، فأبى أن يقبله وقال: »م��ا أري��د من��ك إال أن

تسهل أذني، وتدني مجلسي« . قال: »ذاك لك« . وكان من أقرب الناس إليه مجلسا حتى عرف بذلك.

وكان المهدي قد غضب على رجل من القواد، واستص��فى مال��ه، وك��ان يختل��ف إلى علي بن يقطين، رج��اء أن يكلم ل��ه المه��دي،

75

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وكان يرى قرب المديني، ومكانه من عليه، فأتى الم��ديني القائ��دعشيا فقال: »ما البشرى« ؟ قال: »لك البشرى وحكمك« ، قال: »أرسلني علي بن يقطين إليك وه��و يقرئ��ك الس��الم ويق��ول: ق��د كلمت أمير المؤمنين في أم��رك، ورض��ي عن��ك، وأم��ر ب��رد مال��ك وض��ياعك وي��أمرك بالغ��دو إلي��ه لتغ��دو مع��ه إلى أم��ير المؤم��نين متشكرا« . ف��دعا ل�ه الرج��ل ب�ألف دين��ار وكس��وة وحمالن، وغ��دا على علي مع جماعة من وجوه العسكر متشكرا، فق��ال ل��ه علي: »وما ذاك« ؟ قال: »أخبرني أبو فالن- وهو إلى جنبه- كالمك أمير المؤمنين في أمري ورضاه عني« ، ف��التفت إلى الم��ديني وق��ال:

»ما هذا« ؟ فقال: »أصلحك الله، هذا بعض ذلك المناع نشرناه« ، فضحك

علي وقال: »علي بدابتي« ، وركب إلى المهدي، وحدثه الحديث، فضحك المهدي وقال: »إنا قد رضينا عن الرجل ورددنا عليه

ماله« ، وأجرى على المديني رزقا واسعا، واستوصى به خيرا، ثم(52)وصله، وكان يعرف »بكذاب أمير المؤمنين«

سيماهم في وجوههم-قال األصمعي:

»أرأيت إعرابيا يكدح جبهته في األرض يريد أن تجعل سجادة« . فقلت: »ما تصنع« ؟ قال: »إني وجدت األثر في وجه الرجل

(53 )الصالح« .

وقال الشاعر:كيف يبكي لمحبس في طلول ... من سيقضي ليوم حبس طويل

إن في البعث والحساب شغال ... عن وقوف برسم ربع محيلقال الجاحظ:-

في الخصي عشرة أحوال متضادة: لم يخرج من ظه��ره م��ؤمن، وال خ��رج من ظه�ر م�ؤمن، وه��و أكثر الناس غيرة، وأشدهم قيادة، وه��و أض��عف الن��اس مع��دة، وأشرههم على طعام، وهو أسوأ الناس أدبا، وه��و يعلم األدب، وهو أغزر الناس دمعة، وأقساهم قلبا، وما خال ق��ط م��ع ام��رأة

إال حدثته نفسه أنه رجل، وال خال مع رجل إال (54 )حدثته نفسه أنه امرأة.

63 – 1.المحاسن واألضداد )(52- 168 -1.المحاسن واالضداد )(53

76

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وقال الجماز لبعض المسجديين: تركت المسجد الجامع ... والترك له ريبه

فال نافلة تأتي ... وال تشهد مكتوبه وأخبارك تأتينا ... على األعالم منصوبه

فإن زدت من الغيب ... زدناك من الغيبه ومثله قول أبي القاس��م إس��ماعيل بن عب��اد، في مغن يع��رف

بابن عذاب: أقول قوال بال احتشام ... يقبله كل من يعيه ابن عذاب إذا تغنى ... فإنني منه في أبيه

وقال الجماز في المتوكل: قالوا امتدحت اإلمام قلت لهم ... أخاف أال أحده بصفه

مط عن��ده وكي��ف يعطي على الم��دائح من ... ك��ان أب��و الس��طرفه

كأن إنشادنا مدائحه ... أنصاف كتب ليست بمؤتلفه أخذه من قول أبي تمام:

أذكت عليك ش��هاب ن��ار في الحش��ا ... بالع��ذل وهن��ا أخت آلشهاب

(55)عذال شبيها بالجنون كأنما ... قرأت به الورهاء نصف كتاب

بين علي بن الجهم وأبي السمط - وكان أبو السمط بن أبي حفصة أثيرا عند المتوكل؛ وكان علي بن الجهم يقع فيه لمنزلته عن��د المتوك��ل وحس��ده ل��ه؛ ف��أغرى بينهما يوما فقال لحمدون النديم: أيهما أشعر؟ فق��ال: ي��ا أم��ير المؤم��نين؛ طرحت��ني بين لح��يي أس��دين. ق��ال: لتق��ولن. ق��ال:

45جمع الجواهر في الملح والنوادر )(5445جمع الجواهر في الملح والنوادر )(55

77

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

أعرقهما بالشعر أشعرهما. فق��ال المتوك��ل: ي��ا علي، ق��د حكم حمدون عليك. قال: علم رأيك فيه فساعدك. فق��ال المتوك��ل: تهاجيا. فقال علي: قد كظني الشراب، فإذا أفقت قلت؛ فق��ال

أبو السمط بديها: إن ابن جهم في المغيب يسبني ... ويقول لي حسنا إذا القاني

إن ابن جهم ليس يرحم أمه ... لو كان يرحمها لما عاداني فضحك المتوكل، وانخذل ابن الجهم؛ فقال أبو السمط:

لعم��رك م��ا جهم بن ب��در بش��اعر ... وه��ذا علي بع��ده يص��نعالشعرا

ولكن أبي قد كان جرا إلمه ... فلما تعاطى الشعر أمرا ولما أفاق علي بن الجهم من سكره قال:

بالء ليس يشبهه بالء ... عداوة غير ذي حسب ودين يبيحك منه عرضا لم يصنه ... ويرت��ع من��ك في ع��رض مص��ون

(56)

العجم والشعر - ودخل الض��بي على عب��د الل��ه بن ط��اهر، فأنش��د ش��عرا حس��نا وبحض��رته أع��رابي؛ فق��ال األع��رابي: ممن تك��ون؟ ق��ال: من العجم. قال: وما للعجم والشعر وإنما الشعر للعرب، وك��ل من قاله من العجم فإنما نزا على أمه أعرابي. فق��ال: وك��ذلك من ال يقول الشعر منكم، فإنما نزا على أمه أعجمي إذا؟ فأفحمه.

من شعر الجماز -ودخل الجماز على بعض والة البصرة فأنشده: أثكلتني البر وعنيتني ... ما كان هذا أملي فيكا

ال تتفني بعد ما رشتني ... فإنني بعض أياديكا

45جمع الجواهر في الملح والنوادر )(5678

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فضحك، ثم قال: ثم ماذا؟ فقال: ثوب سمرقندي هو، أنش��دكإياه مزارعة.

وأتى ب��اب بعض األش��راف الرئيس��يين، فحجب��ه خ��ادم اس��مهشقيف فقال:

إذا وقع الضرير على خصي ... فقد وقع المصاب على مصاب وكانت أم هذا الشريف أمة ثمنه��ا ثماني��ة عش��ر دين��ارا؛ فعتب

على منصور فقال: من فاتني بأبيه ... ولم يفتني بأمه

ورام شتمي ظلما ... سكت عن نصف شتمه فدفع إليه مائة دينار. وقال: اسكت عن الجميع.

ف��انظر أع��زك الل��ه البلي��غ إذا ش��اء كي��ف يجع��ل الج��د ه��زال،والمعرى محلى.

هذا المعنى إنما اهتدى إليه من قول عنترة بن ش��داد العبس��يوأمه أمة سوداء اسمها زبيبة:

إني ام��رؤ من خ��ير عبس منص��با ... ش��طري وأحمي س��ائري(57)بالمنصل

قال األصمعي:- سمعت أعرابيا يقول: أعوذ بالله من األسد األسود، والذنب األعقد، ومن الشيطان والسلطان ، ومن عمل ينكس برأس

المسلم، ويغري به لئام الناس.

أنشد عمر بن شبة قال،- أنشدنا السهمي:

خالل خليل أخيك وأحو إخاءه ... وأعلم بأن أخا أخيك أخوكاوبنيك ثم بني بنيك فكن بهم ... برا فإن بني بنيك بنوكا(58)وارفق بجدك رحمة وتعطفا ... ترحم فإن أبا أبيك أبوكا

46جمع الجواهر في الملح والنوادر )(5742 / 3البصائر والذخائر )(58

79

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وصف معبد امرأة فقال:- كأن ركبها دارة القمر، وكأن شفرها أير حمار مثني.

وقال آخر: الرجز-أنعت نعتا من حر لم أخبره ... رأيته وليس شيء يستره

مثل سنام طارعنه وبره

وقال عقبة األسدي- لما تزوج عبيد الله بن زياد بنت أسماء بن خارجة قال:

جزاك الله يا أسماء خيرا ... لقد أرضيت فيشلة األميربذي صدع يفوح المسك منه ... عظيم مثل كركرة البعيرلقد أهديتها بيضاء رودا ... شديدا رهزها فوق السرير

إذا أخذ األمير بمنكبيها ... سمعت لها أنينا كالصرير

ابنة الرسحاء- تساب صبيتان من األعراب، أم إحداهما رسحاء وأم األخرى

عجزاء ليست بذاك، فقالت ابنة العجزاء لصاحبتها: يا ابنةالرسحاء،

فقالت األخرى: ويحك، إن أمي تأخذ الجلوة بوجهها قبل أنتحظى أمك بعجزها.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: أستعيذوا بالله من شرارهن،وكونوا من خيارهن على حذر.

قال علي بن صالح:- خرجنا مع المأمون إلى الشام فق��ال: ابغ��ني مس��امرا، ف��اخترت

رجال من أهل سلمية فأوصلته إليه فقال: حاجة يا أمير المؤمنين، قال: وم��ا هي؟ ق��ال: إن��ه إذا أهم��ني من

ورائي لم تصف منادمتي، فقال: صدق، يا غالم أعطه بدرة، ثم قال: حاجة يا أمير المؤمنين، قال: وما هي؟

قال: ليس من النص��فة للن��ديم أن يك��ون علي��ه خلع��ة دون خلع��ة صاحبه، فإن ذاك مما يكسر قلب��ه، ق��ال: ص��دقت، ي��ا غالم أعط��ه

خلعة، ثم قام فقال: ثالثة يا أمير المؤم��نين، ق��ال: وم��ا هي؟ ق��ال: إن��ك ستسقيني ما يحول بيني وبين عقلي، فإن كانت مني هن��ة أو زل��ة

أحتملها وإال فأعفني من الشرب، قال: نحتمل ذلك، واستحسن شرائطه.

التحدي الكبير-80

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

خاصم رجل امرأته فشتمته، وكانت خلف الباب، فقال له��ا: م��ري فوالله لئن دخلت إليك ألشققن ح��رك، فق��الت: ال والل��ه، وال ك��ل

أير في بغداد.

قال األصمعي:- سمعت أبا عرارة يقول: من أكل سبع موزات وشرب من لبن

األوارك تجشأ بخور الكعبة.كم في الشاة من خير-

قيل إلبراهيم بن سيار: هل رأيت شيئا واح��دا يش��تمل على عام��ة الطيبات؟ قال: النحلة، والشاة: منها اللبن، والجذا، واللبأ، والزبد، والسالء، ثم الجبن والمصل والرخفة واللوق��ة، واألق��ط والش��يراز

(59 )والكوامخ والمضيرة، والمصلية والكشكية والغربية وغير ذلك.

قال بعض الحكماء:- لكل شيء آفة، وآفة العلم النسيان،

وآفة الظرف الصلف، وآفة العبادة الفترة، وآفة الحديث الكذب،

وآفة الشجاعة البغي، وآفة الحاجة الكبر،

وآفة الحسب البطر، وآفة الحلم الذل،

وآفة الجود السرف، وآفة القصد البخل، وآفة الحذق العجب،

وآفة الجلد الفحش، وآفة المودة إخوان السوء،

وآفة العقل الهوى، وآفة العفاف الضيق، وآفة الرأفة الجزع، وآفة الحياء البالدة،

وآفة التواضع التصنع، وآفة اللطف الملق،

وآفة األنبساط عادة السوء، وآفة المداراة المداهنة،

وآفة السرور البطر، وآفة الحزن التهالك،

79 / 3البصائر والذخائر )(5981

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وآفة الغضب الغيظ، وآفة اإلحسان التزكية،

وآفة األنتباه القنوط، وآفة الكسب الكد،

وآفة الواعظ العنف، وآفة الموعوظ الملل، وآفة السائل اإللحاف، وآفة المسؤول الشح،

وآفة الفقر الضراعة، وآفة الغنى الطغيان،

وآفة الرأي األستبداد، وآفة األناة التفريط،

وآفة السرعة العثرة، وآفة المشورة غش المستشار،

(60 )وآفة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترك العمل بهما.

دعاء بمائة دينار- لما أفلت عمر بن هبيرة من سجن خالد مر بالرقة السوداء، ف��إذا ام��رأة من ب��ني س��ليم على س��طح له��ا تح��دث جاراته��ا ليال وهي تق��ول: ال وال�ذي أس�أله أن يخلص عم�ر بن هب��يرة مم�ا ه��و في��ه، فوقف عمر وقال ألصحابه: هل معكم شيء؟ ف��أتوه بمائ��ة درهم، فصيرها في صرة فرمى به��ا كله��ا وق��ال له��ا: ق��د خلص الل��ه ابن

هبيرة مما كان فيه، فطيبي نفسا.

أشعر الناس-قيل لدغفل: من أشعر الناس؟ فقال: امرؤ القيس إذا ركب،

والنابغة إذا رهب، واألعشى إذا طرب،

(61 )وزهير إذا رغب.

ما هو السرور-قيل لفيلسوف: فيم السرور؟ قال:

في إيضاح حق قد ألتبس بباطل، وإزالة باطل قد جار على الحق.

82 / 3البصائر والذخائر )(6085 / 3البصائر والذخائر )(61

82

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قيل لصوفي: فيم السرور؟ قال في توحيد يقام شاهده، ومقاميصدق وارده.

مطر أم جحا- كان جحا نائما إلى جنب أمه، فضرطت فتشورت فقالت: ي��ا ب��ني رأيت رؤيا فيها رعد وبرق ودوي، فقال: يا أمي، إن صدقت الرؤيا

مطرنا خرا. عطش جحا يوما فقال ألمه: اسقيني م��اء، فق��الت: من أين-

أسقيك؟ اشرب من حافرك؛ وعطشت هي أيضا يوما فقالت: يا بني اس��قني، ف��أراد أن يق��ول

لها كما قالت له فقال: اشربي من حرك، يريد: من حافرك.

شاعرة من العرب: -ألم ترنا عزنا ماؤنا ... سنين فظلنا نكد البئارا

فلما عدا الماء أطواره ... وجف الثماد فصارت حرارا

سارق الليل- سرق رجل جمال بالليل، فرفع إلى السلطان فقال له: لم

سرقت؟ قال: كنت سكران، قال: فلم لم تأخذ كلبا ؟ فقال: ماميزت بين الجمل والكلب.

تشبيه االنف الطويل- كان للشاعر المعروف بالدقيش أنف طويل وأسنان كبار، فق��الت

امرأته، أي شيء تشبه؟ قال: ال أدري والله،

قالت: يشبه أنفك هذا الطويل وفمك وأس��نانك كأن��ك والل��ه دي��كيطله في كوز في فمه قرطم،

فقال لها: لعنك الله، أنا شاعر وال أحسن هذا التشبيه.

الذئاب والكالب- دعا أبو سالم القاص يوما على المنبر بنصيبين فقال: اللهم

أمسخهم كالبا، وأمسخنا ذئابا حتى نقرض جلودهم.بخيل-

زار رجل رئيسا، فقال الرئيس: يا جارية، هاتي لض��يفنا المس��كين السكر والشيرج وأصلحي الفالوذج، قالت: ي��ا م��والي ليس عن��دنا

سكر وال عسل، قال لها: ويلك هاتي قطيفة إبريسم حتى ينام فيها،

قالت: يا موالي استعاروها، فقال الضيف: جعلت فداك، ما بين هذين رغيف وقطعة جبن.

83

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

من ال يتق الشتم يشتم- نظ��ر الف��رزدق إلى جاري��ة مليح��ة بالمدين��ة فق��ال له��ا: أي��ري في

أستك، فقالت له: يا بغيض، ما يض��رك أن تض��عه في ي��دي فأض��عه حيث

أشتهي، فقال: قد وضعته في يدك،

قالت: فإني قد وضعته في حر أمك.

قيل لطفيلي: كل من قدامك، قال: يا قوم، ترى هو ذا آكل منخلفي؟!

نحوي حتى الموت-

وق��ع نح��وي م��رة في ك��نيف، فج��اؤوه بكناس��ين، فكلم��ه أح��دهمالينظر أهو في الحياة،

فقال له النحوي: أطلبا لي حبال دقيقا، وشدا شدا وثيقا، وأجذبانيجذبا رفيقا؛

فقال أحدهما لصاحبه: أما أنا والله ال أخرجته، هذا في الخ��را إلىالحلق وليس يدع الفضول.

ذكاء إياس- أخذ الحكم بن أيوب الثقفي عامل الحجاج إياس بن معاوية في

ظنة الخوارج، فقال له الحكم بن أيوب: إنك لخارجي منافق،ائتني بكفيل،

فقال: ما أجد أعرف بي منك، فقال: وما علمي بك وأنا رجل من الشام وأنت من أهل العراق؟

قال إياس: ففيم هذا الثناء منذ اليوم؟! فضحك وخلى سبيله.

ظهر الفساد في البر والبحر-قال سديف في خطبته:

قد صار فيئنا دولة بعد القسمة، وإمامتنا غلبة بعد المشورة،

وعهدنا ميراثا بعد األختيار لألمة، واشتريت المعارف والمالهي بسهم اليتيم واألرملة،

وحكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة، وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة؛

اللهم قد استجيد الباطل، وبلغ نهيته، وزخ��رف ولي��ده، واس��تجمعطريده، وضرب بجرانه؛

84

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

اللهم فأتح له من الحق ي��دا حاص��دة تب��دد ش��مله، وتف��رق أم��ره،ليظهر الحق في أحسن صورة، وأتم نورة.

قال إبراهيم بن أدهم:- نظرت فلم أجد الخلق أتوا في أفعالهم إال من ثالثة أشياء:

الفرج بالموجود، والحزن على المفقود، والسرور بالمدح، ألن من فرج بالموجود حرص، والحريص محروم، ومن حزن على المفقود سخط، والساخط معذب،

ومن سر بالمدح أعجب، والمعجب ممقوت.

أين الراحة ؟-قيل لصوفي:

ما الذي تطلب؟ قال: أطلب الراحة في الدنيا،

قيل: فهل وجدتها؟ قال: قد وجدت أني ال أجدها.

االسكندر والفقير- تكلم رجل رث الهيئة بين يدي اإلسكندر بكالم حسن،

فقال: اإلسكندر: ليكن حسن ثوبك موافقا لحسن منطقك، فقال: أيها الملك، أما الكالم فأقدر عليه، وأما الكس��وة فال أق��در

عليها؛ فخلع عليه.

وق��ام بين ي��دي اإلس��كندر خطيب فخطب وأط��ال، فزب��ره- وق��ال: ليس حس��ن الخطب��ة بحس��ب طاق��ة الخ��اطب ولكن

على طاقة السامعهذا حكمي-

خطب رجالن إلى دمي��انوس بنت��ه، وك��ان أح��دهما فق��يرا واآلخ��ر غنيا، فاختار الفقير، فسأله اإلس��كندر عن ذل��ك فق��ال: ألن الغ��ني كان جاهال فك��ان يخ��اف علي��ه الفق��ر، والفق��ير ك��ان ع��اقال فك��ان

يرتجى له الغنى.قال األصمعي: -

وصفت أعرابية قومها فق��الت: ك��انوا والل��ه ل��رحى الح��رب ثف��اال، ولقدرها جفاال، ولألعداء نكاال ، وفي الندى أزواال، وعلى الخص��وم

ثقاال،

85

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

أنحى عليهم ال��دهر بش��فرتيه فأطف��أ ج��احمهم، واقتص ن��اجمهم، وطمس آث��ارهم، وأب��اد غض��راءهم، فأص��بحت المن��ازل دراس��ة،

(62 )واألعالم طامسة، وبذلك جرت عادة الدهر.

طرف وأخبار متفرقة- كتب ابن الكلبي صاح الخبر إلى المتوكل أن المعروف ب��ابن-

المغربي القائد اجتاز البارحة بالجسر سكران، فشخر ونخر، وبربر وزمج��ر وجرج��ر، وبأب��أ بفي��ه، وخ��رق الش��ريحة، وم��ر

منصلتا، وقال: أنا الكركدن فاعرفوني. فضحك المتوكل حتى استلقى، وق��ال: ق��د عرفن��ا م��ا كتب ب�ه

البغيض إال حرفا واحدا فعلي به. فلما جاء قال: ما معنى قولك: بأبأ بفيه؟

قال: يا موالي؛ لما توسط الجسر قال بفيه: بب بب. فقال له المتوكل: انصرف في غير حفظ الله.

-وركب المأمون ليال فإذا بثمامة بن أشرس سكران، فلما علم بالمأمون توارى عنه، فقصده المأمون حتى وقف عليه. فق��ال: ثمامة؟ قال: إي والل��ه. ق��ال: أس��كران؟ ق��ال: ال والل��ه. ق��ال: فمن أنا؟ قال: ال أدري والله. قال: عليك لعنة الله. قال: ت��ترى

(63 )إن شاء الله. فضحك وتركه.

- فراسة المهدي ولما فرغ المهدي من قصره بعيساباذ ركب في جماعة للنظر إليه، فدخله مفاجأة، وأخ��رج ك��ل من هن��اك من الن��اس، وبقي رجالن خفيا عن أبص��ار األع��وان؛ ف��رأى المه��دي أح��دهما وه��و

دهش ال يعقل. فقال: من أنت؟ قال: أنا أنا أنا أنا. فقال: من أنت؟ ويلك! قال: ال أدري ال أدري ال أدري ال أدري.

قال: ألك حاج��ة؟ ق��ال: ال ال ال ال. ق��ال: أخرج��وه، أخ��رج الل��هروحه.

141 / 3البصائر والذخائر )(6247جمع الجواهر في الملح والنوادر )(63

86

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فلما خرج قال المهدي لغالم��ه: اتبع��ه إلى منزل��ه، وس��ل عن��ه،فإني أراه حائكا، فخرج الغالم يقفوه.

ثم رأى اآلخر فاستنطقه فأجاب��ه بقلب ج��ريء، ولس��ان طل��ق؛وقال: رجل من أبناء دعوتك.

قال: فما جاء بك إلى هنا؟ قال: جئت ألنظر إلى ه��ذا البن��اء، وأتمت��ع ب��النظر إلي��ه، وأك��ثر الدعاء ألمير المؤمنين بطول البقاء، وتمام النعمة، ونماء الع��ز،

والسالمة. قال: أفلك حاجة؟

ق��ال: نعم! خطبت ابن��ة عمي ف��ردني أبوه��ا وق��ال لي: ال م��ال لك، والناس إنما يرغب�ون في األم�وال، وأن�ا له�ا وام�ق، وإليه�ا

تائق. قال: قد أمرت لك بخمسين ألفا.

قال: يا أمير المؤمنين؛ قد وصلت ف��أجزلت الص��لة، وأعظمت المنة؛ فجعل الله باقي عم��رك أك��ثر من ماض��يه، وآخ��ر أيام��ك

خيرا من أولها، وأمتعك بما أنعم به عليك، وأمتع رعيتك بك. فأمر بتعجيل صلته، ووجه بعض خدمه فقال: س��ل عن مهنت��ه،

فإني أراه كاتبا، فرجع الرسوالن بحصة ما تفرسه المهدي.

بدن بال رأس - وأخذ رجل من لحية مديني ش��يئا، ف��انتظر أن يق��ول ل��ه: قط��ع الل��ه عن��ك الق��ذى، فق��ال ل��ه: لم لم تق��ل لي قل��ع الل��ه عن��ك األس��واء؟ ق��ال الم��ديني: ب��أبي أنت وأمي! إني نظ��رت فلم أر ش��يئا أقبح من وجه��ك، فك��رهت أن أق��ول: قل��ع الل��ه عن��ك

األسواء؛ فأكون قد دعوت عليك فيتركك الله بدنا بال رأس.المهدي ينفرد من عسكره-

87

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

انفرد المهدي من عسكره فاجتاز برجل على ماء، فقال: أل��ك طعام؟ قال: نعم! وقدم إليه سفرة كانت معه، فأك��ل المه��دي ثم غسل يده. فقال له الرجل: أصلحك الله! معي شراب فهل ل��ك في��ه؟ ق��ال: نعم! فش��رب، فلم��ا انتش��ى ق��ال للرج��ل: أتعرف��ني؟ ق��ال: ال. ق��ال: أن��ا ص��ديق ل��وزير أم��ير المؤم��نين،

وسأسأله في أن يسبب لك أسبابا تنتفع بها؛ ثم شرب قدحا ثانيا، وقال: أتعرفني من أن��ا؟ فق��ال: لق��د قلت إن��ك ص��ديق ل��وزير أم��ير المؤم��نين. فق��ال: أن��ا وزي��ر أم��ير

المؤمنين. ثم شرب ثالثا. وقال: أتدري من أنا؟ فقال: قل لكي أرى.

قال: أنا أمير المؤمنين. فسد الرجل ركوته ونحاها ناحية،

فقال له المهدي: ما لك عجلت برفعها؟ قال: شربت ثالثة أقداح فادعيت الخالفة؛ فإن شربت الرابع��ة

ادعيت النبوة، فليس بيني وبينك عمل. فضحك المه��دي وأدركت��ه الخي��ل فجعل��وا ي��ترجلون ويس��لمون عليه بالخالفة، ثم ركب المهدي وأمرهم بالتحفظ على الرج��ل؛ فلما تيقن الرجل األمر سألهم أن يقرب�وه من أم��ير المؤم��نين، فقربوه منه. فقال: يا أمير المؤمنين، نصيحة، فأدناه، فقال: ما رأيت أص��دق من��ك في دع��واك، وان ادعيت الرابع��ة، فأن��ا أول مؤمن ب��ك. فض��حك المه��دي من��ه وأم��ر ل��ه بص��لة وض��مه إلى

(64 )ندمائه.

- من شعر إسماعيل بن جامع قال سفيان بن عيينة وق��د رأى إس��ماعيل بن ج��امع الس��همي

وعليه بزة وأثواب حسان؛ فقال: لقد أثرى هذا الفتى، فعالم يحيا ويعطى؟

48جمع الجواهر في الملح والنوادر )(6488

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قالوا: إنه يغني هؤالء الملوك، قال: بماذا يغنيهم؟ أتحفظون شيئا مما يقول؟

فأنشده بعضهم: أطوف نهاري مع الطائفين ... وأرفع من مئزري المسبل

قال: أحسن، ثم ماذا؟ فأنشدوه: وأسجد بالليل حتى الصباح ... وأتلو من المحكم المنزل

قال: أجاد والله. ثم ماذا؟ فأنشدوه: عسى فارج الكرب عن يوسف ... يسخر لي ربة المحمل

(65 )فقال: آه آه آه! أمسك عليك، اللهم ال تسخرها له.

ابن جامع أطيب الناس غناء- وكان ابن جامع أطيب الناس غناء، فاعتقد بغنائه عقدا نفيسة، وأمواال جزيلة. حكى عن نفسه قال: ضمني الدهر ضما ش��ديدا وأنا بمكة، ف��انتقلت بعي��الي إلى المدين��ة، فأص��بحت يوم��ا وم��ا أملك إال ثالثة دراهم، فهي في كمي، وأنا جالس مع بعض أه��ل المدينة على مناقش�ة وم�ذاكرة إذ ق��ال بعض��نا: إن�ه ليبلغن��ا أن الرشيد يتشوق إليك وأنت ض��ائع في بل��دنا. ق��ال: فم��ا لي من نهوض. قالوا: نحن ننهضك. فقمت مولي��ا ف��إذا بجاري��ة حم��يراء على رأسها ج��رة تري��د ال��ركي، وهي تس��عى بين ي��دي وت��ترنم

بصوت شج في غنائها وتقول: شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقال لن��ا م��ا أقص��ر اللي��ل

عندنا إذا أقبل الليل المضر بذي اله��وى ... جزعن��ا وهم يستبش��رون

إذا دنا وذاك ألن النوم يغشى عيونهم ... سريعا وال يغشى لنا الن��وم

أعينا48جمع الجواهر في الملح والنوادر )(65

89

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فلو أنهم كانوا يالق��ون مثلم��ا ... نالقي لك��انوا في المض��اجعمثلنا

فأخذ غناؤها بمجامع قلبي، ولم أدرك منه حرفا. فقلت: يا جارية؛ ما أدري أوجهك أحسن أم صوتك؟ فلو ش��ئت

أعدت علي الوصف. قالت: حبا وكرامة.

ثم أسندت ظهرها إلى الحائط ثم غنته، فوالله ما دار لي من��هحرف.

فقلت: يا جارية؛ فلو شئت أعدت علي الصوت مرة أخرى. قالت: حبا وكرام��ة، ثم أس��ندت ظهره��ا إلى الج��دار ووض��عت

الجرة ثم غنته؛ فوالله ما دار لي منه حرف.

فقلت: ي��ا جاري��ة؛ لق��د أحس��نت وتفض��لت، فل��و ش��ئت أع��دتالصوت مرة أخرى؛

فغضبت وكلحت وق��الت: م��ا أعجب أح��دكم ي��أتي إلى الجاري��ة عليه��ا غل��ة فيق��ول: أعي��دي علي، فض��ربت بي��دي إلى الثالث��ة دراهم ف��دفعتها إليه�ا فأخ��ذتها ش��بيهة المتكره��ة؛ وق��الت: أنت تريد أن تأخذ مني صوتا أحسبك تأخ��ذ علي��ه أل��ف دين��ار وأل��ف

دينار وألف دينار. فقلت: أرجو أن يؤول األمر إلى ما تحس��بين، ف��انبعثت تغ��ني، وأعملت فك��ري في غنائه��ا ح��تى داري لي الص��وت وفهمت��ه، فانصرفت مسرورا إلى منزلي أردده حتى خل�ف على لس�اني، ثم أقبلت أريد بغداد، فنزل بي المكاري على باب المح��ول أوال وال أدري أين أتوجه، وال من أقصد؟ ح��تى انتهى بي الس��ير إلى الجسر، فرأيت الناس يعبرون؛ فعبرت معهم، حتى انتهيت إلى ش��ارع المي��دان، إلى ب��اب الفض��ل بن الربي��ع. ف��رأيت هن��اك مسجدا مرتفعا. فقلت: هذا مسجد قوم سراة، وحضر المغرب فلم ألبث أن ج��اء الم��ؤذن، ف��أذن وأق��ام الص��الة فص��ليت، ثم

90

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

أقمت مكاني حتى عاد المؤذن للعشاء، فأقام الص��الة فص��ليت على تعب وجوع، ثم انصرف الناس وبقي في المس��جد رج��ل، فص��لى خلف��ه جماع��ة، وجماع��ة من الخ��دم جل��وس، وق��وم

ينتظرون فراغه، فصلى مليا ثم انصرف إلي بجمع جسده، وق��ال لي: أحس��بك غريب��ا. قلت: أج��ل، وليس لي به��ذا البل��د معرفة، وليست صناعتي من الصنائع التي ي��تيمم به��ا إلى أه��ل

الخير. قال: وما صناعتك؟ قلت: الغناء.

فوثب مبادرا ووكل بي بعض من معه، فقلت للموكل بي: منهذا؟ قال: سالم األبرش.

ثم انتهى إلى دار من دور الخالف��ة؛ فمش��ى بي في دهليزه��ا ساعة، حتى انتهى إلى مقصورة من مقاصيرها، فأدخلني فيها، ودعا لي بطعام؛ فأتين��ا بمائ��دة عليه��ا من ك��ل طع��ام، ف��أقبلت على األك��ل ح��تى ت��رادت نفس��ي إلي؛ ثم س��معت ركض��ا في الدهليز، وإذا إنسان يق��ول: أين الرج��ل؟ فقي��ل: ه��وذا. فق��ال: ادعوا له بغسول وطيب وخلعة حسنة، ففعل ذلك بي وخلقت. وأخ���ذ بي���دي الرج���ل وحمل���ني على دابت���ه، وأتى بي إلى دار الخالفة، فلم يزل يج��اور بي دارا بع��د دار، ح��تى انتهى إلى دار قوراء، فيه��ا أس��رة منص��وبة بعض��ها إلى بعض، فلم��ا انتهى بي إلى تلك األسرة، أمرني بالص��عود فص��عدت، وإذا رج��ل ج��الس وعن يمينه ثالث جوار في حجورهن العيدان، وفي حجر الرجل عود، فرحب بي ذلك الرجل، وإذا مجالس ق��د ك��ان فيه��ا ق��وم فقاموا عنها، ثم لم ألبث أن أخرج خادم من وراء الستر؛ فقال للرجل: تغن؛ فغنى الصوت فوالله ما أحسن الغن��اء وال أحس��ن

الصوت، وهو هذا: لم تمش ميال ولم ت��ركب على جم��ل ... ولم ت��ر الش��مس إال

دونها الكلل فقام الخادم إلى الجارية التي تلي الرجل،

91

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقال: تغني؛ فغنت بصوت لين ك�انت في��ه أحس�ن من الرج��لحاال،

ثم قال للثانية فغنت، وللثالثة فغنت بصوت لحنين؛

ثم عاد الخادم فقال لي: تغن رحمك الله! فغنيت بصوت الرجل على غير ما غناه، فإذا نح��و من خمس��ين

خادما يحضرون إلى األسرة، فقال لي: ويحك! لمن هذا الغناء؟

قلت: لي، فانصرفوا وخرج الخادم فق��ال: ك��ذبت، ه��ذا الغن��اءإلسماعيل بن جامع.

قال: فسكت، ثم دار الدور، فلما انتهى إلي خرج الخادم فقال:تغن رحمك الله!

فقلت في نفسي: أي شيء أنتظر، فان��دفعت أغ��ني بص��وت اليعرف إال لي:

عوجي علي فسلمي جبر ... كيف الوقوف وأنتم سفر ما نلتقي إال ثالث منى ... حتى يفرق بيننا الدهر

ق��ال: فزل��زلت عليهم ال��دار، وخ��رج الخ��ادم فق��ال: لمن ه��ذاالغناء؟ فقلت: لي.

فقال: كذبت، هذا غناء إسماعيل بن جامع، فما شعرت إال وأمير المؤمنين وجعف��ر بن يح��يى ق��د أقبال من وراء الستر الذي كان يخرج منه الخادم. فقال لي الربي��ع: ه��ذا

أمير المؤمنين قد أقبل عليك. فلما صعد السرير وثبت على قدم أمير المؤمنين أقبلها،

فقال: ابن جامع؟ قلت: ابن جامع، جعلني الله فداك.

92

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ق��ال: اجلس ي��ابن ج��امع، وجلس أم��ير المؤم��نين وجعف��ر فيالمواضع الخالية.

فقال لي: يابن جامع؛ أبشر وابسط أملك؛ فدعوت له. ثم قال لي: غن يابن جامع، فخطر ببالي صوت الجارية المدنية فغنيته، فنظر أمير المؤم��نين إلى جعف��ر، وق��ال: أس��معت ك��ذاقط؟ قال: ال والله يا أمير المؤمنين، ما خرق سمعي مثل هذا. فرفع الرشيد رأسه إلى خادم وقال له: كيس فيه أل��ف دين��ار، فمضى الخادم فلم يلبث أن جاء بكيس فيه ألف دينار، فصيرته

تحت فخذي. ثم ق��ال: ي��ا إس��ماعيل؛ غن م��ا حض��رك؛ ف��أقبلت أقص��د إلى

الصوت بعد الصوت، فلم أزل كذلك إلى أن عسعس الليل. فقال: يا إسماعيل، ق��د أتعبن��اك ه��ذه الليل��ة للس��رور بغنائ��ك؛ فأعد على أم��ير المؤم��نين الص��وت ال��ذي تغ��نيت أوال، فغنيت��ه؛

فرفع رأسه إلى الخادم، فقال له: كيس فيه ألف دينار، ف��ذكرت ق��ول الجاري��ة لي: إني

أحسبك تأخذ فيه ألف دينار وألف دينار وألف دينار. ثم قال: انص�رف، فبقيت ال أدري أين أقص�د في ذل�ك ال�وقت؛ فما هو إال أن نزلت عن األسرة حتى وثب إلي فراش��ان فأخ��ذ أحدهما بيدي، فمضيا بي وال أدري إلى أين يتوجهان، حتى وقفا على باب داري هذه، فإذا أمير المؤمنين قد أمر سالما األبرش فابت��اع دارا، وحش��اها ب��الجواري والخ��دم والوص��فاء والف��رش والطعام والشراب. ورفع إلي أحدهما إض��بارة مف��اتيح. فق��ال: ادخل، بارك الله لك. هذا مفتاح بيت مالك، وه��ذا مفت��اح حج��ر جواريك، وهذا مفتاح بيت فرش��ك وآنيت��ك؛ ف��دخلت ال��دار وأن��ا

(66)أيسر أهل بغداد وأحسنهم حاال، والحمد لرب العالمين.

- الفصاحة نعمة

49جمع الجواهر في الملح والنوادر )(6693

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وقال أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن اليتيم: كنت أماشي أبا جعفر بن النحاس حتى وقفنا على ب��ائع تم��ر، فق��ال ل��ه أب��و جعفر: كيف تبيعني؟ قال: ثالثة ونص بدرهم. قال له: قل ثالث��ة ونصف بدرهم. قال: ثالثة ونصف بدرهم. فق��ال ل��ه: ق��ل ثالث��ة ونصف بالكسر، فضجر وقال: ونصف، أفرغ لس��انك فنحن في بيع وشراء لسنا في نحو. قال: فاجعل�ه أربع�ة؟ ق�ال: أفع�ل ي�ا بغيض، فوزن له بدرهم؛ فقال ل��ه أب��و جعف��ر: أدر الص��نجة من الكفة إلى الكفة، فقال: أنا أعرف ابن النح��اس فإن��ه أحمقكم،

قال ابن اليتيم فقلت له: أبيت أن تنصرف إال مصفوعا.الوصف بحسب المهنة-

قال الجاحظ: سألت وراقا عن حاله؟ فقال: عيشي أضيق من محبرة، وجسمي أدق من مسطرة،

وجاهي أرق من الزجاج، ووجهي عند الن��اس أش��د س��وادا منالحبر بالزاج،

وحظي أخفى من شق القلم، وجسمي أضعف من قصبة،

وطعامي أمض من الحبر، وشرابي أمر من العفص؛ وسوء الحال ألزم بي من الصمغ. فقلت: لقد عبرت ببالء عن بالء.

بالغة الجاحظ- وللجاحظ في هذا النوع رس��الة كتب به��ا إلى المعتص��م، وقي��ل إلى المتوك���ل في الحض على تعليم أوالده ض���روب العل���وم

وأنواع األدب وهي: يا أمير المؤمنين: علم بنيك من أنواع األدب ما أمكن؛ فإنك إن أف��ردتهم بش��يء واحد ثم سئلوا عن غيره لم يعرفوه؛ وذل��ك أن حزام��ا ص��احب

خيلك حين سألته عن الوقعة ببالد الروم، قال:

94

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

لقيناهم في مق��دار اإلص��طبل، فم��ا ك��ان إال بمق��دار م��ا يحس الرجل دابته حتى قتلناهم؛ فتركناهم في مث��ل نث��ير الس��رجين،

فلو طرحت روثة لما سقطت إال على ذنب برذون.-وسألت إسحاق بن إبراهيم عن ذلك وكان زارعا فقال:

لقيناهم في مثل جريب من األرض؛ فما كان إال بقدر ما يسقي الرجل مشارة حتى قتلناهم عن آخرهم، فلو طرحت منجال لما سقط إال على رأس رجل؛ فص��اروا مث��ل أك��وام التبن إذا خ��رج

عن الحب.-وسألت عبد الله الطاهري وكان طباخا فقال:

لقيناهم في مقدار مطبخ أمير المؤمنين، فما كان إال بمقدار ما يشوي الرجل حمال أو جدبا، أو يف��رغ من طبخ ثالث��ة أل��وان، أو يعقد فالوذجة، حتى تركناهم في أضيق من أث��افي الق��در، فل��و

طرحت ملعقة لما وقعت إال على بطن قتيل.وسألت داود الفراش عن مثل ذلك قال:

لقيناهم في مثل تربيع الفسطاط، فما كان إال بقدر ما يف��رش الرجل بيتا أو بيتين، حتى تركن��اهم في أض��يق من ص��اريات ثم قتلناهم، فلو رأيت نجار التراب عليهم وقد سالت دم��اؤهم في

حمرة األرمني. يا أمير المؤمنين: إنما ينطق اللسان بما يتصور الجنان، ويظهر في الكالم م��ا يخط��ر على األوه��ام، فمن لم يع��رف إال ش��يئا واح��دا لم يتكلم إال علي��ه، ومن ك��ثر علم��ه ك��ثرت خ��واطره، واتسعت مذاهبه، ورب هزل أنفع من جد؛ إذا أصيب به موض��ع

الحاجة إليه، ووضع بحيث تقع همم النفوس عليه، والسالم.قال األصمعي: -

خرجت إلى بادية فإذا أنا بخباء فيه امرأة، فدنوت فسلمت، فإذا هي أحسن الناس وجها، وأعدلهم قامة، وأفصحهم لسانا، فحار

فيها بصري، واعترتني خجلة، فقالت: »ما وقوفك« ؟ فقلت: هل عندكم من مخيض اليوم نشربه ... أم هل سبيل إلى تقبيل

عينيك

95

5الفكاهة والمرح عند العرب ج فلست أبغي سوى عينيك منزلة ... أم هل تجودي لنا عضا

بخديك أو تأذنين بريق منك أرشفه ... أو لمس بطنك أو تغميز

ثدييك ردي الجواب على من زاده كلفا ... تكريره الطرف في أجدال

ساقيك فرفعت رأسها إلي وقالت: »يا شيخ أال تستحي؟ ارجع إلى أهلك

وارغب في مثلك« .

وقال بعضهم: رأيت أعرابية بالنباح فقلت لها:-»أتنشدين« ؟ قالت: »نعم في مثلك، ورب الكعبة« ، قلت:

»فأنشديني« ، فأنشأت تقول:ال بارك الله فيمن كان يخبرني ... أن المحب إذا ما شاء ينصرفوجد المحب إذا ما بان صاحبه ... وجد الصبي بثديي أمه الكلف

قال: قلت لها: »أنشديني من قولك« ، فقالت:بنفسي من هواه على التنائي ... وطول الدهر مؤتنق جديد

ومن هو في الصالة حديث نفسي ... وعدل الروح عندي بل يزيدفقلت لها: »إن هذا كالم من قد عشق« .

فقالت: »وهل يعرى من ذلك من له سمع وقلب« ؟ ثم أنشدتني: أال بأبي والله من ليس نافعي ... بشيء وال قلبي على الوجد

شاكره ومن كبدي تهفو إذا ذكر اسمه ... بشيء ومن قلبي على النأي

ذاكرهله خفقان يرفع الجيب بالشجى ... ويقطع أزرار الجربان ثائره

قال: وكتب عمر بن أبي ربيعة إلى امرأة بالمدينة:برز البدر في جوار تهادى ... مخطفات الخصور معتجرات

فتنفست ثم قلت لبكر ... عجلت في الحياة لي الحيباتهل سبيل إلى التي ال أبالي ... بعدها أن أموت قبل وفاتي

فأجابته:قد أتانا الرسول باألبيات ... في كتاب قد خط بالترهات

حائر الطرف إن نظرت وماطر ... فك عندي بصادق النظرات(67 )غر غيري فقد عرفت لغيري ... عهدك الخائن القليل الثبات

وهذه أوصاف بليغة في البالغات، على ألسنة قوم- من أهل الصناعات

187 – 1.المحاسن واألضداد )(6796

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

اجتمع ق��وم من أه��ل البالغ��ات، فوص��فوا بالغ��اتهم من طري��قصناعاتهم:

فقال الجوهري: أحسن الكالم نظام�ا م�ا ثقبت��ه ي�د الفك��رة،- ونظمته الفطنة، ونضد ج��وهر معاني��ه في س��موط ألفاظ��ه،

فاحتملته نحور الرواة. وقال العط��ار: أطيب الكالم م��ا عجن عن��بر ألفاظ��ه بمس��ك-

معانيه؛ ففاح نسيم نشقه، وسطت رائحة عبقه؛ فتعلقت ب��هالرواة، وتعطرت به السراة.

وقال الصائغ: خير الكالم ما أحميته بك��ور الفك��رة، وس��بكته- بمش��اعل النظ��ر، وخلص��ته من خبث اإلطن��اب، ف��برز ب��روز

اإلبريز في معنى وجيز. وقال الصيرفي: خير الكالم ما نفدت��ه ي��د البص��يرة، واجتلت��ه-

عين الروي�ة، ووزنت��ه بمعي��ار الفص��احة، فال نظ��ر يزيف��ه، والسماع يبهرجه.

وقال الح��داد: خ��ير الكالم م��ا نص��بت علي��ه منفخ��ة الروي��ة،- وأش��علت في��ه ن��ار البص��يرة، ثم أخرجت��ه من فحم اإلفح��ام،

ورققته بفطيس اإلفهام. وق��ال النج��ار: خ��ير الكالم م��ا أحكمت نج��ر معن��اه بق��دوم-

التقدير، ونشرته بمنش��ار الت��دبير، فص��ار باب��ا ل��بيت البي��ان،وعارضة لسقف اللسان.

وق��ال النج��اد: أحس��ن الكالم م��ا لطفت رف��ارف ألفاظ��ه،- وحسنت مطارح معانيه؛ فتنزهت في زرابي محاسنه عي��ون

الناظرين، وأصاخت لنمارق بهجته آذان السامعين. وق��ال الم��اتح: أبين الكالم م��ا علقت وذم ألفاظ��ه بك��رب-

معانيه، ثم أرسلته بقليب الفطن، فمنحت به س��قاء يكش��فالشبهات، واستنبطت به معنى يروي من ظمأ المشكالت.

وق��ال الخي��اط: البالغ��ة قميص فجربان��ه البي��ان، وجيب��ه- المعرف���ة، وكم���اه الوج���ازة، ودخاريص���ه اإلفه���ام، ودروزه

الحالوة، والبسه جسد اللفظ، وروحه المعنى. وقال الصباغ: أحسن الكالم ما لم تنصل بهج��ة إيج��ازه، ولم-

تكش��ف ص��بغة إعج��ازه، وق��د ص��قلته ي��د الروي��ة من كم��وداإلشكال، فراع كواعب اآلداب، وألف عذارى األلباب.

97

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وقال البزاز: أحسن الكالم م��ا ص��دق رقم ألفاظ��ه، وحس��ن- نشر معاني�ه، فلم يس�تعجم عن��ك نش�ر، ولم يس�تبهم علي�ك

طي. وقال الحائك: أحسن الكالم ما اتصلت لحمة ألفاظه بس��دى-

معانيه، فخرج مفوفا منيرا، وموشى محبرا.

وقال الرائض: خير الكالم ما لم يخ��رج عن ح��د التخلي��ع إلى- منزلة التقريب إال بعد الرياض�ة؛ وك��ان ك�المهر ال�ذي أطم�ع

أول رياضته، في تمام ثقافته. وقال الجمال: البليغ من أخذ بخطام كالمه فأناخه في مبرك-

المعنى، ثم جعل االختصار له عق�اال، واإليج�از ل�ه مج�اال، لميند عن األذهان، ولم يشذ عن اآلذان.

وق��ال المخنث: خ��ير الكالم م��ا تكس��رت أطراف��ه، وتثنت- أعطافه، وكان لفظه حلة، ومعناه حلية. - وقال الخمار: أبلغ الكالم م���ا طبخت���ه مراج���ل العلم، وص���فاه راووق الفهم، وضمته دنان الحكمة، فتمشت في المفاص��ل عذوبت��ه، وفي

األفكار رقته، وفي العقول حدته. وقال الفقاعي: خير الكالم ما روحت ألفاظه غباوة الش��ك،-

ورفعت رقته فظاظة الجهل، فطاب حس��اء فطنت��ه، وع��ذبمص جرعته.

وقال الطبيب: خير الكالم ما إذا باشر بيان��ه س��قم الش��بهة،- استطلقت طبيعة الغباوة؛ فش��في من س��وء التفهم، وأورث

صحة التوهم. وقال الكحال: كما أن الرم��د ق��ذى األبص��ار، فالش��بهة ق��ذى-

األبص��ار، فاكح��ل عين اللكن��ة بمي��ل البالغ��ة، واج��ل رمصالغفلة بمرود اليقظة.

ثم ق��ال: أجمع��وا كلهم على أن أبل��غ الكالم، م��ا إذا أش��رقت شمسه، انكشف لبسه، وإذا صدقت أنواؤه، اخض��رت أحم��اؤه.

(68 )وهذا المعنى كثير، وإنما آخذ من كل فن اليسير.سوء الظن-

كلم رجل غالما أمردا فقيل له: إن الناس يظنون بك الريبة، قال:ولم ال يظنون أني أعظه؟

61جمع الجواهر في الملح والنوادر )(6898

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وقف سائل بباب مديني فقال: أطعمونا من فضل عشائكم -فقال المديني: ما لعشائنا أصل فكيف يكون له فضل؟!

قال رجل ألبي عبيدة: أحب أن تخرج لي أيام عشيرتي،-وكان دعيا،

فقال أبو عبيدة: مثلك مثل رجل قال آلخر: اقرأ لي من " قل هو الله أحد " إحدى عشرة آية، قال: ال والله ولكنك تبغض العرب،

قال: وما عليك من ذلك؟ قال أبو أسيد: كان ابن عمر رضي الله عنه يحف شاربه-

حتى يرى بياض إبطه. تقدم رجالن إلى قاض فتكلم أحدهما ولم يترك اآلخر يتكلم-

فقال: أيها القاضي، يقضى على غائب، قال: وكيف؟ قال:ألني غائب إذا لم أترك أتكلم.

خرج رجل قبيح الوجه من اليمن فأنشد: -لم أر وجها حسنا ... منذ دخلت اليمنا

وفي حر أم بلدة ... أحسن من فيها أنامن نوادر سيفويه-

وحملناه على ذات أوالح قرأ قارئ بين يدي سيفويه: فقال: عز علي حمالنهم بيوتهم، إنها جنازة.13 القمر: ودسر

وقرأ قارئ في حلقته: " كأنهن الياقوت والمرجان "- فقال سيفويه: هؤالء بخالف نسائكم القحاب.58الرحمن:

ال يوجد في الجنة نار للطبخ- وقيل له: إن اشتهى أهل الجنة العصيدة كيف يعملون؟ قال:

يبعث لهم أنهار دبس ودقيق ويقال لهم: اعملوا فعسيس، وهوشيء يعمله أهل البصرة، وكلوا واعذروا فليس عندنا نار.

س�مع العن��بري القاض��ي ص�بيا يق�ول لص�بي آخ�ر: وإال ف��أير- القاضي في حر أم الكاذب، فقال العنبري: يا صبي لم قلت هذا؟ قال: ألن عليه أيرا مردودا في حر أمه مثل منارة ه��ذا

المسجد، فانصرف العنبري وهو يقول االستقضاء شؤم. قال الجماز، قال لي نصر مولى المأمون: كنت في دعوة-

بعض الظراف في يوم غيم، ومعنا شيخ متصدر ال ينطق، فتدارينا ذكر المطر وما جاء فيه من األثر، فقال الشيخ:

حدثوني عن سيدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من قطرة تنزل من السماء إال ومعها ملك يتحها

حتى يضحها في موضحها ثم يصحد ويدحها. وقف سائل بباب المافروخي عامل األهواز وسأل، فأعطوه-

لقمة خبز، فسكت ساعة ولم يبرح ثم قال: هذا الدواء الذي99

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

أعطيتموني كيف أتناوله، وبأي شيء أقدم عليه، وبأي شيءأتعقبه؟!

قال الجماز: سمعت كناسا يقول آلخ��ر: إن كنت كن��اس ابن-كناس فقل لي كم رجل لبنت وردان.

زاوية سوء- قال ابن قريعة القاضي: وقف شاطر على قبر فقال: رحمك الل��ه أب��ا ال ش��يء فق��د والل��ه كنت أحم��ر اإلزار، ح��اد الس��كين، ف��اره الص��ديق، إن نقبت فج��رذ، وإن تس��لقت فس��نورة، وإن اس��تلبت فحدأة، وإن ضربت ف��أرض، وان ش�ربت فغب، ولكن�ك الي��وم ق��د

وقعت في زاوية سوء. قال بعض أصحابنا البغداديين: سمعنا شيخا من العامة يقول-

آلخر: والك نهر جرى فيه الماء ال بد من أن يعود إليه، قال اآلخ��ر: وال��ك ح��تى يع��ود الم��اء إلي��ه م��اتت ض��فادعه. حكيت

لفظهم فهو الطريف، فال تعب اللحن فيه.تفاءلوا بالخير-

قال جحظة: س��معت يعق��وب بن فالن يق��ول: كنت أتف��اءل كث��يرا ففتحت المصحف يوما وقد وليت فخرج " تمتعوا في داركم ثالث��ة

فعزلت بعد ثالثة أيام.65أيام " هود: كان عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي شيخ أصحاب الحديث-

وكان بهيا فاضال، وكان ذا سالمة، ذكر عنده بعض األمراء الذين طرقوا الري فقيل: مات بها، فقال له: إلى الري

دجلتان ففي أي دجلة مات؟ قال أبو حنيفة لرجل انت مطويا خير منك منشورا.-اخاف من الصدق-

قال األصمعي: قلت ألعرابي كنت أعرفه بالكذب: أصدقت قط؟قال: لوال أني أصدق في هذا لقلت: ال.

هذه هي الحكمة- كان أبو حازم يمر في المقابر ويقول: يا أهل المقابر، أصبحتم

نادمين على ما خلفتم، وأصبحنا نقتتل على ما أصبحتم عليهنادمين، فما أعجبنا وإياكم.

أعرابي يصف الجوع- قال أبو عمرو بن العالء، سمعت أعرابيا يقول: مكثت ثالثا ال-

أذوق فيهن شيئا، فقلت: انعت لي، فقال: أما أول يومفكان شهوة، وكان الثاني جوعا، والثالث مرضا.

قال األصمعي: - ح��دثني ش��يخ عن رج��ل من األع��راب ق��ال: مكثت ثالث��ا ال أذوق طعاما وال شرابا حتى خوى رأسي فسمعت له دويا، فلما أص��ابني

100

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

الجهد دعوت الله تعالى، وإذا دعا الل��ه العب��د بقلب ص��ادق ك��انت مع��ه من الل��ه عين بص��يرة، ف��أتيت جف��را في��ه ذئب��ان فرميتهم��ا فأصبتهما، ثم أتيت جفرا آخر فيه ماء فاس��تقيت، ثم رجعت وهم��ا على مهي��ديتيهما وإذا لهم��ا نخف��ة يع��ني ش��به الزف��ير، ف��أكلت

وادهنت.

قال المدائني: كان ملك له وزير صالح في ق��ديم الزم��ان ال ي��أمر إال ب��الخير وال يحض إال على الجمي��ل، وك��ان المل��ك عاتي��ا جب��ارا يمقت النس��ك ويقلي النساك، وكان الوزير بخالف ذلك يقربهم ويص��لهم ويتلبس بهم، فحسده قرابة الملك، فأتوا المل��ك وق��الوا: إن ه��وى وزي�رك في إخراجك من ملكك، فقال الملك: وما آية ذلك؟ قالوا: ش��اوره وقل: إني عزمت على أن أخلع ملكي وألح��ق ب��العزاز والش��عاب، وأصحب النساك وأعبد الله رب الخلق، فإن�ك س�تجد عن�ده قب�وال لهذا الرأي وتحسينا له ورضى به، وإنما ينتهز لذلك الفرص��ة ال��تي

هو راقبها، وحينئذ تقف على صدق مقالنا؛ ففعل الملك ذلك ، فرأى غ�ير م�ا ك�انوا ق�الوا، وب�ان لل�وزير في وجه الملك، وعلم أنه دهي من حيث ال يعلم، فانصرف على حزن

قد خامره، وكآبة قد أخذت بكظمه. وقد كان مر في بعض مس�يره برج��ل ظ��اهر الزمان�ة فق�ال: أيه�ا الوزير ضمني إليك فإن لك عندي ما تحب، قال: وم��ا ذاك؟ ق��ال: أنا رجل أرتق الكالم، قال: وما رتق الكالم؟ قال: إذا وجدت فتق��ا

رتقته، قال: أنا أفعل ذلك، وإن لم يكن عن��دك نف��ع، ف��ذكر ال��وزير قول��ه فدعا به فقال: فافعل الذي وع��دت، ق��ال: قص علي قص��تك وم��ا

دهاك، ففعل، فق��ال: أيه��ا ال��وزير، ق��د حس��دك عن��ده بعض أقارب��ه، وس��بعك بحض��رته، ق��ال: فم��ا الطري��ق إلى تحق��ق ه��ذا من نفس المل��ك وصرفه على أحسن وجه؟ قال: الوجه في ذل��ك أن تلبس مس��حا وتأتي باب الملك في غلس، فإذا علم بمكانك وس��أل عن قص��تك فقل: إن المل��ك دع��اني إلى أم��ر الم��وت أه��ون علي من��ه، ولكن

كرهت خالفه، ففعل الوزير ذلك فتحلل ما كان عرض في نفس الملك.

التورية-

101

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

استأذن رجل على عبد الملك بن مروان فأذن له فوقف بين يدي�ه ووعظه، فقال عبد الملك بن مروان لرجل: قل للحاجب: إذا ج��اء

هذا ال تمنعه، قال: وإنما أراد أن يعرفه الحاجب فال يأذن له.

قال األصمعي:- كان رجل من أألم الناس على اللبن، وك�ان كث��ير الرس�ل، فق�ال بعض الظرفاء: الموت أو أشرب من لبنه؛ وكان مع��ه ص��احب ل��ه فجاء وتغاشى على باب صاحب اللبن فخرج فقال: ما باله؟ فقال صاحبه: أتاه أمر الله تعالى، وهو أش��رف ب��ني تميم، أم��ا إن آخ��ر كالمه: أس��قني اللبن، فق��ال الل��ئيم: ي��ا غالم جىء بعلب��ة من لبن، فأتاه بها وأسنده إلى ظهره فسقاه ف��أتى عليه�ا ثم تجش�أ، فق�ال الظريف صاحب الل��ئيم: أرى ه��ذه الجش��أة راح��ة الم��وت، فق��ال

(69 )اللئيم: أماتك الله وإياه.الله أرحم الراحمين-

قال األصمعي، قيل ألعرابي: إنك تموت، قال: فإلى أين يذهب بي؟ قالوا: إلى الله تعالى، قال: فما أكره أن أذهب إلى من لم

أر الخير قط إال منه.من أولى بالعفو منك -

قال األصمعي: سمعت أعرابيا وهو متعل��ق بأس��تار الكعب�ة يق��ول: إلهي، من أولى بالزلل والتقصير مني، وقد خلقتني ضعيفا؛ إلهي، من أولى بالعفو من��ك، وقض��اؤك علي ناف��ذ، وعلم��ك بي محي��ط؛ أطعتك بإذنك والمنة لك علي، وعصيتك بعلمك، فالحجة لك علي، فبثبات حجت��ك وانقط��اع حج��تي، وبفق��ري إلي��ك وغن��اك ع��ني، إال

غفرت لي ذنوبي.أشد البرد-

قيل ألعرابي: ما أشد البرد؟ قال: إذا دمعت العينان، وقطرالمنخران، ولجلج اللسان.

ايوان كسرى- قيل ألعرابي: ما تصنع بالبادية إذا اشتد القيظ وحمي ومتع الحر؟ قال: يمشي أحدنا ميال حتى يرفض عرقا ثم ينصب عصاه، ويلقي

عليها كساءه ويجلس في قبة يكتال الريح، فكأنه في إيوانكسرى.

قال عتبة بن أبي سفيان البن عباس:- ما منع علي ابن أبي طالب - رضي الل��ه عن��ه - أن يبعث��ك مك��ان أبي موسى؟ فقال عبد الله: منعه من ذل��ك ح��اجز الق��در، وقص��ر

240 / 4البصائر والذخائر )(69102

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

المدة، ومحنة االبتالء، أم��ا والل��ه ل��و بعث��ني مكان��ه العترض��ت في مدارج نفس عمرو، ناقضا لما أبرم، ومبرم�ا لم�ا نقض، أس��ف إذا طار، وأطير إذا أسف، ولكن مضى قدر وبقي أس��ف، وم��ع يومن��ا

غد، ولآلخرة خير ألمير المؤمنين رضي الله عنه.

تعريف الوطن-قيل ألعرابي: إنكم لتكثرون الرحل والتحول وتهجرون األوطان، فقال: إن الوطن ليس بأب والد وال أم مرضع، فأي بلد طاب فيه عيشك، وحسنت فيه حالك، وكثر فيه دينارك ودرهمك، فاحطط

به رحلك، فهو وطنك وأبوك وأمك ورحلك. قال األحنف: ما عرضت اإلنصاف على أحد فقبله إال هبته،-

وال أباه إال طمعت فيه. قال ابن المقفع: العقول رسل الله تعالى إلى أهلها،-

واأللسنة ترجمانها، واألقالم بردها.

قال األصمعي: حدثنا ابن عمير النم��ري ق��ال: دخلت أعرابي��ة على عبي��د الل��ه بن

أبي بكرة بالبصرة فوقفت بين السماطين فقالت: أصلح الله األمير وأمتع به،

حدرتنا إليك سنة اشتد بالؤها، وانكشف غطاؤها، فجئتك أقود صبية صغارا وأخرى كب��ارا، تخفض��نا خافض��ة وترفعن��ا

رافعة، وغشيتني ملمات برين عظمي، وأذهبن لحمي، وتركنني بالحضيض، قد ضاق بي البلد العريض،

وسألت في أحياء العرب، من المرتجى المعطي سائله؟ فدللت عليك أصلحك الله؛ وأنا امرأة من هوازن، قد مات الوال��د،

وغاب الرافد، وأنت بعد الله رجائي ومتهى أملي، افعل بي إحدى ثالث:

إما أن تردني إلى بلدي، أو تحسن صفدي،

أو تقيم أودي، فقال: بل اجمعهن لك وحيا؛ فلم يزل يجزي عليها كما يجري على

(70 )عياله حتى مات.

- قال األصمعي:

246 / 4البصائر والذخائر )(70103

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ح��دثني بعض العت��ابيين ق��ال: كتب كلث��وم بن عم��رو العت��ابي إلى رجل في حاجة: بسم الل��ه ال��رحمن ال��رحيم، أط��ال الل��ه بق��اءك، وجعله يمتد بك إلى رضوانه والجنة، أما بعد فإنك كنا عندنا روضة من رياض الكرم، تبتهج النفوس بها، وتستريح القلوب إليه�ا، وكن��ا نيعفها من النجعة إجالال لزهرتها، وش��فقة على خض��رتها، وادخ��ارا لثمرتها، ح��تى م��رت بن��ا في س��فرتنا ه��ذه س��نة ك��انت من س��ني يوسف، اشتد علينا كلبها، وأخلفت غيومها، وكذبتنا بروقها، وفقدنا صالح اإلخوان فيها، وانتجعتك وأنا بانتجاعي إي��اك ش��ديد الش��فقة عليك، مع علمي بأنك نعم وضع ال��زاد، وأن��ك تغطي أعين الس��اد، والله يعلم أني ال أعتد بك إال في حومة األه��ل، واعلم أن الك��ريم إذا اس��تحيا من إعط��اء القلي��ل، ولم يحض��ره الكث��ير، لم يع��رف

جوده، ولم تعل همته، وأنا أقول في ذلك: ظل اليسار على العباس ممدود ... وقلبه أبدا بالنيل معقودإن الكريم يخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنيا وهو مجهود

وللبخيل على أمواله علل ... زرق العيون عليها أوجه سود إذا تكرمت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر

الجودبث النوال وال تمنعك قلته ... فكل ما سد فقرا فهو محمود

فشاطره ماله حتى بعث إليه قيمة نصف خاتمه، وأعطاه فردنعله.

قال أهل اللغة: معنى شاطره ناصفه، أي بعث إليه بش��طر مال��ه، فــوليقال: لك شطر هذا المال أي نصفه؛ فأما قول الله تالى )

أي نحوه؛ يق��ال:149 ( البقرة وجهك شطر المسجد الحرام الش��اطر البعي��د، فأم��ا الش��طارة في كالم العام��ة فم��ردودة عن��د العلماء، وقيل: إن ذلك إنما قيل ألن الشطارة كالبعي��د مم��ا علي��ه

(71 )الجمهور؛ وأما قول العامة: شطور الثوب فغير مرضي.

قال األصمعي :- قيل ألعرابي من بني كالب: كيف تأكل الرأس؟ قال: أفك لحييه، وألخص عينيه - ه��ذا قول�ه ب�الالم وق��ال غ��يره بالب��اء، ول�ه وج��ه - وأعرك أذنيه، وأس��حي خدي��ه، وأرمي بال��دماغ إلى من ه��و أح��وج مني إليه؛ فقيل له: إنك ألحمق من ربع، ق��ال: وم��ا حم��ق الرب��ع؟ فوالله إنه ليجتنب العدوى، ويتب��ع الم��رعى، وي��راوح بين األطب��اء،

فما حمق ربع يا هؤالء؟

68 / 5البصائر والذخائر )(71104

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

- وكان ابن هالل الخوزي وفد على قابوس صاحب جرجان، فقال في كالم دار بينهم��ا: فه��زم أع��داء الل��ه، وكس��ر، ف��زوى ق��ابوس

وجهه، وكان أمر له بأربعة آالف درهم وآلخر بألفي درهم، فقال لحاجبه: اجعل ما لهذا لصاحب األلفين واجعل األلفين له��ذا،

ووالله ما يستحق هذا المقدار أيضا، وأظن أن موفده أراد أمرا.

- فصل من مستطرف األخبار- دار بين مسجدين

قال رجل لغالمه: التمس لي دارا ال تكون بجوار مس��جد ف��إني أحب األف��راح، ف��اكترى ل��ه دارا بين مس��جدين. فق��ال ل��ه: م��ا ه��ذا؟! ق��ال: ي��ا م��والي، ال ت��دري المع��نى؛ أه��ل ه��ذا المس��جد

105

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

يظنونك في هذا، وأهل ذا يظنونك في ذا، وأنت قد ظفرت بماتحب.

-وقال أبو الجهم أحمد بن بدر للمتوكل وذكر نجاح بن سلمة أوغيره:

إمام الهدى وابن ال��دعاة إلى اله��دى ... ومنهج خ��ير الع��المينمحمد

أعني على وال يجوز تعبدا ... علي عسوف الظلم غيرمؤيد

وما لي ذنب عن��ده غ��ير أن��ني ... عليم بم��ا يخت��ار للي��وموالغد

وال خير للطرار في قرب ن��ائب ... وال للم��ريب الفع��ل في (72)قرب مسجد

- دجاجة عجيبة صحب الغاضري رجال من ق��ريش من مك��ة إلى المدين��ة فق��ال القرشي: يا غالم؛ أطعمنا دجاجة، فأتى بها باردة، فقال: ويحك أسخنها. ورفع غداؤهم ولم يؤت بالدجاج��ة، فلم��ا ك��ان العش��اء ق��ال: ي��ا غالم، عش��اءنا. فلم��ا أت��اهم العش��اء ق��ال: ه��ات تل��ك الدجاج��ة، ف��أتى به��ا ب��اردة، فق��ال: أس��خنها. فق��ال الغاض��ري: أخبروني عن دجاجتكم هذه أمن آل فرع��ون هي؟ ف��إني أراه��ا تعرض على النار غدوة وعشيا. فقال: ويحك يا غاضري اكتمه��ا علي، ول��ك م��ني مائ��ة دين��ار. فق��ال: والل��ه مم��ا كنت ألبيعه��ا

(73 )بشيء.- ظريف مملق

قال الصولي:

62جمع الجواهر في الملح والنوادر )(7262جمع الجواهر في الملح والنوادر )(73

106

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

كان بالبصرة رجل مهلبي ظريف مملق، وكان له إخوان فقالوا له: أال تدعوننا؟ فقال لهم: أال تدعونني؟ ف��ألحوا علي��ه ف��ارتهن قطيفة له على دراهم، فاشترى لهم ما يص��لحهم، ودع��ا مغني��ة

فكان اقتراحهم عليها: ليت الذين تحملوا أحنوا ... أما أنا فأضر بي الحزن

فقال المهلبي: أما هذا الذي تقولونه فما أدري ما هو؟ أما أن��ا (74 )فقطيفتي رهن؛ فضحكوا وغرموا له ما أنفق.

العالمة- ودعا رجل قوما، فما كان مع المغرب أراد انص��رافهم، وأرادوا المقام عنده، فاقتض��وه في الس��راج. فق��ال لهم: أم��ا س��معتم

. وإذا أظلم عليهم قاموا قول الله تعالى: - عالمة التقوى !!!

ورئي بعض الم���رائين على ب���اب بعض المل���وك، وبين عيني���ه سجادة عظيمة، فقيل له: مثل ه��ذا ال��درهم بين عيني��ك، وأنتمحتاج إلى أبواب الملوك! فقال: إنه ضرب على غير السكة.

العبادة على حرف- وعم��ل بعض الم��رائين بين عيني��ه س��جادة دلكه��ا بن��واة وث��وم، وعصب الثوم بين عينيه ونام؛ فتحركت العص��ابة؛ فص��ارت في ناحية صدغه س��جادة كب��يرة. فق��ال ل��ه ابن��ه: م��ا ه��ذا ي��ا أبت؟

(75 )فقال: أصبح أبوك ممن يعبد الله على حرف.كل ذلك ال خير فيه-

قال الهاللي : رأيت وافر بن عصام يساير المهدي، فحدثه بحديث فضحك، فقلت له: »م��ا لهن عن��دي إال ح��ديث ابن ح��رم« ، ق��ال: »وما حديثه« ؟ قلت: »عمر حتى بلغ الثمانين، فتزوج ابنة عم له، فلما أه�ديت إلي�ه، قع�د بين ش�قيها، فأكس�ل، وأراق على بطنه�ا، فأقبل عليها كالمعتذر، فقال: »هذا خير من الزناء« ، قالت: »كل

ذلك ال خير فيه« .64جمع الجواهر في الملح والنوادر )(7465جمع الجواهر في الملح والنوادر )(75

107

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وكل داء له دواء - قال: وشكت امرأة زوجها، وأخبرت عن عجزه إنه إذا سقط عليها

انطبق، والنساء يكرهن وقوع الرجل على صدورهن، فقالت:»زوجي عياياء، طباقاء، وكل داء له دواء« .

وقيل في ذلك:جزاك الله شرا من رفيق ... إذ بلغت من ركب النساءرماك الله من عرق بأفعى ... وال عافاك من جهد البالء

أجبنا في الكريهة حين تلقى ... ونفطا حين تغبر في الخالء؟!القيان-

قال األصمعي بعث إلي هارون الرشيد، وهو بالرقة فحملت إلي��ه، ف��أنزلني الفض��ل بن الربي��ع، ثم أدخل��ني علي��ه وقت الغ��روب، فاستدناني، وق��ال: ي��ا عب��د المل��ك، وجهت إلي��ك بس��بب ج��اريتين أهديتا إلي، وقد أخذنا طرفا من األدب أحببت إن تبرز ما عندهما، وتسير على الصواب فيهما، ثم أمر بإحضار هما فحضرت جاريتان م��ا رأيت مثلهم��ا ق��ط، قلت إلح��داهما، »م��ا عن��دك من العلم« ؟ قالت: »ما أمر الله في كتابه، ثم ما ينظر فيه الناس من األشعار

واألخبار « . فسألتها عن حروف القرآن، فأجابتني كأنها تقرأ في كتاب الله.

ثم سألتها عن األشعار واألخبار والنحو والعروض، فما قصرت عن ج��وابي في ك��ل من أخ��ذت في��ه. فقلت له��ا: فأنش��دينا ش��يئا

فأنشدت:يا غياث البالد في كل محل ... ما يريد العباد إال رضاكا

ال ومن شرف اإلمام، وأغلى ... ما أطاع اإلله عبد عصاكا فقلت: يا أمير المؤمنين! م�ا رأيت ام�رأة في نس�ك رج�ل مثله��ا، وخ��برت األخ��رى، فوج��دتها دونه��ا، ف��أمر أن تص��نع تل��ك الجاري��ة لتحمل إليه في تلك الليلة، ثم قال لي: »يا عبد الملك، أنا ض��جر، وأحب أن تسمعني حديثا مما سمعت من أع��اجيب الزم��ان نف��رح

به« . فقلت: ي�ا أم�ير المؤم�نين! ك��ان لي ص�احب في ب�دو ب�ني فالن، وكنت أغشاه، وأتحدث معه، وقد أتت عليه س��ت وتس��عون س��نة، وهو اصح الناس ذهنا، وأقواهم بدنا، فغبت عنه، ثم أتيته، فوجدت��ه ناح��ل الب��دن، كاس��ف الب��ال، فس��ألته عن س��بب تغ��يره، فق��ال: قصدت بعض القرابة، ف��ألفيت عن��دهم جاري��ة ق��د طلت ب��الورس

بدنها، وفي عنقها طبل تنشد عليه:محاسنها سهام للمنايا ... مريشة بأنواع الطيوب

ترى ريب المنون بهن سهما ... تصيب بنصله مخ القلوب108

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقلت: قفي شفتي من موضع الطبل ترتعي ... كما قد أبحت الطبل في

جيدك الحسن فهبني عودا جوفه تحت متنه ... يمتعني ما بين نحرك

والذقن!! فلم��ا س��معت ش��عري رمت بالطب��ل في وجهي، ودخلت الخيم��ة، فوقفت حتى حميت الشمس على مفرقي ولم تخرج، فانص��رفت

قريح القلب، فهذا التغير من عشقي لها« . فضحك الرشيد حتى استلقى، وقال: »ويلك، ي��ا عب��د المل��ك! ابن ست وتسعين وتعشق« ؟! فقلت: »ق��د ك��ان ه��ذا« ! فق��ال: »ي��ا عب��اس، أع��ط عب��د المل��ك مائ��ة أل��ف درهم، ورده إلى مدين��ة السالم« . فانصرفت، ثم أتاني خ��ادم، فق��ال: »أن��ا رس��ول ابنت��ك يعني الجارية، تقول لك: إن أمير المؤمنين قد أمر لها بمال، وهذا نصيبك« ، فدفع إلي ألف دينار، ولم تزل تواص��لني ب��البر الواص��ل حتى كانت فتنة محمد، وانقطع خبرها، وأم��ر الفض��ل لي بعش��رة

آالف درهم.- ما أنحل جسمك؟

قال األصمعي، قلت ألعرابي: ما أنحل جسمك؟ قال: سوء اإلذاء،وجدوب المرعى، واعتالج الهموم، ثم أنشأ يقول: الكاملالهم ما لم تمضه لسبيله ... داء تضمنه الضلوع مقيم

ولربما استأيست ثم أقول ال ... إن الذي ضمن النجاح كريم

الكثير أصله من القليل- قال سعد مولى عتبة بن أبي سفيان: قال لي عتبة: يا سعد تعهد صغير ضيعتي يكبر، وال تمهل كبيره��ا فيص��غر، فإن��ه ليس يمنع��ني

كثير من ما في يدي عن إصالح قليل مالي.

مسافر بغير زاد- قال األصمعي: قيل لبعض حكماء فارس عند الموت: كيف حالك؟ فقال: كيف حال من يريد س��فرا بعي��دا من غ��ير زاد، ويق��دم على

ملك عادل بغير حجة، ويسكن قبرا بغير أنيس؟

الشكوى على قدر البلوى- قال أعرابي: الشكوى على قدر البلوى ط��الت أم قص��رت، إال أن

يكون بالشاكي انقباض، وبالمشكو إليه إعراض.

109

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال أعرابي لصاحبه: - وما تولعك بقوم قد هدأت ريحهم عنك، وانحسمت م��ادتهم من��ك،

(76 )حتى تستثير رابضهم ، وتستقدح خامدهم؟

ما هكذا يقصد األرباب !!!- سمعت صبيا وهو في جنب أبيه في يوم: قال إبراهيم بن الفرات

عيد وقد نظر إلى الناس فقال: ي��ا أب��ه م��ا ه��ذا؟ ق��ال: ه��ذا والي البصرة يريد المصلى، قال: وما يصنع يا أبه؟ ق��ال: يص��لي، ق��ال: ولمن يصلي؟ قال: لربه تبارك وتعالى ق��ال ي��ا آب��ة وهك��ذا يقص��د

األرباب؟

- الفرار من تراب القبر قال أبو علي الرازي: مررت على صبية في طريق الشام وهم

يلعبون بالتراب وقد ارتفع الغبار فقلت: مهال غبرتم، وبادرت ألجوزهم، فقال صبي منهم: يا شيخ إلى أين تفر إذا هيل عليك

التراب في القبر، فغشي علي فقلت: أعندك حيلة في الفرار من تراب القبر؟ قال: ال أعلم، ولكن سل غيري، قال: فقلت: من

هو؟ قال: عقلك.

: قد تعوق العوائق مما عليه النية، وتمنع المقاديرقال أعرابيمما عليه الطوية.

خطب عبد الله بن الحسن بالبصرة على منبرها فأنشد فيخطبته بيتا:

أين الملوك التي عن حظها غفلت ... حتى سقاها بكأس الموتساقيها

سأل أبو العيناء أحمد بن صالح حاجة فوعده، ثم اقتضاه فقال:دونها المطر والطين، فقال أبو العيناء: فحاجتي إذا صيفية.

قال رجل ألبي العيناء: ما أنتن إبطك! قال: نلقاك - أعزك الله -بما يشبهك.

قال ابن الزيات للوليد بن يح��يى: من أنت ومن أب��وك؟ ق��ال: أبيالذي تعرفه، ومات وهو ال يعرفك.

103/ 5جمع الجواهر في الملح والنوادر )(76110

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال فيلسوف: ال تصغر أمر من حاربت أو عاديت، فإنك إذاظفرت لم تحمد، وإذا عجزت لم تعذر.

عاد رجل مزبدا وقال له: احتم، فقال: يا هذا ما اقدر على شيءإال على األماني فأحتمي عنها؟!

قال رجل من آل سعيد بن سلم ألبي العيناء: إن أبي يبغضك،قال: يا بني إن لي أسوة بآل رسول الله صلى الله عليه.

حبس محمد بن سليمان رجال من المرجفين ثم أخرجه وأمر- بضربه فضحك الجالد فق��ال ل��ه محم��د: م��ا يض��حكك؟ ق��ال: أصلح الله األمير، زعم أنك لم تأمر بضربه ح��تى أت��اك كت��اب

العزل، فقال: خل عنه فلو ترك اإلرجاف يوما لتركه اليوم.

أحضر زياد رجال فأمر بضرب عنقه فقال: أيه��ا األم��ير إن لي- بك حرمة، ق��ال: وم��ا هي؟ ق��ال: ك��ان أبي ج��ارك بالبص��رة، قال: ومن أبوك؟ قال: نسيت والله نفسي فكيف أذكر اس��م

أبي؟ قال: فرد زياد كمه إلى فيه وخلى سبيله.

ق��ال األص��معي: ض��رب أب��و الجحش األع��رابي غلمان��ا للمه��ديفاستعدوا عليه إليه فقال: اجترأت على غلماني فضربتهم،

قال: كلنا يا أمير المؤم��نين غلمان��ك ض��رب بعض��نا بعض��ا، فخلىسبيله.

الحائط يحفظ السر- قيل لمسور بن مخرمة الزهري: أي الندماء أحب إليك؟ قال: لم أجد نديما كالحائط، إن بصقت في وجهه لم يغضب، وإن أسررت

إليه شيئا لم يفشه عني.مواساة -

قال ابن مناذر - هكذا قال الثقة -: كنت أمشي مع الخليل بن أحمد فانقطع شسع نعلي، فخلع نعله فقلت: ما تصنع؟ فقال:

أواسيك في الحفاء.

قال بعض السلف: إياك وكثرة اإلخوان فإنه ال يؤذيك إال منتعرف،

111

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

الضيف ثقيل- أضاف مزبد رجال فأطال المكث، فقال ليلة المرأت��ه: كي��ف نعم��ل

برحيل هذا عنا؟ قالت: أخاصمك ونحتكم إليه، ففعال،

فقالت المرأة: بالذي يبارك لك في ركوبك غ�دا لم�ا حكمت بينن�ابالحق،

قال: والذي يبارك لي مقامي عندكم هذه الس��نة م��ا أع��رف منالحكم شيئا.

دعاء جميل-دعا أعرابي فقال:

اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو أضل في هداك، أو أذل في عزك،

أو أضام في سلطانك، أو أضطهد واألمر لك.

وقال أعرابي آخر في دعائه:- يا معدن الوائد والنعم، ويا محل المحامد والكرم،

أملي متعلق بفضلك، ولساني طلق بشكرك، فال على رجائي أخاف التخييب، وال على أملي أخشى التكذيب،

صنتني عن المطالب بجودك، وألبستني الكفاية برفدك.وقال آخر في دعائه:-

اللهم إني أدعوك دعاء ملح ال يمل دعاء مواله، وأتضرع إليك تضرع من ق��د أق��ر بالحج��ة على نفس��ه لم��واله في

دعواه؛ إليه، لو عرفت اعتذارا من الذنب أبلغ من االعتراف ألتيته،

فهب لي ذنبي باالعتراف، وال تردني عن طلبتي عند االنصراف.

وقال آخر- اللهم إن ذنوبي تخوفني منك، وج�ودك يبش�رني عن��ك، ف��أخرجني بالخوف من الخطايا، وأوصلني بج��ودك إلى العطاي��ا، ح��تى أك��ون

غدا في القيامة عتيق كرمك، كما أنا في الدنيا ربيب نعمك.

قال األصمعي: - من ملح أحاديث األعراب أنهم قالوا: كانت امرأة تحاجي الرجال، فال يك��اد أح��د يغلبه��ا، فأتاه��ا ج��ني في ص��ورة إنس��ان فق��ال له��ا:

حاجيتك، فقالت له: قل، فقال: كاد،

112

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقالت: كاد العروس أن يكون ملكا، فقال: كاد،

فقالت: كاد البيان أن يكون سحرا، فقال: كاد،

فقالت: كاد المنتعل أن يكون راكبا، فقال: كاد،

فقالت: كاد المسافر أن يكون أسيرا، ثم ولى ليذهب فقالت: حاجيتك،

فرجع فقالت: عجبت، فقال: عجبت من الحجارة ال يعظم صغيرها، وال يصغر كبيرها،

فقالت: عجبت، فقال: عجبت من السبخة ال يجف ثراها، وال ينبت مرعاها،

فق��الت: عجبت، فق��ال: عجبت من حف��يرة بين رجلي��ك ال ي��دركقعرها، وال يمل حفرها،

فاستحيت وتركت المحاجاة.

هذا جنون- يقال: كانت ملوك الروم ال ترسم أحدا للطب حتى تلسعه حية

وتقول له: اشف نفسك فإن نجوت عرفنا حذقك ، وإال كانتالتجربة واقعة بك.

ليتنا - تمنى ق��وم عن��د يزي��د الرقاش��ي أم��اني، فق��ال يزي��د: أتم��نى كم��ا

تمنيتم؟: قالوا: تمن قال:

ليتنا لم نخلق، وليتنا إذ خلقنا لم نمت، وليتنا إذا متنا لم نحاسب، وليتنا إن حوسبنا ال نعذب، وليتنا إن عذبنا لم نخلد.

جئتك مستجديا ال مستفتيا- اعتراض رجل المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، أنا رجل من

العرب، قال: ما ذاك بعجب، قال: وإني أريد الحج، قال: الطريق أمامك نهج، قال: ليست لي نفقة، قال: قد سقط عنك الفرض،

قال: إني جئتك مستجديا ال مستفتيا، فضحك وأمر له بصلة.

الطيور على أشكالها تقع-

113

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

كان بالبصرة رجل يلقب بقبة اإلسالم من موالي سليمان بن علي، وكان له ابن خليع، وكان أبوه ينهاه عن المجون فال ينتهي،

فجاءه يوما وقال له: يا أبه، إني أريد الحج، فسر بذلك أبوه، قال:وال أحج إال مع خواص إخواني، قال: سمهم لي قال:

منهم أبو سرقينة، وعثمان خراها، أبو السالح، وعمر خرية، فقال له أبوه: ويلك تريد أن تسمد الكعبة بهؤالء؟! والله ال أذنت لك بالخروج إلى مكة صحبة هؤالء، ولكن إن شئت أن تخرجهم

إلى ضيعتي فإنها أحوج إلى السماد، فافعل.صالتك أرجوزة -

نظر الجماز الشاعر إلى رجل يخفف الصالة فقال: لو رآكالعجاج لهزج بك، قال: كيف؟ قال: ألن صالتك أرجوزة.

أبقاك الله للجميل حتىقال أعرابي لرجل أناله خيرا :تعمر طريقه، وللفضل حتى يغمر به صديقه.

- الصمت، وفي دمغة األقالم امتحان عقول األنام والفرق بينالنقض واإلبرام،

وسمة أسنان األقالم في صحون المكاتب أحسن من حمرةالخجل في خدود الكواعب،

وفي مشق القلم مجة األفعى وبلوغ غاية المنى، وسن القلم عند الغضب نار وعند الرضا جار،

والخط نتاج اليد وسراج الذكر والبيان، واللسان شافع ووجيه وافد نبيه،

ورب إشارة أبلغ من عبارة، ونعم المرتبتان: الرواء األنيق واللسان الذليق،

وطعن اللسان انكى من طعن السنان، وللخط وسيلة هي أهدى من الحيلة.

- الفطن المتغافل قال عبد الصمد بن أبي شبيب عن أبيه: األديب العاقل هو الفطن

المتغافل.- قال األحنف:

رأس مال األدب المنطق وفصاحته، وال خير في قول إال بفعل،

وال في مال إال بجود، وال في صديق إال بوفاء،

وال في ثقة إال بورع، وال في صدقة إال بنية،

وال في حياة إلى بصحة وأمن.114

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

- االحتيال على العدو قال األصمعي: قال أعرابي: استطرد لعدوك، وبلج له بحسن

المداراة وإعالن الرضا عنه، حتى تبصر فرصتك، ثم واثبه وهوعلى حال غرة، غير معتد لك.

- الصبر المحمود قال األصمعي: سمعت أعرابيا يقول:

الصبر المحمود أن تكون للنفس اللجوج غلوب��ا ولألم��ور المعض��لةمتحمال،

وللهوى عند الرأي رافضا، وللحزم عند الهوى مؤثرا،

وللهوى عند نازلة األمور مبارحا.

إخوان الصدق- قال شبيب بن شيبة: إخوان الصدق خير مكاسب الدنيا، هم زينة

في الرخاء، وعدة في البالء. قال األصمعي: سمعت أعرابيا يقول: الزهادة في الدنيا-

مفتاح الرغبة في اآلخرة. وقال أيضا: سمعت يحيى بن خالد البرمكي يقول: الدنيا-

دول، والدار عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة، ولمن بعدنا فيناعبرة.

قد ياتي الشر من ناحية الرجاء- قال االصمعي : وسمعت أعرابيا يقول: الشر مخوف من كل

وجه، والنفع مرجو من كل ناحية، وما أكثر ما يأتي الخير من وجهالخوف، ويأتي الشر من ناحية الرجاء.

قال: وسمعت أعرابيا يقول: المعتذر من غير ذنب يوجب-الذنب على نفسه.

وقال آخر: إرشاد المستشير قضاء بحق النعمة في الرأي.-(77 )قال الشعبي: الكالم مصائد العقول.-

قال أعرابي لرجل: -ال تكن مضحاكا من غير عجب،

وال مشاء إلى غير أرب، وأعلم انه من نأى عن الحق ضاق مذهبه.

، قال أعرابي: إذا كنت فطنا فعد نفسكقال األصمعي-زمنا.

قال خالد بن صفوان:-153/ 5جمع الجواهر في الملح والنوادر )(77

115

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

إن جعلك الوالي أخا فاجعله سيدا، وال يحدثن لك االستئناس بهغفلة وتهاونا.

من صحب السلطان بالص��حة والنص��يحة ك��انوقال أيضا:- أك��ثر ع��دوا ممن ص��حبه ب��الغش والخيان��ة، ألن��ه يجتم��ع على الناص��ح ع��دو ال��والي وص��ديقه بالع��داوة والحس��د، فص��ديق

الوالي ينافسه في منزلته، وعدوه يعاديه لنصحيته.قال األصمعي:-

سمعت أعرابيا يقول: البالغة لهجة صوالة، وهي سرعة الحزوإصابة المفصل.

االنتقام من الظالم عدل- قال رجل ألبي جعفر لما عفا عن أهل الشام: يا أم��ير المؤم��نين، االنتقام عدل، والتجاوز فضل، والمتفضل قد ج��اوز ح��د المنص��ف، فنحن نعيذ أم��ير المؤم��نين أن يرض��ى لنفس��ه ب��اوكس النص��يبين،

وأن ال يرتفع إلى أعلى الدرجتين.وصف من هذا ؟-

قال شبيب بن شيبة: تكلم رج��ل من الحكم��اء عن��د عب��د المل��ك بن م��روان في مع��نى

رجل فقال: ذاك رجل آثر الله على خلقه، وآثر اآلخرة على الدنيا، فلم تكترثه

المطالب، ولم تعنه المطامع، نظر قلبه إلى إرادته فسما نحوها ملتمسا لها، فهو دهره محزون،

ببيت إذا نام الناس ذا شجون، ويصبح مغموما كالمسجون، انقطعت من همته الراحة دون منيت��ه، فش��فاؤه الق��رآن، ودواؤه

الكلمة من الحكمة، والموعظة الحسنة، ال يرى الدنيا منها عوضا، وال يستريح إلى ما لديه شوقا.

فقال عبد الملك: أشهد أن هذا أرخى باال مني وأنعم عيشا.طلحة الطلحات-

قال األصمعي: الطلحات المعروفون بالكرم: طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي، وهو الفياض ،

وطلح��ة بن عم��ر بن عبي��د الل��ه بن معم��ر ال��تيمي، وه��و طلح��ةالجواد،

وطلحة بن عبد الل��ه بن ع��وف ابن أخي عب��د ال��رحمن بن ع��وفالزهري، وهو طلحة الندي،

وطلحة بن الحسن بن علي، وهو طلحة الخير، وطلحة بن عبد الل��ه بن خل��ف الخ��زاعي، وه��و طلح��ة الطلح��ات،

وسمي بذلك ألنه كان أجودهم.

116

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وصف جميل لنوع من النساء-قال بعض السلف:

فضل نساء السند على سائر النساء طول الشعور، ورخص المهور،

ودقة الخصور، واستواء النهود، وعظم األكفال،

والصبر عند الجماع، وحرارة األرحام.

أنشد البن أبي خسثمة: بيضاء لو برزت من خدر قيمها ... ما ضل من حسنها في ظلمة

سارلو أن وجدي بها والنار في قرن ... لكان وجدي بها أذكى من النار

سوء الظن مفسدة- استشار عمر ابن عباس رضي الله عنهما في تولية حمص رجال فقال: ال يصلح إال أن يكون رجال منك، قال: فكنه، قال: ال تنتفع

بي لسوء ظنك بي.العلم الكافي-

ق��ال محم��د بن أبي قتيب��ة: كتبت إلى ابن عم��ر أس��أله عن العلم فقال: إنك كتبت إلي تسألني عن العلم، والعلم أكثر من أن أكتب ب��ه إلي��ك، ولكن إن اس��تطعت أن تلقي الل��ه ك��اف اللس��ان عن

أعراض المسلمين ، خفيف الظهر من دمائهم، فافعل. حسن الظن في الله-

قدم هرم بن حيان من الشام فقالوا له: كيف تركت المعيشة بها؟ فقال: أف لهذا الكالم، ما ظننت أن أحدا يتهم الله جل جاللهفي رزقه، أدلكم على طريق الجنة وتسألونني عن طريق النار؟!

إياك ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم،قال أبو الدرداء:-فإنها تسري بالليل والناس نيام.

السرف والمخيلة- وقال ابن عباس رحمه الله: كل ما شئت والبس ما شئت، وما

أخطأك اثنان: سرف ومخيلة.كلمة حق-

وقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قبر مرثد بنحوشب فقال:

يرحمك الله يا مرثد، لقد شيعت عمرك بالتوحيد، وعفرت وجهك بالسجود،

وإن قال الناس مذنب فمه، فأينا لم يذنب؟!117

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال العتابي: - من أعظم مكايد الشيطان ازدراؤك من علماء دهرك من عنده

المخرج مما أشكل عليك، وتهمتك من يلزمك االقتباس منه.وصف الخيل-

وصف أعرابي خيال فقال: سامية العيون، الحقة البطون،

مصغية اآلذان، أفتاء األسنان، ضخام الركبات، مشرفات الحجبات،

رحاب المناخر، صالب الحوافر، وقعها تحليل، ورفعها تعليل،

إن طلبت نالت، وإن طلبت فاتت.

وصف أعرابي قوما فقال: - كأن خدودهم ورق المصاحف، وكأن أعناقهم أباريق الفضة، وكأن

حواجبهم األهلة.

فصل من نوادر بهلول قال رجل لبهلول المجنون: قد أمر أمير المؤمنين لكل مجن��ون

بدرهمين. فقال له بهلول: فهل أخذت نصيبك.

خذ في يدك كذا وكذا - وأودع بهلول بعض األفنية بالكوفة عشرين درهما ورجل خي��اط ينظر إليه من حيث ال يعلم به بهلول؛ فلما انصرف أخذ الخياط الدراهم، فعاد بهلول يطلبها فلم يج��دها، فعلم أن��ه لم ي��ؤت إال من الخياط. فمر ب��ه فق��ال: ي�ا فالن؛ خ��ذ بي��دك عش�رة دراهم وخذ ثالثين وخذ كذا ... حتى بلغ المائ��ة. ق��ال: وزده��ا عش��رين

كم يكون المال؟ قال: مائة وعشرين. قال: أصبت ومضى.

118

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقال الخي��اط في نفس�ه: م�ا أظن��ه إال يمض�ي به�ذه ال�دراهم التي حسبها ليزيدها على العشرين فألردنها إلى موضعها، ف��إذا زاد عليها أخذت الجميع ففعل؛ فكر بهلول إلى الموض��ع، فأخ��ذ الدراهم وأحدث في موضعها ثم مضى؛ فقام الرج��ل مس��رعا، فلما أدخل يده امتألت حدثا، ولم يج��د ش��يئا؛ فعارض��ه بهل��ول، وق��ال: خ��ذ في ي��دك ك��ذا وك��ذا. كم في ي��دك؟ ق��ال: مائ��ة وعشرون. قال: ما في ي��دك إال ح��دث، فانتش��ر خ��بر الخي��اط،

(78)وولع الصبيان فيه حتى هرب من الكوفة. - هل هذا مجنون ؟

ولبهلول هذا حكم؛ وكان يتشيع فقيل له يوما: أيما أفض��ل أب��و بكر أم علي رضي الل��ه عنهم��ا؟ فق��ال ل��ه: أم��ا وأن��ا في كن��دة فعلي، وأما وأن�ا في ض�بة ف��أبو بك��ر. وكن��دة بالكوف��ة من غالة

الرافضة، وبنو ضبة أهل سنة. - يذكرك وينساني

ولما دخ��ل الرش��يد الكوف��ة خ��رج الن��اس للنظ��ر إلي��ه، فن��اداه بهلول ثالثا. فقال: من المجترىء علي في هذا الموضع؟ قي��ل: بهلول المجنون. فرفع السجافة وق��ال: بهل��ول؟ ق��ال: لبي��ك ي�ا أمير المؤمنين، روينا عن أيمن بن نائل قال: ح��دثنا قدام��ة عن ابن عبد الله العامري قال: رأيت رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وسلم يرمي جمرة العقبة ال ضرب وال طرد وال قي��ل بين يدي��ه إلي��ك إلي��ك؛ وتواض��عك في س��فرك ه��ذا خ��ير ل��ك من تج��برك وتكبرك. قال: فبكى الرشيد ح��تى ج��رت دموع��ه على األرض،

وقال: أحسنت يا بهلول، زدنا يرحمك الله. قال: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ق��ال: أيم��ا رج��ل آت��اه الله ماال وجماال وسلطانا فأنفق في ماله وعف في جماله وع��دل

في سلطانه كتب في خالص ديوان الله من األبرار. قال: أحسنت يا بهلول، وأمر له بجائزة سنية،

66جمع الجواهر في الملح والنوادر )(78119

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقال: يا أمير المؤمنين؛ ردها على من أخ��ذتها من��ه؛ فال حاج��ةلي بها.

فقال: يا بهلول؛ إن كان عليك دين قضيناه. قال: يا أمير المؤمنين، هؤالء أهل الرأي بالكوف��ة أجمع��وا على

أن قضاء الدين بالدين ال يجوز. قال: فنجري عليك ما يكفيك؛ فرفع رأسه إلى الس��ماء وق��ال: يا أمير المؤمنين؛ أنا وأنت في عي��ال الل��ه، ومح��ال أن ي��ذكرك

وينساني؛ فأرسل الرشيد السجف وسار. (79) وقيل: إن بهلوال كان يستعمل الجنون سترا على نفسه.

- من نوادر المجانين -وقال هارون المخزومي:

رأيت مجنونين يتنازعان رغيفا يقول أح��دهما: ه��ذا أنت تأكل��ه، ويقول اآلخ��ر: ب��ل أنت تأكل��ه. ق��ال: فقلت لهم��ا وأن��ا أظن أن أربح عليهما: أنا آكله. فقاال: يا أحمق، إنه م��ع أدم. فقلت: وم��ا أدمه؟ قاال: وجء الحلق وصفع العنق. ف�وليت عنهم�ا، فق�اال: ي�ا

(80 )مجنون؛ لوال بشاعة األدم لكنا أكلناه منذ حين. من هذا فررت-

وقيل لسعيد العامري وكان من أصحاب النوبهاري: لقد حظيت بكثرة المال. قال: فإني بعتك مالي كله بحب��ة من

عقل غفار الموسوس. قلت: وأي شيء رأيت من عقله؟

قال: رأيته يوما وقد وقف عليه رجالن أحدهما سكران، فجع��لالسكران يفتري عليه وهو يفتري على الصاحي؛

فقلت له: لم ال تشتم الذي يشتمك؟ 65جمع الجواهر في الملح والنوادر )(7967جمع الجواهر في الملح والنوادر )(80

120

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال: ألن معه شيطانا ال أقوى عليه، فالتفت إلي السكران وقال: يابن الفاعلة؛ أتحرضه علي؟

ورفع رجله من األرض فشيعني بها موضحة ومر يعدو. (81 ) فقال غفار: من هذا فررت. - من نوادر أبي نواس

- مر عثمان بن حفص الثقفي بأبي نواس وق��د خ��رج من عل��ةوهو مصفر الوجه، وكان عثمان أقبح الناس وجها.

فقال له عثمان: ما لي أراك مصفرا؟ فقال أبو نواس: رأيتك فذكرت ذنوبي.

قال: وما ذكر ذنوبك عند رؤيتي؟ فقال: خفت أن يعقابني الله فيمسخني قردا مثلك.

أبو نواس في الحبس- لما حبس األمين أبا نواس دخل عليه خال الفضل بن الربي��ع، وكان يتعهد المحبوسين، ويسأل عنهم وكانت فيه غفل��ة، ف��أتى أبا نواس وقال: ما جرم��ك ح��تى حبس��ت في حبس الزنادق��ة؟

أزنديق أنت؟ قال: معاذ الله. قال: أتعبد الكبش؟

قال: ولكني آكله بصوفه. قال: أتعبد الشمس؟

قال: والله ما أجلس فيها من بغضها، فكيف أعبدها! قال: أفتعبد الديك؟

قال: ال والله، بل آكله، ولقد ذبحت ألف ديك، ألن ديك��ا نف��رنيمرة، فحلفت أال أجد ديكا إال ذبحته.

67جمع الجواهر في الملح والنوادر )(81121

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال: فألي شيء حبست؟ قال: ألني أشرب شراب أهل الجنة، وأنام خلف الناس.

قال: وأن��ا أيض��ا أفع��ل ذل��ك، ثم خ��رج إلى الفض��ل فق��ال: م��ا تحسون ج��وار الل��ه تحبس��ون من ال ذنب ل��ه، س��ألت رجال في الحبس عن خبره، فقال كذا وكذا، وعرفه بك��ل م��ا ج��رى بين��ه وبين أبي ن��واس، فض��حك ودخ��ل على األمين ف��أخبره الخ��بر،

(82 )فأمر بتخليته للحال.

قال أبو العبر: - قال لي أبو العب��اس أحم��د بن يح��يى ثعلب: الظ��بي معرف��ة أو

نكرة؟ فقلت: إن ك��ان مش��ويا على المائ��دة فمعرف��ة، وإن ك��ان في

الصحراء فهو نكرة. فقال: ما في الدنيا أعرف منك بالنحو.

- أبو الحسن علي بن سليمان كتب إلى بعض إخوانه يستعير دابةودابة ال تجيء بوزن الشعر؛ ألنه جمع بين ساكنين:

أردت الركوب إلى حاجة ... فجد لي بفاعلة من دببت فأجابه الفتى وكان ظريفا:

زيد بها وجع غامز ... فكن أنت لي فاعال من عذرت ومن ملح النحويين:-

أفي الح��ق أن يعطى ثالث��ون ش��اعرا ... ويح��رم م��ا دون الرض��اشاعر مثلي!!

كما سامحوا عمرا بواو مزي��دة ... وض��ويق باس��م الل��ه في أل��فالوصل

وقال أبو الفتح البستي:

68جمع الجواهر في الملح والنوادر )(82122

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

حذفت وغيري مثبت في مكانه ... كأني نون الجمع حين تضافالمتوكل وعبادة المخنث- كان المتوك��ل ق��د بس��ط من عب��ادة المخنث لل��دخول مع��ه-

على كل حال، فدخل عليه وهو نائم م��ع س��واد ك��ان يحبه��ا؛ فلما رآه أمرها أن تغطي وجهها. فقال: ي��ا أم��ير المؤم��نين؛ ومن معك؟ قال: ويل��ك! وبل��غ فض��ولك إلى ه��ذا الموض��ع!،

ومدت الجارية رجلها فبانت سوداء. فقال: يا أمير المؤمنين؛ تنام ورجلك في الخف.

فق��ال المتوك��ل: قم علي��ك لعن��ة الل��ه! وض��حك وأم��ر ل��ه بص��لة (83 )فأخذها وانصرف.

- وكان عبادة يشرب بين يديه ويترك في القدح فضلة. فقال: يا عبادة؛ ما تدري ما يقول الناس؟ ق��ال: وم��ا ه��و؟ ق��ال: يقولن��ه إن ش��ارب النبي��ذ إذا ش��رب وعبس وجه��ه وفض��لت في القدح فضلة فإن إبليس يضرب قف��اه ويق��ول: اش��رب فض��لة م��ا

استطبت. فمضت األيام واص��طبح المتوك��ل وعب��ادة حاض��ر، وش��رب ق��دحا

كان في يديه وفضلت فضلة. (84 )فقال: يا أمير المؤمنين، جاءك الرجل.

- تجري بمدادين وأنا أركض بخرجين تجارى الج��واري بحض��رة المتوك��ل فس��بقتهن جاري��ة ممش��وقة. فقال المتوكل لعبادة: اجر معه��ا ح��تى ننظ��ر من يس��بق ص��احبه. فق��ال عب��ادة: إن س��بقتها فم��ا لي؟ ق��ال: هي ل��ك، وإن س��بقتك

صفعتك. فجرت معه الجارية فسبقته مرة بعد أخرى،

69جمع الجواهر في الملح والنوادر )(8369جمع الجواهر في الملح والنوادر )(84

123

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقال: يا أمير المؤمنين؛ كيف ال تسبقني وهي تجري بمدادين وأنا (85 )أركض بخرجين؛ فضحك المتوكل ووهبها له.

- وغف��ل عن��ه المتوك��ل م��رة فكتب ل��ه رقع��ة يس��تأذنه في الحج فضحك. وقال: عبادة يحج؟ علي به، فلما دخل عليه ق��ال ل��ه: م��ا خبرك؟ فقال: يا أمير المؤم��نين؛ لق��د تواض��عت ح��تى م��ا آك��ل إال الخشكار، وال أش��رب إال نبي��ذ ال��دردي، وال أس��مع إال غن��اء ح��واء،

(86)فأمر له بصلة. الناس وصاحب المال-

كان العباس يقول: الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس،

ومن الذنب للمصر، ومن الحكم للمقر، وه��و عن��دهم أرف��ع من الس��ماء، وأع��ذب من الم��اء، وأحلى من

الشهد، وأذكى من الورد، خطأه صواب، وسيئته حسنة، وقوله مقبول،

يغشى مجلسه، وال يمل حديثه؛

أعرابي يصف المال- قال أعرابي: أجمعوا الدراهم فإنها تلبس اليلمق، وتطعم

الجردق.

قيل ألعرابي: ما السرور؟ قال: كثرة المال، وقلة العيال-

والمفلس-والمفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب،

ومن رؤيا الكظة، ومن مرآة اللقوة، ومن سحاب تموز، ال يسأل عنه إن غاب، وال يسلم عليه إن قدم

إن غاب شتموه، وإن حضر حقروه،

وإن غضب صفعوه، مصافحته تنقض الوضوء،

وقرانه يقطع الصالة،70جمع الجواهر في الملح والنوادر )(8571جمع الجواهر في الملح والنوادر )(86

124

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

أثقل من األمانة، وأبغض من الملحف الملزم.

- وهذا هو الفقيرقال بعض السلف: إذا افتقر الرجل اتهمه من كان له مؤتمنا،

وأساء به الظن من كان ظنه به حسنا، وإن أذنب غيره سبقت الظنة إليه،

وليست كلمة هي للغني مديح إال وهي للفقير ذم، إن كان حليما سمي ضعيفا، وإن كان وقورا سمي بليدا، إن كان صموتا سمي عييا،

وإن كان لسنا سمي مهذارا، وإن كان شجاعا سمي أهوج.

يمشي الفقير وكل شيء ضده ***** والناس تغلقدونه أبوابها

وتراه مبغوضا وليس بمذنب ***** ويرى العداوة اليرى أسبابها

***** خضعت لديه حتى الكالب إذا رأت ذا ثروةوحركت أذنابها

***** نبحت عليه وإذا رأت يوما فقيرا عابراوكشرت أنيابها

وصف البرد- قال األصمعي: قدم رسول على الحجاج، فلما قرأ كتابه قال: ما

بطأ بك؟ قال: البرد، قال: ما بلغ من شدته؟ قال: صحو الليل، وغيم النهار، وقطر مطر تتبعه شمال؛

قال الحجاج: هذا وأبيك البرد حقا.حجة المنطق-

قال األصمعي: أتى رجل جبلة بن عبد الرحمن فقال: كلم الحجاج في كذا وكذا، فقال: ليست من الحوائج التي يقضيها، قال: كلم��ه

125

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فربما يوافق قدر فيقضيها وهو كاره، فدخل فكلمه فق��ال: أعلم��هأنا قضيناها ونحن كارهون.

القوة - قال المفجع، حدثنا بعض أصحابنا قال: مر بي رجل من بني تميم، قال: وكنت أشد على رجل بحضرتي، فسألته الصراع فق��ال: أنت تصارعني؟ فخذ بحلقي واجهد جهدك، فأخذت بحلقه، فجعل يأكل

(87 )وكأن حلقه ليست تطبق يدي فيه.

من ترك داره !!!- قال ابن األعرابي، قالت قريبة األعرابية: إذا كنت في غير قومك

فال تنس نصيبك من الذل.وقال ابن األعرابي أيضا: -

حدثني رجل من عبد القيس عن عبد الصمد بن المفضل الراقشي انه هنا فتى أراد البناء على أهله فقال: بالبركة وشدة

الحركة، والظفر عند المعركة.الندم توبة-

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الحاجة مسألة، والدعاءزيادة، والحمد شكر، والندم توبة.

قال عط��اء الخراس��اني: الح��وائج عن��د الش��بان أس��هل منه��ا عن��د ال الشيوخ، ألم تسمع قول الل��ه تع��الى عن يوس��ف في إخوت��ه

، وق��ال92 يوس��ف: تثريب عليكم اليــوم يغفــر اللــه لكم.98 يوسف: سوف أسغفر لكم ريي يعقوب

المديح المختصر- قال ابن عائشة، حدثني أبي قال: كنت يوم��ا جالس��ا في المس��جد الجامع بالبصرة فإذا أنا بخالد بن صفوان األهتمي ق��د أقب��ل إلين��ا، فلما رأيته زحفت عن صدر المجلس ووسعت له، فجاء وجلس ثم أقب��ل إلي وق��ال لي: ابن من أنت؟ فقلت: أن��ا محم��د بن حفص،قال: ابن عم موسى؟ قلت: نعم، قال: والله إن كان أبوك لمثابة، قال: فأخبرني ع��دة من ش�يوخ المس�جد انهم لم يس�معوا م�دحا

يحرف واحد أحسن من هذا.

قال بعض السلف: نعمة ال تشكر، كسيئة ال تغفر.-

173جمع الجواهر في الملح والنوادر )(87126

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال بعض السلف: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك-رفدك ومحضرك، ولعدوك عدلك وإنصافك.

الذم- وصف أعرابي رجال فقال: كان قصير الشبر، صغير القدر، ضيق

النفس والصدر، لئيم النجر، عظيم الكبر، كثير الفخر.ذم أعرابي قوما فقال:

لهم بيوت تدخل حبوا إلى غير نمارق وال شبارق، فصح األلسنةبرد السائل، جذم األكف عن النائل.

قال األصمعي: كان بالبصرة أع��رابي من ب��ني تميم يطف��ل على الن��اس، فعاتبت��ه

في ذلك فقال: والله ما بنيت المنازل إال لتدخل،

وال وضع الطعام إال ليؤكل، وما قدمت هدية فأتوقع رسوال،

وم���ا أك���ره أن أك���ون كال ثقيال على من أراه بخيال وأقتحم علي���همستأنسا،

وأضحك إن رأيته عابسا، فآكل برغمه وأدعه لغمه،

وم��ا اح��ترق في الله��وات طع��ام أطيب من طع��ام ال تنف��ق في��هدرهما،

وال تعني إليه خادما، ثم أنشد:

كل يوم أدور في عرصة الحي ... ي أشم القتار شم الذئابفإذا ما رأيت آثار عرس ... أو ختان أو مجمع األصحابلم أروع دون التقحم ال أر ... هب دفعا أو لكزة البواب

مستهينا بما هجمت عليه ... غير مستأذن وال هيابفتراني ألف بالرغم منه ... كل ما قدموه لف العقاب

ذاك أدنى من التكلف والغر ... م وغيظ الخباز والقصاب

قال األصمعي: رأيت أعرابية بالنباج فقلت لها: أتنشدينني؟ فقالت: إيها والله،

إني ألنشد وأقول، فقلت: فأنشديني، فقالت: ال بارك الله فيمن كان يخبرني ... أن المحب إذا ما شاء ينصرفوجد المحب إذا ما بان صاحبه ... وجد الصبي بثديي أمه الكلف

فقلت: فأنشديني من قولك، فقالت:بنفسي من هواه على التنائي ... وطول الدهر مؤتنف جديد

127

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ومن هو في الصالة حديث نفسي ... وعدل الروح عندي بل يزيدقال أبو العيناء:

سمعت األصمعي يقول: رأيت أعرابيا يرفع صوته على وال صرفه عند جعفر بن سليمان فقال: والله إنه ليقبل الرشوة،

ويقضي بالعشوة، ويطيل النشوة، ولقد بنى حماما زندقة وكفرا.ذم أبو العيناء رجال فقال:-

له ضحك كالبكاء، وتودد كالسباب واالفتراء، ونوادر كندبالموتى.

عزى أبو العيناء رجال بامرأته فقال: - تقديم الحرمة من جزي��ل النعم��ة، ف��أنت إلى التهنئ��ة بالنعم��ة في

هذه المصيبة أولى منك بالتعزية، فالحمد لله ال��ذي جع��ل ل��ك أجره��ا، ولم يجعل��ك له��ا ثواب��ا، وإن عظم الفق��د

لطول األنس والصحبة، فثواب الله أعظم وأجزل.

عزى أبو العيناء بعض الرؤساء فقال: كان العزاء لك ال بك،-والفناء لنا ال لك.

قال األصمعي: قيل لبني عبس: كيف صبرتم وكيف كانت حالكم؟

قالوا: طاحت والله الغرائب من النس��اء فم��ا بقي إال بن��ات العم، وما بقي معنا من اإلبل إال الحمر الكل��ف، وم��ا بقي من الخي��ل إال

الكميت الوقاح، وطاح ما سوى ذلك من األهلين والمال.قال أبو عطاء مولى عتبة: -

ق���دم علين���ا ابن عب���اس س���نة إح���دى وأربعين وه���و كالقرح���ة المنبجسة، وكان عتب��ة قلي��ل الكالم، فنظ��ر ابن عب��اس إلى عتب��ة يحد النظر إليه ويقل الكالم معه، فقال: يا أبا الوليد، ما بالك تح��د النظر إلي وتقل الكالم معي؟ ألعقل��ة ط��الت أم لموج��دة دامت؟ فقال عتبة: أم��ا قل��ة كالمي مع��ك فلقلت��ه م��ع غ��يرك، وأم��ا ك��ثرة نظري إليك فلما أرى من أثر سبوغ النعم��ة علي��ك، ولئن س��لطت الحق على نفسك لتعلمن أنه ال يعرض عن��ك إال مبغض، وال ينظ��ر إليك إال محب، ولئن كان هذا الكالم شفى منك داء، وأظه��ر من��ك مكتوما، فما أحب غيره؛ فقال ابن عباس: أمهيت ي��ا أب��ا الولي��د، - يقال أمهيت الحديدة إذا حددتها - أي بلغت الغاية في الغ��در، ول��و كنت على يقين مم��ا ظننت ب��ك لكف��اني، أو ألرض��اني دون م��ا

سمعت منك، فتبسم معاوية ثم قال:دعوت عركا ودعا عراكا ... جندلتان اصطكتا اصطكاكا

من ينك العير ينك نياكا

128

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ال تدخلوا بين بني عبد مناف، فإن الحلم لهم حاجز، والداخلبينهم عاجز، وإن فطنة ابن عباس مقرونة بعلمه، ثم تمثل:

سمين قريش مانع منك شحمه ... وغث قريش حيث كان سمين قال ابن عائشة، قال عمرو بن عبيد: تعريف الجاهل أيسر من

(88 )تغيير المنكر.

فصل في مجون النساءقال الكلبي-

امرأة يقال لها أم الورد تزوجت برجل فعجز عنه��ا فتق��دمت إلىوالي اليمامة

فقالت له : والله م��ا يمس��كني بض��م ، وال بتقبي��ل وال بش��م ، والبزعزاع ليسلي همي ،يطيج منه فتحي في كمي .

قال ففرق بينهما، ثم تزوجت رجال آخر فرضيت وحظيت وزوجت أخاها أخت زوجها

فعجز عنها فقالت تهجو أخاها:يا عمرو لو كنت فتى كريما ... أو كنت ممن يمنع الحريما

أو كان رمح استك مستقيما ... نكت به جارية هضيماناك أخوها أختك الغليما ... بذي خطوط يغلق المشيماإذا أحفت نومها األريما ... واحتدرت من ظهره العتيما

(89)سمعت من أصواتها نئيما

أما هذه فصدقت- قال أبو ثمامة المرأة من زبيد، وهي تبكي عند قبر من الميت:لم

تبكين؟ قالت: كان يجمع بين حاجبي والساق،

ويهزني هز الصارم األعناق، والله لوال ما ذكرته لك، ما استهلت بال��دموع عين��اي، وق��د ك��ذبتك

امرأة تبكي على زوجها لغير ما أعلمتك « .

حر أم طيغور- ركب الرش��يد حم��ارا مص��ريا، وط��اف على جواري��ه، فق��الت ل��ه واحدة: »يا موالي، ما أكثر ما تركب ه��ذا الحم��ار« ! ق��ال: »ألن��ه يسب طيغور« ، قالت: »فمن يسب طيغور يركب« ؟ ق��ال: نعم. قالت: »ففي حر أم طيغور« . ق��ال: ف��نزل وواقعه��ا. وأنش��د في

مثله:26 /6البصائر والذخائر )(88113 / 1 بالغات النساء )(89

129

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

نظرت إليها حين مرت كأنها ... على ظهر عادي فتاة من الجن ولي نظر لو كان يحبل، ناظر ... بنظرته أنثى، لقد حبلت مني

العنين

لماذا يتزوج الرجل ؟!!!- قال بعضهم: تزوج العجاج امرأة يق��ال له��ا ال��دهناء بنت مس��حل، فلم يقدر عليها، فشكت ذلك إلى أهله��ا، فس��ألوه فراقه��ا، ف��أبى،

وقال ألبيها، »تطلب البنتك الباه« ؟ قال: »نعم، عس��ى أن ت��رزق ول��دا، ف��إن م��ات ك��ان فرط��ا، وإن

عاش كان قرة عين« . فقدموه إلى السلطان، فأجله شهرا ثم قال:

قد ظنت الدهنا وظن مسحل ... األمير بالقضاء يعجلعن كسالتي والحصان يكسل ... عن السفاد وهو طرف هيكل

ثم أقبل على امرأته، فضمها إلى صدره، فقالت:تنح لن تملكني بضم ... وال بتقبيل وال بشم

إال بزعزاع يسلي همي ... يقط منه فتحي في كمييطير منه حزني وغمي

التورية عن الجماع- )وروى( ابن أبي الدنيا أن إعرابيا أخبره أن ام��رأة منهم زفت إلى رج��ل، فعج��ز عنه��ا، فت��ذاكر الحي أم��ر الض��عفاء من األزواج عن الب��اه، وام��رأة األع��رابي تس��مع. فتكلمت بكالم ليس في األرض

أعف منه، وال أدل على عجز الرجل عن النساء، فقالت متمثلة: تبيت المطايا حائدات عن الهدى ... إذا ما المطايا لم تجد من

يقيمها

جئت من بلل قليل- قال الرقاشي: حدثني أبو عبيدة، قال: س��معت ناس��ا من الحج��از يقولون: تزوج رجل منا امرأة، فعجز عنها، إال أنه إذا المسها، ابتأر فيها، فقضي أن حملت، وما مكثت إال أن رأس ولدها، فجلس في المجلس، فقال له قائل: »لقد جئت من بلل قليل« ، قال: »جئت

من بلل لو أصاب مغيض أمك لكان كما قال الشاعر: رطب الطباع إذا حركت جوهره ... وجدت أعضاءه غرقى من

البللولم أهجنه إال أنه رجل ... قلت سالمته من جانب الكفل

قال األصمعي " -

130

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال أع��رابي المرأت��ه : إن��ك لتخمطين العيش خمط��ا ،ألن��ك إنم��اتطلين من أير ذي عجزا ، وطرموسة حمراء

فقالت له : قبح الل�ه م�ا مننت ب�ه علي أتمن علي بعص�بة نص�فها في إستك ، أو طرموسة ثلثاها رم��اد، وكأن��ك اش��تريت س��طية أو

رومية، أو مألت يدي من حلية .وأنشد المرأة تهجو زوجها من نساء الحضر:-

يحب النكاح أبو صالح ... وليس يطاوعه أيرهوقد أمسك البخل من كفه ... فأصبح ال يرتجى خيرهفيا ليت ما في حري في أسته ... وملكني رجل غيره

" قال " لقيط بن بكير- ق��الت طارق��ة وهي م��والة أله��ل بيت من ام��رء القيس بن زي��د وكان تزوجها مولى لبني كلب يقال له ث��ابت وكنيت��ه أب��و الفص��يل فخطب موالة أخرى من موالي��ات ب�ني ام�رؤ القيس وك��انت تتهم

بالسحر وكان يقال لها نجود وبلغها ذلك فجعلت تقول:ال خار ربي ألبي الفصيل ... وال وقاه عثرة الذلول

بدل مني أخبث البدول ... هوجاء مقاء كبشه الغولتحمل رفغا واسع الفضول ... مثل إهاب الميحة المبخول

ببيت فيه الذئب أو يقيلوقالت:

الما قرورا أهل ذا البقع كله ... وال تقربا سحارة البردانتعول عياال لست أنت ولدتهم ... وأمهم في البيت غير حصان

قال األصمعي دعت امرأة من بني عامر على رجل ظلمها فقالت اللهم اشفني

به في الدنيا فاني عنه في اآلخرة في شغل بنفسي.قال األصمعي -

كان أعرابي عنده أرب��ع نس��وة كندي��ة وغس��انية وش��يبانية وغنوي��ة واألعرابي غساني وكن متظاهرات على الغنوية فجمع بينهن حتى

تشاتمن ثم قال لتقل كل واحدة منكن قوال تصف به نفسها فقالت الكندية:

كأني جنى النحل والزنجبيل ... وصفوة المدامة والسبيليزين سنا الوجه لي مبسم ... كمثل الآللي وعين كحيل

وقالت الغسانية: يراني إلهي إله السماء ... نصفا قضيبا ونصفا كثيبا

131

5الفكاهة والمرح عند العرب ج وألبسني ما يسوء الحسود ... جماال وملحا وحسنا عجيبا

وقالت الشيبانية:أفوق النساء إذا ما اجتمعن ... كبدر السماء ونجوم الدجى

ويقصر عني جميع الصفات ... فمن نالني نال فوق المناوقالت الغنوية:

تزود بعينك من بهجتي ... فقد خلق الله مني الجماال إذا ما تفرست في رؤيتي ... رأيت هالال وأحوى غزاال

- لقد حسن ظن األعرابي بربه�ة؟ ق��ال: والل�ه م�ا قيل ألعرابي: هل تحدث نفس�ك ب�دخول الجن شككت قط أني سوف أخطو في رياض�ها، وأش�رب من حياض�ها،ف ��أ بظالله�ا، وأترش�� وأستظل بأشجارها، وآك��ل من ثماره��ا، وأتفي

من قاللها، وأستمتع بحورها في غرفها وقصورها، قيل له: أفبحسنة قدمتها أم بصالحة أسلفتها؟

ق��ال: وأي حس��نة أعلى ش��رفا، وأعظم خط��را من إيم��اني بالل��هتعالى، وجحودي لكل معبود سوى الله تبارك وتعالى،

قيل له: أفال تخشى الذنوب؟ قال: خلق الله المغفرة للذنوب، والرحمة للخطأ، والعفو للج��رم، وهو أكرم من أن يع��ذب محبي��ه في ن��ار جهنم، فك��ان الن��اس في��ه، وك��انوا ال مسجد البصرة يقولون: لقد حسن ظن األع��رابي برب ي��ذكرون حديث��ه إال انجلت غمام��ة الي��أس عنهم، وغلب س��لطان

الرجاء عليهم.

يقال: ما المعذول، وما المعدول، والمعلول، والمعبول، والمعتول، والمعزول، والمفضول، والمقلول، والمسلول، والمشلول،

والمطلول، والمهبول، والمهطول، والمعقول، والمألول، والمقذول، والمفلول، والمغلول، والمكبول، والمضلول،

والمغمول، والمعسول، والمغسول، والمفسول، والمقصول، والمسمول، والمنصول، والمغزول، والمتلول، والمبلول،والمثلول، والمجلول، والمحلول، والمخلول، والمدلول،

والمرمول، والمزمول، والمشمول، والملمول، والمملول، والموبول، والمهزول، والمأبول، والمرطول، والمتبول، والمنسول، والمنحول، والمبتول، والمنبول، والمنجول،

والممطول، والمقبول، والمنضول، والمكفول، والمنزول، والمأمول، والمأزول، والمشكول، وسيمر لك شرح هذه الكلمات

على إيجاز، فإن األطناب فيه يثقل عليك، ويوكل الضجر بك، وأكثره عتيد عندك: أما المعذول فالملوم، يقال: عذلته أعذله -

132

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

الذال مضمومة - عذال، والعواذل جمع عاذلة، وأبو العواذل منأدباء الجبل، واعتذل فالن إذا قبل العذل وأصغى إليه.

وأما المعدول - من العدل - فهو للمال، يقال: عدلته فاعتدل وانعدل، ويقال: فالن يعدل عندي ابني، أي يكون عدل ابني، أي

مثل ابني، واألعدال جمع عدل، ألن الحمل عدالن، وكل واحد منالعدلين مثل صاحبه.

وأما المعلول فما عللته من الشراب، وهو سقيك الماء مرة بعدأخرى، وشربه ثانية بعد أولى، وقول المتكلمين خطأ من العلة.

وأما المعبول فهو من عبلك الشجرة، وهو هز ك أغصانها وخبطكورقها.

وأما المعتول فالمدفوع، من قوله: " فاعتلوه إلى سواء الجحيم "، والتاء تضم وتكسر، والعتل: الضخم، كأنه الجافي الشديد،

والعتلة: فأس عظيمة. وأما المعزول فمعروف، يقال: عزل الوالي أي صرف عن عمله، وانعزل فالن خطأ، وكان السيرافي يأباه ونظائر له، كقول العامةينذبح وينقتل وينحفظ وينضبط وينصرع، وقال غيره: جائز مقبول.

وأما المفضول فمن قولك: فاضلته ففضلته، فأنا فاضل وهو مفضول، وقولهم: فالن يقول بإمامة المفضول، هذا يراد به كأن أبا بكر قد فضله علي فهو مفضول، لكنه إمام، ولوال التباعد من

حومة ما نحن عليه لسقنا الكالم في الفضل ما هو، والفاضل من هو، والمفضول كيف هو، وإن أمكن ذلك أتينا به متوخين فائدتك

إن شاء الله. وأما المقول فالذي تضرب قلته، ال أعرف غيرذلك، وسألت

السيرافي فقال: قول العامة هذا على المقلول خطأ ال وجه لهفي العربية البتة.

وأما المسلول فالمستخرج بالجذب، يقال: غالم مسلول، وسلت بيضتاه، ويقال: رجل مسلول إذا ناله السل، وهو داء يدق به

الجسم ويذوب معه البدن. وأما المشلول فمن قولك: شل العير أتنه إذا طردها وكسعها

وكذلك الشجاع إذا هزم منازله، ويقال: شللت الثوب إذا لقطتبإبرتك غرزها دفعة واحدة ولم تفرد.

، يقال: دم مطلول أي باطل وأما المطلول فهو الذي أصابه طلال طالب له.

وأما المهبول فالمفقود بالموت، يقال هبلته أمه إذا ثكلته، والولدمهبول.

وأما المهطول فهو مكان أتى عليه مطر هاطل.

133

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وأما المعقول فالمشدود بالعقال، والمعقول: هو العقل أيضا،وقيل: سمي العقل عقال ألنه يحبس صاحبه عن التقحم.

. وأما المألول فهو من تضربه باأللة وهي الحربة، فأنت آلوأما المقذول فمن تضرب قذاله، وهو ما اكتنف قفاه.

وأما المفلول فهو المكسور. وأما المغلول - بالغين - فمن علق على عنقه الغل، أو غلت يده،

قالت اليهود: " يد الله مغلولة " كأنها كفت عن ضيق الرزق.وأما المكبول فالمقيد، والكبل: القيد.

وأما المضلول فمن قولك: ضاللته فضللته أي كنت أضل منه.وأما المغمول فالمغطى المستتر.

وأما المعسول فما خلط به العسل.

وأما المغسول - بالغين - فمعروف. وأما المفسول - بالفاء - فهو الرذل الفسل، وهو الركيك الرأي

الذي ال خير عنده وال غناء البتة، وقولك: البتة بالفتح، والتعريف الوجه له غير ذلك، هكذا قال الخليل.

وأما المقصول فالمقطوع، والقصيل هو الحشيش ألنه مقطوع. وأما المسمول فإنه يقال: سمل السلطان عين فالن إذا أعماه،

وال يقال ذلك حتى يدخل ميل قد أحمي في عينيه.وأما المنصول فما أصلحت عليه نصلك، وهو في السهم أشيع.

وأما المغزول فهو من غزلت المرأة قطنها، وكأن قولهم: غازلت المرأة أي مايلتها في الغزل أي قاربتها في فعلها حتى ختلتها وخلبتها من هذا، ومعنى خلبتها أصبت خلبها، والخلب: غشاء

القلب. وأما المتلول فمن قوله تعالى: " وتله للجبين " أي صرعه، وأنت

التال يا هذا وهو متلول.، والبلة حالة، والبالل منه. وأما المبلول فمن بللت الشيء بالوأما المثلول فمن قولك: ثل الله عرشهم إذا حطه وهدمه.

وأما المجلول فمن قولك جلت الشاة طعمها: إذا أخذته وأكلته. وأما المحلول فمن حللت أحل إذا فتحت أو أنزلت أيضا، والحالل

منه ألنه مفتوح مأخوذ، والحالل - بكسر الحاء - النازلون.وأما المخلول فما شددته بالخالل.

. وأم المدلول فمن دللته على شيء فهو مدلول وأنت دالوأما المرمول فما أصلحت من الخوص.

وأما المزمول فما زملته أي حملته، وكذلك ازدملته. وأما المشمول فما أصابه الشمأل، وهو أيضا من شمله الشيء -

بكسر الميم - وهو أفصح، وقد أجاز الفتح يعقوب.وأما الملمول فمن قولك: ململته أي أقلقته.

134

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وأما المملول فمن الملل، معروف. وأما الموبول: فمن الوبل، يقال: وبلت هذه األرض إذا مطرت وبال، وقولهم: استوبلت هذه األرض: استكثرت وبلها فكرهتها،

وطبرستان كذلك، واجتويتها إذا كرهتها مع مدافعتها. وأما المهزول فمن قل لحمه وذهب سمنه، وسمعت بدويا يقول:

هذا كالم مهزول، وهو استعارة. وأما المأبول فمن أبل يأبل، إذا قام باإلبل وأحسن رعيها، يقال:

فالن من آبل الناس.وأما المرطول فمن قولك: رطلته، أي أخذته بيدك وقدرت وزنه.

وأما المبتول فالمقطوع.وأما المنسول فما نسلته الناقة وغيرها.

وأما المنحول فمن قولك: نحلت فالنا كذا وكذا، إذا وهبته له أونسبت إليه كالما.

وأما المتبول فمن التبل وهو الحقد.وأما المنبول فالذي يرمى بالنبل، وأنت النابل والنبال.

وأما المنجول فمن قولك: نجله بالرمح أي طعنه، ونجله. وأما الممطول فمن تدافعه بماله عليك، وتطيل زمان تردده

إليك.وأما المقبول فمن قولك قبلته قبوال.

وأما المنضول فمن قولك: ناضله فنضله، والنضال: الرمي، وأما المكفول فمن كفلته، قال الله تعالى: " وكفلها زكريا "

وكفلت به إذا صرت كفيال، والله تبارك وتعالى كفيل أي كافل،فهو فعيل بمعنى فاعل.

وأما المنزول فالمكان تنزله.وأما المأمول فالمرجو.

وأما المأزول فالمحبوس، يقال: أزلوا مالهم أي حبسوه عنالمرعى.

وأما المشكول فما شددته بشكال كالدابة، وكذلك شكلت الكتابوأعجمته.

- عثمان رضي الله عنه من خيار الصحابة وقف رجل على عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال: يا أب��ا عب��د الرحمن، هل كان عثمان ممن شهد بدرا؟ فقال: ال، فرفع الرج��ل صوته وقال: الل��ه أك��بر، ق��ال: ه��ل ك��ان عثم��ان ممن ت��ولى ي��وم التقى الجمعان؟ فقال عب��د الل��ه: اللهم نعم، فق��ال الرج��ل: الل��ه أكبر، ثم قال: هل كان عثمان ممن شهد بيعة الرضوان؟ قال عبد

135

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

الله: اللهم ال، فرفع الرجل صوته وقال: الله أكبر، ثم ولى الرجلفقال عبد الله: ردوه علي، فلما وقف قال له عبد الله:

��ه لم��ا أذن رس��ول وأما قولك هل كان عثمان ممن شهد ب��درا فإن الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى ب��در، اس��تأذنه عثم��ان في المق��ام على بنت رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم في المرض الذي م��اتت في��ه، ف��أذن ل��ه، فلم��ا فتح الل��ه تع��الى علي��ه ضرب لعثمان بسهم، ثم قال له عثمان: وأج��ري ي��ا رس��ول الل��ه،

قال " وأجرك "، وكان ممن شهد بدرا. وأما قولك: هل كان عثمان ممن تولى يوم التقى الجمعان فإن

إن الذين تولوا منكم يومالله تعالى يقول في كتابه: التقى الجمعان إنما استنزلهم الشيطان ببعض ما

.كسبوا ولقد عفا الله عنهم وكان عثمان ممن شهد بيعة الرضوان فإن رسول الله صلى الل��ه��ة ومنعت��ه ق��ريش أن ي��دخل عليه وسلم لما خرج معتم��را إلى مك إلى مكة قال ألبي بكر: " اذهب إلى قريش فقل لهم: دعونا حتى ندخل فنطوف سبعا وننح��ر ه��دينا ونخ��رج عنهم "، فق��ال ل��ه أب��و بكر: إن��ه ليس لي به��ا عش��يرة، فل��و أرس��لت عم��ر بن الخط��اب، فقال لعمر: فق�ال عم�ر: إني أخ�افهم على نفس�ي، فل�و أرس�لت عثمان ف��إن ل��ه به��ا عش��يرة، فق��ال لعثم��ان، ف��ذهب عثم��ان إلى قريش وواعده العصر، فلما صلى الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وعلى آله خشي أن يكون عثم�ان ق��د احتبس، ف�دعا رس�ول الل�ه صلى الله عليه وسلم أصحابه للبيعة فب��ايعوا، فق��ال رس��ول الل��ه صلى الله عليه وسلم: " هذه يدي عن عثمان "، فكانت يد رسول

الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرا من يد عثمان.ثم قال عبد الله: أخبرني هل أنت من المهاجرين؟

قال: اللهم ال، فرفع صوته وقال: الله أكبر، ثم قال: أفمن األنصار الذين تبوءوا الدار وآووا ونصروا؟

قال: اللهم ال، فرفع عبد الله صوته وقال: الله أكبر، قال أفمن الذين تبوءوا الدار واإليمان من قبلهم؟ قال الرجل: اللهم ال، فرفع صوته وقال: الله أكبر،

ــا فقال: وال من الذين جاءوا من بعدهم يقولون: ربنا اغفر لن؟ اخرج ال أم لك. وإلخواننا الذين سبقونا باإليمان

-قال محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان: بعثني أبي إلى المعتمد في شيء فقال: اجلس، فاستعظمت ذلك، فأعاد

فاعتذرت بأن ذلك ال يجوز، فقال: يا محمد إن أدبك في القبولمني خير لك من أدبك في خالفي.136

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

-كتب القاضي الزنجاني: وأنا في رياض نعم الله راتع، وفي سوابغ مواهبه رابع،

تتداولني أيدي أقداره بالتذليل، وتتناولني عيون عنايته بالتأميل، فأنا في طريق االستسالم ألقضيته كالرضيع

موقنا بأن ال كائن إال ما يقضيه، وال حادث إال ما يمضيه، ولله حقيقة األمر المطلق، والشكر المحقق.

قال األصمعي :- عزيت إعرابية عن ابنها فقالت ما أسرع انقطاع ما كان له مدة وفناء ما كان له وقت وعدة وانما يأتي أمر الله بغتة فإذا جاء فال

استعتاب وال رجعة وال امتناع منه بجلد وال قوة.قال الجاحظ :-

قالت امرأة الحطيئة للحطيئة حين تحول عن بني رياح إلى بني كليب بئس ما استبدلت من بني رياح بعر الكبش تريد بذلك انهم

متفرقون ألن بعر الكبش يقع متفرقا.جحظة يصف ضيق العيش-

ألم جحظة البرمكي بهذا المعنى فقال: إني رضيت من الرحيق ... بشراب تمر كالعقيق

ورضيت من أكل السمي ... ذ بأكل مسود الدقيق ورضيت من سعة الصحو ... ن بمنزل ضنك وضيق

وجعلت تغريد الحما ... مة منزلي عند الشروق فغدوت كسرى صاحب ال ... إيوان والعيش األنيق

وحجبت نفسي عن حجا ... ب الباخلين ذوي الطريق (90)القاطعين مخافة ال ... إنفاق أسباب الصديق

قال األصمعي: العميان أكثر الناس نكاحا،

والخصيان أصح الناس أبصارا، ألنهما طرفان: إذا نقص من أحدهما زاد في اآلخر.

72جمع الجواهر في الملح والنوادر )(90137

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال إسحاق الموصلي: قبل األصمعي يد الرشيد بعقب كالم قرظة به فقال له: والله يا أمير المؤمنين ما شممت طيبا قط

أطيب من نسيم يدك، فطيب الله نفسك كما طيبها، وأنعم بالك كما أنعمها، وأالن زمانك كما أالنها ضد ما قال األسدي البن مطيع

العدوي حين جلس ليأخذ البيعة البن الزبير، قال: وما قال له؟فأنشد:

دعا ابن نطيع للبياع فجئته ... إلى بيعة قلبي لها غير آلف

- ولكنا معشر الكروبيين بال جناح ق��ال الماه��اني: ك��انت في بعض ال��ديارات راهب��ة ق��د انف��ردت بعبادتها، وكانت تقري الضيف وتج��ير المنقط��ع، وك��انت النص��ارى تتمثل بعبادتها وعفافها، فمر بالدير رجل كان من ش��أنه أن ي��دخر الفواكه، فيحمل في الص��يف فواك��ه الش��تاء، وفي الش��تاء فواك��ه الصيف إلى الملوك، ومعه غالم ل��ه وحم�ار م��وقر من ك��ل فاكه��ة

حسنة، فقال للغالم: ويحك، أنا منذ زمان أشتهي هذه الراهبة،

فقال العالم: كيف تصل إليها وهي في نهاية العفاف والعبادة؟ فقال: خذ معك من هذه الفاكهة وأنا أسبقك إلى سطح الدير فإذا

سمعتني أتحدث معها بشيء فأرسل ما معك من الروزنة؛ فأصعد الغالم سطح الدير، وجاء الرجل فدق الب��اب فق��الت: من هذا؟ ق��ال: ابن س��بيل وق��د انقط��ع بي، وه��ذا اللي��ل ق��د دهم��ني، ففتحت ودخل، وصار إلى البيت الذي الغالم على ظه��ره، وأقبلت هي على ص��التها، وق��الت: لعل��ه يحت��اج إلى طع��ام، فجاءت��ه ب��ه وقالت: كل، فقال: أنا ال آكل، قالت: ولم؟ قال: ألني مل�ك بعث�ني الله تعالى إليك ألهب لك ولدا، فارتاعت لذلك وج��زعت، وق��الت:

أليس كان طريقك على الجنة فهال جئت معك بشيء منها؟ قال: فرفع الرجل رأس��ه وق��ال: اللهم بعثت��ني إلى ه��ذه الم��رأة، وهي بش��ر، وق��د ارت��ابت فأره��ا ي��ا رب برهان��ا، وأن��زل عليه��ا من فاكه��ة الجن��ة ف��تزداد بص��يرة ومعرف��ة، ف��رمى الغالم برمان��ة من فوق، وأتبعها بسفرجلة، ثم بكمثراة، ثم بخوخة، فقال: ما بعد هذا ريب فشأنك وما جئت له، فشال برجليها وجع��ل ي��دفع فيه��ا وهي

تمر يديها على جنبيه كأنها تطلب شيئا، فقال لها: ما تلتمسين؟

قالت: نجد في كتابنا أن للمالئكة أجنحة وأراك بال جناح، فقال: صدقت، ولكنا معشر الكروبيين بال جناح.

ابن بيض والله

138

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

لما ولى خال��د بن عب��د الل��ه القس��ري بالل بن أبي ب��ردة، وك��ان حمزة بن بيض صديقا له صار إليه، وأقام على بابه أيام��ا ال ي��ؤذن

له، فكتب رقعة: قل لألمير جزاك الله صالحة ... قرم إليه التقى والمجد

والدين فهل ترى حرجا في شرب صافية ... صهباء ينقب عن خرطومها

الطينوهل ترى حرجا في نيك أرملة ... مسكينة ناكها قوم مساكين

فلما قرأها بالل قال: ابن بيض والله، أدخلوه، فلما دخل ابن بيضقال: ما كنت والله ألصل إليك يا فاسق إال بالشر.

الذي أكل أحب إلي من الذي يؤكل- قال أبو عمرو بن العالء: إن عتبة بن ربيعة قال لبنته: إنما خطب��ك إلي رجالن، خطبك السم ناقعا وخطبك األسد عاديا، فأيهم��ا أحب

إليك أن أزوجك؟ قالت: الذي أكل أحب إلي من الذي يؤك��ل، فتزوجه��ا أب��و س��فيان

وهو األسد العادي؛ والسم الناقع هو سهيل بن عمرو.

قال األصمعي: - كان بالبصرة فتى يغشاه الفتيان في ك��وخ ل��ه من قص��ب، وك��انوا إذا شربوا قال بعضهم لبعض: غدا علي ألف آج��رة، ويق��ول آخ��ر: �اء. فيص�ير كوخ�ه قص�را علي الجص، ويقول آخر: علي أج�رة البن

من ساعته، ثم يصبح فال يرى شيئا من ذلك، فقال في ذلك:لنا كوخ يهدم كل يوم ... ويبنى ثم يصبح جذم خص

إذا ما دارت األقداح قالوا ... غدا نبني بآجر وجصوكيف يشيد البنيان قوم ... يزجون الشتاء بغير قمص

��ا قال األصمعي: فحدثت الرشيد، فاستضحك وقال: أبا سعيد، لكن نبني لك قصرا ال تخاف في��ه م��ا خ��اف الف��تى، ثم أم��ر ل��ه ب��ألفي

دينار.الفرق بين الهجن والعتاق-

قيل لسلمان بن ربيعة الباهلي: بم تعرف الهجن من العتاق؟ قال: بنظري إلى األعناق، قيل: فبين لنا ذلك،

ق��ال: ف��دعا بطس��ت من م��اء فوض��عت على األرض، ثم ق��دمت الخيل إليها واحدا واحدا، فم��ا ث��نى س��نبكه ثم ش��رب هجن��ه، وم��ا

شرب ولم يثن سنبكه جعله عتيقا، وذلك ألن في أعناق الهجن قصرا فهي ال تنال الم��اء إال على تل��ك

الحال حتى تثني سنابكها،139

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

(91 ) وأعناق العتاق طوال فهي تشرب وال تثني سنابكها.

كان بمدينة السالم رجل ذو يسار، فبينما هو في منزله وقد جلس يأكل مع امرأت��ه وبين يدي��ه س��كباجة وق��د ف��احت رائحته��ا، إذ دن��ا سائل من الباب، وعساه كان ممن امتحن بنكبة بعد نعم��ة فق��ال: أطعموني من فضل ما رزقكم الله تعالى، فقامت المرأة وغرفت من القدر، وأخ�ذت رغيفين لتناول�ه، فلم�ا رأى ال�زوج ذل�ك حل�ف عليها أن ال تدفع له شيئا، فمضى السائل خائب��ا حزين��ا، واس��توفى الرجل طعامه، وصعد السطح لبعض حوائجه فعثر بشيء فس��قط إلى األرض فوقص ومات، وحازت المرأة ميراثه، وتص��رفت في��ه،

وضرب الدهر ضربانه.هوة إلى ذل��ك ثم إن الس��ائل لم��ا لقي من قبح ال��رد وش��دة الش�� الطعام الذي شم رائحته ع��اد إلى منزل��ه وأخ��ذ مض��ربة ك��ان ق��د اشتراها، فأراد أن يفتقها ويغسلها ويبيعها فوجد فيه��ا أل��ف دين��ار، فأخذها وغير حاله بها، ثم طلب امرأة يتزوج بها، فقالت ل��ه بعض ال��دالالت: ه��ا هن��ا ام��رأة ص��الحة وق��د ورثت، فم��ا تق��ول في مواصلتها؟ فأنعم، فسعت الداللة بينهما حتى اتفقا واجتمعا، فلم��ا

دخل بها تحدثا يوما، فقالت المرأة: ما أشد ما مضى على رأسك؟

فحدثها بوقوفه على باب دار وامرأة تأكل مع زوجها، فقالت المرأة: فاعلم أن ه��ذه ال��دار هي تل��ك، وأن��ا الم��رأة، وأن زوجي صعد في ذلك اليوم الس��طح فس��قط وم��ات، وق��د أورث��ك الل��ه تع��الى داره ومال��ه وزوجت��ه، فس��جد الرج��ل لل��ه ج��ل جالل��ه

شكرا، وحدث إخوانه فتعجبوا.وصف مخيف-

وصف ابن سيابة رجال فقال: فيه كياد مخنث،

وحسد نائحة، وشره قوادة،

ودل قابلة، وملق داية، وبخل كلب،

وحرص نباش.

فمتى عجز فأمرك بيدك-

89 /8جمع الجواهر في الملح والنوادر )(91140

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ق��دم أع��رابي على ابن��ة عم��ه يخطبه�ا فتمنعت علي��ه، فق��ال له�ا:عندي سر أفأقوله؟ قالت: قل،

قال لها: هل لك في ابن عم كاس من الحسب، عار من النشب، يتصلصل معك في إزارك،

ويدخل الحمام طرفي نهارك، يواصل بين ثالث في واحد، فمتى عجز فأمرك بيدك،

قالت: يا ابن عمي، ال يسمعن هذا أحد، وأنا أمتك.الهالل -

رأى رجل الهالل فاستحسنه، فقال له رجل: وما يستحسن منه؟ فوالله إن فيه لخصاال لو كانت إحداهن في الحمار لرد بها، قال:

وما هن؟ قال: يدخل الروازن،

ويمنع من الدبيب، ويدل على اللصوص،

ويسخن الماء، ويحرق الكتان، ويورث الزكام،

ويحل الدين، ويزهم اللحم.

سمت أوالدها ألعدائها- سأل العتبي أعرابيا: ما بال العرب سمت أوالدها أسدا ونمرا

وكلبا، وسمت عبيدها مباركا وسالما؟ قال: ألنها سمت أوالدها ألعدائها، وسمت عبيدها ألنفسها.

- قال الفضيل بن عياض ألصحابه: إذا قيل ألحدكم: أتخاف الله؟ فليسكت، فإنه إذا قال: ال، جاءبأمر عظيم، وإن قال نعم، فالخائف على خالف ما هو عليه.

وصف أعرابي رجال فقال:- ذاك والله ممن ينفع سلمه، ويتواصف حلمه، وال يستمرأ ظلمه.

حكمة بالغة- قالت أعرابية لزوجها ورأته مهموما: إن كان همك للدنيا فقد فرغ

الله منها، وإن كان همك لآلخرة فزادك الله تعالى هما بها.

قال أعرابي في وصف غوان:- حواجب مزججة، وثغور مفلجة، وخدود مضرجة.

قال أعرابي: -

141

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ما أفسح صدره، وأرحب بشره، وأبعد ذكره، وأعظم قدره، وأعلى شرفه، وأكثر ضففه ممن عرفه ولم يعرفه، مع حسن

االستيفاء، وسعة الفناء، وعظم اإلناء.

قال أعرابي:- فالن أفصح خلق الله تعالى إذا حدث،

وأحسنهم استماعا إذا حدث، وأمسكهم عن المالحاة إذا خولف،

يعطي صديقه النافلة، وال يسأله الفريضة، له نفس عن العوراء محصورة، وعلى المعالي مقصورة،

كالذهب اإلبريز ال��ذي يع��ز ك��ل أوان، والش��مس المن��يرة ال��تي التخفى بكل مكان،

هو النجم المضيء للحيران، والبارد العذب للعطشان.

قال أعرابي في وصف آخر: -ليث إذا عدا، وغيث إذا غدا،

وبدر إذا بدا، ونجم إذا هدى، وسم إذا أردى.جيران يتشممون األماني-

قال ابن أبي عتيق المرأته: تمنيت أن يهدى إلينا مس��لوخ، فنتخ��ذ من الطعام لون كذا ولون كذا، فسمعته جارة له، فظنت أنه أم��ر بعمل ما سمعته، فانتظرت إلى وقت الطعام، ثم جاءت فق��رعت

الباب، وقالت: شممت رائحة قدوركم فجئت لتطعموني منها.

فقال ابن أبي عتيق المرأته: أنت طالق إن أقمن��ا في ه��ذه ال��دار (92 )التي جيرانها يتشممون األماني.

التمني والحلم أخوان -ولبس مزي��د جب��ة فقي��ل ل��ه: أتتم��نى أن تك��ون ل��ك؟ ق��ال: نعم! وأضرب عشرين سوطا. قيل: ولم؟ ويحك؟ ق�ال: ال يك�ون ش�يء

إال بشيء.- لو علمت الغيب الخترتم الواقع

73جمع الجواهر في الملح والنوادر )(92142

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال األصمعي: طلب الحجاج رجال فهرب منه، فمر بس��اباط في��ه كلب نائم في ظل��ه. فق��ال: ي��ا ليت��ني مث��ل ه��ذا الكلب، فم��ا أتت ساعة حتى مر به الكلب وفي عنقه حبل، فسأل عنه فقالوا: ج��اء

(93)كتاب الحجاج وبه يأمر بقتل الكالب. كان حلما-

وفي كتاب للهند أن ناسكا كان له سمن وعسل في ج��رة؛ ففك��ر يوما فقال: أبيع هذه الجرة بعش��رة دارهم فأش��تري خمس أع��نز، فأولدهن في ك�ل س��نة م�رتين، فيبل��غ النت��اج في س�نتين م�ائتين، وأبت��اع بك��ل أرب��ع بق��رة، وأزرع وينمى الم��ال في ي��دي، فأتخ��ذ المساكن والعبيد، ويولد لي ولد، فأسميه كذا وآخذه باألدب، ف��إن هو عصاني ضربت بعصاي رأس��ه، وك��انت في ي��ده عص��ا فرفعه��ا

(94)كالضارب، فأصابت الجرة، فانكسرت وتبدد السمن والعسل.

وقيل ألعرابي: - ما أمتع لذات الدنيا؟ فقال: ممازحة الح��بيب، ومغالط��ة ال��رقيب،

وأمان تقطع بها أيامك، وأنشد: علليني بموعد ... وامطلي ما حييت به

ودعيني أفوز من ... ك بنجوى تطلبه (95 )فعسى يعثر الزما ... ن بحظي فينتبه

عزة توازن بين شعر األحوص وكثير- دخل كثير بن عبد الرحمن على عزة؛ فقالت: ما ينبغي أن نأذن لك في الجلوس. قال ولم ذلك؟ ق��الت: ألني رأيت األح��وص ألين جانبا عند القوافي منك في شعره، وأضرع خدا للنساء وأنه ال��ذي

يقول:

74جمع الجواهر في الملح والنوادر )(9374جمع الجواهر في الملح والنوادر )(9475جمع الجواهر في الملح والنوادر )(95

143

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

يأيها الالئمي فيها ألص��رمها ... أك��ثرت ل�و ك��ان يغ��ني عن��كإكثار

أقصر فلست مطاعا إذ وشيت بها ... ال القلب سال وال في حبهاعار

ويعجبني قوله: أدور ولوال أن أرى أم جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور وما كنت زوارا ولكن ذا الهوى ... إذا لم يزر ال بد أن سيزور لقد منعت معروفا أم جعفر ... وإني إلى معروفها لفقير

ويعجبني قوله: كم من دني لها قد صرت أتبعه ... ولو صحا القلب عنه��ا ك��ان لي

تبعا ال أستطيع نزوعا عن محبتها ... أويصنع الحب بي فوق الذي صنعاأدعو إلى هجرها قلبي فيتبعني ... حتى إذا قلت هذا صادق نزعا

وزادني رغبة في الحب أن منعت ... أش�هى إلى الم�رء من دني��اهما منعا

فقال لها كثير: والله لقد أجاد فم��ا اس��تجفيت من ق��ولي؟ ق��الت:فذلك قولك:

وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي ... وأظهرن مني هيبة ال تجهما يحاذرن مني غيرة قد عرفنها ... قديما فما يضحكن إال تبسما

تراهن إال أن يؤدين نظرة ... بمؤخر عين أو يقلبن معصما كواظم ما ينطقن إال محورة ... رجيعة قول بعد أن تتفهما

وكن إذا ما قلن شيئا يسره ... أسر الرضا في نفسه وتجرما وقولك:

وددت وبيت الله أنك بكرة ... هجان وأني مصعب ثم نهرب144

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

كالنا به عر فمن يرنا يقل ... على حسنها جرباء تعدي وأجرب نكون لذي مال كثير مغفل ... فال هو يرعانا وال نحن نطلب

إذا ما وردا منهال صاحب أهله ... علينا فما ننفك نجفى ونضرب ويحك؟! لقد أردت بي الشنعاء، ما وجدت أمنية أوط��أ من ه��ذه؟

فخرج من عندها خجال.- وكثير إن قبح في هذا فقد ملح في قوله:

فليت قلوصي عند عزة قيدت ... بقيد ضعيف غر منها فضلت وغودر في الحي المقيمين رحلها ... وكان لها باغ سواي وندت

وكنت ك��ذي رجلين رج��ل ص��حيحة ... وأخ��رى رمى فيه��ا الزم��انفشلت

وكنت ك��ذات الظل��ع لم��ا تح��املت ... على ظلعه��ا بع��د العث��اراستقلت

(96)أريد ثواء عندها وأظنها ... إذا ما أطلنا عنده المكث ملت وكان كثير على حدة خارطــه وجــودة شــعره أحمــق-

الناس. دخل عليه نفر من قريش يعودونه وهو عليل ويهزأون ب�ه؛ ق��ال بعضهم فقلت له: كيف نجدك؟ قال: بخير. ثم ق��ال: ه��ل س��معتم الناس يقولون شيئا؟ قلت: نعم س��معتهم يقول��ون: إن��ك ال��دجال. قال: أما لئن ق��الوا ذل��ك إني ألج��د في عي��ني اليم��نى ض��عفا من��ذ

(97)أيام. من نوادر الحمقى والممرورين-

قال الجاحظ: حدثني ثمامة بن أشرس ق��ال: ك��ان مم��رور ي��أتي ساقية لنا سحرا فال يزال يمشي مع دابتها ذاهبا وراجعا في ش��دة الحر والبرد، فإذا أمسى توضأ وصلى وق��ال: اللهم اجع��ل لن��ا من

76جمع الجواهر في الملح والنوادر )(9676جمع الجواهر في الملح والنوادر )(97

145

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

هذا الهم فرجا ومخرجا، ثم انصرف إلى بيته؛ فكان كذلك إلى أنمات.

ق��ال وح��دثني ثمام��ة ق��ال: م��ررت في غب مط��ر، واألرض- ندية، والسماء مغيمة، والريح شمالية، وإذا شيخ أص��فر كأن��ه ج���رادة، وق���د جلس على قارع���ة الطري���ق وحج���ام زنجي يحجمه، وقد وضع على كاهله وأخدعي��ه محجم��ة كأنه��ا قعب

وقد مص دمه حتى كاد يستفرغه. ق��ال: ف��وقفت علي��ه وقلت: ي��ا ش��يخ، لم تحتجم في مث��ل ه��ذا

(98)اليوم؟ فقال: لمكان الصفار الذي في. من عالمات الحمق-قال الجاحظ:

ما رأيت رجال عظيم اللحية إال وجدته كوسج العقل. وقالت أعرابية لقاض قضى عليها:-

عظم رأسك، فبعد فهمك؛ وانسدلت لحيتك، فانشمر عقلك، وم��ارأيت ميتا يقضي بين حيين قبلك.

عالمات الحمق- قال هشام بن عبد الملك يوما في مجلسه: يعرف حم��ق الرج��ل

بخصال أربع: بطول لحيته وشناعة كنيته، ونقش خاتمه، وإفراط شهوته.

ثم رمى بصره إلى رجل طويل اللحية في أقص��ى المجلس ف��دعا ب��ه. فق��ال: ه��ذه واح��دة، ثم س��أله عن كنيت��ه فق��ال: كني��تي أب��و الياقوت األحمر. فقال: وما نقش خاتمك؟ قال: " وتفقد الطير "،

(99)فقال: " مالي ال أرى الهدهد أم كان من الغائبين ".- خذوا الحكمة من افواه المجانين

77جمع الجواهر في الملح والنوادر )(9877جمع الجواهر في الملح والنوادر )(99

146

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

خرج مهزم بن الفرج القبعسي فقال: أيه��ا األم��ير، إني ق��د قلتبيتا، وأنشد:

كفى حزنا أن الفراء كثيرة ... وأني بمرو الشاهجان بال فرو فقال طاهر: هذه والله قافية شرود، أجيزوا؛ ف��أرتج عليهم. فق��ال مه��زم: أن��ا أولى بإجاب��ة نفس��ي. وق��ال: ص��دقت لعم��ري إنه��ا

لكثيرة ... ولكنها عند الكرام أولي الثرو فضحك طاهر، وقال: أم��ا لئن أغفلن��اك ح��تى حملن��اك على س��وء القول لنفسك سنستدرك، وأم��ر ل��ه بعش��ر أث��واب من وب��ر الخ��ز

(100 )والوشي؛ فباع منها تسعا بتسعين ألف درهم وأمسك واحدة.

فصل مواجن النساء ونوادرهن وجواباتهن-أخبار يزيد المقرط-

أخبر عبد الله بن أحمد العبدي ق��ال أخ��برني أب��و ح��بيب الس��امي قال كان بالبادية غالم يقال له يزيد المقرط وكان يتعش��ق جاري��ة يقال لها الذلفاء وانما سمي المقرط ألن أم��ه ك��انت ن��ذرت ان ال تنزع القرط عنه إال بمكة وأنه تراخى به الحج ح��تى انتهى والتحى والقرط عليه وانه واع��د ال��ذلفاء أن يص��ير إليه��ا في س��واد اللي��لقالت فإذا جئت فمن وراء الخباء ثم حرك النضد فإني أخرج إليك فجاء على راحلته ح��تى إذا ص��ار من الحي بنج��وة أناخه��ا ثم أتى الخباء فحركه فقالت له جئت قال نعم ق��الت ادخ��ل فأدخلت��ه من وراء الخباء ودثرته بالنضد ثم صاحت ص��يحة منك��رة ف��وثب أبوه��ا وأخوها فقالوا مالك قالت شيء ضربني في يدي فأقبلوا يعوذونها

78جمع الجواهر في الملح والنوادر )(100147

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ويرقونها وهي تصيح وشيخ من ناحية الماء يسمع فلما طال ذل��ك به��ا أتاه��ا الش��يخ فرق��ا له��ا في الم��اء ثم ق��ال لهم أس��قوها اي��اه فشربت فلم تهدأ أنتها فقال لق�د رقيته�ا برقي��ة العق��رب وال أظن

الذي ضربها إال عقربانا فافترقوا عنها وقال لها أخوها اصبري يا أخيه صبرك الله

فلما تفرقوا حركت النضد برجلها وقالت أخرج وكانت بك��را فلم��ا قعد منه�ا مقع�د الرج�ل من الم�رأة ودف��ع ص��احت فجع��ل أخوه��ا

يقول اصبري يا أخية أجمل بك وأكرم لك فلم تزل على حالها وخرج يزيد فركب راحلته فمضى غير بعيد ثم أقبل مع طلوع الشمس فلم��ا رآه أه��ل الحي ق��الوا ه��ذا فالن بن فالن يزيد ،فلما دنا قال ما هذه األنة ؟ قالوا الذلفاء ضربها ش��يء في هذه الليلة فلم تنم ، فقال جيئوني بماء ، فأتوه به فنف��ل في��ه ورق��ا ثم ق��ال اس��قوها من��ه فلم��ا ش��ربته س��كنت ، فق��ال أبوه��ا وأخوتها: يا أبا خالد بم رقيتها قال برقية العقربان ، فقال الشيخ : ألم أقل لكم أنه ذكر ، ثم أن يزيد ركب راحلته فقالوا يا أب��ا خال��د إلى أين ؟ قال أرتاد لكم السماء ، قالوا : ما أنت ببارح وقد ش��فا الل��ه ال��ذلفاء على ي��دك ح��تى تقيم عن��دنا يوم��ك وليلت��ك فأق��ام ، ورعدت السماء وبرقت ، فلما جنه الليل قال ويح��ك اني أش��تهي أن أنظ��ر إلى محاس��نك وب��دنك ، فق��الت فكي��ف ل��ك ب��ذلك ؟ قال :تخرجين فتكونين وراء الخباء ، فإذا برقت بارقة رفعت ثوبك فنظرت إليك في ضوء البرق ، قالت ذاك لك ، فخرجت من وراء الخباء وقام يزيد إليها ، فقال أبوه��ا أين تري��د ي��ا أب��ا خال��د ؟ ق��ال أنظ��ر إلى الس��ماء أين قبله��ا ، ثم خ��رجت ال��ذلفاء ف��أقبلت كلم��ا برقت بارقة ترفع ثوبها فينظر إليها ، وصاح أبوها أق��دم الخب��اء ي��ا أبا خالد كيف ترى قبلها ، ق��ال أراه قبال حس��نا يع��دنا خ��يرا ، ق��ال

(101 )فمقبل علينا أم عليك ؟ قال بل علي دونكم.

-مكر النساء -

قال ومر يزيد المقرط بثالث أخوات من األعراب وه��و على بك��ر له فأناخ اليهن فجعل يحادثهن وقال نش��دتكن الل��ه ه��ل اش��تهيتن الرجال ق��ط ؟ قلن أي والل��ه ، ق��ال فلتح��دثني ك��ل واح��دة منكن

بأشد شيء مر بها ولها ثلث بعيري . قالت أحداهن : أما أنا فإن فتى جاء فأناخ هاهنا فلما نظرت اليه وقع في قل��بي فتركت��ه ح��تى ه��دأت العي��ون فخ��رجت من الخب��اء أريده ، ونذرت بي أمي فقالت فالنة ما ل��ك ؟ قلت غم��زا وجدت��ه

153 / 1 بالغات النساء )(101148

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

في بطني ، قالت يا جاري�ة ق��ومي م�ع موالت�ك ، فخ�رجت معي ، فدرت في الص��حراء س��اعة أتل��وم ثم رجعت فأخ��ذت مض��جعي ، فلما كان في السحر وهي ال��ذ نوم��ة وأطيبه��ا وظننت أن أح��دا ال يتحرك وثبت من مضجعي ونذرت بي أمي فقالت ما لك يا بنية ؟ قلت لها بط��ني أذاني من��ذ الليل��ة ، ق��الت ي��ا جاري��ة ق��ومي م��ع ، موالت��ك فخ��رجت الجاري��ة معي ، فلم��ا ع��دت إذا أمي أورت ن��ارا ووض��عت عليه��ا ثالث��ة أحج��ار ملس ، فلم��ا جئت وق��د س��خنت الحجارة ناولتني احداها وقالت يا ابن��ة امس��كيه مع��ك فبللت��ه ، ثم تركتني ساعة وناولتني الثاني فق��الت امس��كيه مع��ك ، فامس��كته أكثر من ذلك فبللته باضعاف تينك الحجرين ، فقالت يا بنية ن��امي هادئة مستورة . قال لها قاتلك الله ما كان أشد غلمتك خذي ثلث

البكر ال بارك الله لك فيه . ثم ق��الت األخ��رى : كنت أمخض س��قاء لن��ا وكلب ناحي��ة رابض فلما أخرجت الزبدة وقع شيء منها على ساقي فلحس موض��عها فاستلذذت وقع لسانه فأقبلت أرفع له وأزب��ده ح��تى وض��عته على قبلي فاقبل يلحس واقبلت أمده حتى فرغت قال لها قاتل��ك الل��ه

ما كان أشد غلمتك خذي الثلث الثاني ال بارك الله لك فيه ق��ال للثالث��ة ه��اتي ق��الت خ��رج أبي في النعم وأمي في الغنم وخلفت علي أخ لي ص��غير فأقعدت��ه على بط��ني كالمالعب��ة ل��ه فوقعت عقبه على فرجي فاستلذذت لينها فأخذت ساقه بيدي ثم أقبلت أحك بها بين الشفرين وهو يبكي ما أفهم من بكائه شيئا ما بي فوالله ما زلت بذلك حتى فرغت وق��د انخلعت ورك��ه ق��ال ثم صاحت يا أخي قم الي فجاءني غليم أعيرج فقالت ها هو ذا وه��ذا وركه هي والله منذ ذلك اليوم منخلعة فما برأت قال أنت أشدهم غلمة خذي باقي البعير ال بارك الله ل��ك في��ه وانص��رف يزي��د على

رحله إلى رحله قد خسر وربحن.

وقال الهيثم عن عطاء بن مصعب الملقب بالملط-قال

كان أعرابي من بني تميم يزور المألة بنت زرارة وكان أحد ب��ني العنبر وكانت تحسن اليه فأبطأ منها ثم جاء وقد عفا شعر جسده وتفلت ريحه فقالت أين كنت ق��ال ش�غلني عنكن م��ا بلغ�ني إنكن

احدثتنه قالت وما هو قال استغنى بعضكن ببعض قالت أما رأيت العناق تنشر فتنزو

على العناق قال بلى قالت فإذا استحرمت الشاة لم يكن له��ا ب��د من ال��تيس

قال أظن والله.149

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال الهيثم عن جابر بن أبي جنيد البجلي قال- اشتريت جارية من إعرابي وكانت ض��ريرة مهزول��ة فألقيته��ا إلى أهلي وقلت أحس��نوا إليه��ا ق��ال ف��اطعمت الطيب والبس��ت اللين

فسمنت وحسن حالها فقل ما جئت إال وجدتها بالباب باكية

فقلت لها عرفت الحال التي اشتريتك عليها والح��ال ال��تي ص��رتإليها وأراك باكية

قالت ومن أحق مني بالبكاء قلت ولم ويحك

قالت ألني كنت عند رجل يمأل مادي ويفعم كعثبي ويوجع بلعصتيقال قلت يا زانية اذ أمسيت وبلعصتك في داري فأنا شر منك.

وقال الهيثم - قالت ابنة حبي ألمها يا أم��ه إن زوجي يطلب الي إذا ج��امعني ان انخر قالت يا بنية انخري فقد كانت ام��ك تنخ��ر نخ��يرا تقط��ع من��ه

قطرات إبل عثمان بن عفان فال تدرك إال بذي المجاز.وقال الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان قال -

جلست حبي ذات يوم بين فتيات قريش قال فشهقت حتى كادت أضالعها أن تتحطم فقلن لها يا أمة مالك ق��الت قتلت نفس��ا ق��ال فتشاهقن جمع ثم قلن أي أمه وكي�ف قتلت نفس�ا ق��الت خ�رجت يوما من الحمام فجلست في المسلخ أتوضأ ومعي ب��ني البن��ة لي ومعه جرو له فأتاني فدخل تحتي فلما رأى حمرة ش��فري وح��ري لطعه بلس��انه فاس��تلذذته ف��زاد فلم أزل أدن��و من��ه وأمكن��ه ح��تى أدركني ما يدرك بنات آدم فخررت عليه فم��ا وقعت عن��ه إال وه��و

ميت فقلن يا أمة ما هذا عيب ما هذه إال مكرمة

حدث الزبير بن بكار عن عمه مصعب بن عبد الله-قال

قال ابن ميادة وقع بيني وبين قومي من بني خميس بن عامرشر فهجوتهم فقلت:

وتبدي الخميسيات في كل زينة ... فروجا كأضالف الصغار منالبهم

قال وض��رب ال��دهر ض��ربة ثم أن ابلي ن��دت فخ��رجت في بغائه��ا فمررت ببني خميس بن عامر فانتس��بت في ب��ني س��ليم وص��رت إلى عجوز منهم تعرفني فأتت بقري ثم أب��رزت بني��ة له��ا في أزار أحمر فلم�ا وقفته�ا بين ي�دي أطلقت عنه��ا فق�الت ي�ا ابن الزاني��ة

150

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

انظر ه��ذا كم�ا وص��فت فنظ��رت إلى ش��يء لم أر مثل��ه فقلت ي�اسيدتي لم أقل كما بلغك إنما قلت:

وتبدي الخميسيات في كل زينة ... فروجا كآثار المعسية الدهمقالت فأنعت اليوم بعد المعاينة ما تنعت بحق

قال العتبي- أجمع نسوة فوصفن شهواتهن

فقالت أحداهن أشتهيه كذراع الحوار يغص فيه السوار على مثهكالمرار

وقالت الثانية أشتهيه عظيم الحوق رحيب الفوق وقالت الثالثة أشتهيه عريض الحين صاحبه مغرم بالطعن كأنما

يطلبني بطعن وقالت الرابعة:ياليت عندي نعتكن أجمع ... حتى أقضي حاجتي

(102)وأشبع

أحب الرجال إلى النساء - قعد الخليل بن أحمد العروضي وأبو المعلي مولى لبني قشير

عند قصر أوس بالبصرة فمرت بهما أم عثمان بنت المعارك من ولد المهلب بن أبي صفرة معها بنيات لها فجلست قريبا تستريح

وتروح فقال أبو المعلى للخليل يا أبا عبد الرحمن إال أكلم هذه فقال له الخليل ال تفعل فانهن أعد شيء جوابا والقول إلى مثلك

سريع وكان أصلع شديد الصلع له شعرات في قفاه قد خضبهابالحمرة فقال يا هذه هل لك من زوج ؟

قالت ال رحمك الله وأحمد الله وال لواحدة من بناتي قال فهل لك أن أتزوجك ويتزوج صاحبي هذا إحدى بناتك؟

قالت الحمد لله تخطبني وقد ابتالك الله بداءين قال وما هما ؟ قالت :أما واحد فانه فوق رأسك مسحا ،وأما آخر فبلغ من نوك��ك وحمق��ك إن��ك لم تغيره��ا بس��واد وواريته��ا بحم��رة فصارت كأنها نخامة في قفاك ويحك أما تروي بيت األعشى ق��ال

وأي بيوته قالت: وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إال الشيب

والصلعافما بقي بعد الشيب والصلع إال أن تلعق الزبد أو تموت هزاال

ثم التفتت إلى الخليل فقالت ما أنت يا عبد الله فقال لها أذك��رك الله فاني قد نهيته عن كالمك فأبى فقالت أم��ا يعلم ه��ذا األحم�ق أن أحب الرج��ال إلى النس��اء المس��حالتي ،المنظ��راني، الغلي��ظ

151 / 1 بالغات النساء )(102151

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

القصرة ،العظيم الكمرة ، الذي إذا طعن قشر ، وإذا دخله حف��ر،وإذا أخرجه عقر

ثم قامت تضحك وقمن بنياتها فقال اليش��كرى متمثال بق��ول عم��ربن ربيعة المخزومي:

فتهادين وانصرفن ... ثقال الحقائب فقلت بالله من أنت قال رجل من بني يشكر قالت تخطبني وقد

قال فيك الشاعر ما قال وما قال الشاعر قالت:

إذا يشكري مس ثوبك ثوبه ... فال تذكرن الله حتى تطهرافكيف بالمباضعة والمجامعة أي ما ينقى منها

ثم ق��الت قس��ما بالل��ه ل��و أن لي وبن��اتي أو لك��ل واح��دة بن��ا من األحراج بقدر األيور التي أهداها مالك بن خياط العكلي إلى عمرة بنت عبد الله بن الحارث النميري ما راني الله وال بنياتي أن ندفع

إليك منها حرا واحدا فقال الخليل أنشدك الله ما هذه الهدية؟

فقالت قلة حذق بالتحميش وقلة رواية ال يجتمعان على مسلم قال أنشدك الله قالت أنا سمعته يقول:

هديتي أخت بني نمير ... لحرك يا عمرة ألف عيرفي كل عير ألف إير ... في كل إير ألف ألف سير

في كل سير ألف كسر ايرفقال الخليل ما وضع شيئا

فقالت وكيف ذاك متداهي ؟قال ترك أستاهن فوارغ

قالت من ها هنا أتيت، أنا سمعت جرير بن الحطفي بن الخطفيوهو يهجو الراعي النميري حيث يقول:

ولو وضعت قفاح بني نمير ... على خبث الحديد إذا لذابا انه كره أن يفسد هديته وان يحرقها فمن ثم تركها فوارغ ثم

نهضت فقال الخليل ألبي المعلى واسمه محمد:نصحتك يا محمد أن نصحي ... رخيص يا محمد الصديق

(103)فلم تقتل فخنت أبا المعلى ... كخيبة طالب الطرف العتيق

قال الزبير بن بكار- أخبرنا عمران ابن فليح وكان كاتبا للمأمون عن عم��ة س��لمة ابن فليح قال كنا عند المهدي نسمر ليلة معه فقال لي أمع��ك أه��ل ؟ قلت ال ، فجارية ؟ قلت ال وال جاري��ة ، ق��ال فحدثت��ه ثم انص��رفت إلى منزلي وقت االنصراف وإذا بشمع زهر في بي��تي وإذا الخ��دم والجواري والفرش وإذا جارية كأنه��ا ص��ورة فق��امت الي فأخ��ذت

160 / 1 بالغات النساء )(103152

5الفكاهة والمرح عند العرب ج ثيابي ثم جلست فدعت بسفط فيه طيب فطيبت��ني ولبس��ت أزارا مطيبا وألبستني مثله ثم صرت إلى فراشي فقامت واجتهدت لي فلم أتحرك فلما أعييتها بعد أن تجردت واجتهدت صاحت يا جارية علي بالتخت هو ما توضع فيه الثي��اب فجاءته��ا ب��ه فأخ��ذت خرق��ة بيض��اء ثم ذرت فيه��ا من مس��ك في الس��فط ثم أه��وت لتكفن��ه وقامت لتكبر وتصلي عليه وقالت مات رحمه الله الل�ه أك�بر ق��ال فلم��ا أص��بحت غ��دوت على المه��دي فق��ال أي ش��يء كنت في��ه البارحة فحدثته الحديث فضحك قال ثم انص��رفت إلى بي��تي ف��إذا الجارية قد ردت وليس فيه شيء مم��ا ك��ان في��ه وإذا خ��ادم مع��ه عشرة آالف دينار فدفعها إلي وقال يقول لك أمير المؤمنين ه��ذه

انفع لك منها

قال إسحاق الموصلي - أتت امرأة فيه��ا عجم��ة ح��بي المدين��ة تس��ألها المه��راس وزوجه��ا يجامعها فقالت أعيرون�ا المه�راس فق�الت أطلبي�ه من اب�ني ف��إن

مهراسنا في الهاون مشغول

- قال إسحاق الموصلي سألت إعرابية عن األير ما هو فقالت عصبة نفخ فيها الشيطان

فال يرد أمرها.

عن أبي عمرو بن العالء، قال:- قدم أعرابي المدينة فصلى الجمعة، فسمع الخطب��ة فأعجب��ه م��ا سمع، فلما صلى نظر إلى ق��وم ي�دخلون إلى دار عام�ل المدين��ة، فدخل معهم، ف��أتى بالطع��ام، ف��رأى ألوان��ا لم تش��به م��ا تكلم ب��ه

الخطيب، فقال:لقد رابني من أهل يثرب أنهم ... يهمهم تقويمنا وهم عصل

العصل: اعوجاج الباب، ويقال للرجل المعوج الساق اعصل.وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها ... افاويق حتى ما يدر لها ثعل

الثعل: حلمة الثدي إذا ركبوا األعواد قالوا فأحسنوا ... ولكن حسن القول يفسده

(104)الفعل

قال األصمعي:- قدم أعرابي البصرة ومعه بن��ات ل��ه حس��ان، ف��ذكر أه��ل البص��رة حس��نهن، فج��اء ش��اب فجلس فنظ��ر إلى بعض��هن ونظ��رت إلي��ه،

173 / 1 تعليق من أمالي ابن دريد )(104153

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ففطن أبوها، فقام إليها بعمود - وكان في يده - يضربها، ف��دخلتالبيت، وأنشأت تقول:

أيعذر صأبيهم واضرب في الصبا ... وما نحن والفتيان إال شقائق(105)

وعن األصمعي، قال: - ذكر أبو البيداء أن عبد الملك بن مروان وقف جارية للشعراء -

وعنده جماعة منهم - فقال: من أجاز هذا البيت فهي له، ثمأنشدتهم:

بكى كل ذي شوق شآم وتبعه ... يمان، فأنى يلتقي الشجنان؟فقال جرير: ادني يا جارية، فقال:

يغور الذي بنجد، أو ينجد الذي ... بغور تهامات فيلتقيان فقال عبد الملك: خذ بيدها، ثم اقبل عبد الملك على جرير فقال:

أتعرف هذا؟ يعني األخطل. فقال األخطل: أال تعرفني وأنا الذي أطلت شتمك، وأرقت نومك،

واهتضمت قومك؟ فقال جرير: ذاك وأبيك أشقى لك،

أما قولك: أطلت شتمك، فقد فعلت، فما كففت وال انتصرت، وأما قولك: أرقت نومك، فلو كنت نمت عن عشيرتك وعن عيبك

كان خيرا. وأما قولك: اهتضمت قومك، فكيف يهتضم قومي من ضربت

عليه الذلة والمسكنة وباء بغضب من الله؟

وعن األصمعي،- قال: كان أبو عميس بخيال، وكان إذا وق��ع بي��ده درهم نظ��ره، ثم قال: كم من يد وقعت فيها، وبلد دخلته، فأسكن وق��ر عين��ا، فق��د اطمأن ب�ك الم�نزل، واس�تقرت ب�ك ال�دار، ثم يص�ره في خرق��ة،

ويلقيه في حرزه.

- وعن األصمعي، قال: بلغني أن أعرابيا جاء إلى الحسن، فقال: يا أبا سعيد علمني دينا وسوطا، ال ذاهبا فروطا، وال ساقطا سقوطا: فقال. أحسنت، لله

أبوك عليك من األمور بأوساطها.

قال: ضرب بعض عمال المدينة ابن أبي عتيق في الخمر، فلقيه أبو قتادة بن ربعي، فقال له: يابن أخي، أفي خليلة ضربوك؟

فقال: كال يا عمي، بل:173 – 1 أمالي ابن دريد )(105

154

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

صرف من الداروم أو من بابل ... أو من بالس يشمها المزكومراح ترد الروح بعد نفورها ... وبها ينال شفاءه المحموم

(106 )قال: فما أراهم ظلموك.

وعن أبي عبيدة، قال: سمعت يونس يذكر زيادا وك��رم مجالس��ته. ق��ال: حب��ق رج��ل في مجلسه فجاء بصوت منكر، فلما ك��ان الغ��د، أم��ر زي��اد غالم��ا ل��ه، فجاء بنفاخة فنفخها ووضعها تحت وسادة الرجل ال��ذي ك��ان من��ه الحدث، فلما جلس على الوسادة انصدعت النفاخة، فجاء ص��وتها كالصوت الذي جاء ب��األمس، فق��ال زي��اد للرج��ل: قم، فق��ام ف��إذا النفاخة منصدعة، فقال زي��اد: لق��د اج��ترأ على من ص��نع ه��ذا في

مجلسي مرتين.

وعن األصمعي، قال: - كان عبد الل��ه بن ع��امر بن كري��ز من فتي��ان ق��ريش ج��ودا وحي��اء وكرما. فدخل أعرابي ليال، فسأل عن دار ابن عامر، فأرشد إليها، فجاء حتى أن��اخ راحلت��ه بفنائه��ا، وانش��غل عن��ه الح��اجب والعبي��د، فبات القفر، فلما أصبح ركب ناقته ووق��ف على الح��اجب، وانش��أ

يقول:كأني ونضوى عند باب ابن عامر ... من الجوع ذئبا قفرة هلعان

وقفت وصنبر الشتاء يلفني ... فقد مس برد ساعدي وبناني فما أوقدوا نارا وال اعرضوا قرى ... وال اعتذروا من عسرة

(107 )بلسان

فقال بعض شعراء البصريين:كم من فتى تحمد أخالقه ... ويسكن العافون في ذمته

قد كثر الحاجب أعداءه ... واحقد الناس على نعمته فبلغ ذلك ابن عامر، فعاقب الحاجب، وأمر أال يغلق بابه ليال وال

نهارا

- وعن أبي عبيدة، قال: خطب رجل من بكر بن وائل إلى رج��ل من م��راد ابنت��ه، فهم أن يزوجها، فبين��ا الجاري��ة يوم��ا تلعب م��ع الج��واري إذ ج��اء البك��ري، فقلن لها: هذا خاطبك. فقالت: ما رجل هو أحب إلي أن أكون قد رأيته منه - فلما رأت رجال كبير الس��ن، ق��بيح الوج��ه، ق��ال: أوق��د

183 – 1 تعليق أمالي ابن دريد )(106184 – 1 تعليق أمالي ابن دريد )(107

155

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

رضي أبي؟ فقلن: نعم، فدخلت ال��بيت، واش��تملت على الس��يف، وش��دت علي��ه، فس��بقها ع��دوا، ونالت��ه بض��ربة. فق��ال ابن هم��ام

السلولي، وهو يشبب بامرأة: أخاف بأن يجزي المحب كما جزت ... فتاة مراد شيخ بكر بن

وائلفلو لم يرع روع الحبارى تفتخت ... ذوائبه منها بأبيض ناصل وال ذنب للحسناء لما بدا لها ... ضعيف كخيط الصوف رخو

(108 )المفاصل

- من ملح أبي األسود قال المدائني: كان ألبي األس��ود ال��دؤلي دك��ان إلى ص��در الرج��ل يجلس فيه وحده، ويضع بين يديه مائدة ويدعو إليه��ا ك��ل من يم�ر به، وليس ألحد أن يجلس؛ فينصرفون عن��ه. وك��ان أبخ��ل الن��اس،

185 – 1 تعليق أمالي ابن دريد )(108156

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فمر به صبي من األنصار؛ فقال له أبو األسود: هلم إلى الغداء ي��ا ف��تى؛ ف��أتى إلي��ه، فلم ي��ر موض��عا يجلس في��ه، فتن��اول المائ��دة فوضعها في األرض ثم قال: يا أبا األسود، إن كان ل��ك في الغ��داء حاج��ة ف��انزل؛ وأقب��ل الف��تى يأك��ل ح��تى أتى على جمي��ع م��ا في المائدة، وسقطت آخر الطعام من يده لقمة على األرض فأخ��ذها وق��ال: ال أدعه��ا للش��يطان. فق��ال أب��و األس��ود: والل��ه م��ا ت��دعها للمالئك��ة المق��ربين، فكي��ف ت��دعها للش��ياطين! ثم ق��ال ل��ه: م��ا اسمك؟ قال: لقمان. فقال أبو األسود: أهل��ك ك��انوا أعلم زم��انهم

إذ سموك بهذا االسم، ولم يعد بعد إلى ما كان يصنع. واسم أبي األسود ظالم بن عمرو من بني الدئل من كنانة، وكان قد أدرك حياة النبي صلى الله علي��ه وس��لم، وس��افر إلى البص��رة على عهد عم��ر رض��ي الل��ه عن��ه، واس��تعمله علي بن أبي ط��الب رض��ي الل��ه عن��ه على البص��رة وك��ان ش��يعيا، وه��و أول من وض��ع

العربية وهو القائل: أمنت على السر امرءا غير حازم ... ولكنه في الود غير مريب

أذاع به في الناس حتى كأنه ... بعلياء نار آذنت بثقوب وما كل ذي لب بمؤتيك نصحه ... وما كل مؤت نصحه بلبيب ولكن متى ما جمعا عند واحد ... فحق له من طاعة بنصيب

- وكان مجاورا لب��ني قش��ير وهم عثماني��ة وك��انوا يرجمون��ه، ف��إذا أصبح شكاهم؛ فيقول��ون: م��ا نحن رجمن��اك، الل��ه تع��الى رجم��ك. فيقول: كذبتم يا فعالء، أنتم ترمون فتخطئون ولو كان الله رماني م��ا أخط��أني؛ ثم ب��اع داره وانتق��ل عنهم. فقي��ل ل��ه: أبعت دارك؟

فقال: بل بعت جاري، وفيهم يقول: يقول األرذلون بنو قشير ... طوال الدهر ما تنسى عليا

أحب محمدا حبا شديدا ... وعباسا وحمزة والوصيا فإن يك حبهم رشدا أصبه ... ولست بمخطىء إن كان غيا

157

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وإنافقالوا له: أشككت؟ فقال: مما شك الله تع��الى إذ يق��ول: .(109) أو إياكم لعلى هدى أو في ضالل مبين

-وقال عمر بن شبة: لما وقعت الفتنة أيام ابن الزبير بالبصرة مر أبو األسود على مجلس ابن قشير، فقال: على ماذا أجمع أم��ركم في هذه الفتنة؟ قالوا: لم تسألنا يا أب��ا األس��ود؟ ق��ال: ألخ��الفكم،

فإن الله لم يجمعكم على حق. وأنشد ابن شبة في هذا المعنى لبعض المحدثين:

إذا أشبه األمران يوما وأشكال ... علي فلم أعرف صوابا ولم أدر سألت أبا بكر خليل محمد ... فقلت له ما تستحب من األمر؟

فإن قال قوال قلت شيئا خالفه ... ألن خالف الحق قول أبي بكرأحمد بن الخصيب وبعض أخباره -

وك��ان أحم��د بن الخص��يب الق��ائم ب��أمر المنتص��ر بع��د قتل��ه أب��اه المتوك��ل واس��تيالئه على الخالف��ة، فلم��ا م��ات المنتص��ر أق��ره المس��تعين أحم��د بن المعتص��م على م��ا ك��ان، ولم يط��ل عم��ر المنتصر بعد أبيه. ومن عجائب االتفاقات ما حك��اه بعض أص��حاب التواريخ: أن المنتصر لما أصبح في الخالفة وجلس للبيعة، ف��رش في الدار بساط جليل كسروي، فوقف أح��د رج��ال المنتص��ر على بعض صنائعه، وقد نظر إلى دارة فيها ص��ورة رج��ل ميت مس��جى على سريره، وقدامه ملك منتصب على سرير الملك، على رأسه التاج، والمرازبة قيام بين يدي��ه، وعلى رأس��ه س��طور بالفارس��ية؛ فلما نظر الرجل إلى الصورة وقرأ ما عليها دمعت عيناه، فدعا به وقال له: ما هذا الذي تنظر إليه؟ قال: ال شيء يا أمير المؤم��نين. قال: فلم بكيت؟ قال: طرفت عيني بثوبي. قال: ال بد من الصدق عما رأيت. قال: وقعت عيني يا أمير المؤمنين على هذه الصورة، فبقيت أعجب من حسن تصويرها، ثم قرأت ما عليها مكتوب فإذا هو: هذه صورة شيرويه بن كس��رى قت��ل أب��اه فلم يعش بع��ده إال

78جمع الجواهر في الملح والنوادر )(109158

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

تسعة ش��هور. فانخ��ذل المنتص��ر ووجم، ولم يعش إال ه��ذا الق��در،(110 )فأقام أحمد بن الخصيب مع المستعين على ما كان عليه.

-وك��انت ح��ال أوت��امش ال��تركي ق��د ت��وافت في أي��ام المس��تعين فاستخف به ابن الخص��يب، وج��اءه بعض كتاب��ه فأس��معه م��ا ك��ره فجاء إلى صاحبه فعرفه ما جرى، فكرب إلى المس��تعين، فحمل��ه إلى مكروه��ه، ف��أمر به��دم داره واستص��فاء أموال��ه وبعث��ه إلى أقريطش. وكان ابن الخصيب غبيا جاهال. قال إبراهيم بن الم��دبر: كنت يوما عنده فقدم الطع��ام وفي��ه هلي��ون ف��أكب علي��ه، فقلت: أراك راغبا في الهليون، فقال: بلغني أنه يزيد في الس��هاد، ويؤي��د

في الباه، ثم جلسنا للشرب فغنت بعض القيان: إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتالنا

يصرعن ذا اللب حتى ال حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا فقال: هذا الشعر ألبي. فقلت: قاتل الله جريرا م��ا ك��ان أس��رقه

(111 )لشعر أبيك!

وماتت له بنية، فخرج إلى جلسائه يعصر عيني��ه، وق��ال: ق��د قلتفي هذه الصبية:

غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا فقال له بعض جلسائه: أع��ز الل��ه ال��وزير ه��ذا مش��هور في ش��عر

جرير. فقال: لعله وافقه. - وكان ك��اتب أوت�امش ش��جاع بن القاس��م، وابن الخص��يب عن��ده سحبان وائل، وكان ش�جاع أمي��ا ال يق�رأ وال يكتب وال يفهم، وإنم�ا علم عالمات يكتبها في التواقيع. قال الحس��ن بن مخل��د: وص��فني محمد بن عب�د الل�ه بن ط�اهر للمس�تعين وس�أله أن ي�دخلني في جملة من ينادم��ه؛ ف��دعاني لمنادمت��ه يوم��ا، فإن��ا لقع��ود بين يدي��ه ومعن��ا أوت��امش إذ دخ��ل ش��جاع بن القاس��م ومع��ه ش��يء يري��د عرضهن فنظرت إليه، وقد أخ�رج س��راويله من خف�ه، ووق��ع على

80جمع الجواهر في الملح والنوادر )(11080جمع الجواهر في الملح والنوادر )(111

159

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قدميه، ودخل تحت عقبه من إحدى رجليه وهو يس��حبه ويدوس��ه، فغمزت محمد بن عبد الله فضحك، ورأى المستعين ذلك؛ فس��أله عن س��بب ض��حكه فدافع��ه. فق��ال ل��ه: بحي��اتي. فق��ال ل��ه: س��ل الحسن يا سيدي، فنظر إلي وقال: هي��ه ي�ا حس�ن!! فأوم�أت إلى سراويل شجاع؛ فضحك حتى استلقى، وقال: ويلك يا شجاع!! م��ا هذا؟ قال: الساعة يا سيدي داسني كلب فخزقت سراويله وثيابه، ف��ازداد ض��حك المس��تعين وأه��ل المجلس، وض��جر أوت��امش من ضحكهم بكاتبه. وسأل شجاعا بعض الهاشميين حاجة؛ فق��ال لهم: ليس األمر فيها إلي وه��و لألم��ير يع��ني أوت��امش وه��و يجلس أول

من أمس يعني بعد غد. - سقط أبو الح��ارث حم��ير من س��طح؛ فقي��ل ل��ه: أك��ان الس��طح مرتفع��ا؟ ق��ال: ال تس��أل عن ش��يء؟ اس��تطبت ب��رد اله��واء قب��ل

الوصول إلى األرض. -وق�ال رج�ل: أش�تهي أن أرى خلفي. فج�اءه أب�و الح�ارث بم�رآة

فجعلها تلقاء وجهه. -وتش��هى ق��وم ض��روبا من الطع��ام. فق��الوا: م��ا تش��تهي ي��ا أب��ا

الحارث؟ فقال: الوفاء بهذا. - وأكل يوما مع قوم رؤوسا، فتبادروا إلى األعين ليقتلعوها فتنحى

ناحية. فقالوا: مالك؟ قال: ظننتكم ناسا فإذا أنتم نسور. - وجلس يتغدى مع الرشيد وعيسى بن جعفر ف��أتي بخ��وان علي��ه ثالث�ة أرغف�ة، فأك�ل أب�و الح��ارث رغيف�ه قبلهم�ا. وق��ال: ي�ا غالم، فرسي! ففزع الرشيد وقال: ويل��ك! مال��ك؟ ق��ال: أري��د أن أركبإلى ذلك الرغيف الذي بين يديك، فضحك الرشيد وأمر له بجائزة. - ومال أبو الحارث على زفر بن الحارث وعنده جوار يغ��نين وأب��و الحارث جائع. فقال: اسقوا أبا الحارث وغنين��ه م��ا يق��ترح. فق��ال:

بحياتي غنين: خليلي داويتما ظاهرا ... فمن ذا يداوي باطنا

فقال زفر: غنين:

160

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله ال يخيب -ونظر أبو الحارث إلى برذون يستسقى عليه الماء فقال:

وم��ا الم��رء إال حيث يجع��ل نفس��ه ... ففي ص��الح األخالق نفس��كفاجعل

لو أن هذا البرذون هملج لما فعل به هذا. - ونصب مع رفقاء له قدرا وجعل فيها لحما. فلما تله��وجت نش��ل بعضهم قطعة وق��ال: تحت��اج إلى ملح، ونش�ل آخ��ر قطع��ة وق��ال: تحتاج إلى أبزار، ونشل آخر قطعة وقال: تحتاج إلى بص��ل، فرف��ع

(112 )أبو الحارث القدر وقال: والله تحتاج هذه القدر إلى لحم.

- طرف متفرقة وس��رق م��دني قميص��ا فبعث��ه م��ع ابن��ه يبيع��ه، فس��رق من��ه في الطري��ق، فلم��ا رج��ع ق��ال أب��وه: بعت القميص. ق��ال: نعم! ق��ال:

بكم؟ قال: برأس المال. -دعا بعض الملوك ب��أبي علقم�ة المم�رور وآخ��ر مجن��ون ليض��حك منهم��ا، فش��تماه فغض��ب. وق��ال: الس��ياط ي��ا جالدين. فق��اال: كن��ا

مجنونين فصرنا ثالثة، فضحك وأجزل صلتهما. - وطبخ بعض البخالء قدرا فقع��د ه��و وامرأت��ه ي��أكالن. فق��ال: م��ا أطيب هذا القدر ل��وال الزح��ام! ق��الت: أي زح��ام ه��ا هن��ا إنم��ا أن��ا

وأنت! قال: كنت أحب أن أكون أنا والقدر. - أبو األغر يظن الكلب لصا

نزل شيخ أعرابي من بني نهشل يك��نى أب��ا األغ��ر على بنت أخت له من قريش بالبصرة، وذل��ك في ش��هر رمض��ان؛ فخ��رج الن��اس إلى ض��ياعهم؛ وخ��رج النس��اء يص��لين في المس��جد، ولم يب��ق في الدار إال اإلم��اء؛ ف��دخل كلب ف��رأى بيت��ا فدخل��ه وانص��فق الب��اب، فسمع اإلماء الحركة فظنن لصا دخل الدار؛ ف��ذهبت إح��داهن إلى أبي األغر فأخبرته، فأخذ عصا ووقف على باب البيت. فقال: إيه��ا والله! إني بك لعارف، فهل أنت من لصوص بني م��ازن، وش��ربت

82جمع الجواهر في الملح والنوادر )(112161

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

نبيذا حامضا خبيثا حتى إذا دارت األقداح في رأسك منت��ك نفس��ك األماني، فقلت: أطرق دور بني عمرو، والرجال خل��وف، والنس��اء يصلين في مسجدهن فأسرقهن، سوءة لك! والله م��ا يفع��ل ه��ذا حر، بئسما منتك نفسك! فاخرج بالعفو عنك، وإال دخلت بالعقوب��ة عليك، وأيم الله لتخرجن أو ألهتفن هتفة يلتقي فيها الحيان عمرو وحنظلة، ويصير زيد زيدا، وتجيء سعد بعدد الحصى وتسيل عليك الرجال من هاهنا وهناها؛ ولئن فعلت لتكونن أشأم مولود في بني تميم. فلما رأى أنه ال يجيبه أخذه باللين، فق��ال: اخ��رج ب��أبي أنت منصورا مستورا، إني والله ما أراك تعرفني، ولئن عرفتني لوثقت بقولي، واطمأننت إلي، أنا أب��و األغ��ر النهش��لي، وأن��ا خ��ال الق��وم وجلدة ما بين أعينهم، ال يعصون لي رأيا، وأنا خفير كفي��ل أجعل��ك ش��حمة بين أذني وع��اتقي، ف��اخرج أنت في ذم��تي، وإال فعن��دي قوصرتان أه��داهما إلي ابن أخ��تي الب��ار الوص��ول، فخ��ذ إح��داهما فانتبذها حالال من الله ورسوله. وكان الكلب إذا س��مع ه��ذا الكالم أطرق، وإذا سكت وثب يريد الخروج، فتهافت أبو األغ��ر ثم ق��ال: يا أألم الناس، أراني ب��ك الليل��ة في واد وأنت في آخ��ر، وأنت في داري أقلب البيضاء والصفراء، فتصيح وتط��رق، وإذا س��كت عن��ك وثبت تري��د الخ��روج، والل��ه لتخ��رجن أو أللجن علي��ك. فلم��ا ط��ال وقوفه جاءت جارية وق��الت: أع��رابي مجن��ون! والل��ه م��ا أرى في البيت أحدا، ودفعت الباب، فخرج الكلب مب��ادرا، ووق��ع أب��و األغ�ر مستلقيان فقلن له: قم ويحك! فإنه كلب. فقال: الحمد لله ال��ذي

(113)مسخه كلبا وكفى العرب حربا.

طرف وملح متفرقة- أك��ل الحج��اج م��ع رج��ل بيض��ا، فأقب��ل يأك��ل المح وي��رمي إلي��ه

بالبياض؛ فقال الرجل: أيها األمير؛ عدل العجة. -وكان بعض األكاسرة يتط��ير، فلقي��ه رج��ل أع��ور، ف��أمر بحبس��ه، فأق��ام م��دة ثم أطلق��ه فتع��رض ل��ه فق��ال: لم حبس��تني؟ ق��ال: تشاءمت بك. قال: فأنت أشأم مني؛ خرجت من قصرك فلقيت��ني فلم تر إال خ��يرا؛ وخ��رجت أن��ا فلقيت��ك فحبس��تني. فق��ال المل��ك:

صدق وأمر له بصلة.83جمع الجواهر في الملح والنوادر )(113

162

5الفكاهة والمرح عند العرب ج - قال رج��ل ألح��دب: لئن رفس��تك ألقيمن ح��دبتك! ق��ال: إن��ك إذا

لعظيم البركة علي. - قال الفضل اليزيدي: كان محمد بن نص��ر بن منص��ور بن بس��ام أشد الناس همة وآلة وغناء، وكان ناقص األدب، وكنت أختلف إلى ولده علي يقرأ علي الشعر؛ فدخلت يوما وهو يشرب وعنده عب��د الل��ه بن محم��د بن إس��حاق، وك��ان مثل��ه في الجه��ل، وق��د م��دت

الستارة فغنت القينة: أال حي الديار بسعد إني ... أحب لحب من سكن الديارا

أراد الظاعنون ليحزنوني ... فهاجوا صدع قلبي فاستطارا فقال عبد الله بن محمد بن إسحاق لمحمد: لوال جهل األعراب ما جرى ذكر الس��عد هاهن��ا. فق��ال ل��ه محم��د: ال تفع��ل، فإن��ه يق��وي

معدهم ويصلح أسنانهم.من ملح النحويين المتقعرين

-قال أبو علقمة النحوي لجاري��ة ك��ان يهواه��ا: ي��ا خري��دة؛ أخال��ك عروبا، فما بالنا نمقك وتشنئينا؟ فقال: م��ا رأيت أح��دا يحب أح��دا ويشتمه سواك. الخريدة: الناعمة اللينة، والعروب��ة: المتحبب��ة إلى

زوجها. -وق��ال بالل بن أبي ب��ردة لجلس��ائه: م��ا الع��روب من النس��اء؟ فماجوا، وأقبل إسحاق بن عبد الله بن الحارث فقالوا: قد ج��اءكم

فسلوه. فقال: هي الخفرة المتبذلة لزوجها، وأنشد: يعربن عند بعولهن إذا خلوا ... فإذا خرجن فإنهن خفار

والمقة: المحبة. -وقد حكى قول أبي علقمة عبد الرحمن الطلحي. وأتي الهيثم بن العريان بغريم قد مطلب غريمه دينارا؛ فقال: ما تقول؟ قال: إن��ه ابت��اعني عنج��را واستنس��أته ح��وال فص��ار ال يلق��اني في لقم إال اقتضاني. فقال الهيثم: أمن ب��ني أمي��ة أنت؟ ق��ال: ال. ق��ال: فمن أكفائهم من ب�ني هاش��م؟ ق��ال: ال. ق��ال: ويلي على ابن الفاعل��ة، فعلى من تتكلم بهذا الكالم؟ الس��ياط! فلم��ا ج��رد ق��ال: أص��لحك

163

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

الله؛ إن إزاري مرعبلة. فقال: دعوه، فل��و ت��رك التثاق��ل ب��الغريبفي وقت لتركه اآلن.

العنجر: عجم الزبيب. واللقم: الطريق، والمرعبلة: الخلقة.سيبويه المصري وبعض ندماء كافور

ودخ��ل أب��و بك��ر س��يبويه المص��ري نافل��ة البص��رة على ك��افور اإلخشيدي وعنده بعض ندمائه. فقال: أيها االستاذ، دعني أه��اتره. فقال: إنك ال تطيقه. قال: ال بد من ذلك. قال: شأنك. قال: ي��ا أب��ا بكر، م��ا ح��د ال��رأس؟ ق��ال: م��ا أح��اط ب��ه جربان��ك، وأدب��ك علي��ه سلطانك، والعبك في�ه إخوان�ك. فخج�ل الرج�ل، وض�حك ك��ل من

حضر. - وكان سيبويه هذا يشبه بأبي العين��اء في س��رعة جواب��ه، وج��ودة بديهته، وكثرة روايت��ه. وك��ان الن��اس يتبعون��ه ويكتب��ون م��ا يق��ول، وكان قد شرب البالذر فعرضت له حدة مفرطة. وأحضره أبو بكر محمد بن الخازن، فق��ال: بلغي بالء لس��انك، وك��ثرة أذاك للن��اس، وق��بيح معاملت��ك لألش��راف؛ فاح��ذر أن تع��ود؛ فينال��ك م��ني أش��د العقوبة، وصال عليه بالكالم. وك��ان الص��بيان يتولع��ون ب��ه إذا م��ر ويصيحون: يا خازن! يا خازن! اخرج عليه فيغضب؛ فقال ل��ه ذل��ك يوم��ا ص��بي وأب��و بك��ر المعيطي حاض��ر فض��حك المعيطي؛ فق��ال للصبي: ضرب الله عنق الخازن كما ضرب رسول الله صلى الل��ه عليه وسلم عنق عقبة بن أبي معيط يوم يدر على الكفر، وضرب ظهر أبيك بالسوط كما ضرب علي بن أبي طالب رضي الله عن��ه ظهر الوليد بن عقبة على شرب الخمر، وألحقك يا صبي بالصبية. فقام المعيطي كأنما نشر من قبر. يري�د بقول��ه للص��بي: وألحق��ك بالصبية قول النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم لعقب��ة بن أبي معي��طوقد قال له: فمن للصبية يا محمد؟ قال: النار والعياذ بالله منها.

- سيبويه يريد دخول الحمام دخل مفلح الحسني الحمام وكان من جمل��ة أص��حاب الحس��ن بن عبد الله بن طغج بن جف الفرغاني، وإليه ينس��ب، ف��أتى س��يبويه ليدخل فقيل له: األمير مفلح أخاله فاص��بر س��اعة. فق��ال: أومثلي

164

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

يمنع الدخول؟ ال أنقى الله مغسوله، وال بلغه سوله، وال وق��اه من العذاب مهوله. وجلس حتى خرج. فق��ال ل��ه: إن الحم��ام ال يخلى إال ألح��د ثالث��ة: مبتلى في قل��ه، أو مبتلى في دب��ره، أو س��لطان

يخاف من شره، فأي الثالثة أنت؟ قال: أنا المغروم أعزك الله. أبو العبر وامرأته-

مرض رجل فجاء أبو العبر يعوده وقد ثقل، فصاحت امرأت��ه؛ من لي بعدك يا سيدي؟ قال: فغمزه��ا أب��و الع��بر وأوم��أ إليه��ا أن��ا ل��ك بعده، فلما مات الرجل وانقضت عدتها تزوجها أبو العبر، فأق��امت عنده حينا؛ ثم حضرت أبا العبر الوفاة، فجاء عواده؛ فص��احت من لي بعدك يا سيدي؟ ففتح عينيه وقال: ال يغمزها إال من تكون أمه

زانية. عجوز وشابة

وبين��ا ابن أبي ليلى في مجلس القض��اء إذ تق��دم إلي��ه امرأت��ان عجوز وشابة. فقالت الشابة: أنا أصلح الله القاضي امرأة مبدن��ة، وقد به��رني النفس؛ ف��إن رأى القاض��ي أن ي��أذن لي فأحس��ر عن وجهي فليفع��ل. فق��الت العج��وز: أص��لح الل��ه القاض��ي، إنه��ا من أحسن الناس وجها، وإنما تريد أن تخ��دع القاض��ي، ال أمتعه��ا الل��ه بما وهبه��ا من الجم��ال. فق��ال له��ا ابن أبي ليلى: إذا أنت ش��ددت قناع��ك فش��أنك ووجه��ك. فحس��رت الفت��اة عن وج��ه جمي��ل. ثم قالت: أصلح الله القاضي، إن هذه عمتي وأن��ا أس��ميها أمي لك��بر س�نها، وإن أبي م�ات وخل�ف م�اال، وخلف�ني في حجره�ا؛ فجعلت تمون��ني وتحس��ن الت��دبير في الم��ال وتوف��يره علي، إلى أن بلغت مبلغ النساء فخطبني ابن عم لي فزوجتني منه، فكان بي وبه من الحب ما ال يوقف على صفته، ثم إن ابنة لعم��تي أدركت، فجعلت هذه ترغب زوجي فيها؛ فتاقت نفسه إليها فخطبها. فقالت: لست أزوجكها حتى تجعل أمر بنت أخي في يدي. فقال لها: ق��د فعلت! فلم أشعر حتى أتاني رسولها فقال: عمتك تقرئك السالم وتق��ول لك: إن زوجك خطب ابنتي، وإني أبيت أن أزوجها منه حتى يجعل أمرك في يدي ففعل ذلك فأنت طالق، فحمد الله تعالى على م��ا

بليت به.

165

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وإن زوج عمتي هذه قدم من سفر، فسألني عن قص��تي فأخبرت��ه فقال: تزوجيني نفس��ك؟ فقلت: نعم! على أن تجع��ل أم��ر عم��تي في يدي. قال لي: فما تصنعين إذا؟ قلت: ذلك إلي؛ إم�ا أن أعف�و وإما أن أقتص. ق��ال: ق��د فعلت، فأرس��لت إلى عم��تي أن زوج��ك خطبني وأني أبيت عليه حتى يجعل أمرك في يدي، ففعل؛ ف��أنت

طالق! فضحك ابن أبي ليلى! فقالت العجوز: ال تضحك أيها القاضي، فالذي بقي أكثر وأعظم.

فق��الت الش��ابة: ثم إن زوج عم��تي م��ات فجعلت تخاص��مني في ميراثه، فقلت لها: هو زوجي وأنا أحق بميراثه، ف��أغرت ابن عمي ووكلته بخصومتي ففعل. فقلت: ي��ابن العم؛ إن الح��ق ال يس��تحى من��ه وق��د ص��لحت ل��ك إذ نكحت زوج��ا غ��يرك، فه��ل ل��ك في مراجعتي؟ فقال: كان ما كان وال ذنب لي فيه، بل كن��ا على أش��د رغبة وأعظم محبة. ثم قال: أوتفعلين؟ قلت: على أن تجع��ل أم��ر بنت عم��تي بي��دي. ق��ال: ق��د فعلت. فأرس��ت إلى بنت عم��تي أن زوجك خطبني وأني أبيت عليه حتى يجعل أمرك في يدي ففع��ل،

فأنت طالق. فقالت العجوز: أصلح الله القاضي؛ أيحل هذا، أطلق أنا وابنتي؟

فقال ابن أبي ليلى: نعم، التعس والنكس لك. ثم ركب إلى المنصور فأخبره حتى ضحك وفحص برجليه، وقال:

أبعد الله العجوز وال فرج عنها.حمار عاقل-

أتى رجل نخاسا فقال: اشتر لي حم��ارا ليس بالص��غير المحتق��ر، وال الكبير المشتهر، إن أش��بعته ش��كر، وإن أجعت��ه ص��بر، وإن خال الطريق تدفق، وإن كثر الزحام ترفق، ال يصدم بي الس��واري، وال يدخل بي تحت البواري، إن ركبته هام، وإن ركبه غيري نام. فقال له النخاس: أنظرني قليال، فإن مس�خ الل��ه ابن أبي ليلى القاض��ي

حمارا اشتريته لك.صبي يتعلم الهجاء-

166

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

أسلم رجل ابنه إلى المعلم وق��ال ل��ه: علم��ه الهج��اء، وال تش��غله بغ��يره، فط��ال ت��رداده إلى المكتب؛ فق��ال أب��وه: تعلمت الهج��اء؟ قال: نعم! قال: ما هجاء طير؟ ق��ال: ط أس ر أأ ح أال ي أ، ق��ال: م��ا هج��اء س��مكة؟ فق��ال: س م ك أه��� أخ ح د د، فأرس��ل إلى المعلم فحضر. فقال له: ويحك! تقدمت إليك أن تعلم هذا الصبي الهجاء، وقد سألته عن هجاء ط�ير، فق�ال ك�ذا وك��ذا، وس�ألته عن هجاء س��مكة، فق��ال: ك��ذا وك��ذا. فق��ال المعلم: تجيء إلى ص��بي صغير تهجيه شيئا يطير في اله�واء وش�يئا يغ��وص في قع�ر البح��ر كيف يتهجاه! فق��ال: هج��ه أنت. فق��ال المعلم: أهجي ل��ك حم��اد؟

قال: هج. فقال: ح م د ك س، فانتهره أبو الولد وانصرف. -أبو محمد النوبهاري أت�اه رج�ل فق�ال: وض�عت رأس�ي في حج�ر امرأتي فقالت: ما أثقل رأسك! فقلت: أنت طالق إن كان رأسي أثقل من رأسك. فقال: تطلق عليك، فقي��ل ل��ه: ولم؟ فق��ال: ألن

القصابين أجمعوا على أن رأس الكبش أثقل من رأس النعجة. - وكان المغ�يرة بن عب��د ال�رحمن بن الح��ارث بن هش�ام أص�يبت عينه عام غزوة مسلمة القسطنطينية، وكان يطعم الطع��ام حيث نزل. فجاء أعرابي فجعل يديم النظر إلى المغيرة وال يأكل. فقال له: ما لك يا أعرابي؟ فقال: إنه ليعجبني ك��ثرة طعام��ك، وتريب��ني عينك. قال: وما يريب��ك منه��ا؟ فق��ال: أراك أع��ور تطعم الطع��ام، وهذه صفة الدجال. فضحك المغ��يرة وق��ال: ك��ل ي�ا أع��رابي ف��إن

الدجال ال تصاب عينه في سبيل الله. من طرف النوادر

- طلب العتبي بعد ثم��انين س��نة أن ي��تزوج، فقي��ل ل��ه في ذل��ك. فق��ال: أوالد الزم��ان فس��دوا ف��أردت أن أذلهم ب��اليتم، قب��ل أن

يذلوني بالعقوق. - هبت ريح ش��ديدة، فق��ال الن��اس: ق��امت القيام��ة. فق��ال رب��دة المخنث: يا حمقاء؛ القيامة هكذا على البارد بال دابة وال دج��ال وال

دخان وال يأجوج وال مأجوج.

167

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

- فصل من نوادر األعراب - قدم قوم ألعرابي قريسا فأمعن في أكله. فقيل له: يا أع��رابي؟

ما هذا؟ قال: فالوذج؛ إال أنكم أحمضتموه. - وابتاع أعرابي غالما؛ فقالوا له: إنا نبرأ إليك من عيب فيه. قال:

ما هو؟ قالوا: يبول في الفراش: قال: إن وجد فراشا فليفعل. -وقيل ألعرابي: لم إذا غضبنا على غالم لنا قلن��ا ل��ه: أباع��ك الل��ه

في األعراب قال: ألنا نطيل كده، ونعري جلده، ونجيع كبده. -ورأى أعرابي سراويل في فالة، فأخ��ذه يظن��ه قميص��ا لم يع��رف كيف يلبسه!! فم��ر يع��دو ورم��اه؛ فلقي��ه رج��ل فق��ال: م��ا ل��ك ي��ا أع��رابي؟ ق��ال: أص��بت قميص��ا للش��يطان، وأخ��اف أن يلحق��ني

فيقول: لم أخذت قميصي؟وقال الهيثم بن عدي:

سمعت أعرابيا يقول: دخلت حضرتكم بعد عيد األضحى، ف��إذا أن��ا بجمع عظيم عليهم أن��واع الثي��اب من بيض وحم��ر وص��فر، فكأنه��ا زهر البستان. فقلت في نفس��ي: ه��ذا العي��د ال�ذي ي�ذكر أص�حابنا الحضر ي�تزينون في��ه، ثم رجعت إلى عقلي فقلت: وأي عي��د ه��و؟ وقد خرجت بعد األضحى، فبينا أنا ب��اهت أفك��ر في أم��ري إذ أخ��ذ بيدي رجل منهم. فقال: ادخل ي��ا أع��رابي. ف��دخلت ف��إذا بمجلس منضد بالنضائد، موسد بالوسائد، وفي صدره سرير، وعلي��ه رج��ل جالس، والن��اس ص��موت عن يمين��ه وش��ماله. فقلت في نفس��ي: هذا الخليفة الذي يذكرون، فقبل األرض وقلت: الس��الم علي��ك ي��ا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقيل: اسكت يا أعرابي، ه��ذا ع���روس ونحن في عرس���ه؛ فه���يىء لي موض���ع في المجلس، فجلس��ت في��ه. فق��دمت هن��ات م��دورات من خش��ب عليه��ا ثي��اب متالحمة النسج، فهممت أن أسند في ثوب منه��ا أرق��ع ب��ه إزاري. فقيل لي: مد يدك يا أعرابي وك��ل، ف��إذا ه��و ض��رب من الخ��بز ال أعرفه، ثم قدمت أنواع من الطعام حلوة وحامضة وحارة وباردة، فأكلت؛ ثم أتي بأوان فيها م��اء أحم��ر فجعل��وا يص��بون في أق��داح

168

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ويشربون، فناولني منه قدحا؛ فقلت: أخاف أن يقتلني. فقالوا: ي��ا أعرابي؛ إنه يهضم ما في بطنك، فشربته فحدث في قلبي ط��رب ال أعرفه، وهممت أن أهشم الذي بجانبي، وأن أقول لآلخر: ي��ابن الزاني��ة! ف��أقبلوا يس��ألون رجال، ويقول��ون: أمتعن��ا بنفس��ك، ف��أتى بهنات لها رأسان مش��دودان ب��الخيوط المحص��دة؛ فأقب��ل يض��رب رأسه، فيخرج منها رعد كهزيم الرعد وزئير األس��د. وأخ��رج رج��ل من كمه شيئا كفيشلة الحمار، فأقبل ي��ردد علي��ه ب��ه. وأقب��ل آخ��ر ينتخ حتى كبح به األرض. فقلت: مجنون ورب الكعب��ة!! ثم أقبل��وا يضرعون إلى آخر ويرغبون إليه؛ فأتاهم بدابة من خشب عينها ف صدرها إذا فتلت أذنها تكلم فوها؛ فطرب كل من حض��ر وط��ربت حتى تقدمت إلي��ه، وقلت: ي��ا س��يدي؛ م��ا ه��ذه الداب��ة؟ فق��ال: ي��ا

أعرابي؛ هذه يقال لها البربط. فقلت: آمنت - وقال أعرابي ألبيه: يا أبت، إن كب��ير حق��ك علي ال يبط��ل ص��غير حقي علي��ك، وال��ذي تمت ب��ه إلي أمت بمثل��ه، ولس��ت أزعم أن��ا

سواء ولكن ال يحل االعتداء. من ملح األعراب -

قال بعض الرواة: خرجنا نريد البصرة فنزلنا على ماء لبني س��عد، فإذا أعرابية نائم��ة فأنبهناه��ا للص��الة؛ ف��أتت الم��اء فوجدت��ه ب��اردا فتوجهت إلى القبل��ة قاع��دة ولم تمس الم��اء، فك��برت ثم ق��الت:

اللهم قمت وأنا عجلى، وصليت وأنا كلى؛ فاغفر لي عدد الثرى. قال: فعجبنا وقلنا: ما تجوز لك الصالة وم��ا ه��ذه بق��راءة! ق��الت:

والله إن هذه لصالتي منذ أربعين سنة. -وقام أعرابي وقد حضرت الصالة فقال: حي على العمل الصالح، قد قامت بالفالح. ثم تقدم فكبر. وق��ال: اللهم احف��ظ لي حس��بي

ونسبي، واردد علي ضالتي، واحفظ هملي، والسالم عليكم. -وصلت أعرابية في شهر رمض��ان فق��رأ اإلم��ام الس��جدة فس��جد وس��جدت الن��اس؛ فخ��رجت تحض��ر وتن��ادي، ص��عق الن��اس ورب

الكعبة، وقامت القيامة!

169

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

- وقام أعرابي يصلي وحلفه قوم جلوس، فقال: الل��ه أك��بر! أفلح من هب إلى صالته، وأخرج الواجب من زكات��ه، وأطعم المس��كين من نخالته، وحافظ على بعيره وشاته؛ فضحك القوم. فق��ال: أمن هينمتي ضحكتم؟ أشهد عند الله على عمتي أنها سمعت ذلك من

في مسيلمة. - وقف أعرابي يسأل فقال له رجل: يا أعرابي؛ هل ل��ك في خ��ير مما تطلب؟ قال: ما هو؟ قال: أعلمك سورة من الق��رآن. فق��ال: ال والله؛ إني ألحسن ما إن عملت به لكفاني!؟ أحسن منه خمس سور، فاستقرأته فقرأ: الحمد، والنصر، والك��وثر وس��كت. فقلت: هذه ثالث، ف��أين االثنت��ان؟ ق��ال: إني وهبتهم��ا البن عمي وعلمت��ه

إياهما، وال والله ال أرجع في شيء أبدا.- دخل أعرابي الحمام فلما أحس بوهجه أنشأ يقول:

أدخلت في بيت لهم مهندس ... قد ضربوه بالرخام األملس فسك سمعي واستطار نفسي ... وقلت في نفسي بالتوسوس

أدخلت في النار ولما أرمس ألعرابي في الطالء بالنورة

وقال أعرابي في الطالء بالنورة: أناس عليهم كسوة ال تجنهم ... سرابيل خضر ليس فيها بنائق

يبيعهموها تاجر ال يقيلهم ... ببيعهم تلك السرابيل حاذق ولكشاجم في ذلك وقال أبو الفتح كشاجم:

ومجرد كالسيف أسلم نفسه ... بمجرد يكسوه ما ال ينسج ثوبا تمزقه األنامل رقة ... ويذوب من نظر العيون وينهج

فكأنه لما استقل بجسمه ... نصفان ذا عاج وذا فيروزج ومن نوادر األعراب

170

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وهب س��ليمان بن أبي جعف��ر ألع��رابي كس��اء ش��امية؛ فلم��ا أتى أهل�ه وأبص�ره ص�بيانه تط��ايروا فزع��ا من بين يدي�ه، وق��الوا: لق��د

أصابت أبانا داهية، فأنشد: طرحت عمامتي ولبست تاجا ... على عنقي له ذنب طويل

تصايح صبيتي لما رأوه ... وقالوا جاء سعالة وغول - قيل ألع��رابي: أتع��رف أب��ا عم��رة يري��د الج��وع؟ ق��ال: وكي��ف ال

أعرفه وهو متربع على كبدي؟ - وقيل آلخر: أتتخمون؟ قال: وم��ا التخم��ة؟ إن ك��انت ال��تي ي��دور منها الرأس فما تفارقنا يريد الجوع. -وم��ر أع��رابي بم��رآة ملق��اة في مزبلة، فنظر وجه��ه فيه��ا، ف��إذا ه��و س��مج بغيض، ف��رمى به��ا

وقال: ما طرحك أهلك من خير. -ونظر مزيد وجهه في المرآة فرآه قبيحا. فقال: الحمد لله ال��ذي

لم يحمد على المكروه سواه.

- ابناك كعينيك وحكى أبو الحسن محمد بن جعفر بن لنكك البصري عن أبيه أنه ج��اور ببغ��داد في أي��ام المقت��در رجال من جل��ة الكت��اب، ونش��أ ل��ه ولدان فتنا بغداد بحسنهما، فبلغ األكبر منهم��ا، فنقل��ه من المكتب إلى ال��ديوان، وأراد أن يحص��نه بجاري��ة فابتاعه��ا ل��ه ب��ألف دين��ار، وقال: ال تعلم أخاك فإنه يصغر عن ذلك، فنمت داية األصغر األمر إلي��ه، وق��الت: إن أب��اك خص أخ��اك بش��يء دون��ك. فق��ال له��ا: بم خصه؟ قالت: بجارية. قال: هو إليها أحوج وأنا عنها أغنى، غير أني أشفق أن يتسع الخرق، وما علمت أنه فضل مذ نشأ علي بشيء،

وأنا أجله عن المشافهة، ولكن هاتي دواة، فكتب إليه: ليس لي بعد إلهي ... مشتكى إال إليكا

وأخي في الفضل مثلي ... وكالنا في يديكا ال تفضله علي ... بالحبا من ناظريكا

171

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

إنما ابناك كعيني ... ك فداوي مقلتيكا إن أذقت العين كحال ... هاجت األخرى عليكا فابتاع له جارية بثمن جارية أخيه وأنفذها إليه.

أهل الشام: - دخ�ل رج�ل من أه��ل الع�راق الش�ام في أي�ام عب�د المل�ك في حوائج له، فحجب عنه، فدخل في غمار الناس، فقال عب��د المل��ك

لجلسائه: ما معنى قول الشاعر: إذا ما المواشط باكرنها ... وأتبعن بالظفر وحفا طويال

تخذن القرون فعقلنها ... كعقل العسيف غرابيب ميال يص��ف ش��عر ام��رأة، والوح��ف: البش��ام، والعس��يف: األج��ير، والغرابيب الشديدة السواد؛ يري��د عناقي��د الك��رم. وروي ع��راجين ميال فسكتوا عن آخرهم. فقال العراقي لرجل من أهل الشام ل��ه بزة وهيئة: أرأيتك إن أخبرتك بمعناه وحصل لك الح��ظ عن��د أم��ير المؤمنين أتقربني منه حتى أسأله حاجتي؟ ق��ال: ل�ك ذل�ك. ق��ال: إنما يصف البطيخ، فوثب الش��امي، وق��ال ذل��ك، فافتض��ح وانقلب

المجلس ضحكا. فقال له عبد الملك: من أين لك هذا العلم؟ ق��ال: ه��ذا الع��راقي

ابن اللخناء قال لي ذلك. فقال عبد الملك: ما أدخلك؟ أذكر حاجتك؟ فذكرها فقضاها له وقال: أخ��رج

(114 )من الشام ال تفسدها علي بمجاورتك.

- مما جمع التصرف في اإلحسان ومما جمع التصرف في اإلحسان وبديع االفتنان، ق��ول مس��لم بن

الوليد األنصاري: أجدك ما تدرين أن رب ليلة ... كأن دجاها من قرونك ينشر نصبت لها حتى تجلت بغرة ... كغرة يحيى حين يذكر جعفر

28جمع الجواهر في الملح والنوادر )(114172

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

يريد يحيى بن خالد بن برمك وجعفرا ابنه. وقال ابن المعتز:

سقتني في ليل شبيه بشعرها ... شبيهة خديها بغير رقيب فأمسيت في ليلين بالشعر والدجى ... وشمسين من خم��ر وخ��د

حبيب وقال أبو الطيب:

نشرت ثالث ذوائب من شعرها ... في ليلة فأرت ليالي أربعا واس��تقبلت قم��ر الس��ماء بوجهه��ا ... ف��أرتني القم��رين في وقت

(115)معا

من أعجب ما قيل في وصف الشعر- ومن أعجب ما قيل في وصف الشعر ما جمع فيه وصف س��واده وتمامه، وأتى بالتشبيه الواقع، والوصف الرائع؛ ق��ول أبي الحس��ن

علي بن العباس الرومي: وفاحم وارد يقبل مم ... شاه إذا اختال مسبال غدره أقبل كالليل من مفارقه ... منحدرا ال يذم منحدره

حتى تناهى إلى مواطئه ... يلثم من كل موطىء عفره كأنه عاشق دنا شغفا ... حتى قضى من حبيبه وطره

يغشى غواشي قرونه قدما ... بيضاء للناظرين مقتدره مثل الثريا إذا بدت سحرا ... بعد غمام وحاسر حسره

وقد أخذه منه بعض أهل العص��ر وه��و محم��د بن مط��ران فقارب��هفي اإلحسان:

ظباء أعارتها المها حسن مشيها ... كما قد أعارتها العيون الجآذر

29جمع الجواهر في الملح والنوادر )(115173

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فمن حسن ذاك المشي جاءت فقبلت ... م��واطىء من أق��دامهن(116)الضفائر

فصل من نوادر اللصوص ذهبت ثياب رجل في الحم��ام، فجع��ل يق��ول: أن��ا أعلم، أن��ا أعلم، واللص يسمعه؛ ففزع وظن أنه قد فطن به؛ فردها. وقال له: إني سمعتك تقول: أنا أعلم، فما الذي تعلم؟ قال: أعلم أنه إن عدمت

ثيابي مت من البرد.- مستميح ولص

زار رجل الخصيب بن عبد الحميد وهو أمير على مصر مس��تميحا فلم يعطه شيئا فانص��رف. فأخ��ذه أب��و الن��دى اللص وك��ان يقط��ع الطريق فقال: هات ما أعطاك الخصيب. ق��ال: لم يعط��ني ش��يئا، فضربه مائتي مقرعة يقرره على ما ظن أنه ستره عن��ه. ثم ق��دم على الخص��يب بع��د ذل��ك زائ��را فلم يعط��ه ش��يئا: فق��ال: جعلت فداك! تكتب إلى أبي الن��دى أن��ك لم تعط��ني ش��يئا لئال يض��ربني،

فضحك ووصله.- من طرائف األجوبة

ومر سالم بن أبي العقار بمحمد بن عمران الطلحي وكان س�الم أح��د المج��ان فق��ال ل��ه س��الم: ه��ذه الش��يبة والهيئ��ة الحس��نة والخضاب، وال تنزع عما أنت فيه!! فقال: يا أبا سليمان؛ إني ألهم بذلك، فإذا م�ررت بم�نزل ابن عم�ك طلح�ة بن بالل ف��رأيت على

حاله لم يخسف به علمت أن في األمر فسحة بعد. - ولما مرض أبو نواس دخل عليه الجماز يعوده. فقال: اتق الل��ه، فكم من محصنة قد ق��ذفت، ومن س��يئة ق��د اق��ترفت، وأنت على

30جمع الجواهر في الملح والنوادر )(116174

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ه��ذه الح��ال؛ فتب قب��ل الم��وت. فق��ال: ص��دقت. ولكن ال أفع��ل!قال: ولم؟ قال: مخافة أن تكون توبتي على يد واحد مثلك.

- وقال الجماز: أراد أن يكتب أب��و ن��واس إلى إخ��وان ل��ه دع��اهم، فلم يجد قرطاسا يكتب في��ه! فكتب في رأس غالم ل��ه أص��لع م��ا أراد، ثم قال فيه: فإذا قرأت كتابي، فأحرقوا القرطاس. فضحكوا

منه وتركوا للغالم جلدة رأسه. نوادر البن الجصاص

تقدم الوزير علي بن عيسى إلى ابن أبي عبد الل��ه بن الجص��اص في البكور، فأتاه نصف النهار. فقال: ما أخ��رك ي��ا أب��ا عب��د الل��ه؟ قال بمحلتي أعز الل��ه األم��ير كالب تنبح اللي��ل أجم��ع، فأس��هرتني البارحة، فلما كان مع وجه الس��حر س��كن نباحه��ا، فنمت فغلبت��ني عيني إلى اآلن، فقال ل��ه: وم��ا ل��ك ي��ا أب��ا عب��د الل��ه ال تتق��دم في قتلها؟ قال: ومن يس�تطيعها أيه�ا ال�وزير؟ وك�ل واح�د منه�ا مثلي

ومثل أبيك رحمه الله. - وخرجت يده من الفراش في ليلة ب��اردة، فأعاده��ا إلى جس��ده بثقل النوم فأيقظته، فقبض عليها بيده األخرى، وص��اح: اللص��وص اللصوص! هذا اللص جاء ينازعني وقد قبضت عليه، أدرك��وني لئال يكون في يده حديدة يضربني بها، فج��اءوا بالس��راج فوج��دوه ق��د

قبض بيده على يده. - ودخل على ابن له وقد احتضر، فبكى عند رأس��ه، وق��ال: كف��اك الل��ه ي��ا ب��ني الليل��ة مؤن��ة ه��اروت وم��اروت. ق��الوا: وم��ا ه��اروت وماروت؟ ق��ال: لعن الل��ه النس��يان، إنم��ا أردت ي��أجوج وم��أجوج. قالوا: وما يأجوج ومأجوج؟ قال: فطالوت وجالوت. قالوا: فلعل��ك أردت منكرا ونكيرا. ق��ال: والل��ه م��ا أردت إال غيرهم��ا!! يري��د م��ا

أردت غيرهما. - وغفل عنه أهله يوما فسمعوا صياحه؛ ف��أتوه فوج��دوه في بيت ك��الميت. فق��الوا: م��ا ل��ك؟ ق��ال؛ فك��رت في ك��ثرة م��الي وش��دة مصادرة السلطان للتجار في ه��ذا ال��وقت وتعذيب��ه لهم ب��التعليق،

175

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فعلقت نفسي ونظ��رت كي��ف ص��بري، ف��زحلت فلم أتخلص ح��تىكدت أموت.

- وهذه الحكايات عن ابن الجصاص تنسب إلى غيره، والمح��دثون مختلفون في حكاياتهم ومضطربون في رواياتهم. وكان المعتض��د إذا رأى ابن الجصاص يقول: هذا األحمق الم��رزوق! وك��ان أوس��ع

الناس دنيا، له من المال ما ال ينتهى إلى عده، وال يوق��ف على ح��ده. وبل��غ من ج��ده أنه قال: تمنيت أن أخسر، فقيل لي: اشتر التمر من الكوفة وبعه بالبصرة، ففعلت ذلك؛ فاتفق أن نخل البصرة لم يحم�ل في ذل�ك

العام؛ فربحت ربحا واسعا. - وكان المعتضد لما زفت إليه قطر الندى بنت خمارويه بن أحم��د بن طولون بعث أبوها إلى ابن الجصاص مائتي أل��ف دين��ار، وكتب إليه قد جهزناها بما قدرنا علي��ه، وب��العراق طرائ��ف لم تص��ل إلى

أيدينا، فاشتر ما تراه؛ فاحتجز المال ولم يسأل عنه. - وكان ابن المعتز لما خلع المقتدر لم يقم في الخالفة إال ي��ومين غير تامين، ثم اضطرب حبله، فهرب إلى دار بن الجصاص فأخرج

منها، أخرجه المقتدر بعد أيام إلى القضاة والعدول ميتا. سبب طلب ابن المعتز للخالفة

وكان سبب طلب ابن المعتز للخالفة: أن المقتدر وه��و جعف��ر بن المعتضد وأمه أم��ة س��وداء واس��مها ش��عب لم��ا اس��تخلف أرج��ف الناس فيه وتكلم�وا في أم�ره. وق��الوا: كي��ف يلي الخالف��ة من لم يبلغ الحلم؟ وكانت سنه يومئذ ثالث عشرة سنة وشهرا وعش��رين يوما، وقالوا: ال بد من خلعه ألنه سادس. قال الصولي: وقد جرى في السادس أمر طريف من االتفاق؛ وذلك أن الله تبارك وتعالى أورث األرض س��يد األولين واآلخ��رين ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم،

والخلفاء الراشدين بعده أربعة. واستخلف بعد علي رضي الله عن��ه الحس��ن ابن��ه وه��و الس��ادس

فخلع.

176

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وسلم األمر إلى معاوي��ة ثم إلى يزي��د بن معاوي��ة ثم إلى معاوي��ة بن يزي�د ثم م��روان بن عب��د الحكم ثم عب��د المل��ك بن م�روان ثم

بويع ابن الزبير في أيامه أو بعدها وهو السادس فخلع، ثم انقضت دولة بني أمية ولم يكمل بعد الولي��د س��تة، وإنم��ا ولي يزيد بن الوليد الناقص وإبراهيم بن الوليد بن م��روان وم��روان بن

محمد وهو آخر ملوك بني أمية. ثم استفتح ملك ب�ني العب�اس ب�أبي العب�اس الس�فاح وأبي جعف�ر المنصور ومحمد بن المنصور المهدي وموسى الهادي بن المهدي وهارون الرشيد بن المهدي واألمين بن الرش��يد بن المه��دي وه��و الس��ادس فخل��ع، ثم ولي الم��أمون بن الرش��يد والمعتص��م أخ��وه والواث���ق بن المعتص���م والمتوك���ل بن المعتص���م والمنتص���ر بن

المتوكل والمستعين أحمد بن المعتصم فخلع وهو السادس. وولي القاهر محمد بن المعتضد والراضي أبو العباس بن المقت��در والمتقي أبو إسحاق بن المقتدر والمستكفي والمطيع الفض��ل بن جعف��ر المقت��در والط��ائع أب��و بك��ر عب��د الك��ريم بن المطي��ع وه��و

السادس فخلع. وولي بعده أبو العباس القادر وهو الخليفة في هذا الزمان، وكان اإلرجاف في أول والية المقتدر شديدا من الخاصة والعامة، فلم��ا قتل العب��اس وزي��ره أخ��ذ محم��د بن داود بن الج��راح البيع��ة على الناس لعبد الله بن المعتز، ووجه إلى القض��اة والع��دول، ف��اجتمع من القواد وغ��يره زه��اء خمس��ة آالف س��وى األتب��اع، ف��أظهر لهم محمد بن داود عبد الله بن المعتز، وكتب كتابا خلع في��ه المقت��در، واحتج بأن إمامت��ه ال تج�وز لقص�وره من بل�وغ الحلم وص�غره عن الخالفة، واستحقاق عبد الل��ه إياه��ا لكمال��ه وحنكت��ه ومعرفت��ه في أمور المسلمين وعلمه بشرائع الدين، فشهد العدول على م��ا في الكتاب ومن حضر من أشراف بغداد، وب��ايعوا ابن المع��تز ولقب��وه المنتصف، ويقال الراضي، ويقال القائم بالحق، وتقلد ابن الجراح الوزارة، وتكلم عبد الل��ه بن المع��تز وذك��ر المقت��در وأن��ه ال ص��الة للناس معه وال حج وال غزو. وقال: قد آن للحق أن يتضح،ولم يبق في دار المقتدر حينئذ إال نفر يسير، وهر بعضهم إلى ابن المع��تز،

177

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فسعى مؤنس الخ��ازن وسوس��ن في نقض ه��ذا العق��د في الي��وم الثاني، وجددا للن��اس بيع��ة المقت��در، وأخرج��ا األم��وال ف��زادا في األعطية، فانجف��ل الن��اس إليهم��ا، ولم يب��ق م��ع ابن المع��تز أح��د؛ فهرب إلى دار ابن الجصاص، وهذا خ��بر طوي��ل ليس ه��ذا موض��ع استقصائه. ثم خلع المقتدر بعد ذلك وقتل في الح��رب، ولم يقت��ل

في اإلسالم خليفة بين الصفين غيره. وطولب ابن الجصاص بالتجائه إليه، وأراد المقتدر قتله. فقال: ي��ا أمير المؤمنين؛ إنه ابن عمك، وقد لجأ إلى داري، وأنا غائب عنها، فكتمت أمره لعل رأيك يحسن فيه، ولست بمض��اد في خالف��ة وال قادح في مملكة، وقتلي ال ينفع�ك؛ وفي حي�اتي ل�ك فائ�دة. ق��ال: وما فائدة حياتك؟ قال: أدفع إليك كل يوم ألف دينار؛ فترك ووفى

في ذلك مدة.لقد أنسيت أن أمك امرأة! -

وقال أبو الحسين كاتبه: وأتيت إليه يوما وقد مات والدتي فعرفته فبكى، وقال: ماتت كبيرتي ومربيتي، وهو كان أكبر منه��ا ب��أربعين سنة. ثم قال لغالمه: يا بشرى، قم فجئ��ني بعش��رين دين��ارا فأت��اه بها. فقال: خذها فاشتر بعشرة دنانير كفنا وتصدق بخمسة دن��انير على القبر، وأقبل يص��رف الخمس�ة الباقي��ة فيم�ا يحت��اج إلي��ه من تجيزها. ثم قال لغالم آخر: امض أنت يا لؤل��ؤ إلى فالن ص��احبنا ال يفوتك يغس��لها، فاس��تحييت من��ه. وقلت: ي��ا س��يدي، ابعث خلف��ك فالنة جارة لنا تغسلها. قال: يا أبا الحسين، ما تدع عقلك في فرح وال حزن، ك��أن حرم��ك م��ا هي ح��رمي! كي��ف ي��دخل عليه��ا من ال نعرفه. قلت: نعم! ت��أذن لي ب��ذلك. ق��ال: ال والل��ه م��ا يغس��لها إال فالن! فقلت: وكيف يغسل رجل امرأة؟ قال: وإنم��ا أم��ك ام��رأة،

والله لقد أنسيت! خدعنا عابر الرؤيا! - وكان يوما عند أبي بكر الم��ادراني ثم خ��رج وه��و طيب الخل��ق، فاجتاز بابن زنبور فسمع خفق أوتار وغناء في داخل الدار، فوقف يسمع؛ فرآه غالم البن زنبور ف��دخل ف��أعلم م��واله فخ��رج حافي��ا. وقال: يا موالي الش�ريف، تش�رفني بال�دخول! ق��ال: نعم، ف��دخل فقدم له طعاما فأك��ل وش��رب ثالث��ة أق��داح وغ��نى ثالث��ة أص��وات

178

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وانصرف، فنام ليلته فلما أص��بح ق��ال: ي��ا بش��رى؛ جئ��ني الس��اعة بأبي شامة العابر، فأتاه به فقال: رأيت البارحة كأني خ��رجت من دار إخواني فاجتزت بدار حسنة، فس��معت خف��ق العي��دان، وغن��اء القيان، فخرج إلي صاحب ال��دار، ف��أدخلني فأفض��يت إلى بس��تان في الساحة، أمامه نهر جليل، في ص��دره ش��اذروان، وق��د ف��رش المجلس ب��أنواع ال��ديباج المثق��ل، وض��ربت س��تارة فيه��ا غ��رائب الصور وعجائب الصنائع، وفيها قيان بأي��ديهن العي��دان وهن يغ��نين أحس��ن األغ��اني؛ فق��دم لي خ��وان علي��ه من ك��ل األل��وان ف��أكلت وشرب وغنيت وانصرفت. ففسر له الرؤيا على م��ا يس��ره؛ ف��أمر له بخمسة دنانير، ثم مر بعد أيام بابن زنبور وهو جالس على باب داره. فقال له: يا سيدي الشريف، م��ا تش��رفني بع��ودة. ق��ال: إذا ماذا؟ قال: تثني إلى عادة حضورك. قال: ومتى تق��دم إلى ذل��ك؟ قال: ليلة كذا. ق��ال: وإنم��ا خ��دعنا الع��ابر وأخ��ذ متاعن��ا بالباط��ل! امضوا إليه وردوا الخمسة دنانير منه؛ ثم فكر ساعة، وقال: دعوه

لعله أنفقها وهو فقير! - تشتمني غائبا وحاضرا

وشرب مرة أخرى عند ابن زنب��ور الك�اتب ومع��ه ابن الم�ادراني، وحض��ر القي��ان فغ��نين أطيب غن��اء؛ فق��ام الش��ريف إلى قض��اء الحاجة، فأتت دابة ابن المادراني فانصرف، والشريف في الخالء، فقضى حاجته وعاد إلى موضعه، وكان ابن زنبور لما انص�رف أب�و بكر رجع في دسته، فالتفت إليه الشريف، وقال: يا أب��ا بك��ر؛ ه��ذا الكلب ابن زنبور عنده مثل هذا السماع الطيب، وال يمتعنا به ك��ل وقت إنما يدعونا من مدة إلى مدة. فقال له ابن زنب��ور: ه��و على قدر ما يتفق له من الف��راغ وه��و مش��تغل م��ع س��لطانه في أك��ثر أيامه. قال: ال والله! ما هو إال كلب تجلب فاعل صانع. فق��ال ل��ه: أعز الله الش��ريف؛ أب��و بك��ر انص��رف وأن��ا ابن زنب��ور! فق��ال ل��ه: اعذرني والله ما ظننتك إال ابن الم��ادراني؟ فق��ال: أراك تش��تمني

غائبا وحاضرا!- أنا أبكر إليك

179

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وقال له بعض أصحاب اإلخش��يد: أحب أن تبك��ر إلي بالغ��داة في حاجة لألمير، أيده الله، وذكر الحاجة. فقال: أن��ا آتي��ك أول الن��اس كلهم، فمض��ى وأك��ل وش��رب أق��داحا، ون��ام القائل��ة فاس��تيقظ بالعش���ي، فق���ام م���ذعورا؛ فلبس ثياب���ه، وركب إلى ال���رئيس؛ فاستأذن عليه ف��دخل، وق��ال: اع��ذرني أع��زك الل��ه فق��د ض��ربني النوم، والله ما صليت الص��بح من الس��رعة، ولق��د آث��رت المجيء إليك عليها، وأنا أستغفر الله عليها؛ فضحك ح��تى اس��تلقى. وق��ال له: قد احتجنا إلى تأخير األمر إلى الغ��د إن ش��اء الل��ه. ق��ال: فأن��ا

أبكر إليك على كل حال، وانصرف. والشيء يذكر بما قاربه. من هج��اء الحطيئ��ة رأى الحطيئ��ة وجه��ه

في بئر فقال: أرى لي وجها قبح الله خلقه ... فقبح من وجه وقبح حامله

وله��ذا خ��بر؛ ذك��رت ال��رواة: أن الزبرق��ان بن ب��در اس��تعدى علىالحطيئة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: هجاني بقوله:

دع المكارم ال ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فقال عم�ر: م�ا أرى ه�ذا هج�اء؛ وك�ان أعلم ب�ذلك من ك�ل أح�د، ولكنه أراد درء الحدود بالشبهات. فقال الزبرقان: هذا حس��ان بن ثابت. فقال: علي بحسان، فأنشده الشعر. فقال: ما هجاه يا أمير المؤمنين ولكن سلح عليه! فأحضر الحطيئة، وقال: هات الشفرة

أقطع لسانه؟ فاستشفع فيه فحبسه، فكتب إليه من الحبس: ماذا تقول ألفراخ بذي مرخ ... زغب الحواصل ال ماء وال شجر

غادرت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر هداك ملي��ك الن��اس ي��اعمر

أنت اإلم��ام ال��ذي من بع��د ص��احبه ... ألقت إلي��ك مقالي��د النهىالبشر

لم يؤثروك بها إذ قدموك لها ... لكن ألنفسهم كانت لها األثر فبكى عمر وأحضره.

180

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقال: قد والله يا أمير المؤمنين هجوت أبي وامرأتي وأمي. قال: وكيف ذلك؟ قال قلت ألبي:

ولق��د رأيت��ك في المن��ام فس��ؤتني ... وأب��ا بني��ك فس��اءني فيالمجلس

وقلت ألمي: تنحي فاجلسي مني بعيدا ... أراح الله منك العالمينا أغرباال إذا استودعت سرا ... وكانونا على المتحدثينا

وقلت المرأتي: أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع

واطلعت في بئر فرأيت وجهي قبيحا فقلت: أبت شفتاي اليوم إال تكلما ... بسوء فال أدري لمن أنا قائله

أرى لي وجها قبح الله خلقه ... فقبح من وجه وقبح حامله فتبسم عمر، وقال: فإن عفونا عنك، أتهجو بعدها أح��دا؟ ق��ال: ال يا أمير المؤمنين، وعلي بذلك عهد الل��ه! فق�ال: لك��أني بف�تى من قريش قد نصب ل��ك نمرق��ة، فاتك��أت عليه��ا، وأقبلت تنش��ده في

أعراض المسلمين. قال: أعوذ بالله يا أمير المؤمنين. قال بعض الرواة: فوالله لقد رأيت��ه عن��د عبي��د الل��ه بن زي��اد على الحال التي ذكر عمر، فقلت له: لكأن أم��ير المؤم��نين عم��ر ك��ان حاضرا لك اليوم، فتأوه. وقال: رحم الله ذلك المرء، فم��ا أص��دق

فراسته -وأه��دى بعض الكت��اب إلى رئيس��ه م��رآة؛ فق��ال: من أين وق��ع اختي��ارك عليه��ا؟ ق��ال: لت��ذكرني به��ا كلم��ا نظ��رت إلى وجه��ك

الحسن. بين سقراط وامرأته

181

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وقالت امرأة س��قراط ل��ه: م��ا أقبح وجه��ك! ق��ال: ل��وال أن��ك من المرايا الصدئة لتبين لك حسن وجهي. وكانت امرأته كث��يرة األذى له؛ أقبلت يوما تشتمه وهو ملح ينظ��ر في كت��اب وال يلتفت إليه��ا، وهي تغسل ثوبا، فأخذت الغسالة وأراقتها علي��ه. فق��ال: م��ا زلت

تبرقين وترعدين حتى أمطرت. - ولما مضي ب��ه ليقت��ل أقبلت تبكي وتص��يح: وامظلوم��اه. فق��ال:

أكان يسرك أن أقتل ظالما؟ - ومر هو وغيره من الحكماء بامرأة مصلوبة، فقال: ليت يثمر لنا

مثل هذا الثمر. - األنوف الكبيرة

وذكر له ول��د عيس��ى بن موس��ى، وك��انت أن��وفهم كب��ارا معوج��ةفقال: كأن أنوفهم قبور نصبت على غير القبلة.

ونظر مخنث رجال كبير األنف فيه ش��عر. فق��ال: ك��أن أنف��ه ك��نيفمملوء شسوعا.

-قال أبو حاتم السجستاني: قدم علينا أعرابي كأن أنف��ه ك��وز في عظمه، فضحكنا منه. فق��ال: أتض��حكون من أنفي؟ وأن��ا ولل��ه م��ا

اسمي في قومي إال األفطس.- وقال محمد بن عبد الملك الزيات في عيسى بن زينب:

إن عيسى أنف أنفه ... أنفه ضعف لضعفه لو تراه وهو في السر ... ج وقد مال بعطفه

لحسبت األنف في السر ... ج وعيسى مثل ردفهقصيدة البن طباطبا في دعوة

وهذا كلما ذكر ابن طباطبا العلوي وقد دعاه بعض إخوانه فت��أخر عنه الطعام إلى أن اشتد به الجوع، ثم قدم إليه جديا هزيال فقال:

يا دعوة مغبرة قاتمة ... كأنها من سفرة قادمه قد قدموا فيها مسيحية ... أضحت على إسالمها نادمه

182

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وبعد شطرنجية لم تزل ... أيد وأيد حولها حائمه فلم نزل في لعبها ساعة ... ثم رفعناها على قائمه

وكرر األرز، فقال: أرز جاء يتبعه أرز ... هو اإليطاء يتخذ اتخاذا

فإيطاء القريض كما علمنا ... وإيطاء الطعام يكون هذا فدعا الرجل جماع��ة من الش��طرنجيين، وق��ال: تع��الوا ح��تى ت��روا

الشطرنجية، فكتب إليه: ورقعة كنا رفعناها ... نشرتها لما طويناها

أعددت للعاب شطرنجها ... لو أمكن القمر قمرناها والله لو أحضرتها زيريا ... ما ميز الفرزان والشاها

-ورأى أعرابي الناس بمكة وكل واح�د يتص�دق ويعت��ق م�ا أمكن��ه. فقال: يا رب، أنت تعلم أنه ال مال لي، وأشهدك أن امرأتي طالق

لوجهك يا أرحم الراحمين! - وك���ان في زمن المه���دي رج���ل ادعى النب���وة فأحض���روه إلى المهدي. فقال له: ما أنت؟ قال: نبي. قال: إلى من بعثت؟ فق��ال له: ما أكثر فضولك! إيش علي��ك؟ ق��ال: ق��ل، وإال أم��رت بقتل��ك. قال: بعثت إلى أهل خراسان. ق��ال: ولم لم تس��افر إليهم؟ ق��ال: ما معي نفقة، فضحك منه وأمر ل�ه بنفق��ة، وق��ال: ه��ذا ق��د غلبت

عليه المرة. -وجاء رجل إلى أبي ضمضم يستعدي على رجل في دابة اشتراها منه، وظهر بها عيب. فقال له أبو ضمضم: وم��ا عيبه��ا؟ ق��ال: في أصل ذنبها مثل الرمانة، وفي ظهرها مثل التفاح��ة، وفي عجيزته��ا مثل الجوزة، وفي بطنها مثل الموزة، وفي حلقها مث��ل األترنج��ة. فقال له أبو ضمضم: مر عن��ا ي��ا ب��ارد، ه��ذه ص�فة بس��تان ليس�ت

بصفة دابة. -ش��رب ابن حم��دون الن��ديم م��ع المتوك��ل وبحض��رته غالم مليح الوجه؛ فتأمله ابن حمدون تأمال شديدا، وقد حم�ل الش��راب إلي��ه.

183

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فقال المتوكل: يابن حم�دون، م�ا الحكم في الرج��ل إذا نظ��ر إلى غالم فتى؟ قال: أن تقطع أذنه. قال: ليحكم عليك بحكمك، ف��أمر أن تعرك أذنه حتى تخضر ثم تقطع، وأمر بنفيه إلى بغ��داد. فلقي��ه إسحاق بن إبراهيم الموصلي به��ا فس��أله عن حال��ه، وعمن ين��ادم المتوك��ل مع��ه. فق��ال: أح��د ندمائ��ه ابن عم��رو البازي��ار؛ فس��أله إس��حاق عن محل��ه من العلم والفهم. فق��ال ل��ه: أك��ثر م��ا يق��ول للخليف��ة؛ أبق��اك الل��ه ي��ا أم��ير المؤم��نين إلى ي��وم القيام��ة وبع��د القيامة بشيء كثير. فقال له إسحاق: اعمل على أنه كان لك ك��ر آذان فقطعت؛ أليس ذلك أسهل من حض��ور مجلس تقاس��ي في��ه

ابن عمرو البازيار. - وك��ان ابن حم��دون أخ��ف الن��اس روح��ا وأحالهم دعاب��ة، وك��ان المتوكل يستملحه. فقال يوما: الزئبق من أين يجاء به؟ فقال ابن حمدون: من الشيز، وأنا أعرف الناس بها. ق��ال: ق��د وليت��ك إياه��ا فاخرج إليها، فضاقت ب��ه ال��دنيا، وأنش��ده: والي��ة الش��يز ع��زل ... والع��زل عنه��ا والي��ه فول��ني الع��زل عنه��ا ... إن كنت بي ذا عناي��ه فضحك المتوكل وأعفاه. وذكر الص��ولي أن أخ��اه أحم��د عم�ل ل��ه

البيتين.- من ملح مزيد

قال مزيد المرأته: أنت غير شفيقة علي، وال راعي��ة لي. فق��الت: والله ألنا أرعى بك من التي كانت قبلي وأشفق. قال: أنت طالق ثالثا، لقد كنت آتيها بالجرادة فتطبخ لي منها أربعة ألوان وتش��وي جنينها. فدعت��ه إلى القاض��ي، فجع��ل القاض��ي يطلب ل��ه المخ��رج فق��ال: أص��لحك الل��ه! ال علي��ك إن أش��كلت المس��ألة فهي ط��الق

ثالثين. - قال محمد بن حرب: أتيت بمزيد وامرأة ورج��ل أص��يبا في بيت��ه وأنا على شرطة المدينة، فحبسته وخليت سبيلهما، ثم دع��وت ب�ه وقلت: ما خبرك؟ ق��ال: أطلقتم ال��زوج حم��ام وحبس��تم الزاج��ل. وكان أبو حبيب مضحك المه��دي يحف��ظ ن��وادر مزي��د ويحكيه��ا ل��ه

فيصله. فقال له مزيد: بأبي أنت! أنا أزرع وأنت تحصد.

184

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

- ولقي مزيد رجال ك��ان ص�ديقا ألبي��ه. فق�ال: ي�ا ب�ني، ك�ان أب�وكعظيم اللحية، فما بالك أجرودي؟ فقال مزيد: أنا خرجت ألمي.

- وكسا امرأته قميصا فشكت إليه غلظه وخشونته، فقال: أترين��هأخشن من الطالق؟

- من األجوبة الطريفة ن��اظر س��عيد بن حمي��د ال��دهقان بعض آل أبي لهب؛ فق��ال: من فضلنا نحن الف��رس أن لن��ا بي��وت الن��يران. فق��ال الله��بي: وجهنم

قطيعة لجدي.- رمي فضولي في النار؛ فقال: الحطب رطب!

- من ملح البخالء -وقال بعض البخالء لغالمه: هات الطعام وأغلق الب��اب. فق��ال: ي��ا موالي؛ هذا خطأ، إنما يقال: أغلق الباب وهات الطعام. فقال ل��ه:

أنت حر لوجه الله لمعرفتك بالحزم. -ق��ال جهم بن خل��ف: أتين��ا اليمام��ة فنزلن��ا على م��روان بن أبي حفصة فأطعمنا تمرا. ثم قال لغالمه: خ��ذ ه��ذا الفلس فاش��تر ب��ه زيتا، فأتى الغالم به. فقال له: خنت��ني. فق��ال: وكي��ف أخون��ك في

فلس؟ قال: أخذته لنفسك واستوهبت الزيت. - وقال األحنف بن قيس: ي��ا ب��ني تميم، أتبخلون��ني وربم��ا أش��رت عليكم برأي خ��ير من مائ��ة أل��ف درهم؟ فق��ال بعض من س��معه:

تقويمك الرأي عليه غاية البخل.- من أظرف ما قيل في بخيل

ومن أظرف ما قيل في بخيل: وأخ مسه نزولي بقرح ... مثلما مسني من الجوع قرح

قال إذ زرت وهو في شدة السك ... رة بالهم طافح ليس يصحو لم تغربت قلت قال رس��ول ال��ل ... ه��� والق��ول من��ه

نصح ونجح

185

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

سافروا تغنموا فقال وقد قا ... ل تمام الحديث جوعوا تصحوا غفلة -

مر رجل بإنسان وعلى عاتقه عصا في طرفيه��ا زن��بيالن ق��د ك��ادا يحطمانه، في أحدهما بر وفي اآلخر تراب. فقال: لم فعلت ه��ذا؟ قال: عدلت البر ب��التراب، ألن��ه ك��ان ق��د أم��الني إلى أح��د جن��بي؛ فأخذ الرجل زنبيل التراب وقلبه وقسم البر نص��فا في الزن��بيلين. وقال: اآلن فاحم��ل، فحمل��ه فخ��ف علي��ه؛ فق��ال: م��ا أعقل��ك من

شيخ!.- يتماوت ليسأل الكفن

وشرب أحمد بن أبي طاهر مع أبي هفان ح��تى ف��ني م��ا معهم��ا، وكانا بجوار المعلى ابن أي��وب؛ فق��ال ابن أبي ط��اهر ألبي هف��ان: تماوت حتى اسأل المعلى في كفنك. فسجاه ومضى إلى المعلى فقال: أصلحك الل��ه، نزلن�ا في ج�وارك ف��وجب علي��ك حقن��ا، وق��د

مات أبو هفان وليس له كفن. فقال لوكيله: أمض إليه لتشاهده وادفع له كفنا.

فأتى فوجده مسجى فنقر أنفه فضرط، فقال له: ما هذا؟ قال ابن أبي طاهر: أص��لحك الل��ه بقي��ة روح��ه كرهت نكهته فخرجت من دبره، فأخبر المعلى فضحك وأمر لهم��ا

بدنانير كثيرة. متجسس متماوت-

وكان أحمد بن طولون قد نابذ الموف��ق وباين��ه بالع��داوة وخلع��ه، وكان قد ضبط مصر من الجواسيس وكان متيقظا فهما، فأشرف من قصره يوما، فإذا بجنازة قد مرت علي��ه. فق��ال: علي ب��النعش ومن في��ه. فأحض��روه، فق��ال: قم ي��ا متم��اوت، ثم دع��ا بالس��ياف وقال: اضربه، فقام الميت من نعش��ه، فق��ال ل��ه: أنت متجس��س من ناحية أحمد؟ قال نعم! قال: لو لم أتقدم إليك لقتلت��ك وقتلت من معك، وأمر من أخرجهم عن عم��ل مص��ر. فقي��ل ل��ه: من أين علمت ذل��ك؟ فق��ال: رأيت الق��وم ليس عليهم كآب��ة من م��ات ل��ه

186

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ميت، ورأيتهم يطوفون بالقصر، ونظرت إلي��ه في النعش ف��رأيت رجلي��ه ق��ائمتين ورج��ل الميت تس��ترخي؛ فحكمت أن��ه حي، فلم��ا

حضر رأيته يسارق النفس فصحت القضية. -من الطرف

وحضر علي بن بسام مع جحظة البرمكي دعوة، فتفرق الجماع��ة المخاد، وبقي جحظة. فقال: ما لكم لم تدفعوا إلي مخدة؟ فق��ال

له ابن بسام: عن قليل تصير إليك كلها. -واشتد ال��برد س��نة؛ فق��ال أب��و العين��اء: إن دام ه��ذا ك��انت بيوتن��ا

التنانير. - وقال رجل المرأته: الحمد لله الذي رزقنا ولدا طيب�ا. ق��الت: م�ا رزق أحد مثلما رزقنا، فدعياه فج��اء، فق��ال ل��ه األب ي��ا ب��ني، من حفر البحر؟ قال: موسى بن عمران. قال: من بلطه؟ قال: محمد بن الحجاج. فشقت المرأة جيبه��ا ونش��رت ش��عرها وأقبلت تبكي.

فقال أبوه: ما لك؟ فقالت: ما يعيش ابني مع هذا الذكاء. - ابن المعذل والمخنث

رأى عب��د الص��مد بن المع��ذل مخنث��ا ليل��ة أربع��ة عش��ر من ش��هر رمض��ان، وه��و مض��طجع على ظه��ره يخ��اطب القم��ر ويق��ول: ال أماتني الل��ه من��ك بحس��رة، أو تق��ع في المح��اق، فم��ا ك��انت ليل��ة

سبعة وعشرين رأى عبد الصمد الهالل، فقال: يا قمرا قد صار مثل الهالل ... من بعد ما صيرني كالخالل

الحمد لله الذي لم أمت ... حتى أرانيك بهذا السالل- الصوم في الربيع

وقال أبو عون الكاتب: جاءنا الصوم في الربيع فهال ... اختار ربعا من سائر األرباع

وتولى شعبان إال بقايا ... كالعقابيل من دم المرتاع فكأن الربيع في الصوم عقد ... فوق نحر غطاه فضل قناع

187

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

شعبان ورمضان وقال البحتري:

الحت تباشير الخري��ف وأعرض��ت ... قط��ع الغم��ام وش��ارفت أنتهطال

فترو من شعبان إن وراءه ... شهرا يمانعنا الرحيق السلسال وقال:

ومما دهى الفتيان أنهم أتوا ... بآخر شعبان على أول الوردإبليس ينادم إبراهيم الموصلي

قال إبراهيم الموصلي: استأذنت الرشيد في أن يهب لي في كل أسبوع يوما، أخلو فيه مع جواري، فأذن لي في يوم األح��د وق��ال: هو يوم أستثقله؛ فلما ك��ان في بعض اآلح��اد أتيت ال��دار، ف��دخلت الحج��اب أال ي��أذنوا ألح��د علي وأغلقت األب��واب. فم��ا ه��و إال أن جلست حتى دخل علي شيخ حسن الس��مت والهيئ��ة، على رأس��ه قلنسوة الطئة، وفي رجله خفان أحمران، وفي يده عكازة مقمعة بفضة، وعليه غاللة س��كب. فلم��ا رأيت��ه امتألت غيظ��ا، وقلت: ألم آمر الحجاب أال يأذنوا ألحد، فسلم. فأفكرت وقلت: لعلهم علم��وا من الشيخ ظرفا وهيئة، ف��أحبوا أن يؤنس��وني ب��ه في ه��ذا الي��وم؛ فلما أمرته بالجلوس جلس، وق��ال: ي�ا إب�راهيم أال تغني��ني ص�وتا؟ ف��امتألت علي��ه غيظ��ا ولم أج��د إلى ردة س��بيال؛ ألن��ه في م��نزلي، وحملته منه على سوء أدب العامة؛ فأخذت العود وضربت وغنيت ووض��عت الع��ود. فق��ال لي: لم قطعت ه��زارك؟ ف��زادني غيظ��ا، وقلت ال يس�يدني وال يكني�ني وال يق�ول: أحس�نت! فأخ�ذت الع��ود فغ��نيت الثاني��ة، فق��ال لي: أحس��نت، فك��دت والل��ه أش��ق ثي��ابي، فغنيت تمام الهزار. فق��ال: أحس��نت ي��ا س��يدي! ثم ق��ال: ن��اولني العود، فوالله لقد استجابه، فوضعه في حجره، ثم جس��ه من غ��ير أن يكون ضرب بأنملة، فوالله لقد خلت زوال نعم�تي في حبس�ه،

ثم ضرب وغنى: أال يا صبا نجد م��تى هجت من نج��د ... لق��د زادني مس��راك وج��دا

على وجد188

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

أإن هتفت ورقاء في رونق الضحى ... على فنن غض النبات منالرند

بكيت كم��ا يبكي الولي��د ولم أكن ... جلي��دا وأب��ديت ال��ذي لم أكنأبدي

وقد زعموا أن المحب إذا دنا ... يمل وأن النأي يسلي من الوجدبكل تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أن قرب الدار خير من البعد فوالله لقد خلت كل شيء في الحضرة يتغنى معه حتى األب��واب

والستور، ثم ضرب وغنى: أال يا حمامات اللوى عدن عودة ... فإني إلى أصواتكن حزين

فعدن فلما عدن كدن يمتنني ... وكدت بأسراري لهن أبين دعون بترداد الهدير كأنما ... شربن حميا أو بهن جنون

فلم تر عيني مثلهن حمائما ... بكين ولم تدمع لهن عيون ثم ضرب وغنى:

قفا ودعا نجدا ومن حل بالحمى ... وقل لنجد عندنا أن يودعا وأذكر أيام لحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدعا

فليست عشيات الحمى برواجع ... إليك ولكن خل عينيك تدمعا وأعذر فيها النفس إن حيل دونها ... وتأبى إليها النفس إال تطلعا

فوالله لقد تغنى كل شيء معه بالحضرة، حتى النمارق والوس��ائد وقميص��ي ال��ذي على ب��دني؛ فق��ال: ي��ا أب��ا إس��حاق! ه��ذا الغن��اء الماخوري، تعلمه وعلمه جواريك، ثم وضع العود من حجره وق��ام إلى الدار فلم أره، فدفعت أبواب الحرم فإذا هي مغلق��ة؛ فقلت: ويحكن ه��ل س��معتن م��ا س��معت، أو رأيتن م��ا رأيت؟ قلن: نعم! سمعنا وأع��دن األص��وات علي وق��د لقنه��ا؛ فس��ألت الحج��اب عن الرج��ل؛ فق��الوا لي: لم ي��دخل علي��ك أح��د ح��تى يخ��رج، ف��أمرت بدابتي فأسرجت، فركبت من فوري إلى دار الخليف��ة واس��تأذنت؛ فلم��ا رآني ق��ال: ألم تنص��رف آنف��ا على ني��ة المق��ام في منزل��ك

189

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

والخل��وة بأهل��ك؛ قلت: ي��ا س��يدي؛ جئت بغريب��ة؛ وقصص��ت علي��ه القصة من أولها إلى آخرها، فضحك ح��تى رف��ع الوس��ائد برجلي��ه، وقال لي: كان نديمك اليوم أبو مرة، وددت أنه لوم متعن��ا بنفس��ه كما متعك. واشتهر إبراهيم بهذا الطريق، واشتهته الناس فلم تبق

جارية لقنته من إبراهيم إال زيد في ثمنهاأبو فراس يستميل سيف الدولة إلى الغناء -

ومن مليح ه��ذا المع��نى ق��ول أبي ف��راس: ك��ان س��يف الدول��ة ال يش��رب النبي��ذ وال يس��مع القي��ان ويحظرهم��ا، ف��وافت ظل��وم الشهرامية، وكانت إحدى المحسنات، وك��ان بحض��رته ابن المنجم أحد المحسنين، فتاقت نفسي إلى سماع ظل��وم؛ فس��ألت األم��ير أن يحضرهما ألسمعهما مجتمعين؛ فوع��دني بإحض��ارهما مجلس��ه من يومه، فانصرفت وأنا غير واثق ب��ذلك لعلمي بض��عف نيت��ه في مثله، ووجهت إلى ظلوم أتقدم إليها باالس��تعداد، وحص��لت عن��دي ابن المنجم، وأقمت أنتظ���ر رس���وله إلى أن غ���ربت الش���مس،

فكتبت إليه: محلك الجوزاء بل أرفع ... وصدرك الدهناء بل أوسع وقلبك الرحب الذي لم يزل ... للجد والهزل به موضع

رفه بقرع العود سمعا غدا ... قرع العوالي جل ما يسمع فبلغت ه��ذه األبي��ات أب��ا محم��د الحس��ن بن محم��د بن ه��ارون المهلبي؛ فأمر بها فلحنت وغني بها، فلم يشرب بقي��ة يوم��ه ذل��ك

إال عليها.نوادر شتى-

وسمع أبو يعقوب الخريمي منصور بن عمار صاحب المجالس،يقول في دعائه:

اللهم اغفر ألعظمنا ذنبا، وأقس��انا قلب��ا، وأقربن��ا بالخطيئ��ة عه��دا، وأشدنا على الدنيا حرصا! فقال له: امرأتي طالق إن كنت دعوت

إال إلبليس!

ق��ال األص��معي: ح��دثنا بعض ش�يوخنا عن ابن ط�اوس ق��ال:-ه بن الحس��ن. ف��أدخلني بيت��ا ق��د نج��د أقبلت إلى عب��د الل

190

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

بالرهاوى والميساني، وك�ل فرش��ة ش��ريفة؛ ق��ال: فبس�طت نطعا وجلست عليه، وابناه محم��د وإب��راهيم ص��بيان يلعب��ان، فلما نظرا إلي قال أحدهما لص��احبه: »ميم« . فق��ال اآلخ��ر:

»جيم« . فقلت أنا: »نون، واو، نون« فاستغربا ضحكا، وخرجا إلى أبيهما.

قال أبو زيد: سكر حائك من الزط، فحلف بالطالق ليغنيه أبو- علي األشرس، فمضى معه جماعة إلى أبي علي، ف��أخبروه،�ه، فأقب��ل على وقالوا: س�كر ف��ابتلي، وحل��ف ب�الطالق لتغنين الحائك فقال: »يا مردسبز، يا مردخش، ي��ا مردت��ر، إي��اك أن

تعود!« . قال أبو زيد: تفسيره: يا سمين أخضر، يا سمين طيب، يا سمين

رطب.

ملح هشام بن عروة- قال الهيثم بن عدي: رأيت هشام بن عروة قد اجتمع إليه أصحاب الحديث يسألونه، فقال لهم: يا قوم، أما ما كان عندي من الحالل والح�رام والس�نة ف��إني ال أس��تحل أن أمنعكم�وه، وأم�ا ملحي فال

أعطيكموها وال كرامة.

وكان شيخ من البخالء ي��أتي ابن المقف��ع، ف��ألح علي��ه يس��أله- الغداء عنده، وفي كل ذلك يقول له: أترى أنك تراني أتكل��فه، ال أق��دم ل��ك إال م��ا عن��دي! فأجاب��ه يوم��ا، لك شيئا؟ ال والل فلما أتاه إذا ليس عنده وال في منزله إال كسرة يابس��ة وملح

جريش؛

ووق��ف س��ائل بالب��اب، فق��ال ل��ه: ب��ورك في��ك! ف��ألح علي��ه-بالسؤال، فقال له:

لئن خرجت إليك ألدقن ساقيك! فقال ابن المقفع للسائل: أنته لو علمت من صدق وعيده ما علمت من صدق موعوده، لم والل

تراده كلمة وال وقفت طرفة عين!

- مر برقبة بن مصقلة رجل زاهد غليظ الرقبة، فقال: هذا رجل زاهد والعالمات فيه بخالف ذلك. فقال له رجل: أكلمه بذلكه! لئال يكون غيبة؟ قال: كلمه حتى يكون نميمة! أصلحك الل

191

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ه القاضي: س��بع من العج��ائب: عمي��اء- قال شريك بن عبد الل منتقبة، وسوداء مختض��بة ، وخص��ي ل��ه ام��رأة، ومخنث ي��ؤم قوما، وش��يعي أش��عري، ونخعي م��رجي، وع��ربي أش��قر، ثم

قال شريك: من المحال عربي أشقر.

قال األصمعي: ولي رجل قضاء األهواز، فأبطأت عليه- أرزاقه وليس عنده ما يضحي به وال ما ينفق؛ فشكا ذلك

إلى امرأته، وأخبرها ما هو فيه من الضيق، وأنه ال يقدر على أضحية؛ فقالت له: ال تغتم، فإن عندي ديكا عظيما قد

سمنته، فإذا كان يوم األضحى ذبحناه. فبلغ جيرانه الخبر، فأهدوا له ثالثين كبشا وهو في المصلى ال يعلم؛ فلما صار

إلى منزله ورأى ما فيه من األضاحي، قال المرأته: من أينهذا؟

قالت: أهدى لنا فالن، وفالن، وفالن ... ح��تى س��مت ل��ه جماع��ة.ه من فقال لها: يا هذه، تحفظي ب��ديكنا ه��ذا، فله��و أك��رم على الل إسحاق بن إبراهيم؛ إنه فدى ذلك بكبش واحد، وف��دى ديكن��ا ه��ذا

بثالثين كبشا!

ق��الوا: أتي الحج��اج بس��فط ق��د أص��يب في بعض خ��زائن- كسرى، مقفل؛ فأمر بالقف��ل فكس��ر، ف��إذا في��ه س��فط آخ��ر مقفل؛ فقال الحجاج: من يشتري مني هذا السفط بما فيه؟ فتزاي��د في��ه أص��حابه، ح��تى بل��غ خمس��ة آالف دين��ار، فأخ��ذه الحجاج ونظر فيه فقال: ما عس��ى أن يك��ون في��ه إال حماق��ة من حماقات العجم! ثم أنفذ البيع وع��زم على المش��تري أن يفتحه ويريه ما فيه؛ ففتحه بين يديه، فإذا فيه رقعة مكت��وب

فيها: من أراد أن تطول لحيته فليمشطها من أسفل.

قال الزبير بن بك��ار: ج��اءت ام��رأة إلى ابن الزب��ير تس��تعدي- على زوجه�ا وت�زعم أن�ه يص�يب جاريته�ا؛ ف�أمر ب�ه فأحض�ر، فسأله عما ادعت، فقال: هي سوداء وجاريته��ا س��وداء، وفيبصري ضعف، ويضرب الليل برواقه ، فأنا آخذ من دنا مني.

قال: وخطب رجل خطبة نكاح وأعرابي حاضر، فقال: الحمد-ه ه، أحمده وأستعينه وأتوكل عليه، وأش��هد أن ال إل��ه إال الل لل وح��ده ال ش��ريك ل��ه، وأن محم��دا عب��ده ورس��وله. حي على الص��الة، حي على الفالح. فق��ال األع��رابي: ال تقم الص��الة،

فإني على غير وضوء.192

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

قال العوام بن حوشب: قال لي عيسى بن موسى: من- أرضعتك؟ قلت: ما أرضعني إال أمي. قال: قد علمت أن ذلك

الوجه القبيح ال يصبر عليه سوى أمك.

وكان رجل مقيت قد تنسك وتشبه بالحسن البصري، فشهد- جنازة، فوقف على القبر وإلى جانبه رجل مليح، فضحك، فقال له الناسك: ما أعددت لهذه الحفرة يا فالن؟ قال:

قذفك فيها الساعة.

طبع الناسك:- وفي كتاب الهند أن ناس��كا ك��ان ل��ه س��من في ج��رة معلق��ة على سريره، ففكر يوما وهو مضطجع على سريره وبيده عكاز؛ فقال: أبيع الجرة بعشرة دراهم، فأش��تري به��ا خمس أع��نز، ف��أدهن في كل سنة مرتين؛ ح��تى تبل��غ ثم��انين وأبيعهن، فأبت��اع بك��ل عش��رة بقرة، ثم ينمى المال بيدي، فأبتاع العبي��د واإلم��اء، ويول��د لي ول��د فآخ��ذ ب��ه في األدب، ف��إن عص��اني ض��ربته به��ذه العص��ا. وأش��ار بالعص��ا فأص��اب الج��رة، فانكس��رت وانص��ب الس��من على وجه��ه

ورأسه.

شهادة الحمير:- الزبير قال: حدثنا بكار بن رباح قال: ك��ان بمك��ة رج��ل يجم��ع بين الرجال والنساء ويحم��ل لهم الش��راب، فش��كي إلى عام��ل مك��ة، فنفاه إلى عرفات، فبنى بها منزال وأرس��ل إلى إخوان��ه فق��ال: م��ا منعكم أن تع���اودوا م���ا كنتم في���ه؟ ق���الوا: وأين ب���ك وأنت في عرف��ات؟ ق��ال: حم��ار ب��درهم وق��د ص��رتم على األمن والنزه��ة. ففعلوا فكانوا يركب��ون إلي��ه ح��تى فس��دت أح��داث مك��ة؛ فأع��ادواه! شكايته إلى والي مكة. فأرسل إليه فأتي به، فقال: ي��ا ع��دو الل طردتك فص��رت تفس��د في المش��عر الح��رام ق��ال: يك��ذبون علي

ه األمير. أصلح الله، الدليل على ص��حة م��ا نق��ول أن ت��أمر بجم��ع فقالوا: أصلحك الل حمير مكة فترسل بها أمناء إلى عرفات فيرسلوها، فإن تهت��د إلى منزله دون المنازل كعادتها فنحن غير مبطلين. فق��ال ال��والي: إن

في هذا لدليال وشاهدا عدال. فأمر بحمير من حم�ر مك��ة ال��تي للك��راء فأرس��لت، فص��ارت إلى منزله كما هي بغير دليل، فأعلمه بذلك أمناؤه، فقال: ما بعد ه��ذاه من شيء، جردوه! فلما نظر إلى السياط قال: ال بد أص��لحك الل

193

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ه م�ا في ذل�ك ش�يء ه��و ه. قال: والل ضربي؟ قال: نعم يا عدو الل أشد علي من أن يشمت بنا أهل العراق ويضحكون منا ويقول��ون: أهل مك��ة يج��يزون ش��هادة الحم��ير! ق��ال: فض��حك ال��والي وخلى

(117 )سبيله.

وصف فرس:- قال: ودخل رج�ل الس��وق في ش�راء ف��رس، فق�ال ل�ه النخ��اس:��د الفص��وص ، وثي��ق ص��فه لي. فق��ال:أري��ده حس��ن القميص ، جي العصب، نقي القصب، يشير بأذنيه ويتشوف برأسه، ويخطر بيده، ويدحو برجليه، كأنه موج في لجة، أو س��يل في ح��دور، أو منح��طه علي��ه! من جبل! فقال له النخاس: نعم، ك��ذلك ك��ان ص��لوات الل

قال: إنما أصف لك فرسا. قال: ما حسبتك إال في وصف نبي منذ اليوم.

قال األصمعي: سمعت أعرابيا يشار امرأته فقالت له��ا أخت��ه-��ان ينكت��ك كم��ا ينكت العظم عن ام ش��رخه إذ ك أم��ا والل��ه أي��ان مخه لقد كنت له تبوعا ومنه مسموعا فلما الن منه م��ا ك��ه رت له أما والله لئن تغير من شديدا وأخلق ماكان جديدا تغي

(118)البعض لقد تغير منك الكل : رأيت رجال عيونا سمع بقرة تحلبقال األصمعي-

فأعجبه شخبها فقال : أيتهن؟ فقالوا الفالنية لبقرة أخرىيورون عنها ، فهلكتا جميعا ، المورى بها والمورى عنها

قال : خرجت في طلب األعاجيب منحكى األصمعي- األحاديث ، فالحت لي بلدة بيضاء كأنها الغمامة، فدخلتها فإذا هي خراب وليس فيها ديار وال أنيس ، فبينما أنا أدور في نواحيها إذ سمعت كالما فطار قلبي، فأنصت ، فإذا به

كالم موحش ، فسللت سيفي ودخلت ذلك المكان، فإذا أنا برجل جالس، وبين يديه صنم وفي يده قضيب وهو يبكي

ويقول أما ومسي�ح الله لو كن�ت عاشق�ا . . . لمت كما ماتت ، وقد

ضمني لحدي وكم أتسل�ى بالحدي�ث وبالمن�ى . . . وبالعبرات السائ�الت

148 - 8العقد الفريد )(11781 – 1طبائع النساء )(118

194

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

على خ�دي وإني وإن لم يأتني الموت سرع�ة . . . ألمسي على جهد

وأضحي على جهد فقال األصمعي : فلما سمعت ذلك منه هجمت عليه، فلم

يشعر بي إال أن قلت له: السالم عليك فرفع رأسه وقال: وعليك السالم، من أين أنت ومن جاء بك

إلى هذا المكان ؟فقلت: الله جاء بي

فقال: صدقت وهو الذي أفردني في هذا المكانفقلت له: ما بالك تشير إلى هذا الصنم الذي بين يديك

فقال لي: إن حديثي عجيب وأمري غريب فقلت له: حدثني به وال تخف منه شيئا

فقال لي: اعلم أننا كنا قوما من بني تميم وكنا على دين المسيح وكان دعاؤنا مستجابا ، وكانت هذه الصنمة ابنة

عمي وكنت أنا وإياها . فلما كبرت حجبها عمي عني ، فكنت أحبها سرا

فبينما أنا ذات ليلة وأنا عندها إذ سمعت عمي يدق الباب ، فأدخلتني سردابا وقامت هي ففتحت الباب ودخل عمي

فقال لها: أين عبد المسيح ؟فقالت: إني لم أره

فقال لها: إني سمعت كالمه عندكفقالت: لم تسمع شيئا وإنما خيل لك

فقال لها: والله إن لم تصدقيني ، وإال دعوت عليك إن كنت كاذبة فيمسخك الله حجرافقالت له: إذا كنت كاذبة

فرفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم يا رب األولين واآلخرين إن كنت تعلم أن ابنتي هذه كاذبة في قولها

فامسخها حجرا ، فمسخها الله حجرا ، ولي أربعون سنة في هذا المكان ، وأنا أتقوت من نبت األرض وأشرب من هذه األنهار وأتسلى بالنظر إلى هذه الصنمة إلى أن يحكم الله

بالموتثم بكى وأنشد يقول

195

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

وحق الذي أبكى وأضحك والذي . . . أمات وأحيا والذي خلقالخلق�ا

لئن قلت إن الحب قد يقتل الفتى . . . وإن الفتى بعدالتفرق ال يبق�ى

لقد قلت حقا واسأل العبرة الت�ي . . . تسيل وسيل الدمعمني ال يرق�ا

فقال األصمعي: ثم قام ذلك الشاب وتوارى عني بجدار من تلك الجدر ، ونزع المسوح التي كانت عليه ولم يبق عليه إال

ما يواري سوأته فتأملته ، فإذا عيناه تدور في أم رأسه فقلت في نفسي: هذا أراد أن يطلعني على نحول جسده ثم

أقبل علي ، وهو عريان وقال لي : يا فتى إنني قائل ثالث أبيات ، وكان مني ما كان ، فإذا أنا مت فكفني أنا وإياها في هذه الجبة وادفنا في هذا الجون وضمنا بالتراب واكتب على

قبرنا هذه األبيات من لم يكن يحسب أن الهوى . . . يقتل ، فلينظر إلى

مضجعي لم يبق لي ح�ول وال ق�وة . . . إال خيال الشمس في

موضعي أشكو إلى الرحمن جهد البال . . . إشارة بالط�رف واإلصب�ع

قال األصمعي: هذا وأنا أنظر إليه وأسمع شعره وأتعجب منهومن أمر الصنمة

وإذا به وقع على األرض مستلقيا على قفاه وشهق شهقةفارقت روحه جسده

فقال األصمعي: فكفنتهما ودفنتهما في ذلك الجون، وكتبت على قبرهما تلك األبيات، وتركتهما وانصرفت وأنا متعجب

غاية العجب قال األصمعي ألعرابي : أتقول الشعر ؟ .. قال األعرابي : أنا ابن

أمه وأبيه. فغضب األصمعي فلم يجد قافية أصعب من الواو الساكنة

المفتوح ما قبلها مثل )لو( قال فقلت : أكمل ، فقال : هاتفقال األصمعي :

ق��وم عهدناه��م .....سقاهم الله من النو196

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

األعرابي :النو تألأل في دجا ليلة .....حالكة مظلمة ل�و

فقال األصمعي : لو ماذا ؟فقال األعرابي :

لو سار فيها فارس النثنى..... على به األرض منطوقال األصمعي : منطو ماذا ؟

األعرابي :منطو الكشح هضيم الحشا ..... كالباز ينقض من الجو

قال األصمعي : الجو ماذا ؟األعرابي :

جو السما والريح تعلو به..... فاشتم ريح األرض فاعلواألصمعي : اعلو ماذا ؟

األعرابي :فاعلوا لما عيل من صبره .....فصار نحو القوم ينعو

األصمعي : ينعو ماذا ؟األعرابي :

ينعو رجاال للقنا شرعت .....كفيت بما القوا ويلقوااألصمعي : يلقوا ماذا ؟

األعرابي :إن كنت ال تفهم ما قلته .....فأنت عندي رجل بو

األصمعي : بو ماذا ؟األعرابي :

البو سلخ قد حشي جلده .....بأظلف قرنين تقم أواألصمعي : أو ماذا ؟

األعرابي :أو أضرب الرأس بصيوانة ..... تق�ول في ضربتها ق�و

قال األصمعي :(119)فخشيت أن أقول قو ماذا ، فيأخذ العصى ويضربني!!

- ابتلع ثعلب عظما فبقي في حلقه، فطلب من يعالجه ويخرج��ه، فجاء إلى كركي فجعل له أجرا على أن يخ��رج العظم من حلق��ه، فأدخ��ل رأس��ه في فم الثعلب وأخ��رج العظم بمنق��اره ثم ق��ال

81 – 1خزانة االدب )(119197

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

للثعلب: هات األجرة، فقال الثعلب: أنت أدخلت رأس��ك في فميوأخرجته صحيحا، ال ترضى حتى تطلب أجرا زيادة؟!

قيل لثعلب: أتحمل كتابا إلى الكلب وتأخ��ذ مائ��ة؟ ق��ال: أم��ا-الكراء فواف تام، ولكن الخطر عظيم.

-ووقع في شرك صياد ثعلبان فقال أح��دهما: ي��ا أخي، أين نلتقي؟فقال: في دكان الفراء بعد ثالث.

-قالت قحبة لصاحبتها: متى يكون الرج��ل أطيب للم��رأة؟ ق��الت: إذا حلق هو مث��ل أمس، وانتفت هي مث��ل الي��وم، ف��دخلت أص��ول شعرته في أصول شعرتها، فقالت لها األخ��رى: قتلتي��ني، الس��اعة أصب!! وكانتا في غرفة تحتها خياط وقد سمع ما قالتا فص��اح: ي��ا

قحاب، ثياب الناس في الدكان، ال يكف علينا!!

ق��ال الجم��از: رأيت عج��وزا تس��أل وتق��ول: من تص��دق علي-أطعمه الله من طيبات باب الطاق.

قال بعضهم: قلت لمديني وهو محرم يتغنى على حماره: أما- تتقي الله تتغنى وأنت محرم؟ فقال: إني أخاف النعاس وأن أقع عن حماري، قلت: فأين أنت عن الق��رآن؟ ق��ال: جربن��اه

فوجدناه يزيد في النوم. -قال عبد الله بن دينار: خرجت م��ع ابن عم��ر إلى الس��وق ف��رأى

جارية صغيرة تغني فقال: لو ترك الشيطان شيئا لترك هذه.- قال أعرابي لخمار: أعندك شيء يشبه قول األعشى:

تريك القذى من دونها وهي دونه ... إذا ذاقها من ذاقا يتمطق قال: نعم، وناوله قدحا، فشرب وقال: ليس هذا أري��د، أعن��دك م��ا

قال األخطل: صهباء قد عنست من طول م��ا حبس��ت ... في مخ��دع بين جن��ات

وأنهارقال: نعم.

-قال الجماز: كنت في منظ��ره وإذا على غل�وى ش�يخ مع��ه ص�بي في يوم بارد، فكنت أسمع الشيخ يقول للصبي: أعط��ني ف��روتي، فيناوله شيئا ال أثبت��ه، فنظ��رت عن��د الش��يخ قنين��ة كلم��ا طلب من

الصبي فروته سقاه قدحا منها، -قال أع��رابي: من كالم الع��رب: نعم لب��اس الم��رء التق��وى، ونعم حشو الدرع السخاء، وأنبل بالحياء خلقا، وبالوقار مهاب��ة، وبالبي��ان

ارتفاعا، وبالتواضع عزا، وبالوفاء جماال، وبصدق الحديث مروءة.198

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

-سرق رجل من مجلس أنوشروان جام ذهب، وأنوش��روان ي��راه، فتفقده صاحب الشراب فقال: ال يخرجن أحد ح��تى يفتش، فق��ال أنوشروان: ال تعرضوا ألحد فقد أخذه من ال ي�رده، ورآه من ال ينم

عليه. -زور رجل كتابا عن المأمون إلى محم��د بن الجهم في دف��ع م��ال إليه، فارتاب به محمد فأدخله على المأمون، فق��ال الم��أمون: لم أذكر هذا، فقال الرجل: يا أم�ير المؤم�نين، أك�ل معروف�ك ت�ذكر؟ قال: ال، قال: فلعل هذا مما نسيت، قال: لعله، ادفع إليه يا محمد

ما في الكتاب. -مر عبد العزيز بن مروان بمصر فسمع امرأة تصيح بابنها: يا عبد العزيز، فوقف وقال: من المسمى باسمنا؟ ادفعوا إليه خمسمائة

دينار؛ فما ولد في تلك األيام ولد بمصر إال سمي به. - مدح رجل رجال عند خالد بن عب��د الل�ه فق�ال: والل�ه لق�د دخلت إليه فرأيته أسرى الناس دارا وفرشا وآلة وخدما، فقال خالد: لقد ذممته، ه��ذه ح��ال من لم ت��دع في��ه ش��هوته للمع��روف فض��ال، وال

للكرم موضعا. - ق��ال أب��و العين��اء: قي��ل للحس��ن بن س��هل: بالب��اب رج��ل راغب فق��ال: س��لوه م��ا وس��يلته؟ ق��ال: وس��يلتي أني أتيت��ك ع��ام أول

فبررتني، فقال: مرحبا بمن توسل إلينا بنا، ووصله. - صار عطاء بن أبي رباح إلى رجل من أشرف قريش فق��ال إني أتيتك بهدية فتفضل بقبولها، فقال: هاتها، ق��ال: فالن ك��انت علي��ه نعمة فزالت فلو نظرت له، فقال: جزاك الله على ه��ديتك خ��يرا، فما أحسبنا ننهض بمجازاته��ا، فق��ال عط��اء: ب��ل ج��زاك الل��ه على

قبولك إياها أفضل الجزاء. وقل م��ا ت��رى في عص��رنا من يقب��ل هدي��ة مث��ل ه��ذه، والل��ه إني ألستحيي من رواية هذه المك��ارم في عص��ر يتب��اهى في��ه ب��اللؤم، ويتبجح بالسخف، ويحتج بالحزم في البخ��ل، وق��د تواص��ي الن��اس بكالم الكندي لعنة الله - حيث يوصي ابنه: ي��ا ب��ني، أم��ا بع��د فكن مع الناس كالعب الشطرنج، تحف��ظ ش��اهك وتأخ��ذ ش�اههم، ف��إن مالك إذا خرج عن ي��دك لم يع��د إلي��ك، وأعلم أن ال��دينار محم��وم فإذا صرفته مات، وأعلم أنه ليس شيء أسرع فناء من الدينار إذا كسر، والقرطاس إذا نش��ر، والجل��د إذا قش��ر، والث��وب إذا قص��ر. ومثل الدرهم مثل الطير الذي هو لك ما دام في يدك، ف��إذا ط��ار

صار لغيرك أهدى عبيد الله بن السري إلى عبد الله بن ظاهر لم��ا دخ��ل-

مصر مائة مملوك، مع كل مملوك ألف دين��ار، وأرس��لها ليال،

199

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

فردها عبد الله وقال: لو كنت أقبل ه��ديتك ليال قبلته�ا نه��ارا، بل أنتم بهديتكم تفرحون 36 النمل.

لما خطب للمأمون على منابر خراس��ان، كتب إلي��ه الح��ارث- بن س��بيع الس��مرقندي: ق��د أظلن��ا الل��ه بخالف��ة أم��ير أم��ير المؤم��نين تحت جن��اح الطمأنين��ة، وبلغن��ا به��ا م��دى األمني��ة، فأدام الله من كرامته م��ا يتظل��ل ب��ه أقاص��ي وأداني رعيت��ه، وجعل��ه أع��ز خليف��ة، وجعلن��ا أس��مع وأط��وع رعي��ة، فق��ال المأمون للفضل بن سهل: أتع��رف قيم��ة ه��ذا الكالم؟ ق��ال: نعم يا أمير المؤم��نين، يلقي��ك إي��اه بالس��رور، فأعجب��ه قول��ه

(120 )واستحسنه.

نظر ثعلب إلى جم��ل يع��دو فق��ال: م��ا وراءك؟ ق��ال: جعلت- ف��داك، س��خرت الحم��ير والبغ��ال، فق��ال: وم��ا أنت والحم��ير

والبغال؟ فقال: أخاف جور السلطان. دخل كلب مس��جدا خراب��ا فب��ال في محراب��ه، وفي المس��جد-

قرد نائم، فقال للكلب: أما تستحي أن تب��ول في المح��راب؟فقال الكلب: ما أحسن ما صورك حتى تتعصب له!

رأى كلب رغيفا يتدحرج فتبعه فقال ل��ه: إلى أين؟ ق��ال: إلى-النهروان، قال الكلب: قل إلى عمان إن تركتك.

قيل للكلب: لماذا رأيت السبع تنبح؟ قال: أفزعه، قي��ل: فلم-تضرط؟ قال: من فزعه.

قيل لرجل: ما بال الكلب إذا بال رفع رجله؟ قال: يخ��اف أن-تتلوث دراعته، فهو يتوهم أنه بدراعه.

قيل لألعمش أيام زيد بن علي: أال تخرج؟ فق��ال: أم��ا والل��ه-ما أعرف أحدا أجعل عرضي دونه، فكيف دمي؟!

أهدى ملك هدية إلى فيلسوف فرده��ا إلي��ه فق��ال: لم رددت- هديتي؟ قال: ألن بذل الموجود وترك طلب المفقود يكون��ان عن غ��نى النفس وعزه��ا، وأخ��ذ الموج��ود وطلب المفق��ود يكونان عن فقر النفس وشحها، فما أحب أن تس��خو وأش��ح،

وتغنى وأفتقر. أهدى ملك آخر إلى فيلسوف هدية فردها ولم يقبلها، فتنك��د-

الملك من ذك وق��ال: لم فعلت ه��ذا؟ ق��ال: لم أفعل��ه لح��ال رفعت نفس��ي عن المل��ك، وال لجه��ل ع��رض بمعرف��ة الح��ظ وحسن موضعه، ولكنني قفوت في الفض��ل فض��لك، وحث��ني على المكارم كرمك، فآثرتك بما آثرتني به، وس��خت نفس��ي

108/ 9الذخائر والبصائر )(120200

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

لك بما سخت نفسك ب��ه، ولم أحب أن أك��ون مظن��ة فض��ل،ورهين إحسان

اشتكى األسد علة شديدة، فع��اده جمي��ع الس��باع إال الثعلب،- فدخل عليه الذئب فقال: أصلح الل��ه المل��ك، إن الس��باع ق��د زارتك وعادتك ما خال الثعلب فإنه مس��تخف ب��ك، فبل��غ ذل��ك الثعلب فاغتم به، فلما جاءه قال له األسد: ما لي لم أرك ي��ا أبا الحصين؟ فقال: أصلح الله األمير، بلغني وجع��ك فلم أزل أطوف في البلدان أطلب دواء ل��ك ح��تى وجدت��ه، فق�ال ل��ه: وأي شيء هو؟ قال: مرارة ال��ذئب، ق��ال األس��د: وكي��ف لي بذاك؟ قال: أرسل الساعة إليه والثعلب عنده، ف��أتى ال��ذئب فوثب األسد عليه، وك��ان ض��عيفا من وجع��ه فلم يتمكن من��ه وسلخ جلد إسته وأفلت الذئب، وخ��رج الثعلب يص��يح ب��ه: ي��ا صاحب السراويل األحم��ر، إذا جلس��ت عن��د المل��وك فاعق��ل

كيف تتكلم؛ فعلم الذئب الثعلب دل عليه. لقي ثعلب عراقي ثعلبا شاميا فق�ال: عرف�ني م�ا عن��دك من-

حيل ثعالب الشام، فقال: عندي مائ��ة حيل��ة ودس��تان، فق��ال العراقي: والله ألصحبنه حتى أستفيد منه، فلزمه؛ فبينما هما كذلك وقد اصطحبا في سفر حتى قال له العراقي: ي��ا أخي، إن لقينا األسد كيف الحيلة في التخلص منه؟ قال: ال يهمن��ك أمره فإن عندي حيال، فما انقضى كالم��ه ح��تى طل��ع األس��د، فقال العراقي للشامي: خذ في الحيلة، قال: والله ما عن��دي حيل��ة في ه��ذا ال��وقت، ق��ال إن��ا لل��ه، ولم أخط��رت نفس��ك وغررت أخاك؟ اآلن ال تنط��ق بح��رف، فلم��ا دن��ا األس��د ق��ال لهم��ا: من أين أقبلتم��ا؟ ق��ال الع��راقي: إي��اك أردن��ا وإلي��ك قصدنا، قال: في ماذا؟ قال: إن أخي هذا يكون بالش��ام وأن��ا بالعراق في مالي، وإن أبانا مات وورثنا شويهات، فجاء أخي ه��ذا يري��د أن ي��ذهب به��ا فقلت ل��ه: هلم إلى س��يد الس��باع ليحكم بيننا، فمهما قال التزمن��اه، وك��ان األس��د جائع��ا فق��ال في نفسه: ال أعجل في أكل هذين لكن أصبر عليهم��ا س��اعة ح��تى أق��ف على أم��ر الغنم وهم��ا في قبض��تي، ق��ال: أين الشاء؟ قاال: في هذا البستان، وأشارا إلى بستان حصين ل��ه مجرى م��اء ض��يق، وق��ال أح��دهما: أرس��ل أخي ح��تى يخ��رج الغنم فيقس��مها المل��ك، ق��ال: نعم، فق��ال للش��امي: ادخ��ل وأخرج الغنم وعجل، فدخل الشامي واقبل يأكل من الثم��ار، فلما أبطأ قال العراقي: قد قلت للملك إنه ظالم، فتأذن لي حتى أدخل خلفه وأخرجه إليك مع الش��اء قميئ��ا ذليال؟ ق��ال: ادخل وعجل، فدخل الثعلب البستان وأقبل يأك��ل من الثم��ار

201

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

حتى شبع، ثم أشرف من الحائط على األسد فقال له: يا أب��ا الحارث، اعلم أنا قد اصطلحنا فامض في دع��ة الل��ه، فجع��ل األسد يضرب بذنبه األرض ويستشيط، فقال له الثعلب: إنم��ا

أنت قاض وما رأيت قاضيا يغضب من الصلح غيرك. ق��الت ماجن��ة لج��ارة له��ا: اعلمي أن ص��ديقي ي��وافي غ��دا،-

ق�الت: ومن أين علمت؟ ق�الت: ح�ري يختلج، ق��الت: وم�تىصار حرك يعبر الرؤيا؟

قال األصمعي:- حججت فرأيت أعرابي��ا يط��وف بالكعب��ة ويق��ول: ي��ا خ��ير موف��ود سعى إليه الوف��د، ق��د ض��عفت ق��وتي، وذهبت من��تي، وأتيت إلي��ك بذنوب ال تغسلها األنه��ار وال تحمله��ا البح��ار؛ أس��تجير برض��اك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، ثم التفت فقال: أيها المش��فقون، ارحم��وا من ش��ملته الخطاي��ا، وغمرت��ه البالي��ا، ارحم��وا من قط��ع البالد، وخل��ف م��ا مل��ك من التالد ؛ ارحم��وا من وبخت��ه ال��ذنوب، وظهرت منه العيوب؛ ارحم��وا أس��ير ض��ر، وطري��د فق��ر. أس��ألكم بالذي أعملتكم الرغبة إليه، إال م��ا س��ألتم الل��ه أن يهب لي عظيم جرمي. ثم وضع في حلقة الباب خده وقال: ضرع خدي ل��ك، وذل

مقامي بين يديك، ثم أنشأ يقول:عظيم الذنب مكروب ... من الخيرات مسلوب

(121)وقد أصبحت ذا فقر ... وما عندك مطلوب

قال األصمعي: سمعت أعرابيا يقول في صالته: الحمد لل��ه حم��دا ال يبلى جدي��ده وال يحصى عديده، وال يبلغ حدوده؛ اللهم اجعل الموت خير غ��ائب ننتظره، واجعل القبر خير بيت نعمره، واجعل م��ا بع��ده خ��يرا لن��ا من��ه؛ اللهم إن عي��ني ق��د اغرورقت��ا دموع��ا من خش��يتك؛ ف��اغفر

الزلة، وعد بحلمك على جهل من لم يرج غيرك.

قال األصمعي:- وقف أعرابي في بعض المواسم فقال: اللهم إن لك علي حقوقا فتصدق بها علي، وللناس قبلي تباعات فتحملها ع��ني؛ وق��د وجب

لكل ضيف قرى ، وأنا ضيفك الليلة، فاجعل قراي فيها الجنة. قال: ورأيت أعرابيا أخذ بحلقتي باب الكعب��ة وه��و يق��ول: س��ائلك عب��د باب��ك ذهبت أيام��ه، وبقيت آثام��ه، وانقطعت ش��هوته، وبقيت

تباعته فارض عنه، وإن لم ترض عنه فاعف عنه غير راض.

6 – 4العقد الفريد )(121202

5الفكاهة والمرح عند العرب ج

ق��ال: ودع��ا أع��رابي عن��د الكعب��ة، فق��ال: اللهم إن��ه ال ش��رف إال بفعال، وال فعال إال بم��ال؛ ف��أعطني م��ا أس��تعين ب��ه على ش��رف

الدنيا واآلخرة.

قال األصمعي: وقفت أعرابية فقالت: يا قوم، س��نة ج��ردت وأي��د جم��دت، وح��ال أجهدت؛ فهل من فاع��ل لخ��ير، وآم��ر بم��ير؟ رحم الل��ه من رحم،

وأقرض من يقرض.

قال األصمعي: أصابت األعراب أعوام جدبة وشدة وجهد، ف��دخلت طائف��ة منهم البصرة وبين أيديهم أعرابي وهو يقول: أيها الن��اس، إخ��وانكم في

« ب��ؤس،1الدين، وشركاؤكم في اإلسالم، ع��ابر وس��بيل، وفالل » وصرعى جدب، تتابعت علين��ا س��نون ثالث��ة، غ��يرت النعم وأهلكت النعم، فأكلن��ا م�ا بقي من جلوده��ا ف��وق عظامه��ا فلم ن��زل نعل��ل بذلك أنفسنا، ونمني بالغيث قلوبنا، حتى عاد محن��ا عظام��ا، وع��اد إشراقنا ظالما، وأقبلنا إليك يصرعنا الوعر، ويكنن�ا الس�هل، وه�ذه آثار مص��ائبنا، الئح��ة في س��ماتنا، ف��رحم الل��ه متص��دقا من كث��ير، ومواس��يا من قلي��ل، فلق��د عظمت الحاج��ة، وكس��ف الب��ال وبل��غ

المجهود، والله يجزي المتصدقين.

قال األصمعي: كنت في حلقة بالبصرة إذ وقف علينا أع��رابي س��ائال، فق��ال: أيه��ا الناس، إن الفقر يهتك الحجاب، ويبرز الكعاب؛ وق��د حملتن��ا س��نو المصائب، ونكبات الدهور، على مركبها الوعر، فواسوا أب��ا أيت��ام،

ونضو زمان، وطريد فاقة، وطريح هلكة، رحمكم الله.

أتى أعرابي عمر بن عبد العزيز فقال:- رجل من أهل البادية، ساقته إليك الحاجة، وبلغت به الغاية، والله سائلك عن مقامي هذا. فقال عمر. ما سمعت أبلغ من

قائل وال أوعظ لمقول له من كالمك هذا.

203