ikwan

104
ﺃﻭﺭﺍﻕ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ1 ﺃﻭﺭﺍﻕ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺃﻭﺭﺍﻕ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟﻠﻔﻀﻞ ﻷﻫﻠﻪ ؛ ﻟﺘﻄﻤﺌﻦ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺇﻟﻲ ﻧﺼﺎﻋﺔ ،ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﻓﻘﻪ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻟﻠﻤﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺮﺑﻲ ، ﻭﺭﺩﺍ ﺇﻟﻲ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﻣﺠﺪﺩ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺇﻣﺎﻡ ﺍﻟﺪﻋﺎﺓ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻧﻪ ، ﻭﻭﻓﺎء ، ﻭﻋﻠﻢ ﺍﻟﻤﺮﺑﻲ ﻭﺗﻀﺤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪ ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ / ﺟﻤﻌﺔ ﺃﻣﻴﻦ ﻋﺒﺪﺍﻟﻌﺰﻳﺰ. ﺗﻘﺪﻳﻢ : ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻣﺼﻄﻔﻲ ﻣﺸﻬﻮﺭ .. ﺍﻟﻤﺮﺷﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻟﻺﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻣﺼﻄﻔﻲ ﻣﺸﻬﻮﺭ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻲ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻭﻋﻠﻲ ﺁﻟﻪ ﻭﺻﺤﺒﻪ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ ﻭﺑﻌﺪ ﻓﻴﻄﻴﺐ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﻗﺪﻡ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ " ﺃﻭﺭﺍﻕ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ " ﻟﻸﺥ ﻓﻲ ﺇﻋﺪﺍﺩ ﻫﺬﻩً ﻣﺸﻜﻮﺭﺍً ﺍﻟﻔﺎﺿﻞ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺟﻤﻌﻪ ﺃﻣﻴﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺬﻝ ﺟﻬﺪﺍ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ ، ﻭﻋﻤﻞ ﻧﺎﻓﻊ ﻹﺧﻮﺍﻧﻪً ﻋﻠﻲ ﻣﺎ ﻗﺪﻡ ﻭﻳﻘﺪﻡ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ، ﺟﺰﺍﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮﺍ ﻭﻟﺪﻋﻮﺗﻪ . ﻭﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟﻴﺲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺃﺷﺨﺎﺹ ، ﺃﻭ ﺑﻠﺪﺍﻥ ، ﺃﻭ ﻣﺬﻫﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ، ﻟﻜﻨﻪ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺃﻣﺔ ﺃﻇﻬﺮﻫﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲ ﻣﺴﺮﺡ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﻦ ﻓﺘﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺴﻮﺍﺩ ، ﺃﺣﺎﻃﺖ ﺑﺄﻣﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ، ﻭﺗﺎﺭﻳﺦ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﺗﺠﺴﺪﺕ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﺘﺤﺎﺏ ﺗﺠﻤﻌﻪ ﺃﺧﻮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﺠﻌﻠﺖ ﻣﻨﻪ ﺧﻴﺮ ﺃﻣﺔ ﺃﺧﺮﺟﺖ ﻟﻠﻨﺎﺱ ، ﻭﺗﺎﺭﻳﺦ ﺟﻬﺎﺩﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺍﺕُ ﻭﻛﻔﺎﺡ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻻﺳﺘﺮﺩﺍﺩ ﻣﺎ ﺿﺎﻉ ﻣﻦ ﺃﻣﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ، ﻭﺳ ﺍﻟﻀﻌﻒ ﻭﺍﻟﺮﻛﻮﺩ ، ﻟﻘﺪ ﺁﻣﻦ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﺪﺭﻩ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻟﻺﺳﻼﻡ ، ﻓﺼﺎﺭﻭﺍ ﺑﻬﺎ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺑﻐﻴﺮﻫﺎ ﻻ ﺷﻲء ، ﻭﺍﻧﻄﻠﻘﻮﺍ ﺑﻬﺎ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ . ﻭﻫﻢ ﺃﺷﺪ ﻟﻘﺪ ﺃﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺃﻥ ﺗﺤﻤﻞ ﺭﺍﻳﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻋﻠﻲ ﺇﺳﻘﺎﻁ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ، ﺛﻢ ﻋﻤﻠﻮﺍ ﻋﻠﻲ ﺯﻋﺰﻋﺔ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﺪﺍﻭﺓ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺱ ﺃﻫﻠﻬﺎ ، ﺛﻢ ﺟﺎء ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻓﻘﺴﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻭﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺇﻟﻲ ﺩﻭﻳﻼﺕ ، ﻭﺻﺎﺭﺕ ﺃﻣﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡﺎ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻼﻑ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻓﺎﻕ ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺍﻟﺮﺍﻋﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻋﺎﻫﻢ ، ﻭﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺃﻣﻤ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻤﻬﻢ ﻭﺗﻘﻮﻳﻬﻢ ، ﻭﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺘﻤﻌﻮﻥ ﺣﻮﻟﻪ ، ﻭﺍﻟﺮﺍﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﺮﻑ ﻓﻮﻕ ﺭﺑﻮﻋﻬﻢ . ﻟﻘﺪ ﺃﺩﺭﻙ ﺍﻷﻋﺪﺍء ﺃﻥ ﺳﺮ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺷﺮﻳﻌﺘﻬﻢ ، ﻭﻋﻘﻴﺪﺗﻬﻢ ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﻜﻤﻞ ﻣﻘﻮﻣﺎﺗﻬﺎ ﺇﻻ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻹﺧﻮﺓ ﻭﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ، ﻭﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ : " ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺃﺻﻞ ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺣﺎﺭﺱ ، ﻭﻣﻦ ﻻ ﺃﺻﻞ ﻟﻪ ﻓﻤﻬﺪﻭﻡ ، ﻭﻣﻦ ﻻ ﺣﺎﺭﺱ ﻟﻪ ﻓﻀﺎﺋﻊ" ﻭﻟﻘﺪ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺘﻤﻬﻴﺪﻱ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﺐ ، ﻭﺗﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ، ﻭﻋﻦ ﻣﺨﻄﻄﺎﺕ ﺍﻷﻋﺪﺍء ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺨﻠﻔﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻟﻸﺣﺪﺍﺙ ، ﻭﺗﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺴﻨﻮﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ، ﻭﺍﻟﻤﻬﺪﻳﺔ ﻓﻲ ، ﻭﺍﻟﻮﻫﺎﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ، ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﺆﺍﻣﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺃﻥ ﺗﻘﻒ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻛﺤﺮﻛﺎﺕ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ ﺟﻬﺎﺩﻳﺔ ،[[:|ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ]] ﻭﺗﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺳﻘﻮﻁ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﻭﺃﺛﺮ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻲ ﻣﺼﺮ ، ﻭﺍﻻﺣﺘﻼﻝ ﺍﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻱ ﻭﺃﺛﺮﻩ ﻋﻠﻲ ﺍﻷﻣﺔ ، ﺛﻢ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻲ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺘﺒﺸﻴﺮ ﻭﺃﺛﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ، ﻭﺣﺮﻛﺔ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻭﺃﻫﺪﺍﻓﻬﺎ ، ﻭﺍﻟﺘﺤﻠﻞ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻱ ، ﻭﻛﻴﻒ ﻭﺍﺟﻪ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ .ﺎ ﻋﻦ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺒﻨﺎ ﻭﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﻭﺗﺄﺳﻴﺲ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺮ ﺑﻬﺎ ﺍﻷﻣﺔًﺎ ﻭﺍﻓﻴً ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺗﺤﺪﺙ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﺣﺪﻳﺜ ، ﻓﺠﺎءﺕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﻧﻬﺎ ﻻ ﻟﺮﺩ ﺍﻻﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺔ ﻓﺤﺴﺐ ، ﺃﻭ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﺒﺸﻴﺮ ﻓﻘﻂ ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻴﻘﻈﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻭﺍﻣﺘﺎﺯﺕ ﺑﻔﻬﻢ ﺷﺎﻣﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻟﻺﺳﻼﻡ ﺟﺎءﺕ ﻹﻳﻘﺎﻅ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻭﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻷﻣﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ، ﻭﺭﻓﻊ ﺭﺍﻳﺘﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ، ﺿﺪ ﻛﻞ ﻣﺴﺘﻜﺒﺮ ﺃﻭ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮ ﻏﺎﺻﺐ ، ﺃﺫﻝ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻭﺳﺮﻕ ﺧﻴﺮﺍﺕ ﺍﻷﻣﺔ ، ﺟﺎءﺕ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﻋﻠﻲ ﻗﺪﺭ ﻟﺘﻘﻴﻢ ﺍﻟﻌﺪﻝ ، ﻭﺗﺮﻓﻊ ﺍﻟﻈﻠﻢ ، ﺟﺎءﺕ ﺑﻘﺪﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ ﺟﺎءﺕ ﻟﺘﻀﻊ ﺍﻟﻨﻮﺍﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻷﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ، ﺛﻢ ﺗﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻭﻣﻮﻟﺪﻩ ، ﻭﺍﻟﺠﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺎﺵ ﻓﻴﻪ ﻭﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ، ﻭﺭﻛﺰ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﻋﻠﻲ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﻔﺬﺓ ﻭﻭﺿﺤﻬﺎ ﻟﻠﻘﺎﺭﺉ ، ﻭﻫﻲ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﺐ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺨﻄﻴﺐ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ : " ﺇﻥ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺒﻨﺎ ، ﺃﻣﺔ ﻭﺣﺪﻩ ، ﻭﻗﻮﺓ ﻛﻨﺖ ﺃﻧﺸﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ، ﻓﻠﻢ ﺃﺟﺪﻫﺎ ﺇﻻ ﻳﻮﻡ ﺃﻥ ﻋﺮﻓﺘﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺿﻌﺔ ، ﻭﻛﻨﺖ ﺍﺑﻦ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﻳﻮﻡ ﺍﻛﺘﺸﻔﺖ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻦ ﻧﻔﺴﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺇﻟﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﺍﻋﻴﺔ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺼﺎﺑﺮ ﺍﻟﻤﺜﺎﺑﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻄﻲ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻣﻦ ﺫﺍﺕ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﻭﻣﺮﻭﻧﺔ ، ﻭﺟﺪ ﻭﺻﺒﺮ ﻭﺛﺒﺎﺕ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ " .

Transcript of ikwan

Page 1: ikwan

1أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمينأوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

إلي روح الشهيد مجدد الدعوة وإمام الدعاة في زمانه ، ووفاءً للمعلم المربي ، ورداً للفضل ألهله ؛ لتطمئن القلوب إلي نصاعة ،التاريخ وفقه اإلمام، وعلم المربي وتضحية المجاهد

بقلم األستاذ / جمعة أمين عبدالعزيز

.

تقديم : بقلم األستاذ مصطفي مشهور .. المرشد العام السابق لإلخوان المسلمين

األستاذ مصطفي مشهور

الحمد لله رب العالمين والصالة والسالم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبهأجمعين وبعد

فيطيب لي أن أقدم لهذه الرسالة " أوراق في تاريخ اإلخوان المسلمين " لألخالفاضل األستاذ جمعه أمين عبد العزيز الذي بذل جهداً مشكوراً في إعداد هذه

الرسالة ، جزاه الله خيراً علي ما قدم ويقدم دائماً من خير ، وعمل نافع إلخوانهولدعوته .

وتاريخ اإلخوان المسلمين ليس تاريخ أشخاص ، أو بلدان ، أو مذهب من المذاهب ،لكنه تاريخ أمة أظهرها الله علي مسرح الوجود في فترة من فترات التاريخ شديدةالسواد ، أحاطت بأمة اإلسالم ، وتاريخ عقيدة ربانية تجسدت في مجتمع مسلم

متحاب تجمعه أخوة اإلسالم فجعلت منه خير أمة أخرجت للناس ، وتاريخ جهادوكفاح في سبيل الله السترداد ما ضاع من أمة اإلسالم ، وسُلب منها في فترات

الضعف والركود ، لقد آمن بها من شرح الله صدره للعمل لإلسالم ، فصاروا بها كلشيء بعد أن كانوا بغيرها ال شيء ، وانطلقوا بها يحملون الحرية والسعادة من جديد

للعالم .

لقد أذن الله لهذه الجماعة أن تحمل راية اإلسالم بعد أن عمل اليهود – وهم أشدالناس عداوة للذين آمنوا – علي إسقاط الخالفة ، ثم عملوا علي زعزعة العقيدة

في نفوس أهلها ، ثم جاء االستعمار فقسم العالم العربي واإلسالمي إلي دويالت ، وصارت أمة اإلسالم – بعد أن كانت األمة الواحدةالقوية العزيزة – أممٌا متعددة ضعيفة بينها من الخالف أكثر مما بينها من الوفاق ، وهكذا فقد المسلمون الراعي الذي يرعاهم ، والوحدة

التي تدعمهم وتقويهم ، والمنهج الذي يجتمعون حوله ، والراية التي ترفرف فوق ربوعهم .

لقد أدرك األعداء أن سر قوة المسلمين في شريعتهم ، وعقيدتهم ، وأن الشريعة ال تستكمل مقوماتها إال في ظل اإلخوة والوحدة ، وكماقال اإلمام الغزالي : " الشريعة أصل ، والحاكم حارس ، ومن ال أصل له فمهدوم ، ومن ال حارس له فضائع"

ولقد وفي المؤلف في الفصل التمهيدي هذه الجوانب ، وتحدث عن واقع المسلمين في هذه الفترة ، وعن مخططات األعداء ، وعنالخلفيات التاريخية لألحداث ، وتحدث عن الحركات اإلسالمية التي ظهرت في هذه الفترة ، وهي السنوسية في ليبيا ، والمهدية في

[[:|السودان]] ، والوهابية في السعودية ، وأشار إلي التيارات والمؤامرات التي استطاعت أن تقف في طريقها كحركات إسالمية جهادية ،وتحدث عن سقوط الخالفة وأثر ذلك علي مصر ، واالحتالل اإلنجليزي وأثره علي األمة ، ثم أشار إلي حركات التبشير وأثرها في ذلك

الوقت ، وحركة تحرير المرأة وأهدافها ، والتحلل األخالقي والعقائدي ، وكيف واجه اإلخوان كل هذه التيارات .وفي الباب الثاني تحدث المؤلف حديثًا وافيًا عن اإلمام البنا وشخصيته وتأسيس جماعة اإلخوان في الظروف الشديدة التي تمر بها األمة

، فجاءت الجماعة في أوانها ال لرد االنهيار األخالقي في األمة فحسب ، أو مواجهة التبشير فقط ، ولكنها كانت استجابة ليقظة الروحاإلسالمية في قلوب الناس ، وامتازت بفهم شامل صحيح لإلسالم جاءت إليقاظ روح الجهاد وتربية األمة عليها ، ورفع رايته من جديد، ضد كل مستكبر أو مستعمر غاصب ، أذل العباد وسرق خيرات األمة ، جاءت اإلخوان علي قدر لتقيم العدل ، وترفع الظلم ، جاءت بقدر

الله وقدرته جاءت لتضع النواة اإلسالمية ألمة القرآن من جديد ، ثم تحدث عن شخصية اإلمام ومولده ، والجو الذي عاش فيهومكونات شخصيته بالتفصيل ، وركز المؤلف علي جوانب من هذه الشخصية الفذة ووضحها للقارئ ، وهي كما قال الشيخ محب الدينالخطيب رحمه الله : " إن األستاذ حسن البنا ، أمة وحده ، وقوة كنت أنشدها في نفس المؤمن ، فلم أجدها إال يوم أن عرفته في تلك

الغرفة المتواضعة ، وكنت ابن صنعته يوم اكتشفت بيني وبين نفسي حاجة اإلسالم إلي هذا الداعية القوى الصابر المثابر الذي يعطيالدعوة من ذات نفسه ، ما هي في حاجة إليه من قوة ومرونة ، وجد وصبر وثبات إلي النهاية " .

Page 2: ikwan

2أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

ولقد وضح اإلمام البنا أن دعوة اإلخوان المسلمين هي دعوة اإلسالم وال شيء غير اإلسالم ، فكل أخ مسلم يبلغ دعوته حيثما ذهبويدعو الناس لتحقيق متطلباته ، واإلخوان يهتمون بقضايا المسلمين في كل مكان ، ودعوة اإلسالم فيها صالح البشرية ، واإلسالم دين

العزة والسالم ، وال يعادي غير المسلمين إذا سالموه ، وهو توجه اإلخوان دائمًا وتفكيرهم السياسي إقليميًا ودوليًا ، وقد استطاعت أنتؤدي دوراً كبيراً في ربط الشعوب العربية واإلسالمية بعضها ببعض ، كما عملت علي توثيق العالقات الدينية والثقافية والسياسية بين

هذه الشعوب .ولقد طرح اإلخوان منهجاً هو اإلسالم وحده ، يقول اإلمام : " ومن الحق أيها اإلخوان أن نذكر أننا ندعو بدعوة الله وهي أسمي

الدعوات ، وننادي بفكرة اإلسالم ، وهي أقوم الفكر ، ونقدم للناس شريعة القرآن وهي أعدل الشرائع " ( رسالة بين األمس واليوم ) .وفي رسالته إلي الشباب يقول : " ففكرتنا إسالمية بحتة ، علي اإلسالم ترتكز ومنه تستمد ، وال نرضي سواه إمامًا ، وال نتبع لغيره

أحكامًا ، كما تحدث المؤلف عن فهم اإلخوان الصحيح لإلسالم ، وعن شموله لكل شيء ، خاصة االنشغال باألمور السياسية ، وكالماإلمام في هذا الموضوع في غاية الوضوح يقول : " فمن ظن أن الدين ال يعرض للسياسة ، أو أن السياسة ليست من مباحثه فقد ظلم

نفسه ، وظلم علمه بهذا اإلسالم فإن اإلسالم شريعة اللهلقد ختم المؤلف حديثه عن اإلمام بذكر استشهاده وتآلب األعداء علي هذه الدعوة وتحدث بالتفصيل عن المؤامرة التي اشتركت فيها

حكومة ذلك العهد بعد تضييق الحصار عليه ، وتم ذلك بعد طلب سفراء الدول الغربية منها ذلك ، وعندما نقل إلي المستشفي تركوه ينزفحتى صعدت روحه إلي بارئها تشكو الظلم والظالمين ، ونال اإلمام الشهادة وهي األمنية التي كان يطلبها طوال حياته رضي الله عنه

وأرضاه وصدق الله العظيم إذ يقول :من نحن وماذا نريد ؟

يقول اإلمام البنا رضي الله عنه في بيان من هم اإلخوان المسلمين :

" أحب أن تتبينوا جيداً من أنتم من أهل هذا العصر ، وما دعواتكم من بين الدعوات وأية جماعة جماعتكم ، وألي معني جمع الله بينكمووحد قلوبكم ووجهتكم ، وأظهر فكرتكم في هذا الوقت العصيب الذي تتلهف فيه الدنيا إلي دعوة اإلسالم واإلنقاذ "

ثم يقول : " فاذكروا جيداً أيها األخوة : أنكم الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس ، وأنكم العقل الجديد الذي يريد الله أن يفرق بهلإلنسانية بين الحق والباطل ، وأنكم دعاة اإلسالم وحملة القرآن وصلة األرض بالسماء " .

أما ما نريد ونعمل علي تحقيقه بكل الوسائل المشروعة فقد تحدث الشهيد البنا عنه فقال : " نحن ندعو الناس إلي مبدأ واضح محدودومسلم به منهم جميعًا ، هم جميعًا يعرفونه ، ويؤمنون به ويدينون بأحقيته ويعلمون أن فيه خالصهم ، وإسعادهم وراحتهم " إن دعوة

اإلسالم للبشرية كافة ، وللمسلمين خاصة ، أن يعبدوا الله وحده ، ودعوتنا لكل من أظهر الرضا باإلسالم دينًا ، أن يخلصوا دينهم لله ،ويزكوا أنفسهم من شوائب النفاق وأعمالهم من التناقض ، ودعوتنا ألهل األرض أن يغيروا ما بأنفسهم ، حتى يشعروا باألمن واألمانوالسعادة في الحياة ، ونريد للمرأة المسلمة أن تأخذ وضعها الصحيح فهي االبنة واألم واألخت ، وهي الزوجة التي هي السكن للرجل

والرجل سكن لها ، وهي نصف المجتمع ونصف األمة والقائمة علي تربية وإعداد وتنشئة كل األجيال ، توجه وتغرس المبادئ والعقائدفي النفوس ، ونريد للمجتمعات اإلسالمية أن تؤمن بضرورة الشورى وتعمل علي تطبيقها ، فأمر المسلمين شورى بينهم في أمورهم

الخاصة والعامة ، إلقامة العدل ، وتطبيق حكم الله ، وتحقيق مصالح المسلمين ، حتى ال يستبد فرد أو فئة من الناس في أمر تعم بهالبلوى ، وتتأثر به مصالح الغالبية من األمة ، تلك هي الرسالة التي يريد اإلخوان أن يبلغوها للناس وأن تفهمها األمة حق الفهم ، وأن

تهب إلنقاذها في عزم ومضاء وأن تجاهد في سبيلها حتى يرث األرض ومن عليها .لقد أفاض المؤلف في جميع الجوانب ، وكل نقوله موثقه بذكر مصادرها مما زاد في القيمة العلمية للرسالة . فجزاه الله خيراً عن الجهد

المبارك الذي بذله في إعداد هذه الرسالة ، وتقبل الله منه وجعل عمله في ميزانه إنه سميع مجيب .

Page 3: ikwan

3أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

توطئة: الرجل الذي علمنا

اإلمام حسن البنا

إن أخطر ما يؤثر في بناء شخصية المسلم ، ويقلل أو يزيد من فاعليته فيمجتمعه الذي يعيش فيه ، درجة وضوح فكرته ودعوته ، فإذا ما وضحت هذهالفكرة لديه أخذ يدعو إليها كل قلب متفتح علي أنها الخير المحض الذي يؤمنبه ، فيقدم للناس التصور السليم الذي يحمله والفكرة العميقة التي يعتقدها

بالوضوح الذي لديه ، ألن فاقد الشيء ال يعطيه ، أال تري ربعي بن عامرحين خاطب رستم قائد الفرس كان ما يدعو إليه واضحًا أجلي الوضوح حين

قال له : " إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلي عبادة الله ،ومن جور األديان إلي عدل اإلسالم ، ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا واآلخرة

" هكذا كان اإلمام البنا رحمه الله ، إنه الرجل الذي تعلمنا منه اإلسالمتطبيقًا عمليًا ، وكان قدوة في التطبيق ؛ تصوراً وحركة ، ورأينا ذلك في فكره

وحركته ودعوته ، فتعلمنا منه أن كل إنسان قبل أن يصمم علي البدءبالخطوة األولي في مسيرته إلي الهدف الذي رسمه لنفسه ، عليه – أوال وقبلكل شيء – أن يكون مؤمنًا بهذا الهدف ، مؤمنًا بقدرته علي تحقيقه بمشيئة

الله وعونه ، ذلك أن من ال يؤمن بهدفه الذي يسعي إليه وال يؤمن كذلك بأنهقادر علي بلوغ هذا الهدف – بتوفيق الله – حرى به أال يصل إلي ما يبتغيهلنفسه مهما طال به االنتظار وتمادي عليه الزمن ، ذلك ألن اإليمان بالهدف

المنشود ، واإليمان بالوصول إليه هما الشرطان األساسيان لكل عمل جاد يأخذاإلنسان نفسه به ويتطلع إلي تنفيذه ، ولنا في رسول الله صلي الله عليه

وسلم األسوة الحسنة حيث نشعر في جميع مراحل حياته الشريفة بأنهصاحب قضية حق ، فكان صلي الله عليه وسلم دءوبًا ال يكل وال يمل من

العمل ، بالرغم من أن الله وعده أن هذه القضية مكتوب لها النصر والغلبة ،مهما تراخي من الزمن .

لقد عرف اإلمام البنا تاريخ األمم والنهضات وتاريخ الدعوات والرساالت ،وعرف من قراءة التاريخ أن نهضات األمم ورساالت النبيين ودعوات

المصلحين ال تنجح وال تنصر إال بالرجال المؤمنين األقوياء الذين يكونون بمثابة البناة والحراس ، ولذلك فهو يعتبر بناء الرجال أهم ماينبغي به المصلحون ، وأن له األولوية علي ما سواه ، ولذلك كان منهج التغيير عنده يبدأ بالفرد المسلم من داخله ، وهو بفعله هذا إنما

يتبع المنهج النبوي ؛ ذلك ألن النبي صلي الله عليه وسلم قد جعل أكبر همه طوال العهد المكي هو تكوين الجيل الرباني والرعيلالقرآني األول ، من خالل تعهد دائم وصحبة مباركة ومراقبة إيجابية ، وهكذا منهج اإلمام البنا يتمثل قوله ألتباعه : " كونوا قٌوادًا

تصل بكم العبادة إلي أحسن القيادة " كان – رضوان الله عليه – شديد اإليمان بأن التغيير النفسي والروحي هو أساس كل تغيير وإصالح، وأن علي الدعاة والمصلحين أن يبذلوا جهدهم الفكري والدعوي والعملي إليقاظ األرواح وإحياء القلوب ، وتنبيه الضمائر ، وتحريك

المشاعر وتجديد اإليمان ، وأن ذلك سيعمل عمله ، ويؤتي أكله حسب سنة الله في الخلق .

ولهذا كله فإنه مهما يقل القائلون ، ويتجن المتجنون ، فلقد اكتسبت دعوة اإلخوان في مصر وفي غيرها من بالد العالم مجموعات منخيرة عناصر الوطن ؛ توقد عقول ، وزكاة نفوس ، وتدفق مشاعر ، وقوة عزائم ، وطهارة أخالق ، وسمو أرواح ، وصقلهم الدين وضمهماإلسالم في رحابه ، وتوالهم بتربيته وتزكيته ، حتى صنع منهم جماعة اجتمعت علي محبة الله ، والتقت علي طاعته ، وتوحدتعلي دعوته ، وتعاهدت علي نصرة شريعته ، يقول فضيلة الدكتور القرضاوي : " لقد هيأ الله اإلمام البنا األنصار واألتباع من كل

فئات الشعب من هم أزكي نفوسًا ، وأذكي عقوال وأصدق نيات ، وأقوي عزائم ، وأقدر علي االلتزام بفرائض اإلسالم ، وأخالق اإلسالم، ولوازم الخيرية لإلسالم " .

اجتمع علي الشيخ البنا الشباب والشيوخ ، وأبناء المدن والقرى ، والفالحون والمتعلمون ، واألميون وطالب الجامعة وأساتذتها ، وخريجوالمدارس المدنية وخريجو المعاهد األزهرية ، وكذلك الرجال والنساء ، وكان يقوم علي توجيههم وتربيتهم تربية إيمانية صنعت منهمنماذج رحيمة بالناس ، كل الناس ، رؤوفة بالعاصي ومشفقة علي الكافر والجاحد ، تدعو إلي سبيل ربها بالحكمة والموعظة الحسنة ،

يقول إمامهم : " كونوا كالشجر يرمي بالحجر فيلقي بالثمر " ويقول : " سنقابل الناس بالحب " مقتديًا في ذلك بقول علي رضي اللهعنه : " من النت كلمته وجبت محبته " .

وكذلك كان يقول للمتحمسين : أيها اإلخوان المسلمون : " ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول ، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف ، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع ، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة ، وال تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ،

Page 4: ikwan

4أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وال تصادموا نواميس الكون فإنها غالبة ، ولكن غالبوها واستخدموها ، وحولوا تيارها ، واستعينوا ببعضها علي بعض ، وترقبوا ساعةالنصر، وما هي منكم ببعيد ، إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه ، وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين ، ولم يكلفكم الله نتائج

األعمال ولكن كلفكم صدق التوجه وحسن االستعداد ، ونحن بعد ذلك : إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين ، وإما مصيبون فلنا أجرالفائزين المصيبين ، علي أن تجارب في الماضي والحاضر قد أثبتت أنه ال خير إال في طريقكم ، وال نتاج إال مع خطتكم ، وال صواب إال

فيما تعملون ، فال تغامروا بجهودكم ، وال تقامروا بثمار نجاحكم ، واعملوا والله معكم ولن يتركم أعمالكم ، والفوز للعاملين .وبهذا اإليمان العميق وهذا التصور الحق وبهدي الرسول صلي الله عليه وسلم اقتدي اإلمام حسن البنا ، فلم يأت بجديد مستغرب ، ولميكن بدعًا في دعوته ، إنما جدد قديمًا كاد الناس أن ينسوه أو يتركوه بعد أن اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ، فدعوته صدي الدعوة األولي

يدوي في األمة المسلمة ليظهر واضحًا في تصرفاتها ، وليجمع قلوبها عليه ، ويستعيد بهم خيرية هذه األمة ، إنه رضوان الله عليه يريدأن يضع في رؤوس الناس عقال جديداً علي ظهر األرض بنظام جديد وإنسانية جديدة جمعت قلوب العباد علي رب العباد .

ما تميزت به دعوة اإلمام :

تميزت دعوته عن غيرها بخصائص أهمها :أوال : النظرة الشمولية لإلسالم .

ثانيًا : االتجاه إلي التجميع والتوفيق ال التنفير والتفريق .ثالثًا : العناية بالتكوين ، والبناء التربوي المتكامل .

فهي دعوة تميزت بإسالميتها الواضحة ، إسالمية المصدر ، وإسالمية المنطلق ، وإسالمية الغاية ، وإسالمية الوسيلة ، ولكي يتحقق هذاالتصور ، كان سبيله علمًا يحدد به التصور السليم فهمًا وحركة ، وتربية متأنية إليجاد النموذج القدوة عمليًا وتطبيقيًا ؛ فيتكون من هذه

اللبنات جماعة تقوم علي صحة االعتقاد وصدق اإلتباع وتحقق عقد اإليمان وعقد األخوة .ولذلك بدأ بتصحيح منهج التفكير حتى يكون المنهج إسالمياً فاهتم أوال بـ :

1. تحرير العقيدة من الجمود الذي أصابها واألوهام التي لحقت بها ، والتركيز بعد الفهم السليم لهذه العقيدة علي أثرها في تكوينالشخصية اإلسالمية األخالقية ، وأثر هذه العقيدة في الكون واإلنسان والحياة ؛ ليكون الفهم دقيقاً .

2. تخليص العقل من النظرة الجزئية لإلسالم ، فال تضخيم للجزئيات ، والفرعيات علي حساب الكليات والقطعيات ، ولكن نظرة كليةشاملة بفهم واع وعقل مستنير لتميز الفهم بالشمول والعموم والسمو والدوام والكمال .

3. كسر الجمود الذي أصاب العقل من إغالق باب االجتهاد وإعادة ترتيبه وصياغته صياغة إسالمية ليقدم حلوال لمشاكل العصربضوابط الشرع .

لقد أجاب اإلمام البنا علي أسئلة كثيرة تعتمل في القلوب والصدور ، كموقف اإلخوان من استخدام القوة ، والموقف من قضية فلسطينوالشعوب اإلسالمية المضطهدة والبالد اإلسالمية المستعمرة ، واإلخوان والحكم ، واإلخوان واألحزاب ، وموقف الجماعة من المرأة ،

وعالقة الجماعة بغير المسلمين ، وعالقتها بالغرب ، وبفضل الله عليه لم يترك شاردة وال واردة إال أجاب عنها بوثائق مازالتموجودة وشاهدة علي ذلك ، فضال عن إزالة الشبهات وتبيين الفرق بين الثوابت والمتغيرات بأسلوب رحيم وحجة بالغة وأدب في الحوار

.دعوة اكتملت مقوماتها :

ولذلك فإن فضيلة الدكتور القرضاوي يقول تحت عنوان " دعوة اكتملت مقوماتها " : { للدعوة الموفقة أو الدعوة الناجحة أو الدعوةالمكتملة مقومات أو أركان ، البد أن تتوافر لها حتى تقوم بمهمتها ، وتؤدي دورها وتحقق أهدافها التي تنشدها في اإليقاظ والتنوير ، أو

في التربية والتطهير ، أو في التجديد والتغيير ، أو في البناء والتعمير ، أو في الجهاد والتحرير أو في التوحيد والوحدة } .هذه المقومات أو األركان األساسية قد قدر الله لها أن تجتمع وتتكافل في دعوة اإلخوان المسلمين ، وإن شئت قلت : في حركة

اإلخوان المسلمين ، فهي دعوة وهي حركة أو هي دعوة متحركة وحركة داعية .وهذه المقومات السبعة في دعوة اإلخوان هي :

1. أن تكون الحاجة داعية إليها ، لتسد فراغاً قائمًا .2. أن تكون متميزة ، واضحة الشخصية والسمات .

3. أن ترزق بقيادة واعية حكيمة تعرف غايتها وطريقها .4. أن يهيأ لها جنود مؤمنون برسالتهم ، صادقون واعون مترابطون .

5. أن تكون أهدافها واضحة ، ال يشوبها ضباب وال اضطراب .6. أن تكون وسائلها لتحقيق غايتها واضحة كذلك ، معروفة المراحل والخطوات .

7. أن تكون مواقفها من القضايا الكبيرة واضحة بينة غير غامضة وال غائمة .

Page 5: ikwan

5أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وال دليل علي صدق ما قاله فضيلة الدكتور القرضاوي أوضح من استمرارية دعوته وجماعته وتالميذه حتى يومنا هذا ما زالوا همطليعة العمل اإلسالمي الصحيح ، وهم الذين يحملون – بفضل الله وحده ، ثم بثبات الرجال المخلصين – لواء البعث اإلسالمي

ويتقدمون صفوفه علي كل المستويات في جميع قارات العالم الخمس ، لقد خفقت بجهاده وجهوده رياح التغريب ، ودعاوي القوميين، وانزوت أفكار عبٌَاد الغرب والحضارات الزائفة ، ولقد استطاع أن ينقل األمة في زمن قصير نقلة واسعة دون صراع أو خالف وشهد

بذلك علماء عصره ، وفقهاء زمانه ، والعقالء في كل مكان ممن عرفوه وعايشوه وسنعرض لذلك بين دفتي هذا الكتاب .نشأته وتقدير أتباعه له :

هذا هو المؤسس ، وهذه دعوته .. هذا هو من تمني أن يكون مرشداً معلمًا ، وكيف ال ؟ وهو الذي نشأ النشأة الدينية مع التربية اإليمانية ،متلقيًا من والد فقيه ، وأسرة ملتزمة بتعاليم اإلسالم ، وأحاطت به كوكبة من العلماء والزهاد ، وأحبه الجميع وتوقعوا له مستقبال طيبًا ،

واستجاب الله لكالم أحد أصدقائه ، وهو يودعه حين سفره إلي اإلسماعيلية ويقول له : " إن الرجل الصالح يترك أثراً صالحًا في كلمكان ينزل فيه ، وإنا لنرجو أن يترك صديقنا – يقصد اإلمام – أثراً صالحًا في هذا البلد الجديد عليه " فهل تُرك اإلمام البنا مع وضوح

فكرته وسمو غايته وأخالقه ، أقول : هل تُرك وشأنه لكي ينشر دعوته ويربي أتباعه ويحقق آماله ؟ كال ... بل قال األحباب من غيراإلخوان ومن أفراد نحترمهم وجماعات نقدر جهودهم : إن اإلخوان قدٌَسوه ، وقال األعداء : إنهم عبدوه . فهو في نظرهم بين مقدس

أو معبود .والحق يقال إن اإلخوان المسلمين يقدرون إمامهم ويسندون ما يقولونه إليه ألنه كما قيل : " بركة العلم إسناده لقائله " وإال ماذا

نقول عن إمام كابن القيم والذي كان كثيراً ما يقول : قال شيخنا " قدس الله روحه " يقصد – ابن تيمية – ويسند ما يقوله إليه ، بلإن ابن تيمية كثيراً ما يذكر اإلمام أحمد بن حنبل ويسند إليه ما يقوله ، واإلمام أحمد بن حنبل يذكر الشافعي ، والشافعي يذكر اإلمام مالكوهكذا فهل هؤالء قدسوا شيوخهم ، وإن كانت مرجعيتنا اإلسالم وأنه ال عصمة ألحد فأين التقديس إذن إذا كانت مرجعيتنا اإلسالم ؟

دعوي التقديس :

يقول فضيلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب :

" نحن نقدر الرجال األوفياء الذين خدموا اإلسالم ورفعوا رايته ، وبذلوا أرواحهم في سبيل الله ، نقدر هؤالء جميعًا في كل عصر منعصور التاريخ ، ولكن ال نقدسهم ، وفرق كبير بين األمرين ، وحاش لله أن يُقَدٌَس غير معصوم ، ولكننا في عصر صراع القيم واختاللالمفاهيم ، واستباحة الكلمة عند البعض بالتالعب بها وتسخيرها للحديث عن الشيء وضده ، حتى يصعب علي البعض أن يميزوا بينالشعارات المتعارضة ، واألشكال المتزاحمة في الساحات المختلفة ، واستغل البعض أجهزة اإلعالم في تشويه رسالة الحق ، وحرفوا

صورتها الربانية متأثرين بما تقوله الموجات المادية الطاغية ، ولقد كشف اإلخوان أالعيب السياسة والسياسيين ولم تصب هذه السهامدعوة اإلمام البنا وارتدت إلي صدورهم دائمًا .

ولعل السبب في هذا أن اإلمام البنا رغم رحيله عنا منذ أكثر من خمسين سنة ، ال يزال أثره باقيًا حتى اليوم "ضرورة كتابة التاريخ :

وأستمحيك عذراً أيها القارئ الكريم في هذه المقدمة – التي طالت عن قصد – وأقول : أليس للجماعة حق أن تكتب تاريخها وتوثقهوتقدمه للعالم في مشارق األرض ومغاربها لتستبين السبيل ، فلقد نشأت أجيال ال تعرف عن تاريخ اإلمام البنا شيئًا وال عن جماعته إالمن رحم ربك ، وفي أعناقنا حق لهذه األجيال أن تعرف تاريخ الجماعة ومؤسسها نشأة وتربية وأسرة ومجتمعًا ، جهادًا ومجاهدة ، دراسة

وتلقيًا ، فكراً وحركة ، ومصاعب وابتالءات ، وال يتحقق هذا كله إال بالتسجيل واإلثبات ، وقد رأيت ضرورة أن أبين الظروف التي نشأفيها اإلمام وقامت فيها دعوته ، وذلك ألن تلك الظروف أثرها المتطبع علي الدعوة فجاء الباب األول تمهيداً لتناول حياة اإلمام ، ومن

بعده تاريخ الجماعة .لذلك كان الهدف من كتابة هذا التاريخ الموثق هو :

أوال : إيجاد مرجع صحيح وموثق لألتباع واألحباب ولمن أراد المعرفة الصحيحة الصادقة .ثانيًا : تصحيح وتصويب الوقائع التاريخية .

ثالثًا : إثبات صحة المنهج وامتداده طوال السنين ، ووحدة التصور واألهداف لدينا نحن الوارثين لهذا الطريق أفراداً وقيادة .رابعًا : معرفة الثوابت والمتغيرات في فكر اإلمام حسن البنا ومنهج التغيير .

خامسًا : الوقوف علي الدروس المستفادة لتزداد الخبرة التراكمية ويستفاد منها .سادسًا : إظهار خطأ الباطل ومنهاجه ، ووسائل كشفه ورده .

سابعًا : زيادة الثقة واالطمئنان للطريق ومناهجه حين يعرف التاريخ الصحيح للدعوة .ثامنًا : تقديم النموذج الممتد عبر السنين والذي يدل علي استمرارية الدعوة دون فجوة بين قديم وحديث وشيخ وشاب .

Page 6: ikwan

6أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

والذي أحب أن أؤكده أن هناك من سبقني في مثل هذه الكتابات وقد استنفدت منهم كثيراً ، وجزاهم الله عن الدعوة واإلسالموالمسلمين خيراً ، فهم أهل السبق والغيورون علي الدعوة من الرعيل األول ، فمنهم فضيلة األستاذ محمود عبد الحليم – رحمه الله –الذي ال يزال عمله الضخم " أحداث صنعت تاريخ " مرجعًا لكل من يريد أن يتعرف علي اإلخوان من الداخل ، ومنهم أستاذنا الجليل

فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي الفارس الهمام الذي دائمًا ما يسل سيفه – قلمه – ليدحض افتراءات المضللين ويرد كيد الكائدين ، ويوضحبضاعة هذه الدعوة وتاريخها المجيد ، والله أسأل أن يجعل ذلك في ميزان حسناته ، كما نذكر هنا بالعرفان والتقدير األخوة المرشدينالسابقين وندعو بالتوفيق للقائمين ومن تبعهم بإحسان إلي يومنا هذا والذين ثبتوا هذا الفهم بدمائهم وجهودهم وما زالوا علي الدرب

سائرين .وها أندا بعون الله وحده أدلي بدلوي وإن كان ماؤه قليال ولكن يكفيني شرفًا أن أكون ضمن هذه القافلة المباركة التي تذود عن هذه

الدعوة المباركة ، وتشارك بجهد المقل توضيحًا لحياة المؤسس وتاريخ الدعوة ، والتي أسأل الله أن يبارك فيها وأن يجري الخير علي يديأتباعها ، فإن أصبت فيما أقول فبتوفيق من ربي وإن أخطأت فمن نفسي .

والله أسأل أن يغفر لي زالتي ، إنه نعم المولي ونعم النصير وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم .األستاذ جمعة أمين عبد العزيز

الباب األول: المجتمع المصري إِبان ظهور اإلمام البنا وأهم الدعوات التي سبقت " اإلخوان المسلمين "

مقدمة: المجتمع المصري إبان ظهور اإلمام البناتعرض المجتمع المصري – مع مطلع القرن العشرين – لموجات وتيارات حادة أثرت عليه سلبًا وإيجابًا ، وخالل الربع األول من ذلك

القرن كادت هذه الموجات أن تعيد تشكيل ورسم صورة المجتمع المصري لوال تلطف الله تعالي بمصر والمشرق العربي .وفي استعراض سريع موجز نشير إلي أهم هذه التيارات واالتجاهات العالمية التي صاحبت مطلع القرن العشرين والتي تفاعل معها

المجتمع المصري وهي كما يلي :1. نمو الروح القومية .

2. نمو الدعوة للتحرر واالستقالل .3. نمو الروح العسكرية .

4. نمو الروح الديمقراطية .5. زيادة االهتمام بفكرة المجتمع الدولي .

6. ظهور الفكر االشتراكي .7. سيادة االتجاه العالمي .

8. موجه عاتية من االنحالل الخلقي ليس لها مثيل من قبل .سنعطي لمحة موجزة عن كل :

1-نمو الروح القومية :

يوصف القرن التاسع عشر – عادة – بأنه عصر " القومية " حيث شهد هذا العصر الكثير من التغيرات واالنقالبات والثورات اإلقليميةالدولية ، والتي وقعت بأوربا في ذلك الحين ، وكانت – معظمها – تعبيراً عن نمو متزايد للروح القومية ، وتجسيد لفكرة االنتماء والوالء

للعنصر أو األرض .ومع مطلع القرن العشرين انتقلت الروح القومية لتجد صداها في آسيا وأفريقيا ، ومن ثم لم يكن عجباً أن تظهر تركيا المسلمة – حاضرة

العالم اإلسالمي في ذلك الوقت – دعوة القومية ، وكان بروز القومية التركية بديالً عن " الرابطة اإلسالمية " .وفي المشرق ا؟إلسالمي سرت هذه الفكرة ، فنادي ( ساطع الحصري ) بـ " القومية العربية " ، وفي مصر نشأ تيار جديد ينادي بالقومية

المصرية ويبث الشعور بالوطنية اإلقليمية في األمة علي أساس العنصر وليس علي أساس العقيدة والدين .ومن العوامل التي ساعدت علي نمو الروح القومية في مصر : •تأثر فئة من المبعوثين المصريين- الذين تلقوا ثقافتهم وتعليمهم بالخارج

– بالثقافة األوربية ، ومن ضمن ما تأثروا به فكرة " القومية " ، فكانوا دعاتها وحماتها .•ازدياد حركة الكشوف األثرية التي تمت في تلك الفترة ، والتي أزاحت اللثام عن كثير من جوانب التاريخ القديم لمصر ، فكان لهذه

الكشوف األثرية أثر بالغ في تولد مشاعر بأن لمصر شخصيتها المستقلة ، السيما أن ذلك صادف توجها فكريا يغذي المشاعر بأن مصرللمصريين ، وأن مصر فرعونية كبديل عن إسالميتها .

Page 7: ikwan

7أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

•معاناة الشعوب العربية من بعض الحكام والوالة المرتبطين بالسلطنة العثمانية التركية ، ووقوع بعض المظالم مما أثار المشاعر العربيةوالقومية في نفوس هذه الشعوب .

2-نمو الدعوة للتحرر واالستقالل والعمل الوطني :

وقعت مصر فريسة في قبضة االحتالل اإلنجليزي عام 1882م ، ومع بداية القرن العشرين أزادت قبضة االحتالل وبسط نفوذه عليالبالد ، وعمل علي فرض ثقافته وفكره ونظامه وقانونه وعاداته وتقاليده بغية سلخ البالد من هويتها ومحو شخصيتها .

ولقد شهد القرن العشرون في مطلعه دعوات وطنية مخلصة ترنو إلي التحرر واالستقالل بداية من الزعيم مصطفي كامل إلي ثورة1919م ، وما بعدها من حركات وطنية تصب في تيار العمل الوطني .

وفي وسط هذا الجو الملبد بالغيوم واألفكار المتضاربة ، والدعوات المتعددة واالتجاهات نشأ اإلمام البنا – رضي الله عنه – وتفتحتعيناه ، فأدرك أن بلده وأمته قد استولي عليها عدوها ، واستبد بشئونها خصمها ، فهي أمة تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد الحق

السليب ، والتراث المغصوب ، والحرية الضائعة ، واألمجاد الرفيعة ، ولم يكن غريبًا أن يشارك في الثورة علي اإلنجليز عام 1919م ،حين كان عمره ثالثة عشر عاما وهو طالب بالمدرسة اإلعدادية بالمحمودية ، وكان يردد مع الناس :

حــب األوطــان مـن اإليمــانوروح الله تـــنــاديــنــا

إن لم يجــمــعـنـا االستـقـاللفـفـي الفـردوس تالقــينـا

3-نمو الروح العسكرية :

تميز القرن العشرون بأنه قرن االعتماد علي القوة العسكرية للفصل في المنازعات ، ويكفي أنه قرن الحروب العالمية والنزاعاتالدولية والصراعات األهلية .

وقد تبنت الدول الكبرى هذه الروح ، وتبعتها في ذلك الدول الصغرى التي اندفعت إلي عقد معاهدات والدخول في أحالف مع الدولالكبرى لضمان اإلغداق عليها بالسالح والقوة العسكرية في مقابل التبعية .

وقد شهدت أوروبا – في بواكير هذا القرن – نزعات عرقية تميزت بالقوة العسكرية ، فظهرت الفاشية في إيطاليا ، والنازية في ألمانيا ،وتحقق لهم انتصارات باهرة أدهشت العالم ، ولم يكن غريبًا أن يتأثر بذلك شباب في كل بلد من بلدان العالم يرغب في إحراز مثل هذا

النصر .وكان لهذه الروح العسكرية التي انبعثت في أوروبا صداها في مصر ، فرأينا تشكيالت القمصان الخضر أتباع حزب مصر الفتاة بزعامة

أحمد حسين ، ومثلها جماعات القمصان الزرق أتباع حزب الوفد ، وتبني الحزب الوطني القديم هذه الروح ، ومما أدي إلي إذكاء هذهالروح وقوع البالد في قبضة المحتل ، ووجود المظالم ، ويأس الوطنيين من المفاوضات مع المحتل الغاصب .

4-نمو الروح الديمقراطية :

رغم بطش القوة العسكرية ، فإن التيار الديمقراطي قد نما وانتشر في مناطق من العالم ، وقد ساعد علي ذلك عوامل كثيرة منها :• مطالبة الوطنيين باالستقالل ومساندة النقابات العمالية في البالد االستعمارية لهذه المطالب .

•اآلثار السيئة التي ترتبت علي ظهور النازية والفاشية جعلت الكثيرين ينادون بالديمقراطية .• نجاح الحلفاء في القضاء علي النازية األلمانية .

وقد انعكست هذه الروح الديمقراطية علي مصر فظهرت الحركة الوطنية علي مسرح السياسة المصرية ممثلة في الزعيم الوطني مصطفيكامل ، ومطالبته بحقوق مصر ، وكذلك خلفه الزعيم الوطني محمد فريد الذي قاد الشعب نحو المطالبة بالحرية والديمقراطية وحقه في

حكم نيابي صحيح ، كما حث مجلس شورى القوانين علي المطالبة بالدستور ، ثم كان توالد الكثير من األحزاب السياسية المصرية ، إال أنقوى االحتالل اإلنجليزي وأذنابهم من المنتفعين المصريين حاولوا دون نمو هذه الروح علي النحو السليم ، وتالعبوا بحقوق الشعب

ولوثوا الحياة السياسية .5-زيادة االهتمام بفكرة المجتمع الدولي :

تأثر كثير من المفكرين وأرباب القلم بفكرة المجتمع الدولي والوطن العالمي ، وبدأ هذا التأثر عقب انتهاء الحرب العالمية األولي " 1914-1917 " فتجاوب مع الفكرة "سالمة موسي " فكتب في مجلة ( كل شيء ) في 1929/29/9م : " علينا أن ندخل في غمار الدعوة العالمية

، وأن نتطور من وطنية القطر إلي وطنية العالم ، كما يجب علينا أن نؤلف للنشء المناهج التي تحببه في هذه الفكرة " ، وقد رد عليه "ساطع الحصري " – كبير دعاة القومية العربية – في ( مجلة التربية والتعليم العراقية ) بقوله : " وهل يجوز للمصري خاصة والعربي

عامة أن يصغي للسالم وحقوقه مهضومة ، وجميع بالده تحت االحتالل "6-ظهور الفكر االشتراكي :

Page 8: ikwan

8أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

شهدت أوروبا مولد الفكر االشتراكي كرد فعل علي مساوئ الفكر الرأسمالي ، وبدا الفكر االشتراكي للنظرة األولي أنه تصحيح لمسارالرأسمالية ، سرعان ما اشتد وقوي وصار مزاحمًا بل محاربًا له .

وبعد الحرب العالمية األولي وانتصار الثورة البلشفية في روسيا عام 1917م ظهر المعسكر الشيوعي كقوة كبيرة يتزايد وزنها الماديوالمعنوي يومًا بعد يوم في مواجهة المعسكر الرأسمالي ، سجل التاريخ البشري – في أوائل القرن العشرين – مولد الفكر االشتراكي وبروز

المعسكر الشيوعي ، ثم انقسام العالم الغربي إلي شرق وغرب وحلفين متصارعين " وارسو وناتو " .وقد كان من الطبيعي أن تصل أصداء هذا االنتصار إلي الدول النامية التي عانت كثيراً من السيطرة الرأسمالية ، فاتجه كثير من هذه الدولإلي األخذ بالمبادئ االشتراكية التي تمثلت أمام هذه الدول علي أنها تمتلك مفتاح الحل االقتصادي لمشكالت التخلف التي عانت منها

هذه الدول .ويمكن القول بأن المبعوثين المصريين إلي أوروبا في الفترة من نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين هم الذين حملوا بوادر

الفكر االشتراكي إلي مصر ، وقد جرت محاوالت عدة للتعبير والدعوة لهذا الفكر الوافد علي مصر ، ومن ذلك محاولة تأليف حزب اشتراكيمصري عام 1918م من " منصور فهمي ، عزيز ميرهم " الذي كان أدني إلي التطرف في االشتراكية ، ولكن هذه المحاولة أحبطت عندما

عارضها "محمود عزمي " الذي أقنع " منصور فهمي " بعدم مالئمة ظروف مصر االقتصادية واالجتماعية لتنظيم الجهود في سبيلالمبادئ االشتراكية .

وقد كان تكوين أول حزب شيوعي في مصر عام 1920م علي يد المستشرق " جوزيف روزنتال " وكان مؤسسو الحزب من العناصراألجنبية وخاصة اليهودية ، وقد تعرض هذا الحزب للهجوم من كل فئات الرأي العام بسبب أن معظم أعضاء الحزب من األجانب ، كما

أن مبادئ الحزب كانت غير مألوفة للرأي العام المصري .ثم ظهرت تيارات فكرية تدعو إلي اشتراكية ذات طابع مصري عربي حملت لواءها جماعة مصر الفتاة التي أطلقت علي نفسها " الحزباالشتراكي المصري " ، وتزعمها " أحمد حسين ، وفتحي رضوان " وهذا الحزب كان يري أن التعليم يجب أن يكون حقًا لكل المواطنين أو

بالمجان ، إال أن هذا التيار الفكري لم يحقق أهدافه لعدة أسباب منها : غلبة الطابع العسكري علي أعضائه " .7- سيادة االتجاه العلمي :

إذا كان القرن التاسع عشر قد شهد ثورة صناعية هائلة حتى لقب القرن بها ، وصارت معلمًا داال عليه ، فإن القرن العشرين شهد ثورةعلمية أشد ، وبلغ العلم منزلة عالية توجت القرن العشرين ، ومن ثم يمكن لنا أن نقول – وبصدق – إن القرن العشرين هو قرن العلم

وعصر المنهج العلميفقد ظهرت قوة العلم ومنهجه بعد أن تطورت نظرياته وعمت نتائجه وتطبيقاته ، وظهرت للوجود آثاره وثماره حتى شملت معظم

قطاعات الحياة ومعالمها ، فحلت اآللة مكان األيدي البشرية ، وقامت كثير من الصناعات الثقيلة والخفيفة ، وترتب علي تطبيقاتالمنهج العلمي علي ميادين الحياة تطورات ضخمة كان من أبرزها : زيادة القدرة علي الكشف واالختراع ، نمو المدن والمواصالت

الحديثة والسريعة ، وكان لهذه المدنية آثار بعيدة علي جميع جوانب الحياة ، فغيرت من وظائف عدد كبير من األنظمة والمؤسسات ،وخلقت معها وظائف لم تكن موجودة من قبل .

وقد تأثر المجتمع المصري بهذه الموجات الحضارية المصطبغة بالصبغة العلمية ، وحدثت تغييرات جذرية في البناء الثقافيواالجتماعي واالقتصادي كأثر لهذه الموجات .8- تيار االنحالل الخلقي " ومحاولة علمنة مصر " :

تعرضت مصر لموجة عارمة من االنحالل الخلقي واإلباحية ، واشتدت هذه الموجة مع بداية القرن العشرين ، واتخذ االنحاللواإلباحية صوراً متعددة ، وظهرت كتب وجرائد ومجالت تنضح بهذه السموم ، وتدعو المصريين إلي التحلل في النفوس واآلراء واألفكارباسم التحرر العقلي ، وكذلك التحلل في السلوك واألخالق واألفعال باسم التحرر الشخصي والحرية الشخصية وظهر المسرح والسينما

واإلذاعة وانتقلت الفرق المسرحية من بالد الشام لتستوطن مصر ، وراجت الحياة لهذه الفرق ، واستغلت المرأة أبشع استغالل ، حيثتزامنت الدعوة إلي حرية المرأة المصرية مع محاكاة المرأة الغربية في بالد المسلمين من حيث العري والعهر واالختالط ، فانتقلت

أخالق المرأة الغربية إلي المرأة المسلمة .نعم لقد ظهر الفساد في البر والبحر والجو ، وشاعت الرذيلة ، دون نكير مؤثر عليها ، وفي هذه الظروف المحزنة المبكية كان علماء الشريعة ،

وكانوا متفرقين متناحرين ، منهم من أراد حقيقة األوضاع اآلسنة واستسلم لها ، ومنهم من أدرك خطورة األوضاع الفاسدة ولكنه يأسمن إصالحها ، ومنهم من انشغل بدنياه عن خدمة دينه والعمل له ، ولإلمام الشهيد حسن البنا إشارة لهذه األوضاع أوردها في مذكراته

يقول : " وصرت أراقب هذين المعسكرين ، فمعسكر اإلباحية والتحلل في قوة وفتوة ، ومعسكر اإلسالمية الفاضلة في تناقض وانكماش ،واشتد بي القلق حتى إني ألذكر أنني قضيت نحواً من نصف رمضان هذا العام في حالة أرق شديد ، ال يجد النوم إلي جفني سبيال من

شدة القلق والتفكير في هذا الحال " .وقد انعكست آثار هذه الموجات العارمة من االنحالل واإلباحية واإللحاد علي المجتمع المصري في بدايات القرن العشرين السيما في

المدن الكبرى المصرية كالقاهرة واإلسكندرية .

Page 9: ikwan

9أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

هذه باختصار أبرز المعالم والتيارات واالتجاهات العالمية التي لعبت دورها علي مسرح الحياة المصرية مع مطلع القرن العشرين وخاللنصفه األول ، والتي كان لها دور مؤثر في تشكيل بعض االتجاهات والجهود التي عرفتها مصر إبان ظهور اإلمام البنا وتأسيس جماعة

اإلخوان المسلمين .وسنقوم بإيجاز بتحليل واقع المجتمع المصري في بداية القرن العشرين الذي كانت نشأة اإلمام حسن البنا فيه .

أهم الدعوات التي سبقت دعوة " اإلخوان المسلمين "لقد سبقت دعوة " اإلخوان المسلمين " كثير من الدعوات التي تأثرت بها دعوة اإلخوان ، واستطاعت االستفادة من الجوانب اإليجابية

في تلك الدعوات والتجاوز عن سلبياتها ، مما كان له أبعد األثر في نجاح دعوة اإلخوان المسلمين واستمراريتها رغم ما تعرضت له منصعاب .

وأهم هذه الدعوات :1.الدعوة الوهابية .2.الدعوة المهدية .

3.الدعوة السنوسية .أوال الدعوة الوهابية :

التعريف :

يسميها البعض " الدعوة السلفية " ويطلق عليها آخرون " دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب " ، وأيا كان اسمها ، فهي رائدة الحركاتاإلصالحية التي ظهرت إبان عهود التخلف والجمود الفكري في العالم اإلسالمي ، أما من حيث المضمون فهي تدعو إلي العودة بالعقيدة

اإلسالمية إلي أصولها الصافية ، وتلح علي تنقية مفهوم التوحيد مما علق به علي أنواع الشرك .التأسيس والمؤسس :

ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب المشرقي التميمي النجدي عام " 1115هـ - 1703م " ، ببلدة العيينة القريبة من الرياض ، وتلقيعلومه األولي علي والده دارساً شيئاً من الفقه الحنبلي ، والتفسير والحديث ، حافظاً القرآن وعمره عشر سنوات .

ذهب إلي مكة حاجاً ، ثم سار إلي المدينة ليتزود بالعلم الشرعي ، وفيها التقي بشيخه محمد حياة السندي " ت 1165هـ - 1753م "صاحب الحاشية علي صحيح البخاري ، وكان تأثره به عظيماً ، ثم عاد بعد ذلك إلي العيينة .

توجه إلي العراق عام " 1136هـ - 1724م " ليزور البصرة وبغداد والموصل ، وفي كل مدينة منها كان يلتقي بالشيوخ والعلماء ، ويأخذعنهم .

بدأ يجهر بدعوته إلي التوحيد في " عام 1143هـ - 1730م " في حريمالء حيث انتقل إليها مع والده الذي كان يعمل قاضياً ، لكنه مالبت أن غادرها بسبب تآمر نفر من أهلها عليه لقتله ، متوجهاً إلي العيينة ، حيث عرض دعوته علي أميرها " عثمان بن معمر " الذي

قام معه بهدم القبور والقباب وأعانه علي رجم امرأة زانية جاءته معترفة بذنبها .لكن أمير اإلحساء عريعر بن دجين الذي لم تعجبه دعوة الشيخ فأرسل إلي أمير العيينة يأمره بأن يمنع الشيخ عن الدعوة ، فغادر الشيخالبلدة كي ال يحرج أميرها ، وتوجه إلي الدرعية مقر إمارة آل سعود ، ونزل ضيفاً علي محمد بن سويلم العريني عام " 1158هـ " حيث

أقبل عليه وأكرمه .اقتنع أمير الدرعية محمد بن سعود الذي حكم في الفترة من " 1139 – 1179هـ " بدعوة الشيخ فعاهده علي حمايته وتأييده بشرطين ،

أال يرتحل عنهم وال يستبدل بهم غيرهم ، وأال يمانع في أن يأخذ الحكم وقت الثمار ما اعتاد علي أخذه من أهل الدرعية ، فوافق الشيخ، وأمل له في غنائم الفتوحات التي يفتحها الله عليه ، فيعوض بذلك عما يأخذه من أهل الدرعية .

وهكذا حقق الشيخ ما كان يعتقده من ضرورة وجود قوة للحق تحميه ؛ ألن الله يزع بالسلطان ماال يزع بالقرآن ، ومضي األمير والشيخفي نشر الدعوة في ربوع نجد ، ولما توفي األمير خلفه ابنه عبد العزيز محمد ليتابع مناصرة الدعوة مع الشيخ ، حتى توفاه الله في

الدرعية " 1206هـ-1719م " .وقد ترك الشيخ مصنفات كثيرة ، كان أهمها :

1-كتاب التوحيد فيما يجب من حق الله علي العبيد .2-كتاب اإليمان .

3-كشف الشبهات .4-آداب المشي إلي الصالة .

5-مسائل الجاهلية .

Page 10: ikwan

10أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

6-عدد من الرسائل والمختصرات التي تدور حول أمور فقهية وأصولية ، أكثرها في التوحيدأهم األفكار والمعتقدات :

- اتسمت دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب بأنها ال مذهبية في أصولها ، حنبلية في فروعها ، فقد كان الشيخ حنبلي المذهب في دراستهلكنه لم يكن يلتزم في فتواه إذا ترجح إليه الدليل فيما يخالفه ، واعتمدت الدعوة منهج أهل السنة والجماعة في فهم الدليل والبناء عليه .

- أكدت علي ضرورة الرجوع إلي الكتاب والسنة ، وعدم قبول أي أمر في العقيدة ما لم يستند إلي دليل مباشر وواضح منهما ، ودعتإلي تنقية مفهوم التوحيد ، والرجوع به إلي ما كان عليه المسلمون في الصدر األول لإلسالم .

- دعت إلي فتح باب االجتهاد ، بعد أن ظل مغلقاً منذ سقوط بغداد سنة 565هـ ، وإحياء فريضة الجهاد ، وقد كان الشيخ صورة للمجاهدالذي يمضي في فتح البالد وينشر الدعوة ، ويزيل مظاهر الشرك التي انحدر إليها الناس .

- اهتمت كثيراً بالقضاء علي البدع والخرافات ، خاصة زيارة القبور والنذر لها ، وطلب قضاء الحاجات عندها ، ومنعت بناء القبوروكسوتها ، وإسراجها ، وتصدت لشطحات الصوفية المنحرفة وادعاءاتهم الباطلة .

- وإجماال نستطيع أن نقول أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد ترسم في دعوته أعالمًا ثالثة ، استن طريقتهم ، وهو اإلمام أحمد بنحنبل " 164 – 241هـ " ، وابن تيمية " 661- 728هـ " ، وابن قيم الجوزية " 751-691هـ " .

- ولكن يؤخذ علي هذه الدعوة جنوح بعض دعاتها إلي التعالي في بعض األحيان ، وغلبة األسلوب الصدامي مع مخالفيهم بدالً منأسلوب التفاهم والتواد ، وكادت هذه الدعوة تنحصر في محاربة جزئية واحدة من الدين وهي محاربة البدع فقط .

ثانيًا : الدعوة المهدية :

التعريف :

المهدية واحدة من أبرز حركات اإلصالح التي ظهرت في العالم العربي واإلسالمي مع نهاية القرن التاسع عشر الميالدي وبداية القرنالعشرين ، وهي ذات مضمون ديني سياسي شابه بعض االنحرافات العقائدية والفكرية ، وما يزال أحفاد المهدي وأنصاره يسعون ألن

يكون لهم دور في الحياة الدينية والسياسية في السودان .التأسيس وأبرز الشخصيات :

أوال : المؤسس :

هو محمد أحمد المهدي بن عبد الله " 1260- 1302هـ = 1845- 1885م " ولد في جزيرة " لبب " جنوب مدينة دنقلة ، يقال بأن نسبهينتهي إلي األشراف ، حفظ القرآن وهو صغير ، ونشأ دينية وتتلمذ علي الشيخ محمود الشنقيطي ، سالكًا الطريقة السمانية القادرية

الصوفية ، متلقيًا علي شيخها محمد شريف نور الدائم .الحظ محمد علي شيخه تهاونًا في بعض األمور ، ففارقه وانتقل إلي الشيخ القرشي ود الزين ، وجدد البيعة علي يديه وكان شيخه

الثاني من أكبر مشايخ الطرق الصوفية آنذاك .استقر في عام 1870م في جزيرة " آبا " حيث يقيم أهله ، والتزم أحد الكهوف مستغرقًا في التأمل والتفكير ، وفي عام 1297هـ -

1880م توفي شيخه القرشي ، فقام المهدي بتشييد ضريحه وتجصيصه وبناء القبة عليه ، وصار خليفته من بعده ، حيث توافد عليهالمبايعون مجددين الوالء للطريقة في شخصه .

وفي عام 1881م أصدر فتواه بإعالن الجهاد ضد الكفار والمستعمرين اإلنجليز ، وأخذ يعمل علي بسط نفوذه في جميع أنحاء غرب[[:|السودان]] ، ثم اعتكف أربعين يومًا في مغارة بجزيرة " آبا " وفي غرة شعبان 1298هـ الموافق 29 يونيو 1881م أعلن للفقهاء

والمشايخ واألعيان أنه المهدي المنتظر ، الذي سيمأل األرض عدالً كما ملئت جوراً وظلمًا .قابل قوة الحكومة التي أُرسلت إلخماد حركته في 16 رمضان 1298هـ الموافق أغسطس 1881م ، وأحرز عليها انتصاراً دعم موقفه

ودعواه ، ثم هاجر إلي جبل ماسة ، ورفع راياته هناك ، وعين له أربعة من الخلفاء هم1-عبد الله التعايشي : صاحب الراية الزرقاء ، ولقبه بأبي بكر .

2-علي ود حلو : صاحب الراية الخضراء ولقبه بعمر بن الخطاب .3-محمد المهدي السنوسي رئيس الطريقة السنوسية ، ذات النفوذ الكبير في ليبيا ، وعرض عليه المهدي منصب الخليفة عثمان بن عفان ،

ولكن السنوسي تجاهله ولم يرد عليه .4-محمد شريف : وهو ابن عم المهدي ، الذي له الراية الحمراء ولقبه بعلي ابن أبي طالب .

تابع المهدي انتصاراته ففي عام 1882م قابل الشاللي الذي أراد أن ينفذ إرادة جيلبر نائب الحكمدار عبد القادر حلمي ، فقتل الشاللي ،وفي 3 نوفمبر سنة 1883 التقي مع هلس الذي لقي حتفه أيضًا بعد يومين من بداية المعركة ، وفي 26 يناير 1885م التقي جيشه

بجيش غوردون في الخرطوم ، واشتدت المعركة وقتل غوردون الذي كان يأمل المهدي بإلقاء القبض عليه حيًا ليبادل به أحمد عرابيالذي أجبر علي مغادرة مصر إلي النفي .

Page 11: ikwan

11أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وكان سقوط الخرطوم بين يدي المهدي آنذاك إيذانًا بانتهاء العهد العثماني علي السودان ، ومن يومها لم يبق للمهدي منافس حيث قامبتأسيس دولته مبتدئًا ببناء مسجده الخاص .

توفي المهدي في يوم 9 رمضان 1302هـ - الموافق 22 يونيو 1885م ، بعد أن أسس أركان دولته الوليدة ، ودفن في المكان الذي قبض فيه، وجدير بالذكر أن هذه الدولة لم تدم طويالً ، ففي عام 1896م قضي اللورد كتشز الذي كان سرداراً لمصر علي هذه الدولة ، ونسف قبة

المهدي ونبش قبره ، وبعثر هيكله ، وبعث بجمجمته إلي المتحف البريطاني انتقامًا لمقتل غوردون .األفكار والمعتقدات :

إن شخصية المهدي القوية ، والمعتقد الديني الذي كان يدعو إليه ، والسخط العام الذي كان سائداً ضد الوالة الذين يفرضون الضرائبالباهظة علي الناس ، وتفشي الرشوة ، والمظالم ، وسيطرة األتراك واإلنجليز كان ذلك كله دور مهم في جمع الناس حول هذه الدعوة بهدف

التخلص من الوضع المزري الذي هم فيه إذ وجدوا في المهدي المنقذ والمخلص .دعا المهدي إلي ضرورة العودة مباشرة إلي الكتاب والسنة دون غيرهما من الكتب التي يري أنها تبعد بخالفاتها وشروحها عن فهم

المسلم البسيط العادي ، وألح بشدة علي الجهاد والقوة والفتوة ، وحرم االشتغال بعلم الكالم ، وأوقف العمل بالمذاهب الفقهية المختلفة، وفتح باب االجتهاد في الدين .

ألغي جميع الفرق الصوفية ، وأبطل جميع األوراد داعيًا إلي نبذ الخالفات وااللتفات حول طريقته المهدية ، مؤلفًا ألتباعه ورداً يقرؤونهيوميًا ، وقال بالقطبية ، وهي الفكرة التي يزعم أصحابها من المتصوفة أن الكون يرتكز عليها ، وأنها جوهر الكون ، وعليها يدور ، وأنها

أساس السعادة .يزعم المهدي بأن مهديته قد جاءته بأمر من رسول الله صلي الله عليه وسلم إذ يقول : " وقد جاءني في اليقظة ، ومعه من الخلفاء

الراشدون ، واألقطاب والخضر عليه السالم ، وأمسك بيدي صلي الله عليه وسلم ، وأجلسني علي كرسيه وقال لي : أنت المهدي المنتظر، ومن شك في مهديتك فقد كفر " ، بل ونسب إلي نفسه العصمة ، وذكر بأنه " معصوم " نظراً المتداد النور األعظم فيه من قبل خلق

الكون إلي يوم القيامة .ولما تحركت الحكومة لضرب المهدية في جزيرة " آبا " كتب المهدي خمس رايات ، رفع عليها شعار ( ال إله إال الله محمد رسول الله )

وعلي أربعة منها اسم واحد من األقطاب األربعة عند المتصوفة ، وهم : الجيالني ، والرفاعي ، والدسوقي ، والبدوي ، أما الخامسة فقدكتب عليها " محمد المهدي خليفة رسول الله " وعلي ذلك فهو يزعم أنه اإلمام والمهدي ، وخليفة رسول الله .

ومع ذلك فال ننكر أنه أقام في المنطقة التي امتد إليها نفوذه نظامًا إسالميًا ، ونظم الشئون المالية ، وعين الجباة لجمع الزكاة ، وأقامحدود الشريعة في أتباعه كالقصاص وحيازة خمس الغنائم ، وغيرها ، وسك العملة باسمه ابتداء من فبراير 1885م – جمادي األولي

1302هـ .تأثر المهدي بالشيعة في أدعائه " المهدية " التي ستمأل األرض عدالً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وفي التأكيد علي أهمية نسبة الممتد للحسين

بن علي ، وعلي فكرة العصمة واإلمام المعصوم ، لكن من ناحية أخري قد أخذ عن دعوة اإلمام محمد بن عبد الوهاب قوله بضرورةاألخذ عن الكتاب والسنة مباشرة ، وفتح باب االجتهاد ومحاربته لبناء القبور ، ومن ناحية ثالثة كان للفكر الصوفي دور مهم في رسم

شخصية المهدي وطريقته .أخذ عن جمال الدين األفغاني ، وعن اإلمام محمد عبده األفكار الداعية إلي تحرير البالد اإلسالمية من االستعمار األوربي وتوحيدها

وضرورة تطبيق الشريعة في حياة المسلمين ، وكان قريبًا من األحداث الجارية في مصر ، وبالذات حركة أحمد عرابي الداعي إلي التحريرواالستقالل عن السيطرة اإلنجليزية .

كان يلح علي ضرورة التواضع ، وعدم البطر ، وتشديد النكير علي االنغماس في المالذ والبذخ والنعمة ، ويعمل علي التقريب بينطبقات المجتمع ، وقد عاش حياته يلبس الجبة المرقعة هو وأتباعه ووصل به الحال أن حرم االحتفال باألعراس والختان ألنه يدعو

إلي النفقة واإلسراف ، لكن أحفاده من بعده عاشوا في ترف ونعيم .منع البكاء علي األموات ، وحرم االشتغال بالرقي والتمائم وحارب شرب الدخان وزراعته واالتجار به ، وشدد في تحريمه ، ويسر الزواج

بتخفيف المهور وبساطة الوالئم وتحريم الرقص والغناء وضرب الدفوف .تطلع المهدي إلي عالمية الدعوة حيث أعلن أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد بشره بأنه سيصلي في األبيض ثم في بربر ثم في

المسجد الحرام بمكة ، فمسجد المدينة فالقاهرة ،وبيت المقدس وبغداد والكوفة .وهو بذلك يتطلع إلي نشر الدعوة خارج [[:|السودان]] لكن هذا األمل تالشي بسقوط طوكر عام 1891م .

ومما يذكر أنه مازال للمهدية أنصار كثيرون يجمعهم " حزب األمة " الذي يسهم في األحداث السياسية الحالية في [[:|السودان]] ، كما أنلهم تجمعًا وأنصاراً في أمريكا وبريطانيا ، يعملون علي نشر أفكارهم ومعتقداتهم بين الجاليات اإلسالمية عامة والسودانيين خاصة .

بعض االنتقادات الموجهة الجتهادات المهدي :1.لقد كفر المهدي من خالفه ، أو شك في المهدية أو لم يؤمن به ، وسمي الزمان الذي قبله زمان الجاهلية .

Page 12: ikwan

12أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

2.أفني بأن من يشرب التنباك يؤدب حتى يتوب أو يموت ، وجعل المتهاون في الصالة كالتارك لها جزاؤه أن يقتل حداً ، ونهي عنزواج البالغة بال ولي وال مهر ، ومنع النساء من لبس الحلي من الذهب والفضة وهي مباحة شرعًا .

3.جعل المذاهب الفقهية والطرق الصوفية مجرد قنوات تصب في بحره العظيم .ثالثًا : الدعوة السنوسية :

التعريف :

السنوسية واحدة من أبرز الحركات اإلسالمية في العالم العربي واإلسالمي ، ظهرت في شمال أفريقيا – تحديداً في ليبيا – في بدايةالقرن التاسع عشر الميالدي ، حملت اإلسالم إلي مناطق نائية في أواسط أفريقيا ، ورغم مضمونها الصوفي إال أنها استطاعت أن تقيم

دولة دافعت عن ليبيا ضد االستعمار الفرنسي ، واإلنجليزي ، واإليطالي .المؤسس :

هو أبو عبد الله محمد علي السنوسي الخطابي اإلدريسي ، ولد ببلدة " مستغانم " محلة " الواسطة " بالجزائر ، يوم 12 ربيع األول1202هـ الموافق 1787/22/11م ، مات أبوه وهو رضيع ، فكلفته عمته السيدة فاطمة ، ثم ابن عمه السيد الشارف ، وكان من العلماء .

طلب السنوسي العلم في بلدته ، ثم رحل إلي جامع القرويين في مدينة فاس ، وكان محط رحل العلماء ، ثم رحل إلي القاهرة ، وغادرهابعد معارضة علماء األزهر لتعاليمه فتوجه إلي الحجاز حوالي عام 1830م ، وهناك أخذ بعض الطرق الصوفية علي يد شيوخها المقيمين

في مكة ، منها الطريقة الشاذلية ، والطريقة الفاسية ، والطريقة الناصرية ، والطريقة القادرية ، والطريقة التيجانية ، لكن عالقةالصداقة توطدت بين السنوسي والشيخ أحمد بن عبد الله بن إدريس الفاسي مؤسس الطريقة الفاسية ، فسافر معه إلي اليمن ، وظل بها

حتى توفي ابن إدريس عام 1835م ، فرجع السنوسي مرة أخري إلي مكة .أقام السنوسي زاويته بمكة في " جبل أبي قبيس " بعد موت شيخه ابن إدريس ، فأتاحت له إقامته بمكة فرصة دراسة مؤلفات محمد

بن عبد الوهاب ، فاقتنع ببعض مبادئ الدعوة الوهابية خصوصًا ما يتعلق بالدعوة فتح باب االجتهاد ، والرجوع إلي الكتاب والسنة ،وقد وافته المنية بعد طلوع شمس يوم التاسع من شهر صفر سنة 1276هـ الموافق 1859/7/9م .

ومن مصنفات السنوسي :

1.كتاب المسائل العشر ، المسمي : " بغية القاصد في خالصة الراصد " ، مطبوع بالقاهرة عام 1353هـ2.المسلسالت العشرة في األحاديث النبوية ، مطبعة السنة سنة 1357هـ .

3.المنهل الروي في أسانيد العلم وأصول الطرائق ، ط1 ، سنة 1373هـ ، 1954م ، مطبعة حجازي بالقاهرة .4.إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن ، ط 1 ، سنة 1357هـ ، 1938م ، القاهرة .

وغيرها من الكتب المطبوعة والمخطوطة .مراحل تطور الدعوة وأهم الشخصيات :

يمكن تقسيم مراحل التطور إلي ثالثة أطوار هي طور النشأة وطور النمو واالنتشار وطور الحروب ، وقيام المملكة السنوسية .ومن خالل العرض المختصر لكل مرحلة سوف نتعرف علي أهم شخصيات الدعوة السنوسية .

1.طور النشأة ( 1837- 1859م) :

يرتبط هذا الطور بتاريخ مؤسس الدعوة ، محمد بن علي السنوسي وهو طور ديني محض ، بدأ من وقت إنشاء أول زاوية سنوسية بمكة ،إلي موت السنوسي نفسه ، اهتم السنوسي في هذا الطور باختيار األتباع ، وتربيتهم ، ثم بإنشاء الزوايا في أنحاء لبيبا وتونس وفي

[[:|السودان]] في مصر .ولعل هذا ما أثار السلطات العثمانية عليه ، وأثار علماء الدين ضد تعاليمه ، وبالذات المتعلقة بالرجوع إلي الكتاب و السنة ، وفتح باب

االجتهاد .2.طور النمو واالنتشار( 1859-1903م) :

يرتبط هذا الطور بحياة محمد المهدي بن السنوسي ( 1844- 1902م ) مؤسس السنوسية وفي زمنه تطورت السنوسية من طريقة صوفيةإلي مذهب ديني يبني نواة دولة جديدة ، وفي هذا التطور انتشرت الزوايا السنوسية في البالد حتى توغلت في قلب الصحراء ، واهتم

المهدي السنوسي بتنظيم حياة الناس ، وشئون الزراعة والتجارة ، وتعمير الزوايا ... لكن االستعمار الفرنسي داهم السنوسيين بأسلحتهالحديثة فهزمهم واشتد علي المهدي السنوسي المرض فمات سنة 1902م .

3.طور الحروب وقيام المملكة السنوسية ( 1903- 1950م ) :

عندما توفي محمد المهدي السنوسي سنة 1902 كان ابنه محمد إدريس لم يزل حدثاً فانتقلت زعامة السنوسية إلي ابن أخيه أحمدالشريف شقيق المهدي ، علي أن يكون في الوقت نفسه وصياً علي محمد إدريس عام 1918 – 1337 هـ .

Page 13: ikwan

13أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وفي هذا الطور انتقل جهاد السنوسيين ضد الفرنسيين بعد تدفق الغزو الفرنسي عند حدود برقة الجنوبية إلي اإليطاليين الذين هجموا عليموانئ طرابلس وبرقة مستغلين ضعف الدولة العثمانية ، واستعر القتال بين السنوسيين واألتراك ضد الطليان قرابة سنة إلي أن اضطرت

تركيا وقف القتال تحت ضغط الدولة األوربية ثم رجعت تركيا مرة أخرى بعد أن وقفت إيطاليا مع الحلفاء ضد ألمانيا التي ساندتها تركيافهزموا الطليان .

وحاول أحمد الشريف بعد ذلك مهاجمة اإلنجليز في مصر فانهزم أمامهم فاعتزل وترك القيادة للسيد محمد إدريس السنوسي بعد سوءأحوال البالد ، وانتشار وباء الطاعون ، والمجاعة وغيرها ، وجاهد محمد إدريس ضد اإليطاليين ، ثم ضد اإلنجليز والفرنسيين بعد الحربالعالمية الثانية حتى حصل االستقالل سنة 1948، وفى سنة 1950 اختير ملكًا على ليبيا ،وكان أبرز من وقف بجانبه هو الشيخ عمر

المختار الذي عهد إليه بقيادة السنوسية لمرضه سنة 1923م، فقاد المقاومة ضد إيطاليا الفاشية إلى أن أعد موه سنة 1931م.ونالحظ تطور السنوسية في هذا الطور من عقيدة صوفية ومذهب ديني إلي عقيدة وسياسة وبناء ملك معاً .

أهم المعتقدات والمفاهيم :

المناداة باالعتماد علي الكتاب والسنة ، وتقييد التصوف بهما ، واتساع مفهوم العبادة ليشمل الدين والدنيا ، واإليمان بمهدية محمدالمهدي السنوسي ، بل وينكرون موته ، ويقولون بأنه تغيب وال يسمحون ألحد أن يقول أنه مات ، وترك االشتغال بالسياسة في أول

دعواتهم ، وقد ورد هذا في كتبهم وتعاليمهم إال أنهم قد أقحموا إلي السياسة إقحاماً خاصة أثناء جهادهم ضد المستعمر ، وأدي ذلكإلي قيام مملكتهم سنة 1950م واعترف العالم بها ، واعتمدوا في نشر دعوتهم علي الزوايا والطرق الصوفية ، وإن كان منشئ الدعوة قد

اعتقد بأفكار الدعوة الوهابية ، وكان لهم أثر كبير في نشر اإلسالم في القارة األفريقية ، حتى أن جماعات التبشير اعتبرتهم منافسينلهم ال يستطيعون التغلب عليهم ولو بالمال ، وإن كان يعيب هذه الطريقة بعض الشطحات الصوفية .

الفصل األول: الحياة السياسية التي كانت تحكم المجتمع المصري إبان ظهور اإلمام البنا وتأسيس دعوة اإلخوان المسلمينمع مطلع القرن العشرين ، كانت مصر ترزح تحت قيود االحتالل البريطاني الذي كان يجثهم فوق ربوع البالد ويتحكم في مصير العباد

ويأمر وينهي ، وعلي الشعب وساسته السمع والطاعة .إال أن أحداثاً جساماً نشبت بمصر خالل الربع األول من القرن العشرين أثرت في مسيرة العمل السياسي والحالة السياسية .

ونستعرض في هذا الفصل الحياة السياسية من خالل المبحثين التاليين :المبحث األول : األحداث السياسية المهمة وأثرها علي نشأة اإلمام البنا وجماعته .

المبحث الثاني : القوى السياسية المهمة المؤثرة في المجتمع المصري .

المبحث األول: األحداث السياسية المهمة وأثرها علي نشأة اإلمام البنا وجماعته

وقعت البالد أسيرة في قبضة االحتالل البريطاني في أعقاب فشل الثورة العرابية عام 1882م ، وانتشر الجنود اإلنجليز في طولالبالد وعرضها يحمون المصالح اإلنجليزية وصار لهم الكلمة األولي ، وأصبح السلطان المتوج علي مصر ألعوبة في يد اإلنجليز .

ولم يهدأ الشعب المصري ولم تخمد جذور الثورة علي المحتل الغاصب ، ولم يعدم الشعب أن يجد رموزاً وطنية تنفخ في روح الحريةوالكرامة ، وتقوده إلي المطالبة بحقه في الحرية واالستقالل ، ومن هذه الرموز الوطنية مصطفي كامل " توفي فبراير 1908 " والزعيم

محمد فريد " توفي يوم 15 نوفمبر 1919م " ، وخالل الربع األول من القرن العشرين وقعت أحداث مهمة أثرت علي المجتمع المصريعامة ، وكان لها أثر ملحوظ في نشأة اإلمام الشهيد ، ونتعرض ألهم هذه األحداث السياسية علي النحو التالي :

المطلب األول : ثورة الشعب المصري عام 1919م .المطلب الثاني : لجنة اللورد ملنر ومظاهرات االحتجاج والغضب عليها .

المطلب الثالث : إصدار دستور 1923م .المطلب الرابع : سقوط الخالفة اإلسالمية عام 1924م .

المطلب األول : ثورة الشعب المصري عام 1919م

وضعت الحرب العالمية األولي أوزارها في نوفمبر سنة 1918م ، وانشغل العالم بإصالح ما أفسدته الحرب ، وما كشفت عنه من كوارث، وتنادي الجميع إلي عقد مؤتمر الصلح العالمي بين الدول المتحاربة ، وانعقد مؤتمر الصلح في باريس ، ورأي الوطنيون تشكيل وفد منالساسة المصريين للتوجه إلي باريس لعرض قضية استقالل مصر علي المؤتمر ، وأعلن عن تشكيل وفد ينوب عن األمة المصرية في

عرض قضية االستقالل ويرأس الوفد سعد باشا زغلول ، ومعه إسماعيل صبري باشا ، محمد محمود باشا ، حمد الباسل باشا ، فما كان مناإلنجليز إال أن أعلنوا رفض سفر الوفد إلي باريس ، واستعدوا الوفد وهددهم الجنرال وطسون قائد الحامية اإلنجليزية بمحاكمتهم عسكرياً ،

وفي مساء يوم 6 مارس 1919م ألقي القبض علي سعد زغلول ورفاقه وتم نفيهم إلي جزيرة مالطة بالبحر المتوسط .

Page 14: ikwan

14أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وكان خبر نفي سعد زغلول ورفاقه بمثابة الشرارة التي أشعلت ثورة الشعب المصري ، فهبت المظاهرات في مدن مصر وقراها ، واشتركفيها جميع طوائف الشعب من علماء وطالب ومدرسين ، وعمال وفالحين وشباب وشيوخ ونساء ، وتحولت شوارع مصر إلي بحر هائج من

الغضب الشعبي ، مطالبًا بحريته الكاملة واستقالله التام ، ونلحظ أن الشعب ما قام بالثورة سنة 1919م إال إلحساسه بالضياع وقدوجد فيها تحقيقاً لذاته ، وتعبيراً عن نفسه ووجوده ، وكأنه أراد أن يحس بإنسانيته بإظهار إرادته ، ثم ثار هذا الشعب ولم يطالب بالخبزوهو جائع ، وال بإلغاء ملكية األرض الزراعية وهو ال يكاد يملك منها شيئاً ، ولم يطلب بإلغاء األلقاب ، والقضاء علي البكوات والبشوات ،بل كانت ثورته تعبيراً عن صادق شعوره وبرفضه االستعمار ، وكان مخلصاً في مطالبته باالستقالل ، وإن لم يفكر أو يتصور ماذا سيكون

شأنه بعد االستقالل ، بل لم يرسم لنفسه صورة ولو باهتة لهذا الوطن في ظل االستقالل .ورغم أن الثورة لم تطالب باإلسالم نظاماً شامالً للحياة ، ولم يكن في فكر مشعليها أو المشتركين فيها أن يشيعوا بينهم اإلسالم منهاجاًوفكرة وشريعة ، وترسي للناس قواعد وأسس معامالتهم السياسية واالجتماعية واالقتصادية والقيمية والفكرية مستمدة من منهاج

السماء الخالد ، ومع ذلك فكان اإلسالم حياً في القلوب ، متحركاً في العقول ، مستتراً في الضمير ، وكان الثوار يعتبرون أن من قتل فيالثورة برصاص اإلنجليز أو السلطة الحاكمة فهو شهيد له جنات الخلد عند ربه ، واقترنت الثورة بالمسجد ، وخرجت المظاهرات من األزهر

وهو رمز اإلسالم ومعهده آنذاك .ولما اندلعت نار الثورة الوطنية في سنة 1919م – في أعقاب الحرب العالمية األولي – فشملت آنذاك أنحاء الوادي كان " حسن البنا "في سن الحداثة وطور المراهقة – كان عمره أثناء الثورة أثني عشر عاماً وأربعة أشهر وعدة أيام – اللذين يتفتح المرء فيهما بكل مواهبه

للحياة ، وتتفتح الحياة فيه كذلك بكل آفاقها وقواها ، فأراد الله أن تلتقي الثورتان ، ثورة الفتوى والشباب وثورة الوطنية والحرية فيقلب هذا الفتي النابه المتدين بفطرته بنشأته وثقافته ، ولم تفترقا أبداً فيه ، فكان مثال الحيوية التي ال تعرف الكالل ، ومثال الوطنية

التي ال تقدر عليها قوة االحتالل ، حتى لقي ربه شهيداً في سبيل دعوته اإلصالحية الشاملة التي انتظمت إصالح العقيدة والنفوس، وإصالح الحكم واألوضاع .

لقد شقت أحداث الثورة طريقها وعرفت سبيلها إلي نفس ومشاعر اإلمام البنا ، حيث كان طالبًا باإلعدادية بمدينة المحمودية وكان منالطالب المبرزين بين المتظاهرين ، يقول هو عن نفسه : " وكنت – رغم اشتغالي بالتصوف والتعبد – اعتقد أن الخدمة الوطنية جهاد

مفروض ال مناص منه ، فكنت بحسب هذه العقيدة وبحسب وضعي بين الطالب – إذ كانت متقدمًا فيهم – ملزمًا بأن أقوم بدور بارز فيهذه الحركات وكذلك كان .

ولهذا يعتبر البعض أن تلك الثورة المصرية ساعدت علي نمو الجانب السياسي والحس الوطني عند اإلمام البنا وهو في سن مبكرة .وهكذا ، كان البنا منذ حداثته سياسيًا مخلصًا ، وطنيًا مبرزاً بين أقرانه ، مما يوحي بالدور الكبير الذي ينتظره ، والمهمة الكبرى التي تناديه .

المطلب الثاني : لجنة اللورد ملنر ومظاهرات االحتجاج والغضب عليها

ونتيجة لتنامي روح الغضب والعنف التي سيطرت علي الشعب المصري والتي تمثلت في مظاهراته الغاضبة ، فكرت الحكومة البريطانيةفي معالجة آثار الثورة ، وكعادتها اتجهت لتهدئة األوضاع ريثما تهدأ العاصفة ثم تنقضي ، ومن ثم تكمل أرادت وتنفذ ما يحقق

مصالحها .ورأت الحكومة البريطانية أن ترسل لجنة كبرى إلي مصر للتحقيق في أسباب الثورة وبحث الوسائل الكافية لمنع نشوبها مرة ثانية في

المستقبل ، وشكلت اللجنة ورأسها اللورد ألفريد ملنر وزير المستعمرات وقتئذ وكان ذلك في 22 سبتمبر 1919م .وعلي إثر اإلعالن عن تأليف هذه اللجنة عمت المظاهرات االحتجاجية الغاضبة مدن مصر ، واشتدت ثورة الغضب مرة ثانية وخاصة

في اإلسكندرية وحدثت اشتباكات عنيفة بين الشعب الغاضب وقوات الشرطة الداخلية التي استنجدت بفصيلة من الجيش البريطانيالتي أطلقت النار علي المتظاهرين ، فسقط منهم قتلي وجرحي ، وتكرر المشهد : مظاهرة غاضبة تنادي باالستقالل وزوال االحتالل

يقابلها جنود إنجليز برصاص حي وتكون المحصلة قتلة وجرحي .واستمرت المظاهرات الغاضبة حتى جاء موعد وصول اللجنة المذكورة ، حيث وصلت إلي مصر في 7 ديسمبر 1919م ، ومنذ ذلك الوقت

عمت المظاهرات واالضطرابات وامتنع الطالب عن الذهاب إلي معاهدهم ومدارسه احتجاجاً علي قدوم اللجنة وتجاوب التجار معإضراب الطالب ، وامتنعوا عن فتح المحال التجارية ، وقرر المحامون االضطراب لمدة أسبوع ابتداء من 17 ديسمبر احتجاجاً علي قدوم

اللجنة " جدير بالذكر أن يوم 18 ديسمبر هو يوم إعالن الحماية البريطانية علي مصر سنة 1914م " .وشارك في المظاهرات االحتجاجية علماء وطالب األزهر الشريف ، وفي إحدى المظاهرات اقتحمت فصيلة من الجيش البريطاني صحن

الجامع األزهر الشريف بنعالها وعصيها منتهكة حرمة المسجد وأخذت تضرب وتروع من فيه ، حدث ذلك في يوم 11 ديسمبر 1919م .قضت لجنة ملنر في مصر نحو ثالثة أشهر تدرس أحوال البالد عامة ، وأسباب الثورة خاصة ، وتبحث في العالج الذي تراه ناجحاً

لمالقاة الحالة الثورية ، وفي المقترحات الني تعرضها علي الحكومة البريطانية في هذا الصدد ، وغادر اللورد العاصمة صباح يوم 6مارس سنة 1920م إلي القدس في رحلة بفلسطين ، ثم عاد إلي اإلسكندرية وأبحر منها يوم الخميس 18 منه إلي انجلترا ، وسبقه إليها

زمالؤه .

Page 15: ikwan

15أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وطوال مدة عامين من المفاوضات والمناورات والخدع البريطانية تأكد للجميع أن الشعب المصري مصمم علي نيل حريته والحصول علياستقالله ، ومن ثم أعلنت بريطانيا – من جانب واحد – انتهاء الحماية البريطانية علي مصر ، واستقالل مصر وهو ما يعرف بتصريح 28

فبراير سنة 1922م .وقد نص هذا التصريح علي انتهاء الحماية البريطانية علي مصر ، وأن تكون مصر دولة مستقلة ذات سيادة إال من تحفظات أربعة

أعطت انجلترا بنفسها حق توليها ، وهي بذلك لم تغير كثيراً من حقيقة االحتالل .وقد وصف سعد زغلول باشا هذا التصريح بأنه أكبر نكبة علي البالد ، وهو عبارة عن حيلة يراد بها الحصول علي تصحيح مراكز انجلترا

في مصر ، ويري د . عبد العظيم رمضان أن ما تحقق – بناء علي التصريح المذكور – ال يتكافأ مع تضحيات الشعب المصري وال معأمانيه الوطنية التي هب لتحقيقها عقب الحرب العالمية األولي ، لذا فقد قابل الشعب هذا التصريح بالفتور واإلعراض .

وتعتبر هذه األحداث امتدادً ألحداث ثورة 1919م ، استمرت المشاركة اإليجابية لإلمام البنا في هذه األحداث وتفاعل بقوة مع هذاالشعور الوطني الفياض وإجماع األمة علي مقاطعة لجنة ملنر .

ومن مظاهر هذه المشاركة أن اإلمام البنا كتب قصيدة شعر طويلة في هذا الصدد كان مطلعها :يــا مـلـنـر ارجـع ثـم سـل

وفــداً ببــاريـس أقــاموارجـع لقــومـك قـل لـهـم

ال تــخـدعـوهـم يالـئـاموهكذا ساعدت هذه األحداث السياسية المهمة في تنمية االهتمام بالجانب السياسي عند اإلمام البنا ورسبت في وجدانه كراهية

االستعمار اإلنجليزي .المطلب الثالث :إصدار دستور 1923م

على إثر إعالن تصريح 28 فبراير 1922م - السابق ذكره - خطت مصر نحو االستقالل ، ومن ثم أخذت تعيد ترتيب الحياة العامة فيالبالد .

ففي الخامس عشر من مارس عام 1922م أعلن السلطان فؤاد نفسه ملكاً علي مصر ، وأطلق عليه الملك فؤاد األول، وصارت مصر مملكةمستقلة عن السلطة العثمانية المنهارة ، في ذلك الوقت ، واتجهت الجهود الوطنية نحو وضع دستور جديد للبالد يتناسب مع الوضع

االستقاللي الجديد لمصر ، ويلبي طموحات الشعب المصري الثائر الذي قدم عظيم التضحيات رغبة في االستقالل .وقد ثار خالف وجدل شديد بين القوى الوطنية بزعامة سعد زغلول وبين الملك والقوى السياسية التي تلوذ به ، حول وضع دستورحقيقي يقر مبدأ سيادة األمة ويقيد سلطات الملك ، وبين دستور هزيل يحقق الشكل العام ، ولكنه يلبي رغبت الملك في االستئثار

بالحكم وتقنين استبداده بالسلطة .وفي سبيل تحقيق أي الهدفين أقيلت وزارات وعينت أخري ، وشكلت لجان لوضع الدستور ، وانتهي األمر تحت الضغط الشعبي المتنامي

إلي رضوخ الملك إلرادة الشعب ، ووجد القصر أال فائدة من المماطلة والتسويف ، فعرض مشروع الدستور علي اللجنة االستشاريةالتشريعية المنوط بها صياغة القوانين فأدخلت عليه بعض تعديالت ال تمس الجوهر ثم أصدره الملك فؤاد في 19 إبريل عام 1923م .

ورغم ما قيل عن اللجنة التي وضعت الدستور وما قيل عن الدستور نفسه حيث كان رأي سعد زغلول أن هذا الدستور أنشأ للبالد حكومةمطلقة في الظاهر ومقيدة في الحقيقة ، وفتح لإلنجليز باباً واسعًا للدخول منه في شئون البالد وإرادتها مما يعوق تقدمها .

إال أن هذا الدستور أصبح بعد ذلك مقدسًا وطنيًا تدافع عنه األمة وتطالب به بعزم وجد حين يعطل الدستور أو يلغي العمل به .وقد مرت ثالث فترات زمنية تعطل فيها العمل بالدستور :

الفترة األولي : فكانت في 23 مارس 1925م ، واستمرت حتى مايو 1926م ، حيث عادت الحياة النيابية من جديد وأجريت انتخاباتجديدة لمجلس النواب في 22 مايو 1926م .

الفترة الثانية : في 19 يوليو 1928م أصدر الملك فؤاد أمراً ملكيًا بحل مجلسي النواب والشيوخ وتعطيل الحياة النيابية لمدة ثالث سنواتقابلة للتجديد ، وكذلك نقل السلطة التشريعية من ممثلي األمة إلي الملك ؛ إال أنه استجاب للضغوط الشعبية الواسعة التي أخذت

تطالب بقوة بعودة الدستور والحياة النيابية قرر الملك في 1929/21/10 إصدار أمر ملكي بعودة العمل بدستور 1923م .الفترة الثالثة : إلغاء الدستور ووضع دستور جديد عام 1930م .

وهكذا تحول الدستور إلي ألعوبة في يد الملك وأنصاره فلم يمض عام علي عودة دستور 1923م حتى أصدر الملك فؤاد- مرة ثالثة – أمراًملكيًا في أكتوبر1930م يقضي بإلغاء دستور 1923م نهائياً ، وحل مجلس النواب والشيوخ ، واستبدل به دستور آخر عرف في الفقه

الدستوري بدستور 1930م .

Page 16: ikwan

16أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وكان طبيعياً أن يأتي دستور 1930م محققا مطالب الملك فؤاد األول حيث عمد واضعو الدستور الجديد إلي تقوية سلطات الملكوانتقاص سلطات نواب األمة وإضعاف سلطة مجلسي النواب والشيوخ .

واستمر العمل بدستور 1930م خمس سنوات عجاف لم تهدأ األمة خاللها عن المطالبة بعودة دستور 1923م حتى رضخ الملك لمطالبالشعب ، وصدر أمر ملكي في 1935/12/12م بإلغاء دستور 1930م وعودة العمل بدستور 1923م وعودة الحياة الدستورية .

ولقد استمر العمل بدستور 1923م ساريًا بعد ذلك أكثر من سبعة عشر عامًا حتى قامت ثورة 23 يوليو وألغت دستور 1923م وذلك في1952/10/12م حيث صدر إعالن دستوري ثوري يقضي بسقوط دستور 1923م تمهيداً لوضع دستور جديد يتمشي مع التغيرات الجذرية

التي حدثت في البالد بقيام ثورة الجيش يدعمها الشعب ضد الملك .هذه هي الحالة السياسية المصرية التي عاشها اإلمام حسن البنا في ذلك الوقت

المطلب الرابع : سقوط الخالفة اإلسالمية عام 1924م وآثار ذلك علي مصر

بعد سقوط الخالفة اإلسالمية العثمانية حدثاً عالميًا مهمًا ، بل من أهم األحداث التي كانت في القرن الرابع عشر الهجري ، وقد كانلهذا الحدث آثار خطيرة علي كل البالد التابعة والخاضعة تحت لواء الخالفة اإلسالمية ، وال تزال آثاره ظاهرة حتى يومنا هذا .

فمع اندالع الحرب العالمية األولي عام 1914م ، أعلنت تركيا ( دولة الخالفة ) الحرب علي بريطانيا ، وكان ذلك في أواخر شهر أكتوبر ،وأهاب الخليفة العثماني السلطان محمد الخامس بالمسلمين أن يهبوا لقتال أعداء دولة الخالفة الذين اعتدوا عليها ، والجدير بالذكر أن

طاعة الخليفة واجبة علي المسلمين طالما أنها في معروف ، وكانت سياسة انجلترا ترمي منذ سنوات قبل نشوب الحرب إلي فصل مصرعن تركيا ، وقطع العالئق بين االثنين ، لتنفرد انجلترا بحكم مصر ، وتستطيع أن تصحح وضعها الدولي ، وتتمكن من أن تضم مصر إليممتلكاتها لتجعلها – نهائيًا – مستعمرة بريطانية وجزءً من إمبراطوريتها ، لكن هذا لم يكن باستطاعتها قبل الحرب ، فلما قامت الحربالعالمية وجدت بريطانيا في ذلك فرصتها السانحة وعمدت إلي قطع العالئق بين مصر وتركيا ، وإتمام الفصل بينهما نهائياً ، فأعلنت

الحماية علي مصر في 18 ديسمبر سنة 1914 واغتصبت لنفسها كل حقوق مصر وتركيا ، لكن بقيت حقوق الخالفة والوالء الواجب لهاعلي شعب مصر المسلم ، وهذه حقوق وروابط دينية ال تستطيع دولة المحتل أن تفعل فيها شيئاً .

ولما انتهت الحرب العالمية األولي في نوفمبر 1918م وخرجت تركيا منها مثخنة الجراح كثيرة النكبات ، في تلك الفترة بزغ نجم مصطفيكمال أتاتورك أحد كبار ضباط الجيش التركي ، إذ تجمع حوله مجموعة من الضباط األتراك ومعهم بقايا الجيش التركي .

وبدأ أتاتورك يعيد ترتيب أوضاع الجيش ويقوده لشن حرب ضد اإلنجليز واليونانيين – األعداء التقليديين لتركيا – وفي عام 1922مأوعزت بريطانيا إلي اليونان وشجعتها علي حرب تركيا من جديد ، وانطلقت جيوش اليونان صوب مدينة األستانة " مقر الحكم العثماني" بغيت االستيالء عليها ، فتصدي لهم الجيش التركي بقيادة أتاتورك وتحقق علي يديه النصر ودحر الجيش اليوناني واسترد منهم بعضالمكاسب السابقة ، وطاردت أنباء تلك االنتصارات وبلغت أرجاء العالم اإلسالمي فتعلقت آمال المسلمين بالقائد الجديد ، بل سري بينالناس أن أتاتورك مجدد عهد الفاتحين ، لدرجة أن أحمد شوقي – أمير الشعراء في العصر الحديث – أطلق عليه خالد الترك تيمنا بالقائد

الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه حيث قال في قصيدة شهيرة مطلعها :الله أكبر كم في الفتح من عجب

يا خالد الترك جدد خالد العربوتتابعت انتصارات أتاتورك حتى أجلي االحتالل عن بالده ، وكان الناس إذا قارنوا كفاح مصطفي كمال المظفر باستسالم الخليفة القابعفي األستانة ، مستكينا لما يجري عليه من ذلك ، كبر األول في نظرهم بمقدار ما يهوي الثاني ، وزاد في سخطهم علي الخليفة ما تناقلته

الصحف من إهدار دم مصطفي كمال واعتباره عاصياً متمرداً ، ولم يكن مصطفي كمال في نظرهم إال بطالً مكافحاً يغامر بنفسه الستعادةمجد الخالفة الذي خيل إليهم أن الخليفة يمرغه في التراب تحت أقدام الجيوش المحتلة .

وقاد مصطفي كمال الجيش لالنقالب علي السلطان وحيد الدين وتم له األمر ، وعزل السلطان وأعلن قيام الجمهورية ، وفي أوائل مارسسنة 1924م قرر مصطفي كمال أتاتورك إلغاء منصب الخالفة من تركيا وأخر آخر خليفة كان موجوداً إذ ذاك ، وإن كان خليفة صوريا –

وهو السلطان عبد المجيد الثاني – منهيًا بذلك عهد الخالفة اإلسالمية الذي ظلل المسلمين طيلة ثالثة عشر قرنًا بداية من الخليفة الراشدأبي بكر الصديق رضي الله عنه إلي خاتمة الخلفاء العثمانيين عبد المجيد الثاني .

لكن آمال األمة اإلسالمية تحطمت علي صخرة الخيانة األتاتوركية ، وارتد السهم إلي صدرها فلم تفق إال علي أنباء سقوط الخالفة وطردالخليفة وأهله بعد تجريدهم من كل أموالهم وأمالكهم ، فعاد أمير الشعراء باكيًا حزينًا وأنشد قصيدة ينعي فيها إلي األمة اإلسالمية

سقوط دولتها وانتهاء الخالفة .عـادت أغانـي العـرس رجـع نواح

ونعـيـت بين مـعـالـم األفـراحكـفـنت في ليـل الزفـاف بثوبــه

ودفـنـت عنـد تبلـج اإلصــباح

Page 17: ikwan

17أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

ضجـت عـليك مـآذن ومـنابــروبـكت عـلـيك ممـالـك ونـواح

الهـند والهـة ، ومـصـر حزينـةتبـكي علـيك بـمدمـع سـحــاح

والـشام تسـأل ، والعـراق وفـارسأمـحـا مـن األرض الخالفـة مـاح

ولم تهدأ األمة اإلسالمية ، بل هبت دعوات مخلصة من أجل إنقاذ الخالفة ودوامها ، وتحرك العلماء الغيورون علي اإلسالم وعقدواعدة اجتماعات وانتهي األمر إلي اتفاق العلماء علي ضرورة عقد مؤتمر إسالمي عام يحضره ممثلون عن الدولة اإلسالمية ويكون مقره

" القاهرة " ، وغرضه بحث مسألة الخالفة اإلسالمية والوصول إلي قرار بشأنها وتعيين شخص الخليفة .. وفي يوم 25 مارس 1924معقد اجتماع مهم رأسه فضيلة اإلمام األكبر شيخ الجامع األزهر وتباحث العلماء حول موضوع الخالفة اإلسالمية وما آل إليه األمر ،

وأصدروا بياناً أكدوا فيه ضرورة واستلزام وجود خليفة وإمام للمسلمين كافة وقرروا األتي :عقد مؤتمر ديني إسالمي يدعي إليه ممثلو جميع األمم اإلسالمية للبحث فيمن يجب أن تسند إليه الخالفة اإلسالمية ، ويكون بمدينة

القاهرة تحت رياسة شيخ اإلسالم بالديار المصرية .وأن يكون عقد المؤتمر في شهر شعبان سنة 1343هـ - مارس سنة 1925م .

ومرت بمصر والعالم اإلسالمي حوادث وأمور تأجل معها انعقاد المؤتمر للعام التالي ، وفي شهر مايو 1926م انعقد المؤتمر في القاهرة ،واتفق العلماء والمندوبون علي وجوب الخالفة واختلفوا فيما بعد ذلك وتعذر الوصول إلي اتفاق حول من يكون خليفة للمسلمين ؟ ومن ثم

انفض المؤتمر دون اتخاذ قرار معين وأسدل الستار علي الموضوع .وكان للعلماء األفاضل دور مهم وجهد مشكور ، إذ بينوا حكم الشرع فيما يدور من أحداث ، وذكروا المسلمين بواجبهم نحو اإلسالم والخالفة .

وحين صدر كتاب الشيخ عبد الرازق " اإلسالم وأصول الحكم " في أبريل عام 1925م وتعرض فيه إلي موضوع الخالفة اإلسالميةفأنكرها وادعي أنها ليست من اإلسالم ألن اإلسالم دين ، والدين ضد الدنيا وال عالقة لإلسالم بشئون الدنيا ومنها الخالفة ، وزيف

حقائق التاريخ اإلسالمي فادعي – كاذبًا وزوراً – أن دولة الخلفاء الراشدين ومن بعدهم لم تكن خالفة دينية أو إسالمية بل كانت ملكاًدنيويًا ، وأن الصديق أبا بكر رضي الله عنه كان أول ملك في اإلسالم ، وأن الخالفة كانت شراً ونكبة علي المسلمين وغير ذلك من

أكاذيب وانحرافات .حينئذ تحرك العلماء ودافعوا عن الخالفة اإلسالمية ، وبينوا كذب وانحراف ادعاءات الشيخ علي عبد الرازق ، ونذكر قبسًا منيراً من هذا

الدفاع للشيخ الجليل " محمد رشيد رضا " رحمه الله تعالي فقد رد علي هذا الكتاب اللقيط فور صدوره وقال فيه : " مازال أعداء اإلسالميجاهدونه بالسيف والنار ، وبالكيد والدهاء وباآلراء واألفكار ، وبإفساد العقائد واألخالق ، وبالطعن في جميع مقومات هذه األمة ، وتقطيعجميع الروابط التي تربط بها شعوبها وأفرادها ليسهل جعلها طعمة للطامعين وفريسة لوحوش المستعمرين ، وهذه الحرب السياسية العلمية

لإلسالم أضر وأنكي من الحروب الصليبية باسم الدين .. وقد كان آخر فوز لهذه الحرب علي المسلمين إلغاء الترك لمنصب الخالفة مندولتهم ، وتأليفهم حكومة جمهورية غير مقيدة بالشرع اإلسالمي ، فذعر لهذا العالم اإلسالمي ، وطرب له اإلفرنج وروجوا سياستهم ، ورفع

هؤالء عقيرتهم في مصر هاتفين لعمل الترك ، ونشطوا لجعل الحكومة المصرية ال دينية مثل حكومة أنقرة ، وبينما نحن كذلك إذ نحنببدعة حديثة لم يقل بمثلها أحد انتمي إلي اإلسالم – صادقًا وال كاذبًا – بدعة شيطانية لم تخطر في بال سني وال شيعي وال خارجي

، بل لم تخطر علي بال بعض الزنادقة ، والناعق بهذه البدعة من العلماء المتخرجين في األزهر من قضاة المحاكم الشرعية ، إن هذالشيء عجب " .

وعقب صدور الكتاب بأربعة أشهر وفي 12 أغسطس 1925م انعقدت هيئة كبار العلماء باألزهر الشريف في صورة هيئة تأديبية لمحاكمةالشيخ علي عبد الرازق وكتابه " اإلسالم وأصول الحكم " وحضر الشيخ المذكور وأتيحت له فرصة الدفاع عن نفسه وعن اآلراء التي

تضمنها كتابه المشئوم ، وفي نهاية الجلسة أصدرت هيئة كبار العلماء حكمها بإجماع آراء المجتمعين : شيخ الجامع األزهر محمد أبوالفضل الجيزاوي ومعه أربعة وعشرون عالمًا من هيئة كبار العلماء حكموا بفصل الشيخ علي عبد الرازق من زمرة العلماء ، وتم فصل

الشيخ المذكور من وظيفته كقاض شرعي في 17 سبتمبر 1925م .وفي عام 1926م أصدر عالمان جليالن من علماء األزهر الشريف كتابين عظيمين ، ردا فيهما علي الشيخ علي عبد الرازق باألدلة العلمية

، وهما فضيلة الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية وكتابه أسماه " حقيقة اإلسالم وأصول الحكم " والعالم الثاني فضيلةالشيخ محمد الخضر حسين وكتابه أسماه " نقض كتاب اإلسالم وأصول الحكم " .

كما أصدر العالمة الشيخ محمد رشيد رضا كتابًا قيمًا بعنوان " الخالفة أو اإلمامة العظمي " بين فيه أحكام الشريعة الغراء فيما يتعلقبالخالفة وانتقد خيانة أتاتورك لألمة اإلسالمية .

Page 18: ikwan

18أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وكثير من العلماء كتبوا ردودا أظهروا فيه غيرة محمودة علي الشرع والخالفة وبينوا خطورة غياب الخالفة ، وخطورة اآلراء الدخيلة التيتنال من شرعية الخالفة اإلسالمية ، وأصدر فضيلة شيخ اإلسالم مصطفي صبري شيخ تركيا كتابا فور إلغاء الخالفة بعنوان " النكير علي

منكري النعمة من الدين والخالفة واألمة " .وبالرغم من هذا فقد تم ألعداء اإلسالم ما أرادوا وسقطت الخالفة ، ومن يومها ونحن نسمع مقولة " ال دين في السياسة وسياسة في

الدين " .بعد عرضنا في الصفحات السابقة أن فكرة الخالفة اإلسالمية تعرضت لهجمتين شرستين ، قاد إحداهما العسكر بقيادة أتاتورك ،

واألخرى شيخ معمم منتسب لألزهر الشريف لكنه أبعد ما يكون عن علماء األزهر الفاقهين .وبين الهجمتين عام وشهران تقريبا ، ورأينا أن العلماء كان لهم دور بارز في مواجهة الحملتين وإن كان اإلخفاق تحقق في مواجهة

الحملة األولي ، فإن التوفيق حالفهم في المواجهة الثانية ، أعني المواجهة الفكرية .وهنا وفي هذا الجو الكئيب المليء بالشهوات والشبهات يظهر دور اإلمام البنا – رحمه الله – في هذه الفترة ، فكان مشاركا في حمالتالعلماء والغيورين علي اإلسالم ، ويحدثنا الدكتور محمد عمارة عن هذه الفترة فيقول : " بعد فشل الجهود التي بذلت إلحياء الخالفةاإلسالمية ... تداعت صفوة علماء اإلسالم ومفكريه في 1345هـ / 1927م إلي المؤتمر الذي عقد في القاهرة وأثمر قيام " جمعية

الشبان المسلمين " وفي العام التالي " 1346هـ / 1928م " أسس اإلمام الشهيد حسن البنا " جماعة اإلخوان المسلمين " كأول تنظيمجماهيري لتيار اإلحياء والتجديد اإلسالمي في العصر الحديث ، وكان اإلمام حسن البنا هو الذي شارك في المؤتمر التأسيسي للشبان

المسلمين " .ويري الدكتور عمارة أن تأسيس جماعة اإلخوان المسلمين كان بمثابة المنعطف الجديد في مسيرة اإلحياء والتجديد اإلسالمي الذي بدأ

باألفغاني ومحمد عبده ثم رشيد رضا ... وأمام تصاعد التحديات وعموم البلوى جاءت اللحظة التاريخية التي استدعت إشراك " األمة" وليس فقط " الصفوة " في هذا الصراع الحضاري الذي أخذ يهدد " هوية األمة " بالمسخ والنسخ والتشويه ، وعند هذه اللحظة

التاريخية التي أثمرت قيام جماعة اإلخوان المسلمين تجاوزت الدعوة إطار " الصفوة والنخبة ، والعلماء والقادة .. " إلي حيث استدعتالصفوة واألمة من خالل التنظيمات اإلسالمية الجماهيرية لتبني الدعوة إلي اإلسالم منهاجا شامال لكل ميادين النهضة والتقدم

والتجديد والتغيير .وتلقف اإلمام البنا – رحمه الله – الراية وغرسها في قلوب إخوانه ، وهتف بها في وجوه المسلمين حتى صارت الخالفة اإلسالمية

معقد آمال األمة ومرتقب فجرها .ويشير برنارد لويس في كتابه " الغرب والشرق األوسط " إلي بعض المترتبة علي سقوط الخالفة فيقول : كان في الشرق األوسط نظام

سياسي مستقر ، ولم يكن هناك خالف علي مشروعية الحكم ، ثم عزل السلطان العثماني وهدمت الخالفة ، وقام مقام السلطان عدد منالملوك والرؤساء الديكتاتوريين الذين دبروا – لمدة معينة – أمرهم ، وربحوا تصفيق وتأييد شعوبهم ، ولكنهم لم يكونوا أبدا موضع الرضا التام

والقبول الطبيعي والوالء القوى الذي كان ممنوحا لحكومته " السلطان " ، وهذا القبول والرضا جعل " السلطان " غير محتاج للضغطوالعنف واإلرهاب أو الديماجوجية السياسية في الحكم – أي الدعاية الزائفة - ، بضياع الشرعية خسر أهل الشرق األوسط " هويتهمالواحدة " فبعد أن كان كل مواطن عضوا من أعضاء إمبراطورية إسالمية كبيرة لها ألف سنة أو تزيد من التراث والتاريخ ، وجد الناسأنفسهم مواطنين لسلسلة من الدول التابعة والوحدات السياسية الجديدة المفتعلة التي تحاول اآلن إيجاد جذور لها في ضمير الشعب

ووالئه .وهكذا ، أصبحت مصر – بعد سقوط الخالفة – وطنا باهتا اقتطع من أصله بعد أن قطع الخلفاء المنتصرون " بريطانيا وفرنسا وغيرهما "

أوصال اإلمبراطورية العثمانية ، وبعد أن أطاح كمال أتاتورك بالخالفة اإلسالمية وأعلن الجمهورية العلمانية ، وحينئذ طبق اإلنجليزمعاهدة ( سايكس – بيكو ) السرية ، وأصبحت مصر داخل نطاق اإلمبراطورية البريطانية وإن منحت في الظاهر ثوب االستقالل إال أنهاوجدت نفسها منعزلة عن دول العالم اإلسالمي في الشرق األوسط ، وأحست بعجز المسلمين ، وفي عنقها قيد ثقيل من االستعمار ،

وشجع المستعمرون النعرة الوطنية ، هادفين أن يحل الوطن محل الدين ، وأن يكون الوالء للوطن ال لله ، وأن يقسم للناس بالوطن ال لله ،وأن يموتوا في سبيل الوطن ال في سبيل الله .

لقد كان سقوط الخالفة اإلسالمية باعثا لهمة اإلمام الشهيد حسن البنا ودفعه أن يتحرك من أجل إيقاظ األمة وقيادتها نحو مجدهاالسليب ، ومن ثم كان الستعادة الخالفة الراشدة مكانة عظيمة في دائرة أهداف الجماعة التي أسسها لتحمل راية اإلسالم وتحفظ لألمة

دينها وكيانها ، ولقد عبر اإلمام – رحمه الله تعالي – عن مكانة الخالفة اإلسالمية بقوله : " إن اإلخوان يعتقدون أن الخالفة رمزالوحدة اإلسالمية ، ومظهر االرتباط بين أمم اإلسالم ، وأنها شعيرة إسالمية يجب علي المسلمين التفكير في أمرها ، واالهتمام بشأنها ،والخالفة مناط كثير من األحكام في دين الله ، ولهذا قدم الصحابة – رضوان الله عليهم – النظر في شأنها علي النظر في تجهيز النبي

صلي الله عليه وسلم ودفنه حتى فرغوا من تلك المهمة واطمأنوا إلي إنجازها – واألحاديث التي وردت في وجوب نصب اإلمام وبيانأحكام اإلمامة وتفصيل ما يتعلق به ال تدع مجاال للشك في أن من واجب المسلمين أن يهتموا بالتفكير في أمر خالفتهم منذ حورت عن

مناهجها ، ثم ألغيت بتاتا إلي األبد " .

Page 19: ikwan

19أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وهكذا يتضح لنا أهم ا؟ألحداث السياسية التي شهدتها مصر والعالم اإلسالمي في مطلع القرن العشرين ، والتي كان أكبر األثر علي نشأةاإلمام البنا وجماعته .

المبحث الثاني : القوى السياسية المهمة المؤثرة في المجتمع المصري

برزت علي الساحة السياسية في مصر عدة قوى ذات تأثير وفاعلية في األحداث العامة ومجريات األمور المختلفة ، وبعد اإلنجليزوالملك واألحزاب السياسية وقوى الجماهير هي القوى السياسية المهمة في المجتمع المصري .

ونعرض لهذه القوى من خالل المطالب اآلتية بإيجاز شديد ، الغرض منه إبراز القوى والعوامل التي أثرت في شخصية اإلمام البنا وقتها:

المطلب األول : اإلنجليز .المطلب الثاني : الملك .

المطلب الثالث : األحزاب السياسية .المطلب الرابع : قوى الجماهير وأثر العامل اإلسالمي في حركتها السياسية .

المطلب األول : اإلنجليز

أحكم اإلنجليز سيطرتهم علي البالد والعباد ، وهيمنوا علي كل نظم المجتمع ، فلم يفلت نظام حياتي من قبضة اإلنجليز ، لقد درساإلنجليز أحوال البالد عن كثب ومكنوا ألنفسهم من خالل بعض الحكام المستوزرين وتحقق لهم ذلك من طريقين :

1-االستعمار الفكري : حيث عمل منذ بدء االحتالل علي تنحية الشريعة اإلسالمية من قانون القضاء ، وحصرها في األحوال الشخصية، وحيث فصل بين العلم والدين ، بل فصل بين المدارس الدينية ، فأوجد هوة سحيقة بين المثالية اإلسالمية والمذهبية المادية التي

فرضها بحكم القانون والتعليم .2-االستعمار المادي : حيث وجه اقتصاد البالد إلي إنتاج المواد الخام التي تخرجها األرض الزراعية وأشاع اإلنجليز أن مصر بلد زراعي

ال يملك مقومات الصناعة .كان الجيش المصري تحت سيطرة العسكرية لإلنجليز وكذلك البوليس المصري ، وسيطر اإلنجليز علي قناة السويس والبنك األهلي فيما يعرف

بالسيطرة االقتصادية ، ولم يكتفوا بذلك بل احتفظوا ألنفسهم بحق التدخل المستمر في إدارة شئون الحكم ، وجعل أوراق الحياة بأيديهمحتى حولوا الحياة السياسية في مصر إلي " سيرك سياسي " يتلهي فيه الساسة ويتفرج عليهم الشعب ، مما حدا بالبعض أن يؤكد حقيقة

" أن مصر تدار من قصر الدوبارة وليس قصر عابدين " .مظاهر التدخل اإلنجليزي في إدارة شئون الحكم في مصر :

إنذار المندوب السامي البريطاني " لورد لويد " عام 1928م :•وفي 17 مارس 1928م أنذر المندوب السامي البريطاني " لورد لويد " الملك فؤاد بأن يعهد إلي مصطفي النحاس باشا بتشكيل الوزارة خلفًا

الخالق ثروت باشا ، وذلك بقصد الموافقة علي مشروع معاهدة ( ثروت تشمبرلين ) فألف النحاس وزارة ائتالفية ، وعرض علي الوزارةالجديدة مشروع هذه المعاهدة ، واستقر رأي الوزارة علي أن مشروع المعاهدة لن يحقق أماني الشعب المصري ويرضي طموحاته في

االستقالل ، ومن ثم فقد رفضت الوزارة مشروع المعاهدة .وهي سياسة ماكرة وخبيثة بمحاوالت فرض سلطة وطنية قوية إما في صورة حكومة أغلبية أو في صورة سلطة ديكتاتورية تتولي قمع

الشعب نيابة عن سلطة االحتالل ، وتمرر مصالحة في غفلة الشعب ، ومازالت هذه السياسة مستمرة حتى اآلن .وترتب علي رفض الوزارة للمشروع المذكور أن وجه المندوب السامي البريطاني " لويد " إنذاراً للحكومة المصرية ، ولم تمض ثالثة أشهر

حتى أقيلت وزارة النحاس في 25 يونيه 1928م بحجة أن االئتالف الحكومي أصيب بتصدع شديد ، وأعقب إقالة الوزارة عدة حوادثعصبية أشرنا إليها من قبل حين الحديث عن دستور 1923م .

تصريح " صمويل هور " وزير خارجية بريطانيا في 9 نوفمبر 1935م ، باالعتراض علي عودة دستور 1923م :•سبق أن ذكرنا أن الملك أصدر أمراً في أكتوبر سنة 1930م ألغي بموجبه دستور سنة 1923م وأصدر دستوراً جديداً عرف بدستور سنة

1930م يدعم سلطات الملك والمحتل الغاصب ويقلص سلطات نواب الشعب ، ولم تهدأ األمة المصرية وهي تعلن رفضها للدستور الجديد، وتطورت أحداث الرفض والمقاومة الشعبية والسياسية إلي أن رضخ الملك فؤاد في أبريل 1935م لمطالب الشعب وأبدي رغبته في

عودة دستور 1923م ، فما كان من الحكومة البريطانية إال أن أعلنت معارضتها وتعللت بحجج غريبة ، فهي تقف مع االستبداد وتقوىدعائمه وتقف في وجه المطالب العادلة للشعوب ، وال يهم بريطانيا إال مصالحها ولو علي حساب الشعوب ، فأي حضارة شيدها الغرب

؟ وأين حقوق اإلنسان ؟ .وفي هذا السياق صدر تصريح السير صمويل هور وزير خارجية بريطانيا في 9 نوفمبر 1935م ليقول : " إننا عندما استشارونا نصحنا بأن ال

يعاد دستور 1923م ، وال دستور 1930م إذ قد ظهر أن األول غير صالح للعمل ، وأن اآلخر ال ينطبق علي رغبات األمة " .

Page 20: ikwan

20أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وأبدت األمة المصرية احتجاجًا شديداً علي هذا التصريح وانطلقت المظاهرات في البالد تطالب باالستقالل التام وعودة دستور 1923مكرمز له ، وتحقق لألمة مطلبها وصدر األمر الملكي في 12 ديسمبر 1935م بعودة دستور 1923م كما ذكرنا من قبل .

محاصرة قصر الملك بالدبابات وإرغامه علي تشكيل وزارة جديدة عام 1942م .•بلغت ذروة التدخل السافر لالحتالل البريطاني في نهاية الثالثينيات وبداية األربعينيات ، حيث كانت الحرب العالمية الثانية قد

اشتعلت بين بريطانيا والحلفاء من جهة ضد دول المحور " ألمانيا وإيطاليا " من جهة آخري .ورأي السيد علي ماهر باشا رئيس الوزارة المصرية في تلك الفترة الحرجة أن مصلحة مصر في أن تبقي علي الحياد ، وأعلن علي ماهر

أن مصر دولة محايدة ، وأيده في ذلك مجلس النواب باإلجماع وتجاوب معه الشعب المصري ، سانده في ذلك اإلخوان المسلمون بلونال استحسان الملك فاروق ملك مصر في تلك الفترة ، وأقدمت بريطانيا علي قرار غاشم سيظل وصمة عار علي جبينها إذ إنه في يوم 4فبراير 1942م تحركت الدبابات وحاصرت قصر الملك فاروق إلرغامه علي تكليف النحاس باشا بتشكيل الوزارة ، وذلك عندما تراخي الملك

في تنفيذ اإلنذار البريطاني بذلك .وعلي أسنة الرماح وحصار الدبابات تشكلت وزارة النحاس باشا في يوم يعد من األيام السوداء في تاريخ مصر ، حيث لجأ اإلنجليز إلي

التدخل السافر في شئون مصر الداخلية ، وكانت صدمة الشعب المصري كبيرة في تصرف اإلنجليز علي هذا النحو السافر وعلي االستجابةالسريعة للوفد والنحاس باشا لطلب اإلنجليز ، وتغلب شهوة الحكم علي مصالح البالد .

وداللة هذه الوقائع التاريخية تبين أن مصر لم تكن دولة مستقلة ذات سيادة ، بل كانت السلطة الحقيقية بيد المندوب البريطاني كماظهر جليًا مما سبق ذكره .

ولم يسلم الشعب المصري من ظلم وبطش اإلنجليز المحتلين ، ويستطيع المراقب لتطورات األمور في مصر قي ذلك الوقت أن يالحظ كثيراًمن األمارات التي تدل علي ضيق المصريين باإلنجليز ضيقًا يوشك علي االنفجار ، وقد كان معظم هذا الضيق يرجع في بداية األمر إلي

أن إعالن الحماية قد وضع شعبًا مسلمًا تحت سلطات مسيحية .ويضاف إلي ذلك ما كان يرتكبه الجنود اإلنجليز في مدن مصر من الفظائع والجرائم كهتك األعراض وسلب األموال ونهب الممتلكات

والدواب والغالل ، بل وصل األمر إلي حد أن يساق الجنود المصريون مكرهين ليقاتلوا أبناء دينهم في قناة السويس وفي الحجاز ، وفيالشام وفي العراق ، وفي الدردنيل في حملة " غاليبولي " الفاشلة علي تركيا ، وضد قوات السنوسيين علي الحدود الغربية في " ليبيا " .

وفي الوقت الذي يساق فيه المسلمون لقتال إخوانهم المسلمين كانوا يجبرون علي التبرع للصليب األحمر وألسر جنود الحلفاء المنكوبينولفرسان القديس يوحنا ، وكان رجال اإلدارة يتسابقون في جباية األموال وإرضاء السلطات اإلنجليزية ، وأصبح لهذه التبرعات يوممشهود تقام فيه الحفالت التي يتباري فيها المنافقون – ممن يجرون وراء المنفعة في التزلف لسادتهم – بالتنافس في التبرع ، حتى

أصبحت مصر ثاني بالد العالم في ترتيب ما جمع منها .أثر وجود االحتالل اإلنجليزي علي نشأة وتطور جماعة اإلخوان المسلمين :

ذاق الشعب المصري مرارة االحتالل اإلنجليزي طيلة أعوام عديدة ، وبرزت المقاومة كخيار وطني يلبي طموح الشعب ويرضي تطلعاتهالمشروعة في نيل استقالله وبناء دولته علي أرضه .

وقد كان االحتالل اإلنجليزي – وما ترتب عليه من أوضاع – عامالً مباشراً في نشأة جماعة اإلخوان المسلمين وتطورها ، إذ كان وجوداالحتالل كافيًا إلثارة المشاعر الدينية لدي المصريين وحفزهم لمقاومة كل ما يصدر عنه .

ويذكر اإلمام البنا – رحمه الله – أن وجود المعسكر اإلنجليزي في اإلسماعيلية كان يبعث في نفس كل وطني غيور األسى ، ويدفعه إليمراجعة االحتالل ، وأن أوضاع هذا االحتالل وأفعاله عملت عملها في نفسه ، وأوحت له بكثير من المعاني التي كان لها أثر كبير في

تكييف الدعوة والداعية ، كما يذكر أن شعور ستة من عمال اإلسماعيلية بأن العرب والمسلمين " في هذا البلد " ال يعدون مرتبة األجراءالتابعين لألجانب دفعهم إلي مفاتحته في تكوين جمعية اإلخوان التي رأوا أن فيها حياة الوطن وعزة األمة .

كما أثار االستعمار اإلنجليزي في أهدافهم ، إذ رأوا أنه من المستحيل إقامة حكم صالح مادام االستعمار موجوداً يخنق الحكوماتالمصرية ، فأدخلوا في برنامجهم " العمل علي مقاومة االستعمار وتحرير أرض الوطن من موبقاته لكي تظفر األمة والحكومة بحريتها " .

وأثر ذلك في أساليبهم وخاصة في إنشاء " النظام الخاص " للجهاد ضد اإلنجليزكما أثر أيضاً في فكره ، فقد كانت أوضاع المستعمر في مصر عامالً مباشراً في تناول اإلخوان – فكريًا – لمفهوم االستعمار ، ومفهوم

االستقالل ، ووسائله .تلك إشارات موجزة عن تدخل االحتالل اإلنجليزي في شئون مصر ، وكقوة سياسية أحكمت سيطرتها علي البالد عسكريًا واقتصاديًا ،

وأذاقت البالد مرارة البطش والظلم وكان ذلك كله ذا أثر واضح في دوافع نشأة وتطور جماعة اإلخوان المسلمين لجهاد المستعمر .المطلب الثاني : الملك

يعد الملك القوة الثانية المحركة والمؤثرة في الحياة السياسية في ذلك الوقت ، ذلك أن الملك تجمعت في يده سلطات الحكم علي نحويجعل القرار النهائي بيده رغم وجود حياة برلمانية مستمدة من دستور عام 1923م .

Page 21: ikwan

21أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وجدير بالذكر أن الملك فؤاد – ومن بعده ابنه الملك فاروق – مارسا استبداداً شبه مطلق في مصر مستندين إلي عاملين :العامل األول :

أن دستور 1923م أعطي للملك حق حل مجلس نواب مطلقاً ، وتأجيل انعقاده ، وحق تعيين رئيس الوزراء وحق إصدار القوانين "التصديق " وحق االعتراض التوقيفي ، وللملك أن يعين خمس أعضاء مجلس الشيوخ .

وقد زادت هذه السلطات في الفترات التي تعطل فيها الدستور المذكور ، وفي ظل دستور 1930م اتسعت هذه السلطات علي نحو بشع .العامل الثاني : أحزاب األقلية التي اعتمدت – اعتماداً كامال – علي الملك الوصول إلي السلطة فاستعان بها لضرب الحياة النيابية

وتعطيل الدستور .فالملك بهذا كان مصدر السلطة الفعلية في مصر قبل عام 1952م ، ومع ذلك فقد نشأت الجماعة نشأة مستقلة بجهود اإلمام البنا نفسه

ومعه الستة نفر من الرجال ، وبالرغم من هذا فلقد وجدت آثار فكرية وعملية تأثرت بها الحركة السياسية لجماعة اإلخوان المسلمين .ومواقف اإلخوان المسلمين من الملك والقصر لها تفصيالت معروفة سنبسط لها حديثاً خاصًا لتوضيحها في غير هذا المكان وفي باب

مستقل .المطلب الثالث :األحزاب

وتأتي األحزاب السياسية المصرية كقوة ثالثة بعد اإلنجليز والملك ، وكان واضحًا أن اإلنجليز يهدفون إلي ربط مصر بهم ، وصبغهمبصبغهم رغبة في أن تصير مصر جزءاً من اإلمبراطورية البريطانية التي كانت ال تغيب عنها الشمس – كما كان يقال – وفي ظل وجود

االحتالل والملك والدستور بدأت األحزاب السياسية ممارسة دورها فيما يتعلق بالحياة الداخلية وكذا المفاوضات علي االستقالل معالمحتل .

ويمكن تقسيم هذه األحزاب إلي ثالثة اتجاهات وهي :1- حزب األغلبية الشعبية " الوفد " ، واألحزاب المنشقة عنه والمسماة بأحزاب األقلية مثل : " األحرار الدستوريون ، السعديون ،

الكتلة السعدية " .2- أحزاب القصر " االتحاد ، الشعب " .

3- الحزب الوطني القديم الذي أسسه الزعيم مصطفي كامل باشا .وكانت هذه األحزاب – ماعدا الوطني – تتسم بما يلي :

أ-سيطرت كبار المالك ورجال المال عليها ، وهذا واضح في أحزاب األقلية وفي حزب الوفد بعد عام 1936م ، حيث دخلته العائالتاإلقطاعية ، وبدا هدفه مجرد الوصول إلي الحكم

ب-انشغالهم بلعبة السلطة واالنتخابات مما أدي إلي استهالك طاقات المصريين في غير موضعها ، بدال من توحيد الجهود لتحقيقاالستقالل .

ج- احتواء االحتالل لهذه األحزاب جميعاً – ماعدا الحزب الوطني – من حيث قبولها أن تكون خادمة للقانون الوضعي ، والنظامالليبرالي القائم علي اإلعجاب بالمثل الغربي العلماني وأسلوبه في العيش ، بحيث يمكن القول إنها جميعًا كانت تمثل ديار الفكر الوافد

وهو نفس فكر المحتل األجنبي .د- قبلت جميع المفاوضات مع المحتل محولين الصراع معه من ثورة شعب ضد معتد غاصب إلي مفاوضات سياسيين مع قوة محتلة ال

تناقض بينهما أيديولوجيا .هـ- ولم يكن ألحزاب األقلية أي مبرر لقيامها سوي السعي للحكم ، فلم يكن بينها أي خالف جوهري يدعو إلي تعددها ، ولم يكن لها

برامج عملية تعمل لتطبيقها ، ونتيجة لذلك عملت علي تزييف الحياة النيابية بالتزوير في االنتخابات ، وغير ذلك ، وعلي فساد الحياةالسياسية المصرية ، إذ استعان بها الملك لعمل انقالبات دستورية ، وضرب الحريات .

ذلك هو وضع األحزاب في تلك الفترة ، وهو يمثل أحد مكونات وعوامل نشأة وتطور جماعة اإلخوان المسلمين ، ويمكن إجمال ذلك فيعدة نقاط نذكر منها :

أ – من البين أن األحزاب لم تكن تنطلق من الفكر الموروث للشعب ، بل تبنت الليبرالية الغربية – فكر المستعمر – ومن ثم كان هناك تحدألنصار التيار الديني الذي ضعف كثيراً في بداية هذه الفترة ، فلم يستطع مقاومة أحزاب الفكر الوافد ، وكانت نشأة جماعة اإلخوان

استجابة لتحديات منها ذلك االحتواء المشار إليه .ب – ويذكر اإلمام البنا أن أوضاع الحكومات وطرائق حكمها قد صدمت جماعته فأدخلت في برنامجها العمل إلصالح الحكم .. ونتيجةلهذه األوضاع الحزبية ومنحاها التغريبي ، جعل اإلخوان من أهدافهم قبل 1952م العمل لحل األحزاب وتوحيد قوى األمة في اتجاه

واحد ذي برنامج إسالمي ، وكان لهم موقف فكري منها ، وتصادموا معها مراراً .المطلب الرابع : قوى الجماهير وأثر العامل اإلسالمي في حركتها السياسية

Page 22: ikwan

22أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وكان قوامها الطالب والعمال والموظفين ، وبرزت قوتها في ثورة 1919م وما بعدها ، وكانت تدل علي وعي بحقوقها وحرص عليالمطالبة بها في شكل مظاهرات وإضرابات مثل مظاهرات عام 1928م ، 1930م ، 1935م ، 1946م ، وكانت أهمها " مذبحة كوبري

عباس األولي سنة 1935م ، واستمرت نوفمبر وديسمبر ويناير 1936م .وبرز العامل الديني جليا في تحريك قوى الجماهير في كثير من األحداث ، منها مثال ثورة 1919م ، والذين يرجعون ثورة 1919م إلي

أسباب سياسية ، أو إلي أسباب اقتصادية ويهملون العامل الديني فيها يخطئون خطأ كبيرا ، ومنها فتك الشعب باألرمن في الطرقات أثرإطالق أحد األرمن النار من نافذة منزل علي المتظاهرين في الشعب المصري في أثناء الثورة ، ومنها المعارك التي نشبت بين المتظاهرين

وبين اليونان والطليان ، في مايو سنة 1921م باإلسكندرية كرد فعل للحرب التركية اليونانية ، التي كان يؤيدها الشعب في ذلك الوقتمعتقدا أنها قامت للدفاع عن اإلسالم وعن الخالفة ، ولما يكن انشغال المصريين بما كان يجري في تركيا من أحداث وتتبعهم للخالفة

وتطوراتها في خالل ثورة 1919م وما بعدها إال مظهراً من مظاهر هذا العامل اإلسالمي الذي لم يضعف أثره في النفوس ، وقد اعترفبعض مؤرخي مصر الحديثة من اإلنجليز بوجود هذا العامل الديني في الثورة .

لكن لم تكن الجماهير تمتلك التنظيم الشعبي ذا البرنامج المتفق مع هويتها وأيدلوجيتها ، وكانت األحزاب حريصة علي جذب أكبر قدرممكن من تأييد الجماهير ، فظفر حزب الوفد بالشعبية الساحقة إبان قيام ثورة 1919م ، وكان زعماء الحزب يتخذون الدين وسيلة لتوطيد

زعامتهم واكتساب قلوب العامة من الشعب ، حتى أن غير المسلمين من القادة الوفديين كانوا يحفظون من آيات القرآن الكريم مايترنمون به في خطبهم ، وهم يعلمون كم يلقي ذلك من قبول في نفوس السامعين ، وكيف تخشع له قلوبهم .

لكن سرعان ما انصرفت الجماهير عن حزب الوفد بعد اتفاقية 1936م مع االستعمار وبدأت تتطلع إلي قيادة جديدة وتنظيمات سياسيةأخري .

ولم يكن ألحزاب األقلية أي توجه شعبي علي عكس اإلخوان التي حرص مؤسسها من أول يوم علي دعوة الجميع حتى أصحابالمقاهي من عامة الشعب إلي فكرته وتعريفها بحقها ، وإيقاظ اإليمان في قلوبها .

فانتشرت الدعوة في أوساط فئات الشعب المختلفة ، وانجذب إليها العمال ، والطالب والمثقفون الساخطون علي سياسة الوفد وأحزاباألقلية معا ، مما أدي إلي توسيع قاعدتها الجماهيرية في وسط الشعب المصري .

وبتحليل الوضع السياسي لمصر إبان القرن العشرين يمكن أن نستخلص عدة حقائق منها :

1.ظهور الشيخ حسن البنا في وقت يسوده وضع سياسي متهرئ : محتل غاشم مستبد ، وملك متسلط اله ، وأحزاب متناحرة نفعية ،وشعب ذليل جاهل ، وإن كان متديناً بفطرته متطلعاً لرجل فذ يفهم ذلك الوضع ويقود الناس إلي طريق خالصهم وسعادتهم ، وكان الشيخ

منذ حداثة سنة يفهم ما يدور حوله ، ويشارك بجهده الصغير في طريق الخالص للشعب المنكوب .2.تأثر جماعة اإلخوان بالقوى السياسية الفاعلة في مصر – مثل اإلنجليز واألحزاب – وتفاعلها مع األحداث مع األحداث السياسية

المتجددة وقتذاك ، مما كان له أكبر األثر في نشأتها وتطورها من حيث األهداف والفكر والحجم .3.داللة ذلك الوضع السياسي علي أن نظام الحكم اإلسالمي كان منعدما ، وإذا أضيف إلي ذلك إلغاء الخالفة اإلسالمية نهائيًا عام1924م والذي كان له وقع شديد األثر في مصر ، حيث أوجدت حاجة ملحة ألن يعمل الناس من أجل إعادة الدولة اإلسالمية ذات

االستقالل ، والحكومة اإلسالمية ذات السيادة ، والخالفة اإلسالمية الضائعة .4.برزت عدة قضايا أساسية تحتاج من يقوم بالتوعية بها منها قضية التحرر من االستعمار ، وقضية الحكم اإلسالمي ، وقضية

الحريات ، وقضية فقدان األمل في الحكومات واألحزاب لكي تقوم بهذه المهمة ، فأنبرت جماعة اإلخوان من بين الصفوف تعرفالناس بذلك ، وتثبت صحة اتجاهها .

الفصل الثاني : الحياة االجتماعية واالقتصادية للمجتمع المصري إبان ظهور اإلمام البنا وتأسيس جماعة اإلخوان المسلمينونستعرض في هذا الفصل معالم البناء االجتماعي واالقتصادي للمجتمع المصري خالل الفترة التي شهدت ظهور اإلمام البنا وجماعته

المباركة ، تتناول الدراسة في هذا الفصل مكونات المجتمع المصري واألوضاع االجتماعية التي تؤثر بشدة في تكوين المجتمع ، وكذلكمالمح ومكونات البناء االقتصادي وآثار ذلك علي نشأة اإلمام وتكوين جماعته .

المبحث األول : الحياة االجتماعية .المبحث الثاني : الحياة االقتصادية .

Page 23: ikwan

23أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

المبحث األول : الحياة االجتماعية

برزت علي سطح الحياة االجتماعية في مصر أوائل القرن العشرين عدة ظواهر ومؤثرات هامة أثرت – إلي حد كبير – في مكونات الحياةاالجتماعية ، وإذا كانت الطبقية الصارخة في المجتمع قد أنشأت نوعًا من الظلم االجتماعي واإلحساس بالقهر والذل فإن موجة من

االنحالل األخالقي هبت علي شرائح المجتمع المصري فأصابت الكثيرين منهم وأثمرت جيال متغربا في وطنه ، ووصل األمر – فيبعض األحيان – إلي طمس معالم الشخصية األخالقية لإلنسان المصري المسلم .

وقد تأثرت الحياة االجتماعية في مصر بعدة ظواهر عامة أفرزت في مجملها تقسيمات اجتماعية ميزت الحياة في مصر ، ومن أهم هذهالظواهر :

1-ظاهرة االحتالل وما يصاحبها من مظالم وفساد وقهر ، وقد تكلمنا عنها في الفصل األول .2-ظاهرة التخلف العلمي وما يصاحبها من ضياع للحقوق وفساد للقيم وسنتكلم عنها في الفصل الثالث .

ونستعرض أهم الظواهر والمؤثرات علي الحياة االجتماعية في مصر في بداية القرن العشرين ؛ وذلك في مطلبين :المطلب األول : شرائح المجتمع المصري – النظام الطبقي .

المطلب الثاني : الظواهر والمؤثرات علي الحياة االجتماعية في مصر ، وتتضمن النقاط التالية:أوالً : حركات التبشير في المجتمع المصري .

ثانيًا : حركة تحرير المرأة .ثالثاً : التحلل األخالقي والعقائدي .

المطلب األول : شرائح المجتمع المصري – النظام الطبقي

تميز المجتمع المصري في بداية القرن العشرين بوجود الطبقية الصارخة بين أفراده ، ونستطيع أن نميز ثالث طبقات في تركيبة المجتمع، وهي :

أوالً : الطبقة العليا :

وهي الطبقة التي تضم كبار مالك األراضي الزراعية ، وأصحاب وسائل اإلنتاج من شركات تجارية وصناعية ، وبنوك ومؤسسات مالية، وأصحاب هذه الطبقة يعيشون حياة اجتماعية متقاربة ، ملؤها السرف والبذخ ، بينهم شبكة قوية من المصاهرة والنسب ، وسادت

بينهم الثقافة الليبرالية التي حصلوا عليها نتيجة اتصالهم بالمجتمع األوربي ، سواء من خالل البعثات التي أرسلتها الدولة إلي أوربا ، أومن خالل انتشار مناهج التعليم في المدارس التي كانت تتمثل أنماط الحياة الثقافية والفكرية في أوربا .

وقد ضمت هذه الطبقة عدة فئات هي :

أ – كبار المالك :

وهم يشكلون غالية األحزاب السياسية والمجالس التشريعية ، وقد لجأوا إلي أساليب متعددة لزيادة أمالكهم الزراعية ، منها انتزاع أمالكصغار الفالحين بعرض أثمان عالية أحيانا ، واستخدام اإلرهاب أحيانًا أخري ، حتى أصبح 0.5% من إجمالي المالك يملكون بين %33.9

و 35.2% من األرض الزراعية في الفترة من 1919 حتى 1952م .وقد هجر أبناء هذه الطبقة الريف وأقاموا بالمدن ، وكانت لهذه الظاهرة آثار سيئة علي تطور الحياة في المجتمع الريفي ، إذ أدت إلي

افتقار الريف بحرمانه من تداول ثروات كبار المالك كما أدت أيضاً إلي حرمان الريف من المشروعات اإلصالحية ، ألن كبار المالكالقادرين علي تمويل تلك المشروعات غير مقيمين بها ، ومن ثم فال حاجة بهم إال االهتمام بمثل هذه المشروعات .

وكان من نتيجة السياسة التي اتبعها كبار المالك الزراعيين في اقتناء األراضي الزراعية علي حساب الفالحين الصغار أن أضحيدخلهم الكبير منها ثورة قومية مضيعة ، ألنهم كانوا ينفقون هذا الدخل في الترف واللهو ، وهكذا كانت هذه الطبقة عقبة في سبيل تطوير

االقتصاد القومي .ب – الرأسمالية التجارية والصناعية :

كان من نتائج ثورة 1919م ظهور طبقة رأسمالية وطنية اشتغلت بالصناعة والتجارة ، وقد لعبت الحرب العالمية األولي دورا في نمودخل هذه الطبقة الرأسمالية نتيجة تعذر استيراد السلع الخارجية إبان الحرب ، واحتياجات قوات الحلفاء وارتفاع األسعار .

وقد ترتب علي فرض الحماية الجمركية عام 1930م ، وإلغاء االمتيازات األجنبية في معاهدة مونتريه عام 1937م ، أن وقفتالرأسمالية المصرية في موقف معادل مع الرأسمالية األجنبية .

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية دخلت تلك الطبقة مرحلة االحتكار بسبب سيطرة قلة من أصحاب المال علي نواحي الحياةاالقتصادية وتكتلها لقتل الصناعات الناشئة المنافسة .

Page 24: ikwan

24أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

ويالحظ علي هذه الطبقة أنها كانت تتجنب إنشاء صناعة ثقيلة في مصر كالصناعات الكهربائية والحديد والصلب ، مما كان لهانعكاسه علي التعليم الصناعي بأن جعله يقف عند حد ساذج وبسيط ، مادام ال يجد في سوق العمل من األعمال المعقدة ما يحتاج

إلي قوى مدربة علي أحدث األساليب .ج – األجانب :

وكان منهم معظم المشتغلين بالصناعات الكبيرة ، وأعمال المصارف ، وبعض الوظائف اإلدارية العليا ، وكثيرا ما كانوا يعيشون منعزلين عنالمصريين في أحياء خاصة بهم ، كما كانت الحكومة تعاملهم معاملة خاصة ، نظرا لما لهم من االمتيازات المالية والقضائية ، وكان

لهؤالء مدارس خاصة بهم ، وقد لعبت هذه المدارس دوراً كبيراً في نشر الثقافة األجنبية بين المصريين .ثانيًا : الطبقة المتوسطة :

تكونت من أصحاب الملكيات المتوسطة ، ومتوسطي التجار ، وقطاع كبير من المثقفين والعاملين بالحكومة ، ويطلق االشتراكيون علي هذهالطبقة ( البرجوازية الصغيرة ) وقد لعبت تلك الطبقة الدور القيادي في الحركة الوطنية وحركة النهوض السياسي واالجتماعي .

وقد اهتم أبناء تلك الطبقة من الطالب بالمسائل السياسية نظراً لوضعهم االجتماعي ، حيث إنهم كانوا يمثلون بالنسبة للسواد األعظممن السكان – الذين يسودهم الجهل – الطبقة المثقفة القليلة العدد ، هذا باإلضافة إلي أن معظمهم كان من عائالت فقيرة تعاني

صعوبات مالية في سبيل إكمال دراستهم ، وحتى بعد االنتهاء من الدراسة ، لم يكن هناك ثمة ضمان بأنهم سوف يلتحقون بعمل مالئم ،وذلك بسبب مزاحمة األجنبي لهم علي الوظائف .

ثالثاً : الطبقة الدنيا :

تكونت تلك الطبقة من الفالحين ، وصغار العمال ، وكانت حياة تلك الطبقة علي قدر كبير من السوء بسبب لجوء كبار المالك إلي انتزاعأراضيهم لكي يعملوا كأجراء عندهم ، وكانت المشكلة الرئيسية لهذه الطبقة تنحصر في أنهم ال يشتغلون إال في موسم الزراعة فقط ، ثم

يتعطلون خالل فترة طويلة من العام .وكان هناك قطاع كبير من هذه الطبقة ال يمتلك الفرد منهم أكثر من نصف فدان ، وهي مساحة من األرض ال تكفي أن تعيش عليها أسرة

طوال العام ، لذا كان معظمهم يعمل لدي كبار المالك وإذا أضفنا إلي ذلك أن حوالي 1.5 مليون أسرة من الفالحين لم تكن لهم أي ملكياتزراعية علي اإلطالق ، أدركنا مدي سوء مستوي معيشة الفالحين المصريين في النصف األول من القرن العشرين .

وال شك أن حياة الفقر التي عاشتها هذه الطبقة وهي تمثل األغلبية في المجتمع المصري جلبت عليها شقائق الفقر من جهل ومرضوضعف ووهن .

أثر هذه الطبقية علي نشأة اإلمام البنا وجماعته :

نشأ اإلمام البنا في المجتمع الريف وعاين من قرب أوضاع المجتمع في طبقتيه الوسطي والدنيا ، وأدرك حياة البؤس والفقر التي يعيشهاغالبية الشعب المصري ، وقد كان لهذه األوضاع االجتماعية تأثير مباشر في فكر وأهداف وحركة اإلمام حسن البنا وجماعة اإلخوان ،

فكم من مرة عبر اإلمام عن تألمه وتألم جماعته من هذه األوضاع ، وكم عال صوته من هذه األوضاع ، وال تزال كلماته محفورة فيوجدان الخلود " فاذكروا أيها اإلخوان أن أكثر من 60% من المصريين يعيشون أقل من معيشة الحيوان ، وال يحصلون علي القوت إالبشق األنفس ، وأن مصر مهددة بمجاعة قاتلة ومعرضة لكثير من المشكالت االقتصادية التي ال يعلم نتيجتها إال الله ، وأن مصر بها

أكثر من 320شركة أجنبية محتكرة كل المرافق العامة وكل المنافع الهامة في جميع أنحاء البالد ، وأن دوالب التجارة والصناعة والمنشآتاالقتصادية كلها في أيدي األجانب المرابين ..

المطلب الثاني :الظواهر والمؤثرات علي الحياة االجتماعية في مصر

أوالً : حركات التبشير في المجتمع المصري :

انتهزت دول الغرب االستعمارية سيادة األحزاب الداعية إلي الشعوبية في األمم اإلسالمية ، وخوفت صوت الداعين إلي الجامعةاإلسالمية ، وما يقابل به الداعون إلي الجامعة العربية من االستخفاف واالتهام بأنهم خياليون ، وعند ذلك غزو البالد اإلسالمية بحملة

تبشيرية ضخمة ، ظهر منها اسم قسيس عرفته مصر قبل الحرب العالمية األولي في جوالته التبشيرية ، وهو القسيس البروتستنتي "زويمر " الذي كان رئيساًُ لإلرسالية التبشير العربية في البحرين ، والذي كان أول من دعا إلي عقد مؤتمر عام للداعين إلي التبشير بين

المسلمين ، فرأس مؤتمر القاهرة سنة 1906م .ولقد عاد اسم " زويمر " للظهور مرة آخري ، وكثر حديث الصحف المصرية عن جرأته علي اإلسالم في بلده ، حتى أنه ليخطب في

األحياء التي ال يسكنها إال المسلمون ، حاثا الناس علي اعتناق النصرانية ، بل لقد بلغ من جرأته أنه دخل األزهر يوما ليوزع فيه نشراتهالتي تفيض بالطعن علي اإلسالم ، واستمر هذا النشاط حتى عقد المبشرون مؤتمرهم الثاني في بيت المقدس في قلب العالم اإلسالمي

سنة 1929م تحت سمع المسلمين وبصرهم .وكانت مدارس المبشرين التي انتشرت في ذلك الوقت في مصر وفلسطين وسائر البالد اإلسالمية أثراً من أثار ذلك النشاط ، وعامال قويا

من عوامل هدم العقيدة اإلسالمية في قلوب النشء المسلم ، وال شك في أن المبشرين كانوا يهدفون إلي ذلك مستخدمين الوسائل

Page 25: ikwan

25أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

والعبارات التي ربما ال يفهمها السامع لكنها من قبيل دس السم في العسل ، وينظرون في اجتناء غرسهم هذا إلي أن يترعرع هذا النشءويشب فيجدون فيهم قلوبا قابلة لما يرون ، ويؤمئذ يفرحون ويضطربون ويحزن المسلمون ويندمون حيث ال يفيد الندم .

وكان من نشاط التبشير في ذلك الوقت انتشار صور للصحابة واألنبياء في المجتمع ، يشتريها العوام من المسلمين ، ويروجون لها دونوعي لمرماها ، ومن ذلك صورة لسيدنا علي أبي طالب ، وصورة أخري لسيدنا إبراهيم الخليل وابنه الذبيح ، والكبش بينهما ، وصورة ثالثةلسيدنا الحسن وأخيه الحسين ، وكانت الصور جميعها في حال مخزية كاذبة ال هي من اإلسالم ، وال من الجاهلية ، وال من البداوة ، وال

من المدنية ، وتم نشرها في األسواق تحت عيون العلماء وبين أيدي الوعاظ والمرشدين ، وما قام منكر لها وال اهتم لحربها أحد .وكان من ذلك ايضا كثرة تماثيل القديسين والرهبان التي تباع وتشتري علي أنها دمي ولعب لألطفال ، ومنها أصنام الحلوى التي تباع فيمولد المصطفي صلي الله عليه وسلم مبيد أصنام الجاهلية ، ومبعوث الهداية للعالمين ، ومنها بعض الحكايات الخرافية التي أضافوها إلي

الشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية الشريفة في المسجد النبوي .وفي وسط هذا الزخم من النشاط التبشيري انتهزت الجمعيات المشبوهة أمثال المحفل الماسوني الفرصة ، وكانت تعقد اجتماعاتها في

المناسبات المختلفة ، وتعلن عن ذلك وعن نفسها علي صفحات الجرائد في غفلة من المسلمين الالهين والنائمينوقد استند المبشرون في نشاطهم علي أقوى قوتين في المجتمع المصري هما : االنجليز والحكام والمسئولون والمدن والقرى ، أما

اإلنجليز : فقد بلغ استهتارهم بمقدرات األمة أن تجاهلوا أنها أمة مسلمة ذات مجد وتاريخ ففتحوا للحمالت التبشيرية أبواب البالد ، بعدأن مهدوا لها بنشر الجهل والفقر والمرض ، وبعد أن أطمأنوا إلي مقاليد الحكم في البالد أصبحت في يد الفئة التي تدين لهم بالوالء والتي

هي في حقيقة أمرها غريبة عن هذه البالد .وأما الحكام : فقد انتشر المبشرون في أنحاء البالد في الوجهين البحري والقبلي ، وفي المدن والقرى المختلفة ، تحت سمع المسئولين من

الحكام وبصرهم ، بل أن هؤالء الحكام كانوا بحكم تعليمات رؤسائهم يسهلون للمبشرين وسائل دخول المدن والقرى كما يسهلون لهموسائل االتصال باألهالي وإجراء ما يشاءون من إجراءات بل وإقامة ما يشاءون من منشأت بل واختطاف من يشاءون من أطفال ونساء ،

في الوقت الذي يضربون فيه بيد من حديد كل من تسول له نفسه أن يعترض سبيل هؤالء الغزاة ولو بكلمة معتبرين ذلك اعتداء عليالحكومة .

دخل المبشرون مصر مستندين علي هاتين القوتين ، وقد درسوا طبيعة البالد قبل أن يحضروا من بالدهم ( أمريكا وفرنسا وبلجيكا وغيرها) فعلموا أن هناك مدنا مغلقة ال أمل لهم فيها حيث لها طبيعة خاصة ، وتاريخ ال ينسي ، منها رشيد مثال ، فلم يحاولوا دخولها ، وكان

الصعيد مرتعاً خصبا لهم ، حيث الفقر والمرض والجهل هناك أضعاف ما هو عليه في الوجه البحري ، وحيث كان الصعيد في ذلك الوقتيعتبر من المجاهل التي تحتاج إلي من يرتادها ويكشف عن معاناة أهلها المعزولين عن الحياة ، لقد فعلوا فيه األفاعيل وكانت أسيوط

نقطة ارتكازهم ، وكان لهم فيها مستشفي يخطفون األطفال والنساء من القرى وينقلونهم إليه ، وال يستطيع أهل المخطوف أن يروه أويعلموا عنه شيئا ، كما ال يجدون من يشكون إليه .

وكاد الناس يفقدون إيمانهم بالله أمام هذه القوى العارمة المتطافرة ثم ال يجدون من يعترض طريقهم ، حتى الصحف لم تكن تنتشر إليذلك مع أنها كانت صحافة حرة ، لكن نفوذ اإلنجليز وقانون المطبوعات الذي وضعه اإلنجليز كان يعطي حكام مصر المتواطئين معهم

السلطة في مصادرة أي صحيفة أو وقفها أو سحب الترخيص بها إذا هي تعرضت للمؤامرة المدبرة علي إذالل الشعب وتكفيره برضاه أورغم أنفه ، كما أن األموال الطائلة المعتمدة لحمالت التبشير من خزائن أمريكا وانجلترا وفرنسا ودول أوروبا كانت تنفق علي هذه الصحف

بسخاء وكان ذلك يلجمها عن النطق بكلمة الحق .ومن ذلك نفهم أن المبشرين لم تكن في يوم من األيام وسيلتهم إلي التبشير بالمسيحية عرض عقيدتهم وشرحها أمام الناس كما هو

المتبادر إلي الذهن من لفظ التبشير وإنما وسائلهم هي استغالل فقر الناس وحاجتهم وجهلهم فيأخذون هذا الطراز من الناس ، ويأخذوننسائهم وأوالدهم وينفقون عليهم ببذخ علي أن يظلوا معهم داخل كنائسهم يرددون ما يقولونه لهم .

أما الشباب من أبناء األغنياء فكانوا يغرونهم بالنساء ، وهكذا كانت وسائلهم أخس الوسائل وأحطها ، لكن الله سبحانه بدد جهودهم ، حيثاستمر عملهم هذا في جميع أنحاء البالد أكثر من سنة ومع ذلك لم يخرجوا بمحصول يزيد عن عشرات األفراد من هؤالء الجهلة الفقراء

المدقعين .ولم تكن هذه الحمالت العاتية للتبشير ذات أثر يذكر في نتائجها من ناحية تكفير المسلمين ، لكنها كانت صورة بشعة متوحشة لالستعمار

البريطاني أمام شعب اعزل مغلوب علي أمره ، تضافرت علي قهره حكومته مع اإلنجليز ، فكان الناس يبتلون من شدة الغيظ ألنهم يرونبأعينهم من ينتهك حرمة عقيدتهم وهي اعز ما يعتزون به وهم ال يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم ألن حكامهم جعلوا الدفاع عن

النفس في هذه الحالة جريمة يعاقب مرتكبها .دور اإلمام البنا وجماعته ضد الحركة التبشيرية :

وكان لمجهود المخلصين من المسلمين أثر في دحض هذه الحمالت ، ورد كيد الكائدين إلي نحورهم ، وكان من أوائل هؤالء حسن البنا – الطالب بدار العلوم في ذلك الوقت – يقول عن إحساساته : كاد صدري يحترق من زفرات األلم إذا لم يتحول إلي عمل ، ولكن كيف

نحوله إلي عمل والحراب مشرعة في وجوهنا من رجال الحكم الذين كان يجب أن يكونوا هم مالذ الناس ، والذين صرنا وإياهم كما قال

Page 26: ikwan

26أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

الشاعر :وقد كان منا إليك الشكاة

فأصبحت أنت الذي تشتكيفكر حسن البنا فرأي أمامه في األزهر شخصيات يرجي نفعها لما يلمس فيها من غيرة علي الدين ، واستعداد للعمل إذا وجدوا إليه سبيالكالشيخ يوسف الدجوي ، فاتصل بهذه الشخصيات فوجد فيها تحرقا إلي العمل لكن الطريق أمامهم مسدود ، ثم الحت في مخيلته صورة

شخصية أخري لها كيان علمي وأدبي خاص تفردت به دون غيرها ، ولها من ظروفها ما قد يعين علي إيجاد بصيص من نور في هذهالحلكة القاتمة ... تلك هي شخصية " أحمد تيمور باشا " ذلك العالم الجليل سليل المجد والصديق الشخصي للملك فؤاد .

واستصحب حسن البنا معه عددا ممن استجاب له من هيئة كبار العلماء وطلبوا مقابلة أحمد باشا تيمور في منزله ، فأستقبلهم الرجلأحسن استقبال وكان يعرفهم جميعًا عدا هذا الشاب الصغير ، وتقدم هذا الشاب الصغير فتحدث عن الموضوع حديث الثكلي عن فلذةكبدها ، ووصف الحال التي تظلل البالد وكيف يعيث المبشرون في البالد فسادا تحت سمع الحكومة وبصرها بل في حمايتها ، وانفجر فيالبكاء حتى أبكي الباشا فأبكي الحاضرين ، وتداول المجتمعون عسي أن يجدوا مخرجا ، وجاءت سيرة الملك فؤاد فقال تيمور باشا : إنه

صديقي وأثق في غيرته علي اإلسالم ، وتعددت االجتماعات ونوقشت أفكار ومقترحات ، وانتهت إلي قرار بأن أول إجراء البد منهأن نصدر مجلة تتصدي لهذه المؤامرة وتفضح اعتداءاتها ، ونستنهض الهمم لمقاومتها وبمجهود تيمور باشا وتدخل الملك فؤاد صدرت

مجلة الفتح وأسندت رياسة تحريرها إلي الكاتب اإلسالمي العظيم األستاذ محب الدين الخطيب .أخذت مجلة الفتح تفضح مؤامرات اإلنجليز ، فاضطر اإلنجليز إلي االنحناء أمام العاصفة ، وبدأت الحملة الصليبية ألول مرة تواجه

مقاومة ، وكانت النتيجة العاجلة لفشل أن اضطر اإلنجليز إلي سحب أذنابهم – حكام مصر – من المعركة ، فلم يبق في أرض المعركة إالالصليبيون والشعب وجها لوجه .

وتكونت لجنة في القاهرة برياسة محمد مصطفي المراغي – الذي كان من قبل شيخا لألزهر – لمقاومة التبشير ، وتكونت لها فروع فيالمدن والقرى ، وتصدت هذه اللجان لمن يسمون أنفسهم بالمبشرين ، وما من مرة تقام مناظرة بين الطرفين علنا إال انهزم المبشرون

بالحجة والبرهان بعد أن زال عنصر الترغيب واإلغراء ، وعنصر القهر واإلرهاب .وكان لحسن البنا جهد آخر في إحباط مؤامرة المبشرين المسعورة علي المجتمع المصري المسلم حيث أسس مع صديقه أحمد أفندي

السكري في المحمودية جمعية إصالحية هي " جمعية الحصافية الخيرية " واختير أحمد أفندي السكري التاجر بالمحمودية رئيسا لها ،وانتخب حسن البنا سكرتيرا لها ، وزاولت الجمعية عملها في ميدانين مهمين : الميدان األول : نشر الدعوة إلي األخالق الفاضلة ،

ومقاومة المنكرات والمحرمات الفاشية كالخمر والقمار وبدع المآثم ، والميدان الثاني : مقاومة اإلرسالية اإلنجيلية التبشيرية التي هبطتإلي المحمودية ، واستقرت فيها ، وكان قوامها ثالث فتيات رأستهن ( مسز : ويت ) وأخذت تبشر بالمسيحية في ظل التطبيب وتعليم

التطريز ، وإيواء الصبية من بنين وبنات ، وقد كافحت الجمعية في سبيل رسالتها مكافحة مشكورة وخلفتها في هذا الكفاح جمعية "اإلخوان المسلمين " بعد ذلك .

وقد شارك حسن البنا كذلك في إنشاء وتأسيس جمعية الشبان المسلمين ، حيث نشأت فكرة هذه الجمعية في أذهان العلماء الغيورين علياإلسالم والمسلمين ، والتي سبق أن أوضحنا دور البنا في تجميعهم وشحذ هممهم لمقاومة التبشير ، وكان من أثر ذلك ظهور ( مجلة الفتح )

الني أخذت علي عاتقها مواجهة الموجة التبشيرية ، واكب ذلك عودة د. عبد الحميد سعيد من ألمانيا ، وكان حسن البنا يلتقي بهويحيي الدردير وغيرهما ، ويعرض عليهم ضرورة عمل جاد إلنقاذ الشباب ، ويري حاجة المسلمين معا يترددون عليها ، تتم فيها عملياتتبشير وتشكيك مدروسة ، ونجح حسن البنا في وضع بذرة منتدى للشباب كان مولده بعد سفره إلي اإلسماعيلية ، أال وهو مولد " جمعية

الشبان المسلمين " التي بادر بإرسال تأييده لها واشتراكه فيها ، وكان تشكيل مجلس اإلدارة والهيئة التأسيسية من الدكتور عبد الحميد سعيدرئيسًا ، والدكتور يحيي الدردير والشيخ محب الدين الخطيب وأمثالهم أعضاء ، وكان حسن البنا هو العضو الوحيد الذي يمثل الشباب بين

أولئك العمالقة .ولم ينته دور حسن البنا إلي هذا الحد ، بل استمر وازدادت قوته بعد نشأة جماعة اإلخوان المسلمين ، حيث كان للجماعة دور بارز في

مواجهة تلك الهجمة التبشيرية الشرسة علي العالم اإلسالمي ، سوف نعرض لذلك فيما بعد ، لكن يمكن أن يقال إنه رغم فشل تلكالحملة الصليبية المسعورة في مصر ، إال إنها كانت من أشد ما أصاب مصر من ويالت االحتالل البريطاني ، إذ كان القصد منها تحويل

مصر إلي معسكرين متناقضين ، كما فعلوا ب[[:|السودان]] ، فشمال [[:|السودان]] مسلمون ، وجنوبه مسيحيون ، وقد أرضع مسيحيونالجنوب كراهية مسلمي الشمال ، كذلك أرادوا أن يفعلوا بمصر ، فقد ركزوا علي الصعيد ، فأنشأوا فيه المركز الرئيسي لهم ، وكانوا ينقلونإليه من يختطفونه من أطفال الوجه البحري ونسائه ، وشاء الله مع ذلك أن يخرج من هذا الشر المستطير خير ، فلوال هذه الحملة المسعورةما استطاع حسن البنا أن يجمع علي العمل لإلسالم هؤالء الرجال الذين لم تكن تجمعهم جامعة ، وال تضمهم رابطة ، وجزي الله الشدائد

كل خير .ثانيًا : حركة تحرير المرأة :

Page 27: ikwan

27أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

بدأ الدعوة إلي تحرير المرأة قاسم أمين ، وكان ذلك عند ظهور كتابين له األول : تحرير المرأة ، طبع سنة 1899م ، الثاني : المرأة الجديدةطبع سنة 1900م واقترن اسمه من يومها بـ ( محرر المرأة ) لكن قاسم كان صريحا في أنه يريد أن يقف بالحجاب عندما أمر الله به ،وأنه يدعو إلي ال يجور الناس بتجاوز حدود الله ، وستر ما لم ينزل الدين بأنه عورة وبحرمان المرأة من العلم وقصرها في البيوت ، ولم

يدع قاسم أمين قط إلي اختالط المرأة بالرجال ومراقصتهم ، ولم يدع قط إلي أن تتجاوز كشف النقاب إلي الكشف عن األذرع والسوق ،والصدور والظهور ، ولم يدع قط إلي اتخاذ المالبس الضيقة التي ال تخفي عورات الجسم فحسب بل وتبرز مواضع الفتنة واإلغراء منها ،

ولكن األمور لم تقف عندما دعا إليه قاسم أمين ، وإنما تطورت تطورا سريعا ، واندفاع الناس إلي ما وراء دعوة قاسم أمين في سرعة غيرمنتظرة ، فقد خلعت المرأة النقاب ، ثم استبدلت المعطف األسود بالحبرة ثم لم تلبث أن نبذت المعطف وخرجت بالثياب الملونة ، ثم أخذ

المقص يتحيف هذه الثياب في الذيول وفي األكمام وفي الحبوب ، ولم يزل يجور عليها فضيقها علي صاحبتها حتى أصبحت كبعضجلدها ، ثم إنها تجاوزت ذلك كله إلي الظهور علي شواطئ البحر في المصايف بما ال يكاد يستر شيئاً ، ولم تعد عصمة النساء في أيدي

أزواجهن ، ولكنها أصبحت في أيدي صانعي األزياء في باريس من اليهود ومشيعي الفجور .وقطعت المرأة مرحلة التعليم االبتدائي والثانوي واقتحمت الجامعة مزاحمة فيما يالئمها وفيما ال يالئمها من ثقافات وصناعات ،وشاركت في وظائف الحكومة ، ثم لم تقف مطالبها عند حد في الجري وراء ما سماه أنصارها " حقوق المرأة " أو " مساواتها بالرجل "

وكأنما كان عبثا أن خلق الله – سبحانه – الذكر واألنثى وأقام كال منهما فيما أراد ، وامتألت المصانع والمتاجر بالعامالت والبائعات ،حطمت النساء الحواجز التي كانت تقوم بينهن وبين الرجال في المسارح وفي الترام وفي كل مكان ، فاختفت المقاعد التي جرت العادة

علي تخصيصها للسيدات بعد أن أصبحن يفضلن مشاركة الرجال .تتابعت هذه التطورات في سرعة مذهلة ، وأعان علي اندفاعها جو الثورة التي تلت الحرب ، وقد ظهرت طالئع ذلك في مظاهرة النساءالمشهورة سنة 1919م التي طافت بشوارع القاهرة هاتفة بالحرية ، في طريقها إلي دار المعتمد البريطاني ، لتقدم إليه احتجاجا مكتوبا

علي تعسف سلطات االحتالل ، وقد كان عدد المتظاهرات فيها يربو علي الثالث مائة وعلي رأسهن صفية زغلول حرم سعد زغلول باشا، وهدي شعراوي حرم علي باشا شعراوي .

وتجرأت المرأة منذ ذلك الوقت علي المشاركة في القضايا الوطنية ، وفي مختلف الميادين االجتماعية ، فتألفت لجنة مركزية للسيداتالوفديات ، شاركت مشاركة فعالة في حركة المقاطعة االقتصادية سنة 1922م ، وتزعمت صفية زغلول حرم زعيم الثورة األول وكريمة

مصطفي فهمي باشا هذه الحركة األولي ، التي ظفرت بالمرأة إلي وضع لم يحلم قاسم أمين أن تبلغه في مثل هذه المدة الوجيزة ، ثماستأنفت المرأة الطريق الذي وضعت قدمها علي أوله باشتراكها في ثورة 1919م ، فأخذت تؤسس الجامعات وتقيم الحفالت ، وتعقدالندوات والمحاضرات ، وتزعمت هذه الحركة النسوية هدي شعراوي ، حرم علي باشا شعراوي ، الذي كان ثاني الثالثة الذين توجهواإلي دار المندوب السامي البريطاني في 13 نوفمبر 1918م يطالبون باالستقالل ، وتجرأت هذه المتزعمة علي ما لم تتجرأ عليه مسلمة

من قبل ، فسافرت إلي باريس وإلي أمريكا لدراسة شئون المرأة وأخذت تلقي بالتصريحات واألحاديث لمندوبي الصحف .وقد كان الناس في حيرة من أمرهم ، ال يدرون ما يأخذون وما يدعون من سيل البدع الذي يتدفق في غير توقف ، ومن معارض كل براق

خالب من غرائب األنماط والعادات الذي تتوالي في سرعة مذهلة ، وكان تيار الحياة يكتسح المعارضين أنفسهم إذ يصبحون وقد أحاطبهم ما يكرهون ، وما يحاربون في أشخاص بناتهم وزوجاتهم وأخواتهم حتى بدا التناقض واضحا بين ما يقولون وبين ما يجري في بيوتهم

.ولعبت الصحف دوراً حاسمًا في هذه المعركة ، بما كانت تنتشر من صور للجمعيات النسائية ولألزياء ، وما كانت تروي من أخبار النشاط

النسوي الذي قل أن تخلو منه صحيفة .وقد ساعدت هذه الصحف علي الدعوة إلي السفور حيث استخدمت النساء العاريات في اإلعالنات بصورة الفتة للنظر فما من إعالن

عن أي شيء إال وفيه امرأة سافرة – وفي بعض األحيان عارية – تعلن عنه ، من ذلك إعالن " كولونيا " وآخر عن صابون " بالموليف "وثالث من نوع " الخمر " ، ورابع عن نوع من " السجائر " ، وخامس عن " عطر " ... الخ بينما كانت تظهر المرأة المسيحية في اإلعالنات

وهي مغطاة الرأس يتدلي غطاء رأسها خلفها ، وفي جيبها الصليب .وقد كان ذلك السفور بمثابة مؤامرة علي المرأة المسلمة تنفذ خطوة خطوة ، لكي تخلع المرأة المسلمة حياءها فتكون أداة سهلة في يد دعاة

التغريب يهدمون بها القيم والعادات والتقاليد اإلسالمية ، فيسيطرون علي المجتمع .ولذلك لم يقف دور المرأة عند حد استخدامها في اإلعالنات كدعوة للسفور ولنبذ القيم المبادئ اإلسالمية ، بل تعداه إلي استخدامها في

البغاء ، وكان البغاء – ساعتها – رسميا يرخص له بالقانون ، وتعجب أن تجد من بين علية القوم من يلتمس أسبابا يستدل بها عليإباحة البغاء علي المستوي الرسمي بقوة القانون ، يقول أحدهم : وقد فكرت في السبب الذي من أجله وضع البغاء الرسمي ورخص به

في بلد إسالمي ، فرأيت أن األصل في وضعه سببين : األول : انتشار األمراض التناسلية ، والثاني : انتشار البيوت السرية .وفي الحقيقة إذا كان الدين ال يوافق – أبدا – علي سفور المرأة وخالعتها واستخدامها سلعة رخيصة للشهوات الحيوانية ، فإنه ال يوافق

كذلك علي المكانة التي قد آلت إليها المرأة في نهاية القرن التاسع عشر ، والتي ثار عليها قاسم أمين ودعا – ساعتها – إلي تحرير المرأة ، التحرير الذي يخرجها من القمقم الذي وضعت فيه باسم الدين ، والدين منه براء ، كان قاسم يريد أن يحررها لتتعلم ، وتعامل في

Page 28: ikwan

28أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

المجتمع كإنسان له حقوق وعليه واجبات ، لكن في حشمتها ، وفي حيائها ، كي ال يأكلها الفقر والجهل والمرض ، وهذا ما جاء به اإلسالمليحرر المرأة من الجاهلية التي عاشتها في عصور ما قبل اإلسالم ، ولكن في حشمة ، وحياء ، يحفظ عليها دينها ، وكرامتها .

موقف اإلمام البنا واإلخوان من دور المرأة في المجتمع :

وقف حسن البنا ومن بعده اإلخوان من قضية المرأة ، موقف اإلسالم ، فرفض ذلك السفور المقصود والعهر المباح ، وحاول أن يرد المرأةإلي دورها الحقيقي ، وهو بناء األمة عن طريق تربية النشء المسلم ، واستقرار األسرة المسلمة التي تهيئ جواً من اإلبداع واالبتكارللزوج المسلم ، فحرص منذ بداية دعوته علي تكوين قسم لألخوات المسلمات بدأ ذلك بتكوين فرقة ألخوات اإلسماعيلية ، ثم أخري

لبورسعيد ، ثم ثالثة في القاهرة ، واختار – وهو في القاهرة – إحدى السيدات كرئيسة لفرق السيدات في الجماعة : " وقد تكونتلألخوات المسلمات فرقة في القاهرة من نساء بيوت اإلخوان ، وقريباتهن ، واختبرت السيدة الصالحة الحاجة " لبيبة أحمد " رئيسة لها

، ولفرقة األخوات في اإلسماعيلية ، وبورسعيد " .ومن ناحية أخري حارب اإلخوان كل من يدعو لسفور المرأة ، أو يحبذ لها خلع حجابها ، واالختالط الفاسد مع الرجال ، ومظاهر العهر

والخالعة ، وعملوا جاهدين علي إلغاء البغاء الرسمي حتى كلل الله مجهودهم بالنجاح .من ذلك مقاالت كثيرة توضح دور المرأة في المجتمع ومكانتها من اإلسالم وحقوقها التي كفلها اإلسالم لها ، ومقاالت أخري تدعو إلي

التزام النساء بالحجاب ، وتفند حجج دعاة السفور ، بل خصص اإلخوان للمرأة بابا خاصا في جريدة اإلخوان المسلمين تحت عنوان "النسائيات " كتبت فيه أول رئيس لألخوات المسلمات تقول : " أساس إصالح األمة إصالح األسرة ، وأول إصالح األسرة إصالح الفتاة

، وأعتقد أن في تعاليم اإلسالم وأحكامه – إن علمناها لها – ما يكفل لنا اإلصالح المنشود "أما عن البغاء فقد وقف اإلخوان منه موقفا تاريخيا ، حيث نددوا بحماية الدولة له مما أدي إلي انتشاره ، وتناولوا األضرار االجتماعية

علي الفرد والمجتمع من جراء إباحته ، وردوا علي كالم محمد شاهين باشا وكيل الداخلية للشئون الصحية في أسباب إباحة البغاء ، ثمخصص اإلخوان أسبوعا كحملة لمحاربة البغاء ، وصدرت جريدتهم – جريدة اإلخوان المسلمون – في هذا األسبوع مصدرة بعنوان : عددخاص لمحاربة البغاء كتب فيه اإلمام البنا مقاال بعنوان " البغاء " قال فيه : " لقد نال خصوم الشرق من الشرق كثيرا ، ولقد عاثوا فيهالفساد ، ولقد أذلوا أبناءه بكل ما عرفوا من صنوف اإلذالل .. وال أظن أن في ذلك كله ما هو أشد وال أنكي من إباحة الزنا وحماية البغاء

وإهدار األعراض ، البغاء أكبر معول يهدم األسرة ويفكك رابطتها ويأتي علي بنائها من أساسه ، والبغاء دركة منحطة ومنزلة سفلي ال تليقباإلنسانية الكريمة التي شرفها الله ... العرض هو أغلي شيء أم أن تجد أمامها زوجا كريما رحيما يهب لها قلبه ، ويحوطها برعايته ويذود

عنها غوائل السوء " .وقد شاركت اللجنة التنفيذية لرابطة الشباب المصري لإلخوان في محاربة البغاء ، فنشرت نداء تندد فيه بالبغاء وما تجنبه األمة من

فساد الشباب والقضاء علي المصدر قوتها ، وقد نال هذا العمل رضا الشرفاء من األمة ، منهم األمير عمر طوسون ، حيث أرسل لإلخوانتأييده لتخصيص أسبوع كحملة لمحاربة البغاء ، وشكرهم علي ذلك ، وأفاد أن أي عمل يعمله اإلخوان لمحاربة هذا العار المخزي هو جهد

منهم مشكور .ثالثاً : التحلل األخالقي والعقائدي :

تعرضنا في تطور دور المرأة في المجتمع إلي بعض هذا االنحالل مثل سفور المرأة ، والبغاء ، ونحاول هنا أن نكمل هذا االنحاللاألخالقي والعقائدي الذي كان له أثر كبير علي تغريب أبناء المجتمع المصري عن دينهم وأخالقهم ، والجدير بالذكر أن الفساد

األخالقي شمل فئات كثيرة من المجتمع ، ولم يقتصر علي الشباب الالهي الثري مثال ، أو علي الطبقة المترفة من طبقات المجتمع .فالفئة المثقفة المنوط بها القيام بدور اإلصالح ، ومحل اقتداء الناس من وجهاء القوم وعلمائهم ، وأصحاب االتجاهات الفكرية فيهم ،

أو من ينتمون إلي األحزاب والجمعيات المختلفة في المجتمع ، كثير من هؤالء كان جل ما يشغلهم نقد اآلخرين ، وانتقاص قدرهم ، بعيداعن اإلصالح أو طلبا للحقيقة " إن أكثر نقاد هذا العصر ال يبتغون بنقدهم وجه الحقيقة ألنهم ال يخضعون لسلطانهم بل هم

يلتمسون السقطات ، وينقبون عن الخطأ ، فإذا ما ظفروا بشيء من هذا أوتوهموا طاروا بذلك فرحا ، وعمدوا إلي أفالم أشبه ما تكون بمشرطالحجام يحلقون أعراض الناس ثم يفرون ، أما الحقيقة فهم عنها معرضون ، وأما ما يكون من خير فهم له يغفلون .. .

والفئة التي يناط بها حماية الدين ، ودعوة الناس للتمسك به ، والعمل من أجل القضاء علي المنكرات والمفاسد الخلقية في المجتمع ،حتى هذه الفئة أصبح حالهم في المجتمع التنافس علي المناصب ، وطلب الزعامة الدينية ، وعدم االهتمام بتغيير المفاسد االجتماعية

من حولهم ، كالزنا العلني مثال ، أو الخمارات التي تمأل شوارع القاهرة ، بل تراهم يجتمعون للتافه والجليل ثم ال يفعلون شيئا ، وال ينكرونمنكراً ، أو يأمرون بمعروف ، يقول عنهم أحد كتاب عصرهم : أيرضيك أن تسميهم رجال الدين والخمر تكرع كؤوسها مترعة بينهم سمعهموأبصارهم وهم سكوت رقود ؟ لذلك ال تري لهم تلك المهابة والجالل اللذين كان يفيضان من رجال الدين ، وال تري في وجوهم ذلك النور

الرباني المعهود علي أمثالهم ، يقول الكاتب : هل تري لرجال الدين وشيخ اإلسالم تلك الروعة وذياك الجالل اللذين كانا يفيضان منأردانهم ، وهل تري عليهم ذلك النور الرباني ..؟

أما عن مظاهر الفساد في المجتمع فحدث وال حرج عن المقاهي ، والمالهي الليلية والحانات ، والخمارات ، والسجائر ، والمخدرات ، والزناالخفي والعلني والغناء والرقص ، وبيوت الدعارة ، وغيرها حتى أصبحت الدعوة لهذه علي الصفحات الجرائد ومن خالل وسائل اإلعالم

Page 29: ikwan

29أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

المسموعة بصورة مقززة .فامتألت صفحات الجرائد بالنساء لإلعالن عن الخمر أو السجائر أو بيوت الرقص والفحش .

واألدهى واألمر أن تشترك الهيئات الحكومية – التي ينبغي أن تحارب ذلك – في الدعاية لذلك الفساد ، نشرت األهرام تحت عنوان "الحميات المنتشرة بالقطر المصري : " ودع عنك األدوية والمركبات الكيماوية ، وهذه من " كونياك بوريس " اليوناني الشهير مستخرج منعصير العنب ملك الفواكه ألهميته ولجودته ، قد قررته هذه السنة مصلحة الصحة العمومية إلي عموم مستشفياتها بالقطر المصري .لذلك ارتفعت نسبة الفقراء والمرضي بين الشعب المصري ، وانتشر التسول حتى بلغ عدد المتسولين في مصر 500ألف شحاذ ، وجاء في

إحصاء وزارة الصحة عن المرضي في مصر أن 90% منهم مصابون بأمراض العيون ، 55% بالبلهارسيا و 30% باإلنكلستوما و %15بالمالريا و 12% أمراض صدرية و 7% بالبالرجا و 3% بالسل ، ويتضح من إحصائيات أخري عن الفقر نشرتها وزارة الشئون االجتماعية

أن 12 مليون مصري ال يتمتعون بأية ميزة اجتماعية أو صحية وأنهم يعيشون كأنهم يعيشون كأنهم في القرن الخامس عشر .محاربة اإلمام البنا واإلخوان لالنحالل الخلقي والعقائدي :

وقد صور اإلمام حسن البنا بعضا من صور الفساد في المجتمع في مقال بعث به إلي الملك فاروق قال فيه : حدود الله معطلة ال تقام، وأحكامه مهملة ال يعمل بها ، في بلد ينص دستوره علي أن دينه هو اإلسالم ، بؤر الخمور ودور الفجور وصاالت الرقص ومظاهر المجون

واللهو تغشي الناس في كل مكان حتى اإلذاعة الالسلكية كثيرا ما تنقل جراثيم هذا الفساد إلي المخدرات في البيوت ، المحجبات فيالقاصية ، أندية السباحة والقمار تستنفد األوقات واألموال ، ويعمرها كبار القوم ، ويتردد عليها سراة األمة ، حتى أصبحت أندية

الموظفين في العواصم والحواضر عنوان الفساد ومتلفة األخالق في البالد ، كبار الموظفين يضربون للناس أسوأ المثل في كل تصرفاتهمالشخصية والرسمية ، مما أطلق الناس بالنقد وأضعف ثقتهم بالحكام .

الصور السافرة المتبرجة بالزينة التي ال تتفق بحال مع آداب اإلسالم وما فرض الله علي المرأة من التستر واالحتشام ، تظهر في كبرياتالصحف وصغيراتها ، تصبح ملهاة العيون الحائرة ، والقلوب الفاجرة ، وتتناول أعرق األسر وأكبر البيوت ، وأطهر األعراض ، الحفالت

الساهرة واالجتماعات المتكررة ، والمقابالت الكثيرة من رسمية وأهلية ، تختلط فيها األجناس ، وتشرب بنت الكاس ، ويقضي الليل فيمجون وعيث ولهو ورقص .

ومن ذلك نعلم أن حسن البنا وجماعته من بعده كان لهم موقف قوى واضح من االنحالل األخالقي والفساد االجتماعي ، حيث أوكارهبكل وسيلة ممكنة ، والمقال السابق الذي رفعه حسن البنا إلي جالله الملك جزء من تلك الحرب ، فبعد أن وضح تلك الصور المصغرة –كما قال – للفساد بين يدي جاللة الملك : " كل هذا وأمثاله قد حطم عقائد الشعب ، وثقته بنفسه ، وأنساه المثل العليا ، وصرفه عن

طاعة الله وعمل الخير ، وقضي علي العقل والعاطفة والصحة والمال ، وهدد األسر اآلمنة ، والبيوت المطمئنة بالخراب العاجلوالتحلل السريع الذريع ، والحوادث التي تنشر تباعا في الجرائد والمجالت ترعب وتخيف ، والبد من أن تمتد إليه اليد اآلسية الطبيبة حتىيطهر هذا المجتمع من الميوعة والطراوة والخنوثة والمجون ، قلها كلمة منفذة وأصدره أمرا ملكيا أال يكون في مصر المسلمة إال ما يتفق مع

اإلسالم ، فإن مائة ألف شاب مؤمن تقي من شباب اإلخوان المسلمين في كل ناحية من نواحي القطر ، ومن ورائهم هذا الشعب كلهيعملون في جد وهدوء ونظام ، يترقبون هذه الساعة ليستعدوا بالشهود بين يديك في سبيل الله لنصرة اإلسالم ، إن الجنود علي تمام

األهبة ، وإن الكتائب معبأة وقد طال بها أمد االنتظار ، واشتد شوقها إلي ميادين العمل والكفاح ، فمتى تقام الصالة ، متى يتقدماإلمام "

لقد أدت كثرة صور الفساد في المجتمع ، خاصة ما يسيء إلي العرض من فجور وعهر ، ومجون ، في الخمارات وحانات القمار إلي تحمسبعض الشباب ، فاعتدي علي تلك األوكار ، فكتب البنا إلي وزير العدل يوضح له األمور ، ويطلب منه معالجة جذور المشكلة ، وليس

نتائجها ، بمعني أن العالج هو إغالق تلك الحانات وليس محاسبة الشباب ، وإن كان ال يقهره علي ما فعل ، فبعد التقديم بحمد الله ،والثناء علي رسوله صلي الله عليه وسلم قال : " يا معالي الوزير أنت رجل مسلم ، تؤمن بالله ورسوله وكتابه ، وتعتقد من أعماق نفسكأن تعاليم اإلسالم وأحكام اإلسالم هي أفضل التعاليم ، وأعدل األحكام ، وأن اإلسالم إذا أمر ففي طاعة أمره سعادة الناس وصالحهم ،وإذا نهي ففي ارتكاب ما نهي عن شقاؤهم وبالؤهم .. ومصر يا معالي الوزير بلد مسلم وهو زعيم بالد اإلسالم ، ومع هذا فحسبك أن تمر

بأي شارع شئت من شوارع القاهرة ، فتري بعينيك كيف زاد عدد الحانات علي حوانيت ألزم الحاجيات ، وكيف صارت دكاكين البقالةخمارات يحميها القانون ... أهذا يرضي الله ؟ أهذا يتفق مع نصوص الدستور ؟ أهذا يساير مكانة مصر وزعامة بالد اإلسالم ؟ لست أقر

أحدا أن ينقض علي القانون ، ولست أدعو إلي العدوان في أية صورة من صوره .. لهذا أتقدم إلي معاليكم وذلك حقكم :أوال : أن تعيدوا النظر في إجراءات هذه القضية ، في الوسيلة القانونية التي بها يطلق سراح هؤالء الشبان المسجونين .

ثانيا : أن تتقدموا إلي الحكومة عاجال بتشريع حازم يقضي علي هذه الفوضى الخلقية ، ويحمي الشعب من الخمر والمهالك واآلثام .هكذا اهتم حسن البنا وتالمذته بعده – بمحاربة الفساد في المجتمع في شتى صوره ، ولم يألوا في ذلك جهدا ، أو تلن لهم قناة ، وكان

لجرائد ومجالت اإلخوان دور كبير في تلك الحرب ، حيث كانت تحرص علي توجيه الشعب من خالل المقاالت والموضوعات التي تنشرها إلي التمسك باألخالق الكريمة ، واالبتعاد عن الرذائل والمنكرات ، وحيث كانت توجه سهامها الفاتكة من خالل الحمالت

اإلعالمية إلي المفاسد المنتشرة في المجتمع ، فعلت ذلك في الخمر ، كما فعلته سابقا في البغاء ، حيث توالت المقاالت ، والتحذيرات ،

Page 30: ikwan

30أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

واإلحصاءات والتقارير الطبية التي تبين ضرره ، وما كانت تجد انحرافا من السلطات إال ودعت إلي إصالحه ، من ذلك ما نشرته جريدةاإلخوان المسلمون نحن عنوان " علي هامش األخبار " قالت : نشرت جريدة المصري أن وزارة الداخلية باالشتراك مع وزارة الشئوناالجتماعية تعدان مشروع قانون بتنظيم ألعاب القمار واألندية ، وسيعرض علي البرلمان ، ويؤسفنا أال تشتغل وزارة الشئون بإعداد

قانون يلغي الميسر بأنواعه " .

المبحث الثاني : الحياة االقتصادية

خضعت مصر لالحتالل البريطاني مع نهاية القرن التاسع ؛ وأقبل القرن العشرون وقد ارتبط االقتصاد المصري باالقتصاد العالميفي بالد أوروبا وخاصة بريطانيا ، ومن ثم تأثر اقتصاد مصر بعوامل االنتعاش االقتصادي العالمي وأزمانه صعوداً وهبوطًا .

" وقد بلغ هذا االرتباط أشده في فترة االحتالل ، نتيجة تشجيع االحتالل لعدد من المستثمرين األجانب الذين أقاموا المشروعات الكبرى، والبيوتات المالية الضخمة التي كان همها تزويد األسواق األوروبية بالخامات المصرية ، وتوجيه إنتاج البالد تبعًا لهذه األسواق " .

وقد تأثرت الحياة االقتصادية بعدة مؤثرات وظواهر عامة كان لها أثر بالغ في تشكيل مالمح االقتصاد المصري ، ومن هذه المؤثرات :1- االحتالل البريطاني في مصر .

2- نشوب الحرب العالمية األولي .3- رغبة المصريين في تحقيق االستقالل لمصر وظهور " االقتصاد الوطني " .

4- التوجه الوطني نحو الصناعة الحديثة .ونعرض – بإيجاز – ألهم مالمح ومكونات البناء االقتصادي المصري في أوائل القرن العشرين ، وأثر ذلك علي نشأة اإلمام حسن البنا

وتكوين جماعته ، وذلك علي النحو التالي :المطلب األول : مالمح البناء االقتصادي المصري في تلك الفترة .

المطلب الثاني : أثر ذلك علي نشأة اإلمام حسن البنا وتكوين جماعته .المطلب األول : مالمح البناء االقتصادي في مصر في أوائل القرن العشرين

يستطيع الباحث في الشئون االقتصادية أن يوجز القول عن أهم مالمح البناء االقتصادي في مصر خالل الفترة في النقاط التالية :• خضوع االقتصاد المصري للسيطرة األجنبية .•• اعتماد االقتصاد المصري علي الزراعة وخاصة محصول القطن .•• ازدياد االهتمام بالصناعة وبداية عصر االقتصاد الوطني .•

خضوع االقتصاد المصري للسيطرة األجنبية :

لعب االحتالل البريطاني دوراً كبيراً في ربط االقتصاد المصري باالقتصاد اإلنجليزي ربطاً كلياً ، قوامه قيام مصر بإمداد الصناعةاإلنجليزية باحتياجاتها من القطن ، وفتح أسواق مصر لمنتجات الصناعة األجنبية ، وقد ترتب علي تبعية االقتصاد المصري لالقتصاداإلنجليزي في هذه الفترة ، التقلب الكبير في قيمة صادراتنا من القطن ، وبالتالي في مستوى الدخل القومي تبعًا لتقلبات مستوى النشاط

االقتصادي اإلنجليزي .ونظراً ألن النشاط والركود في االقتصاد اإلنجليزي كانا يحدثان بسبب طبيعة النظام االقتصادي الرأسمالي نفسه ، لذلك فإن االقتصادالمصري كان يتحمل آثار هذا النشاط والركود ، وفي الفترة التي سبقت الحرب العالمية األولي سيطرت الرأسمالية علي أغلب األنشطة

التجارية والمالية للدولة ، وقد بلغت نسبة رؤوس األموال األجنبية في عام 1914م ما يقرب من 91% من مجموع استثمارات الشركاتالمساهمة في مصر .

ومن العوامل التي جعلت االقتصاد يدور في فلك االقتصاد البريطاني تحويل غطائنا النقدي من الذهب إبان الحرب العالمية األوليإلي أذونات علي الخزانة البريطانية ، مما أتاح لبريطانيا الحصول علي ما تشاء من العملة المصرية لتمويل عملياتها العسكرية .

وما أن تحددت العالقات المصرية البريطانية في إطار تصريح 28 فبراير 1922م حتى أخذ االهتمام البريطاني يربط االقتصاد المصريباالقتصاد البريطاني يتزايد بصورة كبيرة ، وذلك العتقادهم أن ذلك يدعم وجودهم في مصر ، كما أن يضعف الحركة الوطنية في مواجهة

هذا الوجود .وتكشف الوثائق البريطانية القناع عن الدور الذي مارسته الرأسمالية األجنبية في الضغط علي الحكومة البريطانية لعدم قبول مطالب

الحركة الوطنية المصرية في االستقالل زاعمة أن ذلك يهدد المصالح المالية البريطانية .وقد أتاحت معاهدة 1936م الفرصة أمام االستثمارات اإلنجليزية في مصر نتيجة قيام الشركات اإلنجليزية بتنفيذ بعض المشروعات ، بعد إرسال العطاءات عليها ، وقد أدي ذلك إلي عمل مئات األلوف من العمال المصريين في تلك الشركات ، وكان لذلك أثره في صياغة

الشخصية المصرية ، ألن الموظفين الكبار في هذه الشركات أجانب ، والعمال المصريون رقيقو الحال ، يقبلون الذل والهوان في طلب

Page 31: ikwan

31أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

لقمة العيش ، وألن األجنبي قد وفد بال أهل ، فإن العامل المصري المسكين هو الذي يقوم علي خدمته ، بل ويرسل زوجته وابنتهلخدمة األجنبي في بيته ، وقد استغلت حاجة المصري للعمل في هذه الشركات فضيع عرضه وامتهنت كرامته ، ولما اعتاد المصري فيذلك الوقت – تحت ضغط لقمة العيش – أن يفرط في عرضه سهل جداً أن يفرط في وطنه ، فكان هناك إذاً عامل ارتباط بين عطاء أولئك

المستبدين عندما يعطون القروش وعندما يدفعون أجر العامل في شركة من تلك الشركات ، وبين تضييع األخالق ، ثم بين كل ذلكوتضييع البلد وإفقاد المصري كرامته .

وعمومًا فقد أدت سيطرت األجانب علي أغلب األنشطة التجارية والمالية إلي تفشي البطالة بين المصريين ومنافسة المصنوعاتاألجنبية للمنتجات المحلية ، لذا فقد نادي البعض بالحد من هجرتهم إلي مصر ، وأن يكون التعليم دور في تشجيع الصناعات الوطنية هذا

باإلضافة إلي التوسع في إنشاء المدارس الصناعية لتكون نواة لتخريج الفنيين المصريين .اعتماد االقتصاد المصري علي الزراعة وخاصة محصول القطن :

اعتمد االقتصاد المصري في تلك الفترة اعتماداً شبه كلي علي الزراعة خاصة محصول القطن ، وقد لعب االحتالل البريطاني دوراًكبيراً في تحويل السياسة االقتصادية المصرية إلي سياسة التخصص الزراعي ، ومع هذا فإن هذا التخصص لم يتسم بالطابع المتوازن ، إذ

وجهت العناية إلي محصول القطن علي حساب المحاصيل األخرى ، كما أن هذا التخصص جعل االقتصاد عرضه ألي تذبذبات تصيبأسعار القطن .

وقد تميزت الزراعة المصرية بعدد من الخصائص أهمها :

أ – عدم قدرتها علي مواجهة النمو السكاني :لما كان االقتصاد المصري قد تحول إلي االعتماد الكلي علي الزراعة ، أصبح من الطبيعي أال تنقطع عمليات تحسينها فأنشئت قناطر

نجع حمادي عام 1930م .وتمت تعلية خزان أسوان عام 1934م ، ورغم هذا فإن معدل التوسع في مساحة األرض الزراعية كان أقل بكثير من معدل تزايد السكان ،

فبينما زادت الرقعة الزراعية خالل المدة من 1917- 1947م بنسبة 5% زاد معدل السكان بنسبة 9% مما أدي إلي حدوث بطالة سافرةومقنعة ، هذا باإلضافة إلي ضآلة أجر العامل الزراعي .

ب – سوء توزيع الملكية الزراعية :كما تميزت الزراعة بسوء توزيع الملكية الزراعية ، ويتضح هذا من الجدول التالي :

النسبة المساحة بالفدان النسبة عدد المالك مساحة الملكية بالفدان

93.1% 187430 31.6% 214133 من 5-1

29.7% 175878 6.30% 14504 من 10-5

38.7% 228530 0.6% 501259 أكثر من10

100% 591839 100% 229997 المجموع

ويالحظ في هذا الجدول أن حوالي 93.1% من المالك الزراعيين ال يملكون سوي 31.6% من مجموع األراضي الزراعية ، بينما يملك 6 فياأللف فقط من المالك حوالي 38.7% من األراضي الزراعية ، ومن هنا يتضح أن المشكلة الرئيسية التي واجهت الريف المصري كانت

تنحصر بالدرجة األولي في إعادة توزيع الملكية الزراعية .ج – ارتفاع قيمة إيجار األراضي الزراعية :

ارتفعت إيجارات األراضي الزراعية في تلك الفترة لدرجة كبيرة جعلت الفالحين الذين يزرعون األرض يواجهون صعوبة كبيرة فياالحتفاظ بها ، وقد أدي هذا إلي لجوء الفالحين إلي المرابين الذين يقرضونهم األموال التي هم في حاجة إليها بفائدة كانت تتراوح ما

بين 30 : 50 % لموسم واحد فقط .ازدياد االهتمام بالصناعة وبداية عصر االقتصاد الوطني :

أدي انقطاع الواردات من السلع المصنعة خالل سنوات الحرب العالمية األولي باإلضافة إلي رغبة المصريين في تحقيق االستقاللاالقتصادي لمصر إلي ظهور اإلحساس بالحاجة إلي تنمية الصناعة ، فأنشأت القوى الوطنية لجنة الصناعة والتجارة عام 1917م ،

وقد حثت هذه اللجنة الحكومة علي االهتمام بالصناعة ولكن الفتور ما لبث أن عاد مرة أخرى إلي الميدان الصناعي المصري ، فقد أدتالزيادة الكبيرة في أسعار القطن إلي االعتقاد بأن هذا المحصول وحده قادر علي ضمان الرخاء المستمر للدولة.

غير أن انهيار أسعار القطن خالل األزمة العالمية واستعادة الدولة الستقاللها المالي عام 1930م ، بفرض التعريفة الجمركية ، ورفع الرسوم علي الواردات من السلع االستهالكية الصناعية ، وعدم قدرة القطاع الزراعي علي تشغيل العدد المتزايد لأليدي العاملة

المصرية أدي إلي جعل النشاط يدب من جديد في القطاع الصناعي ، ثم جاءت الحرب العالمية الثانية نتيجة هبوط حجم الواردات ،

Page 32: ikwan

32أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

باإلضافة إلي ما تصرفه قوات االحتالل ، وكان نتيجة ذلك أن توسعت صناعات المنسوجات والزجاج والجلد واألسمنت والبترول .وبالرغم من ذلك لم تكن عملية التصنيع بالقدر الالزم لتغيير الطابع الزراعي لالقتصاد المصري ، إذ ظلت الصناعة قطاعًا " هامشيًا " في

االقتصاد المصري .فبينما كان عدد المشتغلين بالزراعة عام 1952م يزيدون علي نصف العدد الكلي للمشتغلين في االقتصاد المصري ، لم تزد نسبة

المشتغلين علي ( 10% ) من هذا المجموع ، كما أن التوسع لم يكن كافيًا لمواجهة االطراد في زيادة عدد السكان ، فالدخل القومي للفرد كانفي هبوط مستمر وهذا يتضح من الجدول التالي :

جدول الفرد السنوي

المدة .... دخل الفرد سنويا12.3 .... 1928 -192108.2 .... 1933 -193009.6 .... 1939 -193509.4 .... 1945 -1940

ومن األمور المهمة في حركة االقتصاد المصري تدخل الحكومة المصرية في الحركة االقتصادية ، مما أدي إلي تخطيط االقتصادالمصري ، وتنميته ، وقد بدأ ذلك في بداية الثالثينيات ، عن طريق فرض الحماية الجمركية لصالح الصناعة الوطنية الناشئة ، وكانت تلك

السياسة محل معارضة المصالح التجارية البريطانية .ولعب بنك مصر – الذي أسسه طلعت حرب عام 1920م – دوراً رئيسيًا في تقوية القطاع الصناعي المصري ، بإنشاء عدد من الشركات

التي اعتبرت نواة الصناعة المصرية مثل شركة مصر للغزل والنسيج ، وشركة مصر للطيران ، وشرك مصر للنقل والمالحة .كما تدخلت الحكومة إلنقاذ أسعار القطن من الهبوط نتيجة قلة الطلب علي القطن المصري في السوق العالمية ، بسبب الكساد الكبير ،

فدخلت الحكومة سوق القطن مشترية منذ مارس 1930 .وبرغم تطور الصناعة في مصر – علي النحو الذي شرحنا – إال أنها انحصرت في قطاعات استهالكية لم تكن تشكل تهديداً للرأسمال

األجنبي .ونلخص مما سبق إلي أن األوضاع االقتصادية في مصر إبان ظهور البنا وجماعته تتسم بعدة سمات أهمها :

1-استمرار سيطرت الشركات األجنبية علي االقتصاد المصري ، وعن ذلك يذكر اإلمام البنا – رحمه الله – " شركات االحتكار في مصروضعت يدها علي مرافق الحياة والمنافع العامة ، كالنور ، والمياه ، والملح ، والنقل ، ونحوها كلها في يد هذه الشركات التي ال ترقب في

مصري إال وال ذمة ، والتي تحقق أحسن األرباح وتضن حتى باستخدام المصريين في أعمالها " ويذكر اإلمام البنا أن : " من الظريفالمبكي أن نقول إن عدد الشركات المصرية إلي سنة 1938 بلغ إحدى عشر شركة فقط مقابل 320 شركة أجنبية " .

2-استمرار ارتباط االقتصاد المصري باالقتصاد البريطاني ، واعتماد النقد المصري علي أذونات الخزانة البريطانية ودار الضربالبريطانية والبنك األهلي البريطاني وإن كان مقره مصر .

3-استمرار اعتماد االقتصاد المصري علي الزراعة ، واالعتماد علي محصول رئيسي واحد هو القطن ، في الوقت الذي اتجه الوضع فيالريف إلي تركيز الملكيات الزراعية في يد فئة قليلة ، لم تعبأ باستخدام األساليب الفنية في الزراعة مما أدي إلي إجهاد األرض وفقدها

لخصوبتها مع مرور األيام .وقد أدت هذه األوضاع إلي االستعمار االقتصادي ، وتخلف االقتصاد المصري ، وانخفاض مستوي المعيشة إلي درجة عميقة وتعرض

العمل الدائم للتعطيل .المطلب الثاني :أثر االقتصاد السائد في مصر علي نشأة اإلمام البنا وتكوين جماعته

نشأ اإلمام البنا وعاش في وسط شعب يتجرع مرارة هذه األوضاع االقتصادية التي كانت تسود مصر ، وحين انتقل إلي مدينةاإلسماعيلية ليعمل فيها مدرسًا شاهد بعينه الوضع المأساوي الذي يعيشه العمال المصريون في شركة قناة السويس وغيرها من الشركات

األجنبية المنتشرة علي طول القناة .ولقد كان لهذه األوضاع المخزية تأثير شديد في نفس اإلمام البنا وتفكيره وقد عبر عن ذلك بقوله :

" إننا في أخصب بقاع األرض وأعذبها هواء ، وأيسرها رزقًا ، وأكثرها خيراً ، وأوسطها داراً ، وأقدمها مدنية وحضارة وعلمًا ومعرفة ،وأحفلها بآثار العمران الروحي والمادي والعملي والفني ، وفي بلدان الموارد األولية والخامات الصناعية والخيرات الزراعية ، وكل ما

تحتاج إليه أمة قوية تريد أن تستغني بنفسها ، وأن تسوق الخير إلي غيرها ، وما من أجنبي هبط هذا البلد األمين إال صح بعد مرض ،واغتني بعد فاقة ، وعز بعد ذل ، وأترف بعد البؤس والشقاء ، فماذا أفاد المصريون أنفسهم من ذلك كله ؟ ال شيء .. وهل ينتشر الفقر

والجهل والمرض والضعف في بلد متمدن كما ينتشر في مصر الغنية مهد الحضارة والعلوم وزعيمة أقطار الشرق بغير مدافعة ؟! .

Page 33: ikwan

33أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وحين اختلط اإلمام البنا بالعاملين في شركة قناة السويس وغيرها اطلع علي حقيقة األوضاع التي يعيشونها ، ومن كلماته التي سطرهافي مذكراته عن تلك الفترة : " وكان لإلسماعيلية وحي عجيب ، فهذا المعسكر اإلنجليزي في غربها ببأسه وسلطانه ، وهيمنته وهيلمانه ،يبث في نفس كل وطني غيور األسى واألسف ويدفعه دفعًا إلي مراجعة هذا االحتالل البغيض ، ما جر علي مصر من نكبات جسام .. لقد

أوحت اإلسماعيلية بالكثير من المعاني التي كان لها أثر كبير في تكييف الدعوة والداعية " .لذلك ال نعجب إذا رأينا اإلمام البنا وجماعته يتبنون قضية النهوض باالقتصاد المصري الوطني ويدعون إلي التحرر الكامل واالستقاللالتام بعيداً عن أسر االحتالل وقيود االستعمار ، ونشير – بإيجاز – إلي الجهود الطيبة التي بذلها اإلمام البنا وجماعته في سبيل تحقيق

ذلك .أوال : جهود اإلمام البنا وجماعته في النهوض باالقتصاد المصري " نظريًا " :

1-الدعوة إلي االستقالل االقتصادي عن السياسة اإلنجليزية والسيطرة األجنبية :حيث تقدم اإلمام البنا مطالبًا الحكومة آنذاك بالطلبات اآلتية :

أ – استقالل النقد المصري واعتماده علي رصيد ثابت من الموارد والذهب المصري ، وتأميم البنك األهلي .ب – تمصير الشركات وإحالل رؤوس األموال الوطنية محل األجنبية ما أمكن .

ج – تخليص كل المرافق العامة من أيدي الشركات األجنبية ، وتأميمها ، واسترداد كل األمالك التي أخذها األجانب ، وتحريم تملك األرضالمصرية علي األجانب – مؤبداً - .

د – التحريم القاطع للربا .2 – الدعوة إلي النهوض باالقتصاد الوطني :

وقد كان حسن البنا دقيقًا في تحديد مطالب بعينها رأي أنها تحقق ذلك النهوض المنشود هي :1-استغالل منابع الثروات الطبيعية بصورة منتجة .

2-تشجيع الصناعات اليدوية لبث الروح الصناعية في األمة والوقاية من البؤس .3-التحول إلي الصناعة فوراً بجانب الزراعة .

4-إرشاد الشعب إلي التقليل من الكماليات ، واالكتفاء بالضروريات .5-العناية بالمشروعات الوطنية المهملة – آنذاك – مثل مشروع خزان أسوان .

6-إعادة النظر في نظام الملكيات في مصر .ثانيا : جهود اإلمام البنا وجماعته للنهوض باالقتصاد المصري " عمليًا " :

1-تجاوز الشيخ البنا الدعوة النظرية إلي الجانب العملي للنهوض االقتصادي :حيث كان يربي اإلخوان علي االلتزام بعدة أخالق وسلوكيات اقتصادية ، الزمة لكل عضو من أعضاء الجماعة منها :

أ – أن يزاول العضو عمالً اقتصادياً مهما كان غنياً ، وأن يقدم علي العمل الحر مهما كان ضئيالً .ب – أن يخدم العضو الثروة اإلسالمية بتشجيع المصنوعات الوطنية ، فال يقع قرشه في يد غير إسالمية ، وال يلبس ، وال يأكل إال من

صنع وطنه .ج – أن يدخر جزءاً من دخله وال يتورط في الكماليات أبداً .

د – ومنذ عام 1945 دعا البنا إلي مقاطعة البضائع والمحالت والشركات اإلنجليزية تماماً .2- تأسيس عدة شركات اقتصادية مساهمة من أهمها :

أ – شركة المعامالت اإلسالمية ( أنشأت مصنعاً للنحاس وآخر للبالط واألسمنت ) .ب- الشركة العربية للمناجم والمحاجر ( إلنتاج األسمنت والبالط وأجهزة الطبخ ) .

ج –شركة اإلعالنات العربية .د – شركة اإلخوان المسلمين للغزل والنسيج بشبرا الخيمة .

هـ شركة التجارة وأشغال الهندسة ( إلنتاج مواد البناء وتدريب العمال في حرف السباكة والكهرباء والنجارة ) .و – شركة التوكيالت التجارية بالسويس .

ز – شركة التجارة بالمحلة ( إلنتاج المنسوجات واألدوات المنزلية وأدوات المكاتب واألدوات المدرسية والكهربية ) .3- اهتمام اإلخوان الكامل بالعمال ، ويظهر ذلك في :

Page 34: ikwan

34أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

أ – أنشأ اإلمام البنا قسم العمال بالمركز العام ، حيث كان له دور بارز – فكرياً وعمليًا – في الوقوف بجانب العمال المصريين ، وكان منأهدافه : تفهيم العمال حقوقهم والطرق المشروعة التي تكفل لهم تحقيقها وتنظيم النشاط النقابي ، والدعوة إلي أن ينضم العمال إلي

نقاباتهم ، ومحاربة األمية ، وتبصير العمال بالمعلومات العامة ( اجتماعية وسياسية ووطنية وصحية .. ) ودراسة األفكار الصناعيةوأساليب اإلنتاج الحديثة وتعريفها للعمال حتى ال يقل العامل المسلم عن مثيله – صناعياً – في أية أمة من األمم ، بجانب أهدافه

التربوية العقدية والروحية واالقتصادية .وقد أنشأ القسم مدرسة للتوجيه النقابي العمالي .

ب – تبني اإلخوان مطالب العمال والدعوة إلي حقوقهم ، في مجالتهم وكتبهم ، مثل ربط أجور العمال بأرباح المؤسسات االقتصاديةالتي يعملون فيها بحيث يكون لهم أسهم مع أصحابها في األرباح .

بالحديث عن جهود اإلمام البنا وجماعته للنهوض باالقتصاد المصري الوطني نكون قد أنهينا بحثنا عن الحياة االجتماعيةواالقتصادية التي كانت سائدة في مصر إبان ظهور اإلمام البنا وتأسيس دعوة اإلخوان المسلمين .

الفصل الثالث :الحياة الفكرية والثقافية للمجتمع المصري إبان ظهور حسن البنا وتأسيس جماعة اإلخوان المسلميناستعرضنا خالل الفصلين السابقين واقع المجتمع المصري في بداية القرن العشرين ، وسلطنا الضوء علي جوانب الحياة السياسية

واالقتصادية ، والقوى السياسية وشرائح المجتمع المصري ، وبينا أثر ذلك كله علي نشأة اإلمام البنا وتكوين جماعته .ونستعرض في هذا الفصل المهم الحياة الفكرية والثقافية والتعليمية للمجتمع المصري من خالل المباحث التالية :

المبحث األول : جذور الصراع الفكري في المجتمع المصري .المبحث الثاني : االتجاه اإلسالمي – تيارات الفكر اإلسالمي .

المبحث الثالث : االتجاه التغريبي – تيارات الفكر التغريبي .المبحث الرابع : أوضاع التربية والتعليم في مصر .

المبحث األول : جذور الصراع الفكري في المجتمع المصري

مع مطلع القرن العشرين احتدم الصراع الفكري بين اتجاهين متمايزين تمامًا في تصور األسلوب الذي ينبغي أن يتبع للوصول إلياإلصالح المنشود ، والنهوض بالمجتمع من حالة الركود والهمود الفكري واالجتماعي التي أصابت المجتمعات اإلسالمية والعربية جميعًا ،

وعلي رأسها مصر .االتجاه األول : اتجاه الفكر اإلسالمي الحديث .

االتجاه الثاني : اتجاه الفكر التغريبي .ويصدر كال االتجاهين عن خلفية فكرية خاصة ومتميزة عن خلفية اآلخر ، ومن حيث مصادر المعرفة األساسية التي من خاللها يصوغ

رؤيته وتفسيراته ، ويبلور قيمه وأهدافه المتعلقة بالكون والحياة .وترجع بدايات االتجاه األول إلي ظهور دعوات اإلصالح في المجتمعات اإلسالمية مثل :

الدعوة الوهابية في الجزيرة العربية التي قام بأعبائها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد بالجزيرة العربية " 1115هـ - 1209هـ "•" 1703م – 1791م " .

والدعوة السنوسية في ليبيا علي يد الشريف السنوسي .•• والدعوة المهدية في [[:|السودان]] ، وغير ذلك من الدعوات التي استهدفت بعث األمة اإلسالمية من جديد والتوجه بالمجتمع إلي•

اإلصالح المنشود .أما االتجاه الثاني فقد بدأ إثر الحملة الفرنسية " 1798م " علي المشرك العربي ، وفي قلبه مصر ، وأعقب ذلك اتساع نطاق االتصال

مع الغرب وتعدد مجاالت االحتكاك به ، وبمدنيته الحديثة التي بلغت في ذلك الوقت درجة كبيرة من التقدم في مقابلة حالة الترديواالنحطاط الحضاري التي كان يعاني منها الشرق اإلسالمي كله علي اختالف مجتمعاته .

كان االتجاه التغريبي يدور في إطار عقلية الغرب ونمط تفكير أهله ورؤيتهم للحياة ، بينما يدور االتجاه اإلسالمي في إطار العقليةاإلسالمية ونمط تفكيرها ورؤيتها للحياة كذلك .

وعلي ساحة المجتمع المصري نشأ التفاعل والصراع ، والتباين في الرؤى بين االتجاهين وشمل جميع ميادين الحياة الفكرية والسياسيةواألدبية .

وقد يكون الخالف حول بعض القضايا التي تبدو – لمن يراها اليوم – ثانوية ، لكن العبرة بما انطوى عليه هذا الخالف – ساعتها – من دالالت أعمق تتصل بوضع االتجاه وخلفيته الفكرية التي يصوغ من خاللها رؤيته وتفسيراته لألمور ، وطبيعة اإلطار الفكري الذي كانت

Page 35: ikwan

35أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

تدور فيه ، ومدي مالءمته للسياق االجتماعي العام ، فعلي سبيل المثال : كانت المعركة بين أنصار " الطربوش " وأنصار " القبعة "خالل العشرينات تعبر في جوهرها عن اشتعال المعركة الحقيقية ليست في أغطية الرؤوس ، بل فيما هو داخل الرؤوس ذاتها ، والدليل

علي ذلك أن كال من الطربوش والقبعة تركا فيما بعد ، ومعني ذلك أنه توجد عقليتان مختلفتان تتنازعان ليس في مصر – وحدها – ولكنفي أقطار وبلدان الشرق اإلسالمي كلها .

عقلية تتمثل حضارة الغرب وتبشر بها ، وعقلية تتشبث باإلسالم وحضارته وتدافع عنها وتسعي لإلحياء مجدها ، وقد كان كل فريقيدرك حقيقة المعركة ، فمصطفي صادق الرافعي – وكان من أكبر المدافعين عن اإلسالم وتراثه – كان يدرك ويعتقد أن القضية ليست

قبعة علي الرأس أكثر مما هي طريقة لتربية الرأس المسلم تربية جديدة وليس فيها ركعة وال سجدة .بالرغم من وجود بعض المحاوالت للخروج من تلك الحالة الفكرية الراكدة إال أنها كانت محدودة جدا ولم تحدث الهزة االجتماعية والفكريةالمؤثرة ، إال علي إثر الحملة الفرنسية ( 1798 ) وما تالها من اتساع نطاق االحتكاك بالغرب ومدنيته الحديثة التي بلغت في ذلك الوقت

درجة كبيرة من التقدم والنهوض في مقابل حالة التردي واالنحطاط الحضاري التي تعاني منها المجتمعات اإلسالمية .ومنذ نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر ، بدأت مرحلة جديدة من الصراع والتحدي الحضاري بين الغرب والشرق –

الذي كان يقصد به مجتمعات العالم اإلسالمي – كان الغرب فيها في وضع التفوق ، ويمتلك المبادرة ، أما الشرق فقد كان في وضعالضعف واالنقياد ، ومن ثم فقد اتسمت كل ردود الفعل الصادرة منه بسمات ذلك الوضع غير المتكافئ .

وقد تبلورت تلك الردود في نمطين أساسيين : األول : هو نمط " اإلصالح المؤسسي " علي مستوى الدولة ، وأبرز نماذجه مصر في عهدمحمد علي ، أما الثاني : فهو نمط التجديد الفكري ومحاوالت اإلحياء لمواجهة التحدي الغربي بطريقة أكثر جذرية ، أدي ذلك إلي االهتمام

بعلوم الغرب الحديثة ، بدأ بالعلوم التطبيقية وتطور حتى شمل العلوم اإلنسانية في السياسة واالجتماع واألدب والفلسفة ، حول هذهاالهتمامات نشأت نخبة جديدة ذات ثقافة حديثة مستفادة أساسا من نتاج العقلية الغربية ، أدت إلي حالة من االزدواجية الفكرية في

المجتمع ، التي استمرت منذ ذلك الحين ، وحتى اآلن .ويمكن رد أسباب تلك االزدواجية الفكرية إلي محورين رئيسيين .

األول : هو محور التأخر واالنحطاط ، والثاني : هو محور التحدي الغربي .أما بالنسبة لمحور التأخر و االنحطاط، ، فقد كان بسبب أبرز سمات الحياة الفكرية التي أدت إليه سمتان األولي : سمة الجمود الذي انتفت

به كل محاولة للتجديد ، وسمة الذرية التي أفقدت العقل المسلم فاعليته وقدرته علي امتالك النظرة الشاملة لمشكالت الحياة ، لكنالضغوط التي نجمت عن التحدي الغربي أسهمت في تحريك تلك الفاعلية من جديد ، بحثا عن سبيل للنهوض وكان الخيار إما منهج

النموذج الغربي المفروض ، أو منهج النموذج اإلسالمي المعقود ، ومن ثم فقد ظلت وضعية التخلف واالنحطاط عامال من عوامل تغذيةاالنقسام وفقدان التجانس الفكري وفقا لرؤية لسبيل النهوض والتقدم .

وأما بالنسبة ( للتحدي الغربي ) فال يمكن تبيين أثره في تمزيق الحياة الفكرية بعيدا عن تفاعله بكل أبعاده السياسية والثقافيةوالحضارية مع حالة االنحطاط المشار إليها .

فقد اتخذ هذا التفاعل مسالك وقنوات عديدة تم من خاللها ونجم عنها تكريس االزدواجية الفكرية والثقافية , وتشتيت عقول أبناءاألمة في مرحلة باكرة , ومن أهم تلك المسالك : المؤسسات التعليمية والتربوية األجنبية , وحركة الترجمة والنشر والصحافة األجنبية

والبعثات العلمية األوربية التي قدمت إلي مصر في منتصف القرن التاسع عشر , أو التي سافرت إلي أوروبا وبصفة خاصة في أواخرالقرن الماضي وأوائل القرن العشرين .

وكانت سلطة اإلدارة االستعمارية تقوم بدور كبير خاصة في مجال التعليم ورسم سياسته , ال لكي يقتصر علي تخريج موظفين إداريينحسب كما هو شائع في معظم الكتابات التي تتناول هذا الموضوع , ولكن إضافة إلي ذلك , لكي يؤدي إلي إعادة تشكيل العقل المسلمعلي نحو يخدم األهداف االستعمارية ضمن اإلطار األكبر , وهو إطار الصراع الحضاري بين الشرق اإلسالمي والغرب , فكرومر المعتمدالبريطاني يقول صراحة : " في محاوالتنا الهادفة إلي طبع العقلية الشرقية بعاداتنا الفكرية ، يجب أن نتقدم بكل حذر ممكن ، وأن

نتذكر أن واجبنا األول هو إقامة نظام يسمح لجمهور السكان بأن يكون محكوما وفقا لقانون األخالق المسيحية ، ومع تجنب أية حركةللتبشير الرسمي ، فإن عالقتنا مع مختلف األجناس التي تمثل رعايا ملك إنجلترا يجب أن تقوم علي أساس الصخرة الجرانيتية التي

تمثلها األخالق المسيحية " .ولذلك اتجه االستعمار إلي تجفيف المنابع التي تعمل ضد هذا الخط الذي رسمه " كرومر " ، وعلي رأسها األزهر ، وحتى الكتاتيب لم يأل

جهدا في التضييق عليها وإن تظاهر بغير ذلك ، وكان يسعي دائما إلخضاع ما أنشئ منها بجهود األهالي إلشراف نظارة المعارف التييسيطر عليها وعلي ميزانيتها ممثلو االحتالل .

وفي المقابل ازدهرت المدارس األجنبية التي أقامتها الجاليات األجنبية المقيمة في مصر ، كالفرنسيين والطليان واليونانيين واألرمن ، كماازدهرت المدارس التي أقامتها البعثات واإلرساليات التبشيرية المسيحية التي كانت تفد إلي البالد بانتظام علي مدى القرن التاسع عشر

، ووصلت ذروتها خالل العقد الثالث من القرن العشرين .

Page 36: ikwan

36أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وطبقا لإلحصاءات التي يوردها أمين سامي باشا فقد كان عدد المدارس التي أنشأتها إرساليات التبشير المسيحية في مصر يبلغ ضعفعدد المدارس ا األميرية سنة 1875م ، وكان عدد المدارس االبتدائية لتعليم البنات والتي أنشأتها اإلرساليات 29 مدرسة ، في حين لم

يتعد عدد المدارس النسوية األميرية 3 ( ثالث ) مدارس فقط .واألهم من كثرة مؤسسات التعليم األجنبية أنها كانت بمثابة األوعية التي يتم فيها تشكيل عقلية قطاع أساسي من أبناء المجتمع ، كييحقق الهدف االستعماري في القضاء علي الرؤية اإلسالمية ، أو يقوم بتطويرها في مجال التعليم والتربية ، فيحقق رؤية أوروبية بدال

منها .وقد دعم هذا االتجاه أفواج البعثات الطالبية إلي أوروبا علي مدي القرن التاسع عشر ، وازداد أوائل القرن العشرين ، فبلغ عدد

المبعوثين عام 1914م 750 طالبا ، وكان عددهم سنة 1879 قد بلغ 172 طالبا فقط ، أما في سنة 1920 فقد بلغ عددهم 800 طالب فيمختلف العواصم األوروبية .

وعندما تأسست الجامعة المصرية 1908م استطاع المستشرقون الذين تولوا التدريس بها منذ نشأتها أن يقوموا بدور أساسي في إدخالالمناهج الغربية للبحث العلمي إلي مصر علي نحو مباشر ، حيث بلغ عدد األساتذة المستشرقين األوروبيين الذين درسوا بالجامعة في

الفترة من 1908 – 1916 حوالي 38 أستاذاً ، حاضروا في علوم التاريخ واإلنسانيات والفلسفة وآداب اللغة العربية ، وعلم النفسواالقتصاد والجغرافيا .

ولطه حسين عبارة دقيقة توجز مجمل تأثيرات مناهج التعليم الحديث في مصر من االبتدائي إلي العالي ، وهو قوله : " نحن نكونأبنائنا في مدارسنا األولي والثانية والعالية تكوينا أوروبياً ال تشوبه شائبة " .

في الوقت نفسه كان األزهر علي ضعفه – وما به من أوجه القصور – بمثابة قطب المواجهة إزاء الجامعة العلمانية الجديدة ، ثماتسع نطاق هذه المواجهة مع قيام الجامعة األمريكية بالقاهرة عام 1919م ، وجرت أول مناظرة بقاعة يورث التذكارية بالجامعة

األمريكية بالقاهرة بين بعض علماء األزهر ، وبعض المبشرين األمريكان ... وكانت مجلة الفتح اإلسالمية تحذر من الدور الذي تقوم بهالجامعة األمريكية في القاهرة وبيروت وتركيا ، في حين كانت مجلة الهالل العلمانية – ومحررها سالمة موسي – تدافع عن تلك

الجماعات خاصة في مصر .والحاصل أن ازدواجية نظام التعليم وهذا االنتشار الهائل للمدارس األجنبية في البالد ، وازدياد البعثات العلمية إلي أوروبا ، وما رافقهامن حركة ترجمة واسعة للفكر الغربي ، وكذلك استخدام المستشرقين للتدريس بالجامعات المصرية ، كانت كلها إجراءات تتم تحت وطأةضغوط التقدم الغربي وتحدياته في إطار مشاعر االنبهار والدهشة منذ رفاعة الطهطاوي وحتى طه حسين علي األقل ، وقد تمخضت

تلك التطورات واإلجراءات عبر تفاعالت متشابكة ومعقدة عن تبلور نخبة فكرية جديدة لها وزنها إلي جوار نخبة الفكر اإلسالمي منرجاالت األزهر وغيرهم ، تنطلق أساسا من اإلطار المرجعي العام للفكر الغربي ، وقدر لها أن تقوم بدور أساسي في الحياة المصرية بصفة

عامة ، وفي تشكيل مناخها الثقافي بصفة خاصة خالل النصف األول من هذا القرن .وكان البد لهذا التمزق الفكري المكرس عبر مسالك عديدة – علي النحو السابق بيانه من أن يؤدي إلي تبديد قوى المجتمع وشل فاعليته ،

إذا لم تعد له " ثقافة واحدة " يرجع تحديد السلوك االجتماعي إلي معاييرها ومنطلقاتها ، ويتم توجيه الفكر والعواطف وفقا لقيمتها ،ومنها تستمد عقليته وثقافته ، وبداخل كال منهما أكثر من تيار ، وإن ظلت تيارات كل اتجاه يجمعها إطاره المرجعي األساسي ، إما الغرب

، وإما اإلسالم ، مع اإلقرار باختالف وتغير منظورات ومواقف ومواقع كل تيار داخل كل اتجاه .الواقع الفكري إبان ظهور اإلمام البنا :

تناول كثير من الباحثين الواقع الفكري لهذه الفترة بالتحليل والدراسة ، لعل أسبقهم د . محمد حسين في كتابه االتجاهات الوطنية ، حيثحلل الحياة الفكرية إلي اتجاهين ، أحدهما يتجه نحو الغرب ، واآلخر يتجه نحو اإلسالم ، ولمح بين االتجاهين ظهور اتجاه ثالث يتجه

نحو التوفيق بين اإلسالم والحضارة الغربية ، وتتابعت وجهات النظر بعد ذلك ، نذكر منها علي سبيل المثال ال الحصر ثالث وجهات نظرهي :

أ – حلل د . أحمد ربيع عبد الحميد خلف الله في كتابه : " الفكر التربوي وتطبيقاته لدي جماعة اإلخوان المسلمين " الواقع الفكري إليأربعة تيارات أولها : التيار اإلسالمي ، والثاني : التيار الغربي ، الثالث : التيار اإلقليمي الذي يتجه نحو مصر الفرعونية ، والرابع : التيار

القومي العربي الذي يتجه نحو العروبة .ب – حلل د . عثمان عبد المعز رسالن في كتابه : " التربية السياسية عند اإلخوان المسلمين" الواقع الفكري إلي خمسة تيارات األربعة

السابقة ، وزاد عليها تيار التغريب الشيوعي ويقصد به االتجاه نحو النظرية الشيوعية .ج – حلل د . إبراهيم بيومي غانم في كتابه : "الفكر السياسي لإلمام البنا " الواقع الفكري إلي اتجاهين ، يشمل كل منهما عدة تيارات

األول : االتجاه اإلسالمي ويشمل ثالثة تيارات : تيار الفكر الدفاعي ، التيار السلفي ، تيار التجديدي اإلصالحي ، والثاني االتجاه التغريبي، وتشمل ثالثة تيارات أيضًا : تيار التبشير بالغرب ، التيار العلماني ، التيار الليبرالي . فاتفق بذلك مع د . محمد محمد حسين في تقسيم

الواقع الفكري إلي اتجاهين فقط .

Page 37: ikwan

37أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وعلي ذلك فسوف نتناول الحياة الفكرية إبان القرن العشرين عن طريق تناول كل اتجاه من االتجاهين في نقاط منها " تعريفه ، أفكاره ،القضايا التي يثيرها ، أنصاره ، الكتب التي ظهرت تؤيده " ، ثم نتعرض بإيجاز ألوضاع التربية والتعليم في تلك الفترة ، لما لها من أثر قوى

علي شخصية الفرد والمجتمع وذلك من خالل المباحث الثالثة التالية .

المبحث الثاني : اتجاه الفكر اإلسالمي

تيارات الفكر اإلسالمي :

إن االتجاه اإلسالمي في مصر من خالل النصف األول من القرن العشرين – وبصورة أكثر تبلورا خالل الربع الثاني منه – قد تمثل فيعدد من الجمعيات والجماعات ، وفي عدة تيارات فكرية ، كانت في مجموعها مجمل النشاط العام لالتجاه اإلسالمي في المجتمع ككل ،وكانت تشكل أيضًا جزءا أساسياً من المناخ الثقافي والفكري لدي الجزء اآلخر الذي تشكله تيارات التغريب ، ذلك المناخ الذي كان بمثابة

الخلفية العامة التي نشأ ونشط فيها حسن البنا ، ولم يكن أي من تلك الجمعيات أو التيارات يمثل بمفرده االتجاه اإلسالمي بالمعنيالشامل ، وإنما قام كل تيار وقامت كل جماعة أو جمعية بجزء أو أكثر – في بعض الحاالت – من مهام االتجاه .

وتيار الفكر اإلسالمي قديم قدم الدعوة اإلسالمية ذاتها ، إال أننا نهتم هنا بمحاوالت التجديد التي ظهرت بعد مرحلة الركود التي أصابتالفكر اإلسالمي قبل عصر النهضة ، وتعتبر دعوة الموحدين ( الدعوة الوهابية ) أول محاولة تجديدية في العصر الحديث للعودة

باإلسالم إلي ما كان عليه السلف ، متأثرة بخطي ابن تيمية ، وقد اعتقدت أن السبب األوحد لسقوط بالمسلمين هو فساد العقيدة ، وأنهالبد من العودة إلي التوحيد الصحيح ، وهدم البدع والخرافات ، ومن ثم فقد اهتموا بتقوية العقيدة ، وبالناحية الخلقية كما حددها الدين

، غير أنهم لم ينظروا إلي مشاكل المدنية الحاضرة ، ومطالبها ، ولم يعملوا علي ترقية الحياة العقلية إال في دائرة ( العلوم الدينية ) .وبعد سقوط الدولة الوهابية األولي جاء السيد جمال الدين األفغاني وقدم فكرة اإلسالم المجاهد المقاوم للغزو األجنبي الذائد عن

الحوزة اإلسالمية في مواجهة األطماع االستعمارية .وكانت أهدافه :

أوالً : تقوية دعائم نظم الحكم الموجودة آنذاك ، كيما يعيد بناء التنظيم السياسي في العالم اإلسالمي علي أساس ( األخوة اإلسالمية )التي بددتها النظم االستعمارية .

ثانيا : مكافحة المذهب المادي الذي يعتقد أنه راجع إلي التأثير الخفي ألفكار الغرب .ثالثًا : مقاومة النفوذ األجنبي ، وبعث تعاليم القرآن بين الجمهور ، وبناء روح الكرامة بين المسلمين ، وإشعارهم بحقهم في الحرية .

ثم جاء تلميذه محمد عبده الذي واجه مشكلة اإلصالح بحسبانها مشكلة تربوية بدال من تناولها من الزاوية السياسية ، معتقدا أنه لكييتحقق اإلصالح يجب أن يبدأ خطواته األولي من الفرد ، ومن ثم فقد نقل حركة العودة إلي اإلسالم من عمل سياسي إلي عمل تربوي

ثقافي ، باعتبار أن التربية هي أساس كل حركة إصالحية ، وأن بناء األجيال الجديدة هو الذي يحقق النهضة .وبرغم أن حركة محمد عبده نجحت في إزالة الركود العقلي إال أن بعث النهضة اإلسالمية ظل ال يكترث بالفاعلية االجتماعية ، بل لم

يستطع تغيير النفس اإلسالمية ، وال أن يترجم إلي لغة الواقع فكرة الوظيفة االجتماعية للدين .وقبل الحرب العالمية األولي ، وفيما بين الحربين – قبل نشأة اإلخوان – تبلور هذا االتجاه في تالمذة محمد عبده ( رشيد رضا ، عبد

العزيز جاويش ، محب الدين الخطيب ، .. وغيرهم ) لكنهم قد سلك كل منهم طريقًا – مع آخرين – يختلف عن اآلخر في الرؤية وفياألسلوب ، وغير ذلك ، ومن هنا وجد في هذا االتجاه بعض التيارات التي تأخذ علي عاتقها نفس هدف االتجاه ، وروحه ، ويمكن أن تعد

منها ثالثة اتجاهات رئيسية هي :التيار األول : تيار الفكر الدفاعي .

التيار الثاني : التيار السلفي .التيار الثالث : التيار التجديدي اإلسالمي .

ونعرض لهذه التيارات الثالثة – بإيجاز – من خالل المطالب التالية :المطلب األول : تيار الفكر الدفاعي

ويقصد به مجموعة من العلماء الذين كرسوا نشاطهم – أو معظمه – لمهمة الدفاع عن اإلسالم بإظهار حقائقه ، ورد االتهامات التيتوجه إليه ، والشبهات التي تثار حوله ، واألباطيل التي تلتصق به ، وكذلك القيام بدحض الحجج التي يستند إليها خصومه من دوائر

االستشراق والتبشير واالستعمار ودعاة التغريب في توجيه افتراءاتهم .ويمثل هذا التيار فريقان : األول : رأي أن أفضل أسلوب للدفاع هو استخدام نتاج الفكر الغربي – الذي يستخدم في الهجوم بشكل أو بآخر

– وبخاصة في مجال العلوم العصرية ، وكان من أبرز ممثلي هذا الفريق الشيخ طنطاوي جوهري ، والشيخ رضوان شافعي المتعافي ،ومحمد فريد وجدي .

وقد كانوا متأثرين بمنهج اإلمام محمد عبده ، بيد أنهم توسعوا في اللجوء إلي األفكار والفلسفات الغربية .

Page 38: ikwan

38أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وكان محمد فريد وجدي أكثرهم توسعًا لدرجة أن كثرة اعتماده علي فلسفات الغرب جنحت به بعيدا عن بعض العقائد اإلسالمية دون أنيدري ، مما جعل د .

محمد محمد حسين يحمل عليه بشدة في كتاباته ال للتشكيك في نيته ، ولكن للتحذير من التمادي في هذا االتجاه .وعادة ما ينظر إلي ممثلي هذا الفريق باعتبارهم معبرين عما يسمي " بالتيار التوفيقي " ويشار بصفة خاصة إلي اإلمام محمد عبده ،والشيخ طنطاوي جوهري ، حيث يؤكد البعض أن توفيقية محمد عبده حاولت الجمع بين اإلسالم والغرب في صيغة تصالحية واحدة

ويبدو أن هذا التأكيد قد جانبه الصواب ، إذ أن جهود اإلمام محمد عبده ومن نهج منهجه في الدفاع عن اإلسالم لم تنطلق من محاولة "التوفيق " بالمعني المشار إليه ، وإنما انطلقت من محاولة " استيعاب " منجزات الفكر الغربي ، واستخدامها كأداة للدفاع والذود عن

اإلسالم ضمن سياق الظروف التي شهدتها مرحلتهم ، وعلي ضوء خصائص وطبيعة الجهات التي وجهوا إليها خطابهم الدفاعي .أما الفريق الثاني : فقد رأي أن أفضل السبل للدفاع عن اإلسالم هو اللجوء إلي اإلسالم ذاته ، وإلي ما يمكن إعادة تقديمه واستخدامهمن التراث اإلسالمي ، وخاصة في عصور ازدهار الحضارة اإلسالمية ، ومن ثم فقد انصرف رواد هذا الفريق عن استخدام الفكر الغربي

كأداة للدفاع عن اإلسالم ، " ونظروا إليه بمختلف صوره وأساليبه نظرة عدائية " ومن أبرز رموز هذا الفريق الشيخ مصطفي صبري ،والشيخ محمد الخضر حسين . والدكتور محمد أحمد الغمراوي .

وقد كان من شأن المنهج الذي اتبعوه إلي األصول والتراث وأن يمهد للقيام بجهوده هدفها تخليص التراث مما شابه من أفكار باليةوممارسات خاطئة ترجع إلي عصور االنحطاط .

المطلب الثاني : التيار السلفي

وهذا يصعب تحديده بدقة نظرا لالستخدامات المتعددة والمختلفة لمفهوم " السلفية " لدي من يتناولون هذا الموضوع ، دون الدخول فيتفاصيل المعاني المختلفة لهذا المفهوم فإنه يمكن التمييز بين ثالثة مستويات له علي األقل :

األول : هو السلفية كمفهوم ، وغالبا ما تطلق ويراد بها االتجاه اإلسالمي عامة .الثاني : هو السلفية كحركة ومنهج إسالمي ، وغالبا ما يقصد بها الحركات اإلصالحية التي نشطت خالل القرن التاسع عشر ، كالوهابية

، والسنوسية .أما الثالث : فهو السلفية كتيار فكري ، وتعني – وهو المقصود هنا – إعادة تقديم فكر السلف الصالح في فهمهم لإلسالم وفي نمط حياتهموالتمسك به ، ودعوة الناس إلي ذلك باعتبار أن هذا هو سبيل النجاة ، حيث يكون محور النشاط هو تنقية اإلسالم مما ألحق به من البدعوالخرافات وأنواع الشرك المختلفة علي النحو الذي يؤدي إلي تصحيح العقيدة لتصبح كعقيدة السلف الصالح ، وكذلك استقامة السلوك

ونمط الحياة ليتفق مع نمط حياة ذلك السلف .وقد بدأ هذا التيار بالمعني الموضح آنفا بصورة جلية من خالل بعض الجمعيات والجماعات اإلسالمية ، ومن أهمها الجمعية الشرعية

لتعاون العاملين بالكتاب والسنة بقيادة الشيخ خطاب السبكي ، وجماعة أنصار السنة المحمدية التي أسسها الشيخ محمد حامد الفقى ،وقد تأثر سلفية محمد بن عبد الوهاب ( 1115هـ - 1206هـ = 1703- 1791م ) .

ولما كان التيار السلفي مرتبطًا بنمط تفكير وحياة السلف علي النحو المشار إليه ، فقد دعمت عملية إعادة طبع ونشر كتب السلف نشاط هذاالتيار ، ففي الفترة الممتدة من 1900 إلي 1940 تمت إعادة طبع ونشر عدد كبير من كتب السلف من مختلف العصور والبلدان ، وفي شتىالمجاالت ، كالتفسير والحديث والفقه وأصول الدين ، والعقائد والفرق والتصوف ... إلخ، ومن األمور ذات الداللة أنه خالل تلك الفترة

وخاصة من 1900 إلي 1925 أعيد طبع ونشر كتب ورسائل اإلمام أحمد بن تيمية من خالل " مطبعة المنار " أو " المطبعة السلفية " غالبا، وبتحقيقات وتمهيدات لشخصيات سلفية أمثال الشيخ : محمد حامد الفقي والشيخ محمد منير الدمشقي ، وغيرهما ، وكذلك بالنسبةلكتب ابن القيم وابن الجوزي وأمثالهما من أعالم السلف ، واحتلت الكتب التي توجه النقد للممارسات الصوفية ، مكانة ملحوظة في

حركة إعادة الطبع والنشر إلي جانب كتب العقيدة وأصول الدينالمطلب الثالث : التيار التجديدي اإلسالمي

أ – اختالف هذا التيار عن التيارين السابقين :

ويقصد به تلك الجهود التي وجهت أساسا إلصالح الفكر اإلسالمي وتصحيح النظر إلي التراث وما يترتب عليه من ممارسات في الحياةاليومية بهدف شحذ الفاعلية اإلسالمية لتصبح قادرة علي القيام بأعباء النهضة ورد التحدي الغربي .

ويري بعض الباحثين أن هذا التيار – التجديدي أو اإلصالحي – ال يمثل تيارا مستقال عن التيارين وإنما – هو في رأيهم – عبارة عنخالصة جهودهما الموجهة لغرض اإلصالح مباشرة أو غير مباشرة ، ويري أن خالصة جهود هذا التيار قد انطلقت من أن كل محاولة

إلعادة بناء حضارة اإلسالم ونهضة المسلمين البد أن تقوم علي أساس " سيادة الفقه الخالص علي الواقع السائد " وال شك أن هذايقتضي رجوعًا إلي اإلسالم في منابعه األصلية بعد تخليصها مما شابها من أفكار وممارسات خاطئة .

وتبني الباحث وجهة نظر مالك بن نبي الذي يمتد بجذور هذا التيار في الضمير المسلم إلي عصر ابن تيمية علي األقل ، ثم كانت تتواصل– دون انقطاع – بعد ذلك في جهود زعمائه في مناطق متفرقة من العالم اإلسالمي .

Page 39: ikwan

39أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

ومن خالل وجهة النظر السابقة فإن التيار يختلف عن التيارين السابقين في أنه يستشعر وجود الغرب ، وما يمثله من تحديات سياسيةوفكرية وحضارية بصورة أكثر إلحاحا من ( التيار السلفي ) بصورة أكثر إيجابية من تيار ( الفكر الدفاعي ) ويظهر هذا في محاولة الشيخ محمد

عبده إلصالح األزهر ، وفي محاولة رشيد رضا رد كثير من منجزات الغرب إلي أصول إسالمية ، ثم في محاوالت حسن البنا الستيعابتلك الجهود وطرح تصورات إضافية تصب في نفس االتجاه .

ب – التشابه بين دعوة البنا ودعوة سابقيه ( األفغاني ومحمد عبده ):

ورغم تميز فكر حسن البنا ودعوته إال أن التشابه كان موجودا بينه وبين كثير من دعاة اإلصالح السابقين ، خاصة األفغاني حيث كاناإلخوان يحسون بهذا التقارب الشديد بين البنا واألفغاني ، وكان كثير منهم يعتبرونه " األب الروحي " لحركتهم ، وكان البنا يقرن

باألفغاني أكثر مما يقرن بغيره .وواضح أن الشعور بهذا التقارب من األفغاني وااللتقاء معه ساد اإلخوان نظرا لما ارتبط بذكر األفغاني من إيجابية في العمل وفعالية ،وقد بين " كانتوبل سميث " أهمية الحركات األخيرة التي قام بها هذا المدافع المتأجج عن الدين ضد الفساد الداخلي واالعتداء الخارجي

.أما عن عالقة البنا بمدرسة محمد عبده فقد كانت قديمة ، حيث كان والد حسن البنا تلميذا لمحمد عبده ، وأن البنا ذاته كان يقبل في

باكورة حياته علي قراءة مجلة المنار ، حتى نحا في أسلوبه الصحفي في صباه منحي أسلوبها ، وأنه ذهب يبحث أثناء دراسته فيالقاهرة عمن أعجب بهم من حواري اإلمام ، من أمثال فريد وجدي وأحمد تيمور ، ومن هذا القبيل أيضا صلته الوثيقة بتلميذ آخر من

تالمذة محمد عبده وهو شيخ األزهر المشهور مصطفي المراغي .وإن مما يعبر عن أصالة وعمق عالقة حسن البنا بمدرسة محمد عبده ، قائمة أسماء الكتب التي كانت توزع علي معلمي اإلخوان

لتوجيههم حتى يعدوا أنفسهم لخلق جيل جديد من ( الشباب المسلم ) من بين تالمذتهم ، فقد ورد في هذه القائمة تحت عنوانالقراءات القرآنية ، تفسير المنار ، قبل تفسير ابن كثير ، وهو التفسير الغالب تفضيله ، ثم لم يرد أي مؤلف آخر سوي تفسير الفاتحة لحسن

البنا ، كم احتلت رسالة التوحيد للشيخ محمد عبده مكان الصدارة بين عدد من المؤلفات ( للبنا والغزالي ) في قائمة الدراسات العامةللعقيدة .

ويمكن أن نقول إن صلة حسن البنا الفكرية بمدرسة محمد عبده قد انعكست في مواقفها من بعض األمور العامة الرئيسية ، فكان مماتوافقت فيه اآلراء بذل الجهد لتبسيط اإلسالم لمعتنقيه ، وقصره علي الضروري واألساسي منه ، بحيث يقضي علي تلك الخالفاتالمهلكة التي باعدت بين فرقه ومذاهبه ، كذلك اعتقدت المدرستان أنه ال يمكن أن يحدث تغيير في ظاهر المجتمع اإلسالمي دون أن

تتغير عقلية المسلمين ، وال يمكن أن يتحقق تقدم فعلي دون إصالح تربوي ، وأخيرا رأت المدرستان – وربما كان ذلك أهم مما عداه –أن يكون اإلصالح من ذات اإلسالم ، نابعًا من صميم تعاليمه متمشيًا مع أوامره ومنطق حركته .

ج – بعض الفوارق بين البنا وسابقيه ( األفغاني ومحمد عبده ) :

وهذا التشابه بين الدعوتين – دعوة البنا ، ودعوة محمد عبده – ال يعني عدم وجود بعض الفوارق بينهما ، حيث كان أهم الفوارق بينهمافي التجديد هو الروح التي أوحت بأفكار اإلخوان وحاالتهم الفكرية وقد قال في ذلك أحد اإلخوان : " إن رسالتنا تعني بالجهاد والكفاحوالعمل ... إنها ليست رسالة فلسفية " وهكذا انعكس تفضيل العمل علي الفكرة بتفضيلهم كلمة " منهاج " علي كلمة " فكرة " حين وصفوا

عقيدتهم ، وهكذا كانت شخصية حسن البنا .ويري د . الطاهر أحمد مكي فارقا مهما بين شخصية جمال الدين األفغاني وتلميذه محمد عبده وبين شخصية حسن البنا ، مما أثر ذلك

علي دعوة كل منهم يقول : " إن حسن البنا داعية إسالمي من طراز فريد ، عبقري ، وفذ ، وعالم ، ومخطط مجدد ، ورجل دين ، خطيبمؤثر ، ومحدث مقنع ، وداعية يبشر بنظام إسالمي ، يجمع إلي شجاعة جمال الدين ، وتطور فكر اإلمام محمد عبده قدرة فائقة علي

التنظيم لم تكن ألي منهما " .وعلي ذلك فإن الفارق في الفهم والعمل ، والفارق في الشخصية ، جعل البعض يري أن األفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ، يمثلون مرحلةلدعوة اإلسالم ، لم تتجاوز أن تكون حركتهم تعبيرا عن رغبة في اإلصالح ، أو محاولة لم تستطع أن تنظم جهودا عملية ترمي إلي سيادةمبادئ اإلسالم في الحكم والسياسة واالجتماع ، أما مرحلة حسن البنا فتمثل – عندهم – مرحلة اإلعداد الجاد لعمل عظيم محدد المراحل

والخطوات ، ومرحلة التقويم والتثقيف لما اعوج من حركة محمد عبده واألفغاني ورضا ، مما ال يكاد يري إال بمجهر دقيق ، ولما اعوجمن حركة غيرهم كعبد العزيز جاويش ومن نهجوا طريقه أو أغلوا في الخطأ فكان انحرافهم بينًا .

ويري الدكتور محمد عمارة فارقًا آخر وهو تأسيس اإلمام الشهيد حسن البنا جماعة اإلخوان المسلمين كأول تنظيم جماهيري لتيار اإلحياءوالتجديد اإلسالمي في العصر الحديث يقول : وأمام تصاعد التحديات وعموم البلوى جاءت اللحظة التاريخية التي استدعت إشراك "

األمة " بالمسخ والنسخ والتشويه ، وعند هذه اللحظة التاريخية التي أثمرت قيام جماعة اإلخوان المسلمين تجاوزت الدعوة إلي "الصفوة " والنخبة ... والعلماء ... والقادة ... حيث استدعت الصفوة واألمة من خالل التنظيمات اإلسالمية الجماهيرية لتبني الدعوة إلي

اإلسالم منهاجًا شامال لكل ميادين النهضة والتقدم والتجديد والتغيير .

Page 40: ikwan

40أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

تلك كانت بعض نقاط التماس والتوافق وبعض الفوارق والتمايز بين دعوة اإلمام البنا ، ودعوة سابقيه " السيد جمال الدين األفغانيوالشيخ محمد عبده " .

أما عالقة اإلمام حسن البنا بزعماء وأعالم التيار اإلسالمي المعاصرين له فنتعرض لها بإيجاز وذلك علي النحو التالي :المطلب الرابع : روافد آخري للفكر اإلسالمي

ال ينكر أحد أن الطرق الصوفية في مصر قامت بدور مهم في مواجهة االستعمار ( الحملة الفرنسية ، واالحتالل البريطاني ) إبان ثورةعرابي ، شأنها شأن غيرها من الطرق الصوفية في أنحاء العالم اإلسالمي ، وقد شهدت الطرق في مصر ازدهار ملحوظا أواخر القرن

التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، مما دفع السلطة الخديوية مؤيدة من االحتالل إلي إصدار أول الئحة تنظيمية للطرق الصوفية –صدرت في ربيع األول سنة 1321هـ - 2 يونيه 1903م – وهذه الالئحة أخضعت الطرق بحكم القانون للسلطة السياسية ، وكان هذا

عامال إضافيًا لسلبيتها وعزلها عن الحياة العامة ، شأنها شأن األزهر الذي أخضع إلجراءات مماثلة مع الفارق بينهما بالطبع .وقد بدأت الجمعيات اإلسالمية في الظهور قبيل الحرب العالمية األولي ( مثل الجمعية الشرعية وجمعية مكارم األخالق اإلسالمية ) ،

وازداد عددها بصورة ملحوظة في الفترة التي أعقبت الحرب وخاصة خالل العشرينيات ، وأهمها جمعية أنصار السنة المحمدية ،وجمعية الشباب المسلمين ، وقدر عدد الجمعيات اإلسالمية التي كانت موجودة في مصر عام 1366هـ - 1947م بحوالي مائة وخمس

وثالثين جمعية لم يشأ منها بعد نشأة جماعة اإلخوان المسلمين ( 1347هـ - 1928م ) إال عدد محدود .ويري البعض أن هذه الجمعيات نشأت نتيجة ضعف األمة اإلسالمية وانتشار الفساد الخلقي في المجتمع ، واتجاه الحكام المسلمين إلي

تقاليد الغرب ، ولذلك فقد تعددت مناهجها ، فمنها ما توجه نحو المعونة والمواساة ، ومنها ما توجه إلي إعانة الفقراء والمساكين ،كجمعية العروة الوثقى ، والجمعية الخيرية اإلسالمية ، أما ما عدا ذلك من الجمعيات فإن منهجها إلقاء العظات والنصائح واإلرشادات

الدينية ، ماعدا " اإلخوان المسلمون " فقد كان لهم منهج آخر .ويري البعض اآلخر أن تلك الجمعيات – من حيث أسباب قيامها ومجاالت اهتمامها ومن حيث سلوكيات أعضائها وألوان نشاطها –

كانت تسعي – في مجملها – ألن تعبر التعبير العملي عن التمسك بالهوية اإلسالمية في العقيدة ، وطريقة التفكير ونمط الحياة اليوميةبصفة عامة ، وذلك في مواجهة موجات الدعاية لتقليد الغرب واقتفاء أثره في كل شيء بحجة العمل علي اللحاق به وإحراز التقدم ،

هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية فقد كان بعضها منذ نشأته ( كالجمعية الشرعية ، وأنصار السنة ، والشبان المسلمين ) يتمتع بدرجة أوبأخرى من " التنظيم " والنشاط " الحركي " في المجتمع وإن كان محدودا في إطار قضايا محدودة ، وفي أوساط فئات اجتماعية بعينها ،

ليس منها الطلبة وال المثقفون بصفة عامة ، وكانت جهود تلك الجمعيات غالبا ما تصب في اتجاه هدف إصالح تدين الفرد المسلم دونماوجود تصور متكامل إلصالح المجتمع ، وقد أدت سمة " الجزئية " التي طبعت اهتمام كل منها إلي وقوع الفرقة فيما بينها ، ونشوب

الخالفات الكالمية التي كانت تؤدي بدورها إلي تكريس طابع االهتمام الجزئي باإلسالم .ورغم جهود التيارات الفكرية السابقة في مجاالت تجديد وبعث الفكر اإلسالمي ورغم جهود الجمعيات اإلسالمية علي اختالفها وتعددها

في السعي لتقديم نماذج عملية لتطبيق المنهج اإلسالمي في الحياة اليومية ، فقد ظلت بعض القضايا الحاسمة في مسيرة االتجاهاإلسالمي كله خالل تلك الفترة إما غائبة ( كقضية الجهاد ) وإما دون إجابة محددة وتصور كامل كقضية الفهم الشامل لإلسالم ودوره

في الحياة االجتماعية ، وقضية الوحدة ، وبعبارة واحدة ظلت فاعلية المسلم إزاء قضايا وتحديات العصر ، غير مستكملة ، فإذا أضيف إليذلك أن الطرق الصوفية في مصر – في تلك الفترة – كانت من خالل ممارستها تضفي مزيدا من السلبية علي أتباعها ، وتعزلهم عن الحياة

العامة شيئاً فشيئًا ، فسوف يتضح أن مهمة استيعاب قضايا تلك الفاعلية وطرحها ضمن إطار نظري متماسك ، وإطار حركي منظم ليستبالمهمة الميسرة ، خاصة في ظل وجود نشاط جماعات االتجاه اآلخر وهو اتجاه التغريب .

المبحث الثالث : االتجاه التغريبي أو " اتجاه الفكر التغريبي "

تيارات الفكر التغريبي :

يعني الفكر التغريبي عند أصحابه : ضرورة جعل الغرب الحضاري هو المنبع الرئيسي الذي يجب أن تعب منه الثقافة العربية ، وال تبعسواه .

واختلف الناس في تسميته ، فالبعض يسميه تيار التغريب ، من الرباعي غرٌب ، والبعض يري أن األفضل تسميته (المحدثون) لما لألحداثمن تداعيات ترتبط بمفهوم " البدعة " ، وهي بدورها مفهوم يرتبط أساسًا بإحداث أمور من شأنها تخريب العقيدة الصحيحة للمسلمين

سواء في مجال العقائد واألفكار ، أو في مجال االختراعات والتكنولوجيا الحديثة . وبعيداً عن اختالف األلفاظ ، فإن المقصود أن هذا التيارمناقض تمامًا للتيار اإلسالمي في اهتماماته ، وميوله ونظراته للمجتمع ، ومصادر الثقافة ، وغير ذلك ، ويجسد سالمة موسي – أحد دعاة

هذا االتجاه – هذا التيار بقوله : " كلما زادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له ، وشعوري بأنه غريب عني ، وكلما زادت معرفتيبأوروبا زاد حبي لها ، وتعلقي بها ، وزاد شعوري بأنها مني ، وأنا منها "

وقد تسرب هذا التيار إلي مصر عبر منافذ عديدة غير االستعمار منها :

Page 41: ikwan

41أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

1-مدارس اإلرساليات األجنبية ، التي سارت وفق نظم التعليم الغربية وعملت علي نشر الثقافة الغربية ، وبناء جيل من األمة له والءوتبعية لهذه الثقافة .

2-المصريون الذين تلقوا تعليمهم بالخارج ، وتأثروا بالثقافة األجنبية ودعوتهم إلي تبنيها باعتبارها المنهج السليم للرقي والنجاح ،وأبرزهم سالمة موسي ، وعلي عبد الرازق ، وطه حسين .

أما سالمة موسي : فقد أصدر عام 1927م كتاب ( اليوم والغد ) ويحدد أهدافه في : حرية المرأة ، كما يفهمها األوروبي ، أن يكون األدب%99 أوروبيًا ، أن تكون ثقافتنا وتعليمنا أوروبيًا ال سلطان للدين عليه ، أن تكون الحكومة كما هي في أوروبا ، وأن يعاقب كل من يحاول

أن يجعلها دينية ، وأن يبطل شريعة اإلسالم في الزواج والطالق – بحيث يعاقب بالسجن كل من يتزوج أكثر من امرأة ويمنع الطالق إالبحكم محكمة .

وأما عبد الرازق : فقد خرج علي الناس بكتاب : اإلسالم وأصول الحكم – صدر عام 1925 – وأنكر فيه أن تكون الخالفة أو القضاء أووظائف الحكم والدولة جميعًا من الدين في شيء ، وقد روج هذا الكتاب للفكر العلماني وعبٌد له الطريق .

أما طه حسين في كتابه : " مستقبل الثقافة في مصر " صدر عام 1938م فقد كان يدعو إلي عدة أصول منها :أ – حمل مصر علي تبني الحضارة الغربية وطبعها بها .

ب- إقامة الوطنية وشئون الحكم علي أساس مدني ال ديني .ج- الجامعة المصرية ، حيث كانت فكرتها تدعيم هذا التيار وتقوم علي العلمانية – ضد الدين – ويذكر اإلمام حسن البنا أن البحث

العلمي والحياة الجامعية – بعد عام 1925م – قد اتخذت عند كثيرين صورة مضمونها أن الجامعة لن تكون علمانية إال إذا ثارت عليالدين ، وحاربت التقاليد المستمدة منه ، واندفعت مع التفكير المادي المنقول عن الغرب بحذافيره .

د – األحزاب السياسية المدنية وعلي رأسها حزب الوفد باعتباره أول وأقدم هذه األحزاب ، والذي انبثق عنه ( األحرار الدستوريونوالسعديون والكتلة الوفدية ) وغيرهم ، وحيث تبنت جميعًا النموذج الغربي العلماني في الفكر والتنظيم ومعايير االحتكام والشرعية .

ومن الممكن من خالل مطالعة أهم األعمال الفكرية ألبرز ممثلي هذا االتجاه في مصر خالل النصف األول من القرن العشرين أن نقول :إن فكر هذا التيار وجهود ممثليه قامت علي فكرتين أساسيتين تسودان جميع تياراته هما :

1-فكرة التبشير بالغرب والحضارة الغربية والوالء لها ، وضرورتها للتقدم البشري وما عداها فهو التخلف واالنحطاط .2-فكرة العلمانية والفصل بين الدين والحياة ، وتميز في داخل هذا الفكر تياران :

ـ تيار الفكر الليبرالي البرجوازي .ـ تيار الفكر الشيوعي واالشتراكي .

ونتناول هذه األفكار والتيارات في المطالب اآلتية :المطلب األول : فكرة التبشير بالغرب

ويقصد به التبشير بالغرب كحضارة وثقافة لها صفة العالمية وباعتبارها الطريق الوحيد للرقي واللحاق بركب التقدم ، ومعني هذاضرورة نبذ الشرق أو العرب واإلسالم والحضارة المرتبطة بهما ، واإلسراع باللحاق بالغرب ، أو األوروبيين والعقلية األوروبية والحضارة

األوروبية ، وهذا التصور مؤسس علي فقدان الثقة في الحضارة اإلسالمية ومقاومتها ، فسالمة موسي – علي سبيل المثال – وهو منهو من رواد هذا التيار يري أنه البد أن " نرتبط بأوروبا ، وأن يكون ارتباطنا بها قويًا ، نتزوج من أبنائها وبناتها وننظر للحياة بنظرها " .

أما االرتباط بالشرق فهو في رأيه سخافة يقول " هانحن نجد أنفسنا اآلن مترددين بين الشرق والغرب ، لنا حكومة منظمة علي األساليباألوروبية ، ولكن في وسط الحكومة أجسامًا شرقية ، مثل وزارة األوقاف ، والمحاكم الشرعية التي تؤخر تقدم البالد ، ولنا جامعة تبعث

بيننا ثقافة العلم المتمدن لكن جامعة األزهر تقف إلي جانبها تبعث بيننا ثقافة القرون المظلمة ، ولنا أفندية قد تفرنجوا ، لهم بيوتسليمة ، يقرأون كتبًا سليمة ، ولكن إلي جانبهم شيوخًا ال يزالون يلبسون الجبب والقفاطين ... ، وال يزالون يسمون األقباط واليهود " كفاراً "

كما كان يسميهم عمر بن الخطاب قبل 1300سنة ".أما طه حسين – وهو من أبرز رواد هذا التيار أيضًا – فيدعو – صراحة – إلي أن نسير سيرة األوروبيين ونسلك طريقهم ، ويتساءل : مصرمن الشرق أم من الغرب ؟ وهو بالطبع ال يريد – وهذا قوله – الشرق الجغرافي والغرب الجغرافي ، وإنما يريد الشرق الثقافي والغربالثقافي ، بمعني : هل العقل المصري شرقي التصور ، واإلدراك والفهم والحكم علي األشياء ، أم هو غربي التصور واإلدراك والحكم

علي األشياء .وبعد أن يعرض الكثير من الشواهد التاريخية والحجج العقلية يصل إلي " أن مصر كانت دائمًا جزءاً من أوروبا " في كل ما يتصل بالحياة

العقلية والثقافية علي اختالف فروعها وألوانها " .ويتضح من ذلك أن منطلقات هذا التيار قد قادته إلي نتائج غاية في األهمية والخطورة في آن معًا ، ففضالً عن فقدان الثقة

باإلسالم والحضارة اإلسالمية ، قد دعا رواد هذا التيار إلي ضرورة التمسك بمفهوم ( القومية المصرية الفرعونية ) المعادي صراحة لكل

Page 42: ikwan

42أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

انتماء إسالمي وشرقي ! تاريخي أو ديني أو أدبي ، وحين اعتبروا مصر جزءاً من أوروبا علي رأي طه حسين ورأوا أن األجانبيحتقرونها بحق ، ونحن نكرمهم بال حق علي رأي سالمة موسي ، فقد كان من المنطق أال تصبح أوروبا هي العدو الذي يستغل مصر ،

وأن يكون إحكام عالقات الود مع اإلنجليز هو عين الصواب .ويعد من رواد هذا التيار مع طه حسين وسالمة موسي كل من : أحمد لطفي السيد ، ومحمود عزمي ، ومنصور فهمي ، - قبل تطوره األخير-

وغيرهم .المطلب الثاني : فكرة العلمانية

ويفهم هذا التيار اإلسالم بصفة خاصة , والدين بصفة عامة كم يفهمه الغربيون , وكما أوضحه رواد المدرسة الوضعية وعلماء االجتماعوالسياسة الغربيون , فالدين ليس إال ظاهرة اجتماعية وأثرا للحياة الجماعية كالعادات والتقاليد , وعبر صراعات طويلة ومريرة في أوروبا

في العصور الوسطي بين الكنيسة والسلطة الزمنية , انتهي الغرب إلي تقرير أن الدين – ممثال في الكنيسة – عامل من عوامل التخلفووأد التقدم ، وكانت هذه الفكرة هي أساس فهم رواد هذا التيار ، وكانت محوراً أساسيًا من محاور االهتمام والنشاط الفكري لهم ، ونظراً

لألسباب االجتماعية والسياسية التي ظهرت فيها هذه الفكرة في أوروبا ، والتي كانت تجسد االستبداد الفردي المطلق ، والظلم االجتماعيالناجم علي االستغالل اإلقطاعي والطبقي ، فقد كان الحل هو فصل الدين عن الدولة ، وحصره في حدود العالقة الخاصة بين العبد

وربه .وفي مصر كان الترويج للعلمانية نتيجة طبيعية للتوجه التغريبي الذي حث رواده علي تقليد الغرب ، واالرتباط به علي النحو المشار إليه

، ومن ثم فقد أصر رواد هذا التيار علي فصل الدين عن الدولة ، ونادوا بتأسيس الدستور علي القانون الوضعي ، وأكدوا علي ضرورةالفصل بين الدين والعلم ، وإخضاع الحقيقة الدينية للبحث العلمي العقالني الحر ، وعلي نحو ما حاول طه حسين في كتابه " في

الشعر الجاهلي " وأكدوا أيضًا علي أن العقيدة شيء والشريعة أو القانون شيء آخر وال عالقة بينهما ، أو علي حد ما ذهب إليه طهحسين من أن الشريعة اإلسالمية متميزة ال ألنها مستمدة من األصول المنزلة ، ولكن – في رأيه – ألنها متصلة أشد االتصال بما كان

للرومان من سياسة وفقه " .وفي مجال النظريات العلمية الحديثة احتلت نظرية دارون " النشوء واالرتقاء " ما كان مهمة ضمن النشاط الفكري لرواد هذا التيار ، ويعتبر

تبنيهم تلك النظرية دليالً علي رفضهم لإلسالم وأصوله كمصدر للمعرفة وإطار مرجعي له حجية نهائية .ومما يلفت النظر أن مسيحيي الشام الذين هاجروا إلي مصر كانوا أبرز دعاة العلمانية في مصر ، منهم – علي سبيل المثال – فارس نمر (

1854-1951م ) ويعقوب صروف ( 1852-1927م ) صاحب " مجلة المقتطف " التي كان لها باع كبير في الترويج لألفكار العلمانية ،واهتمت اهتمامًا خاصًا بنظرية التطور لدارون ، و" فرح أنطوان " ( 1874- 1922م ) الذي أصدر في القاهرة "مجلة الجامعة العثمانية "

وكان يري أن الوحي يمكن أن يفهم علي أنه " القدرة الفلسفية لألنبياء علي تقديم الحقيقة في رموز دينية للجماهير ، ولكن النخبةالمتعلمة تستطيع أن تصل إليها بالعقل " و شبلي الشميل ( 1850- 1917م ) الذي كان يؤكد أنه " ال يصلح حال األمة إال كلما ضعف

فيها شوكة الديانة ، وال يقوى شأن الدين إال كلما انحط شأن األمة ، ولم يكن الشميل ليفهم من خالل نشاطاته الفكرية المختلفة إال فيمسألة هي فصل الدين عن الدولة ، وكان يكتب باستمرار في المقتطف والبصيرة وغيرها من الجرائد والمجالت .

ومن مصر كان من أبرز دعاة العلمانية : سالمة موسي ، ومحمد حسين هيكل ، وإسماعيل مظهر ، والشيخ علي عبد الرازق الذي أثار ضجةكبيرة بكتابه " اإلسالم وأصول الحكم " باإلضافة إلي طه حسين وأحمد لطفي السيد ومحمود عزمي ومن علي شاكلتهم من رواد التيار

التغريبي بوجه عام .وقد استخدم هؤالء الكتاب العلمانيون وسائل عديدة لنشر أفكارهم والتعبير عن اتجاههم ، وكانت وسائلهم في الواقع هي أهم مؤسساتالتنشئة الفكرية وأدوات تشكيل المناخ الثقافي العام في المجتمع ، مثل الجامعة المصرية ، والمنتديات الفكرية ، وعدد كبير من الصحف

والمجالت ، مثل الجريدة ، والسياسة ، ومجلة المصور ، باإلضافة إلي المقتطف ، والهالل ، واألهرام ، وغيرها .وتؤكد بعض الدراسات علي أن سلطات االحتالل اإلنجليز في مصر منذ عهد كرومر كانت تقف خلف هذا التيار المروج للعلمانية ، وتمده

بالمال ، ويؤكد هذا ما خلصت إليه دراسة أخري حول العلمانية ودورها في مصر ، من أنها – أي العلمانية – " كانت أداة من أدواتفرضت السيطرة االستعمارية ، وضمان التبعية بعد زوال االحتالل العسكري المباشر " ، ومن خالل بحثها بحثًاً سوسيولوجيا ضمن اإلطار

االجتماعي والسياسي الذي طرحت فيه وروج لها " لم تكن العلمانية دعوة فكر بقدر ما هي أيديولوجية قمع وقهر ال تتجلي حقيقتها إالبتدبر ظروف طرحها والجهات المساندة لها ، واألحداث المقترنة بها "

المطلب الثالث : التيار التحرري " التيار الليبرالي "

تعتبر الليبرالية بمثابة التعبير السياسي عن قيم المجتمع البرجوازي األوروبي الحديث , ومن أهم هذه القيم : الحرية , وتقوم عليأساس اإلقرار للفرد بحقوقه المختلفة , وحرية التدين والفكر والتعبير والعمل والتملك واالجتماع ... إلخ وترجع أصولها الفكرية

االجتماعية إلي التقاليد السياسية للغرب التي أرست قواعدها فلسفة العقد االجتماعي خالل القرن الثامن عشر , وأوجدتها الثورةالفرنسية في شعاراتها ,وإعالن حقوق اإلنسان 1798م, وارتبطت في ظهورها ارتباطًا وثيقًا بازدواجية الكنيسة والدولة وما نبع عنها من

ازدواجية المجتمع والسياسة في الفكر الغربي بصفة عامة .

Page 43: ikwan

43أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وقد أصبحت الليبرالية هي األيديولوجية الرسمية المعلنة للنظام السياسي في مصر علي مدي ثالثة عقود من الزمان (1923 -1952م )مما يجعل الحديث عن التيار الليبرالي ال ينصرف إلى مجموعة من األفكار التي انتشرت وروج لها عبر قنوات مختلفة فحسب ,بل إلي

مجموعة من الممارسات السياسية الواقعة التي شكلت جزءًا ال يتجزأ من التاريخ الحديث لمصر .ففي ظل تطبيق النموذج الليبرالي أتيحت فرصة كبيرة الزدهار الدعوة لألفكار التغريبية عامة والعلمانية بصفة خاصة , وقيم المجتمعالغربي وسلوكياته المرتبطة بمفهوم الليبرالية بصفة أخص , مثل الحرية الشخصية أو الفردية بمعناها الواسع الذي يشمل حرية اإللحاد

واإلباحية والتهتك وارتكاب المنكرات , والدعاية المكثفة لقضية ( تحرير المرأة ) وكان لمجالت األدب والفن حظ وافر من االزدهار ضمنهذا اإلطار , فشاع األدب القصصي علي النمط الغربي بما يحمل من ضمامين وقيم المجتمع الغربي نفسه , وفي أغلب األحيان كانت

الترجمة المباشرة للقصص الغربي هي أساس شيوع هذا األدب .وعلي صعيد آخر , وفي إطار األفكار والممارسات الليبرالية كانت القوانين والتشريعات والمحاكم ميدانًا أساسيًا لنشاط التغريبيين , فمحمودعزمي دعا إلي مدنية القوانين , وانتقد النص في دستور 1923م علي أن دين الدولة هو اإلسالم ,وعلي عبد الرازق رأى فصل الشريعةعن النظام السياسي , ووضع اإلسالم في دائرة الروح فقط , أما ما يخص الحياة االجتماعية والسياسية فيدخل – في تصوره – في دائرة

العلم الوضعي .وهكذا يمكن القول إنه في ظل المناخ الليبرالي والنشاط التغريبيين علي اختالف اهتماماتهم ، تزايدت الضغوط والجهود الرامية إلي إبعاد

الدين ( اإلسالم ) عن شئون الحياة ، " فالفصل بين الدين والدولة قدم علي أنه الديمقراطية والليبرالية ، وإطالق الحريات الفردية بالضابط أو رابط هو " التحرر والتقدم " والتشكيك في قيم وحقائق القرآن الكريم ومبادئ اإليمان بالغيب يتم تحت ستار الحيدة

والموضوعية والمنهج العلمي " ومحاولة القضاء علي رابطة العقيدة واألخوة اإلسالمية تأخذ شكل الدفاع عن الوحدة الوطنية وضمانالمساواة بين المؤمنين بهذا الدين والكافرين به .

المطلب الرابع : تيار التغريب الشيوعي

وجد هذا التيار ضمن تيارات الفكر التغريبي في مصر إبان ظهور اإلمام البنا ودعوته ، حيث بدأت تتكون في مصر حلقات ماركسية مناألجانب واليهود الروس ، وبعض المصريين بعد الثورة االشتراكية في روسيا عام 1917م ، وتكون الحزب االشتراكي المصري عام 1921 ،وحمل برنامجه معالم الماركسية وكانت تسيطر عليه العناصر اليهودية ، وبعد عدة انقسامات تحول إلي حزب شيوعي تبني خط ( العمل

المباشر ) ، مما أدي إلي تصادمه مع حكومة سعد زغلول عام 1924م ، فما كان منه إال أن وجه – سعد – ضربة لهذا الحزب بدأ بعدهاالفكر الشيوعي في االختفاء " .

وبعد الحرب العالمية الثانية تكونت عدة جماعات شيوعية مارست أنشطتها من خالل مجموعة من األندية والروابط الثقافية ، وكانتقيادة الحركة الشيوعية في مصر ساقطة تمامًا علي يد اليهود قبل عام 1948م .

وفي األربعينيات كون ( هنري كوريل ) الحركة المصرية للتحرر الوطني التي جعلت الفكر االشتراكي مطروحًا ومتاحًا في مصر عن طريقكتبها ونشراتها ، وكون ( هليل شوارتز ) تنظيم الشرارة ( إيسكرا ) الذي أسهم بدور كبير في تكوين اللجنة الوطنية للطلبة والعمال سنة 1946

، واتحدت التنظيمات عام 1947 باسم الحركة الديمقراطية للتحرير الوطني ، وفي عام 1951م قاد الشيوعيون المصريون الحركة بعدالتخلص من شوارتز وكوريل .

ويتبين من ذلك أنه قد برزت حركة شيوعية تبنت األصول الماركسية ، ويري طارق البشري أن تكوين المنظمات الشيوعية كان أثراً مبالغًافيه من آثار حركة التغريب .

المضاد لالتجاه اإلسالمي ، وقبل أن نختم هذا المبحث نلقي نظرة سريعة يراد منها تقييم االتجاه التغريبي ، وذلك من خالل المطلباألخير .

المطلب الخامس :نظرة تقويمية لالتجاه التغريبي بتياراته المختلفة

ورغم كل هذا النشاط المكثف لالتجاه التغريبي بتياراته المختلفة ، فقد كانت النتيجة في نهاية األمر هي اإلخفاق والفشل ، وظهور ذلكفي نكبة فلسطين عام 1948م ، فكان إعالن قيام الدولة الصهيونية يعني سقوط المشروع التغريبي وخاصة النظام الليبرالي الذي كان

مسيطراً وقتها .وفي عام 1952م وضعت حركة يوليو حداً لالنهيار والتمزق السياسي واالجتماعي واالقتصادي في ظل النظام الليبرالي والدستوري لتبدأمرحلة جديدة – لم تكن أقل تدهوراً وسوءاً – في ظل النظام االشتراكي الناصري ، إال أن نكبة 1967م كانت بمثابة اإلعالن عن سقوط

هذا التوجه الفكري أيضاً – النظام االشتراكي الناصري – قبل إعالن اغتصاب إسرائيل لمزيد من أراضي وديار المسلمين في مصرواألردن وفلسطين وسوريا .

وفي مجال بحث أسباب هذا اإلخفاق والفشل الذي جلبه دعاة التغريب علي البالد نجد عدة رؤى منها : يري البعض أن أسباب السقوطتكمن في فشل المثقفين في ترسيخ التقاليد الديمقراطية ، وفي بلورة القيم الفكرية والديمقراطية بطريقة أصلية وخالقه ، لقد تمتعملية نقل مبتسرة ومشوهه وانتقائية لبعض األفكار الديمقراطية الغربية ، ولكن بغير وعي دقيق بنشأتها التاريخية وتغيراتها عبر

الزمن .

Page 44: ikwan

44أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

في حين يري آخرون أن هذه األسباب لها وجاهتها إال أنها تظل قاصرة عن النفاذ إلي جوهر األسباب الحقيقية التي أدت إلي اإلخفاقوالفشل ، وذلك النطالقها من التسليم بكونية منجزات الغرب وقيمه وأفكاره الحديثة ، وإال فما معني رد الفشل إلي فقدان مجتمعنا لقيم

الحرية والعقالنية والتمثيل النيابي المعروف في الغرب بدالً من رده إلي عدم مالءمة تلك األفكار الوافدة ؟ وما معني إخفاق المثقفينفي ترسيخ التقاليد الديمقراطية الغربية .

لذلك يري هذا الفريق – وعلي رأسهم مالك بن نبي- أن األسباب الجوهرية التي تكمن خلف فشل دعاة التفرنج وتقليد الغرب في السعيلتحقيق النهضة يمكن إيجازها في أنها " انعدمت لديهم فكرة النهضة ذاتها "فالمسألة في نظرهم لم تكن مسألة تجديد العالم اإلسالمي –

ومصر في القلب منه – وإنما كان هدفهم تطبيق النظم واألطر الغربية الحديثة في حياة المجتمع ، ولم يعد األمر لديهم الغرامبالمستحدثات من األشياء واألفكار التي يقدمها الغرب صاحب الحضارة المتقدمة ، ومن ثم كانت حصيلة توجههم متمثلة في اإلسراف

في الولوع بكل ما هو غربي وفي " تكديس أشياء ومنتجات " حضارة الغرب ، وفي توثيق عري التبعية والذيلية لهذا الغرب " .وقد رأي أنصار هذا التوجه بأعينهم أن الغرب الذي طالما بشروا بقيمه ومبادئه عن الحرية والمساواة والعقالنية : لم يزدد إال تحكمًا

وقهراً للشعوب الواقعة تحت سيطرته ، ولم يأت إال بكل ما يناقض ادعاءاته المعلنة ، كما أنه في غمار الترويج للعلمانية والعقالنيةكانت حمالت التنصير علي أشهدها في أرجاء مختلفة من العالم اإلسالمي ، وفي مصر بصفة خاصة خالل العشرينيات والثالثينيات ،

وقد أسهمت مثل هذه العوامل في رسم اإلطار العام للجدل الفكري بين االتجاهين : اإلسالمي والتغريبي وتياراتهما ، كما أسهمت فيقيام بعض المتغربين بمراجعة مواقفهم الفكرية وتحولهم بدرجة أو بأخرى إلي مواقف جديدة تمثلت في محاولة التوفيق بين اإلسالم

وحضارته من ناحية ، والغرب وحضارته من ناحية أخري .

المبحث الرابع : أوضاع التربية والتعليم في مصر وأثارها علي اإلمام البنا واإلخوان

حدثت عدة تطورات في التعليم المصري وفي الفكر التربوي قبيل وبعد ظهور اإلمام حسن البنا ونشأة جماعة اإلخوان ، إال أن أوضاعالتعليم نفسه – برغم هذه التطورات – عانت من أنواع عديدة من القصور ، أثرت بشكل مباشر في ثقافة المجتمع ، وبالتالي في فكر

وحركة حسن البنا وجماعته ، ويمكن أن نجملها فيما يلي :أ – ظلت سياسة وزارة المعارف المصرية هي السياسة الجوهرية التي وضعها اإلنجليز ، وأقامها القسيس دنلوب ، وكانت األسس

الجوهرية التي وضعت للعملية التعليمية سواء ما يتعلق باألهداف أو اتجاه الخطط والمناهج تكفل دعم االستعمار وتعضد وجوده في مصرعن طريق القضاء علي القيم اإلنسانية في المتعلمين ، وتخرج أشباه بشر ال يكادون يصلحون لشيء يعتد به في الحياة ، لذلك فقد كانت

السياسة التعليمية توجه أكبر قسط من العناية إلي حشو الذهن بالمعلومات ، وإغفال ما عدا ذلك من مقومات التربية ، أو وضعه فيمرتبة أخيرة ، وإغفال التربية الخلقية والتراث الثقافي لألمة مما أدي إلي انحالل التالميذ وفساد عقولهم .

إال أنه في الفترة من 1922إلي 1952 تمت عدة إصالحات في التعليم من أهمها : مشروع التعليم اإللزامي عام 1925م ، ومشروعإصالح التعليم اإللزامي عام 1941 ، وإلغاء مصروفات التعليم االبتدائي عام 1944 ، وقانون توحيد التعليم في المرحلة األولي عام

1951، كما تم تحويل الجامعة األهلية إلي جامعة حكومية عام 1925 ، وإنشاء جامعة فاروق (اإلسكندرية ) عام 1942م وقانون إنشاءجامعة عين شمس عام 1950م .

ب – ونتيجة لنمو الوعي القومي ، وتحدياً لسياسة التعليم اإلنجليزية في مصر ظهر فكر تربوي تعليمي كان من أبرز قادته إسماعيلالقباني ، وطه حسين اللذين كان لفكرهما التربوي صدي عند جماعة اإلخوان المسلمين ، حيث نادوا ببعض أفكارهما ، وعارضوا بعضهما .

فمن أفكار القباني األساسية : العمل بأسرع ما يستطاع علي توفير التعليم المثمر لجميع أبناء وبنات الشعب المصري إلي المستوي الذييعتبر حداً أدني إلعداد الطفل للحياة في مجتمع راق ، أي تعميم تعليم أولي صالح ، ورفض التعليم بين تعليم الكافة وتعليم الخاصة فيمصر ، ألنه مناف للعدالة االجتماعية والتأكيد علي مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم ، بتوحيد تعليم المرحلة األولي وإلغاء المصروفات منه ،

وأن تغير النظرة إلي وظيفة المدرسة ، وخاصة مدرسة المرحلة األولي من كونها مجرد أداة لمحو األمية أو تلقين بعض مبادئ العلم ، إليأن تكون أداة لرفع مستوي حياة الشعب ثقافيًا واجتماعيًا وصحيًا واقتصاديًا ، وكان لهذه األفكار تأثيرها في مطالب اإلخوان المتعلقةبإصالح بعض جوانب التعليم في مصر ، وخاصة ما يتعلق بتوحيد التعليم في المرحلة األولي ، وتعميمها وتطوير الغاية من التعليم .

وكان لتقرير طه حسين أن سبيل التحضر في مصر هو األخذ بالحضارة الغربية – خيرها وشرها – تأثير في فكره التربوي حيث قرر عدةأمور منها :

الدعوة إلي تطوير األزهر ليصل إلي األمة المالءمة بين تفكيره وبين التفكير الحديث ، وأن تدرس الوطنية والقومية بمعناهما األوروبي فيالتعليم األولي والثانوي في األزهر .

الدعوة إلي ما أسماه إصالح اللغة العربية وتطوير لغة الكتابة واألدب في العربية .الدعوة إلي عدم تدريس الدين في المدارس ، ولم يفصح طه حسين عن هذه الدعوة ، ولكن د. محمد محمد حسين يؤكد أنه كان يخفي ذلك ،

ويتمناه ، ولكنه خاف أن يثير عليه الرأي العام ، كما حدث في كتاب الشعر الجاهلي .

Page 45: ikwan

45أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

لذلك فقد كان كالمه علي لسان غيره في موازنة بين من يريد تدريس الدين ، وبين من يقول يترك تدريسه لألسرة ، ثم ترك الخيار للدولةوتوجهها ، يقول : " وواضح جداً أن أمر الدين منذ العصر الماضي يختلف باختالف النظرة التي تنظرها إليه الدولة ، فإن رأت إقامة

التعليم علي الفكرة المدنية الخالصة تركت أمر الدين إلي األسرة ، ولم تقم في سبيل تعليمه المصاعب والعقبات ، وإن إقامته عليالفكرة المدنية الدينية قسمت للتعليم الديني مكانه من هذا البرنامج .

وقد تضمن كتاب طه حسين ( مستقبل الثقافة في مصر ) هذه األفكار وغيرها ، وقد عارضها اإلمام البنا وجماعته ، ونشروا مذكرة تتعلقبمستقبل الثقافة في مصر موجهة إلي د. طه حسين ، كما نشروا عدة مقاالت للرد علي هذه األفكار .

ج – ويمكن أن نوجز أهم سمات التعليم المصري في الفترة من 1922- 1952م في النقاط التالية :1 – ضعف النزعة القومية في التعليم المصري :

وكان ذلك واضحًا في أمرين :األول : دراسة التاريخ ، حيث ظل التاريخ األوروبي غالبًا علي المنهج ، وأهمل التاريخ العربي واإلسالمي إهماالً تامًا إلي آخر الفترة ،

ولم يخصص لتاريخ مصر الحديث إال نصف مقرر السنة الخامسة أدبي ، فكان طالب القسم العلمي يتخرجون في المدارس الثانوية دونأن يعرفوا عن وطنهم شيئًا .

ويذكر د. أبو الفتوح رضوان أن مناهج هذه الفترة " كانت تمثل تناقضًا خطيراً فقد كانت ترمي إلي تربية الوطنية بمقررات في التاريخ غيروطنية ، كما كانت ترمي إلي دعم القومية في التالميذ بمقررات في التاريخ غير قومية وكان الحال كذلك في مقرر الجغرافيا .

الثاني : ضعف االهتمام باللغة العربية ففي عام 1935م كانت حصص اللغات في المدارس الثانوية (19) حصة ، (9) منها اإلنجليزية ،و(4) للفرنسية ، و(6) للعربية ، وكانت اإلنجليزية أساسًا في المناهج التعليمية في المدارس االبتدائية مما أدي إلي ضعف التالميذ في

لغتهم الوطنية ضعفًا مخجالً .2 – عدم وجود سياسة قومية ثابتة للتعليم :

ويرجع غياب هذه السياسة حتى 1952م إلي استمرار السياسة التي وضعها االحتالل اإلنجليزي من قبل ، والمتمثلة في العمل علياإلقالل من نشر التعليم ، وجعل هدفه هو إعداد طبقة متعلمة تفي بمطالب الخدمة في الحكومة ، ومحاربة اللغة العربية والدين .. ، كما

يرجع إلي التغيير المستمر في وزراء المعارف ، فقد تولي وزارة المعارف من 1933م : 1952م ، (59) وزيراً ، إال أن التطورات التي حدثتفي التعليم لم تمس جوهر هذه السياسة ، وقد ترتب علي ذلك أنه لم تكن للتعليم المصري أهداف تخدم القضية الوطنية ، وتثبت في

الشباب روح االستقالل أي أن التعليم كان بعيداً عن البناء السليم لشخصية اإلنسان المصري .3 – ازدواج التعليم في المرحلة األولي :

فقد كان هناك المدرسة االبتدائية المفتوحة للتعليم الثانوي والعالي من جهة ، وكانت سائدة في الحضر ، ومن جهة أخري المدارساإللزامية واألولية التي تسمح بالترقي التعليمي ، وكانت سائدة في الريف ، وكان هذا الوضع انعكاسًا للفرق الطبقية بين غير القادرين

وبين األغنياء عمومًا .4 – عدم تكافؤ الفرص في التعليم :وقد برز هذا القصور من جهتين :

األولي : نتيجة ازدواجية التعليم .الثانية : مصروفات التعليم التي كانت من الكثرة بحيث أعجزت كثيرين من أن يلحقوا أوالدهم بالتعليم المفتوح .

5 – الثنائية :أ – بين التعليم الديني والتعليم في المدارس والجامعات المدنية :

فقد كانت هناك وسيلتان للتعليم :األولي : التعليم الديني في األزهر وفروعه االبتدائي والثانوي والكليات .

والثانية : التعليم المدني حيث التعليم ا؟إللزامي واالبتدائي والثانوي والخصوصي والجامعي ، وكان كل نوع يهيمن علي عقولالملتحقين به ، ويوجهها بصورة بعيدة عن توجيه النوع اآلخر ، مما شكل خطورة علي وحدة الثقافة في األمة .

ب – بين التعليم الوطني والتعليم األجنبي :واتسمت هذه الفترة بأن حركة نشر التعليم األجنبي كانت قائمة وقوية ، ففي عام 1945م كان إلرسالية راهبات الرسول الفرنسية

وحدها (23) مدرسة ، ويوضح الجدول التالي عدد مدارس بعض الدول األجنبية في مصر عام 1934/33م :

Page 46: ikwan

46أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

مالحظات عدد الطالبوالطالبات عدد المعلمين والمعلمات عدد المدارس الجنسية

871529 34789 8052 مدارس مصرية

6329 454 37 مدارس أمريكية

4454 294 39 مدارس إنجليزية

32485 1865 157 مدارس فرنسية

وتتمثل خطورة هذه المدارس في أن معظمها كانت تخدم أغراضًا دينية ثقافية مما أدي إلي عدد من األخطار منها :1 – إغفال اللغة العربية .

2 – حرمان الطالب من التاريخ القومي والعربي واإلسالمي ، والتركيز علي تاريخ أوروبا .3 – خلوها من تعليم الدين وأخالق أبناء البالد .

6 – عدم تعميم تعليم ابتدائي صالح :حيث استمر هذا القصور حتى عام 1952 ، وكان في مصر في هذه السنة 3 ماليين طفل في سن التعليم االبتدائي لم يدخل التعليم منها

إال مليون وكان فيها 15 مليون جاهل من سكان مصر .د – أثر سمات التعليم المصري ( السابقة ) علي فكر حسن البنا واإلخوان :

يمكن القول إن تلك السمات السابقة للتعليم المصري كانت عاجزة عن تكوين اإلنسان المصري ، وقد أثرت علي هذه السمات علياإلخوان كما يلي :

1 – جعل حسن البنا الهدف الرئيسي له تربويًا وهو : تكوين جيل مسلم ، يبدأ بتكوين الفرد المسلم ، الذي يكون األسرة المسلمة ، فالمجتمعالمسلم ، فالحكومة اإلسالمية ، فاألمة اإلسالمية ، فأستاذية العالم ، ولذلك ابتكر أساليب كثيرة وبرامج مطورة لتكوين الوحدة األساسية لهذا

الجيل ، وهي الشخصية المسلمة .2 – تقدم حسن البنا ومفكرو اإلخوان وقادتهم من بعده ، بمذكرات ومقاالت تربوية لمواجهة كل مظاهر القصور السابقة ، حيث غدت

تكون فكراً تربويًا خاصًا بهم .3 – وقد عمل حسن البنا – ومن بعده اإلخوان – علي تالقي مظاهر القصور السابقة – علميًا – بإنشاء مدارس كثيرة علي النهج

التربوي الصحيح ، منها : مدرسة غار حراء للبنين ، وأمهات المؤمنين للبنات ، ومدارس الجمعة لألشبال ، ومدارس الجيل الجديد ، وبعضالمدارس االبتدائية والثانوية ، ومدارس محو األمية ، ومشاريع محو األمية التي نفذوها .. وغير ذلك ، وكان يشرف علي هذه األعمال لجنة

التربية ولجنة محو األمية بالمركز العام لإلخوان المسلمين ، وفروع المعلمين التابع لقسم المهن .ويمكننا أن نصور الواقع الذي نبتت فيه بذرة اإلخوان المسلمين تصويراً مختصراً فنقول :

1 – كانت مصر وطنًا باهتًا اقتطع من أصله بعد أن قطع الحلفاء أوصال اإلمبراطورية العثمانية ، وبعد أن أطاح كمال أتاتورك بالخالفةاإلسالمية وأعلن العلمانية ، حينئذ طبق اإلنجليز معاهدة ( سايكس – بيكو ) السرية التي عقدت في موسكو عام 1915م ، وأصبحت مصرفي داخل نطاق اإلمبراطورية البريطانية وإن منحت في الظاهر مالبس االستقالل ، وجدت مصر نفسها منعزلة عن دول العالم اإلسالميفي الشرق األوسط ، وأحست بعجز المسلمين ، وفي عنقها قيد ثقيل من االستعمار ، وشجع المستعمرون النعرة الوطنية ، هادفين إلي أنيحل ( الوطن ) محل ( الدين ) ، وأن يكون الوالء ( للوطن ) ال ( الله ) ، وأن يقسم ( بالوطن ) ال ( بالله ) وأن يموتوا في سبيل الوطن ال (

في سبيل الله ) .2 – وكان شعب مصر شعبًا مؤمنًا بالله ، عقيدته اإلسالمية راسخة ، ولكنه شعب جاهل ، األغلبية الساحقة فيه ال تقرأ وال تكتب ،وهو شعب فقير مستغل مع ذكاء وفطنة ، أضفت عليه ظروفه البيئية والتاريخية حب السالم ، ليس االستسالم كما يظن الكثيرون ، فقديرضخ المسلم وغير المسلم لحاكم ظالم ، وقد يكف عن المجاهدة المادية إذا غلبه مستعمر فاتح ، ولكنك تجده أبداً ثائراً في ذات نفسه

علي الظلم واالستعمار ، تري ذلك في بسمته الساخرة وتسمعه في نكته الالذعة ، بل إنه ليندفع في ثورته حين تتاح له فرصة ، فإذا بهيحقق ما كان يظن أنه مستحيل عليه .

وكان الشعب في هذه الحقبة الزمنية مغلوبًا علي أمره تمامًا ، وما قام بثورة 1919م إال إلحساسه بالضياع ، وقد وجد فيه تحقيقًالذاته ، وتعبيراً عن وجوده ، وكأنه أراد أن يحس بإنسانيته بإظهار إرادته .

ثار هذا الشعب ولم يطلب بالخبز وهو جائع ، وال بإلغاء ملكية األرض الزراعية وهو ال يكاد يملك منها شيئاً ، ولم يطالب بإلغاء األلقابوالقضاء علي طبقة ( البكوات والبشوات ) والجمهور من البسي الجالليب والطواقي ، كانت ثورته تعبيراً عن صادق شعوره برفضهاالستعمار ، وكان مخلصًا في مطالبته باالستقالل ، وإن لم يفكر أو يتصور ماذا سيكون من شأنه بعد االستقالل ، بل لم يرسم لنفسه

صورة ولو باهتة لهذا الوطن في ظل االستقالل ، ومع هذا كله وفي وسط هذه الثورة العارمة ، كان اإلسالم حيًا في قلبه متحركًا في باطن

Page 47: ikwan

47أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

عقله ومستتر ضميره ، فاعتبر من مات في الثورة برصاص اإلنجليز أو السلطة الحاكمة شهيداً له جنات الخلد عند ربه ، واقترنت الثورة (بالمسجد ) وخرجت المظاهرات من األزهر ، وهو رمز اإلسالم ومعهده آنذاك .

3 – كان المستعمر قويًا ذكيًا لئيمًا ، ذا دهاء ومكر شديد ، درس أحوال البالد عن كثب ، ومكن لنفسه علي أيدي بعض الحكام ، وكون منهمطبقة المستوزرين ، ومهد لتضامن الحكم إليه عن طريقين :

أ – االستعمار الفكري : حيث عمل منذ بدء االحتالل علي تنحية الشريعة اإلسالمية من قانون القضاء ، وحصرها في األحوالالشخصية ، وحيث فصل بين العلم والدين ، بل فصل بين المدارس المدنية والمدارس الدينية ، فأوجد هوة سحيقة بين المثالية اإلسالمية

والمذهبية المادية التي فرضت بحكم القانون والتعليم .ب – االستعمار المادي : حيث وجه اقتصاد البالد إلي إنتاج المادة الخامة التي تنتجها األرض الزراعية ، حتى كنا نقرأ في كتب

المدرسة أن مصر بلد زراعي ال يملك مقومات الصناعة ، يضاف إلي ذلك أن االستعمار وجه الناشئة إلي محراب الحكومة ، فكانتالمدارس تخرج الموظفين ، وأصبحت القيم االجتماعية تقيس المرء بوظيفته الحكومية .

فإذا علمنا أن من يدرس العلوم الدينية تقتصر وظيفته علي إمامة مسجد أو مأذونية زواج وطالق ، أو عمل في المحكمة الشرعية ، أوتدريس اللغة العربية والقرآن في المدارس المدنية أو التدريس في المعاهد التي تخرج منها .

إذا علمنا هذا اتضح لنا كيف استطاعت السياسة االستعمارية أن تحارب شريعة اإلسالم كفلسفة حياة ، ونظام تعامل ، ودستور يرسملألفراد حدود المساواة والحرية ، وحقوق التكافل والتعليم والعمل .

4 – وكان نظام الحكم ظالمًا : حيث فرض الملك علي شعبه ، وحيث صيغ الدستور ليحد من سلطة الحكومة المصرية ومن سيادتها ويعاملبقانون يختلف عن القانون الذي يسري علي المواطنين ، ويطبقه قاض من غير المواطنين ، وكان الملك غريبًا عن رعيته ، ال يكاد

يتحدث لغتهم ، دع عنك مشاركته لعواطفهم ، وآالمهم وآمالهم ، وكان همه البقاء في الحكم ، واالستمتاع بجاه الملك ونعيمه ، وكان ينظرإلي هذا الوطن نظرته إلي ملك يمينه يتحكم في الشعب ومصيره بما يراه ويهواه .

5 – كانت الطبقة الحاكمة التي استصفاها الملك ورضي عنها المستعمر ، غالبيتها من ساللة ألبانية أو تركية ، ورثت عن آبائها وأجدادهاالقريبين مساحات واسعة من األرض الزراعية التي أممتها الدولة في عهد محمد علي الكبير ، ووزعها إسماعيل علي أقربائه وأصفيائه .وظلت هذه الطبقة التي لم تكن تعرف من القرآن إال رسمه ، ومن اإلسالم إال اسمه وبعض شعائره ، والتي تربت في مدارس األوروبيين ،

وأتقنت لغاتهم أكثر مما أتقنت لغة القرآن ، ظلت تتولي مقاليد الحكم حتى بعد قيام الثورة عام 1919م ، وبعد دستور 1923م ، وإنظهر علي المسرح رجال من صميم الشعب انضموا إلي حزب الوفد الذي كان يمثل غالبية المصريين ، وكانوا يحكمون لفترات قصيرة كلما

هبت رياح أزمة أتي بهم الملك ، ثم يعصف بهم إثر أزمة يفتعلها هو ، أو يفتعلها له المستعمر المحتل للبالد .وكانت الطبقة الحاكمة هي الطبقة الغنية ، وهي الطبقة المتعلمة ، وهي المالكة لمنابع الثروة ، وبالرغم من وجود األحزاب المتعددة ،

فإن الكثرة من الشعب كانت متعلقة بحزب واحد : هو حزب الوفد الذي تزعمه رجل من صميم الشعب هو سعد زغلول ، وخليفتهمصطفي النحاس .

ولم يناد الوفد قط باإلسالم نظامًا للحياة ، ولم يكن في برنامجه أن يعيد للناس قوانينهم اإلسالمية ، أو أن يشيع بينهم اإلسالم منهاجًاوفكرة ، وشريعة نزل بها وحي الله علي نبيه عليه الصالة والسالم تحدد المثل األعلى ، وترسم للناس قواعد معامالتهم السياسية

واالجتماعية واالقتصادية والقيمية ، ومع ذلك كان زعماء هذا الحزب يدركون تمامًا مدي تغلغل اإلسالم في النفوس ، فاستعملوا الدينوسيلة لتوطيد زعامتهم ، واكتساب قلوب العامة من شعبهم ، وكان غير المسلمين من القادة الوفديين يحفظون من آيات القرآن الكريم ما

يترنمون به في خطبهم ، وهم يعلمون كم يلقي ذلك من قبول الناس في نفوس السامعين ، وكيف تخشع له قلوبهم .هكذا كان حال مصر والمصريين : وطن ضربت عليه العزلة ، وشعب مؤمن جاهل مغلوب علي أمره ، ومستعمر داهية متمكن من الحاكمسافراً أو مقنعًا ، وملك غريب عن شعبه لغة وفكراً وعاطفة ، وطبقة حاكمة منعزلة عن الرعية ، وهي المالكة لمنابع الثروة بغير حقشرعي ، نظام قانوني مستقي من الغرب بعيد عن أعراف الناس ومعتقداتهم ، وإقصاء متعمد للدين اإلسالمي عن واقع الحياة ..

التعليم ال توجهه فكرة اإلسالم ، والثقافة ال ترتكز علي مفاهيم اإلسالم ، والتقاليد ال ترجع إلي قيم اإلسالم ، كما أن القوانين ال تحتكمإلي شريعة اإلسالم .

ولم يكن حال الوطن العربي اإلسالمي بأحسن حظًا من حال مصر ، في تحكم االستعمار في مقدراته ، وفي اصطناع طبقة يربيهااالستعمار في حضانته ، ويرضعها من ألبان ثقافته ، ويهيئها لحكم الشعب كما يريد المستعمر ، الفجوات االجتماعية بين ذوي الثراء

الفاحش ، والفقر المدقع ، والفلسفة العلمانية الدخيلة ، التي عزلت الدين عن الحياة ، وبنت فكرة ( الوطنية اإلقليمية ) أو فكرة ( القوميةالعنصرية ) بين شعوب المسلمين ، حتى تغيب فكرة ( األمة الواحدة ) التي أرادها الله ، للتحول إلي ( أمم شتى ) يجافي بعضها بعضاً ،بل يعادي بعضها بعضاً ، بل ربما قاتل بعضها بعضاً ، بعد أن كانت تضمهم ( دار الوحدة ) هي دار اإلسالم ، وتجمعهم ( دولة واحدة )

هي دولة الخالفة .في هذا الجو الغائم القاتم ولدت دعوة اإلخوان المسلمين ، أحوج ما تكون مصر – والوطن العربي واإلسالمي الكبير – إليها لتكون دعوة

البعث واإلنقاذ كما عبر عنها اإلمام حسن البنا مؤسس الحركة ، بدأت هذه الدعوة منطلقة من فكر مؤسسها وشعوره الداخلي الغامر بأن

Page 48: ikwan

48أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

عليه فرضاً ألمته يجب أن يؤديه ، وأن لديه طاقة يجب أال يدخرها في إحياء األمة ، وتجديد دينها .وخالصة القول أن ظهور حسن البنا وتأسيس جماعة اإلخوان المسلمين كان في وقت أحوج ما يكون المسلمون إليه " لقد كان من دالئلالتوفيق في ظهور حركة اإلخوان المسلمين : أنه جاءت دعوة في أوانها ، ليس فقط لمقاومة التدهور األخالقي في األمة ، أو لمدافعة فكر

التغريب فيها ، أو لمحاربة الهجمات التبشيرية عليها ، ..الخ ، وإن كان ذلك من أهدافها ، وتشهد به أفعال رجالها ، لكنها جاءت أيضااستجابة ليقظة الروح اإلسالمية في قلوب الناس ، بعد طول فترة ركود ، وجاءت بفهم شامل صحيح لإلسالم الذي نزل علي رسولناالكريم صلي الله عليه وسلم ، فهم قديم قدم الدعوة اإلسالمية لكنه جديد علي العقول والقلوب التي طغت عليها المادة ، وبهرتها

مدنية جوفاء فانحرفت عن جادة العقيدة اإلسالمية ... وجاءت لترفع راية الجهاد وترفع معها العزة والكرامة – ضد مستعمر غاصب ، أذلالعباد وأخذ خيرات البالد ، جاءت لتقيم العدل وترفع الظلم ، وتحكم بالقسط ، فيسعد الناس ويعم الرخاء علي المجتمع ، جاءت بقدر اللهوقدرته ، وال زالت تعمل من أجل تحقيق أهدافها رغم كل الصعوبات التي قابلتها ، ورغم كل الضربات التي لحقتها ، تضحي من أجل

ذلك بكل غال ونفيس ، وتبذل نفوس الشهداء وأموالهم لله العلي القدير ، دون مقابل تطلبه إال الجنة .

الباب الثانى : حسن البنا

الفصل األول : المولد والنشأة واألسرة والتكوين العلمي والثقافي

المبحث األول : المولد والنشأة

اإلمام البنا فى شبابه

أوالً : المولد واألسرة :

المولد :

ولد اإلمام الشهيد حسن أحمد عبد الرحمن البنا في ضحي يوم األحد 25 شعبان1324هـ الموافق أكتوبر 1906م ، بالمحمودية في محافظة البحيرة بمصر ، وكان

االبن األكبر ألبوين مصريين من قرية شمشيرة بندر فوه التابع لمديرية الغربيةسابقاً ومحافظة كفر الشيخ حاليًا .

أبواه وأخوته :

هو االبن األكبر للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي ، وذلك نظرًا لعملهفي إصالح ، وكان الشيخ أحمد عالمًا بالسنة ، فقد رتب معظم أسانيد األئمة

األربعة علي أبواب الفقه ، وله مؤلفات في السنة منها " بدائع المنن في جمعوترتيب مسند الشافعي والسنن " كما شرح مسند اإلمام أحمد بن حنبل وسمى

الشرح " بلوغ األماني من أسرار الفتح الباني " ، وقد كان الشيخ يعتبر نفسه منتالمذة اإلمام محمد عبده .

ووالدة اإلمام الشهيد هي السيدة الفضلى : أم سعد إبراهيم صقر , والدها تاجر مواشبقرية شمشيرة , وهي أيضًا من نفس قرية والد اإلمام الشهيد وهي تواجه

المحمودية علي الضفة الثانية للنيل.

وكانت ذكية ومدبرة وواعية , كما كانت علي جانب كبير من العناد , فإذا انتهت إليقرار فمن الصعب أن تتنازل عنه , وهي صفة ورثها – اإلمام الشهيد – ابنها

األكبر كما ورث منها مالمح الوجه , ولكن العناد تحول إلي صورة سوية أصبح معه " قوة إرادة " ولم يشاركه في هذه الوراثة من إخوتهسوي شقيقه عبد الباسط رحمه الله .

إخوته : عبد الرحمن الذي أسس جمعية الحضارة اإلسالمية في القاهرة التي اندمجت في اإلخوان عند انتقال اإلمام البنا إلي القاهرةوأصبح من األعضاء البارزين في اإلخوان .

وفاطمة ( حرم األستاذ عبد الحكيم عابدين ) , ومحمد توفي في مارس 1990م شعبان 1410هـ , وعبد الباسط ( وكان ضابطًا بالبوليسورافق اإلمام الشهيد حتى قبيل أيام من اغتياله ، واستقال من خدمة البوليس وعمل بالسعودية وتوفى بها ودفن بالبقيع بناء علي

وصيته رحمه الله ) , وزينب التي توفيت وهي لم تتجاوز السنة من عمرها , واألستاذ أحمد جمال الدين ( الكاتب المعروف والمصنفوالمشهور باسم جمال البنا ) , وفوزية ( حرم األستاذ عبد الكريم منصور المحامي الذي كان مع اإلمام الشهيد ليلة االستشهاد وأصابه

رشاش من رصاصات القتلة وتوفى سنة 1989 رحمه الله ).وقد ولد كل هؤالء األوالد والبنات في بيت واحد وفي غرفة واحدة كان يطلق عليها " غرفة الدكة " أو " مسقط الرؤوس العظيمة ".

Page 49: ikwan

49أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

ثانيًا : عالقة اإلمام البنا العائلية :

أ – األسرة التي نشأ فيها وترعرع :

الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا

كان اإلمام الشهيد حسن البنا هو االبن األكبر للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا ثم تالهعبد الرحمن ثم فاطمة ثم محمد فعبد الباسط فزينب التي توفيت بعد عام تقريبًا

من ميالدها , فجمال ثم األخت الصغرى فوزية , وقد أحاط األب وكذلك األمابنها حسن برعاية كاملة حتى أن األم " تتمسك بأن يتم حسن تعليمه علي أعلي

مستوى , وعندما ضاقت موارد األسرة باعت ( كردانها ) الذهبي , وفي مرحلةالحقة والستكمال التعليم أيضًا باعت سواريها وكانت مضفرة ثقيلة من الذهب

البندقي- كما يقولون – أي أنها من الذهب الخالص عيار 24 " وعندما تجاوز االبنمرحلة الطفولة قام بمعاونة أبيه في إصالح الساعات وقضاء بعض األعمال

نيابة عن الوالد , وكان والد اإلمام الشهيد يكلفه بقضاء العديد من المصالح وتسويةبعض المشكالت بالبلد ( المحمودية ) بعد أن مضي علي انتقاله إلي القاهرة

قرابة عامين , وظل والده يتعلق بهذه األعمال حتى عام 1933م " وبعد تعييناإلمام باإلسماعيلية ظل يعاون أباه ولكن بطريقة أخري , فقد كان يمد أباه بربع

أو ثلث مرتبه فضالً عن استضافته لبعض إخوته , وذلك عندما ضاقت أحوال والدهالمادية يقول جمال البنا : " عندما بدأت الضائقة االقتصادية تطبق عليه ( والداإلمام البنا ) أعانه ابنه األكبر – اإلمام الشهيد – بمبلغ أربعة أو خمسة جنيهات

فضالً عن أنه استقدم إليه بعض أشقائه لمدد طويلة " .

ولم تقتصر مساعدة اإلمام الشهيد لوالديه علي المساعدة المالية بل ساعد أيضًا فر تربية إخوته من الناحية الخلقية ومن الناحيةالعلمية .

ولم يكتف باالهتمام بمن يعيش معه من إخوته بل كان يقدم النصيحة لألب للعناية ببقية األخوة فهو يقول في أحد خطاباته لوالده :" أما جمال فهو مسرور كل السرور وقد أدخلته مدرسة أولية فهو يتعلم بها ويحبه أساتذتها ويكرمونه جداً ، أما فاطمة فأنا أوصيها كلما

سنحت الفرصة الوصايا التهذيبية وسأشرع معها في القراءة والكتابة بحول الله وقوته .وعبد الباسط كذلك أهتم بتهذيبه جداً ، وبالجملة فآمل بعون الله أن أوفق إلي أرشادهم خير اإلرشاد إلي ما ينفعهم في المعاش والعبادةولهم درسان في األسبوع بعد العشاء يحفظون فيها الحديث ، وكم يكون سروركم عظيمًا إذ سمعتم جمال الدين وهو يقرأ األحاديث التي

حفظها بتجويد وإتقان مثالً " يامعاذ أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك ولتبك علي خطيئتك " وحديث " صل من قطعك وأحسن إلي منأساء إليك وقل الحق ولو علي نفسك " الخ ، وكذلك الجميع ، ولنا جدول منظم يشمل الرياضة والمذاكرة والسمر والطعام ، فاطمئنوا من هذه

الوجهة كل االطمئنان .وزارنا بعض اإلخوان المدرسين والموظفين فكان لتلك الزيارات أثر في نفس عبد الباسط جعله يتعلم كيف يتأدب ويقابل الناس وهكذا ، وقدفصلت لكل منهما جلبيتين من الياباني وضمنت عليها النظافة وعدم السير بالحفاء ودوام الصالة والنظام والغسل ونحو ذلك فأصبح يسران

الناظرين ، وأسأل الله التوفيق واإلعانة ، والذي أرجوه أن تأدبوا محمداً وفوزية كما أؤدب أنا عبد الباسط وجمال " .وقد أرشد البنا والده لطريقة تحبب النظام إلي األوالد وتجعل النظام هو سمت كل أعمالهم فيقول في خطاب لوالده " سيدي الوالد ...

اآلن عرفت أن األوالد إذا شعروا بالنظام في المنزل نظموا كل أعمالهم ، ولذلك أرجو أن تنظموا المنزل نظامًا حسنًا ، فمثالً تجعلونالصالة لسفرة األكل وحجرة للجلوس والمذاكرة وحجرة لنومكم وحجرة لنوم محمد وعبد الرحمن وتضبطوا مواعيد الطعام والنوم بقدر اإلمكان

. "وال يفعل البنا ذلك علي سبيل التفضل علي والديه بل يري أن ذلك حقهم ، ويري أن من حقهم متابعة كل تصرفاته المادية حتى أنه

في خطاب من خطاباته يشرح له مصروفاته خالل ثالثة أشهر ما تم صرفه وما تم استدانته من األصدقاء ، ويتوقع منهم أال يتقبلوابعض التصرفات فيقدم لهم عذره عن هذه التصرفات ومبرراته لفعلها ويطلب من والده بعد شرح ظروفه أن يسكن غضب والدته عليه

ويرضيها عنه بحكمته " .وقد كان البنا مثاالً لما يجب أن يكون االبن لوالديه ، فقد كان أسعد أيامه كما يقول يوم يرضي عنه والده فهو يقول في أحد خطاباته :

" فقد ورد خطابكم الكريم وإن اليوم الذي استطيع فيه إرضاءكم هو أسعد أيامي حقاً ، وعقيدتي أنني ما خلقت إال ألرضيكم ، وليس ليمن الحق في كل ما يقدره الله لي بعض ما لكم ، ذلك ما اعتقده وأقوله بإخالص ويقين .

والذي أريده فقط أن تغتبطوا بذلك وتعلموه وأن تخفف سيدتي الوالدة من ألمها لعدم التوفير فإن هذه ضرورة البد منها ستنفرج عما قليل ،والله إنني ألقضي ساعات طواالً في ألم لتألم والدتي ، وفي تفكير كيف أرضيها وكيف أسعدها وكيف أجعلها هانئة مغتبطة . فهل يوفقني

الله إلي هذه األمنية " .

Page 50: ikwan

50أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

ب – األسرة التي أسسها :

زواج اإلمام البنا :

كان ممن استجاب للدعوة من أهل اإلسماعيلية أسرة كريمة من أسرها تدعي أسرة الصولي ، وهم تجار من متوسطي الحال ، وكانت هذهاألسرة من األسر المتدينة بطبيعتها ومن يربون أوالدهم علي الدين ، وكانت والدة ا؟ألستاذ تزور هذه األسرة ، فسمعت في إحدى ليالي

زيارتها صوتًا جميالً يتلو القرآن فسألت عن مصدر ذلك الصوت فقيل لها إنها فالنة تصلي ، فلما رجعت األم إلي منزلها أخبرت نجلها بماكان في زيارتها وأومأت إلي أن مثل هذه الفتاة الصالحة جديرة أن تكون زوجة له ، وكان ما أشارت به ، فقد تزوجها فكانت أم أبنائه

وهي التي رافقته في السراء والضراء وكانت خير عون في دعوته حتى لقي ربه شهيداً مظلومًا .ومما تذكره االبنة ثناء في حق والدتها : والدتي رحمها الله كانت تقدم دائمًا مصلحة الدعوة علي مصلحة نفسها وبيتها ، وقد كانت

تقوم علي رعايتنا حق الرعاية وتهيئ جو البيت الستقبال الوالد المرهق من كثرة األعباء واألعمال ، فيجد راحته في بيته لمدةسويعات قليلة ينطلق بعدها ثانياً إلي الدعوة ، ويذكر لوالدتي رحمها الله أنه عندما قام والدي بتأسيس المركز العام لإلخوان المسلمين

طلبت منه يأخذ كثيراً من أثاث البيت عن طيب نفس منها ليعمر بها المركز العام ، فنقل السجاجيد والستائر والمكتبات وكثيرًا من األدواتوكانت سعيدة بذلك غاية السعادة , لقد كانت رحمها الله تعتبر أي فرد من أفراد الجماعة هو أحد أبنائها ، وأذكر أنه عندما كانت تأتي

أخت من األخوات لتشكو زوجها كانت أمي تناقشها وكأنها أمها ، وفي نفس الوقت حماتها ، وتبادرها بالسؤال ماذا فعلت في أبني فالنحتى تصرف معك هذا التصرف ؟ ! ولقد كانت تشارك اإلخوان أفراحهم وأحزانهم ، فكانت فرحة أي بيت من بيوت اإلخوان هي فرحة

في بيتنا ، وكانت مصيبة أي بيت هي مصيبة بيتنا أيضًا .البنا وأوالده :

كان البنا رب أسرة مثاليًا فلم يقصر في رعاية أبنائه والعناية بهم واالهتمام بكل شئونهم ، فقد كان لكل أبن من أبنائه دوسيه خاصيكتب فيه اإلمام بخطه تاريخ ميالده ورقم قيده وتواريخ تطعيمه ، ويحتفظ فيه بجميع الشهادات الطبية التي تمت معالجته علي

أساسها ، وهل أكمل العالج وكم أستغرق المرض إلي آخر هذه التفاصيل ، وكذلك الشهادات الدراسية ويدون عليها البنا مالحظاته ، وتريأبنته الفاضلة ثناء " وكان عند عودته ليالً إذا وجدنا نائمين يطوف علينا ويطمئن علي غطائنا ويقبلنا ، بل يصل األمر أنه كان يوقظ

أحدنا ويصطحبه إلي الحمام " ، وكان البنا كريماً مع أوالده وكان يعطي كل واحد منهم مصروفاً يوميًا ثالثة قروش وكان يعطي أبنه سيفاإلسالم مصروفًا شهريًا إضافيًا قدره نصف جنيه لشراء الكتب وتكوين مكتبة خاصة به ، وكان اإلمام يتابع كل ما يقرأه أبناؤه رغم

مشاغله الدعوية .وكان أسلوب البنا في تربية أبنائه هو التوجيه غير المباشر فقد عرض البنه سيف اإلسالم بأن دخول السينما أمر ال يليق بالمسلم فلم

يدخلها سيف قط ، وكان يتابع تصرفاتهم فعندما اشتري سيف بعض الروايات األجنبية عن المغامرات لم ينهه عن قراءتها ولكنه أبدلهخيراً منها مثل قصة األميرة ذات الهمة وسيرة عنترة بن شداد وسيف ابن ذي يزن ، وبعض روايات البطولة اإلسالمية وسيرة عمر ابنعبد العزيز وكان في رمضان يجلس مع سيف اإلسالم وابنته الكبرى وفاء قبل اإلفطار لكي يسمعا له القرآن وكان ذلك بغرض تعليمهما

ولكن ذلك تم في بعض األحيان في غير رمضان .وتطبيقاً لسنة الرسول صلي الله عليه وسلم " إن الله يحب المؤمن المحترف " فقد دفع بابنه الوحيد سيف اإلسالم إلي مدير مطبعة

اإلخوان ليعلمه فن الطباعة .وتروي أبنته ثناء عن رعاية اإلمام له فتقول : " وفي شهور اإلجازة الصيفية والتي كان يقضيها مع اإلخوان في محافظات الصعيد

والوجه البحري كان ال ينسانا أو يتركنا بال رعاية ، بل كان يصطحبنا إلي بيت جدي وأخوالي باإلسماعيلية لنقضي إجازتنا هناكونستمتع ونمرح حيث المزارع الخضراء والحدائق الغناء ، وكان أخي سيف يمارس رياضة ركوب الخيل " .

إكرام البنا ألهل زوجته :

عندما تزوج اإلمام البنا حرص علي أن يتعرف علي كل أهل زوجته وأقاربها ، وكل من له صلة رحم بها ، وكان يزورهم جميعًا وكثيراً ماكان يفاجئ زوجته بأنه قد زار قريبها فالن اليوم .

وكان رحمه الله يعامل خادمته كأنها من أهل البيت حيث كان للخادمة مثل أوالده سرير مستقل ودرج مستقر في دوالب واحد ، لكلواحد من أبنائه درج فيه .

وكان يكلف أبنته الكبرى وفاء بتعليم الخادمة في المساء القراءة والكتابة وأن تعلمها الصالة وكثيراً ما كان يزور الخادمة في بيت زوجهاعند زواجها وبعد مدة من توقفها عن الخدمة في بيته " .

وتقول ابنته ثناء : أذكر أنني ذات مرة عاملت الشغالة معاملة غير الئقة فأفهمني أن ما فعلته معها خطأ ألنها أختي في اإلسالم ،وكان عقابه لي أن أمسك بقلم رصاص وضربني به علي يدي ، وكان هذا كافيًا جداً يشعرني بأنه غاضب علي وكان درسًا لي لم أنسه

طوال حياتي .

Page 51: ikwan

51أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

المبحث الثاني : التكوين العلمي والثقافي

أوالً : التكوين العلمي :

بدأ اإلمام الشهيد دراسته بالقرآن الكريم والثقافة اإلسالمية فقد تطابقت إرادة والديه علي هذه البداية .فقد أراد له أبوه رحمه الله أن ينشأ نشأة إسالمية حقيقية وأصر علي أن يحفظ القرآن ، واستكمل له الكثير من جوانب الثقافة

اإلسالمية في سن مبكرة ، ثم عهد به إلي الشيخ ( محمد زهران ) الذي كان أيضًا شيخه األول وكان الشيخ زهران كفيفًا .يقول عبد الرحمن البنا عن طفولة اإلمام الشهيد : " كنا نعود من المكتب فتتلقفنا يد الوالد الكريم ، فتعدنا وتصنعنا ، وتحفظنا دروس

السيرة النبوية المطهرة وأصول الفقه والنحو ، وكان له منهاج يدرسه لنا الوالد الكريم ، وكانت مكتبة الوالد تفيض بالكتب وتمتلئ بالمجلدات، وكنا ندور عليها بأعيننا الصغيرة ، فتلمع أسماؤها بالذهب ، فنقرأ : النيسابوري ، والقسطالني ، ونيل األوطار ، وكان يبيحها لنا ويشجعناعلي اقتحامها ، وكان أخي هو المجلي في الحلبة وفارس الميدان ، وكنت أحاول اللحاق به ، ولكنه كان غير عادي ، كان فرق السن بيننا

سنتين ، ولكنه لم يكن الفرق الحقيقي ، بل فرق إرادة إلهية أعدته ألمر عظيم ، فكان طالب علم ولكنه مستقر موهبة ومستودع منحةربانية ، وشتان بين المنزلتين ، وفرق بعيد بين المريد والمراد ! وكنا نسمع ما يدور في مجلس الوالد الكريم من مناقشات علمية ومساجالت ،

ونصغي للمناظرات بينه وبين من يحضر مجلسه من جلة العلماء ، أمثال الشيخ محمد زهران والشيخ حامد محيسن ، فنسمعهم وهميناقشون عشرات المسائل .

وكانت مراحل دراسة اإلمام الشهيد كما يلي :

1 – مدرسة الرشاد الدينية .2 – المدرسة اإلعدادية .

3 – مدرسة المعلمين األولية بدمنهور .4 – دار العلوم بالقاهرة .

مدرسة الرشاد :

وكانت مدرسة الرشاد هي أول مدرسة التحق بها اإلمام الشهيد حيث التحق بهذه المدرسة وسنه حوالي ثمانية أعوام واستمر لمدة أربعسنوات ، وكانت هي األساس والقاعدة الصلبة التي استند عليها في تجاوز مراحل تعليمه الالحقة بجدارة وتوفيق ونجابة ، وقد تحدثاإلمام الشهيد عن هذه المدرسة وهو يتكلم عن مؤسسها الشيخ محمد زهران فقال : " وأنشأ مع ذلك مدرسة الرشاد الدينية سنة 1915متقريبًا لتعليم النشء علي صورة كتاتيب اإلعانة األهلية المنتشرة في ذلك العهد في القرى والريف ، ولكنها في منهج المعاهد الرائعةالتي تعتبر دار علم ومعهد تربية علي السواء ، ممتازة في مادتها وطريقتها وتشتمل مواد الدراسة فيها – زيادة علي المواد المعروفة في

أمثالها حينذاك – علي األحاديث النبوية حفظًا وفهما ، فكان علي التالميذ أن يدرسوا كل أسبوع في نهاية حصص يوم الخميس حديثاًجديداً يشرح لهم حتى يفقهوه ، ويكررونه حتى يحفظوه ثم يستعرضون معه ما سبق أن يدرسوه ، فال ينتهي العام إال وقد حصلوا ثروة البأس بها من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وأذكر أن معظم ما أحفظ من األحاديث بنصه هو مما علق بالذهن منذ ذلك الحين ،كما كانت تشتمل كذلك علي اإلنشاء والقواعد والتطبيق ، وطرف من األدب في المطالعة أو اإلمالء ، ومحفوظات ممتازة من جيد النظم أو

النثر ، ولم يكن شيء من هذه المواد معروفًا في الكتاتيب المماثلة .وقال اإلمام الشهيد عن شيخه : " وكان للرجل أسلوب في التدريب والتربية مؤثر منتج ، رغم أنه لم يدرس علوم التربية ولم يتلق قواعد

علم النفس ، فكان يعتمد أكثر ما يعتمد علي المشاركة الوجدانية بينه وبين تالمذته ، وكان يحاسبهم علي تصرفاتهم حسابًا دقيقاً مشربًابإشعارهم الثقة بهم واالعتماد عليهم ، ويجازيهم علي اإلحسان أو اإلساءة جزاء أدبيًا يبعث في النفس نشوة الرضا والسرور مع

اإلحسان ، كما يذيقها قوارص األلم والحزن مع اإلساءة ، وكثيراً ما يكون في صورة نكتة الذعة أو دعوة صالحة أو بيت من الشعر – إذكان األستاذ يقرضه علي قلة – وال أزال أذكر بيتا من الشعر كان مكافأة علي إجابة في التطبيق أعجبته فأمرني أن أكتب تحت درجة

الموضوع :حسن أجاب وفي الجواب أجادا

فالله يمنحه رضا ورشادادرجته :

يا غارة الله جدي السير مسرعةفي أخذ هذا الفتي يا غارة الله

ولقد ذهبت مثالً وأطلقت علي هذا الزميل اسمًا فكنا كثيراً ما نناديه إذا أردنا أن نغيظه " يا غارة الله " ، وإنما كان األستاذ يوصي بكراسةبأن يكتب بنفسه ما يمليه عليه ألنه رحمه الله كان كفيفاً ولكن في بصيرته نور كثير عن المبصرين ولعلي أدركت منذ تلك اللحظة – وإنلم أشعر بهذا اإلدراك – أثر التجاوب الروحي والمشاركة العاطفية بين التلميذ واألستاذ ، فلقد كنا نحب أستاذنا حبًا جمًا رغم ما كان يكلفنا

به من مرهقات األعمال "

Page 52: ikwan

52أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وكذلك استفاد اإلمام البنا من شيخه حب االطالع والقراءة ومجالسة العلماء واالنتفاع بعلمهم فيقول اإلمام البنا :" ولعلي أفدت منه – رحمه الله – مع تلك العاطفة الروحية حب االطالع وكثرة القراءة ، إذ كثيراً ما كان يصطحبني إلي مكتبته وفيها

الكثير من المؤلفات النافعة ألراجع له وأقرأ عليه ما يحتاج إليه من مسائل ، وكثيراً ما يكون معه بعض جلسائه من أهل العلم فيتناولونالموضوع بالبحث والنظر والنقاش وأنا أسمع " .

المدرسة اإلعدادية :

" تغير الحال في مدرسة الرشاد المباركة لما تركها مؤسسها الشيخ محمد زهران ، وعهد بها إلي غيره من العرفاء الذين ليسوا مثل الشيخ فيصفاته وجالله ، وبالرغم من أن اإلمام الشهيد لم يتم حفظ القرآن ، ولم يحقق رغبة والده الشيخ أحمد عبد الرحمن فهو لم يتجاوز بعد

سورة اإلسراء ابتداء من البقرة ، وبالرغم من إلحاح الوالد علي إتمام حفظ القرآن إال أن اإلمام الشهيد صارحه فجأة وفي تصميم عجيبأنه لم يعد يطيق أن يستمر بهذه الكتاتيب ، وأنه البد أن يلتحق بالمدرسة اإلعدادية فوافق الوالد بعد عنت شديد بشرط أن يتم اإلمام

الشهيد حفظ القرآن من منزله " ." وما حاء أول أسبوع حتى كان الغالم ( حسن البنا ) طالبًا بالمدرسة اإلعدادية يقسم وقته بين الدرس نهاراً وتعلم حرفة الساعات التي

ألم بها بعد االنصراف من المدرسة إلي العشاء ، ويستذكر هذه الدروس بعد ذلك إلي النوم ويحفظ حصة من القرآن الكريم بعد صالةالصبح حتى يذهب إلي المدرسة " .

وقد شارك اإلمام الشهيد أثناء دراسته بالمدرسة اإلعدادية في جمعية منع المحرمات ، كما كان رئيسًا لمجلس إدارة جمعية األخالقاألدبية وكانت تحت إشراف أحد أساتذة المدرسة ، واستمر اإلمام البنا في هذه المدرسة لمدة سنتين حتى ألغيت المدارس اإلعدادية

واستبدلت بنظام المدارس االبتدائية .مدرسة المعلمين األولية :

يقول اإلمام الشهيد عن كيفية التحاقه بمدرسة المعلمين األولية بدمنهور : " وكان هذا الطالب ( حسن البنا ) قد وفي بعهده فاستمربحفظ القرآن الذي خرج به من مدرسة الرشاد وأضاف إليه ربعا آخر إلي سورة " يس " ، وقرر مجلس مديرية البحيرة إلغاء نظام المدارساإلعدادية وتعديلها إلي مدارس ابتدائية ، فلم بكن أمام الطالب إال أن يختار بين أن يتقدم إلي المعهد الديني باإلسكندرية ليكون أزهريًا

أو مدرسة المعلمين األولية بدمنهور ليختصر الطريق ويكون بعد ثالث سنوات معلمًا ، ورجحت كفة الرأي الثاني في النهاية وجاء موعدتقديم الطلبات وتقدم بطلبه فعالً ، ولكنه كان أما عقبتين : عقبة السن فهو ما يزال في منتصف الرابعة عشرة وأقل سن القبول فيالدخول والبد من أداء امتحان شفهي في القرآن الكريم ، ولقد كان ناظر المدرسة حينذاك ، وهو األستاذ " بشير الدسوقي موسي " كريماً

متلطفًا ، فتلطف بالطالب وتجاوز عن شرط السن وقبل منه التعهد بحفظ ربع القرآن الباقي ، وصرح له بأداء االمتحان التحريري والشفهيفأداهما بنجاح ، ومنذ ذلك الوقت أصبح طالبًا بمدرسة المعلمين األولية بدمنهور ، وكان لإلمام الشهيد في هذه الفترة نظام حياة ال يكاد

يتبدل إال في الطارئ الشديد فيقول : " كنت أمضي األسبوع المدرسي في دمنهور ، وأعود ظهر الخميس إلي المحمودية حيث أمضي ليلةالجمعة وليلة السبت ، ثم أعود صباح السبت إلي المدرسة فأدرك الدرس األول في موعده .

وكان لي في المحمودية مآرب كثيرة تقضي في هذه الفترة غير زيارة األهل وقضاء الوقت معهم ، فقد كانت الصداقة بيني وبين األخأحمد أفندي السكري قد توثقت أواصرها إلي درجة أن أحدنا ما كان يصبر أن يغيب عن اآلخر طوال هذه الفترة أسبوعًا كامالً دون لقاء ،يضاف إلي ذلك أن ليلة الجمعة في منزل الشيخ شلبي الرجٌَال بعد الحضرة ( حيث كنا نتدارس فيها كتب التصوف من اإلحياء والياقوت

والجواهر وغيرها ، ونسمع أحوال األولياء ، ونذكر الله إلي الصباح ) كانت من أقدس مناهج حياتنا ، وكنت قد تقدمت في صناعةالساعات وفي صناعة التجليد أيضاً ، أقضي فترة النهار في الدكان صانعًا وفترة الليل مع اإلخوان الحصافية ذاكراً .

ولهذه المآرب جميعًا لم أكن أستطيع أن أتخلف عن الحضور يوم الخميس إال لضرورة قاهرة ، وكنت أنزل من قطار الدلتا إلي الدكان مباشرة، فأزاول عملي في الساعات إلي قبيل المغرب حيث أذهب إلي المنزل ألفطر إذ كان من عادتنا صوم الخميس واالثنين ثم إلي المسجدالصغير بعد ذلك للدرس والحضرة ثم إلي منزل الشيخ شلبي الرجال أو منزل أحمد أفندي السكري للمدارسة والذكر ثم إلي المسجد لصالةالفجر ، وبعد ذلك استراحة يعقبها الذهاب إلي الدكان وصالة الجمعة والغداء والدكان إلي المغرب فالمسجد فالمنزل وفي الصباح إلي

المدرسة ، وهكذا دواليك في ترتيب ال أذكر أنه تخلف أسبوعًا إال لضرورة طارئة " .وكانت هذه المرحلة مرحلة تحول في حياة اإلمام البنا من الناحية العلمية والثقافية " فقد كانت أيام مدرسة المعلمين في سنواتها

الثالث أيام استغراق في التصوف والتعبد ، ولكنها مع ذلك لم تخل من إقبال علي الدروس وتحصيل العلم خارج حدود المناهج المدرسية، ومرد ذلك إلي أمرين ، أولهما : مكتبة الوالد وتشجيعه له بالقراءة وإهدائه إياه كتبا كان لها أبلغ األثر في نفسه ومن أمثلتها : ( األنوار

المحمدية للنبهاني ) و ( مختصر المواهب اللدنية للقسطالني ) و ( نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للشيخ الخضري ) ، وقد صارت له– بناء علي هذا التوجيه وما تولد منه من شغف بالمطالعة وإقبال عليها – مكتبة خاصة فيها مجالت قديمة وكتب متنوعة " .أما األمر الثاني : فهو تشجيع المدرسين المخلصين لإلمام الشهيد وصلته الروحية بهم أمثال األستاذ عبد العزيز عطية ناظر مدرسة

المعلمين حينذاك واألستاذ فرحات سليم ، واألستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو عالم واألستاذ الحاج علي سليمان واألستاذ الشيخ البسيوني .

Page 53: ikwan

53أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

ومن األمثلة أن األستاذ عبد العزيز عطية ذات مرة اختبر الطالب في مادة التربية العملية اختبار شهريًا وأعجبته إجابة اإلمام الشهيدفكتب علي ورقته : أحسنت جداً ولو كان هناك زيادة علي النهاية ألعطيتك .

وحجز الورقة بيده عند التوزيع ثم طلب اإلمام الشهيد وسلمه ورقته وزوده بكثير من عبارات النصح والتشجيع والحث علي القراءةوالدرس والمطالعة ، كما اختصه بتصحيح بعض " بروفات " كتابه " المعلم " في التربية الذي يطبع إذ ذاك بمطبعة المستقبل بدمنهور .وأدي اإلمام الشهيد امتحان كفاءة التعليم فكان األول في المدرسة والخامس في القطر ، وكانت هذه النتيجة مفاجأة لإلمام الشهيد وكاننجاحه في دخول دار العلوم مفاجأة ثانية ، وكانت مفاجأة ثالثة – كما يقول هو - : " أن مجلس مديرية البحيرة قرر تعييني فعالً مدرسًا

بمدرسة خربتا األولية ، ودعيت إلي تسليم عملي عقب اإلجازة الصيفية مباشرة ، فكان علي – بناء علي هذا – أن أختار بين الوظيفة أوالعودة إلي طلب العلم بدار العلوم ولكني في النهاية فضلت أن أستمر في سلك التعلم ، وأن أشد الرحال إلي القاهرة ، حيث دار العلوم .

دار العلوم :

القدر يدخل البنا دار العلوم :

نظراً لما كان عليه اإلمام الشهيد من علم غزير عرض عليه بعض زمالئه المذاكرةمعًا للتقدم إلي دار العلوم العليا ، ويقول اإلمام الشهيد في ذلك : " هذه الثروة

العلمية وجهت نظر بعض إخواننا الذين كانوا يعدون أنفسهم للتقدم إلي دار العلومالعليا في ذلك الوقت من مدرسي المدرسة األولية الملحقة بالمعلمين إلي أنيعرضوا علي أن نذاكر معًا ونتقدم معًا إلي دار العلوم العليا وكانت دار العلومحينئذ قسمين : القسم التجهيزي ، وهذا يتقدم إليه من شاء من طالب األزهر

ومدارس المعلمين ، والقسم العالي المؤقت ويتقدم إليه من شاء كذلك من هؤالءالطالب ، ويكونون غالبًا قد حصلوا علي الشهادة الثانوية األزهرية ، وكان القسم

العالي هذا لم يبق للتقدم إليه إال هذا العام ( عام 23-24 الدراسي ) ثم يلغيليحل محله القسم العالي الذي يستمد من التجهيزي وكثرة اإلقبال علي القسم

العالي المؤقت علي اعتبار أنها الفرصة الوحيدة لمن يريدون اللحاق به ." وأراد األستاذ الشيخ علي نوفل أن نذاكر معًا ، وكنت في السنة الثانية أي في

السنة التي سأؤدي فيها امتحان شهادة الكفاءة للتعليم األولي ، وكان هو مدرسًابالملحقة للمعلمين ، فاعتذرت عن المذاكرة معه ولكنه دخل علي من باب حقوقاألخوة ووجوب معاونة اإلخوان واالستماع لرأيهم ، فلم أر بداً من اإلصغاء إليه " ،وكان لإلمام البنا رأي في العلم تأثراً برأي اإلمام الغزالي في أن العلم الواجب هم

العلم المحتاج إليه في أداء الفرائض وكسب العيش ثم االنصراف بعد ذلك إليالعمل ، وظل يتساءل بينه وبين نفسه لماذا يريد دخول دار العلوم ، هل لالستزادة من العلم ، فالعلم موجود في الكتب وعند العلماء ، أما إذاكان للدنيا فهذا شر ما يعمل له إنسان وتغلبت عليه الفلسفة علي نفسه حتى استطاع أحد أساتذته أن يقنعه بخالف ذلك ، يقول اإلمامالشهيد : كادت هذه الفلسفة تغلب علي نفسي بل هي تغلبت فعالً ، فلم أذاكر مع األخ األستاذ نوفل تذممًا ، ولكن أستاذنا الشيخ فرحاتسليم – رحمه الله – وكان يحبني حبًا جمًا ويظهر عطفه علي في كل مناسبة ، وينزل من نفسي منزلة كريمة ، استطاع بلباقة ولطف أن

يدفعني إلي المذاكرة بجد ، وإلي التقدم إلي دار العلوم فعالً ، وكان من قوله : إنك اآلن علي أبواب شهادة الكفاءة والعلم ال يضر ،وتقدمك في امتحان دار العلوم تجربة لالمتحانات الكبيرة ، وهذه فرصة ال تعوض ، فتقدم لتحفظ لنفسك حقها ، وأنا واثق من نجاحك إن

شاء الله ، ثم أمامنا بعد ذلك مجال نفكر فيه كما تشاء ولك أن ترفض أو تدخل ، وهكذا استطاع بتأثيره القوى أن يدفعني دفعًا إلي التقدمبطلبي مع المتقدمين فتقدمت ، وكان االمتحان قبل امتحان شهادة الكفاءة بفترة قليلة .

دخول دار العلوم :

تقدم اإلمام البنا لدخول دار العلوم وأخطر بميعاد الكشف الطبي واالمتحان وكان ذلك في رمضان ، وكان أبوه قد أرسله إلي أحد أصدقائه من تجار الكتب الميسورين بالقاهرة ليعاونه ولكن هذا الرجل لم يعاونه في شيء ، ثم ذهب اإلمام الشهيد ألحد أصدقائه الذين سبقوه إلي دار العلوم بعام وهو األستاذ محمد شرف حجاج لسؤاله عن طريقة الكشف الطبي واالمتحان ، وقد نصحه بعمل نظارة طبية ، وأثناء زيارته لألزهر قابل بعض الطالب الراغبين في دخول دار العلوم ، يقول اإلمام عن ذلك : " كان عملي في اليوم الثاني منذ الصباح أن

قصدت إلي ذلك التاجر الكتبي ، بعد أن ذهبت إلي صديقي في المدرسة ، ليدلني علي صانع نظرات ليصنع لي نظارة طبية استعدادً للكشف ، ولكنه أعرض كعادته فلم أشأ أن أضيع الوقت ، وذهبت من فوري إلي األزهر ودخلته ألول مرة وراعني ما رأيت من سعة

وبساطة ، وحلق الطالب فيه يدرسون ويذاكرون ووقفت علي الحلق واحدة فواحدة ، ثم رأيت حلقة يتحدثون أهلها عن دخول دار العلوم ، وفهمت أنهم متقدمون المتحانها الذي سيكون بعد نحو عشرة أيام ، وللكشف الذي سيتم بعد ثالثة أيام تقريبًا فاندمجت فيهم ، وتحدثت

إليهم عن رغبتي وعن حاجتي إلي من يرشدني إلي طبيب ألصنع نظارة طبية ، فتطوع معي أحدهم وقام من فوره إلي عيادة دكتورة

Page 54: ikwan

54أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

يونانية – فيما أظن – ولكنها متمصرة ، وصفها بالحذق والمهارة ، وأنها صنعت له نظارة مناسبة مع اعتدال القيمة ، وعندما وصلنا إليهابدأت عملها وأخذت في نظير الكشف خمسين قرشاًَ ، ودلتنا علي محل النظارات الذي أخذ بدوره ثمنًا للنظارة مائة وخمسون قرشاً وأنجز

النظارة فوراً ، وبذلك لم يبق أمامي إال انتظار الكشف بعد يومين " .الكشف الطبي لدخول دار العلوم :

يقول اإلمام الشهيد : " ولست أبالغ حين أقول إن التوفيق حالفني في هذا الكشف محالفة عجيبة في الوقت الذي رأيت بعض من أعرفيخونهم الحظ " سبحان من قسم الحظوظ فال عتاب وال مالمة " لقد كان األطباء ثالثة ، وكنت آخر اسم في الكشف من نصيب أولهم

وهو أطيبهم وأيسرهم كشفًا ، وكان األخ علي نوفل من نصيب ثالثهم ، وهو أقساهم قلبًا وكشفا ، وبقدر ما كانت نسبة النجاح عند طبيبيعالية ، كانت نسبة الرسوب عند هذا اآلخر أعلي ، فنجحت مع شكي التام في النجاح ، ورسب هو مع تأكده التام من سالمة بصره وبدنه

ومع استعداده الكامل لهذا النجاح " .النجاح في امتحان القبول :

يقول اإلمام البنا عن ذلك : " ظهرت نتيجة الكشف وكانت في الحقيقة مفاجأة لي أن أكتب من الناجحين ، ولذلك واجهت مهمةاالمتحان في جد ال هزل معه ، فلم يكن إال الجد ولم يبق إال أسبوع واحد فال ينفع إال التبتل ، وقد كان ، فقد حملت أمتعتي وكتبي

ويممت شطر األزهر المعمور ، وهناك ، وفي القبلة القديمة بالضبط حططت رحالي ، وتعرفت إلي بعض الزمالء المتقدمين إلي دار العلوم ،ونوينا االعتكاف هذا األسبوع للعلم وللبركة معًا نتناوب الخروج إلحضار طعام اإلفطار والسحور ، ونتناوب الحراسة في النوم فال ننام إال

غراراً ، وقاتل الله علم العروض فلم أكن أفقه شيئاً من زحافة وعلله وضروبه وقوافيه وكان جديداً علي بكل معني الكلمة ، ولكني أخذتأستذكر والسالم ، وكنت أخشي النحو والصرف إذ كنت أتصور أنني ال أشق فيهما غبار الطالب المتقدمين من األزهريين الذين جاوزوا

الشهادة األهلية ودرسوا في السنوات العالية ، نعم إنني أحفظ األلفية ، وقرأت شرح ابن عقيل عليها ، وشاركني الوالد في بعض هذهالشئون ، ولكنها لم تكن الدراسة المنظمة التي تهدأ معها النفس ، ويسكن لها القلب ، وجاءت أيام االمتحان ومرت بسالم ، والزلت أذكر

بيت العروض الذي امتحنا فيه وأذكر أنه طلب إلينا أن نقطعه ونذكر ما فيه من علل وزحاف ومن أي بحر هو :لـو كنـت من شــيء ســوي بشــر

كـنت المــنور ليلــة البـــدروقد كانت عناية الله تلحظ اإلمام الشهيد فقد روي األستاذ محمود عبد الحليم أن اإلمام الشهيد حدثه عن قبوله في دار العلوم فقال :

" ولما حان موعد االمتحان لاللتحاق بدار العلوم نفسها وجد أن مطالب الحياة الضرورية لم تدع له وقتًا تؤهله مذاكرته فيه أن يدخلاالمتحان ، فشكا إلي الله الذي يعلم أنه لم يقصر لحظة واحدة .. يقول رحمه الله : " ونمت ليلة االمتحان فإذا بي أري فيما يري النائم

رجالً يواسيني ويقول لي : التفت إلي فالتفت إليه فإذا بيده كتاب المادة التي سأمتحن فيها في الصباح ، فيفتح الكتاب عند صفحة معينةويشير إلي أن أقرأ حتى إذا قرأت الصفحة فتح الكتاب عند صفحة أخري فأقرأها ، وهكذا حتى أنهي الكتاب فأغلقه وتركني ، فلما

أصبحت وجدتني حافظاً كل ما قرأت – وكانت هذه طبيعتي أن أحفظ ما أقرأه – ودخلت االمتحان فإذا األسئلة كلها هي نفس ما قرأتهفي الرؤيا .. وهكذا مرت ليالي االمتحان وأيامه علي هذا النحو وظهرت النتيجة وكنت األول والحمد لله " .

ويحكي اإلمام الشهيد هذا األمر في كتابه مذكرات الدعوة والداعية وبخاصة ليلة امتحان النحو والصرف فيقول : " وإن من فضل اللهتبارك وتعالي أنه يطمئن ويسكن نفوس عباده ، وإذا أراد أمراً هيأ له األسباب .

فال زلت أذكر ليلة امتحان النحو والصرف ( وليس الجبر كما جاء في بعض القول ) رأيت فيما يري النائم : أنني أركب زورقاً لطيفاً مع بعضالعلماء الفضالء األجالء يسير بنا الهويني في نسيم ورخاء علي صفحة النيل الجميلة ، فتقدم أحد هؤالء الفضالء ، وكان في زى علماءالصعيد ، وقال لي : أين شرح األلفية البن عقيل ؟ فقلت ها هو ذا ، فقال : تعال نراجع فيه بعض الموضوعات ، هات صفحة كذا

وصفحة كذا لصفحات بعينها ، وأخذت أراجع موضوعاتها حتى استيقظت منشرحًا مسروراً .وفي الصباح جاء الكثير من األسئلة حول هذه الموضوعات ، فكان ذلك تيسيراً من الله تبارك وتعالي ، والرؤيا الصالحة عجل بشري

المؤمن والحمد لله رب العالمين .يقول اإلمام رحمه الله : " وغدوت يوم افتتاح الدراسة إلي دار العلوم وكلي شوق إلي العلم ، وقد وجهني الله إلي الدرس توجيهاً حميداً، وال أنسي الحصة األولي ولم نكن قد تسلمنا الكتب واألدوات بعد ، وقد وقف أستاذنا الشاعر البدوي الشيخ محمد عبد المطلب – أغدق

الله عليه شآبيب الرحمة والرضوان – أمام السبورة علي المنصة بقامته المديدة يحيي الطلبة الجدد ، ويتمني لهم النجاح والتوفيق ، ثمكتب علي السبورة ، قال عبيد بن األبرص :

ولـنـا دار ورثـنا مــجــدها الـــأقـدم القـدمـوس عن عـم وخـال

مـنـزل مـنـه آبـاء ورثــونــــاالمجـــد فـي أولـي الليــالـي

Page 55: ikwan

55أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

ثم أمسك جبته األعلى ، علي عادته – رحمه الله – وقرأها في جرس يحمل معني الفخار واالعتزاز ، ثم طالبنا بإعرابهما ، فقلت فينفسي " بدأنا الجد من أول يوم " وأخذت أتساءل : ما هذا القدموس ؟ ولماذا قال " منه " وكان في وسعه أن يقول أسسه ؟ ومازلناننحت في إعراب البيتين حتى نقلنا الحوار إلي الكالم عن عبيد ابن األبرص والحياة العربية وما فيها من خشونة ولين وأيام العربوأوابدها وأدواتها في حربها وسلمها ، وأنواع الرماح والسيوف والسهام وإلي السهم الريش والذي ال ريش له واستشهد األستاذ بالبيت

المعروف :رمــتني بـسـهم ريشه الكحـل لم يضر

ظاهـر جلـدي وهو للقلــب جـارحوأخذ يرسم علي السبورة السهام بأنواعها ، وأنا مأخوذ بهذا النوع من االستطراد والتوسع في البحث ، أتابعه بشغف وشوق ، وزادني هذا

األسلوب للعلم حبًا ، ولدار العلوم وأساتذتها احترامًا وعجبًا " .وتفوق اإلمام الشهيد من السنة األولي لدراسته في دار العلوم وكان الثالث علي دفعته .

ولم يكتف اإلمام الشهيد بما كان يدرسه في دار العلوم ، ولكنه كان محبًا للعلم وتحصيله بشتى الطرق ، فقد كان يتردد علي المكتبات وكبارالمفكرين والعلماء في ذلك العصر .

ولم يكتف اإلمام الشهيد بكل ذلك بل جعل المكافأة الشهرية التي كانت تمنحها له دار العلوم لشراء الكتب النافعة ، وقد قرأ اإلمامالشهيد في شتى مجاالت المعرفة ، وتشكلت ثقافته من كل أصناف ميراث الحضارة اإلسالمية والتاريخ .

فقرأ للغزالي المتصوف والزمخشري وفخر الدين الرازي الفيلسوف وأبي الحسن األشعري ( مؤسس المدرسة الشعرية ) باإلضافة إليكتابات السلف واألئمة الصوفية ، كما قرأ لديكارت وإسحق نيوتن وميشال الفلكي اإلنجليزي وهربرت اسبنسر واستشهد بهم " .

وقد كان اإلمام الشهيد ال يكتفي بمجرد القراءة في المجاالت المختلفة فيعرف شيئاً عن شيء بل كانت ثقافته موسوعية ، فقد كانيعرف التطور التاريخي لكل علم وأصوله ال سيما في اللغة والشرع ، حتى أنه كتب في كثير من علوم اللغة والشرع .

ويروي األستاذ محمود عبد الحليم عن امتحانه في دبلوم العلوم فيقول نقالً عن اإلمام الشهيد : " وكان امتحان األدب العربي هواالمتحان الرئيس في الدار وكان االمتحان فيه تحريريًا وشفويًا ، فلما مثلت بين يدي لجنة االمتحان الشفوي في امتحان الدبلوم النهائي لدار

العلوم سألني رئيس اللجنة عما أحفظ من الشعر فقدمت إليه الكراريس فقال لي : ما هذه الكراريس ؟ قلت أن ما فيها هو ما أحفظه !فتعجب الرجل وقال : هل أنت علي استعداد أن اسمع منك أية قصيدة أختارها من هذه الكراريس ؟ فأجبته باإليجاب ، فطفق يطلب إلي

أن أقرأ فأقرأ حتى اطمئن إلي أنني أحفظ ما فيها جميعًا .ثم قال لي : أني أسألك السؤال األخير : ما أحسن بيت أعجبك في الشعر العربي ؟ قلت : أحسن بيت أعجبني هو قول طرفة بن عبد

في معلقته :إذا القـوم قـالـوا من فتـى خـلت أنـني

عُنـيت فـلـم أكســل ولم أتـبلـدقال : قم يا بني هذا السؤال يسأل للنابهين من الطلبة في كل عام هنا ، وفي األزهر فلم يجب أحد بمثل ما أجبت إال الشيخ محمد عبده

.. إنني أتنبأ لك يا بني بمستقبل عظيم " .ويقول اإلمام الشهيد في مذكراته : " وال أنسي االمتحان الشفهي وقد تقدمت فيه إلي اللجنة وكانت مؤلفة من األستاذ أبو الفتح الفقي

رحمه الله ، واألستاذ نجاتي ، بمجموعة من المحفوظات بلغت ثمانية عشر ألف بيت ومثلها من المنشور ومنها معلقة طرفة ، فلم أسألإال في بيت من المعلقة ، وأربعة أبيات من قصيدة شوقي في نابليون ومناقشة حول عمر الخيام ، وقضي األمر ولم آسف علي هذا

المجهود ، إذ كنت أبذله من أول يوم للعلم ال لالمتحان " .ثانيًا : التكوين الثقافي :

اإلمام مع أحد الصحفيين

مرت ثقافة اإلمام البنا بمرحلتين : المرحلة األولي وهي الثقافة الدينية الخالصةمع علوم اللغة وهي مرحلة ما قبل دار العلوم ، ثم تنوعت مصادر ثقافته فشملت

كل أنواع الثقافة سواء تاريخية أو اجتماعية أو غيرها من أنواع الثقافات .

وتمثلت ثقافته الدينية في القرآن وعلومه والسنة وعلومها ، باإلضافة إلي علوماللغة وآدابها وعلوم التصوف والتاريخ والسير والمغازي ، وكان في كل هذه العلومال يأخذها من جانب واحد ولكن كان يقرأ للمتخلفين في وجهات النظر ال سيما في

المسائل الخالفية وقد كتب البنا بخط يده قصاصة من الورق موضوعة في طياتكتاب " هذه هي األغالل " ومن بين ما كتبه بخط يده فيها " ويل للذين ينظرون إلياألشياء من جانب واحد ، ويل وويل لإلنسان منهم ، ولن تجد علي األرض أشد منهم

ظلمًا وال أسقم فهمًا " .

Page 56: ikwan

56أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

مرحلة الثقافة الدينية :

كانت بداية حبه لالطالع وكثرة المطالعة في الكتب الدينية عن طريق الشيخ زهران ، فقد كان يصطحبه معه إلي مكتبته التي فيها الكثيرمن المؤلفات لقراءة بعض المسائل ومراجعتها ، وكثيراً ما كان يحضر لقاءات الشيخ مع أهل العلم الذين يتناولون المسائل المختلفة

بالبحث والنظر والنقاش .كما كان لوالد البنا أثر كبير في ثقافته حيث كان يشجعه علي القراءة في مكتبته الخاصة ويهديه بعض الكتب مثل ( األنوار المحمدية

للنبهاني ) و ( مختصر المواهب اللدنية للقسطالني ) و ( نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للشيخ الخضري ) ، وغيرها من الكتب بل إنوالده ساعده علي تكوين مكتبة خاصة به وهو في المرحلة اإلعدادية ، ومن شغف البنا بالقراءة كان يترقب الشيخ حسن الكتبي يومالسوق بفارغ الصبر ليستأجر كتبًا باألسبوع لقاء مليمات ثم يردها ليأخذ غيرها وكان من أهم الكتب وأعظمها أثراً في نفسه قصة األميرة

ذات الهمة وقصص الشجاعة والبطولة واالستمساك بالدين والجهاد في سبيل إعالء كلمة الحق .وكان لرعاية أساتذته له في مدرسة المعلمين ومناقشته المستمرة ، وحسن توجيههم له األثر في دفعه إلي القراءة والتحصيل خارج

نطاق الدراسة ، فحفظ خارج مناهج الدراسة كثيراً من المتون في العلوم المختلفة ومن أمثلتها (ملحمة اإلعراب للحريري) و(ألفية ابن مالك) و( الياقوتة في المصطلح) و(الجوهرة في التوحيد) و(الرجبية في الميراث) وبعض متن (الغاية والتقريب ألبي شجاع في فقه

الشافعية) وبعض منطوق (ابن عامر في مذهب المالكية) ، وكانت لعبارة والده المأثورة " من حفظ المتون حاز الفنون " كذلك األثر الطيبفي حفظه هذه المتون حتى أنه حاول حفظ متن (الشاطبية في القراءات) مع جهله التام بمصطلحاتها.

وكان لعالقة البنا بالطريقة الحصافية أثر في ثقافته حيث درس كتب الصوفية علي يد بعض المشايخ وكذلك درس اإلحياء علي يدالشيخ حسن خزبك وكذلك سمع أحوال األولياء والياقوت وغيرها .

وكان لهذه الثقافات المتنوعة األثر في نفس البنا حتى أنه كتب بعض الشعر الوطني ، وقد جمع ديوانًا كبيراً من هذا الشعر الوطني ، كماألف بعض المؤلفات في الفقه علي المذاهب األربعة .

وكذلك كتب هو وصديقه األستاذ محمد علي بدير قصة تودد الجارية .كما حاول تقليد أستاذه وشيخه الشيخ زهران فأصدر مجلة شهرية سماها الشمس وكتب منها عددين ثم توقف وذلك تقليداً للشيخ في

إصداره مجلة اإلسعاد الشهرية وتشبهًا بمجلة المنار التي كان يكثر من مطالعتها .مرحلة تنوع الثقافة :

كانت المرحلة الثانية ( مرحلة دار العلوم ) هي مرحلة تنوع الثقافة فلم تكن الدراسة جامدة ، بل كان الطالب واألساتذة يتناولون كثيراً مناألمور العامة سياسية كانت أو اجتماعية ، وكانت المواد التي تدرس في دار العلوم تتضمن علوم اللغة واألدب والشريعة والجغرافيا

والتاريخ ومناهج التربية العلمية والعملية واالقتصاد السياسي ، وكان للبنا لقاءات متعددة مع أعالم الفكر والثقافة في عصره فكانت لهلقاءات كثيرة مع السيد محب الدين الخطيب ، واألستاذ الكبير محمد الخضر حسين ، واألستاذ محمد أحمد الغمراوي ، وأحمد باشا تيمور ،

وعبد العزيز باشا محمد ، كما كان يلتقي والشيخ رشيد رضا ، والشيخ عبد العزيز الخولي ، والشيخ محمد العدوى ، كان يلتقي بهم ويستفيدمن علمهم وثقافتهم .

كما كان البنا يغشي مجالس الشيخ يوسف الدجوي ويلتقي به ومن يجالسه من العلماء ويشارك في لقاءاتهم وكذلك كان كثير اللقاءباألستاذ محمد فريد وجدي حيث يغشي داره ويجلس لالستفادة من المناقشات التي كانت تتم بينه وبين العلماء من ضيوفه حيث

يتدارسون علومًا في شتي مناحي الحياة وكان البنا من محبي قراءة مجلة الحياة وكان من عشاق دائرة معارفه .وتجلت ثقافة البنا في رسائله وكتبه ، وكثيراً ما تعرض لمواقف شتى تخلص منها بلباقته وسعة ثقافته .

ففي بداية عهد اإلسماعيلية تعرض له أحد المشايخ بسؤال أحرجه عن اسم والد سيدنا إبراهيم فقال البنا : إن اسمه تارخ ثم فسر لهقول القائل بسؤال بأن آزر عمه وليس أباه .

ويدل ذلك علي إلمام البنا بما في حواشي الكتب فضالً عما تحتويه هذه الكتب من معلومات أساسية ، وهناك موقف للبنا يدل عليمعرفته بأساليب ولغة أهل المهن المختلفة فضالً عن إلمامه بالثقافات المختلفة فيروي ألبيه أحد خطاباته عن رحلة إلي بورسعيد قام

بها مع ناظر المدرسة وبعض الزمالء فيقول : " أما الرحلة فقد أنتجت نتاجًا حسنًا بالنسبة لصلتي مع الناظر ، وقد كانت مصادفات نتجعنها تقدير الرجل ، فمن ذلك أنه بعد الغداء قام خطيبان من مدرسة بورسعيد يحيياننا ، وكان الناظر تجاهي ولم يكن أحدنا محضراً شيئاً ،

فنظر إلي رأسه كالمستفهم فنظرت إليه مطمئن ، وقمت بعدها فارتجلت كلمة كان لها وقع جميل جداً في نفوس الجميع .ومن الطرائف أن أحد المحامين األهليين كان حاضراً ونسيت عند الخطبة فقمت وعلي صدري فوطة الطعام فقال ذلك المحامي : أنزل

الفوطة أوال ، فضحك القوم ، ولكنني رددت عليه تواً بقولي : علها مقصودة أن أقوم ومعي شاهد إثبات علي كرم الزمالء وأفضالهم فاليتوجه إلي دفع األستاذ ، فكانت هذه أطرف من األولي ، وكذلك طلب إلي أن أتكلم في الثورة الفرنساوية بمناسبة رواية سينمائية فشرحتها

بإيضاح وبسط أدهش اإلخوان المتخصصين في التاريخ ، وكان الناظر ذلك يتيه سروراً .

Page 57: ikwan

57أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

الفصل الثاني : أضواء علي اإلمام البنا

المبحث األول : حسن البنا داعية منذ الصغر

جمعية األخالق األدبية :

اإلمام البنا فى إحدى خطبه "حديث الثالثاء"

" الدعوة إلي الله في حقيقتها أنمر بالمعروف ونهي عن المنكر وتعاون علي أداءهذا الواجب ، وكان حسن البنا منذ صغره داعيًا إلي الله آمراً بالمعروف وناهيا عن

المنكر ، يتعاون علي فعل الخيرات مع أقرانه وإخوانه ، فعندما دخل المدرسةاإلعدادية شارك في جمعية األخالق األدبية وبرز فيها ، وأصبح رئيسا لمجلس

إدارة هذه الجمعية التي كانت الئحتها تدعو إلي مكارم األخالق وتغرم من يخطئفي حق إخوانه مبلغا من المال ينفق في أوجه الخير ، ويذكر البنا ذكرياته مع هذهالجمعية فيقول في كتاب مذكرات الدعوة والداعية : " وكانت الئحتها الداخلية

تتلخص في أن من شتم أخاه غرم مليما واحدا ، ومن شتم الوالد غرم مليمين ، ومنشتم األم غرم قرشا ، ومن سب الدين غرم قرشين ومن تشاجر مع آخر غرم مثل

ذلك ، وتضاعف هذه العقوبة ألعضاء مجلس اإلدارة ورئيسه ، ومن توقف عنالتنفيذ قاطعه زمالءه حتى ينفذ ، وما يتجمع من هذه الغرامات ينفق في وجوه من

البر والخير ، وعلي هؤالء األعضاء جميعًا أن يتواصوا فيما بينهم بالتمسك بالدين وأداء الصالة في أوقاتها ، والحرص علي طاعة اللهوالوالدين ومن هم أكبر سنا أو مقاما .

وكانت ثورة مدرسة الرشاد الدينية سببا في أن يتقدم هذا الناشئ إخوانه .وأن تتجه إليه أنظارهم حتى إذا أريد اختيار مجلس إدارة جمعية األخالق األدبية وقع اختيارهم عليه رئيسا لهذا المجلس ، وزاولت

الجمعية عملها وحاكمت الكثيرين علي مخالفات وقعت منهم ، وجمع من هذه الغرامات مبلغ من المال ال بأس به أنفق بعضه في تكريمالزميل الطالب لبيب اسكندر شقيق طبيب الصحة الذي نقل إلي بلد آخر فنقل أخوة معه وأنفق البعض اآلخر في تجهيز ميت غريب

غريق ألقي به النيل إلي جوار سور المدرسة فقامت الجمعية بتجهيزه من هذه األموال .ولم يكن نطاق دعوة البنا األمر بالمعروف ونهيه عن المنكر لتحده جدران المدرسة اإلعدادية ، يأمر الكبير والصغير وال يخشي في الله لومة

الئم ، فعندما مر علي شاطئ النيل والحظ أن أحد أصحاب السفن المنشأة قد علق علي ساريتها تمثاال خشبيا عاريا علي صورة تتنافيمع اآلداب ، وبخاصة أن هذا الجزء من الشاطئ يتردد عليه السيدات والفتيات يستقين منه الماء ، فماذا يفعل ؟ يقول اإلمام الشهيد : "

فهالني ما رأيت وذهبت فورا إلي ضابط النقطة – ولم تكن المحمودية قد صارت مركزا إداريا – وقصصت عليه القصص مستنكرا هذاالمنظر ، وقد أكبر الرجل هذه الغيرة وقام معي من فوره حيث هدد صاحب السفينة وأمره أن ينزل هذا التمثال في الحال وقد كان " .

وقد دافع عن حقه وحق زمالئه في الصالة بالمسجد المجاور للمدرسة حتى كان له ما أراد وذلك أن إمام المسجد خشي من اإلسراف فيالماء والبلي علي الحصر ، فانتظر التالميذ حتى انتهوا من صالتهم ثم فرقهم بالقوة وتوعدهم وأنذرهم من تكرار الصالة في المسجد ،

فماذا يفعل هذا الصبي الصغير حال هذا الموقف ؟ يقول اإلمام : " كتبت إليه خطابا ، بعثت به إليه في البريد مغرما واعتبرت أنغرامة قرش صاغ كافية هذا القصاص ، وقد عرف رحمه الله ممن جاءته الضربة ، وقابل الوالد شاكيا معاتبا ، فأوصاه بالتالميذ خيرا

وكانت له معنا بعد ذلك مواقف طيبة عاملنا فيه معاملة حسنة ، واشترط علينا أن نمأل صهريج المسجد بالماء قبل انصرافنا ، وأننعاونه في جمع التبرعات للحصر إذا ما أدركها البلل وقد أعطيناه ما شرط " .

جمعية منع المحرمات :

ولم يكتف البنا وأقرانه بالنشاط داخل المدرسة ، وإنما امتد نشاطه وأقرانه إلي خارج نطاق المدرسة ، فأنشأ وأصحابه جمعية منع المحرمات وكانت جمعية تأمر بالمعروف وتنهي الناس عن المنكر عن طريق إرسال خطابات إلي كل من يعرف عنه أنه ارتكب منكرا ،

ويقول عنها اإلمام البنا في مذكرات الدعوة والداعية : " وقرروا تأليف جمعية إسالمية باسم " جمعية منع المحرمات " وكان اشتراك العضو فيها يتراوح بين خمسة مليمات وعشر أسبوعيا ، وكانت أعمالها موزعة علي أعضائها ، فمنهم من كانت مهنته تحضير النصوص وصيغ الخطابات ، وآخر مهنته كتابة هذه الخطابات بالحبر " الزفر " وثالث مهنته طبعها ، والباقون توزيعها علي أصحابها ، وأصحابها هم الذين تصل إلي الجمعية أخبارهم بأنهم يرتكبون بعض اآلثام أو ال يحسنون أداء العبادات علي وجهها خصوصا الصالة ، فمن أفطر

في رمضان ورآه أحد األعضاء بلغ عنه فوصله خطاب فيه النهي الشديد عن هذا المنكر ، ومن قصر في صالته ولم يخشع فيها ولم يطمئن وصله خطاب كذلك ، ومن تحلي بالذهب وصله خطاب فيه حرمة التحلي بالذهب شرعا ، وأيما امرأة شاهدها أحد األعضاء تلطم

وجهها في مأتم أو تدعو بدعوي الجاهلية وصل زوجها أو وليها خطاب ، وهكذا ما كان أحد من الناس صغيرا أو كبيرا يعرف عنه شيء من المآثم إال وصله خطاب من الجمعية ينهاه أشد النهي عما يفعل ، وكان من اليسير علي األعضاء لصغر سنهم وعدم اتجاه األنظار إليهم

أو وقوع الشبهة عليهم أن يعرفوا كل شيء وال يتحرز الناس منهم ، وكان الناس يظنون أن هذا من عمل أستاذنا الشيخ زهران رحمه الله ويقابلونه ويلونه لوما شديدا ويطلبون إليه أن يتحدث إليهم فيما يريد بدال من هذه الكتابة ، والرجل يتنصل من ذلك ويدفع عن نفسه ،

Page 58: ikwan

58أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وهم ال يكادون يصدقون حتى وصله ذات يوم خطاب من الجمعية يلفت نظره إلي أنه صلي فريضة الظهر بين السواري وذلك مكروه وهوعالم البلد ، فيجب عليه أن يبتعد عن المكروهات ليبتعد غيره من العوام عن المحرمات ، وأذكر أن الشيخ رحمه الله أنه دعاني حينذاك– وقد كانت صلتي مستمرة به في الدروس العامة وإن كنت قد تركت مدرسته أو مكتبته – لنراجع معا هذا الحكم في كتاب فتح الباري

في شرح صحيح البخاري ، وال زالت أذكر الموضع كأنه اليوم وكنت أقرأ له وأنا ابتسم وهو يتساءل عن هؤالء الذين كتبوا له ووجد أنالحق معهم وأنهيت ذلك إلي أعضاء الجمعية فكان سرورهم عظيما .

واستمرت الجمعية تؤدي عملها أكثر من ستة أشهر وهي مثار عجب الناس ودهشتهم ، حتى اكتشف أمرهم علي يد صاحب قهوةاستدعي راقصة فوصله خطاب من الجمعية وكانت الخطابات ال ترسل بالبريد اقتصادا في النفقات ، وإنما يحملها أحد األعضاء

ويضعها في مكان يلفت نظر صاحبها إليه فيستلمها وال يري من جاء بها ، ولكن المعلم كان يقظان فشعر بحركة حامل الخطاب فقبضعليه بخطابه وعاتبه عتابا شديدا أمام من في القهوة ، وعرفت الجمعية عن هذا الجمعية عن هذا الطريق فرأي أعضاؤها أن يخففوا من

نشاطهم ويعملوا بأسلوب آخر لمنع المحرمات .جمعية الحصافية الخيرية :

كان ذلك إبان المرحلة اإلعدادية ، ولكن بعد أن انتقل إلي مدرسة المعلمين بدمنهور تطورت معارفه وتطورت معها أهدافه في الدعوةإلي الله ، وبمشاركة زميله أحمد أفندي السكري أسسا " جمعية الحصافية الخيرية " وكان أحمد السكري رئيسا لها بحكم السن والعمل

وحسن البنا سكرتيرا لها .وكانت أهداف هذه الجمعية ومجال عملها في ميادين أوسع وأشمل من الجمعيات األولي فيقول اإلمام الشهيد عن هذه الجمعية : "

وزاولت الجمعية عملها في ميدانين مهمين : الميدان األول : نشر الدعوة إلي األخالق الفاضلة ، ومقاومة اإلرسالية اإلنجيلية التبشيريةالتي هبطت إلي البلد واستقرت فيها ، وكان قوامها ثالث فتيات رأسهن مسز (وايت) ، وأخذت تبشر بالمسيحية في ظل التطبيب وتعليم

التطريز وإيواء الصبية من بنين وبنات ، وقد كافحت الجمعية في سبيل رسالتها مكافحة مشكورة وخلفتها في هذا الكفاح جمعية " اإلخوانالمسلمين " بعد ذلك .

محاربة الفساد في القاهرة :

ولما انتقل البنا إلي القاهرة عند دخوله دار العلوم وشاهد فيها مظاهر التحللوالفساد ، مما ال عهد له به في حياة الريف ، وقرأ في الصحف كثيرا مما ينافي

تعاليم اإلسالم ورأي جهل العامة بأحكام الدين ، ففكر في تكوين دعاة إسالميين منزمالئه في األزهر ودار العلوم للدعوة إلي الله في المساجد والمقاهي والمجتمعات

العامة ، وانطلق يدعو في المقاهي ليكون قدوة عملية لزمالئه ويحكي البنا فيمذكرات الدعوة والداعية كيف حاول محاربة المفاسد في المجتمع عن طريق تكوين

دعاة إسالميين فيقول :

ففكرت في أن أدعو إلي تكوين فئة من الطالب األزهريين وطالب دار العلومللتدريب علي الوعظ واإلرشاد في المساجد ثم في المقاهي والمجتمعات العامة ،

ثم تكون منهم بعد ذلك جماعة تنتشر في القرى والريف والمدن الهامة لنشر الدعوةاإلسالمية.

وقرنت القول بالعمل فدعوت لفيفا من األصدقاء للمشاركة في هذا المشروع الجليل كان منهم األخ األستاذ محمد مدكور خريج األزهروكان الزال مجاورا حينذاك ، واألخ األستاذ حامد عسكرية رحمه الله ، واألخ األستاذ أحمد عبد الحميد عضو الهيئة التأسيسية لإلخوانالمسلمين اآلن وغيرهم ، كنا نجتمع في مساكن الطالب في مسجد شيخون بالصليبة ، ونتذاكر جالل هذه المهمة وما تستلزمه من استعدادعلمي وعملي ، وخصصت جزء من كتبي كاإلحياء للغزالي واألنوار المحمدية للنبهاني وتنوير القلوب في معاملة عالم الغيوب للشيخ

الكردي ، وبعض كتب المناقب والسير ، لتكون مكتبة دورية خاصة بهؤالء اإلخوان يستعيرون أجزاءها ، ويحضرون موضوع الخطبوالمحاضرات منها :

الدعوة علي المقاهي :

وجاء الدور العملي بعد هذا االستعداد العلمي فعرضت عليهم أن نخرج للوعظ في المقاهي ، فاستغربوا ذلك وعجبوا منه وقالوا : إنأصحاب المقاهي ال يسمحون بذلك ويعارضون فيه ألنه يعطل أشغالهم ، وإن جمهور الجالسين علي هذه المقاهي هم قوم منصرفونإلي ما هم فيه وليس أثقل عليهم من الوعظ ، فكيف نتحدث في الدين واألخالق لقوم ال يفكرون إال في هذا اللهو الذي انصرفوا إليه ؟

وكنت أخالفهم في هذه النظرة وأعتقد أن الجمهور أكثر استعدادا لسماع العظات من أي جمهور آخر حتى جمهور المسجد نفسه ، ألن هذاشيء طريف وجديد عليه والعبرة بحسن اختيار الموضوع ، فال نتعرض لما يجرح شعورهم ، وبطريقة العرض فتعرض بأسلوب شائق جذاب

وبالوقت فال نطيل عليهم القول .

Page 59: ikwan

59أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

ولما طال بنا الجدل حول هذا الموضوع قلت لهم : ولم ال تكون التجربة هي الحد الفاصل في األمر ؟ فقبلوا ذلك وخرجنا فبدأنا بالمقاهيالواقعة بميدان صالح الدين وأول السيدة عائشة ومنها إلي المقاهي المنتشرة في أحياء طولون إلي أن وصلنا من طريق الجبل إلي شارع

سالمة ، والسيدة زينب ، وأظنني ألقيت في هذه الليلة أكثر من عشرين خطبة تستغرق الواحدة منها بين خمس دقائق إلي عشر.ولقد كان شعور السامعين عجيبا ، وكانوا ينصتون في إصغاء ويستمعون في شوق ، وكان أصحاب المقاهي ينظرون بغرابة أول القول

ثم يطلبون المزيد منه بعد ذلك ، وكان بعض هؤالء يقسم بعد الخطبة أننا البد أن نشرب شيئا أو نطلب طلبات ، فكنا نعتذر لهم بضيقالوقت ، وبأننا نذرنا هذا الوقت لله فال نريد أن نضيعه في شيء ، وكان هذا المعني يؤثر في أنفسهم كثيرا.

لقد نجحت التجربة مائة في المائة ، وعدنا إلي مقرنا في شيخون ونحن سعداء بهذا النجاح ، وعزمنا علي استمرار الكفاح في هذهالناحية .

دعوة العلماء لمهاجمة الفساد في المجتمع :

وبعد الحرب العالمية األولي وإلغاء الخالفة اإلسالمية في تركيا انتشر تيار اإلباحية واإللحاد حتى أصبح هو التيار السائد والمهيمن عليالجامعة وعلي الحياة األدبية واالجتماعية ، ال سيما في الطبقات الراقية .

وكان لهذه الموجة رد فعل قوى في األزهر واألوساط المعنية بالشئون اإلسالمية ولكن رد هذا الفعل لم يزود عن الكتابة في بعضالصحف والمجالت واللقاءات التي لم تشف غليال ولم ترد كيدا .

وفكر اإلمام الشهيد – وهو ال يزال طالبا في دار العلوم – في عمل إيجابي يرد به الكيد ، فقام بزيارة الشيخ يوسف الدجوي وكان منالمشايخ العلماء المعدودين في ذلك الوقت ، وله صالت بأهل العلم والوجهاء ، وتحدث معه في جمع الجهود لعمل إيجابي يرد به الكيدعن اإلسالم ، ولكن الشيخ الدجوي نصحه بأنه ال فائدة من كل ذلك وحسب اإلنسان أن يعمل لنفسه وأن ينجو بها من هذا البالء وتمثل

بهذا البيت من الشعرومـا أبـالـي إذا نفـسـي تطـاوعـني

علي النـجـاة بمـن قـد مـات أو هـلكاأوصاه أن يعمل بقدر استطاعته وأن يدع النتائج علي الله ، ولم يعجب البنا هذا الجواب فقال للشيخ الدجوي :" إنني أخالفك يا سيدي

كل المخالفة في هذا الذي تقول ، وأعتقد أن هذا األمر ال يعدو أن يكون ضعفًا فقط وقعودا عن العمل وهروبا من التبعات ، من أيشيء تخافون ؟ من الحكومة أو األزهر ؟ يكفيكم معاشكم واقعدوا في بيوتكم واعملوا لإلسالم ، فالشعب معكم في الحقيقة لو واجهتموه ،

ألنه شعب مسلم وقد عرفته في المقاهي وفي المساجد وفي الشوارع ، فرأيته يفيض إيمانا ، ولكن قوة مهملة من هؤالء الملحدينواإلباحيين وجرائدهم ومجالتهم ال قيام لها إال في غفلتكم ، ولو تنبهتم لدخلوا جحورهم ، يا أستاذ إن لم تريدوا أن تعملوا لله فاعملواللدنيا وللرغيف الذي تأكلون ، وال ما تنفقون ، فدافعوا في هذه األمة ضاع األزهر وضاع العلماء فال تجدون ما تأكلون ، وال ما تنفقون ،

فدافعوا عن كيانكم إن لم تدافعوا عن كيان اإلسالم ، واعملوا للدنيا إن لم تريدوا أن تعملوا لآلخرة وإال فقد ضاعت دنياكم وآخرتكم عليالسواء .

وانقسم الناس بعد هذا الكالم إلي فريقين ، فريق يتهم البنا باإلساءة إلي الشيخ وإلي علماء األزهر ، وبذلك فقد أساء إلي اإلسالم .وفريق آخر يري أن البنا لم يرد إال أن يجتمع العلماء لنصرة اإلسالم وأن الناس ستكون من خلفهم ، ولم ينته األمر إلي شيء إال أن ينتقلوا

إلي بيت أحد المشايخ الذي كان موعد معهم لزيارتهم فانتقلوا إليه وتحري البنا مكانًا قريبًا من الشيخ الدجوي وانتهز فرصة وكلم الشيخالدجوي مرة أخري في األمر ، وأصر عليه فما كان من الشيخ الدجوي إال أن أعطاه بعض النقل ووعده بالتفكير في األمر ، فرفض البنا هذاالتفكير وقال له وللعلماء من حوله : " سبحان الله يا سيدي إن األمر ال يحتمل تفكيرا ، ولكن يتطلب عمالً ولو كانت رغبتي في هذه النقل

وأمثالها الستطعت أن اشتري بقرش وأظل في منزلي وال أتكلف مشقة زيارتكم ، يا سيدي إن اإلسالم يحارب هذه الحرب العنيفةالقاسية ، ورجاله وحماته وأئمة المسلمين يقضون األوقات غارقين في هذا النعيم ! أتظنون أن الله يحاسبكم علي هذا الذي تصنعون

؟ إن كنتم تعلمون لإلسالم أئمة غيركم وحماة غيركم فدلوني عليهم ألذهب إليهم " فوجم الجميع وفاض عين الشيخ وبعض الحاضرينبالدمع ، ثم سأل الشيخ اإلمام البنا وقال له : وماذا أفعل ؟ قال له اإلمام البنا : أريد أن تحصر أسماء من تتوسم فيهم الغيرة علي الدين

ليفكروا فيما يجب عمله ، يصدرون مجلة يردون فيها علي دعاة اإللحاد أو يؤلفون جمعيات يأوي إليها الشباب وينشطون حركة الوعظواإلرشاد ، ووافق الشيخ وتم كتابة أسماء العديد من العلماء والوجهاء حتى تكونت نواة طيبة من هؤالء العلماء كان من نتيجتها ظهور مجلةالفتح اإلسالمية التي رأس تحريرها الشيخ عبد الباقي سرور ، وكان مدير تحريرها السيد محب الدين الخطيب ثم آل تحريرها وإرادتها إليه

، وكذلك كان من ثمرتها جمعية الشبان المسلمين .وظل حسن البنا يعيش بروح الداعية الذي يحب الخير للناس ويعتبر الدعوة إلي الله هي أفضل األعمال وأزكاها ، وكلما سنحت له فرصةللتعبير عن ذلك بالفعل أو بالقول استغلها أفضل استغالل ، وعندما يطلب منه أستاذه في دار العلوم كتابة موضوع إنشاء يعبر فيه عن

طموحاته وآماله كان أعظم آماله كما يقول في مذكراته : " وهو أن أكون مرشدا ومعلما إذا قضيت في تعليم األبناء سحابة النهار ومعظمالعام قضيت ليلي في تعليم اآلباء هدف دينهم ، ومنابع سعادتهم ، ومسرات حياتهم ، تارة بالخطابة والمحاورة ، وأخري بالتأليف والكتابة

، وثالثة بالتجول والسياحة " وقد حقق الله له ذلك األمر عندما أسس جماعة اإلخوان المسلمين وأصبح مرشدا لها .

Page 60: ikwan

60أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

المبحث الثاني : حسن البنا بين السلفية والصوفية

السلفية :

نشأ حسن البنا في بيئة سلفية حيث كان والده أحمد عبد الرحمن البنا من علماء الحديث الذي ألزم نفسه وأهله بالتزام السنة ، واشتغلبعلم الحديث وقام بترتيب مسند اإلمام أحمد ابن حنبل واهتم بعلوم السنة وغيرها من العلوم ، وقد حمل أهله علي اقتضاء الصراط

المستقيم ، يقول إبراهيم البيومي غانم في – الفكر السياسي لحسن البنا - : " ويبدوا من استقرار سيرة الشيخ أحمد أنه كان يحمل نفسهوأهله علي اقتضاء الصراط المستقيم من أداء للفرائض والتزام بالسنن النبوية .

وقد كان لدي الشيخ أحمد مكتبة عظيمة أفاد منها االبن حسن اإلفادة الكبيرة باإلضافة لتوجيهه االبن إلي كثرة المطالعة وحفظ القرآنثم دفع الوالد باالبن إلي الشيخ محمد زهران ذلك العالم السلفي الذي وصفه حسن البنا بأنه " صاحب مدرسة الرشاد الدينية الرجل الذكي

األلمعي ، العالم التقي ، الفطن اللقن الظريف ، الذي كان بين الناس سراجًا مشرقاً بنور العلم والفضل يضيء في كل مكان " الذي قامبتحفيظ اإلمام البنا القرآن وكذلك تعليمه اإلنشاء والقواعد والتطبيق والمطالعة والمحفوظات باإلضافة لسنة الرسول صلي الله عليه

وسلم عن طريق حفظ أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم .وكان هناك تعلق وحب شديد من اإلمام البنا ألستاذه جعله يالزمه في كثير من أوقاته ويستفيد من مكتبته ، ويجالس العلماء الذين يأتون

إلي الشيخ زهران مستمع إلي مناقشتهم ويتعلم منها .وكان من نتاج هذه التربية التي أواله إياها أبوه وشيخه وكذلك مشاركته ورئاسته لجمعية األخالق األدبية وهو في المدرسة اإلعدادية

، أن أصبح ذا شعور ديني قوى يدفعه إلي األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الرذائل والمنكرات ، سواء كانت اعتقاديه أوسلوكية أو غيرها من المنكرات ، ودفعته هذه التربية إلي تكوين جمعية منع المحرمات هو وبعض أقرانه والتي كانت مهمتها تتلخص في

إرسال الخطابات إلي من يرتكبون بعض اآلثام أو ال يحسنون أداء العبادات ، ولم يمنعه حبه واحترامه لشيخه الشيخ زهران حين رآهيصلي الظهر بين السواري ( سواري المسجد وذلك مكروه ) أن يرسل إليه خطابًا يذكره فيه بأنه عالم البلدة والذي يجب أن يبتعد عن

المكروه ، وقد راجع الشيخ الحكم معه ووجد أن الصواب في جانبه وعندما مر علي الشاطئ ووجد أحد أصحاب السفن يعلق علي ساريتهاتمثاال خشبيًا عاريا وأن هذا الجزء من النيل تتردد عليه الفتيات والسيدات يستقين منه الماء ، فهاله هذا المنظر وذهب من فوره إلي ضابط

النقطة الذي كان إيجابيا وقام معه من فوره وأمر صاحب السفينة أن ينزل هذا التمثال من سارية السفينة .وكان من نتاج هذه النشأة أيضًا محافظته علي أداء الصالة في وقتها حتى لو تعارض ذلك مع أي شيء آخر ، فيروي البنا أنه كثيرا ما

جادل أساتذته الذين جادلوه علي أداء صالة العصر علي وقتها وقد كان وقت أذانها في أثناء الحصص ، وقد برزت آثار التربية السلفيةعلي حسن البنا في مالبسه وزيه ، فقد كان يذهب إلي المدرسة بالعمامة ذات العدبة ونعل كنعل اإلحرام في الحج ورداء أبيض فوق

الجلباب وذلك ألنها السنة ، ويدافع عن ذلك الزى وتلك الهيئة باعتبارها سنة الرسول صلي الله عليه وسلم ، ويحكي البنا ذلك فيمذكراته فيقول : " لفت زيي نظر مدير التعليم إذ كنت ألبس عمامة ذات عدبة ونعال كنعل اإلحرام في الحج ورداء أبيض فوق الجلباب

فسألني : لماذا ألبس هذا الزى ؟ فقلت : إنها السنة فقال : وهل عملت كل السنن ولم يبق إال سنة الزى ؟ فقلت ال ونحن مقصرون كلالتقصير ، ولكن ما نستطيع أن نفعله نفعله ، قال : وبهذا الشكل خرجت علي النظام المدرسي .

فقلت له : ولم يا سيدي ؟ إن النظام المدرسي مواظبة ... وأنا لم أعب عن الدروس أبدا ، وسلوك وأخالق .. وأساتذتي راضون عنيوالحمد لله ، وعلم ودراسة .. وأنا أول فرقتي .

ففيم الخروج علي النظام المدرسي إذاً ؟ فقال : ولكنك إذا تخرجت وأصررت علي هذا الزى فسوف ال يسمح مجلس المديرية بتعيينكمدرسا حتى ال يستغرب التالميذ علي هذا المظهر .

فقلت علي كل حال هذا لم يجيء وقته بعد ، وحين يجيء وقته يكون للمجلس الحرية ويكون لي الحرية كذلك ، واألرزاق بيد الله وليستبيد المجلس وال الوزارة " .

وظل البنا محافظا علي هذا الزى حتى وصل إلي الفرقة الرابعة بدار العلوم فلبس ألول مرة (البدلة والطربوش) وإن ظل يكثر من لبسالعمامة ذات العدبة والرداء األبيض فوق الجلباب ، وظهرت آثار سلفية البنا حين دعوة اإلخوان بأنها دعوة سلفية .

الصوفية :

بدأت عالقة اإلمام البنا بالصوفية وهو بالمدرسة اإلعدادية بالمحمودية حينما كان يواظب علي درس الشيخ زهران بين المغربوالعشاء ، فشاهد الجلسات التي كانت تعقد بعد العشاء وجذبه إليه أصواتهم المنسقة الجميلة وروحانيتهم الفياضة ، وسماحتهم مع

الصبيان الصغار وتواضعهم لهم ، فواظب الصبي حسن البنا علي هذه الجلسات وتوطدت صالته بالشباب منهم وتعرف في هذهالحلقات علي أحمد أفندي السكري .

ثم واظب البنا علي الوظيفة الزروقية صباحا و مساء والتي كانت عبارة عن بعض آيات القرآن وأحاديث من أدعية الصباح والمساءوضع والده عليها تعليقا جاء فيه بأدلة صيغها جميعًا تقريبًا من األحاديث الصحيحة وسمي الرسالة " تنوير األفئدة الزكية بأدلة أذكار

الزروقية " .

Page 61: ikwan

61أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

ثم زاد تعلق البنا بالطريقة الحصافية ومؤسسها عندما قرأ كتاب " المنهل الصافي قي مناقب حسنين الحصافي " حيث تعرف عليشيخ الطريقة األول ووجد أنه عالم أزهري تفقه علي مذهب اإلمام الشافعي وبلغ درجة عالية من العلم ، وكان طائعًا لله محافظا علي

عباداته ، ومؤديا للفرائض حريصا علي السنة والنوافل ، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، منتصرا للكتاب والسنة محاربا للبدع والخرافاتالتي كانت منتشرة في الطرق الصوفية حينذاك ، وكان أعظم ما أثر في نفس حسن البنا من سيرة هذا الشيخ هو أمره بالمعروف ونهيه عن

المنكر ، ال يخاف في الله لومة الئم ، يأمر الكبار والصغار ، يأمر أتباعه ومريديه بالتزام السنة والشرع والبعد عن الخرافة وكذلك الكبارحتى الخديوي توفيق .

وكان من تعلق البنا بشيخ الطريقة أن رآه في المنام علي صورة رسمها له في خياله وزادته تعلقا به حيث يروي البنا : " وزادني تعلقابالشيخ الجليل رحمه الله أنني رأيت في هذه األثناء وعلي أثر تكراري للقراءة في المنهل ، فيما يري النائم أنني ذهبت إلي مقبرة البلد ،فرأيت قبرا فخما يهتز ويتحرك ثم زاد اهتزازه واضطرابه حتى انشق فخرجت منه نار عالية امتدت إلي عنان السماء ، وتشكلت فصارت

رجال هائل الطول والمنظر ، واجتمع الناس عليه من كل مكان فصاح فيهم بصوت واضح مسموع وقال لهم : أيها الناس إن الله قد أباحلكم ما حرم عليكم فافعلوا ما شئتم .

فانبريت له من وسط هذا الجمع وصحت في وجهه " كذبت " والتفت إلي الناس وقلت لهم : " أيها الناس هذا إبليس اللعين وقد جاءيفتنكم عن دينكم ويوسوس لكم فال تصغوا إلي قوله وال تسمعوا كالمه " فغضب وقال : " البد من أن نتسابق أمام الناس فإن سبقتني

ورجعت إليهم ولم أقبض عليك فأنت صادق " فقبلت شرطه وعدوت أمامه بأقصى سرعتي وأين خطوي الصغير من خطوة الجبار ،وقبل أن يدركني ظهر الشيخ – رحمه الله – من طريق معترض وتلقاني في صدره واحتجزني بيساره ورفع يمناه مشيرا بها إلي هذا الشيخ

صائحًا في وجهه أخسأ يا لعين فولي األدبار واختفي ، وانطلق الشيخ بعد ذلك فعدت إلي الناس وقلت لهم : أرأيتم كيف أن هذا اللعينيضلكم عن أوامر الله .

" وظل البنا معلق العقل بالشيخ وبالطريقة التي التقي بابن الشيخ وشيخ الطريقة السيد عبد الوهاب الحصافي الذي تلقي عنالطريقة الحصافية الشاذلية وبايعه وأذن له بأورادها ووظائفها .

لقد كان تعرف حسن البنا علي الطريقة الحصافية وانضمامه لها من عناية الله به ، فقد تعرف عليها وهو بين الثانية عشر من عمرهفي فترة البلوغ وفترة المراهقة فعصمه االنضمام من االنغماس في اللهو مثل أقرانه وكذلك عصمه من االنحراف ، وربت فيه مراقبة

الله والخوف من عذاب الله والرغبة في جنته ، وكذلك وفرت له سبل تفريغ طاقته الروحية والجسمية بطريقة صحيحة .وقد وجد اإلمام في بعض من سبقه في الطريقة أمثلة للتعبد الصحيح وكذلك بعض أهل العلم .

وقد استفاد البنا من هذه الطريقة كثيراً .فقد علمه شيخ الطريقة وابن مؤسسها الشيخ عبد الوهاب الحصافي البعد عن الجدل وعدم صرف األوقات إال في طاعة الله ، وعدم

شغل أوقات األتباع إال بالمفيد النافع ، وقد كان الشيخ مثاال في ذلك وغيرها من الخصال النافعة " .يقول اإلمام الشهيد : " وجزي الله عنا السيد عبد الوهاب خير الجزاء ، فقد أفادتني صحبته أعظم الفائدة ، وما علمت عليه في دينه

وطريقته إال خيرا ، وقد امتاز في شخصيته وإرشاده ومسلكه بكثير من الخصال الطيبة : ومن العفة الكاملة عما في أيدي الناس ومن الجدفي األمور والتحرز من صرف األوقات في غير العلم أو التعلم أو الذكر أو الطاعة أو التعبد ، سواء أكان وحده أم مع إخوانه ومريديه ، ومن

حسن التوجيه لهؤالء اإلخوان وصرفهم عمليا إلي األخوة والفقه وطاعة الله .وأذكر من أساليبه الحكيمة في التربية أنه لم يكن يسمح لإلخوان المتعلمين أن يكثروا الجدل في الخالفيات أو المشتبهات من األمور أو

يرددوا كالم المالحدة أو الزنادقة أو المبشرين – مثال – أمام العامة من اإلخوان ، ويقول لهم : اجعلوا هذا في مجالسكم الخاصةتتدارسونه فيما بينكم ، فقد تعلق بنفس أحدهم الشبهة وال يفهم الرد فيتشوش اعتقاده بال سبب وتكونون أنتم السبب في ذلك .

وظهر أثر هذه التربية في توجيهات اإلمام البنا إلخوانه مثل " دع المراء فإنه ال يأتي بخير " وقوله : " الواجبات أكثر من األوقاتفعاون غيرك علي أن ينتفع بوقته " .

وقد كان لبعض اإلخوان الحصافية فضل علي البنا وأثر في تربيته الروحية من حسن صلته بالله ومراقبته وخوف من عذابه ورغبة فيماعند الله فقد كان الشيخ محمد أبو شوشة من رجال الحصافية وكان يجمع بعض الشباب ( وكان البنا يحضر هذه االجتماعات ) ويذهب

بهم إلي المقبرة حيث تتم زيارة القبور ثم يجلسهم في مسجد قريتهم .يذكرون الله ويذكَُرهم ويعظهم ويعرفهم بسير الصالحين ويبصرهم بمصير األولين واآلخرين ، ثم يأمر بعضهم بنزول القبر واالضطجاع فيهحتى يتذكر مصيره ثم يأمرهم بالتوبة إلي الله وباإلقالع عن المعاصي ، كما كان البنا يحضر دروسا في شرح اإلحياء للشيخ حسن خزبك

وكان يعتكف الليالي الكثيرة مع اإلخوان الحصافية سواء في مسجد الحي أو مصلي الحطاطبة عند كوبري إفالقة .وكان انغماس البنا في التصوف ومع اإلخوان الحصافية يتيح له تفريغ طاقته الجسدية ، فكان رغم قيامه الليل ومواظبته علي مجالسهم

بدمنهور يحضر دروسه بالمدرسة ويذاكر هذه الدروس بجد واجتهاد ، فضال عن مشاركته في األنشطة الطالبية واألنشطة االجتماعية ،وكذلك األنشطة الوطنية ، وكان في أيام الجمع التي يقضيها في دمنهور يقوم هو وزمالؤه بزيارة مسجد إبراهيم الدسوقي سيرا علي

األقدام جيئة وذهابا يقطعون فيها حوالي أربعين كيلو متراً سيراً علي األقدام .

Page 62: ikwan

62أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

أما إذا ذهب في نهاية األسبوع إلي المحمودية فإن هناك برنامجًا يستنفد طاقات هذا الغالم فيقول اإلمام : " كنت أنزل من قطار الدلتاإلي الدكان مباشرة ، فأزاول عملي في الساعات إلي قبيل المغرب حيث أذهب إلي المنزل ألفطر إذ كان من عادتنا صوم الخميسواالثنين ، ثم إلي منزل الشيخ شلبي الرجال أو منزل أحمد أفندي السكري للمدارسة والذكر ، ثم إلي المسجد لصالة الفجر ، وبعد ذلك

استراحة يعقبها الذهاب إلي الدكان وصالة الجمعة والغداء والدكان إلي المغرب فالمسجد وفي الصباح إلي المدرسة ، وكان هذا البرنامجفي الصيف يضاف إليه عمل جديد وهو المذاكرة كل صباح من طلوع الشمس تقريبًا إلي الضحوة الكبرى مع أستاذنا الشيخ محمد خلف نوح

في منزله .وقد ظل البنا في الطريقة الحصافية حتى أسس جمعية اإلخوان المسلمين ، وقد تركت مرحلة التصوف آثارها علي نفس البنا وأثرت في

دعوته ، فنجد البنا يسمي أذكار الصباح والمساء بالوظيفة ، وكذلك في نظام الكتيبة نجد فيها الصالة والقيام والتقشف في المأكل والنوموكذلك دروس التكوين الروحي ، كل ذلك من آثار الصوفية وتجده يذكر في خصائص دعوة اإلخوان أنها حقيقة صوفية ، والبنا في ذلكيقصد بالصوفية ما كان يسميه " علوم التربية والسلوك " وهي التي ترسم له طريقة خاصا من مراحل الذكر والعبادة ومعرفة الله ،

ونهايته تكون إلي الجنة ومرضاة الله وهذا الذي قصده البنا من أن دعوته حقيقة صوفية .

المبحث الثالث : البنا والحركة الوطنية

" علي الرغم من انضمام البنا وهو في سن صغيرة إلي الصوفية وانشغاله باألوراد والصالة وزيارة األولياء ، إال أن ذلك لم يمنعه وهوتلميذ في اإلعدادية ، وفي سن الثالثة عشر من المشاركة في الحركة الوطنية وقيادة زمالئه في المظاهرات واإلضرابات التي كانت تنظمفي المدرسة ، بل يكتب شعرا يرثي فيه الزعيم الوطني محمد فريد ، ويهاجم في إصرار لجنة "ملنر" ولقد جمع من هذه البواكير ديوانًا كبيرا .

يقول اإلمام البنا : " والزلت أذكر يوم دخل علينا أستاذنا الشيخ محمد خلف نوح – المدرس بالمعارف باإلسكندرية – والدموع تترقرقفي عينيه فسألناه الخبر فقال : " مات محمد فريد بك " وأخذ يحدثنا عن سيرته وكفاحه في سبيل الوطن حتى أبكانا جميعًا وأوحت لي

هذه الذكري ببعض األبيات الزلت أحفظ مطلعها وشطراً آخر :أفــريد نم باألمـن واإليـمـان

أفــريد ال تـجـزع عـلـي األوطـانأفــريد تفـديـك البـالد بـأسـرهــا

والزلت أذكر حديث الناس حول لجنة ملنر وإجماع األمة علي مقاطعتها ، وكيف كان هذا الشعور فياضا غامرا حتى إنه يدفع بتلميذ الثالثةعشر إلي أن يقول :

يـا مـلـنـر ارجـع ثـم سـلوفــدا ببــاريـس أقــام

وارجـع لقــومك قــل لـهـمال تـخـدعـوهم يـا لـئـامفي قصيدة طويلة ال أذكر منها إال هذين البيتين .

وبعد أن انتقل إلي مدرسة المعلمين بدمنهور استمر حسن البنا في المشاركة في فعاليات العمل الوطني ضد اإلنجليز وأعوانهم ، وقد كانفي المقدمة من زمالئه حيث كان رغم اشتغاله بالتصوف يعتقد أن الخدمة الوطنية جهاد مفروض ال مناص منه ، وكان للبنا دور بارز معالطالب في قيادة اإلضرابات حيث كان المجموعة القيادية ، يقول البنا : ( ولست أنسي أستاذنا الشيخ الدسوقي موسي ناظر المدرسة

الذي كان يخشي هذه التبعات كثيرا وقد أخذ بيدنا إلي مدير البحيرة حينذاك – محمود باشا عبد الرازق – وألقي مسئولية إضراب الغيرعلينا ، وقال : إن هؤالء هم الذين يستطيعون أن يقنعوا الطالب بالعدول عن إضرابهم .

وعبثا حاول محمود باشا أن يقنعنا بالوعد أو الوعيد أو بالنصح ، ثم صرفنا علي أن نتدبر األمر . فكان تدبيرنا أن أوزعنا إلي الطالبجميعًا بالتفرق في الحقول المجاورة طول اليوم وكان يوم 18 ديسمبر ذكري الحماية البريطانية ، وذهبنا نحن إلي المدرسة وسلمنا أنفسنا

إلدارتها وانتظرت وانتظرنا من يجيء وال من يجيب ، فانصرفنا بعد فترة رغم اإلضراب وانتهي اليوم بسالم .بل إن البنا ليشارك في اإلعداد لإلضراب ويواجه ضابط البوليس الذي جاء ليقبض عليه وزمالئه ، ويذكره بواجبه الوطني حتى يرجع

الضابط عن مهمة القبض عليهم ويطمئنهم ويؤمنهم ، فكان مما قاله البنا للضابط ليصرفه : " إن واجبه الوطني يفرض عليه أن يكون معنا، ال أن يعطل عملنا ويقبض علينا ، وال أدري كيف كانت النتيجة .

إنه استجاب لهذا القول فعال ، فخرج وصرف عساكره وانصرف معهم بعد أن طمأننا " .

Page 63: ikwan

63أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

المبحث الرابع : عالقة اإلمام البنا بزعماء التيار اإلسالمي المعاصرين له

لقد كان لإلمام البنا عالقات واسعة بكل زعماء التيار اإلسالمي المعاصرين له ، وتأثر بهم وأثر فيهم ومن هؤالء :1– السيد / رشيد رضا :

كان اإلمام البنا علي صلة وثيقة بالشيخ رشيد رضا وأسرته منذ كان طالبًا بدار العلوم ، وكانت دار مجلة المنار ملتقاه بأكثر من التقي بهممن رجاالت الحركة اإلسالمية في ذلك العهد ، واتخذت أكثر المقررات في مواجهة المؤامرات ضد اإلسالم في تلك الدار ، وظل األستاذ

علي اتصال بالشيخ بعد قيام دعوة اإلخوان وكان يستشيره في كثير من األمور .وقد أشار البنا إلي لقاءاته المتكررة به ، وحرصه علي قراءة المنار وأثني كثيراً علي جهود رشيد رضا ومجلته ، واعتبر أنها " أسست

مدرسة فكرية إسالمية تقوم علي قواعد اإلصالح اإلسالمي الجليل الزالت آثارها باقية في نفوس النخبة المستنيرة من رجال اإلسالم، ووقفت للملحدين واإلباحيين والجامدين بالمرصاد في مصر وغيرها من األقطار .

وقد تولي البنا تحرير مجلة المنار بعد وفاة الشيخ رشيد رضا بعدة سنوات ، واجتهد البنا أن تصدر بنفس شكلها القديم فقام باستكمالتفسير القرآن من حيث انتهي الشيخ رشيد ، وكان حريصًا علي أن يكون بنفس أسلوبه " تفسير سلفي أثري مدني عصري إرشادي

اجتماعي سياسي " وقام بشرح هذا األسلوب في أول حلقة من تفسيره ، ثم إضافة إلي التفسير قام بتحرير " فتاوى المنار " ليرد فيهعلي أسئلة القراء ، وباب " موقف العالم اإلسالمي السياسي " ليورد فيه أهم أخبار العالم اإلسالمي ، ويعلق عليها .

كما دأب علي نشر سلسلة من المقاالت للشيخ رشيد رضا اعترافًا بفضله ، وتأكيداً لتعاليمه .وقد كان البنا يعتبر جماعة اإلخوان المسلمين الجماعة التي تمني الشيخ رشيد رضا أن يوجدها حيث قال : " سيكون المنار منذ هذا

العام ( 1354هـ - 1935م ) لسان جماعة للدعوة إلي اإلسالم وجمع كلمة المسلمين ، أنشئت لتخلف جماعة الدعوة واإلرشاد .لذلك فقد كتب البنا في افتتاحية المنار بعد استأنف تحريرها يقول معلقًا علي أمنية الشيخ رشيد السابقة : " يا سبحان الله إن جماعة

اإلخوان المسلمين هي الجماعة التي كان يتمناها السيد رشيد رضا رحمه الله ، ولقد كان يعرفها منذ نشأتها ، ولقد كان يثني عليها فيمجالسه الخاصة ، ويرجو لها خيراً كثيراً ، ولقد كان يهدي إليها مؤلفاته فيكتب عليها بخطة : " من المؤلف إلي جماعة اإلخوان المسلمين

النافعة " ولكنه ما كان يعلم أن الله قد ادخر لهذه الجماعة عبئه / وأن تتم ما بدأ به ، وأن تحقق فيها أمنية من أمانيه " .ولقد ظل البنا متأثراً بالشيخ رشيد رضا حتى النهاية خاصة بمنهجه في تحرير المنار ، فعندما أصدر البنا مجلة الشهاب أكد مجدداً فيافتتاحية عددها األول علي وفائه للشيخ رشيد رضا ، وأمنيته أن تسير " الشهاب " علي أثر " المنار " وقد كان إال أنه لم يصدر منها

سوي خمسة أعداد فقط ثم أغلقت .2 – الشيخ / محب الدين الخطيب :

ترجع أهمية شخصية السيد محب الدين الخطيب – وهو من أصل سوري – إلي اعتبارات عديدة تتصل بثقافته الواسعة ونشاطهالحركي المكثف ، وخاصة في ميدان عضويته وتكوين الجمعيات واألحزاب والتنظيمات العلنية والسرية في بلدان عربية مختلفة ، ومن

ذلك قيامه بتأسيس حلقة دمشق الصغرى أسوة بحلقة دمشق الكبرى التي أسسها الشيخ طاهر الجزائري ، وعضويته بجمعية النهضةالعربية ، وبحزب الالمركزية العثمانية ، ومشاركته في تأسيس جمعيته العربية الفتاة وغيرها ، وكان علي صلة بدائرة واسعة من

الشخصيات والقيادات الفكرية والسياسية البارزة من أمثال الشيخ طاهر الجزائري ، والشيخ جمال الدين القاسمي ، ورفيق العظم ، ومحمدكرد علي ، وعبد الحميد الزهراوي ، والسيد رشيد رضا ، وغيرهم .

وبعد أن استقر به المقام في مصر نشط في مجال الصحافة والنشر والدعوة لإلصالح والتحذير من المخاطر التي يتعرض لها المسلمون ،وركز علي دعوته في اإلصالح علي ناحيتين : الصحافة والتربية ، وإصالح نظام التعليم ، وفي عام 1343هـ- 1924م أعاد تأسيسالمكتبة السلفية ، وأنشأ المطبعة السلفية التي صدرت عنها مجلة الفتح ثم كان من أبرز مؤسسي جمعية الشبان المسلمين ( 1346هـ -

1927م ) .عرف اإلمام البنا محب الدين الخطيب أثناء دراسته في دار العلوم ، حيث كان يتردد علي المكتبة السلفية : " حيث نلقي الرجل المؤمن

المجاهد العامل القوى العالم الفاضل الصحفي اإلسالمي القدير : السيد محب الدين الخطيب " وكان يتلقي فيها بكثير من كبار العلماءوكتاب مجلة الفتح " أمثال الشيخ رشيد رضا والشيخ مصطفي صبري والشيخ محمد الخضر حسين ، والشيخ يوسف الدجوي ، والشيخ عبد

الوهاب النجار " وقد أورد في مذكرات الدعوة والداعية ما يؤكد أنه كان وثيق الصلة بمعظمهم .وقد شارك البنا بجهد كبير – بل لعله كان بمثابة الشرارة األولي – ضمن الجهود التي ظهرت علي أثرها مجلة الفتح ، ثم تأسست فيالعام التالي لها جمعية الشبان المسلمين ، يبدو ذلك – طبقاً لما يرويه البنا – أنه ارتبط مع السيد محب الدين الخطيب بصلة وثيقة ،

حيث نشرت أولي مقاالته – وكان ال يزال شابًا حديث التخرج – في مجلة الفتح ، وعندما صدرت مجلة اإلخوان المسلمين األسبوعيةأسندت إدارتها إليه ، وطبعت بالمطبعة السلفية لمدة عامين ، كما أسهم محب الدين الخطيب في تحرير جريدة اإلخوان المسلمين اليومية

بعد ذلك ، وكان يرأس القسم المتعلق بالعالم اإلسالمي .3 – الشيخ / يوسف الدجوي :

Page 64: ikwan

64أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

كان الشيخ يوسف الدجوي من كتاب مجلة الفتح ، وكان البنا يقرأ له كثيراً ويلتقي به مع باقي العلماء في المكتبة السلفية ، وكان الرجلسمح الخلق ، حلو الحديث ، صافي الروح بحكم النشأة الصوفية ، وكان بين البنا وبينه صلة روحية وعلمية حملته علي زيارته الفينة بعد

الفينة ، وكان بين البنا بما في نفسه من اإلصالح وضرورة مواجهة الملحدين واإلباحيين وجرائدهم ومجالتهم بعمل إيجابي ، وظل البنايلح عليه إلي أن استجاب وبدأ العمل فظهرت مجلة الفتح ، ثم تكونت بعدها جمعية الشبان المسلمين .

4 – األستاذ / محمد فريد وجدي :

كان األستاذ محمد فريد وجدي ( 1295- 1373هـ = 1878- 1954م ) من رواد تجديد الفكر اإلسالمي عن طريق استيعاب ونقد الفكر الغربي، وهو صاحب مجلة الحياة ، ودائرة معارف القرن العشرين ، وله مؤلفات كثيرة أخري ، وكانت له آراء كثيرة أثارت الجدل وتعددت بشأنها

وجهات النظر.وكانت للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا – والد حسن البنا – صداقة باألستاذ محمد فريد وجدي ، فكان حسن البنا أثناء وجوده في القاهرة

كثيراً ما يذهب إليه حيث كانت داره مجتمع الفضالء من الناس يتدارسون علومًا شتى ثم يخرجون للنزهة .وحدث ذات مرة أن دارت بين البنا واألستاذ محمد فريد وجدي مناقشة حول شخصية األرواح يقول البنا : إذا كان فريد بك يري أن

األرواح التي تستحضر هي أرواح الموتى أنفسهم ، وأري غير ذلك ، وتشعب بنا البحث في هذه الناحية وانتهينا وكل عند وجهة نظره ،وقد أفدت كثيراً من هذه المجالس حينذاك " .

5 – الشيخ / طنطاوي جوهري :

عمل أستاذاً بدار العلوم فترة طويلة ، وكان ذائع الصيت في مصر وفي خارج مصر ، وكثيراً ما كان يقصده العلماء من البالد الشرقية ومنالغرب : من أمريكا وإنجلترا وفرنسا ، يتلقون علي يديه علومًا معينة ، وكان يلقب " بحكيم اإلسالم " وله كتب عديدة ، أهمها تفسيره

للقرآن المسمي " الجواهر " بلغ 32 جزءاً تقريبًا وقيل عن علمه : " ال ينحصر في دائرة محدودة " .وبعد اقتناع الشيخ طنطاوي جوهري بالدعوة قال له الشيخ البنا : يا سيدي األستاذ إنك أستاذنا وأستاذ الجميع ، وأنت حكيم اإلسالم ،وأراك أحق بمنصب اإلرشاد لهذه الدعوة مني وهذه يدي أبايعك .. فقال الشيخ : ال يا أخي .. أنت صاحب الدعوة وأنت أقدر عليها

وأنت أقدر بها ، وأنا أبايعك علي ذلك ، ومد يده فبايعه ، ولم ينكث – رحمه الله – بيعته إلي أن لقي ربه .كان الشيخ طنطاوي جوهري يحاول من خالل جهوده العلمية المكثفة أن يؤكد أن اإلسالم دين العقل والتجدد ال دين التسليم والتقليد ،

وقد تميز منهجه في هذا الصدد " باستخدام أساليب الغرب المهاجم بعد استيعابها واالستفادة منها ، ولذلك دعا علماء المسلمين وشبابهمإلي االستعانة علي توثيق إيمانهم بدراسة العلوم الطبيعية الحديثة ، وحثهم علي ارتياد آفاق المعرفة ، واعتبار ذلك تكليفًا شرعيًا يتم به

إيمانهم ويصبحون أهال ألن يستخلفهم الله في إصالح األرض وهداية أهلها .سمع الشيخ طنطاوي جوهري عن الشيخ حسن البنا ، فذهب إليه وسأله إالم تدعو ؟ قال : أدعو إلي القرآن فقال : دع هذا اللفظ الكريم

من حديثنا فإن هذا اللفظ مظلوم ظلمًا من فرقة قامت في الدولة اإلسالمية مهما كانت زائفة عن اإلسالم إال وادعت أنها تدعو إليالقرآن ، فأجبني بتفاصيل ما تدعو إليه في كل ناحية من نواحي الحياة .

قال : فشرح لي تفاصيل دعوته فوجدتها في حدود كتاب الله .."ثم عايش الشيخ طنطاوي جوهري الشاب حسن البنا فرأي فيه صفات القائد الذي يفتقده العالم اإلسالمي في آرائه وفهمه لكتاب الله ،وإحاطته بالتاريخ ، وفهمه للمجتمع الذي يعيش فيه ، وذكائه ، وألمعيته ، وشخصيته األخاذة ، ومقدرته علي جمع الناس علي دعوته ،

صبره علي المكاره ، وتعففه عما في أيدي الناس ، وبذله في سبيل دعوته ، ولين جانبه ، وتواضعه بحيث ال تكاد تميزه من أتباعه .وهكذا كانت تربط البنا بكثير من العلماء وقيادة الفكر في المجتمع صالت كثيرة ووثيقة ، تعرضنا لبعضهم علي سبيل المثال ، ونذكر منهمأيضاً األمير شكيب أرسالن ، والشيخ مصطفي صبري المنفلوطي ، ومصطفي صادق الرافعي ، وتيمور باشا ، ومحمد إقبال ، وغيرهم ، وهذا

يوضح لنا المناخ الفكري العام الذي أحاط باإلمام من خالل هؤالء وأمثالهم ما يمكن أن يكون قد تأثر به البنا بشكل أو بآخر ، وكان له بعدذلك أن يأخذ ويدع ، ويقبل ويرفض ، وينتقد ويصحح ، حسب فكره ومنهجه ، ودعوته .

Page 65: ikwan

65أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

المبحث الخامس : شيوخ اإلمام البنا وبعض تالميذه

لقد كان لنشأة حسن البنا في بيت صالح ، وتعلمه علي يد أساتذة أجالء أثر كبير في حياته وثقافته ، نظراً ألن البنا تدرج في التعليم بدءاًمن التعليم في مدرسة الرشاد الدينية حتى تخرجه في دار العلوم ، فقد أخذ عن كثير من األساتذة وتأثر بهم ، إضافة إلي غيرهم من

المشايخ في كان يحضر دروسهم ، ومن هؤالء األساتذة الذين أخذ عنهم حسن البنا .أوالً : شيوخ اإلمام البنا

1 – والده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا

وقد سبق التعريف بالشيخ رحمه الله .2 – الشيخ محمد زهران

الشيخ محمد زهران أحد علماء المحمودية ، اشتغل بتعليم األطفال وتحفيظهم القرآن الكريم ، وكان يدرس للعامة في المسجد ويفقهالسيدات في البيوت .

وكان ذا همة عالية وغيرة شديدة دفعته إلنشاء مدرسة الرشاد الدينية سنة 1333هـ - 1915م لتربية النشء ، وأصدر مجلة شهرية هي "مجلة اإلسعاد " التي ظل يحررها حتى سنة 1347هـ - 1928م ، وتتناول تعاليم الدين وأسراره ، وفوائد في التاريخ واللغة واألدب

والشئون االجتماعية ، وكان له أسلوب مؤثر يعتمد علي المشاركة الوجدانية بينه وبين طالبه يحاسبهم علي تصرفاتهم حسابًا دقيقاً ؛فيجازيهم علي اإلحسان أو اإلساءة جزءاً أدبيًا يبعث في النفس نشوة الرضا والسرور مع اإلحسان كما يذيقها قوارص األلم والحزن مع

اإلساءة .وقد التحق حسن البنا بمدرسة الرشاد الدينية وهو في الثامنة من عمره ، وقد درس فيها البنا األحاديث النبوية ، فكان الشيخ محمد زهران

يتناول كل أسبوع شرح حديث ويحفظه للصبيان ، حتى ينتهي العام وقد حفظ كل منهم كثيراً من األحاديث النبوية .ودرس البنا كذلك في مدرسة الرشاد الدينية اإلنشاء والقواعد والتطبيق واألدب والمطالعة واإلمالء والمحفوظات النثرية والشعرية .

وقد توطدت عالقة حسن البنا بشيخه محمد زهران لعالقة والده به ، فكان كثيراً ما يصحبه إلي مكتبته ويطلعه علي ما فيها من فنونالعلم ينهل ما يشاء منها ، ويحضر مجالسه العلمية مع أصحابه فيستمع البنا إلي ما يدور بينهم من مناقشات علمية .

وقد استفاد حسن البنا من تلمذته للشيخ محمد زهران استفادة ثقافية كبيرة حيث كانت معظم محفوظات البنا من الحديث الشريف ترجعإلي ما حفظه من شيخه محمد زهران ، إضافة إلي قراءته في مكتبته وحضور مجالسه ، واستفاد كذلك من أسلوبه التربوي في التدريس

وعالقة المدرس بتلميذه .وقد ترك البنا مدرسة الرشاد وهو في الثانية عشر من عمره لما شغل عنه شيخه ولم يحفظ إال نصف القرآن ليلحق بالمدرسة اإلعدادية

، محمالً بحب شيخه وتقديره .3- الشيخ عبدالوهاب الحصافي

هو شيخ الطريقة الحصافية في دمنهور خلفا لوالده الشيخ حسنين الحصافي ، وقد تلقي عنه حسن البنا – أثناء دراسته في مدرسةالمعلمين بدمنهور – الطريقة الحصافية ووظائفها في 4 رمضان 1341هـ وقد استفاد البنا من األساليب التربوية الصوفية من صيام وعزلة

وصمت وزيارة لألولياء وغيرها .وتأثر أيضًا بسيرة الشيخ حسنين الحصافي بعد أن قرأ كتاب " المنهل الصافي في مناقب حسنين الحصافي " في سيرته وأعجب البنا

بشدته في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما كان في حضرة عظيم .ومن خالل مصاحبته للشيخ عبد الوهاب الحصافي لمس فيه البنا من خالل الطيبة وتأثر بها في عدم الخوض في الخالفات أو

المشتبهات من األمور ، والجد والتحرز من صرف األوقات في غير العلم أو التعليم أو الذكر أو الطاعة .وقد ظل البنا علي تقديره للشيخ عبد الوهاب الحصافي ووالده بعدما أنشأ جمعية اإلخوان المسلمين .

4- الشيخ محمد أبو شوشة

الشيخ محمد أبو شوشة أحد تجار المحمودية ومن صالحيها ، وكان كثيراً ما يأخذ نفسه بالجد واالجتهاد في العبادة وتذكر أمور اآلخرة ،ويقص عليهم بالمسجد حكايات الصالحين وأخبارهم فكان له أثر في تربية البنا الروحية .

وقد توافر لإلمام حسن البنا في مدرسة المعلمين كثير من األساتذة الذين تميزوا بالصالح والخير والروح العلمية التي تشجع الطالب عليالبحث والدرس ومنهم : الشيخ عبد الفتاح أبو عالم: أستاذ الشريعة والتفسير والحديث بمدرسة المعلمين بدمنهور ، وكان البنا كثيراً ما

يتناقش معه حول ما يوجه للتصوف من نقد ، وكان أستاذه يغمره بمحبته ورغبته في توجيهه ، ولذلك كان البنا يحبه ويقدره .ودرس له أيضًا األستاذ عبد العزيز عطية مادة " التربية العملية " وقد لمس في البنا نبوغًا وذكاء فريداً ، فكان يشجعه علي القراءة

والدرس ، واختصه بتصحيح بعض بروفات كتابه " المعلم " في التربية الذي يكاد يطبع في ذلك الوقت بدمنهور .

Page 66: ikwan

66أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

ولما التحق حسن البنا بدار العلوم أخذ العلم عن أساتذتها ، ومنهم الشيخ محمد عبد المطلب وهو أحد الشعراء المشهورين في العصرالحديث ، ويوصف بأنه حجة في األدب واللغة ، وله اهتمامات علمية متنوعة حتى أنه وضع سلسلة من الروايات التاريخية التمثيلية .

كما تلقي كذلك عن الشيخ موسي أبو قمر رجالً كريمًا جواداً وكان حسن البنا علي عالقة طيبة به ، والشيخ أحمد بدير والشيخ عالمموسي الذي برع في األدب ، واألستاذ أحمد يوسف نجاتي الذي امتحنه الشفوي حين تقدم المتحان دار العلوم .

ثانياً : تالميذ اإلمام البنابذل حسن البنا جهوداً كبيرة في سبيل نشر الدعوة وساح في أنحاء القطر المصري والتقي بكثير من الشخصيات التي آمنت بالدعوة

وحملت لواء نشرها ، حتى انتشرت في ربوع القطر المصري وخارجه ، وتواصلت األجيال التي حملت لواء الدعوة جيالً بعد جيل حتىعصرنا هذا ، ولذلك فإننا إذا تحدثنا عن تالمذة اإلمام البنا ، فإنما نتحدث عن كل من ينتمي إلي اإلخوان المسلمين في مصر والعالمالعربي واإلسالمي ، فإن هؤالء جميعًا استوعبوا فكر حسن البنا ودعوته وجاهدوا في سبيلها وإن لم يتلقوا جميعًا منه فقد تلقوا عنتالمذته ، وما تركه من تراث مكتوب ، ولذلك فإنه يصعب علينا أن نشير إلي جميع تالمذته ، وما تركه من تراث مكتوب ، ولذلك فإنه

يصعب علينا أن نشير إلي جميع تالمذة اإلمام حسن البنا ، لذا فإننا سنكتب إلماحة موجزة عن بعض تالمذته من القيادات اإلخوانيةمثل :

أ. عمر التلمساني

1 – األستاذ عمر التلمساني

هو الداعية المربي األستاذ عمر عبد الفتاح بن عبد القادر مصطفي التلمساني ،تولي منصب المرشد العام لإلخوان المسلمين بعد وفاة المرشد الثاني األستاذ حسن

الهضيبي في نوفمبر 1973م ، ترجع أصوله إلي " تلمسان " بالجزائر ، ولد فيمدينة القاهرة 1322هـ - 1904م بالغورية ، عمل بالمحاماة وعرف عنه الصالبةوالقوة داخل السجون التي قضي بها أكثر من سبعة عشر عامًا حيث دخلها عام1948م ، ثم عام 1954م ، ثم عام 1981م كما عرف بالزهد والتعفف والخشية من

الله وحده دون سواه والحرص علي مرضاته ، توفي في الثالث عشر من رمضان1406هـ الموافق 22/ 1986/5م بالمستشفي بعد معاناة مع المرض تاركًا ولدين

وبنتين ....لمزيد من المعلومات

أ. محمد حامد أبوالنصر

2 – األستاذ محمد حامد أبوالنصر

هو رابع مرشد لإلخوان المسلمين من مواليد 1913م بمدينة منفلوط أحد مراكز أسيوطوكان يعمل مدرسًا إلي جانب أنه من أعيان البلد , وكان جده من كبار علماء األزهر ،

تعرف علي الدعوة من خالل لقاء اإلمام البنا معه عام 1934م فبايعه ولم يمرسوي يوم واحد علي تعرفه به واستمر عضواً في مكتب اإلرشاد ولم يخرج منه إال

مرة واحدة في أول مكتب إرشاد شكل بعد تولية المرشد الثاني األستاذ حسنالهضيبي , تم الحكم عليه في أحداث 1954م ، ولم يخرج إال في عهد الرئيس أنورالسادات وبعد خروجه من األشغال الشاقة المؤبدة صدر قرار بتحديد إقامته في

منزله ، وكان ذلك بسبب إرساله المأكوالت والمالبس واألدوية إلي إخوانه فيالسجن ، ظل جنديًا في الدعوة في جميع أطوارها ومراحلها حتى تولي قيادة

الجماعة في عام 1986م عقب وفاة المرشد الثالث األستاذ عمر التلمساني وتوفي رحمه الله في يناير 1996م ....لمزيد من المعلومات عناألستاذ محمد حامد أبوالنصر

Page 67: ikwan

67أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

أ. كامل إسماعيل الشريف

3 – األستاذ كامل إسماعيل الشريف

من قادة كتائب اإلخوان في حرب فلسطين عام 1948م ، خرج من مصر عام1954م وقام عبد الناصر بسحب الجنسية منه ، ولذلك تجنس بالجنسية األردنيةوعينه الملك حسين وزيراً لألوقاف بعد ذلك وله كتابات منها " المقاومة السرية

في قناة السويس " ، و " اإلخوان المسلمون في حرب فلسطين " ....لمزيد منالمعلومات عن األستاذ كامل الشريف

الشيخ محمد الفرغلي

4 – األستاذ الشهيد محمد فرغلى

كان الشيخ محمد فرغلى داعية من دعاة اإلسالم ومن الرعيل األول من اإلخوانالمسلمين , عمل مع الشهيد حسن البنا منذ بدأ دعوته في اإلسماعيلية , واختاره

اإلمام الشهيد لمسئوليات كبار فكان عند حسن الظن به , فكان محدثًا وموجهًالإلخوان في دروس الكتائب والمعسكرات واألسر والرحالت , كما كان رئيس األخوانبمنطقة اإلسماعيلية ولم يكن الشيخ من ذلك النوع من شيوخ الدين الذين يتعلقونبالقشور ويبحثون عن المناصب والمراكز , ولكنه كان مجاهدًا بحق وحسبه أنه تركوظيفته وأهله , وذهب إلي فلسطين مع رجال جماعته من المجاهدين ، وحين نشبت

معركة قناة السويس ترك أهله مرة أخرى واندمج بكليته في المعركة حيث قررالتصدي لإلنجليز بالقوة ومقاومتهم وضربهم في أوكارهم ومعسكراتهم ، حتى

أصبح هو ويوسف طلعت يحسب لهما اإلنجليز وأعوانهم حسابًا شديدًا ويرصدونتحركاتهم ويرصدون جائزة كبرى لرأسه حيًا أو ميتًا ولكنهم لم يفلحون ، وكان منالمبادرين إلي الجهاد في فلسطين 1948م فدخلها علي رأس قوة من مجاهدياألخوان المسلمين ، وكان من أبرز قادة األخوان الذين قاموا بتدريب إخوانهم

الفلسطينيين وشاركوهم في اقتحام مواقع اليهود ومهاجمة مستعمراتهم الذين كانوايتركونها دون مقاومة بفضل جرأة وإقدام هذا الشيخ وأتباعه ، ونال الشهادة فيسجون عبد الناصر علي حبل المشنقة هو وإخوانه الشهداء الخمسة الذين أعدمواجميعًا يوم 7/ 12/ 1954م إرضاء لليهود واإلنجليز واألمريكان والروس ، ولكن الشيخ

المجاهد وقف شامخ الرأس أمام حبل المشنقة باسمًا في إقدام ، فرحًا في إيمان ، مرددًا قول من سبقوه من إخوانه وهم يمضون فيطريق الشهادة وقال قولته الشهيرة : " إنني مستعد للموت ، فمرحبًا بلقاء الله "

وأوردت "مجلة باري ماتش" الفرنسية في عددها الصادر يوم 1954/8/12م الخبر التالي : " في الساعة السادسة من صباح أمس1954/7/12م رفع العلم األسود علي سجن القاهرة وسيق المحكوم عليهم باإلعدام يسيرون بأقدام عارية ، ومالبس اإلعدام الحمراء ,

وبدأ تنفيذ األحكام في ستة من اإلخوان المسلمين هم : محمود عبد اللطيف , يوسف طلعت ، هنداوى تدوير، إبراهيم الطيب ، محمد فرغلى ،عبد القادر عودة ، الساعة الثامنة ، وقد ذهب المحكوم عليهم إلي المشنقة بشجاعة منقطعة النظير ، وهم يحمدون الله علي

حصولهم علي شرف الشهادة ، وقال الشيخ محمد فرغلى : " أنا علي استعداد للموت فمرحبًا بلقاء الله " ولقد عم العالم العربيواإلسالمي موجة من السخط الشديد واالستنكار الغاضب ، وأعلن الحداد في بالد الشام وغيرها علي هؤالء الشهداء ....لمزيد من المعلومات

عن الشيخ محمد فرغلي

Page 68: ikwan

68أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

المستشار عبدالقادر عودة

5 – المستشار عبدالقادر عودة

ارتبط المستشار عبد القادر عودة بجماعة اإلخوان في أوائل األربعينيات ، واختبروكيالً للجماعة في عهد المستشار الهضيبي المرشد الثاني لإلخوان المسلمين ، وقاد

مظاهرة 28 فبراير 1954م التي اضطرت ضباط الثورة إلي إعادة محمد نجيب إليرئاسة الجمهورية ، وطالبت بالقصاص من جمال عبد الناصر للقتلى الذين سقطواعند قصر النيل يوم المظاهرة ، ولم تنصرف المظاهرة إال بأمر عبد القادر عودة ،وكان ثمن هذا الموقف أن حكم عليه جمال عبد الناصر باإلعدام عقب تمثيلية

المنشية 1954م ، وأهم كتبه : " التشريع الجنائي في اإلسالم " ....لمزيد منالمعلومات عن المستشار عبدالقادر عودة

أ. صالح عشماوي

6 – األستاذ صالح عشماوي

هو رائد الصحافة اإلسالمية ، األستاذ صالح مصطفي عشماوي من مواليد القاهرةفي 1910/24/12م ، وحفظ القرآن الكريم وهو صغير وتخرج في كلية التجارة

1932م وكان أول دفعته ، عمل بالمصرف األهلي لمدة سنة واحدة ثم تركه لتعاملهبالربا ثم عمل باألعمال الحرة ، اتصل بدعوة اإلخوان المسلمين عام 1937 وأسند

إليه رئاسة تحرير " مجلة النذير " ورئاسة تحرير "مجلة اإلخوان المسلمين "األسبوعية سنة 1943 ، ورئاسة تحرير الجريدة اليومية سنة 1946م ، ورأس تحرير "

مجلة المباحث القضائية " و" مجلة الدعوة " سنة 1951م وظل يعمل بها حتىعام 1954 حين تم اعتقال اإلخوان المسلمين ومصادرة مؤسساتهم وتعطيلنشاطهم ، إال أنه ظل يصدر بعض األعداد كل فترة حتى ال تسقط الرخصة .

وبعد خروج اإلخوان المسلمين من السجون عام 1974م ذهب إلي األستاذ " عمرالتلمساني " المرشد الثالث لإلخوان آنذاك ووضع نفسه ومجلته تحت تصرف

اإلخوان حيث تمت إعادة إصدارها سنة 1976م وظلت تعمل حتى عطلت وسحبترخيصها عام 1981م ، وتدرج في دعوة اإلخوان المسلمين حتى صار وكيالً لهاإبان وفاة اإلمام الشهيد حسن البنا ، فتولي المسئولية أما اإلخوان لمدة 30 شهراًحتى تم اختيار األستاذ حسن الهضيبي كمرشد عام لإلخوان ، واعتقل بعد حل

اإلخوان في 1948/8/12م أيام حكم محمود فهمي النقراشي وكذلك إبان قرارات سبتمبر 1981م في عهد الرئيس السادات ، انتقل إليجوار ربه عمر يناهز 72 عامًا يوم األحد 1983/11/12م تاركًا ولداً وبنين ....لمزيد من المعلومات عن األستاذ صالح عشماوي

Page 69: ikwan

69أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

الشيخ محمد الغزالي

7 – الشيخ محمد الغزالي

هو الداعية المجدد الشيخ محمد الغزالي السقا ، ولد في 1917/22/9م في قرية "تكال العنب " من " إيتاي البارود " بمحافظة البحيرة بمصر ، حفظ القرآن الكريموعمره عشر سنوات ، وتلقي تعليمه في كتاب القرية ثم التحق بالمعهد الديني

باإلسكندرية ، حيث أكمل المرحلتين االبتدائية والثانوية ، ثم انتقل للقاهرة حيثدرس بكلية أصول الدين سنة 1937م وحصل علي الشهادة العالمية سنة1941م

وبعد تخرجه علم إمامًا وخطيبًا ، ثم تدرج في المناصب حتى صار مفتشاً فيالمساجد ، ثم واعظاً باألزهر ثم وكيالً لقسم المساجد ، ثم مديراً للتدريب فمديراً

للدعوة واإلرشاد ، وفي سنة 1971م أعير للمملكة العربية السعودية كأستاذ فيجامعة أم القرى " بمكة المكرمة " وفي سنة 1981م عين وكيالً للوزارة ، كما تولي

رئاسة المجلس العلمي لجامعة األمير عبد القادر الجزائري اإلسالمية بالجزائرلمدة خمس سنوات ، وله مؤلفات جاوزت الستين كتابًا في مواضيع شتى باإلضافة

للمحاضرات والندوات والخطب والمواعظ والدروس والمناظرات التي كان يلقيهاداخل مصر وخارجها ، وتم ترجمة العديد من هذه المؤلفات إلي العديد من اللغات كاإلنجليزية والتركية والفارسية واألردية واإلندونيسيةوغيرها ، قضي في معتقل الطور سنة 1949 حوالي السنة ، وكذلك في سجن طره عام 1965م فترة أخري من الزمن ، توفي في الرياضيوم 1996/9/3م ونقل إلي المدينة المنورة حيث دفن في مقابر البقيع ، وله تسعة من األوالد وماليين القراء والتالمذة لعلمه وفكره

....لمزيد من المعلومات عن الشيخ محمد الغزالي

أ. عبدالحكيم عابدين

8 – األستاذ عبدالحكيم عابدين

ولد سنة 1914م في قرية " فيدمين " مركز طامية بمحافظة الفيوم ، وكان من أوائلالمنتظمين في صفوف الحركة اإلسالمية ومن أوائل شعرائها .

تخرج في كلية اآلداب بالجامعة المصرية بالقاهرة ، ثم عمل أمينًا لمكتبة جامعةالقاهرة ، واختاره اإلمام الشهيد ليكون زوجًا لشقيقته باعتباره أول من تخرج فيالجامعة ، وبايع علي أن يجعل مستقبله رهنًا بمطالب دعوة اإلخوان المسلمين .

تولي األستاذ عابدين منصب السكرتير العام لإلخوان المسلمين ، وقد اعتقل معإخوانه حين حلت الجماعة في 1948/8/12م ، وخرج من السجن حين ألغت

حكومة الوفد األحكام العرفية سنة 1950م وسقط قرار الحل .

خرج من مصر للحج قبل حادث المنشية 1954م والتحق باألستاذ حسن الهضيبيالمرشد العام – ساعتها – الذي كان يزور سوريا ورافقه في رحلته إلي سوريا ولبنانواألردن ، ولم يعد بعدها إلي مصر ، ألن الحكومة العسكرية قامت باعتقال جميع

اإلخوان المسلمين بمصر وزجت بهم في السجون بعد حادث المنشية المفتعل ،وبقي األستاذ عابدين يتنقل من بلد إلي بلد وبخاصة سوريا ، ولبنان والسعودية

واألردن والعراق وغيرها ، يبذل قصارى جهده لنصرة دين الله وإعزاز كلمة اإلسالم.

اختاره سماحة الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ليكون مستشاراً للهيئة العربية العليا في بيروت تحت رئاسة سماحته ، كمااختارته رابطة العالم اإلسالمي بمكة المكرمة ليكون مستشاراً لها .

عاد إلي مصر سنة 1975م حيث مارس العمل الدعوي مع إخوانه بقيادة المرشد الثالث األستاذ عمر التلمساني ولم يطل به المقام حيثانتقل إلي جوار ربه سنة 1977م بعد عمر حافل بالنشاط اإلسالمي داخل مصر وخارجها منذ شبابه حتى آخر مراحل شيخوخته ....لمزيد

من المعلومات عن األستاذ عبد الحكيم عابدين

Page 70: ikwan

70أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

اللواء صالح شادي

9 – األستاذ صالح شادي

كان رئيس نقطة بوليس صفط الملوك التابعة لمركز إيتاي البارود بحيرة عندما دعاهصديقه األستاذ صالح أبو رقيق لحضور محاضرة لإلمام الشهيد حسن البنا وكانت

هذه المحاضرة هي بداية التحاقه بركب اإلخوان المسلمين ، ثم أصبح مسئوالً عنقسم الوحدات الذي شارك في محاربة اإلنجليز.

وشارك في اإلعداد لثورة يوليو وعرض عليه أن يكون وزيراً للحربية في وزارة الثورةاألولي فرفض ، وقضي في سجون عبد الناصر ما يقرب من عشرين عامًا فما النت

له قناة ثم خرج من السجن ليواصل الجهاد مع إخوانه عامالً لدين الله حتى آخريوم في حياته حيث أسلم الروح بعد يوم عمل طويل شاركه فيه األستاذ مصطفيمشهور حيث توفي وهو جالس بجانبه في السيارة بعد صالة العشاء وأداء واجب

العزاء في وفاة زوجة أحد إخوانه وكان ذلك في عام 1989م ....لمزيد من المعلوماتعن اللوار صالح شادي

الشيخ سيد سابق

10 – الشيخ السيد سابق

من علماء األزهر الشريف انضم إلي جماعة اإلخوان المسلمين في بداية شبابه ، وعينهاإلمام المرشد مفتيًا للنظام الخاص وكانت هذه التسمية سببًا في أن أطلقوا عليه مفتي

الدماء ، كلمه اإلمام الشهيد حسن البنا بوضع كتاب مبسط في فروع الفقه فكان كتابه الرائعفقه السنة الذي قدمه له اإلمام البنا ، وقد اخرج للمكتبة اإلسالمية العديد من الكتب

منها العقائد اإلسالمية وإسالمنا وأوقف حياته للدعوة داخل البالد وخارجها إلي أنلقي ربه ....لمزيد من المعلومات عن الشيخ سيد سابق

11 – األستاذ عبدالعزيز كامل

نائب رئيس الوزراء ووزير األوقاف وشئون األزهر ، الذي جاهد وابتلي كثيراً في سبيلالدعوة ومات عليها بالرغم من بعده عن مصر ردحا طويالً من الزمن .

أ. أحمد حسن الباقوري

12 – الشيخ أحمد حسن الباقوري

وزير األوقاف وشئون األزهر ورئيس جامعة األزهر األسبق ، ظل مقيماً علي عهدهمع جماعة اإلخوان المسلمين بالرغم من اختالفه مع الجماعة ، التقي بدعوةاإلخوان المسلمين منذ بدايتها مع اإلمام البنا وكان زعيمًا لطلبة األزهر ، كما كان

شاعر اإلخوان ومن أقرب الشخصيات لإلمام البنا ، وتدرج في جماعة اإلخوانحتى وصل إلي عضو في مكتب اإلرشاد ولم يسمح لنفسه أن يلقي قصيدة خارج

نطاق اإلخوان في ناد من النوادي وال في حفل من األحفال وال في صحيفة وال فيمجلة .

13 – الدكتوريوسف القرضاوي

Page 71: ikwan

71أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

د. يوسف القرضاوي

ولد عام 1926م في إحدى قري محافظة الغربية بمصر ، ونشأ في أسرة متدينةرقيقة الحال يشتغل أفرادها بالزراعة ، وانتقل والده إلي رحمة الله تعالي وهو

في الثانية في عمره ، فكفله عمه وأتم حفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ العاشرة منعمره وتخرج في كلية أصول الدين بجامعة األزهر عام 1952- 1953م وكان ترتيبه

األول علي دفعته ثم التحق بتخصص التدريس بكلية اللغة العربية ، فحصل عليالعالمية مع إجازة التدريس حائزاً المرتبة األولي علي خمسمائة طالب من كليات

األزهر ، ثم التحق عام 1957م بمعهد البحوث والدراسات العربية العالمية التابعلجامعة الدول العربية فحصل منه علي دبلوم عال في شعبة اللغة واآلداب وفيهذه الفترة نفسها التحق بقسم الدراسات العليا في شعبة علوم القرآن والسنة من

كلية أصول الدين ، ثم شرع في إعداد الدكتوراه إال أن أحداثاً رهيبة حالت دونحصوله عليها عام 1973م بامتياز مع مرتبة الشرف األولي ، وتأثر بكتابات شيخ

اإلسالم ابن تيمية واإلمام ابن القيم والشيخ محمد رشيد رضا .

اتصل مبكراً بحركة اإلخوان المسلمين مما صحح فهمه لإلسالم ، ورسالته في الحياةوواجب دعاته في هذا العصر في وطنهم الصغير ووطنهم اإلسالمي الكبير ، وذلك

من خالل تأثره أيضًا بمؤسس الحركة اإلمام حسن البنا الذي قال عنه القرضاوي :إنه أعظم الشخصيات أثراً في حياتي الفكرية والروحية ، وقد أدي انتماؤه إلي هذه

الحركة إلي اعتقاله عدة مرات منذ 1949م ثم 1954م ثم 1956م ثم 1962م ،قم بعمل ضخم في سبيل الدعوة اإلسالمية في دولة قطر منذ عام 1961م منها إنشاؤه كلية التربية التي صارت نواة لجامعة قطر ، ثم

تولي تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية بالجامعة نفسها عام 1977م ، وكذلك أصبح المدير المؤسس لحركة بحوثالسيرة والسنة النبوية بجامعة قطر .

شارك في العمل اإلسالمي خطيبًا ومحاضراً وكاتبًا ومؤلفًا وداعية ومربياً .. مفكراً ومخططًا .ترجم العديد من مؤلفاته إلي لغات العالم اإلسالمي المتعددة ، وكذلك له دواوين من الشعر في معظم أغراضه ومجاالته .. أمد الله في

عمره ....لمزيد من المعلومات عن الدكتور يوسف القرضاوي14 – األستاذ مصطفي السباعي

أ. مصطفي السباعي

هو مصطفي بن حسني السباعي من مواليد مدينة حمص بسوريا عام 1915م ،ونشأ في أسرة علمية وكان والده يتولي الخطابة في الجامع الكبير بحمص ، وكان

يصحب أباه إلي مجالس العلم ، اشترك مصطفي السباعي في الحركة الوطنية فيسوريا التي تكافح االستعمار الفرنسي ، وهو في السادسة عشر ة من عمره فقبضعليه الفرنسيون ألول مرة 1931م بتهمة توزيع منشورات في حمص ضد السياسةالفرنسية ، ثم أفرج عنه ، وفي عام 1933م ذهب إلي مصر للدراسة في األزهر ،

واشترك سنة 1941م في المظاهرات ضد اإلنجليز وكان عقابه السجن .

التقي مصطفي السباعي في مصر باألستاذ حسن البنا مؤسس جماعة اإلخوانالمسلمين وانضم إلي الجماعة ، واختير ليكون أول مراقب لجماعة اإلخوان

المسلمين بسوريا سنة 1945م ، واشترك في حرب فلسطين وقاد إخوان سوريا فيالمعركة ، حصل مصطفي السباعي علي درجة الدكتوراه وعين أستاذاً في كليةالحقوق في الجامعة السورية ، وعندما طلب من الحكومة السورية سنة 1952

السماح بمشاركة اإلخوان في سوريا أن ينضموا إلي إخوانهم في مصر في كفاحهمضد اإلنجليز ، صدر األمر باعتقاله وحل اإلخوان في سوريا ، واستمر في الدعوةوالكفاح حتى مرض ثماني سنوات وتوفي رحمه الله في يوم 1964/3/10م وترك

مؤلفات كثيرة منها : شرح قانون األحوال الشخصية ، المرأة بين الفقه والقانونوغيرهما ....لمزيد من المعلومات عن األستاذ مصطفي السباعي

15 – األستاذ مصطفي مشهور

Page 72: ikwan

72أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

أ. مصطفي مشهور

هو خامس مرشد اإلخوان المسلمين ولد عام 1920م وتخرج في كلية العلوم وعملباألرصاد الجوية , وانضم لجماعة اإلخوان المسلمين وكان ضمن قيادة النظام

الخاص في الجامعة الذي قام بالعديد من األعمال الوطنية البطولية ومنها قضيةالسيارة الجيب عام 1948م وحكم عليه بثالث سنوات , وفي عام 1954م قبض

عليه وحوكم باألشغال الشاقة فلم يخرج إال في عهد الرئيس المصري أنورالسادات أوائل السبعينات , ومع إفراج العمل السياسي في هذا العهد شارك مع

بقية اإلخوان في إعادة الحركة اإلخونية للمجتمع , كما كان له دور بارز في إقامةالتنظيم العالي لإلخوان المسلمين , وفي فترة المرشد الرابع محمد حامد أبو النصر كان

نائبًا له حتى وفاته ثم تولى القيادة واإلرشاد للجماعة منذ يناير 1996م وحتىتوفاه الله في 10 رمضان 1423هـ ....لمزيد من المعلومات عن األستاذ مصطفي مشهور.

16 – األستاذ عمر بهاء الدين األميري " الشاعر واألديب "

كان األستاذ عمر األميري من أوائل من التحقوا بحركة اإلخوان في سوريا معاألستاذ محمد المبارك واألستاذ الشيخ محمد الحامد والشيخ عبدالفتاح أبوغدةوغيرهم ، وبذل جهوداً طيبة لدعم الحركة وأسهم في توجيه شبابها وكان وثيقالصلة باإلمام البنا وبعده الهضيبي يكثر من زيارته والتردد عليه ومشاورته في

األمور .

لألستاذ األميري أسلوبه في عالج المشكالت ومواجهة التحديات فهو يؤثر الحكمة واللين والمهادنة مع أصحاب السلطة إلزالة البغضمن نفوسهم وعدم استثارة حفائظهم وترغيبهم في اإلحسان إلي شعوبهم ، وعندما كان سفيراً لسوريا في باكستان وفي زياراته لمصر في

أوائل الخمسينيات كان يجتمع بطلبة البعوث اإلسالمية ليعطيهم توجيهاته ونصائحه فيما يتعلق بالعمل اإلسالمي وكان يركز عليالمؤامرة علي اإلسالم وسبب ضياع دولة الخالفة وانقسام المسلمين علي أنفسهم واالستعانة بأعدائهم علي إخوانهم ، باإلضافة إلي

تأخر المسلمين علميًا عن ركب الحضارة وانغماسهم في الشهوات وتكالب األمم عليهم ، وكان يثني علي حركة اإلخوان المسلمينومؤسسها ويري أنها الحركة التي تتوافر فيها مواصفات النهوض باألمة من كبوتها ، كما يوصي الشباب المتحمس بعدم التعجل واالعتماد

علي التربية إلعداد الرجال ....لمزيد من المعلومات عن األستاذ عمر بهاء الدين األميري

17 – األستاذ محمد محمود الصواف

أ. محمد محمود الصواف

كان من أعالم اإلسالم ليس في العراق وحدها بل في العالم اإلسالمي كله ، صدعبكلمة الحق واستنهض الهمم إلنقاذ فلسطين بعد قرار التقسيم سنة 47 ، وأنشأ

جمعية " إنقاذ فلسطين " وسارع إلي الجهاد ، يعد الكتائب ويجهز المجاهدين ويجمعاألموال لدعمهم ، وأسهم وتالمذته في العراق بإسقاط معاهدة ( جبر – بيفن )االستعمارية ، وظل يساند المجاهدين في كل مكان حتى غادر العراق مطارداً منالطاغية عبد الكريم قاسم وأعوانه الذين أهدروا دمه ، ولجأ إلي سوريا ثم إلي

المملكة العربية السعودية التي آوته وآزرته كما كان له جوالت دعوية في أفريقياوجنوب آسيا لقيت دعمًا كبيرا من الملك فيصل آل سعود أحيا بها روح التضامناإلسالمي ، وكانت له مواقف بطولية أمام تجبر الطغاة والمستعمرين ، ونظم لهما

المؤتمرات الشعبية لمساندة الثورة وقضية الشعب الجزائري ، ولم يترك مدينةالعراق وكان أول كتاب صدر له كتاب " صرخة مؤمنة إلي الشباب والشابات "

يلهب فيه الحماس ويحرك المشاعر ويدعوهم فيه إلي الحق والخير وااللتزامباإلسالم عقيدة شرعية ، وكانت له مواقفه المساندة للثورة الجزائرية مع أخوية

الورتالني واإلبراهيمي ودعاهما لزيارة العراق ونظم لهما المؤتمرات الشعبية لمساندة الثورة وقضية الشعب الجزائري ، ولم يترك مدينةبالعراق إال وزارها ودعا جماهيرها إلي منهج اإلسالم وطريق الدعوة ، كما زار معظم األقطار ينشر دعوة اإلسالم ، وفي السنوات العشر

األخيرة من عمره أعطي وقته وجهده للجهاد األفغاني يناصره ويسانده ويصلح بين فئات المجاهدين ليمنع الفتن التي يكيدها أعداءاإلسالم ويخطب ويبكي الحضور ويمأل القلوب إيمانًا وعزيمة ....لمزيد من المعلومات عن الشيخ محمد محمود الصواف

Page 73: ikwan

73أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

الفصل الثالث : جوانب من شخصية اإلمام البناتمتع اإلمام البنا بصفات شخصية قلما تجتمع في إنسان واحد ، وقد أهلته هذه الصفات الشخصية والمواهب التي حباه الله بها ألن

يصبح الداعي األول في القرن العشرين ، ومؤسسًا وقائداً ألكبر حركة إسالمية علي مستوى العالم ، وهي حركة اإلخوان المسلمين ، فقدحباه الله بجسد قوي يتحمل الشدائد والمصاعب فضال عن ذاكرة حديدية تحتفظ بالمعلومات واألسماء بطريقة عجيبة ، وسرعة بديهية

وسعة أفق ، وقدرة علي تحليل األحداث واستخالص النتائج التي قلما تخطيء ، فقد كان رحمه الله عليمًا بعصره ففيهًا في حركته ذاحكمة ودهاء ، وكان رحمه الله زاهداً في العيش مع القدرة علي الكسب ، متواضعًا في غير ذلة معتزاً بنفسه وبدعوته من غير كبر ، يحب

إخوانه ويألفهم ويألفونه .وكان اإلمام البنا يقدم دعوته علي غيرها من األشياء ، يقدمها علي راحته ويقدمها علي أوالده ، فقد عاش بالدعوة وللدعوة ، وقد

امتلك اإلمام البنا قوة روحية هائلة وإرادة قوية ال يتطرق إليها ضعف ، وعزيمة ماضية ال تنثني .ولندع الحديث حول هذا المعني لمن رافق اإلمام الشهيد – رحمه الله – حيث عاش حركته الدائبة في الدعوة إلي الله ال يفتر عن ذلك

أبداً ، يقول األستاذ محمد عبد الحميد وهو من الرعيل األول : " إن من أبرز سمات شخصية اإلمام الشهيد روح " الحركة " في طبيعتهوطاقة العمل الضخمة في أعصابه ودمه .

كان شخصية عجيبة فذة حقًا ، هي روح وعقل وجسد ، روح : هي شعلة سماوية تتوهج بالحرارة والضياء !! وعقل : هو ميزان محكمال يميل وال يضطرب علي كثرة األحداث وهول المشاكل !! ، وجسم هو أداة طيعة لهذه القوى الكبيرة والمعاني القدسية العالية !! .

كان شخصية متحركة ال تقف وال تسكن ، كأنه فلك إنساني يدور مع الكواكب يعمل ويوجه ويعد وينظم وينتج في لحظات ما يقصر عنهغيره في شهور وسنوات ، كان يركض إلي الله حين يمشي العاملون ، ويثب إليه حين يركض المخلصون ، ويطير إليه حيث يثب المصلحون ،

كان يتأسي بالرسول صلي الله عليه وسلم في جهاده الدائم حتى كان من أوصافه :" ليست له راحة "تبهرك أعصاب فذة كأنها كهربائية ، نسيج وحده ال يخضع لمؤثرات المادة وقوانينها في الطاقات والمواقيت ، سهر دائم وفكر عامل

ثاقب وسلسلة ال تنقطع حلقاتها في الفكر والعلم واإلعداد والتوجيه ، وأسفار حتى تغلغل في أعماق الكفور والنجوع وبين العشائروالقبائل ، فكان الزعيم الحق الذي جلس علي التراب وخالط ألول مرة طبقات الشعب في حياتهم وأحس آالمهم ومشاكلهم !! .

كان يختزل الحياة اختزاالً كأنما كان يسابق األفالك في دورانها ، خطواته خطوات العماليق ، وجهاده جهود أمة كاملة ال فرد محدود ، كأنهعلم أن حياته أقصر من دعوته الشاملة فحرص علي أن يكون لدعوته من أسباب القوة ، ويحوطها بأضخم ما يستطيع من أسوار ،

ويجهزها بأعظم ما يقدر من العدة والذخائر ، ولما رأي أن مشاكل المجتمع فوق ساعاته المحدودة وحياته القصيرة جعل شعاره تلكالكلمة المأثورة " الواجبات أكثر من األوقات " .

كان سمته " الحركة الدائمة " والعمل السريع وكان يدافع إلي تكاليف الحياة ومطالبها في هيام وغرام ليس لهما مثيل ، وهو خالل ذلك ينتجإنتاجًا ضخمًا هائالً رغم المسارعة في غير زلل أو عثار ، بل كانت سرعته يتوجها التوفيق وحركاته المتالحقة يزينها اإلحكام !! .

كانت همته فوق قدرته ، وقدرته فوق التعب والزمن ، يتسامي فوق الطاقة البشرية ، وأعماله الضخمة الموفقة أشبه بكرامات األولياءمنها بجهود العباقرة ، عزيمة تتضاءل دونها العزائم ، وهمة ال تبلغها العصبة أولو القوة إال بروح من الله ورضوان !!

فحق لنا في هذا الجزء من هذه الصفات نلقي عليها الضوء من خالل بعض جوانب شخصيته وهي جديرة حقاً بالتأمل والدراسة .

المبحث األول : الجانب العقائدي

كان اإلمام الشهيد حسن البنا رجل العقيدة بحق ، وقد صور اإلمام الشهيد حسن البنا في كتابه " العقيدة وشخصية رجل العقيدة" حالرجل العقيدة وما أخاله إال أنه كان يتحدث عن نفسه في وصفه لشخصية رجل العقيدة ، ولن نحصي كل مفردات الجانب العقائدي

في حياة اإلمام الشهيد ، لكننا سنستعرض بعض منها :1 – التوكل علي الله :

التوكل علي الله باب كل خير ، به يفتح الله أبواب الرزق المغلقة ، وبه يكون الله كافيًا عباده كل مشقة ، ، وهذا المعني مطلوبتعميقه في نفس كل مسلم عامة وفي قلب كل داعية خاصة حتى ال يعرف لليأس طريقاً وال يتسرب القنوط منه إلي نفسه أبداً ، وهكذا

كان اإلمام البنا – رضي الله عنه – متوكالً علي الله حق توكله ، ولم يخب ظنه بالله حتى في أحلك الظروف وأشدها .حين رغب اإلخوان في شراء قصر آل " أبو الحسن " وهو المبني الضخم المقابل لدار المركز العام لإلخوان في ميدان الحلمية الجديدة ،لم يكن في خزانة الجماعة غير مائتي جنيه فقط بينما المبلغ المطلوب أربعة عشر ألفًا من الجنيهات ، وحين طلب أصحاب القصر مبلغ

خمسمائة جنيه عربونًا علي أن يتم سداد باقي المبلغ بعد كتابة العقد بشهر .هنا هتف حسن البنا قائالً : شيء عظيم ، اشترينا القصر إن شاء الله ، وهو يعلم أن الخزانة ليس بها إال مائتا جنيه ، لكنه متوكل علي

الله ويوقن أن الله سيجعل له من أمره يسراً ، وما دام القصد إرضاء الله تعالي ، والغاية إعالء كلمة الله فلن يخيب هذه المساعيالحميدة .

Page 74: ikwan

74أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

فمن أين لنا بباقي المبلغ ؟ فيرد عليه اإلمام البنا : توكل علي الله .فتسري هذه الكلمات في وجدان الرجل وال يجد وسيلة لتدبير بقية العربون إال أن يبيع " حلي زوجته " ويستكمل باقي العربون كدين

عليه وأحضر قيمة العربون .وبينما اإلخوان يفكرون في تدبير ثمن شراء القصر إذا بأبواب الخير تنفتح عليهم ، فيأتي أحد المحبين لزيارة اإلمام البنا فيخبره بأن

اإلخوان عقدوا العزم علي شراء القصر المقابل ، فيسأل : ولماذا لم تنتقلوا إليه ؟ فيجيبه بأنهم دفعوا العربون فقط وأن تسليم القصريكون بعد دفع مبلغ ألف جنيه ، فإذا بالرجل يعلن عن تبرعه بمبلغ خمسمائة جنيه في الحال حتى يتمكن اإلخوان من استالم القصر

واالنتقال إليه .وفي أول حديث ثالثاء أعلن عن شراء القصر المقابل للمركز العام ويُفتح باب التبرع لهذا الغرض ، وطلب اإلمام أن يساهم كل أخ

مستطيع في عملية الشراء وقال : ال أريد أن أحرم أحداً من اإلخوان المسلمين في أنحاء القطر أن يكون له حجر أو لبنة في المركز ، وفيأقل من شهر استكمل المبلغ وزادت التبرعات عن المبلغ المطلوب .

فسارع اإلمام البنا وأعلن غلق باب التبرع لحساب الشراء .وهكذا صار لإلخوان مركز عام ضخم يستوعب الكثير من أوجه نشاطهم ، خاصة حديث الثالثاء الذي أصبح مقياسًا صادقًا ومعبراً

بوضوح عن قوة اإلخوان في المجتمع المصري .فمن مبلغ صغير في الخزانة محبوس أصبح للجماعة منارة عظمي تفد الوفود والجموع إليها .

2 – اليقين في نصر الله :

إن اإلنسان الطموح إلي غاية سامية وهدف عظيم إذ لم يكن متيقنًا من الوصول إلي غايته فإنه لم يصل إليها ، ألن اليأس سوف يستبدبقلبه ويسيطر علي مشاعره ، ويستسلم له فيقعده عن العمل ، وقد كان هذا المعني متمكنًا من قلب اإلمام البنا ، ظهر ذلك في خطته

التي كان يلح فيها ويركز علي بعث األمل ، وبث الثقة في نفوس إخوانه ضاربًا األمثلة الحية من سيرة الرسول – صلي الله عليه وسلم– كموقفه من غزوة األحزاب .

في هذا الجو الرهيب شديد البر ، واألعداء كثر ، استعصي حجر من األحجار علي الصحابة ، فأخذ رسول الله – صلي الله عليه وسلم –المعول وضربه وقال : " بسم الله الله أكبر ، فتحت عليكم الروم ، واله إني ألنظر إلي قصورها البيضاء ...) .

بمثل هذه المعاني كان يتحدث البنا مع إخوانه ، ولم يكن ذلك أقواالً فقط بل كانت أفعاالً أيضًا ، فعندما اعتقل بعد مقتل أحمد ماهرازداد يقينًا في نصر الدعوة وكتب إلي إخوانه من خلف القضبان في 16/3/1363هـ يقول : إن ما نلقاه اآلن ليس جديداً علينا وال هو

من المفاجآت في طريق دعوتنا ، فكذلك كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم من األنبياء والصديقين والشهداء ، وقد حقق لنا القوم بهذاما كنا نتمثل به من قبل : " إن سجني خلوة وقتلي شهادة وتغريبي سياحة " ، وقد نقلونا بهذه المحنة نقلة واسعة إلي األمام والحمدلله ، ووقفوا بنا علي طريق معل\بد من طرق الدعوة ، وهذا أول الخير وأنا به جد متفائل وأعتقد أن وراء ذلك الفتح العظيم إن شاء الله .

3 – يرضي بالقضاء والقدر :

كان اإلمام الشهيد رضوان الله عليه يؤمن بالقضاء والقدر إيمانًا راسخاً ، ال عن طريق الدراسة والتعليم فقط ؛ وإليك قوله في هذا :- إن إيماني بالقضاء والقدر ، والرزق واألجل ، ليس نتيجة الدراسة والتسليم واإليمان بالنصوص فقط ، ولكنه نتيجة التجارب والمشاهدة ،

فقد تعرضت للموت في صغرى أكثر من مرة وبصورة مختلفة ، وكانت نجاتي بأعجوبة ، فوجئت أنا وأخي عبد الرحمن ونحن صبياننلعب في " الحارة " بانقضاض بيت كامل فوق رؤوسنا ، ولم ينجنا إال استناد السقف علي " درابزين " السلم فأصبحنا في مأمن بالفراغ

الناشئ عن ذلك حتى رفعت األنقاض وخرجنا سالمين " .- ووقعت من فوق سطح يرتفع عن األرض أكثر من ثمانية أمتار ولكن الله سلم فجاءت الوقعة في " ملطم المونة " فلم تحدث إصابة .- وقذفت بنفسي في إحدى الترع الكبيرة في أيام الفيضان ، والماء علي أشده فراراً من مطاردة كلب عقور ، فانتشلتني سيدة كريمة ، ال

أزال أذكر منظرها ، وقد خلعت في سرعة البرق جلبابها وتعممت به ، وقذفت بنفسها إلي الماء ، وبعض الرجال وقوف ينظرون ، والينجدون ، مما جعلني أؤمن بأن الشهامة والنجدة ليستا وقفًا علي الرجال .

- وتقدمت إلطفاء النار في منزل اندلعت ألسنتها فيما علي سطحه من وقود علي عادة الريف ، فامتدت النار إلي ثيابي وأطرافي ، ولكنفرقة اإلطفاء كانت قد أقبلت ، وقدر رجالها هذا الموقف من ناشئ صغير ، فوجهوا إلي خراطيمهم ، ونجوت بذلك من احتراق محقق .

- وجمحت بي الفرس مرة جموحًا شديداً ، واعترضني حاجز قوى لسور خشبي يحاذي الرقبة ، كان االصطدام كافيًا ليطيح بالرأس إلي مكانبعيد ، لوال أن الله تبارك وتعالي ألهمني في هذه الساعة الحرجة أن استلقي علي ظهري علي السرج استلقاءً كامالً حتى اجتزت هذا

الحاجز .وكان – رضي الله عنه – ينزل عليه القضاء ، فيرضي به ، بل ويشكر عليه كأنه برد وسالم علي قلبه ، لدرجة أنه ال يغير من برنامجه

شيئًا ، ويشهد بذلك موقفه من موت ابنه ، فيقول أنور الجندي : كان قد دعا إلي " كتيبة تبيت بالمركز العام ، يتحدث معهم إلي هزيع الليل ، ثم ينامون ساعة أو ساعتين ، ثم يستيقظون لصالة الفجر ، كان قد ذهب إلي المنزل فوجد ابنه في حالة الخطر ، وعلي شفا الموت

Page 75: ikwan

75أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

، وكان موعد الكتيبة قد اقترب فانصرف إليها ، وبينما هو يتحدث معهم في بشاشته المعهودة ، جاء من يسرٌَ إليه أن ابنه توفي ، فما زادعلي أن قال له بضع كلمات تتعلق بغسله وتكفينه .. وواصل حديثه مع أعضاء الكتيبة ونام معهم ، وفي الصباح أمر بمن يذهب به إلي

القبر .

المبحث الثاني: الجانب العبادي

كان اإلمام الشهيد حريصًا علي أداء العبادات علي أكمل وجه ، فكان حريصًا علي أداء الصالة في وقتها ، وقد نبه إخوانه إلي ذلكفقال : " قم إلي الصالة متى سمعت النداء مهما تكن الظروف " وكان حريصًا علي قيام الليل مهما اشتد به النصب مع حب وشغف

بالقرآن ال ينتهي .- صالته :

يقول األستاذ محمود عبد الحليم : " لقد كنت في أيام اتصالي باإلخوان المسلمين حريصًا علي مراقبة كل ما يدور في مركزهم العام ،ال سيما ما يصدر من مرشدهم من حديث وأعمال .

وقد لفت نظري أن صالة المرشد – وكان دائمًا هو اإلمام – ال تكاد تختلف عن صالة كثير من الناس ، فهي وإن كانت صالة خاشعةمطمئنة ؛ لكن رائيها ال يمكن أن يصفها بأنها صالة مطولة كتلك التي تمارس في مساجد بعض الجمعيات ، أما في الصلوات الجهرية فكانله فيها – رحمه الله – أسلوب آخر .. كان يطيل فيها من قراءة القرآن .. ولكن هذه اإلطالة لم تكن مجرد إطالة وال القراءة مجرد قراءة ،

وإنما كانت قراءة هادفة ، كانت قراءة من مواضع مختارة .. يتناول في كل صالة منها معالجة موضوع معين من المواضيع الحساسةالتي تمس النفوس وتعالج مشاكل المجتمع ، ففي صالة يستعرض علي المأمومين أصناف الناس ، وفي صالة أخري يستعرض طبائع

النفوس ، وفي ثالثة يعرض صورة لغرور السلطة وعواقبه ، وفي رابعة يستعرض مواقف الحق األعزل من الباطل المسلح ، وفي خامسةيستعرض دالئل قدرة الله في مخلوقاته ، وهكذا من المواضيع التي يخرج المأمومون من كل منها بتوجيهات محددة وتعاليم معينة .

وغير خافِ علي القارئ المجرب أن سماع المؤمن القرآن وهو واقف في الصالة بين يدي الله ذو أثر في النفس أشد عمقًا وأعظم وقعًامن سماعه القرآن في غير هذا الوضع .. وقد يفهم من القرآن في هذا الموقف ما ال يفهمه منه في غيره من المواقف .. ال سيما إذا كان

القارئ أستاذاً مربيًا يفهم ما يقرأ ، ويعرف كيف يتلو اآلية تالوة تبرز ما خفي من معانيها فهو يعرف كيف يكون الوقف ويعرف كيف يكونالوصل .. وال يمر بآية وعيد وعذاب إال استعاذ في سره بالله ، وال يمر بآية من البشريات إال طلب في سره من الله المزيد ، وهكذا كانت

الصالة إحدى وسائل حسن البنا في تثبيت أفكار دعوته في النفوس وفي تربية من وراءه وتوجيههم .لكن القليل من اإلخوان من لمس من حسن البنا اختالفًا عن الناس في الصالة التي بينه وبين ربه أعني الصالة – يحكي األستاذ عمر

التلمساني عن موقف صحبه فيه إلي لمنزلة ، بعد كثرة اإلجهاد من السفر ، والجلوس مع اإلخوان ، ومتابعة أنشطتهم ، حدث ما يلي :وبعد الحفل صعدنا إلي الطابق الثاني في منزل لنأخذ قسطًا من الراحة ، ودخلت معه إلي حجرة بها سريران وعلي كل سرير ناموسية ،ألن المنطقة كانت زاخرة بجحافل الناموس ، التي ال ترتوي إال من امتصاص دماء البشر ، ودخل سريره وأرخي ناموسيته ، وفعلت مثلما

فعل علي السرير اآلخر ، وكان التعب واإلجهاد قد بلغ مني مداه ، فاعتراني قلق وبعد خمس دقائق تقريبًا سألني فضيلته :" هل نمتيا عمر ؟ قلت ليس بعد ، ثم كرر السؤال بعد فترة ثم بعد فترة ، حتى ضقت باألمر ، وقلت في نفسي : أال يكفيني ما أنا فيه من إجهادوقلق حتى تضاعف علي المتاعب ! أال تدعني أنام ؟ كان هذا حديثا صامتًا يدور بيني وبين نفسي فصممت علي أال أرد علي أسئلته

موهمًا إياه أنني نمت ، فلما اطمئن إلي نومي نزل من سريره في هدوء كامل ، وعند الباب أخذ القبقاب بيده وسار حافيًا حتى وصل دورةالمياه ، حيث توضأ وأخذ سجادة صغيرة ، وذهب إلي آخر الصالة بعيداً عن الغرفة ، التي ننام فيها .. وأخذ يصلي ما شاء الله له أن

يصلي ونمت أنا ما شاء الله لي أن أنام .يقول عمر بهاء األميري : " لقد راقبته أدق المراقبة ، حتى إنني أتابعه من شقوق الباب وهو يصلي في غرفته خاليًا قبل النوم ،

وكنت أفحص خشوعه فأراه أطول سجوداً وأكثر إقباالً علي الله منه يصلي بنا "الرجل القرآني :

القرآن الكريم نور يضيء جنبات النفوس ويتسرب إلي أعماق القلوب فيهزها ويضيئها ولكن هذا النور ال يضيء إال النفوس التي فتحت لهمغاليقها واستدعته إلي دروبها ، لتستضيء بنوره وتتألأل بأسراره العجيبة ،

ونحسب اإلمام البنا كان واحداً من القرآنيين الذين شغلهم القرآن الكريم تالوة وحفظاً وفهمًا وعمالً ، فكانت حياتهم كلها له . وهذه بعضالمواقف المشهودة للرجل رحمه الله .

غاب عن الناس من خلقه ما جعله بين نفسه وربه يستره عن الناس فال يطلع عليه إال خاصة أهله ، فهو في بيته – شهد الله – ال يفترعن مصحفه وال يغيب عن قرآنه وال يغفل عن ذكره ، يتلو القرآن علي الحافظ منا فيسمع له ويلقي بالمصحف إذا لم يجد حافظاً إلي

الصغير فيراجع عليه ويمأل البيت بالقرآن والتالوة سابحًا في آيات ، غارقاً في ذكريات ، صاعداً إلي سماوات ، يعرف الطريقة التي كانيقرأ بها النبي صلي الله عليه وسلم فيقرأ بها والمواقف التي كان عندها فيقف عندها .

Page 76: ikwan

76أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وكان تعرو جسمه رعدة وتأخذ نفسه روعة فيتجهم لدي آيات الوعيد ، ويشرق عند آيات البشري والنعيم ، خارجًا عن الجو الذي يحيا فيهغائبًا عن معني بعيد بعيد .

يقول عنه الكاتب األمريكي " روبير جاكسون " : لقد حمل البنا المصحف ووقف به في طريق رجال الفكر الحديث ، ثم يقول عنه : وكانالرجل القرآني يؤمن بأن اإلسالم قوة نفسية في ضمير الشرق وأنها تستطيع أن تمده بالحيوية التي تمكن له في األرض .

وكان رحمه الله ذا فهم قرآني راق نابع من قلب داعية ، ففي ذلك يقول محمد عبد الحميد أحمد : " من الذكريات الجميلة التي ال تزالراسخة في أعماق نفسي ما فتح الله علي إمامنا الشهيد خالل محاضرات يوم الخميس من كل أسبوع لقسم الطالب بالمركز العام ، وكانموضوع المحاضرة " دراسات قرآنية " تناول فيها موضوع الحروف المقطعة في أوائل بعض السور من القرآن الكريم مثل ( ألم ، ق ، ص.. الخ ) وتناول أراء المفسرين في داللتها وحكمتها .. ثم هداه الله وكشف في هذه الحروف إذا جمعت وحذف المكرر منها تكون عبارة تدل

علي أن هذه الحروف لها حكمة ربانية وسر إلهي ، وهذه العبارة هي " نص قاطع حكيم له سر " وقد عرضنا هذا التصوير علي الشيخالصالح " كامل حسن " وكيل كلية الشريعة سابقًا رحمه الله فكان جوابه إن القرآن كما وصف الرسول عليه الصالة والسالم ال تنتهيعجائبه ، وهذا فتح من الله يؤتيه الله من يشاء من عباده الصالحين ، واإلمام البنا رجل قرآني امتزج القرآن بدمه ولحمه فال عجب

أن يهديه بتأمله وتدبره إلي هذه المالحظة البديعة حقاً .ويصفه الشيخ الغزالي فيقول :" إن الله جمع في شخصه مواهب تفرقت في أناس كثيرون وقد استفاد من تجارب من سبقوه من

القادة ، وكان يدمن قراءة القرآن ويتلوه بصوت رخيم ويحسن تفسيره كأنه الطبري أو القرطبي ، ويفهم أصعب المعاني ويعرضها عليالجماهير بأسلوب سهل قريب .

وقد درس السنة والفقه ففهم منهج السلف والخلف وأحاط بالتاريخ اإلسالمي واطلع علي منهج محمد عبده ، ورشيد رضا وتعمق فيحاضر العالم ومؤامرات االحتالل األجنبي .

المبحث الثالث : الجانب البدني

البدن هو مركب الروح لتنفيذ رغباتها والنفوس العظيمة تتعب من مرادها األجسام فإذا كانت النفس تواقة إلي معالي األمور والبدن اليتحمل ذلك عجز عن تحقيق أهدافها وآمالها ، ولذلك وهب الله اإلمام البنا قوة بدنية كبيرة ساعدته في أداء رسالته في هذه الحياة وقد

بدت قوته وقوة تحمله في مواقف عديدة ، نذكر منها :- فعندما كان طالبًا في مدرسة المعلمين األولية بدمنهور – وهو ال يزال فتي يافعًا – يظل اليوم والليلة عامالً مذاكراً ال ينام ، ثم إذا نام نام

الوقت القليل ، فكان في يوم الخميس بعد ذهابه للمدرسة في دمنهور يرجع إلي المحمودية ، فال يذهب إلي بيته – رغم أنه صائم –ولكن إلي دكان الساعات ، ومنه إلي البيت حتى يفطر ثم يذهب إلي المسجد للصالة والدرس ، ثم يذهب إلي الحضرة ، ثم يسهر في

المدارسة والذكر حتى صالة الفجر ، ثم يستريح لفترة ، ثم يذهب بعدها للدكان للعمل حتى صالة الجمعة ، ثم الدكان إلي المغرب فالمسجدفالمنزل ثم يذهب في الصباح إلي المدرسة .

اإلمام البنا فى السويس

- وعندما أصبح مرشداً لإلخوان كان يقطع القطر المصري بمحافظاته المختلفة منشرقه إلي غربه ومن شماله إلي جنوبه في أيام معدودات ، يزور المراكز والقرىويزور شعب اإلخوان ويحاضر فيها ويوجه إخوانه إلي الخير وال تسل كيف كانت

وسائل المواصالت في ذلك الوقت ، ومع صعوبتها فقد كان حسن البنا ال يركب إالقطار الدرجة الثالثة في معظم رحالته ، وسأقدم لك نموذجًا لبعض الرحالت التي

قام بها اإلمام البنا لزيارة الشعب في يناير وفبراير سنة 1946م ، فهذه هي أيامه .

في يوم 9 صفر الموافق 13 يناير بالمنيا ، ويوم االثنين و الثالثاء حفالت بالمركزالعام بالقاهرة " موعد المحاضرة األسبوعية " ، ويوم األربعاء 16 يناير بمنياالقمح وفاقوس ويوم الخميس 17 يناير أبو كبير والزقازيق ، والجمعة 18 يناير

باإلسماعيلية ، والسبت 19 يناير ببورسعيد ، واألحد 20 يناير بالعزيزية ،واالثنين والثالثاء حفالت بالمركز العام بالقاهرة ، واألربعاء 23 يناير بالمنصورة

بشبين الكوم وطنطا أول والجمعة 25 يناير بطنطا ثان ودمنهور ، والسبت 26 ينايرباإلسكندرية بمناطقها الثالث ، واألحد 27 يناير بقليوب وشبين القناطر ، واالثنين 28 يناير بطوخ وبنها ، والثالثاء بالمركز العام حفالت

والمحاضرة األسبوعية .

تلك كانت الزيارات المتفرقة ، وهي تبين مدى الجهد الذي يبذله دون كلل وملل ، وهناك رحالت أخري عرفها اإلمام البنا وكانت تستغرقمنه يوم الخميس بعد انتهاء اليوم الدراسي في مدرسته ، والجمعة والسبت ويعود منها مباشرة علي مدرسته يوم األحد دون أن يتأخر عن

موعده ، وقد كان يبذل فيها من المشقة والجهد ما يصعب علي كثير من أصحاب األبدان القوية وإليك نموذج لذلك :سنة 1357هـ - 1939م :

Page 77: ikwan

77أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

الساعة 3.40 يسافر من " القاهرة " مساء الخميس 21 ذي القعدة 12 يناير يصل إلي " المنيا " الساعة 8 مساء .الساعة 11.35 يسافر إلي " المنيا " في نفس الليلة – يصل " إدفو " الساعة 8.40 من صباح الجمعة .

الساعة 1.25 يسافر " إدفو " بعد ظهر الجمعة فيصل إلي " قنا " الساعة 6.36 مساء .الساعة 8.24 يسافر من " قنا " صباح السبت إلي " نجع حمادي " فيصل الساعة 9.45 صباحًا أيضًا .

الساعة 4.24 يسافر من " نجع حمادي " إلي " جرجا " فيصل إليها الساعة 5.44 مساء السبت أيضًا .الساعة 10.55 مساء السبت يسافر من " جرجا " عائداً إلي القاهرة فيصلها الساعة 7 صباح يوم األحد .

أما في أيام اإلجازات الطويلة كإجازة نصف العام ، أو إجازة آخر العام ، فقد كان لها برنامج مماثل يتناسب مع طولها ، وإليك نموذج لها :اليوم والتاريخ البلد الموعد والقطار

األربعاء 30 يناير العياطالوسطي القيام من القاهرة الساعة 1.45 مساء ويصل الساعة 3 عصراً

القيام من العياط الساعة 7.45 مساء ويصل 8.15 مساء .الخميس 31 يناير أسيوط

البدا ريآبنوب القيام من الواسطي الساعة 9.35 صباحًا ويصل الساعة 2.38 طهراً

بالسياراتالجمعة 1 فبراير كوم أمبو

أسوان القيام من أسيوط الساعة 2.10 صباحًا ويصل 10.44 صباحًاالقيام من كوم أمبو الساعة 5.35 مساء ويصل 6.30 مساء

السبت 2 فبرايرإدفوإسنا القيام من أسوان الساعة 6.5 صباحًا ويصل 8.38 صباحًا

القيام من إدفو الساعة 5.20 مساء ويصل 6.20 مساءاألحد 3 فبراير األقصر

قوصقنا القيام من إسنا الساعة 9.57 صباحًا ويصل 11.5 صباحًا

القيام من األقصر الساعة 3 مساء ويصل 3.42 مساءالقيام من قوص الساعة 6.35 مساء ويصل 7.20 مساء

االثنين 4 فبراير دشنانجع حمادي

فرشوط القيام من قنا الساعة 7.28 صباحًا ويصل 8.10 صباحًاالقيام من دشنا الساعة 1.32 ظهراً ويصل 2 ظهراً

القيام من نجع حمادي الساعة 6.6 مساء ويصل 6.30 مساءالثالثاء 5 فبراير البلينا

جرجاسوهاج وأخميم القيام من فرشوط الساعة 9.5 ويصل 9.45 صباحًا

القيام من البلينا الساعة 3.5 ظهراً ويصل 3.30 ظهراًالقيام من جرجا الساعة 7.45 مساء ويصل 8.36 مساء

األربعاء 6 فبراير طهطاطما

أبو تيج القيام من سوهاج الساعة 8.5 صباحًا ويصل 8.55 صباحًا

Page 78: ikwan

78أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

القيام من طنطا الساعة 11.43 صباحًا ويصل 3.30 ظهراًالقيام من طما الساعة 5.56 صباحًا ويصل 6.30 مساء

الخميس 7 فبراير منفلوطديروط

ملوي القيام من أبو تيج الساعة 7.8 صباحًا ويصل 9.9 مساءالقيام من منفلوط الساعة 1.30 ظهراً ويصل 2.2 ظهراً

القيام من ديروط الساعة 5.44 مساء ويصل 6.17 مساءالجمعة 8 فبراير الفكرية

سمالوطبني مزار القيام من ملوي الساعة 10.25 صباحًا ويصل 11.15 صباحًا

القيام من الفكرية الساعة 2.52 ظهراً ويصل 3.45 ظهراًالقيام من سمالوط الساعة 8.7 مساء ويصل 8.42 مساء

السبت 9 فبراير مغاغةالفشن

ببا القيام من بني مزار الساعة 10.2 صباحًا ويصل 10.30 صباحًاالقيام من مغاغة الساعة 4.34 مساء ويصل 4.56 مساءالقيام من الفشن الساعة 6.53 مساء ويصل 7.10 مساء

األحد 10 فبراير بني سويفالفيوم القيام من ببا الساعة 11.18 صباحًا ويصل 11.39 صباحًا

بالسيارة منبني سويف بعد المغرب إن شاء اللهاالثنين 11 فبراير القاهرةمن الفيوم بالقطار أو السيارة إن شاء الله والله المستعان

ومن ذلك نستطيع أن نصف اإلمام الشهيد بأنه " رحالة في سبيل الله أبداً " حيث إن الداعية الحق هو من يقسم جهده ووقته بين أبناءدعوته ، فلكل واحد منهم نصيب ، البعيد منهم كالقريب عنده ، القاصي منهم ال يقل عن الداني ، وقد اعتاد الناس في شهور الصيف

أن يفروا من حرارة جو الصعيد إلي حيث سواحل مصر الشمالية يتبردون برطيب جوها ويسعدون بشذا زرعها ومائها ، وكان اإلمام البنارحمه الله علي خالف ذلك .

فشهور الصيف الحار التي تتشقق منه األحجار يقضيها هذا الداعية المجاهد هناك حيث الكفور والنجوع والجبال ، وبمجرد أن تنتهياألجازة الصيفية يعود أدراجه إلي القاهرة ليبدأ برنامجًا حافالً لرحلته الشتوية في أرجاء الوجه البحري ، وكان له في ذلك كله مواقف

وطرائف .كان يقطع الوجه القبلي كله بلداً بلداً وقرية قرية في عشرين يوما ينام ساعة أو بعض ساعة في القطار وهو يضع رأسه تحت ذراعه

وهم يتحدثون من حوله .فإذا سافر مع أصحابه أشرف علي نومهم وبحث عن األسرة والغطاء وكل أمورهم فإذا اطمأن إلي أنهم رقدوا عاد إلي حجرته يتوضأ

ويصلي هزيعاً من الليل ويناجي حتى الفجر ثم ينام بعده ساعة أو ساعتين يستيقظ بعدها فتيا قويًا ، وسرعان ما يرتدي ثيابه ويتناولإفطاره ويكون في الطريق إلي العمل يجتمع مع أهل كل بلدة خاصة فإذا انتهي جمعهم في جماعة عامة .

وفي " القوصية " دعا زعيم البلدة األستاذ البنا وإخوانه إلي طعام العشاء في قصره وما أن انتهي من الحفل المقام حتى بدأ ينصرفوسار وراءه كثير من أتباعه وقريبًا من القصر وقف وقال : يا فالن ثالثة فقط يذهبون معنا ، ودعا كل جماعة تأخذ طريقها ، المسافرين

والمقيمين ، حتى ال يعطي الرجل صورة معروفة عن بعض الطوائف ، وهناك علي المائدة – كعادته دائمًا – ال يأكل إال القليل والقليلجداً ، فإذا عاد إلي غرفة نومه أخذ في كتابة مذكراته عن أعمال يومه .

وربما يزور بلدة من البالد ألن له فيها مريداً واحداً وكان من عادته أن يزور إخوانه في أماكنهم وال يحملهم مشقة االنتقال إليه ، فيركبالحمار والجمل والفرس ويركب القطار واألتوبيس والسيارة والمركب والمعدية ويمشي أحيانًا .

ذات مرة أراد أن ينتقل من البر الغربي للنيل إلي البر الشرقي ليزور بعض إخوانه هناك فقالوا له : إن المركب الوحيد علي هذا البرمفتوح وال تصلح للركوب ويحسن أن نرسل إليهم أن يحضروا ، فقال : ال بل نذهب فيه وننقل الماء منه إلي البحر وقد كان .

Page 79: ikwan

79أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وفي رحالته كان يصحب معه حقيبة صغيرة فيها غيار المالبس وبعض كتب ومناديل وجرابات ومشط وفرشاة أسنان وشيء آخر " علبةالدقة " وهي علبة صفيح مستديرة ذات غطاء فيها مسحوق أسود اللون وقال له أحدهم : لم تحمل هذا ؟ فأجاب : من يدري لعلنا نذهب

إلي بلد ال نجد فيها من ننزل عنده أو نعرفه عندئذ نغمس الرغيف في الدقة وننام في المسجد يضع أحدنا ذراعه تحت رأسه ويتغطيبعباءته وينام .

وكان كثيراً ما يحدث في أول األمر أن ينزل بلداً من البالد ويكون الوقت عصراً مثالً فيتوجه إلي المسجد وبعد أن يصلي مع الناس يقفبجوار أحد األعمدة ويستأذن اإلمام في الكالم ، ويأخذ في تفسير حديث من أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم يستطرد إلي مايريد أن يقول في يسر وبساطة ، وقد ينصرف الناس بعد أن يستمعوا إلي حديثه فيكون من أمره أن يبيت بالمسجد بعد أن يتوسد ذراعه

وينام علي حصير الجامع ويتغطي بعباءته .وكم قضي من الليالي علي هذا الوضع وكان قد عود نفسه أن يسافر إلي أسوان واألقصر في أجازة الصيف ، وقد قدر له أن يزور أربعةأالف قرية في القطر كله وكان يخطب في كل بلدة ، وكان يأكل طعام الغداء مرتين أو ثالثة ويسر إلخوانه الحاضرين معه من القاهرة :

" كلوا نصف بطن هنا فأمامنا غداء آخر في البر الغربي وإذا لم نأكل هناك يغضبون منا ".وكان في هذا التنقل العجيب يعرف كثيراً : اللهجات ، األخالق ، الطبائع ، القصص ، األسرار ، التاريخ ، البيوت ، العائالت ، الغني والفقير

، الحياة والموت .وما كان يتمتع به اإلمام الشهيد من قوة بدنية ، قادرة علي تحمل المشاق والمصاعب يصفه األستاذ أنور الجندي حيث صحبه في

رحلته للحج عام 1946م يقول : نركب السيارة بين مكة والمدينة ويصيبنا الدوار وال يصيبه ، نأكل بعض األصناف فتصاب أمعاؤنا واليصاب ، ندخل جو مكة الحار بعد جونا الرطب ، وجو المدينة الرطب بعد جو مكة الحار فتتأثر صدورنا بالزكام والسعال وهو ال يتأثر ، يتعبناالمشي والتصعيد في غار حراء وهو ال يتعب ، تزعجنا المشاق وهو باسم راض ، تتأفف نفوسنا وتتوتر أعصابنا لبعض المواقف وهو هادئ

يرد عنا ما بنا من غلظة وجفاف .ذلك فضل الله وذلك نتيجة التمرس الدائم بأعباء الحياة وأجوائها وأطعمتها وأسفارها .

وبتلك القوة البدنية التي حباه الله بها كان اإلمام الشهيد قادراً علي تحمل كل األجواء والظروف , قائظ ، أو برد قارص ، هواء عاصف ،أو نسيم عليل ، صحراء مقفرة ، أو أرض موحلة ، الكل يستوي عنده ، يتكيف مع كل ذلك دون مشقة أو عناء .

ومن لطيف ما يحكي في ذلك أنه لما دخل المعتقل في 16 أكتوبر عام 1941م وكان مع األستاذ أحمد السكري ، وعبد الحكيم عابدين ، كانكثيراً ما يختلفان حول إعداد غرفة النوم أثناء النوم ، فقد كان األستاذ أحمد السكري ال يستطيع أن ينام إال إذا أغلق الشبابيك ، والزجاجوالمنافذ كلها ، وال يترك منفذاً أبداً ، وكان األستاذ عابدين يقول له : " أن أكاد اختنق ، سأموت من الحر " وكان األستاذ اإلمام يضحك

عليهما ويقول : " أضربوا رأسكما في رأس بعض " ، أنا سأنام فتحتم أو قفلتم .ويعلق األستاذ عابدين فيقول : والعبرة التي تأخذني أن اإلمام الشهيد – طيب الله ثراه – ما كان يهمه أبداً أن ينام علي األرض أو علي

سرير ، في شباك مفتوح أو مغلق ، في حر أو في برد ، ال يبالي أبداً بشيء من هذا " .

المبحث الرابع : الجانب العقلي

ليس المؤمن كما يتصوره الناس " كيس قطن " ولكنه كما جاء في األثر " كيس قطن " وكما أخبر بذلك الخليفة الثاني رضي الله عنه "لست بالخب وال الخب يخدعني " ، وهكذا فليكن الدعاة إلي الله : إيمان وتقي محوط بيقظة ودهاء يمكن الداعية من حسن التصرف في

المواقف التغلب علي العقبات ، وقد كان اإلمام الشهيد – رحمه الله – واحداً من هذه النماذج ، فلندع القول لمن عاصروه ورأواالمواقف بعيونهم شاهدة علي ذلك :

قال فضيلة الشيخ طنطاوي جوهري : " إن حسن البنا في نظري مزاج عجيب من التقوى والدهاء السياسي ، إنه قلب علي وعقلمعاوية ، وإنه أضفى علي دعوة اليقظة عنصر " الجندية " ، ورد علي الحركة الوطنية عنصر " اإلسالمية " ، وبذلك يعد هذا الجيل

اإلسالمي الحاضر النسخة اإلسالمية الثانية الكاملة المعالم بعد الجيل اإلسالمي األول في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم .ومما يذكر علي سبيل المثال أن أزهرًا أراد أن ينفر منه المستمعين بإثارة جدل عقيم حول جزئيات سخيفة في بدء حركته في اإلسماعيلية

, فسأله عن اسم والد " إبراهيم الخليل " في معرض قصته فقال له البنا : " إن اسمه " تارخ " وإن " آزر " عمه .والقرآن يقول إن آزر أبوه وال مانع من أن يكون عمه الستخدام ذلك في لغة العرب وقال بعض المفسرين : إن آزر اسم للصنم ال ألبيه

وال لعمه , ونطق اإلمام البنا كلمة تارخ بكسر الراء ، فرد عليه األزهري إن الكلمة بضم الراء ال بكسرها إحراجًا له .. " وحين أراد األزهريأن ينحو هذا النحو في كل درس تذرع بوسيلة تدل علي دهائه فدعاه إلي منزله وأكرمه وقدم له كتابين في الفقه والتصوف هدية

وطمأنه علي أنه مستعد لمهاداته بما شاء من الكتب ، فطابت نفس األزهري وواظب علي حضور الدروس وكف عن اللجاج .ولعل أشد المواقف امتحانًا لذكائه ودهائه كان عندما صادر إبراهيم عبد الهادي أموال الجماعة وطاردها بعنف وتهمها بتبيين االنقالب

وعدم الوالء للعرش ، فما كان من البنا إال أن صرح بأن الهيئة ستأخذ بالنهوض بحالة البالد من الناحية الدينية واالجتماعية واالقتصادية مهمالً الناحية السياسية التي توغل فيها أيما توغل إبقاء علي الجماعة في وجه العنف ، وهو موقف ال بد من أن يكون

Page 80: ikwan

80أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

قد حز في نفسه ؤآلمه أشد األلم بعد أن كان يرجو أن يجعل من اإلخوان " اإلنقاذ وكتائب الجهاد " وبعد أن صرح مرارًا أن السياسةجزء ال يتجزأ من منهجهم .

ومن أهم مفردات الجانب العقلي للدعاة الذاكرة القوية ، والقدرة علي التركيز ، ألن الدعاة يلقون كثيرًا من الوجوه ويتحدثون إلي أناسكثير ، فلو لم يؤتهم الله نعمة التركيز وهبة التذكر القوي والذاكرة الحادة ما استطاعوا أن يقودوا جموع األتباع وال أن ينشروا فكرتهم في

كل األصقاع .وكان اإلمام البنا نموذجًا فريدًا في هذا الباب وطرازًا عجيبًا في هذا الصدد :

يسمع إلي آالف األفكار واآلراء والمذاهب فال تؤثر في اتجاهه المركز الثابت وإنما تمده بالعون ، ذلك أنه أوتي القوة الكاملة علي تحريرنفسه فال يجرفه تيار فكرة ما إال بعد البحث الدقيق .

أعطي هذا الرجل ذاكرة عجيبة ال تنسي اسمًا وال وجهًا وال مكانًا ولو طالت السنون ، ولذلك فهو يعرف أكبر مجموعة من الناس ويعرفعنها كل ما يحيط بها معرفة تامة ، ويعرف القطر مدنه وقراه ، ويعرف روح كل بلد ووضعها ونظم أهلها وتقاليدها وعاداتهم ومذاهبهم

الدينية وكل ما يتعلق بكيانهم الروحي واالجتماعي والعقلي ، فيتمشي معهم ويحاول أن يرتفع بهم ، وكان يعرف أتباعه من صورهموكانوا قد أرسلوا رسومهم وحضروا بعد عام فلما رآهم ناداهم بأسمائهم وكان يعرف أسماء أتباعه بعد أن يتلقي بهم للمرة األولي وكان

إذا سمع اسمًا ردده ، وإذا قيل له : فالن من عائلة " كذا " فتوقف وقال : هناك خمس عائالت في مصر تحمل هذا االسم فمن أيهم هو؟ .

عقله كأنه من المطابع التي تحفظ الصور واألسماء واألماكن علي كثرة ما لقي من الناس وشاهد من الصور واألماكن ، فقد طاف القطر منأقصاه إلي أقصاه المدن والقرى ، ورأي من المغرب والهند والشام والجزيرة العربية ، وهو علي قدر ما التقي بالناس ال تغيب عنه

أسماؤهم وال أهدافهم وال مسائلهم ، فذاكرته حافظة عجيبة الصمامات يفتحها في الوقت المطلوب , بالقدر المطلوب تحتوي شعرًا ونثرًاوأدبًا وتاريخًا وفقهًا وحديثاً وتصوفاً وقرآناً وطباً وقانوناً .

يصفه األستاذ عمر التلمسانى فيقول : كانت له ذاكرة غير مألوفة في قوتها : إذا سأل أخاً عن اسمه مرة وابنه وأبيه وعمله ثم التقيبه بعد أشهر طوال حياه باسمه ، وسأله عن والده فالن ، وابنه فالن ، وكان ذلك مثار العجب عند الجميع ، ولو علمت عدد شعب

اإلخوان أيام حياته ، ولكل شعبة مسئول ثم هو بعد ذلك يعرف كل مسئول عن كل شعبة ،وهو الذي يعرف اآلخرين بهم ، ألذهلتك هذهالذاكرة الجبارة ، التي ما ضاقت يوماً عن اسم أو غاب عنها حدث مهما طال به الزمن .

ومن الوقائع الدالة علي قوة ذاكرته – رحمه الله – ما كان بينه وبين كتاب " مستقبل الثقافة في مصر " , حيث طلبت منه جمعيةالشباب المسلمين إلقاء محاضرة عن الكتاب بعد خمسة أيام , ولم يكن عند اإلمام الشهيد وقت يخصصه لقراءته إال في فترة ركوبه

الترام في الصباح إلي مدرسته ، وفترة رجوعه منها ، وكان يضع عالمات بالقلم الرصاص علي فقرات معينة .وفي الموعد المحدد ذهب اإلمام الشهيد إلي دار الشباب المسلمين فوجدها – علي غير عادتها – غاصة بالحاضرين , وهم من رجال العلم

واألدب والتربية في مصر ونتركه يكمل القصة فيقول : " ووقفت علي المنصة , واستفتحت بحمد الله , والصالة والسالم علي رسولالله , وبجانبي الدكتور يحيى الدر ديري السكرتير العام للشباب المسلمين , ورأيت الكتاب كله منطبعاً في خاطري بعالماتي التي كانت

علمتها بالقلم الرصاص .وبدأت أول ما بدأت فقلت إنني لن أنقد هذا الكتاب بكالم من عندي , وإنما سأنقد بعضه ببعضه , وأخذت – ملتزماً بهذا الشرط – أذكر

العبارة من الكتاب , وأعارضها بعبارة أخري من نفس الكتاب , والحظ الدكتور الدر ديرى أنني في كل مرة أقول : " يقول الدكتور طهحسين في الكتاب في صفحة كذا .. واقرأ العبارة بنصها أيضاً من خاطري , ثم أقول : ويناقض الدكتور طه نفسه فيقول في صفحة كذا ..

وأقرأ العبارة بنصها أيضاً من خاطري , فاستوقفني الدكتور الدر ديري , وطلب إلي أن أمهله حتى يحضر نسخة من الكتاب ليراجع معيالنصوص والصفحات , ألنه قرأ الكتاب , ولم يالحظ فيه هذا التناقض " وكأنه لم يقرأ العبارة التي يسمعها اآلن .

وأحضر له الكتاب , وظل يتابعني , فيجد العبارات ال تنقص حرفاً , وال تزيد حرفاً , ويجد الصفحات كما أحددها تماماً , فكاد الدكتور الدرديري يجن , كما ساد الحاضرين جو من الدهشة والذهول , والكل يتجه – كلما قرأت من خاطري عبارتين متناقضتين – إلي الدكتور الدر

ديري في كل مرة : " تماماً بالنصوص والصفحات " , وظللت علي هذه الوتيرة حتى أنهيت الكتاب كله ، وأنهيت المحاضرة ، فقام الجميع– وفي مقدمتهم الدكتور الدر ديري – بين معانق ومقبل .

وفي موقف آخر : قدم إليه أكثر من مائة " كرت " بأسماء شباب الجوالة في إحدى المحافظات لتوقيعها , فراح يمعن النظر في صورةكل جوال ويحفظ اسمه ولما توجه بعد أكثر من سنة لزيارة بعض قرى هذه المحافظات , كان يلتقي باإلخوان ويناديهم بأسمائهم , ولم

يكن قد التقى بهم من قبل إال من خالل تلك " الكرنيهات" فكان ذلك مثار دهشة الجميع .ويذكر المهندس سعد الشين موقفاً لإلمام البنا يدل علي ذكائه وقوة ذاكرته فيقول : " إنه أثناء حفالت اإلخوان في سوهاج حضر األستاذ البنا وكنت قد التحقت باإلخوان هناك حيث كنت أعمل بمديرية الزراعة بسوهاج , فلما انتهي الحفل بدأ التعارف بين

اإلخوان وذكرت اسمي ومنهتى ، وبعد انتهاء التعارف بادرني اإلمام البنا بالسؤال اآلتي : األستاذ محمود الشين يقرب لك إيه ؟ فقلت له : هذا عمي فذهبت إلي عمي وكان في هذا الوقت مدرساً أول بالمدرسة الثانوية بسوهاج وقلت له : إن األستاذ المرشد حسن البنا

Page 81: ikwan

81أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

يعرفك فدهش عمي ألنه لم يلتق به إال في سنة 1929م إذ كانا في مراقبة امتحان الشهادة االبتدائية , والمراقبة ال تستمر أكثر منأربعة أيام ، وكان ذلك أول لقاء لي مع اإلمام البنا رحمه الله .

كان للداعية األول لإلسالم من البالغة والفصاحة وحسن الحديث وروعة البيان ما جذب إليه فصحاء العرب وبلغاءهم حتى إنه لماسئل صلي الله عليه وسلم عن ذلك , قال : أدبني ربي فأحسن تأديبي ، حتى أن مشركى قريش كانوا يقولون عنه إنه ساحر لما يسلب

به القلوب بحلو حديثه وعذب كالمه وبليغ منطقه .وهكذا جعلها الله سنة في خلقه فحملة أولوية الدعوة إلي الله من بعد الداعية – رسول الله صلي الله عليه السالم – يمنحهم الله هذا

البيان الصافي واألسلوب الساحر األخاذ ، ومن هؤالء كان اإلمام البنا رحمه الله وحسبنا تدليالً علي ذلك :أوال : أقوال من عاصروه واغترفوا من معينه :

يقول األستاذ أنور الجندي :

" كان حسن البنا كاتبًا وخطيبًا ومحدثاً من آيات البيان والتعبير ، ووراء ذلك كله المحصول الضخم من القراءات والثقافات والتجارب ، فقدأحاط بالتراث اإلسالمي إحاطة طيبة ، وعرف من الناس العشرات ، استمع إليهم وحدثهم وعرف تجاربهم وما وعوه من سير الدعوة

والدعاة " .ويقول الدكتور منصور فهمي : " كان علي قدر عظيم من اإليمان والذكاء ومبشراً من الصالحين ، ويدعو لوجه الله علي أبلغ ما يدعو

داعية مؤمن بما يقول وعلي خير صور التبليغ الذي يصل به المعلم المختار الملهم إلي نفوس تالميذه وأذهان مريديه .اجتمعت به مراراً في المجالس التي تعمل للصالح العام كان إذا بدأ له أن يسوق رأيًا أو حكمًا كانت الحجج القاطعة تواتيه منتظمة فيفصاحة البلغاء ولباقة األذكياء الكيسين ، وفي تواضع العلماء الراسخين ، وفي إيمان الدعاة المخلصين ، وطالما سمعته خطيبًا ومحدثاً في

المحافل العامة فكانت المعاني تواتيه جلية واضحة مرتبة ، وتتوالي علي لسانه العبارات طيعة سهلة فصيحة ولطالما كان يثبت معانيهوأقواله بقول الله المكين واألحداث المناسبة والشواهد األخاذة من أعمال السلف الصالح " .

وبمثل فصاحته البليغة الفياضة بحرارة اإليمان كان يقود الجماهير ويفيدهم بما ذهب إليه ويدعو له .ويقول أحد األمراء العرب : " لقد خاب ظني بادئ الرأي في حسن البنا أول ما لقيته في القاهرة لجسده الضئيل وبذلته الباهتة وسمتهالذي ال يلفت العين ، فضالَ من أن يلفت النفس ، فإن هي إال دقائق في أحاديث مختلفات حتى بهرني الرجل البسيط : أصالة في الصدق

تطوع من كان له بعض قلب وأصالة في الحجة والرأي مبرأة من شوائب الحسد أو العجب ، كل ذلك جمع سماحة نفس سيالة الودوتواضعًا عجيبًا ليس فيه إثارة وواقعية مدهشة وحفاظ علي ثالثة أمور في وقت واحد :

1 – وعي راسخ باألحكام الشرعية .2 – حاضر الحجة من الكتاب والسنة ومحيط بخالفات الفقه ووجوهها .

3 – علي ثقة تم بدعوته وبمستقبل اإلسالم والمسلمين .ثانيًا : بعض المواقف الرائعة في هذا الميدان :

الموقف األول : دخول اإلمام البنا إلي الجامعة محاضراً عن ذكرى الهجرة النبوية :

كان االحتفال بالهجرة مقصوراً علي األزهر الشريف ، ولم تكن الجامعة في ذلك الوقت تحتفل بأي ذكري دينية ، وأراد طالب الجامعةمن اإلخوان المسلمين أن يقيموا احتفاالً دينيًا في رحاب الجامعة ويدعو اإلمام البنا لحضورها وإلقاء خطبة بها ، فأعلنوا في الجامعة

عن االحتفال وأن الذي يتلو السيرة النبوية هو الشيخ حسن أحمد عبد الرحمن ، فلم يعترض أحد علي ذلك من إدارة الجامعة ، وحانوقت الحفلة ، وامتألت القاعة بالحضور والضيوف المتحدثين ، وكانوا صفوة من العلماء والمدرسين بالجامعة وعلي رأسهم األستاذ أحمد

أمين ، واألستاذ محمد الغمراوى ، وجلس معهم اإلمام البنا وحين جاء الدور عليه في الحديث قام علي هيئة المتواضع ، ويتحدث بهدوء ،ويثني علي السادة العلماء ويذكر مناقبهم ، واحداً واحداً ثم بدأ حديثه بهدوء ، بدأ خفيض الصوت ، ناعمًا ، هادئًا ، ثم انطلق وتدفق حديثهوانسابت كلماته متدفقة إلي قلوب السامعين حتى جذبهم إليه ، وكان لإلمام حماسه في حديثه وقوة في منطقته ، وبالغة في حجتهوسحر في بيانه ، فتجاوب معه الحاضرون والتهبت أيديهم بالتصفيق إعجابًا بحديث اإلمام ، وصارت كلمة " الله أكبر ولله الحمد " تدويفي رحاب الجامعة ، وكان من ثمرة هذا النجاح الباهر أن أصرت إدارة الجامعة علي أن تكون االحتفاالت بالمناسبات اإلسالمية بانتظام

وأن يكون اإلمام البنا هو الخطيب الرئيسي فيها .فإذا كان حسن البنا رحمه الله مؤثراً في جموع البسطاء من العمال والفالحين فإن تأثيره في رواد وطالب الجامعة كان أشد .

موقف أخر :

يروي أحد ضباط البوليس : " كنت اعمل في أحدى قري مديرية " جرجا " وبينما أنا منهمك في لعب النرد بعد الغروب إذا جاءتني إشارة مستعجلة هذا نصها : ( يمر الليلة بالبلدة من يدعي الشيخ حسن البنا فالمطلوب مراقبة االحتفال الذي يقام له وسماع كلمته فإذا وجدتم

فيها ما يخالف القانون يقبض عليه فوراً ويرسل مع مخصوص ، قال : ضقت باإلشارة وبالشيخ فقد صرفاني عن رغبتي في اللعب ومضيت إلي ذلك السرادق البسيط المتواضع الذي أقيم ، وكان الرجل قد وصل وبدأ يتحدث وجلست في آخر الصفوف استمع وأراقب

Page 82: ikwan

82أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

فماذا وجدت ؟ تكلم الرجل عن البلدة واإلنارة والنظافة وطلب من األهالي وضع " فوانيس " علي بيوتهم إلي أن يستطيعوا إنشاء مجلسكروي ودعاهم إلي بناء المساجد ، وظل يتحدث وأنا أصغي وأقول : ماذا في قول مثل هذا الرجل مما يضير األمن العام . وتحدث عننسيان الخالفات وإجراء المصالحات بين األسر واستطرد إلي حال األمة حين تنسي ربها ودينها ، كنت استمع إليه كالمأخوذ ، وكأنما قدامسك بعناني وسحرني ، فما أن انتهي من كلمته حتى كنت أسرع الناس إلي التسليم عليه وفي اليوم التالي كنت أحمل حقيبته إلي

القطار ! .أوتي اإلمام البنا أسلوبًا سهالًَ ممتنعًا جمع الله إليه صوتًا قويًا له رنة حلوة نفاذة إلي القلوب مؤثرة في األعصاب واألرواح تفعل فيها

فعل السحر ، وهو إلي ذلك ال يستعمل األلفاظ الرنانة وال الجمل المثيرة وال الكلمات الجوفاء ، إنما يستعمل المعاني العامرة ويخاطبالقلوب والعقول معًا ، ويعتمد علي المنطق والبرهان والحجة ، ويجمع بين األدب العربي الخالص البليغ واللهجة العادية التي يفهمها كل

الناس ويجمع بين الفلسفات واالجتماعيات والقانون في نمط واحد يبسطه للناس حتى يصل إلي األذهان فال يثقل علي العامة واليزدريه الخاصة .

وهو يدعو إلي التراحم والمحبة بين الناس ،ال يفتعل العبارة وال يتكلف الحديث ولكم يرسل القول إرساالً ويبين ما يريد في بساطة ووضوحمستشهداً في كل موقف بآيات القرآن الكريم ، يحفظها حفظًا جيداً ويتلوها تالوة عذبة ويوضحها إيضاحًا كامالً ويفهمها فهمًا دقيقاً ،

ويفتح عليه فتوح الفيض اإللهي والفتح الرباني وتمضي الساعات وهو مسترسل ويفيد فيسمع الناس في دهشة وذهول .

المبحث الخامس : الجانب النفسي

إن نفاء السريرة وإخالص النية وصفاء النفس من أهم صفات الداعية الحق وال يجد القبول من الناس إال بها وقد كان اإلمام الشهيد عليقدر كبير من تلك الصفات النفسية الضرورية لكل إمام مجدد ونحاول في عجالة أن نعرض لبعضها :

1 – كان أبغض شيء إلي نفسه المدح واإلطراء الشخصي :

عندما يسن إمام الدعاة إلي الله قانونًا فال يسع أتباعه وحملة ألوية دعوته إال السير علي نفس النهج ، فرسول الله صلي الله عليهوسلم ، يقنن ألمته عامة وألهل الدعوة خاصة ذلك القانون العظيم " احثوا في وجه المداحين التراب " ذلك أنه كثيراً ما يكون نابعًا

من النفاق ، أو يكون دافعًا إلي غرور الممدوح وتكبره بعد أن يمتلئ إعجابه لنفسه .وعلي نفس المنوال نسج الدعاة إلي الله ومنهم اإلمام البنا فقد كان يبغض المدح الشخصي أيما بغض ، ويكره ، ويبدو ذلك واضحًا من

خالل هذه المواقف :" دعيت وأنا وحديث عهد بدعوة اإلخوان المسلمين إلي لقاء اإلمام الشهيد حسن البنا في دمنهور .. كنت أتخليه شيخًا كبيراً له لحية

طويلة وفي يده مسبحة طويلة ، ويضع علي رأسه عمامة واسعة فوجئت بأنه " أفندي " يرتدي البدلة وله وجه باسم يستقطب الناسبالنكتة اللطيفة وكان معروفًا وقتها أن األفندية معظمهم ال يصلون .

وقف األستاذ أحمد السكري وكيل الجماعة – في ذلك الوقت – والقي كلمة ثم قدم األستاذ البنا بكلمات فيها الكثير من اإلطراء قائالً : "أيها اإلخوان .. ها هو زعيمكم ومرشدكم ها هو قائد المسيرة ، نظرت إلي األستاذ البنا فوجدته يرتجف ووجهه ممتقع ثم قام وأمسك

بالميكروفون وقال : ما ماتت الدعوات إال بسبب التفاف أصحابها حول األشخاص فإذا مات الشخص ماتت الدعوة .. وأنتم أيها األحبابمبادئكم خالدة .. الله غايتكم والرسول زعيمكم والقرآن دستوركم والجهاد سبيلكم والموت في سبيل الله أسمي أمانيكم .. هذه المبادئ التيتلتفون حولها هي الباقية .. فسمح رحمه الله بهذه الكلمات كل اإلطراءات التي قالها األستاذ السكري .. وما رأيت إنسانًا بعده مسح إطراء

قيل عنه كما فعل اإلمام الشهيد وإنما يكتفي الناس بشكر من أثني عليهم أو بقول : غفر الله لنا ولكم .ويذكر األستاذ أنور الجندي أن اإلمام كان ينزعج من المدح في شخصه ويقول : " إنه أنزلني من فوق منصة الخطابة في أسيوط بشدة

وعنف ألنني كنت ألقي قصيدة جاء فيها ذكره فغضب لذلك وقال : إما أن يقول شيئًا عن الدعوة وإال فانزلوه ، وقد فعلها مع كثيرغيري من اإلخوان وكنت اشعر بضجرة إذا حاول أحد من اإلخوان أو من الناس أن يذكره بكلمة ثناء في قصيدة أو خطبة ، وكان يقول

دائمًا : " تكلموا في الدعوة فهي باقية واألشخاص فانون " .2 – التواضع والبعد عن العجب :

إن كان التواضع وخفض الجناح محجوبًا ومرغوبًا للمسلمين فهو الدعاة واجب والزم ال غني لهم عنه ، ورسول الله صلي الله عليه وسلمكان إمام الدعاة وقدوة المتواضعين فهو القائل : " طوبي لمن تواضع في غير منقصه ولزم أهل الذل والمسكنة " حتى إن الجارية تلقاهصلي الله عليه وسلم في الطريق فتأخذ بيده تطوف به طرقات المدينة ما يمنعه من ذلك شيء ، ومن معينه صلي الله عليه وسلم قبسحملة لواء دعوته من بعده ، فكانوا به متأسين وعلي منواله ناسجين ومن هؤالء كان مجدد دعوة اإلسالم في هذا العصر الذي كادت أن

توأد فيه دعوة اإلسالم .يذكر عبد الحكيم عابدين في مذكراته غير المنشورة : " بل أذكر مرة ومرات عديدة كان يكثر من التبرؤ بنفسه إلي الله عز وجل ، مثالً في بعض المحاضرات يري إقبال الناس واإلخوان يأتون في محاضرات الثالثاء هذه بدون دعوة من أقصي أطراف القاهرة ، وقد يمشي

الواحد منهم أكثر من عشرة كيلو مترات علي قدميه فكان هؤالء اإلخوان يحضرون دروس الثالثاء وإذا نظر وراء هذه الكثرة الكاثرة

Page 83: ikwan

83أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وانتفاضها بالتكبير والتحميد عندما يتحدث ويكون في حديثه ما يروع ويعجب – وكل حديثه والحمد لله يروع ويعجب – كان ال يتردد فيأن يقول : أيها اإلخوان إنكم لتأتون إلي من بقاع بعيدة ومن بالد نائية وأنا أعلم أن فيكم من يأتي مشيًا علي األقدام وتأتون لتستفيدوامني علمًا وتأخذوا عني خيراً ، والله ألعتقد في أعماق قلبي وشعوري بأن هناك في أواخر صفوفكم من ال تنظر إليهم عين وال تصغيلهم أذن ، أناساً وشبابًا تدركني أنا بهم رحمة الله واقترب إلي الله أنا بمحبتهم ، واستمد الفيض والبركة من الله ومن قلوبهم ، فكان دائمًاحريصًا علي هذه المعاني والفرار إلي الله عز وجل فراراً تامًا من أي معني أو مادة أو مكسب أو فائدة من هذه الدعوة من علو أو تقدير ،ويعلن فراره من هذه إعالنًا يكسر أنف من يركبه الغرور وتجعل أعلي الناس فخاراً بمواهبه ال يشعر إال أنه حفنة تراب أمام جبل أشم .

أما عن تواضعه رضي الله عنه فقد كان يجلس علي الحصير إذا كان المجلس أرضًا وفي آخر الصفوف إذا اصطفت المقاعد للجلوسمنكمشاً فال يكاد يري متواضعًا فال يكاد يعرف لوال ما ينم عنه من علم وفضل ونور ، يلبس في غالب أحيانه الجلباب العادي من أرخص

األقمشة والعباءة من فوقه والعمامة يشرق من تحتها جبين وضاء ووجه كله سماحة وذكاء .3 – التسامي عن المناصب والترفع عن المنن :

إن حب الرياسة خلق دنيوي ترابي ال يطمح إليه المحلقون في اآلفاق الرحبة واألبراج العالية من النورانية والربانية والنعيم العظيم فياآلخرة .

هذا إمام الدعاة األول صلي الله عليه وسلم جاءه عتبة بن ربيعة ممثالً قومه يعرض عليه أموراً :" قل يا أبا الوليد أسمع .. قال يا بن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا األمر ماالً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا ماالًً ،

وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا .. " ، فتال رسول الله صلي الله عليه وسلم سورة فصلت حتى انتهي إلي السجدة فيها ثم قال : قدسمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك ، هكذا رفض رسول الله الملك الذي يلهث وراءه الناس .. وهو األمر الذي كان اإلمام البنا – رحمهالله – يتسامي عن طلبه والسعي إليه ، فقد كان يود أن يكون جنديًا من جنود الدعوة ويسلم قيادها إلي من يحمل عنه هذا العبء . وقدعرضه مرات ورغب من اإلخوان عدة مرات أن يكون هو جنديًا متواضعًا يتلق األمر ممن يلي أمر الدعوة حين يجد من يلقي هذه األوامروكان يعني ذلك بجد ال بتحد وتعجيز بل برغبة صادقة حتى كان يقول : فرغوني أنا للعمل الخاص للدعوة اتركوا لي أنا الناس والشعبللتربية والتفقيه واختاروا لكم مرشداً عامًا يكون همه إدارة الدعوة وتصريف شئونها ويكون عملي مجرد داعية فقط ، ال أقيم في القاهرةإال أيامًا قليلة أنقل لكم أخبار األقاليم ، وسرحوني علي أجيال هذه األمة وقراها وأصغر القرى فيها ألتولى التربية ، كانت هذه أمنيته

وحرص عليها حتى إنه في أواخر أيامه رحمه الله قبل استشهاده بنحو سنة ونصف استطاع بعد مجهود أن يصل إلي صورة من هذهالصور ، وهو أن يوزع أعباء القيادة الفعلية علي أعوانه الموثوقين علي أن يكون هو فقط للسياسة العليا .

ومن عجيب أفعاله أنه رفض عرضًا من أحد علية القوم ، بأن يطلب إلي وزير المعارف ترقيته ليكون مفتشاً عامًا علي التعليم الديني فيالقطر المصري ، ويكون معه " أبونيه " الدرجة األولي ليتفرغ للرحالت في أنحاء القطر المصري كله ، يوجه العملية التعليمية ، وينشر

دعوته بين الناس ، فرفض اإلمام الشهيد ذلك ، واعتذر له بلطف وأدب ، وقد عاتبه األستاذ عبد الحكيم عابدين ، والشيخ الباقوريواألستاذ مصطفي الطير وقد كانوا معه في هذا الموقف علي هذا الرفض حيث كانوا يرون في عرض الشناوي بك عدة فوائد وضعوها بين

يدي المرشد وهي :1 – توفير الوقت ، حيث يتسع للزيارات والرحالت وعدم التقيد بمواعيد المدرسة .

2 – توفير المال الذي يسرف علي الرحالت .3 – توفير الجهد ، حيث يجد المرشد الراحة في الدرجة األولي أثناء السفر فيوفر علي نفسه الجهد واإلرهاق الذي ينتابه من ركوب الدرجة

الثالثة .4 – أنه سوف يوجه العملية التعليمية توجيهًا صحيحا ، فضال عن عالقته مع علية القوم من المفتشين والمديرين والنظار وغيرهم ،

وسوف يكون ذلك فتحًا للدعوة حيث تستقطب هؤالء الناس .وقد أجاب اإلمام الشهيد علي ذلك ، فأما توفير الوقت فقال : عندنا أجازة صيفية أربعة أشهر ، فالرحالت الطويلة نقوم بها فيها ،

وعندنا أجازة نصف العام عشرة أيام ، وأجازة عيد األضحى خمسة أيام ، وعيد الفطر أربعة أيام ، فما الذي يريده داعية بعد ذلك ، هليريد بساط سليمان ليتصل بشعبه وجمهوره في األقاليم ؟ ! .

قالوا : لكن هذا يكلفك الجهد الكثير ، فقال : يا إخوان : أنت نسيتم مبادئكم الدعوية ، من يطلب الراحة في أداء دعوته ، كيف تتجدد عندهشحنة اإليمان ؟ فإذا كان الداعية سيؤدي عمله كما لو كان يقوم برحلة صيد أو بنزهة فما هو المحرك الذي يؤجج الحماسة في نفسه ،

وما هو الجديد الذي يستفيده علي مشاعره حتى يستطيع أن يشعر أنه مربوط بهذه الدعوة رباط حياة أو موت ؟ ، ثم لو طلب الداعي الراحةفسوف يطري عوده ، وال يكون له جلد علي استكمال مشواره إلي نهايته ,

ثم هل تظنون أن الدعوة في القاهرة من السهل أن تستغني عن المرشد العام الشهور التي تتصورونها ؟ أنا ال أخاف إال علي إخوانالقاهرة ، لذلك أذهب إلي األقاليم أتزود من إيمانهم وأحضر إلي القاهرة أجدد به إيمانكم .

Page 84: ikwan

84أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

أما توفير المال ، فأجاب المرشد : إذن ال نشعر بلذة البذل في سبيل الله ، ويفقد األخ منا سعادته بأنه اقتطع القرش من قوته وقوتأوالده ليبذله في سبيل الله ، وهذه لذة ال يعرفها إال من ذاقها مثلكم ، أنا نفسي إذا فقدت الشعور بأني أترك ولدي شبه جائع في سبيلتبليغ دعوة الخير للناس ، فقد أصبحت رئيس حزب أو رئيس جمعية ولم أكن داعية ، أين نحن من رسول الله صلي الله عليه وسلم الذيتروي عنه السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها : " كنا نري الهالل ثم الهالل ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله صلي الله عليه

وسلم نار ، فقيل لها : فما كان طعامكم ياخالة ، قالت : األسودين ، التمر والماء " .أما عن إرهاق الدرجة الثالثة في السفر ، فأجاب المرشد : هل شكوت لكم يومًا من اإلرهاق ؟ هل قال لكم اإلخوان الذين تحدثت معهم

طوال الليل : إن المرشد كان باديًا عليه اإلنهاك لدرجة أنه لم يستطع أن يبلغ الدعوة ، يا إخواني ارجعوا إلي أصلنا ، فليست لنا قوة ،وليست لنا طاقة إال الفقر إلي الله عز وجل ، الذي يمدنا بمدده الله : إننا استغنينا عنك ، واستبدلناك بوسائل الراحلة ، يا إخواني

االفتقار إلي الله يأتينا بالقوة والعون ، ولواله لوكلنا الله إلي أنفسنا ، فنضيع وتضيع الدعوة .أما عن ذلك سوف يكون فتحًا للدعوة ويستقطب علية القوم لها ، فأجاب المرشد : إننا فعالً سوف نكسب الكثير من رجال التعليم وكبارهملكن لن يدخلوا لحالوة الدعوة وانصبابها في قلوبهم ، وإنما سيدخلون تقربًا للمفتش العام ، الذي بيده ترقيتهم ، ونقلهم ، ووضع التقاريرعنهم ، وحينئذ سنتعب في غربلة هؤالء الناس وفوزهم وسنجد من هؤالء من يكون بالءً علي دعوتنا ألنهم يشبهون مسلمة الفتح ، الذينقبلهم الرسول صلي الله عليه وسلم حين ثبتت الدعوة ، واشتد عودها ، وأصبحت لها دولة تحميها أما نحن فما زلنا في مرحلة التأسيس ،

وإذا قبلنا مسلمي الفتح هلكت دعوتنا وهلكنا جميعاً .وبعد أن أجاب لهم المرشد عما حسبوه فوائد ذلك العرض ، وأعطاهم درسًا تربويًا مهمًا ، قال لهم : إن الشناوي بك يعرض ذلك بدافع

إخالص للدعوة ، لكنه لن يحصل عليه بموافقة وزير األوقاف – زكي العرابي باشا – الذي هو وزير في وزارة الوفد ، وربما يحتاج إليموافقة النحاس باشا نفسه ، ومعني ذلك أننا نطوق أعناقنا بأنفسنا للوفد المصري ، فإذا كنا - اآلن وليس ألحد علينا منة – نتهم بأنناوفديون ، ويرمينا البعض أننا أحرار دستوريون أو سعديون أو وطنيون .. فما بالكم لو قبلنا عرض الشناوي بك فسيقول الناس إن اإلخوان

أصبحوا أذناب الوفد ، وال يهم الدليل ، بل وسيشعر الوفد بأننا أتباعه ، وهذا معناه إما أن نوافقهم دائمًا وإما أن تطلع علينا صحفهموتقول : إن مدرس الخط الحقير الذي رفعناه إلي مفتش عام للتعليم الديني لم يذكر لنا هذا الجميل ، ولم يعرف لنا الوفاء .

4 – محاسبة النفس حتى علي خلجاتها وخواطرها :

ومن المواقف النفسية المهمة التي تدل علي شدة محاسبة اإلمام البنا لخلجات نفسه ومراقبة الشهوات النفسانية الدقيقة ما حدثبعد أن أصدر حسين سري رئيس الوزراء سنة 1941م قراراً بنقل حسن البنا إلي قنا ، علي أن يكون التنفيذ فوراً وإال االعتقال ، ورأي

األستاذ المرشد في األمر انتقاصًا من عزة اإليمان ، وامتهانًا لكرامة اإلسالم ، وتخويفًا باالعتقال ، وكأنه السيف المسلط من قبلالحكومة علي رقاب اإلخوان وهو في مثل هذه الحاالت ينقلب اللين والتسامح والرحمة والرأفة المعهودة في شخصية حسن البنا إلي

اإلسالم وصمود الحق ضد كبر الباطل وغروره .والموقف يتلخص في أنه بعد أن أصدر حسين سري القرار رفضه اإلمام الشهيد ، مستعداً لالعتقال المقرون عند الرفض ، وتجمع خلفه

اإلخوان وأصبحت الحكومة في موقف حرج ، خاصة وقد حددت موعداً نهائياً للتنفيذ ، وساقت عليه القوم إلقناع البنا بالقبول ،وتخويفه من إصرار حسين سري واستحالة عدم رجوعه عن قراره ، لكن أمام إصرار اإلمام البنا وتمسك اإلخوان بحقهم تدخل القصرالملكي في الموضوع ، وقبل انتهاء الموعد المحدد للتنفيذ بنصف ساعة ، اتصل القصر باألستاذ عبد الحكيم عابدين ، وطلب منه ضبط

عواطف اإلخوان ، وطمأنه أن الموضوع بين يدي الملك الذي سوف يوجد له الحل خالل لحظات ، فدخل األستاذ عابدين يخبر المرشد بذلك، ونترك له تكملة القصة :

فدخلت علي المرشد وحوله اإلخوان ،وهنا موقف من أعظم المواقف في أدب النفس ، وفي مراقبة الشهوات النفسانية الدقيقة منمواقف حسن البنا ، ألنني بمجرد أن دخلت عليه قلت : يا أستاذ يبدو أن المسألة ستنفرج ، اتصل بي حسنين باشا اآلن وقال : المسألة

بيد الملك ينظر فيها ، فيبدو أن المسألة ستنفرج ، ويزول شبح االعتقال ، فإذا به يقول : الله ال يجعلها تنفرج ، نريد أن نري إلي متىيظلون يخفوننا باالعتقال ، وأخذ هذا الموقف في نفوسنا وألبابنا ، ورأينا فيه موقفًا رائعًا جداً من معاني اإلباء والجلد واالستعداد للبذلوالتضحية في سبيل الله والبالء في سبيل دعوة الحق ، لكن حسن البنا لم يلبث أن مسح هذا الموقف بنفسه ، مسحة عظيمة وأثبت لنا

أنه ليس موقفاً جديراً به إذ قال : والله ما كادت تمر ثوان بين الثورة التي قام فيها ال جعلها الله تنفرج وبين مقولته الثانية : قالاستغفر الله العظيم ، هو االعتقال سوف يتحول من أن يكون بالء في سبيل الله إلي أن يكون شهوة من شهوات النفس ؟ ثم أخذته هزة

سيطرت علي كل مشاعره وقال بصوت متهجد : اللهم إن كنت تعلم أن هذا االعتقال شهوة من شهوات نفسي فاصرفه عني واصرفنيعنه وهنا وجدنا أنفسنا فعالً مشدوهين .

إن هذا الرجل وفي هذا المكان يسلط من إيمانه رقابة علي أدق أحاسيسه فيدركه الخوف أن تكون هذه الكلمة األبية تنطوي علي شهوة من شهوات النفس في االعتقال ، وما وراء االعتقال من سمعة ، وما وراء االعتقال أن يقال : هذا مجاهد ، وما وراء االعتقال من ثناء وإعجاب ، وخشي أن تكون حظًا من حظوظ النفس ، ال بالء وال امتحان في سبيل الله ، فقال هذه الكلمة : اللهم إن كنت تعلمها شهوة من

شهوات نفسي فاصرفها عني واصرفني عنها ، وجلسنا صامتين حوله ، وهو ال يتكلم ، وقد شعرنا بأننا رفعنا عن هذه األرض وعشنا بأجنحة خضراء تحت ظالل العرش ؛ ألنه مهما كان معني الكلمة ، ومهما كانت حافظة لحرفيتها ، فإن إلقاءها في هذا الجو ال يمكن أن

Page 85: ikwan

85أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

يعاد إال إذا عاد حسن البنا وعادت المسألة مرة ثانية ليعيش السامع هذا الجو الذي عشناه .

المبحث السادس : الجانب اإلرادي

ربما يندرج الجانب اإلرادي تحت الجانب النفسي ، إال أننا أفردناه ألهميته في بناء الشخصية التي تريد أن تبعث أمة ، فقد كانت همماإلمام الشهيد فوق قدرته ، وقدرته فوق التعب والزمن ، يتسامي فوق الطاقة البشرية ، وأعماله الضخمة الموفقة أشبة بكرامات

األولياء منها بجهود العباقرة ، عزيمة تتضاءل دونها العزائم ، وهمة ال تبلغها العصبة أولو القوة إال بروح من الله ورضوان .وقد عرضنا قبل ذلك موقفه من شراء قصر آل أبو الحسن في الحلمية الجديدة ليجعله داراً لإلخوان ، ورغم تعجب الجميع واجتماعهم

علي أن ذلك ليس في اإلمكان إال أن إرادة البنا لم تضعف ، وتحقق له ما أراد .ومثل ذلك حدث حين أراد أن يصدر مجلة اإلخوان المسلمين ولم يكن في خزينة اإلخوان شيء ، فجعل جنيهين في جيب أحد اإلخوانهما رأس مال المجلة ، وصدر العدد األول منها بعد ذلك بقليل ، وهكذا برأس مال " جنيهين سلفه " أنشئت مجلة عاشت أربع سنوات

كاملة .وموقف أخر إلرادة البنا التي ال تعرف المستحيل حين تآمر أصحاب مدرسة أهلية في مغاغة علي ناظر المدرسة الذي انتمي لإلخوانورأس شعبتهم هناك ، فاستغنوا عنه في وقت ال يستطيع معه الذهاب لمدرسة أخري ، حيث انتهت كل المدارس من إعداد معلميها

ونظارها للعام الدراسي الجديد الذي لم يبق عليه إال أقل من شهر واحد ، فاستقبل المرشد الخبر وهو يبتسم وقال : " ال بأس إذن ننشئلع مدرسة يكون هو ناظرها وصاحبها " .

ولم يكن لقولة األستاذ المرشد هذه معني في عرف العقل والمنطق والقياس لألسباب اآلتية :أوال : لم يبق علي بدء الدراسة إال أقل من شهر واحد ثانيًا : أن هذا المشروع إذا أريد تنفيذه فإنه يحتاج إلي رأس مال ال يقل عن آالف من

الجنيهات في ذلك الوقت ، علي أن يستغرق تنفيذه إذا وجد هذا المال سنة علي األقل .. فكيف يمكن مجرد التفكير فيه وليس لدي الشعبة وال لدي المركزالعام شيء من هذا المبلغ ؟! .

ثالثاً : إذا فرضنا جدالً أن مدرسة كاملو المباني وافية بجميع ما يشترط من الشروط الصحية واالجتماعية أنزلت لنا من السماء اآلن ، فإنالعقبة الكبرى التي ال يمكن تذليلها هي العثور في هذا الوقت علي مدرس واحد يتعاقد معه بعد أن ارتبط كل مدرس بمدرسته.

رابعًا : أن إعداد المقاعد والقماطر والسبورات لمدرسة كهذه يحتاج إذا وجد المكان والمال إلي عدة أشهر .خامسًا : إذا افترضنا جدالً أن هذه المدرسة موجودة بكامل معداتها ومدرسيها ، فإنها باعتبارها مدرسة جديدة إلي عام كامل – مع جميعوسائل اإلعالم الميسورة – حتى يعلم الناس بوجودها .. ثم هي ال تبدأ إال بالسنة األولي أي بالصف األول فقط ، ألن الناس لن يثقوا

إال إذا أثبتت نتائجها جدارتها ، ال سيما وفي المدينة مدرسة قديمة أثبتت جدارتها من قبل والجميع يثقون بها .ويعلق األستاذ محمود عبد الحليم قائالً : تلقي وفد إخوان مغاغة وتلقينا نحن الحاضرين من إخوان المركز قولة األستاذ هذه بابتسامة

فيها كل المعاني التي تضمنتها األسباب الخمسة السابقة ، ولكن األستاذ المرشد كان مصممًا علي قولته حيث كررها أكثر من مرة تكرارالواثق المتمكن .. ومع ارتيابنا بل ما نراه من استحالة في تحقيق هذا المشروع ، فإن ثقتنا التي تفوق كل تصور األستاذ المرشد جعلتنا

نتهم عقولنا ونتهم المنطق والواقع ونصدق ما يقول ، وبمشيئة الله وقدرته بدأت المدرسة في أول أيام الدراسة باستقبال تالميذهاوهي مستوفية جميع ما ال تستوفيه مدرسة إال بعد مضي أربع سنوات علي إنشائها أو أكثر إذ الظروف مواتية ، ورحم الله اإلمام البنا

الذي كانت له إرادة ال تعرف المستحيل .

المبحث السابع : الجانب الروحي

رغم كل مميزات اإلمام الشهيد إال أن الميزة التي تنقطع دونها األعناق ، والتي قلما يجود الزمان بزعيم يظفر بنصيب منها هي القوةالروحية الخارقة ، ويشهد بذلك موقعة األستاذ أحمد السراوي معه في أوائل أيام انتقال األستاذ المرشد من اإلسماعيلية إلي القاهرة ،حيث طلب إليه األستاذ السراوي أن يصاحبه في قضاء مصلحة له ، فسار معه حتى دخل معه منزالً فوجد نفسه في مكان يشبه عيادةطبية ، ويكمل األستاذ المرشد القصة فيقول : " وجاء الطبيب قبالتي وأخذ يحملق في عيني وأنا أنظر إليه في تعجب ال أدري ماذا يريدمني .. يقول األستاذ المرشد : وبعد نحو ساعة وقف الطبيب ، وقال للسراوي : صاحبك هذا قوة روحية خارقة ، ليس في الدنيا اآلن

قوة تستطيع التغلب عليها وال أن تعادلها ، لقد حاولت معه بجميع الوسائل ولم اتركه إال بعد أن أحسست أنني إذا زدت علي ذلكلحظة فسأنام أنا .

قال األستاذ المرشد : وبعد أن خرجنا سألت السراوي عن هذه المفاجأة ، فقال لي : لقد الحظت أن فيك قوة روحية جارفة ، فحاولت أنأعرف مدي هذه القوة ، فاتفقت مع هذا الرجل – وهو أقوى منوم مغناطيسي في مصر – علي مبلغ كبير إذا هو استطاع أن ينومك ، ولم

أشأ أن تعرف عن عزمي هذا شيئاً حتى آخذك علي غرة دون أن تستعد ، وقد خسر الرجل المبلغ " .وكانت تلك القوة الروحية السبب الرئيسي في مقدرته علي إقناع الناس بما يريده ، بل إقناع أعداء الدعوة الذين يعملون علي تدميرها

بالعزوف عن ذلك ، وكان هؤالء األعداء يعرفون ذلك جيداً ، ويحسبون حسابه ، من ذلك موقف عبد الرحمن عمار بك عندما كان وكيالً

Page 86: ikwan

86أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

للداخلية في وزارة النقراشي وشعر األستاذ البنا بأمر الحل يعد فعالً ، فحاول مقابلة النقراشي باشا ، وقابل عبد الرحمن عمار ، وطلبمنه ذلك فاعتذر له عمار بك بمشغولية النقراشي باشا ، وتظاهراً بأنه سوف يحدد له موعداً ، وبعد خروج اإلمام البنا من عنده سأله أحد

العاملين بوزارة الداخلية وكان سامعًا للحوار الذي دار بينهما : لم كان منه هذا التصرف ؟ فقال عمار بك : " إحنا لو تركنا األستاذ لمقابلةالنقراشي باشا فلن يصدر أمر الحل ، ألن هذا الرجل قادر علي إقناع النقراشي باشا ، وبذلك تحدث أزمة بين الحكومة والسراوي " .

وقد أعلن األستاذ محمود عبد الحليم عن ذلك فقال : " إن حسن البنا كان من اتساع األفق بحيث ال يعدم أن يجد بديالً مهما بدا لجميعالناس أن األمور قد ضاقت واستحكمت حلقاتها حتى صار الطريق مسدوداً ال منفذ فيه ، وكان هذا هو السبب في أن كثيرين من أعدائه

كانوا يتحاشون لقاءه ؛ ألنهم كانوا واثقين من أنه سوف يلزمهم الحجة ويكسبهم إلي جانبه وهو ال يريدون ذلك حسداً من عند أنفسهم .

المبحث الثامن : الجانب االجتماعي

إن حملة لواء الدعوة اإلسالمية بعد اإلمام األول رسول الله صلي الله عليه وسلم ال يكتب لهم النجاح إال إذا ترسموا طريقه ونهجوانهجه وتخلقوا بخلقه ، وال شك أن الجانب االجتماعي في شخص الداعي من األهمية بمكان ، وقد تعدد مفردات الجانب االجتماعي

في شخص اإلمام البنا إلي حد بعيد :أ – اجتماعي يألف ويؤلف :

يقول صلي الله عليه وسلم :" أال أنبئكم بأحبكم إلي أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة ؟ قالوا : بلي يا رسول الله ، قال : أحاسنكمأخالقًا ، الموطأن أكنافًا ، الذين يألفون ويألفون " ونحسب اإلمام البنا من هؤالء وال نزكيه علي الله ، فقد كان يتمثل هذا الحديث في

حياته ، يتضح ذلك من سماته السابقة والالحقة ونضيف هنا تلك الشهادات الصادقة :كان األستاذ البنا يشارك اإلخوان في كل المناسبات الفردية واالجتماعية ، فهو يخطب الجمعة والعيدين ، ويصلي التراويح بهم فيرمضان بختمه القرآن كاملة ، ويجري في كثير من األحيان صيغة عقود الزواج لهم بنفسه ، ويدعو ألطفالهم بالدعاء المأثور ، حين

يولدون ويشيع جنائزهم ، ويوجههم في حياتهم العامة والخاصة أفضل توجيه ، ويدير معهم الحديث في كل المناسبات ، ويخلص لهمالحب والمودة من كل نفسه وهم يبادلونه هذه العاطفة وهذا الشعور من أعماق قلوبهم ، وهذا هو سر تماسكهم ، وعجزت الدسائس والفتن

عن أن تصل إلي كيانهم ، أو تنال من بنيانهم .ويقول أنور الجندي : كانت صلة الداعية بإخوانه عجيبة حتى يكاد يشعر كل أخ من إخوانه إن له عالقة خاصة وصداقة خالصة ،

يمتاز بها علي من سواه ، فضالً عن أن له سرائر روحية كريمة مع كل أخ من اإلخوان ، وله كلمات نافعة يستوحيها من نفوسهمواتجاهاتهم تظل ثابتة ، تفعل فعل السحر كلما قدم بها العهد ، تبرق في أطواء النفس ببريقها الجذاب الخاطف كما يبرق الكوكب اللماع في

ظلمة الليل .وما تزال هذه األلفاظ الكريمة والتوجيهات الصادقة تؤثر في األخ الحبيب وتذكي في نفسه اللهب المقدس كالما اشتد الحنين .

ب – جواد يعطي اإلخوان حتى ما يلبسه :

كان رحمه الله عليه أرق من نسيم الصباح ، هذا العمالق الجبار الذي مأل المشارق والمغارب ذكراً ، كان إذا كلم ولداً صغيراً في شأن منالشئون يحمر وجهه من الخجل والحياء ألن عنصر العاطفة كان طاغيًا علي هذا الرجل ، وال أقول مسيطراً عليه ، والحنين والرقة لإلخوان

والرقة للناس ، كان شيئا عجيبا والله إنه أبر بالواحد منا وأخوف عليه من أمه التي أرضعته ، وهذا أيضًا حملنا متاعب كثيرة ، متاعبعاطفة المرشد العام وقد كلمه في ذلك مرة الشهيد الشيخ محمد فرغلي ، وقال له : إنك تحملنا كل هذه المتاعب في سبيل إرضاء

عاطفتك الشخصية ووفائك الشخصي ، كنا مثالً إذا سافرنا معًا ويكون البس " معطف – كبود – فإذا من اإلخوان مثال يقول له : ما أحليهذا البالطو ، إنه جيد وجميل ، فيخلعه ويعطيه لألخ ويقسم وال يعود يلبسه .

ج – يحب لغيره ما يحب لنفسه :

إن من عالمات اإليمان أن تري المسلم يحب لغيره كل خير يتمناه لنفسه ، وهو في نفس الوقت يبغض للناس كل شر يبغضه لنفسهعمالً يقول إمام الدعاة صلي الله عليه وسلم : " ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه " ، وتطبيقًا لهذا النص المبارك علي

حياة ا؟إلمام الشهيد رحمه الله نجد أنه آمن به عمليًا وجعله نبراسًا لحياته ، يؤيد ذلك هذا الموقف الذي كان بالمعتقل عندما جاءتهالبشري باإلفراج عنه دون أخوية اللذين معه مع إن خروجه له مبرره القوى حيث يتولي اإلمساك بدفة الدعوة ويوجهها حيث يريد اللهلكن – عليه رحمة الله – رفض الخروج بدون أخوية عبد الحكيم ، وأحمد السكري ، وأرسل رئيس الوزارة حسين سري باشا العضو البرلماني

عن منطقة أسيوط حامد جودة إلي اإلمام البنا في المعتقل محاوالً إقناعه بذلك ، إال أن اإلمامه البنا أصر علي موقفه ، وجلس معحامد جودة يحدثه عن كيف يكون أخالق القائد مع جنوده .

وتنازلت الحكومة أن تخرج األستاذ المرشد بالقوة إال أن األستاذ عبد الحكيم عابدين هدد بقتل كل من يتعرض لإلمام البنا أو يمس شعرةمنه ، ورأي المرشد أن يقبل باإلفراج عنهما "البنا والسكري " حقنًا للدماء ففعل .

ومن الذكريات التي تكشف عن عبقرية اإلمام الشهيد في حل المشكالت وإنقاذ المواقف ما بلغني من األخ السيد " عبد الحي الخولي " نائب شعبة " سوهاج " بالصعيد ، فقد حدثني أن الشيخ " عبد الله المازني " عضو الهيئة التأسيسية رغب في تأسيس شعبة لإلخوان

Page 87: ikwan

87أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

في قريته " نجع مازن " ولم يرد االستئذان من عمدة بلدته ، ورأي أن اإلخوان أسمي من أن يستأذنوا أحداً في هذا الشأن فاتصل رأسًابالمركز العام وطلب من فضيلة المرشد أن يفتح هذه الشعبة ومعه من يشاء من كبار اإلخوان ، وأعد سرادقًا كبيراً يسع المئات من الناس ،

وحدد اليوم الذي يحضر فيه ، ووافق األستاذ المرشد ووعد بالحضور في الموعد المحدد .. وبعد إعداد السرادق الكبير وفي اليوم الذي قدمفيه المرشد بلغ العمدة " عمدة القرية " هذا االحتفال وذلك االستقبال فعز عليه أن يتم كل هذا دون علمه وبغير استئذانه وعو عمدةالبلدة ، فثار ثورة مضرية وغضب غضبة " صعيدية " وعزم علي أن بتقلد سالحه مع مجموعة من الرجال األشداء ذوي قرباه ليهدم

هذا السرادق علي رؤوس أصحابه ويقتل من يتعرض له من اإلخوان .. وفي اللحظة األخيرة بلغ المرشد هذه الثورة العارمة وذلك العزمالرهيب فما كان منه إال أن تسارع في خطوات سريعة إلي بيت العمدة ولم يعر اهتمامًا بالحفل اإلخواني ومن فيه واالستقبال الذي

ينتظره في ظالل التكبير والتهليل .. ومضي راكضاً إلي مقر العمدة فالتقي به في منتصف الطريق ومعه عصابته األشداء وبأيديهماألسلحة والمعاول والحجارة .. فما كان من المرشد إال أن اندفاع إلي العمدة يحييه ويعرفه بنفسه قائالً : " أنا " حسن البنا " جئت أعتذرإليكم مما فعله الشيخ " عبد الله المازني " معكم ، فقد أقام هذا الحفل الكبير دون استئذانكم وقد جئت أطلب إليكم عقوبة شديدة عليه

لمخالفة آداب اإلسالم في موقفه هذا ، فما كان من العمدة إزاء كلمة المرشد إال أن قال : لقد سامحته يا شيخنا من أجل خاطركم ،فأجاب األستاذ ولكني ال أسامحه وأصر علي عقوبته .. فقال العمدة : عفا الله عما سلف ، ويسرني أن أدعوكم إلي حضور هذا الحفل

ليزداد بكم سروراً وشرفاً كبيراً " فلبي العمدة ومن معه طلب األستاذ المرشد راضيًا مغتبطاً واندمج العمدة ومن معه في هذا الحفل يكبر معالمكبرين ويهلل مع المهللين .

وهكذا أنهي الله سبحانه وتعالي هذه الحملة النازية الحامية التي أدركها اإلمام قبل اشتعالها وأطفأها بحكمته وتواضعه ، وقد آثر أاليستريح لحظة بعد قدومه من هذا السفر البعيد المرهق وقد عاله غبار السفر ولم يجف عرقه بعد .. تاركًا المظاهر ؛ مظاهر القيادة

والهتاف والتكبير والتعظيم ، فإذا بالنار المتأججة تتحول إلي برد وسالم وإذا بالخصومة المستعرة تنقلب إلي محبة غامرة .. وهكذا يعالجاإلمام الشهيد المشكالت ويقضي عليها بنفحات إخالصه وإيمانه وتقواه .

الفصل الرابع : إغتيال اإلمام البنا

المبحث األول : مقدمات االغتيال

اإلمام حسن البنا

لم يكن الغرض من اغتيال اإلمام الشهيد حسن البنا القضاء علي حياة شخصإنما كان الهدف هو القضاء علي دعوة وجماعة اإلخوان المسلمون ، ومحو

المبادئ التي تؤمن بها هذه الجماعة وتدعو إليها .

ولقد حاول أعداء الدعوة أن يحرفوا الجماعة عن أهدافها ومبادئها بشتىالطرق فخاب مسعاهم وضل سعيهم ، وحتى حين تمكنوا من إصدار قرار بحل

الجماعة وقتلوا اإلمام الشهيد ظانين بذلك أنهم قد قضوا علي الجماعةومبادئها خاب ظنهم ، وذلك ألن دعوة اإلخوان في حقيقتها ما هي إال دعوة

اإلسالم التي ال تموت بموت شخص أياً كان هذا الشخص ، فهي دعوة اللهودينه الذي ارتضاه لعباده .

ولقد حاولت قوي متباينة اغتيال اإلمام الشهيد أو احتواءه هو وجماعته وإناختلفت الدوافع ، فكان دافع البعض الحقد والحسد والغيرة العمياء من زعامتهوقوة جماعته ، أما القوة الرئيسية التي كانت وراء الكثير من المحاوالت فكاندافعها هو كراهية اإلسالم وكراهية أتباعه ، وألن الجماعة أصبحت عقبة

كؤوداً في وجه مخططاتهم وأطماعهم وإليك نبأ ما استطعنا معرفته من هذهالمحوالت

أوال : محاوالت اإلنجليز الغتيال اإلمام البنا :

1 – في عام 1941 طلب الجنرال " كاليتون " مدير عام المخابرات البريطانيةفي الشرق األوسط لقاء اإلمام البنا وفي هذا اللقاء عرض كاليتون جوانب

االتفاق بين ما ينادي به اإلسالم من حرية وشوري وبما ينادي به العالم الحر" يقصد الحلفاء أمريكا وانجلترا وفرنسا من نفس المبادئ ، وأن هناك اختالف

بين اإلسالم وبين ما ينادي به هتلر .

Page 88: ikwan

88أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وطلب من اإلمام الشهيد أن يقوم اإلخوان بالدعاية لذلك وإظهار جوانب االتفاق بين اإلسالم وما يدعو إليه الحلفاء وجوانب االختالفبين اإلسالم وما تدعو له دول المحور الوثنية ، وكان ذلك في مقابل إصدار جريدة لإلخوان ، ومقر لهذه الجريدة مع إمدادها بأحدث

أدوات الطباعة باإلضافة إلي مبلغ قدره نصف مليون جنيه كدفعة أولي يتبعها دفعات أخري ، وشفع طلبه بأن كل زعماء مصر يحصلونعلي المال لمساعدة بريطانيا ، واألولي أن يصرف هذا المال في مساعدة الدعوة اإلسالمية ، وقد رفض اإلمام البنا هذا العرض ثم أوضح

له ما جرته السياسة البريطانية علي مصر والعرب من خراب ودمار ، وذلك رغم تسليم اإلمام البنا بأن اإلخوان يرفضون دعوات دولالمحور وسياستها .

2 – ولما لم تنفع محاولة االحتواء عن طريق المال دبر اإلنجليز حادثًا الغتيال اإلمام الشهيد عن طريق قيام سيارة من سيارات الجيشالبريطاني بصدم اإلمام الشهيد وقتله بحيث يظهر األمر وكأنه قضاء وقدر وكأنه حادث سيارة عادي ، ولكن اإلخوان علموا بهذه المؤامرة

عن طريق أحد اإلخوان الذي كان يعمل مع أحد أعوان اإلنجليز وهو األخ عبد اللطيف سيد أحمد ، وأبلغ األستاذ عبد الحكيم عابدين بذلكفقام األستاذ عبد الحكيم عابدين بإذاعة الخبر بطريقة غير رسمية حتى انتشر الخبر مما منع اإلنجليز من اإلقدام علي تنفيذ تدبيرهم .

3 – وفي عام 1941 أوعز اإلنجليز لرئيس الوزراء والحاكم والعسكري حسين سري باشا بنقل اإلمام الشهيد إلي قنا ، فأصدر أمره إلي وزيرالمعارف د .محمد حسين هيكل بنقل اإلمام الشهيد إلي قنا ، وصدر قرار بنقل اإلمام البنا إلي قنا .

وقد اعترف الدكتور هيكل في كتابه مذكرات في السياسة المصرية بأن نقل األستاذ البنا كان بناء علي طلب اإلنجليز ولما لم يجد قرارالنقل في تقييد حركة اإلمام الشهيد وتعويق حركة الجماعة رضخ حسين سري لضغوط نواب أحزاب االئتالف بعد أن قدم األستاذمحمد عبد الرحمن نصير استجوابًا لوزير المعارف يقول فيه : إن نقل حسن البنا كان بناء علي دوافع خارجية ال تمت بأدنى صلة إلي

مصلحة التعليم .وهنا فقط أعيد اإلمام الشهيد إلي وجاءت وزارة " النحاس " علي أسنة رماح اإلنجليز في 4 فبراير 1942 وقرر النحاس غلق جميع شعباإلخوان عدا المركز العام وذلك بناء علي طلب اإلنجليز ، ولم تفتح إال بعد مفاوضات تمت بين اإلمام الشهيد والنحاس حول تنازل اإلمامالشهيد عن الترشيح للبرلمان في مقابل فتح شعب اإلخوان وعدم التضييق علي اإلخوان ، وكان منع اإلمام البنا من الترشيح بناء علي

طلب انجليز .ثانيًا : محاولة الوفد الغتيال اإلمام البنا :

وفي عام1946م قام بعض شباب الوفد في بورسعيد باالحتكاك بجوالة اإلخوان وقذفهم بالبيض والطماطم أثناء استعراضهم في شوارعبورسعيد ، وذلك بإيعاز من أحد كبار رجال الوفد في بورسعيد ، فتصدت لهم جوالة اإلخوان وعندما دخل اإلخوان المسجد لبدء احتفالهم بدأ

أنصار الوفد يتحرشون باإلخوان فأمر اإلمام الشهيد اإلخوان باالنصراف فانصرفوا جميعًا ولم يبق معه في دار اإلخوان إال الشهيد محمدفرغلي والحاج عبد الله الصولي ، فاستغل أنصار الوفد الفرصة وحاصروا دار اإلخوان وظلوا يرمون الدار بالحجارة وكرات النار المشتعلة

وكان ذلك في وجود البوليس الذي تواطأ معهم واستمر الحال حتى قبيل الفجر حتى قام األستاذ علي رزة هو وبعض إخوانه بحيلةأخرجوا بها اإلمام الشهيد ومن معه من بورسعيد .

ثالثاً : محاوالت مصر الفتاة الغتيال اإلمام البنا :

وكان لمصر الفتاة نصيب في محاوالت اغتيال اإلمام الشهيد وإن كنا ال نرجح أنها تمت بإيعاز من قوى أجنبية إنما كان دافعها الغيرةوالحسد ، فقد كانت هناك محاولتان تم رصدهما وقام اإلخوان بإفشالهم .

1 – كانت المحاولة األولي في مدينة المحلة وكان تقوم فكرتها علي حرق السرادق المقام فيه الحفل ، عن طريق خلع األعمدة التييقوم عليها السرادق في توقيت معين ، فيتهدم السرادق وتشتعل فيه النار عن طريق قناديل اإلنارة . وقد علم اإلخوان بتلك المؤامرة

واستعدوا لها ، وقام اإلخوان باإلمساك بالمنفذين عندما شرعوا في التنفيذ .2 – أما المحاولة األخرى فكانت تقوم فكرتها علي وضع قنبلة زمنية تحت المنصة التي يخطب عليها اإلمام الشهيد ، وكانت هذه

المؤامرة بأمر من أحمد حسين نفسه ، واستطاع اإلخوان اإلمساك بهؤالء النفر ومعهم المتفجرات .وقام اإلمام البنا باستدعاء األستاذ أحمد حسين وسلمه رجاله ومتفجراتهم ومن يومها توقفت محاوالت مصر للفتاة .

رابعًا : محاولة الحزب الشيوعي الغتيال اإلمام البنا :

ولم تكن روسيا لتترك هذا الميدان بل ساهمت فيه بنصيب ، وذلك أن قامت السفارة الروسية باالتصال بالحزب الشيوعي في طنطا وكلفتهبتنفيذ مؤامرة الغتيال اإلمام الشهيد عن طريق إلقاء قنبلة عليه وهو يخطب في اإلستاد الرياضي بطنطا ، وكان الذي تلقي االتصال

وكُلف بتنفيذ المؤامرة أحد أفراد النظام الخاص وهو الحاج " فرج النجار " وكان قد انضم إلي الحزب الشيوعي بناء علي تكليف من النظامالخاص وأصبح مساعد سكرتير الحزب بطنطا الذي قام بإفشال هذه المؤامرة وتم القبض علي أعضاء الحزب الشيوعي .

خامسًا : محاوالت حكومة النقراشي الغتيال اإلمام البنا :

1 – أما حكومة النقراشي األخيرة فقد كان لها نصيب وافر في محاوالت اغتيال اإلمام الشهيد ، بل إن حادث اغتيال اإلمام الشهيد رُتُب قبل حل الجماعة واغتيال النقراشي بوقت طويل ، فعندما أراد اإلخوان القيام بمظاهرة تخرج من األزهر لتشد من أزر النقراشي – وهو

Page 89: ikwan

89أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

يعرض قضية مصر علي مجلس األمن – وسمح لهم البوليس بهذه المظاهرة إال أنه اتخذ هذه المظاهرة فرصة الغتيال اإلمام البنا ، يقولاألستاذ محمود الجوهري – وكان بجانب المرشد طيلة هذه المظاهرة – إنه الحظ كما الحظ األستاذ نفسه أن تصرف رجال البوليس في ذلك

اليوم كان يشعر بأن هناك خطة مرسومة الصطياد األستاذ المرشد منفرداً للتخلص منه .. ذلك أن قوات البوليس حاصرت األزهر وكانتتعمل علي تفريق من يخرجون منه وتشتيتهم أوال بأول حتى إذا خرج األستاذ المرشد اصطادوه وحده .. وكان األستاذ آخر من خرج من

المسجد وكأنهم ظفروا بما أرادوا فحاصروه بالقوة كلها راكبة الخيل وهو منفرد .. وهنا تصرف األستاذ المرشد تصرفًا مذهالً ، إذ اختطف عصامن أحد أفراد القوة وأخذ يضرب بها كل حصان علي أنفه فيرفع الحصان رجليه الخلفيتين فيهوي الجندي الذي يمتطيه علي األرض ،

وبذلك تمكن من إسقاط القوة كلها ، وكان اإلخوان قد لحقوا به من خالل هذه المنازلة البارعة والتفوا ولم تكن المظاهرة السلمية تصلإلي ميدان العتبة الخضراء وفي مقدمتها سيارة تحمل الشيخ البنا وبعض األعضاء حتى انطلقت األعيرة النارية في كل صوب ، فنزل

الشيخ ليستطلع الخبر فإذا بعيار ناري يطلق عليه وتستقر رصاصة في ساعده ، ثم اقتيد عقب إصابته إلي قسم الموسكي فاعتدي رجالالشرطة علي أتباعه ، ودارت معركة بينه وبين ضابط البوليس هدده بمسدس وسدد فوهته في صدره ، فهجم عليه الشيخ البنا ، وأمسك

بالمسدس من يده ، وأصيب زوج شقيقته عبد الكريم منصور بإصابات نقل علي أثرها إلي مستشفي صر العيني وانتهي الحادث بالحفظ. (

2 – عندما توجه حسن البنا إلي مطار القاهرة للحج في 23 من سبتمبر 1948م ومعه جواز سفر يتيح له السفر إلي جميع أنحاء العالم ..وعلي الجواز أيضًا تأشيرة تسمح له بأن يستقل طائرة شركة " سعيدة " قام العقيد حسن فهمي مفتش الجوازات بسحب الجواز منه ،وألغي جميع الدول المصرح له بالسفر إليها ، واكتفي منها بالمملكة العربية السعودية ، وقال إنه فعل ذلك بناء علي تعليمات من عمرحسن – مدير القسم المخصوص ، وسافر المرشد العام إلي المملكة العربية السعودية فأبرقت وزارة الداخلية إلي القنصل المصري في

جدة بعدم السماح للبنا من السفر إلي أية دولة عربية أخرى ، وقد قال عبد القادر عودة وكيل جماعة اإلخوان : " لم تستطع الحكومةمنع البنا من السفر ألداء الحج وإال قيل أنها صدته عن سبيل الله ، والبيت الحرام ، ومن يفعل ذلك يعد كافراً ، ومن ناحية أخري – كما

قال اليوزباشي عبد الباسط شقيق المرشد – فإن الحكومة المصرية أعدت العدة لقتله في السعودية علي أن تنسب الجريمة إلي بعضاليمنيين ! ، وكان أمير الحج المصري حامد جودة – رئيس مجلس النواب الذي ينتمي إلي الحزب السعدي – قد صحب معه بعض

األشخاص الخطرين ، ولكن الحكومة السعودية استشعرت ذلك فأنزلت المرشد العام ضيفاً عليها وأحاطت مقره بحراسة شديدة ، وقدمتإليه سيارة خاصة بها جندي مسلح لمنع االعتداء عليه ، وعاد حسن البنا في 28 من نوفمبر 1948م .

المبحث الثاني : حادث االغتيال

وسنتناول حادث االغتيال من خالل حديث األستاذ عبد الكريم منصور الذي رافق اإلمام الشهيد في الحادث .اإلجراءات التي اتخذت إلتمام االغتيال :

وقد اتخذت الحكومة عدة إجراءات لتسهيل عملية اغتيال اإلمام البنا تتلخص في اآلتي :1 – اعتقال اإلخوان عدا الشهيد وإيداعهم السجون .2 – سحب المسدس المرخص الخاص باإلمام الشهيد .

3 – سحب الجندي المكلف بالحراسة علي منزل اإلمام الشهيد ، رغم أنه عرض عليهم التكفل براتبه ، وكان جميع الزعماء توضع لهمحراسة خاصة .

4 – اعتقال أخيه اليوزباشي عبد الباسط الذي أحس بالمؤامرة علي أخيه وجاء ليحرسه .5 – قطع خط التليفون حتى ال يتمكن من االتصال بالخارج .

6 – اعتقال كل من ذهب لزيارة اإلمام حسن البنا في هذه الفترة ، وإذا دخل الزائر ولم يُر اعتقل أثناء خروجه .7 – إذا سلم عليه شخص في الطريق أثناء سيره اعتقل حتى ولو كان من غير اإلخوان المسلمين .

8 – سحب السيارة الخاصة باإلمام الشهيد وكانت ملك صهره عبد الحكيم عابدين .9 – عدم السماح له بمغادرة القاهرة أو السفر إلي أي مكان .

10 – شَغْل اإلمام الشهيد بمفاوضات الصلح بينه وبين الحكومة .ما حدث يوم االغتيال :

في يوم االغتيال كلفني اإلمام الشهيد حسن البنا قبل العصر بالذهاب إلي التليفونات الخارجية في السيدة لالتصال بالشيخ عبد الله النبراوي في بنها ، لكي أبلغه رغبة اإلمام في اإلقامة عنده في عزبته " أبعادية النبراوي " وكانت هذه العزبة محاطة برجال النبراوي وحراسه ، فلما تكلمت مع رد علي أهله وقالوا : ال داعي لحضور اإلمام ألن البوليس جاءنا وضربنا ودمر أثاث المنزل وممتلكاتنا ، واعتقل

الشيخ عبد الله ، وعدت إلي اإلمام ألخبره بنتيجة المكالمة فقال إنه قد جاءه األستاذ محمد الليثي رئيس قسم الشباب بجمعية الشبان المسلمين وأخبره بأن الحكومة تريد استئناف المفاوضات ، وإن بعض الشخصيات الحكومية ستحضر في جمعية الشبان المسلمين

Page 90: ikwan

90أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

لهذا الغرض ، فأخبرت اإلمام بأمر اعتقال الشيخ النبراوي ، ورجوته عدم الذهاب إلي الشبان المسلمين ، ولكنه رحمه الله صمم عليالذهاب قائالً : إني وعدت وال يجوز أن أخلف الميعاد .

ظهرت حقيقة الحادث بتفاصيله والذي تم في الساعة الثامنة والثلث من مساء يوم السبت 12 فبراير 1949م الموافق 14 ربيع الثاني في1368هـ .

يقول األستاذ عبد الكريم منصور : " ذهبنا إلي جمعية الشبان المسلمين وقد أخبر األستاذ البنا بأن الحكومة تريد استئناف المفاوضات وأنشخصيات حكومية ستحضر في جمعية الشبان لهذا الغرض ، وجلسنا في الجمعية ولم تحضر الشخصية الحكومية حتى العشاء ، فقام

اإلمام الشهيد وصلي بالموجودين صالة العشاء ، ثم جلسنا قليالً بعدها ولو تحضر هذه الشخصية .وهنا طلب اإلمام من األستاذ محمد الليثي أن يستوقف تاكسي ، وخرجنا من الجمعية إلي شارع رمسيس الذي كان مظلمًا وكانت السعة

تشير إلي الثامنة والثلث ، ووقف التاكسي الذي لم يكن هناك غيره في الشارع كله ، ودخل اإلمام الشهيد في المقعد الخلفي ودخلت بعدهوجلست إلي يمينه ، ثم نهض وأبدل المقاعد فجلس علي يميني وجلست علي يساره ، وفي هذه األثناء كان يقف أمام السيارة شخصان

فتقدم أحدهما وأراد فتح باب السيارة فأغلقته ، وحاول الفتح , وأنا أحاول الغلق مهدداً لي بمسدسه ، وأخيراً فتح الباب وأطلق عليصدري الرصاص فتحولت إلي الجهة اليسرى فجاءت الرصاصة في مرفقي األيمن ، وأمسكت بيده التي فيها المسدس وحاولت بيدي

األخرى أن أنتزع منه المسدس فلم أجد ذراعي إال معلقًا ، العضد هو الذي يتحرك فقط ، وهنا أطلق المجرم رصاصة أخرى اخترقتالمثانة وشلت حركة الرجل اليسرى ، وهنا عجزت عن الحركة ، فتركني وتوجه إلي اإلمام الشهيد وحاول فتح الباب ولم يستطع فأطلقالرصاص عليه ثم فتح الباب وظل يطلق الرصاص علي اإلمام الشهيد وهو يتراجع وهنا قفز اإلمام من السيارة وجري خلفه حوالي مائةمتر إال أن السيارة كانت تنتظره عند نقابة المحامين فاستقلها وهرب ، وعاد اإلمام الشهيد وحملني وأجلسني في السيارة حيث كانت

رجلي اليسرى خارج السيارة ال أستطيع تحريكها .ونادي اإلمام األستاذ محمد الليثي وقال له رقم السيارة عندك " 9979" وجاء شخص آخر طويل القامة أسمر ، وقال : هل أخذت رقم

السيارة التي ارتكبت الحادث .. رقمها " 1179 " وانصرف .دخل اإلمام البنا إلي جمعية الشبان المسلمين وطلب عربية إسعاف ولكنها تأخرت وهنا كان الناس قد تجمعوا فطلبوا من سائق السيارة أن

يوصلنا فرفض ولكنهم أرغموه علي ذلك فأوصلنا إلي اإلسعاف .وأمام اإلسعاف حملني اإلمام الشهيد مرة أحرى من السيارة وأدخلني إلي اإلسعاف وقبض حرس اإلسعاف علي السائق الذي حاول

الهرب .وجاء طبيب اإلسعاف ليسعف اإلمام البنا الذي قال له : " أسعف األستاذ عبد الكريم أوالً ألنه حالته خطيرة ، ورأي طبيب اإلسعاف

ورأي طبيب اإلسعاف أن حالتي تستدعي نقلي إلي القصر العيني فنقلنا أنا واإلمام الشهيد وأدخلونا إحدى الغرف ، وجلسنا فترة حتىاتصلوا بالطبيب المناوب في منزله في روكسي بمصر الجديدة ، واستدعوا من السينما المجاورة حيث كان يشاهد فيلمًا ، وركب سيارته

وجاء إلي القصر العيني .في هذه األثناء دخل علينا األميراالي محمد وصفي مندوب الملك وقال صارخًا : " انتم لسه مامتوش يا مجرمين " ، وانصرف .. وهنا دخل

الطبيب الذي أراد أن يسعف اإلمام الشهيد أوالً ولكنه قال له " أسعف األستاذ أوالً .. وأمر الطبيب أحد الممرضين بخلع مالبس الشهيدولكنه نهض من علي السرير وخلعها بنفسه ، ولما أرادوا أخذ اسمي وعنواني قال لهم اإلمام الشهيد : " اتركوا األستاذ عبد الكريم ألن

حالته خطيرة وأعطاهم االسم والعنوان .وهنا دخل األميراالي محمد وصفي مندوب الملك ثانية وقال للطبيب : أنا جاي من عند الحكمدار ألعرف حالة الشيخ حسن البنا ، فقالله الدكتور : إن حالته ليست خطيرة ، وبعد ذلك فصلوا بيني وبين اإلمام ووضعوني في غرفة مع أحد المرضي ، ووضعوا اإلمام في غرفة

وحده .وعلمت فيما بعد أن األميراالي محمد وصفي أتي إلي المستشفي مندوبًا عن الملك وكان مكلفًا باإلجهاز علي حياة اإلمام الشهيد ..إذ منع

الطبيب من مواصلة العالج وتركت دماء اإلمام تنزف حتى صعدت روحه الطاهرة إلي بارئها تشكو ظلم الطواغيت .الجنازة :

اتخذ عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية قراراً عصبيًا بضرورة تشييع الجنازة مباشرة من مشرحة مستشفي قصر العيني ، حتى التتاح فرصة لتفاقم مشاعر الحزن واأللم ، و تحسبًا لتدفق المشاعر وانفالت زمام األمور .

ولكن رجالً طاعنًا في السن قد أحنى ظهره يبلغ من العمر سبعة وستين عامًا كاملة ، عاريًا من كل حيلة أو وسيلة أمام اللواء أحمد طلعتيسأل – بإلحاح وبتوسل دون ملل – أن تشيع الجنازة من منزل الفقيد ، إنه الشيخ " أحمد عبد الرحمن البنا " والد " حسن البنا " الذي

زلزلت كلماته الملتاعة كيان اللواء المصمم علي إنفاذ أمر رؤسائه ، فوعد باستئذان المسئولين علي أن تشيع الجثة من غير مظاهرات . وأنتدفن في الساعة التاسعة صباحًا .

التشييع :

Page 91: ikwan

91أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وردت تفاصيل التشييع في صحيفة " الكتلة " الناطقة باسم حزب الكتلة برئاسة مكرم عبيد باشا ، والمنشور بعد تسعة أشهر كاملة منالحادث نتيجة الرقابة .

لقد وصفت الصحيفة ما حدث وكتبه مأمون الشناوي بدون توقيع في عدد 11 نوفمبر 1949م في عهد وزارة عبد الهادي .أتت الصحيفة بعناوين تكفي تالوتها للعن الطغاة والمجرمين تقول : " القبض علي المعزين ، ومنع الصالة علي جثمان الفقيد ، منع

تالوة القرآن علي روحه .."ثم نشرت الوصف التاريخي اآلتي الذي استقته من والد الشهيد الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا .كيف دفنوا اإلمام الشهيد ؟

نقلت جثة الفقيد إلي بيته في سيارة تحرسها سيارات مملوءة بفريق من رجال البوليس المسلحين ، وقد أنساهم هول الجريمة أن الموتىال يتكلمون وال ينطقون !

وفي أحد شوارع الحلمية وقفت القافلة ، ونزل الجند فأحاطوا بيت اإلمام الفقيد ، ولم يتركوا ثقباً ينفذ إليه إنسان إال سدوه بجند وسالح .أما الشيخ البنا ذلك الشيخ الهرم فلم ينؤ بها ولم تبد عليه عوامل السنين كما بدت في هذه الليلة النكباء ، فقد عرف بخبر وفاة ولده منأحد الضباط ساعة وقوعها ، وظل ساهراً تفجعه األحزان منتظراً الفجر ليؤدي فريضة الله ، ويقول له : سبحانك ، وعدالتك ياربي لقد

قتلوا ولدي " .وتتابعت علي باب المسكن طرقات كان صداها يطحن قلب الشيخ الكبير الرحى .

كان الوالد هو وحده الذي يعلم وينتظر فإن أشقاء الفقيد جميعا كانوا في السجون ، وفتحوا الباب وأدخلوا الجثة ، ونشج الوالد المحطمبالبكاء فقالوا له : ال بكاء وال عويل ، بل وال مظاهر حداد ، ولنترك الشيخ أحمد البنا والد الشيخ حسن يتم القصة : قال : " أبلغت نبأموته في الساعة الواحدة ، وقيل : إنهم لن يسلموا إلي جثته إال إذا وعدتهم بأن تدفن في الساعة التاسعة صباحًا بدون أي احتفال ،

وإال فإنهم سيضطرون إلي حمل الجثة من مستشفي قصر العيني إلي القبر ، واضطررت إزاء هذه األوامر إلي أن أعدهم بتنفيذ كل ماتطلبه الحكومة ، رغبة مني أن تصل جثة ولدي إلي بيته فألقي عليه نظرة أخيرة ، وقبيل الفجر حملوا الجثة إلي البيت متسللين ، فلم

يشهدها أحد من الجيران ولم يعلم بوصولها سواى .حصار حول البيت :

وظل حصار البوليس مضروباً حول البيت وحده ، بل وحده ، بل حول الجثة نفسها ال يسمحون إلنسان باالقتراب منها مهما كانت صلتهبالفقيد .

وقمت بنفسي بإعداد جثة ولدي للدفن ، للدفن ، فإن أحداً من الرجال المختصين بهذا لم يسمح له بالدخول ، ثم أنزلت الجثة حيثوضعت في النعش ، وبقيت مشكلة من يحملها إلي مقرها األخير .

وطلبت إلي رجال البوليس أن يحضروا رجاال يحملوا النعش فرفضوا ، قلت لهم : ليس في البيت رجال ، فأجابوا : فليحمله النساء ! وخرجنعش الفقيد محموالً علي أكتاف النساء .

ومشت الجنازة الفريدة في الطريق ، فإذا بالشارع كله رصف برجال البوليس ، وإذا بعيون الناس من النوافذ واألبواب تصرخ ببريق الحزنواأللم والسخط علي الظلم الذي احتل جانبي الطريق !

وعندما وصلنا إلي جامع " قيسون " للصالة علي جثمان الفقيد ، كان المسجد خالًيا حتى من الخدم ، وفهمت بعد ذلك أن رجال البوليسقدموا إلي بيت الله وأمروا من فيه باالنصراف ريثما تتم الصالة علي جثمان ولدي .

ووقفت أمام النعش أصلي فانهمرت دموعي ن ولم تكن دموعًا بل كانت ابتهاالت إلي السماء أن يدرك الله الناس برحمته .ومضي النعش إلي مدافن اإلمام ، فوارينا التراب هذا األمل الغالي ، وعندما عدنا إلي البيت الباكي الحزين ، ومضي النهار وجاء الليل لم

يحضر أحد من المعزين ، ألن الجنود منعوا الناس من الدخول ، أما الذين استطاعوا الوصول إلينا للعزاء ، فلم يستطيعوا العودة إلي بيوتهم ،فقد قبض عليهم ، وأودعوا المعتقالت ، إال شخصًا واحداً هو مكرم عبيد باشا .

تحقيقات القضية والحكم فيها :

قد بدأ التحقيق في هذا الحادث بعد وقوعه بساعات وانتهي في 18 ديسمبر عام 1952م ، وقيد برقم 1701 جنايات عسكرية قصرالنيل سنة 1952م .

وكان المرحوم األستاذ عبد العزيز حلمي رئيس نيابة جنوب القاهرة أول من تولي تحقيقات هذه القضية ، وهذه بدأها ليلة الحادث 12فبراير 1949م وانتهي دوره في 2 مارس 1949م ، وقد سئل في هذه التحقيقات محمود عبد المجيد ومحمد محفوظ بعد أن حامت حولهما

الشبهة بأقوال الشاهد األول محمد يوسف الليثي ولم يوجه إليهما االتهام ، وفي 17 مارس 1949م أعيد فتح التحقيق بعد أن أخطرالمالزم أول " عزت النقيب " الضابط بسجن شبين الكوم بأن المسجون الفلسطيني صالح أحمد بركات قد ادعي أنه قاتل المرشد ولكن

هذا المسجون عاد فأنكر ما اعترف به للضابط أمام نيابة شبين الكوم .

Page 92: ikwan

92أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وفي عهد حكومة الرئيس السابق حسين سري استأنفت التحقيقات بعد أن تلقت النيابة بعض الشكاوي وقد بدئ التحقيق في 28نوفمبر 1949م ، وانتهي في 24 فبراير 1950م ، وسئل في هذه التحقيقات المتهمون محمود عبد المجيد ومحمد محفوظ وحسين كامل

وعبده أرمنيوس وأحمد حسين ومحمد سعيد وحسين محمدين ومحمد الجزار ، وكشفت التحقيقات عن أهم وقائع الدعوي وهي استقدامالمخبرين المتهمين من سوهاج بإشارة تليفونية قبل الحادث الرتكابه ، ولكن األدلة لم تكن قد اكتملت لدي النيابة فقررت إخالء سبيلهم ،

وظل الوفد – بعد استقالة إبراهيم عبد الهادي – يطالب بإعادة تحقيق في القضية ، وعندما تولي مصطفي النحاس رئاسة الوزارةالمصرية في 12 من يناير 1950م لم يفتح الوفد التحقيق في قضية اإلمام البنا وظل التحقيق نائمًا لمدة عامين .

وقررت النيابة العسكرية ضم القضية بعد ذلك إلي قضية " األوكار " دون أن يصدر قرار النيابة فيها ، وأعيدت التحقيقات من جديدفي 26 يوليو 1952م . وفي هذه التحقيقات بدأت سلسلة اعترافات المتهم محمد محفوظ والبكباشي محمد الجزار ، وأحيل التحقيق بعد

ذلك إلي النيابة وتواله األستاذ فؤاد سري في 19 أغسطس 1952م .واختارت الجمعية العمومية لمحكمة استئناف القاهرة المستشار األستاذ حسن داود ليتولي إعادة التحقيق في القضية ، وبدأ تحقيقاته

في أول أكتوبر سنة 1952م وانتهي منها في 18 ديسمبر سنة 1952 .وكان المستشار حسن داود آخر من تولي التحقيق في هذه القضية بعد أن استمرت التحقيقات ثالث سنوات وعشرة وستة أيام .

وكان جميع المتهمين قد قبض عليهم ثم تقرر إحالتهم في غرفة االتهام التي قدمتهم إلي محطمة الجنايات أمام الدائرة المشكلة برئاسةكامل ثابت وتحدد نظرها دور يونيو سنة 1953م وتأجلت إلي دور سبتمبر .

الدائرة التي حكمت :

وتنحت دائرة كامل ثابت ووكل أمر الفصل في الدعوي للدائرة التي شكلت برئاسة المستشار محمود عبد الرازق ، وانتهت المحكمة من نظرالقضية يوم 2 أغسطس للنطق بالحكم .

حكم المحكمة علي قتلة حسن البنا : قضت المحكمة 26 يومًا في المداولة وكتابة الحيثيات ثم أصدرت حكمها في 2 أغسطس 1954وذلك بعد خمس سنوات وخمسة أشهر و 21 يومًا و14 ساعة و15 دقيقة من وقت وقوع الجريمة .

قضت المحكمة :

أوالً : بمعاقبة أحمد حسين جاد باألشغال الشاقة المؤبدة وكل من الباشجاويش محمد محفوظ محمد األميراالي محمود عبد المجيدباألشغال الشاقة المؤبدة لمدة خمس عشرة سنة وإلزامهم بطريقة التضامن والتكافل مع الحكومة المسئولة عن الحقوق المدنية :

أ – بأن يدفعوا عشر آالف جنيه علي سبيل التعويض للسيدة لطيفة حسين زوجة الشيخ حسن البنا وأوالده القصر منها : وهم : وفاء وأحمدسيف الدين وسناء ورجاء وهالة واستشهاد المشمولين بوالية جدهم الشيخ عبد الرحمن البنا .

ب – وبأن يدفعوا للشيخ عبد الرحمن البنا والسيدة أم السعد إبراهيم صقر والدي القتيل " قرش صاغ واحد " علي سبيل التعويضالمؤقت .

ج – وبأن يدفعوا لألستاذ عبد الكريم محمد منصور مبلغ ألفي جنيه علي سبيل التعويض .ثانياً : بمعاقبة البكباشي محمد محمد الجزار بالحبس مع الشغل لمدة سنة ورفض الدعاوى المدنية قبله .

ثالثا : ببراءة كل من مصطفي محمد أبو الليل واليوزباشي عبده أرمانيوس والبكباشي حسين كامل والجاويش محمد سعيد إسماعيل ،واألومباشي حسين محمدين مع رفض الدعاوي المدنية الموجهة إليهم .

كان الحكم مفاجأة للعميد محمود عبد المجيد الذي اسند رأسه علي يديه وعلت وجهة صفرة شديدة ، وظل في مكانه بالقفص إلي أن قادهالحراس إلي السجن .

أما أحمد حسين جاد فظل يبتسم ابتسامة عريضة بعد سماع الحكم عليه باألشغال الشاقة المؤبدة كأنه ال يدري ما حوله .وانفجر مصطفي أبو الليل – الذي حكم ببراءته – باكيًا وأخرج منديله من جيبه ليجفف به دموعه .. وكان يقول إنه يبكي علي العميد

محمود عبد المجيد الذي عمل معه فترة طويلة .بعد صدور الحكم أمر جمال عبد الناصر باإلفراج الصحي عن محمود عبد المجيد 29 يونيه 1955م أي بعد عام تقريبًا من صدور الحكم .وطعن محمد الجزار في الحكم بطريق النقض ولكن محكمة النقض قبلت الحكم شكالً ورفضته موضوعًا ، وقررت رد اعتباره بعد أن صدر

حكم لصالحه من محكمة جنايات القاهرة في 25 من نوفمبر عام 1957 ، وقد اشتغل بعد ذلك بالمحاماة ثم بشركة الشرق للتأمين .والتقي المخبران أحمد حسين جاد ومحمد محفوظ في السجن بأعضاء جماعة اإلخوان الذين اعتقلهم جمال عبد الناصر أو صدرت ضدهم

أحكام من المحاكم التي شكلتها الثورة .وأفرج صحيًا عن سائق محمود عبد المجيد الرقيب محفوظ عام 1960 .

وأفرج صحيًا عن الرقيب أحمد حسين جاد في 4 من سبتمبر عام 1967 ، دون أن يمضي مدة العقوبة كلها ، افتتح عبده أرمانيوس محالً لتجارة الموبيليا بعد أن أمضي عامًا في الحبس االحتياطي ، قبل القضية .. واختفي نص الحكم وحيثياته حتى التي كتبها رئيس المحكمة

Page 93: ikwan

93أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

بخط يده ! .

المبحث الثالث : من قتل حسن البنا ؟ .. دراسة تحليلية

اإلمام حسن البنا

إن حكم المحكمة والتحقيقات تشير إلي أن قتلة اإلمام الشهيد حسن البنا هممحمود عبد المجيد وعصابته ولكن مالبسات الحادث والمستفيدين منه تدلنا عليأن محمود عبد المجيد وعصابته لم يكونوا إال أداة أو قفازاً قذر استخدمه الفاعل

األصلي .

وعلي الرغم من أن التحقيقات استمرت في حادث االغتيال ما يقرب من أربعةسنوات كان بعضها في عهد الملك وبعضها في عهد الثورة إال أنه لم يقدم

للمحاكمة إال هؤالء المرتزقة .وعلي الرغم من أن التحقيقات واألحداث كانت تشير لبعض المساعدين للفاعل

األصلي وأيضًا تشير لهذا الفاعل األصلي إال أن هذا الفاعل كانت له القدرة عليطمس الحقائق في العهدين ؛ عهد الملكية وعهد الثورة .

أما في عهد الملكية فلم يحاكم أحد علي اإلطالق وحفظ التحقيق في عهد إبراهيمعبد الهادي لتورطه هو ووزارته في قتل اإلمام البنا .

أما في عهد وزارة حسين سري وزارة الوفد فقد حفظ التحقيق لمصلحة الملك المتورطهو اآلخر في هذا الحادث .

أما في عهد الثورة فتم تحقيق عن طريق نائبي األحكام ثم أسندت التحقيق إليالنيابة التي أحالت محمود عبد المجيد وزمرته إلي المحاكمة يتطرف التحقيق وال

المحاكمة للفاعل األصلي ، فمن هو الفاعل األصلي ؟

الفاعل األصلي ؟

إن جريمة اغتيال اإلمام الشهيد ال تنفصل عن قضية حل جماعة اإلخوان ، ومن كان وراء قرار الحل هو الذي دبر لحادث االغتيال منوراء ستار وإن لم يظهر في الصورة ، وعلي مسرح األحداث ، وهذا معروف في الجرائم المنظمة حيث يختفي العقل المدبر للجريمة

والمستفيد األول منها خلف من هم أقل استفادة من الجريمة من القتلة المأجورين من أمثال محمود عبد المجيد وعصابته .والفاعل األصلي في هذه الجريمة هو القوى االستعمارية " إنجلترا ، وأمريكا ، فرنسا ، والصهيونية العالمية .. " أما المساعدون لهم فهم

الملك ووزارة الحزب السعدي سواء وزارة النقراشي أو إبراهيم عبد الهادي الذي جاء من بعده ليتم الجريمة أما محمود عبد المجيد وزمرتهفلم يكونوا سوى قفاز قذر استخدم في الجريمة . ولكي ندلل علي ما ندعيه إليك اآلتي :

1– دور محمود عبد المجيد وعصابته :

لم يكن دور محمود عبد المجيد وعصابته يتعدي دور القاتل المحترف فهو ال يعرف اإلمام البنا ولم تكن بينه وبينه أي خصومة ال هو والأحد من عصابته ، فقد جاء به عبد الرحمن عمار من " جرجا " لما عرف عنه من إجرام وانتهاك للقانون حيث كان محمود عبد المجيد

يعمل حكمداراً لجرجا وكان ال يتورع عن قتل المجرمين المطلوب القبض عليهم أو المشتبه فيهم . فمن بين 18 متهمًا بالقبض عليهم قتل15 منهم وكان ال يتورع عن التمثيل بجثث المتهمين وقد وصفه صابر طنطاوي مدير األمن العام بأنه " رجل بال ضمير وال يخاف الله " .وقد انتدبه عبد الرحمن عمار في أول أغسطس 1948 وعينه مديراً إلدارة البحث الجنائي بالوزارة ، ولما أمر بتنفيذ اغتيال اإلمام الشهيد

قام بندب باقي أفراد العصابة من جرجا أو من عمل معه هناك قبل .في أول يناير ندب كالً من البكباشي أمين حلمي والرائد حسين كامل من جرجا وندب اليوزباشي عبده أرمانيوس من الجيزة إلي إدارة

البحث الجنائي .وفي يوم 2 يناير قرر ندب مخبر الشرطة األمباشي أحمد حسين من مباحث جرجا إلي اإلدارة علي أن ينفذ النقل خالل 24 ساعة

وفي يوم 21 من يناير ندب من جرجا أيضًا المخبر حسين محمدين رضوان والباشجاويش محمد سعيد إسماعيل معلم أنه لم يسبق قبل والبعد ذلك ندب مخبرين من إحدى المديريات للعمل بالقاهرة عدا هؤالء الثالثة وكان ندب هؤالء المخبرين يتم شخصيًَا ودون مكاتبات

رسمية .وعندما الحظ الصول محمد البهي شرف المكلف بمراقبة حضور المخبرين في الدفاتر وتوزيع الخدمات عليهم وجود المخبرين الثالثة وسألعنهم قيل له : إن العقيد محمود عبد المجيد جاء بهم من سوهاج أثبت حضورهم في دفتر اإلدارة ، وعندما علم محمود عبد المجيد بذلك

األمر نقل الصول محمد البهي يوم 26 يناير 1949م ونفذ النقل في اليوم ذاته .

Page 94: ikwan

94أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وعلي ذلك لم يكن هناك ثمة أي نوع من المصلحة أو الفائدة التي يمكن أن تبرر ارتكاب محمود عبد المجيد جريمة اغتيال اإلمام الشهيد ..اللهم إال تنفيذ رغبات أسياده .

2 – دور الحكومة السعدية :

قامت الحكومة السعدية برئاسة النقراشي بمحاوالت عديدة الغتيال اإلمام الشهيد " راجع بداية هذا الفصل " بل إن التدبير لهذهالحادثة بدأ في عهد النقراشي وليس صحيحًا أن رأس البنا كان في مقابل رأس النقراشي .

فرأس البنا كان مطلوبًا لذاته ال مقابل لرأس أحد ولو كان النقراشي ، ويشهد بذلك .1 – اعتقال كل اإلخوان بعد قرار الحل ورفض اعتقال اإلمام الشهيد حسن البنا .

2 – ندب العقيد محمود عبد المجيد للعمل بوزارة الداخلية تم في أول أغسطس 1948 وقيل اغتيال النقراشي بقرابة األربعة أشهر3 – عندما أراد اإلمام البنا أن يذهب إلي الحج ألغي مفتش الجوازات جميع الدول المرح له بالسفر إليها ، واكتفي منها بالسعودية

وعندما سافر إلي السعودية للحج أبرقت وزارة الداخلية إلي القنصل المصري في جدة بعدم السماح للبنا بالسفر إلي آية دولة عربيةأخري وكان ذلك في 23 من سبتمبر سنة 1948م .

4– ما ذكره " الماجور سانسوم " ضابط األمن بالسفارة البريطانية في مذكراته " إن كل اإلجراءات التي اتخذت لمنع المظاهرات بعداالغتيال وفي الجنازة تم تخطيطها قبل عدة أسابيع " .

أما بعد تولي إبراهيم عبد الهادي السلطة فقد كشفت عن وجهها القبيح واتخذت من اإلجراءات ما يسهل عملية االغتيال " راجعاإلجراءات التي اتخذت إلتمام حادث االغتيال " وبعد حادث االغتيال حاولت الحكومة تضليل العدالة وتسترت علي القتلة علي هذا

النحو :1– فقد اتهم عبد الرحمن عمار اإلخوان المسلمين بقتل مرشدهم وصرح لجريدة األساس جريدة الحزب السعدي بأن " النار بدأت تأكل

بعضها " .2 – لم يفت الحكومة أن تصرح بأن اإلخوان قتلوا اإلمام يحيي إمام اليمن وأن قتلة اإلمام البنا يمنيون أخذوا بالثأر .

3 – وقد كافأت إدارة الجنايات محمود عبد المجيد علي جهوده في " جرجا " عام 1946م وقررت مكافأته بمبلغ 300 جنيه وعند عرضاألمر علي عبد الرحمن عمار رفع المكافأة إلي 600 جنيه .

4 – وزراء األمباشي أحمد حسين حرم النقراشي فقدمت إليه هدية عبارة عم صورة لقرينها الراحل مكتوب عليها " هدية مني إليالبطل األمباشي أحمد حسين " / وأهدته قطعتين من الصوف اإلنجليزي وحقيبة بداخل مالبس حريرية لزوجته ، ورزمة أوراق مالية

مجموعها 400 جنيه .5 – مصادر الحكومة " لجريدة المصري " التي نشرت رقم السيارة الصحيح الذي فر بها الجناة ، وتحويل مرسي الشافعي ومحيي الدين

فكرى إلي نيابة الصحافة للتحقيق معهما لنشرهم الخبر ، وألن بعض األعداد أفلتت من الرقابة ووصلت إلي أيدي القراء .6 – كان هناك شاهد علي الحادث وهو شاب أسمر أبلغ نقطة بوليس " كوتسيكا " بشارع " معروف " برقم سيارة الجناة وقال إنه

شاهدهما فإنه يمكنه التعرف عليهما ، فتحفظ عليه حتى جاء الصاغ توفيق السعيد من القلم السياسي إلي نقطة كوتسيكا وقام بتهديدهوأوسعه ضربًا وهدده بأن سيحاكم بتهمة إحراز سالح بدون ترخيص ، وقد أشرف علي تعذيبه بعد ذلك العقيد محمود عبد المجيد بنفسه

ولم يظهر لهذا الشاب أثر بعد ذلك .3 – دور القصر :

لقد بارك القصر قتل حسن البنا ألن فاروق كان يري في اإلمام الشهيد الملك الجديد ، وكان يري في اإلخوان أنهم العدو اللدود له ، وذلكبعد انتشار فضائحه ومخازيه وتمثلت مباركة القصر في هذه األمور :

1 – استمرار التستر علي الجريمة وعدم تقديم الجناة للمحاكمة طوال أيام الملك ، حتى إن حزب الوفد الذي كان في دعايته االنتخابيةيطالب بتقديم الجناة للمحاكمة ، وعندما تولي الحكم لم يتقدم التحقيق قيد أنملة ، وما كان الوفد ليتستر علي جريمة يتورط فيها

السعديون وحدهم ولكن البد من وجود قوى أكبر هي التي جعلت الوفد يتخذ هذا الموقف .2 – تمتع محمود عبد المجيد بالحماية الملكية حتى نهاية عهد فاروق وقد أنعم عليه الملك في 4 يوليو 1949م برتبة البكوية من الدرجة

الثانية لما يبديه من جهود في خدمة األمن ثم عين محمود عبد المجيد بعد ذلك مديراً لجرجا في 3 من إبريل 1952م3 – إقرار محمد الجزار ضابط البوليس السياسي بأن عبد الرحمن عمار أمر ضابط القسم السياسي بإخفاء رقم سيارة األميراالي عبد المجيد

ألن األمر يهم السراي .4 – متابعة البوليس السياسي للقضية وذهاب محمد وصفي إلي قصر العيني حتى يتم الجريمة ويتأكد من وفاة اإلمام الشهيد : " وقال

محمد حسن األمين الخاص للملك فاروق في التحقيقات التي جرت بعد الثورة : سمعت محمد وصفي وهو يتحدث إلي أحمد كامل قائدشرطة القصر الملكي ويقول له : بعد إصابة حسن البنا رحت المستشفي ألخلص عليه إذا كان حيًا "

Page 95: ikwan

95أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

ويقول يوسف رشاد الذي كان يعمل كبيراً ألطباء البحوث الملكية عام 1941م : سمعت من زميلي أحمد شكيب الطبيب الشرعي الذيأجري الصفة التشريعية للبنا أن البنا ترك ليموت بالنزيف من الشريان ، وكان يمكن إيقاف النزيف وإنقاذ حياته بمبضع بسيط .

5 – اتصال الملك بالدكتور يوسف رشاد في التاسعة من يوم الحادث وأبلغه باغتيال اإلمام البنا في لهجة تدل علي فرحته وارتياحهللحادث قائالً : " حسن البنا ضرب بالرصاص وحالته خطرة ، ولكن لم يمت بعد " ، ثم قام الملك بإبالغ حسن يوسف وكيل الديوان بالخبر

في منزله .6 – ذهاب الملك فاروق بنفسه إلي مستشفي قصر العيني في ليلة الحادث للتأكد من وفاة اإلمام الشهيد حسن البنا هو ورجاله وحاشيته

والبوليس السياسي ، ولما تأكد من وفاة اإلمام غادر المستشفي .7 – ويقول " الماجور سانسوم " ضابط أمن السفارة البريطانية :" قرر رجال البالط الملكي والحكومة اغتيال البنا بعد مصرع النقراشي ولم

يكن هذا قراراً جديداً " ، أي إنه اتخذ قبل مقتل النقراشي .4 – دور القوى االستعمارية :

يعتبر االستعمار هو الفاعل األصلي وصاحب المصلحة الكبرى في مقتل حسن البنا ، ومحاولة تحطيم جماعة اإلخوان المسلمين ،ونقصد بالقوى االستعمارية هنا " إنجلترا وأمريكا وفرنسا " وذلك لما مثله وجود اإلخوان من تهديد لمصالح تلك الدول .

فقد كان المركز العام لإلخوان مكانًا لتجمع وانطالق حركة التحرر في جميع الدول العربية واإلسالمية التي كانت تحتلها تلك الدول أو التيكانت تهيمن عليها وتوجهها دون احتالل عسكري .

أما أمريكا فبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت هي الوريث لهذه القوى االستعمارية وبدأت تنشط في المنطقة العربية واإلسالميةتبحث لنفسها عن موطن لقدم ولو علي حساب حلفائها وقد بدأ تدخل أمريكا في شئون مصر من بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة ،

حيث عرضت أمريكا علي الملك في عام 1945م مشروعًا لإلصالح الزراعي وهو نفسه المشروع الذي عرضته علي حكام ثورة يوليو ،وكان هدفهم إصالح صورة الملك وتحقيق مصالحهم من خالله ، فلما تبين لهم استحالة إصالح الملك بدأ األمريكان يتحركون في اتجاه

ضباط الجيش فوجدوا أن اإلخوان قد سبقوهم في هذا االتجاه حين كان المرحوم الصاغ محمود لبيب يقوم بهذا الدور .وقد برزت قوة اإلخوان في حدثين أثارا إزعاج كل الدوائر االستعمارية والصهيونية ، أما الحدث األول فهو تدخل اإلخوان في اليمن ،والثاني كان تدخل اإلخوان في حرب فلسطين عام 1948م ، وفي الحالتين كان تدخل اإلخوان عمليًا وليس بالدعاية والخطب مما أربك

مخططات تلك الدول فطالبوا بحل اإلخوان ونصحوا بقتل اإلمام البنا وقد شاركنا في هذه الوجهة الكثير من الكتاب .ويقول الدكتور محمد السيد الوكيل : " لقد حاول االستعمار صرف حسن البنا عن غايته عن طريق المرأة والمال والجاه – كما يقول روبير

جاكسون – ولكن ذلك كله لم يفلح معه وكان االستعمار الصليبي واليهودي يعلم أن غاية حسن البنا إعادة مجد اإلسالم والخالفةاإلسالمية ، وطرد االستعمار ومالحقته وغزوه علي أرضه ، ولن يتم كل ذلك إال بضرب اإلنجليز وطردهم من مصر وطرد اليهود من

فلسطين ، لذلك عزم االستعمار وأذنابه أن يقبضوا علي هذا الرجل ظنًا منهم أن بموته تموت دعوته .ولسنا هنا في محل استقصاء هذه اآلراء ولكننا في محل ذكر التدليل علي ما نقول :

أوال : إن القرار حل اإلخوان قد صدر بناء علي طلب من سفراء إنجلترا وأمريكا وفرنسا .ففي 1948/10/11م اجتمع سفراء إنجلترا وأمريكا وفرنسا في فايد ، وقرروا اتخاذ اإلجراءات الالزمة بواسطة السفارة في القاهرة لحل

جمعية اإلخوان المسلمين التي فهم أن حوادث االنفجارات األخيرة في القاهرة قد قام بها أعضاؤها ، وأرسلت هذه اإلفادة إلي رئيسالمخابرات تحت رقم 13 في 1948/13/11م وترجمة الخطاب كاآلتي :

الموضوع اجتماع سفراء صاحب الجاللة البريطانية وأمريكا وفرنسا في فايض في 1948/10/11 ، رقم القيد 1843/ 1س/48 ، التاريخ1948/13/11 ، إلي رئيس المخابرات رقم 13 : " فيما يختص باالجتماع الذي عقد في فايد في 10 الجاري بحضور سفراء صاحب الجاللةالبريطانية وأمريكا وفرنسا أخطر أنه ستتخذ اإلجراءات االزمة بواسطة السفارة البريطانية في القاهرة لحل جمعية اإلخوان المسلمين ، التي

فهم أن حوادث االنفجارات األخيرة في القاهرة قام بها أعضاؤها " .إمضاء:ج .د . أوبريان

وفي 1948/20/11 أرسل رئيس إدارة المخابرات فرع ( أ ) بقيادة القوات البريطانية بالشرق األوسط إلي إدارة المخابرات ج . س – 13في القيادة العليا للقوات البريطانية في مصر خطابًا هذه ترجمته الحرفية :

الموضوع : جمعية اإلخوان المسلمين .رقم القيد : 1670/ أ ن ت ب 11120/ 1948 إلي إدارة ج – س – 13 .

القيادة العليا للقوات البريطانية في مصر والشرق األوسط .1 – بخـصـوص مـذكـرتكم رقم 734/ أ ن ت أ ب/ 38 المؤرخـة في 1948/17/11 .

Page 96: ikwan

96أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

( 2 ) لقد أخطرت هذه القيادة العليا رسميًا من سفارة صاحب الجاللة البريطانية بالقاهرة ، أن خطوات دبلوماسية ستتخذ بقصد إقناعالسلطات المصرية بحل جمعية اإلخوان المسلمين في أسرع وقت ممكن .

وفيما يتعلق بالتقارير التي كانت قد رفعت من الرعايا األجانب المقيمين فقد أرسلت لوزارة الخارجية للعلم .التوقيع

رئيس إدارة حرف أ في الشرق األوسطكولو[[عنوان وصلة[[عنوان وصلة]]]]نيل أ . م . ماك درموث

وبناء علي ذلك أبلغت السفارة البريطانية النقراشي بهذا القرار المطلوب وهو حل جماعة اإلخوان المسلمين في أسرع وقت ممكن ، وكانذلك مصحوبًا بتبليغ " بأنه في حالة عدم حل اإلخوان المسلمين فستعود القوات البريطانية إلي احتالل القاهرة واإلسكندرية " ،

فاستدعى رئيس الوزارة محمود فهمي النقراشي والذي كان يشغل أيضًا منصب وزير الداخلية وقتئذ اللواء عبد الرحمن عمار وكيل وزارةالداخلية وشرح له األمر ، وهو طلب السفارة البريطانية حل جمعية اإلخوان المسلمين وإال احتلوا القاهرة واإلسكندرية , وطلب منه كتابةمذكرة تبرر حل جمعية اإلخوان المسلمين أمام الرأي العام ، حتى ال يظهر أنه ينفذ ما طلبته السفارة البريطانية من تدخل سافر في الشئون

الداخلية لمصر ، وهي دولة مستقلة ذات سيادة من الناحية الرسمية ! ! تعهد اللواء عبد الرحمن بذلك ، واتصل بالمديرين وطلب منهم أنيوافوه بالحوادث التي كان اإلخوان المسلمين طرفًا فيها ولو كانوا مجنيًا عليهم ، وقد ثبت هذا في شهادته أمام محكمة الجنايات في

قضية مقتل النقراشي .ثانيُا : ما ذكره " الماجور سانسوم " ضابط األمن بالسفارة البريطانية في مذكراته " إن كل اإلجراءات التي اتخذت لمنع المظاهرات بعد

االغتيال وفي الجنازة تم تخطيطها قبل عدة أسابيع " .فمن أطلعه علي ذلك إال أن تكون سفارته شاركت في هذا األمر ! ! .

ثالثًا : في مقابلة بين " تشابمان آند روز " الوزير البريطاني المفوض وكريم ثابت المستشار الصحفي لفاروق ، ويدور الحديث حول الوزارةالجديدة بعد مقتل النقراشي ويرى آند روز أن الوزارة البد أن يشارك فيها الوفد ، ويقرر أن بريطانيا قد بذلت مساعي كبيرة إلشراك الوفد

في الوزارة وذلك حتى تتم الوزارة مهمتها بنجاح .وقد لخص آند روز مهمة الوزارة حيث قال : " المهمة الرئيسية للحكومة الحالية هي تحطيم اإلخوان " .

رابعًا : عندما علم محمد وصفي قائد حرس الوزارات – وكان من المشاركين في اغتيال اإلمام الشهيد – بأن تحقيقات الثورة في مقتلاإلمام الشهيد تناولته لجأ إلي السفارة البريطانية طالبًا حق اللجوء السياسي ، وأيد الماجور سانسوم ضابط أمن السفارة طلبه وقال للسفير : "

أنقذوا حياة هذا الرجل الذي ساعدنا كثيرًا " ولكن السفارة والخارجية البريطانية رفضت ذلك ، فانتحر محمد وصفي بتناول كمية من الحبوبالمنومة مؤثرًا الموت علي مواجهة الموقف .

خامسًا : االهتمام البالغ للسفارة األمريكية والبريطانية بآثار قرار الحل والتابعة الدقيقة لحادث االغتيال ونقل ردود األفعال وما يقالحول االغتيال في تقارير رسمية من السفارتين إلي دولتيهما .

سادسًا : وفي عام 1948م وبعد الهدنة الثانية عقد " موشى ديان " مؤتمرًا صحفيًا في أمريكا وفيه سأله أحد الصحفيين : هل يستطيع أنيضمن بقاء إسرائيل وسط دول كثيرة تعاديها وتضمر لها الشر ؟ فأجاب موشى ديان : إن إسرائيل ال تخشى لقاء هذه الدول مجتمعة أو

متفرقة فهي كفيلة بهزيمتهم ، ولكنها تكره أن تلقي فئة واحدة فقط وهم اإلخوان المسلمون وستكفينا حكومتهم مؤونتهم.سابعًا : الفرحة الغامرة التي عمت أمريكا وشرب األمريكان أنخاب الخمر عندما سمعوا بمقتل اإلمام الشهيد حسن البنا كما روى ذلك

الشهيد سيد قطب .ثامنًا : عندما قامت الثورة في 23 يوليو كان أول إجراء اتخذته الثورة هو إعادة التحقيق في قضية حسن البنا حيث قبض علي الجزار25 يوليو قبل طرد الملك وبدأ التحقيق مع المتهمين من قبل محكمة الثورة ولكن بعد أقل من شهر وبالتحديد في 17 أغسطس 1952م تم

تحويل القضية إلي النيابة العامة .فمن نصح الثورة بذلك أو ضغط عليهم مع الوضع في االعتبار أنه في هذه الفترة القصيرة لم يحدث ما يعكر صفو العالقة بين اإلخوان

والثورة , بل إن جميع اإلخوان تقريبًا كانوا يعتبرون أن هذه الثورة ثورتهم .

Page 97: ikwan

97أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

الفصل الخامس : بعض ما كتب عن اإلمام البنا

المبحث األول : اإلمام البنا بأقالم أسرته وإخوانه وتالميذه

كتب الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا والد اإلمام في الذكرى الثانية الستشهاده يقول : " وأتمثلك يا ولدي وأنت صريع ، قد حملت في الليلمسفوكًا دمك ، ذاهبة نفسك ، ممزقة أشالؤك ، أ1تك حيات الغاب ونهشك جسدك حيات البشر ، فما هي إال قدرة من الله وحده تثبت

في هذا الموقف ، وتعين علي هذا الهول وتساعد في هذا المصاب ، فأكشف عن وجهك والحبيب فأري فيه إشراقة النور وهناءة الشهادة، فتدمع العين ، ويحزن القلب ، وال نقول إال ما يرضي ربنا عز وجل ( إن لله وإنا إليه راجعون ) وأقوم يا ولدي علي غسلك وكفنك ،

وأصلي وحدي من البشر عليك ، وأمشي خلفك أحمل نصفي ونصفي محمول ، وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد .أما أنت يا ولدي فقد نلت الشهادة التي كنت تسأل الله تعالي في سجودك أن ينيلك إياها فهنيئاً لك بها .. وأما أنت يا من عرفتم ولديواتبعتم طريقه ، أن خير ما تحيون به ذكراه أن تنسجوا علي منواله وتترسموا خطاه ، فتتمسكوا بآداب اإلسالم وتعتصموا بحبل األخوة ،

وتخلصوا العمل والنية لله .أما ولده الشاب أحمد سيف اإلسالم فقد كتب يرثي والده فيقول : " نضر الله يا أبت وجهك .. فقد حملت اللواء كما حمله عمر وعثمان

وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم ، هذبت الشباب وشذبت الشيوخ وألفت من هؤالء وأولئك تلك الجماعة المباركة التي يفخر بهاالمسلمون اليوم ، وسيفخر بها محمد – صلي الله عليه وسلم – يوم القيامة ، ونحن يا أبت علي ما عملت به وما دعوت إليه سائرون .

أما شقيقه األستاذ عبد الرحمن البنا فما أكثر ما كتب عن اإلمام فهو األخ والظل الرفيق وخل الطفولة والصبا يقول وهو يخاطب اإلمام :" لم تكن طفولتك كالطفولة ، ولكنها طفولة دونها الرجولة ، تفتش عن أسرار الكون ، وتسبح في عالم مجهول ، وتسأل عن سر الحياة .

هذه الحياة ما معناها ؟ وهذه الدنيا ما غايتها ؟ وتلك الشمس من أطلعها ؟ وهذه النجوم من أنارها ؟ وهذه األرض من أنبت زرعها ؟ .ويضيق في رسالة له تحت عنوان ذكريات : " خسرت الدنيا حسن البنا ، حسن البنا الذي صنعته يد القدرة اإللهية ، ونشأته إرادة ربانية

، وتعهدته في جميع مراحل حياته من أول يوم ولد فيه ، حتى القي علي العالم أجمع أروع درس عرفته الدنيا يوم أعطي الله نفسه ،وأسال دمه في سبيل دينه ووطنه قطرة قطرة ، وتمزقت أحشاؤه وحمل وحده ما ال تطيق الجبال حمله ، وذهب والدنيا تلعب ، ومضي

والعالم يلهو ، وانحطت المثل ، وتوالت الرزايا ، وأصابت البالد نكبات .وفي عام 1954 كتب عبد الرحمن البنا واصفًا حال اإلمام الشهيد في تنقله وترحاله يقول : " وينزل علي المسجد فإذا هو ضيق علي

الله تبارك وتعالي ، وقد ينزل في رمضان وهو صائم فيكون إفطاره الماء والتمر ، ال يذوق غيره وال يتبلغ بسواه ، فإذا مأل الناس بطونهم ،وطعموا مما يشتهون ، قدموا إلي المسجد ينظرون الطارق الغريب ، ويستطلعون النبأ العجيب ، ويقولون : من هذا الرجل ؟ وماذا يريد ؟فينهض الرجل في عباءته وجلبابه ، ويهدر مخوفًا بطش الله ومنذراً بعذابه ، ويسترسل في شرح رحمته وما ورد من فضله ونعمته في

آيات كتابه ، والناس مشدوهون مأخوذون ، غائبون مسحورون ، منصتون ال يتحركون ، يعجبون مما يسمعون .وتحت عنوان " الرجل الذي ال يحمل ضغنًا " كتب يقول : " عاش اإلمام الشهيد حسن البنا حياته ، يحمل قلبًا أحب الناس جميعاً ،

وأخلص للناس جميعًا ، ونصح للناس جميعًا ، وكان حريصًا علي توثيق الصالت ، وتدعيم الروابط ، وإشاعة الخير بين الناس " .وينقل عبد الرحمن البنا صورة اإلمام القرآني في بيته فيقول في مقال له بعنوان " بناء األخالق " : " شهد الناس من حسن البنا ما

رأوا منه ، وغاب عن الناس من خلقه ما جعله بين نفسه وربه ، يستره عن الناس فال يطلع عليه إال خاصة أهله ، فهو في بيته – شهدالله – ال يفتر عن مصحفه وال يغيب عن قرآنه ، وال يغفل عن ذكره " .

أن الشقيق جمال البنا فقد كتب يقول : " كان يجب أن يستشهد حسن البنا ، وأن يموت هذه الميتة نفسها ، إنها وحدها الجديرة بما فيالحقيقة . إنها وحدها " جناس " حياته ، والتكملة الطبيعية للكفاح العظيم الذي ال ينتهي ، ألنه كفاح موضوعي ، دائم مادامت قوى

الظالم في حياة البشرية .. ال الكفاح الصغير الذي يتكلل بالنجاح ، ويعيش فيه البطل في تبات ونبات كما تروي األقاصيص الشعبيةالهزيلة .

إنها وحدها الدليل الذي ال يقهر علي الصدق ،واإلخالص وعلي أن الفكرة أقوى من الحياة .أنها الميتة الحية الموحية الغنية الخصبة ! الميتة التي تعمل لدعوة حسن البنا بعد غياب شخصه ، كما لو كان موجوداً ، بل أكثر "

وكذا كتب األستاذ عبد الباسط البنا شقيق اإلمام واصفًا إياه بـ " أستاذي الشقيق شهيد اإلسالم " ومبينًا أن ذكرى اإلمام تمثل له "األمل الباقي في هذه الحياة والنور الذي يهديني لمراقبة الله " بل وأنشد في نهاية مقاله " رؤياي في حمي الحرم " يقول :

حسن البنا حسن البناما غاب حسن البنا عنا

لو ضاع العهد فال كناسيقود الجيل دم البنا

حسن البنا

Page 98: ikwan

98أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

اإلخوان المسلمون – وخاصة القيادات منهم – هم أقرب الناس من حسن البنا وأكثرهم مخالطة له ومعرفة به ، ولذلك فإنهم يتحدثوافيما كتبوه عنه : عن تواضعه وعزيمته في األمور وجده واجتهاده ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، ومشاركته إلخوانه في األعمال كواحدمنهم ، ومواساته إلخوانه ، ونفاذ بصيرته ومعرفته بأحوال الناس ، والتأني في معالجة األمور ، وعدم التدخل فيما ال يعنيه ، وقد جمع

المستشار حسن الهضيبي تلك الخالل التي لمسها في البنا بقوله :" لقد تعلقت أبصارنا به ولم نجد ألنفسنا فكاكًا من ذلك ، وخلت والله أن هالة من نور أو مغناطيس تحف بوجه الكريم فتزيد االنجذابإليه .. خطب ساعة وأربعين دقيقة كان شعورنا فيه شعور الخوف من أن يفرغ من كالمه ، وتنقضي هذه المتعة التي أمتعنا الله بها

ذلك الوقت .. إن كالمه كان يخرج من القلب إلي القلب شأن المتكلم إذا أخلص النية لله .. وما أذكر أنني سمعت خطيبًا قبله إال تمنيتعلي الله أن ينتهي خطابه في أقرب وقت .

كان كالجدول الرقراق الهادئ ينساب فيه الماء ، ال علو وال انخفاض ، كالموسيقي العذبة ليس فيها نشاز .. يخاطب الشعور فيلهبه ،والقلب فيمأله إيمانا ، والعقل فيسكب فيه من المعلومات ألوانا ، انقضي وقت طويل بعد ذلك دون أن ألتقي به ، ولما أذن الله التقينا

فإذا هو تواضع جم ، وأدب ال تكلف فيه ، وعلم غريز ، وذكاء فريد ، وعقل واسع ملم بالشئون جليها وحقيرها ، وآمال عراض – كل ذلكيحفه روح ديني عاقل ال تعصب فيه وال استهتار"

وعن تناوله لألمور يقول األستاذ عمر التلمساني :" كان رضوان الله عليه متئدا في كل ما يفعل يأخذ األمور – بالغة ما بلغت منالقسوة – في هدوء المفكر وصبر الحليم وكأن ما حدث لم يحدث ثم يبدأ العالج في حنكة وخبرة ودراية ، وكان ذلك سببا في سالمة

الدعوة طوال حياته من الهزات العنيفة التي تعطل المسيرة ، فكان يعالج المشاكل بما يذهب بها في هدوء " .ويقول أيضا عن دينه : فكان من أشد جيله اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم وغيره علي أمته ودينه بالعمل والجد " .

أما عالقته بالناس فيقول : كان حريصا علي المؤاخاة في الله فكان يقول : ( إن لم ترد أن تكون أخا نسعد بك ، فال أقل من أن تكونصديقا نرتاح إليك ) ، ولهذا لم يكن هناك من يجفو حسن البنا إال من كان ال يريد شرع الله " .

وعن سماحته وخلقه يقول : أيها الحبيب : أية ناحية من نواحيك يستطيع هذا القلم الهزيل أن يتحدث عنها ؟ وكل نواحيك كريم جليل.. حنوك علينا ؟ برك بنا ؟ كنت تحنو حتى لنلمس الحنان مجسمًا وتدنو حتى يخيل إلينا أنك صنونا .. أيها الحبيب : لقد صاغك الله بقدر

، فجئت علي قدر ، وكذلك األفذاذ ، ومنحك الله المدد ، فغاض من معينك الصافي ، ونبعك المتدفق ، أعر ورد ينهل منه الناهلون ، المددك ينتهي وال هم يرتوون " .

وتحدث عبد القادر عودة عن دعوته فقال : " لقد دعا حسن البنا الناس إلي أن يفهموا اإلسالم علي أنه قوة وعزة وكرامة بعد أنفهمه الناس علي أنه ضعف واستبعاد واستسالم ، ودعا الناس إلي أن يفهموا اإلسالم علي أنه عدالة ونظافة وحرية ومساواة بعد أنأرهقت المسلمين المظالم ، وفشت فيهم المآثم ، وبعد أن فقد المسلمون حريتهم وزالت دولتهم .. ودعا المسلمين إلي أن يفهموا اإلسالم

علي أنه اتحاد بين أفرادهم ، وتوحيد لبالدهم ، وأنه أخوة بين المؤمنين وتعاون وتضامن بين المسلمين " .وتحدث عودة عن أبرز سمات اإلمام فقال : " لقد كان أبرز ما في اإلمام البنا رجولته الكاملة الناضجة ، تلك الرجولة التي كملت

ونضجت بكمال اإلسالم في نفسه وإخالصه لله في عمله وقوله ، فما علم عليه الناس أنه عمل لهوي أو سكت لمنفعة ، أو جامل قويا، أو كتم كلمة حق وإنما هو التجرد للحق في كل الحاالت وفي جميع الظروف .

وميزة أخري طالما تحدث عنها كل من قابل اإلمام البنا يذكرها المستشار صالح أبو رقيق فيقول : " وزاد حبنا لإلخوان أن اإلمام البنا ،وهو الرجل الموفق كان يغمرنا بعاطفته القوية ، وكان يحفظ أسماءنا فرداً فرداً مما يشعرنا باالهتمام ، بل كان يعرف مشكالت اإلخوان

االجتماعية بالتفصيل ، وكان دائم السؤال عنها " .أما عن قناعة اإلمام فحدث وال حرج ، يقول األستاذ البهي الخولي : " وعرض عليه اإلنجليز ذهبهم الوهاج في مستهل الحرب

العالمية الماضية ، ألوفا وعشرات األلوف ، من ورائها خزائن طوع أمره ، ورهن إشارته ، ولكن الرجل المتواضع السهل السمح أذك بكبريائهالقاسية من جاء يسومه في مثله وكرامته .. نعم ، وهذه شركات اإلخوان المسلمين يعمل في مجال إدارتها جميعًا فتعرض عليه المرتبات

السخية ، والمكافآت المجزية ، ولكنه يريد أن يكون مأجوراً من الله ال من الناس ، فيجعل عمله في هذه الشركات حسبه لله سبحانه " .وقد كانت حياة اإلمام رحمه الله ترجمة لما يقول ، وقد قام اإلخوان في سوريا بحجز جناح لفضيلته في فندق األوريان بالس وهو في

مصاف سميراميس وسيسل وغيرهما حين ذهب فضيلته – كعادته – يطارد المسئولين في كل مكان ويجابههم بالحقائق ويعلنهم بمطالبالشعوب الحرة حيث كان يعقد اجتماع للجامعة العربية للتشاور في أمر فلسطين ، يقص األستاذ سعد الدين الوليلي الخبر فيقول : وعندانتصاف الليل دعانا األخ عمر بهاء األميري ( وزير سوريا المفوض في باكستان اآلن ) للنوم والراحة ولشد ما كانت دهشة فضيلته حينما

وقفنا بباب األوريان ، ثم صاح " يا عمرا أنبيت هنا في المكان األنيق حيث الفراش الوثير والطعام الشهي ، وإخواننا المجاهدون فيمعسكري البريج بفلسطين وقطنا بسوريا يفترشون األرض ويلتحفون السماء ؟ .

والله لليلة في دار من دور اإلخوان افترش الحصير والتحف عباءتي وتوسط ذراعي أحب إلي من الدنيا وما فيها " .وتحت عنوان " أنا تلميذ حسن البنا " كتب فضيلة الشيخ محمد الغزالي يقول : " كنت ومازلت تلميذا لحسن البنا أذكر دروسه وأترسم

خطاه ، وأفيد من تجاربه ، وأنا مستبشر بدعائه لي ورضائه عني .. ونظرتي إلي ذلك اإلمام الشهيد أنه من قمم الفقه اإلسالمي ، ومن

Page 99: ikwan

99أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

بناه أمتنا الفقيرة إلي الرجال ، بل هو بال ريب مجدد القرن الرابع عشر الهجري ، وأشهد بأن له – بعد الله – الفضل األول في توجيهيوتثقيفي .. " وعن أسلوبه في تربية اإلخوان يقول الشيخ الغزالي : " كان لدي حسن البنا ثروة طائلة من علم النفس ، وفن التربية

وقواعد االجتماع ، وكان له بصر نافذ بطبائع الجماهير ، وقيم األفراد ، وميزان المواهب .. وهذه بعض الوسائل التي تعين علي الدعوةوليست كلها " .

وتحت عنوان " ولم يمت ولن يموت " كتب فضيلة الشيخ الباقوري : " واإلمام الشهيد لم يمت بهذا المعني ألنه لم يعش ألسرتهالخاصة ولم يعش مع جماعة محدودة من أصدقائه حتى يكون من الممكن أن ينسدل عليه ستار النسيان بسلو أسرته عنه وأطراح

أصدقائه لذكراه ، وإنما كان يعيش رحمه الله في نفوس األلف المؤلفة في مصر وفي خارج مصر .. لقد صنع حسن البنا جيالً من الناسعلي مثال نفسه الكبيرة ، وعلمه الغزير ، وإرادته الصارمة، وأسلوبه في التفكير إذا فكر ، وفا لتعبير إذا عبر ، بل في طريقة تالوته للقرآن

إذا تاله قاعداً يتأمل أو قائما يصلي ، ولقد صنع حسن البنا كذلك جيال من الناس أقبل علي اإلسالم يدرسه دراسة المستبصر ، ويفهمهفهم المتأمل ويعمل به عمل المؤمن .. "

وكتب األستاذ أحمد أنس الحجاجي – وكم رافق اإلمام البنا في رحله وترحاله – مقاالت كثيرة تعرضت لمواقف العظمة في حياة اإلمامالبنا ، فتحت عنوان " إعجاز " كتب يقول : " وكان إمامنا الشهيد مسلمًا مصنوعًا علي عين الله منذ نشأته وصباه ، وقد وهب نفسهللدعوة اإلسالمية واختاره الله لها ، فعاش لها وبها وجاهد في سبيلها ، واستشهد في ميدان الكفاح والنضال من أجلها ، فكان في حياته

كلها – كطبيعة الفكرة التي اصطنعته – معجزا ، اإلعجاز الذي نسجه اإلسالم تاجا لرجاله وقادته في كل زمان ، فهم أبدًا يتحدون به كلمعركة نزال وفي كل ساحة نضال ! .. وكان معجزًا فأتبع خصومه وأرهقهم ، طاردوا فكرته ، واضطهدوا أنصاره وفتحوا لهم السجون

والمعتقالت ، وصبوا عليهم كل أنواع الظلم والعذاب ! ثم قتلوه ! وقال بعضهم لبعض : " إنه قد مات ! .. " .ومع ذلك فقد راحوا يحشدون الجند ويجمعون القوات ، لمحاربة هذا الذي في زعمهم قد مات . ثم منعوا تشييع جنازته ، وصنعوا ما

صنعوا مما لم يشهد الناس له مثيال في أظلم العصور ، فسخر منهم وقال التاريخ كلمته :علو في الحياة وفي الممات

الحق تلك إحدى المعجزاتوكتب سعيد رمضان في مذكراته : " آه .. قتل حسن البنا بعد عشرين عاما قضاها في جهاد مرير متصل األيام والليالي ، لن انسي

جوالته في األقاليم ال ينام إال ساعتين أو ثالثة كل يوم وليلة ، ولن انسي سهرة الليل عاكفا في المركز العام أو في منزله أو في الشهابعلي أعمال الدعوة ، ولن أنسي دموعه التي طالما هطلت في غفلة من الناس علي اإلسالم والمسلمين .. لم تمت يا فضيلة المرشد ! ، ال

والله الذي خلقك ! ال والذي انعم علينا بك !! ومتعنا بصحبتك لقد فتحت قلوبنا علي النور ، ووضعت أيدينا علي أول الصراط وجمعتنايا حبيب من شتات ، سنمضي إلي حيث كنت تدعو وتربي وتحترق بالليل والنهار "

وعن اإلمام كتب محمد عبد الحميد أحمد واصفا إياه : " رجل كأنما أفلت من الرعيل المحمدي األول ، جيل الوحي والمعجزات ، جيلالبطولة واألبطال ليعيش في حيلنا الظلم والظلمات ، جيل الرجال وأشباه الرجال ، جيل الغاب المتحضر، والمخالب المكسوة بالقطيفة

المخضبة بالدم األحمر .رجل ال يقاس بمقاييس زعماء العصر الحديث ، بل يرتفع إلي عصر الدعاة الضخام كعمر بن عبد العزيز وابن تيمية .. لقد كان " حسن

البنا " " عنصر خلود " عجيب بين مقومات المادة ومعالم الفناء ، كان " شحنة إلهية " فذة سرت في أعصابها أقباس النبوة ، وأنوارالدعوة ، وروح محمد صلي الله عليه وسلم ، كان " شعلة حياة " عالية الجذوة تتوهج في ظلمات الناس فتفيض عليهم بأمواج النور

والحرارة والسناء ، كان " عنصرا " أصيال من عناصر الطبيعة يعمل لإلصالح بفطرته " .وتحت عنوان حسن البنا العبقرية الفذة كتب األستاذ محمد عبد الله السمان يقول : "وجاء حسن البنا ليقر في أذهان هذه الشعوب

المسلمة ، أن اإلسالم دين ودولة ، ومصحف وسيف ، وقانون ونظام ، ودستور وتشريع ، وكفاح وجهاد .وليقر في ذهن المسلم في الحياة ليست مقصورة علي التدين والتعبد ، وإنما هي فوق هذا جهاد من أجل اإلسالم حتى تكون لهم الكلمة

العلية في األرض ، كما أن له الكلمة العلية في السماء .. " .وما يعلمه الناس أن اإلمام البنا وما لم يسجله التاريخ عن اإلمام أكبر بكثير مما سجل ، يقول األستاذ أمين إسماعيل : " أريد أن اكتب عن حوادث تخفي علي الناس اشترك فيها " حسن البنا " فغير وجه التاريخ ،وكتب تاريخا جديدا .. خذ " موقعة العالمين " مثال من

األمثلة التي تحول فيها تاريخ البشرية جميعا ، موقف "حسن البنا " ورأي " حسن البنا " في هذه اللحظة الحرجة من عمر التاريخ .. ولو أن المرحوم اللواء عبد الرازق بركات باشا كان حيا ال ستطاع أن يقول عن هدي تأثير " حسن البنا " في " موقعة العالمين " !! .. وإليك مثال داخليا ، معاهدة " صدقي – بيفين " كيف لم يكتب لها أن تري النور ، كيف قتلت في مهدها ، كيف ثار عليها الشعب ، كيف سقطت وزارة صدقي ؟ لو أتيح لنا أن نتكلم عن هذا ، إذا لكشفنا عن صفحة أخري ، كتبها " حسن البنا " بيده وأهداها للتاريخ ؟ وأمثلة أخري ،

كيف هرب أمين الحسيني وكيف نزل األمير عبد الكريم إلي أرض مصر ؟ .. إن العالم يعرف أن " حسن البنا " هو " المدرس " الذي علم المسلمين ما هو اإلسالم ؟! ولكن العالم – إلي حد ما – تغيرت سياساته ووضعت خططه ، في الغرب قبل الشرق ، وكان التغير بسبب "

حسن البنا " وكانت الخطط الجديدة تتأثر سلبًا وإيجابًا " بحسن البنا " وبدعوة " حسن البنا " ؟ !! حسب له "هلتر" حسابه ، وحسب له "

Page 100: ikwan

100أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

موسوليني " حسابه ، وحسب له " ستالين " حسابه ، وحسبت له بريطانيا حسابه ، وحسبت له فرنسا حسابها ، وحاولوا جميعا أن يرتمواعلي أقدام " المدرس " الفقير الزاهد ليتصلوا به ، ولكنه كان ال يتصل إال بالله ، والله أعز وأقوى من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا مجتمعين

ومنفردين " . .ولذلك فمن يري المستوى التنظيمي واإلعداد التربوي والتأهيل العلمي لإلخوان المسلمين يدرك عبقرية الرجل ، وقد أشاد األستاذ سيد

قطب بتلك العبقرية الرجل يقول : هذا البناء الضخم ، اإلخوان المسلمون ، إنه مظهر هذه العبقرية الضخمة في بناء الجماعات ، إنهمليسوا مجرد مجموعة من الناس ، استجاش الداعية مشاعرهم ووجداناتهم ، فالتفوا حول عقيدة .. إن عبقرية البناء تبدو في كل خطوة منخطوات التنظيم ، من األسرة إلي الشعبة إلي المنطقة إلي المركز اإلداري إلي الهيئة التأسيسية إلي مكتب اإلرشاد .. ثم بعد أن يستعرض

العبقرية في بناء الجماعة وتنظيمها يقول : " وقد استطاع حسن البنا أن يفكر في هذا كله أو أن يلهم هذا كله .. فيجعل نشاط األخالمسلم يمتد وهو يعمل في نطاق الجماعة إلي هذه المجاالت كلها " .

يؤد ذلك المعني األستاذ صالح عشماوي بقوله : " وكان حسن البنا طاقة ضخمة من الحكمة والكياسة ، وعبقرية فذة في فن القيادةوالسياسة، وحسبه أنه استطاع أن يقود دعوته ويسير بجماعته ، تحت سمع المستعمرين ، وبصرهم ، وتحت ألف المتزعمين وأحزابهم "ثم يضيف أن عظمة حسن البنا وعبقريته ال تقتصر علي تنظيمه للجماعة وقيادته لها ، وإنما أيضًا تمتد تلك العبقرية بعد موته في

ثبات أفراد الجماعة أمام المحنة التي تعرضت لها الجماعة عقب استشهاده فيقول : " ولقد أثبتت الحوادث األخيرة عظمة حسن البنافي تربيته ، وعلي عمق هذه التربية ورسوخ هذا التكوين ، فلقد تعرض أتباعه جميعًا ألشد فتنة وأعظم بالء في عهد حكومة اإلرهاب ،

وانصب عليهم من العنت واالضطهاد والعذاب ما لو سلط علي جبل الندك وانهار ، وتعرضوا للسجن واالعتقال ، وللضرب الوحشيوللتعذيب يتضاءل معه تعذيب محاكم التفتيش في القرون الوسطي ، وتعرضوا للنفي والتشريد ، وحوربوا في أرزاقهم وهددوا في

أعراضهم ، وسقط شهداؤهم واحدا بعد واحد ، واغتيال قائدهم علي قارعة الطريق ، وفي وسط المعركة فما وهنوا لما أصابهم في سبيلالله وما ضعفوا وما استكانوا ."

وقد راح األستاذ عبد الحكيم عابدين بعدد مواطن تلك العظمة في حياة اإلمام حتى أحصي – فيما وسعه استنباطه – تلك الدعائم التيأقام عليها اإلمام مدرسته الفاضلة في توجيه الفكر علي عشر دعائم استحق في نهايتها أن يعتبر أن حسن البنا مرحلة حاسمة في

تاريخ العقل اإلسالمي .يقول فضيلة الشيخ عبد الحميد كشك : " اإلمام الشهيد حسن البنا هو الداعية الذي بعث األمل في قلوب اليائسين ، وقاد سفينة العالم

الحائرة في خضم المحيط إلي طريق الله رب العالمين .. عرفته من كتاباته ، وعرفته من مريديه ومحبيه ، وعرفته من آثاره الطيبةوأعماله المجيدة ، عرفته داعية يجمع وال يفرق ، ويحمي وال يبدد ، يصون وال يهدد ، يشدد أزر األصدقاء ويرد كيد األعداء .. "

وهكذا سلط اإلخوان الضوء في كتاباتهم عن شخصية حسن البنا من جميع الجوانب ، وأخذ الكثير منهم يروي بعض المواقف التي شاهدهامعه ، وأشادوا به في ذكري استشهاده وكتبوا عنه الكثير من المقاالت والكتب .

المبحث الثاني : اإلمام البنا بأقالم رجال الفكر واإلصالح في العالم العربي واإلسالمي

أما إذا تطرفنا آلراء السياسيين ورجال الفكر واإلصالح في العالم العربي واإلسالمي لنري كيف كانت شخصية البنا علي المستوي العالمي: فقد تحدث الدكتور مصطفي السباعي من سوريا عن حسن البنا فتناول دعوته في مصر والعالم العربي واإلسالمي ، وأنه أبرز

شخصيات القرن الرابع عشر الهجري ، ودوره بارز في تاريخ الشرق .وأشاد مفتي فلسطين محمد أمين الحسيني بحسن البنا ، فأتني علي أخالقه وسجاياه الطيبة ، وأرجع إليه في هداية األلوف الكثيرة منالشباب ، أما عن جهاده في سبيل فلسطين فيقول : لقد كان الشهيد حسن البنا وأتباعه ومريديه في نصرة فلسطين والدفاع عنها جهود

مشكورة وأعمال مبررة كلها مآثر ومفاخر سجلها لهم تاريخ الجهاد اإلسالمي بحروف من نور وقد بذلوا علي ثري فلسطين مع إخوانهمالمجاهدين من أبناء البالد العربية واإلسالمية دماء ذكية ومهجا غالية ، واستشهد منهم عصبة كريمة كانت في الرعيل األول من

المجاهدين الذين تفروا خفافا وثقاال لنجدة فلسطين .. وقال مفتي فلسطين األكبر : " لقد اشتعل رأسي شيبا وإن تحت كل شعرة لتجاربمريرة قاسية عميقة ، فما انتهت بي هذه التجارب بعد طول المطاف إال إلي النقطة التي ابتدأ األستاذ حسن البنا جهاده الصادق " .

يقول سموا ألمير الخطابي : " لقد كنا نسمع عن المرحوم األستاذ حسن البنا وحركته اإلسالمية الفنية ونحن في المنفي ، ولما لجأنا إليمصر العزيزة وتقابلنا مع األستاذ المرشد عرفنا فيه الشخصية اإلسالمية واألخوة اإلسالمية وازداد فينا األمل " ويضيف :" إن األستاذ

البنا ولي من أولياء الله الصادقين ولقد حاول إنقاذي منذ عشر سنوات أو أكثر من منفاي السحيق ، وأعد العدة ورسم الخطة له ، وجهزالسفن ولكن الظروف قضت بالتربص إلي فرصة أخري ، وحين تسمع الظروف بنشر لدينا من أنباء يعرف الناس حقيقة هذا الولي الكبير .

وأما المستشرق األمريكي روبير جاكسون فيري أن البنا جمع خالل القادة والمصلحين والدعاة فيقول : كان فيه من الساسة قوتهم ، ومنالعلماء حجتهم ، ومن الصوفية إيمانهم ومن الرياضيين حماستهم ، ومن الفالسفة مقاييسهم ، ومن الخطباء لباقتهم ، ومن الكتاب رصانتهم

، وكان كل جانب من هذه الجوانب يبدو كأنه شخصية مستقلة في وقته المناسب "

Page 101: ikwan

101أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

هذه هي شخصية حسن البنا ال كما وصفها اإلخوان ، فكم اتهموا بالتحيز له والمبالغة في وصفه ، لذا آثرنا أن ننقل ما جاء عن غيرتالمذته ومن عاصروه من اإلخوان المسلمين ، ومن شخصيات لها وزنها ممن شهد له بالتقوى والورع والموضوعية في الحديث ، والجميع

كما رأيت يثنون علي اإلمام الشهيد فهو دعوة وداعية بحق .

المبحث الثالث: اإلمام البنا بأقالم معاصريه

أما عن أقوال غير اإلخوان ، فال تخرج من مجملها عما قاله اإلخوان فمقاالتهم تناولت شخصية البنا وجهاده واغتياله .كتب علي ماهر رئيس الوزراء يقول : " عادت بي الذاكرة إلي عام 1935، حين زارني الفقيد الكريم مع بعض بمناسبة انتقاله بجماعته

من اإلسماعيلية إلي القاهرة متحدثًا في بعض الشئون العامة ، وكان حديثه يشرح صدري وأسلوبه يشهد بموفور الثقافة اإلسالميةوالبصر بشئون األمم العربية ، وبراعة المنطق وقوة الحجة ، وكان إلي ذلك شديد اإليمان بأنه يؤدي رسالة إنسانية سامية ، ودعائمها

اإلخاء والمحبة والسالم بين سكان البالد جميعا .وفي مارس سنة 1939 ، بارحت لندن بالطائرة ، إثر مؤتمر فلسطين ، ووصلت القاهرة في مستهل الهزيع األخير من ليلة ال أنساها ، رأيتفيها جموع اإلخوان تمأل فضاء محطة العاصمة وتموج بهم أرصفتها ، وسمعت ندائهم : " الله أكبر ولله الحمد يدوي عاليا فيأخذ طريقه

إلي القلوب ويمأل النفوس إيماناً بالله تجرد للمثل العليا "وفي مقال تحت عنوان الداعية الموفق للسيد اللواء محمد صالح حرب باشا الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين قال : " واستطاععليه الرحمة أن يوقد جذوة الفكرة اإلسالمية في صدور اآلالف من الشباب فأقبلوا علي الدين وعكفوا علي القرآن وتعلقوا بأسباب

الثقافة اإلسالمية ، وكان لهم ميدانها جهود وجوالت استطاع أن يرد غربة اإلسالم بين هؤالء الجاهلين به إلي معرفة وأنس ، بذل فيسبيل ذلك من علمه وجهاده ووقته ونفسه وأعصابه وراحته ما ال تستطيعه إال العصبة المجتمعة من أقوياء الرجال ... )

وفي كلمة الزعيم محمد نجيب عن حسن البنا عقب نجاح الثورة قال : " من الناس من يعيش لنفسه ، ال يفكر إال فيها ، وال يعمل إال لها، فإذا مات لم يأبه به أحد ، ولم يحس بحرارة فقده مواطن ، ومن الناس من يعيش ألمته واهباً لها حياته حاضراً فيها آماله ، مضحياً في

سبيلها بكل عزيز غال ، هؤالء إذا ماتوا خلت منهم العيون وامتألت بذكرهم القلوب ، واإلمام الشهيد حسن البنا ، أحد أولئك الذين ال يدركالبلي ذكراهم وال يرقي النسيان إلي منازلهم ألنه – رحمه الله – لم يعش في نفسه بل عاش في الناس ولم يعمل لصالحه الخاصة ،

بل عمل للصالح العام " .وقال جمال عبد الناصر في احتفال مجلس الثورة بذكرى استشهاد اإلمام : " إنني أذكر هذه السنين واآلمال التي كنا نعمل من أجل

تحقيقها ، أذكرها ، وأري بينكم من يستطيع أن يذكر معي هذا التاريخ وهذه األيام ويذكر في نفس الوقت اآلمال العظام التي كنا نتوخاهاأحالماً بعيدة .

نعم أذكر في ذلك الوقت ، وفي هذا المكان كيف كان حسن البنا يتلقي مع الجميع ليعمل الجميع في سبيل المباديء العالية ، واألهدافالسامية ، ال في سبيل األشخاص وال األفراد وال الدنيا .. ثم قال في نهاية كلمته واشهد لله أني أعمل – إن كنت أعمل – لتنفيذ هذه

المباديء وأفني فيها وأجاهد في سبيلها "وقال صالح سالم : " إن هذه األخالق العالية والصفات الحميدة قد اجتمعت وتمثلت في شخص أستاذ كبير ورجل احترامه وأجله

واعترف بفضله العالم اإلسالمي كله ، وقد أحبه الجميع من أجل المثل العليا التي عمل لها والتي سنسير عليها إلي أن يتحقق لنا مانريده من مجد وكرامة في األخوة الحقيقية وإيمان أكيد ، رعاكم الله ووحد بين قلوبكم وجمع بينكم علي خيرا .

وفي ذكرى استشهاده كتب المرحوم الشيخ محمد مصطفي المراغي شيخ الجامع األزهر يقول ، فيه : " إن األستاذ البنا رجل مسلم غيورعلي دينه بفهم الوسط الذي يعيش ، ويعرف مواضع الدالء فهم الوسط اتصل بالناس اتصال وثيقا علي اختالف طبقاتهم وشغل نفسه

إلصالح الديني واالجتماعي ، علي الطريقة التي طلن يرضاها سلف هذه األمة "وتحدث الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية في األربعينيات عن حسن البنا وأشاد به وبمكانته بين الدعاة فيقول : " الشيخ

حسن البنا أنزله الله منازل األبرار ، من أعظم الشخصيات اإلسالمية في هذا العصر ، بل هو الزعيم اإلسالمي الذي جاهد في الله حقالجهاد ، واتخذ لدعوة الحق منهاجاً صالحًا وسبيالً واضحًا استمده من القرآن والسنة النبوية ومن روح التشريع اإلسالمي ، وقام بتنفيذه

بحكمة وسداد وصبر وعزم ، حتى انتشرت الدعوة اإلسالمية في آفاق مصر وغيرها من بالد اإلسالم واستظل برايتها خلق كثير " .وتحت عنوان اإلمام الشهيد يغزو الجامعات كتب األستاذ الدكتور محمد طه بدوي أستاذ القانون العام يقول : " لقد كان اإلمام الشهيد

شمسًا وغيثًا وأمالً للجامعة بل للجامعات المصرية ، فأنشأ مدرسته المثالية وعلم ألوفًا من إخوانه الفلسفة والمبادئ اإلسالمية فغزوابعلومهم وأفكارهم وثورتهم كليات الجامعة ، وإذا بنا نشهد جيالً آخر هو جيل المجاهدين في سبيل الفكرة اإلسالمية والوطن اإلسالمي ..

ولم يعد يجرؤ أستاذ أن يتهجم بفلسفته علي تراث اإلسالم الغالي ولم يستطع جامعي أن يدل علي البشرية بنظام خير من النظاماإلسالمي وجد في تالمذة اإلمام الشهيد " .

ويقول األستاذ كامل الشناوي بك : " لقد كان حسن البنا هو الزعيم الوحيد الذي آمن بالفكرة التي جاهد من أجلها ، ولقد كان حسن البناهو القائد الوحيد الذي تلمحه في صفوف الجنود " .

Page 102: ikwan

102أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

وتحدث محمد التابعي عن حسن البنا وما دار بينهما من حوارات ، استطاع من خاللها أن يتعرف علي شخصية البنا عن قرب ، فيصفالبنا بقوله : " دائم االبتسام ، فاره القامة ، رحب الهيكل ، يبدو قويًا كشجرة السنديان ، في صوته عمق وعرض وطول ، وللسانه سحر إذا

تكلم يتكلم فيه باأللباب واألحاديث وأمجاد الجهاد اإلسالمي " .وأرجع علي الغايات كل ما بذل اإلخوان من جهود إلي حسن البنا فيقول : " إذا صح ما قاله المغفور له الملك عبد الله الهاشمي من أن

اإلخوان المسلمين هم معجزة القرآن في هذا الزمان ، فمما ال شك فيه أن مؤسس جماعته وراعي نهضتهم ومرشدهم العام المرحوماألستاذ حسن البنا هو رب هذه المعجزة .

فمن علمه وهديه ، ونشاطه وروحه ، وإيمانه وإسالمه .. استمدت هذه الجماعة ما سمت به من عظيم الصفات ، وما قامت به من جليلاألعمال " .

ويشير إحسان عبد القدوس إلي بعض جوانب شخصية البنا وإخوانه ويوضح كيف أن البنا فتح باب االجتهاد وأعاد إليه رونقه وصفاءهبعد أن ران عليه غبار الجمود ، وأشار إلي تضحية اإلخوان في سبيل الدعوة ، قد مألت شخصية حسن البنا قلوب جميع المصريينبحبه علي اختالف دينهم ، فكان رحمه الله ودودًا باشا يحب كل من يلقاه ولم يفرق بين مسلم ومسيحي ، لذلك فقد كان المسيحيون

يحبونه ، ففي كلمة للزعيم الوطني المسيحي مكرم عبيد باشا قال : " وما من شك أن فضيلة الشيخ حسن البنا هو حي لدينا جميعًا فيذكراه ، بل كيف ال يحيا ويخلد في حياته رجل استوحى في الدين هدى ربه ، ففي ذكره حياة له ولكم .

ومن ذا الذي يقول بهذا هو مكرم عبيد صديقه المسيحي الذي عرف أخاه المسلم الكريم الصدق والصداقة معًا .. " .ويشير مصطفي أمين إلي أشد ما أعجبه في اإلمام البنا فيقول : " إيمانه بفكرته ، كان يؤمن بها بطريقة عجيبة ، ويري أن المستقبل لها

، وقد انعكس ذلك علي سلوكه ، فكان له قدرة فائقة علي إقناع الغير بذلك .. أعجبني كذلك في حسن البنا أن إيمانه بفكرته لم يكنعاطفيًا فقط بل كان محسوب الخطوات مدروسًا ولم يكن متعجالً رغم حماسه الشديد لما يؤمن به " .

المبحث الرابع: اإلمام البنا بأقالم المرأة المسلمة

لما كانت دعوة اإلخوان هي الدعوة للمجتمع بعنصريه المرأة والرجل ، فال غرابة أن نجد كتابات للمرأة المسلمة حول شخصية اإلمامالشهيد رحمه الله فها هي الحاجة زينب الغزالي تكتب فتقول : " نور استشهادك سيدي أنار لنا الطريق ووثق تمسكنا بالكتاب والسنة ،

والريادة السليمة بالعمل المتواصل في ساحة جهادك وبذلك ، في بوتقة تعاليمك وإرشادك وهدايتك ، فسارت الدعوة علي هدي خطاكووصاياك " .

وقد كتبت السيد زينب جبارة " رئيسة السيدات المسلمات " تقول " كان شخصية جبارة قوية ، ليس أدل علي قوة شخصيته الجبارة ،من أمريكا وإنجلترا وفرنسا ، كانت جميعها تنظر إلي الرجل بعين الحذر ، وتراقب حركته من بعيد ومن قريب وأيديها علي قلوبها ، فلقد

كانت تعلم وتؤمن بأن حركة اإلخوان المسلمين خطر علي االستعمار أينما حل في رقعة إسالمية أو بين شعب ... "وعن اإلمام وأفقه الواسع بصيرته كتبت السيدة بهية نصار " رئيسة مبرة الخدمة اإلسالمية " قول : " كان رحمه الله وكان رحمه الله

صاحب رسالة وكان موفقا كل التوفيق حيث لمس حقيقة الداء وعالجه بأنجح دواء رأي انهيار األخالق وانحراف الناس عن الطريقالسوي يتركهم الدين وراء ظهورهم فعمل جاهدا علي تغيير الوضع ، وسلك باإلخوان وبشباب األمة خاصة السبيل العملي ليخلق من كل

فرد المسلم الحق والمواطن قوى الصالح ... "وتنقل امرأة فاضلة أخري صورة التأثير والروح التي بثها البنا في أبتاعه وإخوانه فتقول األمة خاصا السبيل .. فتقول السيد يسرية

حسن مصطفي وقد رأت ذلك الصبر العجيب الذي تحلت به أسر وزوجات المعتقلين : ".. وتساءل القوم : أي شيء بث في نفوس هذهالفئة الصبر والثبات والتضحية واإليثار وخاصة عند اشتداد المحنة ونزول البالء ؟ فعرفنا أنها دماء اإلمام الشهيد قد خطت لهم في

صفحة الوجود معني التضحية واالستشهاد في سبيل الثبات علي الدعوات ..."وتحت عنوان " حسن البنا تجديد عبقرية كتبت السيد جلنار فهيم تقول : " لله درك يا حسن ، أما زلت تثبت عطر عبقريتك وصدق

إخالصهم لكل غاد ورائح ؟ ولن ينسي إخوانك حين سمعت نبأ استشهاد الكرام في أول معركة علي تراب فلسطين فتهتف قائال ً : اشتقناإلي الجنة " .

.

Page 103: ikwan

103أوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين

Page 104: ikwan

104مصادر المقاالت والمساهمون

مصادر المقاالت والمساهمونأوراق من تاريخ اإلخوان المسلمين  المصدر: http://www.ikhwanwiki.com/index.php?oldid=94017  المساهمون: Admin, Menna, Rod, Tofe, Victor, إخواني

مصادر، رخص ومساهمو الصورRod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:مصطفي_مشهور=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:مصطفي مشهور

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.01-ملف:اإلمام-حسن-البنا=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.01-ملف:اإلمام-حسن-البنا

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:البنا-فى-شبابه=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:البنا-فى-شبابه

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:أحمد-عبد-الرحمن-البنا=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:أحمد-عبد-الرحمن-البنا

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:اإلمام-الشهيد-حسن-البنا-عند-تخرجه=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:اإلمام-الشهيد-حسن-البنا-عند-تخرجه

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:اإلمام-الشهيد-حسن-البنا-وربير-جاكسون=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:اإلمام-الشهيد-حسن-البنا-وربير-جاكسون

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:خطبة=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:خطبة

Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  JPG.ملف:نور=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  JPG.ملف:نور

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  png.01-ملف:األستاذ-التلمساني=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  png.01-ملف:األستاذ-التلمساني

ملف:األستاذ-محمد-حامد-أبو-النصر-بمكتبه.png  المصدر: http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=ملف:األستاذ-محمد-حامد-أبو-النصر-بمكتبه.png  الرخصة: غير معروف  المساهمون: Admin, Rod, 5 تعديالت مجهولة

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:الشريف=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:الشريف

ملف:محمد فرغلي.jpg  المصدر: http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=ملف:محمد_فرغلي.jpg  الرخصة: غير معروف  المساهمون: Admin, إخواني

Admin, Helmy, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:األستاذ-عبدالقادر-عودة=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:األستاذ-عبدالقادر-عودة

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:األستاذ-صالح-عشماوي=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:األستاذ-صالح-عشماوي

Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:الغزالى=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:الغزالى

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:عبد-الحكيم-عابدين---القاهرة=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:عبد-الحكيم-عابدين---القاهرة

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:شادى=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:شادى

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:سابق=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:سابق

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:الباقورى=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:الباقورى

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  png.ملف:القرضاوى=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  png.ملف:القرضاوى

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:السباعى=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:السباعى

Abo nidal, Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:مشهور=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:مشهور

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:الصواف=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:الصواف

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.ملف:اإلمام-حسن-البنا-أثناء-زيارته-للسويس=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.ملف:اإلمام-حسن-البنا-أثناء-زيارته-للسويس

Admin, Rod :الرخصة: غير معروف  المساهمون  jpg.15-ملف:اإلمام-الشهيد-حسن-البنا=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  jpg.15-ملف:اإلمام-الشهيد-حسن-البنا

Admin :الرخصة: غير معروف  المساهمون  Banna_banner.jpg:ملف=http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title :المصدر  Banna banner.jpg:ملف