الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

بسم الله الرحمن الرحيم1طرق البحث في التفسير الموضوعي وأشهر المؤلفات فيه

تعريف التفسير الموضوعي: .1 تعددت تعريفات التفسير الموضوعي ووقع بينها اتفاق

واختالف ألنها نتاج اجتهاد جاء في ضوء فهم لدى أصحابها وقناعات. ومن تعريفات الواردة للتفسير الموضوعي ما

يلي:_ تعريف د. مصطفى مسلم:

هو علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خالل. 2سورة أو أكثر

_ علم يبحث في قضايا القرآن الكريم المتحدة معنى أو غاية، عن طريق جمع آياتها المتفرقة، والنظر فيها ، على

هيئة مخصوصة ، بشروط مخصوصة لبيان معناها،. 3واستخراج عناصرها، وربطها برباط جامع

_ هو العلم الذي يتخذ من الموضوعات الظاهرة أساسا في الكشف عن منهج القرآن وأسلوبه في معالجته لها متخذا

من القواعد والشروط في التفسير سلما للوصول إلىهدي الكتاب وجالل شأنه.

_ علم يعنى بالكشف عن موقف القرآن الكريم من قضية ما، في ضوء ما يتصل بها من آيات ، ضمن منهج ذي

مجاالت وخطوات. وبلفظ آخر: عملية منهجية تتجه نحو اآليات القرآنية ، من

حيث موضوعها ال موضعها، بغير الكشف عن الموضوعات التي عرض لها القرآن الكريم، وتصنيفها تحت ما يناسبها من مجاالت، وإفرادها في كتابات تبرز ما فيها من دالالت

. 4وهداياتطرق البحث في التفسير الموضوعي: .2

أوال: منهج البحث في موضوع من خالل القرآن الكريم:اختيار الموضوع: .1

ة التفسير الموضوعي التأصيل والتمثيل، أ. د زيدضر مراجع هذه المحا1العيص، ومباحث في التفسير الموضوعي، د. مصطفى مسلم .

.16 ( مباحث في التفسير الموضوعي: 2األلمعي، ( 3 زاهر الموضوعي، التفسير في .7دراسات4 . العيص، ( زيد د والتمثيل، التأصيل الموضوعي .21_ 12التفسير

1

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

إن أنسب الطرق المعينة على وضع ضابط، للموضوع المناسب للدراسة التفسيرية الموضوعية ، هو أن يكون

الموضوع خادما للمقاصد القرآنية ، بالكشف عنجوانبها، وإبراز مظاهرها.

ومقاصد القرآن كما أوردها الطاهر بن عاشور ثمانية : . إصالح االعتقاد. 1

تهذيب األخالق..2التشريع..3سياسة األمة بإصالحها ، وحفظ نظامها..4عرض القصص وأخبار األمم للتأسي بصالح أحوالهم..5التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين..6المواعظ واإلنذار والتبشير والتحذير..7 اإلعجاز بالقرآن ليكون آلة دالة على صدق الرسول.8

صلى الله عليه وسلم.فوائد استحضار هذه المقاصد:

يجعل الموضوع أكثر قربا من القرآن الكريم.أ- استبعاد الموضوعات التي ال تتوافق مع هذه المقاصدب-

القرآنية. إخراج الموضوع من القرآن الكريم وعدم فرض موضوعاتت-

من الخارج، حتى ال يؤدي إلى تكلف في التفسير ، وتجنفي استخالص النتائج.

وبعد تحديد الموضوع يختار الباحث عنوانا لبحثه من ألفاظ القرآن أو منتزع من صميم معانيه، فمن أراد أن يكتب عن

الشورى في القرآن ال ينبغي أن يكتب عنوان بحثه الديمقراطية في القرآن ، أو يكتب عن التكافل االجتماعي

في القرآن ال يصلح أم يقول: االشتراكية في القرآن. الخطوة الثانية: جمع اآليات ذات الصلة بالموضوع الواحد.2

لفظا ومعنى ، وهذه خطوة متعينة في التفسير الموضوعي. فتجمع اآليات حسب موضوعها ال حسب موضعها، فتجمع جمع

اآليات التي تتضمن الحديث عن موضوع محل الدراسة.مثل الصدق ، الظلم، العدل وهكذا.

2

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

وهناك ثالث وسائل يمكن من خاللها جمع آيات الموضوعالواحد وهي:

النظر المباشر في القرآن الكريم: أ. وأهمية هذه الطريقة أنها تبين السياق الذي وردت فيه

اآلية .معاجم األلفاظ:ب.

ظهرت مؤلفات عنيت بجمع ألفاظ القرآن الكريم ، حين تورد اآليات التي تضمنت لفظة ما بكل تصريفاتها ، في

صعيد واحد، وتشير إلى رقم اآلية والسورة . من الكتب المساعدة في ذلك:

.غريب القرآن للراغب األصفهاني.األشباه والنظائر للدامغانيالوجوه والنظائر في القرآن الكريم ألبي هالل

العسكري.المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم محمد فؤاد

عبد الباقي.المعجم المفهرس الشامل أللفاظ القرآن إعداد مركز

تفسير . إال إن هذه الكتب ال تجمع اآليات التي تتصل بالموضوع لفظا

ومعنى، فهي تجمع تصاريف اللفظة الواحدة، لكنها ال تعتنى بذكر األلفاظ المرادفة لها معنى مثل المرأة فمن مرادفاتها ؛ الزودة،

النساء، األنثى، البنت ، الخ.معاجم الموضوعات : ت.

اعتنت كتب معاجم الموضوعات بجمع اآليات المتصلة بها لفظا ومعنى، ولكن بعضها لم يكن يسلك المنهج

االستقصاء في جمع األلفاظ ومردفاتها مما يجعل هذه الكتب غير كافية لجمع األلفاظ المرادفة للكلمة محل

الدراسة .من الكتب في هذا الموضوع:

. تفصيل آي��ات الق��رآن الحكيم ، وض��عه باللغ��ة الفرنس��ية ج��ول1 البوم ، وترجمه محمد فؤاد عب��د الب��اقي ،قس��م كتاب��ه إلى ثماني��ة

فرع��ا، وتحت350عشر بابا ، وأورد تحت كل ب��اب فروع��ا بلغت كل فرع اآليات الخاصة به ، ويذكر رقم اآلية ورقم السورة فق��ط

3

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

دون اس��مها، ومن أب��رز المؤاخ��ذات على الكت��اب ع��دم اس��تيعابهللموضوعات واآليات. مثل اسقاط آية الحج من موضوع الحج .

. المعجم الموضوعي آليات القرآن الكريم ، وضعه ص��بحي عب��د2 الرؤوف عمر. صنف المؤلف كتاب�ه تحت ثالث موض�وعات عام�ة وهي أرك��ان اإليم��ان واإلس��الم ثم التق��وى ، ثم الكف��ر والفس��وق

والعصيان، وأورد تحت هذه العناوين موضوعات فرعية. إال إن الكتاب أغفل بعض الموضوعات مثل العم��رة ، وأورد آي��ات

تحت موضوعات ال صلة لها بها. وقد ختم الباحث كتابه بفهرسة للموضوعات التي ذكرها وهو جهد

متميز يخدم الباحثين. المعجم الموضوعي آلي�ات الق��رآن الك��ريم ، وض�عه حس�ان.3

عبد المنان. ذكر الباحث في كتابه موضوعات عديدة ، منه��ااألخالق الحميدة، واألخوة ، واإلشاعات، والطالق وغيرها.

يؤخذ على المصنف أنه لم يكن دقيقا في إيراد اآلي��ات تحتموضوعاتها.

الفهرس الموضوعي آلي��ات الق��رآن الك��ريم، وض��عه محم��د.4مصطفى محمد.

المعجم المفه��رس لمع��اني الق��رآن الك��ريم، وض��عه محم��د.5بسام شريف الزين. وسار في كتابه على المنهج التالي:

جمع اآليات ذات الموضوع الواحد لفظا ومعنى .أ.

ص���نف اآلي���ات ذات الموض���وع الواح���د، وقس���مها إلىب.فرعيات .

رتب الموضوعات الرئيسة الفرعية ترتيبا معجميا.ت.

س���لك الب���احث منهج اإلحال���ة ح���بين يض���طر إلى ذك���رث.الموضوع أو اآلية في أكثر من موضع.

الترتيب والبيان عن تفصيل آي القرآن ، محمد زكي ص��الح..6والكتاب لم يستوعب جميع الموضوعات.

المعجم المفهرس لمواض��يع الق��رآن الك��ريم ، محم��د ن��ايف.7معروف. رتب الباحث الكتاب على حروف الهجاء .

المعجم المفص��ل لمواض��يع الق��رآن الم��نزل وض��عه محم��د.8خليل عيناني.

تصنيف آيات القرآن الكريم وضعه محمد محمود إسماعيل..9

4

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

تب��ويب آي الق�رآن الك��ريم من الناحي�ة الموض�وعية ، أحم�د.10إبراهيم مهنا.

الموسوعة القرآنية، إبراهيم األبياري. .11الجامع لمواضيع القرآن الكريم ، محمد فارس بركات. .12

وهذه المصنفات يمكن االستفادة منها ، ولكن مع مالحظ��ة أنه��ا ال تخلو من ثغرات ، ونواقص ، األمر الذي يفرض على الب��احث أخ��ذ الحيط��ة من ع��دم االعتم��اد الكلي عليه��ا في مج��ال التص��نيف

والجمع.الخطوة الثالثة: ترتيب اآليات:

وفي هذه الخطوة يجب أن يراعي الباحثين مسألتين:المسألة األولى:

ترتب اآليات حسب الموضوع بتقسم اآليات حسب عناصر البحث أيا كان موضوعه. وإن امكن ترتيب اآليات داخل المبحث بحس��ب نزولها فيما ال يتع�ارض م��ع الموض�وع ف��ذلك حس�ن. وإال ف��ترتيب

اآليات حسب الموضوع أولى من مراعاة أسبقية النزول.مثال ذلك:

موضوع منهج القرآن في معالجة المشكالت الزوجية. فإن للقرآن في ذلك منهجا منض��بطا، يب��دأ بت��ذكير ال��زوجين بأن لكل منهما له حقوق وعليه واجبات، ثم يأتي الوعظ وما يتبعه ثم يأتي تدخل الحكمان، ثم إذا أغلقت سبل اإلص��الح بينهم��ا ي��أتي

الطالق. ولكن الح��ديث عن الطالق ج��اء في س��ورة البق��رة، في حين أن الوعظ، والهجر، والضرب، واالستعانة ب��الحكمين ج��اء في س��ورة النساء، ونحن نعلم أن سورة النس��اء ج��اءت مت��أخرة في ال��نزول

عن سورة البقرة. قال ابن عاشور: )واتفق العلماء على أن سورة النساء نزلت بعد البقرة، ويتعين أن يكون نزولها متأخراً عن الهجرة بم��دة طويل��ة،

والجمهور قالوا إنها نزلت بعد آل عمران(.

5

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

فالترتيب بحسب تاريخ النزول يقتضي تقديم الح��ديث عن الطالق وأحكام��ه، على الح��ديث عن األس��اليب ال��تي ش��رعها اإلس��الم

للحيلولة دون وقوع الطالق باعتباره الحل األخير. المسألة الثانية:

مراعاة سياق اآليات ، فإن انتزاع اآلية من س��ياقها يوق��ع الب��احثفي عدم القدرة على الكشف التام عن داللة اآلية.

والباحث أمامه ثالث أنواع من السياقات: األول: مراعاة سياق السورة الذي وردت فيه اآلية. هل هي مكية

أو مدنية. الث��اني: مراع��اة س��ياق اآلي��ات ال��تي وردت في��ه اآلي��ة فآي��ة : " حافظوا على الصالة والصالة الوسطى وقوموا لله ق��انتين" فإنه��ا وردت في س��ياق آي��ات تتح��دث القض��ايا األس��رية والمش��كالت الزوجية. مما ي��وهم أن��ه ال ص��لة بين ه��ذه اآلي��ة واآلي��ات قبله��ا أو بع��دها. وه��ذا ي��ؤدي إلى تجاه��ل كث��ير من المع��اني المهم��ة ال��تي نستحض��ر منه��ا هن��اك ص��لة وثيق��ة بين المش��كالت الزوجي��ة وبين المحافظة على الصالة ، فهذه المشاكل تؤدي إلى ت��أخير الص��الة واالنشغال عنها، وإن المحافظة عليها في وقتها سبب من أسباب القض��اء على الخالف��ات الزوجي��ة، والمش��كالت األس��رية فالص��الة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وته��ذب الس��لوك وتزي��د في اإليم��ان

المعين على تجاوز المشكالت وحسن إدارة األزمات. الثالث: مراعاة سياق اآلية نفسها فعند الكتابة عن مصطلح الذين في قلوبهم م��رض وتفس��يرها بالمن��افقين في قول��ه تع��الى : " إذ يق��ول المن��افقون وال��ذين في قل��وبهم م��رض" ه��ل العط��ف هن��ا يقتض��ي التغ��اير أم التس��اوي ؟ فه��ذا يحت��اج لتأم��ل ونظ��ر عن��د

الدراسة والبحث.الخطوة الرابعة: التفسير التحليلي لآليات:

على الباحث أن يقف على تفسير اآليات تفسيرا تحليليا بغية الكشف عما تضمنته من دالالت، وهدايات، وهذا أمر بالغ األهمية.

وذلك ألن تحقيق أهداف التفسير الموضوعي يعتمد على فهم معاني اآليات فهما دقيقا وفق كالم السلف وأئمة التفسير

المعتبرين، حتى يتمكن الباحث من الخروج بالمفاهيم الصحيحة،

6

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

والمعاني الدقيقة التي تعينه على بيان موضوعه بيانا صحيحا، منطلقا من المعاني الصحيحة لتفسير كالم الله تعالى، بعيدا عنالتأويل المنحرف، أو التكلف المذموم في فهم كالم الله تعالى.

وهذه الخطوة هي الفيصل بين بحوث التفسير الموضوعي،والبحوث اإلنشائية الثقافية التي تعرض للقضايا اإلسالمية.

قال د. رحماني: " ، أن بعض المفسرين ، الذين عنوا مشكورين، بهذا المنهج يعمدون أحيانا عن حسن نية، إلى عملية التكديس، فيجمعون كل اآليات المتعلقة بالموضوع ثم يرصفونها رصفا ،

بدون تحليل أو تفسير يبين مبرر وجودها هنا، دون وجودها هناك، أو يكشف سبب اختالف صياغتها، عن صياغة مماثلتها أو جوانب

التكامل بينها، أو سر استخدام كلمة، هنا لم تستخدم هناكوهكذا".

مثال ذلك:موضوع العالقات الزوجية في ضوء القرآن

يتضمن الحديث عن الوعظ والهجر في المضجع والتأديب، استنادا لقوله تعالى: ) الالتي تخافون نشوزهن فعظوهن

. 34واهجروهن في المضاجع واضربوهن( النساء: وقوله تعالى : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما م أهله

وحكما من أهلها إن يردا إصالحا يوفق الله بينهما..( اآلية.فأهمية التفسير التحليلي تظهر فيما يلي:

.بيان المراد بالخوف في اآلية. هل الخ��وف الم��ذكور ه��و على1 حقيقته، بمعنى توقع حص��ول م��ا يض��ر، فيك��ون الت��أديب بمراحل��ه مبني��ا على الظن، أو أن الخ��وف هن��ا بمع��نى حص��ول الش��يء ،

وظهور عالماته ، فيكون التأديب مبنيا على اليقين. فالذي يعين على فهم هذا المعنى، تتبع لفظ الخوف في القرآن الكريم، للوقوف على عادة القرآن الكريم في استخدامه، بغير

توظيف هذا االستخدام القرآني في توجيه معنى هذه اآلية، وهذاكله من معطيات ونتاج التفسير التحليلي وال تفهم اآلية بدونه.

.على ماذا تعود ألف االثنين في قوله تعالى : )إن يريدا إصالحا(2هل على الحكمين أو الزوجين؟

7

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

أوجز المفسرون في التفسير التحليلي عود ألف االثنين علىالنحو التالي:

أ. إن يريد الزوجان إصالحا يوفق الله بينهما.ب. إن يريد الزوجان اإلصالح يوفق الله بين الحكمين.

ج. إن يريد الحكمان إصالحا يوفق الله بينهما.د. إن يريد الحكمان إصالحا يوفق الله بين الزوجين.

وكلها معان يحتملها النص، وال تعارض بينها، كفيلة بأن تثري الموضوع ، وتسهم في اتساع فهمه في ضوء هذه التوجيهات

الربانية ، والتي جاءت في غاية اإليجاز. إن هذا المنهج هو الكفيل بأن يجعل اآليات _ في ضوء مراد الله تعالى_ أصال منها يبدأ الموضوع ، وإليها يعود، ال أن تأتي اآليات

تبعا لتكون شاهدا على رأي تقرر، أو حكم مسبق، فإن هذا خلليفضي إلى سلبيات تفضي بصاحبها في التأويل المنحرف.

ومما يدل على أثر التفسير التحليلي على بناء التفسيرالموضوعي المثال التالية:

في قوله تعالى : " وشاورهم في األمر" في هذه اآلية مسائل عرض لها التفسير التحليلي مثل: هل األمر في اآلية للندب أو

للوجوب؟ وهل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم أم له وألمته؟ وهل "أل" في األمر للجنس أو للعهد؟ وهل المشاورة

في الشؤون كلها أو في بعضها مما يحتمل االجتهاد، ومن هم أهلالمشورة من المسلمين؟ وهل هي شورة ملزمة ؟

كل هذه المسائل ال يجيب عليها إال التفسير التحليلي. قال د. زيد العيص: " إن الباحث في التفسير الموضوعي أشبه ما

يكون بمن ينظم عقدا يلتقط حباته من نتاج التفسير التحليلي، فحبة من تفسير المفردات، وثانية من عود الضمير، وحبة ثالثة

من لطيفة بالغية، ورابعة من سبب نزول، وما شابه هذا من حبات منثورات، في ثنايا التفسير التحليلي الذي أجاد في هذه

المجاالت ووفر للمفسر الموضوعي لينظم عقد موضوع 5قرآني".

.211 التفسير الموضوعي التأصيل والتمثيل، ص 58

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

6الخطوة الرابعة: كتابة الموضوع:

ال بد للباحث من االلتزام بمنهج البحث العلمي عندما يضع مخطط البحث للموضوع، وقد يفرض الموضوع طبيعة المنهج

والخطة التي سيجري البحث من خاللها. فإن كان الموضوع متشعب المباحث والمجاالت ال بد عندئذ من وضع تمهيد بين

الباحث فيه منهجه في تناول الموضوع. ثم يقسم الموضوع إلى أبواب ويضع تحت كل باب فصواًل وتحت

كل فصل مباحث فيجعل العنصر األساسي الجامع عنوانًا للباب ثم يجعل العنصر الفرعي عنوانًا للفصل، ثم يجعل الجزئيات

الصغيرة عناوين للمباحث. أما إذا كان الموضوع محدد المعالم واآلفاق واضح المجاالت قليل العناصر، فال بأس من بحثه عندئذ على شكل مقاله علمية تتكون من مقدمة وصلب الموضوع وخاتمة، يتناول في كل ذلك القضية المطروحة بأسلوب علمي رصين موثق باألدلة والشواهد، وبدون

خالصة ما توصل إليه في الخاتمة بشكل موجز.- وليكن هدف الباحث في كل ذلك:8

- إبراز حقائق القرآن الكريم، وعرضها بشكل الفت للنظر معذكر حكمة

التشريع وجماله ووفائه بحاجات البشر ومالءمته للفطرة السليمةوإطالقه للطاقات اإليجابية في اإلنسان.

- عرض تلك الحقائق بأسلوب مشرق عذب بذكر األفكار متسلسلة آخذة برقاب بعضها ملبية الستشراف نفس القارئ، مجيبة عن استفساراته المتوقعة، وذلك باتباع األسلوب البياني

الصحيح الذي يفهمه أهل عصره، متجنبًا األلفاظ الغريبةالمهجورة وأساليب السجع المتكلفة.

ملحوظات: - على الباحث في التفسير الموضوعي أن يجعل عناوين1

األبواب والفصول من المادة القرآنية والعناصر البارزة فيه.

(39مباحث في التفسير الموضوعي )ص: 6

9

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

أما السنة المشرفة فدورها في التفسير الموضوعي التوضيحوالبيان واالستدالل وذلك حفاظًا على قرآنية الموضوع.

وكذلك أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة اللغة، فكلها مادة للشرح والتوضيح والترجيح، وال تشكل عناصر

الموضوع األساسية. - على الباحث أن يلتزم بالمنهج الصحيح في التفسير، وذلك2

بإبعاد الروايات الضعيفة واإلسرائيليات والقصص التاريخي عند عرض الموضوع القرآني وتركيز الجهد الستنطاق النصوص

الكريمة على قواعد اللغة واألساليب البيانية، ودقة االستنباطمنها.

- عند الحاجة إلى شرح كلمة غريبة أو توجيه، قراءة، أو إبراز3 نكتة بالغية أثناء عرض أحد عناصر الموضوع، يجعل ذلك تعليقًا

في الحاشية من غير استطراد يخل بتسلسل األفكار وتعانقالفقرات وسالسة األسلوب وإشراقة البيان.

ثانيا منهج البحث في التفسير الموضوعي في سورة واحدة: تحديد محور السورة:

قبل البدء في تفسير السورة ال بد من دراسة أولية حول السورةتحت عنوان: بين يدي السورة أو على هامش السورة تتناول:

معرفة سبب نزولها أو أسباب نزول مقاطعها. فربماأ- نزلت السورة جملة واحدة ويكون لها سبب نزول واحد،

وربما نزلت السورة متفرقة لمناسبات متعددة، وعند التمعن تجد أن عمومات السورة أو المحور الذي تدور

السورة حوله يربط هذه المقاطع أو اآليات بنظام معين، فمعرفة أسباب النزول تعين على التعرف على هذا

النظام الذي يجمع عقد السورة أو المحور الذي تدور السورة حوله، والجو العام الذي نزلت فيه السورة . كما

تعين على تحديد غرض السورة إلى حد ما خاصة إذا تعددت أسباب النزول، مع ضرورة التنبه إلى ما صح منها

، وما لم يصح. ثم التنبه إلى عدم تعميم داللة هذاالسبب على السورة كلها.

10

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

وال بأس بذكر فضائل السورة بذكر األحاديث الصحيحة فيها ، وال يحسن المبالغة في هذه المسألة ، ألنه ليس له أثر على

دراسة السورة نفسها. ب- التعرف على الهدف األساسي للسورة أو المحور الذي تدور

السورة حوله: - يمكن معرفة ذلك من خالل التعرف على داللة اسم السورة1

أو أسمائها التي ثبتت عن طريق الوحي، أي بالتوقيف عن رسولالله صلى الله عليه وسلم.

يقول البقاعي في نظم الدرر:"قال شيخنا اإلمام المحقق أو الفضل محمد البجائي المالكي ... األمر الكلي المقيد لعرفان مناسبات اآليات في جميع القرآن هو أنك تنظر الغرض الذي سيقت له السورة، وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات، وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب، وتنظر عند انجرار الكالم في

المقدمات إلى ما يستتبعه من استشراق نفس السامع إلى األحكام واللوازم التابعة له، التي تقتضي البالغة شفاء العليل

بدفع عناء االستشراف إلى الوقوف عليها، فهذا هو األمر الكلي المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن، وإذا فعلته

تبين لك إن شاء الله وجه النظم مفصاًل بين كل آية وآية في كلسورة. والله الهادي.

- ويمكن التعرف على هدف السورة أو محورها من خالل2 استعراض األحداث البارزة أو القضايا األساسية التي تناولتها

السورة. فلو أمعنا النظر في القضايا البارزة في السورة لوجدنا أن بينها

رابطًا يربطها، وقد يدق هذا الرابط فال يدرك إال بعد دراسةالسورة دراسة عميقة ومعايشة أجوائها وتفيؤ ظاللها.

- كما يمكن التعرف على هدف السورة أو أهدافها من خالل3 المرحلة الزمينة التي نزلت فيه السورة، فمن المعلوم أن السور المكية أكدت على تقدير أربعة أمور: اإليمان بالله وحده، اإليمان

بالبعث بعد الموت، اإليمان بالرساالت السماوية، الدعوة إلى أمهات األخالق. فإذا كانت السورة مكية فال يخلو األمر من أن

11

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

يكون من أهدافها األساسية هذه األسس األربعة مجتمعة أو متفرقة. والسور المدنية باإلضافة إلى تقرير ما سبق استهدفت

بناء المجتمع اإلسالمي على أسس من اإليمان والطاعة والتشريعات التفضيلية في شئون الحياة كما استهدفت حماية

المجتمع اإلسالمي من األخطار الداخلية والخارجية، بكشف خطط المتآمرين الحاقدين الساعين في األرض بالفساد من اليهود والمنافقين، فال تخلو سورة مدنية من قضية البناء، أو

الصيانة والحماية، فيمكن التعرف على الهدف األساسي أيًضا من خالل التعرف على القضايا المعروضة في السورة، ومن خالل

المرحلة الزمنية لتطور المجتمع اإلسالمي أيًضا. وال يفوتنا هنا أن نذكر أن بعض السور يمكن أن نجد لها عدة

محاور تدور حولها من غير تناقض وال تعارض وال تصادم. ويمكن تحديد كل محور والتعرف على دائرته من خالل زاوية الرصد التي

نرصدها. تماًما كما نتعرف على مسارات وأفالك لبعض الكواكب وقد

تتداخل أحيانًا من غير وقوع تصادم بينها، ويمكن تحديد مساراتها حسب زاوية الرصد وحسب نقطة االرتكاز التي نحددها لمعرفة

مسارات هذه الكواكب.فسورة الكهف مثاًل يمكن تحديد عدة محاور أو أهداف لها. فمثاًل:

عندما ندرك أنها سورة مكية نزلت في مرحلة متقدمة من مراحل الدعوة إلى الله. فقد ورد في صحيح البخاري عن ابن

مسعود رضي الله عنه قال: في بني إسرائيل -أي اإلسراء- والكهف ومريم: "إنهن من العتاق األول وهن من تالدي" )صحيح

.(223/ 5البخاري، كتاب التفسير: وكما قلنا: إن السورة المكية جاءت لترسيخ أسس أربعة فيمكن

رصد آيات السورة ومقاطعها من زاوية أي أساس من هذهاألسس.

فلو أخذنا قضية الدعوة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، ونظرنا إلى افتتاحية السورة وإلى قصصها األربع وإلى خاتمتها لوجدنا أن قضية التوحيد الفتة للنظر فيها وال يخلو مقطع من هذه المقاطع

من الدعوة الصريحة إلى توجيه العبادة لله سبحانه وتعالى

12

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

واإلخالص له في القول والعمل وترك عبادة الطواغيت واآللهةالمزعومة والشركاء.

ولو حددنا وجهة نظرنا في البحث عن الدعوة إلى اإليمان باليوم اآلخر من خالل افتتاحية سورة الكهف وقصصها األربع وخاتمتها،

لوجدناها من أبرز القضايا في كل المقاطع بحيث ال نحتاج إال الستعراض سريع آليات، واألدلة أكثر من أن تساق لالستشهاد

بها. ولو أمعنا النظر في اآليات باحثين عن قضية إثبات رسالة محمد

صلى الله عليه وسلم من خالل آيات السورة لوجدناها محوًرا أساًسا في ذلك يعيننا في تحديد معالم ذلك سبب النزول

واالفتتاحية والخاتمة بشكل قوي الفت للنظر، ولوجدنا أن هناك روابط قوية تشد القصص األربع إلى هذا المحور شدًا ال يمكن

الفكاك منه. ولو أردنا أن نلقي أضواءً على أمهات األخالق التي استهدفت

الكهف ترسيخها والقيم الثابتة التي دعت إليها بالدعوة الصريحة لها أحيانًا والتمثيل الرائع بضرب األمثال للقيم الحقيقية وضرب

األمثال للقيم الزائفة الخادعة التي تموه الباطل على الناس وتظهره على غير حقيقته أحيانًا أخرى وبالترغيب في التمسك بالحقائق والقيم الخلقية الرفيعة، والترهيب من القيم الزائفة أحيانًا، ألدركنا أن هذا الهدف الذي ترمي إليه السورة ال يقل

أهمية عن األهداف الثالثة األولى. وهكذا فحينما تحدد زاوية الرصد لآليات الكريمة ومقاطع السورة -بشرط أن تكون رؤيتنا صحيحة، وإحاطتنا بقضايا السورة العامة

وأسباب نزولها دقيقة- نجد أن لكل سورة شخصيتها المستقلة وهدفها أو أهدافها المحددة التي ترمي إليها، وأسلوبها الخاص

بها، واختيار طريقة العرض للقضايا، وسوق القصص اختصاًرا أو إسهابًا أو إشارات مقتضبة، كل ذلك لتكمل شخصية السورة

وأجواؤها إلبراز الهدف األساسي أو القضايا الرئيسية التيتناولتها السورة.

- المناسبات بين مقاطع السورة ودورها في التعرف على هدف4السورة أو محورها:

13

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

عند تقسيم السورة إلى مقاطع أو فقرات حسب ارتباط اآليات بعنصر من عناصر الموضوع ال بد من الرجوع إلى كتب التفسير

الموثوقة لالطالع على الروايات الصحيحة من السنة النبوية وأقوال الصحابة والتابعين في تفسير اآليات، وذلك لإلحاطة

بمعاني اآليات ومحاولة التعرف على المناسبات بين هذه المقاطع فقد تكون المناسبة جلية واضحة بينها، وقد تدق فال تظهر، وقد تكون المناسبات بينها وبين محور السورة ظاهرة

جلية وقد تكون دقيقة خافية وكثيًرا ما يكون التعرف على المناسبات بين المقاطع طريقًا لمعرفة الهدف األساسي من

السورة أو المحور الذي تدور حوله السورة. وقد يكون النظر في فاتحة السورة وخاتمتها وإبراز القضايا المشتركة بينهما دلياًل على الهدف األساسي في السورة فكثير من السور القرآنية يرد فيها

العجز على المصدر لترسيخ مفاهيم معينة أو التذكير بقضية جاءت السورة لبيانها. إن آثار إدراك المناسبات بين المقاطع واألجزاء في السورة على التعرف على هدف السورة كبيرة.

وبالمقابل فإن ظهور الهدف في السورة يعين كثيًرا على التعرف على المناسبات بين مقاطعها وفقراتها فاألضواء منعكسة على

بعضها من الجهتين تنير السبيل أمام الباحث للسير بخطى ثابتة راسخة في بحثه، فال يهمل هذا الجانب في التفسير الموضوعي

للسورة. وبعد التعرف على هدف السور األساسي وتحديد المحور الذي

تدور حوله تتبلور المناسبات بين المقاطع جميعها وبين المقاطع والمحور وبين الفاتحة والخاتمة، ويدرك الباحث وجه

االستطرادات التي وردت في السورة وتظهر له من الحكم واألسرار القرآنية على حسب ما أوتي من ملكة في االستيعاب

والغوص في المعاني.الدراسة في السورة:

وذلك من خالل ما يلي: . تفسير السورة تفسيرا تحليال، بحيث يكون التفسير بين يدي1

الباحث ينهل ويحيل إليه ويعتمد عليه ويذكر منه في دراسته ماتدعو الحاجة إليه بإيجاز.

14

الموضوعي 446 التفسير قرأالثانية المحاضرة

.وضع عنوان للسورة أو الكشف عن الغرض العام لها، وهو غير2 البحث في اسمها، ألنه ليس بالزم أن تكون الصلة قائمة بين

اسمها ومضامينها كلها. . السعي إلى ربط القضايا الجزئية في السورة بغرضها العام ،3

ويتحقق هذا من خالل استيعاب القضايا الجزئية التي جاد بها التفسير التحليلي ، ثم ترتيبها تحت العنوان الكبير، الذي هو

الغرض العام . استحضار العلوم التي تعد استمدادا لعلم التفسير مثل المأثور4

بشقيه المرفوع والموقوف، وعلم اللغة ، وأخبار العرب . . الشروع في كتابة الموضوع ، والعناية بالكشف عن هدايات5

السورة والربط بينها بأسلوب ال تنافر فيه بغية تحقيق الوحدةالموضوعية للسورة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

15