ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ...

79
ﻛﺘﺎﺏ: ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﳌﺆﻟﻒ: ﺍﻟﻐﺰﺍﱄ ﺣﺎﻣﺪ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺮﲪﻦ ﺍﷲ ﺑﺴﻢ ﻭﺍﳌﻨﺔ، ﺍﻟﻠﻄﻒ ﲟﺰﺍﻳﺎ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺳﺎﺋﺮ ﺑﲔ ﻣﻦ ﻭﺧﺼﻬﻢ ﺍﻟﺴﻨﺔ، ﻭﺃﻫﻞ ﺍﳊﻖ ﻋﺼﺎﺑﺔ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﺻﻔﻮﺓ ﻣﻦ ﺍﺟﺘﱮ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﳊﻤﺪ ﺍﻟﱵ ﲝﺠﺘﻪ ﺃﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ﻭﺃﻧﻄﻖ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻋﻦ ﺑﻪ ﻛﺸﻒ ﻣﺎ ﻫﺪﺍﻳﺘﻪ ﻧﻮﺭ ﻣﻦ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﺃﻓﺎﺽ ﺍﳌﻠﺤﺪﻳﻦ، ﺿﻼﻝ ﻗﻤﻊ ﺣﱴ ﺍﻟﻴﻘﲔ ﺑﺄﻧﻮﺍﺭ ﺃﻓﺌﺪ ﻭﻋﻤﺮ ﺍﻟﺰﺍﺋﻐﲔ، ﻧﺰﻏﺎﺕ ﻋﻦ ﺿﻤﺎﺋﺮﻫﻢ ﻭﻃﻬﺮ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﲔ، ﻭﺳﺎﻭﺱ ﻣﻦ ﺳﺮﺍﺋﺮﻫﻢ ﻭﺻﻔﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﻠﻰ ﻭﺍﻃﻠﻌﻮﺍ ﺍﳌﺮﺳﻠﲔ، ﺳﻴﺪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﷲ ﺻﻠﻰ ﳏﻤﺪ ﻭﺻﻔﻴﻪ ﻧﺒﻴﻪ ﻟﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﺰﻟﻪ ﻣﺎ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺇﱃ ﺍﻫﺘﺪﻭﺍ ﻭﻣﻮﺟ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺑﲔ ﺍﻟﺘﻠﻔﻴﻖ ﺍﳌﻌﻘﻮﻝ ﻭﺍﳊﻖ ﺍﳌﻨﻘﻮﻝ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﺑﲔ ﻣﻌﺎﻧﺪﺓ ﺃﻥ ﻭﲢﻘﻘﻮﺍ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ؛ ﺒﺎﺕ. ﻭﻋﺮﻓﻮﺍ ﺍﻟﺒﺼﺎﺋﺮ ﻭﻗﻠﺔ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺿﻌﻒ ﻣﻦ ﺇﻻ ﺑﻪ ﺃﺗﻮﺍ ﻣﺎ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﻭﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ، ﻋﻠﻰ ﺍﳉﻤﻮﺩ ﻭﺟﻮﺏ ﺍﳊﺸﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﻇﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ. ﺍﻟﺸﺮﻉ، ﻗﻮﺍﻃﻊ ﺑﻪ ﺻﺎﺩﻣﻮﺍ ﺣﱴ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺗﺼﺮﻑ ﺍﳌﻌﺘﺰﻟﺔ ﻭﻏﻼﺓ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻣﻦ ﺗﻐﻠﻐﻞ ﻣﻦ ﻭﺇﻥ ﺧﺒﺚ ﻣﻦ ﺇﻻ ﺑﻪ ﺃﺗﻮﺍ ﻣﺎ ﺍﻟﻀﻤﺎﺋﺮ. ﻭﺍﻻﺣﺘﻴﺎﻁ ﺍﳊﺰﻡ ﻋﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻭﻛﻼﳘﺎ ﺍﻻﻓﺮﺍﻁ، ﺇﱃ ﻫﺆﻻﺀ ﻭﻣﻴﻞ ﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻂ ﺇﱃ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻓﻤﻴﻞ. ﺍﶈﺘﻮﻡ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺑﻞ ﺫﻣﻴﻢ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻗﺼﺪ ﻃﺮﰲ ﻓﻜﻼ ﺍﳌﺴﺘﻘﻴﻢ؛ ﺍﻟﺼﺮﺍﻁ ﻋﻠﻰ ﻭﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﻣﻼﺯﻣﺔ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﻗﻮﺍﻋﺪ. ﻳﺴﺘﺘﺐ ﻭﺃﱏ ﺑﺘﻘﻠﻴﺪ ﻳﻘﻨﻊ ﳌﻦ ﺍﻟﺮﺷﺎﺩ ﺳﻴﺪ ﻗﻮﻝ ﺇﻻ ﻟﻠﺸﺮﻉ ﻣﺴﺘﻨﺪ ﺍﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻭ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮ، ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻣﻨﺎﻫﺞ ﻭﻳﻨﻜﺮ ﻭﺍﳋﱪ، ﺍﻷﺛﺮ ﺍﻗﺘﻔﻰ ﻣﻦ ﻟﻠﺼﻮﺍﺏ ﻳﻬﺘﺪﻱ ﻭﻛﻴﻒ ﺃﺧﱪ، ﻓﻴﻤﺎ ﺻﺪﻗﻪ ﺑﻪ ﻋﺮﻑ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺑﺮﻫﺎﻥ ﻭﺳﻠﻢ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﷲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺇﱃ ﻳﻔﺰﻉ ﻛﻴﻒ ﺷﻌﺮﻱ ﻓﻠﻴﺖ ؟ ﺍﺳﺘﺒﺼﺮ ﻭﻻ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﺳﺘﻀﺎﺀ ﻭﻣﺎ ﻭﺍﻗﺘﺼﺮ، ﺍﻟﻌﻘﻞ ﳏﺾ ﻳﻌﺘﺮﻳﻪ ﺣﻴﺚ ﻣﻦ ﻟﻌﻘﻞ ﻭﺗﻌﺜﺮ ﻭﺍﻟﺒﺘﺎﺕ ﺍﻟﻘﻄﻊ ﻋﻠﻰ ﺧﺎﺏ ﻗﺪ ﻫﻴﻬﺎﺕ ؟ ﻣﻨﺤﺼﺮ ﺿﻴﻖ ﳎﺎﻟﻪ ﻭﺃﻥ ﻗﺎﺻﺮ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻥ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻭ ؟ ﻭﺍﳊﺼﺮ ﺍﻟﻌﻲ ﺍﻟﺸﺘﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﺑﺘﺄﻟﻴﻒ ﳚﻤﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﻼﻻﺕ ﺑﺄﺫﻳﺎﻝ. ﻭﺍﻻﺫﺍﺀ ﺍﻵﻓﺎﺕ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻠﻴﻢ ﺍﻟﺒﺼﺮ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻤﺜﺎﻝ. ﺍﻟﻀﻴﺎﺀ ﺍﳌﻨﺘﺸﺮﺓ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻣﺜﺎﻝ. ﺍﻻﻫﺘﺪﺍﺀ ﻃﺎﻟﺐ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺄﻥ ﻓﺎﺧﻠﻖ. ﺍﻵﺧﺮ ﻋﻦ ﺑﺄﺣﺪﳘﺎ ﺍﺳﺘﻐﲏ ﺇﺫﺍ ﺍﳌﺴﺘﻐﲏ ﺑﻴﻨﻪ ﻓﺮﻕ ﻓﻼ ﻟﻸﺟﻔﺎﻥ، ﻣﻐﻤﻀﺎ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻟﻨﻮﺭ ﺍﳌﺘﻌﺮﺽ ﻣﺜﺎﻟﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺑﻨﻮﺭ ﻣﻜﺘﻔﻴﺎﹰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻦ ﻓﺎﳌﻌﺮﺽ ﺍﻷﻏﺒﻴﺎﺀ، ﻏﻤﺎﺭ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﻥ ﻭﺑﲔ. ﺍﳋ ﻋﻠﻰ ﻷﺣﺪﳘﺎ ﺍﻟﻌﻮﺭ ﺑﺎﻟﻌﲔ ﻭﺍﳌﻼﺣﻆ ﻧﻮﺭ، ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﻣﻊ ﻓﺎﻟﻌﻘﻞ ﻏﺮﻭﺭ ﲝﺒﻞ ﻣﺘﺪﻝ ﺼﻮﺹ. ﻳﺴﺘﺄﺛﺮ ﺃﻧﻪ ﺍﻷﺩﻟﺔ، ﺑﻘﻮﺍﻃﻊ ﲢﻘﻴﻘﻬﺎ ﺍﳌﻘﺘﺮﺡ ﺍﻟﺴﻨﺔ، ﺃﻫﻞ ﻋﻘﺎﺋﺪ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻃﻼﻉ ﺇﱃ ﺍﳌﺸﻮﻕ ﺃﻳﻬﺎ ﻟﻚ ﻭﺳﻴﺘﻀﺢ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﻫﺬﺍ ﺳﻮﻯ ﻓﺮﻳﻖ ﻭﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﺑﲔ ﻟﻠﺠﻤﻊ ﺑﺎﻟﺘﻮﻓﻴﻖ. ﻭﺍﳔﺮﺍﻃﻚ ﻵﺛﺎﺭﻫﻢ ﺇﻗﺘﻔﺎﺋﻚ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺎﱃ ﺍﷲ ﻓﺎﺷﻜﺮ ﻭﺍﺧﺘﻼ ﻭﻋﻴﺎﺭﻫﻢ ﻧﻈﺎﻣﻬﻢ ﺳﻠﻚ ﺯﻣﺮ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻳﻮﻡ ﲢﺸﺮ ﺃﻥ ﻓﻌﺴﺎﻙ ﺑﻔﺮﻗﺘﻬﻢ؛ ﻃﻚ. ﻳﺼﻔﻲ ﺃﻥ ﺗﻌﺎﱃ ﺍﷲ ﻧﺴﺄﻝ ﺑﺎﳊﻖ ﻭﻳﻨﻄﻘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ، ﺍﻟﻨﻄﻖ ﻋﻦ ﺃﻟﺴﻨﺘﻨﺎ ﳜﺮﺱ ﻭﺃﻥ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ، ﺑﻨﻮﺭ ﻭﻳﻐﻤﺮﻫﺎ ﺍﻟﻀﻼﻝ، ﻛﺪﻭﺭﺍﺕ ﻋﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭﻧﺎ ﺍﻟﺮﲪﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺍﳌﻨﺔ ﺍﻟﻔﺎﺋﺾ ﺍﻟﻜﺮﱘ ﺇﻧﻪ ﻭﺍﳊﻜﻤﺔ. ﺑﺎﺏ ﻭﺗ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ، ﺍﺳﻢ ﺑﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﻟﻨﻔﺘﺢ ﻭﺍﻷﺑﻮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻔﺼﻮﻝ ﺍﳌﻘﺪﻣﺎﺕ ﻘﺴﻴﻢ. ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﺳﻢ ﺃﻣﺎ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ. ﲡﺮﻱ ﺃﻗﻄﺎﺏ ﺃﺭﺑﻊ ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺍﳌﻘﺪﻣﺎﺕ، ﺍﻟﺘﻮﻃﺌﺔ ﳎﺮﻯ ﲡﺮﻱ ﲤﻬﻴﺪﺍﺕ ﺃﺭﺑﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺘﻤﻞ ﻓﻬﻮ ﺗﺮﺗﻴﺒﻪ ﻭﺃﻣﺎ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺍﳌﻘﺎﺻﺪ ﳎﺮﻯ. ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻟﺘﻤﻬﻴﺪ: ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﳌﻬﻤﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﺑﻴﺎﻥ.

Transcript of ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ...

Page 1: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

االعتقاد: كتاب االقتصاد يف لغزايل: املؤلف بو حامد ا أ

بسم اهللا الرمحن الرحيم

احلمد هللا الذي اجتىب من صفوة عباده عصابة احلق وأهل السنة، وخصهم من بني سائر الفرق مبزايا اللطف واملنة، قمع هبا ضالل امللحدين، وأفاض عليهم من نور هدايته ما كشف به عن حقائق الدين، وأنطق ألسنتهم حبجته اليت

وصفى سرائرهم من وساوس الشياطني، وطهر ضمائرهم عن نزغات الزائغني، وعمر أفئدهتم بأنوار اليقني حىت اهتدوا هبا إىل أسرار ما أنزله على لسان نبيه وصفيه حممد صلى اهللا عليه وسلم سيد املرسلني، واطلعوا على طريق

وعرفوا . بات العقول؛ وحتققوا أن ال معاندة بني الشرع املنقول واحلق املعقولالتلفيق بني مقتضيات الشرائع وموج. أن من ظن من احلشوية وجوب اجلمود على التقليد، واتباع الظواهر ما أتوا به إال من ضعف العقول وقلة البصائر

ما أتوا به إال من خبث وإن من تغلغل من الفالسفة وغالة املعتزلة يف تصرف العقل حىت صادموا به قواطع الشرع،بل الواجب احملتوم . فميل أولئك إىل التفريط وميل هؤالء إىل االفراط، وكالمها بعيد عن احلزم واالحتياط. الضمائر

وأىن يستتب . يف قواعد االعتقاد مالزمة االقتصاد واالعتماد على الصراط املستقيم؛ فكال طريف قصد األمور ذميماألثر واخلرب، وينكر مناهج البحث والنظر، أو ال يعلم انه ال مستند للشرع إال قول سيد الرشاد ملن يقنع بتقليد

البشر صلى اهللا عليه وسلم، وبرهان العقل هو الذي عرف به صدقه فيما أخرب، وكيف يهتدي للصواب من اقتفى لعقل من حيث يعتريه حمض العقل واقتصر، وما استضاء بنور الشرع وال استبصر ؟ فليت شعري كيف يفزع إىل ا

العي واحلصر ؟ أو ال يعلم ان العقل قاصر وأن جماله ضيق منحصر ؟ هيهات قد خاب على القطع والبتات وتعثر . فمثال العقل البصر السليم عن اآلفات واالذاء. بأذيال الضالالت من مل جيمع بتأليف الشرع والعقل هذا الشتات

املستغين إذا استغين بأحدمها عن اآلخر يف . فاخلق بأن يكون طالب االهتداء. ومثال القرآن الشمس املنتشرة الضياءغمار األغبياء، فاملعرض عن العقل مكتفيا بنور القرآن، مثاله املتعرض لنور الشمس مغمضا لألجفان، فال فرق بينه

. صوص متدل حببل غرورفالعقل مع الشرع نور على نور، واملالحظ بالعني العور ألحدمها على اخل. وبني العميانوسيتضح لك أيها املشوق إىل االطالع على قواعد عقائد أهل السنة، املقترح حتقيقها بقواطع األدلة، أنه مل يستأثر

فاشكر اهللا تعاىل على إقتفائك آلثارهم واخنراطك يف . بالتوفيق للجمع بني الشرع والتحقيق فريق سوى هذا الفريقنسأل اهللا تعاىل أن يصفي . طك بفرقتهم؛ فعساك أن حتشر يوم القيامة يف زمرهتمسلك نظامهم وعيارهم واختال

أسرارنا عن كدورات الضالل، ويغمرها بنور احلقيقة، وأن خيرس ألسنتنا عن النطق بالباطل، وينطقها باحلق . واحلكمة إنه الكرمي الفائض املنة الواسع الرمحة

باب

أما اسم الكتاب فهو االقتصاد يف . قسيم املقدمات والفصول واألبوابولنفتح الكالم ببيان اسم الكتاب، وتوأما ترتيبه فهو مشتمل على أربع متهيدات جتري جمرى التوطئة واملقدمات، وعلى أربع أقطاب جتري . االعتقاد

.جمرى املقاصد والغايات .يف بيان أن هذا العلم من املهمات يف الدين: التمهيد األول

Page 2: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

.يف بيان أنه ليس مهما جلميع املسلمني بل لطائفة منهم خمصوصني: التمهيد الثاين .يف بيان أنه من فروض الكفايات ال من فروض األعيان: التمهيد الثالث .يف تفصيل مناهج األدلة اليت أوردهتا يف هذا الكتاب: التمهيد الرابع

فإنا إذا نظرنا يف العامل مل ننظر فيه من حيث . تعاىلوأما األقطاب املقصودة فأربعة ومجلتها مقصورة على النظر يف اهللا وإن نظرنا يف النيب عليه السالم مل ننظر فيه من . أنه عامل وجسم ومساء وأرض، بل من حيث أنه صنع اهللا سبحانه

وان نظرنا يف أقواله مل ننظر من حيث أهنا . حيث أنه انسان وشريف وعامل وفاضل؛ بل من حيث أنه رسول اهللال وخماطبات وتفهيمات؛ بل من حيث أهنا تعريفات بواسطته من اهللا تعاىل، فال نظر إال يف اهللا وال مطلوب سوى أقوا

اهللا ومجيع أطراف هذا العلم حيصرها النظر يف ذات اهللا تعاىل ويف صفاته سبحانه ويف أفعاله عز وجل ويف رسول اهللا : فهي إذن أربعة أقطاب. اهللا تعاىلصلى اهللا عليه وسلم وما جاءنا على لسانه من تعريف

فنبني فيه وجوده وانه قدمي وأنه باق وأنه ليس جبوهر وال جسم وال عرض . النظر يف ذات اهللا تعاىل: القطب األولوال حمدود حبد وال هو خمصوص جبهة، وأنه مرئي كما أنه معلوم وأنه واحد؛ فهذه عشرة دعاوى نبينها يف هذا

.القطبونبني فيه أنه حي عامل قادر مريد مسيع بصري متكلم وأن له حياة وعلما وقدرة . يف صفات اهللا تعاىل :القطب الثاين

وإرادة ومسعا وبصرا وكالما، ونذكر أحكام هذه الصفات ولوازمها وما يفترق فيها وما جيتمع فيها من األحكام، .وز أن يكون شيء من الصفات حادثاوأن هذه الصفات زائدة على الذات وقدمية وقائمة بالذات وال جي

وفيه سبعة دعاوى وهو انه ال جيب على اهللا تعاىل التكليف وال اخللق وال الثواب . يف أفعال اهللا تعاىل: القطب الثالثعلى التكليف وال رعاية صالح العباد وال يستحيل منه تكليف ما ال يطاق وال جيب عليه العقاب على املعاصي وال

ويف مقدمة هذا القطب بيان معىن الواجب واحلسن . بعثه األنبياء عليهم السالم؛ بل جيوز ذلكيستحيل منه .والقبيح

يف رسل اهللا، وما جاء على لسان رسولنا حممد صلى اهللا عليه وسلم من احلشر والنشر واجلنة والنار : القطب الرابعيف إثبات نبوة حممد صلى اهللا عليه : الباب األول: والشفاعة وعذاب القرب وامليزان والصراط، وفيه أربعة أبواب

.وسلم .فيما ورد على لسانه من أمور اآلخرة: الباب الثاين .يف اإلمامة وشروطها: الباب الثالث .يف بيان القانون يف تكفري الفرق املبتدعة: الباب الرابع

التمهيد األول يف بيان أن

اخلوض يف هذا العلم مهم يف الدين

رف اهلمة إىل ما ليس مبهم، وتضييع الزمان مبا عنه بد هو غاية الضالل وهناية اخلسران سواء كان اعلم أن صوأهم األمور لكافة اخللق نيل السعادة . املنصرف إليه باهلمة من العلوم أو من األعمال، فنعوذ باهللا من علم ال ينفع

اخللق بأن هللا تعاىل على عباده حقوقا ووظائف يف األبدية واجتناب الشقاوة الدائمة، وقد ورد األنبياء وأخربواوأن من مل ينطق بالصدق لسانه ومل ينطو على احلق ضمريه ومل تتزين بالعدل جوارحه . أفعاهلم وأقواهلم وعقائدهم

Page 3: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

مث مل يقتصروا على جمرد اإلخبار بل استشهدوا على صدقهم بأمور غريبة وأفعال . فمصريه إىل النار وعاقبته للبوارعجيبة خارقة للعادات خارجة عن مقدورات البشر، فمن شاهدها أو مسع أحواهلا باألخبار املتواترة سبق إىل عقله

إمكان صدقهم، بل غلب على ظنه ذلك بأول السماع قبل أن ميعن النظر يف متييز املعجزات عن عجائب القلب وحيشوه باالستشعار واخلوف وهذا الظن البديهي أو التجويز الضروري ينزع الطمأنينة عن . الصناعات

ويهيجه للبحث واالفتكار ويسلب عنه الدعة والقرار وحيذره مغبة التساهل واإلمهال ويقرر عنده أن املوت آت ال فاحلزم ترك . حمالة وأن ما بعد املوت منطو عن أبصار اخللق وأن ما أخرب به هؤالء غري خارج عن حيز اإلمكان

فما هؤالء مع العجائب اليت أظهروها يف إمكان صدقهم قبل البحث عن . قة هذا األمرالتواين يف الكشف عن حقيحتقيق قوهلم بأقل من شخص واحد خيربنا عن خروجنا من دارنا وحمل استقرارنا بأن سبعا من السباع قد دخل الدار

حمل االمكان واجلواز مل نقدم فخذ حذرك واحترز منه لنفسك جهدك، فإنا مبجرد السماع إذا رأينا ما أخربنا عنه يف على الدخول وبالغنا يف االحتراز فاملوت هو املستقر والوطن قطعا، فكيف ال يكون االحتراز ملا بعده مهما ؟ فإذن

أهم املمات أن نبحث عن قوله الذي قضى الذهن يف بادئ الرأي وسابق النظر بامكانه أهو حمال يف نفسه على يه ؟ فمن قوله ان لكم ربا كلفكم حقوقا وهو يعاقبكم على تركها ويثيبكم على فعلها التحقيق أو هو حق ال شك ف

وإن كان فهل ميكن أن يكون . وقد بعثين رسوال إليكم ألبني ذلك لكم، فيلزمنا ال حمالة أن نعرف أن لنا ربا أم القادر على أن يعاقب ويثيب إذا حيا متكلما حىت يأمر وينهى ويكلف ويبعث الرسل، وإن كان متكلما فهل هو

فإن اتضح لنا ذلك . عصيناه أو أطعناه، وإن كان قادرا فهل هذا الشخص بعينه صادق يف قوله أنا الرسول إليكملزمنا ال حمالة، إن كنا عقالء، أن نأخذ حذرنا وننظر ألنفسنا ونستحقر هذه الدنيا املنقرضة باالضافة إىل اآلخرة

ومقصود هذا العلم إقامة الربهان على وجود الرب تعاىل وصفاته . ظر لعاقبته وال يغتر بعاجلتهالباقية فالعاقل من ين . وكل ذلك مهم ال حميص عنه لعاقل. وأفعاله وصدق الرسل كما فصلناه يف الفهرست

ضى فإن قلت اين لست منكرا هذا االنبعاث للطلب من نفسي ولكين لست أدري أنه مثرة اجلبلة والطبع وهو مقتالعقل أو هو موجب الشرع إذ للناس كالم يف مدارك الوجوب؛ فهذا امنا تعرفه يف آخر الكتاب عند تعرضنا ملدارك

فمثال امللتفت . واالشتغال به اآلن فضول بل ال سبيل بعد وقوع االنبعاث إىل االنتهاض لطلب اخلالص. الوجوبوالرجل قادر على الفرار ولكنه متوقف ليعرف ان إىل ذلك مثال رجل لدغته حية أو عقرب وهي معاودة اللدغ

احلية جاءته من جانب اليمني أو من جانب اليسار، وذلك من أفعال األغبياء اجلهال نعوذ باهللا من االشتغال .بالفضول مع تضييع املهمات واألصول

التمهيد الثاين

يف بيان اخلوض يف هذا العلم

س مبهم بل املهم هلم تركهوإن كان مهما فهو يف حق بعض اخللق ليوالطبيب املستعمل هلا إن . إعلم أن األدلة اليت حنررها يف هذا العلم جتري جمرى األدوية اليت يعاجل هبا مرض القلوب

فليعلم احملصل ملضمون هذا الكتاب . مل يكن حاذقا ثاقب العقل رصني الرأي كان ما يفسده بدوائه أكثر مما يصلحهآمنت باهللا وصدقت رسوله واعتقدت احلق وأضمرته : الفرقة األوىل: لوم أن الناس أربع فرقواملستفيد هلذه الع

واشتغلت إما بعبادة وإما بصناعة؛ فهؤالء ينبغي أن يتركوا وما هم عليه وال حترك عقائدهم باالستحثاث على تعلم

Page 4: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

اهم بأكثر من التصديق ومل يفرق بني هذا العلم، فإن صاحب الشرع صلوات اهللا عليه مل يطالب العرب يف خماطبته إيوهذا مما علم ضرورة من جماري أحواله يف تزكيته إميان من . أن يكون ذلك بإميان وعقد تقليدي أو بيقني برهاين

سبق من أجالف العرب إىل تصديقه ببحث وبرهان؛ بل مبجرد قرينة وخميلة سبقت إىل قلوهبم فقادهتا إىل اإلذعان ق فهؤالء مؤمنون حقا فال ينبغي أن تشوش عليهم عقائدهم، فإنه إذا تليت عليهم هذه للحق واالنقياد للصد

الرباهني وما عليها من االشكاالت وحلها مل يؤمن أن تعلق بأفهامهم مشكلة من املشكالت وتستويل عليها وال متحى باحثة وال بتدريس وال تصنيف، وهلذا مل ينقل عن الصحابة اخلوض يف هذا الفن ال مب. عنها مبا يذكر من طرق احلل

.بل كان شغلهم بالعبادة والدعوة إليها ومحل اخللق على مراشدهم ومصاحلهم يف أحواهلم وأعماهلم ومعاشهم فقطفاجلايف الغليظ منهم الضعيف العقل اجلامد على . طائفة مالت عن اعتقاد احلق كالكفرة واملبتدعة: الفرقة الثانية

فأكثر الكفرة أسلموا . لباطل من مبتدأ النشوء إىل كرب السن ال ينفع معه إال السوط والسيفالتقليد املمتري على اوعن هذا إذا استقرأت تواريخ . حتت ظالل السيوف إذ يفعل اهللا بالسيف والسنان ما ال يفعل بالربهان واللسان

الضالل مالوا إىل االنقياد، ومل األخبار مل تصادف ملحمة بني املسلمني والكفار إال انكشفت عن مجاعة من أهل وال تظنن أن هذا الذي ذكرناه غض من . تصادف جممع مناظرة وجمادلة انكشفت إال عن زيادة إصرار وعناد

منصب العقل وبرهانه ولكن نور العقل كرامة ال خيص اهللا هبا إال اآلحاد من أوليائه، والغالب على اخللق القصور فهؤالء تضر هبم . كون براهني العقول كما ال تدرك نور الشمس أبصار اخلفافيشواالمهال، فهم لقصورهم ال يدر

:ويف مثل هؤالء قال االمام الشافعي رمحه اهللا. العلوم كما تضر رياح الورد باجلعل ومن منع املستوجبني فقد ظلم... فمن منح اجلهال علما أضاعه

ولكن خصوا يف الفطرة بذكاء وفطنة فتنبهوا من أنفسهم طائفة اعتقدوا احلق تقليدا ومساعا: الفرقة الثالثةإلشكاالت تشككهم يف عقائدهم وزلزلت عليهم طمأنينتهم، أو قرع مسعهم شبهة من الشبهات وحاكت يف

فهؤالء جيب التلطف هبم يف معاجلتهم باعادة طمأنينتهم وإماطة شكوكهم مبا أمكن من الكالم املقنع . صدورهمو مبجرد إستبعاد وتقبيح أو تالوة آية أو رواية حديث أو نقل كالم من شخص مشهور عندهم املقبول عندهم ول

فإذا زال شكه بذلك القدر فال ينبغي أن يشافه باألدلة احملررة على مراسم اجلدال، فإن ذلك رمبا يفتح . بالفضلفعند ذلك جيوز أن . على حمك التحقيقفإن كان ذكيا فطنا مل يقنعه إال كالم يسري. عليه أبوابا أخر من اإلشكاالت

. يشافه بالدليل احلقيقي وذلك على حسب احلاجة ويف موضع االشكال على اخلصوص

طائفة من أهل الضالل يتفرس فيهم خمائل الذكاء والفطنة ويتوقع منهم قبول احلق مبا اعتراهم يف : الفرقة الرابعةفهؤالء جيب التلطف هبم يف استمالتهم إىل . التشكيك باجلبلة والفطرةعقائدهم من الريبة أو مبا يلني قلوهبم لقبول

احلق وإرشادهم إىل االعتقاد الصحيح ال يف معرض احملاجة والتعصب، فإن ذلك يزيد يف دواعي الضالل ويهيج وأكثر اجلهاالت إمنا رسخت يف قلوب العوام بتعصب مجاعة من جهال أهل احلق . بواعث التمادي واإلصرار

فثارت من بواطنهم . هروا احلق يف معرض التحري واالدالء، ونظروا إىل ضعفاء اخلصوم بعني التحقري واإلزراءأظدواعي املعاندة واملخالفة ورسخت يف نفوسهم االعتقادات الباطلة وعسر على العلماء املتلطفني حموها مع ظهور

اليت نظروا هبا يف احلال بعد السكوت عنها طول فسادها، حىت انتهى التعصب بطائفة إىل أن اعتقدوا أن احلروفولوال استيالء الشيطان بواسطة العناد والتعصب لألهواء ملا وجد مثل هذا االعتقاد مستقرا يف قلب . العمر قدمية

واجملادلة واملعاندة داء حمض ال دواء له، فليتحرز املتدين منه جهده وليترك احلقد. جمنون فضال عمن له قلب عاقلوالضغينة وينظر إىل كافة خلق اهللا بعني الرمحة، وليستعن بالرفق واللطف يف ارشاد من ضل من هذه األمة، وليتحفظ

Page 5: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

من النكد الذي حيرك داعية الضالل، وليتحقق أن مهيج داعية االصرار بالعناد والتعصب معني على االصرار على .البدعة ومطالب بعهده اعانته يف القيامة

الث يف بيانالتمهيد الث

االشتغال هبذا العلم من فروض الكفايات

فأما أنه ليس . إعلم أن التبحر يف هذا العلم واالشتغال مبجامعه ليس من فروض األعيان وهو من فروض الكفاياتإذ تبني أنه ليس جيب على كافة اخللق إال التصديق . من فروض األعيان فقد إتضح لك برهانه يف التمهيد الثاين

.وإمنا تصري إزالة الشك فرض عني يف حق من اعتراه الشك. وتطهري القلب عن الريب والشك يف اإلميان اجلزمفإن قلت فلم صار من فروض الكفايات وقد ذكرت أن أكثر الفرق يضرهم ذلك وال ينفعهم ؟ فاعلم أنه قد سبق

كان ال يقع إال يف األقل، مث الدعوة أن ازالة الشكوك يف أصول العقائد واجبة، واعتوار الشك غري مستحيل وإن مث ال يبعد أن يثور مبتدع ويتصدى إلغواء أهل احلق بإفاضة الشبهة فيهم فال بد . إىل احلق بالربهان مهمة يف الدين

وال تنفك البالد عن أمثال هذه . ممن يقاوم شبهته بالكشف ويعارض إغواءه بالتقبيح، وال ميكن ذلك إال هبذا العلمفوجب أن يكون يف كل قطر من األقطار وصقع من األصقاع قائم باحلق مشتغل هبذا العلم يقاوم دعاة الوقائع،

فلو خال عنه القطر خرج به أهل . املبتدعة ويستميل املائلني عن احلق ويصفي قلوب أهل السنة عن عوارض الشبهةالفقه أو الكالم وخال الصقع عن القائم نعم من أنس من نفسه تعلم . القطر كافة، كما لو خال عن الطبيب والفقيه

هبما ومل يتسع زمانه للجمع بينهما واستفيت يف تعيني ما يشتغل به منهما؛ أوجبنا عليه االشتغال بالفقه فإن احلاجة إليه كالم واعتوار الشكوك احملوجة إىل علم ال. أعم والوقائع فيه أكثر فال يستغين أحد يف ليله وهناره عن االستعانة بالفقه

باد باإلضافة إليه كما أنه لو خال البلد عن الطبيب والفقيه كان التشاغل بالفقه أهم؛ ألنه يشترك يف احلاجة إليه مث املريض ال يستغين عن . فأما الطب فال حيتاج إليه األصحاء، واملرضى أقل عددا باإلضافة إليهم. اجلماهري والدمهاء

فإذا . إىل الطب حلياته الفانية وإىل الفقه حلياته الباقية وشتان بني احلالتني الفقه كما ال يستغين عن الطب وحاجتهويدلك على أن الفقه أهم العلوم اشتغال الصحابة رضي اهللا . نسبت مثرة الطب إىل مثرة الفقه علمت ما بني الثمرتني

الكالم من أنه األصل والفقه وال يغرنك ما يهول به من يعظم صناعة. عنهم بالبحث عنه يف مشاورهتم ومفاوضاهتمفرع له فإهنا كلمة حق ولكنها غري نافعة يف هذا املقام، فإن األصل هو االعتقاد الصحيح والتصديق اجلزم وذلك

والطبيب أيضا قد يلبس فيقول وجودك مث وجودك مث . حاصل بالتقليد واحلاجة إىل الربهان ودقائق اجلدل نادرةولكن ال خيفى . وحياتك منوطة يب فاحلياة والصحة أوال مث االشتغال بالدين ثانيا وجود بدنك موقوف على صناعيت

. ما حتت هذا الكالم من التمويه وقد نبهنا عليه

التمهيد الرابع

يف بيان مناهج األدلة

اليت انتهجناها يف هذا الكتاب

Page 6: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

. عنا القول فيها يف كتاب معيار العلمإعلم أن مناهج األدلة متشعبة وقد أوردنا بعضها يف كتاب حمك النظر وأشبولكنا يف هذا الكتاب حنترز عن الطرق املتغلقة واملسالك الغامضة قصدا لاليضاح وميال إىل اإلجياز واجتنابا

السرب والتقسيم وهو ان حنصر األمر يف قسمني مث يبطل أحدمها : املنهج األول: ونقتصر على ثالثة مناهج. للتطويلالعامل إما حادث وإما قدمي، وحمال أن يكون قدميا فيلزم منه ال حمالة أن يكون حادثا : كقولنا. وت الثاينفيلزم منه ثب

العامل إما قدمي أو : أنه حادث وهذا الالزم هو مطلوبنا وهو علم مقصود إستفدناه من علمني آخرين أحدمها قولنا .حادث فإن احلكم هبذا االحنصار علم

.ال أن يكون قدميا فإن هذا علم آخرقولنا وحم: والثاينوكل علم مطلوب، فال ميكن أن يستفاد اال من علمني مها . هو الالزم منهما وهو املطلوب بأنه حادث: والثالث

أصالن وال كل أصلني، بل إذا وقع بينهما إزدواج على وجه خمصوص وشرط خمصوص، فإذا وقع االزدواج على طلوب، وهذا الثالث قد نسميه دعوى إذا كان لنا خصم، ونسميه مطلوبا إذا كان مل شرطه أفاد علما ثالثا وهو امل

ومهما أقر اخلصم . يكن لنا خصم، ألنه مطلب الناظر ونسميه فائدة وفرعا باالضافة إىل األصلني فإنه مستفاد منهما .باألصلني يلزمه ال حمالة االقرار بالفرع املستفاد منهما وهو صحة الدعوى

كل ما ال خيلو عن احلوادث فهو حادث وهو أصل، والعامل : أن نرتب أصلني على وجه آخر مثل قولنا: هج الثايناملنهل . ال خيلو عن احلوادث فهو أصل آخر، فيلزم منهما صحة دعوانا وهو أن العامل حادث وهو املطلوب فتأمل

.طعا أن ذلك حماليتصور أن يقر اخلصم باألصلني مث ميكنه إنكار صحة الدعوى فتعلم قأن ال نتعرض لثبوت دعوانا، بل ندعي إستحالة دعوى اخلصم بأن نبني أنه مفض إىل احملال وما : املنهج الثالث

قولنا إن صح قول اخلصم أن دورات الفلك ال هناية هلا لزم منه صحة : مثاله. يفضي إىل احملال فهو حمال ال حمالةقضى وفرغ منه، ومعلوم أن هذا الالزم حمال فيعلم منه ال حمالة أن املفضي إليه قول القائل أن ما ال هناية له قد ان

أحدمها قولنا إن كانت دورات الفلك ال هناية هلا فقد انقضى ما ال هناية له، : فههنا أصالن. حمال وهو مذهب اخلصمولكن . علم ندعيه وحنكم به -ك على القول بنفي النهاية عن دورات الفل -فإن احلكم بلزوم إنقضاء ما ال هناية له

والثاين قولنا إن هذا الالزم حمال فإنه أيضا . ال أسلم أنه يلزم ذلك: يتصور فيه من اخلصم إقرارا وإنكار بأن يقولسلمت األصل األول ولكن ال أسلم هذا الثاين وهو إستحالة إنقضاء ما ال هناية : أصل يتصور فيه إنكار بأن يقول

باألصلني كان االقرار باملعلوم الثالث الالزم منهما واجبا بالضرورة؛ وهو االقرار باستحالة مذهبه له، ولكن لو أقر .املفضي إىل هذا احملال

فهذه ثالث مناهج يف االستدالل جلية ال يتصور إنكار حصول العلم منها، والعلم احلاصل هو املطلوب واملدلول، والعلم بوجه لزوم هذا املطلوب من ازدواج األصلني علم بوجه . هو الدليلوازدواج األصلني امللتزمني هلذا العلم

داللة الدليل، وفكرك الذي هو عبارة عن إحضارك األصلني يف الذهن وطلبك التفطن لوجه لزوم العلم الثالث من يف الذهن وهذا إحضار األصلني : العلمني األصلني هو النظر؛ فإذن عليك يف درك العلم املطلوب وظيفتان؛ إحدامها

فلذلك قال . تشوقك إىل التفطن لوجه لزوم املطلوب من ازدواج األصلني وهذا يسمى طلبا: يسمى فكرا، واآلخروقال من جرد التفاته إىل الوظيفة الثانية يف حد . من جرد التفاته إىل الوظيفة األوىل حيث أراد حد النظر أنه الفكر

ل من التفت إىل األمرين مجيعا أنه الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو وقا. النظر أنه طلب علم أو غلبة ظنفهكذا ينبغي أن تفهم الدليل واملدلول ووجه الداللة وحقيقة النظر ودع عنك ما سودت به أوراق كثرية . غلبة ظن

كلمات الوجيزة من تطويالت وترديد عبارات ال تشفي غليل طالب وال تسكن هنمة متعطش ولن يعرف قدر هذه ال

Page 7: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

فإن رجعت اآلن يف طلب الصحيح إىل ما قيل يف حد . إال من انصرف خائبا عن مقصده بعد مطالعة تصانيف كثريةالنظر دل ذلك على انك ختص من هذا الكالم بطائل ولن ترجع منه إىل حاصل، فإنك إذا عرفت أنه ليس ههنا إال

: صوصا، وعلم ثالث يلزم منهما وليس عليك فيه اال وظيفتانعلمان مها أصالن يترتبان ترتبا خم: علوم ثالثةواخلرية بعد ذلك اليك يف اطالق لفظ . إحدامها إحضار العلمني يف ذهنك، والثانية التفطن لوجه العلم الثالث منهما

العلم النظر يف ان تعرب به عن الفكر الذي هو احضار العلمني، أو عن التشوف الذي هو طلب التفطن لوجه لزوم .الثالث، أو عن األمرين مجيعا، فإن العبارات مباحة واالصطالحات ال مشاحة فيها

فان قلت غرضي أن أعرف اصطالح املتكلمني وأهنم عربوا بالنظر عماذا، فاعلم أنك إذا مسعت واحدا جيد النظر . حاهتم على ثالثة أوجهبالفكر، وآخر بالطلب، وآخر بالفكر الذي هو يطلب به، مل تسترب يف اختالف اصطال

.والعجب ممن ال يتفطن هذا ويفرض الكالم يف حد النظرويستدل بصحة واحد من احلدود وليس يدري أن حظ املعىن املعقول من هذه األمور ال خالف فيه : مسألة خالفية

ر األغاليط وإذا أنت امعنت النظر واهتديت السبيل عرفت قطعا أن أكث. وأن األصطالح ال معىن للخالف فيهنشأت من ضالل من طلب املعاين من األلفاظ، ولقد كان من حقه أن يقدر املعاين أوال مث ينظر يف األلفاظ ثانيا،

.ولكن من حرم التوفيق استدبر الطريق، ونكل عن التحقيق. ويعلم أهنا اصطالحات ال تتغري هبا املعقوالتهذين األصلني إذا أقر اخلصم هبما على هذا الوجه، ولكن من إين ال استريب يف لزوم صحة الدعوى من: فإن قلت

أين جيب على اخلصم االقرار هبما ومن أين تقتضي هذه األحوال املسلمة الواجبة التسليم ؟ فاعلم أن هلا مدارك ة احلسيات، أعين املدرك باملشاهد: األول منها: شىت ولكن الذي نستعمله يف هذا الكتاب جنتهد أن ال يعد ستة

يف : فقولنا. الظاهرة والباطنة، مثاله أنا إذا قلنا مثال كل حادث فله سبب، ويف العامل حوادث فال بد هلا من سببالعامل حوادث، أصل واحد جيب اإلقرار به، فإنه يدرك باملشاهدة الظاهرة حدوث أشخاص احليوانات والنباتات

ان ختيل أهنا منتقلة، فاالنتقال حادث وحنن مل ندع إال حادثا و. والغيوم واالمطار ومن األعراض واألصوات واأللوانوكذلك يعلم باملشاهدة الباطنة حدوث اآلالم . ومل نعني أن ذلك احلادث جوهر أو عرض أو انتقال أو غريه

.واالفراح والغموم يف قلبه فال ميكنه انكارهإما حادث مقدم، وليس وراء القسمني قسم ثالث، وجب العامل أما قدمي مؤخر، و: العقل احملض، فإنا إذا قلنا: الثاين

كل ما ال يسبق احلوادث فهو حادث، والعامل ال يسبق احلوادث فهو : مثاله أن تقول. االعتراف به على كل عاقل .حادث، فأحد األصلني قولنا أن ما ال يسبق احلوادث فهو حادث

أن يكون مع احلادث أو بعده وال ميكن قسم ثالث، فإن وجيب على اخلصم اإلقرار به، ألن ما ال يسبق احلادث إماادعى قسما ثالثا كان منكرا ملا هو بديهي يف العقل، وإن انكر أن ما هو مع احلادث أو بعده ليس حبادث فهو أيضا

.منكر للبديهة

جزة فهو صادق، وقد التواتر، مثاله أنا نقول حممد صلوات اهللا وسالمه عليه صادق ألن كل من جاء باملع: الثالثقد جاءنا بالقرآن والقرآن معجزة، : جاء هو باملعجزة فهو إذا صادق، فإن قيل أنا ال نسلم أنه جاء باملعجزة فنقول

فإن سلم اخلصم أحد األصلني وهو أن القرآن معجزة، أما بالطوع أو بالدليل، وأراد إنكار . فإذا قد جاء باملعجزةء بالقرآن، وقال ال أسلم أن القرآن مما جاء به حممد صلى اهللا عليه وسلم تسليما، مل األصل الثاين وهو أنه قد جا

ميكنه ذلك ألن التواتر حيصل العلم به كما حصل لنا العلم بوجوده وبدعواه النبوة وبوجود مكة ووجود موسى .وعيسى وسائر األنبياء صلوات اهللا عليهم أمجعني

Page 8: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ياس آخر يستند بدرجة واحدة أو درجات كثرية إما إىل احلسيات أو العقليات أو أن يكون األصل مثبتا بق: الرابعمثاله أنا بعد أن نفرغ من الدليل على . املتواترات، فإن ما هو فرع األصلني ميكن أن جيعل أصال يف قياس آخر

ه سبب والعامل حادث حدوث العامل ميكننا أن جنعل حدوث العامل أصال يف نظم قياس، مثال أن نقول كل حادث فل .فإذا له سبب، فال ميكنهم انكار كون العامل حادثا بعد أن اثبتنا بالدليل حدوثه

السمعيات، مثاله انا ندعي مثال ان املعاصي مبشيئة اهللا تعاىل، ونقول كل كائن فهو مبشيئة اهللا تعاىل : اخلامسي كائنة فمعلوم وجودها باحلس، وكوهنا معصية بالشرع، وأما واملعاصي كائنة فهي إذا مبشيئة اهللا تعاىل؛ فأما قولنا ه

قولنا كل كائن مبشيئة اهللا تعاىل فإذا أنكر اخلصم ذلك منعه الشرع مهما كان مقرا بالشرع أو كان قد أثبت عليه كون السمع بالدليل فإنا نثبت هذا األصل بإمجاع األمة على صدق قول القائل ما شاء اهللا كان وما مل يشأ مل يكن في

.مانعا من االنكارفإنه وإن مل يقم لنا عليه دليل أو مل يكن حسيا . أن يكون األصل مأخوذا من معتقدات اخلصم ومسلماته: السادس

وأمثلة هذا مما تكثر فال حاجة إىل . وال عقليا، انتفعنا باختاذه إياه أصال يف قياسنا وامتنع عليه اإلنكار اهلادم ملذهبهفهل من فرق بني هذه املدارك يف االنتفاع هبا يف املقاييس النظرية ؟ فاعلم أهنا متفاوتة يف عموم : فإن قلت .تعيينه

الفائدة، فإن املدارك العقلية واحلسية عامة مع كافة اخللق إال من ال عقل له وال حس له وكان األصل معلوما ل مع األكمه فإنه ال ينفع، واألكمه إذا كان هو الناظر مل فاحلس الذي فقده كاألصل املعلوم حباسة البصر إذا استعموأما املتواتر فإنه نافع ولكن يف حق من تواتر إليه، فأما . ميكنه أن يتخذ ذلك أصال، وكذلك املسموع يف حق األصم

ر أن نبينا وسيدنا من مل يتواتر إليه ممن وصل إلينا يف احلال من مان بعيد مل تبلغه الدعوة فأردنا أن نبني له بالتواتحممدا صلى اهللا عليه وسلم تسليما وعلى آله وصحبه حتدى بالقرآن، مل يقدر عليه ما مل ميهله مدة من يتواتر عنده، ورب شيء يتواتر عند قوم دون قوم، فقول الشافعي رمحه اهللا تعاىل يف مسألة قتل املسلم بالذمي متواتر عند الفقهاء

املقلدين وكم من مذهب له يف أحاد املسائل مل يتواتر عند أكثر الفقهاء وأما األصل من أصحابه دون العوام من .املستفاد من قياس آخر فال ينفع إال مع من قدر معه ذلك القياس

وأما السمعيات فال تنفع إال . وأما مسلمات املذاهب فال تنفع الناظر وإمنا تنفع املناظر مع من يعتقد ذلك املذهبمع عنه، فهذه مدارك علوم هذه األصول املفيدة بترتيبها ونظمها العلم باألمور اجملهولة املطلوبة وقد من يثبت الس

.فرغنا من التمهيدات فلنشتغل باألقطاب اليت هي مقاصد الكتاب

القطب األول

يف النظر يف ذات اهللا تعاىل

وفيه عشر دعاوى

ل كل حادث فلحدوثه سبب، والعامل حادث فيلزم منه إن له وجوده تعاىل وتقدس، برهانه أنا نقو: الدعوى األوىلونعين بكل موجود سوى اهللا تعاىل األجسام كلها وأعراضها، وشرح . سببا، ونعين بالعامل كل موجود سوى اهللا تعاىل

ن مل ذلك بالتفصيل أنا ال نشك يف أصل الوجود، مث نعلم أن كل موجود اما متحيزا أو غري متحيز، وأن كل متحيز إيكن فيه ائتالف فنسميه جوهرا فردا، وإن ائتلف إىل غريه مسيناه جسما، وإن غري املتحيز أما أن يستدعي وجوده

جسما يقوم به ونسميه األعراض، أو ال يستدعيه وهو اهللا سبحانه وتعاىل، فأما ثبوت األجسام وأعراضها، فمعلوم

Page 9: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ض وإن طال فيها صياحه وأخذ يلتمس منك دليال عليه، فإن شغبه باملشاهدة، وال يلتفت إىل من ينازع يف األعراونزاعه والتماسه وصياحه، وإن مل يكن موجودا فكيف نشتغل باجلواب عنه واإلصغاء إليه، وإن كان موجودا فهو

العرض ال حمالة غري جسم املنازع إذ كان جسما موجودا من قبل، ومل يكن التنازع موجودا فقد عرفت أن اجلسم وفإما موجود ليس جبسم وال جوهر متحيز وال عرض فيه فال يدرك باحلس وحنن ندعي وجوده . مدركان باملشاهدة

فقد . وندعي أن العامل موجود به، وبقدرته، وهذا يدرك بالدليل ال باحلس، والدليل ما ذكرناه، فلنرجع إىل حتقيقهأي األصلني تنازع ؟ فإن قال إمنا أنازع يف قولك إن كل يف : مجعنا فيه أصلني فلعل اخلصم ينكرمها، فنقول لهإن هذا األصل جيب االقرار به، فإنه أويل ضروري يف العقل، ومن : حادث فله سبب فمن أين عرفت هذا، فنقول

يتوقف فيه فإمنا يتوقف ألنه رمبا ال ينكشف له ما نريده بلفظ احلادث، ولفظ السبب، وإذا فهمهما صدق عقله بأن لكل حادث سببا، فانا نعين باحلادث ما كان معدوما مث صار موجودا فنقول وجوده قبل أن وجد بالضرورة

كان حماال أو ممكنا، وباطل أن يكون حماال ألن احملال ال يوجد قط، وإن كان ممكنا فلسنا نعين باملمكن إال ما جيوز أن س جيب وجوده لذاته إذ لو وجد وجوده لذاته لكان واجبا ال يوجد وجيوز أن ال يوجد ولكن مل يكن موجودا ألنه لي

فإذا كان استمرار عدمه من . ممكنا، بل قد افتقر وجوده إىل مرجح لوجوده على العدم حىت يتبدل العدم بالوجود: حيث أنه ال مرجح للوجود على العدم، فمن مل يوجد املرجح ال يوجد الوجود، وحنن ال نريد بالسبب إال املرجح

واحلاصل أن املعدوم املستمر العدم ال يتبدل عدمه بالوجود ما مل يتحقق أمر من األمور يرجح جانب الوجود على فهذا بيان اثبات هذا . استمرار العدم، وهذا إذا حصل يف الذهن معىن لفظه كان العقل مضطرا إىل التصديق به

.دليل عليهاألصل وهو على التحقيق شرح للفظ احلادث والسبب القامة إن هذا األصل ليس بأويل : فإن قيل مل تنكرون على من ينازع يف األصل الثاين، وهو قولكم أن العامل حادث، فنقول

يف العقل، بل نثبته بربهان منظوم من أصلني آخرين هو أنا نقول إذ قلنا أن العامل حادث أردنا بالعامل اآلن، األجسام خيلو عن احلوادث وكل ما ال خيلو عن احلوادث فهو حادث، فيلزم منه أن كل واجلواهر فقط، فنقول كل جسم فال

جسم فهو حادث ففي أي األصلني النزاع ؟

ألنه ال خيلو عن احلركة والسكون ومها : فإن قيل مل قيل أن كل جسم أو متحيز فال خيلو عن احلوادث ؟ قلناالوجود وال احلدوث، قلنا هذا سؤال قد طال اجلواب ادعيتم وجودمها مث حدوثهما، فال نسلم : حادثان، فإن قيل

عنه يف تصانيف الكالم، وليس يستحق هذا التطويل فإنه ال يصدر قط من مسترشد إذ ال يستريب عاقل قط يف وكذلك إذا نظرنا . ثبوت األعراض يف ذاته من اآلالم واألسقام واجلوع والعطش وسائر األحوال، وال يف حدوثها

مل مل نسترب يف تبدل األحوال عليها، وإن تلك التبديالت حادثة، وإن صدر من خصم معاند فال إىل أجسام العامعىن لالشتغال به، وإن فرض فيه خصم معتقد ملا نقوله فهو فرض حمال إن كان اخلصم عاقال، بل اخلصم يف حدوث

ركة على الدوام، وآحاد حركاهتا العامل الفالسفة وهم مصرحون بأن أجسام العامل تنقسم إىل السموات، وهي متححادثة ولكنها دائمة متالحقة على االتصال أزال وأبدا وإىل العناصر األربعة اليت حيويها مقعر فلك القمر، وهي

مشتركة يف مادة حاملة لصورها وأعراضها وتلك املادة قدمية والصور واألعراض حادثة متعاقبة عليها أزال وأبدا احلرارة هواء، واهلواء يستحيل باحلرارة نارا، وهكذا بقية العناصر، وإهنا متتزج امتزاجات حادثة وإن املاء ينقلب ب

فتتكون منهما املعادن والنبات واحليوان، فال تنفك العناصر عن هذه الصور احلادثة وال تنفك السموات عن ادث فهو حادث، فال معىن لإلطناب يف هذا احلركات احلادثة أبدا، وإمنا ينازعون يف قولنا أن ما ال خيلو عن احلو

أما احلركة . اجلوهر بالضرورة ال خيلو عن احلركة والسكون، ومها حادثان: األصل، ولكنا إلقامة الرسم نقول

Page 10: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

فحدوثها حمسوس وإن فرض جوهر ساكن كاألرض، ففرض حركته ليس مبحال بل نعلم جوازه بالضرورة، وإذا ن معدما للسكون، فيكون السكون أيضا قبله حادثا ألن القدمي ال ينعدم كما وقع ذلك اجلائز كان حادثا وكا

إنا : سنذكره يف إقامة الدليل على بقاء اهللا تعاىل، وإن أردنا سياق دليل على وجود احلركة زائدة على اجلسم، قلناهر بدليل أنا إذا قلنا هذا اجلوهر إذا قلنا هذا اجلوهر متحرك أثبتنا شيئا سوى اجلوهر متحرك أثبتنا شيئا سوى اجلو

ليس مبتحرك، صدق قولنا وإن كان اجلوهر باقيا ساكنا، فلو كان املفهوم من احلركة عني اجلوهر لكان نفيها نفي فتكلف الدليل على الواضحات يزيدها . وهكذا يطرد الدليل يف إثبات السكون ونفيه، وعلى اجلملة. عني اجلوهر

.وحاغموضا وال يفيدها وضلو كنا نشتغل يف هذا الكتاب بالفضول اخلارج : فبم عرفتم أهنا حادثة فلعلها كانت كامنة فظهرت، قلنا: فإن قيل

عن املقصود ألبطلنا القول بالكمون والظهور يف األعراض رأسا، ولكن ما ال يبطل مقصودنا فال نشتغل به، بل .ها، ومها حادثان فقد ثبت أنه ال خيلو عن احلوادثاجلوهر ال خيلو عن كمون احلركة فيه أو ظهور: نقول

قد ذكر يف إبطال : فلعلها انتقلت إليه من موضع آخر، فبم يعرف بطالن القول، بانتقال األعراض ؟ قلنا: فإن قيلذلك أدلة ضعيفة ال نطول الكتاب بنقلها ونقضها، ولكن الصحيح يف الكشف عن بطالنه أن نبني أن جتويز ذلك ال

له عقل من مل يذهل عن فهم حقيقة العرض وحقيقة االنتقال، ومن فهم حقيقة العرض حتقق استحالة االنتقال يتسع وبيانه أن االنتقال عبارة أخذت من انتقال اجلوهر من حيز إىل حيز، وذلك يثبت يف العقل بأن فهم اجلوهر . فيه

مث علم أن العرض ال بد له من حمل كما ال بد وفهم احليز وفهم اختصاص اجلوهر باحليز زائد على ذات اجلوهر، للجوهر من حيز، فتتخيل أن إضافة العرض إىل احملل كإضافة اجلوهر إىل احليز فيسبق منه إىل الوهم إمكان االنتقال عنه، كما يف اجلوهر، ولو كانت هذه املقايسة صحيحة لكان اختصاص العرض باحملل كونا زائدا على ذات العرض

ما كان اختصاص اجلوهر باحليز كونا زائدا على ذات اجلوهر واحليز، ولصار يقوم بالعرض عرض، مث يفتقر واحملل كقيام العرض بالعرض إىل إختصاص آخر يزيد على القائم واملقوم به، وهكذا يتسلل ويؤدي إىل أن ال يوجد عرض

فرق بني اختصاص العرض باحملل وبني واحد ما مل توجد أعراض ال هناية هلا، فلنبحث عن السبب الذي ألجلهاختصاص اجلوهر باحليز يف كون أحد االختصاصيني زائدا على ذات املختص ودون اآلخر، فمنه يتبني الغلط يف

.توهم االنتقال

إذ رب الزم ذايت : والسر فيه، أن احملل وإن كان الزما للعرض كما أن احليز الزم للجوهر، ولكن بني الالزمني فرقيء، ورب الزم ليس بذايت للشيء، وأعين بالذايت ما جيب ببطالنه بطالن الشيء، فإن بطل الوجود بطل به للش

وجود الشيء، وإن بطل يف العقل بطل وجود العلم به يف العقل، واحليز ليس ذاتيا للجوهر فإنا نعلم اجلسم وهوم ونتوصل إىل حتقيق ذلك بدليل وندرك واجلوهر أوال مث ننظر بعد ذلك يف احليز، أهو أمر ثابت أم هو أمر م

فلذلك مل يكن احليز املعني مثال جلسم زيد ذاتيا لزيد، ومل يلزم من فقد . اجلسم باحلس يف املشاهدة من غري دليلذلك احليز وتبدله بطالن جسم زيد، وليس كذلك طول زيد مثال ألنه عرض يف زيد ال نعقله يف نفسه دون زيد بل

الطويل، فطول زيد يعلم تابعا لوجود زيد ويلزم من تقدير عدم زيد بطالن طول زيد، فليس لطول زيد نعقل زيدا فاختصاصه بزيد ذايت له، أي هو لذاته ال ملعىن زائد عليه هو اختصاص، فإن . قوام يف الوجود ويف العقل دون زيد

إذ ليس اختصاصه بزيد زائدا على ذاته، بطل ذلك االختصاص بطلت ذاته واالنتقال يبطل االختصاص فتبطل ذاته،أعين ذات العرض، خبالف اختصاص اجلوهر باحليز فإنه زائد عليه فليس يف بطالنه، باالنتقال ما يبطل ذاته، ورجع الكالم إىل أن االنتقال يبطل االختصاص باحملل، فإن كان االختصاص زائدا على الذات مل تبطل به الذات، وإن مل

Page 11: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ئدا بطلت ببطالنه الذات، فقد انكشف هذا وآل النظر إىل أن اختصاص العرض مبحله مل يكن زائدا يكن معىن زاعلى ذات العرض كاختصاص اجلوهر حبيزه، وأما العرض فإنه عقل باجلوهر ال بنفسه فذات العرض وكونه للجوهر

نا عدم ذاته، وإمنا فرضنا الكالم يف فإذا قدرنا مفارقته لذلك اجلوهر املعني فقد قدر. املعني وليس له ذات سواهالطول لتفهيم املقصود فإنه وإن مل يكن عرضا ولكنه، عبارة عن كثرة األجسام يف جهة واحدة، ولكنه مقرب

وهذا التوفيق والتحقيق وإن مل يكن الئقا هبذا اإلجياز ولكن . لغرضنا إىل الفهم، فإذا فهم فلننقل البيان إىل األعراضفقد فرغنا من إثبات أحد األصلني، وهو أن العامل ال خيلو عن . ن ما ذكر فيه غري مقنع وال شافافتقر إليه أل

احلوادث، فإنه ال خيلو عن احلركة والسكون ومها حادثات وليسا مبنتقلني، مع أن اإلطناب ليس يف مقابلة خصم فقد : املنكرون حلدوث العامل، فإن قيل معتقد، إذ أمجع الفالسفة على أن أجسام العامل ال ختلو عن احلوادث، وهم

ألن العامل لو كان قدميا : بقي األصل الثاين وهو قولكم إن ما ال خيلو عن احلوادث فهو حادث فما الدليل عليه ؟ قلنامع أنه ال خيلو عن احلوادث، لثبتت حوادث ال أول هلا وللزم أن تكون دورات الفلك غري متناهية االعداد، وذلك

أن ذلك لو ثبت لكان -األول : ن كل ما يفضي إىل احملال فهو حمال، وحنن نبني أنه يلزم عيه ثالثة حماالتحمال ألقد انقضى ما ال هناية له، ووقع الفراغ منه وانتهى، وال فرق بني قولنا انقضى وال بني قولنا انتهى وال بني قولنا

ال البني أن يتناهى ما ال يتناهى وأن ينتهي وينقضي ما ال تناهى، فيلزم أن يقال قد تناهى ما ال يتناهى، ومن احمل .يتناهى. أن دورات الفلك إن مل تكن متناهية فهي إما شفع وإما وتر، وإما ال شفع وال وتر، وإما شفع ووتر معا -الثاين

، فإن الشفع هو وهذه األقسام األربعة حمال؛ فاملفضي إليها حمال إذ يستحيل عدد ال شفع وال وتر، أو شفع ووترالذي ينقسم إىل متساويني كالعشرة مثال، والوتر هو أحد الذي ال ينقسم إىل متساويني كالتسعة، وكل عدد مركب

من آحاد إما أن ينقسم مبتساويني، أو ال ينقسم مبتساويني، وأما أن يتصف باالنقسام وعدم االنقسام، أو ينفك فعا ألن الشفع إمنا ال يكون وترا ألنه يعوزه واحد، فإذا انضاف إليه عنهما مجيعا فهو حمال، وباطل أن يكون ش

ألن الوتر يصري شفعا بواحد، فيبقى . واحد صار وترا، فكيف أعوز الذي ال يتناهى واحد ؟ وحمال أن يكون وترا وترا ألنه يعوزه ذلك الواحد، فكيف أعوز الذي ال يتناهى واحد ؟

يكون عددان، كل واحد منهما ال يتناهى، مث أن أحدمها أقل من اآلخر، وحمال أن يكون أنه يلزم عليه أن -الثالث ما ال يتناهى أقل مما ال يتناهى ألن األقل هو الذي يعوزه شيء لو أضيف إليه لصار متساويا، وما ال يتناهى كيف

يف كل سنة دورة واحدة، يعوزه شيء ؟ وبيانه أن زحل عندهم يدور يف كل ثالثني سنة دورة واحدة، والشمسفيكون عدد دورات زحل مثل ثلث عشر دورات الشمس، إذ الشمس تدور يف ثالثني سنة ثالثني دورة، وزحل

مث دورات زحل ال هناية هلا وهي أقل من دورات الشمس، إذ . يدور دورة واحدة، والواحد من الثالثني ثلث عشرالقمر يدور يف السنة اثنيت عشرة مرة، فيكون عدد دورات يعلم ضرورة أن ثلث عشر الشيء أقل من الشيء، و

فإن . الشمس مثال نصف سدس دورات القمر، وكل واحد ال هناية له وبعضه أقل من بعض، فذلك من احملال البنيىل مقدورات الباري تعاىل عندكم ال هناية هلا وكذا معلوماته، واملعلومات أكثر من املقدورات إذ ذات القدمي تعا: قيل

إذا قلنا ال هناية : قلنا حنن. وصفاته معلومة له وكذا املوجود املستمر الوجود، وليس شيء من ذلك مقدوراملقدوراته، مل نرد به ما نريد بقولنا ال هناية ملعلوماته بل نريد به أن هللا تعاىل صفة يعرب عنها بالقدرة، يتأتى هبا االجياد،

.وهذا الثاين ال ينعدم قطإثبات أشياء فضال من أن توصف بأهنا متناهية أو غري متناهية، وإمنا يقع -هذا الثأين ال ينعدم -قولنا وليس حتت

Page 12: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

هذا الغلط ملن ينظر يف املعاين من األلفاظ فريى توازن لفظ املعلومات واملقدورات من حيث التصريف يف اللغة، مث حتت قولنا املعلومات ال هناية هلا أيضا سر خيالف السابق . هيهات ال مناسبة بينهما البتة. فيظن أن املراد هبما واحد

منه إىل الفهم، إذ السابق منه إىل الفهم إثبات أشياء تسمى معلومات ال هناية هلا، وهو حمال، بل األشياء هي .املوجودات، وهي متناهية، ولكن بيان ذلك يستدعي تطويال

اية عن املقدورات، فالنظر يف الطرف الثاين وهو املعلومات مستغىن وقد اندفع اإلشكال بالكشف عن معىن نفي النهعنه يف دفع االلزام، فقد بانت صحة هذا األصل باملنهج الثالث من مناهج األدلة املذكورة يف التمهيد الرابع من

ادث فله الكتاب وعند هذا يعلم وجود الصانع إذ بان القياس الذي ذكرناه، وهو قولنا أن العامل حادث وكل حفقد ثبتت هذه الدعوى هبذا املنهج، ولكن بعد مل يظهر لنا إال موجود السبب، فأما كونه . سبب فالعامل له سبب

.حادثا أو قدميا وصفا له فلم يظهر بعد فلنشتغل بهخر، وكذلك ندعي أن السبب الذي أثبتناه لوجود العامل قدمي فإنه لو كان حادثا الفتقر إىل سبب آ: الدعوى الثانية

السبب اآلخر ويتسلسل إما إىل غري هناية وهو حمال، وإما أن ينتهي إىل قدمي ال حمالة يقف عنده وهو الذي نطلبه وال بد من االعتراف به بالضرورة وال نعين بقولنا قدمي إال أن وجوده غري مسبوق بعدم، فليس . ونسميه صانع العامل

فال تظنن أن القدم معىن زائد على ذات القدمي، فيلزمك أن . عدم سابقحتت لفظ القدمي إال إثبات موجود ونفي .تقول ذلك املعىن أيضا قدمي بقدم زائد عليه، ويتسلسل القوم إىل غري هناية

. ندعي أن صانع العامل مع كونه موجودا مل يزل فهو باق ال يزال ألن ما ثبت قدمه استحال عدمه: الدعوى الثالثةوقد ذكرنا ان كل . نه لو العدم الفتقر عدمه إىل سبب فإنه طارئ بعد استمرار الوجود يف القدموإمنا قلنا ذلك أل

طارئ فال بد له من سبب من حيث انه طارئ ال من حيث أنه موجود، وكما افتقر تبدل العدم بالوجود إىل مرجح وجود، وذلك املرجح إما فاعل للوجود على العدم، فكذلك يفتقر تبدل الوجود بالعدم إىل مرجح للعدم على ال

وحمال أن حيال على القدرة؛ إذ لوجود شيء ثابت جيوز أن . بعدم القدرة، أو ضد انقطاع شرط من شروط الوجوديصدر عن القدرة، فيكون القادر باستعماله فعل شيئا والعدم ليس بشيء، فيستحيل أن يكون فعال واقعا بأثر

.ل فعل شيئا ؟ فإن قيل نعم، كان حماال، ألن النفي ليس بشيءفاعل العدم ه: فإنا نقول. القدرةوإن قال املعتزيل أن املعدوم شيء وذات، فليس ذلك الذات من أثر القدرة، فال يتصف أن يقول الفعل الواقع .عل شيئابالقدرة فعل ذلك الذات فإهنا أزلية، وإمنا فعله نفي وجود الذات، ونفي وجود الذات ليس شيئا، فاذا ما ف .وإذا صدق قولنا ما فعل شيئا صدق قولنا أنه مل يستعمل القدرة يف أثر البتة، فبقي كما كان ومل يفعل شيئا

وباطل أن يقال أنه يعدمه ضده ألن الضد إن فرض حادثا اندفع وجوده مبضادة القدمي، وكان ذلك أوىل من أن .ينقطع به وجود القدمي

كان موجودا معه يف القدم ومل يعدمه وقد أعدمه اآلن، وباطل أن يقال انعدم النعدام وحمال أن يكون له ضد قدميشرط وجوده، فإن الشرط إن كان حادثا استحال أن يكون وجود القدمي مشروطا حبادث، وإن كان قدميا فالكالم

.يف استحالة عدم الشرط كالكالم يف استحالة عدم املشروط فال يتصور عدمهأما األعراض فبأنفسها، ونعين بقولنا بأنفسها أن ذواهتا ال : فبما إذا تفىن عندكم اجلواهر واألعراض ؟ قلنافإن قيل

ويفهم املذهب فيه بأن يفرض يف احلركة، فإن األكوان املتعاقبة يف أحيان متواصلة ال توصف بأهنا . يتصور هلا بقاءنعدام، فإهنا إن فرض بقاؤها كانت سكونا ال حركة، وال حركات إال بتالحقها على سبيل دوام التجدد ودوام اال .وهذا يفهم يف احلركة بغري برهان. تعقل ذات احلركة ما مل يعقل معها العدم عقيب الوجود

Page 13: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

وأما األلوان وسائر األعراض، فإمنا تفهم مبا ذكرناه من أنه لو بقي الستحال عدمه بالقدرة وبالضد كما سبق يف العدم حمال يف حق اهللا تعاىل فإنا بينا قدمه أوال واستمرار وجوده فيما مل يزل، فلم يكن من القدمي، ومثل هذا

وأما . ضرورة وجوده حقيقة فناؤه عقيبه، كما كان من ضرورة وجود احلركة حقيقة أن تفىن عقيب الوجود .بقاؤها اجلواهر فانعدامها بان ال ختلق فيها احلركة والسكون فينقطع شرط وجودها فال يعقل

ندعي أن صانع العامل ليس جبوهر متحيز ألنه قد ثبت قدمه، ولو كان متحيزا لكان ال خيلو عن : الدعوى الرابعة .احلركة يف حيزه أو السكون فيه، وما ال خيلو عن احلوادث، فهو حادث كما سبق

ندنا ال يوجب االمتناع من اطالق مب تنكرون على من يسميه جوهرا، وال يعتقده متحيزا ؟ قلنا العقل ع: فإن قيلأما حق اللغة فذلك إذا ادعى أنه موافق لوضع اللسان . األلفاظ وإمنا مينع عنه إما حلق اللغة وإما حلق الشرع

فيبحث عنه، فإن ادعى واضعه له أنه امسه على احلقيقة، أي واضع اللغة وضعه له، فهو كاذب على اللسان وإن املعىن الذي به شارك املستعار منه، فإن صلح لالستعارة مل ينكر عليه حبق اللغة وإن مل زعم أنه استعاره نظرا إىل

يصلح قيل له أخطأت على اللغة وال يستعظم ذلك إال بقدر استعظام صنيع من يبعد يف االستعارة، والنظر يف ذلك .ال يليق مبباحث العقول

طلبه على الفقهاء إذ ال فرق بني البحث عن جواز وأما حق الشرع وجواز ذلك وحترميه، فهو حبث فقهي جيبال يطلق : أحدمها، أن يقال: وفيه رأيان. اطالق األلفاظ من غري إرادة معىن فاسد وبني البحث عن جواز األفعال

هني وأما أن يقال ال حيرم إال بالنهي وهذا مل يرد فيه . اسم يف حق اهللا تعاىل إال باالذن، وهذا مل يرد فيه إذن فيحرموإن مل يوهم خطأ حيكم . فإن كان يوهم خطأ فيجب االحتراز منه ألن إيهام اخلطأ يف صفات اهللا تعاىل حرام: فينظر

مث االيهام خيتلف باللغات وعادات االستعمال فرب لفظ يوهم عند قوم وال يوهم . بتحرميه، فكال الطريقني حمتمل .عند غريهم

ليس جبسم، ألن كل جسم فهو متألف من جوهرين متحيزين، وإذا استحال ندعي أن صانع العامل: الدعوى اخلامسة .أن يكون جوهرا استحال أن يكون جسما، وحنن ال نعين باجلسم إال هذا

فإن مساه جسما ومل يرد هذا املعىن كانت املضايقة معه حبق اللغة أو حبق الشرع ال حبق العقل فإن العقل ال حيكم يف احلروف واألصوات اليت هي اصطالحات، وألنه لو كان جسما لكان مقدارا مبقدار خمصوص اطالق األلفاظ ونظم

وجيوز أن يكون أصغر منه أو أكرب، وال يترجح أحد اجلائزين عن اآلخر إال مبخصص ومرجح، كما سبق، فيفتقر إىل .قاخمصص يتصرف فيه فيقدره مبقدار خمصوص، فيكون مصنوعا ال صانعا وخملوقا ال خال

ندعي أن صانع العامل ليس بعرض، ألنا نعين بالعرض ما يستدعي وجوده ذاتا تقوم به، وذلك : الدعوى السادسةالذات جسم أو جوهر، ومهما كان اجلسم واجب احلدوث كان احلال فيه أيضا حادثا ال حمالة، إذ يبطل انتقال

ن عرضا، وإن فهم من العرض ما هو صفة لشيء من غري األعراض، وقد بينا أن صانع العامل قدمي فال ميكن أن يكوأن يكون ذلك الشيء متحيزا، فنحن ال ننكر وجود هذا فانا نستدل على صفات اهللا تعاىل نعم يرجع النزاع إىل

.إطالق اسم الصانع والفاعل، فإن إطالقه على الذات املوصوفة بالصفات أوىل من إطالقه على الصفات

ليس بصفة، عنينا به أن الصنع مضاف إىل الذات اليت تقوم هبا الصفات ال إىل الصفات، كما أنا إذا فإذا قلنا الصانع قلنا النجار ليس بعرض وال صفة، عنينا به أن صنعة النجارة غري مضافة إىل الصفات بل إىل الذات الواجب وصفها

أراد املنازع بالعرض أمرا غري احلال يف فكذا القول يف صانع العامل، وإن. جبملة من الصفات حىت يكون صانعا .اجلسم وغري الصفة القائمة بالذات كان احلق يف منعه للغة أو الشرع ال للعقل

Page 14: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ندعي أنه ليس يف جهة خمصوصة من اجلهات الست، ومن عرف معىن لفظ اجلهة ومعىن لفظ : الدعوى السابعةاألعراض، إذ احليز معقول وهو الذي خيتص اجلوهر به، االختصاص فهم قطعا استحالة اجلهات على غري اجلواهر و .ولكن احليز إمنا يصري جهة إذا أضيف إىل شيء آخر متحيز

. فمعىن كون الشيء فوقنا هو أنه يف حيز يلي جانب الرأس. فاجلهات ست فوق وأسفل وقدام وخلف وميني ومشالهات؛ فكل ما قيل قيه أنه يف جهة فقد قيل أنه يف حيز وكذا سائر اجل. ومعىن كونه حتتا أنه يف حيز يلي جانب الرجل

.مع زيادة إضافةأنه خيتص به حبيث مينع مثله من أن يوجد حبيث هو، وهذا هو اجلوهر، : وقولنا الشيء يف حيز، يعقل بوجهني أحدمها

كون العرض يف جهة واآلخر أن يكون حاال يف اجلوهر فإنه قد يقال إنه جبهة، ولكن بطريق البتيعة للجوهر، فليس ككون اجلوهر، بل اجلهة للجوهر أوىل، وللعرض بطريق التبعية للجوهر، فهذان وجهان معقوالن يف االختصاص

.فإن أراد اخلصم أحدمها دل على بطالنه ما دل على بطالن كونه جوهرا أو عرضا. باجلهةمل ينفك عن معىن غري مفهوم للغة والشرع ال وإن أراد أمرا غري هذا فهو غري مفهوم فيكون احلق يف إطالق لفظه

أما لفظك فإمنا ننكره من حيث : العقل، فإن قال اخلصم إمنا أريد بكونه جبهة معىن سوى هذا فلم ننكره، ونقول لهوأما مرادك منه فلست . أنه يوهم املفهوم الظاهر منه وهو ما يعقل اجلوهر والعرض وذلك كذب على اهللا تعاىل

وعساك تريد به علمه وقدرته وأنا ال أنكر كونه جبهة على معىن أنه عامل وقادر، ! ما ال أفهمه كيف أنكرهأنكره فإن فإنك إذا فتحت هذا الباب، وهو أن تريد باللفظ غري ما وضع اللفظ له ويدل عليه يف التفاهم مل يكن ملا تريد به

على احلدوث، فإن كان ما يدل على احلدوث فهو يف حصر فال أنكره ما مل تعرب عن مرادك مبا أفهمه من أمر يدل ذاته حمال ويدل أيضا على بطالن القول باجلهة، ألن ذلك يطرق اجلواز إليه وحيوجه إىل خمصص خيصصه بأحد

أن اجلهة اليت ختتص به ال ختتص به لذاته، فإن سائر اجلهات متساوية : وجوه اجلواز وذلك من وجهني، أحدمهاقابل للجهة، فاختصاصه ببعض اجلهات املعينة ليس بواجب لذاته بل هو جائز فيحتاج إىل خمصص باالضافة إىل امل

خيصصه، ويكون االختصاص فيه معىن زائدا على ذاته وما يتطرق اجلواز إليه استحال قدمه بل القدمي عبارة عما هو قلنا أي إمنا صارت اجلهة جهة فإن قيل اختص جبهة فوق ألنه أشرف اجلهات،. واجب الوجود من مجيع اجلهات

إذ مها مشتقان من . فقيل خلق العامل مل يكن فوق وال حتت أصال. فوق خبلقه العامل يف هذا احليز الذي خلقه فيه .الرأس والرجل ومل يكن إذ ذاك حيوان فتسمى اجلهة اليت تلي رأسه فوق واملقابل له حتت

جلسم العامل، وكل حماذ فإما أصغر منه وإما أكرب وإما مساو، وكل ذلك والوجه الثاين أنه لو كان جبهة لكان حماذيا .يوجب التقدير مبقدار، وذلك املقدار جيوز يف العقل أن يفرض أصغر منه أو أكرب فيحتاج إىل مقدار وخمصص

بل العرض ليس يف جهة بنفسه،: لو كان االختصاص باجلهة يوجب التقدير لكان العرض مقدرا، قلنا: فإن قيلفإنا نعلم أنه ال توجد عشرة أعراض إال يف عشرة جواهر، وال . بتبعيته للجوهر فال جرم هو أيضا مقدر بالتبعية

يتصور أن يكون يف عشرين، فتقدير األعراض عشرة الزم بطريق التبعية لتقدير اجلواهر، كما لزم كونه جبهة بطريق .التبعية

فما بال الوجوه واأليدي ترفع إىل السماء يف األدعية شرعا وطبعا، وما فإن مل يكن خمصوصا جبهة فوق،: فإن قيلباله صلى اهللا عليه وسلم قال للجارية اليت قصد إعتاقها فأراد أن يستيقن إمياهنا أين اهللا فأشارت إىل السماء فقال

الكعبة وهو بيته فما بالنا حنجه إن مل يكن اهللا تعاىل يف: إهنا مؤمنة ؟ فاجلواب عن األول أن هذا يضاهي قول القائلونزوره، وما بالنا نستقبله يف الصالة ؟ وإن مل يكن يف األرض، فما بالنا نتذلل بوضع وجوهنا على األرض يف

Page 15: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

قصد الشرع من تعبد اخللق بالكعبة يف الصالة مالزمة الثبوت يف جهة واحدة، : بل يقال. السجود ؟ وهذا هذيان اخلشوع وحضور القلب من التردد على اجلهات، مث ملا كانت اجلهات متساوية من فإن ذلك ال حمالة أقرب إىل

حيث إمكان االستقبال خصص اهللا بقعة خمصوصة بالتشريف والتعظيم وشرفها باإلضافة إىل نفسه واستمال القلوب ة، واملعبود بالصالة إليها بتشريفه ليثيب على استقباهلا، فكذلك السماء قبلة الدعاء، كما أن البيت قبلة الصال

واملقصود بالدعاء منزه عن احللول يف البيت والسماء مث يف االشارة بالدعاء إىل السماء سر لطيف يعز من يتنبه ألمثاله، وهو أن جناة العبد وفوزه يف اآلخرة، بأن يتواضع هللا تعاىل ويعتقد التعظيم لربه، والتواضع والتعظيم عمل

ارح إمنا استعملت لتطهري القلب وتزكيته، فإن القلب خلق خلقه يتأثر باملواظبة على واجلو. القلب، وآلته العقلأعمال اجلوارح، كما خلقت اجلوارح متأثرة ملعتقدات القلوب، وملا كان املقصود أن يتواضع يف نفسه بعقله وقلبه،

عظم األدلة على خسته املوجبة بأن يعرف قدره ليعرف خبسة رتبته يف الوجود جلالل اهللا تعاىل وعلوه، وكان من ألتواضعه أنه خملوق من تراب، كلف أن يضع على التراب، الذي هو أذل األشياء، وجهه الذي هو أعز األعضاء، ليستشعر قلبه التواضع بفعل اجلبهة يف مماستها األرض، فيكون البدن متواضعا يف جسمه وشخصه وصورته بالوجه

وضيع اخلسيس ويكون العقل متواضعا لربه مبا يليق به، وهو معرفة الضعة وسقوط املمكن فيه وهو معانقة التراب ال .الرتبة وخسة املنزلة عند االلتفات إىل ما خلق منه

فكذلك التعظيم هللا تعاىل وضيعة على القلب فيها جناته، وذلك أيضا ينبغي أن تشترك فيه اجلوارح، وبالقدر الذي القلب باإلشارة إىل علو الرتبة على طريق املعرفة واالعتقاد وتعظيم اجلوارح ميكنه أن حتمل اجلوارح، وتعظيم

باإلشارة إىل جهة العلو الذي هو أعلى اجلهات وأرفعها يف االعتقادات؛ فإن غاية تعظيم اجلارحة استعماهلا يف أمره : ظيم واليته فيقولاجلهات، حىت أن من املعتاد املفهوم يف احملاورات أن يفصح اإلنسان عن علو رتبة غريه وع

يف السماء السابعة، وهو إمنا ينبه على علو الرتبة ولكن يستعري له علو املكان، وقد يشري برأسه إىل السماء يف تعظيم من يريد تعظيم أمره، أي أمره يف السماء، أي يف العلو وتكون السماء عبارة عن العلو، فانظر كيف تلطف الشرع

سياقهم إىل تعظيم اهللا وكيف جهل من قلت بصريته ومل يلتفت إال إىل ظواهر اجلوارح بقلوب اخللق وجوارحهم يفواألجسام وغفل عن أسرار القلوب واستغنائها يف التعظيم عن تقدير اجلهات، وظن أن األصل ما يشار إليه

اعتقاد علو املكان، وأن باجلوارح ومل يعرف أن املظنة األوىل لتعظيم القلب وأن تعظيمه باعتقاد علو الرتبة ال باجلوارح يف ذلك خدم وأتباع خيدمون القلب على املوافقة يف التعظيم بقدر املمكن فيها، وال ميكن يف اجلوارح إال اإلشارة إىل اجلهات، فهذا هو السر يف رفع الوجوه إىل السماء عند قصد التعظيم، ويضاف إليه عند الدعاء أمر

ن سؤال نعمة من نعم اهللا تعاىل، وخزائن نعمه السموات، وخزان أرزاقه املالئكة آخر وهو أن الدعاء ال ينفك ع" . ويف السماء رزقكم وما توعدون : " وقد قال اهللا تعاىل. ومقرهم ملكوت السموات وهم املوكلون باألرزاق

امللوك إذا أخربوا والطبع يتقاضى اإلقبال بالوجه على اخلزانة اليت هي مقر الرزق املطلوب، فطالب األرزاق منبتفرقة األرزاق على باب اخلزانة مالت وجوههم وقلوهبم إىل جهة اخلزانة، وإن مل يعتقدوا أن امللك يف اخلزانة فهذا

.هو حمرك وجوه أرباب الدين إىل جهة السماء طبعا وشرعاتعاىل رب األرباب عما اعتقد فأما العوام فقد يعتقدون أن معبودهم يف السماء، فيكون ذلك أحد أسباب إشاراهتم،

.الزائغون علوا كبري

وأما حكمه صلوات اهللا عليه باإلميان للجارية ملا أشارت إىل السماء، فقد انكشف به أيضا إذ ظهر أن ال سبيل لألخرس إىل تفهم علو املرتبة إال باإلشارة إىل جهة العلو، فقد كانت خرساء كما حكي، وقد كان يظن هبا أهنا من

Page 16: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

بدة األوثان، ومن يعتقد اله يف بيت األصنام فاستنطقت عن معتقدها فعرفت باإلشارة إىل السماء أن معبودها ليس ع .يف بيوت األصنام كما يعتقدوه أولئك

فإن قيل فنفي اجلهة يؤدي إىل احملال، وهو إثبات موجود ختلو عنه اجلهات الست ويكون ال داخل العامل وال خارجه مسلم أن كل موجود يقبل االتصال فوجوده ال متصال وال : وال منفصال عنه، وذلك حمال، قلنا وال متصال به،

منفصال حمال، وإن كان موجود يقبل االختصاص باجلهة فوجوده مع خلو اجلهات الست عنه حمال، فإما موجود ال ل القائل يستحيل موجود ال يقبل االتصال، وال االختصاص باجلهة فخلو عن طريف النقيض غري حمال، وهو كقو

يكون عاجزا وال قادرا وال عاملا وال جاهال فإن أحد املتضادين ال خيلو الشيء عنه، فيقال له إن كان ذلك الشيء قابال للمتضادين فيستحيل خلوه عنهما وأما اجلماد الذي ال يقبل واحدا منهما ألنه فقد شرطهما وهو احلياة،

فإذا فقد هذا مل . فكذلك شرط االتصال واالختصاص باجلهات التحيز والقيام باملتحيز. فخلوه عنهما ليس مبحاليستحل اخللق عن متضادته فرجع النظر إذا إىل أن موجودا ليس مبتحيز، وال هو يف متحيز، بل هو فاقد شرط

عليه بأنه مهما بان، أن االتصال، واالختصاص هل هو حمال أم ال ؟ فإن زعم اخلصم أن ذلك حمال وجوده فقد دللناكل متحيز حادث وأن كل حادث يفتقر إىل فاعل ليس حبادث فقد لزم بالضرورة من هاتني املقدمتني ثبوت موجود

.أما األصالن فقد أتبتنامها وأما الدعوى الالزمة منهما فال سبيل إىل جحدها مع اإلقرار باألصلني. ليس مبتحيزود الذي ساق دليلكم إىل إثباته غري مفهوم، فيقال له ما الذي أردت بقولك غري فإن قال اخلصم إن مثل هذا املوج

مفهوم فإن أردت به أنه غري متخيل وال متصور وال داخل يف الوهم فقد صدقت، فإنه ال يدخل يف الوهم والتصور د أنس باملبصرات فال واخليال إال جسم له لون وقدر، فاملنفك عن اللون والقدر ال يتصوره اخليال، فإن اخليال ق

.يتوهم الشيء إال على وفق مرآه وال يستطيع أن يتوهم ما ال يوافقهوإن أراد اخلصم أنه ليس مبعقول، أي ليس مبعلوم بدليل العقل فهو حماذ إذا قدمنا الدليل على ثبوته وال معىن

وقد حتقق هذا، فإن قال . كن خمالفتهللمعقول إال ما اضطر العقل إىل األذعان للتصديق به مبوجب الدليل الذي ال مياخلصم فما ال يتصور يف اخليال ال وجود له، فلنحكم بأن اخليال ال وجود له يف نفسه، فإن اخليال نفسه ال يدخل يف

اخليال والرؤية ال تدخل يف اخليال وكذلك العلم والقدرة، وكذلك الصوت والرائحة ولو كلف الوهم أن يتحقق وهكذا مجيع أحوال النفس، من اخلجل والوجل والفسق . له لونا ومقدارا وتصوره كذلكذاتا للصوت لقدر

والغضب والفرح واحلزن والعجب، فمن يدرك بالضرورة هذه األحوال من نفسه ويسوم خياله أن يتحقق ذات فهذا سبيل هذه األحوال فنجده يقصر عنه إال بتقدير خطأ مث ينكر بعد ذلك وجود موجود ال يدخل يف خياله

وقد جاوزنا حد االختصار ولكن املعتقدات املختصرة يف هذا الفن أراها مشتملة على . كشف الغطاء عن املسألةاالطناب يف الواضحات والشروع يف الزيادات اخلارجة عن املهمات مع التساهل يف مضايق االشكاالت فرأيت نقل

.ىلاالطناب من مكان الوضوح، إىل مواقع الغموض أهم وأو

ندعي أن اهللا تعاىل منزه عن أن يوصف باالستقرار على العرش، فإن كل متمكن على جسم : الدعوى الثامنةومستقر عليه مقدر ال حمالة فإنه أما أن يكون أكرب منه أو أصغر أو مساويا وكل ذلك ال خيلو عن التقدير، وأنه لو

اجلهات فيصري حماطا به واخلصم ال يعتقد ذلك حبال وهو جاز أن مياسه جسم من هذه اجلهة جلاز أن مياسه من سائرالزم على مذهبه بالضرورة، وعلى اجلملة يستقر على اجلسم إال جسم وال حيل فيه إال عرض وقد بان أنه تعاىل ليس

لى الرمحن ع: " فإن قيل فما معىن قوله تعاىل. جبسم وال عرض، فال حيتاج إىل إقران هذه الدعوى بإقامة الربهانقلنا الكالم على الظواهر " ينزل الله كل ليلة إىل السماء الدنيا : " ؟ وما معىن قوله عليه السالم" العرش استوى

Page 17: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

الناس يف هذا : الواردة يف هذا الباب طويل ولكن نذكر منهجا يف هذين الظاهرين يرشد إىل ما عداه وهو أنا نقولام اخللق أن ال خياض هبم يف هذه التأويالت بل ننزع عن عقائدهم كل فريقان عوام وعلماء، والذي نراه الالئق بعو

ما يوجب التشبيه ويدل على احلدوث وحنقق عندهم أنه موجود ليس كمثله شيء، وهو السميع البصري، وإذا سألوا لك وجياب مبا أجاب به ما. عن معاين هذه اآليات زجروا عنها، وقيل ليس هذا بعشكم فادرجوا فلكل علم رجال

االستواء معلوم والكيفية جمهولة، والسؤال : بن أنس رضي اهللا عنه، بعض السلف حيث سئل عن االستواء، فقالعنه بدعة، واالميان به واجب، وهذا ألن عقول العوام ال تتسع لقبول املعقوالت وال إحاطتهم باللغات وال تتسع

.لفهم توسيعات العرب يف االستعاراتق هبم تعريف ذلك وتفهمه، ولست أقول أن ذلك فرض عني إذ مل يرد به تكليف بل التكليف وأما العلماء فالالئ

فأما معاين القرآن، فلم يكلف األعيان فهم مجيعها أصال ولكن لسنا نرتضي قول من . التنزيه عن كل ما تشبهه بغريهموضوعة باصطالح سابق يقول، أن ذلك من املتشاهبات كحروف أوائل السور، فإن حروف أوائل السور ليست

للعرب للداللة على املعاين، ومن نطق حبروف وهن كلمات مل يصطلح عليها، فواجب أن يكون معناه جمهوال إال أن .يعرف ما أردته، فإذا ذكره صارت تلك احلروف كاللغة املخترعة من جهته

، فلفظ مفهوم ذكر للتفهم وعلم أنه يسبق إىل " ينزل الله تعاىل إىل السماء الدنيا : " وأما قوله صلى اهللا عليه وسلماإلفهام منه املعىن الذي وضع له أو املعىن الذي يستعار، فكيف يقال إنه متشابه بل هو خميل معىن خطأ عند اجلاهل

فإنه خييل عند اجلاهل اجتماعا " . وهو معكم أينما كنتم : " ومفهم معىن صحيحا عند العامل، وهو كقوله تعاىلقلب : " قصا لكونه على العرش، وعند العامل يفهم أنه مع الكل باالحاطة والعلم، وكقوله صلى اهللا عليه وسلممنا

، فإنه عند اجلاهل خييل عضوين مركبني من اللحم والعظم والعصب " املؤمن بني أصبعني من أصابع الرمحن ل على املعىن املستعار له دون املوضوع له وهو ما مشتملني على األنامل واألظفار، نابتني من الكف، وعند العامل يد

كان االصبع له، وكان سر االصبع وروحه وحقيقته وهو القدرة على التقليب كما يشاء، كما دلت املعية عليه يف قوله وهو معكم على ما تراد املعية له وهو العلم واالحاطة ولكن من شائع عبارات العرب العبارة بالسبب عن

من تقرب إيل شربا تقربت إليه ذراعا ومن أتاين مبشي أتيته : " ستعارة السبب للمستعار منه وكقوله تعاىلاملسبب، وا؟ .فإن اهلرولة عند اجلاهل تدل على نقل األقدام وشدة العدو وكذا االتيان يدل على القرب يف املسافة" هبرولة

بني الناس وهو قرب الكرامة واالنعام وإن معناه أن رمحيت وعند العاقل يدل على املعىن املطلوب من قرب املسافة لقد طال شوق األبرار إىل لقائي وأنا إىل لقائهم : " ونعميت أشد انصبابا إىل عبادي من طاعتهم إيل وهو كما قال

عني تعاىل اهللا عما يفهم من معىن لفظ الشوق بالوضع الذي هو نوع أمل وحاجة إىل استراحة، وهو " ألشد شوقا النقص ولكن الشوق سبب لقبول املشتاق إليه واإلقبال عليه وإفاضة النعمة لديه فعرب به عن املسبب، وكما عرب

وكذا ملا قال يف . بالغضب والرضى عن إرادة الثواب والعقاب الذين مها مثرتا الغضب والرضى ومسبباه يف العادةه أراد به اليمني املقابل للشمال اليت هي عضو مركب من حلم احلجر األسود إنه ميني اهللا يف األرض يظن اجلاهل ان

ودم وعظم منقسم خبمسة أصابع، مث إنه إن فتح بصريته علم أنه كان على العرش وال يكون ميينه يف الكعبة مث ال بيل ميني يكون حجرا أسود فيدرك بأدىن مسكة أنه استعري للمصافحة، فإنه يؤمر باستالم احلجر وتقبيله كما يؤمر بتق

والكامل العقل البصري ال تعظم عنده هذه األمور، بل يفهم معانيها على البديهة، . امللك، فاستعري اللفظ لذلكفلنرجع إىل معىن االستواء والنزول؛ أما االستواء فهو نسبه للعرش ال حمالة، وال ميكن أن يكون للعرش إليه نسبة إال

ولكن بعض هذه . عليه، أو حمال مثل حمل العرض، أو مكانا مثل مستقر اجلسم بكونه معلوما، أو مرادا، أو مقدورا

Page 18: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

النسبة تستحيل عقال وبعضها ال يصلح اللفظ لالستعارة به له، فإن كان يف مجلة هذه النسبة، مع أنه ال نسبة أو حمال، كما كان للجوهر سواها، نسبة ال خييلها العقل وال ينبو عنها اللفظ، فليعلم أهنا املراد إما كونه مكانا

والعرض، إذا اللفظ يصلح له ولكن العقل خييله كما سبق، وإما كونه معلوما ومرادا فالعقل ال خييله، ولكن اللفظ ال يصلح له، وإما كونه مقدورا عليه وواقعا يف قبضة القدرة ومسخرا له مع أنه أعظم املقدورات ويصلح االستيالء

وينبه به على غريه الذي هو دونه يف العظم، فهذا مما ال خييله العقل ويصلح له اللفظ، فأخلق بأن عليه ألن ميتدح بهيكون هو املراد قطعا، أما صالح اللفظ له فظاهر عند اخلبري بلسان العرب، وإمنا ينبو عن فهم مثل هذا أفهام

التفات العرب إىل لسان الترك حيث مل يتعلموا منها املتطفلني على لغة العرب الناظرين إليها من بعد امللتفتني إليها :إال أوائلها، فمن املستحسن يف اللغة أن يقال استوى األمري على مملكته، حىت قال الشاعر

من غري سيف ودم مهراق... قد استوى بشري على العراق ما فهم من قوله تعاىل " ستوى الرمحن على العرش ا" يفهم من قوله تعاىل : ولذلك قال بعض السلف رضي اهللا عنهم

" ينزل الله تعاىل إىل السماء الدنيا " وأما قوله صلى اهللا عليه وسلم " . مث استوى إىل السماء وهي دخان " :فللتأويل فيه جمال من وجهني

" أل القرية واس" أحدمها، يف اضافة النزول إليه وأنه جماز، وباحلقيقة هو مضاف إىل ملك من املالئكة كما قال تعاىل : وهذا أيضا من املتداول يف األلسنة، أعين إضافة أحوال التابع إىل املتبوع، فيقال. واملسؤول باحلقيقة أهل القرية

ترك امللك على باب البلد، ويراد عسكره، فإن املخرب بنزول امللك على باب البلد قد يقال له هال خرجت لزيارته الصيد ومل ينزل بعد، فال يقال له فلم نزل امللك واآلن تقول مل ينزل بعد ؟ فيقول ال، ألنه عرج يف طريقه على

.فيكون املفهوم من نزول امللك نزول العسكر، وهذا جلي واضحوالثاين، أن لفظ النزول قد يستعمل للتلطف والتواضع يف حق اخللق كما يستعمل االرتفاع للتكرب، يقال فالن رفع

أمره يف السماء : كرب، ويقال ارتفع إىل أعلى عليني، أي تعظم؛ وإن عال أمره يقالرأسه إىل عنان السماء، أي تقد هوى به إىل أسفل السافلني؛ وإذا تواضع وتلطف له تطامن إىل : السابعة؛ ويف معارضته إذا سقطت رتبته يقال

وطها ويف النزول عن فإذا فهم هذا وعلم أن النزول عن الرتبة بتركها أو سق. األرض ونزل إىل أدىن الدرجاتالرتبة بطريق التلطف وترك العقل الذي يقتضيه علو الرتبة وكمال االستغناء، فبالنظر إىل هذه املعاين الثالثة اليت

يتردد اللفظ بينها ما الذي جيوزه العقل ؟ أما النزول بطريق االنتقال فقد أحاله العقل كما سبق، فإن ذلك ال ميكن ط الرتبة فهو حمال ألنه سبحانه قدمي بصفاته وجالله وال ميكن زوال علوه، وأما النزول مبعىن إال يف متحيز، وأما سقو

اللطف والرمحة وترك الفعل الالئق باالستغناء وعدم املباالة فهو ممكن، فيتعني التنزيل عليه، وقيل إنه ملا نزل قوله عليهم من مهابة عظيمة واستبعدوا االنبساط يف استشعر الصحابة رضوان اهللا " رفيع الدرجات ذو العرش : " تعاىل

السؤال والدعاء مع ذلك اجلالل، فأخربوا أن اهللا سبحانه وتعاىل مع عظمة جالله وعلو شأنه متلطف بعباده رحيم هبم مستجيب هلم مع االستغناء إذا دعوه، وكانت استجابة الدعوة نزوال باالضافة إىل ما يقتضيه ذلك اجلالل من

ء وعدم املباالة، فعرب عن ذلك بالنزول تشجيعا لقلوب العباد على املباسطة باألدعية بل على الركوع االستغناوالسجود، فإن من يستشعر بقدر طاقته مبادئ جالل اهللا تعاىل استبعد سجوده وركوعه، فإن تقرب العباد كلهم

ه على قصد التقرب إىل ملك من ملوك باالضافة إىل جالل اهللا سبحانه أحس من حتريك العبد أصبعا من أصابعاألرض، ولو عظم به ملكا من امللوك الستحق به التوبيخ، بل من عادة امللوك زجر األرزال عن اخلدمة والسجود بني أيديهم والتقبيل لعتبة دورهم استحقارا هلم عن االستخدام وتعاظما عن استخدام غري األمراء واألكابر، كما

Page 19: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

فلوال النزول عن مقتضى اجلالل باللطف والرمحة واالستجابة القتضى ذلك اجلالل أن . خللفاءجرت به عادة بعض ايبهت القلوب عن الفكر، وخيرس األلسنة عن الذكر، وخيمد اجلوارح عن احلركة، فمن الحظ ذلك اجلالل وهذا

على ما فهمه اجلهال؛ فإن اللطف استبان له على القطع أن عبارة النزول مطابقة للجالل ومطلقة يف موضوعها الهو عبارة عن الدرجة األخرية اليت ال درجة بعدها، كما يقال سقط إىل الثرى : قيل فلم خصص السماء الدنيا ؟ قلنا

فلم خصص بالليايل، فقال : فإن قيل. وارتفع إىل الثريا، على تقدير أن الثريا أعلى الكواكب والثرى أسفل املواضعن اخللوات مظنة الدعوات والليايل أعدت لذلك، حيث يسكن اخللق وينمحي عن القلوب أل: ينزل كل ليلة ؟ قلنا

ذكرهم، ويصفوا لذكر اهللا تعاىل قلب الداعي، فمثل هذا الدعاء هو املرجو االستجابة ال ما يصدر عن غفلة القلوب .عند تزاحم االشتغال

للمعتزلة، وإمنا أوردنا هذه املسألة يف القطب املوسوم ندعي أن اهللا سبحانه وتعاىل مرئي، خالفا : الدعوى التاسعةأحدمها أن ننفي الرؤية عما يلزم على نفي اجلهة، فأردنا أن نبني كيف : بالنظر يف ذات اهللا سبحانه وتعاىل ألمرين

إال والثاين أنه سبحانه وتعاىل عندنا مرئي لوجوده ووجود ذاته، فليس ذلك. جيمع بني نفي اجلهة وإثبات الرؤيةلذاته، فإنه ليس لفعله وال لصفة من الصفات، بل كل موجود ذات فواجب أن يكون مرئيا، كما أنه واجب أن

يكون معلوما، ولست أعين به أنه واجب أن يكون معلوما ومرئيا بالفعل بل بالقوة، أي هو من حيث ذاته له، فإن املاء الذي يف النهر مرو، واخلمر الذي يف الدن مسكر، :امتنع وجود الرؤية فألمر آخر خارج عن ذاته، كما نقول

وليس كذلك ألنه يسكر ويروي عند الشرب ولكن معناه أن ذاته مستعدة لذلك فإذا فهم املراد منه فالنظر يف أحدمها يف اجلواز العقلي، والثاين يف الوقوع الذي ال سبيل إىل دركه إال بالشرع، ومهما دل الشرع على : طرفني .ه فقد دل أيضا ال حمالة على جوازه ولكنا ندل مبسلكني واقعني عقليني على جوازهوقوع

املسلك األول، هو أنا نقول أن الباري سبحانه موجود وذات، وله ثبوت وحقيقة، وإمنا خيالف سائر املوجودات يف االهلية من العلم والقدرة استحالة كونه حادثا أو موصوفا مبا يدل على احلدوث، أو موصوفا بصفة تناقض صفات

والدليل . فكل ما يصح ملوجود فهو يصح يف حقه تعاىل إن مل يدل على احلدوث ومل يناقض صفة من صفاته. وغريمهاعليه تعلق العلم به؛ فإنه ملا مل يؤد إىل تغري يف ذاته وال إىل مناقضة صفاته وال إىل الداللة على احلدوث، سوى بينه

والرؤية نوع علم ال يوجب تعلقه باملرئي تغري صفة . راض يف جواز تعلق العلم بذاته وصفاتهوبني األجسام واألعفكونه مرئيا يوجب كونه جبهة وكونه جبهة : وال يدل على حدوث، فوجب احلكم هبا على كل موجود، فإن قيل

الرأي وهذا الالزم حمال يوجب كونه عرضا أو جوهرا وهو حمال، ونظم القياس أنه إن كان مرئيا فهو جبهة من .فاملفضي إىل الرؤية حمال

أحد األصلني من هذا القياس مسلم لكم، وهو أن هذا الالزم حمال، ولكن األصل األول وهو ادعاء هذا : قلنا .الالزم على اعتقاد الرؤية ممنوع

؟ وال سبيل إىل دعوى فنقول مل قلتم إنه إن كان مرئيا فهو جبهة من الرأي، أعلمتم ذلك بضرورة، أم بنظر الضرورة، وأما النظر فال بد من بيانه، ومنتهاهم أهنم مل يروا إىل اآلن شيئا إال وكان جبهة من الرأي خمصوصة،

وما مل ير فال حيكم باستحالته، ولو جاز هذا جلاز للمجسم أن يقول إنه تعاىل جسم، ألنه فاعل، فإننا مل نر إىل : فيقالأو يقول إن كان فاعال وموجودا فهو إما داخل العامل وإما خارجه، وإما متصل وإما منفصل، . اآلن فاعال إال جسما

وحاصله يرجع إىل . وال ختلو عنه اجلهات الست، فإنه مل يعلم موجود إال وهو كذلك فال فضل بينكم وبني هؤالء

Page 20: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

لو : علم اجلسم وينكر العرض ويقولاحلكم بأن ما شوهد وعلم ينبغي أن ال يعلم غريه إال على وفقه، وهو كمن يومنشأ هذا إحالة موجودات اختالف . كان موجودا لكان خيتص حبيز ومينع غريه من الوجود حبيث هو كاجلسم

وذلك حبكم ال أصل له، على أن هؤالء ال يغفل عن . املوجودات يف حقائق اخلواص مع االشتراك يف أمور عامةالعامل وهو ليس جبهة من نفسه وال من العامل، فإذا جاز ذلك فقد بطل هذا معارضتهم بأن اهللا يرى نفسه ويرى

وهذا مما يعترف به أكثر املعتزلة وال خنرج عنه ملن اعترف به ومن أنكر منهم فال يقدر على انكار رؤية . اخليالا يرى صورة حماكية االنسان نفسه يف املرآة، ومعلوم أنه ليس يف مقابلة نفسه فإن زعموا أنه ال يرى نفسه وإمن

فإن من تباعد عن مرآة منصوبة : لصورته منطبعة يف املرآة انطباع النفس يف احلائط، فيقال إن هذا ظاهر االستحالةفالبعيد عن . يف حائط بقدر ذراعني يرى صورته بعيدة عن جرم املرآة بذراعني، وإن تباعد بثالثة أذرع فكذلك

املرآة ومسك املرآة رمبا ال يزيد على مسك شعرية ؟ فإن كانت الصورة يف شيء املرآة بذراعني كيف يكون منطبعا يفوكذا . وراء املرآة فهو حمال، إذ ليس وراء املرآة إال جدار أو هواء أو شخص آخر هو حمجوب عنه، وهو ال يراه

ة بذراعني، فلنطلب عن ميني املرآة ويسارها وفوقها وحتتها وجهات املرآة الست، وهو يرى صورة بعيدة عن املرآفحيث وجدت فهو املرئي وال وجود ملثل هذه الصورة املرئية يف األجسام احمليطة : هذه الصورة من جوانب املرآة

وقد تطلب املقابلة واجلهة وال ينبغي أن تستحقر هذا اإللزام . باملرآة إال يف جسم والناظر، فهو املرئي إذا بالضرورةوحنن نعلم بالضرورة أن االنسان لو مل يبصر نفسه قط وال عرف املرآة وقيل له أن ميكن فإنه ال خمرج للمعتزلة عنه،

أن تبصر نفسك يف مرآة احلكم بأنه حمال، وقال ال خيلو إما أن أرى نفسي وأنا يف املرآة فهو حمال، أو أرى مثل يف نفسها صورة ولألجسام احمليطة هبا صوريت يف جرم املرآة وهو حمال، أو يف جرم وراء املرآة وهو حمال، أو املرآة

جسم صور، وال جتتمع صورتان يف جسم واحد إذ حمال أن يكون يف جسم واحد صورة إنسان وديد وحائط وإن رأيت نفسي حيث أنا فهو حمال، إذ لست يف مقابلة نفسي فكيف أرى نفسي، وال بد بني املقابلة بني الرائي واملرئي

عتزيل ومعلوم أنه باطل، وبطالنه عندنا لقوله إين لست يف مقابلة نفسي فال أراها وإال وهذا التقسيم صحيح عند امل .فسائر أقسام كالمه صحيحة، فبهذا يستبني ضيق حوصلة هؤالء عن التصديق مبا مل يألفوه ومل تأنس به حواسهم

ما تريده بالرؤية ومل حيصل معناها املسلك الثاين، وهو الكشف البالغ أن تقول إمنا أنكر اخلصم الرؤية ألنه مل يفهم ! على التحقيق، وظن أنا نريد هبا حالة تساوي احلالة اليت يدركها الرأي عند النظر إىل األجسام واأللوان وهيهات

فنحن نعترف باستحالة ذلك يف حق اهللا سبحانه، ولكن ينبغي أن حنصل معىن هذا اللفظ يف املوضع املتفق، ونسبكه يستحيل يف حق اهللا سبحانه وتعاىل، فإن نفي من معانيه معىن مل يستحل يف حق اهللا سبحانه وتعاىل مث حنذف منه ما

وأمكن أن يسمى ذلك املعىن رؤية حقيقة، أثبتناه يف حق اهللا سبحانه وقضينا بأنه مرئي حقيقة، وإن مل يكى إطالق وحتصيله، أن الرؤية . دنا املعىن كما دل عليه العقلاسم الرؤية عليه إال باجملاز أطلقنا اللفظ عليه بإذن الشرع واعتق

تدل على معىن له حمل وهو العني، وله متعلق وهو اللون والقدر واجلسم وسائر املرئيات، فلننظر إىل حقيقة معناه حة أما احملل فليس بركن يف ص: وحمله، وإىل متعلقه ولنتأمل أن الركن من مجلتها يف إطالق هذا االسم ما هو، فنقول

هذه التسمية، فإن احلالة اليت ندركها بالعني من املرئي لو أدركناها بالقلب أو باجلبهة مثال لكنا نقول قد رأينا الشيء وأبصرناه وصدق كالمنا، فإن العني حمل وآلة ال تراد لعينها بل لتحل فيه هذه احلالة، فحيث حلت احلالة

.متت احلقيقة وصح االسمقلبنا أو بدماغنا إن أدركنا الشيء بالقلب، أو بالدماغ إن أدركنا الشيء بالدماغ، وكذلك إن ولنا أن نقول علمنا ب

.أبصرنا بالقلب أو باجلبهة أو بالعني

Page 21: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

فإن الرؤية لو كانت رؤية لتعلقها بالسواد . وأما املتعلق بعينه فليس ركنا يف إطالق هذا االسم وثبوت هذه احلقيقةية، ولو كان لتعلقها باللون ملا كان املتعلق باحلركة رؤية، ولو كان لتعلقها بالعرض ملا ملا كان املتعلق بالبياض رؤ

كان املتعلق باجلسم رؤية، فدل أن خصوص صفات املتعلق ليس ركنا لوجود هذه احلقيقة، وإطالق هذا االسم، بل فإذا الركن الذي . ي ذات كانالركن فيه من حيث أنه صفة متعلقة أن يكون هلا متعلق موجود؛ أي موجود كان وأ

االسم مطلق عليه هو األمر الثالث وهو حقيقة املعىن من غري التفات إىل حمله ومتعلقه، فلنبحث عن احلقيقة ما هي، وال حقيقة هلا إال أهنا نوع إدراك هو كمال ومزيد كشف باالضافة إىل التخيل، فإنا نرى الصديق مثال مث نغمض

ديق حاضرة يف دماغنا على سبيل التخيل والتصور، ولكنا لو فتحنا البصر أدركنا تفرقته العني فتكون صورة الصوال ترجع تلك التفرقة إىل إدراك صورة أخرى خمالفة ملا كانت يف اخليال بل الصورة املبصرة مطابقة للمتخيلة من

لتخيل، وكالكشف هلا، فتحدث فيها غري فرق وليس بينهما افتراق، إال أن هذه احلالة الثانية كاالستكمال حلالة اواحلادثة يف البصر بعينها . صورة الصديق عند فتح البصر حدوثا أوضح وأمت وأكمل من الصورة اجلارية يف اخليال

تطابق بيان الصورة احلادثة يف اخليال، فإذا التخيل نوع إدراك على رتبة، ووراءه رتبة أخرى هي أمت منه يف الوضوح كالتكميل له، فنسمي هذا االستكمال باالضافة إىل اخليال رؤية وإبصارا، وكذا من األشياء ما والكشف، بل هي

نعلمه وال نتخيله وهو ذات اهللا سبحانه وتعاىل وصفاته، وكل ما ال صورة له، أي ال لون له وال قدر مثل القدرة لعلم هبا نوع إدراك فلننظر هل حييل العقل والعلم والعشق واإلبصار واخليال؛ فإن هذه أمور نعلمها وال نتخيلها وا

أن يكون هلذا االدراك مزيد استكمال نسبته إليه نسبة اإلبصار إىل التخيل؛ فإن كان ذلك ممكنا مسينا ذلك الكشف ومعلوم أن تقدير هذا االستكمال يف . واالستكمال باالضافة إىل العلم رؤية، كما مسيناه باالضافة إىل التخيل رؤية

يضاح واالستكشاف غري حمال يف املوجودات املعلومة اليت ليست متخيلة كالعلم والقدرة وغريمها، وكذا يف االستذات اهللا سبحانه وصفاته، بل نكاد ندرك ضرورة من الطبع أنه يتقاضى طلب مزيد استيضاح يف ذات اهللا وصفاته

.ويف ذوات هذه املعاين املعلومة كلها

إال أن هذا . فإنه ال حميل له بل العقل دليل على إمكانه بل على استدعاء الطبع لهفنن نقول إن ذلك غري حمال وكما ال . الكمال يف الكشف غري مبذول يف هذا العامل، والنفس يف شغل البدن وكدورة صفائه، فهو جموب عنه

بصار للمتخيالت فال يبعد أن يبعد أن يكون اجلفن أو الستر أو سواد ما يف العني سببا حبكم اطراد العادة المتناع اإلفإذا بعثر ما يف القبور . تكون كدورة النفس وتراكم حجب االشغال حبكم اطراد العادة مانعا من إبصار املعلومات

وحصل ما يف الصدور، وزكيت القلوب بالشراب الطهور، وصفيت بأنوع التصفية والتنقية، مل ميتنع أن تشتغل ح يف ذات اهللا سبحانه أو يف سائر املعلومات، يكون ارتفاع درجته عن العلم املعهود بسببها ملزيد استكمال واستيضا

كارتفاع درجة اإلبصار عن التخيل، يعرب عن ذلك بلقاء اهللا تعاىل ومشاهدته أو رؤيته أو إبصاره أو ما شئت من ه احلالة يف العني، كان اسم وإذا كان ذلك ممكنا بأن خلقت هذ. فال مشاحة فيها وبعد إيضاح املعاين. العبارات

كما أن خلقها يف القلب غري مستحيل فإذا فهم . الرؤية حبكم وضع اللغة عليه أصدق وخلقه يف العني غري مستحيلاملراد مبا أطلقه أهل احلق من الرؤية، علم أن العقل ال حييله بل يوجبه، وأن الشرع قد شهد له فال يبقى للمنازعة

. اد أو املشاحنة يف إطالق عبارة الرؤية أو القصور عن درك هذه املعاين الدقيقة اليت ذكرناهاوجه إال على سبيل العن .ولنقتصر يف هذا املوجز على هذا القدر

وقد دل الشرع على وقوعه ومداركه كثرية، ولكثرهتا ميكن دعوى اإلمجاع على . الطرف الثاين يف وقوعه شرعاونعلم قطعا من عقائدهم أهنم كانوا . نه يف طلب لذة النظر إىل وجهه الكرمياألولني يف ابتهاهلم إىل اهللا سبحا

Page 22: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ينتظرون ذلك وأهنم كانوا قد فهموا جواز انتظار ذلك وسؤاله من اهللا سبحانه، بقرائن أحوال رسول اهللا صلى اهللا . وج املدارك عن احلصرعليه وسلم ومجلة من ألفاظه الصرحية اليت ال تدخل يف احلضر، باالمجاع الذي يدل على خر

ومن أقوى ما يدل عليه سؤال موسى صلى اهللا عليه وسلم أرين أنظر إليك فإنه يستحيل أن خيفى عن نيب من أنبياء وهذا معلوم . اهللا تعاىل انتهى منصبه إىل أن يكلمه اهللا سبحانه شفاها أن جيهل من صفات ذاته تعاىل ما عرفه املعتزلة

بكونه ممتنع الرؤية عند اخلصم يوجب التفكري أو التضليل وهو جهل بصفة ذاته ألن على الضرورة، فإن اجلهلاستحالتها عندهم لذاته وألنه ليس جبهة فكيف مل يعرف موسى عليه أفضل الصالة أنه ليس جبهة، أو كيف عرف أنه

ن ذهول موسى صلى ليس جبهة ومل يعرف أن رؤية ما ليس جبهة حمال ؟ فليت شعري ماذا يضمر اخلصم ويقدره ماهللا عليه وسلم، أيقدره معتقدا أنه جسم يف جهة ذو لون، واهتام األنبياء صلوات اهللا سبحانه وتعاىل عليهم وسالمه ! كفر صراح، فإنه تكفري للنيب صلى اهللا عليه وسلم، فإن القائل بأن اهللا سبحانه جسم وعابد الوثن والشمس واحد

ة، ولكنه مل يعلم أن ما ليس جبهة فال يرى، وهذا جتهيل للنيب عليه أفضل السالم ألن أو يقول علم استحالة كونه جبهفأنت اآلن أيها املسترشد خمري من أن متيل إىل جتهيل النيب صلى . اخلصم يعتقد أن ذلك من اجلليات ال من النظريات

.السالماهللا عليه وسلم تسليما، أو إىل جتهيل املعتزيل، فاختر لنفسك ما أليق بك وودل قوله " لن تراين " إن دل هذا لكم فقد دل عليكم، لسؤاله الرؤية يف الدنيا ودل عليكم قوله تعاىل : فإن قيل " .ال تدركه األبصار " سبحانه

أما سؤاله الرؤية يف الدنيا فهو دليل على عدم معرفته بوقوع وقت ما هو جائز يف نفسه، واألنبياء كلهم عليهم : قلنالسالم ال يعرفون من الغيب إال ما عرفوا، وهو القليل، فمن أين يبعد أن يدعو النيب عليه أفضل السالم أفضل ا

.وهذا من ذلك الفن. كشف غمة وإزالة بلية وهو يرجتي اإلجابة يف وقت مل تسبق يف علم اهللا تعاىل اإلجابة فيهمس يف اآلخرة، فلو قال أرين انظر إليك يف اآلخرة، فهو دفع ملا التمسه، وإمنا الت" لن تراين " وأما قوله سبحانه

فقال لن تراين، لكان ذلك دليال على نفي الرؤية، ولكن يف حق موسى صلوات اهللا سبحانه وسالمه عليه يف وما كان أيضا دليال على االستحالة، فكيف وهو جواب عن السؤال يف احلال ؟. اخلصوص ال على العموم

األبصار أي ال حتيط به وال تكتنفه من جوانبه كما حتيط الرؤية باألجسام، وذلك حق، أو هو وأما قوله ال تدركه ولنقتصر على هذا . يف الدنيا" لن تراين " عام فأريد بة يف الدنيا، وذلك أيضا حق، وهو ما أراده بقوله سبحانه

.رط ومفرطالقدر يف مسألة الرؤية، ولينظر املنصف كيف افترقت الفرق وحتزبت إىل مفأما احلشوية فإهنم مل يتمكنوا من فهم موجود إال يف جهة، فأثبتوا اجلهة حىت ألزمتهم بالضرورة اجلسمية والتقدير

.واالختصاص بصفات احلدوثوأما املعتزلة وفاهنم نفوا اجلهة ومل يتمكنوا من إثبات الرؤية دوهنا، وخالفوا به قواطع الشرع، وظنوا أن يف إثباهتا

واحلشوية أثبتوا اجلهة احترازا من التعطيل . اجلهة، فهؤالء تغلغلوا يف التنزيه حمترزين من التشبيه، فأفرطوا إثباتفشبهوا، فوقف اهللا سبحانه أهل السنة للقيام باحلق، فتفطنوا للمسلك القصد وعرفوا أن اجلهة منقية ألهنا للجسمية

م وفريقه، وهي تكملة له؛ فانتفاء اجلسمية أوجب انتفاء اجلهة اليت من تابعة وتتمة، وأن الرؤية ثابتة ألهنا رديف العلوثبوت العلم أوجب ثبوت الرؤية اليت هي من روادفه وتكمالته ومشاركة له يف خاصيته، وهي أهنا ال . لوازمها

القتصاد يف وال خيفى عن عاقل أن هذا هو ا. توجب تغيريا يف ذات املرئي، بل تتعلق به على ما هو عليه كالعلم .االعتقاد

فإن كونه واحدا يرجع إىل ثبوت ذاته ونفي غريه، فليس هو نظر يف . ندعي أنه سبحانه واحد: الدعوى العاشرة

Page 23: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

.صفة زائدة على الذات، فوجب ذكره يف هذا القطبتعاىل واحد الواحد قد يطلب ويراد به أنه ال يقبل القسمة، أي ال كمية له وال جزء وال مقدار، والباري: فنقول

إذ االنقسام ملا له كمية، والتقسيم تصرف يف . مبعىن سلب الكمية املصححة للقسمة عنه؛ فإنه غري قابل لالنقساموقد يطلق ويراد أنه ال نظري له يف رتبته كما تقول . كمية بالتفريق والتصغري، وما ال كمية له ال بتصور انقسامه

فأما انه ال ضد له فظاهرا، إذ املفهوم من الضد . ا املعىن واحد؛ فإنه ال ند لهالشمس واحدة، والباري تعاىل أيضا هبذهو الذي يتعاقب مع الشيء على حمل واحد وال جتامع وما ال حمل له فال ضد له، والباري سبحانه ال حمل له فال ضد

.لهقدر له شريك لكان مثله يف كل الوجوه أو وأما قولنا ال ند له، نعين به أن ما سواه هو خالقه ال غري، وبرهانه أنه لو

فاملفضي إليه حمال، ووجه استحالة كونه مثله من كل وجه أن كل اثنني . وكل ذلك حمال. أرفع منه أو كان دونهمها متغايران، فإن مل يكن تغاير مل تكن اإلثنينية معقولة، فإنا ال نعقل سوادين إال يف حملني، أو يف حمل واحد يف وقتني،

ون أحدمها مفارقا لآلخر ومباينا له ومغايرا إما يف احملل وإما يف الوقت، والشيئان تارة يتغايران بتغاير احلد فيكواحلقيقة، كتغاير احلركة واللون فإهنما وإن اجتمعا يف حمل واحد يف وقت واحد فهما اثنان، إذ أحدمها مغاير لآلخر

كالسوادين، فيكون الفرق بينهما إما يف احملل أو يف الزمان؛ فإن فرض حبقيقته، فإن استوى اثنان يف احلقيقة واحلدولو جاز أن يقال مها اثنان وال مغايرة، . سوادان مثال يف جوهر واحد يف حالة واحدة كان حماال إذ مل تعرف االثنينية

الصفة واملكان ومجيع جلاز أن يشار إىل إنسان واحد ويقال أنه انسانان بل عشرة وكلها متساوية متماثلة يف العوارض واللوازم، من غري فرقان، وذلك حمال بالضرورة، فإن كان ند اهللا سبحانه متساويا له يف احلقيقة والصفات

استحال وجوده، إذ ليس مغايره باملكان إذ ال مكان وال زمان فإهنما قدميان، فإذا ال فرقان، وإذا ارتفع كل فرق فإن األرفع هو اإلله واإلله عبارة . وحمال أن يقال خيالفه بكونه أرفع منه. مت الوحدةارتفع العدد بالضرورة، ولز

وحنن إمنا مننع العدد يف اإلله، واإلله هو الذي يقال . عن أجل املوجودات وأرفعها، واآلخر املقدر ناقص ليس باإللهاال، ألنه ناقص وحنن نعرب باالله عن أجل وإن كان أدىن منه كان حم. فيه بالقول املطلق أنه أرفع املوجودات وأجلها

املوجودات فال يكون األجل إال واحدا، وهو اإلله وال يتصور اثنان متساويان يف صفات اجلالل، إذ يرتفع عند .ذلك االفتراق ويبطل العدد كما سبق

إلله، عبارة عن أجل مب تنكرون على من ال ينازعكم يف إجياد من يطلق عليه اسم اإلله، مهما كان ا: فإن قيلاملوجودات، ولكنه يقول العامل كله جبملته ليس مبخلوق خالق واحد، بل هو خملوق خالقني، أحدمها مثال خالق

فما احمليل هلذا ؟ : السماء واآلخر خالق األرض، أو أحدمها خالق اجلمادات واآلخر خالق احليوانات وخالق النباتفمن أين ينفعكم قولكم أن اسم اإلله ال يطلق على هؤالء ؟ فإن هذا القائل فإن مل يكن على استحالة هذا دليل،

يعرب باإلله عن اخلالق، أو يقول أحدمها خالق اخلري واآلخر خالق الشر، أو أحدمها خالق اجلواهر واآلخر خالق .األعراض، فال بد من دليل على استحالة ذلك

: للمخلوقات على اخلالقني يف تقدير هذا السائل ال تعدو قسمنييدل على استحالة ذلك أن هذه التوزيعات : فنقولإما أن تقتضي تقسيم اجلواهر واألعراض مجيعا حىت خلق أحدمها بعض األجسام واألعراض دون البعض، أو يقال كل األجسام من واحد وكل األعراض من واحد، وباطل أن يقال إن بعض األجسام خبلقها واحد كالسماء مثال

ألرض؛ فإنا نقول خالق السماء هل هو قادر على خلق األرض أم ال، فإن كان قادرا كقدرته، مل يتميز أحدمها دون ايف القدرة عن اآلخر، فال يتميز يف املقدور عن اآلخر فيكون املقدور بني قادرين وال تكون نسبته إىل أحدمها بأوىل

Page 24: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

وإن مل يكن قادرا . زاحم متماثلني من غري فرق، وهو حمالمن اآلخر، وترجع االستحالة إىل ما ذكرناه من تقدير تعليه فهو حمال ألن اجلواهر متماثلة وأكواهنا اليت هي اختصاصات باألحياز متماثلة، والقادر على الشيء قادر على

مثله إذ كانت قدرته قدمية حبيث جيوز أن يتعلق مبقدورين وقدرة كل واحد منهما تتعلق بعدة من األجسام وإذا جاوز املقدور الواحد على خالف القدرة احلادثة، مل يكن بعض األعداد . جلواهر، فلم تتقيد مبقدور واحدوا

.بأوىل من بعض، بل جيب احلكم بنفي النهاية عن مقدوراته ويدخل كل جوهر ممكن وجوده يف قدرتها خمتلفان، فال جتب من القدرة على أحدمها يقدر على اجلوهر واآلخر على األعراض ومه: والقاسم الثاين أن يقال

أحدمها القدرة على اآلخر، وهذا حمال، ألن العرض ال يستغين عن اجلوهر، واجلوهر ال يستغين عن العرض، فيكون فعل كل واحد منهما موقوفا على اآلخر، فكيف خيلقه ورمبا ال يساعده خالق اجلوهر على خلق اجلوهر عند إرادته

وكذلك خالق اجلوهر إن أراد خلق اجلوهر مبا خالفه . جزا متحريا والعاجز ال يكون قادراخللق العرض، فيبقى عا .خالق العرض فيمتنع على اآلخر خلق اجلوهر فيؤدي ذلك إىل التمانع

هذه املساعدة هل هي : قلنا. مهما أراد واحد منهما خلق جوهر ساعده اآلخر على العرض وكذا بالعكس: فإن قيلصور يف العقل خالفها فإن أوجبتموها فهو حتكم، بل هو أيضا مبطل للقدرة، فإن خلق اجلوهر من واحد واجبة ال يت

. كأنه يضطر اآلخر إىل خلق العرض، وكذا بالعكس؛ فال تكون له قدرة على الترك وال تتحقق القدرة مع هذاقدرة واملساعدة إن كانت واجبة صار وعلى اجلملة فترك املساعدة إن كان ممكنا فقد تعذر العقل وبطل معىن امل

.الذي ال بد له من مساعدة مضطرا ال قدرة لههذا هوس، ألن الشر ليس شرا لذاته، بل هو من : فيكون أحدمها خالق الشر واآلخر خالق اخلري، قلنا. فإن قيل

سلم بالنار شر، وإحراق حيث ذاته مساو للخري ومماثل له، والقدرة على الشيء قدرة على مثله، فإن إحراق بدن املبدن الكافر خري ودفع شر، والشخص الواحد إذا تكلم بكلمة اإلسالم انقلب اإلحراق يف حقه شرا، فالقادر على

إحراق حلمه بالنار عند سكوته عن كلمة اإلميان ال بد أن يقدر على إحراقه عند النطق هبا، ألن نطقه هبا صوت النار، وال ذات االحتراق، وال يغلب جنسا فتكون االحتراقات متماثلة، ينقضي ال يغري ذات اللحم، وال ذات

كيفما فرض األمر تولد منه اضطراب وفساد : وعلى اجلملة. فيجب تعلق القدرة بالكل ويقتضي ذلك متانعا وتزامحاولنختم هذا . ان القرآنفال مزيد على بي" لو كان فيهما آهلة إال الله لفسدتا " وهو الذي أراد اهللا سبحانه بقوله

القطب بالدعوى العاشرة فلم يبق مما يليق هبذا الفن إال بيان استحالة كونه سبحانه حمال للحوادث، وسنشري إليه يف .أثناء الكالم يف الصفات ردا على من قال حبدوث العلم واإلرادة وغريمها

القطب الثاين

يف الصفات

وفيه سبعة دعاوى

ويتشعب عنها نظر يف أمرين . ه قادر عامل حي مريد مسيع بصري متكلم، فهذه سبعة صفاتإذ ندعى أنه سبحانفلنفتح البداية بالقسم األول وهو اثآت . أحدمها ما به ختص آحاد الصفات، والثاين ما تشترك فيه مجيع الصفات

.أصل الصفات وشرح خصوص أحكامها

Page 25: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

القسم األول

أصل الصفات

الصفة األوىل

القدرة

أن حمدث العامل قادر، ألن العامل فعل حمكم مرتب متقن منظوم مشتمل على أنواع من العجائب واآليات، ندعيكل فعل حمكم فهو صادر من فاعل قادر، والعامل فعل حمكم فهو إذا : ونرتب القياس فنقول. وذلك يدل على القدرة

عنينا بكونه حمكما : أن العامل فعل حمكم، قلناصادر من فاعل قادر، ففي أي األصلني النزاع ؟ فإن قيل فلم قلتم ترتبه ونظامه وتناسبه، فمن نظر يف أعضاء نفسه الظاهرة والباطنة ظهر له من عجائب االتقان ما يطول حصره،

فبم عرفتم األصل اآلخر وهو أن كل فعل : فإن قيل. فهذا أصل تدرك معرفته باحلس واملشاهدة فال يسع جحدههذا مدركه ضرورة العقل؛ فالعقل يصدق به بغري دليل وال يقدر العاقل على : قادر ؟ قلنا مرتب حمكم ففاعله

نعين بكونه قادرا أن الفعل الصادر منه ال خيلو : جحده، ولكنا مع هذا جنرد دليال يقطع دابر اجلحود والعناد، فنقول، إذ لو كان كذلك لكان قدميا مع الذات إما أن يصدر عنه لذاته أو لزائد عليه، وباطل أن يقال صدر عنه لذاته

فدل أنه صدر لزائد على ذاته، والصفة الزائدة اليت هبا هتيأ للفعل املوجود نسميها قدرة، إذ القدرة يف وضع اللسان عبارة عن الصفة اليت يتهيأ الفعل للفاعل وهبا يقع الفعل، فإن قيل ينقلب عليكم هذا يف القدرة فإهنا قدمية والفعل

يس بقدمي، قلنا سيأيت جوابه يف أحكام اإلرادة فيما يقع الفعل به، وهذا الوصف مما دل عليه التقسيم القاطع الذي لومن حكمها أهنا متعلقة جبميع . ولسنا نعين بالقدرة إال هذه الصفة، وقد أثبتناها فلنذكر أحكامها. ذكرناه

وال خيفى أن املمكنات ال هناية هلا فال هناية إذا . اية هلااملقدورات، وأعين باملقدورات املمكنات كلها اليت ال هنللمقدورات، ونعين بقولنا ال هناية للممكنات أن خلق احلوادث بعد احلوادث ال ينتهي إىل حد يستحيل يف العقل حدوث حادث بعده، فاإلمكان مستمر أبدا والقدرة واسعة جلميع ذلك، وبرهان هذه الدعوى وهي عموم تعلق

قدرة أنه قد ظهر أن صانع كل العامل واحد، فإما أن يكون له بإزاء كل مقدور قدرة واملقدورات ال هناية هلا فتثبت القدرة متعددة ال هناية هلا وهو حمال كما سبق يف إبطال دورات ال هناية هلا، وإما أن تكون القدرة واحدة كما سبق

درة واحدة فيكون تعلقها مع احتادها مبا يتعلق به من اجلواهر يف إبطال دورات ال هناية هلا، وإما أن تكون القواألعراض مع اختالفها ألمر تشترك فيه وال يشترك يف أمر سوى االمكان، فيلزم منه أن كل ممكن فهو مقدور ال

.حمالة وواقع بالقدرةقدرة على الشيء قدرة على وباجلملة، إذا صدرت منه اجلواهر واألعراض استحال أن ال يصدر منه أمثاهلا، فإن ال

مثله إذ مل ميتنع التعدد يف املقدور لنسبته إىل احلركات كلها واأللوان كلها على وترية واحدة فتصلح خللو حركة وهو الذي عنيناه بقولنا إن قدرته تعاىل .. بعد حركة على الدوام، وكذا لون بعد لون وجوهر بعد جوهر وهكذا

ومناسبة ذات القدرة ال ختتص بعدد دون عدد وال ميكن أن . ال ينحصر يف عدد متعلقة بكل ممكن فإن اإلمكانيشار إىل حركة فيقال أهنا خارجة عن إمكان تعلق القدرة هبا، مع أهنا تعلقت مبثلها إذ بالضرورة تعلم أن ما وجب

.للشيء وجب ملثله ويتشعب عن هذا ثالثة فروعهذا مما اختلف فيه، وال يتصور اخلالف فيه : الف املعلوم مقدور ؟ قلناإن قال قائل هل تقولون أن خ: الفرع األول

Page 26: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

فانظر أن خالف . إذا حقق وأزيل تعقيد األلفاظ وبيانه أنه قد ثبت أن كل ممكن مقدور وأن احملال ليس مبقدورتساهلت يف املعلوم حمال أو ممكن وال تعرف ذلك إال إذا عرفت معىن احملال واملمكن وحصلت حقيقتهما وإال فإن

النظر، رمبا صدق على خالف املعلوم أنه حمال وأنه ممكن وأنه ليس مبحال، فإذا صدق أنه حمال وأنه ليس مبحال . والنقيضان ال يصدفان معا

فاعلم أن حتت اللفظ امجاال وإمنا ينكشف لك ذلك مبا أقوله وهو أن العامل مثال يصدق عليه أنه واجب وأنه حمال أما كونه واجبا فمن حيث أنه إذا فرضت إرادة القدمي موجودة وجودا واجبا كان املراد أيضا واجبا . وأنه ممكن

بالضرورة ال جائزا، إذ يستحيل عدم املراد مع حتقق اإلرادة القدمية وأما كونه حماال فهو أنه لو قدر عدم تعلق وأما كونه . حدوث حادث بال سبب وقد عرف أنه حمال االرادة باجياده فيكون ال حمالة حدوثه حماال إذ يؤدي إىل

ممكنا فهو أن تنظر إىل ذاته فقط، وال تعترب معه ال وجود اإلرادة وال عدمها، فيكون له وصف اإلمكان، فإذا .األول أن يشترط فيه وجود اإلرادة وتعلقها فهو هبذا االعتبار واجب: االعتبارات ثالثة

.دة فهو هبذا االعتبار حمالالثاين أن يعترب فقد اإلراالثالث أن نقطع االلتفات عن اإلرادة والسبب فال نعترب وجوده وال عدمه وجنرد النظر إىل ذات العامل فيبقى له هبذا

ونعين به أنه ممكن لذاته، أي إذا مل نشترط غري ذاته كان ممكنا فظهر منه أنه . االعتبار األمر الثالث وهو اإلمكانالشيء الواحد ممكنا حماال، ولكن ممكنا باعتبار ذاته حماال باعتبار غريه، وال جيوز أن يكون ممكنا لذاته جيوز أن يكون

إذا سبق يف علم اهللا تعاىل إماتة زيد صبيحة يوم السبت : حماال لذاته، فهما متناقضان فنرجع إىل خالف املعلوم فنقولسبت ممكن أم ليس مبمكن ؟ فاحلق فيه أنه ممكن وحمال؛ أي هو ممكن خلق احلياة لزيد صبيحة يوم ال: مثال فنقول

باعتبار ذاته إن قطع االلتفات إىل غريه، وحمال لغريه ال لذاته وذلك إذا اعترب معه االلتفات إىل تعلق ذاهتا وهو ذات فإذا قلنا حياة زيد . غريهالعلم، إذ ينقلب جهال، وحمال أن ينقلب جهال فبان أنه ممكن لذاته حمال للزوم استحالة يف

وقدرة . يف هذا الوقت مقدورة، مل نرد به إال أن احلياة من حيث أهنا حياة ليس مبحال، كاجلمع بني السواد والبياضاهللا تعاىل من حيث أهنا قدرة ال تنبو عن التعلق خبلق احلياة وال تتقاصر عنه لفتور وال ضعف وال سبب يف ذات

ستحيل إنكارمها، أعين نفي القصور عن ذات القدرة وثبوت اإلمكان لذات احلياة من حيث القدرة، وهذان أمران يأهنا حياة فقط من غري التفات إىل غريها، واخلصم إذا قال غري مقدور على معىن أن وجوده يؤدي إىل استحالة فهو

اللغة إطالق هذا االسم عليه صادق يف هذا املعىن، فإنا لسنا ننكره ويبقى النظر يف اللفظ هل هو صواب من حيثأو سلبه، وال خيفى أن الصواب إطالق اللفظ فإن الناس يقولون فالن قادر على احلركة والسكون، إن شاء حترك

وإن شاء سكن، ويقولون إن له يف كل وقت قدرة على الضدين ويعلمون أن اجلاري يف علم اهللا تعاىل وقوع .وحظ املعىن فيه ضروري ال سبيل إىل جحده أحدمها، فاالطالقات شاهدة ملا ذكرناه

إن قال قائل إذا ادعيتم عموم القدرة يف تعلقها باملمكنات، فما قولكم يف مقدورات احليوان وسائر : الفرع الثايناألحياء من املخلوقات، أهي مقدورة هللا تعاىل أم ال ؟ فإن قلتم ليست مقدورة، فقد نقضتم قولكم إن تعلق القدرة

ن قلتم إهنا مقدورة له لزمكم إثبات مقدور بني قادرين وهو حمال، وإنكار كون اإلنسان وسائر احليوان عام، وإقادرا فهو مناكرة للضرورة وجماحدة ملطالبات الشريعة، إذ تستحيل املطالبة مبا ال قدرة عليه ويستحيل أن يقول اهللا

.درة عليه وال قدرة لك عليهلعبده ينبغي أن تتعاطى ما هو مقدور يل وأنا مستأثر بالقيف االنفصال قد حتزب الناس يف هذا أحزابا؛ فذهبت اجملربة إىل انكار قدرة العبد فلزمها إنكار ضرورة : فنقول

التفرقة بني حركة الرعدة واحلركة االختيارية، ولزمها أيضا استحالة تكاليف الشرع، وذهبت املعتزلة إىل انكار

Page 27: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

أفعال العباد من احليوانات واملالئكة واجلن واإلنس والشياطني وزعمت أن مجيع ما يصدر منها تعلق قدرة اهللا تعاىل ب :من خلق العباد واختراعهم ال قدرة هللا تعاىل عليها بنفي وال إجياب فلزمتها شناعتان عظيمتان

واه، والثانية نسبة االختراع إحدامها انكار ما أطبق عليه السلف رضي اهللا عنهم من أنه ال خالق إال اهللا وال خمترع سواخللق إىل قدرة من ال يعلم ما خلقه من احلركات، فإن احلركات اليت تصدر من اإلنسان وسائر احليوان لو سئل عن عددها وتفاصيلها ومقاديرها مل يكن عنده خرب منها، بل الصيب كما ينفصل من املهد يدب إىل الثدي باختياره

ب إىل ثدي أمها وهي مغمضة عينها، والعنكبوت تنسج من البيوت أشكاال غريبة وميتص، واهلرة كما ولدت تديتحري املهندس يف استدارهتا وتوازي أضالعها وتناسب ترتيبها وبالضرورة تعلم انفكاكها عن العلم مبا تعجز

مسبع وال املهندسون عن معرفته، والنحل تشكل بيوهتا على شكل التسديس فال يكون فهيا مربع وال مدور والشكل آخر وذلك لتميز شكل املسدس خباصية دلت عليها الرباهني اهلندسية ال توجد يف غريها، وهو مبين على

اصول أحدها، أن أحوى األشكال وأوسعها الشكل املستدير املنفك عن الزوايا اخلارجة عن االستقامة، والثاين، أن رج معطلة ال حمالة، والثالث، أن أقرب األشكال القليلة األشكال املستديرة إذا وضعت متراصة بقيت بينها ف

األضالع إىل املستديرة يف االحتواء هو شكل املسدس، والرابع أن كل األشكال القريبة من املستديرة كاملسبع واملثمن واملخمس إذا وضعت مجلة متراصة متجاورة بقيت بينها فرج معطلة ومل تكن متالصقة، وأما املربعة فإهنا

الصقة ولكنها بعيدة عن احتواء الدوائر لتباعد زواياها عن أوساطها، وملا كان النحل حمتاجا إىل شكل قريب من متالدوائر ليكون حاويا لشخصه فإنه قريب من االستدارة، وكان حمتاجا لضيق مكانه وكثرة عدده إىل أن ال يضيع

كن يف األشكال مع خروجها عن النهاية شكل يقرب من موضعا بفرج تتخلل بني البيوت وال تتسع ألشخاصها ومل ياالستدارة وله هذه اخلاصية وهو التراص واخللو عن بقاء الفرج بني أعدادها إال املسدس، فسخرها اهللا تعاىل

الختيار الشكل املسدس يف صناعة بيتها؛ فليت شعري أعرف النحل هذه الدقائق اليت يقصر عن دركها أكثر عقالء سخره لنيل ما هو مضطر إليه اخلالق املنفرد باجلربوت وهو يف الوسط جمري فتقدير اهللا تعاىل جيري عليه اإلنس أم

وفيه، وهو ال يدريه وال قدرة له على االمتناع عنه، وإن يف صناعات احليوانات من هذا اجلنس عجائب لو أوردت للزائغني عن سبيل اهللا املغترين بقدرهتم القاصرة منها طرفا المتألت الصدور من عظمة اهللا تعاىل وجالله، فتعسا

هيهات . ومكنتهم الضعيفة الظانني أهنم مسامهون اهللا تعاىل يف اخللق واالختراع وإبداع مثل هذه العجائب واآلياتذلت املخلوقات وتفرد بامللك وامللكوت جبار األرض والسموات فهذه أنواع الشناعات الالزمة على ! هيهات القول باجلرب : فقالوا. عتزلة فانظر اآلن إىل أهل السنة كيف وفقوا للسداد ورشحوا لالقتصاد يف االعتقادمذهب امل

والقول مبقدور منسوب إىل . حمال باطل، والقول باالختراع اقتحام هائل، وإمنا احلق إثبات القدرتني على فعل واحداحد وهذا إمنا يبعد إذا كان تعلق القدرتني على وجه واحد، قادرين فال يبقى إال استبعاد توارد القدرتني على فعل و

.فإن اختلفت القدرتان واختلف وجه تعلقهما فتوارد التعلقني على شيء واحد غري حمال كما سنبينه فإن قيل فما الذي محلكم على اثبات مقدور بني قادرين ؟

وإن فرضت الرعدة مراد للمرتعد ومطلوبة له أيضا الربهان القاطع على أن احلركة االختيارية مفارقة للرعدة،: قلناوال مفارقة إال بالقدرة، مث الربهان القاطع على أن كل ممكن تتعلق به قدرة اهللا تعاىل وكل حادث ممكن وفعل العبد

حركة احلركة االختيارية من حيث أهنا : حادث فهو إذا ممكن فإن مل تتعلق به قدرة اهللا تعاىل فهو حمال، فإنا نقولحادثة ممكنة مماثلة حلركة الرعدة فيستحيل أن تتعلق قدرة اهللا تعاىل بإحدامها وتقصر عن األخرى وهي مثلها، بل

Page 28: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

يلزم عليه حمال آخر وهو أن اهللا تعاىل لو أراد تسكني يد العبد إذا أراد العبد حتريكها فال خيلو إما أن توجد احلركة دي إىل اجتماع احلركة والسكون أو إىل اخللو عنهما، واخللو عنهما مع والسكون مجيعا أو كالمها ال يوجد فيؤ

التناقض يوجب بطالن القدرتني، إذ القدرة ما حيصل هبا املقدور عند حتقق اإلرادة وقبول احملل، فإن ظن اخلصم أن لق القدرة األخرى مقدور اهللا تعاىل يترجح ألن قدرته أقوى فهو حمال، ألن تعلق القدرة حبركة واحدة ال تفضل تع

هبا، إذ كانت فائدة القدرتني االختراع وإمنا قوته باقتداره على غريه واقتداره على غريه غري مرجح يف احلركة اليت فيها الكالم، إذ حظ احلركة من كل واحدة من القدرتني أن تصري خمترعة هبا واالختراع يتساوى فليس فيه أشد وال

.ا الدليل القاطع على إثبات القدرتني ساقنا إىل إثبات مقدور بني قادرينأضعف حىت يكون فيه ترجيح، فإذ .الدليل ال يسوق إىل حمال ال يفهم وما ذكرمتوه غري مفهوم: فإن قيل

علينا تفهيمه وهو أنا نقول اختراع اهللا سبحانه للحركة يف العبد معقول دون أن تكون احلركة مقدورة للعبد، : قلناوخلق معها قدرة عليها كان هو املستبد باالختراع للقدرة واملقدور مجيعا، فخرج منه أنه منفرد فمهما خلق احلركة

باالختراع وأن احلركة موجودة وأن املتحرك عليها قادر وبسبب كونه قادرا فارق حاله حال املرتعد فاندفعت للقدرة واملقدور معا، وملا كان اسم وحاصله أن القادر الواسع القدرة هو قادر على االختراع. اإلشكاالت كلها

اخلالق واملخترع مطلقا على من أوجد الشيء بقدرته وكانت القدرة واملقدور مجيعا بقدرة اهللا تعاىل، مسي خالقا ومل يكن املقدور خمترعا بقدرة العبد وإن كان معه فلم يسم خالقا وال خمترعا ووجب أن يطلب هلذا النمط . وخمترعانسبة اسم آخر خمالف فطلب له اسم الكسب تيمنا بكتاب اهللا تعاىل، فإنه وجد إطالق ذلك على أعمال العباد من ال

.يف القرآن وأما اسم الفعل فتردد يف إطالقه وال مشاحة يف األسامي بعد فهم املعاينإن مل يكن هلا تعلق باملقدور مل الشأن يف فهم املعىن وما ذكرمتوه غري مفهوم، فإن القدرة املخلوقة احلادثة: فإن قيل

وإن تعلقت به فال يعقل تعلق القدرة باملقدور إال من حيث . تفهم؛ إذ قدرة ال مقدور هلا حمال، كعلم ال معلوم لهفالنسبة بني املقدور والقدرة نسبة املسبب إىل السبب وهو كونه به، فإذا مل يكن . التأثري واالجياد وحصول املقدور به

.عالقة فلم تكن قدرة، إذ كل ما ال تعلق له فليس بقدرة إذ القدرة من الصفات املتعلقة به مل تكنهي متعلقة، وقولكم أن التعلق مقصور على الوقوع به يبطل بتعلق االرادة والعلم، وإن قلتم أن تعلق القدرة : قلنا

ضت قبل الفعل، فهل هي متعلقة أم ال مقصور على الوقوع هبا فقط فهو أيضا باطل، فإن القدرة عندكم تبقى إذا فر؟ فإن قلتم ال فهو حمال، وإن قلتم نعم فليس املعين هبا وقوع املقدور هبا، إذ املقدور بعد مل يقع فال بد من إثبات نوع آخر من التعلق سوى املوقوع هبا، إذ التعلق عند احلدوث يعرب عنه بالوقوع به والتعلق قبل ذلك خمالف له فهو نوع

من التعلق، فقولكم إن تعلق القدرة به منط واحد خطأ وكذلك القادرية القدمية عندهم فإهنا متعلقة بالعلم يف آخر األزل وقبل خلق العامل، فقولنا أهنا متعلقة صادق وقولنا أن العامل واقع هبا كاذب، ألنه مل يقع بعد فلو كانا عبارتني

.عن معىن واحد لصدق أحدمها حيث يصدق اآلخر .معىن تعلق القدرة قبل وقوع املقدور أن املقدور إذا وقع هبا: ن قيلفإفليس هذا تعلقا يف احلال بل هو انتظار تعلق، فينبغي أن يقال القدرة موجودة وهي صفة ال تعلق هلا ولكن : قلنا

مل تكن من املتعلقات ينتظر هلا تعلق إذا وقع وقع املقدور هبا، وكذا القادرية ويلزم عليه حمال، وهو أن الصفة اليت .صارت من املتعلقات وهو حمال

.معناه أهنا متهيئة لوقوع املقدور هبا: فإن قيل

Page 29: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

فكما عقل عندكم قدرة موجودة . وال معىن للتهيؤ إال انتظار الوقوع هبا، وذلك ال يوجب تعلقا يف احلال: قلناكذلك واملقدور غري واقع هبا ولكنه واقع بقدرة اهللا متعلقة باملقدور واملقدور غري واقع هبا عقل عندنا أيضا قدرة

تعاىل، فلم خيالف مذهبنا ههنا مذهبكم إال يف قولنا أهنا وقعت بقدرة اهللا تعاىل، فإذا مل يكن من ضرورة وجود القدرة تعاىل ال وال تعلقها باملقدور وجود املقدور هبا؛ فمن أين يستدعي عدم وقوعها بقدرة اهللا تعاىل ووجوده بقدرة اهللا

فضل له على عدمه من حيث انقطاع النسبة عن القدرة احلادثة إذ النسبة، إذا مل متتنع بعدم املقدور، فكيف متتنع .بوجود املقدور ؟ وكيف ما فرض املقدور موجودا أو معدوما فال بد من قدرة متعلقة ال مقدور هلا يف احلال

إن عنيتم به أن احلالة اليت يدركها اإلنسان عند : مبثابة واحدة، قلنا فقدرة ال يقع هبا مقدور، والعجز،: فإن قيلوجودها مثل ما يدركها عند العجز يف الرعدة فهو مناكرة للضرورة وإن عنيتم أهنا مبثابة العجز يف أن املقدور مل يقع

عاىل ظن أنه مثل هبا فهو صدق ولكن تسميته عجزا خطأ وإن كان من حيث القصور إذا نسبت إىل قدرة اهللا تالعجز، وهذا كما أنه لو قيل القدرة قبل الفعل، على أصلهم، مساوية للعجز من حيث أن املقدور غري واقع هبا

لكان اللفظ منكرا من حيث أهنا حالة مدركة يفارق إدراكها يف النفس إدراك العجز، فكذلك هذا، وال فرق وعلى ، إحدامها أعلى واألخرى بالعجز أشبه مهما أضيفت إىل األعلى، وأنت اجلملة فال بد من إثبات قدرتني متفاوتتني

باخليار بني أن تثبت للعبد قدرة توهم نسبة العجز للعبد من وجه، وبني أن تثبت هللا سبحانه ذلك تعاىل اهللا عما ال أوىل وال تستريب إن كنت منصفا يف أن نسبة القصور والعجز باملخلوقات أوىل بل ال يق. يقول الزائغون

.الستحالة ذلك يف حق اهللا تعاىل فهذا غاية ما حيتمله هذا املختصر من هذه املسألةكيف تدعون عموم تعلق القدرة جبملة احلوادث وأكثر ما يف العامل من احلركات : فإن قال قائل: الفرع الثالث

ة تولد حركة اخلامت، وحركة اليد وغريها متولدات يتولد بعضها من بعض بالضرورة، فإن حركة اليد مثال بالضروريف املاء تولد حركة املاء، وهو مشاهد، والعقل أيضا يدل عليه إذ لو كانت حركة املاء واخلامت خبلق اهللا تعاىل جلاز أن

.خيلق حركة اليد دون اخلامت وحركة اليد دون املاء، وهو حمال، وكذا يف املتولدات مع انشعاهبا. كن التصرف فيه بالرد والقبول، فإن كون املذهب مردودا أو مقبوال بعد كونه معقوالما ال يفهم ال مي: فنقول

واملعلوم عندنا من عبارة التولد أن خيرج جسم من جوف جسم كما خيرج اجلنني من بطن األم والنبات من بطن هو شيء حاو ألشياء األرض، وهذا حمال يف األعراض؛ إذ ليس حلركة اليد جوف حىت خترج منه حركة اخلامت وال

حىت يرشح منه بعض ما فيه، فحركة اخلامت إذا مل تكن كامنة يف ذات حركة اليد فما معىن تولدها منها ؟ فال بد من تفهيمه، وإذا مل يكن هذا مفهوما فقولكم إنه مشاهد محاقة، إذ كوهنا حادثة معها مشاهد ال غري، فأما كوهنا متولد

إنه لو كان خبلق اهللا تعاىل لقدر على أن خيلق حركة اليد دون اخلامت وحركة اليد دون منها فغري مشاهد، وقولكم املاء فهذا هوس يضاهي قول القائل لو مل يكن العلم متولدا من اإلرادة لقدر على أن خيلق االرادة دون العلم أو

ري معقول، واالرادة شرطها العلم احملال غري مقدور ووجود املشروط دون الشرط غ: العلم دون احلياة، ولكن نقولوالعلم شرطه احلياة وكذلك شرط شغل اجلوهر حليز فراغ ذلك احليز، فإذا حرك اهللا تعاىل اليد فال بد أن يشغل هبا

حيزا يف جوار احليز الذي كانت فيه، فما مل يفرغه كيف يشغله به ؟ ففراغه شرط اشتغاله باليد، إذ لو حترك ومل اء بعدم املاء أو حركته الجتمع جسمان يف حيز واحد وهو حمال، فكان خلو أحدمها شرطا لآلخر يفرغ احليز من امل

فتالزما فظن أن أحدمها متولد من اآلخر وهو خطأ فأما الالزمات اليت ليست شرطا فعندنا جيوز أن تنفك عن اورة النار وحصول الربودة يف اليد عند االقتران مبا هو الزم هلا، بل لزومه حبكم طرد العادة كاحتراق القطن عند جم

Page 30: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

مماسة الثلج، فإن كل ذلك مستمر جبريان سنة اهللا تعاىل، وإال فالقدرة من حيث ذاهتا غري قاصرة عن خلق الربودة :فإذا ما يراه اخلصم متولدا قسمان. يف الثلج واملماسة يف اليد مع خلق احلرارة يف اليد بدال عن الربودة

. يتصور فيه إال االقتران، والثاين ليس بشرط فيتصور فيه غري االقتران إذ خرقت العاداتأحدمها شرط فالفإن قال قائل مل تدلوا على بطالن التولد ولكن أنكرمت فهمه وهو مفهوم، فإنا ال نريد به ترشح احلركة من احلركة

لج وانتقاهلا أو خبروجها من ذات خبروجها من جوفها وال تولد برودة من برودة الثلج خبروج الربودة من الثالربودة، بل نعين به وجود موجود عقيب موجود وكونه موجودا وحادثا به فاحلادث نسميه متولدا والذي به

إذا أقررمت بذلك دل على بطالنه ما : احلدوث نسميه مولدا وهذه التسمية مفهومة فما الذي يدل على بطالنه ؟ قلناة احلادثة موجودة فإنا إذا أحلنا أن نقول حصل مقدور بقدرة حادثة فكيف ال خييل دل على بطالن كون القدر

احلصول مبا ليس بقدرة واستحالته راجعة إىل عموم تعلق القدرة، وإن خروجه عن القدرة مبطل لعموم تعلقها وهو .حمال مث هو موجب للعجز والتمانع كما سبق

ضات يف تفصيل التولد ال حتصى، كقوهلم إن النظر يولد العلم، وتذكره ال نعم، وعلى املعتزلة القائلني بالتولد مناقيولده إىل غري ذلك مما ال نطول بذكره، فال معىن لإلطناب فيما هو مستغىن عنه، وقد عرفت من مجلة هذا أن

ىل، وهو املستبد احلادثات كلها، جواهرها وأعراضها احلادثة منها يف ذات األحياء واجلمادات، واقعة بقدرة اهللا تعاباختراعها، وليس تقع بعض املخلوقات ببعض بل الكل يقع بالقدرة وذلك ما أردنا أن نبني من إثبات صفة القدرة

.هللا تعاىل وعموم حكمها وما اتصل هبا من الفروع واللوازم

الصفة الثانية

العلم

ن املوجودات منقسمة إىل قدمي وحادث، والقدمي ندعي أن اهللا تعاىل عامل جبميع املعلومات املوجودات واملعدومات؛ فإذاته وصفاته ومن علم غريه فهو بذاته وصفاته أعلم، فيجب ضرورة أن يكون بذاته عاملا وصفاته إن ثبت أنه عامل

ومعلوم أنه عامل بغريه ألن ما ينطلق عليه اسم الغري فهو صنعه املتقن وفعله احملكم املرتب وذلك يدل على . بغريهه على ما سبق؛ فإن من رأى خطوطا منظومة تصدر على االتساق من كاتب مث استراب يف كونه عاملا بصنعة قدرت

.الكتابة كان سفيها يف استرابته، فإذا قد ثبت أنه عامل بذاته وبغريهاالستقبال غري ال؛ فإن املوجودات يف احلال وإن كانت متناهية فاملمكنات يف : فإن قيل فهل ملعلوماته هناية ؟ قلنا

متناهية، ونعلم أن املمكنات اليت ليست مبوجودة أنه سيوجدها أوال يوجدها، فيعلم إذا ما ال هناية له بل لو أردنا أن .نكثر على شيء واحد وجوها من النسب والتقديرات خلرج عن النهاية واهللا تعاىل عامل جبميعها

بعة مثانية، وضعف الثمانية ستة عشر، وهكذا نضعف ضعف اإلثنني فإنا نقول مثال ضعف االثنني أربعة، وضعف األروضعف ضعف الضعف وال يتناهى، واإلنسان ال يعلم من مراتبها إال ما يقدره بذهنه، وسينقطع عمره ويبقى من

فإذا معرفة أضعاف أضعاف اإلثنني، وهو عدد واحد، خيرج عن احلصر وكذلك كل عدد، . التضعيفات ما ال يتناهىيف غري ذلك من النسب والتقديرات، وهذا العلم مع تعلقه مبعلومات ال هناية هلا واحد كما سيأيت بيانه من بعد فك

. مع سائر الصفات

Page 31: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

الصفة الثالثة

احلياة

فإن كون العامل القادر . ندعي أنه تعاىل حي وهو معلوم بالضرورة، ومل ينكره أحد ممن اعترف بكونه تعاىل عاملا قادراضروري إذ ال يعين باحلي إال ما يشعر بنفسه ويعلم ذاته وغريه، والعامل جبميع املعلومات والقادر على مجيع حيا

. املقدورات كيف ال يكون حيا، وهذا واضح والنظر يف صفة احلياة ال يطول

الصفة الرابعة

اإلرادة

بضروب من اجلواز ال يتميز بعضها من البعض ندعي أن اهللا تعاىل مريد ألفعاله وبرهانه أن الفعل الصادر منه خمتص إال مبرجح، وال تكفي ذاته للترجيح، ألن نسبة الذات إىل الضدين واحدة فما الذي خصص أحد الضدين بالوقوع

يف حال دون حال ؟ وكذلك القدرة ال تكفي فيه، إذ نسبة القدرة إىل الضدين واحدة، وكذلك العلم ال يكفي ى بالعلم عن اإلرادة ألن العلم يتبع املعلوم ويتعلق به على ما هو عليه وال يؤثر فيه وال خالفا للكعيب حيث اكتف

. يغريه

فإن كان الشيء ممكنا يف نفسه مساويا للممكن اآلخر الذي يف مقابلته فالعلم يتعلق به على ما هو عليه وال جيعل ويهما، واهللا سبحانه وتعاىل يعلم أن وجود العامل يف أحد املمكنني مرجحا على اآلخر، بل نعقل املمكنني ويعقل تسا

الوقت الذي وجد فيه كان ممكنا، وأن وجوده بعد ذلك وقبل ذلك كان مساويا له يف اإلمكان ألن هذه االمكانات متساوية، فحق العلم أن يتعلق هبا كما هو عليه فإن اقتضت صفة اإلرادة وقوعه يف وقت معني تعلق العلم بتعيني

وده يف ذلك الوقت لعلة تعلق االرادة به فتكون اإلرادة للتعيني علة ويكون العلم متعلقا به تابعا له غري مؤثر وجفيه، ولو جاز أن يكتفى بالعلم عن االرادة الكتفي به عن القدرة، بل كان ذلك يكفي يف وجود أفعالنا حىت ال

.اهللا تعاىل به وكل ذلك حمال حنتاج إىل اإلرادة، إذ يترجح أحد اجلانبني بتعلق علموهذا ينقلب عليكم يف نفس االرادة، فإن القدرة كما ال تناسب أحد الضدين فاالرادة القدمية أيضا ال : فإن قيل

تتعني ألحد الضدين، فاختصاصها بأحد الضدين ينبغي أن يكون مبخصص ويتسلسل ذلك إىل غري هناية، إذ يقال حدث من الذات لكان مع الذات غري متأخر فال بد من القدرة والقدرة ال تكفي الذات ال تكفي للحدوث، إذ لو

إذ لو كان للقدرة ملا اختص هبذا الوقت وما قبله وما بعده يف النسبة إىل جواز تعلق القدرة هبا على وترية، فما الذي مية عامة التعلق كالقدرة، واالرادة ال تكفي، فإن اإلرادة القد: خصص هذا الوقت فيحتاج إىل االرادة ؟ فيقال

فنسبتها إىل األوقات واحدة ونسبتها إىل الضدين واحدة، فإن وقع احلركة مثال بدال عن السكون ألن االرادة .تعلقت باحلركة ال بالسكون

نعم، فهما متساويان؛ أعين احلركة : ال، فهو حمال؛ وإن قيل: وهل كان ميكن أن يتعلق بالسكون ؟ فإن قيل: فيقالالسكون يف مناسبة اإلرادة القدمية فما الذي أوجب ختصيص اإلرادة القدمية باحلركة دون السكون فيحتاج إىل و

..خمصص مث يلزم السؤال يف خمصص املخصص ويتسلسل إىل غري هناية

Page 32: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ل إن قائل يقو: هذا سؤال غري معقول حري عقول الفرق ومل يوفق للحق إال أهل السنة فالناس فيه أربع فرق: قلناالعامل وجد لذات اهللا سبحانه وتعاىل وإنه ليس للذات صفة زائدة البتة، وملا كان الذات قدمية كان العامل قدميا وكانت نسبة العامل إليه كنسبة املعلول إىل العلة، ونسبة النور إىل الشمس، والظل إىل الشخص؛ وهؤالء هم

.الفالسفةالوقت الذي حدث فيه ال قبله وال بعده إلرادة حادثة حدثت له ال يف وقائل يقول إن العامل حادث ولكن حدث يف

.حمل فاقتضت حدوث العامل، وهؤالء هم املعتزلةوقائل يقول حدث . وقائل يقول حدث بإرادة حادثة حدثت يف ذاته، وهؤالء هم القائلون بكونه حمال للحوادث

ذلك الوقت، من غري حدوث إرادة ومن غري تغري صفة العامل يف الوقت الذي تعلقت االرادة القدمية حبدوثه يفالقدمي، فانظر إىل الفرق وانسب مقام كل واحد إىل اآلخر، فإنه ال ينفك فريق عن إشكال ال ميكن حله إال إشكال

.أهل السنة فإنه سريع االحناللا؛ إذ معىن كونه فعال أنه مل يكن مث أما الفالسفة فقد قالوا بقدم العامل، وهو حمال، ألن الفعل يستحيل أن يكون قدمي

كان، فإن كان موجودا مع اهللا أبدا فكيف يكون فعال ؟ بل يلزم من ذلك دورات ال هناية هلا على ما سبق، وهو حمال من وجوه، مث إهنم مع اقتحام هذا اإلشكال مل يتخلصوا من أصل السؤال وهو أن اإلرادة مل تعلقت باحلدوث

قبله وال بعده، مع تساوي نسب األوقات إىل اإلرادة، فإهنم إن ختلصوا عن خصوص الوقت مل يف وقت خمصوص اليتخلصوا عن خصوص الصفات، إذ العامل خمصوص مبقدار خمصوص ووضع خمصوص، وكانت نقايضها ممكنة يف

هلم عنه أمران العقل، والذات القدمية ال تناسب بعض املمكنات دون بعض، ومن أعظم ما يلزمهم فيه، وال عذر أحدمها، أن حركات األفالك بعضها مشرقية أي من : أوردنامها يف كتاب هتافت الفالسفة وال حميص هلم عنهما البتة

املشرق إىل املغرب، وبعضها مغربية أي من مغرب الشمس إىل املشرق، وكان عكس ذلك يف اإلمكان مساويا له، الذات القدمية أو من دورات األفالك وهي قدمية عندهم أن تتعني إذ اجلهات يف احلركات متساوية، فكيف لزم من

.جهة عن جهة تقابلها وتساويها من كل وجه ؟ وهذا ال جواب عنه

الثاين، أن الفلك األقصى الذي هو الفلك التاسع عندهم احملرك جلميع السماوات بطريق القهر يف اليوم والليلة مرة يب، والقطب عبارة عن النقطتني املتقابلتني على الكرة الثابتتني عند حركة واحدة يتحرك على قطبني مشايل وجنو

.الكرة على نفسها، واملنطقة عبارة عن دائرة عظيمة على وسط الكرة بعدها من النقطتني واحدفما الذي أوجب تعيني نقطتني من . جرم الفلك األقصى متشابه، وما من نقطة إال ويتصور أن تكون قطبا: فنقول

ني سائر النقط اليت ال هناية هلا عندهم، فال بد من وصف زائد على الذات من شأنه ختصيص الشيء عن مثله وليس ب: وأما املعتزلة فقد اقتحموا أمرين شنيعني باطلني. وقد استوفينا حتقيق االلتزامني يف كتاب التهافت. ذلك إال اإلرادة

ال يف حمل، وإذا مل تكن اإلرادة قائمة به فقول القائل إنه مريدها هجر أحدمها، كون الباري تعاىل مريدا بإرادة حادثة .من الكالم، كقوله إنه مريد بإرادة قائمة بغريه

والثاين، أن اإلرادة مل حدثت يف هذا الوقت على اخلصوص، فإن كانت بإرادة أخرى فالسؤال يف اإلرادة األخرى إرادة فليحدث العامل يف هذا الوقت على اخلصوص ال بارادة، فإن الزم، ويتسلسل إىل غري هناية، وإن كان ليس ب

واحلادثات يف هذا متساوية، مث مل . افتقار احلادث إىل االرادة جلوازه ال لكونه جسما أو امسا أو إرادة أو علماركة دون يتخلصوا من اإلشكال إذ يقال هلم مل حدثت اإلرادة يف هذا الوقت على اخلصوص ومل حدثت إرادة احل

إرادة السكون، فإن عندهم حيدث لكل حادث إرادة حادثة متعلقة بذلك احلادث فلم مل حتدث إرادة تتعلق بضده ؟

Page 33: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

وأما الذين ذهبوا إىل حدوث اإلرادة يف ذاته تعاىل ال متعلقة بذلك احلادث فقد دفعوا أحد اإلشكالني وهو كونه مث قد بقيت . آخر وهو كونه حمال للحوادث، وذلك يوجب حدوثهمريدا بإرادة يف غري ذاته ولكن زادوا إشكاال .عليهم بقية اإلشكال ومل يتخلصوا من السؤال

وأما أهل احلق فإهنم قالوا إن احلادثات حتدث بإرادة قدمية تعلقت هبا فميزهتا عن أضدادها املماثلة هلا، وقول القائل سؤال خطأ فإن اإلرادة ليست إال عبارة عن صفة شأهنا متييز إنه مل تعلقت هبا وأضدادها مثلها يف االمكان، هذا

.الشيء على مثلهال معىن للعلم : فقول القائل مل ميزت اإلرادة الشيء عن مثله، كقول القائل مل أوجب العلم انكشاف املعلوم، فيقال

ما، ومل كان املمكن ممكنا، إال ما أوجب انكشاف املعلوم، فقول القائل مل أوجب االنكشاف كقوله مل كان العلم علوالواجب واجبا، وهذا حمال؛ ألن العلم علم لذاته وكذا املمكن والواجب وسائر الذوات، فكذلك اإلرادة

.وحقيقتها متييز الشيء عن مثله فقول القائل مل ميزت الشيء عن مثله كقوله مل كانت اإلرادة إرادة والقدرة قدرة، وهو حمال، وكل فريق مضطر إىلاثبات صفة شأهنا متييز الشيء عن مثله وليس ذلك إال اإلرادة، فكان أقوم الفرق قيال وأهداهم سبيال من أثبت هذه

الصفة ومل جيعلها حادثة، بل قال هي قدمية متعلقة باألحداث يف وقت خمصوص، فكان احلدوث يف ذلك الوقت .لتسلسل يف لزوم هذا السؤاللذلك، وهذا ما ال يستغين عنه فريق من الفرق وبه ينقطع ا

واآلن فكما متهد القول يف أصل اإلرادة فاعلم اهنا متعلقة جبميع احلادثات عندنا من حيث أنه ظهر أن كل حادث فمخترع بقدرته، وكل خمترع بالقدرة حمتاج إىل ارادة تصرف القدرة إىل املقدور وختصصها به، فكل مقدور مراد،

فما شاء اهللا كان . راد والشر والكفر واملعصية حوادث، فهي إذا ال حمالة مرادةوكل حادث مقدور، فكل حادث م .وما مل يشأ مل يكن، فهذا مذهب السلف الصاحلني ومعتقد أهل السنة أمجعني وقد قامت عليه الرباهني

لوم أن أكثر ما جيري ومع. وأما املعتزلة فإهنم يقولون إن املعاصي كلها والشرور حادثة بغري إرادته، بل هو كاره هلايف العامل املعاصي فإذا ما يكرهه أكثر مما يريده فهو إىل العجز والقصور أقرب بزعمهم، تعاىل رب العاملني عن قول

.الظاملنيفكيف يأمر مبا ال يريد ؟ وكيف يريد شيئا وينهى عنه ؟ وكيف يريد الفجور واملعاصي والظلم والقبيح : فإن قيل

إذا كشفنا عن حقيقة األمر وبينا أنه مباين لإلرادة وكشفنا عن القبيح واحلسن وبينا أن : ه ؟ قلناومريد القبيح سفيذلك يرجع إىل موافقة األعراض وخمالفتها، وهو سبحانه منزه عن األعراض فاندفعت هذه اإلشكاالت وسيأيت ذلك

.يف موضعه إن شاء اهللا تعاىل

الصفة اخلامسة والسادسة

ريف السمع والبص

أما الشرع فيدل عليه آيات من القرآن كثرية كقوله . ندعي ان صانع العامل مسيع بصري، ويدل عليه الشرع والعقلوكقول إبراهيم عليه السالم مل تعبد ما ال يسمع وال يبصر وال يعين عنك شيئا ونعلم أن " وهو السميع البصري "

.يعا بصريا وال يشاركه يف اإللزامالدليل غري منقلب عليه يف معبوده وأنه كان يعبد مس .إمنا أريد به العلم: فإن قيل

Page 34: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

إمنا تصرف ألفاظ الشارع عن موضوعاهتا املفهومة السابقة إىل األفهام إذا كان يستحيل تقديرها على : قلناه أهل املوضوع، وال استحالة يف كونه مسيعا بصريا، بل جيب أن يكون كذلك، فال معىن للتحكم بإنكار ما فهم

.اإلمجاع من القرآنوجه استالته إنه إن كان مسعه وبصره حادثني كان حمال للحوادث، وهو حمال، وإن كانا قدميني فكيف : فإن قيل

هذا السوال يصدر عن : يسمع صوتا معدوما وكيف يرى العامل يف األزل والعامل معدوم واملعدوم ال يرى ؟ قلنايعلم اهللا اآلن إن العامل كان موجودا : فدفعه هني، فإنه سلم أنه يعلم احلادثات، فنقولأما املعتزيل . معتزيل أو فلسفي

قبل هذا فكيف علم يف األزل أنه يكون موجودا وهو بعد مل يكن موجودا ؟ فإن جز إثبات صفة تكون عند وجود هو ال يتغري عرب عنه بالعلم بالعامل العامل علما بأنه كائن، وفعله بأنه سيكون وبعده بأنه كان وقبله بأنه سيكون، و

وإن صدر من فلسفي فهو منكر لكونه عاملا باحلادثات . والعلمية، جاز ذلك يف السمع والسمعية والبصر والبصريةاملعينة الداخلة يف املاضي واحلال واملستقبل، فسبيلنا أن ننقل الكالم إىل العلم ونثبت عليه جواز علم قدمي متعلق

.ما سنذكره، مث إذا ثبت ذلك يف العلم قسنا عليه السمع والبصرباحلادثات كمعلوم أن اخلالق أكمل من املخلوق، ومعلوم أن البصري أكمل ممن ال يبصر، : وأما املسلك العقلي، فهو أن نقول

وهذان أصالن . والسميع أكمل ممن ال يسمع، فيستحيل أن يثبت وصف الكمال للمخلوق وال نثبته للخالقالنزاع يف قولكم واجب أن يكون اخلالق أكمل من : ن اإلقرار بصحة دعوانا ففي أيهما النزاع ؟ فإن قيليوجبا

.املخلوقومن . هذا مما جيب االعتراف به شرعا وعقال، واألمة والعقالء جممعون عليه، فال يصدر هذا السؤال من معتقد: قلنا

ى وأشرف منه فقد اخنلع عن غريزة البشرية ونطق لسانه مبا اتسع عقله لقبول قادر يقدر على اختراع ما هو أعل .ينبو عن قبوله قلبه إن كان يفهم ما يقوله، وهلذا ال نرى عاقال يعتقد هذا االعتقاد

.النزاع يف األصل الثاين، وقو قولكم إن البصري أكمل وإن السمع والبصر كمال: فإن قيللعلم كمال والسمع والبصر كمال ثان للعلم، فإنا بينا أنه استكمال للعلم هذا أيضا مدرك ببديهة العقل، فإن ا: قلنا

والتخيل، ومن علم شيئا ومل يره مث رآه استفاد مزيد كشف وكمال فكيف يقال إن ذلك حاصل للمخلوق وليس يع حباصل للخالق أو يقال إن ذلك ليس بكمال، فإن مل يكن كماال فهو نقص أو ال هو نقص وال هو كمال، ومج

.هذه األقسام حمال، فظهر ان احلق ما ذكرناههذا يلزمكم يف اإلدراك احلاصل بالشم والذوق واللمس ألن فقدها نقصان ووجودها كمال يف اإلدراك، : فإن قيل

فليس كمال علم من علم الرائحة ككمال علم من أدرك بالشم، وكذلك بالذوق فأين العلم بالطعوم من إدراكها .بالذوقب إن احملققني من أهل احلق صرحوا بإثبات أنواع اإلدراكات مع السمع والبصر والعلم الذي هو كمال يف واجلوا

كما جوزوا . اإلدراك دون األسباب اليت هي مقترنة هبا يف العادة من املماسة واملالقاة، فإن ذلك حمال على اهللا تعاىلهذا القياس دفع هذا السؤال وال مانع منه ولكن ملا مل يرد ادراك البصر من غري مقابلة بينه وبني املبصر، ويف طرد

. الشرع إال بلفظ العلم والسمع والبصر فلم ميكن لنا إطالق غريه

وأما ما هو نقصان يف اإلدراك فال جيوز يف حقه تعاىل البتة، فإن قيل جير هذا إىل إثبات التلذذ والتأمل، فاخلدر الذي ال الذي ال يتلذذ باجلماع ناقص، وكذا فساد الشهوة نقصان، فينبغي أن نثبت يف حقه يتأمل بالضرب ناقص، والعنني

شهوة، قلنا هذه األمور تدل على احلدوث وهي يف أنفسها إذا حبث عنها نقصانات، وهي حموجة إىل أمور توجب

Page 35: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ذة ترجع إىل احلدوث، فاألمل نقصان، مث هو حموج إىل سبب هو ضرب، والضرب مماسة جتري بني األجسام، واللزوال األمل إذا حققت أو ترجع إىل درك ما هو حمتاج إليه ومشتاق إليه، والشوق واحلاجة نقصان، فاملوقوف على النقصان ناقص، ومعىن الشهوة طلب الشيء املالئم وال طلب إال عند فقد املطلوب وال لذة إال عند نيل ما ليس

فليس يفوته شيء حىت يكون بطلبه مشتهيا وبنيله ملتذا، فلم مبوجود، وكل ما هو ممكن وجوده هللا فهو موجود تتصور هذه األمور يف حقه تعاىل وإذا قيل إن فقد التأمل واإلحساس بالضرب نقصان يف حق اخلدر، وإن إدراكه

كمال وإن سقوط الشهوة من معدته نقصان، وثبوهتا كمال أريد به أنه كمال باإلضافة إىل ضده الذي هو مهلك يف حقه، فصار كماال باإلضافة إىل اهلالك ألن النقصان خري من اهلالك فهو إذا ليس كماال يف ذاته خبالف العلم وهذه

.االدراكات

الصفة السابعة

الكالم

ندعي أن صانع العامل متكلم كما أمجع عليه املسلمون، واعلم أن من أراد إثبات الكالم بأن العقل يقضي جبواز كون ن حتت األمر والنهي وكل صفة جائزة يف املخلوقات تستند إىل صفة واجبة يف اخلالق، فهو يف شطط، إذ اخللق مرددي

إن أردت جواز كوهنم مأمورين من جهة اخللق الذين يتصور منهم الكالم، فمسلم، وإن أردت جوازه على : يقال لهوهو غري مسلم، ومن أراد إثبات الكالم العموم من اخللق واخلالق فقد أخذت حمل النزاع مسلما يف نفس الدليل

باإلمجاع أو بقول الرسول فقد سام نفسه خطة خسف ألن اإلمجاع يستند إىل قول الرسول عليه السالم ومن أنكر كون الباري متكلما فبالضرورة ينكر تصور الرسول، إذ معىن الرسول املبلغ لرسالة املرسل، فإن مل يكن للكالم

ى أنه مرسل كيف يتصور الرسول؟ ومن قال أنا رسول األرض أو رسول اجلبل إليكم فال متصور يف حق من ادعيصغى إليه العتقادنا استحالة الكالم والرسالة من اجلبل واألرض، وهللا املثل األعلى، ولكن من يعتقد استحالة

كذب بتبليغ الكالم، والرسالة الكالم يف حق اهللا تعاىل استحال منه أن يصدق الرسول إذ املكذب بالكالم ال بد أن يعبارة عن تبليغ الكالم، والرسول عبارة عن املبلغ، فلعل األقوم منهج ثالث وهو الذي سلكناه يف اثبات السمع

والبصر يف أن الكالم للحي أما أن يقال هو كمال أو يقال هو نقص، أو يقال ال هو نقص وال هو كمال، وباطل أن ال كمال فثبت بالضرورة أنه كمال، وكل كمال وجد للمخلوق فهو واجب يقال هو نقص أو هو ال نقص و

.الوجود للخالق بطريق األوىل كما سبقالكالم الذي جعلتموه منشأ نظركم هو كالم اخللق، وذلك إما أن يراد به األصوات واحلروف أو يراد به : فإن قيل

ه معىن ثالث سوامها، فإن أريد به األصوات القدرة على اجياد األصوات واحلروف يف نفس القادر أو يراد بواحلروف فهي حوادث ومن احلوادث ما هي كماالت يف حقنا ولكن ال يتصور قيامها يف ذات اهللا سبحانه وتعاىل، وإن قام بغريه مل يكن هو متكلما به بل كان املتكلم به احملل الذي قام به؛ وإن أريد به القدرة على خلق األصوات

لكن املتكلم ليس متكلما باعتبار قدرته على خلق األصوات فقط بل باعتبار خلقه للكالم يف نفسه، فهو كمال وواهللا تعاىل قادر على خلق األصوات فله كمال القدرة ولكن ال يكون متكلما به إال إذا خلق الصوت يف نفسه،

د بالكالم أمر ثالث فليس مبفهوم وإثبات وهو حمال إذ يصري به حمال للحوادث فاستحال أن يكون متكلما؛ وإن أري . ما ال يفهم حمال

Page 36: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

هذا التقسيم صحيح والسؤال يف مجيع أقسامه معترف به إال يف إنكار القسم الثالث، فإنا معترفون باستحالة : قلناين أحدمها ولكنا نقول اإلنسان يسمى متكلما باعتبار. قيام األصوات بذاته وباستحالة كونه متكلما هبذا االعتبار

بالصوت واحلرف واآلخر بكالم النفس الذي ليس بصوت وحرف، وذلك كمال وهو يف حق اهللا تعاىل غري حمال، وحنن ال نثبت يف حق اهللا تعاىل إال كالم النفس، وكالم النفس ال سبيل إىل إنكاره يف . وال هو دال على احلدوث

سان زورت البارحة يف نفسي كالما ويقال يف نفس فالن حق اإلنسان زائدا على القدرة والصوت حىت يقول االن :كالم وهو يريد أن ينطق به ويقول الشاعر

حىت يكون مع الكالم أصيال... ال يعجبنك من أثري خطه جعل اللسان على الفؤاد دليال... إن الكالم لفي الفؤاد وإمنا

.فة اخللق يف دركها فكيف ينكروما ينطق به الشعراء يدل على أنه من اجلليات اليت يشترك كاكالم النفس هبذا التأويل معترف به ولكنه ليس خارجا عن العلوم اإلدراكات وليس جنسا برأسه البتة، : فإن قيل

ولكن ما يسميه الناس كالم النفس وحديث النفس هو العلم بنظم األلفاظ والعبارات وتأليف املعاين املعلومة على لب إال معاين معلومة وهي العلوم وألفاظ مسموعة هي معلومة بالسماع، وهو أيضا علم وجه خمصوص فليس يف الق

وذلك فعل يسمى فكرا وتسميه القدرة اليت عنها . وينضاف إليه تأليف املعاين واأللفاظ على ترتيب. معلوم اللفظاأللفاظ واملعاين وتأليفها، فإن أثبتم يف النفس شيئا سوى نفس الفكر الذي هو ترتيب . يصدر الفعل قوة مفكرة

وسوى القوة املفكرة اليت هي قدرة عليا وسوى العلم باملعاين مفترقها وجمموعها، وسوى العلم باأللفاظ املرتبة من .وإيضاحه أن الكالم إما أمر أو هني أو خرب أو استخبار. احلروف مفترقها وجمموعها فقد أثبتم أمرا منكرا ال نعرفه

يدل على علم يف نفس املخرب، فمن علم الشيء وعلم اللفظ املوضوع للداللة على ذلك الشيء أما اخلرب فلفظكالضرب مثال فإنه معىن معلوم يدرك باحلس، ولفظ الضرب الذي هو مؤلف من الضاد والراء والباء الذي وضعته

ذه األصوات بلسانه، وكانت العرب للداللة على املعىن احملسوس وهي معرفة أخرى، فكان له قدرة على اكتساب هفكل أمر . له إرادة للداللة وإرادة الكتساب اللفظ مث منه قوله ضرب ومل يفتقر إىل أمر زائد على هذه األمور

قدرمتوه سوى هذا فنحن نقدر نفيه، ويتم مع ذلك قولك ضرب ويكون خربا وكالما، وأما االستخبار فهو داللة األمر فهو داللة على أن يف النفس طلب فعل املأمور وعلى هذا يقاس النهي على أن يف النفس طلب معرفة، وأما

وسائر األقسام من الكالم وال يعقل أمر آخر خارج عن هذا وهذه اجلملة، فبعضها حمال عليه كاألصوات وبعضها .موجود هللا كاالرادة والعلم والقدرة، وأما ما عدا هذا فغري مفهوم

يده معىن زائد على هذه اجلملة ولنذكره يف قسم واحد من أقسام الكالم وهو األمر واجلواب أن الكالم الذي نر .حىت ال يطول الكالم

قول السيد لغالمه قم، لفظ يدل على معىن، واملعىن املدلول عليه يف نفسه هو كالم، وليس ذلك شيئا مما : فنقولما أراد إىل األمر أو إىل إرادة الداللة وحمال أن ذكرمتوه، وال حاجة إىل اإلطناب يف التقسيمات وإمنا بتوهم رده

يقال إنه إرادة الداللة، ألن الداللة تستدعي مدلوال واملدلول غري الدليل وغري إرادة الداللة، وحمال أن يقال إنه يخا له على ألنه قد يأمر وهو ال يريد االمتثال بل يكرهه، كالذي يعتذر عند السلطان اهلام بقتله توب.. إرادة اآلمر

ضرب غالمه، بأنه إمنا ضربه لعصيانه، وآيته أنه يأمره بني يدي امللك فيعصيه، فإذا أراد االحتجاج به وقال للغالم بني يدي امللك قم فإين عازم عليك بأمر جزم ال عذر لك فيه وال يريد أن تقوم فهو يف هذا الوقت آمر بالقيام قطعا،

Page 37: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

لطلب الذي قام بنفسه الذي دل لفظ األمر عليه هو الكالم وهو غري إرادة القيام وهو غري مريد للقيام قطعا، فا .وهذا واضح عند املصنف

أحدمها، أنه لو مل : هذا باطل من وجهني: فإن قيل هذا الشخص ليس بآمر على احلقيقة ولكنه موهم أنه أمر، قلنات ال يتصور منك األمر ألن األمر هو طلب االمتثال يكن آمرا ملا متهد عذره عند امللك ولقيل له أنت يف هذا الوق

ويستحيل أن تريد اآلن االمتثال وهو سبب هالكك، فكيف تطمع يف أن حتتج مبعصيتك ألمرك وأنت عاجز عن أمره إذ أنت عاجز عن إرادة ما فيه هالكك ويف امتثاله هالكك ؟ وال شك يف أنه قادر على االحتجاج وأن حجته

ره، وحجته مبعصية األمر، فلو تصور األمر مع حتقق كراهة االمتثال ملا تصور احتجاج السيد بذلك قائمة وممهدة لعذوالثاين، هو أن هذا الرجل لو حكى الواقعة للمفتيني وحلف بالطالق الثالث . البتة، وهذا قاطع يف نفسه ملن تأمله

، ألفىت كل مسلم بأن طالقه غري واقع وليس إين أمرت العبد بالقيام بني يدي امللك بعد جريان عقاب امللك فعصىللمفيت أن يقول أنا أعلم أن يستحيل أن تريد يف مثل هذا الوقت امتثال الغالم وهو سبب هالكك، واألمر هو إرادة االمتثال فإذا ما أمرت هذا لو قاله املفيت فهو باطل باالتفاق، فقد انكشف الغطاء والح وجود معىن هو

على ما عداه من املعاين، وحنن نسمي ذلك كالما وهو جنس خمالف للعلوم واإلرادات مدلول اللفظ زائدا .واالعتقادات، وذلك ال يستحيل ثبوته هللا تعاىل بل جيب ثبوته فإنه نوع كالم فإذا هو املعين بالكالم القدمي

ة املدلول، وإن كانت وأما احلروف فهي حادثة وهي دالالت على الكالم والدليل غري املدلول وال يتصف بصفداللته ذاتية كالعامل فإنه حادث ويدل على صانع قدمي فمن أين يبعد أن تدل حروف حادثة على صفة قدمية مع أن هذه داللة باالصطالح ؟ وملا كان كل كالم النفس دقيقا زل عى ذهن أكثر الضعفاء فلم يثبتوا إال حروفا وأصواتا

.لة واستبعادات نشري إىل بعضها ليستدل هبا على طريق الدفع يف غريهاويتوجه هلم على هذا املذهب أسئقول القائل كيف مسع موسى كالم اهللا تعاىل؛ أمسع صوتا وحرفا ؟ فإن قلتم ذلك فإذا مل يسمع : االستبعاد األول

صوت ؟ كالم اهللا فإن كالم اهللا ليس حبرف، وإن مل يسمع حرفا وال صوتا فكيف يسمع ما ليس حبرف وال

مسع كالم اهللا تعاىل وهو صفة قدمية قائمة بذات اهللا تعاىل ليس حبرف وال صوت، فقولكم كيف مسع كالم اهللا : قلناتعاىل كالم من ال يفهم املطلوب من سؤال كيف، وإنه ماذا يطلب به ومباذا ميكن جوابه فلتفهم ذلك حىت تعرف

القائل كيف مسع كقول القائل كيف أدركت حباسة الذوق السمع نوع إدراك، فقول : فنقول. استحالة السؤالحالوة السكر، وهذا السؤال ال سبيل إىل شفائه إال بوجهني أحدمها أن نسلم سكرا إىل هذا السائل حىت يذوقه

والثاين . ويدرك طعمه وحالوته، فنقول أدركت أنا كما أدركته أنت اآلن وهذا هو اجلواب الشايف والتعريف التامأدركت طعمه كما أدركت أنت حالوة : عذر ذلك إما لفقد السكر أو لعدم الذوق يف السائل للسكر، فنقولأن يت

أما وجه كونه صوابا فإنه تعريف بشيء يشبه املسؤول . العسل فيكون هذا جوابا صوابا من وجه وخطأ من وجهم العسل خيالف طعم السكر وإن قاربه عنه من وجه، وإن كان ال يشبهه من كل الوجوه وهو أصل احلالوة، فإن طع

فإن مل يكن السائل قد ذاق حالوة شيء أصال تعذر جوابه . من بعض الوجوه وهو أصل احلالوة، وهذا غاية املمكنوتفهيم ما سأل عنه وكان كالعنني يسأل عن لذه اجلماع وقط ما أدركه فيمتنع تفهيمه، إال أن نشبهه له احلالة اليت

بلذة األكل فيكون خطأ من وجه إذ لذة اجلماع واحلالة اليت يدركها اجملامع ال تساوي احلالة اليت يدركها اجملامع وكذلك . يدركها اآلكل إال من حيث أن عموم اللذة قد مشلها فإن مل يكن قد التذ بشيء قط تعذر أصل اجلواب

ه كالم اهللا تعاىل القدمي وهو متعذر، فإن من قال كيف مسع كالم اهللا تعاىل فال ميكن شفاؤه يف السؤال إال بأن نسمع

Page 38: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ذلك من خصائص الكليم عليه السالم، فنحن ال نقدر على إمساعه أو تشبيه ذلك بشيء من مسموعاته وليس يف مسموعاته ما يشبه كالم اهللا تعاىل، فإن كل مسموعاته اليت ألفها أصوات واألصوات ال تشبه ما ليس بأصوات

لو سأل وقال كيف تسمعون أنتم األصوات وهو ما مسع قط صوتا مل نقدر على جوابه، فيتعذر تفهيمه، بل األصمفإنا إن قلنا كما تدرك أنت املبصرات فهو إدراك يف االذن كإدراك البصر يف العني كان هذا خطأ، فإن إدراك

األرباب يف اآلخرة، األصوات ال يشبه إبصار األلوان، فدل أن هذا السؤال حمال بل لو قال القائل كيف يرى ربكان جوابه حماال ال حمالة ألنه يسأل عن كيفية ما ال كيفية له، إذ معىن قول القائل كيف هو أي مثل أي شيء هو مما عرفناه، فإن كان ما يسأل عنه غري مماثل لشيء مما عرفه، كان اجلواب حماال ومل يدل ذلك على عدم ذات اهللا تعاىل،

على عدم كالم اهللا تعاىل بل ينبغي أن يعتقد أن كالمه سبحانه صفة قدمية ليس كمثلها فكذلك تعذر هذا ال يدلشي، كما أن ذاته ذات قدمية ليس كمثلها شيء، وكما ترى ذاته رؤية ختالف رؤية األجسام واألعراض وال تشبهها

.فيسمع كالمه مساعا خيالف احلروف واألصوات وال يشبههاال كالم اهللا سبحانه حال يف املصاحف أم ال، فإن كان حاال فكيف محل القدمي يف احلادث ؟ أن يق: االستبعاد الثاين

فإن قلتم ال، فهو خالف اإلمجاع، إذ احترام املصحف جممع عليه حىت حرم على احملدث مسه وليس ذلك إال ألن .فيه كالم اهللا تعاىل

وب مقروء باأللسنة، وأما الكاغد واحلرب والكتابة كالم اهللا تعاىل مكتوب يف املصاحف حمفوظ يف القل: فنقولوإن قلنا إنه مكتوب يف . واحلروف واألصوات كلها حادثة ألهنا أجسام وأعراض يف أجسام فكل ذلك حادث

املصحف، أعين صفة تعاىل القدمي، مل يلزم أن تكون ذات القدمي يف املصحف، كما أنا إذا قلنا النار مكتوبة يف منه أن تكون ذات النار حالة فيه، إذ لو حلت فيه الحترق املصحف، ومن تكلم بالنار فلو كانت الكتاب مل يلزم

ملقطعة تقطيعا حيصل منه النون ذات النار بلسانه الحترق لسانه، فالنار جسم حار وعليه داللة هي األصوات اواأللف والراء، فاحلار احملرق ذات املدلول عليه ال نفس الداللة، فكذلك الكالم القدمي القائم بذات اهللا تعاىل هو

املدلول ال ذات الدليل واحلروف أدلة ولألدلة حرمة إذ جعل الشرع هلا حرمة فلذلك وجب احترام املصحف ألن . تعاىلفيه داللة على صفة اهللا

إن القرآن كالم اهللا تعاىل أم ال ؟ فإن قلتم ال فقد خرقتم اإلمجاع، وإن قلتم نعم فما هو سوى : االستبعاد الثالثقراءة، : ها هنا ثالثة ألفاظ: فنقول. احلروف واألصوات، ومعلوم أن قراءة القارئ هي احلروف واألصوات

فهي يف اللسان : ، أعين صفته القدمية القائمة بذاته، وأما القراءةأما املقروء فهو كالم اهللا تعاىل. ومقروء، وقرآنعبارة عن فعل القارئ الذي كان ابتدأه بعد أن كان تاركا له، وال معىن للحادث إال أنه ابتدأ بعد أن مل يكن، فإن

تدأه القارئ بعد القراءة فعل اب: كان اخلصم ال يفهم هذا من احلادث فلنترك لفظ احلادث واملخلوق، ولكن نقولوأما القرآن، فقد يطلق ويراد به املقروء فإن أريد به ذلك فهو قدمي غري خملوق وهو . أن مل يكن يفعله وهو حمسوس

الذي أراده السلف رضوان اهللا عليهم بقوهلم القرآن كالم اهللا تعاىل غري خملوق، أي املقروء باأللسنة، وإن أريد به وعلى . ففعل القارئ ال يسبق وجود القارئ وما ال يسبق وجود احلادث فهو حادثالقراءة اليت هي فعل القارئ

من يقول ما أحدثته باختياري من الصوت وتقطيعه وكنت ساكتا عنه قبله فهو قدمي، فال ينبغي أن خياطب : اجلملةو يعلم معىن احلادث، ويكلف بل ينبغي أن يعلم املسكني أنه ليس يدري ما يقوله، وال هو يفهم معىن احلرف، وال ه

. ولو علمهما لعلم أنه يف نفسه إذا كان خملوقا كان ما يصدر عنه خملوقا، وعلم أن القدمي ال ينتقل إىل ذات حادثةفلنترك التطويل يف اجلليات فإن قول القائل بسم اهللا إن مل تكن السني فيه بعد الباء مل يكن قرآنا بل كان خطأ، وإذا

Page 39: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

.خرا عنه فكيف يكون قدميا وحنن نريد بالقدمي ما ال يتأخر عن غريه أصالكان بعد غريه ومتأأمجعت األمة على أن القرآن معجزة للرسول عليه السالم وأنه كالم اهللا تعاىل، فإنه سور : قوهلم: االستبعاد الرابع

آليات ؟ وكيف يكون وآيات وهلا مقاطع ومفاتح ؟ وكيف يكون للقدمي مقاطع ومفاتح ؟ وكيف ينقسم بالسور واالقدمي معجزة للرسول عليه السالم واملعجزة هي فعل خارق للعادة ؟ وكل فعل فهو خملوق فكيف يكون كالم اهللا

أتنكرون أن لفظ القرآن مشترك بني القراءة واملقروء أم ال ؟ فإن اعترفتم به فكل ما أورده : تعاىل قدميا ؟ قلنامي، كقوهلم القرآن كالم اهللا تعاىل غري خملوق، أرادوا به املقروء وكل ما املسلمون من وصف القرآن مبا هو قد

وصفوه به مما ال حيتمله القدمي، ككونه سورا وآيات وهلا مقاطع ومفاتح، أرادوا به العبارات الدالة على الصفة ال قدمي إال اهللا تعاىل، واهللا القدمية اليت هي قراءة، وإذا صار االسم مشتركا امتنع التناقض، فاالمجاع منعقد على أن

اسم القدمي مشترك بني معنيني، فإذا ثبت من وجه مل يستحل : ولكن نقول. تعاىل يقول حىت عاد كالعرجون القدمينفيه من وجه آخر، فكذا يسمى القرآن وهو جواب عن كل ما يوردونه من اإلطالقات املتناقضة فإن أنكروا كونه

ه إلرادة املقروء دل عليه كالم السلف رضي اهللا عنهم إن القرآن كالم اهللا سبحانه غري أما إطالق: مشتركا، فنقول :خملوق، مع علمهم بأهنم وأصواهتم وقراءاهتم وأفعاهلم خملوقة وأما إطالقه إلرادة القراءة فقد قال الشاعر

يقطع الليل تسبيحا وقرآنا... ضحوا بأمشط عنوان السجود به ما أذن اهللا لشيء كأذنه لنيب حسن الترمن بالقرآن والترمن : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يعين القراءة، وقدالقرآن معجزة، وهي فعل اهللا تعاىل إذ : وقالوا. القرآن كالم اهللا غري خملوق: وقال كافة السلف. يكون بالقراءة

.اشتراك اللفظ ظن تناقضا يف هذه االطالقات ومن مل يفهم. علموا أن القدمي ال يكون معجزا فبان أنه اسم مشترك

معلوم أنه ال مسموع اآلن إال األصوات، وكالم اهللا مسموع اآلن باإلمجاع وبدليل : أن يقال: االستبعاد اخلامسإن كان الصوت املسموع : فنقول" وإن أحد من املشركني استجارك فأجره حىت يسمع كالم الله " قوله تعاىل

جارة هو كالم اهللا تعاىل القدمي القائم بذاته فأي فضل ملوسى عليه السالم يف اختصاصه بكونه للمشرك عند اإلمسموع موسى عليه السالم صفة : كليما هللا على املشركني وهم يسمعون ؟ وال يتصور عن هذا جواب إال أن نقول

به على القطع االشتراك إما يف اسم وتبني. قدمية قائمة باهللا تعاىل، ومسموع املشرك أصوات دالة على تلك الصفةالكالم وهو تسمية الدالالت باسم املدلوالت، فإن الكالم هو كالم النفس حتقيقا، ولكن األلفاظ لداللتها عليه أيضا

وأما يف اسم املسموع . تسمى كالما كما تسمى علما؛ إذ يقال مسعت علم فالن وإمنا نسمع كالمه الدال على علمهمسعت كالم األمري على لسان رسوله ومعلوم أن : م املعلوم بسماع غريه قد يسمى مسموعا، كما يقالفإن املفهو

فهذا ما أردنا أن نذكره يف . كالم األمري ال يقوم بلسان رسوله بل املسموع كالم الرسول الدال على كالم األمريحكام الكالم نذكرها عند التعرض ألحكام إيضاح مذهب أهل السنة يف كالم النفس املعدود من الغوامض، وبقية أ

.الصفات

القسم الثاين من هذا القطب

يف أحكام الصفات عامة

ما يشترك فيها أو يفترق وهي أربعة أحكام

Page 40: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

احلكم األول

إن الصفات السبعة اليت دللنا عليها ليست هي الذات بل هي زائدة على الذات، فصانع العامل تعاىل عندنا عامل بعلم القدمي ذات : وقالوا. اة وقادر بقدرة، هكذا يف مجيع الصفات، وذهبت املعتزلة والفالسفة إىل إنكار ذلكوحي حبي

واحدة قدمية وال جيوز إثبات ذوات قدمية متعددة، وإمنا الدليل يدل على كونه عاملا قادرا حيا ال على العلم والقدرة تكرير مجيع الصفات، وزعموا أن العلمية حال للذات وليست ولنعني العلم من الصفات حىت ال حنتاج إىل. واحلياة

بصفة، لكن املعتزلة ناقضوا يف صفتني إذ قالوا إنه مريد بإرادة زائدة على الذات ومتكلم بكالم هو زائد على ا والفالسفة طردو. الذات، إال أن اإلرادة خيلقها يف غري حمل والكالم خيلقه يف جسم مجاد ويكون هو املتكلم به

وأما الكالم فإهنم قالوا إنه متكلم مبعىن أنه خيلق يف ذات النيب عليه السالم مساع أصوات . قياسهم يف اإلرادةمنظومة، إما يف النوم وإما يف اليقظة، وال يكون لتلك األصوات وجود من خارج البتة، بل يف مسع النيب، كما يرى

دماغه، وكذلك يسمع أصواتا ال وجود هلا حىت أن احلاضر النائم أشخاصا ال وجود هلا، ولكن حتدث صورها يفوزعموا أن النيب إذا . عند النائم ال يسمع، والنائم قد يسمع، ويهوله الصوت اهلائل ويزعجه وينتبه خائفا مذعورا

ظومة كان عايل الرتبة يف النبوة ينتهي صفاء نفسه إىل أن يرى يف اليقظة صورا عجيبة ويسمع منها أصواتا منوهذا املعين عندهم برؤيه املالئكة ومساع القرآن منهم، ومن ليس يف . فيحفظها، ومن حواليه ال يرون وال يسمعون

فهذا تفصيل مذاهب الضالل، والغرض إثبات الصفات والربهان . الدرجة العالية يف النبوة فال يرى ذلك إال يف املنامد ساعد على أن له علما، فإن املفهوم من قولنا عامل ومن له علم القاطع هو أن من ساعد على أنه تعاىل عامل فق

. واحد، فإن العاقل يعقل ذاتا ويعقلها على حالة وصفة بعد ذلك، فيكون قد عقل صفة وموصوفا والصفة علم مثال إحدامها طويلة وهي أن نقول هذه الذات قد قام هبا علم واألخرى وجيزة أوجزت بالتصريف: وله عبارتانوهي أن الذات عاملة كما نشاهد االنسان شخصا ونشاهد نعال ونشاهد دخول رجله يف النعل، فله . واالشتقاق

عبارة طويلة وهو أن نقول هذا الشخص رجله داخلة يف نعله أو نقول هو منتعل وال معىن لكونه منتعال إال أنه ذو سمى عاملية، هوس حمض، بل العلم هي احلالة، فال معىن نعل وما يظن من أن قيام العلم بالذات يوجب للذات حالة ت

لكونه عاملا إال كون الذات على صفة وحال تلك الصفة احلال وهي العلم فقط، ولكن من يأخذ املعاين من األلفاظ . فال بد أن يغلط

وهبذا . غي أن يغتر بهفإذا تكررت األلفاظ باالشتقاقات فاشتقاق صفة العامل من لفظ العلم أورث هذا الغلط، فال ينبيبطل مجيع ما قيل وطول من العلة واملعلول وبطالن ذلك جلي بأول العقل ملن مل يتكرر على مسعه ترديد تلك

واحلاصل هو أنا نقول . األلفاظ، ومن علق ذلك بفهمه فال ميكن نزعه منه إال بكالم طويل ال حيتمله هذا املختصرفإن قالوا . قولنا عامل عني املفهوم من قولنا موجودا وفيه إشارة إىل وجود وزيادةهل املفهوم من : للفالسفة واملعتزلة

ال، فإذا كل من قال هو موجود عامل، كأنه قال هو موجود وهذا ظاهر االستحالة، وإذا كان يف مفهومه زيادة فتلك عن أن يكون وصفا له وإن كان الزيادة هل هي خمتصة بذات املوجود أم ال ؟ فإن قالوا ال فهو حمال إذ خيرج به

خمتصا بذاته فنحن ال نعين بالعلم إال ذلك وهي الزيادة املختصة بالذات املوجودة الزائدة على الوجود اليت حيسن أن يشتق للموجود بسببه منه اسم العامل، فقد ساعدمت على املعىن وعاد النزاع إىل اللفظ، وإن أردت إيراده على

قولنا قادر مفهوم قولنا عامل أم غريه ؟ فإن كان هو ذلك بعينه فكأنا قلنا قادر قادر، فإنه مفهوم: الفالسفة قلتتكرار حمض، وإن كان غريه فإذا هو املراد فقد أثبتم مفهومني أحدمها يعرب عنه بالقدرة واآلخر بالعلم ورجع اإلنكار

Page 41: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

.إىل اللفظوناه وخمرب أو غريه، فإن كان عينه فهو تكرار حمض، وإن قولكم أمر مفهومه عني املفهوم من قولكم آمر: فإن قيل

. وليكن خطاب كل شيء مفارقا خلطاب غريه. كان غريه فليكن له كالم هو أمر وآخر هو هني وآخر هو خربوكذلك مفهوم قولكم إنه عامل باألعراض أهو عني مفهوم قولكم إنه عامل باجلواهر أو غريه ؟ فإن كان عينه فليكن

العامل باجلوهر عاملا بالعرض بعني ذلك العلم، حىت يتعلق علم واحد مبتعلقات خمتلفة ال هناية هلا، وإن كان اإلنسانغريه فليكن هللا علوم خمتلفة ال هناية هلا وكذلك الكالم والقدرة واإلرادة وكل صفة ال هناية ملتعلقاهتا ينبغي أن ال

جاز أن تكون صفة واحدة تكون هي األمر وهي النهي وهي اخلرب يكون ألعداد تلك الصفة هناية، وهذا حمال، فإنمث إذا جاز . وتنوب عن هذه املختلفات جاز أن تكون صفة واحدة تنوب عن العلم والقدرة واحلياة وسائر الصفات

ذلك جاز أن تكون الذات بنفسها كافية ويكون فيها معىن القدرة والعلم وسائر الصفات من غري زيادة وعند ذلك .يلزم مذهب املعتزلة والفالسفة

ولكن إذا . هذا السؤال حيرك قطبا عظيما من اشكاالت الصفات وال يليق حلها باملختصرات: واجلواب أن نقولسبق القلم إىل إيراده فلنرمز إىل مبدأ الطريق يف حله، وقد كع عنه أكثر احملصلني وعدلوا إىل التمسك بالكتاب

صفات قد ورد الشرع هبا، إذ دل الشرع على العلم وفهم منه الواحد ال حمالة والزائد على واإلمجاع، وقالوا هذه الوهذا ال يكاد يشفي فإنه قد ورد باألمر والنهي واخلرب والتوراة واإلجنيل والقرآن فما . الواحد مل يرد فال يعتقده

تعاىل يعلم السر والعالنية والظاهر والباطن األمر غري النهي والقرآن غري التوراة وقد ورد بأنه: املانع من أن يقال ..والرطب واليابس وهلم جرا إىل ما يشتمل القرآن عليه

فلعل اجلواب ما نشري إىل مطلع حتقيقه وهو أن كل فريق من العقالء مضطر إىل أن يعترف بأن الدليل قد دل على : واالحتماالت فيه ثالثة. عامل وقادر وغريهأمر زائد على وجود ذات الصانع سبحانه، وهو الذي يعرب عنه بأنه

أما الطرفان فأحدمها يف التفريط وهو االقتصار على ذات واحدة . طرفان وواسطة، واالقتصاد أقرب إىل السدادوالثاين طرف اإلفراط وهو إثبات صفة ال هناية آلحادها . تؤدي مجيع هذه املعاين وتنوب عنها كما قالت الفالسفة

كالم والقدرة، وذلك حبسب عدد متعلقات هذه الصفات؛ وهذا إسراف ال صائر إليه إال بعض من العلوم والاملختلفات الختالفها درجات يف : وهو أن يقال. والرأي الثالث هو القصد والوسط. املعتزلة وبعض الكرامية

رة والعلم اجلوهر التقارب والتباعد؛ فرب شيني خمتلفني بذاتيهما كاختالف احلركة والسكون واختالف القدوالعرض، ورب شيئني يدخالن حتت حد وحقيقة واحدة وال خيتلفان لذاتيهما وإمنا يكون االختالف فيهما من جهة تغاير التعلق؛ فليس االختالف بني القدرة والعلم كاالختالف بني العلم بسواد والعلم بسواد آخر أو بياض آخر،

كل اختالف : االقتصاد يف االعتقاد أن يقال: باملعلومات كلها، فنقولولذلك إذ حددت العلم جتد دخل فيه العلم فوجب أن يكون العلم . يرجع إىل تباين الذوات بأنفسها فال ميكن أن يكفي الواحد منها، وينوب عن املختلفات

الذات غري القدرة وكذلك احلياة وكذا الصفات السبعة، وأن تكون الصفات غري الذات من حيث أن املباينة بني .املوصوفة وبني الصفة أشد من املباينة بني الصفتني

وأما العلم بالشيء فال خيالف العلم بغريه إال من جهة تعلقه باملتعلق، فال يبعد أن تتميز الصفة القدمية هبذه اخلاصية ألنك إذ اعترفت فإن قيل فليس يف هذا قع دابر اإلشكال،. وهو أن ال يوجب تباين املتعلقات فيها تباينا وتعددا

..باختالف ما بسبب اختالف املتعلق، فاإلشكال قائم، فما لك وللنظر يف سبب االختالف بعد وجود االختالف غاية الناصر ملذهب معني أن يظهر على القطع ترجيح اعتقاده على اعتقاد غريه، وقد حصل هذا على : فأقول

Page 42: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

وهذا الواحد إذا قوبل بطرفيه املتقابلني له . تراع رابع ال يعقلالقطع، إذ ال طريق إال واحد من هذه الثالث، أو اخعلم على القطع رجحانه، وإذ مل يكن بد من اعتقاد وال معتقد إال هذه الثالث، وهذا أقرب الثالث، فيجب اعتقاده

ن إما والالزم على غريه أعظم منه وتعليل اإلشكال ممك. وإن بقي ما حيبك يف الصدر من اشكال يلزم على هذاقطعه بالكلية واملنظور فيه هي الصفات القدمية املتعالية عن افهام اخللق فهو أمر ممتنع إال بتطويل ال حيتمله الكتاب،

.هذا هو الكالم العامونقول لو جاز أن يكون قادرا بغري قدرة جاز أن يكون . وأما املعتزلة فإنا خنصهم باالستفراق بني القدرة واإلرادة

. إرادة وال فرقان بينهمامريدا بغريهو قادر لنفسه فلذلك كان قادرا على مجيع املقدورات ولو كان مريدا لنفسه لكان مريدا جلملة املرادات، : فإن قيل

.وهو حمال، ألن املتضادات ميكن إرادهتا على البدل ال على اجلمع، وأما القدرة فيجوز أن تتعلق بالضدينه مريد لنفسه مث خيتص ببعض احلادثات املرادات كما قلتم قادر لنفسه وال تتعلق قدرته قولوا إن: واجلواب أن نقول

إال ببعض احلادثات، فإن مجلة أفعال احليوانات واملتولدات خارجة عن قدرته وإرادته مجيعا عندكم، فإذا جاز ذلك .يف القدرة جاز يف اإلرادة أيضا

أحدمها قوهلم إن اهللا تعاىل متكلم مع اهنم ال يثبتون . و باطل من وجهنيوأما الفالسفة فإهنم ناقضوا يف الكالم وهكالم النفس وال يثبتون األصوات يف الوجود، وإمنا يثبتون مساع الصوت باحللق يف اذن النيب من غري صوت من

أنه مصوت ولو جاز أن يكون ذلك مبا حيدث يف دماغ غريه موصوفا بأنه متكلم جلاز أن يكون موصوفا ب. خارجومتحرك لوجود الصوت واحلركة يف غريه، وذلك حمال، والثاين أن ما ذكروه رد للشرع كله؛ فإن ما يدركه النائم

خيال ال حقيقة له، فإذا رددت معرفة النيب لكالم اهللا تعاىل إىل التخيل الذي يشبه اضغاث أحالم فال يثق به النيب عتقدون الدين واالسالم وإمنا يتجملون بإطالق عبارات احتراز من وباجلملة هؤالء ال ي. وال يكون ذلك علما

.السيف والكالم معهم يف أصل الفعل، وحدث العامل والقدرة فال تشتغل معهم هبذه التفصيالت

ذات هذا خطأ فإنا إذا قلنا اهللا تعاىل، فقد دللنا به على ال: فإن قيل أفتقولون إن صفات اهللا تعاىل غري اهللا تعاىل ؟ قلنامع الصفات ال على الذات مبجردها، إذ اسم اهللا تعاىل ال يصدق على ذات قد أخلوها عن صفات االهلية، كما ال

يقال الفقه غري الفقيه ويد زيد غري زيد ويد النجار غري النجار، ألن بعض الداخل يف االسم ال يكون عني الداخل يف ال اللفظني حمال، وهكذا كل بعض فليس غري الكل وال هو بعينه االسم، فيد زيد ليس هو زيد وال هو غري زيد بل ك

الكل، فلو قيل الفقه غري االنسان فهو جتوز وال جيوز أن يقال غري الفقيه، فإن االنسان ال يدل على صفة الفقه، فال اجلوهر على جرم جيوز أن يقال الصفة غري الذات اليت تقوم هبا الصفة، كما يقال العرض القائم باجلوهر هو غري

أحدمها، أن ال مينع الشرع من اطالقه، : معىن ان مفهوم امسه غري مفهوم اسم اآلخر، وهذا حصر جائز بشرطنيوهذا خمتص باهللا تعاىل، والثاين، أن ال يفهم من الغري ما جيوز وجوده دون الذي هو غريه باإلضافات إليه، فإنه إن

، ألنه ال يوجد دون زيد، قد انكشف هبذا ما هو حظ املعىن وما هو فهم ذلك مل ميكن أن يقال سواد زيد غري زيد .حظ اللفظ فال معىن للتطويل يف اجلليات

احلكم الثاين

Page 43: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ندعي أن هذه الصفات كلها قائمة بذاته ال جيوز أن يقوم شيء منها بغري ذاته، سواء كان يف حمل أو مل : يف الصفاتأن اإلرادة ال تقوم بذاته تعاىل، فإهنا حادثة وليس هو حمال للحوادث، وال وأما املعتزلة فإهنم حكموا ب. يكن يف حمل

يقوم مبحل آخر ألنه يؤدي إىل أن يكون ذلك احملل هو املريد به، فهي توجد ال يف حمل، وزعموا أن الكالم ال يقوم هو اهللا سبحانه، أما الربهان بذاته ألنه حادث ولكن يقوم جبسم هو مجاد حىت ال يكون هو املتكلم به، بل املتكلم به

على أن الصفات ينبغي أن تقوم بالذات فهو عند من فهم ما قدمناه مستغىن عنه، فإن الدليل ملا دل على وجود الصانع سبحانه دل بعده على أن الصانع تعاىل بصفة كذا وال نعين بأنه تعاىل على صفة كذا، إال أنه تعاىل على تلك

وقد بينا أن مفهوم قولنا عامل واحد وبذاته تعاىل . على تلك الصفة وبني قيام الصفة بذاته الصفة، وال فرق بني كونهعلم واحد، كمفهوم قولنا مريد، وقامت بذاته تعاىل إرادة واحدة، ومفهوم قولنا مل تقم بذاته إرادة وليس مبريد

وإذا مل تقم االرادة بة فسواء كانت . تقم بهفتسميته الذات مريدة بإرادة مل تقم به كتسميته متحركا حبركة مل . واحدموجودة أو معدومة فقول القائل إنه مريد لفظ خطأ، ال معىن له، وهكذا املتكلم، فإنه متكلم باعتبار كونه حمال

ه للكالم، إذ ال فرق بني قولنا هو متكلم وبني قولنا قام الكالم به، وال فرق بني قولنا ليس مبتكلم وقولنا مل يقم بذاتفإن صدق على اهللا تعاىل قولنا مل يقم بذاته كالم صدق قولنا ليس مبتكلم . كالم، كما يف كونه مصوتا ومتحركا

والعجب من قوهلم إن اإلرادة توجد ال يف حمل، فإن جاز وجود صفة من الصفات ال . ألهنما عبارتان عن معىن واحدبل الكالم فلم قالوا خيلق األصوات يف حمل فلتخلق يف غري يف حمل فليجز وجود العلم والقدرة والسواد واحلركة،

ولو عكس هذا لقيل إنه خلق كالما ال يف . وإن مل يعقل الصوت إال يف حمل ألنه عرض وصفة فكذا االرادة. حمل ولكن ملا كان أول املخلوقات حيتاج إىل اإلرادة، واحملل خملوق، مل. حمل وخلق إرادة يف حمل لكان العكس كالطرد

. ميكنهم تقدير حمل االرادة موجودا قبل اإلرادة؛ فإنه ال حمل قبل اإلرادة إال ذات اهللا تعاىل ومل جيعلوه حمال للحوادثومن جعله حمال للحوادث أقرب حال منهم فإن استحالة وجود إرادة يف غري حمل، واستحالة كونه مريدا بإرادة ال

. ه بال إرادة تدرك ببديهة العقل أو نظره اجللي فهذه ثالثة استحاالت جليةتقوم به، واستحالة حدوث إرادة حادثة ب . واما استحالة كونه حمال للحوادث فال يدرك إال بنظر دقيق كما سنذكر

احلكم الثالث

أو كان يتصف بصفة . إن الصفات كلها قدمية، فإهنا إن كانت حادثة كان القدمي سبحانه حمال للحوادث، وهو حمالقوم به وذلك أظهر استحالة، كما سبق، ومل يذهب أحد إىل حدوث احلياة والقدرة وإمنا اعتقدوا ذلك يف العلم ال ت

: باحلوادث ويف اإلرادة ويف الكالم وحنن نستدل على استحالة كونه حمال للحوادث من ثالثة أوجه

د، ولو تطرق اجلواز إىل صفاته لكان إن كل حادث فهو جائز الوجود، والقدمي األزيل واجب الوجو: الدليل األولفكل ما هو واجب الذات فمن احملال أن يكون جائز . ذلك مناقضا لوجوب وجوده فإن اجلواز والوجوب يتناقضان

.الصفات وهذا واضح بنفسهل وهو األقوى، أنه لو قدر حلول حادث بذاته لكان ال خيلو إما أن يرتقي الوهم إىل حادث يستحي: الدليل الثاين

قبله حادث، أو ال يرتقي إليه، بل كان حادث، فيجوز أن يكون قبله حادث، فإن مل يرتق الوهم إليه لزم جواز وهذا القسم ما ذهب إليه أحد . وقد قام الدليل على استحالته. اتصافه باحلوادث أبدا، ولزم منه حوادث ال أول هلا

دوث حادث فتلك االستحالة لقبول احلادث يف ذاته، ال من العقالء وإن ارتقى الوهم إىل حادث استحال قبله ح

Page 44: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

وباطل أن يكون لزائد عليه، فإن كل زائد يفرض ممكن تقدير عدمه، فيلزم . ختلو إما أن تكون لذاته أو لزائد عليهمنه تواصل احلوادث أبدا وهو حمال، فلم يبق إال أن استحالته من حيث أن واجب الوجود يكون على صفة

فإن ذلك يبقى فيما ال يزال ألنه لذاته ال . فإذا كان ذلك مستحيال يف ذاته أزال. ا قبول احلوادث لذاتهيستحيل معههذا يبطل : فإن قيل. ومل جيز أن تتغري تلك االستحالة إىل اجلواز فكذلك سائر احلوادث. يقبل اللون باتفاق العقالء

هم يرتقي إىل وقت يستحيل حدوثه قبله ومع ذلك يستحيل حيدث العامل، فإنه كان ممكنا قبل حدوثه ومل يكن الو .حدوثه أزال ومل يستحل على اجلملة حدوثه

قلنا هذا اإللزام فاسد؛ فإنا مل حنل إثبات ذات تنبو عن قبول حادث لكوهنا واجبة الوجود، مث تتقلب إىل جواز قبول لحدوث أو غري قابلة حىت ينقلب إىل قبول جواز والعامل ليس له ذات قبل احلدوث موصوفة بأهنا قابلة ل. احلوادث

احلدوث، فيلزم ذلك على مساق دليلنا، نعم، يلزم ذلك املعتزلة حيث قالوا للعامل ذات يف العدم قدمية، قابلة للحدوث، يطرأ عليها احلدوث بعد أن مل يكن، فأما على أصلنا فغري الزم، وإمنا الذي نقوله يف العامل أنه فعل وقدم

.حمال، ألن القدمي ال يكون فعال الفعلإذا قدرنا قيام حادث بذاته فهو قبل ذلك إما أن يتصف بضد ذلك احلادث أو : هو أنا نقول: الدليل الثالث

وذلك الضد أو ذلك االنفكاك إن كان قدميا استحال بطالنه وزواله ألن القدمي ال . باالنفكاك عن ذلك احلادثه حادث ال حمالة، وكذا قبل ذلك احلادث حادث يؤدي إىل حوادث ال أول هلا وهو يعدم وإن كان حادثا كان قبل

حمال، ويتضح ذلك بأن تفرض يف صفة معينة كالكالم مثال، فإن الكرامية قالوا إنه يف األزل متكلم، على معىن أنه وال بد أن يكون قبل ومهما أحدث شيئا يف غري ذاته أحدث يف ذاته قوله كن . قادر على خلق الكالم يف ذاته

وإذا قال جهم أنه حيدث يف ذاته علما فال بد أن يكون قبله غافال . إحداث هذا القول ساكتا، ويكون سكوته قدميا .وتكون غفلته قدمية

فإن قيل . السكوت القدمي والغفلة القدمية يستحيل بطالهنما ملا سبق من الدليل على استحالة عدم القدمي: فنقوليس بشيء إمنا يرجع إىل عدم الكالم، والغفلة ترجع إىل عدم العلم واجلهل وأضداده، فإذا وجد الكالم السكوت ل

. مل يبطل شيء إذ مل يكن شيء إال الذات القدمية، وهي باقية، ولكن انضاف إليها موجود آخر وهو الكالم والعلمنه يبطل العدم القدمي ولكن العدم ليس بشيء حىت انعدم شيء فالن ويتنزل ذلك منزلة وجود العامل، فإ: فأما أن يقال

والواجب من وجهني أحدمها أن قول القائل السكوت هو عدم الكالم وليس بصفة . يوصف بالقدم ويقدر بطالنهوالسكون هو عدم . والغفلة عدم العلم وليست بصفة، كقوله البياض هو عدم السواد وسائر األلوان وليس بلون

والدليل الذي دل على استحالته بعينه يدل على استحالة هذا، واخلصوم يف هذه . ذلك حمالاحلركة وليس بعرض، واملسألة معترفون بأن السكون وصف زائد على عدم احلركة، فإن كل من يدعي أن السكون هو عدم احلركة ال

لك ظهور الكالم فظهور احلركة بعد السكون إذا دل على حدوث املتحرك، فكذ. يقدر على اثبات حدوث العاملإذ املسلك الذي به يعرف كون السكون معىن هو مضاد . بعد السكوت يدل على حدوث املتكلم، من غري فرق

للحركة بعينه يعرف به كون السكوت معىن يضاد الكالم، وكون الغفلة معىن يضاد العلم، وهو أنا إذا أدركنا تفرقة والتفرقة مدركة بني احلالتني وال نرجع التفرقة . دركة على احلالتنيبني حاليت الذات الساكنة واملتحركة فإن الذات م

إىل زوال أمر وحدوث أمر فإن الشيء ال يفارق نفسه، فدل ذلك على أن كل قابل للشيء فال خيلو عنه، أو عن ب وال يلزم على هذا الفرق بني وجود العلم وعدمه، فإن ذلك ال يوج. ضده وهذا مطرد يف الكالم، ويف العلم

فإنه مل تدرك يف احلالتني ذات واحدة يطرأ عليها الوجود بل ال ذات للعامل قبل احلدوث، والقدمي ذات قبل . ذاتني

Page 45: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

حدوث الكالم، علم على وجه خمالف للوجه الذي علم عليه بعد حدوث الكالم، يعرب عن ذلك الوجه بالسكوت تمرة الوجود يف احلالتني وللذات هيئة وصفة وعن هذا بالكالم، فهما وجهان خمتلفان أدركت عليهما ذات مس

وحالة بكونه ساكتا، كما أن له هيئة بكونه متكلما، وكما له هيئة بكونه ساكتا ومتحركا وأبيض وأسود وهذه الوجه الثاين يف االنفصال هو أن يسلم أيضا أن السكوت ليس مبعىن، وإمنا يرجع ذلك . املوازنة مطابقة ال خمرج منها

ات منفكة عن الكالم، فاالنفكاك عن الكالم حال للمنفك ال حمالة ينعدم بطريان الكالم، فحال االنفكاك إىل ذوقد ذكرنا أن القدمي ال ينتفي سواء كان . تسمى عدما أو وجودا أو صفة أو هيئة، فقد انتفى الكالم واملنتفي قدمي

بل لكونه قدميا، وال يلزم عدم العامل، فإنه انتفى مع القدمي ذاتا أو حاال أو صفة، وليست االستحالة لكونه ذاتا فقطفإن . ألن عدم العامل ليس بذات وال حصل منه حال لذات حىت يقدر تغريها وتبدهلا على الذات والفرق بينهما ظاهر، وإمنا قيل األعراض كثرية واخلصم ال يدعي كون الباري حمل حدوث شيء منها كاأللوان واآلالم واللذات وغريها

يف القدرة : الكالم يف الصفات السبعة اليت ذكرمتوها وال نزاع من مجلتها يف احلياة والقدرة، وإمنا النزاع يف ثالثةوهذه الصفات الثالثة ال بد أن تكون حادثة، مث . واإلرادة والعلم، ويف معىن العلم السمع والبصر عند من يثبتهما

.متصفا هبا فيجب أن تقوم بذاته فيلزم منه كونه حمال للحوادث يستحيل أن تقوم بغريه، ألنه ال يكونأما العلم باحلوادث فقد ذهب جهم إىل أهنا علوم حادثة وذلك ألن اهللا تعاىل اآلن عامل بأن العامل كان قد وجد قبل

ا بأنه قد وجد كان هذا، وهو يف األزل إن كان عاملا بأنه كان قد وجد كان هذا جهال ال علما، وإذا مل يكن عاملوهكذا . جهال ال علما، وإذا مل يكن عاملا وهو اآلن عامل فقد ظهر حدوث العلم بأن العامل كان قد وجد قبل هذا

فإن القدرة واالرادة . وأما اإلرادة فال بد من حدوثها فإهنا لو كانت قدمية لكان املراد معها. القول يف كل حادثمنها وجب حصول املراد، فكيف يتأخر املراد عن اإلرادة والقدرة من غري عائق ؟ فلهذا مهما متتا وارتفعت العوائق

قالت املعتزلة حبدوث إرادة يف غري حمل وقالت الكرامية حبدوثها يف ذاته ورمبا عربوا عنه بأنه خيلق اجيادا يف ذاته عند .وجود كل موجود وهذا راجع إىل االرادة

ومل يكن قد " إنا أرسلنا نوحا إىل قومه " ا وفيه إخبار عما مضى، فكيف قال يف األزل وأما الكالم فكيف يكون قدميومل خيلق بعد موسى، فكيف أمر وهنى من غري مأمور " فاخلع نعليك " خلق نوحا بعد، وكيف قال يف األزل ملوسى

القدم، علم قطعا أنه صار آمرا وإذا كان ذلك حماال مث علم بالضرورة أنه آمر وناه، واستحال ذلك يف. وال منهيمهما حللنا الشبهة يف هذه : واجلواب أنا نقول. ناهيا بعد أن مل يكن، فال معىن لكونه حمال للحوادث إال هذا

الصفات الثالثة انتهض منه دليل مستقل على إبطال كونه حمال للحوادث، إذ مل يذهب إليه ذاهب إال بسبب هذه . ان القول هبا باطال كالقول بأنه حمل لأللوان وغريها مما ال يدل دليل على االتصاف هباالشبهة، وإذا انكشف ك

الباري تعاىل يف األزل علم بوجود العامل يف وقت وجوده وهذا العلم صفة واحدة مقتضاها يف األزل العلم : فنقولكان، وهذه األحوال تتعاقب على العامل بأن العامل يكون من بعد، وعند الوجود العلم بأنه كائن وبعده العلم بأنه

وإمنا املتغري أحوال العامل، وإيضاحه مبثال وهو أنا إذا فرضنا . ويكون مكشوفا هللا تعاىل تلك الصفة وهي مل تتغريللواحد منا علما بقدوم زيد عند طلوع الشمس وحصل له هذا العلم قبل طلوع الشمس ومل ينعدم بل بقي ومل خيلق

أيكون عاملا بقدوم زيد أو غري عامل ؟ وحمال . عند طلوع الشمس فما حال هذا الشخص عند الطلوع،له علم آخر أن يكون غري عامل ألنه قدر بقاء العلم بالقدوم عند الطلوع، وقد علم اآلن الطلوع فيلزمه بالضرورة أن يكون عاملا

ن كان قد قدم والعلم الواحد أفاد االحاطة بأنه بالقدوم، فلو دام عند انقضاء الطلوع فال بد أن يكون عاملا بأسيكون وإنه كائن وأنه قد كان فهكذا ينبغي أن يفهم علم اهللا القدمي املوجب باالحاطة باحلوادث، وعلى هذا ينبغي

Page 46: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

أن يقال السمع والبصر، فإن كل واحد منهما صفة يتصف هبا املرئي واملسموع عند الوجود من غري حدوث تلك والدليل القاطع على هذا هو أن االختالف بني . حدوث أمر فيها، وإمنا احلادث املسموع واملرئيالصفة وال

. األحوال شيء واحد يف انقسامه إىل الذي كان ويكون وهو كائن ال يزيد على االختالف بني الذوات املختلفةوإذا كان علم واحد يفيد .ومعلوم أن العلم ال يتعدد بتعدد الذوات فكيف يتعدد بتعدد أحوال ذات واحدة

اإلحاطة بذوات خمتلفة متباينة فمن أين يستحيل أن يكون علم واحد يفيد إحاطة بأحوال ذات واحدة باالضافة إىل املاضي واملستقبل، وال شك أن جهما ينفي النهاية عن معلومات اهللا تعاىل مث ال يثبت علوما ال هناية هلا فيلزمه أن

ق مبعلومات خمتلفة فكيف يستبعد ذلك يف أحوال معلوم واحد حيققه أنه لو حدث له علم يعترف بعلم واحد يتعلبكل حادث لكان ذلك العلم ال خيلو إما أن يكون معلوما أو غري معلوم، فإن مل يكن معلوما فهو حمال، ألنه حادث،

ال يعلم احلوادث املباينة لذاته أوىل، وإن جاز حادث ال يعلمه مع أنه يف ذاته أوىل بأن يكون متضحا له فبان جيوز أوإما أن . وإن كان معلوما فإما أن يفتقر إىل علم آخر وكذلك العلم يفتقر إىل علوم أخر ال هناية هلا، وذلك حمال

أحدمها ذات، واآلخر ذات : يعلم احلادث والعلم باحلادث نفس ذلك العلم فتكون ذات العلم واحدة وهلا معلومانمنه ال حمالة جتويز علم واحد يتعلق مبعلومني خمتلفني فكيف ال جيوز علم واحد يتعلق بأحوال معلوم احلادث، فيلزم

واحد مع احتاد العلم وتنزهه عن التغري، وهذا ال خمرج منه؛ فأما اإلرادة فقد ذكرنا أن حدوثها بغري إرادة أخرى ويستحيل أن تتعلق . ة القدمية باألحداث غري حمالحمال، وحدوثها بإرادة بتسلسل إىل غري هناية، وإن تعلق اإلراد

. وقد سبق إيضاح ذلك. اإلرادة بالقدمي فلم يكن العامل قدميا ألن اإلرادة تعلقت باحداثه ال بوجوده يف القدموكذلك الكرامي إذا قال حيدث يف ذاته إجيادا يف حال حدوث العامل بذلك حيصل حدوث العامل يف ذلك الوقت،

خمصص آخر فيلزمهم يف اإلجياد ما لزم املعتزلة يف اإلرادة احلادثة، ومن قال منهم إن ذلك اإلجياد هو فيحتاج إىلأن قوله كن حادث : استحالة قيام الصوت بذاته، واآلخر: قوله كن، وهو صوت، فهو حمال من ثالثة أوجه، أحدها

يقال له كن، فإن افتقر قوله كن يف أن يكون، أيضا، فإن حدث من غري أن يقول له كن فليحدث العامل من غري أن مث ال ينبغي أن يناظر. إىل قول آخر، افتقر القول اآلخر إىل ثالث، والثالث إىل رابع، ويتسلسل إىل غري هناية

من انتهى عقله إىل أن يقول حيدث يف ذاته بعدد كل حادث يف كل وقت، قوله كن فيجتمع آالف آالف أصوات م أن النون والكاف ال ميكن النطق هبما يف وقت واحد بل ينبغي أن تكون النون بعد الكاف ومعلو. يف كل حلظة

ألن اجلمع بني احلرفني حمال وإن مجع ومل يرتب مل يكن قوال مفهوما وال كالما، وكما يستحيل اجلمع بني حرفني يعقل الكاف والنون فهؤالء حقهم خمتلفني فكذلك بني حرفني متماثلني، وال يعقل يف أوان ألف ألف كاف كما ال

أن قوله كن خطاب مع العامل يف حالة العدم أو : والثالث. أن يسترزقوا اهللا عقال وهو أهم هلم من االشتغال بالنظريف حالة الوجود، فإن كان يف حالة العدم فاملعدوم ال يفهم اخلطاب، فكيف ميتثل بأن يتكون بقوله كن ؟ وإن كان

فالكائن كيف يقال له كن ؟ فانظر ماذا يفعل اهللا تعاىل مبن ضل عن سبيله فقد انتهى ركاكة عقله يف حالة الوجود وأنه كناية عن نفاذ القدرة وكماهلا حىت اجنر " إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " إىل أن ال يفهم املعين بقوله تعاىل

لفزع األكرب يوم تكشف الضمائر وتبلى السرائر هبم إىل هذه املخازي، نعوذ باهللا من اخلزي والفضيحة يوم افيكشف إذ ذاك ستر اهللا عن خبائث اجلهال، ويقال للجاهل الذي اعتقد يف اهللا تعاىل ويف صفاته غري الرأي السديد

انتهى عقله إىل أن يقول حيدث يف ذاته بعدد . لقد كنت يف غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديدومعلوم أن النون والكاف ال ميكن . كل وقت، قوله كن فيجتمع آالف آالف أصوات يف كل حلظة كل حادث يف

النطق هبما يف وقت واحد بل ينبغي أن تكون النون بعد الكاف ألن اجلمع بني احلرفني حمال وإن مجع ومل يرتب مل

Page 47: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ك بني حرفني متماثلني، وال يعقل يف يكن قوال مفهوما وال كالما، وكما يستحيل اجلمع بني حرفني خمتلفني فكذلأوان ألف ألف كاف كما ال يعقل الكاف والنون فهؤالء حقهم أن يسترزقوا اهللا عقال وهو أهم هلم من االشتغال

أن قوله كن خطاب مع العامل يف حالة العدم أو يف حالة الوجود، فإن كان يف حالة العدم فاملعدوم : والثالث. بالنظر، فكيف ميتثل بأن يتكون بقوله كن ؟ وإن كان يف حالة الوجود فالكائن كيف يقال له كن ؟ فانظر ال يفهم اخلطاب

إذا أردناه أن نقول " ماذا يفعل اهللا تعاىل مبن ضل عن سبيله فقد انتهى ركاكة عقله إىل أن ال يفهم املعين بقوله تعاىل ر هبم إىل هذه املخازي، نعوذ باهللا من اخلزي والفضيحة وأنه كناية عن نفاذ القدرة وكماهلا حىت اجن" له كن فيكون

يوم الفزع األكرب يوم تكشف الضمائر وتبلى السرائر فيكشف إذ ذاك ستر اهللا عن خبائث اجلهال، ويقال للجاهل الذي اعتقد يف اهللا تعاىل ويف صفاته غري الرأي السديد لقد كنت يف غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك

.حديداليوم

استبعاد " إنا أرسلنا نوحا " ومن قوله تعاىل " فاخلع نعليك " وأما الكالم فهو قدمي، وما استبعدوه من قوله تعاىل فإنا نقول يقوم بذات اهللا تعاىل خرب . مستنده تقديرهم الكالم صوتا وهو حمال فيه، وليس مبحال إذ فهم كالم النفس

إنا أرسلنا، واللفظ خيتلف باختالف األحوال : إنا نرسله، وبعد إرساله: هعن إرسال نوح العبارة عنه قبل إرسالواملعىن القائم بذاته تعاىل ال خيتلف، فإن حقيقته أنه خرب متعلق مبخرب ذلك اخلرب هو إرسال نوح يف الوقت املعلوم

لى األمر واألمر وذلك ال خيتلف باختالف األحوال كما سبق يف العلم، وكذلك قوله اخلع نعليك لفظة تدل عاقتضاء وطلب يقوم بذات األمر وليس شرط قيامه به أن يكون املأمور موجودا ولكن جيوز أن يقوم بذاته قبل

وكم من شخص ليس . وجود املأمور، فإذا وجد املأمور كان مأمورا بذلك االقتضاء بعينه من غري حتدد اقتضاء آخرعلى تقدير وجوده، إذ يقدر يف نفسه أن يقول لولده اطلب العلم وهذا له ولد ويقوم بذاته اقتضاء طلب العلم منه

االقتضاء يتنجز يف نفسه على تقدير الوجود، فلو وجد الولد وخلق له عقل وخلق له علم مبا يف نفس األب من غري لب العلم تقدير صياغة لفظ مسموع، وقدر بقاء ذلك االقتضاء على وجوده لعلم االبن أنه مأمور من جهة األب بط

يف غري استئناف اقتضاء متجدد يف النفس، بل يبقى ذلك االقتضاء نعم العادة جارية بأن االبن ال حيدث له علم إال بلفظ يدل على االقتضاء الباطن، فيكون قوله بلسانه أطلب العلم، داللة على االقتضاء الذي يف ذاته سواء حدث

فهكذا ينبغي أن يفهم قيام األمر بذات اهللا تعاىل فتكون األلفاظ . هيف الوقت أو كان قدميا بذاته قبل وجود ولدالدالة عليه حادثة واملدلول قدميا ووجود ذلك املدلول ال يستدعي وجود املأمور بل تصور وجوده مهما كان املأمور

فلذلك ال نقول .مقدر الوجود، فإن كان مستحيل الوجود رمبا ال يتصور وجود االقتضاء ممن يعلم استحالة وجودهفإن قيل أفتقولون . إن اهللا تعاىل يقوم بذاته اقتضاء فعل ممن يستحيل وجوده، بل ممن علم وجوده، وذلك غري حمال

إن اهللا تعاىل يف األزل آمر وناه، فإن قلتم أنه آمر فكيف يكون آمر ال مأمور له ؟ وإن قلتم ال فقد صار آمرا بعد أن .مل يكناب يف جواب هذا، واملختار أن تقول هذا نظر يتعلق أحد طرفيه باملعىن واآلخر بإطالق االسم واختلف األصح: قلنا

فأما حظ املعىن فقد انكشف وهو أن االقتضاء القدمي معقول وإن كان سابقا على وجود املأمور . من حيث اللغةده أم ينطلق عليه قبله ؟ وهذا أمر كما يف حق الولد ينبغي أن يقال اسم األمر ينطلق عليه بعد فهم املأمور ووجو

لفظي ال ينبغي للناظر أن يشتغل بأمثاله، ولكن احلق أنه جيوز اطالقه عليه كما جوزوا تسمية اهللا تعاىل قادرا قبل وجود املقدور، ومل يستبعدوا قادرا ليس له مقدور موجود بل قالوا القادر يستدعي مقدورا معلوما ال موجودا

يستدعي مأمورا معلوما موجودا واملعدوم معلوم الوجود قبل الوجود، بل يستدعي األمر مأمورا به فكذلك اآلمر

Page 48: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

كما يستدعي مأمورا ويستدعي آمرا أيضا واملأمور به يكون معدوما وال يقال إنه كيف يكون آمر من غري مأمور يشترط كونه معدوما بل من أمر ولده على به، بل يقال له مأمور به هو معلوم وليس يشترط كونه موجودا، بل

سبيل الوصية بأمر مث تويف فأتى الولد مبا أوصي به يقال امتثل أمر والده واألمر معدوم واألمر يف نفسه معدوم وحنن مع هذا نطلق اسم امتثال األمر، فإذا مل يستبعد كون املأمور ممتثال لألمر وال وجود لألمر وال لآلمر ومل يستبعد كون

األمر أمرا قبل وجود املأمور به، فمن أين يستدعي وجود املأمور ؟ فقد انكشف من هذا حظ اللفظ واملعىن مجيعا .فهذا ما أردنا أن نذكره يف استحالة كونه حمال للحوادث إمجاال وتفصيال. وال نظر إال فيهما

احلكم الرابع

ة صادقة عليه أزال وأبدا، فهو يف القدم كان حيا قادرا عاملا إن األسامي املشتقة هللا تعاىل من هذه الصفات السبعمسيعا بصريا متكلما، وأما ما يشتق له من األفعال كالرازق واخلالق واملعز واملذل فقد اختلف يف أنه يصدق يف األزل

.وهذا إذا كشف الغطاء عنه تبني استحالة اخلالف فيه. أم الأن ال يدل إال على ذاته كاملوجود، وهذا صادق : األول: ليت يسمى هبا اهللا تعاىل أربعةوالقول اجلامع أن األسامي ا

. أزال وأبدا

ما يدل على الذات مع زيادة سلب كالقدمي، فإنه يدل على وجود غري مسبوق بعدم أزال، والباقي فإنه يدل : الثاينوجود وسلب الشريك، وكالغىن فإنه يدل على على الوجود وسلب العدم عنه آخرا وكالواحد فإنه يدل على ال

.الوجود وسلب احلاجة فهذا أيضا يصدق أزال وأبدا ألن ما يسلب عنه يسلب لذاته فيالزم الذات على الدوامما يدل على الوجود وصفة زائدة من صفات املعىن كاحلي والقادر واملتكلم واملريد والسميع والبصري والعامل : الثالث

ىل هذه الصفات السبعة كاآلمر والناهي واخلبري ونظائره، فذلك أيضا يصدق عليه أزال وأبدا عند من وما يرجع إ .يعتقد قدم مجيع الصفات

ما يدل على الوجود مع إضافة إىل فعل من أفعاله كاجلواد والرزاق واخلالق واملعز واملذل وأمثاله، وهذا : الرابعإذ لو مل يصدق لكان اتصافه به موجبا للتغري وقال قوم ال يصدق إذ ال خلق خمتلف فيه، فقال قوم هو صادق أزال

والكاشف للغطاء عن هذا أن السيف يف الغمد يسمى صارما وعند حصول القطع به ويف . يف األزل فكيف خالقاحصول القطع صارم تلك احلالة على االقتران يسمى صارما، ومها مبعنيني خمتلفني، فهو يف الغمد صارم بالقوة وعند

بالفعل وكذلك املاء يف الكوز يسمى مرويا وعند الشرب يسمى مرويا ومها إطالقان خمتلفان فمعىن تسمية السيف يف الغمد صارما أن الصفة اليت حيصل هبا القطع يف احلال لقصور يف ذات السيف وحدته واستعداده بل ألمر آخر

الغمد صارما يصدق اسم اخلالق على اهللا تعاىل يف األزل فإن اخللق إذ فباملعىن الذي يسمى السيف يف. وراء ذاتهوباملعىن الذي . أجري بالفعل مل يكن لتجدد أمر يف الذات مل يكن، بل كل ما يشترط لتحقيق الفعل موجود يف األزل

من قال إنه ال فقد ظهر أن . يطلق حالة مباشرة القطع للسيف اسم الصارم ال يصدق يف األزل فهذا حظ املعىنيصدق يف األزل هذا االسم فهو حمق وأراد به املعىن الثاين، ومن قال يصدق يف األزل فهو حمق وأراد به املعىن

فهذا متام ما أردنا ذكره يف قطب الصفات وقد اشتمل . وإذا كشف الغطاء على هذا الوجه ارتفع اخلالف. األولفروع، وعن صفة الكالم مخسة استبعادات، واجتمع من األحكام على سبعة دعاو، وتفرع عن صفة القدرة ثالثة

Page 49: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

املشتركة بني الصفات أربعة أحكام، فكان اجملموع قريبا من عشرين دعوى هي أصول الدعاوى وإن كان تنبين كل .دعوى على دعاوى هبا يتوصل إىل اثباهتا فلنشتغل بالقطب الثالث من الكتاب إن شاء اهللا تعاىل

القطب الثالث

يف أفعال اهللا تعاىل

ومجلة أفعال جائزة ال يوصف شيء منها بالوجوب

ندعي أنه جيوز هللا تعاىل أن ال يكلف عباده، وأنه جيوز أن يكلفهم ما ال يطاق، : وندعي يف هذا القطب سبعة أموره ثواب الطاعة وأنه جيوز منه إيالم العباد بغري عوض وجناية؛ وأنه ال جيب رعاية األصلح هلم، وأنه ال جيب علي

وعقاب املعصية، وأن العبد ال جيب عليه شيء بالعقل بل بالشرع، وأنه ال جيب على اهللا بعثه الرسل، وأنه لو بعث مل يكن قبيحا وال حماال بل أمكن اظهار صدقهم باملعجزة، ومجلة هذه الدعاوى تنبين على البحث عن معىن الواجب

وإمنا كثر . فيه وطولوا القول يف أن العقل هل حيسن ويقبح وهل يوجبواحلسن والقبيح، ولقد خاض اخلائضون اخلبط ألهنم مل حيصلوا معىن هذه األلفاظ واختالفات االصطالحات فيها وكيف ختاطب خصمان يف أن العقل واجب

بد من ومها بعد مل يفهما معىن الواجب، فهما حمصال متفقا عليه بينهما، فلنقدم البحث عن االصطالحات وال الواجب، واحلسن، والقبيح، والعبث، والسفه، واحلكمة؛ فإن هذه األلفاظ : الوقوف على معىن ستة ألفاظ وهي

مشتركة ومثار األغاليط إمجاهلا، والوجه يف أمثال هذه املباحث أن نطرح األلفاظ وحنصل املعاين يف العقل بعبارات أما الواجب فإنه يطلق : تفاوت االصطالحات فيها، فنقولأخرى مث نلتفت إىل األلفاظ املبحوث عنها وننظر إىل

وليس . على فعل ال حمالة، ويطلق على القدمي إنه واجب، وعلى الشمس إذا غربت إهنا واجبة، وليس من غرضناخيفى أن الفعل الذي ال يترجح فعله على تركه وال يكون صدوره من صاحبه أوىل من تركه ال يسمى واجبا وإن

ومعلوم أن الفعل قد يكون حبيث يعلم . ن أوال ال يسميه أيضا بكل ترجيح بل ال بد من خصوص ترجيحترجح وكاأنه يعلم أنه نستعقب تركه ضررا، أو يتوهم، وذلك الضرر إما عاجل يف الدنيا وإما آجل يف العاقبة، وهو إما قريب

ه األقسام ثابت يف العقل من غري لفظ فلنرجع إىل فانقسام الفعل ووجوه ترجحه هلذ. حمتمل وإما عظيم ال يطاق مثلهمعلوم أن ما فيه ضرر قريب حمتمل ال يسمى واجبا؛ إذ العطشان إذا مل يبادر إىل شرب املاء تضرر : اللفظ فنقول

ومعلوم أن ما ال ضرر فيه أصال ولكن يف فعله فائدة ال يسمى . تضررا قريبا وال يقال إن الشرب عليه واجبفإن التجارة واكتساب املال والنوافل فيه فائدة وال يسمى واجبا، بل املخصوص باسم الواجب ما يف تركه واجبا،

ضرر ظاهر فإن كان ذلك يف العاقبة أعين اآلخرة، وعرف بالشرع فنحن نسميه واجبا، وإن كان ذلك يف الدنيا قد يقول واجب على اجلائع الذي ميوت من وعرف بالعقل فقد يسمى أيضا ذلك واجبا، فإن من ال يعتقد الشرع

اجلوع أن يأكل إذا وجد اخلبز ونعين بوجوب األكل ترجح فعله على تركه مبا يتعلق من الضرر بتركه، ولسنا حنرم هذا االصطالح بالشرع فإن االصطالحات مباحة ال حجر فيها للشرع وال للعقل، وإمنا متنع منه اللغة إذا مل يكن

املعروف فقد حتصلنا على معنيني للواجب ورجع كالمها إىل التعرض للضرر وكان أحدمها أعم على وفق املوضوعال خيتص باآلخرة، واآلخر أخص وهو اصطالحنا، وقد يطلق الواجب مبعىن ثالث وهو الذي يؤدي عدم وقوعه إىل

أن ينقلب العلم جهال وذلك ما علم وقوعه فوقوعه واجب، ومعناه أنه إن مل يقع يؤدي إىل : أمر حمال، كما يقال .حمال، فيكون معىن وجوبه أن ضده حمال، فليسم هذا املعىن الثالث الواجب

Page 50: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

وأما احلسن فحظ املعىن منه أن الفعل يف حق الفاعل ينقسم إىل ثالثة أقسام أحدها أن توافقه أي تالئم غرضه، وهذا االنقسام ثابت يف العقل؛ فالذي . ركه غرضوالثاين أن ينافر غرضه، والثالث أن ال يكون له يف فعله وال يف ت

يوافق الفاعل يسمى حسنا يف حقه وال معىن حلسنه إال موافقته لغرضه، والذي ينايف غرضه يسمى قبيحا وال معىن لقبحه إال منافاته لغرضه، والذي ال ينايف وال يوافق يسمى عبثا أي ال فائدة فيه أصال، وفاعل العبث يسمى عابثا

رمبا يسمى سفيها، وفاعل القبيح أعين الفعل الذي ينضر به يسمى سفيها واسم السفيه أصدق منه على العابث، ووهذا كله إذا مل يلتفت إىل غري الفاعل أو مل يرتبط الفعل بغرض غري الفاعل، فإن ارتبط بغري الفاعل وكان موافقا

ي قبيحا، وإن كان موافقا لشخص دون شخص مسي يف حق لغرضه مسي حسنا يف حق من وافقه وإن كان منافيا مسأحدمها حسنا ويف حق اآلخر قبيحا إذ اسم القبيح واحلسن بأن املوافقة واملخالفة، ومها أمران إضافيان، خمتلفان

باألشخاص وخيتلف يف حق شخص واحد باألحوال وخيتلف يف حال واحد باألعراض؛ فرب فعل يوافق الشخص فه من وجه فيكون حسنا من وجه قبيحا من وجه، فمن ال ديانة له يستحسن الزنا بزوجة الغري ويعد من وجه وخيال

الظفر هبا نعمة ويستقبح فعل الذي يكشف عررته ويسميه غمازا قبيح الفعل واملتدين يسميه حمتسبا حسن الفعل، ن فعل القاتل مجيع أعدائه وكل حبسب غرضه يطلق اسم احلسن والقبح بل يقتل ملك من امللوك فيستحس

ويستقبحه مجيع أوليائه، بل هذا القاتل يف احلسن املخصوص جار، ففي الطباع ما خلق مايال من األلوان احلسان إىل السمرة، فصاحبه يستحسن األمسر ويعشقه، والذي خلق مايال إىل البياض املشرب باحلمرة يستقبحه ويستكرهه

به؛ فبهذا يتبني على القطع أن احلسن والقبيح عبارتان عن اخللق كلهم عن أمرين ويسفه عقل املستحسن املستهتر فال جرم جاز أن يكون الشيء حسنا يف . إضافيني خيتلفان باإلضافات عن صفات الذوات اليت ال ختتلف باإلضافة

مل تكن األلوان من حق زيد قبيحا يف حق عمرو وال جيوز أن يكون الشيء أسود يف حق زيد أبيض يف حق عمرو ملافقائل يطلقه على كل ما : األوصاف اإلضافية؛ فإذا فهمت املعىن فافهم أن االصطالح يف لفظ احلسن أيضا ثالثة

يوافق الغرض عاجال كان أو آجال؛ وقائل خيصص مبا يوافق الغرض يف اآلخر وهو الذي حسنه الشرع أي حث ، والقبيح عند كل فريق ما يقابل احلسن، فاألول أعم وهذا أخص، عليه ووعد بالثواب عليه وهو اصطالح أصحابنا

وهبذا االصطالح قد يسمي بعض من ال يتحاشى فعل اهللا تعاىل قبيحا إذ كان ال يوافق غرضهم، ولذلك تراهم يسبون الفلك والدهر ويقولون خرف الفلك وما أقبح أفعاله ويعلمون إن الفاعل خالق الفلك؛ ولذلك قال رسول

ال تسبوا الدهر، فإن اهللا هو الدهر؛ وفيه اصطالح ثالث إذ قد يقال فعل اهللا تعاىل حسن : صلى اهللا عليه وسلماهللاكيف كان مع إنه ال غرض يف حقه؛ ويكون معناه أنه ال تبعة عليه فيه وال الئمة وأنه فاعل يف ملكه الذي ال يساهم

مها االحاطة اجملردة بنظم األمور ومعانيها الدقيقة واجلليلة واحلكم أحد: وأما احلكمة فتطلق على معنيني. فيه ما يشاءعليها بأهنا كيف ينبغي أن تكون حىت تتم منها الغاية املطلوبة هبا، والثاين أن تنضاف إليه القدرة على إجياد الترتيب

حكام وهو نوع من والنظام واتقانه وإحكامه فيقال حكيم من احلكمة، وهو نوع من العلم، ويقال حكيم من األالفعل، فقد اتضح لك معىن هذه األلفاظ يف األصل ولكن ههنا ثالث غلطات للوهم يستفاد من الوقوف عليها

أن اإلنسان قد يطلق اسم القبيح على ما خيالف غرضه : الغلطة األوىل: اخلالص من إشكاالت تغتر هبا طوائف كثرية الغري، فكل طبع مشغوف بنفسه ومستحقر ما عداه ولذلك حيكم وإن كان يوافق غرض غريه، ولكنه ال يلتفت إىل

على الفعل مطلقا بأنه قبيح وقد يقول أنه قبيح يف عينه، وسببه أنه قبيح يف حقه مبعىن أنه خمالف لغرضه، ولكن كم أغراضه كأنه كل العامل يف حقه فيتوهم أن املخالف حلقه خمالف يف نفسه، فيضيف القبح إىل ذات الشيء وحي

باالطالق؛ فهو مصيب يف أصل االسقباح ولكنه خمطيء يف حكمه بالقبح على االطالق؛ ويف إضافة القبح إىل ذات

Page 51: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

الشيء ومنشؤه غفلته عن االلتفات إىل غريه، بل عن االلتفات إىل بعض أحوال نفسه، فإنه قد يستحسن يف بعض .أحواله غري ما يستقبحه مهما انقلب موافقا لغرضه

أن ما هو خمالف لألغراض يف مجيع األحوال إال يف حالة نادرة، فقد حيكم اإلنسان عليه مطلقا بأنه : لثانية فيهالغلطة اقبيح لذهوله عن احلالة النادرة ورسوخ غالب األحوال يف نفسه واستيالئه على ذكره، فيقضي مثال على الكذب

ط ال ملعىن زائد، وسبب ذلك غفلته عن ارتباط مصاحل بأنه قبيح مطلقا يف كل حال وأن قبحه ألنه كذب لذاته فقكثرية بالكذب يف بعض األحوال، ولكن لو وقعت تلك احلالة رمبا نفر طبعه عن استحسان الكذب لكثرة إلفه

باستقباحه، وذلك ألن الطبع ينفر عنه من أول الصبا بطريق التأديب واالستصالح، ويلقي إليه أن الكذب قبيح يف ينبغي أن يكذب قط، فهو قبيح ولكن بشرط يالزمه يف أكثر األوقات وإمنا يقع نادرا، فلذلك ال ينبه نفسه وأنه ال

.على ذلك الشرط ويغرس يف طبعه قبحه والتنفري عنه مطلقا

سبق الوهم إىل العكس، فإن ما رئي مقرونا بالشيء يظن أن الشيء أيضا ال حمالة يكون مقرونا به : الغلطة الثالثةومثاله ما . طلقا وال يدري أن األخص أبدا يكون مقرونا باألعم، وأما األعم فال يلزم أن يكون مقرونا باألخصم

يقال من أن السليم، أعين الذي هنشته احلية، خياف من احلبل املربقش اللون، وهو كما قيل، وسببه أنه أدرك املؤذي ق الوهم إىل العكس وحكم بأنه مؤذ فينفر الطبع تابعا للوهم وهو متصور بصورة حبل مربقش، فإذا أدرك احلبل سب

واخليال وإن كان العقل مكذبا به، بل االنسان قد ينفر عن أكل اخلبيض األصفر لشبهه بالعذرة، فيكاد يتقيأ عند درك قول القائل إنه عذرة، يتعذر عليه تناوله مع كون العقل مكذبا به، وذلك لسبق الوهم إىل العكس فإنه أ

املستقذر رطبا أضفر فإذا رأى الرطب األصفر حكم بأنه مستقذر، بل يف الطبع ما هو أعظم من هذا فإن األسامي اليت تطلق عليها اهلنود والزنوج ملا كان يقترن قبح املسمى به يؤثر يف الطبع ويبلغ إىل حد لو مسى به أمجل األتراك

بيح مقرونا هبذا االسم فيحكم بالعكس، فإذا أدرك األسم حكم بالقبح والروم لنفر الطبع عنه، ألنه أدرك الوهم القوهذا مع وضوحه للعقل فال ينبغي أن يغفل عنه ألن إقدام اخللق وإحجامهم يف أقواهلم . على املسمى ونفر الطبع

تعاىل الذين أراهم وأما اتباع العقل الصرف فال يقوى عليه إال أولياء اهللا. وعقائدهم وأفعاهلم تابع ملثل هذه األوهاماهللا احلق حقا وقواهم على اتباعه، وإن أردت أن جترب هذا يف االعتقادات فأورد على فهم العامي املعتزيل مسألة معقولة جلية فيسارع إىل قبوهلا، فلو قلت له إنه مذهب األشعري رضي اهللا عنه لنفر وامتنع عن القبول وانقلب

وكذلك تقرر أمرا . ن سيء الظن باألشعري، إذ كان قبح ذلك يف نفسه منذ الصبامكذبا بعني ما صدق به مهما كا. معقوال عند العامي األشعري مث تقول له إن هذا قول املعتزيل فينفر عن قبوله بعد التصديق ويعود يل التكذيب

فارقوا العوام يف أصل التقليد ولست أقول هذا طبع العوام بل طبع أكثر من رأيته من املتومسني باسم العلم؛ فإهنم مل يبل أضافوا إىل تقليد املذهب تقليد الدليل فهم يف نظرهم ال يطلبون احلق بل يطلبون طريق احليلة يف نصرة ما

اعتقدوه حقا بالسماع والتقليد، فإن صادفوا يف نظرهم ما يؤكد عقائدهم قالوا قد ظفرنا بالدليل، وإن ظهر هلم ما عرضت لنا شبهة، فيضعون االعتقاد املتلقف بالتقليد أصال وينبزون بالشبهة كل ما خيالفه، يضعف مذهبهم قالوا قد

وبالدليل كلى ما يوافقه، وإمنا احلق ضده؛ وهو أن ال يعتقد شيئا أصال وينظر إىل الدليل ويسمي مقتضاه حقا فإذا وقفت على . لق بأخالق منذ الصباونقيضه باطال وكل ذلك منشؤه االستحسان واالستقباح بتقدمي اإللفه والتخ

فقد رجع كالمكم إىل أن احلسن والقبيح يرجعان إىل املوافقة : فإن قيل. هذه املثارات سهل عليك دفع االشكاالتأما االستحسان فمن . واملخالفة لألغراض، وحنن نرى العاقل يستحسن ما ال فائدة له فيه ويستقبح ما له فيه فائدة

Page 52: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

حيوانا مشرفا على اهلالك استحسن إنقاذه ولو بشربة ماء معأنه رمبا ال يعتقد الشرع وال يتوقع منه رأى إنسانا أو غرضا يف الدنيا وال هو مبرآى من الناس حىت ينتظر عليه ثناء بل ميكن أن يقدر انتفاء كل غرض ومع ذلك يرجح

يستقبح مع األغراض، كالذي حيمل على وأما الذي . جهة االنقاذ على جهة االمهال بتحسني هذا وتقبيح ذلك. كلمة الكفر بالسيف والشرع قد رخص له يف اطالقها، فإنه قد يستحسن منه الصرب على السيف وترك النطق به

أو الذي ال يعتقد الشرع ومحل بالسيف على نقض عهد، وال ضرر عليه يف نقضه ويف الوفاء به هالكه، فإنه واجلواب أن يف . فبان أن احلسن والقبح معىن سوى ما ذكرمتوه. من النقض يستحسن الوفاء بالعهد واالمتناع

أما ترجيح االنقاذ على االمهال يف حق من ال يعتقد الشرع . الوقوف على الغلطات املذكورة ما يشفي هذا الغليلان يقدر نفسه وألن االنس. فهو دفع لألذى الذي يلحق االنسان يف رقة اجلنسية، وهو طبع يستحيل االنفكاك عنه

يف تلك البلية ويقدر غريه قادرا على انقاذه مع اإلعراض عنه، وجيد من نفسه استقباح ذلك فيعود عليه ويقدر ذلك من املشرف على اهلالك يف حق نفسه فينفره طبعه عما يعتقده من أن املشرف على اهلالك يف حقه، فيندفع ذلك عن

يتوهم استقباحها أو فرض يف شخص ال رقة فيه وال رمحة فهذانفسه باالنقاذ، فإن فرض ذلك يف هبيمة ال

جمال تصوره، إذ االنسان ال ينفك عنه فإن فرض على االستحالة فيبقى أمر آخر وهو الثناء حبسن اخللق والشفقة على اخللق، فإن فرض حيث ال يعلمه أحد فهو ممكن أن يعلمه، فإن فرض يف موضع يستحيل أن يعلم فيبقى أيضا

ترجيح يف نفسه وميل يضاهي نفرة طبع السليم عن اخلبل، وذلك أنه رأى الثناء مقرونا مبثل هذا الفعل على كما إنه ملا رأى األذى مقرونا بصورة . وإن علم بعقله عدم الثناء. االطراد، وهو مييل إىل الثناء فيميل إىل املقرون به

ه، وإن علم بعقله عدم األذى بل الطبع إذا رأى من يعشقه يف وطبعه ينفر عن األذى فينفر عن املقرون ب. اخلبلموضع وطال معه أنسه فيه فإنه حيس من نفسه تفرقة بني ذلك املوضع وحيطانه وبني سائر املواضع ولذلك قال

تصوره، إذ االنسان ال ينفك عنه فإن فرض على االستحالة فيبقى أمر آخر وهو الثناء حبسن اخللق : الشاعرعلى اخللق، فإن فرض حيث ال يعلمه أحد فهو ممكن أن يعلمه، فإن فرض يف موضع يستحيل أن يعلم والشفقة

فيبقى أيضا ترجيح يف نفسه وميل يضاهي نفرة طبع السليم عن اخلبل، وذلك أنه رأى الثناء مقرونا مبثل هذا الفعل كما إنه ملا رأى األذى مقرونا . بعقله عدم الثناءوإن علم . على االطراد، وهو مييل إىل الثناء فيميل إىل املقرون به

وطبعه ينفر عن األذى فينفر عن املقرون به، وإن علم بعقله عدم األذى بل الطبع إذا رأى من يعشقه . بصورة اخلبليف موضع وطال معه أنسه فيه فإنه حيس من نفسه تفرقة بني ذلك املوضع وحيطانه وبني سائر املواضع ولذلك قال

:عرالشا أقبل ذا اجلدار وذا اجلدارا... أمر على جدار ديار ليلى

ولكن حب من سكن الديارا... وما تلك الديار شغفن قليب :وقال ابن الرومي منبها على سبب حب الناس األوطان ونعم ما قال

مآرب قضاها الشباب هنالكا... وحبب أوطان الرجال إليهم ود الصبا فيها فحنوا لذلكاعه... إذا ذكروا أوطاهنم ذكرهتم

وإذا تتبع االنسان األخالق والعادات رأى شواهد هذا خارجة عن احلصر، فهذا هو السبب الذي هو غلط املغترين بظاهر األمور، الذاهلني عن أسرار أخالق النفوس، اجلاهلني بأن هذا امليل وأمثاله يرجع إىل طاعة النفس حبكم

اخليال الذي هو غلط حيكم العقل ولكن خلقت قوى النفس مطيعة لألوهام و. الفطرة والطبع مبجرد الوهموالتخيالت حبكم اجراء العادات، حىت إذا ختيل اإلنسان طعاما طيبا بالتذكر أو بالرؤية سال يف احلال لعابه وحتلبت

Page 53: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ل والوهم، فإن شأهنا أن أشداقه، وذلك بطاعة القوة اليت سخرها اهللا تعاىل إلفاضة اللعاب املعني على املضغ للتخيتنبعث حبسب التخيل وإن كان الشخص عاملا بأنه ليس يريد اإلقدام على األكل بصوم أو بسبب آخر وكذلك يتخيل الصورة اجلميلة اليت يشتهي جمامعتها، فكما ثبت ذلك يف اخليال انبعثت القوة الناشرة آللة الفعل وساقت

ثارت القوة املأمورة بصب املذي الرطب املعني على الوقاع، وذلك كله مع الرياح إىل جتاويف األعصاب ومألهتا، وولكن اهللا تعاىل خلق هذه القوى حبكم طرد العادة مطيعة . التحقيق حبكم العقل لالمتناع عن الفعل يف ذلك الوقت

سبب ترجيح مسخرة حتت حكم اخليال، والوهم ساعد العقل الوهم أو مل يساعده، فهذا وأمثاله منشأ الغلط يفوكل ذلك راجع إىل األغراض، فأما النطق بكلمة الكفر وإن كان كذلك فال . أحد جانيب الفعل على اآلخر

أحدمها، اعتقاده أن : يستقبحه العاقل حتت السيف البتة بل رمبا يستقبح االصرار، فإن استحسن االصرار فله سببانظر من من الثناء عليه بصالبته يف الدين، فكم من شجاع الثواب على الصرب واالستسالم أكثر، واآلخر، ما ينت

ميتطي منت اخلطر ويتهجم على عدد يعلم أنه ال يطيقهم ويستحقر ما يناله مبا يعتاضه عنه من لذة الثناء واحلمد بعد ا فيها موته وكذلك االمتناع عن نقض العهد بسببه ثناء اخللق على من يفي بالعهد، وتواصيهم به على مر األوقات مل

فإن قدر حيث ال ينتظر ثناء فسببه حكم الوهم من حيث أنه مل يزل مقرونا بالثناء الذي هو لذيذ، . من مصاحل الناسواملقرون باللذيذ لذيذ، كما أن املقرون باملكروه مكروه كما سبق يف األمثلة، فهذا ما حيتمله هذا املختصر من بث

ال يف املعقوالت نظره، وقد استفدنا هبذه املقدمة إجياز الكالم يف أسرار هذا الفصل، وإمنا يعرف قدره من ط .الدعاوى فلنرجع إليها

:الدعوى األوىل

ندعي أنه جيوز هللا تعاىل أن ال خيلق اخللق، وإذا خلق فلم يكن ذلك واجبا عليه، وإذا خلقهم فله أن ال يكلفهم، املعتزلة جيب عليه اخللق والتكليف واجب، غري مفهوم؛ وقالت طائفة من . وإذا كلفهم فلم يكن ذلك واجبا عليه

فإنا بينا أن املفهوم عندنا من لفظ الواجب ما ينال تاركه ضرر، إما عاجال وإما آجال، أو ما يكون نقيضه حمال، وليس يف ترك التكليف وترك اخللق لزوم حمال، إال أن يقال كان يؤدي ذلك إىل. والضرر حمال يف حق اهللا تعاىل

خالف ما سبق به العلم يف األزل وما سبقت به املشيئة يف األزل، فهذا حق وهو هبذا التأويل واجب، فإن اإلرادة إمنا : فإن قيل. إذا فرضت موجودة، أو العلم إذا فرض متعلقا بالشيء، كان حصول املراد واملعلوم واجبا ال حمالة

الكالم يف قولكم لفائدة اخللق للتعليل، : خلالق سبحانه وتعاىل، قلناجيب عليه ذلك لفائدة اخللق ال لفائدة ترجع إىل اواحلكم املعلل هو الوجوب، وحنن نطالبكم بتفهيم احلكم فال يعنيكم ذكر العلة؛ فما معىن قولكم إنه جيب لفائدة

معىن رابعا ففسروه اخللق وما معىن الوجوب وحنن ال نفهم من الوجوب إال املعاين الثالثة، وهي منعدمة، فإن أردمت أوال مث اذكروا علته، فإنا رمبا ال ننكر أن للخلق يف اخللق فائدة، وكذا يف التكليف، ولكن ما فيه فائدة غريه مل جيب

وهذا ال خمرج عنه أبدا، على أنا نقول إمنا يستقيم هذا الكالم يف اخللق ال . عليه إذا مل يكن له فائدة يف فائدة غريهال يستقيم يف هذا اخللق املوجود بل يف أن خيلقهم يف اجلنة متنعمني، من غري هم وضرر وغم وأمل، يف التكليف، و

ليتين كنت نسيا منسيا، وقال آخر ليتين مل أك : وأما هذا اخللق املوجود فالعقالء كلهم قد متنوا العدم، وقال بعضهموهذا قول . شري إىل طائر ليتين كنت ذلك الطائرشيئا، وقال آخر ليتين كنت تبنة رفعها من األرض، قال آخر ي

األنبياء واألولياء وهم العقالء، فبعضهم يتمىن عدم اخللق وبعضهم يتمىن عدم التكليف بأن يكون مجادا أو طائرا، للخلق يف التكليف فائدة وإمنا معىن الفائدة نفي الكلفة، والتكليف : فليت شعري كيف يستجيز العاقل يف أن يقول

Page 54: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

: عينه إلزام كلفة وهو أمل، وإن نظر إىل الثواب فهو الفائدة، وكان قادرا على إيصاله إليهم بغري تكليف، فإن قيل يفأن االستعاذة باهللا تعاىل من : الثواب إذا كان باستحقاق كان ألذ وأوقع من أن يكون باالمتنان واالبتداء، واجلواب

رفع من احتمال منته وتقدير اللذة يف اخلروج من نعمته أوىل من عقل ينتهي إىل التكرب على اهللا عز وجل والتاالستعاذة باهللا من الشيطان الرجيم؛ وليت شعري كيف يعد من العقالء من خيطر بباله مثل هذه الوساوس، ومن

لثواب هذا لو سلم أن ا. يستثقل املقام أبد اآلباد يف اجلنة من غري تقدم تعب وتكليف أخس من أن يناظر أو خياطبمث ليت شعري الطاعة اليت هبا يستحق الثواب من أين وجدها العبد ؟ . بعد التكليف يكون مستحقا، وسنبني نقيضه

وهل هلا سبب سوى وجوده وقدرته وإرادته وصحة أعضائه وحضور أسبابه ؟ وهل لكل ذلك مصدر إال فضل اهللا ، فإن هذا الكالم من هذا النمط، فينبغي أن يسترزق اهللا ونعمته؛ فنعوذ باهللا من االخنالع عن غريزة العقل بالكلية

.تعاىل عقال لصاحبه وال يشتغل مبناظرته

:الدعوى الثانية

إن هللا تعاىل أن يكلف العباد ما يطيقونه وما ال يطيقونه، وذهب املعتزلة إىل انكار ذلك، ومعتقد أهل السنة أن در وهو املكلف، وال شرط فيه إال كونه متكلما، وله مورد وهو التكليف له حقيقة يف نفسه وهو أنه كالم وله مص

املكلف وشرطه أن يكون فامها للكالم فال يسمى الكالم مع اجلماد واجملنون خطابا وال تكليفا، والتكليف نوع م فإن خطاب وله متعلق وهو املكلف به وشرطه أن يكون مفهوما فقط، وأما كونه ممكنا فليس بشرط لتحقيق الكال

التكليف كالم، فإذا صدر ممن يفهم مع من يفهم فيما يفهم وكان املخاطب دون املخاطب مسي تكليفا، وإن كان مثله مسي التماسا، وإن كان فوقه مسي دعاء وسؤاال، فاالقتضاء يف ذاته واحد وهذه األسامي ختتلف عليه باختالف

ا أن تكون المتناع تصور ذاته، كاجتماع السواد والبياض، أو النسبة، وبرهان جواز ذلك أن استحالته ال ختلو إمكان ألجل االستقباح، وباطل أن يكون امتناعه لذاته، فإن السواد والبياض ال ميكن أن يفرض جمتمعا، وفرض هذا ، ممكن إذ التكليف ال خيلو إما أن يكون لفظا وهو مذهب اخلصم وليس مبستحيل أن يقول الرجل لعبده الزمن قم

وكما يتصور أن يقوم اقتضاء القيام بالنفس من . فهو على مذهبهم أظهر وأما حنن فإنا نعتقد أنه اقتضاء يقوم بالنفسقادر فيتصور ذلك من عاجز بل رمبا يقوم ذلك بنفسه من قادر مث يبقى ذلك االقتضاء ونظر الزمانة والسيد ال

م من عاجز يف علم اهللا تعاىل، وإن مل يكن معلوما عند املقتضي ويكون االقتضاء قائما بذاته وهو اقتضاء قائ. يدريفإن علمه ال حييل بقاء االقتضاء مع العلم بالعجز عن الوفاء وباطل أن يقال بطالن ذلك من جهة االستحسان، فإن

ن العاقل أما االنسا. كالمنا يف حق اهللا تعاىل، وذلك باطل يف حقه لتنزهه عن األغراض ورجوع ذلك إىل األغراضفهو مما ال فائدة : فإن قيل. املضبوط بغالب األمر فقد يستقبح ذلك وليس ما يستقبح من العبد يستقبح من اهللا تعاىل

إنه ال فائدة فيه، وال : األوىل: هذه ثالث دعاوى: قلنا. فيه وما ال فائدة فيه فهو عبث والعبث على اهللا تعاىل حمالوليست الفائدة هي االمتثال والثواب عليه بل رمبا يكون يف إظهار . اهللا عليها نسلم، فلعل فيه فائدة لعباد اطلع

األمر وما يتبعه من اعتقاد التكليف فائدة، فقد ينسخ األمر قبل االمتثال كما أمر إبراهيم عليه السالم بذبح ولده مث .النسخه قبل االمتثال، وأمر أبا جهل باالميان وأخرب أنه ال يؤمن وخالف خربه حم

إن ما ال فائدة فيه فهو عبث، فهذا تكرير عبارة؛ فإنا بينا أنه ال يراد بالعبث إال ما ال فائدة فيه فإن : الدعوى الثانية .أريد به غريه فهو غري مفهوم

Page 55: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

إن العبث على اهللا تعاىل حمال، وهذا فيه تلبيس، ألن ألن العبث عبارة عن فعل ال فائدة فيه ممن : الدعوى الثالثةرض للفوائد، فمن ال يتعرض هلا فتسميته عابثا جماز حمض ال حقيقة له يضاهي قول القائل الريح عابثة بتحيكها يتع

األشجار إذ ال فائدة هلا فيه، ويضاهي قول القائل اجلدار غافل أي هو خال عن العلم واجلهل وهذا باطل ألن الغافل قهما على الذي ال يقبل العلم جماز ال أصل له، وكذلك يطلق على القابل للجهل والعلم إذا خال عنهما، فاطال

اطالق اسم العابث على اهللا تعاىل واطالق العبث على أفعاله سبحانه وتعاىل، والدليل الثاين يف املسألة، وال حميص ن يؤمن بأنه ألحد عنه، أن اهللا تعاىل كلف أبا جهل أن يؤمن وعلم أنه ال يؤمن، وأخرب عنه بأنه ال يؤمن، فكأنه أمر بأ

ال يؤمن، إذ كان من قول الرسول صلى اهللا عليه وسلم إنه ال يؤمن وكان هو مأمورا بتصديقه، فقد قيل له صدق وحتقيقه أن خالف املعلوم حمال وقوعه ولكن ليس حماال لذاته، بل هو حمال لغريه، . بأنك ال تصدق، وهذا حمال

ته، ومن قال إن الكفار الذين مل يؤمنوا ما كانوا مأمورين باالميان فقد واحملال لغريه يف امتناع الوقوع كاحملال لذاجحد الشرع، ومن قال كان االميان منهم متصورا مع علم اهللا سبحانه وتعاىل بأنه ال يقع، فقد اضطر كل فريق إىل

ليه وكان للكافر عليه القول بتصور األمر مبا ال يتصور امتثاله، وال يغين عن هذا قول القائل إنه كان مقدورا عقدرة، أما على مثلنا فال قدرة قبل الفعل ومل تكن هلم قدرة إال على الكفر الذي صدر منهم، وأما عند املعتزلة فال

ميتنع وجود القدرة ولكن القدرة غري كافية لوقوع املقدور بل له شرط كاالرادة وغريها، ومن شروطه أن ال ينقلب قدرة ال تراد لعينها بل لتيسيري الفعل هبا، فكيف يتيسر فعل يؤدي إىل انقالب العلم جهال ؟ وال. علم اهللا تعاىل جهال

فاستبان أن هذا واقع يف ثبوت التكليف مبا هو حمال لغريه، فكذا يقاس عليه ما هو حمال لذاته إذ ال فرق بينهما يف .إمكان التلفظ وال يف تصور االقتضاء وال يف االستقباح واالستحسان

:الدعوى الثالثة

وقالت املعتزلة إن ذلك حمال . ندعي أن اهللا تعاىل قادر على إيالم احليوان الربيء عن اجلنايات وال يلزم عليه ثوابألنه قبيح، ولذلك لزمهم املصري إىل أن كل بقة وبرغوث أو ذي بعرة أو صدمة فإن اهللا عز وجل جيب عليه أن

بون إىل أن أرواحها تعود بالتناسخ إىل أبدان أخر ويناهلا من اللذة ما يقابل حيشره ويثيبه عليه بثواب، وذهب ذاهأما إيالم الربيء عن اجلناية من احليوان واألطفال واجملانني فمقدور : تعبها؛ وهذا مذهب ال خيفى فساده، ولكنا نقول

ك فيعود إىل معىن الواجب، مبا هو مشاهد حمسوس، فيبقى قول اخلصم إن ذلك يوجب عليه احلشر والثواب بعد ذلوقد بان استحالته يف حق اهللا تعاىل، وإن فسروه مبعىن رابع فهو غري مفهوم، وإن زعموا أن تركه يناقض كونه

إن احلكمة إن اريد هبا العلم بنظام األمور والقدرة على ترتيبها كما سبق فليس يف هذا ما يناقضه، : حكيما فنقول .يس جيب له عندنا من احلكم إال ما ذكرناه، وما وراء ذلك لفظ ال معىن لهوإن أريد هبا أمرا آخر فل

الظلم منفي عنه بطريق السلب احملض : قلنا" وما ربك بظالم للعبيد : " فإن قيل فيؤدي إىل أن يكون ظاملا وقد قالفعله ملك غريه، وال كما تسلب الغفلة عن اجلدار والعبث عن الريح، فإن الظلم إمنا يتصور ممن ميكن أن يصادف

يتصور ذلك يف حق اهللا تعاىل أو ميكن أن يكون عليه أمر فيخالف فعله أمر غريه، وال يتصور من االنسان أن يكون ظاملا ملا يف ملك نفسه بكل ما يفعله إال إذا خالف أمر الشرع فيكون ظاملا هبذا املعىن، فمن ال يتصور منه أن

منه أن يكون حتت أمر غريه كان الظلم مسلوبا عنه لفقد شرطه املصحح له ال يتصرف يف ملك غريه وال يتصور لفقده يف نفسه، فلتفهم هذه الدقيقة فإهنا مزلة القدم، فإن فسر الظلم مبعىن سوى ذلك فهو غري مفهوم وال يتكلم

. فيه بنفي وال إثبات

Page 56: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

:الدعوى الرابعة

له أن يفعل ما يشاء وحيكم مبا يريد، خالفا للمعتزلة فإهنم حجروا ندعي أنه ال جيب عليه رعاية األصلح لعباده، بل ويدل على بطالن ذلك ما دل على نفي الوجوب على اهللا . على اهللا تعاىل يف أفعاله وأوجبوا عليه رعاية األصلح

به بأنه ال صالح تعاىل كما سبق وتدل عليه املشاهدة والوجود، فإنا نريهم من أفعال اهللا تعاىل ما يلزمهم االعتراف للعبيد فيه، فإنا نفرض ثالثة أطفال مات أحدهم وهو مسلم يف الصبا، وبلغ اآلخر وأسلم ومات مسلما بالغا، وبلغ الثالث كافرا ومات على الكفر، فإن العدل عندهم أن خيلد الكافر البالغ يف النار، وأن يكون للبالغ املسلم يف اجلنة

ألنه بلغ فأطاعين : يا رب مل حططت رتبيت عن رتبته ؟ فيقول: م، فإذا قال الصيب املسلمرتبة فوق رتبة الصيب املسليا رب ألنك أمتين قبل البلوغ فكان صالحي يف أن متدين باحلياة حىت : وأنت مل تطعين بالعبادات بعد البلوغ، فيقول

على أن توصلين هلا ؟ فال يكون له جواب أبلغ فأطيع فأنال رتبته فلم حرمتين هذه الرتبة أبد اآلبدين وكنت قادرا علمت أنك لو بلغت لعصيت وما أطعت وتعرضت لعقايب وسخطي فرأيت هذه الرتبة النازلة أوىل بك : إال أن يقول

يا رب أو ما علمت أين إذا بلغت كفرت فلو أمتين : وأصلح لك من العقوبة، فينادي الكافر البالغ من اهلاوية ويقول يف تلك املنزلة النازلة لكان أحب إيل من ختليد النار وأصلح يل، فلم أحييتين وكان املوت خريا يل يف الصبا وأنزلتين

؟ فال يبقى له جواب البتة، ومعلوم أن هذه األقسام الثالثة موجودة، وبه يظهر على القطع أن األصلح للعباد كلهم .ليس بواجب وال هو موجود

:الدعوى اخلامسة

ىل إذا كلف العباد فأطاعوه مل جيب عليه الثواب، بل إن شاء أثاهبم وإن شاء عاقبهم وإن شاء ندعي أن اهللا تعاأعدمهم ومل حيشرهم، وال يبايل لو غفر جلميع الكافرين وعاقب مجيع املؤمنني، وال يستحيل ذلك يف نفسه وال

الثواب ففعل آخر على سبيل يناقض صفة من صفات اإلهلية، وهذا ألن التكليف تصرف يف عبيده ومماليكه، أمااالبتداء، وكونه واجبا باملعاين الثالثة غري مفهوم وال معىن للحسن والقبيح، وإن أريد له معىن آخر فليس مبفهوم إال

. أن يقال إنه يصري وعده كذبا وهو حمال، وحنن نعتقد الوجوب هبذا املعىن وال ننكره

إن عنيتم بالقبح أنه خمالف غرض املكلف فقد : ترك الثواب قبيح، قلناالتكليف مع القدرة على الثواب و: فإن قيلتعاىل املكلف وتقدس عن األغراض، وإن عنيتم به أنه خمالف غرض املكلف مسلم لكن ما هو قبيح عند املكلف مل

تقدهم فال نسلم على أنا لو نزلنا على فاسد مع. ميتنع عليه فعله إذا كان القبيح واحلسن عنده ويف حقه مبثابة واحدةأن من يستخدم عبده جيب عليه يف العادة ثواب، ألن الثواب يكون عوضا عن العمل فتبطل فائدة الرق وحق على

إنه جيب الشكر : العبد أن خيدم مواله ألنه عبده، فإن كان ألجل عوض فليس ذلك خدمة، ومن العجائب قوهلمعليه الثواب على الشكر وهذا حمال؛ ألن املستحق إذا وىف مل يلزمه على العباد ألهنم عباد، قضاء حلق نعمته، مث جيب

فيه عوض، ولو جاز ذلك للزم على الثواب شكر جمدد وعلى هذا الشكر ثواب جمدد ويتسلسل إىل غري هناية، ومل ر إن كل من كف: وأفحش من هذا قوهلم. يزل العبد والرب كل واحد منهما أبدا مقيدا حبق اآلخر، وهو حمال

فيجب على اهللا تعاىل أن يعاقبه أبدا وخيلده يف النار، بل كل من قارف كبرية ومات قبل التوبة خيلد يف النار، وهذا العبادة قاضية والعقول مشرية إىل أن : جهل بالكرم واملروءة والعقل والعادة والشرع ومجيع األمور، فإنا نقول

ثناء الناس على العايف أكثر من ثنائهم للمنتقم، واستحساهنم للعفو التجاوز والصفح أحسن من العقوبة، واالنتقام و

Page 57: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

مث هذا يف حق من أذته اجلناية وغضت من قدره ! أشد، فكيف يستقبح العفو واإلنعام ويستحسن طول االنتقام ن، مث كيف املعصية، واهللا تعاىل يستوي يف حقه الكفر واالميان والطاعات والعصيان فهما يف حق إالهيته وجالله سيا

يستحسن أن سلك طريق اجملازاة واستحسن ذلك تأييد العقاب خالدا خملدا يف مقابلته العصيان بكلمة واحدة يف لو : على أنا نقول. ومن انتهى عقله يف االستحسان إىل هذا احلد كانت دار املرضى أليق به من جمامع العلماء. حلظة

يال وأجرى على قانون االستحسان واالستقباح الذي تقضي به سلك سالك ضد هذا الطريق بعينه كان أقوم قاالنسان يقبح منه أن يعاقب على جناية سبقت وجناية تداركها إال : األوهام واخلياالت كما سبق، وهو أن نقول

أحدمها، أن يكون يف العقوبة زجر ورعاية مصلحة يف املستقبل فيحسن ذلك خيفة من فوات غرض يف : لوجهني، فإن مل يكن فيه مصلحة يف املستقبل أصال فالعقوبة مبجرد اجملازاة على ما سبق قبيح ألنه ال فائدة فيه املستقبل

للمعاقب وال ألحد سواه، واجلاين متأذ به ودفع األذى عنه أحسن، وإمنا حيسن األذى لفائدة وال فائدة، وما مضى .فال تدارك له فهو يف غاية القبح

إنه إذا تأذى اجملين عليه واشتد غيظه فذلك الغيظ مؤمل وشفاء الغيظ مريح من األمل، واألمل : والوجه الثاين، أن نقولباجلاين أليق، ومهما عاقب اجلاين زال منه أمل الغيظ واختص باجلاين فهو أوىل، فهذا أيضا له وجه ما وإن كان دليال

يتعلق مبصلحة يف املستقبل ألحد يف عامل اهللا فأما إجياب العقاب حيث ال. على نقصان العقل وغلبة الغضب عليهتعاىل وال فيه دفع أذى عن اجملين عليه ففي غاية القبح، فهذا أقوم من قول من يقول إن ترك العقاب يف غاية القبح،

والكل باطل واتباع املوجب األوهام اليت وقعت بتوهم األغراض، واهللا تعاىل متقدس عنها ولكنا أردنا معارضة .د ليتبني به بطالن خياهلمالفاس

:الدعوى السادسة

ندعي أنه لو مل يرد الشرع ملا كان جيب على العباد معرفة اهللا تعاىل وشكر نعمته، خالفا للمعتزلة، حيث قالوا إن العقل يوجب النظر وطلب املعرفة لفائدة مرتبة عليه أو مع االعتراف بأن : العقل مبجرده موجب، وبرهانه أن نقول

يقتضي بالوجوب مع االعتراف بأنه ال فائدة : ه وعدمه يف حق الفوائد عاجال وآجال مبثابة واحدة، فإن قلتموجودفيه قطعا عاجال وآجال فهذا حكم اجلهل ال حكم العقل، فإن العقل ال يأمل بالعبث، وكلما هو خال عن الفوائد

املعبود تعاىل وتقدس عن الفوائد، وإن رجعت إىل العبد كلها فهو عبث، وإن كان لفائدة فال خيلو إما أن ترجع إىلومن أين . فال خيلو أن يكون يف احلال أو يف املآل، أما يف احلال فهو تعب ال فائدة فيه وأما يف املآل فاملتوقع الثواب

.. علمتم أنه يثاب على فعله بل رمبا يعاقب على فعله، فاحلكم عليه بالثواب محاقة ال أصل هلا

خيطر بباله أن له ربا إن شكره أثابه وأنعم عليه وإن كفر أنعمه عاقبه عليه، وال خيطر بباله البتة جواز : قيل فإن .العقوبة على الشكر واالحتزاز عن الضرر املوهوم يف قضية العقل كاالحتراز عن العلوم

علوما، فال مينع من إطالق اسم حنن ال ننكر أن العاقل يستحثه طبعه عن االحتراز من الضرر موهوما وم: قلنااالجياب على هذا االستحثاث فإن االصطالحات ال مشاحة فيها، ولكن الكالم يف ترجيح جهة الفعل على جهة

الترك يف تقرير الثواب بالعقاب مع العلم بأن الشكر وتركه يف حق اهللا تعاىل سيان ال كالواحد منا فإنه يرتاح لذه ويتآمل بالكفران ويتأذى به، فإذا ظهر استواء األمرين يف حق اهللا تعاىل فالترجيح بالشكر والثناء ويهتز له ويست

أحدمها، أن اشتغاله به تصرف : ألحد اجلانبني حمال، بل رمبا خيطر بباله نقيضه وهو أنه يعاقب على الشكر لوجهني

Page 58: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ومكن من الشهوات، فلعل يف فكره وقلبه باتعابه صرفه عن املالذ والشهوات وهو عبد مربوب خلق له شهوةاملقصود أن يشتغل بلذات نفسه واستيفاء نعم اهللا تعاىل وأن ال يتعب نفسه فيما ال فائدة هللا فيه فهذا االحتمال

الثاين، أن يقيس نفسه على من يشكر ملكا من امللوك بأن يبحث عن صفاته وأخالقه ومكانه وموضع نومه . أظهرجمازاة على إنعامه عليه، فيقال له أنت هبذا الشكر مستحق حلز الرقبة، فما لك وهلذا مع أهله ومجيع أسراره الباطنة

الفضول ومن أنت حىت تبحث عن أسرار امللوك وصفاهتم وأفعاهلم وأخالقهم، وملاذا ال تشتغل مبا يهمك، فالذي وأسراره يف أفعاله وكل ذلك يطلب معرفة معرفة اهللا تعاىل كأنه إن تعرف دقائق صفات اهللا تعاىل وأفعاله وحكمته

مما ال يؤهل له إال من له منصب فمن أين عرف العبد أنه مستحق هلذا املنصب ؟ فاستبان أن ما أخذهم أهنام فإن مل يكن مدركا لوجوب مقتضى العقول : فإن قيل. رسخت منهم من العادات، تعارضها أمثاهلا وال حميص عنها

ا جاء باملعجزة وقال انظروا فيها، فللمخاطب أن يقول إن مل يكن النظر واجبا أدى ذلك إىل إفحام الرسول، فإنه إذفال اقدم عليه وإن كان واجبا فيستحيل أن يكون مدركه العقل، والعقل ال يوجب، ويستحيل أن يكون مدركه

يظهر صحة الشرع، والشرع ال يثبت إال بالنظر يف املعجزة وال جيب النظر قبل ثبوت الشرع فيؤدي إىل أن الواجلواب أن هذا السؤال مصدره اجلهل حبقيقة الوجوب، وقد بينا أن معىن الوجوب ترجيح جانب . النبوة أصال

الفعل على الترك بدفع ضرر موهوم يف الترك أو معلوم، وإذا كان هذا هو الوجوب فاملوجب هو املرجح وهو اهللا على تركه، ومعىن قول النيب صلى اهللا عليه وسلم إنه واجب تعاىل، فإنه إذا ناط العقاب بترك النظر ترجح فعلهوأما املدرك فعبارة عن جهة معرفة الوجوب ال عن نفس . مرجح بترجح اهللا تعاىل يف ربطه العقاب بأحدمها

فيقول النيب إن . الوجوب، وليس شرط الواجب أن يكون وجوبه معلوما، بل أن يكون علمه متمكنا ملن أرادهمهلك واإلميان شفاء مسعد بأن جعل اهللا تعاىل أحدمها مسعدا واآلخر مهلكا، ولست أوجب عليك الكفر سم

شيئا، فزن االجياب هو الترجيح واملرجح هو اهللا تعاىل وإمنا أنا خمرب عن كونه سم ومرشد لك إىل طريق تعرف به ومثاله مثال طبيب انتهى . لكتصدقي وهو النظر يف املعجزة، فإن سلكت الطريق عرفت وجنوت؛ وإن تركت ه

إىل مريض وهو متردد بني دوائني موضوعني بني يديه، فقال له أما هذا فال تتناوله فإنه هللك للحيوان وأنت قادر وأما هذا ففيه شفاؤك وأنت قادر على . على معرفته بأن تطعمه هذا السنور فيموت على الفور فيظهر لك ما قلته

تشربه فتشفى فال فرق يف حقي وال يف حق أستاذي بني أن يهلك أو يشفى فإن أستاذي معرفته بالتجربات وهو إن غين عن بقائك وأنا أيضا كذلك، فعند هذا لو قال املريض هذا جيب علي بالعقل أو بقولك وما مل يظهر يل هذا مل

عاىل بأن الطاعة شفاء واملعصية أشتغل بالتجربة كان مهلكا نفسه ومل يكن عليه ضرر، فكذلك النيب قد أخربه اهللا تداء وأن اإلميان مسعد والكفر مهلك وأخربه بأنه غين عن العاملني سعدوا أم شقوا فإمنا شأن الرسول أن يبلغ ويرشد

فقد رجع األمر إىل أن : فإن قيل. إىل طريقة املعرفة وينصرف، فمن نظر فلنفسه ومن قصر فعليها، وهذا واضحأنه بسماع كالمه ودعواه يتوقع عقابا فيحمله العقل على احلذر وال حيصل إال بالنظر العقل هو املوجب من حيثاحلق الذي يكشف الغطاء يف هذا من غري اتباع وهم وتقليد أمر هو أن الوجوب كما بأن : فيوجب عليه النظر، قلنا

خمرب عن الترجيح، واملعجزة عبارة عن نوع رجحان يف الفعل، واملوجب هو اهللا تعاىل ألنه هو املرجح، والرسول دليل على صدقه يف اخلرب، والنظر سبب يف معرفة الصدق، والعقل آلة النظر

والفهم معىن اخلرب، والطبع مستحث على احلذر بعد فهم احملذور بالعقل، فال بد من طبع خيالفه العقوبة للدعوة فهم احملذور ومل يقدره ظنا أو علما، وال يفهم إال ويوافقه الثواب املوعود ليكون مستحثا، ولكن ال يستحث ما مل ي

بالعقل والعقل ال يفهم الترجيح بنفسه بل بسماعه من الرسول، والرسول ال يرجح الفعل على الترك بنفسه بل اهللا

Page 59: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

هو املرجح والرسول خمرب، وصدق الرسول ال يظهر بنفسه بل املعجز، واملعجزة ال تدل ما مل ينظر فيها، والنظر الوجوب هو الرجحان واملوجب هو اهللا تعاىل، : لعقل، فإذا قد انكشفت املعاين، والصحيح يف األلفاظ أن يقالبا

واملخرب هو الرسول، املعرف للمحذور وصدق الرسول هو العقل، واملستحث على سلوك سبب اخلالص وهو املعتاد الذي ال يشفي الغليل وال يزيل الطبع، وكذلك ينبغي أن يفهم احلق يف هذه املسألة وال يلتفت إىل الكالم

لفهم معىن اخلرب، والطبع مستحث على احلذر بعد فهم احملذور بالعقل، فال بد من طبع خيالفه العقوبة .الغموضللدعوة ويوافقه الثواب املوعود ليكون مستحثا، ولكن ال يستحث ما مل يفهم احملذور ومل يقدره ظنا أو علما، وال

لعقل والعقل ال يفهم الترجيح بنفسه بل بسماعه من الرسول، والرسول ال يرجح الفعل على الترك يفهم إال بابنفسه بل اهللا هو املرجح والرسول خمرب، وصدق الرسول ال يظهر بنفسه بل املعجز، واملعجزة ال تدل ما مل ينظر

الوجوب هو الرجحان واملوجب هو : يقال فيها، والنظر بالعقل، فإذا قد انكشفت املعاين، والصحيح يف األلفاظ أناهللا تعاىل، واملخرب هو الرسول، املعرف للمحذور وصدق الرسول هو العقل، واملستحث على سلوك سبب اخلالص

وهو الطبع، وكذلك ينبغي أن يفهم احلق يف هذه املسألة وال يلتفت إىل الكالم املعتاد الذي ال يشفي الغليل وال .يزيل الغموض

:السابعة الدعوى

. ندعي أن بعثة األنبياء جائز، وليس مبحال وال واجب، وقالت املعتزلة إنه واجب، وقد سبق وجه الرد عليهموقالت الربامهة إنه حمال، وبرهان اجلواز أنه مهما قام الدليل على أن اهللا تعاىل متكلم وقام الدليل على أنه قادر ال

لفاظ وأصوات ورقوم أو غريها من الدالالت، وقد قام دليل على جواز يعجز على أن يدل على كالم النفس خبلق أإرسال الرسل، فإنا لسنا نعين به إال أن يقوم بذات اهللا تعاىل خرب عن األمر النافع يف اآلخرة واألمر الضار حبكم

منه فعل خارق إجراء العادة، ويصدر منه فعل هو داللة الشخص على ذلك اخلرب وعلى أمره بتبليغ اخلرب، ويصدر للعادة مقرونا بدعوى ذلك الشخص الرسالة، فليس شيء من ذلك حماال لذاته، فإنه يرجع إىل كالم النفس وإىل

اختراع ما هو داللة على الكالم وما هو مصدق للرسول وإن حكم باستحالة ذلك من حيث االستقباح ميكن أن يدعي قبح إرسال الرسول على قانون واالستحسان، فقد استأصلنا هذا األصل يف حق اهللا تعاىل مث ال

االستقباح، فاملعتزلة مع املصري إىل ذلك مل يستقبحوا هذا فليس إدراك قبحه وال إدراك امتناعه يف ذاته ضروريا فال ية إنه لو بعث النيب مبا تقتضيه العقول ففي العقول غن: قوهلم: األوىل: وغاية ما هو به ثالثة شبه. بد من ذكر سببه

.عنه وبعثة الرسول عبث، وذلك وعلى اهللا حمال، وإن بعث مبا خيالف العقول استحال التصديق والقبولإنه يستحيل العبث ألنه يستحيل تعريف صدقه، ألن اهللا تعاىل لو شافه اخللق بتصديقه وكلمهم جهارا فال : الثانية

فعل خارق للعادة، وال يتميز ذلك عن السحر حاجة إىل رسول، وإن مل يشافه به فغايته الداللة على صدقه بوالطلسمات وعجائب اخلواص وهي خارقة للعادات عند من ال يعرفها، وإذا استويا يف خرق العادة مل يؤمن ذلك

.فال حيصل العلم بالتصديقأراد إنه إن عرف متييزها عن السحر والطلسمات والتخيالت فمن أين يعرف الصدق ؟ ولعل اهللا تعاىل: الثالثة

إضاللنا وإغواءنا بتصديقه ولعل كل ما قال النيب إنه مسعد فهو مشقي، وكلما قال مشقي فهو مسعد، ولكن اهللا أراد أن يسوقنا إىل اهلالك ويغوينا بقول الرسول، فإن اإلضالل واإلغواء غري حمال على اهللا تعاىل عندكم، إذ العقل

Page 60: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

إن : جيادل هبا املعتزيل عند رومه إلزام القول بتقبيح العقل، إذ يقولال حيسن وال يقبح؛ وهذه أقوى شبهة ينبغي أن : واجلواب أن نقول. مل يكن االغواء قبيحا فال يعرف صدق الرسل قط وال يعلم أنه ليس باضالل

قل أما الشبهة األوىل فضعيفة؛ فإن النيب صلى اهللا عليه وسلم يرد خمربا مبا ال تشتغل العقول مبعرفته، ولكن تستبفهمه إذا عرف، فإن العقل ال يرشد إىل النافع والضار من األعمال واألقوال واألخالق والعقائد، وال يفرق بني املشقى واملسعد، كما ال يستقل بدرك خواص األدوية والعقاقري، ولكنه إذا عرف فهم وصدق وانتفع بالسماع

عرفة الداء والدواء، مث كما يعرف صدق الطبيب فيجتنب اهلالك ويقصد املسعد، كما ينتفع بقول الطبيب يف م .بقرائن األحوال وأمور أخر، فكذلك يستدل على صدق الرسول عليه السالم مبعجزات وقرائن وحاالت فال فرق

فإن أحدا من العقالء مل جيوز انتهاء . فأما الشبهة الثانية، وهو عدم متييز املعجزة عن السحر والتخيل، فليس كذلك. إحياء املوتى، وقلب العصا ثعبانا، وفلق القمر، وشق البحر، وإبراء األكمه واألبرص، وأمثال ذلكالسحر إىل

والقول الوجيز إن هذا القائل إن ادعى أن كل مقدور هللا تعاىل فهو ممكن حتصيله بالسحر فهو قول معلوم االستحالة سول مبا يعلم أنه ليس من السحر ويبقى النظر بالضرورة، وإن فرق بني فعل قوم وفعل قوم فقد تصور تصديق الر

بعده يف أعيان الرسل عليهم السالم وآحاد املعجزات وأن ما أظهروه من جنس ما ميكن حتصيله بالسحر أم ال، ومهما وقع الشك فيه مل حيصل التصديق به ما مل يتحد به النيب على مأل من أكابر السحرة ومل ميهلهم مدة املعارضة

.عنه، وليس اآلن من غرضنا آحاد املعجزات ومل يعجزوا

مهما علم وجه داللة املعجزة : وأما الشبهة الثالثة، وهو تصور اإلغواء من اهللا تعاىل والتشكيك لسبب ذلك، فنقوللو : على صدق النيب، علم أن ذلك مأمون عليه، وذلك بأن يعرف الرسالة ومعناها ويعرف وجه الداللة فنقول

يدي ملك على جنده أنه رسول امللك إليهم وأن امللك أوجب طاعته عليهم يف قسمة األرزاق حتدى إنسان بني أيها امللك إن كنت صادقا يف ما ادعيته فصدقين بأن تقوم : واالقطاعات، فطالبوه بالربهان وامللك ساكت، فقال

ماسه على التوايل ثالث على سريرك ثالث مرات على التوايل وتقعد على خالف عادتك؛ فقام امللك عقيب التمرات مث قعد، حصل للحاضرين على ضروري بأنه رسول امللك قبل أن خيطر بباهلم أن هذا امللك من عادته اإلغواء

بل لو قال امللك صدقت وقد جعلت رسوال ووكيال لعلم أنه وكيل ورسول، فإذا خالف . أم يستحيل يف حقه ذلك، وهذا ابتداء نصب وتولية وتفويض، وال يتصور الكذب يف التفويض العادة بفعله كان ذلك كقوله أنت رسويل

وإمنا يتصور يف اإلخبار، والعلم يكون هذا تصديقا وتفويضا ضروريا، ولذلك مل ينكر أحد صدق األنبياء من هذه وجود رب متكلم اجلهة، بل أنكروا كون ما جاء به األنبياء خارقا للعادة ومحلوه على السحر والتلبيس أو أنكروا

آمر ناه مصدق مرسل، فأما من اعترف جبميع ذلك واعترف بكون املعجزة فعل اهللا تعاىل حصل له العلم الضروري فهب أهنم رأوا اهللا تعاىل بأعينهم ومسعوه بآذاهنم وهو يقول هذا رسويل ليخربكم بطريق : فإن قيل. بالتصديق

الرسول واملرسل إليه وأخرب عن املشقى بأنه مسعد وعن املسعد سعادتكم وشقاوتكم، فما الذي يؤمنكم أنه أغوى بأنه مشقى فإن ذلك غري حمال إذا مل تقولوا بتقبيح العقول ؟ بل لو قدر عدم الرسول ولكن قال اهللا تعاىل شفاها

لينا جناتكم يف الصوم والصالة والزكاة وهالككم يف تركها، فبم نعلم صدقه؟ فلعله يلبس ع: وعيانا ومشاهدةليغوينا ويهلكنا، فإن الكذب عندكم ليس قبيحا لعينه وإن كان قبيحا فال ميتنع على اهللا تعاىل ما هو قبيح وظلم،

إن الكذب مأمون عليه، فإنه إمنا يكون يف الكالم وكالم اهللا تعاىل ليس : واجلواب. وما فيه فيه هالك اخللق أمجعنيل هو معىن قائم بنفسه سبحانه، فكل ما يعلمه اإلنسان يقوم بذاته خرب بصوت وال حرف حىت يتطرق إليه التلبيس ب

Page 61: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

الكذب يف كالم : وعلى اجلملة. عن معلومه على وفق علمه وال يتصور الكذب فيه، وكذلك يف حق اهللا تعاىلعن مقدور وقد اتضح هبذا أن الفعل مهما علم أنه فعل اهللا تعاىل وأنه خارج. النفس حمال ويف ذلك األمن عما قالوه

البشر واقترن بدعوى النبوة حصل العلم الضروري بالصدق وكان الشك من حيث الشك يف أنه مقدور البشر أم : فإن قيل فهل جتوزون الكرامات ؟ قلنا. ال، فأما بعد معرفته كونه من فعل اهللا تعاىل ال يبقى للشك جمال أصال البتة

إىل خرق اهللا تعاىل العادة بدعاء إنسان أو عند حاجته وذلك مما ال اختلف الناس فيه، واحلق ذلك جائز فإنه يرجعيستحيل يف نفسه ألنه ممكن، وال يؤدي إىل حمال آخر، فإنه ال يؤدي إىل بطالن املعجزة ألن الكرامة عبارة عما يظهر

تحدي؛ وإن مل من غري اقتران التحدي به، فإن كان مع التحدي فإنا نسميه معجزة ويدل بالضرورة على صدق املفهل من املقدور إظهار معجزة على : تكن دعوى فقد جيوز ظهور ذلك على يد فاسق ألنه مقدور يف نفسه؛ فإن قيل

املعجزة مقرونة بالتحدي منه سبحانه نازلة منزلة قوله صدقت وأنت رسول، وتصديق الكاذب : يد كاذب ؟ قلناخرج عن كونه كاذبا، فاجلمع بني كونه كاذبا وبني ما ينزل حمال لذاته وكل من قال له أنت رسويل صار رسوال و

منزلة قوله أنت رسويل حمال ألن معىن كونه كاذبا أنه ما قيل له أنت رسويل، ومعىن املعجزة أنه قيل له أنت رسويل؛ حمال واحملال فإن فعل امللك على ما ضربنا من املثال كقوله أنت رسويل بالضرورة، فاستبان أن هذا غري مقدور ألنه

فهذا متام هذا القطب ولنشرع يف إثبات نبوة نبينا حممد صلى اهللا عليه وسلم وإثبات ما اخرب هو عنه . ال قدرة عليه .واهللا أعلم

القطب الرابع

إثبات نبوة نبينا حممد

صلى اهللا عليه وسلم وإثبات ما أخرب هو عنه

.ينا صلى اهللا عليه وسلميف اثبات نبوة نب: الباب األول: وفيه أربعة أبواب .يف بيان إن ما جاء به من احلشر والنشر والصراط وامليزان وعذاب القرب حق، وفيه مقدمة وفصالن: الباب الثاين . فيه نظر يف ثالثة أطراف: الباب الثالث

أن يعول عليها يف يف بيان من جيب تكفريه من الفرق ومن ال جيب، واالشارة إىل القوانني اليت ينبغي : الباب الرابع .التكفري، وبه اختتام الكتاب

الباب األول

يف اثبات نبوة نبينا حممد

صلى اهللا عليه وسلم

حيث ذهبوا إىل أنه رسول : الفرقة األوىل، العيسوية: وإمنا نفتقر إىل إثبات نبوته، على اخلصوص، وعلى ثالثة فرقم اعترفوا بكونه رسوال حقا، ومعلوم أن الرسول ال يكذب، إىل العرب فقط ال إىل غريهم، وهذا ظاهر البطالن فإهن

Page 62: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

وقد ادعى هو أنه رسول مبعوث إىل الثقلني، وبعث رسوله إىل كسرى وقيصر وسائر ملوك العجم وتواتر ذلك منه .فما قالوه حمال متناقضأنه ال نيب بعد موسى عليه فإهنم انكروا صدقه ال خبصوص نظر فيه ويف معجزاته، بل زعموا: الفرقة الثانية، اليهود

فينبغي أن تثبت عليهم نبوة عيسى ألنه رمبا يقصر فهمهم عن . السالم، فأنكروا نبوة حممد وعيسى عليهما السالمدرك إعجاز القرآن وال يقصرون عن درك إعجاز إحياء املوتى وإبراء األكمه واألبرص فيقال هلم ما الذي محلكم

صدقه بإحياء املوتى وبني من يستدل بقلب العصا ثعبانا ؟ وال جيدون إليه سبيال على التفريق بني من يستدل علىالنسخ حمال يف نفسه ألنه يدل على البدء والتغيري وذلك حمال على : إحدامها، قوهلم: البتة، إال أهنم ضلوا بشبهتني

عليكم بديين ما دامت السموات : قد قال موسى عليه السالم: اهللا تعاىل، والثانية لفهم بعض امللحدة أن يقولوا .واألرض، وإنه قال إين خامت األنبياء

أما الشبهة األوىل فبطالهنا بفهم النسخ، وهو عبارة عن اخلطاب الدال على ارتفاع احلكم الثابت املشروط القيام، وهو استمراره بعد حلقوق خطاب يرفعه، وليس من احملال أن يقول السيد لعبده قم مطلقا، وال يبني له مدة

يعلم أن القيام مقتضى منه إىل وقت بقاء مصلحته يف القيام، ويعلم مدة مصلحته ولكن ال ينبه عليها، ويفهم العبد أنه مأمور بالقيام مطلقا وأن الواجب االستمرار عليه أبدا إال أن خياطبه السيد بالقعود؛ فإذا خاطبه بالقعود قعد ومل

ظهرت له مصلحة كان ال يعرفها، واآلن قد عرفها، بل جيوز أن يكون قد عرف مدة يتوهم بالسيد أنه بدا له أومصلحة القيام وعرف أن الصالح يف أن ال ينبه العبد عليها ويطلق األمر له إطالقا حىت يستمر على االمتثال، مث إذا

ود النيب ليس بناسخ لشرع فإن ور. تغريت مصلحته أمره بالقعود، فهكذا ينبغي أن يفهم اختالف أحكام الشرائعمن قبله مبجرد بعثته، وال يف معظم األحكام، ولكن يف بعض األحكام كتغري قبلة وحتليل حمرم وغري ذلك، وهذه مث . املصاحل ختتلف باألعصار واألحوال فليس فيه ما يدل على التغري وال على االستبانة بعد اجلهل وال على التناقض

لو اعتقدوا أنه مل يكن شريعة من لدن آدم إىل زمن موسى مل ينكروا وجود نوح وإبراهيم هذا إمنا يستمر لليهود إذ .وشرعهما، وال يتميزون فيه عمن ينكر نبوة موسى وشرعه وكل ذلك إنكار ما علم على القطع بالتواتر

جزات على يد أحدمها، أنه لو صح ما قالوه عن موسى ملا ظهرت املع. وأما الشبهة الثانية فسخيفة من وجهنيعيسى، فإن ذلك تصديق بالضرورة، فكيف يصدق اهللا باملعجزة من يكذب موسى وهو أيضا مصدق له، أفتنكرون

معجزة عيسى وجودا أو تنكرون إحياء املوتى دليال على صدق املتحدي ؟ فإن أنكروا شيئا منهم لزمهم يف شرع لزمهم تكذيب من نقل إليهم من موسى عليه السالم قوله إين موسى لزوما ال جيدون عنه حميصا، وإذا اعترفوا به

أن هذه الشبهة إمنا لقنوها بعد بعثة نبينا حممد عليه السالم وبعد وفاته، ولو كانت صحيحة : والثاين. خامت األنبياءالم وحاكما الحتج اليهود هبا وقد محلوا بالسيف على االسالم، وكان رسولنا عليه السالم مصدقا مبوسى عليه الس

على اليهود بالتوراة يف حكم الرجم وغريه، فال عرض عليه من التوارة ذلك، وما الذي صرفهم عنه ومعلوم قطعا أن اليهود مل حيتجوا به ألن ذلك لو كان لكان مفحما ال جواب عنه ولتواتر نقله، ومعلوم أهنم مل يتركوه مع القدرة

شرعه بكل ممكن محاية لدمائهم وأمواهلم ونسائهم، فإذا ثبت عليهم نبوة عليه ولقد كانوا حيرصون على الطعن يف .عيسى أثبتنا نبوة نبينا عليه السالم مبا نثبتها على النصارى

ويف إثبات . الفرقة الثالثة، وهم جيوزون النسخ ولكنهم ينكرون نبوة نبينا من حيث أهنم ينكرون معجزته يف القرآن : نبوته باملعجزة طريقتان

Page 63: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ال معىن للمعجزة إال ما يقترن بتحدي النيب عند استشهاده على : الطريقة األوىل، التمسك بالقرآن، فإنا نقولصدقه على وجه يعجز اخللق عن معارضته، وحتديه على العرب مع شغفهم بالفصاحة وإغراقهم فيها متواتر، وعدم

وا بشعرهم وعورضوا ظهرت املعارضات واملناقضات املعارضة معلوم، إذ لو كان لظهر، فإن أرذل الشعراء ملا حتداجلارية بينهم، فإذا ال ميكن إنكار حتديه بالقرآن وال ميكن إنكار اقتدار العرب على طريق الفصاحة وال ميكن انكار

حرصهم على دفع نبوته بكل ممكن محاية لدينهم ودمهم وماهلم وختلصا من سطوة املسلمني وقهرهم، وال ميكن عجزهم ألهنم لو قدروا لفعلوا، فإن العادة قاضية بالضرورة بأن القادر على دفع اهلالك عن نفسه يشتغل إنكار

فهذه مقدمات بعضها بالتواتر وبعضها جباري العادات وكل ذلك مما يورث . بدفعه، ولو فعلوا لظهر ذلك ونقليقدر النصراين على إنكار شيء من ذلك؛ ومبثل هذا الطريق تثبت نبوة عيسى وال. اليقني فال حاجة إىل التطويل

فإنه ميكن أن يقابل بعيسى فينكر حتديه بالنبوة أو استشهاده باحياء املوتى أو وجود إحياء املوتى أو عدم املعارضة أو ما وجه إعجاز : يقال عورض ومل يظهر، وكل ذلك جماحدات ال يقدر عليها املعترف بأصل النبوات، فإن قيل

اجلزالة والفصاحة مع النظم العجيب واملنهاج اخلارج عن مناهج كالم العرب يف خطبهم وأشعارهم القرآن ؟ قلنا وسائر صنوف كالمهم، واجلمع بني هذا النظم وهذه اجلزالة معجز خارج عن مقدور البشر، نعم رمبا يرى للعرب

هذا النظم بعد تعلمه من القرآن، أشعار وخطب حكم فيها باجلزالة، ورمبا ينقل عن بعض من قصد املعارضة مراعاة الفيل وما أدراك ما الفيل له : ولكن من غري جزالة بل مع ركاكة كما حيكى عن ترهات مسيلمة الكذاب حيث قال

فهذا وأمثاله رمبا يقدر عليه مع ركاكة يستغثها الفصحاء ويستهزؤون هبا، وأما جزالة . ذنب وثيل وخرطوم طويلمنها العجب ومل ينقل عن واحد منهم تشبث بطعن يف فصاحته، فهذا إذا معجز القرآن فقد قضى كافة العرب

لعل العرب اشتغلت : وخارج عن مقدور البشر من هذين الوجهني، أعين من اجتماع هذين الوجهني، فإن قيلال به، باحملاربة والقتال فلم تعرج على معارضة القرآن ولو قصدت لقدرت عليه، أو منعتها العوائق عن االشتغ

واجلواب أن ما ذكروه هوس، فإن دفع حتدي املتحدي بنظم كالم أهون من الدفع بالسيف مع ما جرى على العرب من املسلمني باألسر والقتل والسيب وشن الغارات، مث ما ذكروه غري دافع غرضنا، فإن انصرافهم عن املعارضة مل

تاد من أعظم املعجزات، فلو قال نيب آية صدقي أين يف هذا يكن إال بصرف من اهللا تعاىل، والصرف عن املقدور املعاليوم أحرك أصبعي وال يقدر أحد من البشر على معارضيت، فلم يعارضه أحد يف ذلك اليوم، ثبت صدقه، وكان

وإن فرض وجود القدرة ففقد داعيتهم وصرفهم . فقد قدرهتم على احلركة مع سالمة األعضاء من أعظم املعجزاتضة من أعظم املعجزات، مهما كانت حاجتهم ماسة إىل الدفع باستيالء النيب على رقاهبم وأمواهلم، وذلك عن املعار

فهذا طريق تقدير نبوته على النصارى، ومهما تشبثوا بانكار شيء من هذه األمور اجلليلة . كله معلوم على الضرورة .فال تشتغل إال مبعارضتهم مبثله يف معجزات عيسى عليه السالم

أن تثبت نبوته جبملة من األفعال اخلارقة للعادات اليت ظهرت عليه، كانشقاق القمر، ونطق : الطريقة الثانيةالعجماء، وتفجر املاء من بني أصابعه، وتسبيح احلصى يف كفه، وتكثري الطعام القليل، وغريه من خوارق العادات،

ذلك أيضا إن سلم فال : قلنا. يبلغ نقلها مبلغ التواترآحاد هذه الوقائع مل : فإن قيل. وكل ذلك دليل على صدقهيقدح يف العرض مهما كان اجملموع بالغا مبلغ التواتر، وهذا كما أن شجاعة علي رضوان اهللا عليه وسخاوة حامت لقطع معلومان بالضرورة على القطع تواترا، وآحاد تلك الوقائع مل تثبت تواترا، ولكن يعلم من جمموع اآلحاد على ا

ثبوت صفة الشجاعة والسخاوة، فكذلك هذه األحوال العجيبة بالغة مجلتها مبلغ التواتر، ال يستريب فيها مسلم ولو احناز يهودي إىل : فيقال. هذه األمور مل تتواتر عندي ال مجلتها وال آحادها: فإن قال قائل من النصارى. أصال

Page 64: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

تتواتر عنده معجزات عيسى، وإن تواترت فعلى لسان النصارى قطر من األقطار ومل خيالط النصارى وزعم أنه ملينبغي أن خيالط القوم الذين تواتر ذلك بينهم : وهم مهتمون به، فبماذا ينفصلون عنه ؟ وال انفصال عنه إال أن يقال

ار واحد منهم حىت يتواتر ذلك إليك، فإن األصم ال تتواتر عنده األخبار، وكذا املتصامم، فهذا أيضا عذرنا عند إنك .التواتر على هذا الوجه

الباب الثاين

يف بيان وجوب التصديق بأمور

ورد هبا الشرع وقضى جبوازها العقل

فهو أن ما ال يعلم بالضرورة ينقسم إىل ما يعلم بدليل العقل دون الشرع، وإىل ما : وفيه مقدمة وفصالن، أما املقدمةأما املعلوم بدليل العقل دون الشرع فهو حدث العامل ووجود احملدث . ايعلم بالشرع دون العقل، وإىل ما يعلم هبم

وقدرته وعلمه وارادته، فإن كل ذلك ما مل يثبت مل يثبت الشرع، إذ الشرع يبىن على الكالم فإن مل يثبت كالم ستند إليه ونفس فكل ما يتقدم يف الرتبة على كالم النفس يستحيل إثباته بكالم النفس وما ي. النفس مل يثبت الشرع

.ومن احملققني من تكلف ذلك وادعاه كما سبقت االشارة إليه. الكالم أيضا فيما اخترناه ال ميكن اثباته بالشرعوأما املعلوم مبجرد السمع فتخصيص أحد اجلائزين بالوقوع فإن ذلك من موافق العقول، وإمنا يعرف من اهللا تعاىل

ه بسماع كاحلشر والنشر والثواب والعقاب وأمثاهلما، وأما املعلوم هبما فكل بوحي واهلام وحنن نعلم من الوحي إليما هو واقع يف جمال العقل ومتأخر يف الرتبة عن إثبات كالم اهللا تعاىل كمسألة الرؤية وانفراد اهللا تعاىل خبلق

عقل جموزا له وجب احلركات واألغراض كلها وما جيري هذا اجملرى، مث كلما ورد السمع به ينظر، فإن كان الالتصديق به قطعا إن كانت األدلة السمعية قاطعة يف متنها ومستندها ال يتطرق إليها احتمال، وجب التصديق هبا

ظنا إن كانت ظنية، فإن وجوب التصديق باللسان والقلب عمل يبىن على األدلة الظنية كسائر األعمال فنحن نعلم ون العبد خالقا لشيء من األشياء وعرض من األعراض، وكانوا ينكرون قطعا إنكار الصحابة على من يدعي ك

ومعلوم أنه عام قابل للتخصيص فال يكون عمومه إال مظنونا، إمنا صارت " خالق كل شيء " ذلك مبجرد قوله تعاىل عن الطرق املسألة قطعية بالبحث على الطرق العقلية اليت ذكرناها، ونعلم أهنم كانوا ينكرون ذلك قبل البحث

العقلية وال ينبغي أن يعتقد هبم أهنم مل يلتفتوا إىل املدارك الظنية إال يف الفقهيات بل اعتربوها أيضا يف التصديقات .االعتقادية والقولية

وأما ما قضى العقل باستحالته فيجب فيه تأويل ما ورد السمع به وال يتصور أن يشمل السمع على قاطع خمالف ر أحاديث التشبيه أكثرها غري صحيحة، والصحيح منها ليس بقاطع بل هو قابل للتأويل، فإن للمعقول، وظواه

توقف العقل يف شيء من ذلك فلم يقض فيه باستحالة وال جواز وجب التصديق أيضا ألدلة السمع فيكفي يف يز، وبني الرتبتني فرق وجوب التصديق انفكاك العقل عن القضاء باإلحالة، وليس يشترط اشتماله على القضاء لتجو

ال أدري إنه حمال أم : اعلم أن األمر جائز، وبني قوله: رمبا يزل ذهن البليد حىت ال يدرك الفرق بني قول القائلجائز، وبينهما ما بني السماء واألرض، إذ األول جائز على اهللا تعاىل والثاين غري جائز، فإن األول معرفة باجلواز

. حالة، ووجوب التصديق جائز يف القسمني مجيعا فهذه هي املقدمةوالثاين عدم معرفة باال

Page 65: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

أما الفصل األول ففي

بيان قضاء العقل مبا جاء الشرع به

من احلشر والنشر وعذاب القرب والصراط وامليزان

خلق ثان فإن االعادة. أما احلشر فيعىن به إعادة اخللق وقد دلت عليه القواطع الشرعية، وهو ممكن بدليل االبتداءوال فرق بينه وبني االبتداء وإمنا يسمى إعادة باالضافة إىل االبتداء السابق، والقادر على االنشاء واالبتداء قادر على

أتعدم اجلواهر واألعراض مث : قل حيييها الذي أنشأها أول مرة فإن قيل فماذا تقولون: االعادة وهو املعين بقولهكل ذلك ممكن وليس يف الشرع دليل : دون اجلواهر وإمنا تعاد األعراض ؟ قلنا يعادان مجيعا، أو تعدم األعراض

وأحد الوجهني أن تنعدم األعراض ويبقى جسم االنسان متصورا بصورة . قاطع على تعيني أحد هذه املمكناتويكون معىن التراب مثال، فتكون قد زالت منه احلياة واللون والرطوبة والتركيب واهليئة ومجلة من األعراض،

إعادهتا أن تعاد إليها تلك األعراض بعينها وتعاد إليها أمثاهلا، فإن العرض عندنا ال يبقى واحلياة عرض واملوجود عندنا يف كل ساعة عرض آخر، واالنسان هو ذلك االنسان باعتبار جسمه فإنه واحد ال باعتبار أعراضه، فإن كل

عادة فرض إعادة األعراض، وإمنا ذكرنا هذا ملصري بعض عرض يتجدد هو غري اآلخر، فليس من شرط اإل. األصحاب إىل استحالة إعادة األعراض، وذلك باطل، ولكن القول يف إبطاله يطول وال حاجة إليه يف غرضنا هذا

فيم يتميز املعاد عن مثل : مرة ثانية، فإن قيل. والوجه اآلخر أن تعدم األجسام أيضا مث تعاد األجسام بأن ختترعاملعدوم منقسم يف علم اهللا : األول ؟ وما معىن قولكم أن املعاد هو عني األول ومل يبق للمعدوم عني حىت تعاد ؟ قلنا

إىل ما سبق له وجود وإىل ما مل يسبق له وجود، كما أن العدم يف األزل ينقسم إىل ما سيكون له وجود وإىل ما علم لم اهللا ال سبيل إىل انكاره، والعلم شامل والقدرة واسعة، فمعىن اإلعادة اهللا تعاىل أنه ال يوجد؛ فهذا االنقسام يف ع

أن نبذل بالوجود العدم الذي سبق له الوجود، ومعىن املثل أن خيترع الوجود لعدم مل يسبق له وجود، فهذا معىن ووقع اخلالص عن اإلعادة، ومهما قدر اجلسم باقيا ورد األمر إىل جتديد أعراض متاثل األول حصل تصديق الشرع

إشكال اإلعادة ومتييز املعاد عن املثل، وقد أطنبنا يف هذه املسألة يف كتاب التهافت، وسلكنا يف إبطال مذهبهم تقرير بقاء النفس اليت هي غري متحيز عندهم وتقدير عود تدبريها إىل البدن سواء كان ذلك البدن هو عني جسم االنسان

ما نعتقده؛ فإن ذلك الكتاب مصنف البطال مذهبهم ال الثبات املذهب احلق، أو غريه، وذلك إلزام ال يوافقولكنهم ملا قدروا أن االنسان هو ما هو باعتبار نفسه وأن اشتغاله بتدبري كالعارض له والبدن آلة هلم، ألزمناهم بعد

بدان، والنظر اآلن يف اعتقادهم بقاء النفس وجوب التصديق باالعادة وذلك برجوع النفس إىل تدبري بدن من األحتقيق هذا الفصل ينجر إىل البحث عن الروح والنفس واحلياة وحقائقها، وال حتتمل املعتقدات التغلغل إىل هذه

الغايات يف املعقوالت، فما ذكرناه كاف يف بيان االقتصاد يف االعتقاد للتصديق مبا جاء به الشرع، وأما عذاب القرب إذ تواتر عن النيب صلى اهللا عليه وسلم وعن الصحابة رضي اهللا عنهم باالستعاذة منه فقد دلت عليه قواطع الشرع

وحاق بآل فرعون سوء العذاب " إهنما ليعذبان ودل عليه قوله تعاىل : يف األدعية واشتهر قوله عند املرور بقربينمكانه ظاهر، وإمنا تنكره املعتزلة ووجه إ. اآلية، وهو ممكن، فيجب التصديق به" النار يعرضون عليها غدوا وعشيا

من حيث يقولون إنا نرى شخص امليت مشاهدة وهو غري معذب وإن امليت رمبا تفترسه السباع وتأكله، وهذا هوس؛ أما مشاهدة الشخص فهو مشاهدة لظواهر اجلسم واملدرك للعقاب جزء من القلب أو من الباطن كيف كان

Page 66: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ظاهر البدن، بل الناظر إىل ظاهر النائم ال يشاهد ما يدركه النائم من وليس من ضرورة العذاب ظهور حركة يف اللذة عند االحتالم ومن األمل عند ختيل الضرب وغريه، ولو انتبه النائم وأخرب عن مشاهداته وآالمه ولذاته من مل جير

لعذاب القرب وأما الذي له عهد بالنوم لبادر إىل االنكار اغترارا بسكون ظاهر جسمه، كمشاهدة إنكار املعتزلةتأكله السباع فغاية ما يف الباب أن يكون بطن السبع قربا، فاعادة احلياة إىل جزء يدرك العذاب ممكن، فما كل متأمل يدرك األمل من مجيع بدنه، وأما سؤال منكر ونكري فحق، والتصديق به واجب لورود الشرع به وامكانه، فإن ذلك

ما بصوت أو بغري صوت، وال يستدعي منه إال فهما، وال يستدعي الفهم إالال يستدعي منهما إال تفهي

حياة، واإلنسان ال يفهم جبميع بدنه بل جبزء من باطن قلبه، واحياء جزء يفهم السؤال وجييب ممكن مقدور عليه، صوت امليت يف فيبقى قول القائل إنا نرى امليت وال نشاهد منكرا ونكريا وال نسمع صوهتما يف السؤال وال

اجلواب، فهذا يلزمه منه أن ينكر مشاهدة النيب صلى اهللا عليه وسلم جلربيل عليه السالم ومساعه كالمه ومساع جربيل جوابه وال يستطيع مصدق الشرع أن ينكر ذلك، إذ ليس فيه إال أن اهللا تعاىل خلق له مساعا لذلك الصوت

ده وال لعائشة رضي اهللا تعاىل عنها وقد كانت تكون عنده ومشاهدة لذلك الشخص، ومل خيلق للحاضرين عنحاضرة يف وقت ظهور بركات الوحي، فانكار هذا مصدره اإلحلاد وإنكار سعة القدرة، وقد فرغنا عن إبطاله ويلزم

من مسع منه أيضا إنكار ما يشاهده النائم ويسمعه من األصوات اهلائلة املزعجة، ولوال التجربة لبادر إىل االنكار كلمن النائم حكاية أحواله، فتعسا ملن ضاقت حوصلته عن تقدير اتساع القدرة هلذه األمور املستحقرة باالضافة إىل

والسبب الذي ينفر طباع أهل الضالل عن . خلق السموات واألرض وما بينهما، مع ما فيهما من العجائبن من نطفة قذرة مع ما فيه من العجائب واآليات أوال أن التصديق هبذه األمور بعينه منفر عن التصديق خبلق االنسا

واإلنسان ال يفهم . املشاهدة تضطره إىل التصديق فإذا ما ال برهان على إحالته ال ينبغي أن ينكر مبجرد االستبعادإنا نرى جبميع بدنه بل جبزء من باطن قلبه، واحياء جزء يفهم السؤال وجييب ممكن مقدور عليه، فيبقى قول القائل

امليت وال نشاهد منكرا ونكريا وال نسمع صوهتما يف السؤال وال صوت امليت يف اجلواب، فهذا يلزمه منه أن ينكر مشاهدة النيب صلى اهللا عليه وسلم جلربيل عليه السالم ومساعه كالمه ومساع جربيل جوابه وال يستطيع مصدق

ىل خلق له مساعا لذلك الصوت ومشاهدة لذلك الشخص، ومل خيلق الشرع أن ينكر ذلك، إذ ليس فيه إال أن اهللا تعاللحاضرين عنده وال لعائشة رضي اهللا تعاىل عنها وقد كانت تكون عنده حاضرة يف وقت ظهور بركات الوحي،

فانكار هذا مصدره اإلحلاد وإنكار سعة القدرة، وقد فرغنا عن إبطاله ويلزم منه أيضا إنكار ما يشاهده النائم يسمعه من األصوات اهلائلة املزعجة، ولوال التجربة لبادر إىل االنكار كل من مسع من النائم حكاية أحواله، فتعسا و

ملن ضاقت حوصلته عن تقدير اتساع القدرة هلذه األمور املستحقرة باالضافة إىل خلق السموات واألرض وما أهل الضالل عن التصديق هبذه األمور بعينه منفر عن والسبب الذي ينفر طباع. بينهما، مع ما فيهما من العجائب

التصديق خبلق االنسان من نطفة قذرة مع ما فيه من العجائب واآليات أوال أن املشاهدة تضطره إىل التصديق فإذا ما .ال برهان على إحالته ال ينبغي أن ينكر مبجرد االستبعاد

كيف توزن : فإن قيل. السمع، وهو ممكن فوجب التصديق بهوأما امليزان فهو أيضا حق وقد دلت عليه قواطع األعمال وهي أعراض وقد انعدمت، واملعدوم ال يوزن ؟ وإن قدرت إعادهتا وخلقها يف جسم امليزان كان حماال

مث كيف ختلق حركة يد االنسان وهي طاعته يف جسم امليزان ؟ أيتحرك هبا امليزان فيكون . الستحالة إعادة األعراضك حركة امليزان ال حركة يد االنسان أم ال تتحرك فتكون احلركة قد فاتت جبسم ليس هو متحركا هبا، وهو حمال ذل

؟ مث إن حترك فيتفاوت من امليزان بقدر طول احلركات وكثرهتا ال بقدر مراتب األجور، فرب حركة جبرء من البدن

Page 67: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

: " قد سئل النيب صلى اهللا عليه وسلم عن هذا فقال: فنقول. يزيد إمثها على حركة مجيع البدن فراسخ فهذا حمالتوزن صحائف األعمال فإن الكرام الكاتبني يكتبون األعمال يف صحائف هي أجسام، فإذا وضعت يف امليزان خلق

" .اهللا تعاىل يف كفتها ميال بقدر رتبة الطاعات وهو على ما يشاء قدير

ال يسأل عما يفعل وهو : " ال نطلب لفعل اهللا تعاىل فائدة: اسبة ؟ قلنافأي فائدة يف هذا ؟ وما معىن احمل: فإن قيلمث أي بعد يف أن تكون الفائدة فيه أن يشاهد العبد مقدار أعماله ويعلم أنه جمزي . مت قد دللنا على هذا" . يسألون

يعزم على اإلبراء فمن أين يبعد هبا بالعدل أو يتجاوز عنه باللطف، ومن يعزم على معاقبة وكيله جبنايته يف أمواله أو هذا إن طلبت الفائدة . أن يعرفه مقدار جنايته بأوضح الطرق ليعلم أنه يف عقوبته عادل ويف التجاوز عنه متفضل

فإنه عبارة . وأما الصراط فهو أيضا حق، والتصديق به واجب، ألنه ممكن. ألفعال اهللا تعاىل، وقد سبق بطالن ذلكفإن " وقفوهم إهنم مسؤولون " جهنم يرده اخللق كافة، فإذا توافوا عليه قيل للمالئكة عن جسر ممدود على منت

كيف ميكن ذلك وفيما روى أدق من الشعر وأحد من السيف، فكيف ميكن املرور عليه ؟ قلنا هذا إن صدر : قيلدر من معترف بالقدرة فليس وإن ص. ممن ينكر قدرة اهللا تعاىل، فالكالم معه يف إثبات عموم قدرته وقد فرغنا عنها

املشي على هذا بأعجب من املشي يف اهلواء، والرب تعاىل قادر على خلق قدرة عليه، ومعناه أن خيلق له قدرة املشي على اهلواء وال خيلق يف ذاته هويا إىل أسفل، وال يف اهلواء احنراف، فإذا أمكن هذا يف اهلواء فالصراط أثبت من

.اهلواء بكل حال

:ل الثاينالفص

يف االعتذار عن اإلخالل بفصول

شحنت هبا املعتقدات فرأيت اإلعراض عن ذكرها أوىل ألن املعتقدات املختصرة

.حقها أن ال تشتمل إال على املهم الذي ال بد منه يف صحة االعتقادوعدم العلم بأحكامها، أما األمور اليت ال حاجة إىل إخطارها بالبال، وإن خطرت بالبال فال معصية يف عدم معرفتها

: فاخلوض فيها حبث عن حقائق األمور وهي غري الئقة مبا يراد منه هتذيب االعتقاد، وذلك الفن حتصره ثالثة فنونأما العقلي، فالبحث عن القدرة احلادثة أهنا تتعلق بالضدين أم ال، وتتعلق باملختلفات أم ال، . عقلي، ولفظي، وفقهي

وأما اللفظي فكالبحث عن املسمى باسم الرزق ما . لق بفعل مباين حملل القدرة وأمثال لهوهل جيوز قدرة حادثة تتعوأما الفقهي فكالبحث عن األمر باملعروف مىت جيب، . هو، ولفظ التوفيق واخلذالن واالميان ما حدودها ومسبباهتا

أن ينفي االنسان الشك عن نفسه وكل ذلك ليس مبهم يف الدين، بل املهم . وعن التوبة ما حكمها، إىل نظائر ذلكيف ذات اهللا تعاىل، على القدر الذي حقق يف القطب األول، ويف صفاته وأحكامها كما حقق يف القطب الثاين، ويف أفعاله بأن يعتقد فيها اجلواز دون الوجوب كما يف القطب الثالث، ويف رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بأن يعرف

وحنن نورد من كل . اء به كما ذكرناه يف القطب الرابع، وما خرج عن هذا فغري مهمصدقه ويصدقه يف كل ما ج .فن مما أمهلناه مسألة ليعرف هبا نظائرها وحيقق خروجها عن املهمات املقصودات يف املعتقدات

له هل كان فكاختالف الناس يف أن من قتل هل يقال إنه مات بأجله ؟ ولو قدر عدم قت: أما املسألة األوىل العقليةكل شيئني ال ارتباط : فنقول. جيب موته أم ال ؟ وهذا فن من العلم ال يضر تركه، ولكنا نشري إىل طريق الكشف فيه

Page 68: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

فلو مات زيد وعمرو معا مث . ألحدمها باآلخر، مث اقترنا يف الوجود، فليس يلزم من تقدير نفي أحدمها انتفاء اآلخرم موت عمرو وال وجود موته، وكذلك إذا مات زيد عند كسوف القمر قدرنا عدم موت زيد مل يلزم منه ال عد

مثال، فلو قدرنا عدم املوت مل يلزم عدم الكسوف بالضرورة، ولو قدرنا عدم الكسوف مل يلزم عدم املوت إذ ال العالقة أن تكون: أحدها: ارتباط ألحدمها باآلخر، فأما الشيئان اللذان بينهما عالقة وارتباط فهما ثالثة أقسام

متكافئة كالعالقة بني اليمني والشمال والفوق والتحت، فهذا مما يلزم فقد أحدمها عند تقدير فقد اآلخر ألهنما من .املتضايفان اليت ال يتقوم حقيقة أحدمها إال مع اآلخر

م عدم الشرط، ومعلوم أنه يلز. أن ال يكون على التكافؤ، لكن ألحدمها رتبة التقدم كالشرط مع املشروط: الثاينفإذا رأينا علم الشخص مع حياته وإرادته مع علمه فيلزم ال حمالة من تقدير انتفاء احلياة انتفاء العلم، ومن تقدير

انتفاء العلم انتفاء االرادة، ويعرب عن هذا بالشرط وهو الذي ال بد منه لوجود الشيء ولكن ليس وجود الشيء به . بل عنه ومعه

ويلزم من تقدير عدم العلة عدم املعلول إن مل يكن للمعلول إال علة واحدة، . يت بني العلة واملعلولالعالقة ال: الثالثوإن تصور أن تكون له علة أخرى فيلزم من تقدير نفي كل العلل نفي املعلول، وال يلزم من تقدير نفي علة بعينها

فإذا متهد هذا املعىن رجعنا إىل القتل واملوت؛ . نفي املعلول مطلقا، بل يلزم نفي معلول تلك العلة على اخلصوصفالقتل عبارة عن حز الرقبة وهو راجع إىل أعراض هي حركات يف يد الضارب والسيف وأعراض هي افتراقات يف أجزاء رقبة املضروب، وقد اقترن هبا عرض آخر وهو املوت، فإن مل يكن بني احلز واملوت ارتباط مل يلزم من تقدير

ي املوت فإهنما شيئان خملوقان معا على االقتران حبكم إجراء العادة ال ارتباط ألحدمها بآخر، فهو نفي احلز نفكاملقترنني اللذين مل جتر العادة باقتراهنما وإن كان احلز علة املوت ومولده، وإن مل تكن علة سواه لزم من انتفائه

وأسباب باطنة سوى احلز عند القائلني بالعلل، فال انتفاء املوت، ولكن ال خالف يف أن للموت علال من أمراض من اعتقد من : يلزم من نفي احلز نفي املوت مطلقا ما مل يقدر مع ذلك إنتفاء سائر العلل، فنرجع إىل غرضنا فنقول

املوت أمر استبد الرب تعاىل: أهل السنة أن اهللا مستبد باالختراع بال تولد، وال يكون خملوق علة خملوق، فنقولباختراعه مع احلز، فال جيب من تقدير عدم احلز عدم املوت وهو احلق؛ ومن اعتقد كونه علة وانضاف إليه مشاهدته صحة اجلسم وعدم مهلك من خارج اعتقد أنه لو انتفى احلز وليس مث علة أخرى وجب انتفاء املعلول النتفاء مجيع

العلل فيما عرف انتفاؤه فإذا هذه املسألة يطول النزاع العلل، وهذا االعتقاد صحيح لو صح اعتقاد التعليل وحصرفيها، ومل يشعر أكثر اخلائضني فيها مبثارها فينبغي أن نطلب هذا من القانون الذي ذكرناه يف عموم قدرة اهللا تعاىل

ذي خلق اهللا ويبىن على هذا أن منق تل ينبغي أن يقال إنه مات بأجله ألن األجل عبارة عن الوقت ال. وإبطال التولدتعاىل فيه موته سواء كان معه حز رقبة أو كسوف قمر أو نزول مطر أو مل يكن، ألن كل هذه عندنا مقترنات

وليست مؤثرات ولكن اقتران بعضها يتكرر بالعادة، وبعضها ال يتكرر، فأما من جعل املوت سببا طبيعيا من الفطرة ا خليت ونفسها متادت إىل منتها مدهتا، ولو فسدت على سبيل وزعم أن كل مزاج فله رتبة معلومة يف القوة إذ

االحترام كان ذلك استعجاال، باإلضافة إىل مقتضى طباعها، واألجل عبارة عن املدة الطبيعية، كما يقال احلائط مثال ه بذاته وقوته، يبقى مائة سنة بقدر إحكام بنائه، وميكن أن يهدم بالفأس يف احلال، واألجل يعرب به عن مدته اليت ل

فيلزم من ذلك أن يقال إذا هدم بالفأس مل ينهدم بأجله وإن مل يتعرض له من خارج حىت احنطت أجزاؤه فيقال اهندم .بأجله، فهذا اللفظ ينيبء على ذلك األصل

Page 69: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ختالف وهذا اال. فكاختالفهم يف أن االميان هل يزيد وينقص أم هو على رتبة واحدة: املسألة الثانية وهي اللفظيةوهو مشترك . منشؤه اجلهل بكون االسم مشتركا، أعين اسم االميان، وإذا فصل مسميات هذا اللفظ ارتفع اخلالف

إذ قد يعرب به عن التصديق اليقني الربهاين، وقد يعرب به عن االعتقاد التقليدي إذا كان جزما، وقد : بني ثالثة معانودليل اطالقه على األول أن من عرف اهللا تعاىل بالدليل ومات يعرب به عن تصديق معه العمل مبوجب التصديق

ودليل اطالقه على التصديق التقليدي أن مجاهري العرب كانوا يصدقون . عقيب معرفته فإنا حنكم بأنه مات مؤمنانظر يف أدلة رسول اهللا تعاىل صلى اهللا عليه وسلم مبجرد إحسانه إليهم وتلطفه هبم ونظرهم يف قوانني أحواله من غري

وما أنت مبؤمن " الواحدانية ووجه داللة املعجزة، وكان حيكم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بإمياهنم وقد قال تعاىل ال يزين الزاين وهو : أي مبصدق، ومل يفرق بني تصديق وتصديق، ودليل إطالقه على الفعل، قوله عليه السالم" لنا

االميان بضعة وسبعون بابا أدناها إماطة األذى عن الطريق فنرجع إىل املقصود : مؤمن حني يزين وقوله عليه السالمإن أطلق اإلميان مبعىن التصديق الربهاين مل يتصور زيادته وال نقصانه، بل اليقني إن حصل بكماله فال مزيد : ونقولقصان إال أن يراد به زيادة وإن مل حيصل بكماله فليس بيقني، وهي خطة واحدة وال يتصور فيها زيادة ون. عليه

وضوح أي زيادة طمأنينة النفس إليه بأن النفس تطمئن إىل اليقينيات النظرية يف االبتداء إىل حل ما، فإذا تواردت وكل من مارس العلوم أدرك تفاوتا يف طمأنينية نفسه إىل . األدلة على شيء واحد أفاد بظاهر األدلة زيادة طمأنينة

العلم بأن االثنني أكثر من الواحد وإىل العلم حيدث العامل وإن حمدثه واحد، مث يدرك أيضا العلم الضروري، وهوفالتفاوت يف طمأنينية النفس مشاهد لكل ناظر من باطنه، فإذا فسرت . تفرقة بني آحاد املسائل بكثرة أدلتها وقلتها

.الزيادة به مل مينعه أيضا يف هذا التصديقتصديق التقليدي فذلك ال سبيل إىل جحد التفاوت فيه؛ فإنا ندرك باملشاهدة من حال اليهودي أما إذا أطلق مبعىن ال

يف تصميمه على عقده ومن حال النصراين واملسلم تفاوتا، حىت أن الواحد منهم ال يؤثر يف نفسه وحل عقد ملبه احد منهم مع كونه جازما يف اعتقاده التهويالت والتخويفات وال التحقيقات العلمية وال التخيالت اإلقناعية، والو

والعقدة . تكون نفسه أطوع لقبول اليقني، وذلك ألن االعتقاد على القلب مثل عقدة ليس فيها انشراح وبرد يقنيختتلف يف شدهتا وضعفها فال ينكر هذا التفاوت منصف وإمنا ينكره الذين مسعوا من العلوم واالعتقادات أساميها ومل

.هم ذوقها، ومل يالحظوا اختالف أحواهلم وأحوال غريهم فيهايدركوا من أنفس

وأما إذا أطلق باملعىن الثالث وهو العمل مع التصديق، فال خيفى بطرق التفاوت إىل نفس العمل، وهل يتطرق بسبب أحق ما املواظبة على العمل تفاوت إىل نفس التصديق، هذا فيه نظر، وترك املداهنة يف مثل هذا املقام أوىل واحلق

إن املواظبة على الطاعات هلا تأثري يف تأكيد طمأنينة النفس إىل االعتقاد التقليدي ورسوخه يف النفس، : فأقول. قيلوهذا أمر ال يعرفه إال من سرب أحوال نفسه وراقبها يف وقت املواظبة على الطاعة ويف وقت الفترة والحظ تفاوت

بة على العمل أنسة ملعتقداته، ويتأكد به طمأنينته، حىت أن املعتقد الذي احلال يف باطنه، فإنه يزداد بسبب املواظطالت منه املواظبة على العمل مبوجب اعتقاده أعصا نفسا على احملاول تغيريه وتشكيكه ممن مل تطل مواظبته، بل

مره صادف يف قلبه العادات تقضي هبا، فإن من يعتقد الرمحة يف قلبه على يتيم فإن أقدم على مسح رأسه وتفقد أعند ممارسة العمل مبوجب الرمحة زيادة تأكيد يف الرمحة، ومن يتواضع بقلبه لغريه فإذا عمل مبوجبه ساجدا له أو

مقبال يده ازداد التعظيم والتواضع يف قلبه ولذلك تعبدنا باملواظبة على أفعال هي مقتضى تعظيم القلب من الركوع القلوب، فهذه أمور جيحدها املتحذلقون يف الكالم الذين أدركوا ترتيب العلم والسجود ليزداد بسببها تعظيم

وقول . فهذه حقيقة املسألة، ومن هذا اخلرب اختالفهم يف معىن الرزق. بسماع األلفاظ ومل يدركوها بذوق النظر

Page 70: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

فرمبا قالوا هو مما مل حيرم إن ذلك خمصوص مبا ميلكه اإلنسان حىت ألزموا أنه ال رزق هللا تعال على البهائم،: املعتزلةتناوله، فقيل هلم فالظلمة ماتوا وقد عاشوا عمرهم مل يرزقوا، وقد قال أصحابنا إنه عبارة عن املنتفع به كيف كان،

مث هو منقسم إىل حالل وحرام، مث طولوا يف حد الرزق وحد النعمة وتضييع الوقت هبذا وأمثاله دأب من ال مييز بني يعرف قدر بقية عمره، وإنه ال قيمة له فينبغي أن يضيع العمر إال باملهم وبني يدي األنظار أمور املهم وغريه وال

مشكلة البحث عنها أهم من البحث عن موجب األلفاظ ومقتضى اإلطالقات، فنسأل اهللا أن يوفقنا لالشتغال ملا .يعنينا

حيتسب ؟ وهذا نظر فقهي، فمن أين يليق بالكالم مث فمثل اختالفهم يف أن الفاسق هل له أن: املسألة الثالثة الفقهيةهل يشترط يف األمر : ولكنا نقول احلق أن له أن حيتسب وسبيله التدرج يف التصوير؛ وهو أن نقول. باملختصرات

باملعروف والنهي عن املنكر كون اآلمر والناهي معصوما عن الصغائر والكبائر مجيعا ؟ فإن شرط ذلك كان خرقا اع، فإن عصمة األنبياء عن الكبائر إمنا عرفت شرعا، وعن الصغائر خمتلف فيها، فمىت يوجد يف الدنيا معصوم لالمج

: ؟ وإن قلتم إن ذلك ال يشترط حىت جيوز لالبس احلرير مثال وهو عاص به أن مينع من الزىن وشرب اخلمر، فنقولقاتله عليه ؟ فإن قالوا ال، خرقوا االمجاع إذ جنود وهل لشارب اخلمر أن حيتسب على الكافر ومينعه من الكفر وي

املسلمني مل تزل مشتملة على العصاة واملطيعني ومل مينعوا من الغزو ال يف عصر النيب صلى اهللا عليه وسلم وال يف فإن شارب اخلمر هل له أن مينع من القتل أم ال ؟ : عصر الصحابة رضي اهللا عنهم والتابعني، فإن قالوا نعم، فنقول

فما الفرق بني هذا وبني البس احلرير إذا منع من اخلمر والزاين إذا منع من الكفر ؟ وكما أن الكبرية : قيل ال، قلنافوق الصغرية فالكبائر أيضا متفاوتة، فإن قالوا نعم، وضبطوا ذلك بأن املقدم على شيء ال مينع من مثله وال فيما

ال مستند له إذ الزىن فوق الشرب وال يبعد أن يزين ومينع من الشراب ومينع دونه وله أن مينع مما فوقه، فهذا احلكمترك ذلك واجب عليكم وعلي واألمر بترك احملرم : منه، رمبا يشرب ومينع غلمانه وأصحابه من الشرب، ويقول

ا جيوز أن واجب علي مع الترك فلي أن أتقرب بأحد الواجبني، ومل يلزمين مع ترك أحدمها ترك اآلخر، فإذن كم. يترك اآلمر بترك الشرب وهو بتركه جيوز أن يشرب ويأمر بالترك فهما واجبان فال يلزم بترك أحدمها ترك اآلخر

فيلزم على هذا أمور شنيعة وهو أن يزين الرجل بامرأة مكرها إياها على التمكني، فإن قال هلا يف أثناء : فإن قيلفي وجهك فاين لست حمرما لك، والكشف لغري احملرم حرام، وأنت الزىن عند كشفها وجهها باختيارها ال تكش

مكرهة على الزىن خمتارة يف كشف الوجه فأمنعك من هذا، فال شك من أن هذه حسبة باردة شنيعة ال يصري إليها إن : عاقل؛ وكذلك قوله إن الواجب علي شيئان العمل واألمر للغري، وأنا أتعاطى أحدمها وإن تركت الثاين كقوله

الواجب علي الوضوء دون الصالة وأنا أصلي وإن تركت الوضوء، واملسنون يف حقي الصوم والتسحر وأنا أتسحر وإن تركت الصوم، وذلك حمال، ألن السحور للصوم والوضوء للصالة، وكل واحد شرط اآلخر وهو متقدم يف

أوال مث غريه أما إذا أمهل نفسه واشتغل الرتبة على املشروط، فكذلك نفس املرء مقدمة على غريه، فليهذب نفسه بغريه كان ذلك عكس الترتيب الواجب، خبالف ما إذا هذب نفسه وترك احلسبة وهتذيب غريه، فإن ذلك معصية

وكذلك الكافر ليس له والية الدعوة إىل االسالم ما مل يسلم هو بنفسه، فلو قال الواجب علي . ولكنه ال تناقض فيهأحدمها دون الثاين مل يكن منه، واجلواب أن حسبة الزاين باملرأة عليها ومنعها من كشفها وجهها شيئان ويل أن أترك

جائزة عندنا، وقولكم إن هذه حسبة باردة شنيعة فليس الكالم يف أهنا حارة أو باردة مستلذة أو مستبشعة، بل ى مستعذب، فاحلق غري اللذيذ الكالم يف أهنا حق أو باطل وكم من حق مستربد مستثقل وكم من باطل مستحل

قوله هلا ال تكشفي وجهك فإنه حرام، ومنعه إياها بالعمل : والباطل غري الشنيع، والربهان القاطع فيه هو أنا نقول

Page 71: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

قول وفعل، وهذا القول والفعل إما أن يقال هو حرام أو يقال واجب أو يقال هو مباح، فإن قلتم إنه واجب فهو باح فله أن يفعل ما هو مباح، وإن قلتم إنه حرام فما مستند حترميه ؟ وقد كان هذا واجبا املقصود، وإن قلتم إنه م

قبل اشتغاله بالزىن فمن أين يصري الواجب حراما باقتحامه حمرما، وليس يف قوله األخري صدق عن الشرع بأنه ولسنا نعين بقولنا للفاسق . هما حمالحرام، وليس يف فعله إال املنع من احتاد ما هو حرام، والقول بتحرمي واحد من

والية احلسبة إال أن قوله حق وفعله ليس حبرام، وليس هذا كالصالة والوضوء فإن الصالة هي املأمور هبا وشرطها الوضوء، فهي بغري وضوء معصية وليست بصالة، بل خترج عن كوهنا صالة وهذا القول مل خيرج عن كونه حقا وال

نعا من احلرام، وكذلك السحور عبارة عن االستعانة على الصوم بتقدمي الطعام وال تعقل الفعل خرج عن كونه م االستعانة من غري العزم على

فمن أين عرفتم ذلك ؟ . وأما قولكم أن هتذيبه نفسه أيضا شرط لتهذيبه غريه، فهذا حمل النزاع. اجياد املستعان عليهللغري ومنع الكفار، وهتذيبه نفسه عن الصغائر شرط للمنع عن هتذيب نفسه عن املعاصي شرط : ولو قال قائل

وأما الكافر فإن محل كافرا آخر بالسيف على اإلسالم فال مينعه . الكبائر كان قوله مثل قولكم، وهو خرق لالمجاعشرط ألمره، فله منه، ويقول عليه أن يقول ال إله إال اهللا وأن حممدا رسول اهللا وأن يأمر غريه به ومل يثبت أن قوله

فهذا غور هذه املسألة، وإمنا أردنا إيرادها لتعلم أن أمثال هذه املسائل ال تليق بفن . أن يقول وأن يأمر وإن مل ينطقوأما قولكم أن هتذيبه نفسه أيضا . جياد املستعان عليه.الكالم وال سيما باملعتقدات املختصرة واهللا أعلم بالصواب

هتذيب نفسه عن املعاصي شرط للغري : فمن أين عرفتم ذلك ؟ ولو قال قائل. حمل النزاعشرط لتهذيبه غريه، فهذا وأما . ومنع الكفار، وهتذيبه نفسه عن الصغائر شرط للمنع عن الكبائر كان قوله مثل قولكم، وهو خرق لالمجاع

ال إله إال اهللا وأن حممدا الكافر فإن محل كافرا آخر بالسيف على اإلسالم فال مينعه منه، ويقول عليه أن يقولفهذا غور هذه . رسول اهللا وأن يأمر غريه به ومل يثبت أن قوله شرط ألمره، فله أن يقول وأن يأمر وإن مل ينطق

املسألة، وإمنا أردنا إيرادها لتعلم أن أمثال هذه املسائل ال تليق بفن الكالم وال سيما باملعتقدات املختصرة واهللا أعلم .بالصواب

باب الثالثال

يف االمامة

النظر يف اإلمامة أيضا ليس من املهمات، وليس أيضا من فن املعقوالت فيها من الفقهيات، مث إهنا مثار للتعصبات ولكن إذا جرى الرسم باختتام ! واملعرض عن اخلوض فيها أسلم من اخلائض بل وإن أصاب، فكيف إذا أخطأ

ملعتاد فإن القلوب عن املنهج املخالف للمألوف شديدة النفار، ولكنا نوجز املعتقدات به أردنا أن نسلك املنهج ا .يف بيان وجوب نصب اإلمام: الطرف األول: النظر فيه يدور على ثالثة أطراف: القول فيه ونقول

وال ينبغي أن تظن أن وجوب ذلك مأخوذ من العقل، فإنا بينا أن الوجوب يؤخذ من الشرع إال أن يفسر الواجب لفعل الذي فيه فائدة ويف تركه أدىن مضرة، وعند ذلك ال ينكر وجوب نصب اإلمام ملا فيه من الفوائد ودفع با

املضار يف الدنيا، ولكنا نقيم الربهان القطعي الشرعي على وجوبه ولسنا نكتفي مبا فيه من إمجاع األمة، بل ننبه على شرع عليه السالم قطعا، وهذه مقدمة قطعية ال يتصور نظام أمر الدين مقصود لصاحب ال: مستند اإلمجاع ونقول

النزاع فيها، ونضيف إليها مقدمة أخرى وهو أنه ال حيصل نظام الدين إال بإمام مطاع فيحصل من املقدمتني صحة

Page 72: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

.الدعوى وهو وجوب نصب اإلمام .دلوا عليهااملقدمة األخرية غري مسلمة وهو أن نظام الدين ال حيصل إال بإمام مطاع، ف: فإن قيلالربهان عيه أن نظام الدين ال حيصل إال بنظام الدنيا، ونظام الدنيا ال حيصل إال بإمام مطاع، فهاتان مقدمتان : فنقول

ففي أيهما النزاع ؟ فإن قيل مل قلتم إن نظام الدين ال حيصل إال بنظام الدنيا، بل ال حيصل إال خبراب الدنيا، فإن هذا كالم من ال يفهم ما نريده بالدنيا اآلن، فإنه : غال بعمارة أحدمها خراب اآلخر، قلناالدين والدنيا ضدان واالشت

لفظ مشترك قد يطلق على فضول التنعم والتلذذ والزيادة على احلاجة والضرورة، وقد يطلق على مجيع ما هو . معاين األلفاظ املشتركةوأحدمها ضد الدين واآلخر شرطه، وهكذا يغلط من ال مييز بني. حمتاج إليه قبل املوت

نظام الدين باملعرفة والعبادة ال يتوصل إليهما إال بصحة البدن وبقاء احلياة وسالمة قدر احلاجات من : فنقولالكسوة واملسكن واألقوات، واألمن هو آخر اآلفات، ولعمري من أصبح آمنا يف سربه معاىف يف بدنه وله قوت

افريها، وليس يأمن اإلنسان على روحه وبدنه وماله ومسكنه وقوته يف مجيع األحوال يومه فكأمنا حيزت له الدنيا حبذبل يف بعضها، فال ينتظم الدين إال بتحقيق األمن على هذه املهمات الضرورية، وإال فمن كان مجيع أوقاته مستغرقا

ل ومها وسيلتاه إىل سعادة حبراسة نفسه من سيوف الظلمة وطلب قوته من وجوه الغلبة، مىت يتفرغ للعلم والعم . اآلخرة، فإذن بان نظام الدنيا، أعين مقادير احلاجة شرط لنظام الدين

وأما املقدمة الثانية وهو أن الدنيا واألمن على األنفس واألموال ال ينتظم إال بسلطان مطاع فتشهد له مشاهدة بنصب سلطان آخر مطاع دام اهلرج وعم أوقات الفنت مبوت السالطني واألئمة، وإن ذلك لو دام ومل يتدارك

السيف ومشل القحط وهلكت املواشي وبطلت الصناعات، وكان كل غلب سلب ومل يتفرغ أحد للعبادة والعلم إن الدين أس : الدين والسلطان توأمان، وهلذا قيل: بقي حيا، واألكثرون يهلكون حتت ظالل السيوف، وهلذا قيل

وعلى اجلملة ال يتمارى العاقل يف أن اخللق على . هدوم وما ال حارس له فضائعوالسلطان حارس وما ال أس له فماختالف طبقاهتم وما هم عليه من تشتت األهواء وتباين اآلراء لو خلوا وراءهم وملي كن رأي مطاع جيمع شتاهتم

ن أن السلطان هللكوا من عند آخرهم، وهذا داء ال عالج له إال بسلطان قاهر مطاع جيمع شتات اآلراء، فباضروري يف نظام الدنيا، ونام الدنيا ضروري يف نظام الدين، ونظام الدين ضروري يف الفوز بسعادة اآلخرة وهو

.مقصود األنبياء قطعا، فكان وجوب نصب اإلمام من ضروريات الشرع الذي ال سبيل إىل تركه فاعلم ذلك .نصب إمامايف بيان من يتعني من سائر اخللق ألن ي: الطرف الثاين

ليس خيفى أن التنصيص على واحد جنعله إماما بالتشهي غري ممكن، فال بد له من متيز خباصية يفارق سائر : فنقولأما من نفسه فأن يكون أهال لتدبري اخللق ومحلهم على . اخللق هبذا، فتلك خاصية يف نفسه وخاصية من جهة غريه

باجلملة خصائص القضاة تشترط فيه مع زيادة نسب قريش؛ وعلم هذا وذلك بالكفاية والعلم والورع، و. مراشدهماألئمة من قريش فهذا متيزه عن أكثر اخللق ولكن رمبا : الشرط الرابع بالسمع حيث قال النيب صلى اهللا عليه وسلم

تفويض من جيتمع يف قريش مجاعة موصوفون هبذه الصفة فال بد من خاصية أخرى متيزه، وليس ذلك إال التولية أو الغريه، فإمنا يتعني لإلمامة مهما وجدت التولية يف حقه على اخلصوص من دون غريه، فيبقى اآلن النظر يف صفة املوىل

إما التنصيص من جهة النيب : فإن ذلك ال يسلم لكل أحد بل ال بد فيه من خاصية وذلك ال يصدر إال من أحد ثالثةإمام العصر بأن يعني لوالية العهد شخصا معينا من أوالده أو سائر صلى اهللا عليه وسلم، وإما التنصيص من جهة

قريش، وإما التفويض من رجل ذي شوكة يقتضي انقياده وتفويضه متابعة اآلخرين ومبادرهتم إىل املبايعة، وذلك قد

Page 73: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

وتفويضه يسلم يف بعض األعصار لشخص واحد مرموق يف نفسه مرزوق باملتابعة مسؤول على الكافة، ففي بيعته كفاية عن تفويض غريه ألن املقصود أن جيتمع شتات اآلراء لشخص مطاع وقد صار اإلمام مببايعة هذا املطاع

مطاعا، وقد ال يتفق ذلك لشخص واحد بل لشخصني أو ثالثة أو مجاعة فال بد من اجتماعهم وبيعتهم واتفاقهم اة اإلمام االقرشي واحد مطاع متبع فنهض باإلمامة لو مل يكن بعد وف: بل أقول. على التفويض حىت تتم الطاعة

وتوالها بنفسه ونشأ بشوكته وتشاغل هبا واستتبع كافة اخللق بشوكته وكفايته وكان موصوفا بصفات األئمة فقد انعقدت إمامته ووجبت طاعته، فإنه تعني حبكم شوكته وكفايته، ويف منازعته إثارة الفنت إال أن من هذا حاله فال

أيضا عن أخذ البيعة من أكابر الزمان وأهل احلل والعقد، وذلك أبعد من الشبهة فلذلك ال يتفق مثل هذا يف يعجزفإن كان املقصود حصول ذي رأي مطاع جيمع شتات اآلراء ومينع اخللق من : فإن قيل. العادة إال عن بيعة وتفويض

انتهض هلذا األمر من فيه الشروط كلها سوى شروط احملاربة والقتال وحيملهم على مصاحل املعاش واملعاد، فلو : القضاء ولكنه مع ذلك يراجع العلماء ويعمل بقوهلم فماذا ترون فيه، أجيب خلعه وخمالفته أم جتب طاعته ؟ قلنا

الذي نراه ونقطع أنه جيب خلعه إن قدر على أن يستبدل عنه من هو موصوف جبميع الشروط من غري إثارة فتنة ، وإن مل يكن ذلك إال بتحريك قتال وجبت طاعته وحكم بإمامته ألن ما يفوتنا من املصارفة بني كونه وهتييج قتال

ورمبا يؤدي . عاملا بنفسه أو مستفتيا من غريه دون ما يفوتنا بتقليد غريه إذا افتقرنا إىل هتييج فتنة ال ندري عاقبتهاا تراعى مزية وتتمة للمصاحل فال جيوز أن يعطل أصل املصاحل ذلك إىل هالك النفوس واألموال، وزيادة صفة العلم إمن

يف التشوق إىل مزاياها وتكمالهتا، وهذه مسائل فقهية فيلون املستعبد ملخالفته املشهود على نفسه استبعاده ولينزل صنف يف الرد من غلوائه فاألمر أهون مما يظنه، وقد استقضينا حتقيق هذا املعىن يف الكتاب امللقب باملستظهري امل

ليست : على الباطنية، فإن قيل فإن تساحمتم خبصلة العلم لزمكم التسامح خبصلة العدالة وغري ذلك من اخلصال، قلناهذه مساحمة عن االختيار ولكن الضرورات تبيح احملظوارت، فنحن نعلم أن تناول امليتة حمظور ولكن املوت أشد

ي ببطالن اإلمامة يف عصرنا لفوات شروطها وهو عاجز عن منه، فليت شعري من ال يساعد على هذا ويقضأن يقول القضاة معزولون والواليات : االستبدال باملتصدي هلا بل هو فاقد للمتصف بشروطها، فأي أحواله أحسن

ام، باطلة واألنكحة غري منعقدة ومجيع تصرفات الوالة يف أقطار العامل غري نافذة، وإمنا اخللق كلهم مقدمون على احلرأو أن يقول اإلمامة منعقدة والتصرفات والواليات نافذة حبكم احلال واالضطرار، فهو بني ثالثة أمور إما أن مينع

الناس من األنكحة والتصرفات املنوطة بالقضاة وهو مستحيل ومؤدي إىل تعطيل املعايش كلها ويفضي إىل تشتيت ون على األنكحة والتصرفات ولكنهم مقدمون على احلرام، إال اآلراء ومهلك للجماهري والدمهاء أو يقول إهنم يقدم

أنه ال حيكم بفسقهم ومعصيتهم لضرورة احلال، وإما أن نقول حيكم بانعقاد اإلمامة مع فوات شروطها لضرورة احلال ومعلوم أن البعيد مع

ذا الفصل وفيه غنية عند األبعد قريب، وأهون الشرين خري باالضافة، وجيب على العاقل اختياره، فهذا حتقيق هالبصري عن التطويل ولكن من مل يفهم حقيقة الشيء وعلته وإمنا يثبت بطول األلفة يف مسعه فال تزال النفرة عن

أبعد قريب، وأهون الشرين خري .نقيضه يف طبعه إذ فطام الضعفاء عن املألوف شديد عجز عنه األنبياء فكيف غريهمياره، فهذا حتقيق هذا الفصل وفيه غنية عند البصري عن التطويل ولكن من مل يفهم باالضافة، وجيب على العاقل اخت

حقيقة الشيء وعلته وإمنا يثبت بطول األلفة يف مسعه فال تزال النفرة عن نقيضه يف طبعه إذ فطام الضعفاء عن .املألوف شديد عجز عنه األنبياء فكيف غريهم

النيب واخلليفة كي يقطع ذلك دابر االختالف كما قالت بعض اإلمامية فهال قلتم إن التنصيص واجب من : فإن قيل

Page 74: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ألنه لو كان واجبا لنص عليه الرسول عليه السالم، ومل ينص هو ومل ينص عمر أيضا بل : إذ ادعوا أنه واجب، قلنان يدعي أنه صلى ثبتت إمامة أبو بكر وإمامة عثمان وإمامة علي رضي اهللا عنهم بالتفويض، فال تلتفت إىل جتاهل م

: اهللا عليه وسلم نص على علي لقطع النزاع ولكن الصحابة كابروا النص وكتموه، فأمثال ذلك يعارض مبثله ويقالمب تنكرون على من قال إنه نص على أيب بكر فأمجع الصحابة على موافقته النص ومتابعته، وهو أقرب من تقدير

ذلك لتعذر قطع االختالف وليس ذلك مبعتذر، فإن البيعة تقطع مادة مكابرهتم النص وكتمانه، مث إمنا يتخيل وجوباالختالف والدليل عليه عدم االختالف يف زمان أيب بكر وعثمان رضي اهللا عنهم، وقد توليا البيعة، وكثرته يف زمان

.علي رضي اهللا عنه ومعتقد اإلمامية أنه توىل بالنص .الصحابة واخللفاء الراشدين رضي اهللا عنهم يف شرح عقيدة أهل السنة يف: الطرف الثالث

اعلم أن للناس يف الصحابة واخللفاء إسراف يف أطراف؛ فمن مبالغ يف الثناء حىت يدعي العصمة لألئمة، ومنهم واعلم . فال تكونن من الفريقني واسلك طريق االقتصاد يف االعتقاد. متهجم على الطعن بطلق اللسان بذم الصحابة

مشتمل على الثناء على املهاجرين واألنصار وتواترت األخبار بتزكية النيب صلى اهللا عليه وسلم إياهم أن كتاب اهللاخري الناس قرين مث الذين يلوهنم وما من : بألفاظ خمتلفة، كقوله أصحايب كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وكقوله

ستصحب هذا االعتقاد يف حقهم وال تسيء الظن واحد إال وورد عليه ثناء خاص يف حقه يطول نقله، فينبغي أن تهبم كما حيكى عن أحوال ختالف مقتضى حسن الظن، فأكثر ما ينقل خمترع بالتعصب يف حقهم وال أصل له وما ثبت نقله فالتأويل متطرق إليه ومل جيز ما ال يتسع العقل لتجويز اخلطأ والسهو فيه، ومحل أفعاهلم على قصد اخلري

واملشهور من قتال معاوية مع علي ومسري عائشه رضي اهللا عنهم إىل البصرة والظن بعائشة أهنا .وإن مل يصيبوهكانت تطلب تطفئة الفتنة ولكن خرج األمر من الضبط، فأواخر األمور ال تبقى على وفق طلب أوائلها، بل تنسل

ى سوى هذا من روايات اآلحاد عن الضبط، والظن مبعاوية أنه كان على تأويل وظن فيما كان يتعاطاه وما حيكفالصحيح منه خمتلط بالباطل واالختالف أكثره اختراعات الروافض واخلوارج وأرباب الفضول اخلائضون يف هذه

لعل له تأويال : فما تعذر عليك فقل. فينبغي أن تالزم اإلنكار يف كل ما مل يثبت، وما ثبت فيستنبط له تأويال. الفنونواعلم أنك يف هذا املقام بني أن تسيء الظن مبسلم وتطعن عليه وتكون كاذبا أو حتسن الظن . وعذرا مل أطلع عليه

به وتكف لسانك عن الطعن وأنت خمطئ مثال، واخلطأ يف حسن الظن باملسلم أسلم من الصواب بالطعن فيهم، فلو شرار طول عمره مل يضره سكت إنسان مثال عن لعن ابليس أو لعن أيب جهل أو أيب هلب أو من شئت من األ

السكوت، ولو هفا هفوة بالطعن يف مسلم مبا هو بريء عند اهللا تعاىل منه فقد تعرض للهالك، بل أكثر ما يعلم يف فمن يالحظ هذه . الناس ال حيل النطق به لتعظيم الشرع الزجر عن الغيبة، مع أنه إخبار عما هو متحقق يف املغتاب

إىل الفضول آثر مالزمته السكوت وحسن الظن بكافة املسلمني وإطالق اللسان الفصول ومل يكن يف طبعه ميل فأما اخللفاء الراشدون فهم أفضل من غريهم، . هذا حكم الصحابة عامة. بالثناء على مجيع السلف الصاحلني

أن معناه إن حمله وترتيبهم يف الفضل عند أهل السنة كترتيبهم يف اإلمامة، وهذا ملكان أن قولنا فالن أفضل من فالن عند اهللا تعاىل يف اآلخرة أرفع، وهذا غيب ال يطلع عليه إال اهللا ورسوله إن أطلعه عليه، وال ميكن أن يدعي نصوص

واستنباط . قاطعة من صاحب الشرع متواترة مقتضية للفضيلة على هذا الترتيب، بل املنقول الثناء على مجيعهمائه عليهم رمي يف عماية واقتحام أمر آخر أغنانا اهللا عنه، ويعرف الفضل حكم الترجيحات يف الفضل من دقائق ثن

عند اهللا تعاىل باألعمال مشكل أيضا وغايته رجم ظن، فكم من شخص متحرم الظاهر وهو عند اهللا مبكان ليس يف ه فال مطلع قلبه وخلق خفي يف باطنه، وكم من مزين بالعبادات الظاهرة وهو يف سخط اهللا خلبث مستكن يف باطن

Page 75: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

ولكن إذا ثبت أنه ال يعرف الفضل إال بالوحي وال يعرف من النيب إال بالسماع وأوىل . على السرائر إال اهللا تعاىلالناس بالسماع ما يدل على تفاوت الفضائل الصحابة املالزمون ألحوال النيب صلى اهللا عليه وسلم، وهم قد أمجعوا

وليس . ى عمر، مث أمجعوا بعده على عثمان، مث على علي رضي اهللا عنهمعلى تقدمي أيب بكر، مث نص أبو بكر عليظن منهم اخليانة يف دين اهللا تعاىل لغرض من األغراض، وكان إمجاعهم على ذلك من أحسن ما يستدل به على

ما عرف به مراتبهم يف الفضل، ومن هذا اعتقد أهل السنة هذا الترتيب يف الفضل مث حبثوا عن األخبار فوجدوا فيها .فهذا ما أردنا أن نقتصر عليه من أحكام اإلمامة واهللا أعلم وأحكم. مستند الصحابة وأهل اإلمجاع يف هذا الترتيب

الباب الرابع

بيان من جيب تكفريه من الفرق

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي

Page 76: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

االعتقاد: كتاب االقتصاد يف لغزايل: املؤلف بو حامد ا أ

اعلم أن للفرق يف هذا مبالغات وتعصبات، فرمبا انتهى بعض الطوائف إىل تكفري كل فرقة سوى الفرقة اليت يعزى إليها، فإذا أردت أن تعرف سبيل احلق فيه فاعلم قبل كل شيء أن هذه مسألة فقهية، أعين احلكم بتكفري من قال قوال وتعاطى فعال، فإهنا تارة تكون معلومة بأدلة مسعية وتارة تكون مظنونة باالجتهاد، وال جمال لدليل العقل فيها

إن هذا الشخص كافر والكشف عن معناه، وذلك يرجع إىل اإلخبار : البتة، وال ميكن تفهيم هذا إال بعد تفهيم قولناى التأبيد، وعن حكمه يف الدنيا وأنه ال جيب القصاص بقتله وال ميكن عن مستقره يف الدار اآلخرة وأنه يف النار عل

من نكاح مسلمة وال عصمة لدمه وماله، إىل غري ذلك من األحكام، وفيه أيضا إخبار عن قول صادر منه وهو هذا كذب، أو اعتقاد وهو جهل، وجيوز أن يعرف بأدلة العقل كون القول كذبا وكون االعتقاد جهال، ولكن كون الكذب واجلهل موجبا للتكفري أمر آخر، ومعناه كونه مسلطا على سفك دمه وأخذ أمواله، ومعىن كونه مسلطا على سفك دمه وأخذ أمواله ومبيحا إلطالق القول بأنه خملد يف النار؛ وهذه األمور شرعية وجيوز عندنا أن يرد

وغري مكترث بكفره، وإن ماله ودمه معصوم وجيوز أن يرد الشرع بأن الكذاب أو اجلاهل أو املكذب خملد يف اجلنة بالعكس أيضا نعم ليس جيور أن يرد بأن الكذب صدق وأن اجلهل علم، وذلك ليس هو املطلوب هبذه املسألة بل

املطلوب أن هذا اجلهل والكذب هل جعله الشرع سببا إلبطال عصمته واحلكم بأنه خملد يف النار ؟ وهو كنظرنا يف لصيب إذا تكلم بكلميت الشهادة فهو كافر بعد أو مسلم ؟ أي هذا اللفظ الذي صدر منه وهو صدق، واالعتقاد أن ا

فأما وصف قوله . الذي وجد يف قلبه وهو حق، هل جعله الشرع سببا لعصمة دمه وماله أم ال ؟ وهذا إىل الشرعكذب واجلهل جيوز أن يكون عقليا وأما معرفة بأنه كذب أو اعتقاده بأنه جهل، فليس إىل الشرع، فإذا معرفة ال

كونه كافر أو مسلما فليس إال شرعيا، بل هو كنظرنا يف الفقه يف أن هذا الشخص رقيق أو حر، ومعناه أن السبب الذي جرى هل نصبه الشرع مبطال لشهادته وواليته ومزيال ألمالكه ومسقطا للقصاص عن سيده املستويل عليه،

وجيوز الفتوى يف ذلك بالقطع مرة . يكون كل ذلك طلبا ألحكام شرعية ال يطلب دليلها إال من الشرعإذا قتله، فوبالظن واالجتهاد أخرى، فإذا تقرر هذا األصل فقد قررنا يف أصول الفقه وفروعه أن كل حكم شرعي يدعيه مدع

وكذلك كون الشخص كافرا إما أن فإما أن يعرفه بأصل من أصول الشرع من إمجاع أو نقل أو بقياس على أصل،يدرك بأصل أو بقياس على ذلك األصل، واألصل املقطوع به أن كل من كذب حممدا صلى اهللا عليه وسلم فهو

.إال أن التكذيب على مراتب. كافر أي خملد يف النار بعد املوت، ومستباح الدم واملال يف احلياة، إىل مجلة األحكامليهود والنصارى وأهل امللل كلهم من اجملوس وعبدة األوثان وغريهم، فتكفريهم منصوص تكذيب ا: الرتبة األوىل

.عليه يف الكتاب وجممع عليه بني األمة، وهو األصل وما عداه كامللحق بهوهذا ملحق باملنصوص . تكذيب الربامهة املنكرين ألصل النبوات، والدهرية املنكرين لصانع العامل: الرتبة الثانية

األوىل، ألن هؤالء كذبوه وكذبوا غريه من األنبياء، أعين الربامهة، فكانوا بالتكفري أوىل من النصارى بطريقواليهود، والدهرية أوىل بالتكفري من الربامهة ألهنم أضافوا إىل تكذيب األنبياء إنكار املرسل ومن ضرورة إنكار

بوة يف أصلها أو نبوة نبينا حممد على اخلصوص إال بعد النبوة، ويلتحق هبذه الرتبة كل من قال قوال ال تثبت الن .بطالن قوله

Page 77: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

الذين يصدقون بالصانع والنبوة ويصدقون النيب، ولكن يعتقدون أمورا ختالف نصوص الشرع ولكن : الرتبة الثالثةفهام اخللق عن يقولون أن النيب حمق، وما قصد مبا ذكره إال صالح اخللق ولكن مل يقدر على التصريح باحلق لكالل أ

إنكارهم حلشر األجساد والتعذيب : وجيب القطع بتكفريهم يف ثالثة مسائل وهي. دركه، وهؤالء هم الفالسفةقوهلم إن اهللا ال يعلم اجلزئيات : واألخرى. بالنار، والتنعيم يف اجلنة باحلور بالعني واملأكول واملشروب وامللبوس

قوهلم إن العامل قدمي وإن : والثالثة. ا اجلزئيات تعلمها املالئكة السماويةوتفصيل احلوادث وإمنا يعلم الكليات، وإمنوهؤالء إذا . اهللا تعاىل متقدم على العامل بالرتبة مثل تقدم العلة على املعلول، وإال فلم تر يف الوجود إال متساويني

فمثل هلم ذلك باللذات احلسية أوردوا عليهم آيات القرآن زعموا أن اللذات العقلية تقصر األفهام عن دركها، وهذا كفر صريح، والقول به إبطال لفائدة الشرائع وسد لباب االهتداء بنور القرآن واستبعاد للرشد من قول

الرسل، فإنه إذا جاز عليهم الكذب ألجل املصاحل بطلت الثقة بأقواهلم فما من قول يصدر عنهم إال ويتصور أن فلم قلتم مع ذلك بأهنم كفرة ؟ قلنا ألنه عرف قطعا من الشرع أن : فإن قيل. صلحةيكون كذبا، وإمنا قالوا ذلك مل

من كذب رسول اهللا فهو كافر وهؤالء مكذبون مث معاملون للكذب مبعاذير فاسدة وذلك ال خيرج الكالم عن كونه .كذبا

ون وال جيوزون الكذب ملصلحة املعتزلة واملشبهة والفرق كلها سوى الفالسفة، وهم الذين يصدق: الرتبة الرابعةوغري مصلحة، وال يشتغلون بالتعليل ملصلحة الكذب بل بالتأويل ولكنهم خمطئون يف التأويل، فهؤالء أمرهم يف حمل

فإن استباحة الدماء واألموال . والذي ينبغي أن مييل احملصل إليه االحتراز من التكفري ما وجد إليه سبيال. االجتهادالقبلة املصرحني بقول ال إله إال اهللا حممد رسول اهللا خطأ، واخلطأ يف ترك ألف كافر يف احلياة أهون من املصلني إىل

أمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا ال إله إال : وقد قال صلى اهللا عليه وسلم. من اخلطأ يف سفك حمجمة من دم مسلموهذه الفرق منقسمون إىل مسرفني . واهلم إال حبقهااهللا حممد رسول اهللا، فإذا قالوها فقد عصموا مين دماءهم وأم

وغالة، وإىل مقتصدين باإلضافة إليهم، مث اجملتهد يرى تكفريهم وقد يكون ظنه يف بعض املسائل وعلى بعض الفرق وتفصيل آحاد تلك املسائل يطول مث يثري الفنت واألحقاد، فإن أكثر اخلائضني يف هذا إمنا حيركهم التعصب . أظهراع تكفري املكذب للرسول، وهؤالء ليسوا مكذبني أصال ومل يثبت لنا أن اخلطأ يف التأويل موجب للتكفري، فال واتب

وهذا القدر . اطعبد من دليل عليه، وثبت أن العصمة مستفادة من قول ال إله إال اهللا قطعا، فال يدفع ذلك إال بقكاف يف التنبيه على أن إسراف من بالغ يف التكفري ليس عن برهان فإن الربهان إما أصل أو قياس على أصل،

واألصل هو التكذيب الصريح ومن ليس مبكذب فليس يف معىن الكذب أصال فيبقى حتت عموم العصمة بكلمة .الشهادة

ينكر أصال من أصول الشرعيات املعلومة بالتواتر من رسول اهللا من ترك التكذيب الصريح ولكن: الرتبة اخلامسةلست : الصلوات اخلمس غري واجبة، فإذا قرئ عليه القرآن واألخبار قال: صلى اهللا عليه وسلم، كقول القائل

أنا معترف بوجوب احلج ولكن ال أدري أين : وكمن يقول. أعلم صدر هذا من رسول اهللا، فلعله غلط وحتريفأين الكعبة، وال أدري أن البلد الذي تستقبله الناس وحيجونه هل هي البلد اليت حجها النيب عليه السالم مكة و

فهذا أيضا ينبغي أن حيكم بكفره ألنه مكذب ولكنه حمترز عن التصريح، وإال فاملتواترات تشترك . ووصفها القرآناملعتزلة فإن ذلك خيتص لدركه اؤلوا البصائر من يف دركها العوام واخلواص وليس بطالن ما يقوله كبطالن مذهب

النظار إال أن يكون هذا الشخص قريب العهد باالسالم ومل يتواتر عنده بعد هذه األمور فيمهله إىل أن يتواتر عنده، ترة أو ولسنا نكفره ألنه أنكر أمرا معلوما بالتواتر، وإنه لو أنكر غزوة من غزوات النيب صلى اهللا عليه وسلم املتوا

Page 78: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

أنكر نكاحه حفصة بنت عمر، أو أنكر وجود أيب بكر وخالفته مل يلزم تكفريه ألنه ليس تكذيبا يف أصل من أصول الدين مما جيب التصديق به خبالف احلج والصالة وأركان اإلسالم، ولسنا نكفره مبخالفة االمجاع، فإن لنا نظرة يف

كثرية يف كون االمجاع حجة قاطعة وإمنا االمجاع عبارة عن التطابق تكفري النظام املنكر ألصل االمجاع، ألن الشبهعلى رأي نظري وهذا الذي حنن فيه تطابق على األخبار غري حمسوس، وتطابق العدد الكبري على األخبار غري

حمسوس على سبيل التواتر املوجب للعلم الضروري، وتطابق أهل احلق والعقد على رأي واحد نظري ال يوجب لم إال من جهة الشرع ولذلك ال جيوز أن يستدل على حدوث العامل بتواتر األخبار من النظار الذين حكموا به، الع

.بل ال تواتر إال يف احملسوسات

أن ال يصرح بالتكذيب وال يكذب أيضا أمرا معلوما على القطع بالتواتر من أصول الدين ولكن : الرتبة السادسةمجاع، فأما التواتر فال يشهد له كالنظام مثال، إذ أنكر كون االمجاع حجة قاطعة يف منكر ما علم صحته إال اال

ليس يدل على استحالة اخلطأ على أهل االمجاع دليل عقلي قطعي وال شرعي متواتر ال حيتمل التأويل، : وقال. أصلهع التابعني؛ فإنا نعلم إمجاعهم على فكلما تستشهد به من األخبار واآليات له تأويل بزعمه، وهو يف قوله خارق إلمجا

أن ما أمجع عليه الصحابة حق مقطوع به ال ميكن خالفه فقد أنكر اإلمجاع وخرق اإلمجاع وهذا يف حمل االجتهاد، ويل فيه نظر، إذ االشكاالت كثرية يف وجه كون االمجاع حجة فيكاد يكون ذلك املمهد للعذر ولكن لو فتح هذا

جيوز أن يبعث رسول بعد نبينا حممد صلى اهللا عليه وسلم، فيبعد : نيعة وهو أن قائال لو قالالباب اجنر إىل أمور شالتوقف يف تكفريه ومستند استحالة ذلك عند البحث تستمد من االمجاع ال حمالة فإن العقل ال حييله وما نقل فيه من

خامت النبيني أراد به أويل : ئل عن تأويله فيقولخامت النبيني فال يعجز هذا القا: ال نيب بعدي ومن قوله تعاىل: قولهوقوله ال نيب بعدي مل يرد به الرسول، وفرق بني . العزم من الرسل، فإن قالوا النبيني عام، فال يبعد ختصيص العام

فهذا وأمثاله ال ميكن أن ندعي . النيب والرسول والنيب أعلى رتبة من الرسول إىل غري ذلك من أنواع اهلذيانالته من حيث جمرد اللفظ فإنا يف تأويل ظواهر التشبيه قضينا باحتماالت أبعد من هذه ومل يكن ذلك مبطال استح

للنصوص، ولكن الرد على هذا القائل أن األمة فهمت باإلمجاع من هذا اللفظ ومن قرائن أحواله أنه أفهم عدم نيب ختصيص فمنكر هذا ال يكون إال منكر اإلمجاع، وعند هذا بعده أبدا وعدم رسول اهللا أبدا وأنه ليس فيه تأويل وال

يتفرع مسائل متقاربة مشتبكة يفتقر كل واحد منها إىل نظر، واجملتهد يف مجيع ذلك حيكم مبوجب ظنه يقينا وإثباتا رع إال والغرض اآلن حترير معاقد األصول اليت يايت عليها التكفري وقد نرجع إىل هذه املراتب السلتة وال يعترض ف

السجود بني يدي الصنم كفر، وهو : فإن قيل. ويندرج حتت رتبة من هذه الرتب، فاملقصود التأصيل دون التفصيلال، فإن الكفر يف اعتقاده تعظيم الصنم، وذلك : فعل جمرد ال يدخل حتت هذه الروابط، فهل هو أصل آخر ؟ قلنا

عرف اعتقاده تعظيم الصنم تارة بتصريح لفظه، وتارة تكذيب لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم والقرآن ولكن يباإلشارة إن كان أخرسا، وتارة بفعل يدل عليه داللة قاطعة كالسجود حيث ال حيتمل أن يكون السجود هللا وإمنا

وهذا كنظرنا أن الكافر إذا . الصنم بني يديه كاحلائط وهو غافل عنه أو غري معتقد تعظيمه، وذلك يعرف بالقرائن. ى جبماعتنا هل حيكم باسالمه، أي هل يستدل على اعتقاد التصديق ؟ فليس هذا إذن نظرا خارجا عما ذكرناهصل

ولنقتصر على هذا القدر يف تعريف مدارك التكفري وإمنا أوردناه من حيث أن الفقهاء مل يتعرضوا له واملتكلمون مل ينبه بعضهم هبا لقرب املسألة من الفقهيات، ألن النظر يف ينظروا فيه نظرا فقهيا، إذ مل يكن ذلك من فنهم، ومل

األسباب املوجبة للتكفري من حيث أهنا أكاذيب وجهاالت نظر عقلي، ولكن النظر من حيث أن تلك اجلهاالت .مقتضية بطالن العصمة وإمنا اخللود يف النار نظر فقهي وهو املطلوب

Page 79: ﺩﺎﻘﺘﻋﻻﺍ ﰲ ﺩﺎﺼﺘﻗﻻﺍ ﺏﺎﺘﻛ …ﲔﺑ ﻕﺮﻔﻳ ﱂﻭ ﻖﻳﺪﺼﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﺜﻛﺄﺑ ﻢﻫﺎﻳﺇ ﻪﺘﺒﻃﺎﳐ ﰲ ﺏﺮﻌﻟﺍ

االعتقاد وحذفنا احلشو والفضول املستغىن عنه، اخلارج من أمهات ولنختم الكتاب هبذا، فقد أظهرنا االقتصاد يف العقائد، وقواعدها، واقتصرنا من أدلة ما أوردناه على اجللي الواضح الذي ال تقصر أكثر األفهام عن دركه، فنسأل

هللا رب العاملني وصلى اهللا تعاىل أال جيعله وباال علينا، وأن يضعه يف ميزان الصاحلات إذا ردت إلينا أعمالنا، واحلمد .اهللا على حممد خامت النبيني وعلى آله وسلم تسليما كثريا آمني

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي