ﻥﺎﻧﻮﻴﻟﺍ ﺪﻨﻋ ﺔﻴﳜﺭﺎﺘﻟﺍ ﺔﻴﺒﺒﺴﻟﺍ§لسببية...

١

السببية التارخيية عند اليونان

مــبقل جعفر حسن الشكرجي . د كلية االداب –ستاذ مساعد أ

جامعة بابل

PDF created with pdfFactory Pro trial version www.pdffactory.com

http://www.pdffactory.com

٢

الملخص يدرس هذا البحث فكرة السببية كما تبدو عنـد كبـار مـؤرخي اليونـان القديمـة

خ البـشري أهميتهم في أنهم لم يفسروا التاري وتكمن. وثوكوديدس وبوليبيوس تهيرودو:ويعـد . باللجوء الى اآللهة والقدر ، وإنما باالعتماد بشكل عام علـى أسـباب واقعيـة

هيرودوث ، الذي مزج بين التعليل العقلي والتعليل الميثولوجي في تفسيره لألحداث، نقلة كبرى من التعليالت األسطورية التي تمثلت بأعمال هوميروس وهزيود الـى التعلـيالت

ما بوليبيوس فلم يحذو حذو هذا األخير في تفسيره أ. تمثلت بعمل ثوكوديدس العقلية التي ه أكثر وضوحاً وأعظم وعياً للماضي فقط ، وإنما يالحظ ان فكرة السببية قد أصبحت عند

ن هـؤالء أعلمـاً . بأهميتها في الكتابة التاريخية ، وتم تناولها بشكل أوسع وأعمق وأدق اشوا بين القرنين الثاني والخامس قبل الميالد ، قد عاصـروا المؤرخين الثالثة ، الذين ع نهم تأثروا بها في نـزعتهم النقديـة فـي تـدوين أوال ريب . ازدهار الفلسفة في وطنهم

. األحداث ، وفي اتجاههم العقلي في تعقب أسبابها)١(

وكوديـوس ثيتتبع هذا البحث تطور نظرة كبار المؤرخين اليونـان هيـرودوت و القوة المحركة لمجرى التاريخ البشري ، ويبرز تصورهم ألهمية مفهوم يوس ، إلى وبوليب

. السببية في الكتابة التاريخية ففي الوقت الذي كانت فيه المالحم اليونانية تفسر األحداث باللجوء الى قـوى مـا

تأثير ليعللها بأسباب عقلية ، بيد أنه لم يتخلص تماماً من تراء الطبيعة ، ظهر هيرودو ووكوديدس لكي يتم التحرر من هـذا ثن ننتظر أوكان علينا . التراث األسطوري اليوناني

أما التطور اآلخـر فقـد . التراث ، الذي دون أحداث تاريخه اعتماداً على أسباب واقعية ن مفهوم السببية هو جوهر التـاريخ ، ووسـع نطـاق أ ىحققه بوليبيوس ، الذي شدد عل

. وميز بين نوعين من األسبابالبحث عن االسباب ،وقد درسنا فكرة السببية عند هؤالء المؤرخين الثالثة ، دون غيرهم من المـؤرخين

. المؤرخين اليونان على اإلطـالق األول ، هو انهم يعدوا أعظم . اليونان ، لثالثة أسباب خاصـة السبب الثاني هو انهم وضعوا أسس فلسفة التاريخ ببعديها التـأملي والنقـدي، وب



٣

محاولتهم الكشف عن أسباب االحداث الماضية، ولفت انتباه المؤرخين الـى دور مفهـوم أما السبب الثالث فيتمثل بعـدم وجـود . السببية في الكشف عن طبيعة الحقائق التاريخية

. نعالجه في هذا البحث ، رغم كثرة الدراسات عنهمدراسة مستقلة عن الموضوع الذي ن أهؤالء ، عدداً كبيراً من المؤرخين في اليونان القديمة، غير علماً ان هناك ، غير

قسماً منهم قد اقتصر على السرد البسيط للوقائع، بينما اعتمد القسم اآلخر على الخرافـات . و بقيت مقتطفات منهاأ، في حين فقدت أعمال القسم الثالث

قد اسـتنتجت وسيالحظ أن بعض أفكار هؤالء المؤرخين المعروضة في هذا البحث . في النصوص التي توفرت لنا األخرىمن أقوالهم ، إذ لم تكن واضحة وضوح أفكارهم

خرى من تـواريخهم غيـر موضـوعنا أكما سيالحظ اننا تجنبنا الدخول في موضوعات .الرئيسي ، إال إذا دعت الضرورة لذلك

)٢(

هيرودوتناني قد نشأ ألول مرة على يد المؤرخ اليويالشك أن الوعي التاريخHerodotus ) فقد أدرك أن هناك أحداثاً قد وقعت في ).م. ق ؟ ٤٢٥ - ؟ ٣٨٤

أزمنة معينة وأمكنة محددة في الماضي وأن هذه األحداث لها أسبابها ونتائجها ، وأن األنسان ، وليست اآللهة ، هو الذي قام بها ، وبالتالي فإنها جديرة بأن تدون وتحفظ

شكل خاص بالذي أرخ فيه )) األبحاث(( حاول تحقيقه في كتاب هو ماوهذا. وتخلدوهويعد أقدم أثر يوناني نثري رئيسي باق ، وأول تاريخ . )1(الفارسية_ للحروب اليونانية

ه ج لعهده ، فتوالمعروف العالم أصقاعقام برحالت متعددة في . عرفته الحضارة الغربية (( يعرف بـ . ى سواحل البحر االسود تل ، وشماالً حجنوباً إلى مصر ، وشرقاً الى باب

)).أبي التاريخولما كانت افتتاحية هذا الكتاب تتضمن على بعض األفكار التي تتعلق بالسببية

. التاريخية ، فقد يكون من الضروري أن نذكرها ثم نقوم بتحليها وابراز هذه األفكار



٤

هيرودوت الهاليكارناسي ، Historiaeبحاث أهذه هي : (( يقوم هيرودوت عمال اليونان ، أينشرها بقصد أن يحفظ بذلك من الضياع ذكرى ماتم عمله ، وأن يمنع

سباب الصراع أ من مجد ، وليدون ما تستحقن تفقد أوالبرابرة العظيمة والمدهشة من . )٢())بينهما

وإنما نه جامع أخبار ،أيالحظ أوالً ، أن هيرودوت لم يستخدم كلمة تدل على ، وهي كلمة يونانية Historiaستوريا ه وهي جمع كلمة Historiaeاستخدم كلمة

، فكأنما )٣(ي بهدف التوصل إلى المعلومات الصحيحةراألصل ومعناها البحث او التحيريد بهذه الكلمة أن يقول لنا أنه سوف لن يقتصر على جمع الحقائق وروايتها رواية

حدث في وإنما سيتعدى ذلك إلى الكشف عن حقيقة مابسيطة كما يفعل اإلخباريون، الوقائع أسبابعقب يت للتحليل النقدي، ويسمعهاالماضي ، وذلك بأن يخضع الروايات التي

. التي يدونهان هذه االفتتاحية تشير إلى أن هيرودوت سيسعى ، ال إلى الكشف أويالحظ ثانياً ،

. أنجزتها البشرية التيإلى الكشف عن األعمال وإنما قامت بها اآللهة، عن األعمال التيوهذا يعني أن اإلنسان ، وليست اآللهة، هو السبب األول والمحرك الفعال للحركة

. التاريخيةن تبين لنا أن هناك إعماال مجيدة وباهرة أويالحظ ثالثاً، أن هذه االفتتاحية تحاول

ن تبقى مسجلة في الذاكرة ، ألنها حققتها الشعوب اليونانية والشرقية ، لذلك تستحق أ . كانت السبب في تغيير مجرى الحياة اإلنسانية

خيراً ، أنه على الرغم من أن هيرودوت في افتتاحيته يؤكد أويالحظ رابعاً و المؤرخين ضمنا ا يدعوه اليونانية ، فإن–سباب الحروب الفارسية أبصراحة انه سيتتبع

ومعنى ذلك أن الهدف . ي يسيطر على نشاط اإلنسان إلى ان يبرزوا الجانب العقلي الذمن الكتابة التاريخية عنده هو الكشف عن األعمال التي قام بها الناس في الماضي، وفي

. اإلعمالنفس الوقت الكشف عن األسباب التي من أجلها أقدم هؤالء الناس على هذه ما ن ، وإاإلحداثفكير في ال يقف عن عند مجرد الت" وكما يقول كولنجوود فإن هيرودوت



٥

اإلنساني البحت ، بوصفها أحداثاً إنسانية لها مايبررها للتقديرحداث يخضع دراسة هذه األ )٤("او يبرر القيام بها في تفكير اإلنسان

ففي سعيه . خرى بعيدة لألحداثأوقد أدرك هيرودوت أن هناك أسباباً مباشرة ون يتقصى أ، حاول اليونانية –حرب الفارسية أدت الى نشوب الالتي األسبابللكشف عن

عن اصول الفرس وقيام دولتهم ، ويستكشف العالقات الدبلوماسية التي سادت فترة ماقبل قيام الحرب، ويقدم صورة حية متكاملة عن الدول التي شاركت في الحرب مباشرة او

ساليبهم في أوكما أنه لم يهمل التحري في شخصيات بعض الحكام . بطريق غير مباشر وقد أدى . الحكم ، وتتبع بعض الصراعات التي ميزت الجماعات واألحزاب في المنطقتين

، لكتابة تاريخ حضاري لشعبه ولشعوب العالم بهيرودوتهذا االستقصاء غير المسبوق، وقد كان في كل ذلك يسعى للتعليل . المعاصرة لفترته، فقدم وصفاً لكل مظاهر حضاراتها

.)٥(ببيالسوالتفسير وقد توصل، وهو بصدد توضيح السبب الذي أدى إلى نشوب تلك الحرب العالمية بين الجانبين المتصارعتين ، إلى فكرتين أساسيتين األولى، أن هذه الحرب حلقة في

ويدلل . في العالم بين أوربا وآسيا، أو بين الغرب والشرق سلسلة من الصراع المستمرهمها وأخطرها الحرب الطروادية ، التي يعدها أالسابقة ، على ذلك بسلسلة من األحداث

) أوربا(هيرودوت مرحلة مبكرة من ذلك الصراع ، حين قام تحالف الشعوب الهلينية والفكرة الثانية هي أن العالم ينقسم أساساً إلى . )٦()في آسيا الصغرى( بمهاجمة طروادة فاضة في وهذا هو الذي دعاه لال.ولىاألن هذا االنقسام ثقافي بالدرجة أشرق وغرب ، و

، ألنها توضح اختالف الثقافة من بيئة والغريبةايراد كثير من القصص واألخبار الخيالية . )٧(أخرىإلى

ومع أن هيرودودت بحث عن األسباب الطبيعية لألحداث ، وميز بين الحقائق والتحليل الدقيق، واعتقد الوثائق التاريخية للنقد وأخضعالتاريخية والقصص األسطورية ،

مانساب اآللهة وسمياها بألقابها، وتكلأنا لليونانيين و اللذان دهما(( يود زأن هوميروس وهفإنه مع ذلك . )٨())أشكالها ، وفصال واختصاصاتها ، ا لكل منه التيعن مرتبة الشرفموجودة ن مصائر الناس تتأثر بقوة علوية ، ألن اآللهة أخرى على أيؤكد من ناحية



٦

فعلى . )٩(وتتدخل بشكل حاسم في شؤون األفراد واألمم على حد سواء بوصفها سادة الكل كان تدبيراً إلهياً ، ألن اآللهة تنزل عسبيل المثال يعلن أن هالك أهل طروادة الذريكما نجده يدحض أسطورة بأساطير، . )١٠(العقوبات الصارمة جزءاً وفاقاً لألخطاء الجسيمة

وميروس حين جعل السبب في نشوب الحرب ضد طروادة ، اختطاف باريس ، فقد انتقد ه مفنداًفكتب في ذلك . األمير الطروادي ، للملكة هيالنه زوجة مينيالوس ملك إسبرطة

أن الحروب بين الشعوب ال تقوم بسبب اختطاف اً أخرى، مؤكدبأساطيرومستشهداً للدمونيين ا الخرافات كالخرافة القائلة أن ، كما وأنه ال يتردد في قبول الكثير من)١١(أمراة

ولذلك يمكن القول إنه في . )١٢( النهم جاءوا بعظام ارستيز إلى إسبرطةالنصرقد نالوا .)١٣(ثولوجييج بين التعليل العلمي والتعليل المزلكشف عن األسباب التاريخية قد ملسعيه

مال شخصياته ورغم ذلك فقد كان اهتمامه في المقام األول ، بدوافع وأع ، وكان تفسيره ، بوجه عام ، للحوادث المحددة بعبارات إنسانية ودنيوية )١٤(البشرية

كما كانت لعقله الغلبة على الخرافات في معظم . )١٥(يونيةمنسجمة مع النزعة العقلية األالموضوعات التي طرقها ، وال عجب في ذلك ، فقد كان من الجيل الذي عاصر

همية على أ أضفى يضاف إلى ذلك انه )١٦( بنزعتهم النقدية والشكيةرثالسوفسطائيين وتأشكال أ وكذلك على مختلف )١٧())إن مصر هبة النيل : (( هالمعطيات الجغرافية ، كقول

.)١٨(التنظيم االجتماعي وعلى طباع عدد كبير من الشعوبيخية على هذه الحقائق ، فإن محاوالت هيرودوت في تفسيره لألحداث التاروبناء

يمثل نقله كبرى من التعليالت األسطورية التي تمثلت بأعمال هوميروس وهزيود إلى الفقرة بحثنا في س ،الذي هو موضوع دالتعليالت العقلية التي تمثلت بعمل ثوكودي

. التالية)٣(

٤٦٠ ( Thucydidesوعندما نصل الى مؤرخ يوناني عظيم آخر وهو ثوكوديدس عن كل ما يرتبط )١٩(فهوم السببية التاريخية قد استقل تقريباًنجد أن م) .م. ق٤٠٠ –

نتيجةسطورية ، إذ نظر إلى األحداث التاريخية على أنها باآللهة والقدر والقصص األ بأعمال أسبابهاا وتعقب هنسان في الماضي ، وبالتالي يمكن فهماألعمال التي قام بها اإل



٧

علماً أنه قد عاصر ازدهار الفلسفة في أثينا، وال . العقل ، وباالستناد إلى العلل الطبيعية . ريب أنه قد تأثر بها، وبخاصة بالنزعة العقلية النقدية عند الفالسفة السوفسطائيين

The))٢٠(لوبونيزية يالحرب الب الوحيد بكتابهوثوكوديدس معروف

Peloponnesian war) جانب بين أثينا وحلفائها من جرت الذي أرخ فيه للحرب التيوعلى الرغم من أنه شهد الحرب بين هذين الطرفين . وإسبرطة وحلفائها من جانب آخر

بهزيمة أثينا، فإنه يتوقف في .م. ق ٤٠٤إلى نهايتها عام . م. ق٤٣٠من بدايتها عام علمية ونزيهة وقد فسر بطريقة . سباب مجهولةأل .م.ق٤١١ فجأة عند عام تاريخه

أبو التاريخ " حظها ، فاستحق بذلك أن يطلق عليه ي المالبسات وأسباب األحداث الت ."العلمي

اإلنسان على أنها السبب الرئيسي للتغيير في التاريخ ، إرادةنظر ثوكوديوس إلى إال أن . وراء الطبيعة في مصائر الناس أية قوة من قوى ماتحكموبالتالي فإنه رفض

ن نحسب له أى شكل عنصر ال يمكن التأثير الخارجي الوحيد الذي يعترف به يظهر عل بدون يعتقد من الصعب القول بأنه ولكن . Chanceلمصادفة احساباً يطلق عليه اسم

أن يبين امجرى الحرب وتفسيره لمسارهلإذ أن تحليله .تحفظ بهذا المبدأ كحقيقة يقينية ن ، ليس بالضرورة يكوحاسماًعمل عنصر المصادفة ، الذي ال يمكن ان نحسب له

فمثالً لعبت المصادفة دورها في المرحلة األولى للحرب في تفشي مرض . حاسماً ي أضعف وعطل بشكل خطير قوة أثينا اكثر من أومع أن الطاعون قد . الطاعون في أثينا

حد نتائجه الخطيرة أ. شيء آخر لسنوات الحقة ، إال أنه لم يمكن محطماً وال مهلكاً لهموكوديدس لم يعد الطاعون تدبيراً إلهياً لشؤون ثولكن . ين يثنكان تأثيره النفسي على األ

يمكن التنبؤ به ، تماماً كما أنك قد ال تستطيع ان تتنبأ إنه ببساطة حدث ال. العالمفهي ال تشير الى تدخل . عندناهتعني والمصادفة تعني عنده نفس ما.بتحركات عدوك

إن .ن بههبساطة تمثل عنصراً ال يمكن التكإرادة او نزوة قوة خارج عالمنا هذا ، إنها ب الخفية أو الممتنعة وكوديدس يعترف بعمل المجهول ، ولكنه ال يعترف بوجود األشياء ث

. )٢١(وهو يضعف المجهول إلى حده األدنى من األهمية في الحياة البشرية. على الفهم



٨

كم للقدر متعذر إذن ، ليس هناك خارج اإلنسان قوة مسيطرة ، كما أنه ليس هناك ح الوحيدة كانت بالنسبة له تكمن في أهميتهاحياناً إلى اآللهة ،فإن أورغم أنه يشير . تجنبه

ويلجأ الناس إليها ، عندما ال .)٢٢(تأثيرها النفسي الذي تحدثه في نفوس المؤمنين بها لذلك نجد ثوكوديدس يقول بهذا.سباب األحداث بالوسائل الطبيعية أ معرفة يستطيعون

سباب االطمئنان ، إدراكاً واضحاً، فإن أعندما يكفون عن إدراك جميع (( :الصددي اآللهة ، وإلى غير ح و إلى والتنبؤعندئذ يتلفت إلى غير المرئي ، وإلى ) بعضهم ( بعثها هذه الممارسات تهلك الناس الذي ينقادون تويضيف بأن اآلمال التي )) . ذلك الطبيعية لألحداث متوفرة دائماً في نظر ثوكوديدس ، سباباألن أوهذا يعني . )٢٣(إليها

. حياناًأزها يولو إننا نكون غير قادرين على تميوكوديدس ، وهو في بحثه عن أسباب الحرب البيلوبونيزية ، لم يكن ث نولذلك يبدو أ

ية نظرية فلسفية تتعلق بالقوى المحركة لألحداث ، سوى النظرية القائلة بأن أيحمل . نسان هو صانع تاريخهاإل

ربما لم يسأل أحد قط عن السبب الذي جعل اليونانيين : (( يقول ثوكوديدس م لإن السبب الذي اعتبره هو الحقيقي ولكنه . يندفعون بسرعة بالغة في حرب هائلة كهذه

لذي جعل اطيين ، هذا هو رسبثاره في اإلألذي اين، والذعر يثنو قوة األم ، هو نيكن معلناً )٢٤())لحرب ال مفر منهاا

طيين على شن الحرب رن هم الذين اجبروا اإلسبيثنيأن األ سدهكذا يعتقد ثوكوديينا، أثساس تعتبر ثار الخوف في نفوسهم وعلى هذا األمما أبسبب تزايد قوتهم العسكرية

طيين رولذلك ال يمكن لوم اإلسب. مذنبة بشن الحرب كانت ، وليست إسبرطة ،هفي نظرلقد )) . تهاكهم لمعاهدة الصلح الحربية ، ألنهم كانوا مجبرين على ان يفعلوا ذلكعلى ان

قل كان لديهم المبرر القوي الذي تركهم هذا الخوف دون بديل معقول ، أو هكذا على األ . )٢٥(آمنوا به

ثار أ التي جعلت من أثينا قوة عظمى عسكرياً، بحيث األسبابن تساءلنا عفإذا ننا نالحظ إجبرهم على البدء بشن الحرب عليها ، فأطيين ، مما رإلسبالخوف في نفوس ا

السبب األول سياسي ، إذ في ظل نظامها . سبابأن ثوكوديدس يشير إلى عدد من األ



٩

اإلمبراطورية ((مجادهم التي تمثلت بشكل خاص في تكوين أالديمقراطي تعاظمت ن النمو أقراطية ، وهذا يعني ينا الديمأث زعامة ونمت تحت ، التي نشأت ))ةينياألث

سبرطة إ قد ارتبط بتطورها الديمقراطي ، علماً ان نظام الحكم في ألثينااإلمبراطوري ، السبب الثاني اقتصادي ، فقد )٢٦( ، وهو حكم الطبقة العليا في المجتمعليجركياكان أو البحري ، بيما سطولهاأثينا دولة بحرية ، مما هيأ لها المجال في تطوير تجارتها وأكانت وهناك سبب ثالث يتعلق بطبيعة . )٢٧(سبرطة دولة برية تعتمد على الفالحةإكانت

ث يثينية وهي شخصية مفعمة بالنشاط دائماً ومندفعة وثورية ومزعجة ، بحالشخصية األبينما )). انفسهم وال يسمحون بالراحة للموجودات البشرية األخرىيريحون تجعلهم ال ((

((طيين الذين رسبونيزبين بالحركة البطيئة والحذر إلى ابعد حد وبخاصة اإللوبييتصف الب، غير أنهم يشعرون بالثقة بالنفس )) ال يثيرهم النجاح وال يشعروا باليأس عند البلية

. )٢٨(باسترخاءورغم ان ثوكوديدس يجنح لتدوين األحداث أكثر مما يجنح لذكر االشخاص ، فإنه

، فقد كان ينجذب إلى )٢٩( غير العاديين من خطر في التاريخكان يعترف بما لألفرادثينا على رأس أ دوراً قيادياً في وضع لعبزعامة بريكليس للحزب الديمقراطي والذي

إمبراطوريتها في منتصف القرن الخامس قبل الميالد ، واستمرت زعامته وقيادته حتى قديكليس رن بإمان ثوكوديس بولذلك فإن إي. )٣٠( إسبرطةضدالسنوات األولى من الحرب

. شأن أثينا يعد سبباً رابعاًرفعساهم في وهكذا يمكن النظر إلى العامل العسكري على أنه السبب المباشر للحرب، بينما تعد

وبعبارة أخرى أن الحرب لم تكن صراعاً بين . العوامل األخرى أسباباً غير مباشرة لهايضاً صراعاً بين الديمقراطية أقط ، وإنما كان سبرطية فإثينية وبرية أقوتين بحرية

واألوليجركية ، وكذلك كان صراعاً بين اقتصاد يعتمد على البحر والتجارة وآخر يعتمد على األرض والفالحة ، وصراعاً بين نمطين من الشخصية ، األولى ثورية واآلخرى

. رجعيةية الكامنة في العملية ن القوى الطبيعان ثوكوديدس يشدد على أ يبدو مما تقدم

التجريبية ، وليست المبادئ الواقعة وراء نطاق الخبرة البشرية ، هي التي تسبب حركة



١٠

كما يبدو أنه ينتمي الى مدرسة تعدد المسبب التاريخي ، ما دام أنه لم . )٣١(عالم الظواهرع من العوامل في محاولته البحث عن سبب اندالديلجأ إلى عامل واحد وإنما الى عد

.زية يونبالحرب البيلو لخلوه من القصص جاذبيةقل أن يكون كتابي هذا أ خشياى نإ: (( قول يوعندما ، إنه يؤكد للقارئ بأنه لم يلجأ في كتابه ، كما فعل هيرودوت ، إلى )٣٢())الخيالية

الخرافات في عرض األحداث التاريخية وفي البحث عن أسبابها بادلة تستند وساطير األ على هذا النهج سيفقد هرعلى الرغم من أنه كان واعياً تماماً بأن سي. عقل والواقع على ال . الشعبية بين القراءهكتاب

ليكون مقالة تكسب استحساناً (( إن ثوكوديدس يصر على أنه لم يكتب عمله قيمةهفهو ، إذن ، يريد لكتاب. )٣٣())كتبه ليكون ملكاً لكل العصور(( ما إن وً ))مؤقتا

في هوتكمن القيمة الخالدة التي نسبها لكتاب. دائمة ، ال أهمية عابرة تنسى مع مرور األيامهو في نفس الوقت كشف عن ) ونيزية بالبيلو الحرب( أن محاولته لوصف الجزئي

ولكن ((: ن نستنتجه من تكملة النص السابقأوهذا ما يمكن ). الحرب بشكل عام( الكلىلباحثين الذين يرغبون في الوصول إلى معرفة الماضي ، بوصفه إذا حكم عليه من قبل ا

ثبات الطبيعة بمقتضىأداة مساعدة لتفسير األحداث التي ستقع في المستقيل ، وهي اإلنسانية، يجب ان تشبه األحداث الماضية ، إن لم تتطابق معها ، فإني سأكون راضياً

. )٣٤())بذلك التاريخية، القائمة على ثوكوديدسلى فلسفة ضوءاً عيضاًأويلقي هذا النص المهم ن التاريخ ليست وظيفته معرفة الماضي وال أوتفصيل ذلك . أساس أن التاريخ يعيد نفسهيساعدنا على رسم صورة المستقبل عن طريق التنبؤ بما توضيح الحاضر بمقدار ما

بما رثوكوديدس إن . سيحدث فيه ، مادامت األحداث اإلنسانية ، حسب رأيه ، تكرر نفسها رجل العلم بقوله إنه إذا تكررت الظروف المتشابهة ، يعنيهيعني بذلك ببساطة ، ما

ومن الظروف التي يترتب على المؤرخ ان يحسب حسابها الطبيعة . فالنتائج تكون واحدةوهكذا قد تساعد دراسة . الزمان والمكان تغيرب – حسب رأيه -اإلنسانية ، التي ال تتغير

المؤرخين على ان يتنبأوا بالصراعات التي تحتدم بين بني اإلنسان ، شأنها في الماضي



١١

التي تساعد األطباء على التنبؤ بالتطورات المتوقعة التي قد تطرأ االكلينيكيهذلك التقارير . )٣٥(على األمراض

وواضح مما تقدم ، أن ثوكوديدس يؤمن بأن نفس األسباب تؤدي إلى نفس النتائج . ريخ اإلنساني ، مادام هذا التاريخ يكرر نفسه، ومادامت الطبيعة اإلنسانية ثابتةفي التا

قد تصدى لتكملة تاريخ ) .م. ق ٣٥٣ – ٤٣٠( ثيني كزينوفون ورغم أن المؤرخ األ ال تزيد أن تكون سرداً سطحياً لألحداث ، وتعود عنده الخرافات كتبهوكوديدس ، فإن ث

يفسر بها لند إلى القوى غير الطبيعية تثوكوديدس، وتس من كتاب اختفتالتي كانت قد ولذلك فإننا سنتجاوزه، . )٣٦(ألحداث ، رغم أنه كان صديقاً لسقراط وكتب عنهاسير

وكوديدس ، إن لم يكن ثمستوى في أخر من الزمان لنقابل مؤرخاً قرنينحوالي وننتظر ند األول في البحث عن الذي لم يواصل النزعة العقلية ع ،بوليبيوس وهو منه أعظم

األسباب في التاريخ اإلنساني فقط ، وإنما وضح بعض األفكار المهمة حول مفهوم السببية . التاريخية

)٤( ، وهو ثالث أكبر ) .م. ق٢٣٠ – ١٢٠ ( Polybiusوعندما نصل إلى بوليبيوس

كثر وضوحاً وأعظم أصبحت عنده أن فكرة السببية التاريخية قد أمؤرخي اليونان ، نجد ن القيمة أوكان ذلك طبيعياً ، إذا علمنا . وسع وأعمق وأدق أوعياً بها ، وتم تناولها بشكل

وقٍد قامت شهرة بوليبيوس . سباب األحداث أالكلية للتاريخ كانت تكمن عنده في معرفة ألجراء منها سوى ايصلناالذي يتكون من أربعين جزءاً ، لم )) التاريخ العام (( هبكتاب

براز ا هو هساسي لكتابوالغرض األ. جزاء األخرىالخمسة األولى ومقتطفات من األ، مع مقدمة . م. ق١٦٨ إلى عام ٢٢١سباب سيادة الرومان على العالم من عام أحقائق و

، وخاتمة يلخص فيها . م. ق٢٢٠ إلى عام ٢٦٤يصف فيها تاريخ الرومان من عام على إنجاز تاريخه العام إقامته ه ومما ساعد. م. ق١٤٦ إلى عام ١٦٨األحداث من عام



١٢

في روما ، بعد أن نفي إليها مع عدد كبيرة من أبناء وطنه، بعد انتصار روما على . م. ق١٦٨مقدونيا عام

ال يستشعر راثهتكاأي عقل هذا الذي مهما بلغت تفاهته او عدم : (( يقول بوليبيوس ةون سقط العالم كله تقريباً تحت سطأ جرائها منانلى تعلم تلك العملية التي كإتطلعاً

تطلع الى ان يلم بالتنظيم السياسي ي عاماً ، او ال ٥٣قل من أروما دون منازع خالل فترة وهي ظاهرة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجنس - إليه هذا االنتصار يعزىالذي . )٣٧())البشري

لتساؤل المهم، يجدر بنا أن نذكر ثالث رفه جواب بوليبيوس على هذا اعولكن قبل م . نقاط جوهرية تتعلق بأهمية مفهوم السببية في الكتابة التاريخية وتصوره العام له

المؤرخ بسرد يقتنعتأكيده على أنه من غير المالئم ان بتتعلق النقطة األولى تها المتبادلة ، إذ األحداث الماضية فقط ، وإنما ينبغي عليه أيضاً ان يتتبع أسبابها وعالقا

لم قاق الشعوب مارماذا يفيد القارئ أن يخوض في حروب ومعارك وحصار واست(( التي أدت إلى انتصار فريق األسباب على فبقصد الى ان يذهب الى ما وراء ذلك فيق

القارئ تمتعإن نتائج العمليات . ؟ ة كل على حدبذاتهوهزيمة الفريق اآلخر في موقف إن تحليل حادث بعينة . بحث في المواقف السابقة إنما يفيد الدارس الجادفقط ، بينما ال

بغير تفاصيل ميكانيكية ، خير ثقافة من بين سائر الثقافات للقراء الذين لهم صبر على ، إن بوليبيوس في هذا النص المهم يشدد على ان الحكم السببي هو )٣٨())متابعة العملية

قد . الحقائق ال قيمة لها إذا لم يرافقها البحث عن أسبابهاجوهر الكتابة التاريخية ، إذ أن. لنا ، غير أنه ال ينور عقولنا وال يقوم سلوكنامسلياًلوصف المبسط لهذه الحقائق ايكون

ذا لم يقترن إن للتاريخ غاية عملية، ولكن هذه الغاية ال تحقق هدفها ، أوهذا يعني .سبابالوصف بالبحث عن األته للتاريخ ، وهذه النقطة الثانية، على انه عبارة عن أحداث متتابعة، وفي سياق نظر

ال له وهكذا ، ميز بين السبب المباشر والسبب البعيد ، تكل حدث منها يعد سبباً لحدث ن من الضروري البحث عن األسباب البعيدة لألحداث، وال تقتصر بمعرفة أ هدراكإب وفي رأيه. ولى عادة أسباباً لما تليها من أحداثابها القريبة، إذ تعتبر األحداث األبسأ



١٣

سباب التي دراك تلك األإ التاريخ مثل لدارسيو أاب ليس هناك شيء ضروري للكتّ(( إال ان المشكلة قد حدثت حولها بلبلة في . تفسر تكوين أية سلسلة من األحداث وتطورها

عد يو. )٣٩())مناسبة وسببهاكتابة معظم المؤرخين بسبب الفشل في إدراك االختالف بين ال . سباب بشكل واضح ودقيقبوليبيوس أول من فرق بين هذين النوعين بين األ

وكوديدس تاريخاً ث فإذا كان تاريخ هنطاق تاريخبأما النقطة الثالثة واألخيرة فتتصل مم البحر أ كان تاريخا شامالً ، ضم إقليمياً محدودا باليونان وحدها، فإن تاريخ بوليبيوس

أبا التاريخ (( وكوديدس ث، و)) با التاريخ أ(( نعد هيرودوت فإذا كنا. ألبيض المتوسطاولهذا نجده يقول )) . أبا التاريخ الشامل(( ن نطلق عليهأ، فإن بوليبيوس يستحق )) العلمي من معينةنني تكفلت بأن أسجل ، ال مجموعة أعتقد ، أوضحت ، فيما ألقد : (( بفخر

أقول إنني قد اعددت عملي على فماحدث على نطاق العالم ، وأكاد أبالغ األحداث ، وإنما ذلك ألنه كان يعتقد اعتقاداً جازماً بأنه لكي . )٤٠())نطاق أوسع وأكثر من أي ممن سبقوني

سبابها القريبة والبعيدة،وآثارها، ألى نظرة دقيقة عن األحداث التاريخية ، ومعرفة إيصل فإذا كانت أحداث التاريخ في . المعروفةاألممملة تضم جميع فانه يجب دراستها دراسة شا

سبابها ونتائجها أمنفصلة ومستقلة بعضها عن بعض في (( العصور السابقة ، كما يقول ، التاريخ وحدة عضوية ، أكتسبولكن منذ ذلك التاريخ فصاعداً ، . أقاليمهابقدر انفصال

ن تاريخ أ وآسيا ، وكنيحدث في اليونا مافأحداث إيطاليا وأفريقيا اصبحت متشابكة مع إن هذا التغيير الكبير الذي طرأ على فكرة . )٤١()) مصير واحدإلىصبح يتجه أالعالم قد

العالم إحداثالكتابة التاريخية ، من تاريخ ذات طابع جزئي الى تاريخ عام يشمل التي افضت إلى شك إلى التحوالت السياسية والعسكرية وتطوراته ، مرده بالهومراحل

رودوت وثوكوديدس الى الدولة العالمية ياالنتقال من دولة المدينة السائدة الى عصر هسباب أن يصبح البحث عن ألذلك كان من الطبيعي . بقيادة روما التي عاصرها بوليبيوس

أكبر ، ألنه يقتضي جهداًاألحداث ، كما هو الحال عند بوليبيوس ، أكثر تعقيداً ويتطلب يضاً في أماكن مختلفة من العالم ، أقب أسباب األحداث ليس في الماضي فقط، وإنما تع

. مادام هذا العالم قد اصبح واحداً



١٤

اآلن نرجع إلى التساؤل الذي طرحه بوليبيوس المذكور قبل هذه النقاط الثالث سباب نجاح روما في تحقيق دولة عالمية مع قدرتها على البقاء أ،والذي يتعلق ب

وفي الحقيقة أن الجواب على هذا التساؤل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفكرته على . ستمرار واال . القوى المحركة في التاريخ البشري

فقد كان يشارك االعتقاد الشعبي بوجود قوة فوق البشر تدعى القدر، تسيطر على :(( تابه فقد كتب في مقدمة الخطة األصلية لك. األحداث وتحولها إلى طرق غير متوقعة

القدر هو السبب في أن يتجه العالم كله وتاريخه نحو غرض واحد وهو إمبراطورية روما وهناك )). نسان ، وبسبب في تغييرات كثيرة في حياة اإلقوتهفهو يمارس باستمرار

قوم به القدر، ومشيراً إلى عدم ينصوص كثيرة يعترف بوليبيوس فيها بالعمل الفعال الذي . قضاته الظاهرة ونزواتهاستقراره وتنا

خرى يبدو فيها بوليبيوس مختلفاً تماماً عن ذلك ، إذ يجد عيباً أولكن هناك نصوص في الكتاب الذي ينسبون الكوارث العامة وسوء طالع االفراد الى القدر ، ويسلم بانه عندما

كما هو الحال في حالة العواصف ،األسبابنسان شف اإلكيكون من المستحيل ان ي ولكن عندما تستطيع ان ((ائر في ارتباكه ان ينسبها إلى اآللهة أو القدر ، جالجفاف ، فو

)). نسبها إلى اآللهةتن أ ، ي مسموح به ، في نظرغيرينة، فهو عتكشف سبب حادثة م . عن قدرة اإلنسان وحكمته ناشئن ينسب إلى القدر أو اآللهة ما هو أيضاً أويستنكر

ولكن . الحدودقضيأوليبيوس أن يقيد عمل القوى الخارجية في إن ذلك يرينا رغبة بسباب القوة أفعندما بحث في . هناك تأكيدات أخرى يبدو فيها معارضاً تماماً لذلك الرأي

عة قوالتفوق اللذين احرزهما اآلخيون ، الشعب الذي لم يكن وافر العدد ويعيش في رن نتكلم عن القدر أو المصادفة ، ذلك أئم من الواضح انه من غير المال(( : صغيرة ، قال

ن يحدث أ بدون سبب ، ال يمكن .ن نبحث عن السببأتفسير رخيص ، يجب باألحرى )).كان طبيعياً او شاذاً بشكل ظاهرأشيء ، سواء ،

ه هذا الرأي ، كان قد وصل إلى وجهة نظر مخالفة جوهرياً عن رأيكتبعندما . ذا الرأي الجديد على اإلمبراطورية الرومانيةوأبعد من ذلك فقد طبق ه. األول



١٥

،نتصارات روما هي المثل البارز للتصرف الغامض للقدرأفاذا كان سابقاً يزعم أن روما ةن القدر له دور في صنع عظمأ التي مفادها يةاوية، النظرسثقة متبكر، نفهو اآلن ي

نال يرجع نجاح الروما: (( سومة من اهللار الشاملة من، كما ينكر اعتبار سيطرة الرومان ا معروف ، لم يكن بال سبب ن نجاحهماين ، يكما يعتقد بعض اليونان إلى القدر ،

لى إوتعليمهم ، فقد سعوا الى السيطرة ونه يرجع إلى تدريبهم انجاحهم كان طبيعيا تماما، .)٤٢())حكومة عالمية ، فحققوا هدفهم

وطنه اليونان ، التي تحولت الى مجرد أبناءن أيشير بوليبيوس في هذا النص المهم ن أمقاطعة رومانية ، كانوا ينسبون نجاحات روما إلى حظها، وليس إلى مزاياها ،محاوالً

باختصار شديد أبصارهملل، بان يعرض أمام ض الباطل المالعزاءيحرمهم من هذا . التي قامت علهيا عظمة روماةاألسس العميق

صبحت إمبراطورية، أ نطاقها حتى تسعانة ، وهي روما ، والشك في أن نمو مدي يساس انه مفخرة فريدة فأعلى ، ،يستحق تفكير عقل فلسفي جيبونهو شي ،كما يقول

سباب كثيرة لهذا النجاح ، فإنه يتجاهل العامل االقتصادي ،أومع أنه يذكر . )٤٣(نوعهاويمكننا اختزال هذه . لتاريخ في مجرى ا له عنده دورن هذا العامل ليس أوهذا يعني

سياسي، فقد استطاع الرومان منذ فترة مبكرة من األولالسبب . ربعة أاب الى بساأل بوليبيوس يمثل أكمل أنواع الدساتير اعتبره سياسياً محكماً نظاماًن يقيموا أتاريخهم

. يةالسياسية ، وهو يشتمل على عناصر من النظم، الملكية واالستقراطية والديمقراط عشر قدرهاالسبب الثاني عسكري، اذ كان كل مواطن روماني ملزم بأداء خدمة عسكرية

المواطنين بعضهم لبعض ، وللدولة بإخالصمثل ت فأخالقي فيالثالثأما السبب . سنوات ويتعلق السبب الرابع بطبيعة الشعب . ، والذي كان يدعمه التعليم والتحمس للدين

)٤٤(والسكون رف الخوف وال يطيق الراحةالروماني ، فهو شعب ال يعة توجه العالم، ي طبيعغير بدأ أصالً باإليمان بقوة بوليبيوس قديبدو مما تقدم ، أن

األحداث عن طريقها الطبيعي ولكن التجربة الواسعة بالحياة والدراسة العميقة وتحول سير أخيراً إلى ئاً ، حتى وصل وراء الطبيعة شيئاً فشي ماى تدخل قو منللتاريخ ، جعلته يقلل



١٦

الذي مفاده وبذلك انتهى الى الرأي. غير ضرورية للمؤرخ العمليى بأن هذه القوالرأي .)٤٥(ن ال شيء يحدث دون سبب طبيعي ، وأن عمل القدر عموماً هو فرض باطلإب

نه كان في بحثه عن أسباب اوفي ختام حديثنا عن بوليبيوس يمكننا أن نقول االعتماد على قوى متعالية في تفسير ورافضاًالنزعة ، واقعي االتجاه ، االحداث عقلي كتب بروح فلسفية وذهنية تحليلية نقدية . بحتمية التغييرشري ، ومؤمناًبحركة التاريخ ال

الشخصية في الفلسفة ته عصر الذي عاش فيه، وال نستبعد ان تكون ثقافل مشهوداً لتاريخاً . في هذه الذهنية وتلك الروحتر والرواقية قد أثاألرسطية

)٥( لقد تبين لنا في الفقرات السابقة أن مولد علم التدوين التاريخي وتطوره عند اليونان

همية استخدام فكرة السببية أ، بين القرنين الخامس والثاني قبل الميالد ، قد اقترن بإدراك : هذه الفترة المؤرخون وكان قد ظهر في. في عملية تسجيل األحداث اإلنسانية الماضية

هيرودوت وثوكوديدس وبوليبيوس ، وفطنوا إلى أن هناك أحداثاً مهمة قد وقعت ، ومن . سبابها القريبة او البعيدةأثم كان من الضروري ، ليس فقط روايتها ، وإنما البحث عن

وقد ميزوا ، في نطاق هذا البحث ، بين األسباب التي تخضع للعقل وبين غير المعقولفي السببية على ولم يفرضوا نظرية معينة . منها، فاعتمدوا على األولى ، ونبذوا الثانية

األحداث التي قاموا بتفسيرها ، سوى النظرية القائلة إن لكل حادث سبب ، والنظرية وقد تركوا البحث نفسه يقودهم الى اسباب وقائع . القائلة إن االنسان هو صانع تاريخه

ويمكن ان نقول . سباب الواقعية وا بذلك إلى انها تفسر بمجموعة من األتواريخهم ، فانتهساس فلسفة وضعية وعقلية ، ماداموا قد أسباب التأريخية كان يقوم على ن بحثهم عن األأ

إلخ ، هي التي ... السياسية واالقتصاديةلن القوى الطبيعية المتمثلة بالعوامأاعتقدوا . تسبب حركة التاريخ البشري

الهوامش



١٧

سلسلة من الحروب بين . ) م. ؟ ق٤٤٨ - ؟ ٥٤٦( الفارسية – الحروب اليونانية (1)

، وقد استولى .م. ق٤٩٠المدن اليونانية واألمبراطورية الفارسية ، بلغت أوجها عام روا عليهم في ، ولكن اليونان انتص.م. ق٤٨٠الفرس على أثينا وأحرقوها عام

. فأضطروا إلى االنكفاء إلى آسيا، .م. ق٤٨٠معركة سالميس البحرية الحاسمة عام وخالل الثالثين سنة التالية شن اليونان عدة هجمات موفقة على االمبراطورية

. م. ق٤٤٨الفارسية انتهت بعقد الصلح بين الطرفين حوالي عام ، دار العلم للماليين ، المجلد الخامسير البعلبكي ، موسوعة المورد ،نم: راجع

. ٩٩ ص٢٨ ، ص١٩٩٥بيروت ، (2) The History of Herodotus , Great Books , vol.6, The University of Chicago, 1952 , P.1

مقدمة في التاريخ الحضاري ، دار النهضة : ، اليونان يحيىلطفي عبد الوهاب . د(3) . في نفس الصفحة ٢٣ ، والهامش رقم ٢٤٧تاريخ ، صالعربية ، بيروت ، بدون

بكير خليل ، لجنة التأليف محمد: كولنجوود ، فكرة التاريخ ، ترجمة . ج. ر(4) . ١٩٦٨والترجمة والنشر ،

الدار السودانية ، وكتابتههتاريخه وتفسير: عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم ، التاريخ . د(5) . ٢٣ ، ص١٩٩٩ ، الخرطوم ، للكتب

الفكر التاريخي وتطوره عند اليونان ، بحث في مجلةةمصطفى العبادي ، نشأ. د(6) . ١٢ ، ص٢٠٠٢تمبر ب س– ، يوليو ٣١، المجلد ١الكويتية ، العدد )) عالم الفكر ((

. ١٥ المصدر نفسه ، ص(7)

: محمد صقر خفاجة ، تقديم وشرح .د: هيرودوت يتحدث عن مصر ، ترجمة (8) . ١٥٦ - ١٥٥ ، ص٥٣ ، الفقرة ١٩٦٦لم ، القاهرة ، ق بدوي ، دار الأحمد.د

(9) See: A-Herodotus, Article in ,(( Encyclopaedia of Religion and

Ethics)) , T and T Clark , Edinburah, 1955 Vol.VI , P.632.



١٨

B. Herodotus Article in ,(( The New Encylopadia Britannica)),

Macropaedia , The University of chicago , chicago , 1978 , Vo.8 ,

P.8, p.822.

. ٢٣٩ ، ص١٢٠ هيرودوت يتحدث عن مصر ، الفقرة (10) . ١٢ الفكر الثاريخي وتطوره عند اليونان ، صةمصطفى العبادي ، نشأ. د(11)بدران، حياة اليونان ، ترجمة ، محمد ) ٧( الحضارة قصة ول وايريل ديورانت ، (12)

.٣٣١ – ٣٣٠دار الجيل ، بيروت ، بدون تاريخ ، ص لفيف من العلماء ، دار المعارف ، القاهرة : جورج سارتون ، تاريخ العلم ، ترجمة )13(

.١٦٤ ، ص١٩٧٨،

(14) Hadas , Elizabeth C. , Herodotus , Article in(( Encyclopeadia

international )) , lexicon pulications , 1978 , pp.416 – 417 (15) Tolfsen , Trygve R. Historical Thicking , Horper and Row , New

York , 1967.P.21.

عبدالمنعم رشاد محمد ، اليونان والرومان ، درسة .عادل نجم عبود و د. د: ينظر) 16(في تاريخ والحضارة ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، جامعة الموصل ،

. ٢٢١، ص١٩٩٣

. ٧٤ ،ص ٥هيرودوت يتحدث عن مصر ، الفقرة ) 17(

، توينبيمن كونفوشيوس إلى : ويدجيري ، المذاهب الكبرى في التاريخ. البان ج) 18( . ٨٢، ص١٩٧٢ذوقان قرقوط ، دار العلم ، بيروت ، : ترجمة

كتاب ذلك ألن هناك من يؤكد بان األساطير المتصلة بحكومة السماء لم تغيب من) 19(إذ نجد كولنجوود يؤيد كورنفورد في قوله بأن التفكير الخرافي . ثوكوديدس الخالد

كما . ٥٧فكرة التاريخ ، ص: راجع كتابه. موجود حتى في العقلية الجبارة لثوكوديدسيروفيف بأن توكوديدس لم ينج من ثأثير األساطير ، على الرغم من أنه . أ.يذكر ن



١٩

حسان اسحق ، .نشوء علم التاريخ ، ترجمة د: راجع كتابه . أكثر اتباع الشك ثباتاً

. ١٠، ص١٩٩٣األبجدية للنشر دمشق ،

نظرة في : في مقالته ) ١٨٠٤ – ١٧٢٤( يشير الفيلسوف األلماني أما نويل كنت ) 20(ترجمة الدكتور عبدالرحمن بدوي ، وضمنه في كتابه ( التاريخ العام بالمعنى العالمي

إلى ) ١ ، هامس ٢٩١، ص١٩٨١ ، وكالة المطبوعات ، الكويت ، ، النقد التاريخياعد الصفحة األولى من كتاب ) ١٧٧٦ -١٧١١( أن الفيلسوف اإلنكليزي دافيد هيوم

: (( ومما ورد في هذه الصفحة. ثوكوديوس هي البداية الوحيدة لكل تاريخ صحيح . لوبونيز واألثنيينكتب توكوديدس األثيني تاريخ الحرب التي نشبت بين سكان البي

واستهل عمله هذا فور نشوب الحرب ، التي اعتقد أنها ستحجب في األهمية كل حرب وأمتد أثره ) هيالس( وكانت هذه الحرب ، بالفعل ، أكبر انفجار أثر في ... سبقتها

حقيقة إن مضى الزمن قد جعل البحث الدقيق في الحاضر ... الى العالم غير الهليني هو الحال في بحث الماضي البعيد ، إال انه في ضوء أقدم دليل اعتبره مستحيالً كما

جديراً بالثقة، فإنني ال أتصور أنه قد وجدت في الماضي حروب أو أحداث أخرى أرنولد توينبي ، الفكر التاريخي عند اإلغريق ، )) ( بمثل هذه الدرجة من األهمية

بينما ينتقد ). ٥٢رية القاهرة، ص المص-لمعى المطبعي ، مكتبة االنجلو : ترجمة فيلسوف التاريخ األلماني أسوالد اشبنجلر ثوكوديدس بأن األخير يكشف بجالء في هذه

عندما يورد تقريراً مذهالً يقول بأنه لم تقع في (( الصفحة عن فقدانه للحس التاريخي اسوالد )) أية حادثة بارزة أو ذات أهمية خاصة ) قبل المسيح٤٠٠( العالم قبل زمنه

اشبنجلر ، تدهو الحضارة الغربية ، ترجمة ، احمد الشيباني ، دار مكتبة الحياة والريب أن اشبنجلر لم يكن على صواب في . ٥٢ -٥١بيروت ، بدون تاريخ ، ص بانه لم تقع حرب هائلة كهذه -كما هو واضح في النص-نقده ألن ثوكوديدس يؤكد

معلومات المتوفرة لديه ، راجع مناقشة ارثر الحرب التي يقوم بتسجيلها ، حسب ال Analyticl: حول هذه النقطة في كتابه ر الشبنجلوArthur C Danto. دانتو

philosophy of History , Cambridge ,P.288 , No.19



٢٠

(21) Bury ,J.B., the Ancient Greek Historians , Dover , New York ,

1958 ,pp.125 – 126.

(22) Ibid., PP.129 – 130 .

. ٨٣ويدجيري ، المذاهب الكبرى في التاريخ ، ص. البان ج) 23((24) Tholfsen , Trygve R. , Historical thinking , pp.30 – 31

، الجزء )) تاريخ الفلسفة السياسية (( ديفيد بولونن ، ثوكوديوس ، بحث في كتاب ) 25(محمود سيد احمد ، مراجعة : ، ترجمة ليوشتراوس وجوزيف كروبسي : األول ، تحرير

2، الصفحات 2005إمام عبدالفتاح إمام ، المجلس األعلى للثقافة ، القاهرة،: وتقديم ،٣٥، ٣١ .

أرنولد توينبي ، الفكر التاريخي عند اإلغريقي ، ترجمة ، لمعى المطبعي ، : يراجع أيضاًكتاب عبارة عن نصوص من ، وهذا ال١٩٦٦ المصرية ، القاهرة، -مكتبة االنجلو

. المؤرخين اليونان ، ١٨مصطفى العبادي ، نشاة الفكر التاريخي وتطوره عند اليونان ، الصفحات .د) 26(

٢٩ ، ٢٨ ، ١٩ .

(27) Thucydides , Article in (( The New Encyclopaedia Britannica))

Micropaedia , The university of chicago, chicago , 1988, Vo.11 ,

P.741.

(28) Ibid., p.741.

. ٣٢ديفيد بولوتن ، ثوكوديدس ، ص: وراجع أيضاً . ٣٣٣حياة اليونان ، ص) ٧(ول وايريل ديورانت ، قصة الحضارة ) 29(

. ٢٨مصطفى العبادي ، نشأة الفكر التاريخي وتطوره عند اليونان ، ص. د) 30(



٢١

(31) Bluhm , William T. , Thucydides, Article in (( The

Encyclopaedia of philosophy)) Macmillan and Free press, The New

York ,1972 , Vol.8 ,p123.

(32) Danto , Arther C., Analytical philosophy of History , 28 , Note

no. 20 (33) bid., p.28 , Note no.20.

(34) Ibid , p.28, Note no.20

. ١٨٢ ، الجزء الثاني ، صالعلمتاريخ جورج سارتون ، ) 35( . ٤٣١، ص) ٧(حياة اليونان : ول وايريل ديورانت ، قصة الحضارة ) 36(

)) تاريخ الفلسفة السياسية (( كرستوفر برويل ، كزينوفون ، بحث في : يراجع أيضاً . ١٤٣الجزء االول ، ص

. ٥٤أرنولد توينبى ، الفكر التاريخي عند اإلغريق ، ص) 37(

. ١٨٥ المصدر نفسه ، )38(إن صياغة الوقائع عارية هي في حد ذاتها (( ويقول بوليبيوس أيضاً في هذا السياق ،

متعة دون أن تكون فيها قيمة تثقيفية ، بينما يحيل الشرح اإلضافي للسبب من دراسة . ٢٢٨المصدر نفسه ، ص)) . التاريخ عمالً متعداً

. ١٨٦المصدر نفسه ، ص) 39(

. ١٧٣صدر نفسه ، صالم) 40(

. ٣٦مصطفى العبادي ، نشأة الفكر التاريخ وتطوره عند اليونان ،ص . د) 41(

: لقد اعتمدنا في تتبع تطور لوليبيوس الفكري على المصدر التالي ) 42(Bury ,J.B , The Ancient Greek Historians , pp. 200- 223.

محمد سليم سالم ، .طها ، ترجمة دأدوارد جيبون، اضمحالل اإلمبراطورية و سقو) 43( . ٢٣٥، ص١٩٩٧الهيئة المصرية العامة للكتاب ،

. ٣٣٥ – ٢٣٤المصدر نفسه ، ص) 44((45)Bury ,J.B , The Ancient Greek Historians , pp. 203



٢٢



ﻥﺎﻧﻮﻴﻟﺍ ﺪﻨﻋ ﺔﻴﳜﺭﺎﺘﻟﺍ ﺔﻴﺒﺒﺴﻟﺍ§لسببية...

Documents

Transcript of ﻥﺎﻧﻮﻴﻟﺍ ﺪﻨﻋ ﺔﻴﳜﺭﺎﺘﻟﺍ ﺔﻴﺒﺒﺴﻟﺍ§لسببية...