أبنـاء النـور عبـر العصـور إعـداد

 قسم البحوث الروحية في الضحى

جاء النور إلى العالم

فأحب الناس الظلمة أكثر من محبتهم للنور

)إنجيل يوحنا(

"... ومن لم يجعل الله له نورا7 فما له من نور"(40)النور

كـل الحقـوق

محفوظــةجميع حقوق الطباعة والنشر والتوزيع

 محفوظة لقسم البحوث الروحية في الضحى

أبناء النور عبر العصور

إعداد قسم البحوث الروحية في الضحى

:.L'ogos Media. Telاإلخراج الفني وتصميم الغالف: شركة لوغوس ميديا 05/801756(7)

/http://www.druzenet.orgالضحى على اإلنترنت:

إهــداء

إلى كل الباحثين عن الحقيقة بسراج العقل بين صفحات كتاب الكون وما بين الكاف والنون.

إلى كل المؤمنين الناهلين من ينابع العلوم السبحانية النازلة من فيوضات المعارف اإللهية والصحف، الروحانية والرساالت السماوية وقناديل النور المضاءة بزيت تلك

الشجرة الالشرقية والالغربية.

إلى أخوة اإليمان وأمة األخوان، أمة األمم وشعب الشعوب المنبثق من كل  الطوائف والمذاهب واألديان، ذوي األلباب الحاضرة والوجوه الناضرة واألبعاد

الصحيحة والعقول الرجيحة،

إلى الناظرين بعين العقل إلى حقيقة نعمة األديان التوحيدية الواحدة في مظاهرها المتعددة،

إلى أهل الذوق، النخبة المتحررة من التعصب واإلنغالق والتقوقع داخل أقفاصل  المذاهب والطوائف واألديان، نسور التحليق في سماوات السمو، ونجوم البريق

المضيء في ظلمات حضارة الملوثات المادية الخاوية من القيم والمثل الروحية.

إلى هؤالء األحباء نقدم ثمرة ما تجمع من مقاالت وبحوث فكرية وفلسفية منذ أوائل التسعينات حيث انطلق قطار ضحى المعرفة، وأخذت تزداد حاوياته كل شهر بخزانة

جديدة من نفائس الفكر والفلسفة حتى بلغ محطة التاسعة والتسعين بمنظومةمترابطة من حلقات هذه السلسلة وحبات متأللئة من العقد المنتظم.

إلى هؤالء األحباء نقدم هذه الباقات من األزاهير الضحوية التي قطفناها من حديقة مجلة الفكر التوحيدي، فشكلت مزهرية تنعش النفس وتفرح القلب وتحمل العقل

في رحلة رياضية ال بد وأن يجني من رياحينها وأزهارها وثمارها مواسم وغالل الفهم العميق للحقيقة والمعارف الدقيقة التي تبدد األوهام وتميط اللثام وتدخل القارئ المتبصر الواعي المدقق المحقق إلى حديقة اإليقان في مدينة كنوز نعمة األديان المضاءة بأنوار شمس األحدية في شعاب الدهور واألزمنة ومراحل التربية الدينيةh لعتمة هذا الزمن صنيعة اإلنسان h عبر األجيال ومضيئا لشعاع النور كي يبقى متصال

.h h جهوال الذي حمل األمانة وكان ظلوما

قسم البحوث الروحية في لضحى

فهـرس

مبادئ التوحيد

 

التقمصعصر إحقاق الحق

مفرق خطيرالتقمص نعمة المؤمن

لماذا التقمصباختصار

التقمص ويوم الحساب )أين العدل اإللهي؟(التقمص في التوراةالتقمص في اإلنجيلالتقمص في القرآن

التقمص في الحكمة القديمةالتقمص في الفلسفة اليونانية

التقمص في فلسفات الشرق األقصىقانون الكارما

التقمص في علم النفسمراحل النوم

عناصر الحلم الطفوليرسائل الذات

كيف تؤثر األجيال السابقة في الجيل الحاضر؟أشرطة تسجيل بلوكسهام

التقمص وتجارب عتبة الموتخالصة القولقدم الكون:

قصة الخلققصة الخلق كما في سفر التكوين

قصة الخلق كما في اآليات القرآنيةالمنظار التوحيدي

رؤية المالئكةتوحيد ما قبل آدممن هم المالئكة؟

البدايةمشاهد بعين مالك:

تلة الصعودجبل المحنسر الوعي

على األرضما قبل التاريخ

مشاهد من ذاكرة التوحيد )أتالنتيس(:أتالنتيس )سبيل العلم إلى ما فقد(

تجربة أتالنتيسصراع الخير والشر وجدلية النور والظلمةسوء استخدام الطاقة والتنافس الجدلي

موقع أتالنتيسبداية التاريخ

دور آدم:الرحلة اآلدمية

الفئة األولىالفئة الثانيةالفئة الثالثة

مصر القديمة مشاهد من ذاكرة التوحيد )مدارس الحكمة

القديمة(:عالم الروح سبق عالم المادة

الوعي الكوني من منظور الحكمة القديمةإخناتون ووحدانية اإلله آتون

موقع إخناتون من موروث ما قبله وأديان ما بعده الهرمسية هي أول الديانات الفاعلة في الفلسفات الدينية

اليونانيةالحكمة القديمة واالغتراب الصوفي

عصفور الروح وقفص الجسدالشكل الكروي سيد الشكال

الشوق إلى الموتاليونان

مشاهد من ذاكرة التوحيد )مدارس اليونان(:فيثاغورس

خصائص النفس عند الفيثاغوريينطبقات البشر تحددها درجات معارفهم ونوعية مسالكهم

هيراقليطسسر الوحدة في الوجود

الحركة والتغير )طبيعة تشمل الفكر(الزمان

دور العقل في فلسفة هيرقليطسأحداث من واقع التاريخسقراط )عالمة فارقة(

مذهب سقراط: الرضى والتسليم نهاية العلم والتعليمالنفس اإلنسانية عند سقراط

موقف سقراط من الديننظرته السياسيةمحاكمة سقراطالجن السقراطي

ما بعد موت سقراط )فلسفة التقمص والتوحيد(أفالطون

علومهأفالطون والمساواة

ثنائية النفس والجسد عند أفالطونالروح ومطلقية الخير والشر

أفالطون والتقمصأرسطوطاليس

أعمالة ومؤلفاتهأرسطو كعالم طبيعي

علم األحياءاإللهيات عند ارسطو

ارتباط األخالق بالعقلالصداقة )الفضيلة العليا(

منطلقات فلسفة المعرفة واتجاهاتهاكيف ميز الفالسفة بين اإلدراك واإلحساس؟

فلسفة ما وراء العقلالحس الباطن

الخيال والتخيلالعقل المجرد

جوهر المعرفة التوحيدية في مدارس اليونانعمر العالم

ظهور العالمالعهد القديم

مشاهد من ذاكرة التوحيد )عصر اليهودية(:إيل واألصل العربي لديانات الشرقعصمة األنبياء واالفتراءات التوراتية

الغنوصية واألسينيون )بنو إسرائيل الحقيقيون(جوهر الغنوصية

الوصول إلى الذاتالوصول إلىالذات بتحديد الهوية

المسلك الروحي لألسينيينمالك الحكمة )العقل الكلي(

النبي أيوبعصر السيد المسيح

مشاهد من ذاكرة التوحيد في المسيحية:الكاثار

لماذا يوجد الشر إذا كان الله كلي القدرة؟مونتسغر

أين ولد السيد المسيح؟ في الناصرة أم في بيت لحم؟هل تعتبر األناجيل تاريخية؟

عاصفة الجدل الالهوتيهل لإلبن بداية؟الروح والجسد

الهاوية الفاصلةإشكالية الفاصلةإشكالية آريوسهذا هو جسديالهاوية الفاصلةإشكالية آريوسهذا هو جسدي

الطريق إلى القداسةتجسد الله في اإلنسان

القديس الثالث عشرالجدل العقيم

مجمع نيقياالتوصية

لقد آتى إيليامن أخطأ؟

يموتون مرة واحدةالعدل اإللهي؟

مسيحية وتجلي الصورة األزليةالجحيم على األرض

تحول سحريأين هو الملكوت؟

الحكمة تقود إلى الملكوتالطريق إلى الحرية الحقيقية

ليأت ملكوتكمفاتيح الملكوت

العودة إلى البدايةالحاضر في كل مكان

السابقون والعرفانيون والمتصوفون

مشاهد من ذاكرة التوحيد )عصر اإلسالم(:رسالة سلمان الفارسي

سلمان: س.ل.م.ا.نحياة ومسافرة سلمان الخير إلى درجات التعليم

سلمان الخير والمؤلفة قلوبهمحكمة سلمان الخير ووعظه وتعاليمه التوحيدية

حقيقة الصالة وأسرارهااإلنسان يمنح الهوية إلى األرض

التوحيد )إسالم الزهد والتصوف(التوحيد هو التصوف الحقيقي

التحام المصور بالصورةالتصوف كمسلك

إبراهيم ابن أدهم )من أعالم المتصوفة األوائل(رابعة العدوية )سيدة المتصوفات(

الحالجالموحدون

التوحيد:صوت األكوار واألدوار

القوة الروحية في قلوب البشراألقنعة المصطنعة

الحكمة القديمة والعلم الحديثالعقل التوحيدي

الحكمة والحكماءالحضارة الواعية

النهايةالمالك يغمض عينيه:

النور، الحياة، المحبةهل يستطيع الناس غفران الخطايا؟

ولكن، احذروا نسبية الخير والشرما هي استراتيجية ضعفاء النفوس؟

نسبية الخير والشرالعقل الكلي )العقل األخير(

 

كلمة إفتتاحية

من مبادئ التوحيد

إلى توحيد المبادئ

ها نحن على مائدة الضحى التوحيدية نستلهم مسارها الفكري، وقد رعاها بمبادئ  العقالنية التوحيدية، سماحة الشيخ بهجت غيث، وأخوانه الغواصون في لجج المعرفة وآفاق أعماقها، الموصلة إلى سدرة المنتهى وجنة المأوى. وال بد للغوص الفارد من

خلع قميص األمس، كلما انتقل إلى وجه الغد، وجه الرحمن / وجه اإلنسان.

في هذا العقد األخير من األلف الثاني، تفردت مجلة الضحى – خارج سرب المجالت والجرائد اليومية – بطرق ما لم يطرق بعد، في عالم المعرفة الرفيعة، فانتظمت في أعدادها منذ أوائل التسعينات بتقديم مقاالت فكرية وفلسفية متتالية كحبات العقد التي جمعها سلك الوعي العقالني التاريخي لتسلسل مراحل فهم دروس

التوحيد األزلية منذ فجر وجود البشرية )مشاهد تأخذنا من أتالنتس ذاكرة التوحيدh إلى رحلة النسية إلى مصر الحكمة الهرمسية عبر مدارس اليونان التوحيدية إنتهاءا

األديان السماوية( ودون سابق قصد وتصميم لتأليف كتاب تآلفت مقاالت األبحاث الروحية والتحقيقات الفلسفية والفكرية وحكت قصة رحلة شعاع النور عبر ظلمات

h األقنعة عن العصور وتوحدت في هذا الكتاب الموحد لحقائق األديان المتعددة كاشفاحقيقتها الواحدة

إنها رحلة توحيدية، بل مسافرة عقلية، تقرع أبواب القرن المقبل من األلفية الثالثة:رحلة التقمص، وال يغتسل أحد في نهر جوهره إال كقطرة وبلمح البصر

يطمح واضعو هذا الكتاب الروحاني، إلى تقديم مختصر رشيد، لعشر سنوات منh، لعل أخوان الحق h يوما الجهد والكدح على طريق التفاكر والتذاكر المترفع، يوما

والوفاء يعاودون الهجرة الكبرى من ذات الهجود إلى ذات الوجود.

إنه شاهد المعاني الوثقى، ينطوي على كلمات لم تعد مألوفة في المنعجر السياسي أو الثقافي لجماعات بشرية تآكلها ما كان باألمس قوتها وموتها! وها هي مبادئ التوحيد رحلة معرفية، بل عرفانية، من نون الغنوص، ومن يونان ذي النون

إلى حميم الحالج... إلى كل موحد مستوحد في آخر هذا العصر، في بحثه عن درةفي لؤلؤ ذاته – بعد طرح صدفه على شاطئ التحوالت.

 

 بقلم الدكتور خليل أحمد خليل

مبادئ التوحيد

التقمص

التقمص، العودة للتجسد، الوالدة ثانية، تعدد حيوات العقل، بقاء النفس، خلود الروح، العالقة بين العقل والروح، والروح والعقل، الجسد وتجاذبه بين النفس

والروح والعقل، الجوهر، الشخصية، الذات. الجسد وتجاذبه بين النفس والروح والعقل، الجوهر، الشخصية، الذات. الجسد المتعدد الخواص واألغراض، بحسب

صفاء النفس التي تسكنه، والروح التي تحركه، األثير، عالم العقل، عالم النفس، عالم الكل في الكل، الجزء في الجزء، والكل في الجزء، مغناطيسية الكليات على الجزئيات، ومحاور الحركة بالعقل المحرك، ألنه األلطف ومركز النظام اإللهي في

الكون، والموجودات، والكائنات، األنا الفردية، األنا الجمعية، األنا الكلية، األنا األدنى وغريزة الموت في األنا األعلى، الصيرورة، والسيرورة الوجود كخلق، والوجود كتحد

للعدم، السر، السريرة، اإلسراء في جاذبية الوجودية نحو األنا في ال هو وتحقق التجلي عبر معراج القداسة في السلوك السامي نحو األسمى وسماء الكل الذي هو

قدر الكل معلم الكل بالعلم اللدني، المعية الكلية، الدائمة الفيض بغير واسطة وال انقطاع، على الوعي المحض، العقل السفلي، والنور األزلي، منار السالكين،

وصراط العارفين، عشاق األزل الذي مخروا بحر األمل بسفن العمل، معراجهم في جوهرهم وجوهرهم حب الهجرة من العالم المقصر في شوقهم للمأل األعلى، إلى

عالم الحق والحقيقة، حيث الخير، وأهل الخير، الموحدون في محراب التحلي بالعقل الساطع، واإليمان القاطع، في النفس الجوهرية، المتعلقة بعلتها ومعلها الله الحاكم فيها وبها وعليها بحكمته، أحكم في كل موجود علته فكان األصل في أصله

والجوهر في شاكلته وشكله. فالله منه نقطة القلم ومداد الكل في الكل على الكل حيث يحرك الكل بحكمته لتحقيق حقيقتهم بنعمة الحكمة العقالنية من باسمك اللهم

سبحانك لك الحمد وليوليك نبراس سراج ذاتك جل ذكرك الشكر.

عصر إحقاق الحق:

فعلى مداد هذه الرحى الروحية، ذات الدورات الكونية، سنسرع إذا شاء من له المشيئة فيا في كينونتنا، وآيلتنا في تشريح، وتفسير، وتحقيق، وتعليق ما يتناول هذه

h، اسطوريا، فروحيا الموضوعات، وما يتصل بها ويتعلق بمادتها، تاريخيا، دينيا، علميا وبتطور مفاهيمها عبر المؤمنين بها والمحايدين فالناقدين حتى نعطي الدارس

موضوعا موضوعيا عن كل منها فال تبقى الحقائق حبيسة العقول المغلقة، فمن حق الحق أن يحق، وإال صار وهما. ومن واجب الحقيقة أن تجب وتصبح واجبة اإليجاب.

وإال صارت ضالال، كذلك يجب أن تخضع كل معرفة لمحكمة العقل، لتدافع دائما عن أزلية حقيقتها. لتكون بحق معرفة أزلية خالدة. فال تخرقها سهام الناقدين وال تمزقها اعتراضات المعارضين فمن حق اإلنسان في هذا العصر، أن يتصل بالمعرفة بشكل مستقيم ويتناول العلم خالصا نقيا مباشرا، كالجوهر الخالص الذي ال يمازجه العرض والماس الذي ال يخالطه التراب. ألن حياة الفرد قصيرة وموجاته كثيرة وواجباته من

كل صوب تدعوه إلى السرعة والدقة والحكمة واإلحكام في كل ما يأتيه من قول وعمل، ألنه أصبح في مواجهة عالم الحق وعالم الصدق، بعد أن أنهكته الدهور،

بعلوم يختلط الكثير من ظلها بالقليل من نور أصلها فضاع الكثير من عمر البشريةسدى وضالال.

مفرق خطير:

ونحن اآلن على مفرق خطير، ال بد لنا من التقرير على صيرورة المصير فال تجرفنا اآلمال الفارغة وال تخيفنا المصاعب العارضة عن السلوك األقوم في صدق العزم

والعزيمة. لنصل الماضي لمنير، بالمستقبل المشرق. فندفع ضريبة الوجود التصاعدي بالتضحية بكل ما هو أدنى في سبيل ما هو أسمى حتى نحقق اإلنسان

في ذاتنا ونستشعر إنسانيتنا في كل مدركاتنا لكي نستمر في السمو والصعود إلى العالم األعلى الذي نحن أهل له بما فطر فينا سبحانه من مناقب عالية وسجايا

دقيقة هي من قدس أقداس الذات في مثاالت الكماالت. فاإلنسان العاقل محكوم بالتسامي والمعراج الدائم عبر محاسبة النفس، وتعقيل العقل، وتقليب القلب، وتجسيد الجسد فيما يرضي األنا األعلى في ذاته الذي هو مستودع كل الفضائل

وكنز كل المناقب في كل خلجة من روحه، ونضبة من قلبه، ورعشة من جسده، صوت األعلى في األدنى وحكم األسمى باألسفل صوت الله الخفي في لطيفنا.

والميزان الذي يذكرنا دائما بنقصنا. كلما غلب علينا الجهل أو فرطنا في واجبنا نحو مؤصلنا في األصل وجابلنا بجوهر العقل. ضمير الكون وضميرنا الشخصي الذي هو

جذوة منه وسنا من برقه.

التقمص نعمة المؤمن:

اإلنسان المؤمن، يتقمص، يتجدد، يتعالى فيكون يومه خيرا من أمسه وغده خيرا من يومه ألنه يعيش المعراج السماوي، والصيرورة الدنيوية، والسيرورة نحو أهل الحق

الذين يتوق لرفقتهم ومعيتهم فهو في جهاد متواصل، وجد دائم في مجمع حيواتهh، يحاسب نفسه على التقصير. ويصير ويصابر ليكون سابقا ال مسبوقا وأوال ال آخرا

على كل جلل وعسير. حتى ينال أعلى المنازل ويثاب أفضل الثواب ويصير إلى أحسن مصير. في حياته كون مجتهدا فال يضيع عمره سدى بل يطلب كل كمال

ويتكامل بالكمال االكمل في كل حق وخير وفضل وفضيلة وفي مماته وبعد وفاتهh متدرجا في الحقيقة، دارجا في ينال المنزلة األسمى والدرجة األعلى فيكون دائما الحق ألن صراطه الصدق مع خالقه وأهله واخوانه، ال تلهيه السفاسف، وال تخيفه

الرواجف.

أما الجاحد المعاند المكابر الكافر فقد اسبتدل األنا باألنانية. والغيرة بالغيرية. فهو حسود لدود يحب نفسه، يبغض غيره، يمنع خبره عن نفسه فكيف عن سواه. يتعالى

على الناس. يرذل عقله ويدنس حواسه. الذكاء عنده مصلحة والدين في عرفه مصيدة. ال يضمر الخير لخالفه. وال يبطن النصح إلخوانه، ولكن يتالشى في ذات

نفسه، وفي ذات جنسه. كالثمرة العفنة، التي تسقط من أمها الشجرة. فهي تزدادفسادا على فساد. وعفنا على عفن. حتى تعود إلى ترابها.

h لكنه جسد يغلب عرضه h جديدا فالجاحد المعاند وإن كان بعد موته، يرتدي جسدا جوهر النفس، فينحدر بصاحبه من التعاسة، إلى التعس، ومن السقوط إلى الوكس،

ألنه خرج عن مداد أصله، وجعل هواه وحواسه دليله، بغير هدى عقله، فباع دينهبدنياه فكان وجوده سدى وبصره عمى.

التقمص الكوني )الرحلة بين المبدأ والمعاد( راجع الضحى العدد الرابع والستون –.1997حزيران

لماذا التقمص؟

تتفق معظم الديانات على أبدية الروح. البعض يقول أن الروح تنتقل بعد الموت إلى السماء. والبعض اآلخر يعتقد أنها تحوم حول عرش الله في السموات أو تسكن في

h من يعتقد أنها ال تغادر الجسد قط بل تبقى فيه إما في أعماق األرض. وهناك أيضا حالة من العذاب واأللم وإما في حالة من العذاب واأللم وإما في حالة من الراحة

والنعيم.

h في الطموح من قبلنا إذا قدمنا عقيدة التوحيد في ما يختص  قد يبدو األمر زائدا بالروح على طريقة تقديم نظرية علمية، ألن ذلك يحتاج إلى تقديم أدلة حسية

ملموسة عما هو روحي أو أثيري. ولكن من الطبيعي أن يتعامل الموحدون مع واقع التقمص كواقع علمي مؤكد، يرتقي إلى قمة المنطق اإلنساني، الذي يعزو إليه

العلماء أي تقدم علمي.

لسوء الحظ، ما زالت التكنولوجيا الحديثة عاجزة )لحد اآلن( عن رصد مسيرة h عن إحياء الجسد بعد الموت وبعد مغادرة الروح بعد الموت. وال زالت عاجزة أيضا

الروح له. وغني عن القول أن األثير، حتى بالنسبة إلى أتباع النظرية القائلة بالذرة،ما زال مادة مجهولة التكوين فما قولك بمادة الروح.

باختصار:

إن في الحياة والموت لحقيقة قاطعة، ولكن ال يمكن فهم كنهها إال برجوع كل إلىمنطقه.

إن من آمن بوجود نظام وقانون لهذا الكون، وأقر بوجود العدل اإللهي، فال بد له أن يتأمل في منطق التقمص أو يعيره اهتمامه على األقل.

إن جميع األديان تؤمن بالعدل اإللهي المطلق. حتى العلماء يقرون بوجود نوع من  العدالة في القوانين الفيزيائية الصرفة. هذا العدل، إذا نظر إليه من المنظار

البشري، يوحي بأن الله، أو مكون هذا الكون، قد وهب اإلنسان المساواة فيالفرص والحرية في التصرف للوصول إلى الهدف الذي قد يختار.

في منطق العقل، الفرص واألهداف التي نتكلم عنها ال تكون إال بالمعرفة،  والمعرفة في المعنى التوحيدي ال تعني المعرفة التي نجنيها من التعلم والخبرة في األمور الحياتية، بل هي نوع من الوعي الروحي لماهية الله والتي ال تتحقق إال عبر

اإليمان باألبدية. واألبدية في فلسفة التوحيد تجسد طبيعة الـ لوغوس أي العقل الكلي )العقل األرفع( الذي يبقى مع الوحدانية وال يتغير مع تغيرات المادة والفكر.

 ولذلك قيل المعرفة من ذاتك لذاتك ال سماع وال حفظ.

ومع ذلك، وحتى بالنسبة للذين يعتقدون أن المعرفة هي مجرد اكتساب علمي وخبراتي ويعتبرون أن الفرص تتمحور حول الثروة المادية والصحة والوظيفة

والسلطة والشهرة وباقي المكتسبات الدنيوية، فإن حقيقة التقمص ما زالت الدليلاألكثر عقالنية للعدالة اإللهية.

هذه الحقيقة التوحيدية مبنية على أسس بديهة ال تقبل الجدل:

h بالـ النفس اإلنسانية العاقلة ال تستطيع التعبير عن  -1 تلك التي يشار إليها فلسفيا وجودها من دون آلتها، الجسد. من دون الجسد تفقد نفس اإلنسان هويتها. فال

يمكن أن يتصور العقل هوية شيء ال يمتلك صورة تعبر عن وجوده، فحتىh األثير له صورة تميزه من األشياء األخرى. فإذا قلنا إن النفس تلبس جسدا

أثيريا عند الموت، فما يميز إذا النفس عن األثير؟ ببساطة، إن النفس لم توجدh ال يمكن أن يكون لتتالشى كهواء لطيف. فمقتضى وجودها في الجسد أصال

h وجد ليبقى. فمن غير المنطقي تجاهل هذا القانون h إلهيا h، بل قانونا h عابرا شيئا في مفاهيمنا للحياة ومراحل تجددها بعد الموت وقوانين الثواب والعقاب

والجنة والنار والعدل اإللهي...

من البديهي أن النفوس تختلف عن بعضها في طبائعها كما يختلف األشخاص  -2 في مظاهرهم، وهذا االستنتاج هو أبسط ما يمكن استخالصه عبر تجربتنا

الحسية، فال يكاد يلتقي اثنان على شيء حتى يختلفا على شيء آخر. لتحقيقh أو بتعبير آخر، ينبغي h ماديا الهوية الفردية، ينبغي على كل نفس أن تمتلك شكال

h ما في الزمان والمكان. من دون وجود كهذا تخسر النفس أن تمأل فراغاكينونتها وبالتالي فردانيتها ودورها في الزمان والمكان.

إن المعرفة من أي نوع كانت ال تتم أو تحصل من دون جود في العالم المادي.  -3 المعرفة ال يمكن أن تكون حول ال شيء. حتى األثير )وهو أقرب ما يمكن

تصوره إذا أردنا تصور الـ ال شيء( يبقى شيئا يمكن تمييزه من باقي األشياء. إذا فالـ "معرفة" تستوجب وجود "عارف" و "معروف". فبدون وجود الروح في آلة تسمح لها أن تختبر هاتي الحالتين )أي أن تكون لنفسها في موقف العارف

ولغيرها في موقف المعروف(، تصبح الروح غير معنية بشيء اسمه معرفة.

قد تختبر الروح "المعرفة" في حالة وعي مختلفة عن اليقظة، وبتعبير آخر، باستطاعة المرء تذكر طفولته عبر حلم أو محاولة معرفة مستقبلية عبر رؤية، ولكن

معرفة كهذه ال يمكن أن تفهم إذ لم ترتبط بنفس الحالم كـ "إنسان" أو كـ "فرد" في عالم يؤمـن له استمرارية مـا تسمح لهذا الحلم0موجود في الزمان والمكان

h منه ومن حياته. أو الرؤية بأن يكون جزءا

من دون وجودها في قالب مادي، ال يمكن للنفس أن تختبر أي معرفة للخير أو  -4 الشر. فأي معرفة للخير أو الشر. فأي معرفة كهذه تتطلب استمرارية في العالم المادي تؤمن للعقل فرصة التمييز والمقارنة بين األشياء والتجارب

h الحسية الستخالص مفهوم معقد كمفهوم الخير أو الشر. فال يتصور العقل شراh عن تصوراته لوجوده الجسدي في الزمان والمكان أو ألحداث مرتبطة مستقال

بهذا الوجود.

النفس إذا ما انعدم وجودها في عالم يؤمن لها استمرارية ال يمكن الحكم  -5h على نتف عشوائية من عليها، وبعبارة أخرى، ال يمكن الحكم على أحد اعتماداh إال في المعرفة اختبرها في عوالم أثيرية. فأي نوع من الحكم ال يكون مالئما

h عالم حيث ثمة قصة في حالة تطور. وأكثر من ذلك، ال يعني ذاك الحكم شيئاh إال إذا جاء نتيجة قصة يعرفها ويشارك في صنعها. ألي فرد وال يحقق له شيئا

وبالتالي فإن الهوية الروحية، والتعبير والحكم من أي نوع يعتمد على حضور النفس في عالم االستمرارية. فقد عبر عالم كهذا تستطيع النفس اختبار فردانيتها، وتحصل

المعرفة ويحكم على أعمالها.

في بعض الحاالت تتحقق امكانية ترقي النفس إلى معارج من الوعي بحيث تخلع  عنها أثواب الجهل وتتخلص من كثافة األفكار واألحاسيس المظلمة، وقد تختبر

النفس لحظات من النقاء حيث تفقد إدراكها للحضور الزمكاني وتسبح في عالم األحدية المطلق، عالمها األصلي )أي عالم الخلود(، ومع ذلك، ليس ثمة مفر من وعيها لثنائية الطبيعة البشرية، وهو الوعي الذي يميز بين البشر واإلله )أي بين

القديم والحديث وبين الصانع والصنعة(. ومهما توصلت النفس في قربها لتحقيق الوحدة مع الذات، فإنها تظل تحافظ على كينونتها ودورها في الزمان والمكان كيh، وهذا أبسط حق يمنحه الله لإلنسان وهو h واعية لذاتها، وإال لم تعد نفسا تظل أبدا

الحق بالوجود واالستمرارية.

لذا فإن حقيقة التقمص مبنية على واقع ارتباط اللطيف بالكثيف )وكل منا يملك  األدلة على صحته( وهو أن الروح والجسد ال غنى ألحدهما عن اآلخر. فجسد بال روح

جسد ميت وروح بال جسد هي ال شيء. فبما أن وجود النفس أزلي وبما أن هذهh من المعرفة إال من خالل آلة التعبير عن الوجود األزلية ال تتحقق وتكون جزءا

h عند الموت وتتخذ آلة جديدة بعد h جديدا )الجسد(، فال بد من أن تتقمص الروح جسداتعذر االستمرار في اآللة القديمة لسبب أو آلخر.

فلسفة التوحيد هي كالنور، بسيطة ولكن غالبة. لو شاء الله تعالى، لخلق اإلنسان روحا مجردة، خالدة تعيش في عالم خيالي خال من المادة واألبعاد أو خلقه جثة

h في جسد، وأراده أن يعيش h بفراغ روحي. لكنه خلقه روحا h غريزيا تعمل ميكانيكيا في مثل عالمنا ويكتسب العلم والمعرفة من خالله فال بد من وجود حكمة ما وراء

h( تخدم الهدف h في آن معا مشيئته، وال بد أن ثنائية اإلنسان )أي كونه مادة وروحا اإللهي األسمى من هذا الخلق وهو المعرفة. وبذلك نطق الكتاب وما خلقنا الجن

واإلنس إال ليعبدون )أي ليعرفون(

ولكن، إذا كانت هذه الثنائية تخدم الهدف األسمى أال وهو معرفة الله من خالل معرفة النفس، بل والحساب على أساس هذه المعرفة، كما هو الحال في معظم

الديانات السماوية، فال بد من التساؤل:

هل أن خبرة حياة واحدة كالتي نحياها كافية لمثل هذه المعرفة؟

قد ال يكفينا مجلد إذا أردنا تعداد االختالف في الفرص الممنوحة للعالم على اختالف.h h معدما h. فهناك من يولد فاحش الثراء وآخر فقيرا وتنوع حاالتهم مجموعات وأفرادا

وهناك م يمضي حياته في هدوء وطمأنينة في أحد معابد الهند وغيره يعيش حياة عشوائية فوضوية في نيويورك مثال. وغيرهما من يفتح عينيه على الشهرة والنجومية

وآخرون على الذل والعبودية. وهناك من يفتح عينيه فال يرى قط ألنه ولد أعمى وغيره يولدون أصحاء. وهناك من يموت قبل والدته وهناك من يعمر ليرى أحفاده

يكبرون. وهناك من يموت ميتة طبيعية وغيره يموت بفاجعة وغير ذلك من تعددمظاهر االختالف والتنوع في الجماعات واألفراد.

لو أن اإلنسان يستطيع أن يزعم أنه راض عما قدمته له الحياة من فرص أو تقدمه، لما كنا بحاجة إلى الفلسفة والدين وباألخص إلى عقيدة تثير الجدل كعقيدة

التقمص. وحتى ولو وجد دين أو فلسفة، لما نظر إليها اإلنسان بأكثر من نظرته إلى القصص والروايات التي تغص بها المكتبات ولكان المعلمون الروحيون والحكماء

والفقهاء واألنبياء واألئمة مجرد شخصيات روائية.

h عن الفرص التي تقدمها الحياة له؟ هل أن كل فرد راض تماما

 

h عن صحة العدل اإللهي وأنه لم ال أحد يستطيع أن يزعم أنه لم يتساءل يوماh بحقه في هذه الحياة، مرة واحدة في حياته على h لما يراه إجحافا h سببا يطلب يوما

األقل. ويأتي فوق كل ذلك، اإلحساس بالذنب والخوف الذي تعاني منه بسيكولوجية الفرد فيما يتعلق بالجنة والنار واللعنة األبدية وما شابه مما يطرح سلسلة من

h ألي مقياس التساؤالت التي ال يمكن اإلجابة عنها بغير ثبات واقع التقمص. تبعا تحاكم روح طفل رضيع بعد موته؟ هل كانت له أي فرصة في الحياة على اإلطالق؟

h كي تحاكم روحه على أساسه؟ h كان أم طالحا هل قام بأي عمل صالحا

إن عقل اإلنسان هو أهم ميزاته، كما أنه )أي العقل( غاني دون أي شك، أي أن جميع عملياته وحركته موجهة نحو غاية ما. فهو في كثير من األحيان يطرح أسئلة

تبدو اإلجابة عنها فوق طاقته. فأرسطوطاليس )وهو واضع أسس المنطق( يعترف بهذه الميزة ويعزوها إلى شغف اإلنسان بالمعرفة. هذا الشغف المتمثل بطبيعة

h عن سؤال مثل: "لماذا ولدت الفكر ال يمكن إلغاؤه. وكذلك ال يمكن اإلجابة فورا أعمى؟" أو "ما هو السبب األسمى للوجود البشري؟" على اإلنسان أن يمر بعدة

اختبارات في الحياة قبل أن يخلص إلى نتيجة مقبولة لإلجابة عن هذه األسئلة.h على عقب فتأتي h أولئك الذين تصادفهم تجارب تقلب حياتهم رأسا وقليلون جدا

إليهم بالمعرفة المفاجئة التي يسميها أرسطو "اإلشراق الفكري". حتى الكبار فيh ما يجدون السن الذين يعتبرون أنفسهم ممن اكتسبوا من خبرة الحياة زبدتها، نادرا

h لتلك األسئلة التي حملوها معهم منذ صباهم، لكنهم مع ذلك، وحتى النفس جوابااألخير، يظلون يأملون أنهم قد يحصلون على جواب قبل موتهم.

لو نظرنا إلى الحياة البشرية من منظار مادي صرف للخصناها بكون اإلنسانh أن يولد، يحيا، يموت، أما لو نظرنا من المنظار النفسي )العقلي( لوجدنا دائما

هنالك حلقة مفقودة. فالرواية العقلية التي تلون بصبغتها تجارب اإلنسان الحياتية والذاكرة التي تبقى عند انتهاء الحياة تبدو وكأنها قطعت فجأة قبل الوصول إلى

h h على حافة الموت يتساءل: "ما معنى هذه الحياة التي وعدتنا يوما نهايتها. فتجد كهالh بكل تلك األسئلة؟" تخيل بجواب؟ ما هو مصير ذلك الصوت الذي كان يوحي دائما انقطاع التيار الكهربائي في صالة السينما والفيلم ما زال في نصفه ثم تخيل عقال

توقف عن العمل أي لم يعد له وجود قبل أن يصل إلى إجابة عن أكثر األسئلةh. إذا كان باستطاعة مخرجي هوليوود ومنتجيها أن يأتوا بفيلم h واألمنيات وحيا إلحاحا

لمدة ساعتين يجيب عن كافة األسئلة التي تدور في ذهن المشاهد يدعك تخرج منh ال يجول في ذهنك أي تساؤل أو معارضة لمنطق صالة السينما وأنت راض تماما أحداث الفيلم أفال يستطيع الله أن يأتي بمثل هذه التجربة؟ هل يستطيع أحد أن

h لو فعل؟ هل من العدل أن يخرجك من الصالة قبل انتهاء العرض؟ أيكون ذلك عدال يأخذ الله روحا إلى المحاكمة األبدية قبل أن يتيح لها إتمام تجاربها ومعرفة كل

اإلجابات؟ أيجوز أن نتهم الله بالال عدل ألنه منحنا حرية اختيار ما نؤمن به؟

h أن نلوم الله ألنه خلق اإلنسان وبه تلك النزعة نحو المعرفة. من السهل جدا ومن السهل أن نلومه ألنه جعل لإلنسان عقال ال يكف عن طرح األسئلة. بعض

الناس يلومون الله ألنه لم يمنحهم حرية كافية تجعلهم يثقون بمنطقهم الخاص في الحياة ولوضعهم تحت وطأة مفاهيم وتقاليد وعادات وممارسات ال يمكن تجاوزها.

وحين تطرح لهم أجوبة تحتاج إلى قليل من التأمل وحرية الفكر من قبلهم يرفضونهاh بحجة أنها بعيدة عن المألوف ومثيرة للجدل فال يمكن أن تكون h قاطعا رفضا

h بأن من دون مثل هذا الجدل الذي يرتفع فوق العصبية العقائدية ال صحيحة، علمادور للعقل على اإلطالق.د

h، وهو سبب أسباب كل األسئلة واألجوبة التي تراود إذا كان الله سرمدياالعقل فلماذا يكون هناك حدود للمعرفة العقالنية؟

إن المعرفة، أكانت رؤية صوفية، أو تجربة حسية، أم ذكرى لتجربة قديمة بالمعنى األفالطوني تعتمد على وجود الروح في عالم يمنحها صورة مادية محددة

تستطيع من خاللها أن تعبر عن وجودها وعن جوهرها وتشارك في هذا التعبيرh النخراطها في هذه h أخرى مماثلة لكي تختبر وتختبر. فالروح تحاسب نظرا أرواحا التجارب المشتركة – فكيف للروح أن تقوم بأعمال جيدة أو سيئة فتحاسب عليها

إذا ما كانت وحيدة في عالم االختبار والتجربة؟

حتى اآلن، ما من عالم ثبت وجوده يؤمن للروح ما تقدم خال عالمنا هذا.

استطاع اإلنسان أن يعبر الغيوم إلى السماء في الصواريخ والمركبات الفضائية ولكنه لم يعثر على الجنة. كما أن العلماء يؤكدون أن اإلنسان، من دون آلة

h ألبسط القوانين الفيزيائية، غير موجود. فإذا كانت الحواس، أي الجسد، هو طبقا الروح خالدة، وإذا كانت غير قادرة على التعبير عن وجودها وحتى خلودها من غير

جسد، لماذا إذا يعمد اإلنسان إلى تخيل الروح هائمة في سماء غير منظورة كالجنةh إمكانية h قاطعا h رفضا )بالمفهوم التقليدي( أو تائهة في جهنم ما تحت األرض رافضا

تقمص الروح في جسد آخر إلغناء خبرتها، والتي هي إمكانية غاية في المنطق ال تحاكي العواطف الدينية وليست بعقيدة بالمفهوم التقليدي بل ركيزة منطقية؟

أليست الرؤية التي تجسدها فكرة التقمص عن مصيـر الروح بعد الموت مطابقة لتلك التي تملك البشرية األدلة القاطعـة لها؟ أوليس من المنطقي أن نتصور الروح

h عن تصورها وهما تهيم بواسطة جسد أثيري ال يوجد على األرض في جسد عوضاأدلة ما على إمكانية وجوده؟

)التقمص ويوم الحساب( أين العدل اإللهي؟

تؤمن معظم األديان بيوم القيامة أو ساعة الحساب ولكن:       

ما مدى مصداقية هذا الحساب في حياة تبدو فيها الفرص المتفاوتة غير        المتكافئة أبعد ما يكون عن العدل حتى أن أي عابر سبيل أمي أصبحت له فلسفته

الخاصة عن الموضوع؟

لماذا ينتظر الله من خادمة وضيعة أن تكون فاضلة شريفة ومحبة تماما       كسيدها ومخدومها؟

كيف يمكن أن تكون هناك كل هذه الفروقات بين البشر على األرض، ويكون       العقاب أو الثواب هو نفسه للجميع؟

ثم كيف يكافأ أو يعاقب من مات منذ آالف السنين كما يكافأ أو يعاقب من هو       h؟ حي ولم يستكمل أعماله بعد ويعتبر الحكم عادال

باإلضافة إلى ذلك:       

هل معاقبة من قتل الرسل واألنبياء في عهود خلت هي نفسها كمعاقبة من        قد يرتكب جريمة قتل اليوم؟ فإن كان الله، في ميزان حسابه، يأخذ بكل تلك

االعتبارات، كيف يمكن للروح التي لم تعش حيوات كافية لتختبر كل هذه االعتبارات أن تعي كنه هذا الحساب؟ ثم أين العدل في محاسبة من ال يعي ماهية ما يحاسب

عليه؟

h، تعتبر نفسها الوحيدة الناجية،        إن كل الديانات السماوية، بل والمذاهب أيضا فما يكون إذا مصير الشعوب التي لم تصلها تعاليم تلك الديانات أو المذاهب؟ هل

أنهم كانوا مخطئين ألنهم عاشوا في أماكن مجهولة أو في أوقات سبقت مجيءالرسل؟

وما هو مصير من سوف يولد بعد ساعة الحساب؟ هل هناك حساب مهيـأ       h عن يوم واحد؟ أم أن العالم سوف ينتهي خصيصا له؟ هل هناك أيام قيامة عوضا

فور أن ينفـخ في البوق؟

h، يبقى السؤال الذي ال بد أن يطرح:        وأخيرا

هل يمكن أن تحاسب الروح من غير جسد؟       

هل يمكن ألحد أن يتخيل الثواب أو العقاب من دون اللجوء إلى ما يتصوره       من تجارب وأعمال خيرة أم شريرة اكتسبها عبر الحواس الجسمية؟

إن تصورنا للعقاب أو الثواب ناتج عن خبراتنا الجسدية في األلم واللذة.        فكيف يمكن أن نخاف من نار جهنم أو نحلم بثمار الجنة لو لم يكن لنا علم باأللم

الذي تسببه النار أو اللذة في طعم الثمر؟

 وكيف كان لنا أن نعلم بذلك دون حواسنا؟

كيف يمكن للروح في جسد أثيري أن تختبر ألم النار؟ هل أن النار تؤثر فياألثير أو في كائن أكثر لطافة كالجسد األثيري أو الروح؟

فلماذا إذا نفضل العبور إلى ما وراء العقل والمنطق إلثبات ما قد يزيد من حيرتنا في الحياة ونرفض منطق التقمص الذي يرتكز على إثباتات ملموسة؟ هل أن

h كالفريسيين األنبياء والرسل أرادوا إبعاد اإلنسان عن المنطق أم أن أناسا والصدوقيين وغيرهم من أصحاب األهواء حذفوا من الكتب المقدسة أهم عقائدها

لئال يجد القطيع الضال طريقه إلى الله؟

التقمص في التوراة:

لقد ورد في التوراة العديد من اآليات التي تثبت حقيقة التقمص تلميحا، نذكر       منها ما قاله النبي سليمان الحكيم في سفر الجامعة بالنص:

"دور يمضي ودور يجيء واألرض قائمة إلى األبد. والشمس تشرق والشمس        تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق. الريح تذهب إلى الجنوب وتدور إلى

الشمال تذهب دائرة دورانا وإلى مداراتها ترجع الريح. كل األنهار تجري إلى البحروالبحر ليس بمآلن. إلى المكان الذي جرت منه األنهار إلى هناك تذهب راجعة.

... ال أحد يستطيع أن يقول إن العين لم تر كفايتها، أو أن األذن لم تسمع        كفايتها. ما كان فهو يكون والذي صنع فهو الذي يصنع فليس تحت الشمس جديد.

إن وجد شيء يقال عنه انظر. هذا جديد. فهو من زمان كان في الدهور التي كانتقبلنا".

وهذا القول هو تأكيد واضح على أن كل شيء يتبع نظام الدائرة، والحياة       والموت غير مستثنيين.

و "األشياء" التي عنتها التوراة هنا، ليست فقط األشياء المادية واألعراض        التي تفنى وتزول وتتزايد وتتناقص إنما عنت الجواهر االزلية الخالدة ومنها النفوس

التي تتقمص األجسام، ال يزاد عليها وال ينقص منها فجوهر التقمص إذا منصوصعليه في التوراة.

التقمص في اإلنجيل:

جاء اإلنجيل المقدس ليتكلم عن التقمص بمحكم األمثال:

(:36 – 31 قال القديس متى في اإلصحاح الثاني والعشرين )اآلية        

"وأما من جهة قيام األموات أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل،       

أنا اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب، ليس الله اله أموات بل اله أحياء       فلما سمع الجموع بهتوا من تعليمه )أي تعليم السيد المسيح(".

"الحق أقول لكم أنه لم يقم في مواليد النساء أعظم من يوحنا المعمدان...        وإذا أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي. من له أذنان للسمع فليسمع".

(.11)متى

"وسأله التالميذ قائلين: "لماذا تقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أوال".        وأقول لكم أن إيليا قد جاء ولكنهم لم يعرفوه بل صنعوا به كل ما أرادوا. هكذا ابن

h مزمع أن يتألم منهم. حينئذ فهم التالميذ أنه قال لهم عن يوحنا البشر أيضا(.17المعمدان". )متى

يفهم من ذلك بوضوح أن الظهور النبوي بقميص إيليا كان قبل ظهوره        سنة.800بقميص يوحنا بنحو

قال يسوع لنيقوديموس:       

"الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل األوالد فلن تدخلوا ملكوت       السموات".

"كيف يمكن اإلنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية       ويولد؟ أجاب يسوع وقال:"

الحق أقول لك إننا نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا. ولستم تقبلون شهادتنا".       (.3)يوحنا

أقول لكم يا أحبائي، ال تخافوا الذين يقتلون الجسد ثم ال يستطيعون أن       h بعد ذلك. ولكنني سأبين لكم من تخافون. خافوا من له قدرة بعد القتل يفعلوا شيئا

على أن يلقي في جهنم. أقول لكم: نعم، هذا خافوه. أما يباع خمسة عصافير بفلسين، فما منها واحد ينساه الله. بل شعر رؤوسهم نفسه معدود. ال تخافوا، إنكم

h". )لوقا (.12أثمن من العصافير جميعا

h لما فعلته خالل حياة واحدة في جسد واحد        إذا كان الله يحاسب الروح تبعا دون أن تتقمص بأجساد أخرى، فكيف يمكن للبعض أن يحصل على القوة للتصرف

في الروح وإلقائها في الجحيم بعد الموت؟

يستخلص الكاتب األلماني الشهير "جون فان هلسنغ" في كتاب حديث له، أن        السبب وراء افتقاد اإلنجيل اليوم لنصوص واضحة تؤكد نظرية التقمص، أو الحياة ما

وفي553بعد الموت، يعود إلى قرار المجمع الديني الثاني في القسطنطينية عام أيام اإلمبراطور الروماني جوستنيانس األول بحذف صفحات عديدة من اإلنجيل

تتضمن أقوال للسيد المسيح يؤكد فيها حقيقة التقمص واختفت مذاك تلك الصفحات المهمة من اإلنجيل ورغم ذلك بقيت معظم اإلشارات والرموز والتنويهات

التي تشير بوضوح للتقمص مضمنة في معظم اآليات واإلصحاحات في الكتابالمقدس بعهديه القديم والحديث.

التقمص في القرآن:

h فأحياكم. ثم يميتكم. ثم يحييكم. ثم إليه        "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا(.28ترجعون". )البقرة

h بعد خلق". )الزمر         (.6 "يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا

"ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا لسحر       (.7مبين". )هود

والمعروف أن السحر هو ما اتهم به المؤمنون واألنبياء وغيرهم كاألسينيين        والمسيحيين الغنوصيين وبعض الصوفيين كالحالج وغيره. ولم يتهم أحد ممن يؤمن

بأن الروح تصعد إلى السماء بعد الموت بالسحر والشعوذة.

(.56 "ثم بعثناكم بعد موتكم لعلكم تشكرون". )البقرة        

"يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحين ويحي األرض بعد موتها،       (.19وكذلك تخرجون". )الروم

التقمص في الحكمة القديمة:

h غير غيبة النفس        توضح الحكمة القديمة "إن الموت الطبيعي ليس هو شيئا عن الجسد لتعود في شكل آخر. وأن اإلنسان الحكيم العالم هو حكيم عالم عند

حضوره وهو حكيم عالم عند مغيبه لن ينتقل عن حكمته وعلمه أينما توجه وأينما سلك فكل طبع ينجذب إلى طبعه باإلبداع والتماثل، كما أن الشيء ال يلد ويثمر إال

نوعه وشكله".

تؤكد الحكمة القديمة ارتباط الفكر بالمادة، فالقانون الذي يحكم الكون        والبيئة والمجتمع هو نفسه الذي يحكم الخافية )الالشعور( لدى الفرد. وإذا كانت واعيتنا )الشعور( تخضع لضوابط الزمان والمكان المحدودين فإن خافيتنا تخضع

لقانون الحياة الالمتناهي.

النفس اإلنسانية متكاملة في جوهرها – هي اللحمة التي تجمع خيوط نسيج        حياكة الجسد. هي القوة الموحدة لألعضاء الجسدية والوظائف الشعورية والمعنوية. إنها وحدة إنسانية تتدرج ضمن نطاقات ثالثة متصلة غير منفصلة، هي "األنا والذات والكيان" وتنضوي هذه النطاقات الثالثة تحت كلمة "االسمية" وذلك ألن الكيان هو

الحقيقة الموحدة لوظائف النفس وأن سوء الفهم هو الذي يشتت انتباهنا إلى وجود نطاقات ثالثة منفصلة، يعني تجزئة اإلنسان إلى أقسام متعارضة ومتناقضة يستحيل التوفيق أو التأليف والتوحيد بينها. والحقيقة هي أن هذه النطاقات ليست أقساما بل

دوائر ووظائف تتكامل انطالقا من األنا، إلى الذات إلى الكيان. والحق يقال أناإلنسان وجود متكامل يتفاعل على صعيد األنا والذات، ويتوحد على صعيد الكيان.

تؤكد الحكمة القديمة على تكامل النفس اإلنسانية فتشير إلى أن هذه        النفس، إذا انتهت في بلوغها، ذلك الحد تجمعت منتثراتها، واتحدت متفرقاتها

وتآلفت قواها، وعزم إدراكها.

األنا، في صميمها، وجود قلق منفعل، يحمل في ثناياه العقل، والنفس،        والشعور، والخافية، والوعي والالوعي. هو وجود ال يدرك ذاته بذاته. وعلى الرغم من أن األنا ال تعي ذاتها، إنما هي مهيأة ومزودة بطاقة الفهم واإلدراك وهذا يعني

أنها تشتمل على النفس والعقل، لذا تسعى األنا إلى فهم ذاتها.

الذات هي األنا وقد بدأت تفهم ذاتها بفعل الوعي الكامن فيها، والمدعو خطأ        بالالوعي. وفي بدء فهم األنا لذاتها، تنقسم إلى قسمين: الشعور والالشعور

)الخافية( وفي هذا السياق، يشير الالشعور إلى ماضي الحياة المدونة في ذات اإلنسان. ففي الالشعور )الخافية(، يكمن تاريخ حيوات الفرد السابقة، وما يحمله من ذاكرات وذكريات تلك الحيوات والمعلومات المنطبعة في عمقه الالشعوري.

باإلضافة إلى ما يحمله من الالشعور الذي يتمثل في ذكريات طفولته، ونوع التربية التي نشأ عليها، والمبادئ التي تلقاها والمفاهيم والقيم اإليجابية والسلبية التي

غرست في داخله...

والشعور هو حاضر الفرد، لما هو عليه اآلن، هو حصيلة الماضي والحاضر.        فالحاضر جزئيات زمنية تنزلق نحو الماضي مليارات المرات في الثانية، في الوقت

الذي تنحصر فيه الذاكرة، هو تقدمي إلى المستقبل، وهو ما أزرعه في حديقة حياتي المقبلة. ينشأ في الذات صراع أو تعارض بين الشعور والالشعور. وعلىh بطاقة الوعي. الرغم من هذا النزاع المحتمل بينهما، نجد اإلنسان مهيأ ومزودا

h على إقامة        ينتهي هذا النزاع إلى كيان في اللحظة التي يكون الوعي قادرا التوازن بين الشعور والالشعور في تحقيق الكيان وفي تجاوز األنا. هكذا يتدرج

الوعي اإلنساني في مراحل األنا التي تعمل على فهم ذاتها وتجاوز ذاتها بفعل طاقة داخلية واعية تبلغ مستوى التوازن في الذات بين الشعور والالشعور لتتوطد في

كيان راسخ، متكامل تتحد فيه وظائف النفس كلها.

التكامل في الشخصية اإلنسانية يرد إلى وعي األنا، وإذا ما تعمقنا في تساؤلنا        في سبيل إدراك وتبصر أعمق لحقيقة وعي األنا، علينا معرفة مسار التطور الذي

يساعدنا على تطوير األنا واالنعتاق من قيودها. فاألنا هي التطور المتراكم عبر آالف آالف السنين، بل ماليين السنين والمركز في كينونة الكائن اإلنساني. األنا هي

التركيز المتنامي للحياة عبر العصور المديدة المقاسة بتراكم الزمن عبر العصور والدهور. وفي هذه األنا يتركز تاريخ الوجود على مستوى كوكب األرض وال يذهلنا ما يخبرنا به علماء البيولوجيا بأن الخلية تحمل، في قسم من أقسامها، ذاكرة بيولوجية دون فيها سجل تاريخ الحياة على األرض، فاألنا تتذكر، على نحو ال شعوري، الماضي

الحياتي كله، األمر الذي يجعلها مشروطة، أي محددة ومعنية بهذا الماضي.

إن التطور يمتنع بغير استبطان فالتطور هو تفتح وظهور لشيء سابق الوجود،        إذ من أين يتم تطور الذي لم يكن موجودا في األصل وكيف يوجد فيما بعد. وكلإنسان يدرك األشياء حسب منظاره وبمقتضى انفتاح حقل رؤيته وجالء بصيرته.

وعندما تعمل األنا على فهم ذاتها، تبدأ في إحساس بالشعور أو الوعي وعندئذ        تتميز األنا بالالشعور وهي تتذكر ماضي الحياة البعيد، وتتميز بالشعور وهي تعالج

الحاضر.

ترشدنا الحكمة القديمة إلى اكتشاف طبيعة األنا المنغلقة "الخافية" بالعقل        المميز الذي إذا أراد إدراك شيء ما أفرده مما سواه، وانتزعه مما قارنه، ثم أدركه

إدراكا فاردا بذاته الفاردة القادرة، ألنه كما أن الحس ال يدرك شيئا فاردا، فكذلك العقل ال يدرك شيئا مركبا كثيفا، وال يعلمه علما يقينا عقليا دون أن يفرد معانيه

ويميزها وينتزع كل جنس منها فيجعله فاردا بذاته ليدرك معانيه كلها لدى االنفراد بحقيقتها. فإذا كانت األنا متحققة من ماهية لطافتها عبر حيواتها السابقة، دونما

تدركه بالحواس الخمس، فقد توجهت إلى طريق النجاة، وإن كانت لم تحقق شيئا من األشياء إال ما تشاهده ببصر الجسد وسمعه وذوقه وشمه ولمسه، فهي موقوفة

على طريق العطب ومقاساة العذاب بالغرق في كثائف المركبات.

عندما نشاهد هذه اللوحة اإلنسانية الممتدة من األنا المغلقة على ذاتها إلى        الكيان المتوازن المنفتح، نلمح االشراطات الكثيرة التي تقيد اإلنسان. ونستنتج أن

اإلنسان يعاني من قلق داخلي مرده إلى عدم فهم حقيقته، وذلك نتاج عوائق شخصية – فردية داخلية بقدر ما هي نتاج عوائق اجتماعية خارجية منحرفة

االنعكاس، من غطاء كثيف للظروف المادية وغياب للمعرفة الحقيقية، وتحجر ألوهام الفكر التي أضحت أصناما من حجارة. وتعد هذه المعاناة قلقا داخليا مالزما

لطبيعة الصراع الناشئ في األنا، لرغبتها في التحرر من اإلسقاطات الفكرية.

في هذه الحالة تكون األنا منفعلة، وبالتالي قلقة.        

ولقد عبر بعض الحكماء عن هذا اإلحساس باالحباط أو باالغتراب أو االستالب.        فاإلنسان مغترب عن نفسه منفعل في واقعه ازاء الوجود وإزاء ذاته. فهو يعتقد بأنه

"أنا منقذفة" في العالم، غريبة عن الحقيقة، ال يدري كنهها أو جوهرها. وهو يبحث عنها في اشراطاته، فال يجدها وذلك ألنه متمرد، منفعل ورافض وال يتم الولوج إلى

محراب الحقيقة إال بالوعي الذي يميز عمق األنا لينقذها ويحررها من ظلمةاشراطاتها، وظروفها وإحباطاتها وقيودها.

إذن، فاإلنسان يبحث عن حقيقته، فيعجز عن إيجاد هذه الحقيقة في األنا. وما        الموقف الذي يتخذه اإلنسان إزاء هذا العجز إال موقف يشير إلى ضياع الكيان

اإلنساني في متاهات األنا، فهو بقدر ما يرفض أناه يضيع في أناه، ويصبح عرضة لقلق أو توتر داخلي يقضي بدوره على تماسك كيانه ووحدة جوهره. وال غرو، أن

تحقيق الكيان اإلنساني يتطلب جهدا للوعي يتدرج من إدراك االشتراطات، واالنتقال عروجا إلى الذات التي تنقسم إلى شعور وال شعور، وإلى النفس التي تشير إلى توازن الشعور والالشعور، وإلى الكيان لذي يشتمل على وحدة الوجود اإلنساني هكذا نستنتج أن القلق نتاج انقسام اإلنسان على ذاته ضمن عملية جهل، ومتى

أدرك اإلنسان حقيقة وحدته، توقف انقسامه، وهدأ معه قلقه.

كيف يسمو اإلنسان باألنا، مصدر القلق والشقاء إلى الكيان، مصدر الغبطة       والسعادة؟

ال يستطيع اإلنسان اإلفالت من إشراطات األنا إال بطريقتين:

ال يكمل اإلنسان حقيقة وجوده األرضي إال بعلمه وإدراكه بأن تحقيق الوجود  أوًال7:يتم من خالل ما هو عليه.

ال يسمو اإلنسان في سلم حقيقته إال بتعديل دائم لألنا. ففي هذا التعديل  ثانيا7: يصعد درجات كماله، فينتقل من األنا إلى الذات إلى النفس، إلى الكيان، إلى الروح. وال يتم هذا االنتقال أو التحول بالتغيير الذي يتخيله، وذلك ألن المرء ال

يغير نفسه، بل يعدلها. وأن مثل هذا التعديل بدوره ال يتحقق إال بتوفر الحقائق التي تساعد اإلنسان على فهم قوانين الحياة، فمن ال يؤمن بخلود.h h ال يمكن أن يؤمن بأهمية ما يصدر عن عالم الروح أصال h تلقائيا الروح مثال

فبنور قوانين الحياة ينير اإلنسان سبيله وهو يجتاز جسر حياته المرتبط في نهاية بال نهايتين: ال نهاية قدم منها وأقبل عن طريقها إلى الوجود األرضي، وال نهاية يرنو إليها وهو يتجه إليها وفق حكمة الوجود وجدير به، وهو يجتاز جسر

وجوده، أن يعلم بأنه ال نهائي حتى في منزله لزومه النهاية.

التقمص في الفلسفة اليونانية:

من أهم قوانين الحياة التي عالجتها الفلسفة هي مسألة خلود النفس        ومصيرها بعد فناء الجسد وتحلله. الفلسفة اليونانية تناولت موضوع النفس

اإلنسانية، ودرستها بطريقة مفصلة وواضحة وعرفتها بتعريفات عدة. ففيثاغوراس مثال، ذلك الفيلسوف الرياضي لم يحصر اهتمامه وعبقريته بعلم األرقام واألعداد بل

اهتم بدراسة النفس. فالفيثاغورية تؤمن بخلود النفس وتواتر األرواح إذ تقول إن اإلنسان عندما يموت تنتقل روحه إلى جسم آخر؛ إذ الروح أو النفس خالدة ال تفني

h للمرة الخامسة )في الدور بفناء الجسد حيث يروى إن فيثاغوراس كان متجسدا اآلدمي( وأنه يذكر حيواته السابقة. وفي هذا الموضوع نجد أن أفالطون في

محاوراته يركز على التقمص كقانون، فكما تتبع اللذة األلم واليقظة النوم وكذلكالحياة يتبعها الموت أو الميالد الذي هو العودة الجديدة لدور الحياة المتجددة.

فإن التأرجح المتناغم للروح ما بين الموت والحياة هو النغمة الكونية منذ        البدء. وهذا ما علمه أفالطون عندما قال في مثاليته الروحية بأن التقمص ليس

مسألة اختيار في االعتقاد وليس عرضة للسفسطة والجدل إنما هو حقيقة الحقائق، وما على المرء إال أن يدرك هذه الضرورة الوجودية وينسجم مع تناغمها الكوني أو

له الحرية في رفضها والبحث في غياهب التساؤالت واألوهام.

التقمص في فلسفات الشرق األقصى:

كذلك نجد في الفلسفات الصينية والهندية من ينادي بخلود النفس بعد فناء       الجسد وبعثها من جديد في حياة أخرى وجسد آخر.

يقول بوذا بخلود النفس وبعقيدة التناسخ أو العودة للحياة انطالقا من إيمانه        بالسببية أو عقيدة "الكارما" التي تؤكد أن لكل شيء علة ولكل علة نتيجة فهي

h نتيجة عمله، فالمرء إذا مقيد تتعدى الخبير والعدالة أنها تجعل الفرد وحده متحمال في سلسلة حلقات من التوالد التكرر، يولد هنا وبعد أن يموت يولد هناك. كالثمرة

التي تؤكل وتزرع بذرتها لتثمر من جديد. قال "سامسار" )أو التقمص( هو عمليةh كان ال سير أبدي لدوالب الوجودات للشخص الواحد ولما كان عمر اإلنسان قصيرا

بد أن تنتقل النفس من بدن إلى آخر وفي كل بدن تكتسب معلومات جديدة.

–81 مقتبسات من خلود النفس وحقيقة التقمص – راجع الضحى العدد        .1998تشرين ثاني

قانون الكارما:

ترتبط الظروف و "البيئة" الحياتية التي يمر بها اإلنسان في تجسده الحالي        ، فالميول والنوازعKarmaبوشائج ال تنفصم عراها بنتائج أعماله في الحياة السابقة

واألعمال التي يتبناها في تجسده السابق ترسم تفاصيل الحياة والبيئة التي سيولدh فيها، وحتى أنها تحدد الميول الفطرية للجسد الجديد وقدراته وإمكانياته مجددا

والمحيط الذي يسهل، أو يعرقل، حصوله على المعرفة والقدرة على تحقيق الذات واستكمال ما عجز عن إتمامه في قميصه السابق، فالجسد هو بيئة الروح والنفس، كما العائلة والمنزل هما بيئة الجسد، وحصيلة األعمال والميول هي التي تحدد البيئة

الجديدة لتقمص الروح وذلك لحكمة إلهية في استخالص العبر واالتعاظ، وإصالح مسار الروح والتكفير عن سوء أعمالها وتصرفها وللتعويض عن تقصيرها في إدراك

المعارف اإللهية والتوجه الصادق نحو الخالق بنقاء النفس وصفاء السريرة. إنh لتغير البيئة المميزات الرئيسية لشخصيتنا في كل تقمص تتبدل وتتغير وفقا

والظرف، والطبع والميل، لكن الجوهر الداخلي للذات العليا في النفس أو الروحh ال يتغير ويتغذى بكل التجارب واالختبارات الروحية والجسدية عبر البشرية يبقى ثابتا

تعاقب الحيوات وتبدلها. إن الذات العليا هي شرارة إلهية ونواة روحية لكل تجسد إنساني، في حين تعتبر الذات الدنيا بمثابة ظهورات متعاقبة متغيرة للذات العليا في

وعاء المادة حيث تكسبها الغنى الروحي والتطور والتناغم عبر إدراكها لحكمة التجارب والمحن. هذا هو أحد المبادئ الروحية الرئيسية للتقمص، إن جوهر التجربة

ومغازيها واألهداف السامية التي تكمن وراءها تترسخ في الذات العليا في سياق تطورها ورقيها في معارج السمو، لذا إن ما يدوم وينتقل عبر كل التقمصات هو خالصة القيم والمبادئ الروحية والجوهر األخالقي الذي هو غذاء الروح عبر كل األجيال، في مسيرتها من حياة إلى أخرى لتسمو في مدارج التسامي وديمومة

االختيار وسيرورة الترقي الستكمال سعادتها األزلية الخالدة عبر رحلتها الالمتناهية في تبدالت ثوبها التجسدي، وذلك بتسديد ديون الكارما والغفران والتطهر بالمعاناة واآلالم والمكابدة ودفع ثمن نتائج األعمال المعجلة، عبر الحياة الواحدة، والمؤجلة عبر تعاقب الحيوات. وكلما عرف اإلنسان ذنوبه ونتائج أعماله، وتقبل عقابه بصبر ورضى وتعقل، سدد دينه وتخلص من أثامه بسرعة دون اعتراض وبمنتهى الرضى

والتسليم ألن ذلك مقتضى العدل اإللهي.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه:       

هل يستطيع اإلنسان أن يعرف ما اقترفت يداه وما اجترح من أعمال سيئة أو       خيرة في حياته السابقة؟

ال يستطيع اإلنسان تذكر حياته السابقة إال في بعض حاالت النطق التي يتذكر        فيها الطفل بعض الذكريات البارزة من تجسده السابق، والنسيان هو نعمة إلهية للنفس كي ال تنفطر من وطأة اآلالم والمعاناة التي اختبرتها في الحياة السابقة،

لكن بعض التأملين الذين سبروا أغوار ذواتهم الستخراج دررها المكنونة استطاعواأن يتعرفوا على بعض اختبارات تجسدهم السابق.

حين يريد التلميذ استظهار قصيدة من غياهب ذاكرته، ما على األستاذ سوى       h من ذاكرة حافظته، أن يذكره بالكلمة أو الجملة األولى، وبقية القصيدة تتدفق تلقائيا

وكذلك األمر إذا استطاع المتأمل التقاط لمحات من حياته السابقة في تأمله العميق في ذاته العليا، فإنها قد تفتح له صفحات من التجارب واالختبارات يستخلص

منها العبر وتجلو له أسباب معاناة حياته الحالية. والتقنية هذه تبدأ بالتركيز على مشكلة نعتقد أنها وليدة أعمال سابقة وجذورها ضاربة في تفاصيل التجسد السابق،

وتلك المشكلة تكون بمثابة خيط دليل يشدنا عبر أنفاق الوعي المتعاقب نحومخزون الالوعي الروحي.

إن صفاء الروح المتأملة يتخطى أبواب الحواس الخمس ليسمو لما وراء        حجبها المسدولة لتركيز األنوار وتسليطها على مرآة الذات والنظر بعين العقل، في

استغراق تأملي بجوهر المشكلة التي ينبئنا حدسنا بأنها نتيجة تجارب سابقة دون الوقوف على تفاصيلها أو الحكم عليها، نكون قد اتخذنا مفاهيم الكارما غذاء للروحh للواقع الذي نصنعه h لحياتنا الحاضرة لجعلنا أكثر رضى وتقبال وعظة للنفس ودرسا

.h ونلوم اآلخرين غالبا

إذا استمر التأمل على هذا المنوال ما بين اليقظة والنوم، تلك الفترة التي       h لإللهام والعبقرية، دون أن نبذل أي جهد تظهر لمحات أو يعتبرها البعض مصدرا

ومضات من الصور على شاشة الوعي، وهنا يجب عدم التوقف عند هذه الصور أو إجهاد أنفسنا في استنباط معانيها وذلك لنجعلها تبرز بعفوية. إن المهارة في تطبيق هذا المنحى التأملي تقع في استنباط معانيها وذلك لنجعلها تبرز بعفوية. إن المهارة في تطبيق هذا المنحى التأملي تقع في التقاط االنطباعات واللوحات البصرية التي

تتوفر لنا حين يعبر العقل من حالة وعي إلى أخرى، وحين يتمازج مستويان من Cconsciousnessالوعي نكون قد وصلنا إلى نقطة التقاء ما بين الوعي الموضعي

، إن االنطباعات العفوية هي األكثر قيمة ألنها تنبعsubconsciousnessوما دون الوعي وتطفو على سطح "ما دون الوعي"، في حين أنunconsciousnessمن الالوعي

.consciousnessاالنطباعات التي توجه وتخضع لإلرادة تنبع من الوعي الموضعي

بصبر ومتابعة يكتسب المتأمل مهارة في استخالص تلك االنطباعات حين        تفتح أبواب الوعي وتهب نسميات صورية وشعورية من باب إلى آخر لتحمل معها

"أجواء" من المشاعر وخالصة التجارب السابقة، تتحقق البراعة في االنزالق بسهولة وسالسة، بعين البصيرة، من حالة وعي إلى أخرى. إنها محاولة تأرجح

توازني بين جناحي الوعي، للدخول في مخزون الالوعي، وكلما كانت الذكريات قريبة من السطح كان ظهورها أسرع وأوضح. إن تكرار العملية هذه يظهر لمحات

صورية قد نستطيع تركيب لوحة تذكرية منها. وهنا حين تظهر ذكرى تقمصية سابقة فإنها تعرف من العاطفة التي تصحبها. إذا ما بين اليقظة والنوم، نستطيع مشاهدة

انطباعات بصرية متتالية على شاشة الوعي تسبح أحيانا أمام أعيننا المغمضة مشحونة بأحاسيس وعواطف الحياة السابقة!! وكلما كانت الصور أكثر دراماتيكية

h في تلك الحياة صحبتها مشاعر جياشة و "أجواء" عاطفية، وقد ال تتعدى وتأثيراh أو مدرسة كونها لمحة عابرة أو ومضة بصرية خاطفة لغرفة أو قرية عشنا فيها يوما

جلسنا على مقاعدها في "جيلنا" الماضي، وتثبت تلك العاطفة الجياشة حقيقة التجربة، وعلينا في تلك اللحظة أن نركز على هذه المقتطفات البصرية حتى ال

h. قد تكون هذه العواطف سارة لكنها قد تذوي في طيات الالوعي ونفقدها مجدداh، لذلك يقتضي الحذر حين تنفتح مغالق ما دون الوعي تكون مؤلمة أو حزينة أيضا

h ومنافذ العقل الباطن )الالوعي( ليتدفق نزر يسير من المخزون الروحي الذي غالباh إلحداث يقظة مشاعر وتفكير وندم في ما اقترفت النفس عبر ما يكون كافيا

تجسداتها، وفي دين "الكرما" الذي يتوجب على اإلنسان أن يسدده ليتحقق القانون اإللهي العادل، فإن صعوبة زماننا هي نتيجة لسوء أفعالنا فال بد من تحمل تبعات

األعمال، وال بد في المقابل من أن تسنح الفرص للتكفير عنها في حياتنا الحاضرة وال بد من االستفادة وأخذ العبرة وتالفي األخطاء وبالتالي عدم الوقوع تحت أعباء

ديون جديدة.

إن هذه المقتطفات تكون بمثابة روابط مغنطيسية تجذبنا إلى اختبارات حياتنا        السابقة، وإذا زود الوعي بالمالمح الصورية الكافية باستخدامه تلك اللمحات

والومضات اآلنفة الذكر إلظهار حقيقة تلك االنطباعات والتأثيرات العاطفية، فمن المحتمل مع دراستنا البيئة والمحيط اللذين ترسمهما لنا تلك اللمحات أن نتعرف

على مكان وزمان تجسدنا السابق في تأملنا لمجموعة الذكريات والعواطفh المصاحبة، لعلنا ندرك سبب تقصيرنا وسوء أعمالنا التي انعكست نتائجها علينا عذابا أو شقاء أو معاناة وحرمانا، فتلك األعمال كما ذكرنا هي التي ترسم لنا مكان والدتنا

الجديدة والبيئة والجسد والعائلة والوضع االجتماعي وحتى الظروف التي تسهل أو تعرقل معرفتنا لحقيقة الوجود وإدراك جوهر الذات والحكمة اإللهية. فأعمالنا

السابقة تحدد توجهاتنا ومشاعرنا وأحاسيسنا في كل لحظة نعيشها في الحاضر ومن لطف الله بنا أننا ال نتذكر بالتفصيل أسباب هذه المشاعر واألحاسيس فقط نعي

بعض الشيء من المنطق الذي يحركها. قلة قليلة كاألنبياء والرسل المقربين لديهمالقدرة على تحمل هول الذاكرة الكونية.

لقد عرف بوذا مثال عدة أدوار سابقة له وتذكر كيف تــرقى عبرهــا في معــراج        المعرفة حتى وصل إلى مرحلة البوديستاف، والفيلسوف اإلغريقي فيثاغوراس تذكر

ــا h شارك في حرب طــروادة. إنه أكثر من خمس حيوات سابقة، كان في إحداها بطالh ونــدفع ثمنهــا اآلن ليتم تجربة ال تقدر بثمن حين نتذكر األعمال التي اقترفناها ســابقاــا ــا وتطورن العدل اإللهي، إن إدراكنا لمسببات الكارما هو امتداد آلفاق بصيرتنا ووعين الروحي ومعارفنا الدينية وخــير دليــل يســاهم في صــناعة قــدرنا المســتقبلي. "فمنh يره". إن حصاد نتائج األعمــال h يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يعمل مثقال ذرة خيرا

ومنتهى الحكمة والعدل يتجلى معاني الرحمة اإللهية.

قانون الكارما والعدل اإللهي )رحلة عبر أنفاق الوعي( – راجع الضــحى العــدد       .1998 – آذار 73

لقد أذهل غايس النائم غايس الصاحي، كما أســلفنا، عنــدما بــدأ ينطــق بــأمور        فلســفية وماورائيــة مثــل التقمص وســوى ذلــك، وهي أمــور أبعــد عن ثقافــة غــايسh عن أنها تتعارض مع إيمانه الديني الذي ترعــرع عليــه، وقــد )الصاحي( العلمية، فضال أخذت منه هـذه المفارقـة بعض الـوقت حـتى سـلم بهـا وأذعن لهـا. وهـو يقـول، أو باألحرى تقول القراءات، إن النفس اإلنسانية موجودة بحد ذاتها وفيما يتعدى الجسد الذي تسكنه بإرادتها وهي بذلك تختار جسدها، ووالديها، وعقباتهــا وامتحانــات حياتهــا التي ستبتلي بها، والبعثة التي قدمت من أجلها. ولذلك قد يكون امتحان الغنى أشق على بعض األنفس من امتحان الفقر، وقــد تســتكمل النفس ترقيهــا ومعرفتهــا عــبر سلسلة من التقمصات، ويكون دورها في كل جيل تكملة لما توقفت عنده في جيلهاh للحيوات الماضــية، وهــو عــادة في طي السابق... وهكذا يكون مبدأ "الكارما" تأثيرا النسيان، في الحيوات الالحقـة... وقـانون الكارمـا هـذا يختلـف عن قـانون )السـبب

في شيئين إثنين:Cause and Effectوالنتيجة(

إن الكارما تشتمل في نطاقهــا على مجموعــة من الحيــوات،الشي األول:        بينما قانون السبب والنتيجة يتحقق في نطاق الحياة الواحدة.

h كقــانون )الســببالشيء الثــاني: أما         فهــو أن قــانون الكارمــا ليس حتميــا والنتيجة(، ويمكن للنفس الراقية محو ديون الكارما عن طريق المحبة وعدم معاندة الخالق والترقي في المعرفة واالنخراط في واجب الخدمة وهذا مــا يفســح المجــال

وإال فإن قانون الكارما يطبقLaw of Graceلتطبيق قانون آخر هو قانون )الفضيلة( بشكل ال مناص منه وجــزاء بجــزاء، أو لربمــا يتعــاظم حجم الكارمــا بالنســبة للنفس الجاهلة العاصية، فتتراكم عليها ديون جديدة. وال يمكن بأي حال ألي نفس أن تــورط

نفسا أخرى في )كارما( إذ لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت.

مقتبسات من مجموعة الضحى الدغا غايس.       

التقمص في علم النفس:

يعتبر علماء النفس أن انفعاالت الحالم والصور الذهنية التي يشاهدها أثناء نومه ما هي إال        وليدة ذكرياته وتجاربه اليومية وأحاسيسه المتراكمة التي تتركب منها األحالم بإبداع سوريالي.

لكن هل تساءلنا يوما ماذا يحلم الطفل الوليد لتظهر كل تلك االنطباعات على وجهه منذ أيامهh عن انفعاالت أخرى؟. األولى، من خوف ودهشة، وغضب وحزن، وفرح وبشاشة فضال

       h h وهو يضحك ثم يحزن ثم يغضب، ثم يمتلئ وجهـه فرحـا h نائما هل رأيت مولودا وبشاشة، وعيناه تتقلبان تحت جفنيه ذات اليمين وذات الشمال وعيناه تتقلبان تحتh أن بعض h؟ وإذا ســلمنا جــدال جفنيه ذات اليمين وذات الشــمال وكأنــه يخــاطب أحــداh أو بكاء، ماذا عن التنبيهات الحسية كالجوع أو األلم والبرد تجعل الوليد يبدي انزعاجا االنطباعات العاطفيـة األخـرى، ومـا هـو مصـدرها، وهـل تلعب الفطـرة الغريزيـة أوــدعي h في تحريكهــا وإظهارهــا كمــا ي ــة دورا ــات األمومي ــة والهرمون العوامــل الوراثي

البعض؟

إنها شطحات علمية غير مقنعة، ألن التنبيهات الحسية ال تتوالى بهذه الســرعة        والمزاجية لكي تتعاقب تلك االنفعاالت على وجه الطفل. إن المواليد الجدد يظهرون أثناء "النوم المضطرب" انفعاالت أساسية ال تتكون مسبباتها عند الطفل في يقظتــه قبل مرور أسابيع عدة يكون قد تعــرف بعــدها على محيطــه وبيئتــه وبعض التجــارب األولية، في حين أن االنطباعات التي تظهر لـدى الطفـل في حالـة الحلم هي بعيـدة

!h h وحالما عن متناول ذاكرته وإدراكه الحديث، حيث يمضي الطفل معظم يومه نائما

مراحل النوم:

ولنلق الضوء على آلية النوم وحدوث الحلم كما أظهرت األبحاث السيكولوجية        كي نتعــرف على فــترة النــومE.E.Gالحديثة التي تمت بفضل جهاز تخطيط الــدماغ

المضطرب الذي يحدث فيه الحلم بعد أربع مراحل متعاقبة من النوم البطيء وهي:

: مرحلة النعاس وبدء النوم حيث تبدأ موجات ألفا الدماغيــةالمرحلة األولى .بالتالشي

تلي المرحلة األولى بدقائق قليلة، حيث تســتقر الموجــاتالمرحلة الثانية: Spindleالبطيئة على عمقها، وتظهر أثناءهــا ظــاهرة علميــة تســمى "معــزل النــوم"

.Betaتسببها موجات "بيتا"

وهي مرحلة االنتقــال نحــو النــوم العميــق، وتظهــر أثناءهــاالمرحلة الثالثة:  .Deltaموجات "دلتا"

h. ويطلــقالمرحلة الرابعة: يسود النوم العميق مع موجــات دلتــا أكــثر بطئــا .S.O.Lعلى هذه المراحل األربع اسم النوم البطيء

وهي مرحلة النوم المضطرب أو النوم المفارق كماالمرحلة الخامسة: أما ، فهي المرحلة التي تظهــر فيهــا األحالمJouvetأطلق عليها العالم الفرنسي "جوفه"

h باسم "فترة النــوم ذي الموجــات الســريعة" حيث يصعب إيقاظ النائم، وتعرف أيضاS.O.R "التي تظهر أبانها "حركــة العين الســريعة R.E.M )Rapid Eye Movement(.

وهذه المستويات الخمسة تحدث بشكل متعاقب عــدة مــرات خالل النــوم ويتعــاقب ظهور األحالم في آخر كل دورة.

إن فترة النوم المفارق تستغرق أكثر من ربع مرحلة النــوم عنــد البــالغين في %30% من مــدة نــوم الطفــل في اشــهره األولى و 60حين أنها تستغرق أكثر من

في سنته الثانيــة وتتنــاقص هــذه الفــترة حــتى ســن الســابعة أو الثامنــة حيث تطغى مراحل النوم البطيء. والطفل، كما هو معروف سيكولوجيا، ينام في أشــهره األولى

h وتحتـل فـترة النـوم المضـطرب أكـثر من 16أكثر من % منهـا كمـا60 ساعة يوميا ذكرنا، أي وبلغة أخرى أن المولود الجديد يحلم فترة كبيرة من يومــه وهــو لم يختــبر بعد العالم المحيط به في اليقظة ولم يدرك عناصر كافية ليتم تركيبها في الحلم. إذا ماذا يحلم المولــود، ومــا هي الصــور والخــبرات الــتي تــتركب منهــا أحالمــه؟ ولمــاذاh يبكي وهو يحلم وعالمات الحزن باديــة على وجهــه؟ ليســت التنبيهــات نسمعه أحيانا

الحسية وراء هذا بالتأكيد!!!

عناصر الحلم الطفولي:

إن الحلم الطفولي يستمد عناصره من ذكريات الحياة السابقة حين يستحضر       h ومشاعر من التجسد الســابق يصــعب إيجــاد رابــط لهــا في الحيــاة الحاضــرة، صوراh مــا فلألحالم سلطان على ذكريات الحالم ال تنــال في حيــاة اليقظــة فقــط بــل غالبــا تكون بمثابة خيط دقيق يصل الحالم بحياته الغابرة، ويربــط واقعــة الحــالي بالهــدف النهائي السامي لتعاقب تجسداته، فالحلم ينطوي على معان تفوق دالالتهــا المعــاني الذهنية، فهو يرتب وينظم الصور والذكريات والمشاعر وفــق منطقــه الخــاص الــذيــوم ويســتخرج ــاء الن ــذاكرة أثن ــذلك يتســلل الحلم إلى ال يخــالف منطــق اليقظــة، لh h بصرية انفعاليــة مستخلصــا الذكريات والمشاعر من أعماق الالوعي ويستخدم صورا تجارب معاشة في حيوات سابقة، فهو يمهد الطريق إلى أعمال النفس ويفتح نافذةــا مشرعة نحو آفاق متباعدة من الخبرات والمعاناة السابقة بلغة رمزية تحتاج دالالتهh مــا تكــون وإشاراتها ومعانيها المرمــزة إلى تأويــل لفهم مغــزى رســالتها الــتي غالبــاh من تحليــل ســلوكنا توجيهية أو تحذيرية. إن معرفة األحالم وتحليلها همــا أشــد عمقــا اليقــظ، ومــا عجزنــا عن فهم مــا تنطــوي عليــه بعض األحالم إال نتيجــة تقصــيرنا عن معرفتنــا ألنفســنا في حالــة اليقظــة ولعــدم إدراكنــا ألســباب وجودنــا.. من أين وإلى

أين...؟

رسائل الذات:

تجد النفس حكمة في تقليب صفحات الحيوات السابقة وإعــادة تجســيد بعض        التجارب في صور ذهنية حلمية لكشف بعض الجــوانب المظلمــة والســتخالص العــبرh من الطمأنينة في التجسد الحاضــر كي تدرك مسارها الروحي وتطوره ولتجد قسطا بتذكر بعض تفاصيل "الجيـل" الماضـي لفهم الحاضـر وتقبلـه. ولهـذا السـبب اعتقـد بعض الشعوب القديمــة أن روحــا حارســة تخــاطب األرواح من خالل الحلم برســائل إيحائيــة مبطنــة تســاعد اإلنســان على فهم شخصــيته، فــإن لغــة األحالم هي بمثابــة

رســائل غــير كالميــة، والفهم الحقيقي لرســالة الحلم ومغــزاه يجعلنــا نفهم وجودنــاh، ويساعد في حــل المشــاكل الــتي تواجهنــا، فــالالوعي أو h ووضوحا الحالي أكثر عمقا

ليس ســلة مهمالت يــرمي فيهــا الــوعي كــلunconsciousnessالعقــل البــاطني الممنوعات األخالقية والمكبوتات النفسية. كما أن األحالم ليست لغــة رمزيــة ســرية تعبر عن اندفاعات الرغبات كما يـدعي "سـيغموند فرويـد"، بـل هي تجـارب نفسـية تدفع اإلنسان نحو الفضيلة وانتهاج األعمال الصــالحة فتغــني تجــارب حياتــه وتضــيء

h من جوانب وعيه. بعضا

إن األحالم المتكررة منذ الطفولة، التي تعاود الظهور وبنفس المضمون الــذي       ــط ــة للرواب ــة، هي نتيج ــاء اليقظ ــا أثن ــا أو خبراتن ــلة إلى أي من ذكرياتن ال يمت بص االستدعائية لمغزى روحي. ومن هذا المنطلق اعتبر العــالم النفســاني "بــورداخ" أن األحالم هي إحدى المكرمات الخفية في طبيعة الــروح المنطويــة على دوائهــا، فيمــا

ــادفليز" ــاني "ه ــالم البريط ــلHadfielsرأى الع ــية هي ح ــة أساس أن لألحالم وظيف مشــاكل النفس، فالحرمــان من الحلم يــؤدي إلى حــاالت جنــون وهســتيريا، وولــوجh بهالة من الرهبــة والقداســة لتحلــق في جــو أبواب الحلم العاجية يغمر النفس أحيانا أثيري وأطياف تذكرية هيروغليفية، حيث تصدح لغة العقل الباطن بمخزونه وتوجهاته الروحية، وحيث تمرح خــبرات منســية في أعمــاق الــذات لتلعب على مســرح الحلمh نورانية ذات رسالة هادفة، ولذلك أعتقد الشاعر النفسي "جــيرار دي نرفــال" فصوال أن اإلنسان يعيش حياة ثانية في الحلم في خط متواز مــع حياتــه الواقعيــة، في حين

ــاق ،Transpersonalأقر عالم النفس الشهير "كارل يونغ"، مؤســس علم نفس األعمh h جســديا ــا بوجود أصل دائم وراء شخصيتنا المتبدلة، هي الذات العليا التي ترتــدي ثوب أي الشخصية الخارجية لتكتسب تجارب غنية، ويعتقد أن الــذات الدائمــة تلــك تعيش

h في شبه حلم، كل تجاربها السابقة لحكمة بالغة. مجددا

حين نعبر من عــالم الواقــع المــادي إلى عــالم األحالم الروحــاني، تبــدأ الــذات       ــة باستعراض صور تكبها في لوحات سوريالية وتسترد ذكريات غابرة وعواطــف دفين

منذ أجيال لتدبلج رسالة روحانية...

ــروحي..        لنقرأ هذه الرسالة بعمق، ولنصغ إلى نداء الحلم علنا نفقه المغزى ال"ال توقظوا النيام وهم يحلمون..!!

لغــة الحلم وذكريــات الحيــاة الســابقة )األحالم.. رســائل روحانيــة على مــرآة       .1998- نيسان 71الوعي( – راجع الضحى العدد

يقول البروفسور األخصائي "د. أيان ستفنسن"، منذ حــوالي أربعــة عقــود في        أبحاث التقمص وما يتعلق به. أنه يضع ست مالحظات على افتراضات مؤســس علم

النفس الجنسي، سيغموند فرويد حول موضوع التقمص:

أنه اعتبارا ألقول ومشاهدات العديد من الشهود لحــاالت عديــدة من شــواهد  أوًال7:ــل ــه من عمــل المصــادفات أو فع ــد للموضــوع بأن التقمص، أن تفســير فروي

h ــدا الذاكرة الجمعية في الذاكرة الفردية لشخص ما هي افتراضــات ال تصــح أبفي تفسير أكثر حاالت التقمص التي درستها.

كذلك تفسرها بالتشكيل الـذهني والـتي تفسـر بــالمراجع الحديثــة بالـذكرى    ثانيا7:ــأثير. الخفية – قد تكون مقبولة نوعا ما في بعض الحاالت القليلة الضــعيفة الت أثر تعارف أسرتين تذكر أحداها، إســم أحــد أفرادهــا المتــوفين، مــع نبــذة عن ميوله وأعماله وآثاره وأقواله. لكنها بالفعــل تنتقص كليــة في الحــاالت الغنيــة بالتفاصيل حيث يحتفظ الطفل بطبيعة شخصيته الســابقة في جيلــه الماضــي،ــة ألكثر من سبع سنوات أحيانا دون أي تغيير جوهري في وعيه وشخصيته طيل هذه المدة. كذلك ال تستطيع افتراضات فرويد أن تفسر لنا، معنى المعلومات الشخصية الحميمة والخاصة التي يحملها الطفل من جيله األســبق وشخصــيته الماضية دون االفتراض أن عالقات واسعة ودقيقة، قــد قــامت بين األســرتين،h، مــا هذه العالقات العامة الــتي لم يتم حصــولها في أكــثر الحــاالت. بــل كثــيرا

كانت تحصل عرضا أو صدفة.

ــادة.    ثالثا7: الحواس الخارقة وإدراك ما فوق الحواس بحسب التفسير الحديث للم مع القدرة المتفوقة على التمثيل أو التشخيص هذا االفــتراض يجب أن يبتســر

h حتى يمكننا من تفسير بعض الحاالت النادرة الغنية بالظروف والوقائع. كثيرا

إذ كيــف يمكن لهــذا االفــتراض أن يفســر لنــا، التنظيم الــدقيق والصــحيح        للمعلومات في ذاكرة الطفل، عن طبيعة حياتــه الســابقة وطبعــه وانطباعاتــه وميوله في الشخصية األولى المتوفاة وليس لهذا االفتراض أن يجيب أبدا عن سر المهارات والمهن التي يتقنهــا الطفــل، والــتي لم يكن ابــدا قــد عرفهــا أو

تعلمها في حياته الجديدة.

كذلك يعجز هذا االفتراض، أن يبين لنا، لماذا تحافظ شخصية الطفل لســنوات        عديدة، وبطبيعة وطيدة، قريبة بــل مشــابهة تمامــا، في أكــثر األحيــان لماهيــة الشخصية السابقة. دون أن يكون للطفل أي دوافع أو حوافز تدفعه أو تحفزه

لذلك.

كــذلك يســتغرب، أن يكــون للتــأثير األســري، أو العــائلي، القــدرة على جعــل        الطفل يستمر في شــيء. األمــر الــذي لم يالحــظ علمــاء النفس، وال األطبــاءــوياء على h، وغير األس النفسيون، وجوده حتى لدى األطفال المضطربين نفسيا

أي صعيد كان.

المهارات التي يحسنها الطفل ولم يكن قد عرفها أو تعلمهــا أو حــتى ورثهــا   رابعا7:ــا ال ــتحواذ أو التقمص؟ ولكنن ــالين: االس ــع احتم ــد أن نض ــا ال ب ــه. هن من أبوي نستطيع أن نقطع بأحد هذين االحتمـالين من مجــرد درس المهـارات الجديــدة

فقط.

ألن أكثر مالمح وظواهر هذه الحاالت ال تسمح لنا بــاالفتراض الجــازم ألحــد خامسا7:هذين االحتمالين، االستحواذ أو التقمص.

ألن مطابقة الكثير م هذه الحاالت في تــذكرها للجيلين بدقــة وصــدق يجعــل        h ــا ــروف، أن في علم النفس قانون ــة ألن من المع ــة الدهش ــوع في غاي الموض يقول )التعرف يزيد التـذكر(، واعتبـارا ألصـول هـذا القـانون األكيـد، ال بـد من تفسير هـذه الظـواهر جميعهـا بحسـب نظريـة التقمص الـتي تهيمن هنـا على

كامل الموضوع وتصبح أكثر معقولية بكثير من نظرية الهيمنة أو االستحواذ.

أما الحاالت التي تظهــر فيهــا عنــد الــوالدة أنــواع من المعــامالت أو أحيانــا سادسا7: تشوهات خلقية مــا. فهــذه العالمــات األكيــدة الموثوقــة تقطــع بصــحة تفســير التقمص للموضــوع دون أدنى لبس أو شــك. وحيث أن هــذه الحــاالت ال يمكن تشويهها أو تفسيرها بحسب أية أفكار نظرية، أو نظــرات فلســفية أو نفســية،

ألنها وقائع محصنة ال تقبل غير التفسير العلمي..

ــا         فهي لذلك، وعلى كل حال. تتضمن الحاالت الواضحة الصحيحة وهي تعطين بصورة قاطعة مميزة، الدليل على صحة تفسيرها بالتقمص وتستبعد أي تفسير آخــر

يمثل امتالك الحواس الخارقة للذاكرة الخفية أو االستحواذ.

h، بين كــل التفســيرات        h تمامــا وقد كنت في دراساتي وأبحاثي السابقة، محايــداوالنظريات في عالم النفس بالنسبة للقطع برأي نهائي في هذا الموضوع.

h، من وقد حـافظت على هـذا الموقـف، وقـد كنت أظن أن في ذلـك موضـوعا تشــكيل الــذاكرة باإلضــافة غلى بعض التخــاطر العلمي الماضــوي. ولكنــني وجــدتh، آخذا برأي التفسير الخلودي واالقتناع بالتقمص، كتفسـير وحيـد لجميـع نفسي أخيرا هذه الظاهرات والظواهر الــتي حــيرت العلمــاء ألجيــال وأجيــال. وحيث كنت أشــغلــائع ــذه الوق نفسي دائما في التفتيش على األدلة المصدقة للتقمص وجدت أن كل ه ال بد أن تجد تفسيرها الصحيح في موضوع التقمص الذي يعطيها حقيقتها ويســتجيب لكل القضايا والتساؤالت التي تطرحها. لذلك أرجو أن يقتنع تالميذي وقرائي أنني قدــد توصلت إلى ذلك االستنتاج بطريقة علمية. وأنا أقول ذلك لهم بكل صدق ويقين بع أن عرضت واستحضرت مــا ال يحصــى من الشــواهد واألدلــة. وكــانت قناعــاتي هــذه تزداد اطرادا كما تقدمت في أبحاثي وتعمقت في تحليل الوقائع التي حصــلت عليهــا

بعد طول العناء.

ــير من        h وأصبحت أغنى خاصة بعد مشــاهدة الكث وهذه القناعات قد زادت كثيرا الحــاالت المختلفــة والمتنوعــة من ذكريــات األطفــال العديــدين الــذين تأكــدت بكــلــل ــة التمثي ــة، دقيق ــات مهم ــا معلوم ــون فيه ــانوا يحمل ــة أنهم ك ــائل الممكن الوس والتشخيص، لشخصية خاصة، حميمــة، وصــادقة عن أجيــالهم الســابقة وشخصــياتهم الماضية ومن أهمها ممارسة مهارات ومهن لم يتعلموها في جيلهم الحــالي، بكفــاءة ممتــازة أو معقولـة. وكـذلك من العـامالت الـتي رافقتهم منــذ والدتهم والـتي كـانت

تميزهم في حيواتهم السابقة أو التي احتفظــوا بهــا على أثــر مــوت مفجــع من نــدب على أثر عملية ذبح في جيــل ســابق، أو أثــر رصاصــة أصــيب بهــا أحــدهم في حياتــه الماضية فانتقلت صورتها في الطفل الوليد منذ الوالدة. كذلك منها بعض التشــوهات

الخلقية التي رافقت الوليد الجديد.

كل هــذه الــدالئل، جعلتــني أرى في افتراضــات فرويــد أفكــارا ســلفية ســبقها       h يفتش عن حلـة الـزمن فتجاوزهـا ورفضـها. العلم ال يقـف وال ينتظـر. بـل هـو دائمـا جديدة وحقيقة ذات برهان يقف عليها ويقوى بها ألن العلم هو الحيــاة والحيــاة الــتي ترتكــز على العلم تســتمر وتبقى وتخلــد بينمــا تســقط األوهــام وتضــيع في متاهــات

الغمام.

التقمص حقيقة علمية عالمية )لألخصـائي الـدكتور أيـان ستيفنسـون( – راجـع       .1998 – أيلول 79الضحى العدد

كيف تؤثر األجيال السابقة في الجيل الحاضر؟

قال األخصائي النفسي "جيردهام" إن مهمتنا التالية في طريق نمونا وتطورنــا        هي مهمة معرفة وتمييز مدى تأثير الفكر المتغلغل في المــادة، ولقــد بين في كتابــه

We Are One Anotherأن سبب اهتمامه بتجارب األجيال الماضية هي لجهة تأثيراتها المرضية في الجيل الحاضر، كما تصادف في أثناء العمــل على تحليــل أســباب عــدم استجابة تلك األمراض للوسائل الطبية الحديثة، أن مردها هو تلــك الكــوامن الدفينــة الضاغطة من حياة سابقة على حياتنا الحاضرة، هــذه االكتشــافات تم التوصــل إليهــاh وبــدأت في االنتشــار عــبر المحيــط. طريقــة في الواليات المتحــدة األمريكيــة حــديثا تأثيرها وعملها وصفها األخصائي النفسي "موريس نــذرتون" من "لــوس أنجيلــوس"ــية بالتعاون مع زميلته "نانسي شيفرين"، وهو مؤسس معهد الوعي بالحيوات الماض

في كتابها وعنوانه "المعالجة باألجيال الماضية".

h في طاقة وقــوة العقــل البــاطني،        h مطلقا h قويا يكتب "نذرتون" أنه يؤمن إيماناــة ليس فقط على التقاط أحداث من األجيال الماضية فحسب، بل على مــدى إمكاني تأثره بما يلتقطه من عوارض مرضــية حــادة، وهي الــتي تــترك النــاس في حــال منــدين يشــككون بحقيقــة ــذرتون" أن مرضــى عدي ــة. كتب "ن ــذهول والشــك والريب ال التقمص ألنه لم يجر حتى اآلن التأكد منها وإقرارها كحقيقة ثانية، وهــو ال يجــادل في ذلك ويقول: "إنه يشك فيها، لكن طالما أن هنــاك إمكانيــة إلجــراء تجــارب من أجــلــترجم ترجمــة ــدها، يجب أن نأخــذها بتجــرد كفرضــية مالئمــة مريحــة ت إثباتهــا وتأكيh آخــرين يتكلمــون h وهم في شــبه غيبوبــة يصــبحون أشخاصــا منطقية، كيف أن أفرادا وكأنهم يعيشون في قرن زماني آخر، أو حقبة زمانية أخرى ويأتون بإثباتــات ودالئــل، أو يتكلمون لغة غريبة ثم يقول: "ليس هدفنا إثبات حقيقة التقمص أو حقيقة تجارب التقمصات السابقة، هدفنا الحقيقي والمهم هو إثبات فعاليتــه أثنــاء اســتعماله كــأداة

في شفاء المريض من اضطرابات سلوكية نفسية اجتماعية".

أشرطة تسجيل بلوكسهام:

ربما تكون األشرطة حالة معروفة عن تجارب جيــل مــاض، جــرى اســترجاعها        تحت تأثير التنويم المغناطيسي، أجراها "أرنولد بلوكسهام" وهــو معــالج في التنــويم المغناطيسي تلقى دراسـاته في كـاترديف في مقاطعـة ويلـز، تحت التنـويم صـارت "جانز إيفانز" امرأة أخــرى تــدعى "ريبيكــا" عاشــت في "يــورك" في القــرن الثــاني

، فقــد عاشــت في ســرداب1189عشر وكانت إحدى ضحايا "البــوجروم" في ســنة ــون h لغاية قيام التليفزي مظلم تحت كاثيدرائية، ووجود مثل هذا السرداب كان مجهوال بتصوير برنامج تلفزيوني بريطاني وليس من الممكن أن تكــون قــد عرفتــه في هــذاh لكتــاب لـ "جيفـري ايفرســون" المعنــون بـ "أكـثر من حيــاة الجيل، وكان هذا أساسا

واحدة".

        More Lives Than Oneومن وجهــة نظــرهم الخاصــة ليس المهم أن كــانت استعادة "جانز ايفانز" تجربتهـا المرعبـة في أثنـاء التنـويم المغناطيسـي، هي نتيجـة استعادة تجربة في أحد األجيال الماضــية فربمــا تكــون كمــا يظن البعض انبثقت عن تخيالت ذاتية صادرة عن كوابيس حلمت بها والتصـقت وتكثفت في عقلهـا البـاطني،ــا كــان مصــدرها، إن لم تســتخرج من العقــل ــة أي فهم يناقشــون أن مشــاعر مكبوتh لحياتنــا ويــبين "مــوريس نــذرتون"، كيــف تظهــر آثــار h مــدمرا الباطن قد تصبح ســببا العجالت أو آثار الحروق على جسد المريض أثناء استعادته صدمات قديمة من أجيال ماضية خالل التنويم المغناطيسي كمــا حــدث لهــؤالء البريطــانيين، الــذين تــبين أنهم "كاثاريون"، في حيواتهم السابقة، القوا حتفهم تحت التعذيب في المعتقالت بســبب انتمائهم إلحدى الجماعات الدينية المتصوفة الزاهدة. وفي أحيــان كثــيرة تظهــر آثــار األجيــال الســابقة بشــكل كــوابيس مخيفــة تــتراقص على بحــر الــوعي، لكن تأثيرهــا السيء يزول فيما بعد كما يحصل في الكوابيس الليلية التي تــزول آثارهــا في حالــةh أثنــاء العالج بــالتنويم االســتيقاظ. من هنــا نــرى مصــدر كــل مــا هــو مســتعاد باطنيــا المغنطيســي، غــير مهم على اإلطالق ســواء أكــان مصــدرها في حيــوات ماضــية أم

خيالي بسبب كوابيس ال أساس لها من الصحة.

h أن هنــاك        ليس المهم إثبات حدوث هذه التجارب المؤلمة أم ال، بل المهم فعالh موجودة في عقل المريض تظهر وتؤثر عليه في يقظته وفي أحالمــه، وهــدف أحداثا

هذه المعالجة إبرازها للوعي ليتم إدراكها، ثم إزالتها وإزاحتها.

You يقول الكاتب "فيور" في مقدمــة كتابــه         Have Been Here Beforeأنت( أنوجدت هنا من قبل( إن "هــدف هــذا الكتــاب هــو تقــديم نظريــة التقمص والكارمــا للقارئ لكي يحاول أن يفهم لماذا نحن هنا وكيف نستطيع االرتقــاء بأنفســنا. ليســت مهمتي إقناع أي فــرد بتغيــير معتقداتــه في الماورائيــات أو األثــير بــأي طريقــة على المعتقدات الدينية أو الروحية، ومن لديه تساؤالت عن هــذا الموضــوع فهــذا الكتــابh أما التساؤالت من نــوع: هــل هنــاك تقمص ومــا هي خياراتنــا إذا كــانت يفيدهم كثيرا لدينا خيــارات؟ فهــذا الكتــاب يجيب عن تســاؤالتهم. األحــداث الــتي أرويهــا في هــذا

causeالكتاب ضرورية لفهم الكارما في مضمار السببية & effectكل امــريء لديــه

كارما وهي حلقة متصلة وفهمنا واستيعابنا لهذه الكارما يجعل حياتنا أسهل، وهــدفي من الكتاب مساعدة اإلنسان على تفهم ما يفعله وبــذلك يتجنب تكــرار األخطــاء فيh بعد جيل. عندما أقوم بتنويم مغنطيسي لمريض أتوصــل الحاضر والمستقبل أي جيال إلى فهم عميق لتصرفات الناس وأخالقياتهم أكــثر ممــا أحصــل عليــه من أي مصــدر آخر. من حق القــارئ أن يقبــل أو أن يــرفض هــذه النظريــة أي )التقمص والكارمــا( ومن حقي تنوير الناس بتأثيرات ما يقومــون بــه طالمــا "إن أعمــالكم تــرد إليكم" أوh يــره" بعــد تصــويب h يــره، ومن يعمــل مقــدار ذرة شــرا "من يعمل مقــدار ذرة خــيرا

لتلــك1958الرابطــة الطبيــة األميريكيــة الســابقة للتنــويم المغنطيســي في العــام المعلومات الخاطئة عنه، كان ال بد من تغيير في المجال واالستفادة من هذا المجالh عنهـا أشــياء العالجي الرائع لفهم الحياة بشكل أفضل، كأن نأخذ أشــياء ونعطي بــدال أخرى، المرء له ما له وعليه ما عليه. تجارب العديد في التنويم المغناطيسي قادتنيــام h أي إلم ــابقا ــدي س ــا ولم يكن ل ــة التقمص والكارم ــق بحقيق ــان المطل إلى اإليم بالمعتقدات الدينية الشرقية وتعاليم المعملين الكبار في الشرق أو في الماورائيات. ما توصلت إليه في هذا المضمار جاء من مساعدتي الدائمة للعديد من المرضى من أجل معرفة وفهم مصدر مخاوفهم وسلوكياتهم لكي يتم التخلص منها. لقد أعطتــني

ــال الماضــية ــة أي المعالجــة باألجي Pastالتجــارب ثقــة بهــذه الوســيلة العالجي Life Therapyمن المرتفعات عنــد اإلنسـان ســببه السـقوط h . فإذا كان مصدر الخوف مثال

h تحت التنـويم من مكان مرتفع في جيل مضى، فـإن معيشـته لهـذه الصـدمة مجـددا المغناطيسي قد تخلصه من عقدة الخوف من المرتفعات، فهذا جيد ألن مــا يهم هــو مساعدة المريض. ما اعتدنا على تسميته بـ "الحظ" أو "القدر" في مفهومنا الغربي كلها مصطلحات غـير دقيقـة. إن حاضـرنا هـو نتيجـة ماضـينا والقـدر هـو مـا أرسـينا قواعده في أجيالنا الماضية. العدالة السماوية مطلقة، المعطيات والمواهب هي مــا قــد اكتســبناه ومــا نســتحقه والتجــارب المــرة الــتي نعيشــها هي دروس نتجــاوز بهــا أخطاءنا السابقة لاللتقاء بعــد ذلــك. إنــه قــانون الفعــل وردة الفعــل، إنــه يعــادل فيh أو إســاءة لآلخــرين ســوف المفهوم اإلنجيلي القاعــدة فكــل تصــرف يتضــمن ضــرراh h أم آجال h وبمقــدار حجم اإلســاءة الــتي نعــاقب عليــه عــاجال h أم آجال نعاقب عليه عاجال وبمقدار حجم اإلساءة التي تسـببنا بهـا والمقصـود من ذلـك أن المـرء قـد منح حـقh حق االختيار، إن الروح تنجــذب للوالــدين اللــذين االختيار فنحن مخيرون. هناك دائما يمتلكان الجينات الوراثية والوضــع االجتمــاعي الــذي يســاعد النفس لتهيئــة األســس لتحقيق دروس الكارمـا والجينـات العقليـة أهم من الجينـات البيولوجيـة في تصـميم هيكليــة ومقومــات حياتنــا. إضــافة أن كــل الــدروس واألفعــال اإلنســانية مدونــة في

Acashicالــذاكرة الكونيــة Recordsهــذه التســجيالت الكونيــة هي خالصــة ماضــينا ، وحاضرنا ومستقبلنا وهي مختزنة في عقلنا الباطني. قانون الثواب والعقــاب يشــمل دورة الكارما كلها وبذلك تحصل على سعادة ومعطيات وقدرات نسحبها من رصــيدنا المصرفي في )الذاكرة الكونية(. مالحظة: ال توجد صدقة، بل عملية فعل ورد فعــل، عملية ثواب وعقاب، أواصر المحبــة ال تنفصــم عراهــا وتتجــاذب أرواح المحــبين مــع بعضها البعض وما يفسر أحيانا الحب من النظرة األولى هو أنهم قد ارتبطوا معا في

جيل أو أجيال سابقة.

: في غالبيــة الحــاالت الــتي تعــاملت معهــا وجــدت أنFiore يتابع الدكتور فيور         الحادث المسبب للموت مسؤول إلى حد مــا عمــا يعانيــه المــريض من اضــطرابات،h من المرتفعــات... الخ. عنــدما أعيــد مثال الســقوط من مكــان مرتفــع يســبب خوفــا

العنيفــة، يســتنبط ســبب مخاوفــه المــريض إلى أجيــال ســابقة لكي يعــايش صــدمتهــدية( ــية / الجسـ ــه )النفسـ ــذلك بعض الـ psychosomaticوأعراضـ أوObsession وكـ

h، سيدة ال تجرأ على ترك أوالدها في الــبيت بمفــردهم وساوس وأفكار متسلطة. مثال حتى بعد سن الرشد وسبب ذلك أنه في أحد األجيال عادت إلى البيت لتجــد أوالدهــاh بعد جيل كما إن الشراهة والنهم المؤدي مقتولين فسيطرت عليها عقدة الذنب جيال إلى السمنة الزائدة وجدته عند سيدتين وعنــد رجلين مــاتوا في جيلين في مجاعــات الحمية في هذا الجيل، ولكن تعاودهم الرغبة الشديدة في التهام كل ما يجدونه حتى ولو لم يستســيغوه وبمجــرد أن يعيــدوا معايشــة المرحلــة الصــعبة تعــود األمــور إلى طبيعتها وشهيتهم الزائــدة تتالشــى بــل كمــا وصــفت إحــدى الســيدات إنهــا أصــبحت تستطيع أن تختار ما تريد أن تأكله وتتناول ما تستسيغه فقـط وتشـعر بلــذة الطعـامh. المريض يصاب بنوبة من البكاء والتشــنج أثنــاء معايشــة ومن ثم أصبح وزنها طبيعيا الصدمة، أو حتى بعد أن يستفيق من التنــويم فهــو يحتــاج إلى التهدئــة، لكن بعــد أن يهدأ روعه بفضل التعليمات الالزمة من طبيبه يصبح على بينــة من األســباب الدفينــة الغارقة )في البعد الزمني( فيعيها ويتجاوزها. الشيء الجميل في إعادة معايشة هذهــريض الصدمات أن األلم الكبير ال يستمر إال للحظات وفي بعض الحاالت يتعرض الم إلى نوع من الصدمة تفقده اإلحساس باإللم، لكن المريض، هنــا، ال يصــف األلم. بــل يصف )جسده( الطيفي الـذي يشـعره باإلرتيـاح. وأجمـل مـا في هـذه الجلسـات أن المرضــى يجــدون أن مهــاراتهم وهوايــاتهم وفنــونهم تعــود إلى أجيــال ســابقة. لمنh أن جميع المرضــى من دون اســتثناء يتخلصــون من شــعورهم الســلبي الجميل أيضاh في شــتى القــارات وفي ألــوان )العنصــري(، عنــدما يكتشــفون أنهم عاشــوا أجيــاال مختلفة. الذات اإلنسانية ليس لها جنسية أو لون إنها تولد في مكان يمكنها أن تتعلمh أن المـرء ال يعـود داخله الدروس الالزمة لترتقي وتسمو، ومن الجـدير بالـذكر أيضـا

"إحدى مريضاتيFioreيشعر بالخوف من الموت ويدرك أنه ليس هناك فناء، ويقول ــو h يناجيها، يشرح لها لماذا نحن هنا؟ وما ه أخبرتني أنها أثناء والدة إبنها سمعت صوتا

سبب وجودنا؟

h للعودة إلى اللــه ومــا دمنــا نعيش في مضــمار الســببية        الحقيقة أننا نعبر ممرا "الكارما"، فنحن نتعرض لما يشبه الثواب والعقاب. حــال موتنــا أو مغادرتنــا الجســدh كشـريط مسـجل ثم نعي مـا هي الـترابي نراجـع حياتنـا أو جيلنـا الـذي يمـر سـريعاــة الحسنات والسيئات في أفكارنا، أفعالنا، نوايانا، ميولنا، ندرك التقصيرات وكــل أذي

تسببنا بها لآلخرين والتي يتقرر على ضوئها مصير تقلباتنا.

كما قال "إدغار غايس" )النبي النائم( "المهم هو ما نفعله في جيلنــا الحاضــر:       h "إن المعــاير "ما هي نسبة المحبة والمغفرة والوعي التي نصــل إليهــا"، وقــال أيضــا الذي نقاس به بعد مغادرة الجسد هو مستوى ذبذباتنا التي ترتفع بشكل تصاعدي مع كل عمل خير ومحبة ومغفــرة بينمــا معــايير الجســد الــترابي لألســف هي في نســبة

الثراء، المركز، الوسامة، الجمال، الخ... أما في العـوالم األخـرى فـإن المعادلـة هيفي الحب / التسامح / اإلستنارة... هذا ما يهم فقط.

التقمص واإلضـطرابات النفسـية )معالجــة رواســب العقـل البــاطني( – راجـع       (.1998الضحى العدد الواحد والسبعون )كانون الثاني

التقمص وتجارب عتبة الموت:

شكل الموت الهاجس األكبر للبشرية منذ أن وجد اإلنسان على سطح المعمورة. وهو       h وفناء وانتهاء h فوق قلوب األحياء، الذين يعتبرونه زواال مصدر الخوف األعظم والرعب الجاثم دوما

للحياة. ولالعتقاد بالتقمص دور مهم في تبديد هذه المخاوف والهواجس التي تمتلكها وتؤرقنا. فقدh وراء حقائق ساهم هذا االعتقاد في اختراق أبعاد أخرى لذواتنا ما وراء العالم المحسوس، سعيا

أسمى ومدارك أوسع تجلي غوامض القدر ومجريات الزمان.

وما تتضمنه منNear Death experience وتعتبر ظاهرة "تجارب عتبة الموت"        ــك التجــارب تثبت أن مشاهدات مذهلة أكبر دليل علمي على مصداقية التقمص، فتلــة الموت ما هو إال ممر ونفق عبور من حياة إلى حياة، فالموت هو الوجه اآلخر لعمل الحياة، وليس انتهاء بقدر ما هو بداية لحياة تالية. فما هي إذن تجــارب عتبــة المــوت

NDEوما هي الوقائع المذهلة التي سجلت أثناءهــا؟ لقــد بــدأ العلم منــذ الســبعينات على محمل الجد بعدما سجلت حــاالت "عــودة"NDEيأخذ خبرات عتبة الموت هذه

ألموات فارقت أرواحهم أجسادهم ثم ما لبثت أن عادت إليها بعد فــترة من الــوقت، وتشترك معظم الحاالت بتفاصيل متشابهة كالدخول في نفق مظلم، وسماع أصوات ســماوية واللقــاء في آخــر النفــق بنــور متــألق أو كــائن نــوراني، فيمــا يشــاهد بعض "المفارقين" أنفسهم يسبحون في هالة من النور المشبعة باألنوار واأللوان، وتعــرف البعض على ذكريات حياته الماضية والسابقة في آللئ صورية أو كرات متتالية تصورــال ســابقة، كل منها ذكرى أليمة أو مفرحة وبعضها يصور ذكريات تعود إلى عدة أجي ما يذكر بخيط الوعي الذي يعــبر سلســلة الحيــوات في الفكــر الهندوســي المســمى "سوتراتما". وتصــور تلــك المشــاهدات جاللـة ذلــك الكــائن النــوراني وبهائــه وحنــوه وعطفه على الـروح المفارقـة للجسـد، وكيــف يــبين لهـا عدالـة اللــه وســبب وقـوع األحداث والمعاناة، فتفهم تتابع الحيوات وعالقاتها وروابطها مــع بعضــها البعض قبــل أن تتقمص من جديد في جسد تستحقه، وبيئة تستحقها وتالئمها. ولقــد درس علمــاء غريبيون كبار مئــات الحــاالت المشــابهة وذكــروا تفاصــيلها وأبعادهــا الروحيــة أمثــالــغ"، ــور "رن ــوبلر روس"، ودكت ــيزابيت ك ــهير، و "ال ــوري" الش ــد م ــدكتور "ريمون ال والعالمين األميركيين "كارلي أوزيس" و "همار الدسون"، وأكدوا الحياة بعــد المــوت فيما تشبه العالمة الفرنسية "ماري لويز فان فرانـز" رحلـة المـوت بانتقـال شـرارةــرأي ــار من شــمعة إلى شــمعة، فجــوهر الكــائن يبقى ويتغــير المظهــر، وهــذا ال الن يشاركها به أتباع عالم النفس الشهير "كارل يونغ" الذين يعتبرون أن اإلنسان يواجــه في اللحظات األخيرة من حياته ذاتــه العليــا ووعيــه األصـيل، فينتقـل من حالـة وعي عادي مادي إلى وعي أرقى وأسمى، وهذا ما يذكر بقــول اإلمــام علي "النــاس نيــام

فإذا ما ماتوا استفاقوا".

وكان فيثاغوراس الفيلسوف الكبير يعلم تالمذته أن األنفس تحاســب وتحــاكم        بعد مماتها وقبيل تقمصها على أعمالها المقترفة، ومن ثم ترسل إلى أجســاد أخــرىــات من جديد )ما يشابه القيامة الصغرى(، فيما أعطى أفالطون دالئل مفصــلة وإثباتh عن تجــارب عتبــة المــوت لــدعم حول عقيــدة التقمص عنــد اإلغريــق فــأورد قصصــاــه فكرته، منها قصة اإلغريقي الذي قتل في معركة وبعد فترة من الزمن عادت روح إلى جسده المســجى فــأخبر صــاحبه عمــا حــدث لــه أثناءهــا فــذكر أنــه حضــر أمــامــه مجموعة من القضاة الذين أشاروا إليه بأن يخبر الناس بكل ما شــاهد، مؤكــدين ل أن األرواح تشقى أو تســعد على قــدر مــا اقــترفت في حيواتهــا الماضــية ثم ترســلــالتقمص في ــد ب h إلى أجساد جديدة. حتى أن الشاعر الروماني "فرجيل" اعتق مجدداh القرن األول قبل الميالد ونسج رائعتــه "اإلنيــادة" على منــوال هــذا المعتقــد، واصــفا كيف تصفى النفوس من خطاياها بعد الموت ثم ترسل إلى حقل "اإليلوسيوم" ومن

h في أجســادLetheثم إلى نهر حيث تمحى تلك الذكريات ليسنح لهــا الــدخول مجــددافانية.

إنــه العلم اليــوم ذاك الــذي يبحث عن حقــائق مــا بعــد المــوت وخلــود الــروح        وتقمصها بعد أن تجاهلتها الفلسفة لقرون عدة وحــذفت من الكتب الســماوية واتهم بالهرطقة كــل من اعتقــد بهــا. إنــه العلم ال الفلســفات واألســاطير، ويثبتهــا بــالبحث والتجربة والبرهان. وكم من عالم في الغرب أيقظته تلك التجارب من سباته الماديh لمعرفة المزيد عن حقــائق الــروح ورحلتهــا h متشوقا ليرنو إلى عالم الروح مستقصيا من سواحل األزلية إلى شواطئ األبدية عبر األقمصة الــتي ال تحصــى، والستشــراف الحكمة اإللهية عبر تلك الشرارة المقدســة الكامنــة في أعمــاق ذواتنــا الــتي تغلفهــا الحجب الشحمية وتعوقها عن قبس أنوار الذات القدسية، ولصقل الصدأ المادي عن مرايا الروح الصقيالت... في الغرب تستقظ العقول من غفلة المــادة... فــإلى مــتى

سنبقى في سراديبها نائمين؟!!

.1998 – أيار 75 الكائن النوراني ويقظة األرواح – راجع الضحى العدد        

التقمص اليوم:

h لتقديرات متحفظة، يؤمن أكثر من خمس األميركيين البالغين بالتقمص، وبالتحديد        وفقا خمس المسيحيين منهم. واألرقام تتقارب مع مثيالتها في كل من كندا وأوروبا. وصرح إثنان

وعشرون بالمئة من األميركيين بأنهم منفتحون على هذا المعتقد رغم عدم تأكدهم من صحته بعد.

إن النسبة المئوية للمسيحيين في أميركا الــذين يعتقــدون بــالتقمص تتســاوى       h مع نسبة المؤمنين من مجمل عدد الســكان في اســتطالع للــرأي أجــري عــام تقريبا

h باألســماء. لقــد تــبين أن 1990 بالمئــة من21. وقــد أعطى اســتطالع آخــر تحديــداــون( و ــاديون، واللوثري ــون، المعم ــتانت )وبينهم الميثودي ــة من25البروتس في المئ

الكاثوليك يؤمنــون بعقيــدة التقمص. ولرجــال األكلــيريوس الــذين قــاموا بحســاباتهم مليون مسيحى أميركي يعتقدون بالتقمص.28كانت النتيجة:

لقد شرع اإليمان في التقمص في منافسة معتقــدات رئيســية في المســيحية.        بالمئة من اللوثريين في البالد يؤمنون14 أن 1992في الدنمارك كشف تقرير عام

بالمئة فقط بالمعتقد المسيحي في البعث والنشور.20بالتقمص في حين يؤمن

وهذه التحوالت في المعتقدات المسيحية تشير إلى نزعــة يطلــق عليهــا بعض        الباحثين ديانة الغرب ما بعد المسيحية. إنها ابتعاد عن ســلطة الكنيســة ورجــوع إلى ماض غنوصي نحو إيمان أكثر إنسانية يرتكــز على االتصــال باللــه في داخلنــا، إيمــان يشدد على ذلك االتصال فوق عضوية الكنيسة، ويرفض بعض المبادئ التي أصــبحت من خصــائص المســيحية منــذ القــرن الرابــع الميالدي: كــالجحيم، والبعث الجســدي والفكرة التي تقول بأن لدينا حياة واحدة على األرض. بعض الملل المسيحية تحــاولh للتقمص داخل المسيحية والمعتقدات المتصلة به فيما تعارض مــذاهب أن تجد مكانا

أخرى هذه الفكرة.

–81 مقتبســات من فكــرة التقمص تجتــاح الماليين – راجــع الضــحى العــدد         .1998تشرين الثاني

خالصة القول:

ــروح وتقمصــها ليس حكــرا على الموحــدين في الشــرق        ــود ال إن مفهــوم خل األوسط فقط وال بدعة حديثة الظهور بل عقيدة لها جذور عميقة في ذاكرة كل فــرد منا كما تشهد بصــحتها الفلســفة اليونانيــة والحكمــة القديمــة والفلســفات الشــرقية

باإلضافة إلى آيات عدة في التوراة والقرآن الكريم واإلنجيل المقدس.

كــل البشــر يتقمصــون. وال تســتطيع الــروح أن تعــبر عن نفســها إال من خالل        حلولها بالجسد، الذي هو مطية الروح. وال يمكن أن تختفي الروح في طبقات األثــيرh بكيانها الخاص الممــيز الــذي حباهــا اللــه بــه، وتفقد كيانها، إن عليها أن تحتفظ دائما والذي على أساســه سيخضــعها اللــه للحســاب وبشــكل مســتقل عن بــاقي األرواح.ــة لالســتمرار والتحصــيل ــدة التقمص ضــرورة منطقي فبالنســبة للموحــدين، إن عقي المعــرفي باألصــل. والموحــدون ال يشــعرون بــالعجب وال بــالغرور عنــدما يتــذكرونh على أحد على الرغم من أنهم يعلمون حيواتهم السابقة، ولم يفرضوا معتقدهم يوما التقمص منذ ما ال يقل عن األلــف ســنة وكموحــدين آمنــوا بــالتقمص في كــل عصــرــني معتقــدهم ألن h أو يحــاولوا أن يســتميلوا الغــير إلى تب وزمن. ولم يلتمســوا يومــا التقمص بالنسبة لهم هو أكــثر من معتقــد، هــو القــانون الــذي بدونــه يفقــد اإلنســان قدرتــه على معرفــة أبعــاد العدالــة اإللهيــة ومعالجــة مجريــات حياتــه اليوميــة. إنمــا وقوعات النطق )أي تذكر الحيــوات الســابقة( تحصــل عنــد المعتقــدي بهــا أكــثر منh للصور واألحداث التي تمر على غيرهم ألنهم بإيمانهم بحقيقة التقمص يولون اهتماما شاشة ذاكراتهم )إن عبر الحلم أو الغيبوبة الروحية أو الرؤية(. فقابلية تذكر الحيواتh، فهي قابلية موجودة وهاجعة h على الهندوسيين أو البوذيين مثال السابقة ليست حكرا في كل نفس تظهر من القوة إلى الفعــل حســب ظــروف الزمــان والمكــان والبيئــة التي ينشأ فيها اإلنسان. وهي تكون على أشــدها بين الســنة الرابعــة والسادســة من

العمر. ولذلك فإن الولد الذي يبدأ بتذكر شذرات من حياته السابقة إنما تمر مروياتهh ما يــرد األهــل في هــذه h في بيئة ال تؤمن بالتقمص. فكثيرا دون انتباه إذا كان مولودا الحالة كالم الطفل إلى خيال األطفـال المفـرط وكـأن عقـل اإلنسـان يعمـل كمولـد للصور متجاهلين أن ليس في عالم العقل خرافات إنما هو عــالم األفكــار المســتقاة من الصور التي ال تفنى و"سبيل الفكر إلى ما فقــد وليس إلى مــا جهــل". وهكــذا ال

h فال تلبث أن تخبو وتزول. تلقى هذه القابلية تشجيعا

 

قسم التوثيق في جلة الضحى

مبادئ التوحيد

قـدم الكـونقصة الخلق كما في سفر التكوين:

كانت بداية العالم المياه البدئية، أو مياه الغمر: "وعلى وجه الغمر   اليوم األول: ظلمة، وروح الله ترفرف على وجه المياه"، فخلــق اللــه النــور و "قــال

الله: ليكن نور، فكان النور".

ــاه...   اليوم الثاني: ــد في وســط المي تم فيه خلق السماء: "وقال الله: ليكن جل وفصل بين المياه التي تحت الجلد، والميــاه الــتي فــوق الجلــد... ودعــا

الله الجلد سماء".

تم فيه خلق األرض والبحار والنبات: "وقــال اللــه: لتجتمــع الميــاه   اليوم الثالث: تحت السماء إلى مكان واحــد، ولتظهــر اليابســة... ودعــا اللــه اليابســة

."h h وقال الله: لتنبت األرض عشبا h، ومجتمع المياه دعاه بحارا أرضا

وفيه تم خلق النجوم والزمان والشــمس والقمــر والليــل والنهــار:   اليوم الرابع: "وقال الله: لتكن أنوار في السماء، لتفصل بين النهــار والليــل، وتكــون

آليات وأوقات وأيام وسنين"، ثم "عمل الله النورين العظيمين".

وخلــق الزحافــات والطيــور بأنواعهــا: "وقــال اللــه: لتفض الميــاهاليوم الخامس:زحافات ذات نفس حية، وليطر طير فوق األرض".

تم فيه خلق الحيوان واإلنسان: "وقال اللــه: لتخــرج األرض ذواتاليوم السادس: أنفس حية كجنسها بهائم ودبابات ووحوش"، "وقال الله: نعمل اإلنسان على صورتنا كشبهنا... فخلق الله اإلنسان على صــورته"، وجبــل الــرب

h ــة، فصــار آدم نفســا h من األرض، ونفخ في أنفــه نســمة حيوي ــا آدم ترابحية".

هو يوم الراحــة: "وفــرع اللــه في اليــوم الســابع من عملــه الــذي  اليوم السابع:عمل، فاستراح في اليوم السابع".

h وجعل هناك اإلنسان الذي جبله. وأنبت الرب اإلله        "وغرس الرب اإلله جنة" في عدن شرقا من األرض كل شجرة حسنة المنظر وطيبة المأكل وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة

معرفة الخير والشر".

ــرب        "وأخذ الرب اإلله اإلنسان وجعله في جنة عدن ليفلحها ويحرسها، وأمر الh: من جميع أشجار الجنة تأكل، وأما شجرة معرفة الخير والشر فال اإلله اإلنسان قائالh" "وقال الــرب اإللــه: ال يحســن أن يكــون تأكل منها، فإنك يوم تأكل منها تموت موتاh على h عميقـا h يناســبه... فـأوقع الـرب اإللـه ســباتا اإلنسان وحده، فألصـنعن لـه عونــا اإلنسان فنام. فأخذ أحد أضالعه وسد مكانهــا بلحم. وبــنى الــرب اإللــه الضــلع الــذي

أخذه من اإلنسان امرأة، فأتى بها اإلنسان".

"وكانت الحية أحيل جميع حيوانات الحقول الــتي صــنعها الــرب اإللــه. فقــالت        المرأة: أيقنا قال الله: ال تأكال من جميع أشجار الجنة؟ فقال المرأة للحية: "من ثمار أشجار الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة، فقال اللــه: ال تــأكال منــهh ال تموتــان، فاللــه عــالم أنكمــا يــوم وال تمساه كيال تموتا. فقالت الحية للمرأة: موتــا تأكالن منه تنفتح أعينكمــا وتصــيران كآلهــة تعرفــان الخــير والشــر. ورأت المــرأة أن الشجرة طيبة لألكل ومتعة للعيــون وأن الشــجرة منيــة للتعقــل. فأخــذت من ثمرهــاــا ــا أنهم ــا وعرف ــانفتحت أعينهم ــل. ف ــا فأك ــذي معه ــا ال h زوجه وأكلت وأعطت أيضــا عريانان". "فقال الــرب اإللــه للمــرأة: مــاذا فعلت؟ فقــالت المــرأة: الحيــة أغوتــنيــة األرض بســببك.." h... فملعون فأكلت... وقال للمرأة: ألكثرون مشقات حملك تكثيرا

فأخرج الرب آدم من جنة األبدية.

كما في اآليات القرآنية:

h حيث شئتما وال تقربا هذه الشجرة        "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجتك الجنة وكال منها رغدا فتكونا من الظالمين. فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه. وقلنا اهبطوا بعضضكم

(.35 – 36لبعض عدو ولكم في األرض مستقر ومتع إلى حين..." )البقرة

إن سفر التكوين والقرآن ليسا أول الكتب التي تكلمت عن قصة الخلق. إن بعض الشعوب       h. فالقصة السومرية ترجع إلى سنة ق.م.،4000الغابرة في القدم كان لها قصتها عن الخلق أيضا

كما أن معظم الروايات حول الخلق بقي أثرها في الروايات البابلية. هذا باإلضافة إلىالمخطوطات والكتابات التي وجدت في مصر القديمة ولدى حضارات الشرق األقصى.

المنظار التوحيدي:

في معظم هذه الروايات نجد أن قصة الخلق تتشابه. على سبيل المثال، إن المياه كانت        األساس في بدء الخليقة. فالسومريون كانوا أول من آمن بهذا االعتقاد، ثم تبعهم فيه البابليون

والسوريون الذين سموا إله المياه "يم"، وهو ما يعني في اللغة العربية "بحر". حتى اإلغريق لمh المياه أو يبتعدوا عن هذا المعتقد، فاإلله أوقيانوس، وهو أصل الخلق عند اإلغريق، يعني أيضا

المحيط. ثم أتت التوراة ومن بعدها اإلنجيل والقرآن ليؤكدا ما تقدم. ومع ذلك فإن إجماع المتدينين التقليديين من كافة األديان على أن المياه هي العنصر األساسي في عملية الخلق لم

h إلقناع الروحيين القدماء أكثر مما كانت نظرية طاليس المالطي ) ق.م.( أن546 – 640يكن كافيا المياه هي العنصر األساسي للتكوين بالنسبة للفالسفة الذين سبقوا سقراط. ال شك أن هذه القصص كانت موجهة إلى عقول العامة وليس القصد من هذا القول أن الحكماء كذبوا هذه

الروايات، بل أنهم عرفوا كونها قدمت في الكتب السماوية بهذا األسلوب لكي يفهمها العامة.

h أن الرواية التكوينية للخلق في أسفار العهد القديم والجدي وفي القرآن الكريم فمن الواضح جدا يجب أن تؤخذ بدالالتها العميقة ال السطحية، وال حاجة للفرد منا أن يتمتع بروحانية أو تفكير

h من قبل العديد من "إيزوتيري" لكي يخلص إلى هذه النتيجة. فتفسير رواية آدم وحواء حرفياالكتابيين المتطرفين شكل الكثير من الجدل الالمتناهي عبر العصور، على سبيل المثال:

الزعم بأن حوالي الستة مليارات بشري الذين يسكنون األرض اليوم، والذين يحملون كل  -1 هذه االختالفات الجسدية والحضارية، والفوارق التكوينية في صورهم وهياكلهم تحدروا

h عن المعقول لدرجة أن اإلنسان قد يقبل أي بديل عن جميعهم من الثنائي اآلدمي، يبدو بعيداقصة الخلق، حتى ولو كان هذا البديل هو نظرية داروين في التطور الجيني.

h. باإلضافة إلى أن  -2 إن مبدأ تكون حواء من ضلع آدم )ذا أخذ بحرفيته( يبدو غير طبيعي إطالقاh عن كل اآلثام جعل الجنس األنثوي هو المسؤول عن هبوط آدم من الجنة، وبالنتيجة مسؤوال

h في قبول قصة آدم وحواء كما أنه شوه مفهوم العدل اإللهي لدى في العالم، أثر سلبا اإلنسان. هذا التشويه في مفهوم العدل اإللهي أوحى بأن الخالق، على أحسن تقدير، فشل

)وحاشا أن يفشل( في تقديم حقيقة الجوهر اإللهي بصورة تتجاوز صورة األبوة والسلطةالتي يتخذها اإلنسان عن الله.

7000 إن االعتقاد بأن الوجود البشري يعود في القدم إلى آدم وحواء )اي حوالي ما قبل   -3 عام( هو اعتقاد أكد العلم خطأه، فإن العلماء قد عثروا على العديد من البقايا البشرية

المتحجرة التي يعود تاريخها إلى ماليين السنين. باإلضافة إلى ذلك، فإن وجود صروح أثرية عجيبة مثل األهرامات في مصر والمكسيك هو برهان كاف لرفض كلتي الفكرتين، الرواية التقليدية والنظرية الداروينية. فالحضارة اإلنسانية كانت موجودة، على األقل، خالل فترة

بناء هذه الصروح والتي يعود تاريخ بعضها إلى ما قبل الحقبة اآلدمية. وال شك أن المعرفة التي استخدمت في بناء هذه الصروح والتكنولوجيا المستخدمة لذلك الغرض كانت متقدمة

h. وهذا ما يتعارض مع النظرية الداروينية في h إلى درجة تفوق التكنولوجيا المعروفة حديثا جدا التطور التي، تبعا لما تقول، فإن التكنولوجيا التي استخدمت في بناء األهرامات، ال بد أن

h منذ ذلك الوقت. تكن قد تطورت عكسيا

المقصود في مفهوم األسفار التوحيدية لقصة آدم وحواء هو الخلق الروحي وليس الجسدي        كما يعتقد الكثيرون. إن القصة هي قصة والدة الروح، فوالدة المادة هي تعبير ال إرادي للوالدة الروحية. من أقوال اإلمام السادس جعفر الصادق: "المؤمن أخو المؤمن من أمه وأبيه. أبوهما

النور وأمهما الرحمة". النور في المفهوم التوحيدي يرمز إلى "العقل الكلي" والرحمة ترمز إلى"النفس الكلية".

من الواضح أن الصادق ربط جوهر األخوة واألبوة باإليمان. فوحده اإليمان، وليس الدين        )بالمفهوم البشري السائد( أو العرق أو الدم، هو ما يحدد األخوة الحقة، وهو أخوة الروح. هذا

المبدأ يلقي بعض الضوء على طبيعة األبوة الروحية التي منها ولدت األرواح.

( "وإن عليه النشأة األخرى"62 "ولقد علمتم النشأة األولى فلوال تذكرون". )الواقعة:        (.47)النجم:

إن هذه اآليات من القرآن الكريم تؤكد أن النشأة أو الخلق يتعلق بنوع من الوالدة       

السابقة التي يذكرهم بها. ففي اآلية األولى، يتذكر البشر الخالق من خالل الوالدة األولى. وهذه

h، أراد أن يعرف فخلق h مخفيا الفكرة تؤكدها عقيدة التوحيد، فالله في الحديث القدسي كان كنزا

h الخلق وحقق إرادته بالمعرفة من خالل خلقه. قد يكون هذا معنى الخلق المادي. ولكن تبعا

لعقيدة التوحيد التي تكمن أهميتها إنها تتفق مع المنطق العقالني الصافي، فإن الخلق هو خلق

العقل الكلي الذي يعرفه اليونان بإسم الـ "لوغوس" فكون الله أقرب في جوهره إلى الوعي من

المادة، فهو ال يعرف إال عبر ما هو مشابه له في الجوهر )أي العقل البشري المنبثق كشعاع

الشمس من العقل الكلي(. وهذا يشير إلى أن أهمية الخلق ال تكمن في خلق الجسد اآلدمي على

ي أو العقل المبدع قبل الزمان والمكان والمادة.ـقدر ما تكمن في خلق الوع

معظم األديان واالعتقادات، بشكل أو بآخر، وعلى الرغم من اختالفاتها تعترف بأن الخالق       

h هو صورة صافية من الله. كما تؤكد أن الخالق أعان هذا المخلوق بالنور خلق في البدء كائنا

والقوة وجعله سبب الخلق المادي والروحي على السواء. وهذا الكائن يسمى في مختلف

الديانات السماوية آدم. وجميعها تتفق على أن آدم جبل من تراب على صورة الله. العهد القديم

يؤكد أن آدم جعل على صورة إله بني إسرائيل. كذلك تخلص سائر األديان السماوية إلى أن آدم

ولد من دون أبوين.

فكيف إذا يمكن لكائن بشري أن يولد من غير والدة جسدية؟       

إذا تأملنا في صحة قصة الخلق لوجدنا أنها ال يمكن أن تكون موضوع خلق مادي.       

فلماذا إذا اختبر التراب ليكون مادة لخلق آدم؟       

h أفضل؟        إذا كان اختيار الله قد وقع على التراب لتفاوته، أفال يكون الصخر أو الماء اختيارا

h أكثر نقاء وأقل تلوثا من التراب. فالصخر مثال

h من التراب. ولكن إذا كان آدم أفضل مخلوقات        يعتبر البعض أن آدم يمتاز بكونه مصنوعا الله، أفلم يكن من األفضل لو اختار الله أحد المعادن الثمينة أو األحجار الكريمة كالذهب أو

الماس لصنعه؟

أما بالنسبة لمن يقول: "ادم مكرم ألنه لم يتلوث بدم امرأة". فلماذا لم يكرم الله سائر       األنبياء بنفس الطريقة؟

h، فالمعتقد        حتى في القراءة الحرفية لقصة آدم وحواء، نجد أن التفسير لم يكن صحيحا السائد أنه حين خلق آدم، لم يكن هناك أي كائن بشري آخر. لكن أي قراءة للنص ولو كانت

سطحية تفضي إلى أن حياة البشرية كانت موجودة على األرض قبل ذلك. الدليل األول موجودفي التوراة ف قصة قابيل وهابيل.

فالقصة تقول إن الله خلق حواء من ضلع آدم وهي حبلت منه يقابيل وهابيل. ثم أن حسد       قابيل وكرهه ألخيه جعاله يقتل أخاه. ثم، كما ورد في النص، قال قابيل لله الذي عاقبه:

"ذنبي أكبر من أن يغفر. إنك قد طردتني اليوم عن وجه األرض ومن وجهك أستتر وأكون       h عن األرض فيكون أن كل من وجدني يقتلني. فقال له الرب، لذلك قل من قتل قابيل h شاردا تائها

فسبعة أضعاف يقاد به. وجعل الرب لقابيل عالمة لئال يقتله كل من وجده".

إذا كان آدم وقابيل هما البشريان الوحيدان بعد مقتل هابيل، فلماذا يضع الله عالمة لقابيل       لكي ال يقتله من يراه؟

رؤية المالئكة:

ويأتي الدليل الثاني من القرآن وإن يكن أقل وضوحا من األول إنما يسهل فهمه حتى على       من يلتزم بالقراءة الحرفية لآلية:

ل فيها من يفسد فيهاـة قالوا أتجعـ "وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض خليف       (.30دك ونقدس لك قال إني أعلم ما ال تعلمون". )البقرة: ـويسفك الدماء ونحن نسبح بحم

إن رد المالئكة على إعالن الله فيه ما يوحي بتجربة بشرية سابقة آلدم انتهت بكارثة ما.        فالمالئكة بدو وكأنهم مترددون حول مشيئة الله بإخضاع األرض لمثل هذه التجربة وكأنهم قد سبق

وتعرضوا لمثلها. يقول البعض إن للمالئكة رؤيا للمستقبل وأن ردهم كان من باب الخوف من أن الشر سوف يسود في األرض. ولكن في جميع الحاالت، أكان قول المالئكة رواية ألحداث حصلت أم تنبؤا لما سوف يحصل، فإن الشر المتمثل بوصف المالئكة، شر مادي دنيوي يوحي بحرب أو

مذبحة مما يؤكد على األقل وجود خلفية أرضية الحتجاج المالئكة.

"وعلم آدم األسماء كلها ثم عرضهم على المالئكة فقال انبؤوني بأسماء هؤالء إن كنتم        صادقين. قالوا سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. قال يا آدم أنبئهم

(.31 – 33بأسمائهم..." )البقرة

لماذا آدم، ذاك المخلوق األرضي، له علم بما ال تعلمه المخلوقات السماوية؟       

فإذا كانت المالئكة تجهل طبيعة آدم، فكيف تستطيع أن تتنبأ بمستقبل يتعلق بالرحلة       اآلدمية على األرض إن لم تكن قد شاهدت رحلة مشابهة لها؟

ثم لماذا تتنبأ المالئكة بالمستقبل لله، خالق الزمان والمكان، عالم كل شيء، أليس من       الخطأ أن نستخلص من نص كتابى أن يكون المخلوق في موضع إعالم الخالق عن أمر ما؟.

في جميع األحوال، يبدو أن المالئكة الذين يتحدث الله إليهم عن آدم ليسوا مالئكة بالمعنى        الذي يصوره العامة عن المالئكة ككائنات طائرة تحلق في السموات، وهذا مما يؤكده المعتقد

h بشر. فلو كانوا التوحيدي. إن قراءة النص قراءة أعمق تقضي إلى أن إبليس والمالئكة هم جميعاh مجردة لكان من الضروري أن يكونوا أعلى مرتبة من آدم، الذي هو أفضل مخلوقات الله. أرواحا

قد يزعم البعض أن طبيعة آدم البشرية قد تكون األكمل وليس بالضرورة أكثر قدسية. أي       h في عين الله. ولكن حتى إذا h كامال أن علو شأن آدم مرتبط بترابيته وهذا مما يجعل منه مخلوقاh للمعرفة التامة؟ فمن الواضح h عن الكمال، أفليست القدسية سببا h منفصال كانت القدسية جوهراأن المالئكة أمروا بالركوع أمام آدم ألنهم كانوا أقل معرفة" منه فكيف يكونون إذا أكثر قدسية؟

باإلضافة إلى ذلك:

كيف يخلق الله إبليس من طبيعة أكثر قدسية من طبيعة آدم؟

h من الخير؟  كيف يمكن أن يكون الشر أكثر روحية وتجردا

هذه الفكرة ليست فقط غير مطابقة للنص بل وخطرة، إذ أنها تقضي إلى القول بأن الشرأقوى من الخير، وهو ما يعاني منه عالمنا هذه األيام.

كذلك، فإن جملة "إال إبليس أبي واستكبر وكان من الكافرين" تؤكد أن إبليس لم يكن

h بين الذين كفروا. وهذا يتعارض مع الفكرة القائلة بأنه لم يكن ثمة خلق قبل آدم وحواء وأن وحيدا

حواء هي أول من تعرض له الشيطان. كما أنه يتعارض مع الفكرة القائلة بأن الشيطان هو

المسؤول الوحيد عن كل الشرور التي يراها اإلنسان على األرض. إن فكرة كون إبليس بشريا

h تحل h عن كونه روحا h آخرين عن طريق الحيلة والخداع وتلبيس الباطل بالحق عوضا يضلل بشرا

بهم وتضع مسؤولية أكبر على البشر لكي يتحكموا بقدرهم ويميزوا بين الخير والشر والنور

والظلمة وغير ذلك من االزدواجات والتناقضات. كما أنها تجعل عالم الشر عالما يمكن فهمه

h لمقاييس تفوق والتهرب منه من خالل اإلرادة الذاتية واعتماد الفكر والعمل الصحيحين )وفقا

h( وليس بالشرط من خالل االعتماد على الكهنة والرهبان التقاليد والقوانين واألخالقيات عمقا

 واألئمة والشيوخ دون تمييز وروية.

h، وإذا كان آدم يحمل في طبيعته بذور األلوهية، أفليس من المنطق أن تكون هذه أخيرا األلوهية هي في اإلرادة الحرة والخيار الحر الممنوح للبشر عوضا عن المادة العضوية الدنيوية؟

h أمام رياح أوليس القول أن صورة األلوهة في آدم هي ذلك المجبول من الطين الذي يقف عاجزاh من شأن صورة الله؟  قوى الشر تقليال

توحيد ما قبل آدم:

h لعقيدة التوحيد إن الرحلة اآلدمية التي ابتدأت منذ حوالي الـ         عام لم تكن بداية7000 وفقاh من األدوار العديدة السابقة التي منحت فيها البشرية فرصة التعرف على الخليقة بل كانت دورا

الخالق والتي انتهت بكوارث عظيمة محيت آثارها من التاريخ. ويتحقق الموحدون بمحاوراتأفالطون من ثبات هذه العقيدة )أي قدم الكون(:

لقد حصل، وسوف يحصل، تدمير للبشرية لعدة أسباب، أعظمها ما يأتي من النار والماء،       وغيرها أقل عظمة ألسباب أخرى ال تحصى. )تيماوس(.

h لمحاورات أفالطون( كانت نتيجة الحروب الدائمة بين        إن هذه التغييرات أو الكوارث )وفقاh ما أدت إلى االستعمال الخاطئ للقوى الروحية والمادية يمكن قوى الخير والشر والتي غالبا

مقارنتها بخطر االستعمال النووي الذي يهدد العالم اليوم.

 

األلفية السابعة... وبزوغ فجر العصر الذهبي

"سبعة"، عدد يلقي في النفس جالل القداسة وبهاء الكمال، "سبعة" نغمة سحرية تصدح       h يمجد ارتقاء الروح في معارج الجمال، "سبعة" طلسم أصداؤها في رحاب سماوات الذات نشيدا

خفي يرصد مفاتيح مغاليق المعرفة ومن عرف فكاكه تفتحت له نوافذ العرفان، وانسلت ألجله عرى قطيبات الحجب الخافيات، ليتناغم مع إيقاعات سباعية متناظرة األبعاد، كأبعاد كواكب

المنظومة الشمسية والسدم والمجرات، وجزيئيات العالم األصغر وعوالم الجزيئيات، وليدرك حكمة بنت على أعمدتها السبعة هياكل االنتهاء والتغير والتجدد والكمال. ما السر وراء هذا العدد الذي اعتبرته الفلسفة الفيتاغورية العدد األقدس ورمز الكمال؟ وما هي حقيقة السماوات السبع

الطباق واألرضين السبع؟ وما عالقة أفالك الذرة السبعة بأفالك الكواكب السبعة التي أطلقتh على أيام األسبوع السبعة؟ وما الرابط ما بين تجدد خاليا الجسم البشري بأكمله أسماؤها قديما

كل سبع سنوات والسلم الموسيقي المسبع الدرجات حيث يتجدد مع انتهاء النغمة السابعة بنغمة قيثارية أرقى؟ إنها الحكمة اإللهية حيث "كل ما بلغ سبعة انتهى وجب تغييره وحدوث غيره" في نظام محكم يخضع له العالمان األكبر واألصغر ومسار الزمان وكينونة المكان وما ورائهما. لقد

( مكانة مقدسة لدى حضارات الشعوب القديمة، كالبابلية والفينيقية7عرف العدد سبعة ) واألشورية والقرعونية وعند الفرس واإلغريق، واكتسب الكثير من الدالالت والرموز في األديان

والرساالت، والجذر اللغوي للكلمة يعني الكفاية والتمام أي الكمال، وفي القرآن الكريم "لقدh من المثاني والقرآن العظيم" )اللحجر (. والمثاني السبع حسب التفسيرات هي86أتيناك سبعا

h. ثم h وراقبه سبعا آيات سورة الفاتحة، وقال النبي العربي الكرمي "العب ولدك سبعا"، وأدبه سبعا اجعل جعله حيله على غاربه" دون أن ننسى السنابل السبع "في كل سنبلة مائة حبة"، ونجد عند

اليهود "السبت" وهو اليوم السابع، ويحتفل اليهود في عيد المظال سبعة أيام. وفي المسيحية، تقرأ في سفر الرؤيا ليوحنا أن حمل الله يجلس وسط سبع منائر وفي يده اليمنى سبعة كواكب، ونقرأ عن األختام السبعة والمالئكة السبعة الذين يحملون الجامات السبعة المملؤة من الضربات

h حول األزمنة السبعة، وغيرها الكثير. وفي البوذية السبع األخيرة، وفي سفر دانيال نقرأ كالما

انتقل "سيداهارتا غوتاما" من رتبة اليوذيستاف إلى رتبة بوذا خالل سبعة أسابيع، وال تغفلh والشواهد كثيرة. كما ويفتخر اإلغريق بحكمائهم السبعة، الهندوسية عن قدسية هذا العدد أيضا

h للحكمة والعرفان... Gويعتبر الحرف الالتيني السابع ومن منا لم يسمعGod - Gnosis رمزا بعجائب الدنيا السبع، كاألهرامات ومنارة اإلسكندرية وحدائق بابل وتمثال جبار رودس وتمثال جوبيتر األولمبي ومعبد هالكرناس وهيكل ديانا في أفسس. ونجد في الطبيعة أن ثقوب وجه

، وألوان الطيف أو قوس7 × 4 = 28اإلنسان سبعة، وطوله سبعة أشبار بيده، والشهر القمري القزح سبعة، وهذا كله غيض من فيض، رموز ودالالت العدد وقدسيته في األديان والحضاراتh عن األساطير. وفي النهاية، نستخلص الحكمة ونتساءل والعالم على وشك والفلسفات فضال

دلـة هذا القرن، هل تبـة الفلكية "برج الدلو"، مع نهايـالدخول في األلفية السابعة، أي من الناحيh ثانية" ويع م الكون العصر الروحاني الذهبي؟ الجواب عند من يفقه أسرار األدوارـاألرض أرضا

السبعة!!

 

في التوحيد تعتبر الرحلة اآلدمية كفرصة أخيرى للبشرية لمعرفة الحقيقة التي قدمت لها       في أدوار سابقة: قبل آدم بأدوار عديدة.

إنك في الواقع ال تتذكر سوى طوفان واحد، ولكنه كان هناك العديد كما أنك ال تعرف أنه       h أفضل وأنبل عرق بشري وإنك وكل مدينتك تحدرتم من بقية من نجا. في هذه األرض عاش سابقا

)تيماوس(.

من هم المالئة؟

إن المالئكة في قصة آدم )من المنظار التوحيدي( هم من يشير إليهم القرآن "بالسابقون".        فالسابقون )بالمفهوم التوحيدي( هم الموحدون األوائل الذين خضعوا للتجربة في األدوار السابقة

ثم أتوا في هذا الدور على صورة أنبياء أو حكماء مثل "أيوب" )الذي ضربت في قوة صبره األمثال(. هؤالء استطاعوا فهم الرسائل النيرة التي أرسلت إليهم في أدوارهم السابقة، كما فهم

الموحدون الحقيقة المتواصلة التي أتت في هذا الدور على شكل فلسفات وأديان من بينهاالديانات السماوية الرئيسية الثالث.

أما الجن فهم )بالمفهوم التوحيدي( قوى الشر الذين فشلوا في تجارب األدوار السابقة       h لما وعد به الشيطان بمنحه وأتوا بالبشرية إلى الهالك ليمنحوا فرصة أخيرة في هذا الدور تحقيقاh لنظرته التي سيلقى بعدها العذاب األبدي مع كل الذين h للوعد وإتماما كل الوقت الذي يريد إنجازا

أضلهم. وقد ذكر هذا بتفصيل واف في القرآن الكريم.

الجن )بالمفهوم السائد( اسم يعطى عادة ألرواح شبهية لألشباح، تتمتع بقوى شريرة كبيرة،        ولكن في الواقع التوحيدي )وكما يؤكد القرآن الكريم من خالل وصف المالئكة للتجربة الدموية

التي مرت بها األرض والتي جعلت المالئكة يتساءلون عن مغزى إخضاع األرض لمثل هذه التجربة مرة ثانية(. الجن هو اسم شعب سابق لعصر آدم فشل في استعمال قوى اإلرادة الحرة التي

h فانحصر دوره في منحت للبشر منذ بدء الخليقة )أي ماليين السنين( وهبط إلى عوالم أدنى وعيا عصر آدم على التأثير السلبي الباطني كتحوير تاريخ ورسائل األنبياء والرسل وتضليل الخلق

h عن نور العقل فقوم الجن هم من وإبعادهم عن الحق والحقيقة وجعلهم يتصرفون بغرائزهم بعيدا ذكرهم العهد الجديد باسم "الدليل األعمى" أو الفريسيين والصدوقيين الذين "يمتلكون مفاتيح العلوم ويجهلون استعمالها فيقفلون باب ملكوت السموات في وجه الخلق فال هم يدخلون وال

يتركون غيرهم يدخل...".

h لتبعيتها الدينية، العرقية،        كل الشعب التي سكنت األرض عرفت في دور آدم وفقا الجغرافية، أو الفلسفية مثل الكنعانيين، اليونانيين، العدنانيين. مما يعرف أن في األدوار التي خلت

h لطبيعتها الروحية وكان يطلق عليها أسماء كـ "أبناء النور" و كانت الشعوب تعرف وتعرب وفقاh "أبناء الظلمة أبناء الواحد" كما تؤكد بعض المخطوطات الغنوصية القديمة. وقوم الجن )خالفا

h من األشباح أو األروح المجردة. هم )بالواقع التوحيدي( بشر لبعض المفاهيم الشائعة( ليسوا قوما عاشوا في زمن "البار". ودعوة البار هي دعوة توحيدية تضمنت دور آدم. الجن هم شعب رفض

h عن طبيعة قبول دعوة البار. والجن لفظ مشتق من الجنون فسموا بالجن ألنهم خرجوا تماماh عبر عنه إبليس h أن ينير طريقهم( خروجا وتعليم العقل الكلي )وهو نور الوعي الذي كان مفترضا

برفضه للسجود آلدم )أي العقل الكلي( بقوله "خلقتني من نار وخلقته من طين فلماذا أسجدله؟".

استعمل الجن ما يسمى اليوم بـ "السحر األسود" لتدمير بعضهم البعض. ومع قدوم دور        آدم )الذي هو أكثر األدوار مادية( لم يعد للقوى الروحية دور في مثل هذه الحروب واستبدلتh عن باألسلحة التي يشهدها العالم اليوم، والتي وإن اختلفت في الطبيعة تبقى هي هي تعبيرا

h لعقيدة التقمص إن روحانية مضادة للخير دامت للماليين السنين. )فليبق في ذهن القارئ أنه وفقا األرواح تلك هي هي اآلن في أقمصة مختلفة تمارس ما عرفته من خير وشر منذ بدء التكوين وإن

h تظهر ما تضمر في كل أقمصتها وتقلباتها "ومن ثمارهم اختلفت األساليب والطرق فهي دائما تعرفونهم"(. لو أن قصة آدم التي جاءت في سفر التكوين كانت بالتفصيل واإلفصاح اللذين

نقدمها بهما اآلن، لما كانت فرصة جديدة للبشرية. فإن األرواح المنتقلة من حياة إلى أخرى قد الh أن تستمر في حياة جديدة وهي مثقلة تتحمل أن تتذكر حياتها السابقة، فإنه من الصعب جدا

بذكريات أليمة ألحداث عاشتها في الحياة السابقة. كذلك فإن أرواح البشرية جمعاء تنسى كل أحداث الدور السابق بانتقالها إلى دور جديد. فإن ذكريات الحروب والكوارث التي ال تعد إذا ما

بقيت في وعي الذاكرة تمنع األرواح الضعيفة من التمتع بالمهلة الجديدة وإظهار ما تخبئ من خيروشر.

h كيف أن اإلجهاد الذي يصيب الذاكرة القصيرة األمد        في محاولة لفهم هذه الفكرة، خذ مثالh عن العمل ومصابا باالكتئاب. لدى اإلنسان يتركه مشلول التفكير عاجزا

لهذا السبب فإن مجيء العقل الكلي )وهو شروق الذاكرة الكونية( يشكل مبدأ الجنة والنار       )بالمفهوم التوحيدي(.

إنكم وغيركم من األمم، حين يبدأ تزويدكم برسائل وضروريات الحياة المتقدمة، بعد مرور        وقت معين، سوف يأتيكم من السماء سيل من الطاعون فتبدأون من جديد كاألطفال، غير

عارفين ما حصل في األزمنة الغابرة بكم أو بغيركم. )تيماوس(.

إن رفض إبليس الركوع آلدم في هذا الدور السباعي األخير يمثل عينة من النكران الذي        أدى إلى سقوط البشر في األدوار السابقة واللعنة األبدية التي حلت على إبليس تترجم بوضوح

في جهل وفقدان البشر لذاكرتهم التي رافقتهم في شتى األزمنة والعصور وعبر ماليينالتقمصات.

إن العالم الروحي يسبق العالم المادي في طبيعته والمادة ليست سوى أداة التعبير عن       h يبدأ بتمثيل الخلل األصلي h أو جسديا h عضويا الروح. طالما يصاب أحد بمرض عقلي، فإن مرضا

)وهو خلل روحي يؤدي في غالب األحيان إلى فقدان الذاكرة وبالتالي الوعي(. أما حالة األلم التي تصيب الروح الكونية أو روح البشرية مجتمعة، فإنها تتمثل على األرض على شكل حروب أو

كوارث طبيعية عهدتها البشرية من قبل، "فسبيل العلم إلى ما فقد وليس إلى ما جهل" و "ليسمن جديد تحت الشمس".

إن فهم األمور التي تتعلق باأللم على مثل هذه المستويات بالمقارنة مع األلم على مستوى       h ترتفع فوق المقاييس والمعايير الفرد المحدود بالـ "أنا" األنانية يتطلب استنارة ذاتية كبيرة جدا الدنيوية والدينية. فلهذا السبب، وعلى مر األدوار، ال نجد سوى قلة قليلة ممن التزم بمثل هذا

الطريق. وفيما نملك من التاريخ ما يكفي لتحديد هويتنا الحضارية والعرقية والدينية وغيرها من الهويات التي نتباهى بها ونتعصب لها ننسى أن هويتنا اآلدمية الحقيقة يعود قدمها إلى أدوار

وعصور إذا ما مرت أمام أعين ذاكرتنا تكون أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى الواقع.

h. وبينما ينحصر خوف وقلق        h وال مكانا آتي كاللص...": فشروق الذاكرة الكونية ال يعرف زمانا البشرية في هذا الزمن على ما سيحدث في العالم الخارجي قليل هم من يعون أهمية ما يطرأ

في عالم الروح.

.1999 قدم الكون – راجع الضحى العدد الثالث والثمانون )عدد خاص( – كانون الثاني        

البداية

مشاهد بعين مالك

عزيزي القارئ، أنت بصدد القيام برحلة تختلف عن سائر الرحالت التي قمت بها، هي رواية عن الحياة على األرض كما تراها عين مالك: مشاهد ومقتطفات من التاريخ بعضها قديمh في صفحات غاب في ثنايا النسيان، وبعضها اآلخر حديث العهد. وسرعان ما تجد نفسك عالقاقصة عظيمة، ال بل حرب مشتعلة بين الخير والشر، حرب ضروس نشبت منذ زمن بعيد بعيد.

أنت بصدد معرفة المعنى وراء مجابهات يوحنا المعمداني مع الفريسيين والصدوقيين الذين عبر التاريخ وتقلبات األجيال والعصور لعبوا دورين، في ظاهر األمر متناقضين "تناقض

السياسة مع الدين"، وفي باطن األمر متحدين في رحلة العدم. أنت بصدد التحقق من أن طريق الخالص وعر وعورة أشواك التناقضات بين الخير والشر التي زرعها الفريسيون والصدوقيون في

سائر العصور وتقلبات األقمصة، لربما تكتشف استراتيجية المالئكة في التعامل مع مآسي هذا العصر.

سيحملك المالك وسط جميع منعطفات العصور لتشهد من بعيد ومن مكان آمن عمل الممثلين على مسرح األرض وعندما ترفع الستارة عن المشهد األخير، قد تبدو بعض الشخصيات

 غريبة، فقط وجه واحد مألوف... وجهك أنت.

 ليس هذا من نسج الخيال، إنه كاشف الحقائق، مهمة يستوجب القيام بها:

أحييكم يا أبناء النور األعظم باسم "الطفل العقل" الذي ما فتئ حتى الساعة المتأخرة هذه يطرق الباب قلوبكم. هال هيأتم له المكان؟ هال استقبلتم الطفل الضعيف لجسد إنما الممتلئ

h يتنشق أولى أنفاسه من الروح. هو بالفعل نار مقدسة، بل هبة من h بخالص العامل، طفال أمالh لنرى مكان والدته، ولنمجد السماء يهتدي بنور ظهوره أولئك الذين ساروا في الظالم. فلنذهب معا

كلمة الرب المتجسدة في نور العقل أفق الفجر ليقع بثبات ويستقر في قلب المؤمن المرفوع.في قلوب أبناء الرب الذين اعترفوا بربوبيته.

تلة الصعود:

أين هي تلة الصعود؟ إنها مكان النور في قلوبكم مهد والدتكم األولى حيث نشأتم على       h h لتعاليم أبيكم وأمكم: من المحبة وبالمحبة وللمحبة. إلى أن يصبح المولود، روحا سبيل العقل وفقاh مولودة من جديد، مولودة للحياة األبدية فتبارك بذلك أولئك الذين نزلوا إلى هضاب المادة، أرواحا

غفلت عن واقع الحياة األبدية لتحقق الحكمة اإللهية من الخلق.

فندعوكم في ليلة الصبحة "األلفية" هذه لنحتفل ببلوغ "الطفل" وبمجيء كلمة الرب األزلية       h في هذا العالم الغارق في المتجسدة فيكم. إن بلوغ "طفلكم" يضاعف نور الشمس ويزيدها تألقا

عتمة الديجور.

فمضاعفة النور أمر ملح أيها األحباء لمواجهة تحديات ظالم ما قبل طلوع الفجر عندما يقف       h" مع "الحمل" على رأس ذلك الجبل. "المالئكة السبعة" "والمئة واألربعة واألربعون ألفا

في عيشة عيد ميالد "الطفل"، ولدت روح في داخلكم لتعيش وترى النور في صورة ذلك        "الطفل" – ولدت لتعيش وتؤدي أعمال الله فيكم في كل يوم من أيام حياتكم. فالله بكم سيظهر

نفسه على األرض كما في السماء عبر تكريس القلوب الرقيقة، القلوب العارفة بأمور الوجود.

جبل الصحن:

فتسلقوا جبل الشدائد والمحن التي بذرتموها وحصدتموها ودعوا شعلة الحياة، "صولجان        ألفا وأوميغا" الصاعد، تنفجر لتتلف وتستنفد جبل المحن "الكارمية"، وفي مكانه شيدوا جبل

الطوبى والبركة مع مالئكة النور وروح نور القيامة. فالشعاع البراق العظيم سيعيد لكم كيانكم إلى أن تروا جبل المحن وقد تحول إلى هرم الحياة العظيم، وهرم الحياة هذا يا أحبائي هو تلة الصعود

خاصتكم، المكان الذي هيأتموه لتتجسد فيه الكلمة مادة وروحا.

فعلى تلة الصعود تلك بالذات. نقف في ليلة "الصبحة األلفية" ننتظر بفارغ الصبر هضبة من        أثير لتظهر بأعمال المؤمنين، تلة أطلق عليها المؤمنون أسم "تلة الصعود"، المكان الذي يتأملون

."h فيه وصيته: "أذهب" ألهيء لكم المكان... فحيث أتواجد تتواجدون أنتم أيضا

سر الوعي:

أيها األبناء السائرون على درب النور، قبل أن تشرعوا في تأمل سر تجسد كلمة الله فيكم       عليكم أن تعرفوا كيف أمن الله )جل وعال( هبوط النور التدريجي على وعي أبنائه.

من نقطة جسم الذاكرة الكونية، تلك القوة التي يتمتع بها العقل الكلي ندعوكم لتوحيد        الوعي بالالوعي، فمن قلب نقطة التوحيد هذه تتمسك الروح بالخيط الرفيع الذي يربطها بالحياة

األبدية. أيامكم على األرض اليوم ليست هي بحياة. بل هي مقتطفات وبقايا تجربة قديمة لكم تمسكتم بها كما يتمسك الجائع بالزاد. آه لو تتذكرون كم اغتبطم في عوالم غارقة بالكمال إلى

جانب أخوة لكم في الدالل، عوالم لم يبق منها سوى ذكريات عن حياة "عدنية" وقصصوأساطير.

وهكذا، فإن تجسد الكلمة يبدأ باتصال الروح بالذاكرة الكونية ففي وعي العقل توجد حلقات        شمسية وصور وآيات مصورة على خريطة ذاتكم اإللهية. وفيما تتأملون أقواس النور السباعية،

تفكروا بعمق دهور تجربتكم الذاتية في رحم النور قبل عصور تجسدكم على األرض، تجربة سبقت تحديات الزمان والمكان وكثافة كريات السماء. كانت هي األساس والنبض الخافق في الكريات المركزية التي تحرك كل خلية حية في نغم تيار الحياة وفي تكسر موجات النور التي

تتفاعل مع الصخور، صخور المادة األزلية.

آه يا أحبائي لو تتذكرون الشمس والنجوم واألعشاب المتموجة والحقول الفردوسية        واألشجار المثمرة وهواء الروح القدسية، وما كانت هذه إال ستارة خلفية الستيعاب أرواحكم

الزكية.

أما اللقاء مع الله )جل جالله( بعد تطور الروح عبر الرحلة اآلدمية فقد كان تجربة طبيعية       h ومادة في الجسم العظيم وكرياته الضوئية على هضاب ألولئك الذين نموا الكلمة المتجسدة روحا

األرض البدنية. هم واضعو القوانين وحارسو السكون العظيم ومعلمو العالم وأسياده والمالئكةالمقربون.

ففي دائرة األحدية الواسعة التي خلقها الله لتدبير خلقه، ما كان هناك أي وجود لشر يقاوم        الكلمة المتجسدة وال عدو للعقل، لذا بدأ اإللحاح على الخلق لتتفاعل ألفا وأوميغا ضمن تناقض

السحب والدفع، كان الدافع منطلقيا للحياة وللوجود وإلشعال النار األبدية، زيادة إدراك ووعي منا لأللوهية. وكما تعلمون يا أحبائي، لقد زرع الله في أبنائه الرغبة ليكونوا أكثر فأكثر على صورته،

فأضحت المحبة والمحبة وحدها، ال الحرب والمقاومة بين الظالم والنور هي السبيل الوحيدللوصول.

ليس الخلق هذا سوى اعتراف بقدر أبناء الله كشركاء في الخلق مع )العقل والنفس(.        ومشاركة الله في الخلق تعني القدرة على التمييز بين الوجود والعدم والقدرة على استقراء

الخير المحض وتصور السعادة اآلتية. فال تنالون ما ال تشتهون.

يا أيتها النار الالمتناهية، أنا ذات تقف في حضرة الله داخل الغرفة السرية الكامنة في        قلوب أبنائه، ذات في طيات الالوعي وسبيل للحرية، حرية التواجد في الله والشوق لهذه الحرية

التي تهددها ذاكرة التجربة الفوضوية، وضغوط الزمان والمكان. حرية ال تتجاذبها قوى وهمية: تحديات وأحقاد وكبرياء وسوء فهم مكدس فوق سوء فهم وثقافة تتحدى التعاليم اإللهية وجمود كبرياء يستفز المالئكة ويفوق "الهيرودية" العصرية. وقلق أرواح تواقة إلى سنين أخرى في نار

العبودية الدورية.

على األرض:

هنا على األرض يجب أن يتحول الحب إلى سيف في وجه الظلم ألن أبناء الله قد تنازلوا        عن جنات األلوهية ليصبحوا حاملي إرادة بشرية. والمتطفلين على مقاعد الحكم انتزعوا منهم

الحرية بأثمان رخيصة مادية.

إن الدفاع عن الكلمة المتجسدة فيكم يا أحبائي هو التحدي الكبير في مرحلة االنتقال من       عصر الظالم إلى عصر النور اآلتي.

فدعوا عناصر الحقد تذوب في منبع النور داخل قلوبكم لتحولوها إلى دوائر بنفسجية تحيط       بروحكم يا أيها المؤمنون بالحرية.

وال تتأثروا يا أحبائي برؤية الحقيقة الداخلية، وال تدينوا "الطفل" في داخلكم، وال تأخذكم       h عن شواطئ األهداف السماوية، أهداف العقل والنفس زوبعة المحبة اإللهية )الصوفية( بعيدا

أبويكم.

.1997 أسرار الكأس المقدس – راجع الضحى العدد السابع والستون – أيلول        

ما قبل التاريخ

مشاهدة من ذاكرة التوحيد

أتالنتيس

منذ ماليين السنين المتعاقبة في ظالم حقبة ما قبل التاريخ كــانت البشــرية ال        تزال برعما، وليدة الطبيعة، راقدة، حالمة، متدثرة، بوشاح السبات العقلي، فهمــدت معرفة الذات فيما نشط الوعي الفطري. وعلى غرار شــعاع نــور في أفــق الزمــان، هبط النور اإللهي – نور الوعي المتجلي في طبيعــة "أبنــاء النــور" بين البشــر النيــام كهبوط الروح في جسد المولود، فأضاءت بشعلة النار الفكرية فتيل العقـل الكـامن،

فتحرض المفكر.

وإذا بمعرفة الذات تنتفض ليتحول اإلنسان إلى مولد للقوة الفكرة والعاطفية،        يتمتع بالقدرة على الحب والكراهية والعظمة والهزيمة. وبامتالكــه المعرفــة اكتســب اإلنسان القوة، وباكتسابه القوة أصبح باســتطاعته أن يختــار، وباختيــاره صــاغ نســيجــد من ــة والمزي ــرزت المعرف ــه. وب ــدم في عروق ــك كال مســتقبله، وجــرى إدراك ذل المعرفة كضرورة لنضوج البشرية التي باتت تنظــر بعرفــان إلى أبنــاء العقــل الــذين انتشروا انتشـار الـوعي في المـادة مـانحين الحيــاة للمولـود. فسـار البشـر وراءهم

ولحقوا بإرشاداتهم طوال قرون عديدة وتأثروا بهم كما يلحق الطفل خطوات أمه.

ــال، قــامت مجموعــة من المعلمين اإللهــيين، الــذين        وعلى مــدى دوران األجي تفتحت فيهم زهــرة الــوعي وتفهمــوا أعمــاق الغــرض اإللهي من الخلــق أولئــك "الســابقون الســابقون" فأشــرفوا بأنفســهم على تقــدم البشــرية وواكبــوا أطوارهــا األولى. فلقنوا الناس الفنون والعلوم وزراعة الحقــول ذرة وقمحــا، وأرشــدوهم إلىــدريب ــة للت ــدارس بدائي ــوا م ــار، أسس ــف، أي باختص ــبل العيش األخالقي النظي س والتعليم، مباحة للجميع ليتعلموا أصول المــادة والفكــر والــروح. ولم تكن المــدارس السرية قد نشأت بعد في تلك المرحلة. وكما يــؤتمن الطفــل على األســرار لبراءتــه فقد كانت الحكمة المقدسة متاع كل إنســان في تلــك الطفولــة من عمــر البشــرية. فلم تكن مساوئ المعرفــة قــد ظهــرت وبعــد، ولم تــبرز الحاجــة إلى قــوام مقــدس مخفي عن العالم. كــانت الحقيقــة تمنح بحريــة للجميــع وتســتقبل بحريــة في العهــد الذهبي ذاك. كان ابن آدم ال يــزال فتيــا فتمكن البعض من التعلم بســرعة وبســهولة مستفيدين من ذكريات تجربتهم في العــالم األقــدم )في رحم النــور قبــل تفتح وعيــا البعض البشرية لمطامع الزمان والمكان(، فاختاروا بديهيا سبيل الفكر الروحي. أمh على الــرغم من عصــيانه على التقــدم، في حين اآلخر وهو أقل وعيا فقد كــان جيــداh ــأثير الجمــود، ووجــدت التعلم والطمــوح عبئــا ثقيال قبعت فئــة ثالثــة مخــدرة تحت ت فتقاعست عن التطور وفضلت قتل الروح على إجهادها، وشهدت اإلنسانية بمجملهـا تقــدما ســريعا في اكتســابها المعرفــة وإجــادة اســتخدامها لهــا "فــالعلم في الصــغر كالنقش على الحجر"، وبدأ البعض اآلخر بالقيام بأعمال الشر ألن ما كــان كامنــا فيh إلى فعــل. وبــاتت المعانــاة واأللم أرحم h فشــيئا الروح )من خــير وشــر( تحــول شــيئا وسائل الطبيعة العادة الفؤاد إلى فطرته البدائيـة، وفيمـا راح العقـل ينمي إمكانـات أشد، وفيما أخذ الصراع في سبيل سيادة العقل يتغلب على الروحانيات، تحولت هبة

ــة، الفكر إلى سيف ذي حدين: فكانت من جهة أداة الوعي الروحي والنشــوة الفكريومن جهة أخرى سالحا مدمرا مرعبا يصل إلى درجة الشيطانية.

تحولت أسرار الجنة واألرض التي كشف نقابها المعلمون السماويون للبشرية        أيام طهرها إلى بؤرة نور تضعف أشعته عندما تنبثق على غير تجــانس بســبب تلوثــهh ليصـير المادي من ثم انحل النور مع الجماعات ليتخـذ أشـكال السـحر، تبلـور الحقـا

ديانات خارجية وعبادة للخرافات.

إن الطبيعة )بمعزل عن عنصر العقل( دورية: خصبة بالروحانيات تارة وعقيمة       تارة أخرى.

وخالل تجربة البشرية أثناء فترة المراهقة من عمرها في الحقبة القديمة تلك        في قــارة "الموريــا" )أي عمــورة( الــتي غاصــت بالميــاه كــانت الــدورة ضــد التقــدم الروحي، فقد برزت موجة انحدار قويــة في حين تم تسـريع عمليــة توســع الطاقـات الجسدية والمادية تالها تأخير القوة الروحية ومن ثم تقلصها. وشــكلت البشــرية فيh من تيار التطور الشامل وتجاوب األفراد مع الجو القاســي بحســب تلك الحقبة جزءا طبيعتهم، فقاوم البعض تــأثير الــروح االنحــداري متســلحين بروحــانيتهم المســتيقظة فيما تأرجح البعض اآلخر وهو أقل فهما بين الروحانيــة والمــوت. بين الخــير والشــر،

فأصغى تارة إلى همس حدسه، وتغلبت عليه أمواج التيار االنحداري تارة أخرى.

أما غــيرهم ممن أضــرمت فيهم شــعلة الروعــة الفكريــة، فقــد غاصــوا داخــل        الشعاع غير آبهين بالمياه اآلسنة والعكرة.

ومــع اســتمرارية الــدورة االنحداريــة خــاب بريــق معرفــة الحقــائق الروحانيــة        والعيش بــالتوافق معهــا، وتحــولت الحكمــة المقدســة إلى أداة ال نفــع لهــا في قلب اإلنسان وعقله. تلك هي ما يســمى بالعصــور الحجريــة )والــتي في معناهــا الحقيقي ترمز إلى تحجر القلـوب عن اسـتقبال الحقـائق(. وكـانت تلـك الحماقـة محتمـة في مجرى األحداث الكونية وكل األشياء مهيــأة. فكمــا تتعــدد أنــواع النــاس بين روحــاني ومادي وبالغ الذكاء وبطيء التفكير، تتعدد درجات الكائنات في الكون وتطغى طبيعة هذه الكائنات على جــوهر النفس اإلنســانية، بــدءا بمملكــة المعــادن مــرورا بمملكــة النباتات فالوحوش وصـوال إلى مملكـة البشـر، ومن ثم تتخطاهـا لتبلـغ درجـة رئيس األرض وكاهنها األكبر "العقل الكلي". على مر آالف األعوام األولى تلك، وعى رئيس األرض الروحاني وحارسها نيران الروحية الفردية الناشطة فأرشــدها وأذكاهــا حيثمــا

اسطاع.

h فيما تعاقبت آالف السنوات أخــذ أقويــاء الغريــزة والضــعفاء النفــوس        تدريجيا يسيئون استخدام معــرفتهم لألمــور اإللهيــة ممــا ســاهم في حجب الحقيقــة، وشــعر عندئــذ حــارس الكــوكب بالحاجــة إلى انتقــاء مجموعــة من المســاعدين لتأديــة دور حراس الحكمة القديمة وحماتهــا. حفنــة من الكائنــات البشــرية ممن أضــرمت فيهــا الحماسة اإللهية وأشرقت وحدها استجابت طوعا إلى معلمها الكوني كاهن البشــرية

ــة واإلرشــاد الروحي األكبر. وعلى مر األجيال خضع أفراد أقوياء القلوب إلى المراقب والتقوية باالختبار بشتى الطرق، ليتم استجماعهم فيما بعــد ليكونــوا حجــة اللــه علىــل ذات )حيث خلقه، حجة الذات اللطيفة الطائعة على النفس المتمردة في نفس كــار ــذات واختي ينطوي الصراع الحقيقي(. الذين نجحوا من بينهم في اختيار معرفــة ال التضحية بالذات ألفوا أول جمعية أو مدرسة للبشر الروحانيين األخوية العظمى التيــاغوراس ــة األخــيرة في مــدارس هــرمس وفيث ــة اآلدمي ــا في الرحل ظهــرت معالمه

)عليهما السالم(.

ــي        ــابهين المغناطيس ــاذب المتش ــاهرة تج ــل ظ ــون بفض ــارس الك وتمكن ح الروحاني )ظاهرة تجمع الموحدين( من جذب بعض البشر غير العاديين، انتقاهم من

أولى بدايات الزمن ليؤلف معهم بؤرة ضوء روحاني وفكري على األرض.

ــه إلى        ويرمز هذا الواقع إلى وحدانية التألق البشري الروحي والفكري أكثر منجمعية أو شركة أو أخوية، وتمثل الوحدانية هذه على األرض نواة مالئكة الرحمة.

وبــؤرة اللهب الحي األصــيلة لم تتعــرض يومــا إلى االنحالل ولم تفقــد مكانتهــا       السامية كمركز للنور على األرض.

وفي قمم الشرق األقصى )حيث لم تطأ رجل أرضي بعد(، يمكث أخوة النــور        األوصياء المؤتمنون على األسرار التي كشف عنهــا المعلمــون اإللهيــون إلى الجنس البشري، وشكل هؤالء المختارون نواة هرمية لم تفن منذ ذلك الـوقت منـذ تأسـيســة ماليين ــز طيل ــذا المرك ــون ســنة. فمن ه ــني عشــر ملي ــل اث ــة العظمى قب األخويــوب السنوات تنبثق أشعة القوة الروحية وتشع على العالم بأسره، وباألخص على قل من كرسوا حياتهم لخدمــة الحقيقـة. من ذلـك الملجــأ السـري انطلــق رســل أســياد

الحكمة، ليؤسسوا ديانات الماضي العظيمة.

تاريخ البشرية منذ عهــود الظالم إلى عهــد النــور )من المجموعــة بالفيتســكي       .1997الثيوصوفية( – راجع الضحى العدد الثالث والستون – أيار

الكل منا سمع بين الحين واآلخر االسم "أتالنتيس" صدفة تتداولــه األلســن وال       ــاء ــتيس" – بن يخلو من تعريفه قاموس عصري وغالبا ما يكون التعريف كاآلتي: "أتالن على أسطورة يونانية عرف عنها الفيلسوف أفالطون، قيل أنه كــان هنــاك قــارة في المحيط األطلسي في غرب جبل طارق ذات أرض خصــبة وكثافــة ســكانية تعرضــت لسلسلة من الهزات األرضية آخرها أدى إلى غرق القارة بأكملهــا. ومــا يثــير الجــدل

بين العلماء اليوم التساؤالت عن مدى حقيقة هذه األسطورة.

ــط و        ــون: "طيماوسـ ــاورات أفالطـ ــتين من محـ ــتيس" في اثنـ ــرت "اتالنـ ذكـh في أيام اليونان ولم يكن غرضــه يقتصــر على "كريتياس". أدب الحوار كان مشهورا مجرد نقل وجهات نظر متفرقة بل اعتمد على قضية أساسية يتمحور حولهــا الحــوار ويتجه نحو معالجتها وإبرازها. ونناقش محــاورة طيمــاوس موضــوع أتالنــتيس ضــمن

مواضيع عدة بينما تركز محاورة كريتياس كليا على أتالنتيس، حيث يؤكد "كريتيــاس" أن قصة هذه القــارة هي قصــة حقيقيــة ورثهــا أبــا عن جــد مصــدرها األصــلي كــاهنــتي أدت إلى ــة ال مصري توارثها هو اآلخر عن أجداده الذين عايشوا االنقالبات الكوني دمار أتالنتيس وغرقها. يتابع كريتياس رواية الكاهن ويقــول أنــه كــانت توجــد جزيــرة عند أعمدة هرقل، مسـاحتها أكـبر من مسـاحة ليبيـا وآسـيا معـا، نشـأت فيهـا دولـة عظيمة بسطت سيادتها على "الجزيرة كلها وعلى الجزر القريبة منهــا. ثم تعــاظمتــان. ــة حــتى وصــلت إلى حــدود مصــر واليون ــاورة كاف ــاحت البالد المج ــا فاجت قوته ومؤسس هذه الدولة كان يــدعى اإللــه "بوســيدون". قســم بوســيدون الجزيــرة إلى عشر ممالك ونصب أوالده العشرة ملوكا عليهــا على ان يكــون اإلبن األكــبر واســمهــام ــرة وأق ــذلك، فنظم الجزي ــف بوســيدون ب ــا. ولم يكت ــرة كله ــك الجزي أطالس مل الشريعة والفرائض التي نقشت على نصب نحاسي. وأهم ما تضمنته تلــك الشــريعة باإلضافة إلى طقوس العبادة، هو أن يظلوا متحدين ال يشهر أحـد منهم السـالح علىh للبحث فيــه اآلخر مهما كانت األســباب وإذا حــدث اعتــداء فعليهم أن يجتمعــوا فــوراh هبــة وتطويقه. وإذا ما حدث اعتداء خارجي على أحــد منهم فعليهم أن يهبــوا جميعــا واحدة لنجدته. بلغت دولة االتالنتيس في عهد أولئك الملوك شأوا من القـوة والغـنى لم تصل إليه أية أمة أخرى. وسبب قوتها يعود إلى نظامهــا االجتمــاعي الحــربي، أيــا ذات النظــام الــديمقراطي. لقــد قســمت الجزيــرة إلى عشــر ممالــك. عكس أثين وقسمت كل مملكة إلى ستة آالف والية مساحة كل والية ثالثــة كيلومــترات مربعــة. وكل والية هي مفرزة أو سرية عسكرية، عليها مع بقية الواليات أن تقدم إلى الدولةــارب عشرة آالف مركبة حربية، ومئتين وأربعين ألف حصان، ومليونا ومئتي ألف مح ومئتي وأربعين ألف نوتي مع مئتي بحار ومئتين سفينة. أما ســبب غناهــا فيعــود إلىــة تحت ــا من البالد الرازح ــانت تأتيه ــتي ك ــوارد ال ــرة وإلى الم ــك الجزي ــيرات تل خ سيطرتها. لقد كانت الجزيرة غنية بالمعادن األصلية وغيرهـا من األحجــار واألخشـاب والمراعي الخصبة والماشية وتعج بالثمار والحبوب من كــل صــنف ونــوع إلى جــانب أنواع األطياب والعطور. وشيد األهالي الهياكل واألبنية الملكيــة والمــوانئ والمــرافئ لتخزين السفن وإصالحها. وعمروا األرجاء فأقاموا المالعب الرياضية وميادين تدريب الخيل والجسور، وحفروا الخنادق والترع وشقوا قنــاة تصــل البحــر بــالجزيرة إلبحــار السفن، وبنوا أبراجا وأبوابـا على الجسـور. وفي وسـط الجزيـرة بنـوا هيكال مقدسـا أحاطوه بسياج من الذهب ولبسوه من الخارج بالفضة أما داخل الهيكــل فقــد غطــوا جدرانه بالنحاس والعاج والذهب. هــذه الخــيرات واالســتغالل المــاهر لهــا مــع التقيــد بالقـانون؛ كلهـا أدت إلى ازديـاد قـوة دولـة االتالنـتيس وإلى ازديـاد أطمـاع ملوكهـا. فحاولوا في حشد عسكري كبير اجتياح كل من مصــر واليونــان معــا. عندئــذ اتحــدت بالد اليونــان بزعامــة أثينــا الــتي هــزمت بنظامهــا وبراعتهــا الحربيــة دولــة أتالنــتيس وحررت كل البلدان األخرى من نير عبوديتهــا، فحين نــزح العقــل والحلم من رؤوس ملوكهــا، وجــرفتهم األهــواء والملــذات، ولم يعــد باســتطاعتهم المحافظــة على تلــك النعم، غضبت اآللهة عليهم، فحدثت هزات أرضــية وفيضــانات أغــرقت الجزيــرة مــع

قسم من بالد اليونان في قاع البحر.

ولعل من أبرز النقاط التي تجعل من رواية أتالنتيس الذي نقلها أفالطون إلى مخيلتنا ذات         أهمية هي أنها قلبت الموازين التاريخية التي نعرفها من خالل الكتب ذات الصبغة الداروينية

وتحدث المفهوم الطاغي عن تاريخ اإلنسانية وقدمها. فزمن وجود أتالنتيس، تلك الحضارة المتقدمة، كما ذكره أفالطون، يعود إلى تاريخ أقدم بكثير ويؤكد وجود حضارة وتكنولوجيا متقدمة

في تلك األزمنة، وبذلك فإذا نظرنا إلى محاورة أفالطون عن أتالنتيس بعين الثقة وبعقل منفتحألدركنا أهمية النظر إلى تاريخ البشرية بشمولية أكثر.

لكن هناك من يعتقد أن أتالنتيس مــا هي إال روايــة من صــنع مخيلــة أفالطــون        تبناها لكي يتوسع في نظريته حول الجمهورية الفاضلة، وهناك من يــزعم أن القــارة

التي سماها أفالطون أتالنتيس ما هي في الحقيقة إال جزيرة كريت.

ويبقى هناك الكثير ممن يؤمن بصدق المعلومات التي أدلى بهــا أفالطــون عن        أتالنتيس باحثين عن أثارها في المحيط األطلسي، والكثير منهم قــد أعلنــوا أن جــزر الكناري والباهاماس مــا هي إال بقايــا هــذه القــارة، ولألســف أن معظم المتحمســين لهذه الفكرة ال يجيدون الدفاع عنها بجدية وموضوعية بل غالبا ما تجــرهم العواطــف إلى استنتاجات تكون موضــع ســخرية من التحقيــق نــود أن ننظــر إلى هــذه القضــية

بموضوعية ونعالجها من الشقين المنطقي والعاطفي:

من المســتبعد أن يكــون أفالطــون قــد اخــترع قصــة أتالنــتيس لكي يتوســع  أوًال7: بنظريته عن الجمهورية الفاضلة فهو قد توسع بوصفها "الجمهوريــة" أكـثر من مرة في محاوراته األخرى من دون االستعانة بخدعة جغرافيــة. وإذا أراد فعــل ذلك حقا كان أسهل عليه أن يستعين بأثينا القديمة عوضا عن ابتداع قصة عن

قارة مجهولة.

التفسيرات الــتي وردت في المحــاورتين عن المصــادر الــتي علم أفالطــون    ثانيا7:ــو من ثغــرات أو تناقضــات، فمن ــة جــدا تخل ــتيس منطقي بواســطتها عن أتالنــتيس h أن معلومات عن أحداث تختص بماض ســحيق كــزمن أتالن المعقول جدا قد نقلت إلى "صولون" عن طريــق كــاهن مصــري وخصوصــا بمــا يعــرف عنــذي يتجلى بعمــر معجــزة األهرامــات ــدمها ال ــة الحضــارة المصــرية وق عراق

وتقدمها على الحضارة اليونانية في ذلك الوقت.

وبالتأكيد إن المعلومات التي بنيت على أساسها النظرة الداروينية المعاصرة         لتاريخ البشرية تعتمد على براهين مادية تم التوصل إليها عبر دراســات اآلثــار. ولكن يجدر بنا أن نأخذ بعين االعتبار العديد من الكوارث الطبيعية والتغيرات العنيفــة الــتي تعرضت لها األرض والتي يقر بحقيقتها الجيولوجيون، ولــذا من الصــعب نبــذ احتمــالــذاكرة h طويلة من تاريخ البشرية بمجملها قد بترت من ســجالت ال أن أزمانا وعصورا

التاريخية أثر كوارث كونية لم يسبق أن شهدناها في حقبتنا التاريخية المدونة.

ــون لم يكن        ولعل أكثر من يدعون للعجب هم البعض الذين يعتقدون أن أفالط لديه مفهوم جلى عن الزمن وتسلسله بل كانت لديه فقط أفكار مبهمة، وفي الواقع يصعب على أي إنسان تصديق مثل هــذا القــول عن عمالق الفالســفة، الــذي حــيرت فلسفته الخالدة عقول كبار الفالسفة والمفكرين حتى أن وصف البعض منهم تــاريخ

h لفلسفة أفالطون". الفلسفة بأكملها بأنه "ليس إال ردة فعل وتحديا

من جهة أخـرى إذا نظرنـا بعين الثقـة إلى روايـة أفالطـون عن أتالنيس وآمنـا        بصحتها يبقى أن نتساءل عن موقع هذه القارة في المحيط األطلسي وعما إذا كــان

10000هناك أي أثر لها. والجــدير بالــذكر أن زمن اختفــاء أتالنــتيس )أي في حــدود سنة قبل المسيح( كما أشار أفالطون يتطابق مـع زمن انتهـاء مـا يسـميه العلمـاء بـ "العصر الجليدي" وقد تم التحقق علميا أن في العصر الجليدي كــانت درجــة ارتفــاع مياه المحيطات أقل بكثير من زمننا الحاضر، فحسب المعلومــات الــتي أكــدها بعضh ــترا ــة وثالثين م الجيولوجيين قد ارتفع سطح المياه منذ ذلك الحين بما ال يقل عن مئ

عن الشواطئ.

الكثير من العلماء اليوم يرفضون ربط فكرة اختفــاء أتالنــتيس بارتفــاع ســطح        المياه ألسباب أهمها يتعلق بالتالزم الطبيعي بين ارتفاع معدل لحررة وارتفاع سـطح المحيطات، ولكنهم حتى اآلن يجهلون األســباب الــتي أدت إلى بدايــة ونهايــة العصــر الجليدي. كل ما يعرفونه هو أن كمية هائلة من الطاقة ضرورية لرفع معدل الحرارة على األرض إلى درجة تؤدي إلى انتهــاء عصــر كالعصــر الجليــدي، وال يســتبعدون أن

تكون أسبابها عوامل بركانية مقترنة بارتجاجات أرضية.

ســاعة24 أما فكرة اختفــاء القســم األكــبر من القــارة في زمن ال يتعــدى الـ         فتوحي أكثر من مجرد احتمال وجود عوامل طبيعية مسببة لمثل هذا التغير المفاجئh الختفاء القــارة. ومثــل هــذا h مقنعا ولذلك يبقى تالعب أيد إنسانية في الطاقة احتماال االحتمال يهدد العلماء الذين طالما يستمدون طاقتهم في الحياة من جنون عظمة ما توصلوا إليه من تكنولوجيـا فقـط ليكتشـفوا ضـعفهم أمـام بعض المظـاهر الغامضـة

لحضارات أرقى كالصحون الطائرة.

وفي ظل التعــتيم الــذي تلقــاه مثــل هــذه األمــور كــان ال بــد من الخــروج عن        المنطق والموضوعية الـتي تفرضـها هالـة العلم والتكنولوجيــا العصــرية والنظـر إلى أتالنتيس بعين أكثر عاطفة وتوقا الكتشاف أسرار ذلك العالم المفقود، ففي محاورة مع "إدغار غايس" الملقب بالنبي النائم والذي عبر الـ "تــرانس" )الغيبوبــة الروحيــة(h صــفحات الــذاكرة الكونيــة أو مــا يســمى بالـ اســتطاع الرجــوع إلى الماضــي مقلبــا

h له من ضمنها جيل يقول أنه كان35"السجالت األكاشية" ليتذكر ما ال يقل عن جيالh فيه من سكان أتالنتيس ففي مقابلة أجرت معه أفصح غــايس عن معلومــات واصــفاــاد غايس عن معلومات واصفا خاللها أتالنتيس وصفا يكاد يالمس جذور المنطــق وتك أن تغمره تالفيف ذاكرتنا لوال أن العلم والتكنولوجيا المعاصــرة تتنكــر لــه وتســتهزئ بمصدره )أي عالم الروح( معتــبرة أن كــل مــا يصــدر عن مصــدر كهــذا هــو خيــال أو

خرافة.

بعنــوان "قــدم98 بينما كنت أقرأ ما جــاء في مجلــة الضــحى وصــلت إلى ص        h أن الرؤية التكوينية للخلــق في h لكالم صاحب المقال، من الواضح جدا الكون" تأكيدا أسفار العهد القديم والجديد وفي القرآن )أي بما يتعلـق بقصـة آدم وحـواء( يجب أالh. هذا المقال ذكرني ما قرأته في كتاب "قصة إيدغار غايس" )هناك نهر( تؤخذ حرفيا

There is a River من هـذا الكتــاب "أن جميــع312 وبالتحديد ما جـاء في الصــفحة

h بعدها )أي ما يفسر كلمة كن فكان األرواح خلقت دفعة واحدة ولم يخلق الله أرواحا في التوحيد" واللطيف )الروح( كما في الحلم ولكن بكامـل وعيهـا. من هـذه األرواح

ــرمس ذو الثالث شــعب. Hermesه Trismegistros"ــني "الســر ــرمس تع ــة ه وكلم ألنه كان امتلك سر األبعاد الثالثــةTrismegistrosواسمه الحقيقي هو إدريس وسمي

وكان ينتقل بين الزمان والمكان.

ــدء في خمســة        خلق اإلنسان بوعي إلهي وجسم حيواني. وجد اإلنسان منذ الب أماكن جغرافية مختلفــة في الــوقت نفســه وفي خمســة فصــائل أو أعــراق: األبيض ظهر في القوقاز "وكارياثيان" وايران. األصفر ظهــر في مــا يســمى اليــوم بصــحراء غوبي. اللون األسود ظهر في السودان وشمال غــرب أفريقيــا. اللــون األحمـر ظهـر في قارة أتالنتيس. اللون األسمرظهر في "األنديز" والساحل "الباسيقيكي" ألميريكا الجنوبية. وكان في ذلك الزمن البعيد الساحل الغربي لقارة "الموريا" المــذكورة في

وفي القــرآن كـ "عمــورة". كــانت تؤلــف أعمــاقGemorahالكتــاب المقــدس باســم المحيط األطلسي في الواليات المتحدة منخفضــات قــارة أتالنــتيس الغارقــة اليــوم. كانت إيران والقوقاز أراض غنية )جنة عدن( وكــان قطــبي األرض منــاطق اســتوائية وشبه استوائية معتدلة حيث كـان نهـر النيــل يصــب في المحيــط األتلنــتي. كـانت الـ

h ومأهولة وكان حوض الميسيسيبي جــزءأ من المحيــط.Sahara"صحارى" خصبة جدا كـان في النـاس من ذكـور وإنـاث وكـانت هـذه المخلوقـات نقيـة ذات أرواح كاملـة متكاملة. فحواء مثلث الشريك الطائع والمحب آلدم في داخل كل فرد )أي في آفاق المرء الثالثية( العقل والجسـد والـروح. في حـواء تمثلت الطاقـة اإليجابيـة وفي آدمــزء تمثلت الطاقة السلبية. ولكن طغى في آدم )أي الجزء السالب في اإلنسان( الج الموجب وانكمشت هذه الطاقــة في حــواء. كمــا طغت على حــواء الطاقــة الســالبة

وانكمشت هذه الطاقة في آدم.

ولخلق المساواة، كان ال بد من تعادل طاقــات الســالب والمــوجب في داخــل        كل امرء. ألن المساواة هي في األرواح وطاقات األرواح هي آلة الخالق الستمراريةــة ألجــل االرتقــاء ــا الخــبرات المطلوب ــاة على األرض ونيلن الكــون واســتمرارية الحيh أو طاقــة h حواء المسؤولة عن الخطيئة، ألن حواء تمثــل جــزءا الروحي. لم تكن يوماh كان أم أنثى. فأكل التفاحة المرمــوز إليهــا في الكتب الســماوية في كل إنسان ذكرا هي إرادة الله لتحقيق الحكمة من خلقه. وتبادل الطاقــات في كــل إنســان والقــدرة على التعديل بينها هو اختبــار إلهي. لم يهبــط اإلنســان من الســماء بخطيئــة التفاحــة واألفعى، وما أنزل في األديان هــو نــوع من التشــبيه، فــالقوة الســماوية ال تمــيز بينــة آدم h كانت أم أنثى فقد مرت عصور طغت فيها طاقة حــواء على طاق األرواح ذكرا وحكمت فيها األنثى ونجد آثار هذا المنطــق في الهنــد بحيث ينظــر إلى اللــه كـ "األم

)أم( وليس بالشــرط كــأب "باتريــاركي". اللــه أراد أنOumالحنون" ويناجي بكلمــة h لــه على األرض ونفخ في طبيعــة اإلنســان روحــه وهــذه الطبيعــة في يخلــق شــبيها أعماقها متعالية عن الجنس البشري والغريزة الحيوانية. الكون انبثق من الموسيقى

والهندسة والحساب والجبر في انسجام كيان وتناسق وتناغم )عناصر البناء(.

فهذا االنسجام هو ما نسميه بـ "إرادة الله" فإرادتــه محكمــة ومنطقيــة وليس       رعوية.

تتطابق قراءات إيدغار غايس مع ما جاء في التوحيد. استعمل إيدغار التعــابير       التالية المشتركة:

قانون الكارما وهو ما نسميه بـ "مضمار السببية".

قانون التقمص المعروف.

قانون قدم الكون.

" وهو ما نسميه بالتجلي.Avatarقانون الـ "

h عن ذلك تؤكد قراءات غايس وحدة األديان كما جاء في إحداها ما يلي: فضال

"ســوف يــأتي يــوم يعي اإلنســان فيــه حقيقــة مؤكــدة وهي أن جميــع األديــان        "دين التوحيد". واألديانReligion of the Onenessمصدرها واحد ومرجعها واحد وهو

"وجدت للمحبة ولتعريف اإلنسان بأصــله الســماوي اإللهي وضــرورة ترقيــه وعودتــه منطقــةمن العــالم40إلى ربه. والحروب العديدة التي تدور رحاها اليوم في حوالي

غالبيتها تحت ستار الدين أو بدوافع دينية مختلفة ال تجسد إرادة الخالق. الدين محبة،مغفرة، عطاء ومعرفة النور اإللهي في أعماقنا.

 

الدكتورة سامية عزام

 

إدغار غــايس أو "النــبي النــائم" من أغــرب الشخصــيات الــتي عرفهــا التــاريخ        المعاصــر، لقــد أذهــل هــذا الشــخص الروحــاني أميركــا في العقــود األولى من هــذا القانون بمشاهداته وقراءاته الروحانيــة حينمـا كـان يغـرق في غيبوبــة يتصــل خاللهـا بالسجل األكاشي ليقرأ ويشـاهد مخـزنن كـل نفس فيـه وليـدهش العـالم باكتشـافه الغيبوبيــة تلــك الفكــر البشــير بمعلومــات قــل نظيرهــا منــذ أفالطــون حــول القــارة المفقودة أتالنتيس وحول سكانها، وصراع الخير والشر بينهم الــذي أدى إلى دمارهــا وغرقها بما فيها من حضارات وشعوب، لقد تــذكر ذاك األمــيركي الغــامض أكــثر من ثالثين من حيواته السابقة وحدد لكل شخص قرأ لــه ســجله عــدة شخصــيات ســابقة تقمص بها، منها ما يرجع إلى عصور سحيقة، ولقد أكد من خالل مشاهداته الروحانية قدم العالم وتقمص النفوس وجدلية صــراع األضــداد وتعــاقب هيمنــة الخــير والشــر،h استشرف غايس بشـفافية قـواه النفسـية ففي تلك العصور الموغلة في القدم أيضا

المذهلة حقائق وتفاصيل...

نعم... لقد كان هناك أبناء الظلمة وأبناء النور، فأبناء الظلمة، أو كما يســميهم ، هم أهل الشر الذين يسعون إلى الضاللة والدمار واستغالل قوىBelailأبناء "بليل"

المـادة والطبيعـة وتسـخيرها لمطـامعم الشـريرة، أمـا أبنـاء النـور، ويسـميهم أبنـاءــة ــة والفطن ــة الشــعوب للحكم ــذين يســعون إلى هداي ــير ال ــل الخ ــد، فهم أه الواح

 .والمعرفة الحقيقية واستخدام قوى العلم والتطور لخير البشرية جمعاء

ولقد كان لغايسي بعض القراءات ألشخاص كانوا في تقمصاتهم الســابقة من سكان أتالنتيس، وقــد أشــار فيهــا إلى بعض الحقــائق الغريبــة حــول بــدايات الوجــود البشري كوجود روحاني تلعب فيه المادة دور التمظهر ال أكثر وال أقل. فالبشــر كمــاــك هم "أفكــار ــة من عمــر الوجــود البشــري تل وصــفهم غــايس في أزمــان الطفولh لطبيعــة تفاعــل متجسدة" تتخذ أشــكالها الكثيفــة وتتفاعــل مــع بعضــها البعض وفقــا األفكار الخالقة وتلعب أدوارها في الزمان والمكان من خالل فهمها للوجــود ورغبتهــا

فيه، وقد أطلق على كل نفس قرأ لها تعريف "كينونة".

ولنلق الضوء على بعض تلك القراءات:

سنة قبل ظهور راما، أحد تجليــات كرشــنا في الهنــد، عــاش9800في حدود في أرض األتالنتس كينونــة اســمها "إميليــوس" وهــو أول من الحــظ الفــرق مــا بينــائي حين لم يكن باإلمكــان أن البشر إناثا وذكورا وميز بينهم من خالل الشكل الفيزيــار يتدنس الوعي قبل ذلك ويتعرف على األشخاص إال بهوياتها الميتافيزيقية أي كأفك متجسدة، وكانت األحداث ترتبط في تطورها بناء على تناسق تلك األفكار المتجسدة وفقا لطبيعة الفكر التي )كما تؤكد قراءات غايس الحقــا( بمفهومنــا الحــالي هي إمــا شــريرة أو خــيرة. وكــانت تلــك األفكــار تتوالــد تلقائيــا من ذواتهــا وتقــولب أشــكالها الخارجية ومن ثم الوجود الخارجي ككل تعبــيرا عن االرتبــاط الموحــد مــا بين الفكــر والمادة )مسرح تمظهر األفكار وتشكلها( ارتباطا كان يمكن إثباته والتحقق منــه آنيــا في عمر البراءة تلك كما يتحقق األطفــال من وجــود المالئكــة. وفي انســياقهم وراء تلك الرغبات التي أحدثتها يقظتهم لفيزيائيــة التمظهــر المــادي، وهــذا مــا ولــد نــزوة التحكم بالمادة وهي نزوة الشر بمفهومنا العصري، تكثفت عملية التمظهــر الفكــري بالمادة مؤدية إلى االلتباس الحالي بالفصل ما بين المادي والفكري وجعلهما عالمين

منفصلين.

صراع الخير والشر وجدلية النور والظلمة:

ــق علىBelail هناك قسمان من البشر: أبناء النور وأبناء الظلمة "بليل"         ويطل أبناء النور تسمية أبناء الواحد أو أبناء "القوة الخالقة"، وقــد حــدث نــوع من التمــازجــوم بنســبية بفعل تأثير قوي من قبل "أبناء بليل" على أبناء النور مولدا ما نعرفــه الي الخير والشر بعد أن كــان المســرح المــادي يؤكــد للعين الشــحمانية مطلقيــة هــذين الضدين. ولقد تطور هذا التمازج على مر الســنين إلى حــروب مــدمرة على األرض. وكانت ثورة البركان التي أدت إلى دمار جــزء من أتالنــتيس نتيجــة لســوء اســتعمالh إلرادة أبناء النور، وبدأت حينها تدخالت من العقل الكلي إلظهار حقيقــة المادة خالفا

تأثيرات أفكار أهل النور البناءة وتأثيرات أفكار أهل الظلمة "بليــل" المــدمرة، وأدت محاربة أهل الظلمة ألهل النور إلى الحد من الرقي الالمتنـاهي الـذي كـانوا يتوقـون إليه ويتصورونه لمستقبل الحياة البشــرية على األرض وجعــل نشــاطهم ينحصــر في الــدفاع عمــا تبقى من الخــير المتمظهــر، وقــد تطــور هــذا النمــط من الجمــود إلى)االنفصام الكامل بين فهم الخير والعمل به( االنفصام الذي نعهد العالم عليه اليوم.

وإلشباع رغباتهم ومن دون األخذ بعين االعتبار الصعوبات التي بــدأت البشــرية        تعاني منها بعد هذا السـقوط، لم يكن ألبنـاء الظلمـة أيـة معـايير سـوى تبجيـل األنـا

بشكل بدائي وبوهيمي وهو األقرب إلى ما نسميه اليوم الخلل األخالقي.

ــد" المهتمين        إن هذه التناقضات بدأت تخلق تساؤالت عديدة حول "أبناء الواح بجدية بمصير الكون تتزامن مـع وعي متزايـد حـول العالقـة مـا بين الـوعي الفـردي والــوعي الكلي الــذي أرادوا الحصــول عليــه. فشــرعوا بتحضــير النفــوس إلى رحلــة

التعرف على الخالق، تلك الرحلة التي نرى آثارها اليوم في األديان الحالية.

سوء استخدام الطاقة والتنافس الجدلي:

وفي تلك الفترة شهدت القارة استعماال للمادة مختلفـا تمامــا عن االســتعمال        الحالي لها بحيث كانت المادة وسيلة مباشرة للتعبير عن أفكار أبنــاء الظلمــة وأبنــاء النور، لقد اســتغلت المــادة لغايــات روحيــة، خــيرة وشــريرة، كمــا يســتغل األطفــال األلعاب لشن حروب أحداثها ال تزال تؤثر حتى اليوم على مخيلة منتجي الســينما في أميركا )والتي هي بمثابة تقمص لقارة أتالنتيس(. إن التطـورات الماديـة الـتي نراهـا اليوم على أنها تقدم وتحضر كاستصــالح األراضــي واكتشــاف الــذرة، كــانت حينــذاك تلقائية وسريعة كنتيجة غير مقصودة للتنافس الروحي ما بين الجماعتين. وعندما بلغــة من االستغالل المادي ذروته كاستخدام الطاقة الشمسية بشكل مغلوط مرت حقب الوقت أصبح من الضـروري أن يعم الـوعي كـل الجماعـات خاصـة العلمـاء لمعرفـة

كيفية إنقاذ األرض.

موقع أتالنتس:

إن الموقع الذي احتلته قارة أتالنتس هو ما بين خليج المكسيك والبحر األبيض        المتوسط إن اإلثباتات على وجود تلك الحضارة نجدها في جبال "البرينيه" والمغرب

والـ "هندوراس" البريطانية و "يوكاتان" في المكسيك وأميركا.

لقد أظهرت مجمل قراءات إدغـار غـايس، نـبي أميركـا النـائم، وجـودا بشـريا       h ما قبل التاريخ التوراتي المعروف، وكشفت موغال في القدم وحضارات متقدمة جدا جذورا لصراع الخير والشرن واإليمان والكفر ما بين جماعتين متنافســتين تعــود إلى ماليين السـنين، وأكـدت حقيقـة تقمص "الكينونـات" اإلنسـانية أي النفـوس، تكـرارا

ومرارا منذ فجر تلك العصور وحتى اليوم األول في رحلة المعرفة والتحقق.

هذه بعض المقاطع من مقابلة أجريت مع غايس:

- صف لنا بعض القوى العقلية التي توصل إليها األتلنتيون في أوج تطورهم الروحي؟

من المستحيل أن أصف لك ماديا إنجــازاتهم وتطــوراتهم الروحيــة، إن تــداخل        الشروط المادية واألوجه الروحية يؤدي إلى اجتراح المعجزات كالتي تألق بها السيد المسيح. حتى في أسفاره في الجليل ومصر والهند وفرنســا وانكلــترا وأميركــا وفي تلــك الحقب الزمنيــة كــان األشــخاص في هيئــة أفكــار أكــثر منهم أفــرادا مســتقلين وشخصيات كمــا هي اليــوم. وتصــوراتهم في عــالم األفكــار تنتمي إلى عــالم المــادة الهيوالنية تتجلى بالظهور لذلك ما يسمى اليوم علوما غيبيــة أو ســحرا كــانت الحالــة الطبيعية لدى اإلنسان في تلــك الحقبــة، تمامــا كمــا نتســاءل بمــا يحلم الطفــل بعــد والدته وهو نائم، ما هي تلك األفكار الــتي يحلم بهــا: مــا كــان أو مــا هــو كــائن أو مــا

سيكون؟ من أين أتى هذا الطفل بالتجارب التي تبرر تعابيره وتصرفاته؟!!!

وبدايـة العلم الغيـبي كـانت التعبـير الطـبيعي للكيـان، كلمـا ازداد الرابـط بين        الكيان والشروط المادية اختفت هــذه القــوى الغيبيــة وكــان اختفاؤهــا تــدريجيا بــدءا بغيبوبة مادية )وهي عينة مما نسميه اليوم بالواقع( وأصبحت هــذه القــوى محصــورة بما نسميه اليم بـ "الرؤية" أو "الحلم" ولكن حــافظت بعض الكيانــات على جوهرهــا وانبعثت في عدة أماكن من الكــرة األرضــية ألهــداف دقيقــة، وكمــا نعلم أن الــوقتh )أي المســيح( يقترب لتكتشف هذه الكيانات في عــدة منــاطق، كمــا رأيتمــوه ذاهبــا

سترونه عائدا.

وهذا ما تعنيه القوى الغيبية اليوم وما عنته وما ستعنيه غدا.       

في حالة الغيبوبة الروحية شاهد غايس مرات عدة هــذا العــالم المفقــود بــدءا        ، وبــالرغم من أنــه لم يقــرأ محــاورات أفالطــون قــط فــإن وصــفه1932من ســنة

ألتالنتيس جاء مطابقا لوصف أفالطون وفي رؤى غايس كان شعب القارة المفقودة ذا مهـارة عاليـة حيث طـور غواصـات ومركبـات طـائرة وعـرف االنشـطار النـووي،

ويعتقد غايس أن سوء استعمال هذه الطاقة الهائلة تسبب بدمار قارة االتالنتيس.

ــدو        وتوقع "النبي النائم" أن تظهر القارة إلى الوجود ثانية، وبدأ هــذا التوقــع يب كحقيقة حين اكتشف العلماء مــا اعتــبر طريقـا مرصـوفا من الحجــارة تحت شــاطئ

باميني في المحيط االطلسي.

ــآليف الرائعــة        ووصفت الكاتبة الروحية الشهيرة "جير الدين كمنز" صــاحبة الت التي تنمقها عن طريق "الكتابة التلقائية" عملية استخدمها سـكان أتالنـتيس )القـارة المفقودة( لتسخير ما يصــح أن نســميه طاقــة ذريــة، وقــد ســمى محــدثها من عــالم

هذه بالـ "قوة الكهربائية المتفجرة".1935الروح في سنة

وتقول مسز كمنز: "الظـاهر أن هـذه الطاقـة الكهربائيـة المتفجـرة هي الـتي       سببت طوفانا أدى إلى غرق قارة أتالنتيس في جوف المحيط".

ويقول محدثها الروحي:       

"أؤكد لكم أن أناس ما قبل التاريخ عرفوا عن المادة والضوء واألثير وخواصــه        أكثر مما يعرفه علماء القرن العشرين أو يتصورونه، تصوروا خزانات واســعة للهــواء المتكهرب المضغوط المضاد للجاذبية الماديــة. وقـد اســترجعت وخـزنت في جيــوب ضخمة تحت سطح األرض. وقد وضــعت بطاريــات التخــزين تحت التربــة وقــام علىh لهـذه الخزانــات وال تلــك المخــازن حراستها جيش من اتالنتيس، إنكم لن تجدوا آثارا الكبيرة التي اختزنوا فيها القـوة تحت أرض أواسـط أميركـا الجنوبيـة. ذلـك ألن كـل شيء، األرض وما خبئ فيها، قد تغير وضعه خالل ذلك الطوفــان. وهــذا هــو الســبب في أن الخرائب الحالية ليســت إال جــزءا صــغيرا ممــا كــان موجــودا في تلــك األيــام

الخالية".

ــد        ــتيس. لق أضاف: "لقد كان اإلنسان، ال قوى الطبيعة، هو الذي أباد قارة اتالن وجد قوم تقدموا إلى درجة خطيرة في إنشاء مخــازن الهــواء المتكهــرب هــذه تحت الثرى. ولكن هذه القوة الهائلة قد ثارت أخيرا ضد هؤالء النــاس وأطــاحت باإلنســان واألرض الجامدة ارتفاعا نحو األعلى وكــان الســقوط بعــد ذلــك فظيعــا هــائال. طغت البحــار على األرض المتشــققة الغارقــة، وهلــك الماليين من النــاس في لحظــة من الزمن واختفت ألــوف األميــال المربعــة من البالد برمتهــا تحت األرض، وقــذفت إلى

أعلى قطعا من األرض مكونة بالدا جديدة".

"إنني إنما اصف هذا بشكل فج ولكني أظنكم توافقونني على أن القــوة الــتي        تستطيع أن تحرك الصخر الالزم لبناء أهرام مصر ليست من رتبة أقل فإذا مــا زادت هذه القوة بتوالي الكشوف واحدا بعد واحد حتى تضاعف قدرها فبلغ مليون، ضعف،

فإننا نكون قد وصلنا إلى نقطة الخطر".

ــتيس )الحضــارة الــتي دمــرت ذاتهــا( ســبيل العلم إلى مــا فقــد – راجــع        أتالن.1997)الضحى( العدد السابع والستون – أيلول

في قارة أتالنتس اشــتعلت اشــد حـروب العـالم القـديم ضـراوة: الحــرب بين       أسياد النور والحقيقة وأسياد الظالم والجهل.

ولم يقو الفكـر المسـتيقظ على التحكم بـالغريزة الفطريـة. كمـا عجـزت عن        ذلك القدرة النفسية والجسدية. ففي أوج تطوره، أسس الشعب األتلنتسي حضــارةــة قوية الفكر تحثها قوة نفسية بدنية، غير أن الحضارة هذه خلت من اإلرادة األخالقي الضــرورية لكبح جمــاح الشــعب، اإلرادة الــتي حمت أبنــاء النــور من األنغمــاس في الظلمة عبر تقلبات األزمان والشرائع. وأما الســحر فكــان موهبــة طبيعيــة تمتــع بهــا األتلنتيون، فقد تحول بين أيدي هؤالء العمالقة إلى سحر مــادي وجســدي فانغمســوا

في الشـعوذة الـتي مــا زلنــا نختــبر مفاعيلهـا حـتى يومنــا هـذا وســط دوامــة الكــرهوالجنون.

ولكن تلك القوة النفســية البدنيــة لم تهيمن على أهــالي ألتالنتس كافــة. فقــد        انصرف قسم كبير منهم إلى الشعوذة وفني في مسالكها. أمــا القســم اآلخــر، ممنــتي ــة الصــارمة ال تراءى فيهم نور الروحانية، فقد وقع ضحية أمواج القوانين األخالقي نزلت بنظام أتلنتس القاري، وضل في متاهة االرتباك، وهام هنــا وهنــاك يتبــع اآللهــة المزيفين واإلرشاد الخاطئ، في حين عدد قليل – بضع ماليين من البشر ال يقاســون بعدد سكان القارات االتلنتسية الهائل – حافظ على قوته وصفاته ونور عقلــه بفضــل اتصاله المستمر بالروح، وهذه األقليــة هي الــتي شــكلت في مــا بعــد أتبــاع األخويــة

المختارين الذي رسخوا أسس الفضيلة على األرض في العصر اآلدمي األخير.

خالل آالف السنوات األولى، لم تكن فكـرة األسـرار قـد نشـأت بعـد إذ كـانت       ــات الحقيقة ملكية عامة بتصرف البشر. ولكن، مع نمو معرفة الذات، نشأ عن الرغب شغف وأنانية أوجبتا استتار الحقيقة. فقد أسيء استعمال المعرفة والقوة، فبات من

الضروري تفريق العقال عن الجهال فبدأت أول مظاهر التعليم.

ــة، وقــد آلت        وكان ال بد من اتخاذ إجراءات للحرص على سالمة األقلية العالمي الحضارة إلى نقطة أضحت عندها الضمانة الوحيــدة هي تأســيس مــدارس متشــابهة لما عرفته اليونان الحقا بمدرسة فيثاغوراس السرية ومن بعدها بأكاديمية أفالطــون يعمــد فيــه إلى تهــذيب األفــراد وتعليمهم حــتى إذا مــا اثبتــوا جــدارتهم ائتمنــوا على

الحقيقة مستقاة من مصدرها األول، عن طريق المعرفة العليا.

لذلك، بعدما كانت األخويــة قــد أسســت أول أعمــدة التعليم، حــتى في أواخــر        الحقبة اللمورية، ليتمكن أهل اإلحســاس والجــدارة من التــدريب والتطهــر والتقــوي استعدادا لتلقي الحقيقة، قامت بإطالق حملة نظامية شاملة، فبعثت األتباع والرسـل الفتتاح المدارس السرية والجامعات الروحية ومراكز التدريب الخاصة، بهدف تجميع

أكثر الرجال والنساء جدارة بتلقي التدريب والتعليم في أسرار الطبيعة.

وهكذا منذ حوالي أربعة أو خمسة ماليين سنة، مــا كــادت قــارة أتالنتس تهــدد        بتدمير ذاتها بسبب الجور الروحاني الذي كان يهيمن عليها، حتى تم إنشاء المــدارس األولى فتشعبت منها مدارس أخرى في أرجاء العالم األتلنتسي. وبينما بلغ األتلنتيون ذروة عظمتهم المادية، كانت تلك المدارس تبذل قصارى جهدها للحؤول دون تطــور موجة الشعوذة. كثيرون، أو باألحرى ماليين، أنقذهم إنشــاء المــدارس واستمســكت فيها نخبة الشعب الخير. أما األعداد البشـرية الهائلـة الـتي لم تتمكن من المشـاركة في درس العلوم المقدسة بسبب عدم اكتمال تطورها الداخلي فقد تلقت مســاعدةh شعاع القوة الروحانية المنبثق عن أبناء النور بشــكل غــير مباشــر فشــهدت عصــورا

h عم فيها الحب والسالم. وأزمانا

ولكن كان هناك دوما من راقهم مذاق الشر فقــادتهم قلــوبهم المتحجــرة إلى        زج أنفسهم بين صفوف أهــل الخــير وتلقي التعليم لتنفيــذ رغبــاتهم المفطــورة على كره الخير، فأسسوا المحافل السرية لمواجهة مــدارس النــور والحقيقــة الروحانيــة. وتحــول أنصــار مــدارس الشــر تلــك في وقت الحــق إلى خــبراء أيســريين األتلنتــيين

وخطيئتهم المتزايدة.

ــتيون        ــذ األتلن ــدما أخ ــتحقيها إال بع ــا ومس ــير أهله ــة عن غ ولم تحجب الحكم باالنغماس أكثر فأكثر في الخطيئة بحيث أصبح خطيرا ائتمانهم إلى أســرار الطبيعــة وخفاياها. وعندئذ حلت اللحظة األكـثر احتـداما في تـاريخ تلـك الحقبـة لحظـة دامت

ماليين السنوات: نقطة تحول الدورة من المادة إلى الروح.

ففي تلك الحقبة المصيرية من عمر البشرية، حين أصبح الطفـل شـابا مخـيرا        رأى األتلنتيون الروح والمادة متوازنتين: ففي أي اتجاه تتأرجح كفة الميزان؟ باتجــاه الروح وخالص البشرية أم باتجاه الظالم والمادة وعبودية اإلنسانية؟ ونتجت عن ذلكــا على ثقــل بلبلة قوية هزت األرض: هل تتوصل الروحانية الفطرية إلى إثبات تفوقهــوي المادة المكتسبة؟ وهل تتمكن البشرية من ارتقاء سلم التطور لتبلغ النور، أم ته طائشة في سراديب الظلم والحماقة لتغيب في غيــاهب المــادة المبهمــة؟ ومن بين مليارات البشر الذين زينت قلوبهم بميزان الروحانية، كان على كل بشري أن يخضع بمفــرده إلى االختبــار المحتم، فكــان مصــيره إمــا الفشــل والســقوط وإمــا النجــاح

واالرتقاء في تيار التقدم العام وصوال إلى التوحد في األلوهية.

جاء الطوفان ليجرف معه أتالنتس إلى الهالك، مغمورا بمياه األرض والســماء        التي فاضت على اليابسة وفقا لقانون الكارمــا. ورافــق غــرق أتالنتس الــتي تــرامتــع على مدى ماليين السنوات، بروز أرض جديدة في أنحاء أخرى من العالم، أهلت م

مرور الزمن ببعض األتلنتيين الذي هاجروا في موجتين هائلتين أو ثالث.

وهكـذا ولـدت البشـرية من جديـد لتـترعرع في صـحراء "شـامو" أو "غـوبي"        واألنجاد المحيطة بها. أرض ال يشــير قفرهــا الــرملى الحاضــر إلى تلــك البقــاع الــتي انبسطت في القديم يانعــة الخضــرة والــتي شــهدت غاباتهــا وبحيراتهــا تــوالي اعظم الحضارات الـتي بـرزت في عالمنـا هـذا. وهنـاك طيلـة ماليين األعـوام، فيمـا كـانتــزرع في الــرحم ــد ت أتالنتس تتخبط في صراعها مع الموت، كانت بذور الجنين الجدي

الطاهر.

ــواقب        إن الطبيعة لمحسنة في أعمالها. فهي تترك أوالدها يواجهون وحدهم ع أفعالهم الوخيمة من خالل عمــل الكارمــا ودورة التقمص، فيمــا تبــذر بــذور كــل دورــأ في ــر وينش ــواء الطه ــل في أج ــبرعم الطف ــة لي ــاهرة وعفيف ــد في أراض ط جديــتي، الروحانية، وتحول العرق الجديد إلى بؤرة نور روحاني لم يطلها خبو الجور األتلن

يساعده بشر اجتازوا مرحلة االختبارات في الحياة األتلنتية أصفياء أشداء.

إن أسمى األرواح الكونية تلك المعصــومة عن الخطــأ، ال تظهــر على أرض إال        عند بــزوغ فجــر كــل دور بشــري جديــد، عنــد نقطــة التقــاء طــرفي الــدورة الكــبرى وبالقرب منها، فتالزم اإلنسان طيلة المدة التي تتطلبها الحقائق األزليــة الــتي تبشــر بها لتنطبع وترسخ في أذهان األعــراق الجديــدة الطيعــة. لكأنهــا تضــمن بــذلك عــدم ضياعها أو انطوائهـا في غيــاهب النسـيان مــع األجيــال المقبلــة في العصــور التاليــة.

تكمن مهلة الروح الكونية في إعالن خطبة الحقيقة ليس إال.

ومع انقضاء القـرون وتـوالي الحضـارات عـاد حب الحقيقـة ليخبـو في قلـوب        البشر فأهملت المبــادئ والوصــايا القديمــة. وزاد انطــواء هــذه الحقــائق في العصــر

اآلدمي األخير حتى تحولت اليوم إلى بعض الشعائر والطقوس والعصبيات الدينية.

– راجع الضحى العدد الثالث2 تاريخ البشرية منذ عهود الظالم إلى عهد النور        .1997والستون – أيار

السجل األكاشي

هناك في الفضاء... حفظت صور الفانيات... هناك، ما اندثر كيانه على األرض        تتراءى ظالله وأخيلته على مرايا هيولى الفضــاء. ال منــاص وال مفــر، وال حــول حــتى لألفكار من أن تنفذ من شباك ذاك الفضاء الالمتناهي وال لألصــداء أن تتالشــى مهمــا عدت السـنين والـدهور، من أصـداء الفكـرة إلى الحس والكلمـة والشـعور، وكـذلك النيات والنخيالت والرغبات ال تفنى وال تضمحل بل تحفظ ذلك السجل العجيب حيث تنطبع كل خلجة ونبضة وخفقه على ذلك النسيج الهيوالني التناظري، وكل معلومات

تحتفظ بكينونتها محفوظة عند "كرام كاتبين".

ال شيء يتالشى في الفضاء... حيث تترابــط ســجالت كــل الكائنــات بمخاوفهــا       ــة في ــام عجيب ومتفن غاي ــا في نظ ــا وأمنياته ــها وأحالمه ــعاداتها، في هواجس وس

الترتيب والتدبير.

هناك في الفضاء... لكل نفس حيز في سجله الفريــد، ذلــك الغالف الهيــوالني        األثيري، ولكل نفس شــيفرة، رمــز خــاص، قطبــة في نســيج هالــة الــوعي الصــغري المحيطة باألرض، والكبرى ما وراء كــل الســدم والمجــرات. ولكــل نفس مكــان في تلك المكتبــة الكونيــة، "وموقــع" على هــذه الشــبكة األثيريــة، وصــفحة في "الكتــاب المرقوم" حيث كل ما كان ويكون وسيكون في حفظ مصون، مــا وراء عــالم الحســا والظنون، وفي كل مرة تجول في الخاطر فكرة وينطق اللسان ببنت شــفة... فإنن

h إلى رصيدنا في ذلك السجل إلى اليوم المعلوم حين: نضيف قسطا

... "يتذكر اإلنسان ما سعى وكل نفس بما كسبت رهينة".

ويطلق الثيوصوفيون على هذا السجل الفضــائي تســمية "الســجل األكاشــي"AKASHIC RECORD. 

واألكاشا في الفلسفة الهندية جوهر أثيري هيوالني ومادة أوليــة لطيفــة تعتــبرــا ــة البران في األكاشــاPURANAالمبدأ الرئيسي للطبيعة، حيث تعمل الطاقة الكوني

لتشكل العناصر المادية.

ويعتبر البعض "السجل" األكاشي نظاما كونيا يسجل كل فكرة وكلمة وحدث، EARTH'Sويخضع لناموس الوعي الكــوني األرقى الـ "لوغــوس". وهــو هالــة األرض

AURA أو الطاقــة االثيريــة – يهــتز بــترداد عــال "ليمتص" كــل انطباعــات الحيــاة – واختالجات الزمان والمكان في ذاك البعد الفضائي.

إن السجل االكاشي مكتبة كونية وهالة وعي جمعي يحيط باألرض، إنــه خــزان كل المعارف، وذاكرة كبرى ليس لألحداث وحسب بــل لآلداب والفلســفات والعلــوم الماورائية وكل ما جاء به فكر وحس وخاطر، ويحتوي بين تالفيــف حافظتــه وثناياهــا

على مجمل الدراما الكونية في كل أبعادها الزمنية.

هذا المحيــط األحيــائي والغالف المــاورائي األثــيري ســجل كــل مــا حــدث في األمس، ويسجل كل مــا يحــدث اليــوم، ويحتفــظ بغيب كــل مــا هــو آت، أنــه يخــتزن الماضي والحاضر والمستقبل في تكور شعاع النور داخل انطـواء الكــون الالمتنــاهي

في الكبر... والالمتناهي في الصغر ! وفيه تجد جواب كل سؤال!!!

ويعتقد بعض الحكماء أن المعلومات "المطبوعة" على األكاشــا يمكن قراءتهــاــل في حاالت متقدمة من الوعي، ويمكن الوصول إلى الوعي المتطور هذا عبر التأم وأحيانا عبر الــرؤى والغيبوبــة أو الطــرح الــروحي، ويقــول بعض اليوغــاويين أنــه في حاالت تأملية وسيطية باستطاعة "الرائي" النظــر عــبر طبقــات المــدونات األكاشــية

ليختار أي حقبة من عمر األرض ويقرأ سجل االحداث في زمان ومكان محددين.

ــراء ــطاء والق ــائبين" أو الوس ــادرة لبعض "الغ ــاالت ن ــاريخ ح ــجل الت ــد س وق الروحانيين الذين ادعوا قراءة السجل األكاشي واعتبروه بحــرا من الــوعي المحيــط

يذوب فيه كل وعي فردي.

بداية التاريخ

دور آدم

الرحلة األحمية:

بدأت رحلة كشف الحقيقة منذ ماليين السنين، وكان آخرها في دور آدم الصفا ومنتهاها يوم        الدينونة وقيام الساعة. لقد مرت البشرية خالل ماليين من السنوات في اختبارات للوعي، في

h. وكان كل دور ينتهي بكارثة عالمية، يتسبب بها الجهل وسوء دورات امتدت ألكثر من سبعين دورا استخدام الطاقة والمعرفة من جهة وإخفاق البشرية في إدراك الحقيقة من جهة أخرى.

أما الحلقـة األخـيرة فابتــدأت مــع دور آدم الصــفا، الـذي بــدأت معـه الحقيقـة        العرفانية تتشكل على شكل نطقة في رحم الزمان. وعلى مدار الســبعة آالف ســنة التي يتكون منها هذا الدور األخــير تــدرجت البشــرية في معرفتهــا في عــدة مراحــل وفي كل مرحلة كانت حقيقة التوحيد يجري تقريبها ألفهام البشــرية من خالل صــفيه العقل الكلي. ونشأ جنين التوحيد مع كل رسالة سماوية. لقد كان جوهر الـدعوة هـو هو منذ القدم وكان الرسل واألنبياء هم هم منذ القدم يأتو ويذهبون بأسماء وأقمصة

متبدلة.

وقد جاء في اإلنجيل إشارات إلى ذلك:       

"الحـــق أقـــول لكم لم يقم بين المولـــودين من النســـاء أعظم من يوحنـــا       (.11/11المعمدان ولكن األصغر في ملكوت السموات أعظم منه" )متى

ــاب        h. فأج "وسأله تالميذه قائلين فلماذا يقول الكتبة أن إيليا ينبغي أن يأتي أوال يسوع وقال لهم إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا بـه كـل مـا أرادوا. كـذلك ابنh سوف يتألم منهم. حينئذ فهم التالميذ إنه يتكلم عن يوحنــا المعمــدان". اإلنسان أيضا

(.10/13 – 17)متى

الجواب واضح: يوحنــا الــذي صــعد إلى الســماء )تقمص من جديــد( وعــاد إلى       األرض في جسد يوحنا المعمدان.

وقد انقسم البشر في كل مرحلة من مراحل تطور الجنين إلى ثالث فئات:

الذين أقروا عن إرادة ووعي بحقيقة رسالة التوحيد.  الفئة األولى:

الذين رفضوا عن إرادة ووعي حقيقة رسالة التوحيد.   الفئة الثانية:

جماهير الناس التي انقادت بجهلها مع الفئة التي أنكرت الحقيقة.    الفئة الثالثة:

والمعيــار الــذي يمــيز بين أفــراد هــذه الفئــات الثالث هــو معيــار روحــاني في        جوهره. وقد توزع جميع أفراد هذه الفئــات على جميــع األســباط واألديــان واألعــراق واألمم بحيث ال تستطيع واحدة منها اإلدعاء باحتكــار أي فئــة من الفئــات المــذكورة.ــة دم، وبكالم آخر، إن الرابطة التي تجمع بين أفراد الفئة الثانية والثالثة ليست رابط وال جنس وال عرق وال لغة وال دين... إنها رابطة إضمار الكره للحقيقة ورغبــة إلحــاق األذى بها – وهي رغبـة دفينـة في األنفس، أنفس أهـل الظالم منـذ البـدء. ومـع هـذا

فهناك مميزات تختص بها كل فئة من هذه الفئات الثالث.

الفئة األولى:

كانت عالمة اإليمان والتسامح والتواضع، أن يقبــلخصائص الفئة األولى:        ــة المؤمن على أي رسالة سماوية تدعو إلى الحقيقة، ولهذا دخل الموحدون من الفئ األولى في الدين اليهودي على أيام شعيب عليــه الســالم، كمــا أقبلــوا على اإلســالمــدفع على أيام محمد )ص(. واإلقبال على هذه األديان لم يكن من قبيل اإلكــراه أو ال أو المصلحة الدنيوية، بل هو إقبال وطاعة لما كـان يبشـر بـه الرسـل واألنبيـاء ولمـا يؤمرون به من المولى عز وجل ليبلغوا حــد الكمــال في معرفــة الحــق ســبحانه. إن الموحد الحقيقي، هو من ال يخشى من قول الحق والعمل به. ومن أجل هــذا ضــحى الموحدون في أجيالهم العديــدة بمركبــاتهم المؤقتــة )األجســاد( في ســبيل كيانــاتهم:h الخالدة )األرواح( وقد خاطب يسوع في إنجيل يوحنا هذه الفئة من الموحدين قائال

إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنـه قـد أبغضـني قبلكم. ولـو كنتم من العـالم        لكان العالم يحب خاصته. ولكن ألنكم لستم من العالم بــل أنــا إخــترتكم من العــالم

لذلك يبغضكم العالم".

من هو هذا الذي قصده يسوع بأنه ال ينتمي إلى العالم؟ إنــه الموحــد الحقيقي        المتمسك بأهداب الحقيقة، إنه الموحد الحقيقي الذي يعرف لذة المشاهدة باالتحــاد مع أنوار العقل الكلي، ويختار بمحض إرادته وعن قناعة تامة طريق الفضيلة والحق. حتى ولو كانت ضد شهواته ورغباته ومصالحه المادية اآلنيــة المباشــرة... إنــه يســبح على الدوام ضد التيار في وجه هذا العالم الذي يقدس الشر ويعتبر الفضــيلة ضــعفا. إن المؤمن الموحد هو وحــده من ال يعبــد اللــه طمعــا في جنــة مليئــة بالطيبــات، والh أن h من نار تستعر بالجمر واللهب، بل محبة باللــه لذاتــه. إنــه من الواضــح جــدا خوفا

يسوع لم يكن يخاطب في الكالم الوارد أعاله عامة الناس.

ونستنير ببعض اآليات المشابهة لهذا المعنى من القرآن الكريم:       

"زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم       (.212يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب" )البقرة

"يا أيها الذين آمنوا من يرتــد منكم عن دينــه فســوف يــأتي اللــه بقــوم يحبهم       ــه وال ــة على المؤمــنين أعــزة على الكــافرين يجاهــدون في ســبيل الل ــه أذل ويحبون

(.54يخافون لومة الئم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم". )المائدة

من هو الذي ال يخاف في الحق لومة الئم؟ من هو الذي يعاني بسبب تمســكه       بالحقيقة؟

من هي الفئة التي كانت تضحي على امتداد التاريخ، لتلقى فقط اللوم واصابع       االتهام؟

فهل هذه اآليات المباركة تتوجه وتعني الشخص العــادي أم الشــخص المــؤمن        المتميز؟ إنهــا بــالطبع تتوجــه إلى األقليــة المؤمنــة الموحــدة الصــابرة، الــتي تجاهــد

للوصول إلى الحقيقة مهما كلفها األمر من غالي التضحيات.

h أن هذه اآليات ال تتوجــه إلى أمــة واحــدة أو دين واحــد، بــل        ومن الواضح أيضا إلى جميع أهل الله في أي ملة كانوا بل لكــل ذي أذن تســمع. إنهــا موجهــة إلى كــل

مؤمن يريد أن يناضل في سبيل الحقيقة ويكافح من أجلها...

والجهاد الحقيقي هو مجاهدة النفس بالتغلب على الحقــد والتحــيز والتعصــب.        إن اللــه هــو الحقيقــة الــتي يجب أن يستســيغها العقــل ليكــون هنــاك مــذاق ولــذة للمعرفة، إن أكبر وهم عرفته الدنيا هو االعتقاد أن الـدرب إلى اللـه جـل وعال، وإلىــا في ــا. هن الخالص، يتطلب منا قفزة إيمانية باتجاه المجهول الذي نطلبه خارج ذواتن الداخل هو المعترك، وهنا فقط ساحة النزال، هنا يطلب الله، وهنا يطاع ويعصى. إن

صدق اإليمان مع النفس هو بذاته الصدق مع الله.

الفئة الثانية:

هؤالء هم فئـة الطغـاة، الـذين يخـدعون البشـرية،خصائص الفئة الثانية:         وهم مبثوثون في كل أمة وعرق ودين... وخالل رحلة الحقيقة، كان هنــاك دائمــا من يناصبها العداء، إنـه ليوجـد دائمـا أنـاس تـؤذيهم الحقيقـة ويجـدون فيهـا خطـرا علىــور الشــمس، ويفضــلون وبإصــرار شــديد ــانيتهم، إنهم ال يتحملــون وال يطيقــون ن أن المكــوث في الظالم، والتغذيــة من دمــاء األبريــاء. وألن نزعــاتهم الشــريرة تســيطر عليهم بهــذا الشــكل فقــد وجــدوا واقتنعــوا بــأن طريــق الخــير هــو طريــق الضــعفاء واألغبياء. لقد مارس هذا الفريق على مــر التــاريخ ســلطته الدنيويــة من خالل "قتــل العقول". وفي كل لحظة تـوجههم نـوازعهم الشـريرة. وغرائـزهم المتحفـزة بعكس اتجاه بوصلة الخير، ويندفعون مهما كلفهم األمر باتجاه إشباع ميولهم العدوانية. وهم يعطلون إرادة الناس بقتل اإليمان في قلوبهم، إنهم يستطيعون ارتكاب اإلثم والشر في كل لحظة بتلقائيـة مدهشـة، ودون أن يـرف لهم جفن أو يسـاورهم النـدم. إنهم يستقون لذاتهم من كسب الجماهير المغفلة، واإلمساك بقيادها، ولعب دور إله الشر إزاءها، والتلذذ بامتحان قدرة أعدائهم من محبي الحقيقة على مقاومة الرضوخ لهم،ــد والوقوع في شباكهم، واعتناق الشر مثلهم. وقد وصف اإلنجيل هذه الفئة في العه

Blindالجديد بقوله: "القادة العميــان" Guildesوالمنــافقين الــذين "يقفلــون أبــواب مملكة السماء في وجوه الناس، فال يدخلونها وال يسمحون ألحــد ســواهم بــدخولها". مثل هؤالء الناس ال يغمض لهم جفن دون أن يقنعوا أنفسهم أن الحقيقــة واللــه وهم

وخرافة.

الفئة الثالثة:

ــان واألممخصــائص الفئــة الثالثــة:         ــع األدي ــة في جمي ــؤالء هم األكثري هــة واألعراق. األكثرية التي اختارت السير وراء القادة العميان، وما زالت هــذه األكثري

إلى اليوم تتابع السير وراءهم. هؤالء هم الناس الــذين يطلبــون للحيــاة معــنى ولكن في غير الموقع الصحيح. ألنهم يطلبون هذا المعنى خارج ذواتهم، وفي أغــراض هــذهــا الدنيا الخادعة والمضللة التي يوهمهم بها الفريق الثاني. هذه األكثرية باعت عقوله وأرواحهــا وإرادتهــا بــأبخس األثمــان. ومــع أن قلــوبهم تــدمى من الــداخل لخيــانتهمــارون الحقيقة، إال أنهم يقفون عاجزين أمام رغباتهم وشــهواتهم ومطــامعهم، ثم يختh من المضي في طريق الجهالة. لقد اعتادوا على هذا األلم حتى ألفوهن وصـار جـزءا نسيج حيــاتهم يســتمتعون بطعمــه، ويفــاخرون بوضــعهم التعيس، إنهم عــادة الجنــود واألدوات التي يجيشــها ويســتعملها الفريــق الثــاني في مواجهــة الفريــق االول. لقــد غسلت عقولهم إلى درجة أنهم يعتقدون أن الله يريد العالم على هذه الصورة الــتي

يسودها الجهل واألنانية.

h المتحــان        وبعـد أن قطعت مراحــل عديــدة لتطورهــا، خضــعت البشــرية أخــيرا المعرفة. لقد نضج الجنين وحان موعد والدتـه، وصـارت روح التوحيـد جـاهزة لتـنزلــد... وتســكن في الجســد الوليــد. وهكــذا فليس كلمــة التوحيــد دعــوة إلى دين جدي

وبعكس ذلك فهي اختبار لكل ما تمخضت عنه هذه األديان.

ومن هم الذين تمكنوا من اجتياز هذا االمتحان؟       

ــون الصــادقون،        إنهم المسيحيون الصادقون، والمسلمون الصادقون، والتوراتي والبوذيون الصادقون، والهندوسيون الصادقون، إنهم باختصار أحباب الله الحقيقيون، إنهم الموحدون الذين حملوا شعلة الحقيقة في أنفســهم، وفي صــدورهم، وحــافظوا

عليها وراعوها في أفكارهم وكالمهم وأفعالهم.

ــاس        h، والتي ستجري في عالم اليوم، لهي امتحان للن إن األحداث الجارية حاليا ومناسبة لكي يظهر كل منهم بجوهر عملــه فيمــا آمن بــه واعتقــده. وعنــدما تشــرق أنوار العقل ينكشف الخباء، ويصبح الالوعي والوعي واحدا وكل نفس تكشف نفسها أمام مرآة ذاتها. بعض األنفس سوف تستفيق على السعادة األبديــة باتحادهــا مــع الـ "لوغوس" )العقل الكلي(، حيث ينكشـف لهـا الجمـال المطلــق للــه عـز وجـل وهـو يتجلى على شاكلتها. بينما األنفس الشقية فسوف تكره هذه الصورة التي ستبدو لهاh على شاكلة حقيقتها المظلمة المخدوعة، وسيرقد هؤالء الجهلة في أغالل غيهم أيضا وبالهتهم وعمـــاهتهم إلى أبـــد اآلبـــدين... "من يظلم فليظلم بعـــد، ومن هـــو نجس فليتنجس بعد. ومن هو بــار فليتــبرر بعـد. ومن هـو مقـدس فليتقـدس بعـد" "... آت

كاللص.." "أنا األلف والياء، البداية والنهاية، األول واآلخر...".

صراع الخير والشر في الرحلة اآلدميــة األخــيرة... قســم الفلســفة في مجلى       الضحى.

الحكمة القديمة

مشاهد من ذاكرة التوحيد

مدارس الحكمة القديمة في الدورة اآلدمية األخيرة، ظهرت أوائل مظــاهر التوحيــد في مصــر القديمــة       

ــص ــات والقص ــودة وبالمعلوم ــارات المفق ــار للحض ــد تبقى من آث ــا ق ــتعينة بم مس واألساطير واإللياذات التي تناقلها بعض الذين نجحوا )من أبناء النور وأبنــاء الظلمــة( في الهروب من أتالنـتيس قبـل دمارهـا. فظهـرت كـوامن نفـوس أبنـاء الظلمـة فيh في العصر الفرعنة وعبادة األوثان على أيام مصر القديمة ومن ثم السفسطة الحقاــاتون اليوناني فيما ظهرت كوامن نفوس أبناء النور في الحكمة القديمة كحكمــة إخن وهرمس الهرامسـة ومن ثم الفلسـفة اليونانيـة. فمن جديـد بـدأت البشـرية رحلتهـا المعرفية بطرق ووسائل جديدة وبصيغة جديدة تربط بين الكائنات البشرية والوجــود )بين الروح والمادة(. فقد تكثفت أداة الفكر )أي الصور الفكرية( لتصبح مادة جامدة في العصر اآلدمي األخير بشكل جعل من وعي العقل اإلنسان لثنائية الوجود )المادة والفكر( المبدأ الذي منه ستنطلق الحكمة القديمة ومن بعدها الفلسفة اليونانيــة في رحلة يظهر فيها التوحيد كشيء مجهول تتوق إلى معرفته النفس اإلنسانية بينما كان في أيام أتالنتيس ممارسة فطرية تعبر عنها المــادة آنيــا وتلقائيــا. وكــل ذلــك بهــدف حكمة إلهية أوجبت أن يتعرف اإلنسان على خالقه من خالل معرفته لذاته. فلم يكن باإلمكان أن تتحقق هكذا معرفة من دون الحوار الذاتي الذي بــدأ مــع وعي اإلنســان لثنائية الوجود )أي مادة وروح( وإال اتحدت الماهيات مع المحسوسات وانفقد عنصــر الفكر )الذي من خالله المعرفـة تتم( وذابت هويـات كـل الكائنـات في هويـة واحـدة ووعي واحد – الوعي المطلق. فالمعرفة بطبيعتها أوجبت وجود العــارف والمعــروف )الروح والمادة( وفي خافية ذاكرة البشرية بقيت صـور وأحـداث من الطفولـة الـتيh على عاشتها في الحضارات المفقودة، فيقال أن الطفولة هي المرحلة األكــثر تــاثيرا حياة اإلنسان. فما كان قد مورس فطريا في قارتي أتالنتيس وعمورة من خير وشر أصبح كامنا في النفوس في ظل جمود مادي ليظهر نفسه بطرق جديدة في العصــر اآلدمي األخــير، طــرق يشــهد العــالم آثارهــا اليــوم في الحــروب المــدمرة ومظــاهر

الشرور المتعددة.

عالم الروح سبق عالم المادة:

الحكمة القديمة وعي مباشر، بحدس مباشر، لوحدة الكيان اإلنســاني ووحــدة        الوجود الكوني، هي معرفة الكائن البشري ألتصاليته مع كل شيء، وفي رأي حكماء هذا العصر أن الحكمة القديمة اشتملت على المعرفــة اإلنســانية بكاملهــا، وفســرت الكون واألكوان واإلنسان تفسيرا شموليا، وقد تجــاوزت التفكــير العقلي إلى وضــوح الرؤية. فهي ال تحتاج إلى تلسكوب أو ميكروســكوب ألنهــا تــرى كــل الحقــائق الــتي ينطوي عليها الوجود في جوهرها وفي ظاهراتها. إذن فعملها هــو معرفتهــا بحقيقتهــا وحقيقــة الوجــود. والعلم، في جــوهره، بعــد تلمس الطريــق، والغــوص إلى أعمــاق المادة، يعلم أنه حكمة مطروحة على مستوى االختبار والتجربة ووعي ومعرفة بهذه

الحقيقة على الرغم أن في ظاهره اليوم يبدو وكأنه نقيض لهذه الحكمة.

وبعد أن يسر هذا العـالم من خالل التجربـة، لفـترة زمنيـة طويلـة، يـدرك أنـه       الحكمة ذاتها، المحققة في التاريخ على نحو عقل.

البعض يتصور العالم موضع تجربة واختبــار، ويــرى أن هــذا العــالم متصــل مــع        العوالم األخرى وممتد إلى الالنهاية في سلسلة وجودية غير منفصــلة. وأن اتصــالهم بالعوالم األخرى يتم عبر األرض ويتحقق بمقــدار مــا يطبقــون من مبــادئ كونيــة في عالم التجربة واالختبار، في عالمهم األرضي. وال شك أن كثافة هذا العالم األرضي ال تحول دون اتصالهم بلطافة العوالم األخـرى، فهـو الفيض األخـير أو االنبثـاق النهـائي في سلسلة الصدورات. وقد اتصف هذا الفيض األخير بالكثافة الــتي نــدعوها المــادة مقابل الروح، والظلمة مقابل النور. والحق يقــال إن عالمنــا، كمــا أشــارت البحــوث األخيرة في فيزياء الصغائر، شعاع ونــور، وطاقــة كثيفــة، هي روح ظليلــة ويعــد هــذا العالم الموضع الذي يحقق فيــه لمن يريــد رؤيــة الحقيقــة، اختبــار النــور في الظالم، والــروح في المــادة، والوحــدة في الكــثرة، واالتصــالية في االنفصــالية، والخــبر في

انعدامه أو سلبه، والحقيقة السامية في انعدامها.

نعترف بهذا العالم ألنا نحبه، ونتفاعل معه لنسمو به، وألن كياننا وكيانــه واحــد        وبقدر ما نحن ونتوق إلى األبدية والحقيقة السامية نتوق إلى هذا العالم. وفي وحــدة

الكيان هذه تنعكس الثنائية في بهاء التكامل وتتألق التعددية في ضياء الوحدة.

الوعي الكوني من منظور الحكمة القديمة:

تشير الحكمة القديمة إلى أن المادة "وجــدت نتيجــة تطــور هابــط من األعلى        إلى األدنى: تطور يشير إلى كثافة الطاقــة الكونيــة لتصــير مــادة. ويمكننــا أن نقــولh قبــل h أن المادة ستعتمد بفعل طاقة واعية، العــودة إلى مــا كــانت عليــه ســابقا أيضا تطورها الهابط إلى انغالق، عن طريق تطور صاعد، يبلغ وســطه في اإلنســان )عــبر الفكر الذي هو ألطـف تكثــف للطاقـة(، ويبلــغ أقصــاه في "روحنــة" المـادة )أي في عودتها إلى ما كانت عليه قبل تطورها الهابــط(. فــالتطور الهابــط والتطــور الصــاعد يؤكــدان اتصــالية الكــون وينفيــان االنفصــالية. والحــق أن اتصــالية الكــون واألكــوان واإلنسان تعني أن ما يهبط سوف يصعد، وما يصــبح كثيفــا ســيعود إلى لطافتــه. وإذا كان التطور الهابط يعني اللطافة المتحولة إلى كثافة، فـإن اإلتصـالية قائمـة بينهمـا.h، أو تجليا أو كشفا، أدركنا أن الكثافة ســتعود وإذا كانت اللطافة أصال والكثافة ظهورا إلى لطافتها. وال شك أن الخطيئة الكبرى المقترفة تكمن في االعتقاد بانفصال كوننا

أو حياتنا عن الكون واألكوان كلها.

ــرار، ولن        وال يستقيم وجودنا، وال يتميز هذا الوجود بالمعنى ما لم ندرك أننا أح يعمل اإلنسان على تحســين وتطــور وضــعه الحيــاتي والمعيشــي، بــالعلم أوال مــا لم يشاهد هذه الحرية تفعل في الكــون كلــه، ومــا لم يتخــل عن مفهــوم الحتميــة الــتي تجعل حياته جحيما ال يطــاق واستســالما وخضــوعا ال يليــق. ثمــة إشــراطات طبيعيــة وراثية يسببها اإلنسـان لنفسـه في حياتـه السـابقة، وإشـراطات حاليـة أضـيفت إلى

اإلنسان في والدته وألحقت به في التربية تدعى حتمية، يتوجب عليــه االنعتــاق منهــاليحيا في الوعي الكوني.

أن هذا العالم المادي هو انعكاس للعالم األسمى. ليس العــالم المــادي ســوى        ظل للحقيقة، وفي الظل ال توجد واقعية وجوهر. إنمــا نفهم من خالل الظــل بوجــود جوهر أو واقعية. ال يوجد في الصحراء ماء وال ســعادة. لكن الســراب يــوحي بوجــود

شيء كالماء.

هكذا ال يوجد في العالم المادي ماء، وال سعادة، ألن السعادة الفعلية موجـودة       في العالم األسمى.

أخناتون ووحدانية اإلله آتون:

أخناتون: هو فرعون مصر "أمحوتب" أو "أمنوفيس الرابع" الذي دعا إلى ديانة التوحيد        بعبادة اإلله الواحد "أتون" الذي ال إله إال هو، وقد رمز إليه بقرص الشمس التي تمتد أشعتها كأيد

h بعقيدته التوحيدية لظهور األديان السماوية إلى كل المخلوقات لتمنحها الحياة والوجود، ممهداالثالث.

وقد تصور أخناتون أن قــرص الشــمس هــو مظهــر من مظــاهر هــذا اإللــه، إذ        اإلثنان من وجهة نظره يشعان على العالم أجمع )اإلله الذي ال إله إال هو والشــمس( وقد بلغ حماسه لدينه الجديد ما جعله يناوئ جميع اآللهة ويحاول القضاء على مبادئها وحمل الناس على اتباع اإلله الواحد االحــد الــذي ســماه "أتــون"، وقــد صــب غضــبه بالدرجة األولى على اإلله "أمين – أمون" إله "طيبة"، ولكرهه لهذا اإللــه الــذي كــانــير اســمه من ــركيب إســمه أمين – هــوتب" فقــد عمــد إلى تغي ــدخل في ت أســمه ي "أمنحوتب" أو "أمنوفيس" إلى أخناتون، وهجر العاصمة المقدسة "طيبة" وابتنى لــه عاصمة جديدة في موضع يسمى "العمارنة" وسماه "أخت – أتون" ونقل إليهــا مقــر العاصمة وأعمال الحكومة، وقد وجدت في هذه العاصمة السجالت الملكية الشهيرة التي من بينها الرسائل المرسلة إليه وألبيه من قبله من ملوك الشرق األدنى وحكامــادة اإلمبراطورية في بالد الشام. ويدعى البعض أن دعوة أخناتون فرعون مصــر لعب اإلله الواحد هي الدعوى األولى من نوعها في تــاريخ البشــرية، وقــد فــات هــؤالء أن

قبــل الميالد، أي بعــد إبــراهيم الخيلي1358 وســنة 1375أخناتون عــاش بين ســنة ــة هي األولى في ــه هــذه للوحداني بحوالي ستمائة عام، لذلك ال يمكن أن تكون دعوت تاريخ البشر، وال مجال للشك في كون عقيدة التوحيد عقيدة أزلية القدم، فمن غــير المستبعد أن تكون عقيدة الوحدانية الــتي تبناهــا أخنــاتون قــد جــاءت إلى مصــر عن طريق قبائل "الهيكسوس" العموريين العربية التي حكمت مصــر زهــاء قــرنين قبــلــانوا على اتصــال بالـ ــوم ك ــو معل ــا ه ــاتون مباشــرة، و "الهيكســوس" كم ــد أخن عهــوه" ــدعو "يه ــد الم ــه الواح ــدينون باإلل ــانوا ي ــل عنهم أنهم ك ــذين قي ــديانيين" ال "مــل ومساكنهم في شبه جزيرة سيناء المجاورة إلى مصر ولم يعبدوا اآللهة المصرية ب عبدوا اإلله "سوتح"، وقد تواتر أن الملك "أبو فيس" لم يســمح بعبــادة أي إلــه آخــرــاتون وأن ــدينون بــدين أخن في البالد كافة. وذهب البعض إلى أن أتباع موسى كانوا ي

موسى نفسه هو مصري ومن أتباع هــذه الديانــة الجديــدة، ويؤكــد العــالم النفســاني "فرويد" باألدلة التاريخية واالستنتاج الخاص بـه بـأن موسـى قائـد مصـري من أتبـاع أخناتون اعتنق دين التوحيد وبشر به بعد مـوت هـذا الفرعـون. وممـا يـذكر في هـذا الصدد أن هنـاك بعض التشـابه بين بعض قصـائد أخنـاتون في تسـبيحه اإللـه األوحـد وبين المزمور الرابع بعــد المائــة من التــوراة، كمــا يالحــظ أن المعــاني الــتي ذكرهــا

أخناتون في قصيدته عن إله الشمس تكررت كذلك في أسفار العهد القديم.

h في تاريخ مصر السياسي واالجتمــاعي        ولم تكن ديانة أخناتون التي لعبت دورا وليدة زمنها، فقـد ســبقتها تطـورات عقائديــة دينيــة عـبر زمن طويــل حـتى تبلــورت واختمرت عقيدة اإلله األوحد خالق كــل شــيء، وأول مــا اســترعى نظــر المصــريين األوائل هو أن الشمس وظهورها على شكل ذلك القرص األحمر المتــوهج وشــروقها وغروبها بانتظام دقيق تمثل عظمــة اإللــه "خــالق كــل شــيء" الــذي عــرف بأســماء عديدة منها االله "رع" الـذي يمثـل شـمس الظهـر، فعبـده أهـل مصـر في الشـمال والجنوب على السواء وقد صوروا هذا اإلله الخالق على أشــكال مختلفــة على هيئــة الصقر أو هيئة إنســان بــرأس الصــقر. إن عقيــدة التوحيــد نبتت جــذورها في القــرن العشرين قبل الميالد بظهور عبادة إله "أمون رع" ثم بعد طرد "الهيكسوس" العرب من مصر وتأســيس االمبراطوريــة المصــرية حــتى لقب بملــك اآللهــة وأصــبح أعظم االلهــة للمصــريين. وفي عصــر أمنحــوتب الثــالث بــدأت تختمــر في عقليــة الشــعب المصري مفاهيم دينية جديدة تمخضت عنها الثــورة الكــبرى الــتي انــدلعت في عهــد

ق.م. بإعالن عقيدة التوحيد تحت علم )أتون1362 – 1379خلفه أمنحوتب الرابع – الشمس(، وال شك أن هذه الحركـة الجديــدة كـانت عامــة إذا كـان النــاس يــؤدون عبادة وحب اإلله الذي يرونه ويحسون بأفضـاله )أي شـمس(. إن هـذا الجيـل يسـير إذن نحو الحقيقة. ولم يعد إلـه الشـمس كسـابق العهـد على هيئــة إنسـان ذي رأس صقر، بل على صورة قرص يمثــل كــوكب الشــمس ومنــه تخــرج أشــعة تنتهي بأيــد، وهذه األيدي معناها أن الشمس تعطي اإلنسان الحياة وكل ما هو طيب، وقد وصلت إلينا محتويات هذه العقيدة الجديدة الحقيقية عن طريــق تســبيحات وأدعيــة مختلفــة تصـور إلـه الشـمس على صـورة الخـالق المحبب عنـد كـل األحبـاء ويقـول األسـتاذ

: "إننا إذا حاولنا فهم هذا141 – 140"إرمان" في كتابه ديانة مصر القديمة صفحة المذهب على وجه الدقة في تحليله األخير فإننا نالحــظ أنــه يتجــه اآلن – على عكس ما كان عليه في البدء نحو االعتقاد بالتوحيد، أنه يقول بإله واحد ليس له شرك وكــل ما كانت تقــوم بــه جمهــرة اآللهــة األخــرى ينفــرد هــذا اإللــه بعملــه، ألن فيــه ماليين المخلوقات، هذا هو إله الشمس العام المشــترك لكــل العــالم – اإللــه الطيب الــذي

يحب الحق سيد السماء واألرض "أتون" الكبير الحي الذي ينير القطرين".

وهكذا لم يعد اإلله )في ديانـة أخنـاتون( إلـه مصـر وحـدها بـل هـو إلـه الـدنيا        بأسرها وكـذلك لم يعـد الملـك إلهـا يعبـد ألن أخنـاتون لم يـدع األلوهيـة مثلمـا كـان الفراعنة من قبله ومن بعده يدعون بأنهم آلهة. إن المهم هنا أن ديانة أخناتون نبذتــذا وشجبت جميع ألوان السحر والخرافات والشعوذة وهذا ما يقوله "أرثر ويكال" به الصــدد: "إن أخنــاتون ألقى إلى النــار بشــتى )المفــاهيم( المختصــة بكائنــات العــالم السحري من جن وعفـاريت وأرواح وأنصـاف آلهـة، وحـتى "أوزيـريس" نفسـه بكـل

ــه: "وفي ــال" قول ــيف "ويك ــاد". ويض ــوا إلى رم ــه، ألقى بهم في اللهب وتحول بالط أعقاب نشر هذه الديانة الجديدة مباشرة لم يبق ذرة من الخرافات في صــلب هــذهh ألتون ألن اإللــه الحــق في الديانة، وقد حرم أخناتون على الفنانين أن يرسموا صوراh في كل مكــان وزمــان". ثم اعتقاده ليس كمثله شيء ولكن مع ذلك هو موجود دوماh فصور الفنانون كل الكائنات الحية نباتية كانت أو حيوانية h طليقا ترك الفن بعدئذ حرا في تفصيل ينم عن حب وعطف عظيمين، ودقة ال مثيل لهــا في عصــرنا، وكــان من أثــر هــذا أن ازدهــر الفن أعظم ازدهــار. وفي وصــف هــذه الديانــة الجديــدة وإيمــان أخناتون الراســخ بهــا، يقــول األســتاذ فــؤاد شــبل: "وفي الحــق لم تعــرف الحضــارة البشـرية هـذه النزعـة الروحيـة العالميـة قبـل أخنـاتون، فإنـه هـو أول أبنـاء الجنسh لوحدانيــة اللــه وشــموليته... فأخنــاتون لم البشري )في التاريخ المدون طبعا( إدراكاــه h دفعته أحاسيسه النبيلة إلنقاذ مجتمعه من أوزاره، وتخليص مواطني h عاديا يكن فردا من الجهالة التي يكابدونها بل كان ملكا آثر التضحية بملذات الحياة وبأبهة الملك في سبيل مبدأ اعتقد فيه خالص اإلنســانية من الشــرك ومــا يحوطــه من تحلــل خلقي...ــة ــة البحت وما هدف أخناتون إلى تمجيد ذاته، بل لقد ضحى في سبيل دوافعه الروحي بإمبراطورية عظيمة األرجاء أقامها أجداده العظام، ولم يأبه لالنقسام الذي هز كيان مصر االجتماعي، فلقـد سـيطرت على ذهنـه فكـرة واحـدة مـدارها أن اإللـه الحـق، اختاره للتبشير بوحدانيته... ومهما يكن من أمر االختالف في تقييم منجزات أخناتونــه هي الروحية والفكرية، فإن اآلراء تتفق على نبل مقاصده وسالمة نهجه، وأن دعوت أول دعوة لتحرير العقل من جهالة الشرك، وفك أسار الضمير البشري من ســلطان طبقة من رجال الدين الفاسـدين الوصـوليين... ويعتـبر نهجـه أولى حلقـات سلسـلة تطور العقائد الدينيــة )في دور آدم( الــذي انتهى بظهــور األديــان الســماوية". ويــرى البعض "أن دعوة أخناتون حصرت اإليمــان بهــا في الملــك وعائلتــه وفي طائفــة من المقربين إليه" على أننا لم "نلمس في تراتيل أنشودة أخناتون ما يشير إلى ذلك بل نجد العكس، فديانة أخناتون بحسب هذه التراتيل عالمية تشــمل جميــع البشــر، ولــو قدر ألخناتون أن يطول حكمه مدة أطول يثبت خاللها أركان ديانته لتغير وجه التاريخh في وجــه المعارضــة h، وأخذت عبادة "أتــون" تنهــار من بعــده تــدريجيا المصري تماما المكشوفة بعد أن كانت غالبيــة الشــعب قــد رفضــت العقيــدة الجديــدة وظلت تعبــدh، أما فشل العقيدة الجديدة فاتجــه نحــو خــراب مؤكــد، وقــد جــاء آلهتها القديمة سراh بالمصير المحتوم الذي كــان ينتظــر العقيــدة الجديــدة الــتي تبناهــا موت الملك نذيراh للعهـد ودافع عنها في حياته، ومما زاد من خطـورة الوضـع أن الملـك لم يـترك وليـاh ــه ســنا فانتقلت مقاليد الحكم إلى زوج ابنته الكبرى، الذي خلفه صهر آخر، أصغر من وهو الملك المعروف – توت غنخ أتون – ولكن هــذه التســمية أثــارت ردود فعــل بين المعارضين الساخطين مما اضطر الملك إلى الخضوع فبــدل اســمه إلى "تــوت غنخ أمــون" كمــا اضــطر إلى الرجــوع إلى "طيبــة" حيث افتتح العهــد منــددا بعهــد أتــون وملمحا إلى البؤس الذي وصلت إليه البالد. وفي الوقت نفسه أقــام المعابــد ألمــون ثانية وصنع له تماثيل من الــذهب الخــالص. وهكــذا خــربت "تــل العمارنــة" )عاصــمة أمحوتب الرابع صاحب عقيدة التوحيــد( ولم يــترك شــيء من معبــدها األعظم، وقــد خربت كذلك مقابر المدينــة ومن ضــمنها المقــابر الملكيــة، وقــد انتهت هــذه الثــورة تاركة وراءها األسى الذي أرهق الشعب والحقد الـذي يالحـق كـل خسـائر أو فاشــل

حتى صار "أمنوفيس الرابع" )أخناتون( ال يجري الحديث عنه إال ويلقب بـ "مجرم تل العمارنة"، وقد علق أرمان على النتــائج الــتي خلفتهــا هــذه الحركــة الدينيــة الكــبرى

h لالنحطاط الروحي في مصر". فقال: "إنها أحدثت رد الفعل الذي كان دافعا

.1998 – تموز 77 أمحوتب صاحب عقيدة التوحيد – راجع الضحى العدد        

موقع أخناتون من مورون ما قبله وأديان ما بعده:

إن موقع أخناتون من التراث الثقافي العالمي يضيف إلى ثقلــه تقدمــة الســيد        المسيح في اعتبار نفسه ابن الله الوحيد الذي يعرف قدر أبيه، والذي خلق من أجــل خالص العالم أجمع. وكانت عاطفة المحبــة هي ألــف ويــاء وجــوده وتوجهــه. وبــدافع المحبة، التي اشتهرت بها المسيحية كعقيدة، منع أخناتون تقــديم القــرابين البشــرية التي كانت تقدم، حتى سلفه "أمنحوتب الثالث". وقام بتدمير األصــنام الــتي أســقط عليها البشر قيمة من ذاتهم، وأكبر هــذه األصــنام الــتي أحناهــا أخنــاتون أمــام قامــة

اإلنسان كان تمثال أبي الهول، الذي كانت تقدم له الذبائح البشرية.

كما أن إيمانه بوحدة مصدر الحياة أوقد فيــه احــترام الــروح الحي في الحيــاة       الحيوانية – النباتية الخرساء، مما دفعه إلى منع صيد الحيوانات من أجل المتعة.

وبينما كان سلفه أمنحوتب الثالث يتفاخر بقتل الطيور؛ ويتمظهر في الرســوم        والنقوش كصائد ممتاز لألسود، فإن لوحات الصيد والقنص تغيب عن جداريات مدينةh لديانتـه الجديـدة. وال تظهـر لوحـات الصـيد "تل العمارنة" التي بناها اخناتون مركـزاh والقنص حتى في مقابر النبالء الذين شكلوا بطانة الفرعون الموحد، بــل تظهــر بــدال منها مشاهد حيوانات هادئة مطمئنة لمن وما حولها. ولم يعــثر على لوحــة أو صــورة واحــدة ألخنــاتون وهــو يــرمي صــفوف األعــداء بقوســه، أو وهــو ينفــذ حكم اإلعــدام بمــذنب، وهي منــاظر يألفهــا النــاظر لســابقيه وخلفائــه المتبــاهين بقــوة الســلطان وشجاعة الجسد. ولم ترسم اآللهــة في عهــد أخنــاتون في أشــكال الحيوانــات، وهــو تقليد مصري ديني فني عريق مارســه قــوم موســى المصــري أثنــاء غيابــه عنهم في سيناء حين جمعوا كل ما في حوزتهم من حلي وسكبوا منهــا تمثــال العجــل الــذهبي وراحوا يتبعونه في ممارسة لتقليد عبادة المصريين لعجل آبيس. وأكثر من ذلك منــعأخناتون تجسيم اآللهة في أشكال آدمية، أي أنه كان رائد التجريد والتنزيه التوحيدي.

ــديم        ــالم الق واكبت عصر إخناتون نفرتيتي، صاحبة أشهر رأس منحوت في الع أو الحـديث، بتاجهـا العـالي، ورقبتهـا الطويلـة، وأنفهـا المسـتقيم الـدقيق. ولم يكتمh أخناتون عاطفة المحبة لنفرتيتي، بل أشــهرها وأظهرهــا في الرســم والنحت، خارقــا القواعد الفنية التي كانت تظهر الفرعون وكأنه من طبيعــة الصــخر الــذي حفــر فيــه رسمه. فهو جبار ال تهزه المشاعر التي تهز سائر البشر. وهكذا كان أسالف أخناتون وخلفاؤه يتكلفون العظمة والقوة. أما أخناتون فقد أحيا مبدأ اإلنســان في الفرعــونــه بإظهــاره ــا حين ســمح لنحاتي ــة في الفن. كــان من المجــددين فني ــه، والواقعي اإلل

ونفرتيتي وهو مستند بذراعه إلى كتفها، أو وهو يداعب فلة أجلسها على ركبته.

إن محبة أخناتون التي شـملت اللـه والطبيعـة والبشـر، ورحمتـه الـتي جعلتـه       ــاتون "أنقى h مثل "فرويد" يعتبرون أخن يمتنع عن القتل والقنص، جعلت محللين كبارا مثال من أمثلة دين الوحدانية في تاريخ اإلنسانية" ونحن نعلم أن أخناتون ساوى بينh رمزه الختــان بين شــعبه h خاصا الشعوب كافة في عين إلهه النوراني ولم يرغم عقدا وعرقه من جهة، والله من جهة ثانية كما فعل موسى. فالختان كان عادة جرى عليهاh ليتميز "شعب اللـه المختـار" ذلـك الـزعم الـذي المصريون وجعل منها موسى رمزاــعر لهيب ــو" في ال وعيهم، وس ــة "الغيت ــزلتهم ومكن لنزع ــود ع ــوغ لليه ــا س طالم

المشاعر المسيحية المادية ضدهم في طول أوروبا وعرضها على مدى القرون.

لكن أهم ما يمــيز أخنــاتون عن الموســوية، وبنســبة أقــل عن المســيحية، هــو        التجريد والتنزيه اللذان نزعا عن الله كل الصفات الشخصية، وجعال منه مبدأ الحيــاة النوراني المتنزل في األحياء. وهذا المبدأ العرفاني يعيدنا إلى دراسة نشــوء الحركــةh، ليس في تــاريخ مصــر h، واألبعد أثــرا الصوفية العرفانية على يد هرمس، األقدم عهدا الثقافي وحسب، وإنما في تاريخ الثقـافيين الشـرقية والغربيـة كمـا سـنرى. لكننـا الh من تـراث مصـر الـديني نستطيع طي صفحة أخنـاتون قبـل إيضـاح مـا يمـيزه أيضـا التقليدي. إن إيمان المصري بحياة تبدأ بعد الموت، ثم شــرط هــذه الحيــاة األخرويــة باستبقاء الجسد سالما مكتمل التكوين في منــأى عن التفكــك والتلــف، جعــل مصــر

The Book of the Deadموزعة بين باطن األرض وظاهرها. ذلك أن "كتاب الموتى" بما حواه من صلوات وتعاويذ سحرية وطقوس استهدفت إسكات صوت الضمير كي ال يشهد على صاحبه أمام قاضي اآلخرة، ما هو إال خطاب دفــاعي توســله المصــري إلثبات أهلية خلقية تفتح لــه أبــواب الخلــود، وليس فن التحنيــط والمــدافن الحجريــةh هائلة في بنى األهرام سوى التعبير عن هذا االنشغال الهائل بحفظ التي تبلغ أحجاماh في الجسد من عوامل التلف والفساد كشرط لــدخول الــروح إليــه وســكناها مجــددا

كنفه.

الهرمسية هي أول الــديانات الفلســفية الفاعلــة في الفلســافاتالدينية اليونانية:

وفي مقابل هذا الدين الشعبي الكسيح الخيال والذي كان يــرهن خلــود الـروح        ببقاء الجسد )في حياة واحدة( وكأنهما من طبيعة واحدة فيــولى الجســد كــل العنــاء والجهد العمراني الضائع، عرفت مصــر الهرمســية وهي أولى الــديانات الفلســفية أو الفلسفات الدينية التي تسامت بالروح العاقل وقالت باختالفه واستقالله عن الجسد المحسوس ونسبت إلى كل من الــروح والجســد طبيعــتين متناقضــتين، جعلت لكــلــك األعلى h يتوافق مع طبيعة تكوينه ومصدر نشوئه، فللروح العقال الفل منهما مسكنا وللجسـد مـأواه الـترابي. وإذا كـان اكتشـاف مـا اسـتبقاه الـزمن من أخنـاتون "تـل العمارنة" قد كشــف أهم الصــفحات في تــاريخ مصــر الثقــافي وأكثرهــا إثــارة لجهــة ممارســة التوحيــد كنمــط حيــاتي وأســلوب فــني، فــإن كشــف مــا خفي من شــرعة العرفان التي نصبها هرمس الهرامسة، والتي تشكل أول فلسفة في تاريخ الثقافــة،ــة يثبت تقدم مصر بنحو ألفي سنة على والدة التيار اإلشــراقي في الفلســفة اليوناني

Orphicوأثرها المعرفي العميق كمــا يتبــدى في الديانــة األورفيــة العرفانيــة الســرية

Mystery Cultبفيثــاغوراس الــتي عرفتهــا اليونــان في القــرن h ثم في الفلسفة بــدءا– 269السادس ق.م، وانتهاء بأفالطون في القرن الثالث بعــد الميالد ) ( وبين205

الكبيرين )فيثاغوراس وأفالطون( اإلشراقي األكبر في الفلسفة اليونانية، أفلوطين ) ق.م، وإذا264(ق.م، ومؤسس المذهب الرواقي زينون، المتوفى عام 348 – 428

h عــام ق.م.، هــو المعلم األول في2400كان الحكيم "بتاح حوتب" الــذي كــان وزيــرا تاريخ األدب الحكمي فإن شرعة هرمس الصوفية العرفانية )الغنوصية( كانت أهم ما

كشفت عنه نصوص األهرام.

إن "هرمس" هو االسم الــذي أطلقــه اليونــانيون على اإللــه المصــري "تــوث"       Thothh بعد أن نقلــوه إلى ديانــاتهم وضــموه إلى مجلس آلهتهم دون أن يغــيروا شــيئا

من مواصفاته مما يضــفي دليال قويــا على الفرضــية القائلــة أن اليونــانيين قــد نقلــواآلهتهم عن مصر.

إن هرمس عند المصريين واليونانيين هو رب الكلمة البــدء، ومخــترع اللغــات، ومبدع الكتابة، وملهم وراعي الفنون األدبية الــتي تتوســل الكلمــة أداة لإلفصــاح عن المكنون. وهو "كاتب اآللهة" وترجمان ما تسربه إليه، و "صاحب اللوح والقلم"، بــل هو اإلله "رع" يتجلى على األرض. وهــو "مؤســس النظــام االجتمــاعي – السياســي"ــعب" أو "المثلث ــو قلب هـــرمس "المثلث الشـ ــة. وهـ ــد القيم األخالقيـ على قواعـ

Trismegistosبالحكمــة والقــوة والملــك" Hermes "أو "المثلث العظمــات Thrice greatestوهــو في تســمية أخــرى "عين النــور واإلثبــات" وهي إشــارة صــوفية لفعــل

مشاهدة الله )النور( بعين النور في الذات الصفو. وكــان اهتمــام الغربــيين بالحركــة الفكرية الهرمسية يتقد ويخبو منذ نقلها إليها العرب الــذين اســتهوتهم خالل القــرون الوسطى. وقد انتعش اهتمام المؤرخين الغربــيين بالهرمســية في الربــع األخــير من القرن العشرين، بعد أن تبدى لهم مدى األثر الذي مارسته هذه الحركــة الــتي تالقى فيها الدين بالفلسفة، وتمازج العلم بالحكمــة، والتأمــل بالحيــاة العمليــة، على تــاريخ الغرب الثقافي. وأن كان مؤرخــو الثقافــة الغربيــون يميلــون إلى حصــر هــذا التــأثيرــا على أرض المشــرق، ــة روم ــام أمبراوري h بقي ــدءا ــة ب ــة والروماني ــة الهيليني بالمرحل مستبعدين بذلك أثر الغنوصية المصرية على الفلسفة اليونانية في وجهها المشــرقي اإلشراقي لكي يستقيم زعم لهم يؤســس تــاريخ الثقافـة الغربيــة على أرض "الجــد" اليوناني يؤسس تاريخ الثقافة الغربية على أرض "الجد" اليوناني الغــربي "العاقــل". والحقيقة هي أن أثر العرفان الصوفي الهرمســي ال يتمظهــر فقــط في األفلوطينيــةــة بعــد الجديدة والرواقية واألبيقورية، وهي المدارس التي سادت ساحة روما الفكري انتقــال أثينــا الثقافــة إلى اإلســكندرية، وإنمــا في أعالم اإلشــراقيين العرفــانيين منــان فالسفة اليونان الكبار: فيثاغوراس وأفالطون وسقراط. كما تظهر شــريعة العرف الهرمسية في بعض مبادئها الركنية في الوجه األفالطوني من فلسفة أرســطو، وفي

 .جدلية هيرقليطس الحركية كما في مبدأ الواحد الثابت عند بارمنيدس

ويأخذ بحثنا هذه الوجهة ليؤكد عالقة القربى بين مصــر واليونــان، وهي عالقــة طالما أنكرها أو تجاهلها، أو خفف من وقعها مؤرخو الفلسفة في الغــرب في ســياق اصــطناعهم لتــاريخ غــربي أحــدي للثقافــة يبــدأ باليونــان، وهي في زعمهم بالكامــل

h، هي "معجزة" كمـا تقـول عنــاوين مؤلفـات شــتى h، وهي بداية من عدم تقريبا تقريبا تحاول أن تثبت عقالنيــة يونانيــة تبــدأ من عــدم لتســتمر ناميــة متطــورة في الغــرب

ومعه.

h اتسمت بنزوع صوفي إلى التطــور من الحســي ترك هرمس سبعة عشر بحثا واالرتقاء إلى العقلي. وقــد هــدفت جميعهــا إلى تأليــه اإلنســان بالمعرفــة والعرفــانــالوث وبالعلم والعمل. وقد اعترفت المسيحية بالهرمسية ألنها قالت بالثالوث، وهو ث الله – اإلنسان – العالم. لكن الهرمسية وحدت الثالوث في إطار رؤية جدلية تأليفيــةــا نفت االستقاللية عن أي من العناصر المكونة للوجود، وأكدت على تداخلها وتفاعلهh لقانون التجــاذب والتضــاد في إطــار الوجــود الظــاهر. وقــد اســتبقت الهرمســية تبعا المبدأ الهيرقليطي القائل بسيولة وتحول كافة مظاهر الوجــود الحســية إلى نــار، أي من مادة كثيفة إلى طاقة لطيفة حسب التعبــير الهرمســي. كمــا جمعت بين حركيــة الجــدل الهــيرقليطي ومبــدأ الواحــد الثــابت عنــد "بارمنيــدس" أو "المحــرك الــذي ال

يتحرك"، كما وصف أرسطو مبدأ الخلق.

وإذا كان هيرقليطس قد دعــا البشــر إلى اإلصــغاء ال لرأيــه الــذاتي بــل لفعــلh لقوانينه، فإن العقل النوراني في الهرمسية العقل الكوني الناظم لحركة الكون تبعا والفلسفات واألديان التي تبعها هو "الخير الفائض" كما سيقول أفلوطين أو "المثــال األعلى" بلغــة أفالطــون الــذي يســري في األفــراد، ويتكــثر في األعــداد، ويتعــدد في الصور الحية التي تدل كلها على وحدة المصور "إذ يستدل على المصور من الصورة وعلى ما خفي مما ظهر"، على حد تعبير هرمس. وهذا التعريف الشديد العمومية ال يعفينا من دراسة مقارنة لنصوص فلسفية يونانية من جهــة، ولنصــوص هرمســية من

جهة ثانية.

ينهض التوافق بين الحركة الفكرية الهرمسية والفلســفة اليونانيــة على ركــائز ومفاهيم ركنية عديدة: على البنيــتين المعرفيــتين اللــتين يجمــع في تركيبهمــا الــدين

والفلسفة والعلم في الوحدة.

وقد مكن لهذا التماثل المعنى الشمولي الذي تنطوي عليه كلمــة فلســفة في مصدر اشتقاقها اليوناني الذي عنى "حب الحكمة"، والـذي ألـف بين شـتى العناصـر

المعرفية المتاحة لتقديم رؤية مطابقة للوجود في كليته، ما خفي منه وما ظهر.

ونقطة التقاطع الثانية بين الهرمســية والفلســفة اليونانيــة تتمثــل في الهــدف المشترك الذي حدده هرمس وفالسفة اليونان للبحث المعــرفي بوصــفه البحث عن

Uitmate Reality ،"hالحقيقة األخيرة أو "ما هو موجود حقا What is really existent، وهذه التعريفــات نؤشــر إلى وجــود مضــادات لهــا في الــوعي الهرمســي واليونــاني. فالحقيقــة األخــيرة والوجــود الحقيقي يتضــادان مــع األشــياء في مظاهرهــا الحســيةh بين منزلتين: منزلة ما كانت عليــه ومنزلـة مــا هي صـائرة السائلة التي تجعلها دائما إليه، وتحوالتها بالتالي تجعلها مستعصــية على الفهم، عكس المبــدأ البســيط الثــابت الذي يحركها من موقع يدرك بالتأمل العقلي لوقوعــه خــارج مطــال الحــواس. وهــذا

الثــابت أو الجــوهر أو الماهيــة الكامنــة تحت ووراء المظــاهر المحسوســة هــو الــذيجعلت منه الهرمسية، كما الفلسفة اليونانية، موضوع بحثها ومساءلتها.

ــة( هي ــة المحرك ومعرفة الجواهر والماهيات )الحقائق األخيرة والمبادئ الثابت الحقيقــة وبالتــالي هــدف البحث الــديني – الفلســفي – العلمي ألنهــا تحــدد الغايــات والوظائف واألدوار لكل المخلوقات والموجـودات. فكـل كـائن يسـلك االتجـاه الـذيــار الــتي تقرره له ماهيته أو جوهره أو مبدأ وجوده، فما لطف، كالروح "له طبيعة الن تمتاز إلى العلو، وللجسد وكل ما تكاثف طبيعة المادة وتمتاز إلى السفل" كما يقولــتي ــف والبســيط"، وهي الرســالة ال ــان في علم اللطي هــرمس في "شــرعة العرف

تعتمدها هذه الدراسة.

وهذا التدخل بين الديني والفلسفي والعلمي الذي ميز الحكمــة الشــرقية، منــار، ــانيين الكب مصر إلى الصين واليابان وشبه القارة الهندية؛ هو ميزة الفالسفة اليون مما يؤكد التواصل، ال االنقطاع الثقـافي بين مصـر واليونـان، وال ننسـى أن نـذكر أن مصــر كــانت أكاديميــة العــالم، وأن زيارتهــا كــانت ضــرورة معرفيــة للبــاحثين وكــانــذين زاروا مصــر وتعلمــوا منهــا الحكمــة كمــا تشــهد ــاغوراس وأفالطــون بين ال فيث

النصوص – الشواهد.

Rexوفي هــذا الســياق تــذكر قــول لـ "ريس وورنــر" Warnerفي كتابــه عن h آخــر. فبعــد أن الفلسفة اليونانية، "ابتداء من فيثاغوراس تدخل الفلسفة بحق، مجاالh، ومــع ذلــك h في ذاتــه، أو بــديال h للحيــاة، دينــا كانت مجرد حب استطالع صارت طريقا ظلت مهمته بالمشكلة التي كان طاليس أول من أثارها، وهي البحث الــذي كــان والh عن الجــوهر األساســي، أو المبــدأ األساســي للوجــود". فهــل كــانت يــزال مســتمراh يختلــف عن الهرمســية وهي تجربــة الفيثاغوريــة في هــذه المواصــفات كافــة شــيئاــاة هــو دين h للحياة"، ثم أليس كل طريق صوفي للحي صوفية عرفانية حية أو "طريقاــار جديد في ذاته، أو بديل اختياري عن دين طقسي؟ أم أن طاليس كان "أول من أث مسألة الجوهر األساسي والمبدأ األول؟" فهذا ما تنفيه دراسة تــاريخ مصــر الثقــافي وأثرها على اليونان والغرب. إن الهرمسية لم تكن حركة فكرية نظريـة وإنمـا كـانتh يحــال إلى تجربــة حيــة. والحقيقــة هي أن الجمــع بين العلم والعمــل، المعرفــة فكرا والنشــاط، وهــو ثــالث القواســم المشــتركة بين ديانــة هــرمس الفلســفية وفلســفة فيثاغوراس – أفالطون الدينية. فالذي يميز المتعلم من العالم العارف في الحكمتين الهرمسية واليونانية هو أن األول يحول معرفته إلى تجربة أو ممارســة حيــة، ويعيش حكمته في تجربة وجودية كاملة. فالمتعلم يمتلك معارف جزئية ال تنظمها رؤية كلية، وشذرات معارفة تلم بكيفيات وكميات األشياء وليس بجوهرها وماهيتهــا الــتي تحــدد وظائفها وغاياتها. وألن هذه المعرفة التجزيئية تبقى بال مردود يتصل بمعرفة وصناعة

:h اإلنسان لذاته العليا، فإن هرمس يخاطب النفس قائال

"ال تحتفي يا نفس بكيفيات األشياء وقدرها وإنما بماهياتها".

.1998 – تشرين الثاني 81من هرمس إلى أفالطون – راجع الضحى العدد

الحكمة القديمة واًالغتراب الصوفي:

إن كل فلسفة تستحق هذه التسمية ال بد أن تنهض على مفهوم معين لطبيعة        اإلنســان. وأن أحــد الفالســفة المــاديين البــارزين في الفلســفة الحديثــة لم يســتطع اجتنــاب المســألة رغم عزوفــه عن التحــديات المطلقــة الثابتــة. فهــو حين تكلم عنــاز اغتراب العامل عن انتاجه، والمبدع عن ابداعه، وانما كان يفترض أن اإلنسان يمت عن غيره من المخلوقات بأنــه كـائن منتج ومبــدع لوســائل حياتــه، وأنــه يحقـق هـذه الذات أو الماهية اإلنتاجية عبر عمله الذي يساوي حياته النشـطة باعتبــار الحيــاة هي

مجال النشاط اإلنتاجي الحي.

h عن وجوده الجوهري        فإذا ما سلب من المنتج إنتاجه بات العامل مغترباEssential Beingألن العامل ال يحقق فيه ذاته وإنما ينفيها وال يشعر بالرضى والغبطة

بل الشقاء، وال يطور جسده وعقله بحرية وإنما يميت جسده ويدمر عقله.

h" لما كان وعي        h واعيا ولو لم تكن نوعية اإلنسان مستمدة من كونه "مخلوقاشقاءه أو أي شيء آخر.

واالعتراب هو مفهوم مركزي في الحركة الفكرية الهرمسية كما في الفلسفة        اليونانية لكن االغتراب في الوعي الصوفي اإلشراقي ليس اجتماعيا في مصدره أي

ليس هو اغتراب المنتج عن نتاجه بسبب توسط المالك الذي يحيل العامل وعمله إلى مملوك، وإنما هو اغتراب عن الطبيعة والطبيعي – اغتراب البسيط عن الجسد

المركب واللطيف عن الكثيف والعقلي عن الجسمي والمثالي عن الدنيوي.

وباختصار أنه افتراق بالقوة بين الروح والجسد ال ينحل إال إذا افترقا بالفعل        وعاد كل منهما إلى أصله ومصدره وهكذا تصبح ثنائية االغتراب تحقق معادلة

ومطابقة لثنائية روح – جسد وهي ثنائية تضاد وتناف حتى آخر رمق.

عصفور الروح وقفص الجسد:

لنر كيف يرسم أفالطون الثنائيات المتضادة بين الجسد والــروح في "الفيــدو"       Phaedo الذي يعتبر بحق إنجيل أفالطون: "إن الروح هي شديدة الشبه بما هــو إلهي

ــدد. ــير أو يتع خالد، قابل للفهم موحد، غير قابل للتفكك أو االنحالل، قائم بذاته ال يتغ أما الجسد فهــو األشــد شــبها بمــا هــو إنســاني، فإنــه متعــدد، غــير قابــل للتفكــك أو االنحالل، قائم بذاته ال يتغير أو يتعدد. أما الجسد فهو األشــد شــبها بمــا هــو إنســاني،

فإنه متعدد، غير قابل للفهم، قابل لالنحالل، وغير قائم بذاته".

أن متوازيي الروح والجسد المتأتيين من مصدرين مغايرين "علوي وســفلي"،        قد التقيا، لكنه لقاء السجين والســجان، العصــفور والقفص. فــالروح عصــفور يتــذكر

هو المعرفة.Recollectionفضاء النور الذي كان فيه ونزل منه. والتذكر

وأن التذكر يعني أن نستعيد معرفة طرأ عليها النسيان أي كانت الروح تعرفها        قبل أن تولد ثم نسيتها حين كبر الجســد واغــترب في الــدنيا. وهــذا يعــني أن الــروح كانت موجودة في حاالت من الوعي سبقت وجودها المتمــيز بوعيهــا لثنائيــة الوجــود )أي مادة وروح(، وإنها كـانت مبــدأ النــور قبــل أن تكتنفهـا ظلمـة الـوعي المتكثــف،

لطيفة قبل أن يحجبها ويغلفها بكثيفه.

وكما وعت الروح وجودها في عوالم سبقت عالم وعيها لتقمصــاتها الجســدية،        فإنها ستبقى بعــد زوال هــذا الــوعي، وســتعود إلى مصــدرها متجهــة، بحكم جوهرهــا النوراني، إلى أعلى، بينما يتجه الجسد حكمــا إلى ترابــه. وهكــذا تتلخص المعرفــة أو الحكمة المستعادة بواسطة التذكر بممارسة الروح لجدلية التنافي في الجسد حــتىh لتتحــرر من ســجنه حين تفتح تميت كل رغباته في الحياة، أي أنها تقتله لتحيا، تمهيدا لها لحظة الموت باب التحرر لتتذكر عالمها األصلي، وفي الحاالت ليس هناك مــوت،ــوس( – وإنما حياة أخرى )حلقة أخرى في مسلسل رحلة معرفة الذات وصــقل النف حياة تتأتى من الموت كما يتأتى النــوم من اليقظــة، والراحــة من التعب والليــل منــار ــا الكب ــة برموزه ــفة اليوناني ــية والفلس h بين الهرمس ــا ــا أيض ــار وال خالف هن النهــط ــاهلوا أبس ــر أن يتج ــة الفك ــقراط. فلم يكن لعمالق ــون، وس ــاغوراس، أفالط فيث القوانين الطبيعية المبنية على المتضادات والتي تشمل فلســفة التقمص في طياتهــا

كما تجاهلها معظم الفالسفة والمتدينين في العصور التي تلت.

ولنستمع إلى هرمس وهو ينص بشريعته كل الفلسفة التي عبر عنها أفالطون       في "الفيدو" حول جوهر النفس ونظرية المعرفة. يقول هرمس:

"يا نفس تيقني أنت قد جئت وخرجت وتسلسلت )أي تقمصت( عن أصل أنت        فرعه، وإن الفرع من األصل كالثمرة من الشجرة فهي وإن بعدت عن أصلها البـادئ والمبدئ لها، فإن بينها وبينه اتصاال ذاتيا. فاعلمي أنــك راجعــة إلى مبــدئك الــذي هــو

أصلك".

وإذا كان أفالطون قد حدد الشبه بين المثاالت الكاملــة وصــورها، بأنهــا عالقــة       ــبه األصل الحقيقي بالظل، فإن هرمس )وهو في مبدأ التوحيد تقمص ألفالطون( يش كافة الصور الحسية أو األشباح التي تتراقص على جدار الكهف األفالطــوني الشــهير

بصور األحالم التي تشاهدها النفس في نوم اليقظة، أو زمن الغفلة.

"يا نفس تيقني قولي هذا، واعلمي أنك في هذه الــدنيا راقــدة، وأن جميــع مــا       أنت مشاهدة له فيها، إنما هو أحالم".

وهذا يعني أن الخــروج من حالــة االغــتراب الــروحي لن يتم إال عــبر اســتقالل        الروح عن الجسد والخروج من قيد الدنيا، وفي هذا يقول هرمس ما سيعيد صــياغته

كأفالطون:

"وتهــذبي يــا نفس من أوزار جســمك، وتنقي من األشــياء المخالفــة لجــوهرك       المبطنة بك عن سرعة الرجوع إلى عالمك وأصلك".

الشكل الكروي... سيد األشكال:

وإذا كان أفالطون يجسم نظرية المعرفة والعالقة بين المثل الساكنة في عين        الشمس خارج الكهف واألخيلــة المتحركــة على الجــدار الكهفي في قصــته الرمزيــة

Mythالمعروفة of the Caveفإن هرمس يقدم تنويعة فنية – علمية تجسم نظريــة المعرفة ذاتها، على أسبقية في الزمن، وفي استعارة مركبة ال تقل جماال:

"يــا نفس، إن القمــر نــير مــا دام نــور الشــمس )وفي التوحيــد الشــمس هي        ممثول العقل الكلي والقمــر ممثــول النفس الكليــة( واردا إليــه، فــإذا عــرض لــه أن يجول بينهما ظل األرض، انخسف وأظلم، فكــذلك النفس، مــا ورد إليهــا نــور العقــل فهي مضيئة نيرة، فإذا توسطت أسباب الكون والفساد، حيل بينهما، فعدمت النفس

نورها".

وهذه الصورة تؤكد غير مــا تعلمنــا من أن "كوبــيرنيكوس" هــو الــذي اكتشــف        كرويــة األرض ونتــذكر المحاكمــات الــتي أجرتهــا الكنيســة الكاثوليكيــة لـ "غــاليليو"ــذين تجــرأوا على اإلفصــاح عن حقيقــة كشــفها التأمــل العقلي وإحــراق العلمــاء ال

الهرمسي في األلف الثالث قبل الميالد وليس في عصر النهضة األوروبية الحديثة.

ــدرها        وال شك أن فيثاغوراس وأفالطون قد تلقيا هذه المعرفة الفلكية من مص وإنهاSphericalالمصري القديم فنسمع أفالطون يردد في "الفيدو" أن األرض كروية

تدور حول الشمس". والمالحظ أن الهرمسية تعتبر الشكل الكروي "سيد األشكال".h وليس دائريــا" النتهت إلى وكذلك أفالطون القائل بدائرة الوجود" ولو كان مســتقيما

.h الثبات ولكان تجدد الحياة مستحيال

توحيج هرمس "مت لكي تحيى"

 

الشوق إلى الموت

نعود إلى مسألة المعرفة لنشــير إلى الشــوق الصــوفي إلى المــوت. فتطهــيرــه، ــاغوراس في أكاديميت ــا فيث ــتي منهجه ــدة ال ــار المجاه ــذهبي بن ــدن النفس ال معــف والمتأكدة في اليوغا، إنما هي أماتة الجسد في الدنيا، أي إفناء رغباته بحيث "يش عن نفس ال جسم لها البتة فتظهــر صــافية في كنــف العقــل" )هــرمس( "فــإذا كــان اإلنسان فيلسوفا فأنه سيكون صاحب معتقــد ثــابت بأنــه ليس يجــد الحكمــة بكامــل

صفوها في أي مكان عدا الموت" )الفيدو(.

إن الفالسفة الحقيقيين يجعلون المــران على المــوت منتهم في هــذه الحيــاة، كما يقول أفالطون في "الفيدو". وحين يأتيهم الموت فليس يجد مــا يميتــه، بــل أنــه سيزيل من وجه الروح العاقل أولى العقبات وآخرها. ويجــري أفالطــون على لســانــه أعظم ــه وكأن ــر يخافون ــبر النعم لكن البش ــو أك ــوت ه ــول: "إن الم ــقراط الق س

الشرور".

إن السؤال الذي طرحه حكمــاء الشــرق من هــرمس إلى أفالطــون ليس هــو الذي طرحه "شكسبير" على لسان "هاملت": نكون أو ال نكون"، فالحياة مــع الشــرــذا علم ــو أعظم النعم، هك ــذي يشــهد على الحــق ه ــوت ال هي الشــر األعظم والم سقراط وهكذا عاش، وهكذا مات، وكان موته على شريعة هرمس القائــل "كـل من

أراد أن يحيا مع الحق سعيدا فليمت به شهيدا".

وباختصار يشكل فعل األمانة من وجهة نظر العرفانيين الصوفيين فعل خــروج من حالــة االغــتراب الــتي تعيشــها الــرح في الجســد والــدنيا، أي في حالــة الطبيعــة فالحياة على المستوى الظاهري هي رحلة خروج الروح من مطلقها األصلي وذهابها عبر الطبيعة والجماعة أنه فعل مفارق ونسيان لألصل أو انشغال عنه بحاجات جسدــة والتيــه عن الــذات يحول البشر إلى عبيد يكدحون في خدمته. وينتهي زمن العبودي حين يعي الروح الراشد أن إلهه فيه. وشمس حريته في داخله وما عليه إال أن ينظر إلى النور بعين العقل النوراني عندها ينعي اإلبن المسيحي أباه السماوي ويتحد معهــروح إلى ــاب ال ــة إي ــالث، وتتم رحل ــد وينتفي الث ــي فيبقى الواح ــروح القدس في ال

مصدرها.

"وعندما تستقر الروح في أصلها وتســتريح من شــقاء الغربــة وذلهــا"، حســبــروح ــد كال من ال ــالموت يعي ــدم هــرمس الهرامســة، ف ــير الحكيم المصــري األق تعب

والجسد إلى أصله: النار إلى أعلى، والتراب إلى أسفل.

وما يجعل الجسد الحي عنصر اغتراب سالب للروح ال ينحصــر في كونــه مبــدأ الظلمــة المضــاد لمبــدأ النــور على المســتوى المعــرفي وحســب، وإنمــا كونــه مبــدأ الظلمــة المضــاد لمبــدأ النــور على المســتوى المعــرفي وحســب، وإنمــا كونــه مبــدأ

الظلمــة الرامــز للشــر الخلقي في المطلــق. إن العواطــف الجمــوح كــالطموح إلى السلطة، والوجاهة، واشتهاء الممتلكات مصدرها الجسد الكاره للموت، العالق بحب الدنيا. وتعاكس الهرمسية وشتى مذاهب الفلسفة اليونانية األفالطونيــة واألوســطية،

األبيقورية والرواقية هذا التوجه بشعار "مت لكي تحيا".

إن التعلق بالدنيا والصراع العــنيف على امتالك مــا يمكن امتالكــه منهــا وفيهــا مصدره الجسد. فالجسد ليس عالقا للبحث المعرفي فقط وإنما هــو أصــل الشــرور كافة. فالحروب كلها تدور بـدوافع اقتصـادية، كمـا يـذكر أفالطـون في "الجمهوريـة"ــيء ــاج الش ــة ويحت ــذي يطلب الملكي ــو ال ــي ه ــد الحس ــاركس"، فالجس ــل "م قبــاكس" المحسوس، وهكذا يلقي الصوفي باللوم على الجسد الطبيعي، بينما يتهم "م اآلخر االجتماعي ونظام الملكية الفردية الذي "يحول كل منتوج يحتاجه اإلنســان إلىــواس h" ثم أن "حس التملك يستلب كافة الح شرك فتصبح الحاجة إلى السلعة ضعفا األخرى فال نشعر بأن الشـيء لنـا إال إذا أكلنـاه، شـربناه، سـكناه أي إذا حولنـاه إلى

الفلســفية من هنــا1844موضوع متعة حسية كمــا يقــول مــاركس في محفوظــات يحذر هرمس النفس من المقتنيات" التي إذا ما توصلت إليها اكتسبت الخوف عليهــاــا وهمومــا وآبت إلى مــا دامت معــك. فــإذا فارقتهــا أو فارقتــك أعقبــك ذلــك أحزان

الحسرات". "فاحذري يا نفس أن تقتني ما تفقدينه".

الفلسفة اليونانية

مشاهد من ذاكرة التوحيد

مدارس اليونان

الشاعر والفيلسوف البريطاني المعروف: "إن الفــترةShelley يقول "شيلي"         الواقعة بين مولد بركليز )شاعر يوناني( ومــوت أرســطو )الفيلســوف( تعــد بال شــك أهم فترة في تاريخ العالم كله، ســواء نظرنــا إليهــا من حيث هي ذاتهــا، أم من حيث

آثارها في مصائر اإلنسان المتحضر من بعدها".

قبل450 -  250 نفهم من هذا التحديد اآلنف الذكر أن الفترة الواقعة ما بين         الميالد هي فترة تأسيس الفلســفة اليونانيــة بأبعادهــا المتعــددة وبوجــه خــاص البعــد

التوحيدي عند أفالطون وأرسطو ومن أتى بعدهما.

وفكرة التوحيد بالمعنى الديني ارتبطت مــع التكــوين البشــري ورقي اإلنســان        عبر األزمان والدهور، واتخذت لها حسب مشيئة اللــه الواحــد األحــد أشــكاال ورمــوزا

وأسماء متنوعة ومتعددة في كل حقبة على مر التاريخ.

ولم تقتصر الفلسفة التوحيدية على محتوى الفردانية اإللهية فقــط بــل تعــدتها       إلى رسم سلوكيات اإلنسان في كل كور ودور على مر األجيال حتى يومنا هذا.

إذا استطاع أحد أن يقنعني بإنني أخطـأت في تفكــيري، فـإنني بسـرور أعـدل       عن رأيي، ألن رائدي الحق الذي ما أضر أحد قط. )ماركوس اويليوس(.

تروي المؤلفات التاريخية أن اإلنسان حين بدأ يعي، شــرع يــؤمن بقــوى فــوق        مســتواه، يخافهــا ويجلهــا، ويتوســل إليهــا حين يعتريــه مكــروه، فكــانت عبــادة قــوى الطبيعة أوال )رياح وأعاصير وصواعق، ثم بحر وجبل وغاب(، وانتقل بعدها إلى عبادةh أو جماد أو نبات – حيث يتصور أن روح أسالفه قد حل )الطوطم( – وهو حيوان غالبا فيه، فيغدو مقدسا جدا، ويحرم لحمه أو أذيته، وقد وجـد علمـاء األحـافير في أمـاكن مختلفة من أوروبا وافريقيا، كوما من الجماجم البشرية، يستدل منها على أن أولئــك الناس كانوا يقدسونها، فقيل بعبادة الجماجم؛ واعتقد أن الحقيقة هي عبادة )العقل(

Henriالذي اتخذ من هــذه الجمــاجم قميصــا؛ لــذا اعتــبر "هــنري بــروي" Breuilفي تصديره لمؤلفه )التاريخ العام للديانات(، أن "اإلنسان قديم وكذلك هي أفكاره". وما يمكن قوله في هذا المجــال أن الجــذور الفلســفية والعقالنيــة لفلســفة التوحيــد )والh في الحضـارات المـا – قبـل – يونانيـة، بـل كـانت سيما التقمص( لم تتواجد منطقيـا عقائدها وتصوراتها أقرب إلى األسطورة منها إلى )التعقــل العقالني(. ومن المعلــوم

h أن الشعوب المشرقية بكاملها، لم تتوصل مطلقا إلى )عقلنة( Rationalisiationأيضاــأت عن حكمتهم ــذين نش ــانيون، ال ــل اليون ــا فع ــة كم ــاهيم التوحيدي ــفية للمف فلس المعرفية، الشرهة بحد ذاتها، بفضــل االحــترام الــذي كــانوا يكنونــه للحيــاة، وبفضــل حاجتهم النموذجية إليها. ذلك انهم كانوا يريدون المباشرة لتوهم بعيش ما يتعلمــون، فكانوا حضــاريين من أجــل الحضــارة. لقــد ابتكــروا في الواقــع )األنســاق الفلســفيةh جوهريـا الكبرى للعقل التوحيدي(، ولم يبق لمجمل األجيـال الالحقـة أن تبتكـر شـيئا

يمكن أن يضاف إليها.

إن الشعوب كافة تشعر بالخجـل حين تتنـاول مجتمعـا نموذجيـا من الفالسـفة        بهذا الشكل البديع، مجتمــع المعلمين األول في اليونــان "طــاليس" "انكســيمنديس" "هــيراقليطس"، "بارمانيــدس"، "انكســاغوراس"، "ديمــوقريطيس"، "فيثــاغوراس"، "سقراط"، "أفالطون"، "أرسـطو"، "أفلـوطين" والكثـير غـيرهم. إن هـؤالء الرجـال مسكوبون قطعة واحدة وفي نفس الصخرة، وهناك ضرورات صارمة تحكم العالقــةــذين ــدين ال التي تربط فكرهم بسجيتهم. لقد كانوا جميعا في وحدتهم المهيبة، الوحي عاشوا للمعرفــة فقــط. لم يســتعينوا بــأي زي شــائع كــان يمكن أن يســهل مهمتهم، فالجبابرة يتخاطبون عبر مســافات التــاريخ المقفــرة، ويســتمر حــوارهم الرفيــع بين األفكــار دون أن يعكــر صــفوه المســتهترون والصــاخبون الــذين ال يزالــون يزحفــون

تحتهم.

مقتبســات من سلســلة الفلســفة )معجــزة اليونــان( – راجــع مجموعــة أعـداد       .1996 – 1995الضحى

ــوا        ــة، وبحث كان فالسفة اليونان القدامى أول من أرسى أسس فلسفة المعرف في إشكاليتها، ومهــدوا الســبيل لظهــور االتجاهــات الحســية التجريبيــة والعقليــة فيــة، وكــان من رواد فلســفة المعرفــة فلســفة العصــور الوســطى والفلســفة الحديث

ومؤسسيها: "فيثاغوراس" و "سقراط" و "أفالطون" و "ارسطو".

فيثاغوراس:

نشأته:

ق.م. في مدينــة "ســاموس"، كــان570 و 580 فيلســوف يونــاني، "ولــد بين         والده يدعى "مناسار خوس"، طوف في أنحاء الشرق، ولما ناهز األربعين من عمره قصد إلى إيطاليا الجنوبية، وكان المهاجرون اليونانيون قد بلغوا فيها درجة عالية منــة ــس في مدين ــة، حيث أس ــدن اليوناني ــو الم ــدها نح ــه بع ــة، واتج ــة والثقاف المدنيــدفق إليهــا "أوقروطونا" في اليونان الكبرى، مدرسة لم تلبث أن ذاع صيتها، وراح يت عدد كبير من التالميـذ الـ "لوقـانيين" والـ "مسـابين" والرومـانيين، وقـد ألـف هـؤالء التالميذ حول المعلم ضربا من أخوية كانت أهدافها صوفية أكثر منها فلسفية بحصــر المعنى، وكانت تقبــل في عضــويتها النســاء، وأشــهر نســاء المدرســة كــانت "ثيــانو"

وكان على المرشحين – قبل مثــولهم أمــام المعلمPythagorasتلميذة "فيثاغوراس" – أن يراعوا حقبة من الصمت تدوم خمسة أعوام، وكانوا ملزمين، عالوة على ذلــك، بلزوم السرية المطلقة حول المذاهب المدروسة، وكانت سلطة المعلم مطلقــة هي

األخرى، إذ كان يعد المؤتمن الوحيد على الحقيقة.

كان "فيثاغوراس" يرتدي ثيابــا بيضــا، ويمســك عن الضــحك والمــزاح، وكــانت        Apolloسحنته تنطق بالجالل والوقار، حتى أنه كـان يـتراءى لتالميـذه أنـه "أبولـون"

h. بيد أن ذلك هو كل ما يمكن جمعــه عنــه – على وجــه االحتمــال ال اليقين – متجسدا من الروايات المتعددة التي وصلتنا عن حياته، وما لبثت االسطورة أن وضــعت يــدها

ــدEmpedoclesعليها: فحتى "انبادوقليس" h، كان يعتق الذي عاش بعده بخمسين عاماــوس ــه وبين "تراقي ــط بين ــيرودوتس" خل ــا أن "ه ــر، كم ــائن أعلى من البش ــه ك أن رالموكسيس"، وهو شخص خرافي. وقد زعم أن فيثــاغوراس" كــان ابن "أبــو لــون"h أن قصــبة ســاقه ومنه تلقى حفظ ذكرى تجســداته أو حيواتــه الســابقة؛ وذكــر أيضــا

كانت من الذهب، وأنه كانت له قدرة على التنبؤ، وعلى كلية الحضور.

h أن الــروح خالــدة وإنهــا        ويــرى "ديكايــاركوس" أن "فيثــاغوراس" علم أوال تتقمص، ثم علم أن كل ما يظهر إلى الوجود يعود فيولد في دورة معلومة، فال شيء جديد كل الجدة، وأن كل ما يولد وفيه دبيب الحياة ينبغي أن ننظر إليه جميعا نظرتناh أن "فيثــاغوراس" كــان يعــظ الحيــوان – كمــا إلى أبناء األسرة الواحدة. ويقال أيضــا فعل "القديس فرنسيس األسنري" – انطالقا من ذلك المبدأ يعتبر "فيثاغوراس" إننا غربا في هذا العالم، والجسد مقبرة الروح، ومع ذلك فال يجــوز ألحــد منــا أن يلتمســدخل الفرار باالنتحار، ألننا ملك لله العلي القدير والباري تعالى واحد ال كاآلحاد، وال ي في العدد، وال يدرك من جهة العقــل وال من جهــة النفس، فال الفكــر العقلي يدركــه،

وال المنطق النفسي يصفه، فهو فوق الصفات الروحانية، غير مــدرك من نحــو ذاتــه، وإنمــا يــدرك بآثــاره وصــنعاته وأفعالــه؛ كمــا أن )الوحــدة( تنقســم إلى )وحــدة غــير مستفادة من الغير(، وهي وحدة الباري تعــالى: وحــدة اإلحاطــة بكــل شــيء، وحــدة الحكم على كل شيء، وحــدة تصــدر عنهــا اآلحــاد في الموجــات والكــثرة فيهــا وإلى )وحــدة مســتفادة من الغــير(، وذلــك وحــدة المخلوقــات: و )الوحــدة( على اإلطالق تنفسم إلى )وحدة( قبل الدهر، و )وحدة( مع الدهر، و )وحــدة( بعــده وقبــل الزمــان كذلك ومعــه تضــاف )الوحــدة( الــتي هي قبــل الــدهر هي )وحــدة( البــاري تعــالى؛ و

)الوحدة( التي هي بعد الدهر و )قبل( الزمان هي )وحدة( العناصر والمركبات.

يذهب "فيثاغوراس" إلى القول بأن األشياء كلها أعداد وأنغام، واألعــداد عنــده       ــا مجردة عن المعدودات تجريد الصورة عن المادة، وتصورها موجودات محققة، ألنه من إبداع الباري تعالى؛ وبالتالي فــإن الرياضــيات كــان المصــدر األساســي لالعتقــاد بحقيقة أبدية مضبوطة، وفي عالم معقول فوق مســتوى الحس. إن الهندســة تبحث في دوائر مضبوطة، لكن ليس بين ما يقع تحت الحس من أشــياء دائريــة مضــبوطة، فمهما حرصت في اســتعمال "البيكــار"، فال بــد أن يكــون في الــدوائر الــتي رســمها بعض أوجه النقص وعدم االكتمال، وهذا فيه إيحـاء بـأن كـل تـدليل مضـبوط ينطبـق على موضوعات الفكر، ال موضوعات الحــواس، ومن الطــبيعي أن نمضــي أبعــد من ذلك خطوة، فنقيم الحجة على أن الفكر أسمى منزلة من الحــواس، وأن مــا ندركــه بــالفكر أقــرب إلى الحــق ممــا ندركــه بــالحواس، ويقــول "فورفوريــوس الصــوري"

Porphire de Tyrــاغوراس يعــرض ــاغوراس": كــان فيث ــاة فيث في دراســته عن "حي،h ــرف شــيئا الفلسفة على نحو يحرر الفكر من أغالله. فبدون الفكر ال نستطيع أن نعــاقي ــا الب ــيء، أم ــل ش ــه ك ــرى في ذات ــمع وي ــر يس ــا. الفك ــا حق وال أن نعلم علمــر ــاغوراس" العنص ــه يســتخدم "فيث ــق هدف )المحســوس( فكســيح وأعمى. ولتحقي

الرياضي ألنه يقع في الوسط بين المحسوس والفكر.

كان امتزاج الرياضيات بالالهوت – والذي بــدأ على يــدي "فيثــاغوراس" صــفةــان، في العصــور الوســطى، وفي العصــور ــة في اليون ــا الفلســفة الديني تمــيزت به

ــة، ففي فلســفة أفالطــون ــةPlatoالحديث ــدة الديني ــا بين العقي ــا وثيق ــرى امتزاج ، تــود ــه ال يخضــع لقي ــدليل العقلي بين الطمــوح الخلقي واإلعجــاب المنطقي، كون والتh الزمان، ألن ذلك االمتزاج بين الجانبين تحدر إليــه من "فيثــاغوراس"، وأصــبح الحقــا

 .يميز الالهوت المصطبغ بصبغة العقل في أوروبا

لسـت أعلم عن رجـل آخـر كـان لـه من التــأثير في نطـاق الفكــر مــا كـان لـh في جوهره، "فيثاغوراس" فحتى ما يبدو لك أفالطونيا ستجده عند التحليل فيثاغورياــتمدة وأن الفكرة القائلة بوجود عالم أزلي، ينكشف للعقل وال يكشف للحواس، مس من "فيثاغوراس" ولـواله لمـا فكـر المسـيحيون في "المسـيح" على أنـه )الكلمـة(،h لما حاول رجال الالهـوت أن يلتمسـوا الـبراهين على وجـود اللـه وخلـق ولواله أيضا

الروح.

خصائص )النفس( عند الفيثاغوريين:

عن الفيثاغورية، التي تشبه )النفس(Aristotle هناك قول يرجع إلى "أرسطو"         بالذرات المتطايرة في الهواء، والــتي تعجــز حواســنا عن إدراكهــا أو رؤيتهــا إال أثنــاء أشعة الشمس )والشمس هي ممثول العقل في التوحيد(، وهي تتحــرك دائمــا حــتى عند سكون الهواء؛ والرأي اآلخر يقــول بــأن )النفس( في الفيثاغوريــة هي المبــدأ أو علة توافق األضداد في الجسد وهي مبدأ حركته الدائمة. وبعــد المــوت تعــود النفس

إلى األرض لتقمص ثوبا جديدا.

ولكي تتخلص )النفس( من دائرة الوالدات المتكررة وتصل إلى مقام الحكمة،        فعلى اإلنســان أن يطيــل فــترات الصــمت، وأن يســتبطن نفســه يوميــا عن طريــق التدريب المنظم، فالمجهود العقلي هـو أسـمى صـور التطهـير، وهـو أضـمن طريـق لتحرير النفس من حياتها هذه قبل الموت الجسدي. ويجدر بالــذكر هنــا أن المجهــودــان يختلــف عن التأمــل والتركــيز الممــارس في مــدارس العقلي في مــدارس اليون

h يميز التوحيد من فلسفات الشرق األقصى. الشرق األقصى اختالفا

ــزوات الجســد،        ــع ن ــاغوريين في شــد أزر )النفس( وقم ــانت وســيلة الفيث فكــه عالقــة بالمحسوســات، كــانت ــة والتغلب على مــا ل ومقاومــة المــؤثرات الخارجيــير ــبيلهم في تطه ــذا س ــان ه ــة، فك ــات العالي ــاب على الدراس ــيلة هي االنكب الوس )النفس(، أما تطهير الجسد فكان يأتي عن طريق الرياضة الجســدية والطب. فلقــد أعطت الفلسفة اليونانية للجســد حقــه واعتبــاره – وهــو الشــيء الــذي ال نجــده في بعض فلسفات الشرق األقصى التي تعتبر عالم المادة وهما يجدر الهروب منــه عــبر

التأمل.

ــفي        h، نهضة عظيمة متعددة الوجهات، وهي أول مذهب فلس الفيثاغورية، أخيرا يحاول االرتفاع عن المادة وفهم العالم من خالل قوانين واضحة وأعداد معينــة، وهي مدرسة علمية عنيت بالرياضيات والموســيقى، والفلــك، والطب، واكتشــفت أســس الهندسة والرياضيات، كما أنها هيئــة سياســية تــرمي إلى إقــرار النظــام في المدينــة على أيدي الفالسفة، مسار تبنتــه الفلسـفة األفالطونيــة في مــا بعـد ويعتــبر من أهم األسباب التي أدت إلى تعريض الفيثاغوريين إلى الحرق؛ ويذكر عن فيثاغوراس أيضا

، مؤكدا أنه ليس حكيماSocratesأنه أول من استخدم كلمة "فلسفة" قبل "سقراط" ألن "الحكمــة" يجب أن تضــاف إلى اآللهــة فقــط، أمــا هــو فليس إال محبــا لهــا، أي

"فيلسوف".

.1996 فيثاغوراس – راجع الضحى العدد السابع والخمسون – تشرين الثاني        

ــة        طبقات البشر تحددها درجات معارفهم ونوعية مسالكهم لقــد أحيت أكاديمي فيثاغوراس، قبل جمهوريــة أفالطــون، المثــال الفلســفي في شــموليته وفي عالقتــه بالحياة السياسية االجتماعية، وفي جعـل األخالق سـيدة العلـوم كافـة بمـا فيهـا علم السياسة. كما رتب فيثاغوراس البشر طبقــات أو أنواعــا ثالثــة على قاعــدة أخالقيــةــرة معرفية، كما سيفعل أفالطون في الجمهورية. وعن فيثاغوراس أخذ أفالطون فك

ترتيب الطبقات ونظام الدولة في صورة الفرد الثالثي األبعاد، أي المكون من عقل،وعاطفة وقابليات حسية.

وقد جعل الحكام والحراس ممثلين لمبدأ العقل الفلسفي الذي يجب أن يقود        ويحكم ومعدن هؤالء هو الذهب، يليــه الفضــة، ثم الــبرونز أو الحديــد الصــدى. وهــذا التصنيف التراتبي للبشر مــأخوذ عن فيثــاغوراس الــذي رمــز لمــراتب البشــر الثالث بصورة جمهور الملعب الرياضي )جمنازيوم( الذي يذهب إليه البشر تحــركهم حـوافز

ثالثة تدل على مراتبهم:

محبي المادة )الذاهبون لكي يبيعوا ويشــتروا(، وهــؤالء هم األكــثر   الفئة األولى:انحطاطا بوصفهم جماعة القابليات الحسية العامة في خدمة الجسد.

ــربح    الفئــة الثانيــة: ــدف ال ــذاهبين إلى الملعب به ــبين ال ــو الشــهرة )الالع محبوالخسارة(.

ــة     الفئة الثالثة: محبي المعرفة – األشراف، )فئة الذاهبة إلى الملعب بدافع متع المشــاهدة(، وهــذه الفئــة هي الــتي تحــيي مبــدأ التأمــل العقلي، تحيــا لتعرف، وتعرف لكي تحيــا وهي الــتي عمــل فيثــاغوراس في أكاديمتيــه

الشهيرة على صناعتها.

وإذا كان اإلنسان لم يخلق لشيء إال للعلم والعمل بــه كمـا رأى فيثــاغوراس         فالسؤال التــالي يكــون مــا هي معوقــات تكــون اإلنســان المعــرف الشــارط للحيــاةــدئها الهرمســي ــة المعرفــة الصــوفية في ب ــد أن تمــر بنظري ــة ال ب الخــيرة؟ واإلجاب

واستمراريتها الفيثاغورية – األفالطونية.

.1998 توحيد هرمس "مت لكي تحيى" – راجع مجموعة أعداد الضحى        

هيراقليطس:

تتمثل أهمية هراقليطس في نظريته عن الحركة والتغير إذ هي تشكل القاعدة التي منها       سينطلق فهم الفالسفة لنظرية المثل عند أفالطون:

الوجود بنظر هيراقليطس مبني على الصراع الخصب وهـو في الـوقت نفسـه        تساوق وتناغم، ال بمعنى التناســب العــددي )كمــا فســره الفيثــاغوريون( بــل بمعــنى االئتالف بين قوى تفعل كل منهــا فعلهــا باتجــاه معــاكس لفعــل األخــرى، وعلى هــذا النحو يتحــادد ويــتزاوج، في تنــاغم وتنــافر، النهــار والليــل، الشــتاء والصــيف، الحيــاة والموت، الشبع والجوع وكل شطط من قبــل أحــد األضــداد. "أنهم ال يــدركون كيــف تنصهر األضداد في بوتقة وحدة ائتالف القوى المتعاكسة مثل القوس والقيثارة". إنه – أي الصراع – )روح( الكون: واالنسجام رائع، لكنه يحتوي على لحظة سلبية: الميل إلى الثبات والركود، ولكن هذه صفة لألموات. وهنا يحرك الصراع الحياة باســتمرار، ويمنعها من )االنطفاء(، وبذلك يحافظ عليها وعلى الكون، ومن هذا المنظار، يخــتزن

السلبي االيجابي في طياته والعكس صحيح، واالثنان يشكالن كال واحدا، أنه االزدواجالداخلي لكل شيء الذي يشكل سر الوحدة في الوجود.

سر الوحدة في الوجود )ما فوق الفكر(:

حسب رأي "بارمانيــدس" المضــاد لــرأي "هــيراقليطس"، أن مفهــوم الوجــود       h المفهــوم المعــاكس – أي الالوجــود – فــالوجود فقــط )مــا هــو موجــود( يلغى تمامــا مفهوم، أما الالوجود – أي ما هو غير موجود – فليس مفهوما؛ إن )الوجــود( شــيء ال يمكن أن ينشأ عن )الالوجود(، أي عن ال شيء، وألن الوجود ال يمكن أن ينشـأ عن الh، أي أن يتحـول إلى ال شـيء، إلى ال وجـود، شيء فهو بالتالي ال يمكن أن يزول أيضا ألن )الوجود( وحده موجود، بينما )الالموجود( ال يوجد؛ ولكن إذا كان )الوجود( فقــط هو المفهوم، يستتبع ذلك أنه خالد، وأنــه يمأل الفضــاء الالمتنــاهي، ليس هنــاك مكــانh، ألن هذه الحركـة تفـترض مكانـا فارغ بمعنى )الالوجود(؛ إذن ليس هناك حركة أيضاh، كــون فارغا وتستجيب النتقال )الوجود( إلى )الالوجــود( وليس هنــاك تحــوالت أيضــا

هذه األخيرة تفترض وجود الحركة.

الحركة والتغير )طبيعة تشمل الفكر(:

أمـا هـيراقليطس فـيرد ويقـول: الوجـود ال يتوقـف أبـدا عن الحركـة والتغـير،       ــا لالنســجام ألن هــذا فالصــراع هــو "مصــدر كــل شــيء يجــري"، وهــو مالزم داخلي االنسجام )الوحـدة والتناسـق( يتكـون ليس انطالقـا من أي شـيء، بـل من مختلـف الظواهر، وااليقاعات، واألصوات واختالفها، وفي النهاية: من كل األشــياء واحــد ومن شيء واحد كل األشياء". وإذ يقود الصراع إلى انتصار أحد األضداد، فهو يخلــق شــيئا جديدا، تناسقا جديدا، ولكنه ليس )ساكنا(، بل يكـون خاضـعا بـدوره لقـانون الحركـة العامة والتغير المستمر، فيخلق بذاتــه اختالفــات جديــدة وأضــدادا جديــدة، وبالتــاليh لها؛ وهكذا فإن الصراع أبدي، وهو مصدر كل ما يحدث، وهو أحد يخلق صراعا جديدا

جوانب )حياة( الكل.

ــا آخــر أيضــا: االتفــاق، النظــام، واالنســجام، وال يمكن ألحــد        ولكن هنــاك جانبــتزاج ــترض ام ــا أن االنســجام يف ــر. ومثلم ــد دون اآلخ األضــداد المتصــارعة أن يوج األصــوات العاليــة والمنخفضــة، فــالكون )الكــل المنســجم( يســتحيل أن يوجــد دون أجزائه، أو أن توجد هذه األجزاء بدون الكل المنســجم الواحــد، وإذا غــابت األصــوات المختلفة غاب التناغم، وبهذا المعنى، ليس هناك تقـارب بــدون تنــافر، إننــا ال نعـرف

الخير دون الشر، واألمر نفسه ينطبق على ما يتعلق بالجمال وكل ما تبقى.

ــا        ــير المســتمرين من حيث هم ــة والتغ ــيراقليطس جــوهر الحرك ــد أدرك ه لق الجوهر األقوى للكائن، لنسمعه يقول: "ال يمكن النزول مرتين في النهــر نفســه، والh من جــراء حيويــة لمس مادة مرتين في الحالــة عينهــا، ألنهــا تتفتت وتنكمش مجــددا التحول وسرعته، إن المادة، دون ابتداء ودون انتهــاء، تظهــر وتــزول في آن واحــد"؛

ذلك السيل الشامل هو، بالنسبة لهيراقليطس، عمليــة نشــوء وزوال األشــياء في آنمعا، إن ما يولد يهلك في اللحظة نفسها، وما هو موجود غير موجود.

الزمان:

إن عملية ظهور األشياء، والوالدة والموت، والقرب والبعــد مرتبطــة بالزمــان،        وتذكر به، علما بأن )الحاضر( يشكل حدا غير مـدرك بين )الماضـي( و )المسـتقبل(، إذ يقترب المستقبل ويصبح حاضرا، في حين أنه عندما يصبح الحاضــر حاضــرا يبتعــدــزمن هــو األول واألخــير بين كــل في الماضــي كــل )اآلن( أصــبح )غــير اآلن(، إن ال األشياء، يتضمن كل شيء، ووحده يوجد وال يوجد، يخرج دائما مما هو موجود، ويعود

من الجهة المقابلة، ألن اليوم هو األمس بالنسبة لنا، وقد كان األمس غدا.

يفهم "هــيراقليطس" أهميــة )الزمــان( في العمليــة العامــة للحركــة والتغــير،        والتعارض وزوال األشـياء؛ هنـاك سلسـلة من األســئلة تطـرح اآلن: فيمـا يمكن هـذا السيل الدائم للزمان، هذا التعاقب لألشياء واألجيــال؛ وهــل هنــاك معــنى عقلي – أو نظام – في "كل شيء يجري"، أم ليس هناك سوى لعبة القوى العمياء في الطبيعــةــاء التي ليس لها من هدف محدد؟ ألسنا نشهد مأساة كونية عندما يشــهد بعض األحي

موت اآلخرين، ويميت اآلخرون حياة البعض؟

دور العقل في فلسفة هيراقليطس:

إذا كان "كل شيء يجري" فال شيء يبقى في مكانه، هذا يعني أن كل شيء عليه التقدم        إلى األمام، إن الحياة تدعونا كي نحياها؛ إن ديناميكية الحياة، "الكل يجري" تدعونا للتصرف حيال

الواقع.

ــتي        لذا يبقى مسألة أخيرة تلك المتعلقة بـ )اللوغوس( أي العقل الكوني – وال تحتل، بحق، مكانا مركزيا في الفلسفة الهيراقليطية وإحدى القضــايا األكــثر غموضــاــال بفكــرة ــذكر مؤرخــو الفلســفة، أول من ق ــان "هــيراقليطس" – فيمــا ي ــا. ك فيه )اللوغــوس(، فلكي يفســر هــذا الفيلســوف النظــام الســائد في الكــون، بعيــدا عن الميثولوجيــا واألســاطير، قــال بوجــود )قــانون كلي( يحكم الظــواهر ويتحكم في صيرورتها الدائمة األبدية؛ والعقول البشرية، تســتطيع التوصــل إلى معرفــة صــحيحةــدت في البحث عن ظواهر الطبيعة، إذا هي شاركت في )العقل الكلي(، أي إذا اجته في نظام الطبيعة، وأدركت ما يتصف به هذا النظام من ضرورة وشمول: لقد تصور "هيراقليطس" )العقل الكلي( على أنه محايث للطبيعة ومنظم لها من داخلهــا، فهــو بالنسبة للعالم أشبه بالنفس بالنسبة لإلنســان، النفس ال بوصــفها )جــوهرا( مســتقال متميزا عن الجسد، بل بوصفها مبدأ لحركته، منتشرا في جميع أجزائــه، ولــذلك كــان هذا العقل أشبه ما يكون بـ )نار إلهية لطيفة(، بل هــو )نــور إلهي(، هــو حيــاة العــالم وقانونه، والنفس اإلنسانية قبس من هذه )النار اإللهية(، أي من هــذا القــانون الكلي الذي يسري في الطبيعة ويحكمها، فعليها إذن أن تعرف هذا القانون وتعمل بموجبه. يقول "هيراقليطس": "ال يوجد سوى حكمة واحــدة: معرفــة الفكــر الــذي يقــود كــل

األشياء عبر الكل" ومن هنا كان )الدين الحق( في نظره هو مطابقة العقـل الفـردي – أي عقل اإلنسان الفرد – للقانون الكلي الســاري في الكــون، أي للعقــل الكلي أو الكــوني، يقــول: "ربمــا ينجــو اإلنســان من النــار الحســية ولكنــه لن ينجــو من النــار

العقلية".

ــدة        ــوع من )وح ــل إلى ن ــل الكلي(، تمي ــيراقليطس" عن )العق ــرة "ه إن فك الوجود( باعتبار أن العقل الكوني هذا، محايث للطبيعة وغير منفصل عنها: كمـا يجب أال يخفي على أحــد أن مفهــوم الـ "لوغــوس" كــان لــه تــأثير عظيم على جميــع الفلسفات التي تميل إلى هذا الضرب من التفلسف كالفلسفة الرواقية على ســبيل

المثال.

ــع        مقتبسات من مفهوم )الجدل( عند هيراقليطس – راجع الضحى العدد التاس – كانون الثاني.1997والخمسون

كل شيء يتغير في الحياة، اإلنسان يتغير، والمجتمع يتغير، النور يصــبح ظالمــا       والظالم يصبح نورا، فال تخف من كليهما.

رجل يقرأ التاريخ ويتعلم منــه العــبر والــدروس، ورجــل يعيش فقــط لحاضــره        متقوقعا على نفسه يسيطر عليــه الخــوف من المســتقبل المجهــول، األول يعلم مــا سيحدث ألنه اختبر الماضـي فتــألم، وإذا هـو قـد تعلم والثــاني لم يتــألم، إذا هـذا لن يتعلم، ولهذا يعيش في حاضره وسط الفخفخــة والــثرثرة والطبــول واألبــواق، بينمــا

رفيقه هو رجل الحقيقة الصامتة والقناعة الحكيمة.

أيهما تفضـل أيهـا القـارئ الكـريم بين هـذين الـرجلين؟ علمـا أن لكـل منهمـا        أنصاره ومريديه. طبعا الجواب صعب وشائك إذ ال شــيء ثابتــا فــالنفس اإلنســانية ال تستقر على حال ولها في كل يوم حكاية ومقال. ألم تشاهد كيف أن الشمس تمزق

الظالم كل صباح لتطلع علينا، إن هذا التمزق الذي تخافه هو الذي يأتينا بالنور.

أحداث من واقع التاريخ:

"اللعنة على كل من يعلم الناس أسرع مما يمكنهم ان يتعلموا".       

هذه آخر جملة لفظها سقراط الحكيم قبل خروج روحه من جسـده بلحظـات،        مسكين ذلك الفيلسوف اإلغريقي الذي أدخلوه السجن لمدة شهر وبحقه صدر حكم

اإلعدام بالموت، فشرب كأس العلقم وفارق الحياة.

سقراط الحكيم لم يتعرض إلى اإلنجيل أو القرآن حتى يحاكم.       

ســنة وهــو أول من قــال: "اعــرف469 فهــذا الفيلســوف ولــد قبــل الميالد بـ         نفسك أيها اإلنســان" وهــذه الجملــة المــأثورة قالهــا يســوع المســيح فيمــا بعــد لكن

سقراط سبق يسوع.

لم يكن الحكام راضين عن تعاليم سقراط فوجهوا إليــه ثالث تهم هي: إنكــاره        اآللهة – ودعوته إلى آلهة جديدة وإفساده الشــباب الــذي فتن والتــف حولــه مــأخوذا

بسحر حواره الفلسفي. هذه التهم الثالث كانت كافية إلعدام سقراط.

وقف أمام القضاة مــدافعا عن فلســفته العظيمــة. لكن الــذين حــاكموه كــانوا        دون مستواه الفكري والفلسفي، فبدت تعاليمــه ألذهــانهم زلــزاال يغــير خريطــة هــذاh واحــد وهــو إني ال العالم. ومن تعاليم سقراط الحكيم أقواله هذه: "أنا أعــرف شــيئا

h". وهو أول من بشر بوجود الله تعالى، وهو القائل: اعرف شيئا

"حطموا هذه األصنام الــتي تعبــدونها وارموهــا في النــار، ألن هنــاك قــوة غــير       منظورة أوجدت هذا الكون هي الله، اعبدوه وال تعبدوا األصنام".

هذه كانت الجريمة التي اقترفها سقراط الحكيم، لقد بشر بوجــود قــوة إلهيــة        فأعدموه. حاول بعض أتباعه إخراجه من السجن لكنه رفض. وقال التلميذ لســقراط مخاطبا: "أيهــا المعلم، إن قــانون أثينــا ال يســمح باإلعــدام إال بعــد وصــول الشــمسبمغيبها فوق جبال أثينا، وما زال أمامك ثالث ساعات من الزمن، فلم هذه العجلة؟"

فأجابه سقراط:

ــني أشــرب        ــة. أرفض أن أبقى معهم ثالث ســاعات، دع ــام الجهل ــذا أحك "هك الكأس فأموت وتنتقل روحي وتعود إلى خالقها العظيم، هو الله الذي سوف يرعاني

في ملكوته".

طبعــا الجالد لم يفهم كالم ســقراط هــذا، لكنــه أحضــر كــأس الســم وتناولــه        سقراط وشربه وتذكر ديك الدجاج الذي استقرضه من جـاره وأوصـى بإعادتـه إليـه، ولفظ جملته التاريخية والتي سبق وذكرناها: "اللعنة على من يعلم الناس أسرع مما يمكنهم أن يتعلموا" ثم فارق الحياة واليوم ال يحق للطــالب أن يتخــرج من الجامعــة األميركية في بــيروت قبــل أن يــدرس الفلســفة اليونانيــة وخاصــة فلســفة ســقراط

% هذا ما حدث لسقراط الحكيم.70ويحصل على معدل

.1998 من سقراط إلى يسوع المسيح – راجع مجموعة أعداد الضحى        

سقراط عالمة فارقة:

يشكل "سقراط" عالمة فارقة في تاريخ الفكر الفلســفي، فهــو على مســتوى        الفلسفة اليونانية يؤرخ به وبعده؛ وهو على مستوى الفكر العالمي أحد أكبر الحكماءــدري القدماء الذين لم يتركوا آثارا مكتوبة تعرفنا بهم، ومع ذلك يبقى لغزا محيرا ال ن إن كنا نعرف عنه الكثير أو القليل، وما نعرفه عن حياته وعن علومه، إنما نعرفه من أعمال مريديه أو أصـدقائه )أفالطـون – أكزينوفـون(، أو من آثـار خصـومه )الشـاعر

h من خالل مؤلفين الحقين ألرسطو الــذي أعطانــا الساخر أريسطوفان(، ونعرفه أيضاعبارات صريحة تساعد على تصوير مذهب "سقراط".

ــماء        و "سقراط" كما هو معروف أول فيلسوف يوناني أنزل الفلسفة من السإلى األرض. فهو القائل:

"إن اهتمامي كله ليس بأسرار اآللهة وإنما بعقل اإلنسان".       

وكان كلما خاطب أحدا خاطبه متسائال:

"ما هذا؟ ماذا تعـني بقولـك؟ حـدد عباراتــك، فإنــك تتحــدث بغـير حسـاب عن       موضوعات كالعدالة والشرف، والحق والخير".

فكل أولئك الذين يتحدث إليهم ما كانوا يعرفــون شــيئا، ولكنهم يعتقــدون انهم       يعرفون كل شيء.

وهكــذا فقــد اتجــه إلى ســبر أغــوار النفس اإلنســانية، يســتطلع االفتراضــات        ويستجوب اليقينيات، ومن هذا المنطق اســتحق ســقراط – كمــا أطلــق على ذاتــه – لقب )الذبابة الالسعة( في صــورتها البشــرية، ألنــه كــان يحفــز النــاس على التفكــير حفــزا، فأحبــه الشــباب ألنــه كــان يشــجعهم ويحثهم بينمــا كرهــه الشــيوخ ألنــه كــانــؤالين عن يحرجهم ويفضح أمرهم، مع ذلك فقد قدم إلى الفلسفة جوابين ثابتين لســة المثلى؟. والواقــع أكثر مشاكلنا تعقيدا، وهما: ما هو معنى الفضيلة؟ وما هي الدولــني من بحث هــذين ــل األثي إننا ال نجد موضوعا أكثر أهمية وحيوية بالنسبة لذلك الجيــانون الموضوعين. لقد دمر السفسطائيون إيمان هؤالء الشباب بآلهتهم، وحكموا الق األخالقي الذي كان يعززه خوفهم من عقاب هذه اآللهة لو قاموا بارتكاب مـا يخـالف رضاها. وأصبح من الواضح اآلن أنه ال مانع من أن يسير اإلنسان على هــواه. ويفعــل مــا يطيب لــه، مــا دام يفعــل ذلــك في حــدود القــانون. لقــد أضــعفت روح الفرديــة المطلقة األخالق األثينية، وتركت المدينة، )أثينا( أخيرا فريسة األســبارطيين األشــداء بطبعهم؛ أما بالنسبة إلى الدولة، فأي شيء أشد سخرية من هذه الديمقراطية الــتي تقودها وتتزعمها الجمـاهير الـتي تسـوقها العاطفـة وهـذه الحكومـة الـتي تـوم على النقاش الشعبي، وهذا االختيار المندفع المتهور، وعـزل القـواد وتنفيـذ حكم االعـدام فيهم، هذا االختيار – الــذي ال اختيــار فيــه – للبســطاء من المــزارعين والتجــارب في تناوب وتعاقب أبجديين كأعضاء للمحكمة العليا للبالد؛ وكيف الســبيل إلى إيجــاد قيم

أخالقية جديدة في أثينا، وكيف يمكن إنقاذ الدولة؟

ــا إلى الحكم على "ســقراط"        إن اإلجابة عن هذه األسئلة هي التي دفعت بأثين بالموت، متهمة إياه بالفســاد األخالقي. لقــد كــان المواطنــون األثيــنيون الكبــار على استعداد لتشريفه لو حاول استعادة الدين القديم الذي يؤمن بتعــدد اآللهــة، ولــو أنــهــد ــذهاب إلى المعاب ــة لل ــاطير القديم ــات واألس ــرر من الخراف ــباب المتح ــا الش دع والحدائق المقدسة، وطلب منهم مرة أخرى تقديم األضاحي آللهة آبائهم وأجــدادهم،

ولكنه اعتقد أن تلك سياسة انتحارية ال أمل فيها وأنها تقدم إلى الوراء، لقد كــان لــهــه إيمانه الخاص به، لقد آمن بإله واحد وآمن باعتدال بأن الموت سوف ال يقضي علي تماما، أدرك أن هناك شريعة أخالقية أبدية ال يمكن أن تقوم على دين ضعيف كالدين الذي آمنت به أثينــا في ذلــك الــوقت؛ وإذا كــان اإلنســان يقــدر على بنــاء نظــام منــق على المــؤمن والملحــد على ــة، ويطب ــادئ الديني األخالق مســتقل تمامــا عن المب السواء، عندئذ قد تأتي الدياة وتذهب من غير أن تزيــل هــذا التحجــر األخالقي الــذي يجعل من األفــراد مواطــنين غــير فــاعلين اجتماعيــا: إذا كــانت كلمــة "الخــير" )على سبيل المثال( تعني: التعقل و "الفضيلة" تعني الحكمــة، وإذا كــان من الممكن تعليم الناس أن يروا مصالحهم الحقيقية بوضوح، ليروا من بعيد النتائج األخــيرة ألعمــالهم، وينتقدوا، وينسـقوا رغبــاتهم في انسـجام بنــاء ذي أهـداف، فـإن هـذا قـد يقـدم إلى الرجل المتعلم بميوله السفسطائية القيم األخالقيــة الــتي يجــدها األمي الجاهــل في الشريعة والسيطرة الخارجية أما في المجتمع الــذي يقــوم حكمــه على العقــل وهــو المجتمع الذي يعيد إلى الفرد ســلوكه ووالءه للمجتمــع، فــإن الحاجــة حينهــا تقتضــي حرية واضحة لضمان السلم والنظام والنية الطيبة؛ ولكن إذا كانت الحكومــة نفســها حكومة تسودها الفوضى والسخافة، تحكم وال تساعد، وتأمر وال تقود، كيف تســتطيع أن تقنع الفرد في مثل هــذه الدولــة على أن يطيــع القــوانين، ويحصــر بحثــه الــذاتي داخل دائرة الخير العام؛ وال غرابة أن تعم الفوضــى في البالد الــتي يســودها الجهــل بالقوانين حيث تقوم الجماهير بوضع القرارات في سرعة وجهــل؟ أليس من الجهــل أن يحل العدل محل الحكمة؟ وعلى العكس أال نــرى النــاس مجتمعين في جماعــات أكثر سخافة وعنفا وقسوة منهم وهو منفصــلون ومنفــردون؟ أليس من المخــزي أن يقوم على حكم الشعب خطباء يضــيعون وقتهم في خطبهم الطويلــة الجوفــاء الــتي تشبه األوعية النحاسية التي إذا دقت وقرعت تستمر في الدق والقــرع إلى أن نضــع أيدينا عليها ونوقف دقاتهــا؟. ال جــدل في أن إدارة الدولــة مســألة تحتــاج إلى أفكــار أعظم العقول وأحسنها إذ كيف يمكن إنقاذ مجتمع أو جعله قويا إال إذا تولى أمر هذا

المجتمع أحكم رجاله وأعقلهم؟

مقتبسات من ســقراط شــهيد الفلســفة األول – راجــع الضــحى العــدد الثــاني       .1997والستون – نيسان

سقراط:

مولده:

ــنة         ــا سـ ــة أثينـ ــقراط الحكيم في مدينـ ــد سـ ــوه470ولـ ــان أبـ ق.م. وكـ "سوفرونيسكوس" نحاتا يصنع التماثيل في "األكروبول"، وقد تعلم الولد حرفــة أبيــه

أول األمر ولكنه هجرها واتجه إلى حكمة األخالق التوحيدية بالله سبحانه وتعالى.

وتــروي بعض مصــادر التــاريخ أن ســقراط علم نفســه بنفســه وشــغل نفســه       بالحكمة والفلسفة، والمناظرة والتأمل في عجائب الخالق ومخلوقاته.

شخصيته وحياته:

كان سقراط شخصية غريبة األطــوار، إذ كــان نصــفه مخلوقــا إنســانيا ونصــفه        اآلخر قديسا. هذا ما أجمعت عليه مصــادر تــاريخ الفلســفة، فكــانت تشــع من عينيــه نظرة رحيمة، وكانت ابتسامته ساخرة من العالم الجســماني ووديــة ورحومــة بنفس

الوقت.

وتــروي الكتب المنشــورة عنــه أنــه كــان قــوي االحتمــال لدرجــة تمــيزه فــوق        مســتوى البشــر العــاديين. فعنــدما كــان جنــديا في الجيش كــان يســير فــوق الثلــوج والجليد حافي القدمين بينما ينتعل زمالؤه أحذية مغلفة بالصوف الناعم. أما شجاعته فخارقــة يعجــز عنهــا اإلنســان العــادي، وهــذا مــا تؤكــده الروايــات عن بطوالتــه في

ق.م، والحرب الثانيــة429ق.م. وحتى سنة 432الحروب التي اشترك فيها من سنة ق.م.424ق.ب. باإلضافة لمعركة سنة 422سنة

سلوكه وإيمانه:

كان سقراط يعتقد أنه يحمل في عنقه رسالة إلهية وبشارة سماوية، وأن الله سبحانه قد        أقامه وكلفه ليكون معلما ومؤديا مجانيا عموميا يرتضي الفقر ويبتعد عن متاع الدنيا ليؤدي هذه الرسالة اإللهية، وكان يجوب الشوارع والطرقات واألسواق يبشر بما أماله عليه ضميره اإللهي متبعا أسلوب الحوار والجدل. وكان حديثه موجها بشكل دائم إلى الشباب العتقاده انهم عماد

الحياة بهدف توسيع مداركهم للوصول إلى الحقيقة أي الحقيقة المطلقة التي هي "الله" من خاللالعقل أعني عين العقل.

وينقل عدد من مؤرخي الفلسفة أن سقراط الحكيم كان يعتقد بأنــه ملهم في        أعماله وأفكاره. وهذه المسألة مر بها أنبياء قبل سقراط وخاصـة األنبيــاء الغـابرون. لذلك يستطيع أن يميز النتائج الطيبة من النتائج الشـريرة؛ وكـان يعتقـد سـقراط أن الله بواسطة مالئكتــه يــوحي إليــه بمــا ينبغي أن يفعــل وينهــاه عمــا ينبغي أال يفعــل، وكانت تنتابه نوبات غيبوبة يقــف بعض األحيــان عــدة ســاعات متســغرقا في أفكــاره وتأمالته. وهذا ما جعله يمتلك القدرة العجائبية في السيطرة على غرائــزه وشــهواته

الحيوانية.

وعندما أصبح ســقراط الحكيم عضــوا في مجلس الشــيوخ عــرف باســتقالليته       ــديمقراطيين أو ــدره من ال ــان مص ــا ك ــأ مهم ــة الخط ــه في محارب ــه وجرأت ونزاهت األرستقراطيين، كل ذلك دفاعا عن الحق والعدل معرضا حياته للخطر أكثر من مرة

مواجها وصامدا ضد انفعاالت وهياج هؤالء أو أولئك.

ويجمع فالسفة الغرب على أن سقراط كان يتمتع بنظــرة نقديــة الذعــة. فقــد        انتقد النظام الديمقراطي في أثينا الذي تقدم على أكتافــه مجموعــة من الغوغــائيين الجهالء مما أدى إلى سجنه والحكم عليــه باإلعــدام. وقــد اتهمــه القــادة السياســيونــدة وإفســاد عقــول ــة قلب نظــام الحكم، وإنكــار اآللهــة والقــول بآلهــة جدي بمحاولــة الشباب. وفي الحقيقة كان سقراط الحكيم صاحب رسالة، فهو يحاول إصــالح حال

الدولة عن طريق التربية ومحو خرافة اآللهة وإقامة دعامة دين اإللــه الواحــد األحــد. ولقد تقبـل سـقراط الحكم راضـيا مرضـيا إليمانـه باللـه والقـدرة اإللهيـة والمشـيئة الربانيــة الــتي ال تــرد، لــذلك تنــاول كــأس الســم وتجرعــه بجــرأة وكــان ذلــك ســنة

ق.م. وجرأته هذه كانت بمثابة انتصار للفلسفة والفيلسوف في آن واحد.399

مـــذهب ســـقراط الفلســـفي: "الرضـــى والتســـليم نهايـــة العلموالتعليم":

"... حين كنت شابا يافعــا كنت مهتمــا بإلحــاح بهــذا النــوع من المعرفــة الــذي        يطلق عليه اسم "البحث في الطبيعة"، فوجــدت فيــه روعــة ال تضــاهي، فبواســطته يمكن معرفة علل كل شيء، تلك العلـل الـتي تـأتي األشـياء بسـببها إلى الوجـود ثم تختفي وتستمر في الوجود... وقــد انتهيت إلى رأي بهــذا الصــدد وهــو أنــه قــد ظهــر

عجزي وعدم استطاعتي االستمرار في مثل هذا البحث".

نستنتج من هذا أن سـقراط عجـز كمـا عجـز غـيره من فالسـفة الطبيعـة عن        اإلحاطة الكلية لتحقيق المعرفة الشمولية في الكون – وهذه الصفة من صفات اللهــذلك جل جالله – واعتقد سقراط أن كل شيء هو ما هو ألنه من األفضل أن يكون ك ولقد تأثر سقراط بـ "أناكســاغوراس" ألن هــذا الفيلســوف العظيم اســتخدم العقــل

واعتمده كأساس في فهم الظواهر واألسباب والعلل والنتائج.

وانحصرت جهود سقراط األساسية باإلنســان أكــثر من الرياضــيات والطبيعــة،        لذلك انحصرت الفلسفة عنده في دائرة األخالق، وهذا مـا يفسـر قـول "شيشـرون" )خطيب اليونان العظيم( عنه "أنه أنــزل الفلســفة من الســماء إلى األرض". أي أنــه

حول النظر الفلسفي من الفلك والعناصر إلى النفس.

النفس اإلنسانية عند سقراط:

ــات التشــابه بين        اعتقد سقراط يسيطر النفس على البدن وبهذا تمكن من إثب النفس اإلنســانية وبين العقــل اإللهي. ويعتقــد بــأن النفس هي ســيدة البــدن، فكمــا

يحكم العقل اإللهي العالم كذلك النفس تحكم على البدن وتسيره كما تشاء.

وبذلك قال أفالطون فيما بعد إن النفس تتحكم تحكم الســيد في البــدن. وفي        ذلك تشبيه بالكائن اإللهي. ويالحظ أن األدلة التي ساقها أفالطون للبرهنة على خلود النفس فيها أكــثر من فكــرة تعــزى إلى ســقراط مؤداهــا بــأن النفس بمــا هي عقــل خالص لها القدرة على البقاء بذاتها بعد فناء البدن. لذلك اعتبر مؤرخــو الفلســفة أن الطريقة التي مات بها سقراط هي البرهان األكبر واألكيد على إيمانه بخلــود النفس. ولم يكن سقراط الفيلسوف األوحد الذي آمن بذلك بــل ســبقه فيثــاغوراس وأتباعــهh كغيره من الفالســفة. بالوصول إلى هذه النتيجة وقد تأثر سقراط بالفيثاغورية حكما ويروي أفالطون أن أستاذه سقراط كان يعتقد أن الفيلسوف الحق هو الذي ال يهاب الموت، وإنما يرحب به، بينما االنتحار فعـل غـير مشـروع، وعلى اإلنسـان أن ينتظـر

حتى يقبضه الله، ألن عالقة الله باإلنسان تشبه إلى حد كبـير عالقـة الـراعي بغنمـه،فالراعي يغضب لو أن واحدة من نعاجه تحررت من خط سير القطيع.

أما موقف سقراط من الفضيلة كمفهوم مثالي وسلوكي فيتلخص بقــدرة هــذا        الفيلسوف الحكيم على وصــل العقــل بــالقيم المطلقــة وخاصــة في مجــال األخالق. فبدت الطبيعة البشرية في نظره جسما وعقال يسـيطر على دوافـع الحس ونزواتــه، وليست مجرد شهوات ولــذات. لــذلك انطلــق ســقراط من التعريــف بمجموعــة من المفاهيم مثـل القيم األخالقيـة العامـة كالشـجاعة، العدالـة، التقـوى، ضـبط النفس،ــا األخالقي الصداقة، وباعتقاده أن اإلنسان إذا تمكن من فهم هذه المفــردات بمعناه يتمكن من االقــتراب من شــواطئ الكمــال. وتتلخص نظريــة الفضــيلة واألخالق عنــد سقراط بالعلم، فالتقوى هي العلم بمــا يجب على اإلنســان نحــو اللــه، والعدالــة هي العلم بما يجب على اإلنســان نحــو نفســه، والفضــيلة واحــدة ال تتغــير مهمــا اختلفتــاعتبر الفضــيلة هي الخــير، ــا إضــافيا للفضــيلة ف ــال. وأعطى ســقراط مفهوم األجي

ومعرفة الخير تتجلى في السلوك الصحيح في كل مجاالت الحياة.

وخالصة القول: إن مفهوم الفضــيلة واألخالق عنــد ســقراط تتلخص بمــا قالــه       أفالطون فيما بعد "إن غاية األخالق السقراطية هي السمو الروحي".

موقف سقراط من الدين:

اعتبر سقراط أن الدين هو تكــريم الضــمير النقي للعدالــة االلهيــة، وأن كــثرة        الصلوات مع تلطيخ النفس باآلثام اليومية ال تجدي نفعا، وأن الله عين لكل فــرد منــا وظيفة في الدنيا. كما آمن سقراط بخلود الــروح واعتقــد بتمــايز النفس عن البــدن، فال تفسد بفساده بل تخلص من سجنها بالموت وتعــود إلى صــفاء طبيعتهــا. واعتقــد بأن العقل الكلي هو الذي يحكم العالم بعدالته وحزمه وأن بإمكان اإلنسان أن يتصل بالله اتصاال مباشرا من دون حاجة إلى االستعانة بواسطة أحد. وقد أدى هذا االعتقاد عنده إلى الشكوى التي رفعت ضده بعدم إيمانه بآلهة المدينة )أثينا( وبإحالله "اللـه"

محلها.

نظريته السياسية:

اعتقد سقراط أن العدالة ال تتعارض مع القانون، وأن منفعة الفرد يجب أال تتعارض مع        مصلحة المجموع؛ وبهذا يكون سقراط أحد واضعي فكر العدالة والمساواة في العصور القديمة والذين ال زالت أفكارهم األساس في عدل الدنيا رغم مرور ما يزيد على ألفين ومئتي سنة على

الحقبة التي عاش فيها. أليست هذه المفاهيم من صلب الديمقراطية الشعبية التي ينادي بها أكثرمن مليارين من البشر اليوم؟

مقتبسات من سقراط )شهيد الكلمة والحرية( – راجع الضــحى العــدد التاســع       .1997والخمسون – كانون الثاني

محاكمة "سقراط":

لم يترك "سقراط" أي أثر خطي وراءه. فلم يكتب دفاعه؛ وقد عرض عليه "ليرناس"، أحد        البلغاء دفاعا أعده له. فرفض االستعانة به قائال: "أنه دفاع جميل، لكنه ال يالئمني، كما ال يالئمني

أن ارتدي ثوبا قشيبا"، وأثر الطريقة التي يتحدث فيها مع الناس.

ويرى "اكزينوفون"، أحد تالمذة "سقراط"، أن هــذا األخــير قــال لمعلمــه: "أال        ترد أن من الواجب أن تفكر بما ستقوله دفاعا عن نفسك؟" فأجابه: إنني لم ارتكب ظلما، وقد سلكت سبيلي العــدل والتقــوى. وهي لعمــري أفضــل طريقــة يــدافع بهــا

اإلنسان عن نفسه".

انتهت إلينا صيغتان عن دفاع "سقراط"، األولى الكزينوفون والثانية ألفالطون،        وهما تختلفان لهجة وأسلوبا وروحا، وتلتقيان مضمونا في وقائع عدة فتؤكدان حقيقة

الدفاع التاريخية.

ــدفاع" ألفالطــون يتحــدث "ســقراط" عن        ــاورة ال في القســم األول من "مح متهميه الماضين والحاليين: األوائــل كــانوا رجــاال ال يعــرفهم شخصــيا والــذين ذهبــوا، بســبب الجهــل، والغــيرة أو الخبث، إلى حــد تــرويج هــذه الدعايــة الكاذبــة بأنــه اهتم بالقضايا التي لها صــلة بفلســفة الطبيعــة، أو بمــا يجــري تحت األرض وفي الســماء، وبأنه كان يعلم تمرير الخطأ على أنه الصحيح، ويؤكد "سقراط" – داحضا هذا االتهام – أنه أوال، ال يرى شيئا يستوجب الــذم في االنكبــاب على مســائل فلســفة الطبيعــة؛h، أنه يستطيع إحضــار شــواهد كثــيرة تؤكـد أنــه لم ينصــرف إلى هـذا النــوع من وثانيا األبحاث؛ وثالثا، فهو يعتبر أن تربية الناس عمل مفيد، وهــو لم يقبــل أبــدا مــاال لقــاء

محاوراته وهو في دور العلم.

ينتقل "سقراط" بعدها إلى متهميه الجدد، ويبرهن أن تهمتهم المزدوجة:        إفساد الشباب وذم اآللهة ال أساس لها من الصحة، ويؤكد أن من غير المعقول اتهامه بذلك ما دام ال يوجد دليل ملموس يؤيد أقوالهم؛ أما عنصر االتهام الثاني

:h فنراه يدحضه بشكل قاطع مبينا التناقض الذي يشوبه قائال

h بقولي أنك        "إن كنت أؤمن بوجود الجان، وإذا كان الجن آلهة أال أكون مصيباh أنني ال أؤمن بوجودها ثم أنني أؤمن بوجودها ما دمت اعتقد تهزأ منا؟ تدعى أوال

بالجن، وإذا كان الجن أوالدا غير شرعيين لآللهة، فمن من الناس يعتقد بوجود أوالد آلهة دون أن يعتقد بوجود آلهة؛ وهل هناك من ال يعتقد بوجود الجياد والحمير بينما

يعتقد بوجود البغال أبناء الجياد والحمير؟..".

باختصار شديد لم يكن قرار المحكمة في صالحه، وأقر "سقراط" مذنبا        ، إذ كان يحتاج لثالثين صوتا لكي يبرأ ولم يكن221 صوتا ضد 280بأغلبية

"سقراط" ينتظر البراءة، ولكنه دهش من فارق األصوات الضئيل؛ وكان القانون في الحاضرات اإلغريقية يجيز للمتهم أن يقترح بنفسه القصاص الذي يراه مستحقا له، هذا الحق كان، ودون أن يشكل استغاثة اطالقا، يسمح بتخفيف الحكم الواقع عليه، وهذه ال شك إحدى السمات الخالدة للعدالة األثينية؛ وكان على المحكمة من ثم أن

تختار بين الحكمين المقترحين )من قبل المتهم والمتهم(، غير أن الحكم الذي

اقترحه سقراط لجالده، كان في ما ادهش هؤالء: إذا أردتم أن تعدلوا أيها األثينيون فإني استحق أن أعامل معاملة حسنة تتالءم ووضعي، فما الذي يالئم رجال فاضال

فقيرا مثلي يحتاج إلى التمتع بفراغ كاف لينصرف إلى إرشادكم ودعوتكم إلى األفضل؟ الجواب: أن يعيش على حساب – أو نفقة – الدولة، وهذا شرف مخصص

ألولئك الذين امتازوا بخدمة الوطن؛ هذا االقتراح أثار حفيظة المحكمة واعتبرته وقحا، أما "سقراط" الذي لم ير فيه أي خبث، فقد أكد: "أنا على يقين من إنني لم

أسيء ألي إنسان، وأنا بعيد كل البعد أن أتمنى ذلك لنفسي، وأقر بعذابي األبدي في أن استحق قصاصا وأعلن حكما ضد ذاتي"، ولكن مع ذلك يجب تحديد الحكم بأي

ثمن، وكان مستعدا لدفع "مينا"، )مئة درخمة لدى قدماء اليونان(، من الفضة لكونه فقيرا؛ وكما أثار حفيظة واستياء العديد من القضاة باقتراحه غير المناسب أن

يعتاش على نفقة الدولة، كذلك كان اقتراحه بدفع الغرامة قد "رفض؛ وهكذا بأغلبيةثمانين صوتا أصدرت المحكمة هذه المرة حكمها بالموت على "سقراط".

مقتبسات من سقراط شهيد الفلسفة األول – راجع الضحى العدد الثاني       .1997والستون – نيسان

نهاية رجل عظيم:

وهكذا تنتهي حياة رجل عظيم بصفحة من أشد صفحات التاريخ البشري        قتامة ومن أكثرها إساءة إلى الكرامة اإلنسانية وبذلك يغتال العقل في مهبط العقل

وينكسف النور في بلد النورز وأن موته كان وال يزال فداء قدمه حتى تستطيع المبادئ التي نادى بها أن تشق طريقها إلى جميع الناس، وأن تصبح المبادئ

األساسية الخالدة التي ستسير عليها اإلنسانية حتى هذا الحين. وسيظل سقراط الحكيم شيخا للفالسفة الموحدين المؤمنين بالله الواحد األحد، الفرد الصمد كما سيظل شهيد الكلمة والحرية واإليمان العميق بالعقيدة التوحيدية التي ناضل من

أجل توسيع قاعدة مريديها والتي استشهد في الدفاع عنها.

وقال عنه صاحب عمدة العارفين: "وكان من روحانية فيثاغوراس يغني في        ذاته الشريفة من الصفاء والنقاء والطهارة والكمال، ومما حل بها من مشاهدة الجالل. ولهذا قالت الحكمة التوحيدية: "األول لفيثاغوراس، وأفالطون وسقراط

المالئكيين واإللهيين لحضهم الناس على إحياء النفس الناطقة وقواها. واثباتالجميل والخير إماتة النفس الشهوانية لتلحق نفوسهم بالمالئكة".

راجع الضحى العدد التاسع– مقتبسات من سقراط )شهيد الكلمة والحرية(        .1997 كانون الثاني –والخمسون

الجن السقراطي:

ما هو )الجن( الذي تحدث عنه "سقراط"؟ ما طبيعته؟ سبق أن أربك هذا        السؤال تالميذ الفيلسوف وأصدقائه، فضال عن مؤلفين الحقين أمثال "شيشرون"،

"بلوتارك" و "في يليه". وآباء الكنيسة تحدثوا أيضا عن "جن سقراط". بالنسبة للبعض، "ترتوليان" و "الكتانس" المعادين بشراسة للوثنية، كان يعني مخلوقا

شيطانيا، وللبعض اآلخر "كليمندس االسكندري" و "القديس أوغسطين"، رأوا فيهنوعا من المالك الحارس.

يقول "سقراط" في محاولة )الدفاع(: "... لقد اختبرت خبرة عجيبة مذهلة،        ففي الماضي كان الصوت النبوي الذي اعتدته دائما رفيقا لي، يعارضني في األشياء التافهة للغاية، وذلك إذا ما كنت عازما على انتهاج نهج خاطئ، وها أنكم اآلن ترون

أن شيئا حدث لي ونزل بي، األمر الذي يرى فيه الناس بصورة عامة ويعتبرونه كأشد كارثة تنزل باإلنسان، ولكن ليس حين مغادرتي لمنزلي هذا الصباح... أبدى الصوت اإللهي أية معارضة لي، كان هذا الصوت في أحاديثي ومناقشاتي األخرى يخرسني وأنا لم أزل في منتصف الجملة، لكنه هذه المرة لم يعارضني في أمر

تفوهت به أو فعلته، فما سبب ذلك كما اعتقد؟ وسأجيب أعتقد بأن ما حدث لي هذا اليوم هو خير وبركة، وأننا لنخطئ فاحش الخطأ إذا افترضنا أن الموت شر، وأنا

لدي من األسباب ما هو جدير بأن يجعلني افترض هذا، ألن ذلك الصوت الذي تعودت عليه، ما كان ليتخلى عن معارضتي لو أن ما كنت أفعله لم يكن سيعود

بنتيجة طيبة".

نستخلص من هذا االستشهاد الطويل بعض األفكار التي سنستعملها لتأكيد        ينتج عن–وجهة نظرنا، بأن )الجن( السقراطي هو )حدس ترنسندنتالي( أي مجاوز

h، تصرف "سقراط في كل مرة عن كل ما هو مؤذ له أو حالة معرفية متطورة جداغير مقبول".

h، أن غياب )الصوت( هو أيضا زاخر بالمعاني: إذا لم يوقف        ومن المالحظ أيضا )الصوت اإللهي( "سقراط" ولم ينهه عن قول أو فعل شيء، فإنه يدفع به نحو هذا

الشيء ضمنا، أو يترك له حرية التصرف.

يقوم اعتقاد سقراط بوجود )جن( على الصلة الوثيقة بين )الهاتف الداخلي        أي العقل( وإله خارجي، له حضور خاص وفاعل، فـ )جن سقراط( هو إذن أكثر من أن يكون نداء عاديا للضمير، هو هذا الذي يضفي عليه خاصية وبعدا جديدين، يدفعنا

المجازي( لما هو– اإللهي(، والتعبير )نصف –لنرى فيه نوعا من التشخيص )نصف في عالم اإلنسان الداخلي، في عقله وروحه؛– بمعنى حقيقي وموضوعي –)كلي(

"الروح، يقينا، هي هبة، قدرة غيبية" كما يقول "سقراط" في محاورة "فيدروس".

)الجن( بالنسبة لسقراط، هو ما في نفسه من )إلهي(؛ في فكر الفيلسوف،        )اإللهي في اإلنسان( يصرف هذا األخير عن كل ما هو ذاتي، استبدادي، أنوي، خداع،

عابر ومبتذل، أنه يوجهه نحو البحث عن دستور أخالقي كوني، والخضوع الواعي واإلداري لهذا الدستور أمام تأييد حصر الروابط التي توحد اإلنسان مع غيره على

الصعيدين الفردي واالجتماعي. وارتباط اإللهي عند سقراط بالفكر وتجسده كصوت

يأمر وينهي هو أكبر دليل على توحيد سقراط وإيمانه بتوحيد العقل المترفع عنالشرائع والنواميس.

ما بعد موت سقراط )فلسفة التقمص والتوحيد(:

إن مفهوم )الروح( عند "سقراط" يتأثر بقوة بـ )التعقلية( التي تسم أخالقياته،        كما يظهره خصوصا مقطع من محاورة )الدفاع( ألفالطون، حيث يماثل "سقراط"

"عناية الروح" باهتمام العقل في البحث عن الحقيقة.

كان "سقراط" الفيلسوف اإلغريقي األول الذي عرض بوضوح مسألة العالقة        بين )الروح( و )الجسد(؛ فقبله شغلت هذه المسألة، بشكل خاص "الفيثاغوريين" والـ "أورفيين"، إال أن هؤالء كانوا قد أدرجوها في دائرة الدين بدال من الفلسفة؛ ومع "سقراط" بدأت الفلسفة تعالج عالقة الروح بالجسد، وعندما دعا "سقراط"

لالهتمام بـ )الروح(، كانت الغاية التي تتبعها )الحكمة(، أي )النشاط العقلي( و)الجهد األخالقي(، وليست القداسة.

يبدو أن "سقراط" كان يعتبر )الروح( )والجسد( من خالل وحدتهما، وذلك        بمقابلة كل منهما باآلخر، يقدرهما على أنهما جزءان من اإلنسان الحي، اإلنسان

الكامل، إنما جزءان مختلفان جدا ويتباينان جذريا، الروح – يقول "سقراط" – "تنتشر فينا، ولكن تعصى على أبصارنا، هذه "الرئيسة" المحتجبة، تحكم، كما يحلو

لها، غطاءنا الجسدي، وفيها يكمن )العقل( الذي يقود ليس جسدنا فقط، بل كل أعمالنا أيضا، ألن الفضيلة )معرفة( وهي )سلوك( أخالقي، ليس سلوك جسد بل

سلوك )روح( عاقلة".

ينتج عن برهان "سقراط"، أنه ال يمكن القبول في أن اإلنسان – الذي هو        جزء صغير من كل أكبر )العالم( يمتلك عقال، في حين أن العالم، الذي خارجه، ال

يشتمل أي عقل؛ ألن العالم – الكون – هو )نظام( متناغم، ومنسق بمقتضى )العقل(، وليس خواء شامال، أو سديما خاليا من المعنى؛ كذلك اعتبر "هيراقليطس"

أن الكون بشكله البديع، سيشبه كومة من القاذورات مبعثرة ودون ترتيب، لو لميكن محكوما بـ )لوغوس( – أي عقل أول – كلي، وسام.

و "سقراط" الفيلسوف العقالني، لم يكن من هؤالء الروحانيين الـ        "قروسطويين"، هؤالء الالهوتيين الذين ينظرون إلى اإلنسان – خلق الله والمعتبر

من جانبهم بمثابة كائن روحاني صرف – "منفيا في هذا العالم السفلي"؛ كان يعتبر )وجود( اإلنسان في )اتحاده( الوثيق مع الكون. لهذا ظن أنه باإلمكان إقامة )مماثلة

بين اإلنسان والكون؛ وإذن من وجود جسد وروح عند اإلنسان، يستنتج أن العالم بمجمله يتكون ليس فقط من عناصر مادية، بل كذلك من )عقل(، من )روح كلي(؛ وعلى أساس من وجود العقل المحدود والناقص لدى اإلنسان، بالتوازي مع )جسد( أقل محدودية منه بكثير، كان بنظره الدليل الحاسم على وجود )عقل كلي( وكامل،

وجرم كوني منقطع النظير.

ويبقى السؤال: هل يؤمن "سقراط" حقا بالتقمص بالوضوح الذي يميز إيمان       فيثاغوراس وأفالطون بالتقمص؟

سؤال حير الفالسفة والباحثين لفترة طويلة، فبعضهم يعتبر أن فكرة )الروح(        عند "سقراط" هي تصور أفالطوني يسعى إلى نقل خلود الروح من مجال الدين

إلى مجال الفلسفة، والبعض اآلخر يميل إلى جعله أقرب إلى )الالإرادية( منه إلى )اليقين( االعتقادي القاطع، أي أنه بمعنى آخر، لم يؤمن بوجود )عالم آخر( ومع ذلك

فهو يتمنى وجوده.

ولكن كال الرأيين السابقين يختزن مواقف ايديولوجية، تغيب الحقيقة التاريخية        الواضحة، لصالح االحكام التي تنافي )سيرورة( التطور التاريخي للحقيقة، وتنافي

كذلك روحية البحث النزيه المجرد.

فمن غير المعقول أن تكون فكرة )التقمص( مجرد إسقاط أفالطوني على        فلسفة "سقراط"، بل هي توسيع كما يبدو، لفكرة "سقراط" األساسية في

)الخلود( عبر التقمص؛ والتي طورها اليونانيون ونظموها، فجعلوا منها علما بكل ما في كلمة )علم( من معنى، فكان لكل من الفالسفة والحكماء مدرسته الخاصة به،

وهذه العقيدة آمن بها "سقراط" كما آمن بها "أفالطون" وكذلك "أرسطو" و"أفلوطين" من بعده.

ولو تأملنا قليال تلك النصوص السقراطية، لوجدنا أن عقيدة )التقمص( تلعب       دورا محوريا في تشكيل، أو تكوين، المرجعية الفلسفية للخطاب السقراطي:

يقول "سقراط": فالميت يكون على أحد حالين: إما أن يصبح عدما وال يكون        له إحساس بأي شيء كان، وإما، وفق ما يقال، أنه يحدث تحول وهجرة للنفس من

مكان إلى آخر، كما هو الحال في النوم.. فلكم سيكون الموت مكسبا مدهشا... وأني العتقد أنه إذا كان ألحد أن يختار بين تلك الليلة التي ينام فيها بدون أن يرى

أي حلم والليالي األخرى من حياته، وإذا كان عليه، بعد المقارنة مع هذه الليلة، أن يقول بعد الفحص كم من األيام والليالي عاشها في حياته وكانت أمتع وأفضل من

تلك الليلة، إن أي شخص... سيجد أنه يسهل عدها بالمقارنة مع بقية األيام والليالي. فإذا كان هذا هو الموت، فإني أقول أنه يعد كسبا، حيث أن كل الزمان لن يبدو

أطول من ليلة واحدة؛ من جهة أخرى فإذا كان الموت رحلة خارجية من هذا المكانإلى مكان آخر، فأي خير أكبر من هذا يمكن أن يتصور أيها المواطنون".

ويختم "سقراط": "ولكن حانت ساعة الرحيل، أنا ألموت، وأنتم لتعيشوا، من        منا يذهب إلى المصير األفضل؟ األمر غير واضح أمام الجميع، باستثناء اإلله"

)الدفاع(.

وال شك أن فكرة )التقمص( تبدو أكثر وضوحا في محاورة )كريتو(. وتحديدا       في الحلم الذي شاهده قبل يومن من إعدامه:

س: ما الذي أتى بك في مثل هذه الساعة المبكرة؟

ك: أحمل األنباء السيئة يا سقراط...

س: ما الخبر؟ هل السفينة التي يجب أن أموت عند وصولها قد وصلت من ديلوس؟

ك: لم تصل بعد، ولكني أعتقد ستصل... اليوم، وبالضرورة يا سقراط فسيكون غداهو اليوم الذي توفى فيه حياتك.

س: يا للحظ الطيب يا كريتو... ال أظن أنها تصل اليوم.

ك: وعالم يقوم تخمينك؟ )...(

س: على حلم رأيته منذ قليل..

ك: وماذا كان هذا الحلم إذن؟

س: تهيأ لي أن امرأة جميلة حسنة الهيئة مرتدية مالبس بيضاء تناديني وتقول: ياسقراط ثالثة أيام، واليثيا الخصبة تأتي".

ويمكن القول، أن الحلم السقراطي يعكس بوضوح كبير فكرة )التقمص( في        أصفى معانيها، فـ )غائية( الحلم ترتبط بشدة بمصير "سقراط" بعد موته، وهو

يشكل )حدسا( لما سيصبح عليه فيما بعد، فالـ "أحالم هي )اللغة( التي يتكلم بها صوت الوعي" )فيدون(. ومن المالحظ أن الحلم يشير إلى منطقة محددة – اليثيا – هي اسم قديم إلقليم "تساليا" في اليونان القديمة، لكنه ال يشير مطلقا إلى )العالم

اآلخر(، بل إلى )انتقال( مكاني للروح من منطقة إلى أخرى فكيف يحدث ذلك ياترى إن لم يكن بـ )التقمص(؟

وال يفوتني في هذا الصدد إال أن أتذكر ذلك الحلم التنبؤي لشاب موحد، قبل       وفاته ينسجم تماما مع الحلم السقراطي.

هذه الظاهرة حدثت قبيل معارك لبنان، في الصباح دخل الدركي )ن.ح.( إلى        غرفة رئيسه ليعيد له ما رآه في الحلم الليلة الفائتة، قال: نحن الموحدون الدروز

نؤمن بالتقمص، وفي هذا الليل تصور لي انتقالي إلى بلدة )ع.د( وأنا اآلن في خوف وقلق، ألتمس الترخيص لوداع أهلي. رأف به الضابط على أن يعود في اليوم التالي،

على الفور صعد الدركي إلى بلدته )ع.ز( وكانت سهرة عامرة باألهل؛ قبل الرقاد روى الحلم إلى أبيه مفصال أنه سيتقمص في )ع.د( وأن المنزل يقابله شجرة ضخمة

معلق في أحد غصونها سلة صغيرة تحوي حاجة الوليد الجديد وبعض حبات حمص؛ مع أول الصباح كان الوالد الكهل أمام التينة في )ع.د.( يرقب أحد المارة ليستوضح

عن المنزل، وإذا بامرأة شابة حبلى متعبة تفتح باب بيتها، فدنا منها سائال: هل

تسمحين بفحص محتوى السلة؟ سمحت له وتفحصها وغص في البكاء وتالشى؛تعجبت الحبلى للوضع ودنت منه تسأل، فاختصر حديثه وانكفأ محطما.

وصل إلى منزله فوجد ولده في غيبوبة االحتضار، وانتهى مع المساء؛ أقيم        المأتم في اليوم التالي، وتألبت الجماهير المعزية ناقلة هذه الظاهرة إلى القرى

المجاورة، والناس هناك معتادون على سماع أقاصيص كهذه، كما هو مؤمنون بصحتها. أما ما يفترق منها عن سواه، فهم عنه ساهون، ال ميالون، همهم أن

)التقمص( حقيقة كونية(، )والتذكر( دال عليه.

وبالرجوع إلى "سقراط" فإن محاورة )فيدون( تقدم الدليل الحاسم على       حقيقة )التقمص( كقانون، وتدعمها باليقين المنطقي والمحاججة الفلسفية العقالنية:

سيبيس: واآلن جاء دورك لتطلعني عما يتعلق بالحياة والموت.

سقراط: أال تسلم بأن الموت هو نقيض الحياة؟

سيبيس: نعم، أسلم بذلك.

سقـ: أال تسلم بأن الواحد منهما ينشأ عن اآلخر؟

سيبـ: نعم.

سقـ: إذن فما الذي ينشأ عن أن تحيا؟

سيبـ: أن أموت.

سقـ: وما الذي ينشأ عن موتك؟

سيبـ: يجب أن أسلم بأنه ينشأ أن أحيا.

سقـ: إذن فما الذي ينبغي عمله؟ هل أن نحذف العملية المتممة وأن نترك هنا نقصافي قانون الطبيعة؟ أم أن نسد تلك الثغرة بالعملية المناقضة لعملية الموت؟

سيبـ: طبعا.

سقـ" وما هذه العملية؟

سيبـ: العودة إلى الحياة )...(

سقـ: إذن فنحن متفقان على هذا األمر كذلك، إن األحياء قد نشأوا ال يقل عن نشوءالموتى عن األحياء...".

هذا النص ال يحتاج لشرح أو تعليق.       

)إعادة بناء( العقل على عمل على "سقراط" فيلسوف بعبقريته الفذة        h إعادة ربطه للعالم اآلخر الذي ال–قواعد علمية منهجية ال يمكن دحضها، وأيضا

بالعالم األرضي، عبر نظرية )التقمص(، التي تنتهي إلى نتيجة–نعرف عنه شيئا جوهرية مصيرية ال يستبعد أن تكون أساسا لهذا الوجود ودستوره الطبيعي.

راجع الضحى– مقتبسات من هكذا فهم سقراط فلسفة التقمص والتوحيد        .1997 أيار –العدد الثالث والستون

أفالطون:

ق.م.( رائد الفالسفة اليونان بل هو الفلسفة347 – ق.م. 427 )أفالطون        

اليونانية كلها إذ تلتقي فيه عناصرها األساسية، والثانوية التي سبقت ولحقت

فاحتوت وشملت كل العلوم والمعارف في الكثائف واللطائف. ونحن نجد في

فلسفته كل ما يمكن أن تشتاق النفس البشرية إلى معرفته من المعارف الدينية

والعقلية واإللهية والعلمية والرياضية والشعرية والفنية وما يعتقدونه قصصا

وحكايات أسطورية، إلى الجدل والمناقشة وعلم النفس والمنطق وكل علم يمكن

أن تحتاج إليه وتتذكره وتعقله النفس البشرية الطامحة للعلم والمعرفة. وقد عاش

هذا الفيلسوف ومحاوراته الخالدة التي بلغت حوالي ستا وثالثين أودع فيها كل فنون

المعرفة والعلم، عاش حوالي ثمانين سنة وتأثر كثيرا بسلفه الفيلسوف سقراط

الذي عاصره حوالي ربع قرن في مطلع شبابه حيث شغف بعمله وفلسفته وترك

كل ما يهوى ويرغب الشباب في هذه السن المبكرة وتبع الفيلسوف الشيخ الذي

استولى على جميع مشاعره.

ولد أفالطون بأثينا وعاش فيها معظم حياته التي انقضت مراحلها األولى في       

تلك الحقبة المضطربة من تاريخ اليونان حيث كانت تحفل باألزمات والصراعات

ق.م. إلى انكسار أثينا وتحطم404اإلقليمية والمحلية والحروب التي أدت في سنة

أسطولها العظيم وسقوط حكومة عم أفالطون "أقريطياس" رئيس ما كان يطلق

عليهم حكومة الطغاة واستلم الحكم الديمقراطيون الذين أصغوا إلى أعداء سقراط

وحاكموه وأعدموه فصدم أفالطون لقتل أحب الخلق لديه صدمة عنيفة وكان في

السابعة والعشرين من عمره فشهد دفاع سقراط وسجنه وإعدامه.

ألف روائع فلسفته الخالدة في الحق والباطل والعفة والشجاعة والكثائف        واللطائف. وقد كانت له نظرية مخصوصة في الفلسفة حيث أنها، أي الفلسفة

h من النفس، ومن هنا اعتبرها أفالطون تجربة الحقيقية، ال تدون وإنما تنبثق انبثاقا نفسية، أي إنها حالة نفسية ال يمكن أن يجري التعبير عنها باأللفاظ وال األمثلة

تستطيع أن تفصح عنها إذ إن األلفاظ واألمثلة وغير ذلك من وسائل التعبير إنما هيوسائل قاصرة وهي تحتمل الخطأ أكثر مما تحتمل الصواب.

أما السبيل األقرب إلى بلوغ الفلسفة فهو الحوار الخصب الذي يقوم بين        المرشد والمريد أو من خالل المناجاة التي تحصل بين النفوس الفذة والنقية التي تنسجم مع بعضها البعض بروابط اإللفة والمحبة. وفي هذه الحال فإن العقل يقدح

شررا يؤدي إلى الكشف على الحقيقة.

وقد جمع أفالطون في تفكيره بين الوجدان والمنطق في وحدة ال تنفصم.        بمعنى آخر فإن االعتماد على الحدس والبصيرة هو الوسيلة المثلى لبلوغ الفلسفة؛

بمثابة شرارات متتابعة تنير درب الحق.

وقد أعطى أفالطون للفلسفة وظيفة مرموقة تنحصر في التبصر بالخير        والحق والجمال والتأمل بهذه القيم وتوظيفها في سبيل حياة فضلى. وإذا كان من مهمة دقيقة لالشتغال بالفلسفة فهي إنها تصقل النفس وتهذبها وتصفيها وتنأى بها

عن الهوم المادية والمشاغل الحسية، وتسعى إلى تدريبها على المجاهدة وتطويعها بالعلم والمعرفة والتفكير والتأمل والتبصر، وكل ذلك من أجل أن تتفجر أمامها

الحكمة حيث السعادة الحقيقية.

وعلى هذا األساس فإن الفلسفة تفضي إلى التشبه بالله عز وجل وذلك بقدر        ما تسمح طاقة اإلنسان العقلية والنفسية. وأن المرء عندما يبلغ هذه الحالة

المرموقة )يصبح قدسيا وعادال وحكيما( كما يقول أفالطون في الجمهورية، وأنه ال يصبح اإلنسان فيلسوفا إال إذا انبثقت األفكار في نفسه وكانت معبرة عنه هو، ال أن

تكون صدى ألفكار اآلخرين.

هذا هو معنى الفلسفة على رأي أفالطون، وليست الفلسفة أن يتلقى المرء        الحكمة من أفواه اآلخرين أو من بطون الكتب حيث يرددها بشكل حروف وأفكار

ميتة ال حياة فيها. فالفلسفة، كما يرى أفالطون، تحيا بأصحابها وتموت عندما تنفصلعنهم.

أما أولى المزايا التي يجب أن يتمتع بها الفيلسوف فهي أن يكون محبا        للحكمة التي تفضي إلى الحقيقة وأن يكون لديه رغبة غير محدودة في التعرف على

سائر األشياء والموجودات. أن يبغض الكذب، ويميل إلى الصدق ويحتقر اللذاتh للعجرفة الجسدية المحسوسة، وأن يكون قانعا ال يكثرت بمال أو جاه، محتقرا

والكبرياء ال يخشى الموت ألنه مصير كل البشر والكائنات الحية، وأن يكون عادال محبا للجمال، وصاحب ذاكرة قوية وفطرة موسيقية متناسقة. "ومن لم تتوفر فيه

هذه الصفات فال سبيل إلى بلوغه الفلسفة". ويقول الدكتور عبد الرحمن مرحبا في كتابه )مع الفلسفة اليونانية( أن أفالطون جعل من الفيلسوف كائنا فذا ذا مدارك

سامية، وفكر حر، وحدس قوي، وطباع دمثة وخاطرة سريعة.

راجع الضحى العدد السابع– مقتبسات من أفالطون )أبو الفلسفة اليونانية(        .1995 آذار –والثالثون

إن طرح أفكار أفالطون وسيرته الذاتية مفيد من النواحي الحضارية       h قبل ما يزيد على ألفي سنة من اآلن. والوجودية كما كانت سابقا

وكان أفالطون الحكيم ينتمي إلى أسرة عريقة. ويعود تاريخ ميالده إلى سنة       h. وهذا ما أجمعت عليه كتب الفلسفة وبرع الشاب في جميع381 ق.م. تقريبا

نواحي الحياة تقريبا فنبغ في الموسيقى والرياضيات والبالغة والشعر. كان حسن المظهر جميل الخلقة حتى افتتن به الرجال قبل النساء وكان بارعا بألعاب الرياضة

مشهورا بقوته وقوى بنيته الجسدية، وحارب في عدة معارك ونال عدة جوائز في الشجاعة. "وعندما كان في سن العشرين تعرف على الفيلسوف الكبير "سقراط"،وتعمق بدراسة فكر وتعاليم وأنظمة "فيثاغوراس". وبعد ذلك انشأ أفالطون سنة )

(900ق.م.( "األكاديمية" التي ظلت مركزا وعاصمة للعلم والفلسفة طيلة )386سنة. وكان شعاره على مدخل األكاديمية "لن يدخل هذا المكان إنسان بال هندسة".

علومه:

ابدع في الفلسفة والمنطق والرياضة واألدب والموسيقى وال زالت مؤلفاته       المترجمة إلى كافة لغات األرض تدرس في أرقى الجامعات العالمية.

نظرته إلى الكون:

تتلخص نظرية "أفالطون" إلى الحياة والكون من خالل كتابه "الجمهورية"        وهي التي تخلو من الشوائب الخلقية والفوارق الطبقية بين أبناء الجمهورية. وربما المقصود بالجمهورية التي طرحها أفالطون المجتمع المثالي الذي قد ال يتحقق في

الحياة الدنيا المليئة بشرور الماديات ونزعات اإلنسان للثروة والريح واالستغالل والشهوات الجسمانية الفانية وليس طرح السياسي كما فسره معظم الفالسفة في

العصور الالحقة.

وهذا المفهوم لـ "الجمهورية" عبر عنه الفيلسوف األكبر في إطار منظومة       األفكار العلمية المجردة التي آمن بها ودافع عنها طيلة حياته.

روح العالم، يحرك كل شيء وينظمه حسب القوانين– باعتقاده – "فالله         واألشكال األزلية وهي األفكار التي ال تتبدل والتي تكون الكلمة أو الحكمة أو "المثال أو الصورة" اإللهية أو "عقل" الله وأرقى الصور أو األفكار هو الخير،

ويستطرد أفالطون أحيانا بقوله: "إن الخير أحيانا هو الله نفسه". وبوجه عام يرى فيلسوفنا العظيم "أن الله هو أداة الخلق الهادية المرشدة والشكل األعلى الذي

تنجذب إليه كل األشياء". إن إدراك هذا الخير ورؤية هذه الصورة أو المثال األعلى الذي يشكل عملية الخلق هما أسمى غاية تبتغيها المعرفة ويعتقد أن المادة ليست

حقيقة أساسية بل هي مجرد مبدأ من القصور الذاتي، وتتحدد قيمتها، أي المادة، بمدى ما يعطيها الله )سبحانه( شكال وروحا وكيانا مطابقا لفكرة من األفكار. والروح

هي القوى المتحركة بنفسها الموجودة في اإلنسان والروح قوة حيوية خالصة، مجردة من الجسم، وخالدة. وقد وجدت قبل الجسم، مجردة من الجسم، وجاءت

معها، من حلولها في أجسام سابقة، بذكريات كثيرة إذ أيقظتها الحياة الجديدة. وإذا مات اإلنسان تنتقل روحه التي فيه إلى جسد آخر حيث تذهب الروح الفاضلة في

نهاية المطاف إلى جزائر المباركين في الجنة كما تذهب الروح الشريرة إلى أوديةالجحيم وبئس المصير.

أفالطون والمساواة:

"يجب أال تكون الطبقات وراثية، وأن يكون للبنات من فرص مثلما لألوالد،        وأال تمنع النساء من تولي مناصب الدولة ألنهن نساء. ويعتقد أن على مساواة

المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، يتركب مجتمع يسر الفيلسوف أن يعيشفيه".

وخالصة القول أن عرض ومناقشة أفكار فيلسوفنا العظيم تحتاج إلى أكبر        وأوسع من هذه العجالة. وإذا نظرنا بالتفاصيل التي يعرضها أفالطون للدفاع عن مدينته الفاضلة وفكره التوحيدي يجوز لنا القول عندئذ إن أفالطون كان مسيحيا مؤمنا قبل السيد المسيح )عليه السالم(، وكان مسلما حنيفا قبل نزول الرسل

وظهور النبي محمد )ص(.

راجع الضحى العدد الثامن– مقتبسات من الفكر التوحيدي عند اليونان        .1996 كانون األول –والخمسون

ثنائية النفس والجسد عند أفالطون:

اإلنسان عند أفالطون مؤلف من جوهرين النفس والجسد. وقد أخذ أفالطون        فكرة وجود النفس قبل الجسد من تعاليم فيثاغوراس. اإلنسان يحلم في النوم

واليقظة، ويعيش في الحقيقة ال في الحلم، فمن يعرف وجود الجمال المطلق، ومن يمكنه أن يرى جمال الحقيقة هذا واألشياء األخرى معا، التي تشاركه فيه، ال يخلط

حينها الجميل بالذات أو الجمال بالذات مع هذه األشياء. هذه الثنائية تعطي الحقيقة لموضوعات المعرفة، وملكة المعرفة للعقل، إنه مثال الخير الذي يتميز عن العلم

والحقيقة ويفوقهما جماال.. برأي أفالطون هناك عالمان: عالم مرئي وعالم معقول، العالم الحسي هو عالم التغير، بينما العالم العقلي هو عالم الثبات. إن العالم الحسي هو موضوع )الظن والرأي( بينما موضوع اإلدراك والمعرفة الثانية هو

)الحقيقة األزلية(. المعرفة الحق عند أفالطون هي التي ندركها بالعقل ال باإلحساس والتجربة، ألن العقل هو الذي يوصل اإلنسان إلى الحقيقة، أما التجربة فهي ال تثبته على هدف معين ألنها كثيرة التبدل والتغير.. يتمتع أفالطون بمقدرة حدسية كبيرة، مع خيال غزير خصب ودقة مالحظة مميزة. إن النفس تطلب المعرفة بينما الجسد تحكمه الحاجات والغرائز. لذلك يقول أفالطون إن جمال األنفس أسمى من جمال

h شريفة مودعة في جسد قبيح تعلق بحبها األجساد بحيث أنه كلما صادف المرء نفسا وبمودتها. لذا، فإن السلوك اإلنساني يجري في منابع ثالثة رئيسية هي الرغبة،

العاطفة والمعرفة. إن الرغبة والشهوة والباعث أمر واحد، كذلك العاطفة والروحh، كما أن المعرفة والفكر والذكاء والعقل أمر والطموح والشجاعة أمر واحد أيضا واحد، الفكر هو حوار النفس بينها وبين ذاتها. كل إنسان يجب أن يحصل على ما

يساوي إنتاجه، وأن يؤدي العمل الذي يتناسب مع طبيعته ومقدرته.

فاإلنسان العادل هو اإلنسان الذي وضع نصب عينيه الحق. في األخالق ال        نحتاج إلى بدع مفزعة، إن علم األخالق يبدأ مع االجتماع والتنظيم. فاألخالق هي فيh إن لم يكن التعاطف مع الفقراء. ويعتقد أفالطون أن الشعب ال يمكن أن يكون قويا مؤمنا بالله، وهو إله حي يستطيع أن يحرك الخوف في القلوب التي استولت عليها األنانية الفردية ويحملها على االعتدال في مسلكها والسيطرة على عواطفها. وإذا

أضيف إلى جانب اإليمان بالله اإليمان بوجود حياة أبدية في اآلخرة، فإن ذلك يمدنابالشجاعة في مواجهة الموت.

وبما أن النفس عند تلميذ أفالطون "أرسطو" هي صورة الجسد، ال بد من عالقة وثيقة بين النفس والجسد.

كذلك اإلحساس هو فعل للنفس يتم بمشاركة أعضاء الحس. ال شك أن اإلنسان ذو حياة نباتية وحياة حاسة، فالطبيعة تفرض عليه أن يحيا حياة عقلية

توصله إلى الخير والسعادة. ولكن كيف يستطيع اإلنسان أن يصل إليها؟ إن وصول اإلنسان إلى السعادة رهن بسلوكه المتفق بطبيعته مع شروط الحياة الخاصة، ألنه

ذو نفس ناطقة تفكر في الوجود وتعقل ذاتها. من العدل أن نعترف أن الحقيقة المطلقة عسيرة المنال، وال يمكن نيلها إال بتضافر الجهود.

أخالق اإلنسان ليست بنت المصادفة، إنما هي نتاج قوانين ثابتة تصلح وتفسد، ترقى وتنحط... فإذا عرفنا تلك القوانين استطعنا إصالح ما فسد من أخالق شخصh قانون ثابت، ولكن مدى تأثيره غير بقدر ما يسمح استعداده وطبيعته. فالوراثة مثال

محدد وعلى الرغم من ذلك نسترشد به لمعرفة ما نجهله.

إن المعرفة عند أفالطون تتعلق بـ "الوجود" بينما الجهل بـ "الالوجود". وموضوع الوجود هو العلم، والعلم هو معرفة ماهية الوجود، بينما موضوع المظاهر

هو الرأي والرأي هو أدنى من المعرفة وأعلى من الجهل. إن المعرفة ملكة النفس الخالدة التي كانت قد أبصرت الجمال المتألق قبل أن تحل في الجسد. عندما تسكن النفس الجسد البشري تنسى معرفتها تلك. ألن الجسد يعيق المعرفة

الحقيقية وهو مصدر ارتباك النفس ويجرها إلى عالم التغير والنسيان. عندها تدخل الروح عالم البقاء واألبدية والخلود والثبات تسمى هذه الحالة التي تكون فيها الروح بالحكمة. إن المثل العقلية المجردة عن الجسد هي الوجود الحقيقي. اللذة والخير شيء واحد، واللذة تنشد الخير، والعمل الذي يعود علينا باللذة هو عمل الخير بينما

األعمال التي تسبب آالما هي أعمال شريرة. فالعيش بدون لذة هو الموت بعينه.h في وقت واحد. إن اللذة ليست السعادة h وشقيا واإلنسان ال يمكن أن يكون سعيدا واأللم ليس الشقاء. خالل الفرد في حكم العقل ال في حكم الذات. فكل من سار على هدي الفالسفة وتعلق بآرائهم بهذا األمر فقط يبلغ شاطئ الحقيقة واألمان.

فالفالسفة أصدقاء الحقيقة، وهم خشبة خالص الدول واألفراد.

راجع الضحى العدد–مقتبسات من ماهية المعرفة عند أفالطون وأرسطو .1998الواحد والسبعون كانون الثاني

الروح ومطلقية الخير والشر:

h رائعا، مقارنا الروح        وصف أفالطون في محاورة "فيدروس" الروح وصفا الخيرة والروح الشريرة بحصانين مجنحين أحدهما سهل القياد، جميل الشكل، قبيح

الخلق، ثم حدد كيفية وجودهما. وأضاف أن الروح الشريرة يمكنها أن تغير ما هيعليه بأن تنهل من معين العلم الحقيقي وتحيا بالفضيلة.

h من محاورة القوانين، عرف أفالطون الروح        لكن في الكتاب العاشر أيضا بقوله، أنها من بين الحركات العشر هي الحركة الوحيدة التي تحرك نفسها وتحرك

غيرها، وهي الحاكمة للجسد والمحركة له والمدبرة والمتممة ألفعاله. ووصف الروح الخيرة العاقلة بأنها هي الروح التي تنظم السماوات والعالم، أما الروح الشريرة فهي سبب كل مصائب هذا العالم ومآسيه، ولها العقاب قصاصا وجهنم مستقرا

وبئس المصير.

أفالطون والتقمص:

قال أفالطون الحكيم في الكتاب العاشر من محاورة الجمهورية الشهيرة ما       نصه:

"إن اإلنسان روح وجسد، والجسد ذاك المركب يمكن تحليله وتدميره كما        تفسد كل المركبات بعوامل عدة، والمرض يستطيع أن يحلل الجسد المركب هذا. أما الروح ذلك الجوهر البسيط األزلي فهي خالدة، وال أحد يتمكن من تدميرها، ال الشر وال عوامل الكون والفساد، بل هي باقية إلى األبد وخالدة. وبما أن األرواح

خالدة، فاالستنتاج الحقيقي أنها هي نفسها على الدوام، ألنه إذا لم يدمر أحدها فإنها

ال تنقص في العدد كال ولن تزيد، ألن ازدياد الطبائع الخالدة يجب أن يأتي من شيءفان، وهكذا فإن كل شيء سينتهي في الخلود وهذا محال".

وأورد أفالطون الحكيم في محاورة اسمها "مينو"، نظرية التذكر بعد الوفاة،        أي أن اإلنسان يتذكر ما فعله وما علمه وما تعلمه في حيواته السابقة سواء كان

h أو شرا. وقال أفالطون أن كل العلوم وكل التحقيقات وكل التساؤالت ال لذلك خيرا تكون سوى تذكر. غير أن أفالطون الحكيم في محاورة "فيدون"، أعطى شرحا

وافيا لما يتعارف عليه بالحياة والموت، وكان المتحاورون الرئيسيون فيها سقراط الحكيم و "سيمياس" و "سيبياس" الفيلسوفان. أورد أفالطون في هذه المحاورات

ذات األدب الكالسيكي العالمي اإلثبات وهو أن لكل شيء ضدا في الحياة؛ فالحرارة ضدها البرودة، والرطوبة البيوسة، والنهار الليل، واليقظة النوم، وهكذا فنحن نقدر

على أن نذكر عشرات اآلالف من المضادات المشابهة. فكما الحرارة تتولد من البرودة والعكس بالعكس، كذلك يكون بالنسبة لكل المضادات، فهي تتولى من

بعضها بعضا. وكما أن اليقظة تتولد من النوم فإن النوم يتولد من اليقظة، وال يمكنh وال ينام، أو أن ينام وال يستيقظ وبما أنه توجد حياة ألي إنسان أن يبقى مستيقظا

ويوجد موت، فنحن ال نستطيع أن نفترض إننا نحيا ونموت وال نحيا من جديد، نكون حينها كمن يفترض أن الطبيعة عرجاء وتسير على رجل واحدة، وكمن يفترض أن

الكون يسير طبقا لخط مستقيم يبدأ به وليس ينتهي، وأن ال عودة للعناصر إلىبعضها.

h لنظام        لكننا نرى بالعقل والبصيرة أن كل شيء في الوجود يتبع ويسير وفقا الدائرة، حيث يبدأ من نقطة ومن ثم يعود إلى النقطة التي بدأ منها كي يستمرh، هكذا يكون نظام الطبيعة وهكذا هو مسارها، فالنجوم الالمعات h متجددا جديدا

h والشمس والقمر والنظام الشمسي وكواكبه، كل في فلك يسبح أي الباقيات أبداكل له مداره ومساره بإرادة العزيز الحكيم. أنه نظام كامل متكامل له مدبره.

الحق يقال أن أفالطون الحكيم كان له بالغ التأثير على بلورة وصياغة أكثر        األفكار العالمية، فتأثرت بأفكاره الديانات الرئيسية الثالث اليهودية، المسيحية،

واإلسالم. كذلك أخذ عنه كبار المفكرين والفالسفة والصوفيين في الشرق والغرب، أخذوا عنه تعاليمه وكتبوا ما كتبوا. وأفالطون الحكيم تلقى تعاليمه من معلمه

"فيثاغوراس" الذي وضع أسس أفكار عقيدة التقمص، والتذكر بعد الوفاة، ووحدة الوجود، والموسيقى، والهندسة، والعدد، والعلوم، وما شاكل ذلك. ثم أتى بعده

h، باحثا في كل علم وفن، تلميذه أرسطو المعلم األول، الذي ألف اثني عشر مجلدا وله كتاب قيم عن الروح، ولقد أكد خلودها بانتقالها من جسد إنساني إلى جسد

إنساني آخر، شأنه في ذلك شأن كل الفالسفة الحكماء.

راجع الضحى العدد التاسع– مقتبسات من التقمص )هذا السر العظيم(        (.1995والثالثون )أيار

أرسطو طاليس:

من هو؟ مولده وحياته:

ولد أرسطو في "اسطاغيرا" في آسيا الصغرى وهي مدينة قديمة كانت تابعة        لبالد اليونان. تقع هذه المدينة على بحر إيجة اليوم. وكان والده "نقوماخوس" على

صلة بالملك "أمنتاس الثاني المقدوني" حيث كان يشغل وظيفة طبيب البالطالملكي.

و "أمنتاس" هو والد "فيليب المقدوني" وجد االسكندر األكبر. وكان من عادة        اليونانيين أن يدرب الطفل على صناعة أبيه. لذلك تلقى الطفل أرسطو العلم على

يد أبيه أوال قبل أن يتلمذ على يد أفالطون. وتروي بعض المصادر أن أرسطو هو الفيلسوف الوحيد الذي ظل مالزما أفالطون أثناء إلقائه محاضراته عن الروح في

ق.م. دعاه فيليب كي يؤذب ابنه اإلسكندر، واستمرت فترة التعليم أربع343سنة ق.م. المدرسة لتعليم البالغة334سنوات. وافتتح في أثينا بعد عودته إليها سنة

والفلسفة، وكان يلقي المحاضرات على تالميذه وهم يمشون. لذلك لقب اتباعه"بالمشائين".

تدعي مصادر الفلسفة أن أفالطون وأرسطو يجمعان نهجين متعارضين في        الفلسفة. نهج التصوف والنهج الطبيعي مما يتناقض مع التعاليم التوحيدية، فشخصية

العلمي الذي اقتبسه عن والده–أرسطو تتأرجح بين نهجين: النهج الطبيعي الطبيب، والنهج الصوفي الروحاني الذي اكتسبه من معلمه أفالطون. ففيزياء

أرسطو تختلف عن علوم الفيزياء الحديثة بحيث أنها تركز على الزمان والمكان والحركة كظواهر تكمن أهميتها كوسيلة للمعرفة وليس كغاية يتوقف عندها اإلنسان

ويطورها ألسباب مادية. فعلى سبيل المثال، ما ابتدأ بنظرية للحركة عند أرسطوأدى إلى نظرية "المحرك الذي ال يتحرك" )أي العلة األولى أو الخالق(.

أعماله ومؤلفاته:

انقسمت محاضراته إلى قسمين:

دروس عامة إلى الطلبة المبتدئين.       -

 .دروس في الشعر والبالغة والسياسة واألخالق إلى الطلبة المتقدمين       -

كان يكلف تالميذه جمع المعلومات عن الطبيعة وعلومها والفلسفة وأبعادها ودساتير المدن اليونانية وممالكها. وكتب أرسطو العديد من المحاورات ألنصاف

 المتعلمين ال زالت تعتبر بموازاة محاوالت أفالطون الحكيم.

بلغت مؤلفاته المتبقية لديه قرابة أربعين كتابا وما يزيد على ثالثمائة وستين        بحثا في مختلف شؤون الفكر. إن أفكاره بوجه عام يمكن وصفها بـ " الحكمة

المتحفظة الخليقة بصديق الملوك الذي يعيش من رفدهم".

ويمكن تقسيم ما بقي من رسائله إلى:

رسائل في المنطق: مقوالت، شروح، تحليالت سابقة، تحليالت الحقة،    -1موضوعات واستدالالت.

علوم: طبيعة ميكانيكا – هيئة – علوم فلكية.    -2

علوم أحياء: تاريخ الحيوان – حركاته – تناسله...    -3

علوم النفس: الروح وماهيتها – طبيعة العالم.    -4

ما وراء الطبيعة.    -5

علم الجمال: البالغة والشعر.    -6

علم األخالق.    -7

علم السياسة.    -8

أرسطو كعالم طبيعي:

لم يشتهر أرسطو كعالم طبيعة بقدر ما اشتهر كفيلسوف.       

إن رسالته في المنطق ومنهجه االستداللي غاية في الدقة والتماسك مما        جعل هذه الرسالة دليال للمناطقة على امتداد ما يقارب ألفي عام. ومما تمتاز به

طريقته المنظمة انه قسم المظاهر الرئيسة التي يمكن دراسة أي شيء بمقتضاها إلى عشرة أقسام: المادة، والكم، والكيف، والعالقة، والمكان، والزمان، والموضع،

والملك، والفاعلية، واالنفعالية.

ويعتقد أرسطو أن الحواس هي آلة المعرفة، وأن القوانين العامة تكونت من       مشاهدات لألشياء المتماثلة، فهي مدركات وليست أشياء.

ويقدم أرسطو أطروحته الشهيرة القائمة على مبدأ تناقض األشياء حيث        اعتمد هذا المبدأ كأساس لعلم المنطق. ويعتبر "أن الصفة ال يمكن أن تكون من

صفات الشيء الواحد ومن صفاته في العالقة الواحدة".

وأرسطو في كتابه "الطبيعة" ال يسعى وراء اكتشافات جديدة بل يهتم بوضع        التعاريف الواضحة للمصطلحات المستعملة في هذا العلم كالمادة، والحركة،

والمكان، والزمان، واالستمرار، والالنهائي، والتغير، والنهاية، فالحركة والمكان عنده مستمران والشيء الالنهائي موجود بالقوة ال بالفعل. وهو يحس ما برهنه "نيوتن"

فيما بعد بعدة قرون حول نظام وقانون الجاذبية.

ويثبت أرسطو قانون الروافع بقوله: كلما كان الثقل المحرك بعيدا عن نقطة        االرتكاز كان اقدر على تحريك الجسم )قانون فيزيائي(. ويعتقد أن األجرام

السماوية كلها كرات – ويؤكد ذلك بالنسبة لألرض – ألنه ال يستطاع تفسير شكل القمر إذا خسف بسبب اعتراض األرض بينه وبين الشمس إال إذا كانت األرض

كروية. وتعتبر رسالته في الظواهر الجوية عظيمة الخطورة من الناحية التاريخية ألنها ال تستند إلى القوى الخارقة للطبيعة، بل يحاول أرسطو أن يرجع ما في الجو

من تقلبات تبدو له غير منطبقة على قوانين الطبيعة إلى أسباب طبيعية تعمل متعاقبة وفقا لنظام محدد ولم يكن مدتها ابتكارات العصر الحديث بآالت دقيقة في

الرصد والقياس.

علم األحياء:

أما بحوثه في علم األحياء فتشمل أعضاء الهضم، والخراج، والحس، والحركة        والتكاثر والدفاع... ومن أبرز قوانينه للحفاظ على الجنس البشري قوله: "إن حياة

اإلنسان تدور حول بؤرتين: األكل والتولد. فلألنثى عضو يجب أن يعد مثابة مبيض أنه يحتوي على ما يكون في بادئ األمر بيضة غير متميزة. ثم تتميز بعدئذ فتصبح

بويضات كثيرة. والعنصر األنثوي يزود مادة الجنين بالطعام، أما عنصر الذكورة فيزوده بالجهد والحركة، األنثى هي العنصر المنفعل، أما الذكر فهو العنصر النشيط

الفعال".

بعد هذه المقدمة عن أرسطو، والتي تعطينا فكرة عامة عن عقله ومؤلفاته،       يعنينا بالدرجة األولى كعنوان الفكر التوحيدي وعلم اإللهيات.

اإللهيات عند أرسطو:

h إزاء هذه المسائل المعقدة رغم إيمانه أن        لقد كان أرسطو متحفظا "الموجودات غير الحادثة وغير الفاسدة هي موجودات سامية وإلهية، لذلك يقول

"أن موضوع فحصنا لهذا العلم هو الجوهر، ألن المبادئ والعلل التي نبحث عنها هيمبادئ الجوهر وعلله".

وينتقل أرسطو بعد ذلك إلى تعداد أنواع الجواهر فيقول: "يوجد ثالثة أنواع        من الجواهر: اثنان منها طبيعيان متحركان يدرسهما العلم الطبيعي، والثالث أزلي

غير متحرك واجب الوجود لذاته، وهذا هو العلم اإللهي. نستنتج من ذلك أن الفيلسوف وضع جوهرا محركا ثابتا للعالم في قمة الوجود. واعتبر أن هذا المحرك أزلي ثابت وبذلك برهن أرسطو وجود الله عن طريق برهانه لوحدة الكون األزلية

وسالمة تنظيمه. ويعتقد أن الله موجود ألنه المطلق الذي يقابل "بالنسبة" التي نعاني منها في التجربة اإلنسانية. وهو يتفق مع أفالطون أن الله "جوهر" غير مادي

– وغير جسماني تنجذب إليه الموجودات في الكون وال ينجذب إليها.

والله هو الجوهر االسمى ألنه ال يحتاج إلى سند خارجه لكي يتحقق به وجود        بينما األشياء المادية ال يتحقق وجودها إال بوجود المادة المكونة لها في الخارج

واألمثلة كثيرة على ذلك منها وجود اإلنسان وتكونه )عند الزواج(، وكذلك التمثال اليوجد دون الرخام.

ومن هنا نستطيع القول أن مفهوم "الله" عند أرسطو يتمحور حول "صورة        خالصة مع أنه موجود مفرد بذاته". والله فعل محض وصورة خالصة وقائم بذاته

وحاصل على وجود حقيقي إيجابي، ولهذا فإن فرديته تمتاز من فردية الموجودات األخرى من حيث إنها ترجع إلى عدم افتقاره إلى الغير في وجوده، فهو موجود

مفارق يكفي ذاته بذاته".

الموجود األسمى:

واإللهية عنده حسبما ورد في المصادر المعلومة أن الله هو الموجود األسمى،        وأنه ال يوجد معقول لديه أسمى من ذاته، فهو "سبحانه" يعقل ذاته. لذلك إن الله

عاقل ومعقول في آن واحد.

وينتقل بعدها معلم العقل إلى البرهنة على وجود الله من خالل األفالك،        وبركة السماء الدائرية، وحركة الكواكب، معتبرا أن الله محرك كل شيء في الكون

يحرك وال يتحرك، موجود في العقل، يرى في البصيرة وال يرى في البصر.

ويؤكد بعد ذلك أن العالم واحد ألنه إذا وجدت عدة عوالم فستكون مبادؤها        المحركة واحدة من حيث الصورة، كثيرة بالعدد ولكن الكثرة تأتي عن طريق المادة

وألن تعريفها واحد ينطبق على سقراط وغيره من البشر من حيث أن كل واحدمنهم "إنسان وأن المادة الجسمية لكل منهم تجعلهم أفرادا متعددين".

لكن المبدأ األول )الله( مفارق ال مادة فيه، ألن الحقيقة كاملة، وهو واحد من        حيث العدد ومن حيث الماهية والتعرف، وفعله واحد ال يتغير أي أن موضوع حركته الذي يتحرك دائما وباستمرار ال بد أن يكون موجودا واحد وإذن فال يوجد غير عالم

واحد.

وخالصة القول إن دراسة أرسطو تحتاج إلى مجلدات من البحث والتنقيب        والتفكير العميق. ونرى في كتاباته العظيمة المتشعبة في رحاب العلم والعقل من

البهجة ما في أفالطون، ومن الفكاهي ما في "ديوجين". في إطار معرفي شمولي،ونجد من الحكمة المتحفظة الخليقة بصديق الملوك الذي يعيش من رفدهم.

مقتبسات من أرسطوطاليس )فيلسوف العقل والعلم( – راجع الضحى العدد       .1997الرابع والستون – حزيران

إرتباط األخالق بالعقل وليس بالقوانين الجامدة: )الوسطالذهبي(:

يعتبر أرسطو أن هدف الحياة ليس )الخير في ذاته(، بل )السعادة(، ألننا نختار        السعادة لذاتها، ال لشيء آخر، ونحن نختار الشرف والسرور، واإلدراك. ألننا نعتقد أننا نصل من خاللها إلى السعادة، ونكون سعداء بفضلها، ولكن أرسطو يعترف أن

h تسمية السعادة بالخير األسمى مجرد حقيقة أولية، وما يريده هو تفسير أكثر وضوحا لطبيعة السعادة، وطريق الوصول إليها. ويمتاز اإلنسان عن غيره من المخلوقات

بقدراته الفكرية، لذلك يمكننا أن نفترض أن تطور هذه المقدرة الفكرية سيحقق لهالسعادة.

h للسعادة. وتتوقف الفضيلة على ضبط        عندئذ تكون ديمومة العقل شرطاh لإلنسان البسيط ولكنها النفس وتناسق الرغبات وفن االعتدال، وهي ليست ملكا

نتيجة خبرة اإلنسان المتطور جدا. مع ذلك هناك طريق لبلوغ السعادة ومرشد لبلوغ الفضيلة. وهي الطريق الوسط الذهبي، حيث على اإلنسان أن يدرس الظروفh على القوانين األخالقية فقط كمرشد الخارجية ويحكم عقله في قراراته معتمدا

وليست كالعنصر المقرر وآخذ بعين االعتبار طبيعة الحياة المتغيرة. فالقوانيناألخالقية )بنظر أرسطو( ال ينبغي أن تحجب عنصر العقل الذي يمتاز بالتجدد الدائم.

الصداقة )الفضيلة العليا(:

يعتقد أرسطو في فلسفته أن أنبل األمور التي تساعد في الوصول إلى        السعادة هي الصداقة. الصداقة الحقة تقتضي الدوام ال االنقطاع المستمر، وهذا

يعني االستقرار في األخالق، وانحالل الصداقة يعود إلى تذبذب المواقف األخالقية في الشخص، كما أن الصداقة تفترض المساواة. المعرفة الحسية والعقلية: هي

المعرفة المستمدة من الحواس. لكن اإلدراك الحسي ال يطلعنا على طبائع األشياء، بل يطلعنا على خواصها. فالمعرفة الحسية تقوم على إدراك الجزئيات المتغيرة، أما

المعرفة العقلية فتقوم على إدراك الكليات الثابتة. لكل موجود من وجوده مرتبةh بذاته، فعلمه علة لوجود الشيء الذي مفردة، تظهر األشياء منها ويكون عالما

يعلمه. لكن على الرغم من أن أعمال الخير والعالقات الخارجية ضرورية للسعادةh يبقى في داخل روحنا المحضة، إن اإلنسان المثالي فإن جوهرها الالمتناهي معرفيا

في رأي أرسطو هو الذي ال يعرض نفسه بغير ضرورة للمخاطر، ولكنه علىh أن استعداد ألن يضحى حتى بنفسه في األزمات الكبيرة والمسائل المعقدة، مدركا

الحياة ال قيمة لها في بعض الظروف. ألن الحياة السعيدة تتطلب المعرفة الحقةh. بحيث يصبح واإلدراك المتميز. إن أرسطو يدمر النفس ويجعل للعقل أبدية وخلودا

h منه أو من الفكرة المجردة. اإلنسان جزءا

مقتبسات من ماهية المعرفة عند أفالطون وأرسطو – راجع الضحى العدد       .1998الواحد والسبعون كانون الثاني

منطلقات فلسفة المعرفة واتجاهاتها:

اقترنت المراحل األولى لتكون الوعي، بتحول اإلنسان من الحالة البيولوجية        البحتة إلى الحالة العقلية، أي أن الفطرة الطبيعية لإلنسان في مرحلة ما قبل

الوعي الثنائي )التي عبر عنها الوجود البشري في األزمان التي سبقت عصر آدم األخير(، كانت تبدو وكأنها مزودة بوعي كوني يتعدى حدود الوعي الحسي والعقلي بالمعنى الخاص للكلمة. ومن هنا فإن حاجة اإلنسان إلى المعرفة كانت ناجمة عن

شعوره المتدرج بأنه مسير في إطار المكان والزمان والحركة بصورة إجبارية استجابة لمقتضيات وضرورات وجوده )في العصر اآلدمي األخير( مما جعل نسمة الوعي الكوني البدئية، التي زودت الكائنات العاملة بإكسير المعرفة، تبدو وكأنها

مغيبة بوصفها طاقة مستقلة بذاتها خلف اإلحساس بوطأة المادة وكثافتها، وضغط الحاجة القهري لتلبية الغرائز الطبيعية، ومواجهة مختلف التحديات التي تواجه

اإلنسان، ال سيما تحدي البقاء والمعاناة الناجمة عن التواصل المتناقض بين ظاهرتي الموت والحياة. وفي العصر اليوناني اتسم سعي اإلنسان للحصول على المعرفة بطابع فلسفي، واقترنت تساؤالته بالحيرة والدهشة حول طبيعة األشياء، وماهيتها وعالقاتها وتأثيراتها المتبدلة، إال أن عدم قدرته على تعليلها وفهم كنهها كان يحثه

على المزيد من التفكير والتأمل لمعرفة رموزها وأسرارها وقوانينها.

h مسائل معرفية تبحث في فلسفة اإلحساس        لقد عالجت الفلسفة إجماال واإلدراك الحسي، والعقل، والنفس، والطبيعة وما وراء الطبيعة، ولقد اهتمت

الفلسفة اليونانية القديمة بوسائل المعرفة ابتداء من أشكالها الحسية البسيطة، وانتهاء بأشكالها وصورها التأملية المعقدة، وكان البحث عن الحقيقة المطلقة يمثل

القاسم المشترك بين مختلف اتجاهاتها، أو مساراتها الفكرية المتقاربة أو المتباعدة، فعلى سبيل المثال اعتقد ممثلو الفلسفة الطبيعية بأن العنصر األساسي لوجود

العالم هو )الماء( وظن أخرون بأنه )النار أو الهواء(، ومن فلسفة الطبيعة انبثق علم ما وراء الطبيعة )الميتافيزيقيا(. في هذا المناخ ظهر )اإليونيون( الذين اهتموا في

البداية بدراسة الطبيعة ثم تحولوا إلى البحث في جوهر المادة أي )الهيولى(h )الفيثاغوريون( الذين حاولوا دراسة النظام الكوني وحركتها األبدية، وظهر أيضا

بواسطة الرياضيات وبحثوا في الوحدة والنسبة وتوافق األضداد والعالقات الكامنة في األشياء واعتبروا أن كل شيء سيؤول إلى )العدد( الذي يشكل أساس العالم

وروحه وأن األشياء ليست سوى اعداد محسوسة، وكما أن العدد يمثل )روح األشياء( فإن الوحدة تمثل )روح العدد(. لقد أعطت الفلسفة الفيثاغورية للرياضياتh وتحويل العناصر الرياضية h مجردا h رياضيا مكانة "كونية"، عبر تفسيرها للعالم تفسيراh في نظرة "أفالطون" h واضحا إلى كيانات ومبادئ مجردة، وقد ترك هذا اإلتجاه أثرا إلى الرياضيات ومذهبه المثالي الذي يقول بأن عالم األشياء إنما هو انعكاس لعالم

المثل )الصور أو العالم الصوري( واألفكار المطلقة. وكان "سقراط" الذي ابتكر طريقة الجدل اللفظي، المعتمدة على الحوار والتي تحاول أن تصل إلى الحقيقة

من خالل تعارض اآلراء، وقد صاغ "أفالطون" هذا األسلوب ضمن إطار نظري فكري وLa Republiqueفي العديد من مؤلفاته وعلى األخص )المدينة الفاصلة(

"برميندس"، والتي ضمنها حوارات فلسفية يقوم على أساسها مبدأ التناقض ونفيh للسفسطائيين الذين ينكرون إمكانية معرفة حقيقية األشياء الرأي األخر، وهو خالفا فإن "أفالطون" يقول بأن هذه المعرفة ممكنة بالبرهان العقلي فقط، وبذلك يعثر "أفالطون" من العقالنيين ألن الحقيقة التي ينشدها من نتيجة الجدل الفكري تعتبر

من حيث الشكل حقيقة منطقية عقلية ألنها تجسد الرأي الذي يسود في النهاية ويعتبر حال للتناقض كونه يمثل الوحدة بين األضداد أو األفكار المتعارضة بوصفها

حقيقة منطقية ال موضوعية، ومع ذلك فإن الشرط الذاتي مستمد من نظرية)المثل( التي انبنت عليها فلسفة "أفالطون".

وبالرغم من أن الفلسفة الحديثة قد اعتمدت على تقدم العلوم الطبيعية إال        أن الفلسفة اليونانية القديمة، ال سيما فلسفة "أفالطون" و "أرسطو"، قد أثرت

h على مجمل تاريخ الفلسفة، ويعود الفضل للفالسفة اإلغريق في صياغة h عميقا تأثيرا المقوالت الفلسفية األساسية التي شكلت الموضوعات الرئيسية للبحث في مختلف

العصور، وتبعا لذلك فقد اختلف الفالسفة وعلماء النفس حول حقيقة المعرفة وحدودها ومنابعها ومعاييرها الصحيحة، وتساءلوا عن إمكانية التوصل إلى المعرفة

الكاملة، ودور اإلدراكات الحسية والعقلية والنفسية في معرفة حقيقة األشياء وجوهرها، وهل الحقائق مطلقة أم نسبية، كل هذه األسئلة راودت أذهان الفالسفة

وتباينت آراؤهم بصدد القضايا المعرفية المختلفة.

لقد انقسم الفالسفة تبعا آلرائهم واتجاهاتهم المختلفة إلى فرق ومجموعات        وقد ذهب بعضهم إلى أن معرفة األشياء متطابقة مع مظاهرها الخارجية والمعرفة بهذا المعنى هي إدراكنا لألشياء كما هي في الواقع، وقد اعتقد ممثلو هذا االتجاه،

الذي اتسم بالنزعة الواقعية، بأن المعرفة هي ما ندركه عن طريق الحس المباشر وأدوات الحس الجسماني، وأن إدراك األشياء بواسطة الحواس يخلق لدينا اليقين بها وهو أصل المعرفة. وثمة فريق آخر من الفالسفة قد اعتقد بأن مصدر معرفتنا

هو اإلدراك من خالل الحواس الظاهرة والباطنة ومن مؤسسي هذا االتجاه "أرسطو". فالمعرفة الحسية من وجهة نظره هي أبسط درجات اإلدراك وأول

عناصر الشعور وهذا المستوى على بساطته يتطلب اشتراك عدة عناصر للتعرف على الظواهر الحسية المختلفة، وقد عرف "أرسطو" )اإلحساس( بأنه قبول الحس

لصورة المحسوس أو تحول الحس إلى صورة مشابهة للمحسوس. حين أعتقد "ارسطو" بأن عضو اللمس هو القلب وأن اللحم هو وسيط اللمس كما الهواء

وسيط لإلبصار.

كيف ميز الفالسفة بين اإلدراك واإلحساس؟

ويعتقد فالسفة العصر الحديث بأن فالسفة اليونان دون استثناء لم يميزوا بين       h ألننا نجد لهذا التمييز اإلحساس واإلدراك الحسي، غير أن هذا االعتقاد لم يكن دقيقا

h في فلسفة "أفالطون" و "أرسطو" حيث يذهب "أفالطون" إلى أن إدراك أساسا المحسوسات المشتركة هو من وظائف العقل ال الحس ألن أعضاء الحس ال يمكنها

إدراك الخصائص المشتركة بين موضوعات الحس وأن الذي يدرك هو النفسالعاقلة.

وهكذا نالحظ أن النفس العاقلة لدى "أفالطون" هي مزيج من الروح والعقل        والغريزة وهي التي تقارن بين موضوعات الحس المختلفة وليس الحواس، في حين يرى "أرسطو" أن إدراك المحسوسات هو وظيفة الحس المشترك ويذكر "أرسطو"

نوعين من التمييز بين المحسوسات، األول: تقوم به كل حاسة على حدة كالتمييز بين األلوان أو بين األطعام، والثاني: هو التمييز بين محسوسات مختلفة في وقت

واحد كاللون والصوت والطعم والرائحة، وهذه الوظيفة وفقا لرأي "أرسطو" ال تتعلق بالحواس الظاهرة بل بـ "الحس المشترك"، إال أن "أفالطون" كان أقرب إلىh فهو تمثل لصور وجهة نظر علم النفس الحديث عندما يقول: "إذا كان اإلدراك عقليا

المعقوالت في العقل، وإذا كان اإلدراك حسيا فهو تمثل لصور المحسوسات فيالحس".

فلسفة ما وراء العقل:

إن استخدام مصطلح )ما وراء العقل( من وجهة النظر الفلسفية يعتبر أكثر        معقولية من مصطلح )ما وراء الطبيعة( ألن الميتافيزيقا، بمعنى ما، هي العدم وإذا

كان ثمة شيء أو أشياء أو حقائق أو حقيقة مطلقة فهي ال يمكنها أن توجد في دائرة العدم حتى ولو كانت خارج نظام اإلدراكات العقلية أو الحسية، فالعقل

الحسي هو الذي يعتمد في عمله على الحواس الخمسة المعروفة إلدراك الظاهرات المادية المحيطة بنا، إال أن ثمة إدراكات نفسية وروحية ال تخضع للعقل

الحسي، بل ترتبط بنشاط )العقل الباطن(، وفكرة الحس الباطن ظهرت ألول مرة في أبحاث "أرسطو" الذي يعتبر أول عالم نفس في العصر القديم عندما صاغ

مقوالت الحس الباطن، والحس المشترك، والتخيل والتذكر، وبحث في وظائفهاالسيكولوجية واعتبر أن القلب هو مركز النفس الحاسة.

الحس الباطن:

ويرى "أرسطو" أن االنفعاالت التي يحدثها المحسوس الخارجي تبقى بعد       

زوال المحسوس، وتصبح هي نفسها موضوعا لإلدراك الحسي. وكذلك اعتقد

"أرسطو" بأن الحركات الحسية الناجمة عن االحساسات الخارجية تكمن في أعضاء

الحس الظاهرة وتغتنم الفرصة للظهور وحين يزول العائق الذي يمنعها من ذلك

تصبح طليقة وتتحرك في الدم الموجود في أعضاء الحس الظاهر حتى تصل إلى

عضو الحس الباطن وهو القلب فتنتقل إليه الحركات الحسية وتحدث فيه اإلحساس

الباطن. أن حدوث األنفعال في الحس الباطن حسب نظرية "أرسطو" ناجم عن

وصول االنفعاالت الحسية الموجودة في أعضاء الحس الظاهرة إلى أعضاء الحس

الباطنة.

الخيال والتخيل:

وتبعا لرأي "أرسطو" فإن التخيل يستمد مادة وظيفته من أعضاء الحس       الظاهرة.

ويعرف "أفالطون" التخيل بأنه "مصور أو رسام يرسم في النفس أشباه        األشياء المدركة بالحس ويأخذ من الحواس موضوعات الحس التي تصبح مادة

للتفكير "في حين ينظر "أرسطو" إلى التخيل كـ "حركة ناتجة عن اإلحساس بالفعل" ويهتم بتوضيح العالقة بين )التخيل( و )اإلحساس( أكثر من اهتمامه بتوضيح

الطبيعة الخاصة للتخيل.

العقل المجرد:

إن آلية تداعي الصور والمعاني في فلسفة "أرسطو" تعتمد على ثالثة قوانين        رئيسية هي: قانون التشابه – قانون التضاد – قانون التداعي. ومصدر هذه القوانين

حسب رأيه هو "اإلحساس".

ثالثة مصادر رئيسية تستمد منها قوانين تداعي الصور والمعاني وجودها       وقوتها وهي:

هو الحث حيث يقف اإلنسان بواسطته على التشابه أو التضاد بينالمصدر األول: األشياء أو على مصاحبتها في الزمان والمكان.

هو العقل الذي نستطيع باستعماله أن نكتشف من خالله مبدأالمصدر الثاني:العلة والمعلول.

هو العقل المجرد أو "العقل الفعال" الذي يتخطى حدود الجزئيالمصدر الثالث: إلى الكلي المجرد، وهو بذلك يتفق مع "أفالطون" و "افلوطين" بوجودh خارج العقل اإلنساني أي في العقل h مستقال h جوهريا المعقوالت وجودا المجرد أو المطلق )العقل الكلي( بحيث تصبح المعرفة شيئا ال يستمد

من الحواس وإنما من عالم المعقوالت بواسطة "الفيض واإللهام". ويحاول "إبن سينا" التوفيق بين مذهب "أرسطو" الحسي ومذهب

"أفالطون" العقلي والذي جوهره التفكير المجرد وتأمل المعاني العقلية البحتة دون مشاركة التخيل المختلط بالصور الحسية. والعقل

يصبح فعاال في رأي "إبن سينا" و "إبن رشد" عندما يتحد العقل الجزئي بالعقل الكلي، وهذا االتحاد يتحقق في رأيهم خارج المادة، أما

من وجهة علم النفس الحديث فيمكن أن يتحقق هذا االتحاد على األرض وفي إطار المادة عبر مقولة "العقل الجمعي". من جانب آخر فإن الصوفية تنظر إلى هذا االتحاد على أنه ذوبان كامل ومرحلة عليا يندمج فيها اإلنسان مع خالقه وتستخدم لذلك طقوس خاصة تتطلب تحمل األلم والمعاناة من أجل التحرر الذاتي من قيود العالم المادي

وقد تم الوصول إلى التوحد الكلي مع عالم المجردات. إن البذرة األولى لفلسفة التحرر واالتحاد )التوحيد من خالل العقل الكلي( حسب المصادر التاريخية، قد وضعها فالسفة اليونان وعلى رأسهم "أفالطون" و "أفلوطين" ويقال بأن أهم مصادر هذه الفلسفة هي "فلسفة الشرق القديم" وعلى األخص الفلسفة الهندية التي تم استخالصها من التجربة

والتأمالت الروحية التي انطلقت من فكرة البح عن "حقائق الوجود" في "الذات المطلقة" والتي ال يمكن أن تكون مجرد موضوع للمعرفة

فحسب بل يجب أن تتجاوز ذلك إلى رحاب الكون الواسعة وبما أن هذه الذات تمثل العامل المطلق فإنه يمكن "إدراكها مباشرة على أنها

الوعي الذاتي الكلي...".

الطرق المعرفية وإدراكات ما وراء العقل في النظريات الفلسفية القديمة       والحديثة.

جوهر المعرفة التوحيدية في مدارس اليونان:

عام اآلدمية،7000 في قراءة ألولى السجالت التي تناولت تاريخ رحلة الـ         نجد أن أولى اهتمامات اإلنسان الفلسفية نتجت عن صراعه في محاولة فهم

الطبيعة.

هذه االهتمامات تطورت فيما بعد لتصبح معروفة باسم الفلسفة حين اكتشف        اإلنسان ضرورة البحث في طبيعة العقل. أول فيلسوف سجله التاريخ عرف

التضارب الحاصل بين العالم الطبيعي كما تراه الحواس والعالم الذي يكشف عنه العقل أو المنطق هو الفيلسوف اإلغريقي "أناكساغوراس". هذا الفيلسوف عرف بين جميع الفالسفة كونه أول من طرح فكرة الثنائية في تفسير أصل العالم حتى

قيل إن فلسفة أناكساغوراس غيرت وجه الفلسفة اإلغريقية. فمنذ ذلك الوقتأصبح الفالسفة يصنفون في واحدة من الفئتين التاليتين:

الماديون وهم الذي يفضلون المادة على الالمادة كعنصر أساسي في الوجود       ويجعلون األخيرة نتيجة األولى.

المثاليون )أو الروحيون( وهم الذين يرفعون الالمادة على المادة ويجعلون       األخيرة نتيجة األولى.

في ذلك الوقت، قبل ظهور فلسفة سقراط، كانت جميع الفلسفات، بغض        النظر عن انتمائها إلحدى تلك الفئتين، تسعى بصدق وراء الحقيقة الموضوعية التي

h ملهمين بقدرة كان الفالسفة يؤمنون بوجودها. ليس هذا فحسب بل كانوا أيضا العقل للوصول إلى تلك الحقيقة. لذلك، فإن محاوالت ما قبل سقراط لفهم العالم

الطبيعي، بغض النظر عما صنفت به فيما بعد، تعتبر توحيدية. وذلك على قدر ما كانت موجهة نحو هدف المعرفة المتعالية عن أهداف السفسطائيين الذين واكبوا

العصر الفلسفي في اليونان.

من منطلق اإليمان التوحيدي الذي يرفع ويسبق العالم الروحي في جوهره        على العالم المادي، يلهم الموحد غالبا في تفضيل النظرة المثالية أو الروحية على

تلك المادية.

بين الفالسفة الذين صنفوا كماديين نسمي "هيراقليطس"، "ديموقريطس" و        "زينون الرواقي". أما بين الفالسفة الذين صنفوا كمثاليين أو روحيين:

"فيثاغوراس"، أفالطون وأفلوطين.

في حين أن هيراقليطس قرر أن النار هي العنصر األساسي )أي المادة التي        منها تكون العالم(، قدم "فيثاغوراس" فكرة النار الروحية المقدسة، الموجودة في

مركز العالم والتي تجذب كل شيء نحوها. في حين رأى ديموقريطس أن تلك الجسيمات التي ال تنقسم )الذرات( هي التي تكون العالم، أتى أفالطون بنظريته

حول "الصور" )مفهوم الذرات المثالية التي تكون الفكر(.

أفالطون لم يكن أول فيلسوف تكلم بالثنائية أو اإلثنينية )كما وردت في بعض        المعاجم(، لكن أفالطون أسس فلسفة مكتملة مرتكزا على هذه النظرية. كانت

نظريات وتعاليم أفالطون شديدة الترابط والشمولية بحيث أن، في نظر بعض المفكرين، كل النظريات واألفكار الفلسفية التي تلت كانت مجرد ردود فعل

لفلسفته. كل الفالسفة مجمعون على أن األفالطونية ليست مجرد منظار فلسفي، بل هي حالة عقلية ال يمكن ألي إنسان الهروب من الوقوع فيها. بل ويذهب البعض

إلى إلقاء اللوم على أفالطون ألنه وضع الوعي البشري في منظار الثنائية فاليستطيع حتى اآلن الخروج منه.

إن لوم أفالطون في فلسفته حول الفارق ما بين عالم اإلدراك الحسي وعالم        الروح أو العقل هو كلوم إنسان لنفسه ألنه إنسان قدر له أن يذوق طعم "األنا"

اإلنسانية في العصر اآلدمي األخير. ال أحد يمكنه أن ينكر الوعي الجدلي الداخلي للثنائية في طبيعة الوجود )الجسد والروح( ويكون في الوقت نفسه واعيا إلنسانيته

أو لطبيعته اإلنسانية. حتى الذين ال يعترفون بالثنائية من الروحيين أو المثاليين والذين يرغبون فقدان وعيهم لها عبر التأمل التجاوزي أو عبر طرق أخرى، ال

يستطيعون فهم أو تعريف رغبتهم وبدء اإلحساس في حال الالوعي للثنائية )وحدتهم مع المطلق( إال من خال المرور في المراحل األفالطونية في العبور المنطقي

والعقلي في الثنائية.

من غير المنطقي أن يعتقد البعض أن أفالطون الذي ألهمت فلسفته الكثير        من األديان، كان جاهال للرغبة البشرية التوحيدية للتويج مادة موحدة أو "حقل

موحد" كسبب للوجود، وهي رغبة ألهمت على مر السنين ذلك الهوس العلمي بالذرة. إن الفرق بين فلسفة أفالطون وباقي الديانات التوحيدية هو أنه، عبر الثنائية

في نظرية الصور، استطاع أفالطون أن يكلم أسمى قدرات العقل، المنطق. ذلك أنه انطلق من النزعة البشرية األكثر شيوعا وهي نزعة العقل لوعي الطبيعة الثنائية

للطبقات التي ال تتمتع بالمنطق الكافي دون اللجوء إلى بعض األساطير تماما كماكان يسوع المسيح )عليه السالم( يلجأ إلى األمثال.

عمر العالم:

كنا قد ذكرنا أصل العالم من وجهة النظر الفلسفية اإلغريقية في وجهيها،        األحدي والثنائي )أو اإلثنيني( وركزنا على فلسفة أفالطون الثنائية. يأتي اآلن منحى

آخر للجدل الثنائي وهو الجدل حول عمر الخلق أو التكوين.

لهذا الجدل أهمية كبيرة في تحديد هوية كل عقيدة فلسفية أو إيمان ديني،       وبالتالي له أثر كبير في توجيه الخط الفكري النابع من تلك الفلسفات واألديان.

هناك مبدأن أساسيان ناتجان عن هذا الجدل:

مبدأ قدم العالم

مبدأ حداثة العالم

المبدأ األول يؤكد على أزلية العالم، أي أن ال بداية له، بينما يؤكد المبدأ الثاني        على أن العالم حديث، ولكن الخالف الحقيقي، كما سوف نرى، ليس على قدم أو

حدوث العالم المخلوق من قبل "الخالق" بل على تعريف األزل وطبيعة هذا الخالق. هل للخالق جوهر شبيه بالعقل أو بالمادة؟ وهل أن العقل والمادة موحدان بشكل

ما أم انهما منفصالن انفصاال تاما؟ من أو ما الذي سبق اآلخر في الوجود، العقل أمالمادة؟

لو أن طبيعتي العقل والمادة مختلفتــان تمامــا، لتــوجب وجــود مســبب مــادي        للخلق منفصل تماما عن المسبب الروحي. ولو أن المادة سبقت العقل في الوجــود لكان العنصر )الذي يعتمد عليه وجود العقــل على األرجح( وجــد منــذ ماليين الســنين )كما يؤكد العلماء(. ومن جهة أخرى، إذا اعتبرنا أن المادة سبقت العقل، ال نســتطيع إال أن نميل إلى اعتبار المسبب األول للخلــق ماديــا، معتــبرين العقــل نتيجــة لتطــور

المادة.

مع ذلك، فأن الميل إلى تفسير المسبب تجريبيا )أي اعتماد على التجربة( بدال        من تفسيره مثاليا أو روحيا ال يعني حكمــا أن التفســير غــير روحي أو غــير مثــالي أو

مادي بالمعنى الحديث للكلمة.

فأرسطوطاليس )أحـد أعظم مؤسسـي علم الفيزيـاء( كـان من أوائـل الـذين        استندوا في فلسفتهم إلى التجربــة الحســية، ومــع ذلــك فــإن فلســفته لم تكن أقــل

"مثالية" أو "روحية" من فلسفة أفالطون.

إن مثالية أفالطون تبدو واضحة في عقيدة أبدية )أو خلود( الروح وفي تقــديم        وجود الروح على وجود المادة. إن عقائد أفالطون تؤكد على انبثاق عالم الروح قبــل أي شيء آخر وقد اسماه "عالم األفكار"، ثم أضحى يعرف فيما بعد بـ "عالم المثل"

أو الصور.

نوضح هنا أن الصــور في فلســفة أفالطــون تختلــف عن فكــرة الصــورة الــتي        نفهمها، فإن "الصور" ليست "مثالية كما ترمز كلمـة "صـورة أو مثـال" بـل بالنسـبة ألفالطون هي واقعية بل أكثر واقعية من أي شيء آخــر فهي الجــوهر الكــوني الــذي يعطي لكل شيء في عالم الحواس هويته التي يعرف بها. فإذا، بالنســبة ألفالطــون، فإن عالم المادة متعلق بوجود عالم المثل، بينما عالم المثل موجود وجــودا مســتقال عن أي وجود مادي. إن نظريات أفالطــون تــرى كنمــوذج للمثاليــة أو الروحيــة بحيث تعطي السيادة للروح على المادة، بغض النظــر عن مــدى اعــتراف هــذه النظريــات

بوجود المادة، كون الروح هي ذات جوهر الهي.

هناك أيضا نوع متطــرف من المثاليــة الــتي تنفي نهائيــا وجــود أي شــيء غــير        الروح. هذا التطرف نراه في بعض أعمال فالسفة الشــرق األقصــى الــذين يعتــبرون العالم المدرك حسيا هو مجرد وهم )مايا( فهذه الفلسفات، خالفا للتوحيد، تقيم وزنا للتأمـل الـروحي في طريـق المعرفـة أكـثر من التأمـل الفكـري أو التفكـر كمـا في

أعماق أفالطون.

المثالية في أعمال أرسطوطاليس تتجلى في عقيدة "المحرك الذي ال يتحرك        أو ال يتغير. لكي نفهم هذه العقيدة علينا اإلطالع أوال على جدل آخر مهم وهو الجدل

القائم على السببية وطبيعة الوجود المانوية )أو األحدية(.

فمن جهة، هناك ميل للتفكير بأن الوجود هو واحد متكامل، ومن جهــة أخــرى،       هناك ميل لالعتقاد بأنه شيء سببه شيء آخر.

وأرسطوطاليس، برغم كونه لم يوافق على مبدأ ثنائية الوجود الذي يقول بأن        المادة والشكل )أو الجوهر( ال يمكن تفريقهما وأن العالم المادي هو أعلى مــا يمكن لإلنســان الوصــول إلى معرفتــه، لم يســتطع أن يعتمــد على المعرفــة التجريبيــة )أو الحسية( لحل هذه المعضلة. في بحثه الماورائي أو الميتافيزيقي لطبيعة الحركة، لم يستطع أرسطو طاليس إنكــار المنطــق وراء ضــرورة وجــود المحــرك األول، والــذي

وصفه بالـ "محرك الذي ال يتحرك"، والذي ال بد أن يكون مسؤوال عن أنــواع الحركــة التي ندركها في العالم. بمعنى آخر، أن بحث أرسطاطاليس العلمي عن المعرفة لم

يجعله ينكر وجود اله أو خالق.

ــق        ــق، لم يب بعض محاوالت لحل هذه المعضلة تزعم أن الخالق، فيما بعد الخل خارجه بل أقام بداخله ليصبح هو بذاته. هــذه العقيــدة ألهمت الصــوفية في اإلســالم

التي ترى في كل شيء في العالم تجليا أو ظهورا الله.

ظهور العالم:

معضلة ثنائية أخيرة ال تقل أهمية عن المعضالت األخرى هي تلك المعروفة فلسفيا بمسألة       "السكون والحركة".

ــالم في        ــكون ورأى الع ــدأ الس ــيراقليطس رفض مب ــل ه ــفة مث بعض الفالس حركةوتغير دائمين. فبالنسبة إليه، العالم في حال من االنسياب الدائم "فال تســتطيع أن تطأ نفس النهر مرتين". فمياه النهر، بالنسبة إليه، ال يمكن أن تكــون هي نفســها

في وقتين مختلفين.

والمشكلة في مثل هذه النظرة هي التالية:

ــة        كيف يمكن وجود إمكانية للمعرفة في عالم دائم التغير ال يمكنه إعطــاء هويــير ثابتة؟ ومن جهة أخرى، فإن فالسفة آخرين مثل برمنيدس يعتقدون أن كل ما يتغ هو ساكن في ذاته أو جوهره، أي أنه يتغير وفــق هويــة محــددة. فهم بــذلك يأخــذون هوية األشياء كمبدأ أساسي وينكرون أحد أكثر الوجــوه ظهــورا في العــالم وهــو أنــه

دائم التغير.

هذه المختارات من كتاب "و.ت. جـونز" العقـل الكالسـيكي" قـد توضـح أكـثر       ــا؟ ثم أن مسألة السكون والحركة: كيف يمكن للحقيقة أن تبدو مختلفة عما هي حق القول بأن كل شيء في الحقيقة هو واحــد يــدخلنا في مســألة الواحــد والعـدد، ألننــاــوك(، نقول أن ما هو واحد )المياه( هو في الواقع مجموعة عددية )سفن، خضار، مل

وهذا يبدو متعارضا مع نفسه.

فلنحاول االلتفاف على هذه المسألة بالقول أن الواحد يتغير ليصبح أعدادا، أو        أن الواقع يمر بمرحلة تحول كي يصبح إدراكا. كل هـذا ال يفيــد فعال ألن التغيــير بحــدh، عندما نقول أنه، في سياق الزمن، تغيرت من طفـل إلى إنسـان ذاته معضلة. فمثال بالغ فنحن نعني أن شيئا معمرا )أي مســتمرا في الــزمن( قــد تغــير أو تحــول. وهــذا يبدو بسيطا فقط ألننا ال نستطيع التوقف عن التفكير فيما نعني. لو كنا نستطيع ذلك لبدأ المعنى متعارضا مع نفسه. فنحن نقول أنــك مــا زلت نفس الشــيء الــذي كــان طفال منذ عدة سنوات، إال أنك مختلــف طبعــا ألنــك لم تعــد طفال. ولكن كيــف يمكن ذلك؟ كيف يمكن أن تكون نفس الشيء لكن مختلفا عنه، فإن كنت مختلفــا فلســت

هو!".

ــة.        وفي نظريته حول عالم المثل، ذكر أفالطون كال المبدأين، السكون والحرك فحين أن عالم اإلدراك الحسي هو أبدا في تغير مستمر، فإن عالم المثــل أو الـروح، التي منه وإليه المعرفة، يبقى ساكنا ال يتغير. بمعــنى آخــر بالنســبة ألفالطــون، فــإن المثل هي كونية ثابتة ال تتغير. فعلى سبيل المثال، يتغير التفـاح شـكال ولونـا وحجمـا وتتغير التفاحـة الواحـدة في الـزمن من ثمـرة جيـدة خضـراء إلى عفنـة بنيـة. ولكن التفاحة المثال أي الصورة أو المبدأ الكــوني المثــالي للتفــاح، والــذي يؤلــف مفهــوم

التفاح في العقل هو واحد كوني، ال يتغير.

ــوني )الصــورة أو        فبما أن التفاحة تأخذ هويتها أو وجودها من مثال التفاحة الك الشكل( يصبح الوجود بالنسبة إلى أفالطون عملية تواصــل ديــالكتيكي أو جــدلي بين التفاحة – الجوهر والتفاح الذي ندركه في العـالم المحسـوس. وتبعـا لنظريتــه حـول المعرفة، فإن رؤية تفاحة في العالم المحســوس يجعــل العقــل يســترجع الشــكل أوــل الصورة األبدية للتفاحة التي يعرفها فطريا أو )التي شافهها في العالم الصوري قب

تواجده في الزمان والمكان(.

ولكن، مع مر الزمن، طرح فالسفة آخرون موضوع السكون والحركة بطريقة           أكثر تحديا من طرح جونز أعاله، وذلك بطــرح مســألة أن التغيــير يحــدث أيضــا على المستوى الميتافيزيقي. فعلى سبيل المثال، إذا كان شــكل وفكــر شــخص مــا تغــيرا خالل تحوله من طفل إلى راشد، فما هو إذا الشيء الــذي يجعــل هــذا الشــخص هــو نفسه طفال وراشدا؟ ما هي طبيعة هذه "األنا" التي تبقى ثابتة على الرغم من تغــير

وتحول كال العالمين المادي والفكري؟

أن ما تقدم يثــير الكثــير من األســئلة حــول نظريــة أفالطــون ويــدفع اإلنســان       h أو أشكاال أبدية؟ ألنه إذا كان عالم المثل يحتوي للتساؤل: هل أن لالفكار أيضا صورا فقط على المثل أو الصــور المتعلقــة باألشــياء الملموســة )كالتفــاح مثال( أو األشــياء المدركة بالمبدأ )كالحب والجمال( وليس باألشياء العقلية كالفكرة، يصبح هذا العالم بعيدا عن أن يحتوي العقل. فإن كان عقل شخص مــا غــير مــا تصــوره أفالطــون في حديثه عن العالم األبدي، وأن كانت المادة بحسب أفالطون وقتية حتما، فما هو ذلك الشيء الذي يجعل اإلنسان أبديا؟ ما هو ذلك الذي يحتمــل كــل التغــيرات الجســدية والميتافزيقية الفكرية في اإلنسان؟ ومن ناحية أخرى، إن كان العقل هو كل ما كــان يتصوره أفالطون في العالم األبدي فما كان من المفترض أن يتجاوز عالم المثــل أوــد من العقل األفالطوني عالم الفكر المتغير لكي يكون أبديا؟ فإذا كان صــحيحا فال ب

وجود عنصر في اإلنسان يتجاوز المادة والفكر.

تصف فلسفات الشرق األقصى هذا الشيء الذي يحتمل تغيرات الفكر بأنه الـ        "شاهد" أو "األتمان" )الذات العليا(. فــإذا كــان عــالم أفالطــون األبــدي )أو مــا عنــاه أفالطون بالـ "أبدية"( مشابها لهذه "الذات العليا" في طبيعته، فكيف ترتبــط معرفــة

عالم المثل بمعرفة هذا العالم األبدي؟

من خالل الجواب على هذا السؤال يفهم المــرء الفــرق بين الفكــر التوحيــدي        وفكر الشرق األقصى. فبشكل عــام، تشــجع فلســفة الشــرق األقصــى على االتحــاد "باألتمان أو الذات العليا )األنا األبدية( وذلك عــبر تمــرين العقــل على عــدم التفكــير بحيث أن كل ما هو فكر يرتبط بعالم المادة الوهمي. مع أن التوحيد يعترف بوهميــة المادة وبالطبيعة الخيالية للتفكير، فهو ال يذهب إلى حد التنكــر إلى الــوعي البشــري لعالم اإلدراك الحسي، الذي هو الوعي الذي يطلق الفكر، كما أنه ال يقلل من أهمية هذا الوعي. لذا، فليبق باألذهان أن التوحيـد هـو إيمـان قـوي بمـا في خلـق اللـه من حكمه. فإذا كان الهدف األسمى من الوجود البشري هو العيش في حــال دائمــة من الالفكر، أو إذا كان مقياس النجاح هو المدة التي يستطيع فيها اإلنسان البقاء متربعا في الهواء، فلماذا إذا خلق الله البشر بأجساد؟ لماذا يريد اللــه خلــق عــالم محكــوم بقوانين الفيزياء؟ يعترف التوحيد ويؤكد فوائد التأمل والتركيز في تنقية العقل ولكنه ال يذهب إلى حد التقليل من أهمية طبيعتــه الخالفــة. بمعــنى آخــر، أن التوحيــد ليس غياب الفكر أو التخلي عن كل ارتباط مادي. التوحيد، هو أن نعرف مــاذا، أين ومــتى يجب أن نفكــر ونفعــل لكي نكــون خالقين أكــثر. فلنحســب أن عالمنــا المــادي وهمh على )وهي نظرة صوفية توحيدية( ال أحد يستطيع اإلنكار أن هذا العالم يفرض واقعا

h ال يمكن التهرب منه إال على حساب اآلخرين. األغلبية من البشر، واقعا

فعال أن طبيعة الفكر قد تكــون خياليــة، وقــد يكــون اإلدراك البشــري للمكــان        والزمان جزءا من هذا الخيــال. ولكن، ال يمكننــا أن ننكــر أن معظم البشــر يفكــرون ويتصـرفون في العـالم بشـكل يعطي واقعيـة لهـذا الخيـال. التأمـل وحـده ال يمكنـهــل مساعدة البشرية بأكملها على االرتقاء نحو مستوى أعلى من الوعي. هو مجرد حh رسـالة مخصصـة مؤقت لألفراد أو ربما لبعض األمم الصغيرة، ولم يكن التوحيد يوما

ألمة أو عرق أو مذهب واحد، بل هو رسالة كل األديان واألمم والمذاهب واألعراق.

إن العقيدة األفالطونية، إذا ما فهمت في حقيقتها، هي ما ورائية )ميتافيزيقية(        التوحيد، فأفالطون في عقيدة التوحيد هو تجسد النفس الكلية التي هي أصل العديد

من العقائد في التوحيد.

بالنســبة إلى أفالطــون، المعرفــة هي تــذكر والجهــل هــو نســيان. والنفس أن       ــدي، إال ــالم األب الروح ال تتذكر الشكل األبدي التي عرفته في عالمها األصلي، أي الع من خالل رؤيتها لشيء مــا في الزمــان والمكــان. )وهنــا تلتقي مثاليــة أفالطــون مــاh لما يقول بعض الفالسفة عن تنــاقض فلســفتهما( بمعــنى آخــر، واقعية أرسطو خالفا فقط من خالل وجودها في الزمــان والمكــان تســتطيع الــروح البقــاء واعيــة لهويتهــا

األبدية.

وبما أن الروح أبدية، وبمـا أن المعرفـة تعتمـد على وجـود الـروح في الزمـان        والمكان، فإن التقمص بالنسبة إلى أفالطون، واقع محتـوم. ألنـه كيـف يمكن للـروح بعد الموت، على افتراض أنها تغادر الزمان والمكان، أن تكون واعية لعالمها األصلي إذا لم يكن هناك أشياء أو حتى أفكار تذكرها بالمثــل األبديــة؟ بالنســبة إلى النظريــةــا تبقى قــادرة على الدينية التقليدية لما بعد الحياة فإن الروح بعد الموت يفترض أنه

العمل بوعي وإدراك )التفكير والتذكر( كما لو أنها مــا زالت في الجســد في الزمــان والمكان. في التوحيد، الوجود الــواعي أو المــدرك يعتــبر دائمــا غــير ممكن من دون الوجــود في عــالم الزمــان والمكــان. وذلــك يعتمــد على القاعــدة األهم في عقيــدة التوحيد وهي التقمص. إن فهم العالقة المتقاربــة بين عــالم األبديــة وعــالم الزمكــان كما قدمها أفالطون من خالل نظرية المثل هو المفتاح إلى فهم تأكيد عقيدة التوحيد على أهمية كال العالمين، عالم المادة وعالم الروح. وكذلك فإن ذلــك يوضــح الفــارق

بين عقيدة التوحيد وفلسفات الشرق األقصى التي تقلل من أهمية عالم المادة.

لذلك فليبق في األذهان أن أفالطون لم يعزل عــالم المثــل عن عــالم اإلدراك        الحسي. لقــد أصــبح أمــرا اعتياديــا وشــائعا أن يتهم أفالطــون باإليحــاء )عــبر نظريــة المثل( بأن عالم األبدية هو عالم تجاوزي كليا )أي روحي صرف( وهو معــزول تمامــاــنزيهي وهي فكــرة تمنح الســمو عن العنصــر البشــري. وهــذا مــا الهم المــذهب الت والترفع للنص المقدس عن العقل البشري كونه أنزل من أصــل أســمى من العقــل.ــون كما أن أفالطون باعتباره الصور أو المثل موضوع الفكر البشري جعل واضــحا ك العالم األبدي للمثل على عالقة وطيدة مع عــالم اإلدراك الحســي، ألن األخــير أشــبه بعــالم من الظالل الــتي تســاعد الــروح على البحث عن النــور )أي العــالم الحقيقي( الذي سبب هذه الظالل. لم يجعل أفالطون مطلقا العالم األبدي عالمــا يفــوق قــدرةــروح العقل على الفهم. من خالل أساطيرة أوضح أفالطون أن عالم األبدية )هدف ال األسمى( يمكن البحث عنه من خالل هذا العالم وليس في عالم تختــبره الــروح بعــدh مثل أفالطون، حيث تترابط فلســفته بعضــها ببعض h عظيما الموت. وإال فإن فيلسوفاــه الـ ــؤمن ب ــزوة مــا كمــا ي ــالتقمص بســبب ن ــؤمن ب ــه أن ي بمنطــق عظيم، ال يمكن "براغماتيون" في يومنا هذا، كما أنه لم يكن ليرمز في "جمهوريته" إلى غــير األمــورــف أن ــالوجود البشــري على األرض. ومــع هــذا، فمن الملفت للنظــر كي المتصــلة بــاريخ ــدرس جــديا في ت ــد أفالطــون في التقمص لم يطــرح أو ي المنطــق وراء معتق الفلسفة. وإذا كان لهذا التقصير أي معنى، فهو يثبت إلى أي مـدى تـؤثر األديـان في

تفكير أولئك الفالسفة والمفكرين الذين يدعون أنهم من أكثرهم انفتاحا؟.

–84 أصل العالم في التوحيــد )المنظـور الفلسـفي( – راجـع الضــحى العـدد         .1999شباط

العهد القديم

 مشاهد من ذاكرة التوحيد

عصر اليهودية

يخضع مفهومنا الديني للكثير من المقوالت الخاطئــة واألوهــام الشــائعة الــتي        أبقت األبواب موصدة دون استجالء أسرارها وفـك مغاليقهـا بمفـاتيح النقـد والحــوار

العلمي والسجال المنطقي، لتشريع منافذ التفكير الــديني نحــو ســماوات رحبــة من حقائق العبادات التي سادت في األزمان الغابرة والسـحيقة، واالرتقـاء بمعارفنـا إلى مصاف الحقيقــة، وإيصــال تلــك الحقــائق إلى مســتحقيها، وهــذه رســالة كــل موحــدــبر مستنير دأب على التحقيق والتمحيص والبحث بنور العلم والبصيرة. فمن جهة تعت اليهودية كديانة منطلــق العبــادات التوحيديــة وإنهــا الســباقة بين األمم بــرفض تعــدد اآللهة واإليمان بإله واحد وم جهة أخــرى عــاش أغلبيــة اليهــود في بيئــة غلبت عليهــا الوثنيــة. لــذا، هنــاك من يشــكك بتوحيــد اليهــود في تــراثهم التلمــودي، حيث أهملــوا النواحي الماورائية كالقيامة واآلخرة وخلود الروح فيما تقوم تعبداتهم على الطقوس واألضاحي، وحتى العالم اليهودي "ســيغموند فرويــد" أثــار األمــر في كتابــه "موســىــفر من والتوحيد"، والدالئل أكثر من أن تحصى منها تكرار كلمة آلهة في أكثر من س أسفار العهد القديم مثال "هوذا آلهتك يــا إســرائيل الــذين أصــعدوك من أرض مصــر"

( و15/11( و "من مثلك بين اآللهــة يــا رب". )ســفر الخــروج 12/28)سفر الملوك ــير.10/17"ألن الرب إلهكم هو إله اآللهة ورب األرباب" )سفر التثنية (، وغيرها الكث

ويعتبر بعض الباحثين أن التوراة قد حورت وأخذ الكثــير من أســفارها ونصوصــها عنــورية ــة واآلش ــة والبابلي ــومرية واألكادي ــا في الس ــدت آثاره ــة، "وج ــدات قديم معتق والمصرية فضال عن الكنعانية، وكل من قرأ ملحمة غلغـاميش البابليــة وجـد التشـابه بــل التطـابق بين قصــة الطوفـان وبطلهـا "أوتنابشـتيم" وبين ســفر التكــوين، ويجــدh من التشــابه بين أســفار الشــريعة حمــورابي، أمــا الحكمــة المصــرية البــاحث كثــيراh في هــذا الفرعونية فنجدها بشكل جلي في ثنايا التوراة، وال يســع مقالنــا اســتطرادا الموضوع. ويدور اللغظ األكبر حول كلمة "يهوه" عند اليهود وهو إله يستشيط غضــبا ويهدأ حين يتنسم رائحة شواء األضاحي التي ترفع إليه، يضرب شعبه ثم "ينــدم على الشر الذي فعله" وهو أشبه بإله بدائي رعوي، ومهما حاول أحبار وحاخامــات اليهــود أن يجتهدوا في تأويل هذه المثالب فلن يستطيعوا أن يصنعوا مها صــفات إلــه مــنزه كلي القدرة. وهنا تبرز أهميــة اإلرث الكبــير الـذي اقتبسـه العـبرانيون عن الشـعوب القديمة، فمنذ أيام إبراهيم، تعترف التوراة بــأن هــذا، "النــبي الــذي لم يكن يهوديــا" ولم يكن لليهود في أيامه أي وجود بعد، كان يعبد "إيــل عليــون" أي اللــه العلي، ولمــا تعرف كلمة يهوه التي يطلقها اليهود على اسم الجاللة سوى في أيام "موسى" وم

بعده.

وكان دين العبرانيين قبل "موسى"، دين إيل "اإلله السامي المشــترك" الــذي       ــه إلى ــد أن تكــون الشــعوب أشــركت في مــا بعــد في توحيــده وتحــولت عبادات ال ب أسطورة وثنية من ضمن آلهة عديدة شأن كل األديــان الــتي تشــوهت عــبر التــاريخ، والدليل على أن الشعوب التي سبقت أو عاصرت العبرانــيين كــانت تعــرف عبــادات توحيدية إليل – اللــه الواحــد، قصــة "إبــراهيم" ولمــك "اليبوســيين"، "ملكي صــادق" الكاهن األكبر لمدينة "سالم" أي القدس عاصمة اليبوسيين الكنعانيين، فالتوراة تقــر أن "ملكي صادق" كان يعبد إيل عليون، أي الله العلي، وأنه كان على منزلة عظيمة وكان شعبه يؤمن معه على قاعدة "إن الناس على دين ملوكها"، وفي ســفر يونــان، فإن النبي يونان حين أرسل إلى نينوى عاصمة اآلشوريين لينذرهم بعقاب شديد بعــد

نســمة، يعبــدون120000أربعين يوما، وجد سكان المدينة األثــني عشــرة ربــوة أي

الله مؤمنين به، ويخافون مقام ربهم فاستجابوا إلنذاره ولبس الملك وسكان المدينة أجمعين المســوح وتضــرعوا للــرب لكي يجنبهم ســوء العاقبــة، ولقــد اســتجيب لهم دعاؤهم، وعفا الله عن المدينة وسكانها ألنه غفور رحيم. ولم تخل النذر من أية أمــة أو بلد، ويقول القرآن الكريم "وما من أمــة إال وخلت من قبلهــا النــذر" أي خلت بهــا توعظها وترشدها وتنذرها بعاقبة الكفر واإلشراك. ويعتقد البـاحث الفرنسـي "الفـرد مر" في كتابه "أيل، يهوه، يسوع" أن السيد المسيح استعاد صفات اللــه )إيــل( وهي الرحمة والشمول والسالم، وأعــاد االعتبــار إليهــا، وأهمــل "يهــوه" اإللــه الصــحراوي الضيق اآلفاق القاسي والقبلي، ويقول "مـر" إن اليهـود طمسـوا معـالم عبـادة إيـلh التوحيدية التي تعرفوا عليها عند غزوهم لبالد الكنعانيين، وأن يسوع استشف مجــددا تعاليم الفداء واألخوة البشــرية من العبــادات القديمــة. وليس بــالخفي أن األســاطير والعبادات الوثنية عند الشــعوب الســامية كاألكــاديين والكنعــانيين ومن ثم اآلرامــيين جعلت من إيل إلها وثنيا ضمن مجمع من اآللهــة، لكنــه من المعــروف أن األســطورة كانت وليدة المعتقدات الدينية الغارقة في القدم الــتي تشــوهت مــع الــزمن ودخلت عليها طقوس العبــادات الوثنيــة وغيرهــا، شــأنها مثال، شــأن الزرادشــتية الــتي انتهت بعبادة النار والشرك بعد ما بدأت بعبادة توحيدية. وتلـك الصـفات الـتي أطلقت على إيل كانت، كخالق الخالئق والملــك األبــدي وإلــه الرحمــة والشــفقة، و "لطفــان" أي اللطيف قد تكون من بقايا عبادة توحيدية ترقى إلى أيام النبي نــوح. ويؤكــد البــاحث "الفرد مر" أن المسيح أثناء معاناته استنجد بإيل وليس بيهوه حين قال "ايلي، ايلي، لما شبقتني" أي إلهي إلهي لما تركتني، وهــو قــول للنــبي داوود في أحــد مزامــيره. وتصادفنا كلمـة إيــل )أي اللــه( في أســماء المالئكــة واألنبيــاء في التــوراة كجبرائيــل وسفرائيل وميخائيل وعمانوئيل وغيرها، وقد كانت عبادة إيل سابقة الستعمال كلمــة "يهــوه" في اإلرث التــوراتي منــذ أيــام موســى، وأول مــا تعــرف يعقــوب على إيــل الكنعانيين الذي طلب منه البركة وقد غير اســمه من يعقــوب إلى "إســرائيل". وقــد تضاربت المعلومات حول معنى التسمية. وهنا يطرح السؤال بقوة عن مصدر عبادة إيل وهو إله "سام" أو عربي مشترك بين الشعوب "السـامية" أي العربيـة القديمـة. للعالم المستشرق الشهير "روبرتسن سميث" رأي صريح في هــذا الموضــوع، حيث يؤكد أن الكثير من الموضوعات الدينية الغامضة تتوضـح بــالعودة إلى ديانــة العـرب، فقد تبنى العالم "سميث" نظرية األصل العــربي لحضــارات وديانــات الشــرق األدنى القديم، ووقف في وجه العديد من النظريات التي تبنتها شعوب أخرى إلبعاد االنظــار عن شبه الجزيرة العربية، وذلك في كتابه الثمين "محاضرات في ديانــة الســاميين". وقد حاول أحـد المـؤرخين اللبنــانيين جاهـدا، أن يقـارن كلمـة إيــل، بــآل الـتي يكــثر استعمالها في تسمية القرى والبلدات في جنوب الجزيرة العربية. واألصـول العربيـة القديمة للديانات ليست بالشيء الغريب، فالقرآن الكريم، يعلمنا أن أســماء األوثــان الــتي اشــرك قــوم نــوح بعبادتهــا كــانت ذوات أســماء عربيــة "ود، وســواع، ويغــوث، ويعوق، ونسر". وهي أسماء بعض األوثان التي اشتهرت في اليمن، وقد تكونت هذه األسماء صفات إلله واحد كان يعبده القوم قبل نــوح، ثم تحــولت إلى آلهــة مســتقلةh لكلمة إيـل بعد اشراكهم بعبادة إيل واستغراقهم في لجج العبادات الوثنية، ونجد أثراــدون مثال في االسم اليمني "شرحبيل". فهل كان العرب في تلك األيام السحيقة يعب

"إيل" الواحد القدير البار، في اليمن وجواره وباقي أنحاء الجزيرة العربية؟؟

ــانون        "إيل واألصل العربي لديانات الشرق" – راجع الضحى العدد السبعون )ك(.1997األول

ــل مــتى        "يا أورشليم"، يا أورشليم، يا قاتلة األنبياء وراجمة المرســلين". )إنجي(.23األصحاح

بتلك الصرخة المدوية خاطب السيد المسيح يهود أورشــليم أولئــك "الخرفــان        الضالة" الذين تحولوا إلى ذئاب كاسرة نهشت أجســاد أنبيــاء، حــاولوا هــدايتهم نحــو

طريق الخالص.

وف الغادرة، ومرة ثانية بأقالم كهنتهمـ لكنهم قتلوا أنبياءهم مرتين، مرة بالسي       المزورة.

وطالما كان األنبياء كبش فداء لتذمر اليهود وعصيانهم وقسوة قلوبهم الغلف،        فأذاقوهم صنوف العذاب والتنكيل والقتل، وهوذا نبيهم أرميــا يقــول: "أكــل ســيفكم

أنبياءكم كأسد مهلك".

لكن شــناعة القتــل الجســدي ال تقــل خطــورة عن تلطيخ ســمعتهم وتحريــف        تعاليمهم وتزييف سيرتهم وإبدال فضائلهم بالرذائل الـتي تحلى بهـا بعض اليهـود فيــا وراقصــات في قصــور بالد الســبي في بابــل حيث انتهى شــبانهم وشــاباتهم غلمان

ملوكها.

واعتبر المؤرخ البريطاني "هـ ج. ويلز" بأن اليهود وصلوا أيام السبي إلى بابل        "همجا وشعبا مخلطا ال رابطة وعي ذاتي بينهم وعادوا ممدنين ومعهم القسم األكــبر من مادة التوراة" حيث استقوا من معارف بابل ومكتباتها وموروثها الثقافي وجــاؤوا بما أملى عليهم الكهنة واألحبار وهم في بالد السبي، وتكشـف األدلـة العلميـة اليـومــرن ــاريخ )الق ــة من الت ــك الحقب ــرت في تل ــود" ظه ــة بـ "التلم ــة المتمثل أن اليهودي السادس قبل الميالد( على يد جماعة من كهنة اليهود )وأشهرهم عزرا( ليس لــديهم أي عالقة باألنبياء الموحدين ال من ناحية العقيدة وال من ناحية الدين، فاقترفوا آنذاك أكبر عملية تزوير عرفها التاريخ حينما دونت معظم أسفار التوراة المزيفة، المســتند الرئيسي لليهود "المتهودين" اليوم، فقد نسبت تلك المدونات المشــبوهة والمضــللة

إلى أنبياء كرام.

"وال تشتروا بآياتي ثمنا قليال وإياي فاتقون". )سورة البقرة(.       

"وقـد كـان فريـق منهم يسـمعون كالم اللـه ثم يحرفونـه من بعـد مـا عقلـوه       يعلمون". )سورة البقرة(.

"فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند اللــه ليشــتروا بــه       ثمنا قليال فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" )سورة البقرة(.

ونجد في القرآن أيضا أنهم "... يحرفون الكالم عن مواضعه".       

وجاءت االكتشافات األثرية الحديثة لمدونات قديمة لتثبت ما جــاء في القــرآن        وهو قول صدق ال ريب فيه، وقامت دراسات التــاريخ والحضــارات القديمــة لتفــوض

دعائم التلفيقات التلمودية وتناقضاتها التاريخية.

وقـد أشـار الكـاتب الفرنسـي الـدكتور "مـوريس بوكـاي" في كتابـه "القـرآن       ــل ــرق الشاســع والواضــح بين مصــداقية اإلنجي ــل والعلم" إلى الف ــوراة واإلنجي والت والقرآن وتكريمهما لألنبياء وتطابقهمـا المـدهش مــع المفـاهيم العلميــة والمنطقيــة، وبين أباطيل التوراة وخرافاتهــا وأخطائهــا التاريخيــة الــتي اختلقهــا كهنــة اليهــود في

الخفاء لالنحراف بالدين اليهودي عن رسالة األنبياء والوحي الحق.

فقــد تعرضــت ســير األنبيــاء وقصصــهم لعبث المتهتكين وتضــليل المتشــككين        الذين تهجموا على عصمتهم في جــرأة ووقاحــة مــا بعــدها وقاحــة، حيث تجنــوا على صفوة الخلق والنخبة المختارة لحمل أمانة النبوة ونقل الحقيقــة إلى النــاس إلتمــام رسالتهم بتهــذيب األنفس وتقــويم األخالق وتنــوير البصــيرة بــأنوار اإليمــان والهدايــة

والخير.

وقد طاولت جرأة كهنة اليهود هؤالء حــتى مقــام ربهم "يهــوه" فصــوروه كإلــه       ــه ــه، وإل h يندم على الشر الــذي فعل "منفصم الشخصية" تارة ينتقم من شعبه وطوراــه رعوي ال يرضى إال برائحة شواء األضاحي، وهوذا القاضي جدعون يجرب الرب إله في التوراة مرتين لكي يصدق وعده إيــاه بالنصــر، رغم تلــك الوصــية األساســية في

التوراة "ال تجرب الرب إلهك" )سفر القضاة اإلصحاح السادس(.

هــؤالء األنبيــاء الــذين وجب احــترامهم وإجاللهم واإلقتــداء بســيرهم الصــالحة        نجدهم في أساطير التوراة "المنحولـة" وفي األســفار الـتي عبثت بهـا أيـدي الكهنـةــرأت وجــدت ــائر، فأينمــا ق ــا والكب ــع أصــناف الخطاي ــترفوا جمي h اق ــا ــار رعاع واألحب اللصوصية والزنــا والقتــل والغش واالحتيــال وحــتى االغتصــاب بين أنبيــائهم، فهــؤالء األنبيــاء الكــرام المــنزهو عن ارتكــاب الكبــائر والرذائــل والمعصــومون عن اإلجــرام واالحتيــال شــوه المـدونون المشـبهون ســيرهم ولوثــوا مكــارم أخالقهم بــافتراءاتهمــاءهم بصــبغة موبقــاتهم ورذائلهم وخبث ــة الملفقــة والمختلفــة، ليصــبغوا أنبي الباطل

سرائرهم وزيغ طواياهم.

وحيثما قرأت في التوراة تصــدمك حــاالت الســكر والخالعــة والمجــون ضــمن        آيــات حســية غليظــة من المحــال تأويلهــا بتفســيرات دينيــة أو روحيــة بــل هي نتــاجh إلى النبي سليمان، مــا هــو إال الرغبات والشهوات، فنشيد األناشيد الذي ينسب زورا قصيدة إباحية ال تمت إلى الدين بصلة، كما ومن يقرأ اإلصحاح الثالث والعشرين من نبؤة حزقيال يندهش لبذائــة بعض العبــارات، ومن يقــرأ اإلصــحاح الثــالث عشــر من سفر صموئيل الثاني يصعق لوجود سفاح القربى في بيت النبـوة، وكـل هـذا بـالطبع مختلــق ومدســوس، وهكــذا دواليــك لم ينج لــوط من فعــل الفحشــاء والمنكــر، أمــا

يعقوب الملقب بـ "إسرائيل" )أبو أسباط اليهود اإلثني عشر(، فأفعاله في التوراة ال تنم عن نبوة بل تظهره بأخس وأحط طويــة. فيعقــوب )كمــا جــاء في التــوراة ســفر

( خــدع والــده النــبي إســحاق بانتحالــه شخصــية أخيــه "عيصــو"27التكوين اإلصحاح ليسرق بركته وبالتالي النبوة، ومن ثم سرق خاله البان اآلرامي الذي حضــنه وزوجــه ابنته وأراد اقتسام أغنامه مع صهره الحبيب، فكــانت خديعــة يعقــوب "الداهيــة" بــأن

(،30إشترط على خاله أن تكون حصته األغنام المخططة )سفر التكوين – اإلصحاح وبدهاء ما بعده دهاء وضع يعقوب قضبانا على أجراه المياه "لتتــوحم" الشــاة حينمــا ترد المياه للشرب فتلد حمالنا مخططــة، وبهــذا ســرق النــبي يعقــوب معظم قطيــع

خاله البان وعزا ذلك إلى إرادة إلهية... فتأملوا!!!

وأما يهوذا، ابن يعقوب المميز الذي فضله على أخوته اآلخرين )والــذي إشــتق        و "اليهود" فيما بعد من اسمه( فكان بنظر هؤالء الكتبة إنساناJudiaإسم "اليهودية"

(،38زانيا لم تسلم من مجونه كنته ثامار أرملة أحد أبنائه )ســفر التكــوين اإلصــحاح ونصــل في بحثنــا هــذا إلى النــبي داوود الــذي اتهمــوه بجريمــة ســوقية يــأبى إتيانهــا األشرار فكيف األنبياء األطهار، فقد اتهموه بامرأة أوريــا الحــثي وبتــدبير اغتيــال ذاك الضابط الشهم الذي أبى على نفسه الراحة في بيتــه وجنــود داوود يقــاتلون أعــداءه

(، وتلــك إدعــاءات باطلــة ومدسوســة،11في القفــار )صــموئيل الثــاني – اإلصــحاح فالنبي داوود بـاعتراف التـوراة ذاتهـا، رفض بشـهامته شـرب ميـاه خـاطر ثالثـة من أبطاله للحصول عليهـا، كيـف يقتـل ضـابطا من جنـوده المخلصـين من أجـل شـهوة بهيمية؟، وقد قال القرآن الكـريم: "ولقـد أتينـا داوود منـا فضـال يـا جبـال أوبي معـه

سورة سبأ(، وروي عن االمام علي بن أبي طالب قوله10والطير وألنا له الحديد" )h h للنبــوة وحــدا "ال أوتي برجل يزعم أن داودد تزوج إمرأة أوريا إال جلدته حدين: "حــدا

لإلسالم".

أما النبي سليمان وهــو صــاحب الحكمــة الشــهيرة "شــهوة األبــرار هي للخــير        ســرية وهــذا منتهى الــدس300 امــرأة وامتلــك 700فقط" فقد زعمــوا أنــه تــزوج

ــنام والتشويه، ومعاذ الله أن يكون سليمان الحكمة والفطنة انتهت نبوته بعبادة األصــوك األول – اإلصــحاح واألرجاس كما يدعي هؤالء الكتبة المغرضون )انظر سفر المل

11.)

keep وبناء عليه، اقترح أحد أهم الباحثين األميركيين وضــع عبــارة         out of the reach of childrenعن متنــاول األطفــال( على كتــاب العهــد القــديم h )احفظــه بعيــدا

h على أخالقهم ورهاقة أحاسيسهم من الشناعة الموجودة في طيات الكتاب. حفاظا

ولكننا في المقابل ال نعتبر أن التوراة برمتهـا مدسوسـة ومرفوضـة، فهنـاك ال        تزال تلك الحكم المضيئة وتلك الـدرر المتنـاثرة في ثنيـات ذلـك الخضـم الهائـل من الطقوس والمراسم والتشريعات والتواريخ، في أقوال األنبيــاء العظــام )قــدس اللــه سرهم( أمثال أيوب وداوود وســليمان وشــعيب، و "أشــعيا" و "أرميــا" و "دانيــال" و "حزقيال" و "زكريا" و "مالخي" وغيرهم ممن نطق بــالحق، دون أن ننســى جماعــة

األسينيين، وهي طائفة يهودية جليلــة، اشــتهرت بفضــائلها وتقواهــا في القــرن األولالميالدي.

وخالصة القــول إن عصــمة األنبيــاء مثبتــة بالبرهــان العقلي والــدليل المنطقي        فضال عن اإليمان، ألن من يعصى الله في نواهيه ووصــاياه، يعصــيه في طاعتــه وفي

كيفية ابالغ رسالته فيحق عليه ساعتئذ إسقاط نبوته.

وإذا ســلمنا بــأن األنبيــاء بشــر والبشــر يخطئــون، فنقــول أن األنبيــاء بــرقيهم        األخالقي وصفاء نفوســهم ال بــد أن تكــون أخطــاؤهم هنــات وهفــوات صــغيرة، ومن المحال بما اصطفاهم الله بنعمة اإليمان ونور العقل أن يقوموا ال بكبائر وال بصغائر، وال أن ينحرفوا عن صراط الحق كالقوم الضالين، بــل هم القــدوة والمثــال والســرج

المنيرة التي تبدد غياهب الجهل والشرك لتضيء لنا رحاب البصائر باإليمان.

– كــانون الثــاني71 عصمة األنبياء واالفتراءات التوراتية – راجع الضحى العدد        1998.

الغنوصية واألسينيين )بنو إسرائيل الحقيقيون(:

انتشرت الحضارة اليونانية انتشار النار في الهشيم في العـالم المتمـدن كلـه،        بفضل الفتوحـات الواسـعة الـتي تمت على يـد "اإلسـكندر المقـدوني" قبـل الميالد، وكان "اإلسكندر" يجمع بين شجاعة القائد وحكمة الفيلسوف، بفضل تتلمذه على يد "أرسطو" فيلسوف اليونــان العظيم من جهــة وبفضــل تربيتــه العســكرية الفــذة من جهة أخرى. بفضل هذه الفتوحات تحقـق االمـتزاج بين الشـرق والغـرب على أوسـع نطاق، وأتاحت هــذه اإلمبراطوريــة الجديــدة المتراميــة األطــراف لمعتنقي الــدياناتــا ــة، ويطلعــوا غــيرهم على مواكبه والفــرق المختلفــة أن يمارســوا شــعائرهم عالني

وحفالتها التي كانت تجذب إليها األتباع والمعجبين.

ــاءت        الغنوصية كمثل تلك الحركات، وهي حركة فلسفية سبقت المســيحية، ج لتوفق بين الديانات المتعددة. فقد استوعبت تعاليمها الفلســفات الشــرقية والبابليــةــتي h المســيحية ال ــة وأخــيرا ــة باإلضــافة إلى اليهودي والمصــرية والهرمســية واليوناني أصبحت أحد أنظمتهــا الثالثــة في القــرن األول. ومــع مطلــع القــرن الثــاني الميالدي تشكلت عدة فـرق غنوصـية داخـل اإلمبراطوريــة الرومانيــة على الطـرف الشـرقي المحاذي للبحــر األبيض المتوســط. بعض هــذه الفــرق عــاش وعمــل بين الجماعــات المسيحية األساسية كالـ "درويد" في بريطانيــا والكاثــار في فرنسـا الـذين اســتمروا حــتى القــرن الثــاني عشــر والمنــدائيين في العــراق والبعض اآلخـر شــكل جماعــات منعزلة عن باقي المجتمعات كاألســينيين الــذين عاشــوا على ضــفاف البحــر الميت،ــة الكنيســة تعــرض الغنوصــيون h مســتقلين، ومــع هيمن والبعض اآلخــر كــانوا أفــرادا للضغوطات والمضــايقات، كمــا اتهمــوا بالهرطقــة وحكم عليهم بأبشــع أنــواع القتــل والتعذيب، إلى أن اختفى أثرهم كليا مع مطلع القرن السادس الميالدي. هناك الكثير

من العـالم اليـوم من الفـرق الدينيـة تتبـنى العلـوم الغنوصـية وتبحث في مصـادرهاالقديمة.

جوهر الغنوصية:

        Gnosticism الغنوصية كلمة مشتقة من الكلمة اليونانية Gnosis،ــة أي المعرف لكنها ليست أي معرفة، بل معرفة حقيقة الوجود عبر تجربة روحية حسية مباشــرة.h بعكس ما يشــاع عنهــا، بــل هي مــا يشــار إليــه بالفلســفة إذا الغنوصية ليست مذهبا

أي فرع من الفلسفة يعني بتعريف ماهي المعرفة )كيف  Epistimologyاليونانية بالـ Epistimology اليونانية المشــتقة من كلمــة Pistisيعرف اإلنسان إنه يعرف(. الكلمة

تعني العقيدة النابعة من إرادة المعرفة المتحررة من كل ضغط اجتماعي أو ديني.

وال تتحقق المعرفة، بالنسبة للغنوصــيين، بالشــرائع والطقــوس، وألنــه مــا من        وسيط بين الباحث عن المعرفــة مخــير. وهي لهــذا تلقي مســؤولية تعريــف الوجــود على الفرد. فالمعرفة التي يمكنها أن تحرر بعض األشخاص قد تشكل عقبة في وجه البعض اآلخــر، لــذا فعلى كــل إنســان أن يجــد في الســير نحوهــا على قــدر طاقتــه وقدراته. فإذا اختار اإلنسان التوحيد بين عـالم المـادة وعـالم الـروح فهـو يصـل إلى المعرفة المطلقة المتعالية عن االزدواجيات والتناقضات التي يفرضــها عــالم المــادة المركب وإذا اختار الدوران في حلقات المادة المفرغــة متقلبــا بين الجــوع والشــبع، بهذا يكون قد اختــار الــوهم بتجاهلــه العــالم االســبق واألساســي وهــو عــالم الــروح، والخيار بالنسبة للغنوصـية ليس في االعمـال وحسـب بـل في كـل لحظـة وفي كـل فكرة يفكر بها اإلنسان. تؤيد الغنوصية نظرية أفالطــون عن األرســتقراطية الروحيــةh عارفة وضوح مقاصدها وعت الحقيقة منــذ البــدء وأخــرى جاهلــة أي أن هناك أرواحاــاس ــبر أن الن h. وبما أن الغنوصية تعتبر الجهل شرا والخير معرفة وتعت منذ البدء أيضاــير ينقسمون إلى قسمين: أهل الخير وأهل الشر، لذلك فهي تستبعد مبدأ نسبية الخ والشر أو ديمقراطية األرواح. فإحدى ركائز الغنوصــية هي نظريــة ثنائيــة الوجــود أي انقسام عـالم المـادة عن عـالم الـروح، لـذا يجــدر على طــالب المعرفـة أال تخدعـه

المظاهر الخارجية للبشر عن إدراك ذواتهم الباطنة.

"كثير هم المـدعوون وقليــل هم المختــارون" يقـول أحـد األناجيــل الغنوصـية،       ــا ــوم به وعلى الرغم من هذا يحذر بعض الغنوصيين من كل استغالل لهذه العبارة يق أحد الغنوصيين بذريعة تمييز نفسه عن اآلخرين أو في تفسير رؤيا مــا جعلتــه يشــعر باالمتياز. ففي الحقيقـة هـذه العبـارة على الـرغم من وضـوح مقاصـدها، فقلـة قلـةــارون ــة هم المســتعدون لإلفضــاء، فالمخت ــك القل ــة، أولئ تعــرف مضــامينها الحقيقي بالمعنى الغنوصي ليس كنظرية "شعب الله المختار" )كما صورها الحقا التلموديون( والتي تستغلها الدولة العبرانية عبر تكريس نفوذهــا المــادي لتخضــع شــعوب األرض، بل تأخذ معنى آخر لدى الغنوصية، فالمختارون يبادلون الله محبته في كل نفس منــل والنفس والقلب، أنفاسهم، ويعون أن الوصول إليه ليس بمعجزة بل يتم عبر العق وهي ما وهبه الله لكل إنسان بتعبير آخر، المختارون يقدرون أن إمكانية معرفة الله موجودة في جميع العباد هم يتميزون فقط بــإدراكهم لهــذه اإلمكانيــة وســعيهم وراء

،h تحقيق الممكن. وبهذا يمكن أن يعتبر الغنوصي "محفوظــا"، يمكن أن يعتــبر مباركــا ولكنــه ال يمكن أن يــدعي األلوهيــة مهمــا بلغت درجــة انعكــاس الوجــود اإللهي فيــه. مفهوم توحيد اإلنسان مع الله لدى الغنوصية غير قابل للنقاش، ولكن هذا التوحيد له قــانون وهــو: أن يكــون اإلنســان جــزءا من الكــل. ومعرفــة اللــه بالنســبة للغنوصــية الحقيقية ليست مسألة إثبات عقيدة ما أو الدفاع عن فكرة فلسفية، بل هي إفســاح المجال لإلرادة اإللهية بأن تعبر عن ذاتها المطلقة عبر إرادة الــذات الفرديــة فيظهــر اللــه في اإلنســان. لكن ادعــاء األلوهيــة مرفــوض لــدى الغنوصــيين وبــالرغم من أنــة، معرفة الله بنظرهم تتم عبر معرفة الذات وحتى من توحدت ذاته مع الذات اإللهي يبقى على وعي بأن الله )جل وعال( أكــبر من أن يحــدد وعلى إدراك بــأن ذاتــه جــزء ولو غير متجزي من كل. الذات لدى الغنوصية هي المرجعية المسؤولة عن األجوبــة، فإذا فكرت في الله كما تفكر في أي شيء آخر فأنت لســت بغنوصــي أو "عــارف"، إن التجربة الروحية التي يمـر بهـا الغنوصـي الحقيقي مـع خالقـه تعطي لإللـه قيمـةــه معرفية هائلة ال توجد لألسف في ممارسات األديان المعروفة فهو نصف حقيقة ألن ال يتصل بجوهر الذات، وهو نصف خال ألنه يتعالى عليها. فالطريقة الوحيدة لمعرفــة الله هي معرفة ما يمثله الله في الذات وماذا تمثل هـذه الـذات الفرديــة في الـذات

الكلية.

الوصول إلى الذات:

إن األسئلة البسيطة التي تجول في خاطر اإلنسان الواعي هي: "ما الذي أفعله في هذه       الدنيا؟ لماذا أنا هنا؟ لماذا أنا موجود؟ من يسأل؟ ومن سيجيب؟.

h األعمــال الــتي        تتحدث األناجيل العرفانية عن حماقة العمل الالمنتج، وخصوصا تتعلق بوضع اإلنسان في هذا العالم، ذلك اإلنســان الــذي يحصــل على أجوبــة معلبــة

بالتوراث و "يسوي أموره" االجتماعية والمادية عبر التملق والمجاراة والتدليس.

"هيرماريتيا" كلمة يونانية تعني عدم بلوغ اإلنسـان هدفـه، أو بمعـنى آخـر "أن       h يختبئ المــرء h أخالقيا يخطئ". من المؤسف أن تأخذ كلمة "الخطيئة" طابعا اجتماعياh من كالم النــاس، وفي الحقيقــة إن الخطيئــة تعــني h من الفضيحة أو خوفا خلفها هربا انحراف اإلنســان عن هدفــه ومن المؤســف أن يشــعر اإلنســان بالــذنب لمجــرد أنــه ارتكب مــا يســتحق المعاقبــة عليــه. فمن يعــاقب من؟ شــعوره هــذا ينم عن جهلــه

للهدف.

       h تلقي الغنوصية مسؤولية تحديــد الهــدف على اإلنســان العــارف، كونــه عارفــاh على أن تعــبر أفكــاره وأعمالــه عن حالتــه الذاتيــة h فينبغي أن يكون حريصا ومسؤوال

وليست مجرد انعكاس لحاالت اجتماعية أو دينية.

الوصول إلى الذات بتحديد الهوية:

ــا ليســت        هوية اإلنسان الحقيقية ليست في جنسيتة أو مهنته أو عائلته كما أنه في ما نسميه بـ "الشخصية". الهويـة هي الـذات. وهـذه الـذات ليسـت وسـيلة لكي يعرف اإلنسان من خاللها كفـرد، بــل المفهـوم الحقيقي للــذات هـو التجــرد من كـل المفاهيم األنانية التي تفرق الذات الفردية عن الذات المطلقــة لــذا فمعرفــة الــذات على الرغم من طموحها إلى استقاللية الفكر والعمل فمصدرها وتكوينها ال يتحققــان في "الفردية" في المجتمع أو بتعبير أكثر عامية عبر "بناء الشخصية" بل تأخذ معــنى "ميتافيزيقيـا"، فمعرفـة الـذات الواحـدة وإدراكهـا الـتي هي الهويـة الحقيقيـة تعـني معرفة الذات الكلية مصدر كل الذوات، فالذات الفرديــة هي بمثابــة ترائيــات الــذات اإللهية. لذا فالتجربة الجسدية بالنسبة للغنوصية أو مــا يسـمى بتجربــة األنـا الفرديــة هي فرصة لإلنسان يحصل من خاللها على زاوية في الزمــان والمكــان يســتطيع من خاللها تعقل ماهيات الوجود المطلق بتأمل المركبات بــدءا بمركبــات المــادة وانتهــاء بمركبات الصور. وتنبه الغنوصية اإلنسان إلى هدفه. فإذا كان هدفه هو الوجود فعليه أن يعي مطلقية الوجود ويجتهد لكي يوحــده في )الفكــرة( فمن العبث أن تجزئــه أوــة h عنه، ألن المطلق ال يتجزأ. مجموع تجارب اإلنسان في حياته هي بمثاب تبني أفكارا جزئيات من االنطباعات المتصلة ببعضها البعض بالوعي وهذا ما يدعى بالـ "ذاكــرة". هناك القليل من المنطق الذي يمكن اســتقراؤه من مسلســل هــذه االنطباعــات في حياة واحدة خصوصا. من المؤسف أن أغلبية الناس ال تلحظ عبثية هــذه االنطباعــات إال في مراحل متقدمة من العمر لتوفر الوقت لديها للتأمــل، وعنــدها ينتابهــا اليــأس والخوف. لذا فالسبيل ليس في بناء المستقبل بجمع المــادة، الخــبرة أو الفكــر كمــا يفعل األغلبية من المفكرين، فأسمى األهداف هو معرفــة الوجــود، والوجــود مطلــق غير محتاج، ال ينقص وال يزيد، ال يعرف له ماض وحاضر ومستقبل، أمــا الفكــرة فهي موجة عدمية دخيلة تعكر صفو بحر المطلق وتنتحل صفة األحدية ولكنها غير مكتفيــة بذاتها، لذا فهي متعلقة بغيرهــا. حــتى لــو كــان مــا يبحث اإلنســان عنــه هــو نهايــة أو مستقر ما في المستقبل، يجب أال يتوقف عن طــرح األســئلة حــتى لــو تطلب األمــر التأمل الفكري العميق، فمن ناحية أخرى ال يمكن لإلنسان أن يتجــاوز المطلــق عــبر

االنغماس في غيبوبة فكرية.

وهنا تكمن أهمية التوحيد الغنوصــي )وهــو في التوفيــق الفكــري والعملي بين        الوجود الزمكاني والوجود المطلق(. سئل السيد المسيح في أحد األناجيل العرفانية: "هال أخبرتنا عن نهايتنــا" فأجــاب "هــل رأيتم البدايــة لكي تســألوا عن النهايــة، فعنــد

البداية النهاية".

كـان هـذا القـول كالنوتـة الموسـيقية النـافرة في آذان المسـتمعين من بعض        رجال الــدين التقليــديين، حيث أشــار الســيد المســيح من خاللــه إلى تطــبيق العــالمــد بزمــان أو ــه ذاتي ال يتقي المطلق أو "عالم المثل" كما أشار إليه أفالطون بحيث أن مكان. لذا تحذر الغنوصية الرجال العارفين إال يعطوا انطباعات للغير على أن كل ما يقولونه عن الدنيا واآلخرة هو جــواب أكيــد أو مطلــق ال يحتمــل الجــدل، فالغنوصــية الحقيقية غرضها تشجيع التساؤل "السقراطي" المتفائل بوجــود الحقيقــة ولكن غــير المتسرع في تقديم األجوبة لعمله بأن هذه الحقيقية تفوق قدرة العقــل على كنههــا. فمتى يصبح اإلنسان شكاكا ويفقــد عزيمــة البحث عن أجوبــة؟ حين يشــعر أنــه على

الرغم من مصداقية الذين كلموه عن الرب، فهو عــاجز عن اإليمــان أو االعتقــاد بــه،ــذا فالغنوصــية ألن ليس هناك ما يراه أمامه من فعل على األرض يعزز هذا الكالم. ل الحقيقية ال تتخم اإلنسان باألجوبة بل تطرح أمامه األسئلة وتمرنه على أن ال يتوقف

h عن التساؤل وأن يعي أن األجوبة موجودة في ذاته. يوما

الغنوصية )بين ديموقراطية األجســاد وأرســتقراطية األرواح( – راجــع الضــحى       (.1997العدد السبعون )كانون األول

بعد فتوحات اإلسكندر األكبر وانتصاره على داريوس الفارسي خضعت منطقة       ــة" ــعبJudia"اليهودي ــرف الش ــذا الحكم تع ــل ه ــانيين، وفي ظ ــيطرة اليون إلى س

اليهودي إلى "سنن األمم والعبــادات الوثنيــة، ففقــد التزامــه بدينــه وأهمــل شــريعتهــا" الموسوي التوراتية ما أدى إلى نشوب "الثورة المكابية" التي قادها الكــاهن "متتي وأبناؤه الخمسة ضد الملــك الهيليــني "أنطيــوخس إبيفــانس" بســبب تدنيســه هيكــل

سليمان وقد سيطر على أورشليم يهوذا المكابي التي سميت ساللته بالمكابيين.

وكانت ثورة المكابيين للتخلص من التعاليم الجديدة وعبادة األوثان التي حاول        فرضها الملك السلوقي والعودة إلى شريعة األجداد فظهرت طائفة من اليهود عرف أتباعها بالفريسيين انتهت التشدد في الشريعة وتعلقت مع الزمن بالنصوص الحرفية دون اإليمان الروحي، واشتهدت بالرياء والتكبر والتعصـب األعمى واالنغالق، وبـرزت بعدها طائفة أخرى عرف أتباعها بالصدوقيين خاصمت الفريسيين ونافستهم بالتشددــوراة التشــريعية، من ناحية الشريعة، ولم تعترف إال باألسفار الخمسة األولى من الت وأنكرت هذه الطائفــة البعث والقيامــة واآلخــرة وآمنت بــأن ثــواب اإلنســان وعقابــه

يلقاهما في هذه الحياة الدنيا ماديا.

وفي خضم هذا التشـدد اليهـودي الـذي تــاه في متاهـات الطقـوس والشـعائر        الظاهرية التي كثيرا ما تشبه العادات الوثنية البعيــدة كــل البعــد عن روحيــة التــدين،ــائح ــارهم في لجج الممارســات الطقوســية من ذب ــود وأحب ــدين اليه غــرق رجــال ال وقرابين وتقتير وترنيم وتبخير لتخلو تعــاليمهم من أي صــفاء روحي أو مســلك ديــني يهدف إلى خالص الروح ومعرفة الخالق، عندها نشأت بينهم طائفة غنوصــية ســامية عرف أتباعهــا باألســينيين، نبــذت هــذه الممارســات الناموســية الــتي شــرعها نــبيهم موسى وأخوه هارون الذي أسس ساللة الكهنــة الالويين، ونســج شــعائرها التكليفيــة الكاهن "عزارا" وتذكر االسينيون قول النبي أشعيا عن لسان الرب: "ما فائــدتي من كــثرة ذبــائحكم. قــد شــبعت من محرقــات الكبــاش وشــحم المســمنات وأصــبح دم العجول والحمالن ال يرضيني... ال تعودوا تــأتوني بتقدمــة باطلــة. إنمــا البخــور رجس لدي. رأس الشهر والسبت ونداء المحفــل ال أطيقهــا إنمــا هي إثم واحتفــال. رؤوس

شهوركم وأعيادكم كرهتها نفسي.

صارت على ثقال قد سئمت احتمالها. وأن أكثرتم من الصالة ال استمع لكم ألن        أيديكم مملوءة من الدماء. فاغتسلوا وتطهروا وأزيلوا شر أعمــالكم من أمــام عيــني

وكفوا عن اإلساءة".

ــي        ــة وال ترتض ــك ال تبتغي ذبيح ــه: "أن ــبي داود إلى رب ــالة الن ــوا في ص واتعظ بمحرقة. إنما ذبائح الله روح منكسر. القلب المنكسر المنســحق ال ترذلــه يــا اللــه".

(.50)مزمور

ــنة         ــر الميت في1947 س ــاطئ البح ــرب ش ــام ق ــرعى األغن ــربي ي ــتى ع ، ف فلسطين، كان يمري الحجارة على مدخل مغارة بحريــة تعلــو مكــان وجــوده تــدعى مغارة قمران، فجأة سمع صوت انكسار جرة، فتسلق المنحدر ليتحقق من الصوت، وما اكتشفه بصعوده هذا أحدث ثورة في طريقة دراسة الكتاب المقدس، فهناك في هذا الكهف وداخل هذه الجرة وجــد عــددا كبــيرا من لفــائف ورق الــبردى المتراصــة

والتي تحتوي معلومات تتعلق بأدق مضامين العهد القديم ونبؤاته.

إنها تعاليم مميزة من آثــار العهــود القديمــة وجــدت وهي تحتــوي على حكمــة أزلية تصلح للتطبيق في كل زمــان ومكــان. ومن الممكن العثــور على بقايــا جديــدة منهــا ومثيالتهــا من حيث المحتــوى ويمكن الوصــول إليهــا فقــط عــبر المخطوطــات "الهيروغليفية" السومرية المنقوشة على صخور المعابد والتي يعود قدمها إلى فترة زمنية تتراوح بين ثمانية وعشرة آالف سنة، كما أن بعض الرموز وخصوصــا منهــا مــا يتعلق بالشمس والقمر والهواء والماء والقوى الطبيعية يعود قدمها إلى قبل ذلك أي

قبل التغيرات الطبيعية العظمى التي أنهت الدور السابق.

وال نعلم كم من آالف السنين قبال كانت هذه الرموز ومعانيهـا موجـودة والـتي يعتــبر درســها وتطبيقهــا بمثابــة موقــظ أو منبــه للمعرفــة الحدســية الــتي إذا تمكن اإلنسان من بلوغها الستطاع أن يحـل مشـاكل العـالم كلـه، وآثـار هـذه التعـاليم قـد ظهرت في كل بلد وفي كل دين ومبادئها األساسية قد علمت في بالد فارس ومصر والهند والتيبت والصـين وسـوريا القديمـة وفلسـطين واليونـان ولم يسـبق أن نقلهـا شعب أو حضارة بعفوية ودقة وصفاء كما نقلها األسينيون، هذه األخوة الغامضة التي عاشت بين المئتين قبــل المســيح والمئــة األولى بعــده في فلســطين وعلى ضــفاف بحيرة "ماريوتيس" في مصر، وقــد عــرفت هــذه األخــوة بالـ "أســينيين" في ســوريا وفلسطين أما في مصر فقد عرفت بالمعالجين والشافين. وبالنسبة لتعــاليمهم فــإن الجزء الخفي منها كان يلقن من خالل رسائل أسموها "شــجرة الحيــاة" و "االتصــال األسيني مع المالئكة" و "السلم السابع المضاعف" وغيرها، أما الجزء الظاهري منها فمدون في كتابهم األول وعنوانه "إصحاح السلم عند األسينيين" وهو الــذي اكتشــف

في مغارة قمران اآلنفة الذكر.

إن أصل ومنطق هـذه األخـوة غـير معـروف حـتى اآلن كمـا اشـتقاق اسـمهم فالبعض يعتقد أن اصلهم يعود إلى اخنوخ وأنه هو من أسسها وهو كان يشكل محـور االتصال بينها وبين العالم المالئكي. والبعض اآلخر يعتبر أن اسـمها مشـتق من اسـمــذ إسرائيل. ومهما كان فمن المؤكد أن األسينيين كانوا موجودين كاخوة وجماعــة منــاب الزرادشــتية ــاليمهم في "األفيســتا" )كت ــدة ونســتطيع أن نتلمس تع ــات بعي أوق المقدس( والذي جعل من هذه التعاليم طريقة وطريقا للحياة كما أن أسس المبادئــة للفلســفة ــة الالهوتي ــدا" والـ "أوبانيشــاد" )النظري ــوم الـ "في ــة" وعل الـ "براهماني

الهندوســية القديمــة( ونظم اليوغــا والهنديــة تنبثــق جميعهــا من نفس المصــدر وقــد أبرزها بوذا الحقا في فلسفته وفي كتابه المقدس "شجرة البــوذيين" والــذي يتنــاغم مع كتاب األسينيين "شـجرة الحيـاة". أمـا في الـتيبت فالتعـاليم عينهـا تجسـدت في كتاب "عجلة الحياة في التيبت". الفيثاغوريون والرواقيون في اليونان القديمة اتبعوا أيضا ما يماثل المبادئ األسينية في طريقة حياتهم وهذه المبادئ عينها كــانت أســس الحضارة "الفينيقية األدونيسية" واألساس الــذي قــامت عليــه مدرســة الفلســفة في اإلسكندرية في مصر كما ساهم في عدة مجاالت في بناء الحضارة الغربية وترجمها المسيح بأجمل وجه وشــكل في خطبتــه على جبــل الزيتــون والــتي تضــمنت مبادئــه

السبعة الشهيرة.

عاش األسينيون على شواطئ البحيرات واألنهــار بعيــدا عن المــدن والبلــدات ومارسوا حياة طغى عليها الطابع الجماعي الذي يقتضــي المســاواة والمشــاركة في كل مظاهر الحياة، وكانوا معظمهم مزارعين ولديهم معلومــات واســعة عن عوامــل التربة والمناخ وزراعة الحبوب والعوامل الطبيعية في منــاطق تعــد صــحراوية بأقــلــد أو خــدم وهم ــديهم أي عبي قــدر ممكن من اســتهالك الطاقــة البشــرية، لم يكن ل مشهورون بأنهم أول أناس دانوا العبوديـة كنظريـة وكتطـبيق. لم يكن بينهم غـني أو فقير فقد اعتبروا أن كال الحــالتين شــاذة عن القــانون اإللهي وقــد اسســوا نظــامهم االقتصادي الخاص بهم والذي يتماشى مع هذا القانون وأثبتوا بمسـلكيتهم أن مجمـل حاجيات اإلنسان المادية يمكن الوصــول إليهــا من دون صــراع، قضــوا معظم وقتهم في دراســة المخطوطــات القديمــة الــتي ركــزت بمجملهــا على الطب وعلم الفلــك ويقال انهم ورثوا هذه المعارف عن الكلدانيين والفارسيين والمصريين، كمـا امتـازوا بتمرسهم بفن النبوءة والتي كانوا يصلون إليها بالصيام المطول وكانوا محترفين فيــزوغ العالج بواسطة األعشاب. عاشوا حياة بسيطة عادية، يستيقظون كل يوم قبل ب الفجر ليدرسوا ويتصلوا بقوى الطبيعة. ويستحموا بمـاء بـاردة كعـادة متبعـة ويلتفـواــه بصــالة، ولشــدة ــه بصــالة وينهون ــاولون الطعــام بهــدوء يفتتحون بقمــاش أبيض يتن احترامهم العميق لجميع المخلوقات الحية لم يأكلوا اللحوم ولم يشربوا الخمــر. أمــاــاتهم مكنت الفــرد منهم أمسياتهم فقد تكرست لالتصال بالمساوات، وأن طريقة حي من العيش حتى مئة وعشرين عاما وأكثر ويقال أنه كانت لديهم قوة عظيمة وقــدرة وثبات في كل أعمالهم كانوا يعبرون عن محبة خالقة. من أعظم المعالجين الشافينأو رسلهم إلى العالم إيليا )يوحنا المعمداني( والسيد المسيح السيد اإلسيني األكبر.

أما االنتماء لالخوة فكان يستوجب نظامــا وقواعـد دقيقـة من فـترة انعـزال ال تقل عن السنة إلى ثالث سنوات من الممارسة العملية والتجريبية وصــوال إلى ســبع

سنوات من العلوم الظاهرية قبل التعرف على الحكمة السرية األزلية.

ــرين عنهم ــه المعاص ــا من خالل كتاب ــينية أتتن ــاة األس ــير الحي ــجالت س إن س وأبرزهم "بيليــني" )عــالم الطبيعــة الرومــاني( و "فيلــو" )الفيلســوف االســكندراني( "ويوسفوس" )المؤرخ الروماني اليهودي( و "سوالنيوس" وغــيرهم، والــذين أجمعــوا كلهم في وصفهم لألسينيين على أنهم شعب مستقل ومتمــايز أتم التمــايز بشــكل ال

مثيل له في العالم.

ــة ــة اآلرامي ــان باللغ ــينيين حفظت في الفاتيك ــة لألس ــاليم الظاهري بعض التع والبعض اآلخر باللغة الـ "سالفية" والــتي كــانت بحــوزة "الـ هايســبورغ" في النمســا ويقال أنها انتقلت إلى آسيا عبر الكهنة النسطوريين الذين هربوا من جيــوش جنكــيز خان وصداها اليوم يتجلى بأشكال عـدة كمـا تظهـر مالمحهـا في عبــارات نسـتعملها

يوميا كـ "السالم عليكم" وفي أسماء أيام األسبوع أيضا.

ويثبت صمود هذه التعاليم عبر العصور أنها ليست من صنع فرد وال جماعة بل هي تفسيرات لعلوم إلهيــة أوتيت للعــالم عــبر أســياد وأنبيــاء علمــوا البشــر النظــام الكــوني، فهي تفســير للقــانون اإللهي بإلقائهــا اللــوم بمــا يتعلــق بــالكوارث والخلــل الطبيعي على شذوذ اإلنسان عن هــذا النظــام، وتفســح الســبل للرجــوع عن الخطــأ

وخالص النفس.

المسلك الروحي لألسينيين:

احتقر األسينيون الحياة الماديــة والبــذخ والــترف وإشــباع الــنزوات الــتي كــان        يعيشها اليهود في أورشليم، فاشتهروا بالعفــة والتعفــف والصــدق والمحبــة والتــآلف فيما بينهم. دانوا العبودية وتقشفوا زاهدين في متاع الحياة الدنيا في مسلك صــوفي باطني متمسكين في صفاء الروح ونقاء النفس والفضــيلة والخشــوع متــوجهين إلى

الله دون واسطة أو وسيط.

ــوس فتعرضــوا        ــاء الجســد وحســاب النف ــروح وفن ــود ال وآمن األســينيون بخلــاة لالضطهاد في أورشليم لهذا المسلك البار، فانتبذوا ناحية البحر الميت وعاشوا حي

نسكية جماعية عنوانها الطهر والعفة والعبادة الروحية.

ورد ذكر األسينيين ونظــام حيــاتهم وتنســكهم في موســوعة المــؤرخ اليونــاني        األصل "بلينيوس األكبر" والمؤرخ اليهــودي األصــل "يوســيفوس" في كتابــه "حــروب اليهود" والذي وصف حياتهم ومنهجهم الديني. أمــا األديب ميخائيــل نعيمــة فقــال أن معنى اسمهم هو "الساكتون" أو "األنقياء"، أو "األطباء"، وأشــار إلى انضــمام يوحنــا المعمداني ويسوع المسيح إلى األخوة األسينية وهما في الثالثــة عشــرة. ويــتردد أن الفيلسوف فيثاغوراس قــدم من كروتونــا إلى جبــل الكرمــل حيث تصــوف مــدة من الزمن ونشر رسالته بين الكنعانيين فأثرت فيما بعد على األسينيين، وهذا قــد يفســر مدى التشابه بينهم وبين الفيثاغوريين في تصوفهم واعتقادهم بخلــود الــروح. وادعى الصابئة المندائيون الذين اشتهروا في جنوب العراق، بأنهم جاؤوا من ضــفاف البحــر

الميت ونقلوا معهم تعاليمهم الغنوصية متشبهين باألسينيين.

وهذه مقتطفات مترجمة عن اآلرامية من أسفار مخطوطات خربة قمران:

ال تسعى وراء قانون الكتب، فالحياة هي القانون

فما الكتب إال كلمات

حقا أقول لكم

األنبياء لم يتلقوا القانون من الربا كتابة

بل من خالل الكلمة الحية

فالقانون هو كلمة حية وينطق بها إله حي إلى أنبياء أحياء

ففي كل ما هو حياة كتب القانون

فهو في العشب واألشجار

في األنهار والجبال وطيور السماء

في كائنات الغابات وأسماك البحار

ولكنه يوجد خاصة في ذواتكم

فكل األشياء الحية اقرب إلى الرب من الكتب

فالله صنع الحياة واألشياء الحية

لتكون هي الكلمة األبدية

فعلموا كلمة أب السماوات

واألرض األم

إلى اآلدميين

فالرب لم يكتب كلمته على صفحات الكتب

بل كتبها في قلوبكم وأرواحكم

في أنفاسكم ودمكم

في لحومكم وعظامكم

في عيونكم وآذانكم

وفي كل أعضاء جسدكم

في الهواء والماء

في األرض والنبات

في أعماق المرتفعات

فكل هذه الكائنات تتكلم إليكم

لكي تفهموا سر اللسان واإلرادة

لسان وإرادة الرب

الكتب هي من صنع اإلنسان

ولكن الحياة وحامليها هي من صنع الرب

رب أنت أوال

خلقت قوى السماء

وأفصحت عن قانونها

ومنحتنا األفهام

من عقلك أنت

وصنعت حياتنا الجسدية

فنحن ندين لك يا أب السماوات

بما وهبتنا من تنوعات الحياة

فنحن ندين لك يا أب السماوات

ألنك وضعت فينا منبع الينابيع

وضعت فينا ينبوعا حيا وسط صحراء قاحلة

ليروي جنة أبدية

ليروي شجرة الحياة، ولغز األلغاز

لتتشعب منها أغصان األبدية

 

مالك الحكمة العقل الكلي:

ما هي الكلمة البليغة؟

هي كلمة الحكمة المباركة

ما هي الفكرة الحسنة؟

هي تلك التي يفكر فيها طفل النور

الطفل الذي ينظر إلى الفكر المقدس

نظرته إلى أغلى ما في الوجود

وهكذا ينشأ طفل النور

في تركيز وعلى اتصال

لكي تنمو فيه الحكمة

وهكذا يثابر

حتى تنجلي أمامه

غوامض الجنة األبدية

حيث شجرة الحياة

وعندها سينطلق بهذه الكلمات:

يا أب السماوات!

هبني رسالتي

في بناء مملكتك على األرض

من خالل األفكار والكلمات واألفعال المحكمة

أفكار وكلمات وأفعال طفل النور

وأغلى ما عندي!

هو عقلك الكلي!

سأعبده وأعبدك يا أب السماوات،

ألنه صاحب عقل فينا

مسؤول عن الحفاظ على مملكتك

حرريني أيتها الحكمة المقدسة من الخوف

حرريني من الجهل

ابعثي فينا اإلدراك الالمتناهي

الذي ال يحد بكتاب

وابعدينا عن سبب المآسي والخراب

إبعدينا عن الجهل

جهل الذين قد قضوا وماتوا

وجهل الذين سوف يموتون

 

نبوءات:

اصغوا لي، يا شعبي

واولوني أذنا

ارفعوا عيونكم إلى السموات

وانظروا إلى األرض أدنى

السموات سوف تتالشى كالدخان

واألرضون ستغدو رديئة كرداء رث

والذين يقطنون في السموات واألرضين

سيفنون فناءها

ولكن مملكتي ستكون إلى األبد

وقانوني لن يقضي عليه

في ذلك اليوم جهنم ستمتد امتدادا

وتفغر فاها ال قياس له

ومجد وازدراء وأبهة األشرار ستنحدر

في داخل الفم انحدارا

عندها تلتهم النار الجذامة

ويستهلك اللهب العاصفة

ويصيب التلف جذور االشرار

وزهوهم كغبار يتالشى

النهم هجروا قدسية النظام اإللهي

واحتقروا كلمة أبناء النور

وفي ذلك اليوم، ينظر اإلنسان إلى األرض

وال يرى إال آالما واسى

ونور السموات يغدو قاتما

وحكام يدفعون بشعوبهم إلى الخطأ

وأتباع لهم يزهقون باطال

فالكل في ذلك الوقت مراء ومنافق وشرير

وكل فم ينطق بحماقة

وتصبح الناس كوقود نار

يحترق بلهيبها الفجار

وال أحد يعتق أخاه

ويل لمن يخطئون ببصيرتهم،

ويتعثرون بحكمهم

أولئك هم الكاذبون المتمردون

هم من رفضوا سماع صوت الرب

هم من يقولون لذوي الرؤية: "تعاموا"

ولألنبياء: "ليست النبؤة علينا بخير"

لكنهم يتكلمون بأصوات ناعمة

ويل لمن يحكمون ظلما

ومن ثم يبعثون بتعاز لمآس هم سببها

ويل لمن يصلون بيتا ببيت وحقال بحقل

في أواسط األرض حتى يأتي الزمن الذي ال

يوجد مكان فيه للخلوة

ويل لمن يستيقظون باكرا

ليس توقا للقاء المالئكة

بل ليتابعوا الشرب حتى الليل

إلى حيث لهيب الخمر يشعلهم

ويل لمن يسمون الشر خيرا والخير شرا

ومن يمزجون الظالم بالنور والنور بالظالم

ويل لمن يسلبون الفقير حقه

ويجعلون من األرامل ضحايا ويسرقون اليتامى

سيأتي زمن تقلم فيه يد الرب أغصانهم

بأصابع النظام اإللهي

وكل غطريس يقهر

هللوا فيوم الرب قريب آت

سيكون دمار من الواحد القهار

وقلب كل امرئ سيذوب

عندها سينتابهم الخوف

ووقع فاجعة يستحوذهم

وألم امرأة في مخاض

يذهلهم والكل مذهول باآلخر

ووجوههم كدخان

انظر، فيوم الرب آت

يوم موحش وحشة غضب جبار

يجعل من األرض فقرا

سيحصل في ذلك اليوم

أن الرب سيعاقب المتكبرين

وملوك األرض على األرض

عندها سيجتمعون معا

كسجناء حفرة ويسجنون سوية

ويظهر الرب من مكانه

وينزل ويالمس األماكن العليا على األرض وستطوى

الجبال تحته والوديان تذوب

ذوبان شمع على نار

والمياه تنجرف نزوال من أعالي المرتفعات

ويختفي القمر وتنخسف الشمس

وتخل نجوم السموات بنورها

ويهز الرب السموات

واألرض تمور

في يوم غضب الرب

تتبدد المدن المضيئة

وتسكنها وحوش الصحاري

وتفقد األرض خضرتها

في ذلك اليوم تصبح المدن الحصينة كمقابر مهجورة

وعواصف حبات برد تجرف مالجئ الكذب

والمياه غاضبة

تطوف على مآوي األشرار

وعلى قمة كل جبل

وعلى قمة كل تلة

ستكون أنهار وسيول

في يوم الذبح العظيم

عندما تنهار األبراج

بعد ذلك اليوم سيصبح نور القمر كنور الشمس

ونور الشمس سبعة اضعاف

انظر، اسم الرب آت من بعيد

يتأجج بلهيب الضغب

والعبء في ذلك الحين ثقيل

وشفاه الرب مليئة بالسخط

وفمه كنار ملتهمة

سيريهم قوة ذراعه

بلهيب نار ملتهمة

فأبناء آدم قد هجروا النظام اإللهي

مدينة الفوضى واإلرباك قد دمرت

وكل بيت مقفل بوجه صاحبه

ونحيب وولولة على الطريق

ومرح قد لطخ بالدم وطرب األرض قد ولى

سيحدث أن كل من يتفادى صوت الرعب

سيقع في الحفرة

ومن سينجو من الحفرة

سيؤخذ في الفخ

والنوافذ في األعالي تفتح

وأسس األرض تهتز

وتتدمر األرض وتنحل

وتمور بسرعة

عندها سيذوي القمر وتخجل الشمس

وترقص األرض متأرجحة رقصة سكران

وستقع ولن تقوم أبدا

ومضيفو السموات ينفضون منها

والسموات ستطوى كالسجل

وضيوفها سيسقطون أرضا

كما تتساقط أوراق العنب

وكما يتساقط التين من شجرة التين

والبحار ينفد ماؤها

واألنهار تجف

والينابيع تتحول إلى مستنقعات

والغبار إلى كبريت

واألراضي ستصبح بركا من الحمم

تلتهب ليال نهارا

وسيسكن األرض طيور الواق

والبوم والغراب

وعليها تمتد منادية

خطوط الضياع وصخور الفراغ

منادية حكام األرض

وما منهم أحد هناك

وأمراء األرض يصبحون ال شيء

وشوك ينمو على صورهم

وقراص وعليق على حصونهم

وستكون مستوطنة للتنانين

وملعب للبوم

وسفراء السالم يذرفون دمعا مرا

والطرق العامة ستدمر

واألشجار النقراضها معدودة

وطفل يمكن أن يعدها

انظر، اليوم آت

وكل ما ذكر سيحل في األرض

وكل ما ذخره آباؤنا

سيتبخر مع دخانها

فأنتم قد نسيتم أب السموات

وقد احتقرتم األرض األم

وقد اضطهدتم قانون ألب ولهذا ستخفيكم

السموات وستلقي بثقلها عليكم

وستهبط الجبال نزوال عند حضوره وستريهم يده قوة قانونه

انظروا، فنحن ال نستحق، ألننا أخطأنا

نحن كبحر هائج، ال يعرف استقرارا

ومياهه تقذف الوحول واألوساخ

فقد تحلينا بالغرور، وتبوقنا بالكذب

وأقدامنا تركض نحو الشر

تاركة وراءها الدمار والخراب

نلتمس طريقنا إلى حائط مسدود عميا

ونتعثر في الظهيرة كما لو كنا نمشي ليال

نحن في أماكن مقفرة كاألموات

ولكنك اليوم، أنت أبانا يا أبا السموات

فنحن الطين وأنت لنا الخزاف

ونحن شعبك

فالمدن المقدسة بدونك قفر

واألرض هدر

بيتنا المقدس

ذلك المكان الذي فيه مجدك آباؤنا

قد حرق بالنار

حتى بريق علوم أبينا أخنوخ

قد دفن تحت رماد وغبار

ونظرت حينها إلى األرض

h مخيفا فلم أجد فيها شكال بل فراغا

وإلى السماء

فلم أجد فيها نورا

h مخيفا بل ظالما

ونظرت إلى الجبال فرأيتها تنهار

ورأيت تالال تذوي وتذوب

األســينيون... أخــوة الصــدق والفضــيلة )يوتوبيــا على ضــفاف البحــر الميت( –       (.1997راجع الضحى العدد السابع والستون )أيلول

النبي أيوب:

... وقالت المباركة أليوب: ماذا بقي لك في بلواك هذه من لحم على جسد، ومن عم في        قوام، ومن جلد يتراءى لي في القرب والبعد، وكأنه بقايا من ظالل الصمت وبقية باقية من رماد

السكون، في ثورة النار الحسية وفوران مادتها وحركيتها خارج الذات يا أيوب:

أجابها صاحب البلوى وصاحب التجربة، وصاحب االجتباء عبرهمــا: كلي وقــري        عينا ما طاب لك من جسدي الزائل هــذا يــا رفيقــة كهفي ونســكي وتعبــدي، ومحض توحدي وتوحيدي في ذروة االنعتاق من وهج التراب، وفي روعة االنخطــاف الــروحي في وهج التوحيد: فيا أيتها المباركة: لقد بقي لي النــار الموقــدة في األفئــدة؛ ولــدت فينا على الفعل موالنــا وهادينــا، وبقي لــك الحريــر الــبراق في مــادة تحــول وتــزول، وتفنى وتتحول؛ تدخل وتخرج من سجن إلى سجن للروح فيــك فحــذار االنــزالق إلى درك الشهوات، والتعلق باألرض. فالثمر واالنعتاق هو البغية والمراد. فليسـت الـروحــه: إنهــا من معــدن الهي أســمى وأرفــع من هــذا العــالم، وليســت النفس من معدن وأقدس، وتجربة أيوب عليه السالم تؤكد حقيقة توحيد ما تاقت إليه نفسه وتشوقت، والصراطية المستقيمة، في ذاته، في مخرج تطهره ونقائــه، وصــفاء روحــه، وأحقيــة االجتباء فيه وبه؛ ومعنى االختيار ورهبة االمتحان في الذات وبهـا، شــكلت، كلهـا، فيــبورا ــابرا وص ــان ص ــوب؛ فك ــبر في أي ــال الص ــورين: ح ــفحين والمن ــالين والس الحــا واستمرارا هذه الحال في رياضها، وعبق عبيرها، ونفح الطيب في شذاها، في حله وترحالها، على دروب التوحيد ومسالك الحق في حنايا الـذات وتشـوفات النفس في محض تواصلها وكشفها وحقيقة النور فيهــا، النــور اإللهي األزلي فيهــا من قبــل ومن بعد: هنا بلغت الرؤيا بأيوب مفاتيح المأل األعلى وخــزائن الرحمــة والبركــة والصــدق، ونعم العطاء المقدس بال حساب؛ فكان أيوب "الجد والفتح والخيــال" شــهداء الحــق في "مقام الصبر" أليوب فإذا به عليــه وعليهم الســالم رمــز للصــابرين. فنعم األوبــة الكبرى لحقيقة الذات في أيوب. وجميل الصبر والعقــبى والــدار لكــل الصــابرين فيــار ــد لم تكن إال معطى األخي كل األكوار واألدوار: فالمقام هو هو وحقيقة ذات التوحي واألبرار من لدنه تعالى، فقدس من ذاتــه ال موجــود وال معبــود ســواه، وليس كمثلــه شيء: له العزة والملك؛ البدء واالنهاء: هو الواحــد األحــد، في الظــاهر والبــاطن في

األول واآلخر. أنه العزيز الحكيم. أنه تنزيه التجريد تبارك وتعالى.

ــل        ــكون العق ــد، وس ــوى والتعب ــز التق ــاهقة من ذرى ع ــا، في ذروة ش من هنــد ــا بع اإلنساني من صدق عبادته تجلى في أيوب الزمان ومقام الصبر أرفعها وأعزه مقام الفقر في الحالين فيدروب الســالكين والمريــدين فال بــد أن يخــاطب عقــولكم ونفوسكم ومجاري حركة العصــر فيهم إنكم جميعكم، وبنــو البشــر قاطبــة في القيم والمثل والجوهر أخوة في إنســانيتكم، أخــوة في حقيقــة أديــانكم، أخــوة في صــرفــا، وحســن الترفق من مفاسد المنقولين في األديان، والجاحدين لخير مناقبها ودريته توجه القصد منها، وتوسم الخير في مراقي تقدمها وتطورها، ورهافة خشوع النفســاس. وال في رحاب جنائنها. ما كان الدين يوما، ولن يكون، أداة تفرقة وفرقة بين الن يمكن أن يكون قطعا وسيلة حروب ودمار، وقذارة اجتماعية، وانحطاط في التعامــل االجتماعي؛ كون األديان كلها على اختالف أزمانها وأدوارهــا ومراحلهــا وســيلة محبــة في اإلنجيل ورضى وإسالم وتسليم في القرآن. األديــان كلهــا اللــه مرجعهــا وباعثهــا

ومعطيها بني اإلنسانية قاطبة وعلى أيدي الرسل واألنبياء عليهم الصالة والسالم.

فإذا كان دين الله اإلسالم فاإلسالم توحيد ومحض توحيــد في حلقــات متتابعــة        ومشعة منذ أن كان الوجود، وكان الموجود الحقيقي موجده ومبدئــه وباعثــه وبانيــه، مقيمه ومؤيده بالحق بكافة األلسنة واللغات، وفي كل األزمنة والــدهور. أنــه حقيقــة السابق في وجوده كل الموجودات، وسابق لهــا ولعلــة وجودهــا. وال يمكن أن يكــون علة لمعلول سواه. فتيقنوا وتفهموا أن السر بالمعرفة. وحقيقة العبادة أن نعرفه به، بالذات الجوهرية حيث ال يمكن أن نعرفـه بغـيره إطالقـا. وحـدة في الـدين واختالف في المظاهر والعرض، وحدة في ذات الحق وتكــثر في الشــكل؛ وحــدة في القــرب

والنجوى وتفرق في المذاهب والمسالك؛ والحقيقة هي هي في كل حال وزمان.

فحذار السقوط والزلـل في متاهـات االنحـراف والمنحـرفين، متاهـات العـدم       ــق واالعتكاف على عبادته في مسالك العدميين. فال منجاة بعد فالعدم بوار ونور الحــات ورضــوان. بقي أن نعــرف وتســلك. ويحضــرني استشــهاد ــده: جن في ذات توحي الحالج في صالته الشهيرة: ".. وهؤالء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصبا لدينك، وتقربا إليك، فاغفر لهم؛ فأنك لــو كشــفت لهم مــا كشــفت لي، لمــا فعلــوا مــا فعلــوا. ولــو سترت عني ما سترت عنهم لمــا ابتليت بمــا ابتليت. فلــك الحمــد فيمــا تفعــل. ولــك

الحمد فيما تريد".

أنه سر محض التوحيد، ال يدركه وال يعقله، وال يعرفه إال المتبصرون به، بذوات        أبصارهم وبصيرتهم ولهم البلغة فيما يرومــون ويجهــدون وهــذه الســرية وكــانت نهج حكماء الهند ومصر القديمة والصين وإيران واليونان وسواهم من األقــوام. وال تــزالــاتهم وأرواحهم بمســلك الحكمــة القديمــة، المتصــل ــون تعمــر حي مــيزة من ال يزال المتجدد أبد الدهر. فالتوحيد المحض هو هذا العرفان ذاته من فرادة الحق الــذي هــو محض اختبار وال يتحقق إال في ســر البصــيرة العقليــة والمخــاطرة. إن هــذا التوحيــدــود المحض ونظرية التوحيد الثورية في االسالم ذاته. )سورة النور( هو إحداثه الموج في ذاته أو هو مسلك األحدية: نهاية كل معرفة، هو "الحقيقة وحدها تشير وتدل إلى الحقيقة. وال تدخل في أي اختالف أو مشاحنة مع أي دين أو معتقد آخر. فالحكمــة ال

تنفك في أي زمــان أو مكــان عن االســتطالع األخــير للعقــل، ونزعتــه الجوهريــة إلىمعرفة مصير إبداعه وأصل ينبوعه ومعين خلقه.

مسيرة أيوب الروحية هي الجهاد األكبر، جهاد النفس.       

مقتبسات من وأيوب إذ نادى ربه – راجع الضــحى العــدد الخــامس واألربعــون       1995.

 التوحيد في المسيحية

مشاهد من ذاكرة التوحيد

عصر المسيحية

"لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته، لكن ألنكم لستم من العالم بل       (.15/19أنا اخترتكم من العالم لذلك ببغضكم العالم". )يوحنا

(.16/20 "تأتي ساعة فيها ينظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله". )يوحنا        

من الرجال والنساء واألحاث ساروا لحتفهم205، 1244 آذار 16 صباح         Leينشدون أناشيد الوفاء والتضحية حيث حرقوا سوية في ما يعرف اليوم بـ

Champs des Cre'matsلماض h أو "بستان الذين حرقوا"، وهو يمثل اليوم رمزامسيحي مشرق بالحرية والكمال وسط ظلمات العصور الوسطى المكفهرة.

وتقف فوق ذرى جبال فرنسا الجنوبية المقدسة بقايا حصن "مونتسوغر"       �ة آلخر عقيدة عرفانية في الغرب: العقيدة "الكاثارية" واإلسم "كاثار" كذكرى حي

أي الطاهر.  Katharosمشتق من الكلمة اليونانية

وبما أن الكنيسة الكاثوليكية آنذاك اتهمتهم بالهرطقة، ح�كم على كتبهم كما       h عن كتابتهم. أجسادهم بالحرق، لذا قلما نجد أثرا

وطالما كان التاريخ عبر العصور بأيدي األكثرية المتسل�طة وطالما كانت       �يات النخبوية كاألسينيين والكاثار م�ضط�هدة حتى في اختزان ذكراها بين صفحات األقل

كتب المؤرخين وتالفيف الذاكرة البشرية. ط�مست فضائل الكاثار في المجتمعات األوروبية بالرغم من تعاظم تأثيرهم في فرنسا وإيطاليا ويوغوسالفيا وبلغاريا وسويسرا وألمانيا إضافة إلى إثباتات عن عالقتهم العميقة بالمجتمع الصوفي

اإلسالمي في أسبانيا والشرق األوسط دون أن ننسى الصين الغربية وتأثيراتالفلسفة الطاوية على عقيدتهم.

�جريت عنهم لم تصل        وأصول الكاثار غير معروفة، والكثير من البحوث التي أ إلى نتيجة، وأول جذر لهم في الغرب و�جد في "شامبانيا" جنوب فرنسا قرابة سنة

ميالدية ، وغير معروف كيف ولم و�جد الكاثار في محافظة "تولوز" على1000 الحدود مع ايطاليا، ومع هذا لهم جذور ضاربة في إيطاليا، ومع هذا لهم جذور ضاربة

والكتابات  Langue d' Ocفي إيطاليا وألمانيا وشرق فرنسا، وكانت اللغة آنذاك �ل محاكم التفتيش �عتق�د أنها كانت وفيرة ح�رقت وأتلفت من قب الكاثارية التي ي

الشهيرة لخدمة الكنيسة، فقط وثيقتان سلمتا من العبث، األولى مخطوطة التينيةThe Book of the Two Principlesأي "كتاب المبدأين" التي ح�فظت في فلورنسا

�ف�ذ ت عام تستند إلى عمل كاثاري لِـ "جين لوجيو" من1260وهي ترجمة ن ، والمخطوطة الثانية ترجمة التينية لكاتب قد يكون1230"برغامو" وكتبها عام

، وما1939الكاثاري "بارثلمي من كاركاسون" و�جدت في "براغ" )التشيك( سنة تبقى من كتابات تعود لفرنسا تابعين للكنيسة الذين نظروا إلى الكاثار كما نظر

الرومان إلى ال "درويد" بوصفهم سحرة ومشعوذين وعبدة للشياطين، وقلة من المؤرخين تطرقوا بموضوعية لهم ألن نظرتهم الفلسفية لم تكن مجاوزة لنظرياتh، إذا بماذا اعتقد الكاثار؟ ذلك العصر وحسب بل لنظريات هذا العصر الحديث أيضا

�ة تعهدت بالبحث العميق عن أسرار        عبر العصور، كانت هناك فرق غنوصي الوجود ولم تكتف� بالتفسيرات السطحية السائدة لتضليل العامة، ومن الفيثاغورية

h إلى بعض الفرق العرفانية دأبت تلك الجماعات على إلى األفالطونية الم�حدثة وصوالh عن h بالرقي الروحي بعيدا كشف الح�ج�ب الكثيفة التي تستر الحقائق المتوخاة شغفا

h في حنايا النفس السفسطة والعقائد العمياء، وكانت محاوالتهم المخلصة تعم¢قاh إلى اإلدراك أن h لقوانين الزمان والمكان وعوائقهما والتحرر منهما وصوال وتحد�يا

اإلنسان يكمن في ذاته المقدرة على معرفة الوجود المطلق.

في الوقت الذي أفلس فيه الماديون من سبر أغوار التكوين، وتخل�ى       £قوا في خياالتهم وفي وقت لم يجد الباحثون عن المثاليون عن العالم المادي وحل

h أجوبة تلك اإلله الواحد إليه سبيال، عرف الكاثار ما لم يدركه اآلخرون وعرفوا يقيناالتساؤالت الخطرة.

لماذا يوجد الشر إذا كان الله ك~لي القدرة؟

اعتقد الكاثار أن الخير والشر حاالت يعيها اإلنسان فقط في إدراكه الزدواجية        العالم المادي المبني على التناقضات، وهذا اإلدراك اعتقد الكاثار بأنه خيار يقوم به

h في دوامة وهمية تعط�ل غاية الوجود إلى ما ال نهاية، �با اإلنسان بمحض إرادته متقلh إليه. من خالل وكان اعتقادهم أن الوجود آحادي مطلق ويمكن االنجداب روحيا

االستدالل العقلي لتناقضات العالم المادي االزدواجي الذي يتضم£ن حاالت الخير والشر ارتقاء إلى إدراك المعنى الخفي في النظام األحادي لعالم الذات، واالعتقاد عند الكاثار يستند إلى الثنائية: العالم الروحي وهو الحقيقي، والعالم المادي الذاتي£ل بالنظرة £ل بالمعنى الموضوعي الذاتي فيما الوهم يتمث وهو الوهمي، الحقيقة تتمث

الشخصية الخاضعة للتأثيرات الجسدية.

واعتقد الكاثار أن اإلنسان روح وجسد، والروح فيض من الله والجسد من        األرض المادية لذا فهو على مفترق طريقين، فجزءه اإللهي يجاهد لتصفية ذاته

£صل بالوجود المطلق عبر وجوده المادي، ويظهر المفهوم المسيحي للكاثار في ليت اعتقادهم أن بنور المسبيح يستهدي اإلنسان إلى أنوار حقيقة الوجود وبذلك يرتبط

h مع الله. h مقدسا رباطا

"الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي أرسلني". "الحق الحق أقول لكم       له. إن علمتم هذا س� انه ليس عبد� اعظ م من سيده وال رسول� اعظ م من مر�

�موه". )يوحنا .(18-13/17فطوباكم إن علمت

اد£عى الكاثار انهم المسيحيون الحقيقيون والعقيدة الكاثارية اعترفت بالمسيح       £د الكاثار h للبشرية وفي حين أك h أو مخل�صا كسيد أو رسول ولكنها رفضت اعتباره إلها�صلب لذا �هان وي بشرية المسيح اعتبروا من جهة ثانية أنه ذو قوى خارقة وحاشا أن ي رفضوا فكرة الصلب والقيامة بعد الموت، وبما انهم اعتبروا العالم المادي و ه�م من

¢بات الكون والفساد أخذوا تعاليم المسيح بوجه روحي باطني، ونبذوا كل تقل الطقوس الكاثوليكية كالقداس والتعميد ورمز الصليب، وآمنوا أن جهنم هي على

األرض وهي حرمان الروح من طبيعتها اإللهية المقدسة ولذلك أو�لوا القربان ل آخر على تفسيراتهم الرمزية أن شفاء المسيح المقدس إلى معان� روحية، وم ثh فجعله يبصر الحقيقة، ورفضوا العهد القديم من الكتاب لألعمى كان شفاءh روحيا

£زوا المقدس معتبرين ابراهيم وموسى أعداء الله أتيا بشريعة تفتقد إلى الروح، فرك في صلواتهم على العهد الجديد خاصة إنجيل يوحنا العتقادهم أنه سلم من عبثh أنها اخفت صفحات مهمة من األناجيل منها ما يؤكد الكنيسة التي اعتقدوا أيضا

حقيقة التقمص.

£م على الروح أن تعيش في أجساد عدة        �ح ت فقد آمن الكاثار بالتقم¢ص حيث ي حتى يتحقق وعد يوحنا بأرض جديدة وسماء جديدة. وبإعتقاد الكاثار بتعد¢د الحيوات عبر التقمص لم يجبروا المقصرين منهم على استكمال معارفهم حيث باستطاعتهم تحقيق ارتقائهم في حياة الحقة لكن على المقصرين أن يعرفوا المبادئ األساسية

للعقيدة. وينقسم المجتمع الكاثاري إلى جماعتين:

الذين أقسمواParfait et Parfaites ال "بارفي" وال "بارفيت" الجماعة األولى:�عرف بالـ "كونسوليمينتوم" يمين الوالء للعقيدة عبر طقس وحيد ي

Consolementomق كما� يتمثل بوضع إنجيل يوحنا على رأس المعتن يضع الموجودون أيديهم، فوق الكتاب ويؤدي ق س م الوالء، واشتهرت

نساء الكاثار بحريتهن وبحقوقهن الراقية. كما وكان الرجال يسافرون�حاس�ب الكاثاري زميله إذا اخطأ. وحازوا على اثنين اثنين لكي ي

h ونساءh كرسوا أنفسهم لشفاء المعارف العليا وهم نباتيون رجاال�ل الخالص الروحي، وتعه£د ب الناس وتوجيه الجماعة الثانية إلى س�

الرجال منهم بعدم الزواج.

�ون" وهم الكاثار الذين لم يختاروا طريق الكمالالجماعة الثانية: ال "كري )البارفي( لكنهم خضعوا لبعض القوانين التي اعتبرها الكاثار ذات قيمة روحية وليست تنظيمية منها وصايا أهمها أن ال يجعلوا الله

�حلفانهم ألن من يحلف مرةh يكون قد كذ�ب حين لم يحلف، ع�رضة لh بل انتشروا في h منعزال ومثل ال "درويد"، لم يكن الكاثار مجتمعا

المجتمع الفرنسي فكانوا أطباء وواعظين ولم تكن لديهم مهن�ق�بوا بالخياطين، وكان الكاثار يعرفون منبوذة لكنهم فض£لوا الخياطة ول

نظرة الناس إليهم وإلى فلسفتهم لذا لم يخوضوا في نقاشات قد تؤدي إلى تصادم ولم يناقضوا عقيدتهم من أجل أي غرض وفض£لوا

الصمت على الكذب الذي اعتبروه الخطيئة الكبرى لذلك ع�ر�فوا بالمسالمين، وبالرغم من نبذهم للحياة في عالم المادة الوهمي

رفضوا بشكل قاطع قتل النفس أو االنتحار. وكأن اختيارهم للحياة في عالم معكوس ج�رم دفعوا ثمنه، فحين تنامت قوتهم في منطقة

Langue d'oc"بدأ قلق الفاتيكان وقرر أن مثل هذه "الهرطقة �حتمل فليست سلطة الكنيسة الكاثوليكية فقط هي التي ستتعر£ض الت للخطر بل كان نظام أوروبا االقطاعي، فليس من الخطر إذا ما انتهج

ناسك حياة الزهد والتقشف لكن الخطر يكمن حين تنتهج جماعةh لنظام الكنيسة آنذاك الداعم £ل تهديدا كبيرة حياة كهذه، وهذا ما شك

لإلقطاع، فحل غضب الكنيسة واالقطاع الشمالي على الكاثار، وبدأت أسس مجمع1215، وفي سنة 1209الحمالت عليهم منذ سنة

محكمة تفتيش مخيفة وفي غضون خمسين سنةL atran"التران" ارتفع عدد ضحايا هذه المحكمة إلى مليون قتيل وفاق هذا العدد

ضحايا كل الحمالت األخرى ضد الهرطقة وحط£م جنود الفاتيكان قالع الكاثار خالل هذه الحمالت واعتقلوا البارفي والبارفيت وقاموا

ق التقليدية على األعمدة الخشبية، واستمر البارفي بحرقهم بالط�ر� على مساعدة المعتقدين.Consolementomالذين أقسموا والء الـ

وكان العدو الرئيسي لهم "كونت تولوز ريموند السادس" )صهر الملك البريطاني وابن عم ملك فرنسا(، حيث طلب منه البابا

ضوا لحملة إبادة في "إنوسنت الثالث" القضاء على الكاثار، فتعر£ جميع البالد وأهمها "حادثة مونتسوغر"

:مونتسوغر

قاد الهجود على جنوب فرنسا ضد الكاثار المتعصب "سيمون دو مونفور"، وكل المدن الموالية لهم تعرضت للتدمير بأبشع أنواعه. وخالل هذه الحمالت، تحد£ت

h من اإليمان، وكان مقتل اثنين من مفتشي مونتسوغر الكنيسة ووقفت حصناالكنيسة في "أفينيون" الشرارة التي أد£ت إلى الهجوم على مونتسوغر.

لجأ معظم قادة الكاثار "البارفي والبارفيت" إلى حصن مونتسوغر، ألن الحصون األخرى كانت قد سقطت في الحمالت األخرى، ودام الحصار عشرة أشهر

عانى خاللها البارفي من العطش والجوع وكانوا بقيادة "بيار روجيه دو ميربوا" م سقط1244 آذار 16وبحركة خيانة وصل جنود الكنيسة إلى قمة الحصن، وفي

حصن مونتسوغر وسج£ل التاريخ ثبات عقيدة نخبة الكاثار حيث لم يتخل£ أي "بارفي"�ر بين الموت ونكران العقيدة، فتوج£ه الكاثار إلى أو "بارفيت" عن عقيدته عندما خ�ي

h وهم ينشدون أشعار الوفاء والتضحية. الموت حرقا

الكاثار )منارة العصور الوسطى وضحايا التعص¢ب(- راجع الضحى العدد التاسع.(1997والستون )تشرين الثاني

�د المسيح؟ في الناصرة أم في بيت لحم؟: سؤال ترد£د منذ أن �د  السي أين و�ل كانت المسيحية حتى اليوم. فقد عكست األناجيل األربعة المعروفة و�ج�هات نظر

ع�د ة حول حياة ورسالة المسيح ومنها مكان والدته.

¤هما أن المسيح و�لد في بيت لحم، لكنهما يختلفان �ى ولوقا في إنجيلي يخبرنا مت في سرد وقائع ما بعد والدته، ففي حين يصف نتى� قدوم الحكماء الثالثة من الشرق

)المجوس( بعد عدة أيام من والدته: "وأتوا إلى البيت ورأوا الصبي مع مريم أمه"، يخبرنا لوقا عن "رعاة متبد�ين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم" وكيف ظهر

h في h مضطجعا رهم بمولد الطفل يسوع: "تجدون طفال لهم "مالك الرب" وبش� مذود". والتباين جلي الوضوح بين الروايتين، فكما لم يأت� متى� على ذكر الرعاة

ق كل من مرقس ويوحنا في غاب عن قول ذكر المجوس، في حين لم يتطر£ إنجيليهما إلى مولد المسيح، وانتقال مباشرة إلى معموديته على نهر األردن، وأطلقا ر! "بيت لحم". ويستمر السؤال: هل �ذك عليه تسمية "يسوع الناصري" من دون أن ي

و�لد المسيح في بيت لحم أم في الناصرة؟ وهل كان الزائرون لمكان والدته رعاةh؟ h، أم كالهما معا  أم مجوسا

h، ما هي كلمات المسيح هناك عدة تباينات وتناقضات بين األناجيل األربعة. مثال�ى ومرقس كانت عبارة من أحد المزامير: "إلهي إلهي لماذا األخيرة؟ في إنجيل ي¤ مت تركتني"، في حين يورد لوقا عبارة أخرى " يا أبتاه في يديك أستودع روحي"، بينما

نجد عبارة قد أكمل في إنجيل يوحنا لكن أية عبارة هي الصحيحة؟ أو هل نطقh كما يد�عي البعض؟ أسئلة كهذه جعلت الباحثين المسيح كل هذه العبارات حقا

�فت بالغموض، �ن �اب األناجيل أقحموا آراءهم في أقوال المسيح فاكت �ت يستنتجون بأن ك ومنذ القرن الثامن عشر شرع الباحثون في التقص�ي عن شخصية المسيح

(، بروفسور في1768-1694"التاريخية". وقام "هيرمان صموئيل ريماروس" ) اللغات الشرقية في جامعة "هامبورغ" )ألمانيا(، بالمحاولة األولى لفصل "يسوع

الحقيقي" عن طبقات الخرافة والتقليد التي تحيط بشخصيته. وقد كشف "ثوماسh من هذه الحقائق في رسالة إلى "جون آدامز" عام جاء1814جيفرسون" جانبا

فيها: "في العهد الجديد هناك إثبات ضمني بأن بعض أجزائه صدرت عن رجل خارق غير عادي في حين أن األجزاء األخرى يبدو أنها نتاج عقول أدنى. وإنه من السهل

�فص ل تلك األجزاء عن بعضها كفصل ألماس عن الحصى".  بمكان أن ت

هل ت~عتبر األناجيل تاريخية:

منذ كتابة األناجيل في القرنين األول والثاني حتى طباعة الكتاب المقدس�سخت األناجيل باليد، وقام1455عام عقب اختراع "غوتنبرغ" لآللة الطابعة، ن

�دين العناء الشديد. وكما هو معروف الرهبان والكتبة بنسخ كل مخطوطة متكباخ الكتاب �س� اخ أخطاء  عديدة أثناء قيامهم بهذه المهمة الشاقة، ون �س� يقترف الن

المقدس غير مستثنين بالطبع، فقد ظهرت أخطاؤهم وكذلك الحشو والحذف حينما قارن الباحثون كل المخطوطات الموجودة، وبرهنوا أن األناجيل الحالية غير خالية

h، وليست كما اعتبرها مجلس h للتناق�ض الموجود في ما بينها أحيانا من األخطاء نظرا�فها هو الله" إنما هي وليدة تقليد ديني تطو£ر1870-1869الفاتيكان األول ) ( "مؤل

h مع خالل حقبة من الزمن. وبانتاجهم هذا التحليل المنطقي، استنتج الباحثون مبكرا�على أحداث حياة المسيح وحتى �اب األناجيل لم يكونوا شهودا بداية هذا القرن أن كت أنهم لم يلتقوا بشهود، في الواقع لقد كتبوا أناجيلهم بعد موت المسيح لم يولد في

بيت لحم، وأن والدته كانت عادية وطبيعية وأن قصص والدته العجائبية في بيت لحم بعيدة عن الواقع. ومصدر االضطراب في قصة ميالد المسيح يعود إلى نبؤة ميخا

التي تشير إلى أن المسيح سيأتي من بيت لحم، وقد حاول بعض المسيحيين األوائلh في h واضحا �ظهر األبحاث تناق�ضا د هذه النبؤة في حين ت اإلثبات أن يسوع يجس�

 ي¤  ت �كون برواي ¤ن التاريخية والدينية. والسبب اآلخر الذي جعل الباحثين يشك الناحيتي�اب األناجيل األخرى لم يشيروا إلى والدة �ت �ى ولوقا حول مولد يسوع هو أن ك مت

 ل بال دنس" عبر ب h عن "الح  �د المسيح، فمرقس ويوحنا لم يذكرا شيئا عجائبية للسي الروح الق�د�س وال عن والدة العذراء وكذلك أمر بولس )كتب رسائله ما بين عامي

�ى ولوقا هما المصدران الوحيدان لرواية الوالدة غير64 و 48 ميالدية(. إن مت�تبا بعد إنجيل مرقس الطبيعية، وتوص£ل الباحثون إلى حقيقة مفادها أن إنجيليهما ك

ميالدي بالتتالي، وقد أرسل لوقا "العائلة المقدسة" إلى90 و 80في حدود عامي بيت لحم في محاولة إلثبات أن يسوع الناصري كان المسيح المنتظر وليس ألن هذا

h، لذا، كما أوضح "ماركوس بورغ"، يرى هؤالء الباحثون اليوم االنتقال حدث حقا قصص والدة المسيح "روايات رمزية اختلقتها الحركة المسيحية األولى"، وغض�وا ق د أن يسوع نطق بها. �عت £جهوا إلى الكلمات التي ي الطرف عن تلك الروايات وات

h متشابهة ووضعاها في ترتيب مختلف، ومثال على �ى ولوقا أقواال h ما اقتبس مت فغالبا�ى ذلك "الموعظة على الجبل"، فبينما نجد يسوع "صعد إلى الجبل" في إنجيل مت

فتقدم إليه تالمذته، نراه في إنجيل لوقا "وقف في موضع سهل هو وجمع من�ى إلى تالميذه وجمهور كثير من الشعب..." حوله، وفي حين تمتد الموعظة عند مت

فيما انتثرت آيات الموعظة األخرى في أنحاء34 آية تقتصر عند لوقا على 111�اب عدة من إنجيله. وفي دراستهم للتشابهات واالختالفات استنتج المح�للون بأن كت

h حولها وفي بعض األناجيل استندوا إلى مجموعات من أقوال المسيح ونسجوا قصصاh، ومجموعات األقوال هذه اعتمدت على نقل شفهي h مغايرا األحايين أعطوها تأويال�ى ولوقا مع إنجيل £رها أولئك الذين سمعوها وتناقلوها. وبمقارنة إنجيل ي¤ مت كما تذك

h عن مرقس ومن مصدر غير معروف مرقس توص£ل الباحثون إلى أن متى ولوقا نقال

h اعتقدوا أنه مجموعة من األقوال من دون نسج قصصي، لكنهم لمQدعوة " " إنجياليعثروا على أي أثر له.

وجد مزارع مصري وهو يحرث األرض قرب1945وبعد ذلك، وفي سنة �دي، جرة تحت التراب تحتوي على ثالثة عشرة جرف على النيل في نجع حما

�تبت باللغة القبطية بأحرف يونانية، وتعكس النصوص مخطوطة من ورق البردى ك�برت وجهة نظر غنوصية كانت تحظى بالقبول في دوائر المسيحيين األوائل لكنها اعت

فيما بعد "هرطقة".

ي، وإنجيل ومن ضمن تلك المخطوطات ثالثة نصوص دينية: سفر يوحنا السر� فيليب، وإنجيل توما وهو عبارة عن مجموعة من أقوال المسيح من دون نسج

" أو "المصدر". ويتألف إنجيل توماQقصصي كما توق£ع الباحثون أن يكون إنجيل "h يبدأ معظمها بعبارة: "قال يسوع..." وتتشابه مع أقوال عديدة في114من قوال

�ى، ولوقا، ويوحنا. أناجيل مرقس ومت

والسؤال البديهي الذي ط�رح بادئ ذي بدء: هل اعتمد "توما" على األناجيل األربعة أم كتب إنجيله في وقت سابق لها؟ وبعدما تفح£ص الباحثون تلك األقوال، وجدوا أن اسلوبها السهل أكثر "أصالة" من األقوال ذاتها الموجودة في األناجيل

األخرى، وهذا ما حدا بالباحثين األميركيين بتحديد تاريخ كتابة إنجيل توما في العقود�ى ولوقا ويوحنا، الثالثة األخيرة من القرن الميالدي األول أي قبيل كتابة أناجيل مت وبالتزام�ن مع مرقس، وبإسلوب علمي اعتمد على التحليل والمقارنة أشاروا إلى

�اب مع األقوال الصحيحة التي صع�ب عليهم فهمها فأضافوا برأيهم تداخل تأويل الكتh إلى إنجيل توما ونصوص ما يساعد المسيحيين األوائل على استيعابها. واستنادا

�خذت في أكثر غنوصية معاصرة له، استنتج هؤالء الباحثون أن تعاليم يسوع األصلية أ ل مجموعات مختلفة من األتباع، ولذلك تكل£موا عن "مسيحية توما" �جاه من ق�ب من ات

h و "مدرسة يوحنا". وقد أثار هذا اإلنجيل ضجة في أوساط الدارسين والسبب أن مثالh من المسيحيين أو�لوا أقوال يسوع في إطار األناجيل المعروفة أظهرت فريقا

�د لنا إنجيل توما وجود مجموعة مسيحية في القرن "مسيحاني" أو "رؤيوي" فيما يؤك الميالدي األول أو�لت تلك األقوال في إسلوب باطني صوفي. وقد أنجز هؤالء

h عن أقوال السيد h في تمحيصهم وتنقيبهم في العهد الجديد بحثا �ما h قي الباحثون عمال ق ة لدعم آراء مدارس األتباع المتشع�بة،  ل ت المسيح الحقيقية وف ص¤لها عن الم�خ¤

واستنتاجهم األكبر أو خالصة أبحاثهم كانت التأكيد على أن تعاليم الكنيسة ليست التفسير الصحيح واألوحد لرسالة يسوع إنما هي من ضمن تفاسير عدة ازدهرت في

القرون األولى للحقبة المسيحية، وتأتي النظرة الغنوصية الباطنية في المقد�مة�ى وتوما أحد األقوال وخير مثال عليها "إنجيل توما". ولنر  كيف يفس�ر كل من مت

�ى هذه العبارة في مقطع �ك". يستعمل مت �عر�ف شمالك ما تفعل يمين المشهورة "ال ت عن الص د قة حيث ينهي يسوع الناس عن التباهي بالدين عالنية "فمتى صنعت صدقة�ك، لكي تكون صدقتك في الخفاء. فأبوك الذي يرى �عر�ف شمالك ما تفعل يمين فال ت في الخفاء هو يجازيك عالنية". في حين يضع توما العبارة ذاتها في نسيج آخر، ففي

من إنجيل توما: "أكشف أسراري )أي يسوع( ألولئك الذين62القول رقم

�ك"، وكما هو واضح وجلي �عر�ف شمالك ما تفعل يمين يستحقون تلك األسرار، فال ت�ى، فهو يخبرنا h عن تفسير مت h مختلفا فإن كاتب إنجيل توما يعطي هذا القول تفسيراh، يقد�م أن يسوع لديه تعاليم سرية ال يفضي بها ألي� كان. إنه معل�م حكمة باطنية. إذا�د على تماثل النفوس مع المسيح، ويعتبر بعض ية تؤك إنجيل توما مسيحية باطنية سر�

h من رسالة المسيح الحقيقية. با الباحثين هذا اإلنجيل أكثر ق�ر¤

ما يجدر تعل¢مه من هؤالء الباحثين المعاصرين هو أن شخصية المسيح كمعل�م�نيت عليها المسيحية للحكمة الباطنية تتناظر مع شخصية "المسيح المصلوب" التي ب

التقليدية. هذه الشخصية الباطنية تتأل£ق في األناجيل الغنوصية التي ال تقل أهمية عن األناجيل األربعة المعروفة، وسوف تنبثق كالشمس من بين الغيوم حينما

نكتشف المفاتيح المعرفية التي تساعدنا على فهم إنجيل يوحنا ورسائل بولسh تلك الحقائق الغنوصية الصوفية. فتتأل£ق مجددا

المسيح.. معلم الحكمة الباطنية ومصدر الحقائق الغنوصية الصوفيةh )إيليزابيث بروفيت( إعداد قسم البحوث الروحية في الضحى- راجع الضحى ابتداءا

1998- تموز 77من العدد

:عاصفة الجدل الالهوتي

�سقف اإلسكندرية في يوم يعود تاريخه إلى بدايات القرن الرابع، وبينما كان أ "اإلسكندر" يشرح عقيدة التثليث لجماعته و�لدت عاصفة من الجدل الالهوتي ولم تهدأ حتى اآلن. يومها وقف راهب بقامته الفارعة وبشعره الشائب المنسدل حتىh: "إذا �دعى "آريوس" وطرح هذا السؤال الذي كان يبدو ألول وهلة بسيطا كتفيه، ي كان اآلب قد أنجب اإلبن، فإن£ المولود ال بد له من بداية بكلمات أخرى: إذا كان األب هو والد اإلبن أال يعني هذا أن لإلبن بداية )من حيث الحياة والوجود( أم أنه

h أن مثل وبحسب آريوس، "كان هناك زمان لم يكن فيه أي وجود لإلبن". كان واضحا هذا السؤال لم يطرحه أحد قبل ذلك واستنكر كثير من الكهنة هذه الهرطقة التي

قال بها آريوس من أنه كان "لإلبن" بداية. وعلى الفور اندلع الجدل بين أفراد الجماعة التي انقسمت بين فريقين: فريق يقوده آريوس من جهة، وفريق يقوده

يس أتاناسيوس" من جهة أخرى. وقد تزعم أتاناسيوس فيما بعد اإلسكندر وال "قس� حملة هذا الفريق في نضال ج د لي استغرق حياته بكاملها. وكان أتاناسيوس بقامتهh للسخرية في مواجهة آريوس العمالق الذي يكبر h مثيرا الهزيلة ولحيته الحمراء ند�ا

م عقد320بكثير خصمه، بحيث كان األول يبدو في مقام الحفيد للثاني. عام h في اإلسكندرية بهدف تفنيد أخطاء آريوس، ولكن هذه المحاولة لم اإلسكندر م جمعا تفلح في إقفال باب الجدل، ألن آريوس نقل الجدل يومها إلى صفوف عامة الناس�بة. وهكذا فإن اإلعصار الذي تمخ£ضت عنه هذه h لهم المسائل في ترانيم خال ملخ�صاh(، وزبدة الترانيم اجتاح الشوارع من اإلسكندرية إلى القسطنطينية )إسطنبول حاليا

h". وفجأة هذه الترانيم تقول: "كان هناك ثمة زمان لم يكن فيه اإلبن موجوداh... الجو£الون h الهوتيا انتشرت ح�م£ى الجدل الديني حتى بات كل¢ يق�ال عالما

ت¤ في أوساطهم عدوى النقاش ر  والص£رافون وحتى الخدم وسائر س�كان المدن، س 

في هذه المسألة: "هل لإلبن بداية؟". وكادت الكنيسة نفسها أن تنقسم إلىر �ذ�ن اإلمبراطور الروماني قسطنطين، الذي قر� ¤ن عندما تناهى الخبر إلى أ كنيستي£رت وجه المسيحية إلى األبد. ولكن h لفض هذا النزاع في حركة غي التدخ¢ل شخصيا

لماذا كان هذا النزاع؟ وما هو وجه المشكلة سواء أكان هنالك بداية لإلبن أم ال؟!!£هموا أتباع آريوس بمحاولة االنتقاص من اإلبن بالقول أن فاألثوذوكس التقليديون اتh بجعلهم h مقد£سا �قال أن جماعة آريوس أعطوا لإلبن اعتبارا له بداية، لكن الحقيقة ت

h بين المخلوقين"، فقد وصف آريوس "اإلبن" بأنه ارتقى لمنزلة "اإلله إياه "أوال الكامل المولود الواحد الالمتبد�ل"، لكنه مع ذلك له بداية وأصل. وأضاف: "نحن م�ضطهدون ألننا نقول بأن للمسيح بداية". وإذا لم تكن جماعة آريوس تستهدف

مقام اإلبن فماذا كان قرارها يا ترى؟ لقد كان بيت القصيد في الجدل الذي أثاره آريوس: طبيعة اإلنسان وطريق خالصه، ولقد افترضت هذه العقيدة صورتين ليسوع

h ارتقى h منذ األزل، وإما أنه كان إنسانا المسيح ال ثالث لهما، فهو إما أن يكون إلهاh لله، فإن ذلك يستبط�ن أن آدميين إلى منزلة إبن الله. وإذا كان المسيح قد صار إبنا

h، سلوك دربه والوصول إلى منزلة عالية. وهذه الفكرة آخرين يستطيعون، نظرياh كانت غير مقبولة عند التقليديين، ومن هنا كان إصرارهم على أن المسيح كان دائما

h عن جميع المخلوقات. وكما سنرى فإن h تمتما h وأنه كان على الدوام مختلفا إلهاh بمصالحها السياسية، لقد موقع الكنيسة الثيولوجي كان في جزء كبير منه محكوما

£اته h يهد�د بجرف سلطة الكنيسة ألنه يخفي في طي �ار آريوس يشك�ل خطرا كان تي فكرة تقول: يمكن أن يتم الخالص ويتحق£ق دونما حاجة للكنيسة )كما حصل مع

يسوع(.

:الروح والجسد

كانت نتيجة الجدل الذي أثاره آريوس حاسمة في التأثير على موقف الكنيسة من التقم¢ص ومن فرصة الروح في االتحاد بالخالق. لنفهم وجهة نظر آريوس عليناh ولن رت فيه الكنيسة أن الروح البشرية لم تكن يوما أن نعود إلى الوقت الذي قر£h من الله، بل هي تنتمي إلى عالم المادة وهي بالتالي منفص�لة عن الله تكون جزءا أيما انفصال. لقد عاش "أوريجانوس" وسلفه "كليمونس" في اإلسكندرية في جو�

�ل( غير المنظور والسرمدي، وبوجود عالم أفالطوني. لقد اعتقدوا بوجود )عالم الم�ث�ل بينما نسبا الجسد إلى عالم المادة الزائل المتبد�ل، ونسبا الروح إلى عالم الم�ث�خلق وإنما صدر عن الله الطبيعة. فم�ن وجهة النظر األفالطونية فإن£ العالم لم ي

�حاد هذه األرواح الواحد األحد، لقد جاءت األرواح من العقل المقدس وحتى بعد ات�منا كليمونس بأن اإلنسانية في شكلها بأجسادها فإنها بقيت متصلة بمصدرها. ويعلh للخالق". h وشبيها األرضي هي غرسة سماوية، وبأن اإلنسان إنما ص�نع ليكون "ظال

�ما في مدينة اإلسكندرية، كان هنالك فريق من مع كليمونس وأوريجانوس، اللذين عل اآلباء ينسجون نظرية الهوتية م�ضادة. لقد رفضت هذه الجماعة المفهوم اإلغريقي�ل(، هي مثلها h من )عالم الم�ث h جزءا للروح لتقول وألول مرة أن الروح ليست إطالقا£ز الهوتها في ذلك مثل الجسد، جزء من عالم الطبيعة المتبدل والمتحو�ل. لقد ترك

على تحو¢ل الروح وتبد¢لها وتساءلت كيف يمكن للروح أن تكون إلهية وخالدة طالما

أنها متبد�لة متحو�لة وطالما هي ع�رضة للزلل وارتكاب اآلثام؟ وقد استنتجت أنها ال يمكنها أن تكون إلهية، أو شبيهة بالله، ألن الله ال يتبد�ل وال يتحو�ل. تناول آريوس�ق ت الروح، لكنه مسألة تقل¢ب الروح، لكنه انتهى إلى نتيجة مختلفة، فقال: لقد خ�ل�ق ت الروح لتكون خالدة، ومع أنها تسقط انتهى إلى نتيجة مختلفة، فقال: لقد خ�ل

وتتقل£ب ألسباب عديدة، إال أنها تملك القدرة على استعادة حالتها الخالدة األساسية. والنفس بالنسبة إليه في منزلة بين الروح والمادة وهي تستطيع أن تختار االنجذاب

إلى أي منهما. فاإلرادة التي تمتلكها النفس هي في موقع وسط بين الجسد¤ن بحسب اختيارها. وإذا حصل �دي والروح، وهي بال شك خادم ألحد هذين السي

h. أن تعريفه للنفس يشبه £تحد بها تلقائيا واختارت النفس أن تنضم إلى الروح، فستh بالقوة وهي موهوبة باإلرادة الحرة التي تجعلها تعريف أوريجانوس ويعتبرها وجودا

األسفل، لكنها تجنح نحو الفناء أو نحو الخلود، نحو الطريق السامي أو الطريق وبصرف النظر عن الطريق الذي تختار سلوكه، هي بالتأكيد إلهية المصدر. وهكذا

�حاد بالخالق إذا سلكت الطريق القويم الذي يؤدي إلى فإن بم�ستطاعها أن تختار االت كمالها. ومع أن الروح قد تبتعد عن الخالق بفعل ممارستها إلرادتها الحرة، فهي

ستحق�ق الحرية والخلود عن طريق تكرار الوالدات وإعادة االلتحام بالشرارة اإللهية،د h مجر£ التي هي جوهر الخالق في داخلها. ولو لم يعط�نا الله حرية االختيار لكنا جميعا

�صال دمى ولو كنا نفتقد اإلرادة لما استطعنا أن نختار الصراع الهادف إلعادة االت�أ بتحقيق هذا الهدف. أما الهوتي العصر الثاني "تاتيان" �هن بالخالق، ولما كان لنا أن ن

فقد اعتقد مع اإلغريق أن النفس تملك القوة االحتمالية كي تكون خالدة ولكنه قلب مفاهيم عصور الفكر اإلغريقي المديدة، عندما ذهب إلى أن النفس والروح هما من

¤ن، فبينما تأتي الروح بحسب زعمه، من األعلى فإن النفس تأتي ¤ن مختلفي مصدريh من عالم h من عالم المادة أكثر منها جزءا من األسفل وعليه تكون النفس جزءا

الروح، وهنا سيستنتج األخبار التقليديون في وقت الحق بأن اإلنسان ال يستطيع أن�ر إلى عالم الروح دون أن يتلق�ى مساعدة الكنيسة. هذه العقيدة، التي ربطت يعب النفس بالجسد، قادت إلى نفي الوجود الم�سبق، فإذا كانت النفس مادية وليست روحانية فإنها ال يمكن أن تكون موجودة قبل الجسد، يقول "غريغور النيسي": "ال يمكن للنفس أن توجد قبل الجسد وال يمكن تفريق الجسد عنها... كالهما يصدرانh؟ أجاب اآلباء عن هذا السؤال بجواب بعيد �خلق النفس إذا عن مصدر واحد". متى ت

االحتمال: "إنها توجد في الوقت نفسه مع الجسد لحظة الحبل" وأضاف األب جيرومh: "إن الله �خلق قائال ال ينفك� يصنع األنفس كل يوم". إذا كانت األجساد واألنفس ت

h مع تزايد الوالدات، فإن الوجود �ا في الوقت نفسه وإذا كان عدد األنف�س يتزايد يومي السابق والتقم¢ص يصبحان خارج نطاق أي بحث ألنهما مبنيان على فرضية وجود

النفس قبل الجسد وأن النفس ال يمكن أن يكون لها وجود سابق للحظة والدتها في جيلها الحالي. إن الكنيسة الكاثوليكية ال تزال إلى اآلن تعل�م أن النفس تولد في

�ونان وحدة واحدة. نمط الوقت نفسه مع الجسد، وبناء عليه فإن النفس والجسد يك التفكير هذا قاد بشكل¥ مباشر إلى نشوء الجدل الذي أثاره أوريجانوس، واآلن وما�ة النفس على الجسد، كما تنكر انتماء النفس إلى عالم دامت الكنيسة تنكر أسبقيh إمكانية صدور األنفس واألجساد والعالم الروح فإنها في الوقت نفسه تنفي أيضا

 المخلوق عن الله؟

:الهاوية الفاصلة

£تها، وبعدما كانت هذه بعد أن نفى آباء الكنيسة فكرة خلود النفس وإلوهيh من العقيدة المسيحية أيام كليمونس وأوريجانوس، طو£ر اآلباء مفهوم الفكرة جزءاh من الله فال يمكنها أن تكون مخلوقة الخلق من الشيء، فإن لم تكن النفس جزءا

من ذاته. بناء على ذلك نراهم يستنتجون أن الله خلق األنفس في الوقت نفسه مع أجسادها وكذلك سائر ماديات العالم من ال شيء على اإلطالق. وقد عبر� عن ذلك

h: "إن الله أبدع هذا النسيج الكامل بكل ما فيه من عناصر األب "تارتوليان" قائالته وجاللته". وعليه فإن النفس وقوى وأجساد وأنفس من الشيء ومن أجل عز£ المخلوقة ال تحتوي على بذرة الله في ذاتها، وليس من الصعب التصو¢ر من أين

hد الذي خلق النفوس منفصلة� �د المستعب انبثق ت نظرة اإلنسان لله على أنه ذلك السيفه كالعجينة يلهو بها كما يشاء. ويقول لنا األب "كلود ترسمونتان"، عنه وتحت تصر¢

وهو الهوتي معاصر: "بحسب العقيدة المسيحية األصولية فإن النفس اإلنسانية مخلوقة، وليست مصنوعة من مادة إلهية"، وعليه فإن النفس ضعيفة وال تقوى على£رة بمشيئة الله ومختلفة عنه. باإلضافة إلى ذلك تقول لنا الوجود بمفردها، وهي م�سي الموسوعة الكاثوليكية المعاصرة ما يلي: "بين الخالق والمخلوق هناك فرق واسع ال

د ذروة الوجود. بين الله h من العالم، ليس مجر£ يمكن تص¢وره، إن الله ليس جزءاh يعني أن الوجود بذاته ال يستقل� واإلنسان توجد هاوية كبيرة". وكون الموجود مخلوقا

عن سواه، وغير مكتف� بذاته أن النفس في حالة تبعية جذرية دائمة وكاملة. فالh إال بقدر ما شاءه الخالق وأراده وهذا مناص من االعتراف بأن العالم ليس حقيقيا

يتناقض مع األفالطونية، فال وجود لتلك السلسلة التي تربط المخلوق بالخالق، كما أنه ال وجود للشرارة اإللهية في قلب كل منا، بل على العكس هناك هاوية سحيقة

£تها بعض تفصل الخالق عن المخلوق. هذه النظرة الجديدة في عالقتنا بالله والتي تبن�ة ال تبعث فينا األمل على اإلطالق، إنما تقول الفرق اإلسالمية وليس فقط المسيحي

لنا بأننا، معشر البشر، محشورون في بؤس مقيم على حافة الهاوية السحيقة الغور ننظر إلى القعر... م�حد�قين في الالشيء، نتأل£م عندما نرى الجانب اآلخر المقابل لنا

حيث يقيم الله في خلوده. غير أنه فوق هذه الهوة هناك جسر واحد للعبور، إنه�ؤ¤خ ذ �سمح له بالدخول وي  مة، بعضنا ي الكنيسة، وسلوك هذا الجسر يتم عبر بوابة¥ م�حك

£ح h على نفسه فقط فيترن بيده إلى الجانب اآلخر منه. أما م ن¤ يحاول العبور معتم�دا ويسقط في الهاوية. عندما قال التقليديون بأن اإلنسان مخلوق من العدم فكم

تراهم ابتعدوا عن مفاهيم أيام كليمونس!!. لقد بعث كليمونس في إبن آدم الروح عندما وصفه: "ترنيمة مباركة من الله هو اإلنسان. خالد هو، ومجبول على الحق

وفوق هامته ترتفع هياكل النور والحقيقة". بإنكارها المنشأ اإللهي لإلنسان، وكذلكh، فإن عقيدة "الخلق من العدم" ألغت بشكل صارم فكرة احتمال صيرورته إلها

الوجود السابق أو الحياة الالحقة. حالما اعتنقت الكنيسة عقيدة الخلق من العدم،h وصارت مسألة نبذ كل من أوريجانوس وآريوس مسألة £خذت موقفا فإنها بذلك قد أت

وقت ليس إال. في الحقيقة، إن الجدل الذي أثاره آريوس لم يكن سوى الخطوة�لها أوريجانوس.  األولى من المعركة التي ستحرق األفكار الرهبانية التي مث

:إشكالية آريوس

�د  آريوس بعد وفاة أوريجانوس بزمن غير بعيد ونشأ في التقاليد ذاتها من و�لh أفكار حيث ممارسة الرهبنة وتلقى التدريس على أيدي معل�م مرشد، مرددا

h إسلوبه، ولكنه مع ذلك لم يستطع اعتناق جميع أفكار أوريجانوس ومحاكيا�ل �شك  ر على البقاء ضمن حدود الخط الالهوتي الموجود الذي ت أوريجانوس ألنه م�جبh منه. وعندما أثار آريوس السؤال عن بداية اإلبن فإنه عقيدة الخلق من العدم جزءا

في الواقع كان يشير إلى شرخ� عميق� في العقيدة، فالعقيدة لم توضح طبيعة المسيح، وهكذا كان يتساءل: هل توجد هوةh عميقة بين الخالق والمخلوق؟ وعلى أي

ضفة من ضفتي هذه الهاوية يقف المسيح؟ وهل خ�لق المسيح من العدم مثله مثل�م  اختار h من الله فل h من الله؟ وإذا كان جزءا باقي المخلوقات؟ أم أنه كان جزءا

اإلنسان كجسد له؟

�منا الكنيسة أن اإلشكالية التي أثارها آريوس كانت في سياق النضال ضد �عل ت الذين قالوا أن المسيح ليس بإله. ولكن المسألة الحساسة كانت تكمن في الجواب عن السؤال التالي: كيف يكون خالص اإلنسان؟ هل يكون ذلك بمحاكمة المسيح أم

h لله، بعبادته؟ لقد أجاب آريوس عن هذا السؤال بالقول إن المسيح قد أصبح إبنا وأنه بذلك ضرب لنا قدوة شاملة نستطيع أن نقتدي بها. لكن التقليديين قالوا: إن

h وال h منه، وعليه يكون هو والله واحدا h لله وكان جزءا h إبنا h وأبدا المسيح كان دائما يمكن للمخلوقات تقليده في ذلك ألنهم ليسوا من جوهر الله. بالتالي، إن خالص

�ال برحمة الله ومن خالل الكنيسة ليس إال. لقد اعتقد اإلنسان ال يمكن تحقيقه إ�ى يسوع كولد� له عندما بعثه من الموت وأن باقي البشر يمكنهم آريوس أن الله تبن

h إذا سلكوا طريق المسيح. لقد قال أتباع آريوس: "إن المسيح استحق£ ذلك أيضا البنوة بالطريقة نفسها الممكنة لسائر بني البشر وإن تقم¢ص المسيح كانت غايته

إرشاد البشر إلى مقدرتهم في اللحاق بيسوع أو كما قال بطرس: "المشاركة في إرث المسيح". وربما كان أوريجانوس سيتفق مع آريوس حول الفكرة التي تقول إن

h: "إن هدف اإلبن كان مساعدة المخلوقات على تحقيق ألوهيتهم وقد كتب قائال مهمة المسيح هي مساعدة حتى يصبحوا آلهة" وإنه أي المسيح، "جاء ليعطي البشر�نهم من بلوغ القداسة"، وعندما باعدت الكنيسة األرثوذكسية ما الوسيلة التي ستمك

بين المؤمنين وبين المسيح فإنها أنكرت عليهم إمكانية أن يصبحوا مثله أبناء الله.£منا أن البشر يمكنهم االرتقاء إلى h: "إذا سل لقد هاجم أتاناسيوس أتباع آريوس قائال

مستوى اإلبن فإننا نكون قد جعلناهم في درجة متساوية مع اإلبن الطبيعي والحقيقي وفي ذلك طغيان واضح. ولطالما أن اآلب كما اإلبن، واإلبن كما اآلب

فكيف يمكن أن ينسب ذلك إلى باقي البشر؟". لقد رأى أتاناسيوس أن حملh وأنه هو اإلبن �ا جميعا العذراء بولدها دون دنس هو برهان على أن يسوع مختلف عن

الطبيعي الوحيد الممثل لله. وأن الحمل قد تم£ ليس بفعل زواج بشري بل بفعل الروح القدس.

:هذا هو جسدي

�ل فكرة إنسانية يسوع، سببها إخفاقه إن السبب الذي منع أتاناسيوس من تقبh في الوقت نفسه، لقد قرأ h وإلها في إدراك أن أي� شخص يستطيع أن يكون بشراh وبالتالي أتاناسيوس المعادلة من طرف� واحد... فبالنسبة إليه إما أن يكون إنساناh وغير متحو�ل. إن النظرة التقليدية h وبالتالي خالدا h. وإما أن يكون إلها h زائال متحو�ال

ليسوه كإله، مبنية في جزء كبير¥¥¥¥¥¥ منها على سوء فه إلنجيل يوحنا. يقول يوحنا: "في البدء كان الكلمة، وكان الكلمة مع الله، وكان الكلمة الله... كل األشياء ص�نعت

بواسطته وبدونه لم يكن لشيء أن يوجد". ثم يقول لنا يوحنا في مكان الحق: "صارh وأقام بيننا". واستنتج التقليديون من هذا القول بأن يسوع المسيح هو الكلمة جسداh. إن ما استعصى عليهم فهمه هو أن يوحنا عندما الله وهو الكلمة التي صارت جسدا

فإنما كان يرمز إلى أصل هذه الكلمة اليوناني وهي كلمةWordدعا يسوع "بالكلمة"Logosل�ي وقد� h لتقاليد الفكر اليوناني فإن كلمة "لوغوس" تعني العقل الك ، ووفقا

قال "فيلو" أحد الفالسفة عن اللوغوس: "إنه شبيه الله الذي أبدع منه الله العالم أجمع"، وأطلق أوريجانوس عليه "النفس المسؤولة عن تماسك العالم". لقد اعتقد�ل�ي h للعقل الك �عتبر تجسيدا £زة، مثل سليمان، ت "فيلو" أن الشخصيات اإلنسانية الممي

Logosوهكذا فإن يوحنا عندما كتب أن يسوع هو ال "لوغوس"، إن ما قصده يوحنا ، ه: "أن يسوع اإلنسان قد أصبح العقل الكل�ي اللوغوس". بعض الالهوتيين األوائل

اعتقدوا أن أي شخص يمكنه الحصول على مثل هذه الفرصة إذا سلك درب السيدالمسيح وآمن بتعاليمه وعمل بها.

" موجود في داخل كل منا"logosكليمونس يقول لنا: "إن ظل "الكلمة" " ومن أجل ذلك جاء في سفر التكوين: "إن اإلنسان ص�نع على "صورة الله ومثاله"،

h هو الشرارة اإللهية وبذرة المسيح في قلوبنا... ومن الواضح أن "فالكلمة" إذاالتقليديين إما رفضوا هذه الفكرة وإما تغافلوا عنها.

h، لكن هذا ال يعني علينا أن نعي أن يسوع صار كلمة الله، مثلما صار مسيحاh أن يكون كذلك، وقد شرح يسوع هذا اللغز أنه اإلنسان الوحيد الذي يستطيع نظريا

h كرمز� للعقل h واحدا عندما كسر الخبز في العشاء السري األخير. لقد تناول رغيفاh: "هذا جسديLogosالكلي األوحد ، و"للمسيح األوحد" وكسر هذا الرغيف قائال

h h واحدا أكسره من أجلكم". لقد كان يشرح من خالل ذلك ألتباعه بأن هناك إلهاh لسائر العالم. لكن �h واحدا h كليا h أو عقال h أو كلمةh واحدا h واحدا h ومسيحا h أحدا مطلقا

أ وينكسر ومع ذلك تبقى في كل جزء منه h مثل جسد المسيح يمكنه أن يتجز£ جسدا جميع خصائص الكل. لقد كام يرمي إلى تعليمهم أن بذرة المسيح موجودة في

داخل كل واحد منهم، وأن رسالته هي إذكاء هذا القبس وإيقاظ هذه البذرة الهاجعة في باطنهم. وأن هذه البذرة ال يمكن أن تبور مهما تكس£ر جسده. إن أصغر ذرة� من

المسيح تحتوي على الطبيعة الكاملة لقداسة المسيح التي ال تزال إلى أيامناh من تكويننا. لقد أساء التقليديون فهم يسوع وتعاليمه ألنه لم يكن الحاضرة جزءا

£لوا الحقيقة القائلة بأن كل إنسان يملك الطبيعة البشرية بمستطاعهم أن يتقب واإللهية وإمكانية الترق�ي إلى القداسة في آن واحد. لقد استغلق عليهم أن يفهموا

طبيعة المسيح البشرية واإللهية، فلم يستط�عوا فهم أنفسهم وعندما تراءى لهم

الضعف البشري، قاموا بنفي الطبيعة اإللهية في اإلنسان. هذه الطبيعة التي ال تنفك.h من وقت آلخر ترسل ومضاتها الالمعة إلى أبسط الناس وأشد�هم ضعة وضعفا

:الطريق إلى القداسة

لقد صع�ب على الكنيسة االعتراف بأن يسوع جاء ليضرب لنا المثل في عمليةh في h، ووجد أوريجانوس تفسيرا التحو�ل التي بمقدور اإلنسان اجتيازها حتى يصبح إلها

¤ن البشرية واإللهية تتمازجان بشكل دائم، وأن غاية السهولة. لقد اعتقد أن الطبيعي¤ن يقود الطبيعة البشرية ذاتها نحو اإللوهية، وهو ينتهي إلى التداخل بين الطبيعتيh على يسوع بل هي في مقدور كل من القول إن فرصة التحو�ل هذه ليست و قفا

h ر بها. لم ير  أوريجانوس حرجا يسلك بإخالص طريقة الحياة التي سلكها يسوع وبش£ في وصف الصلة والعالقة التي تربط بني البشر بـ "اإلبن" فقال: "إننا نمتلك البذرة

إياها الموجودة في اآلب واإلبن. وعليه فإننا مفطورون على صورة تشبه اآلب واإلبن، ويمكن أن نكون إزاء الحقيقة كما اآلب لإلبن أو اإلبن لآلب.. وبما أن

الخصائص النبيلة "لإلبن" كامنة في ذواتنا: فنحن نستطيع أن نوق�ظ هذه الخصائصخ تقاليد يسوع في عملية السير نحو القداسة". إن مخطوطة "هيمس"، التي تؤر�

�ف �منا كيف نكي h إلى هذه النقطة، إنها تخبرنا أن يسوع جاء ليعل في الهند، تشير أيضاh عن كيفية وصول اإلنسان إلى أنفسنا في مسلك القداسة، ولكي يضرب لنا مثال

هذه الدرجة من الكمال الضروري لدخول ملكوت الله... علينا أن نقتفي آثار اإلبن لكي نوح�د أنفسنا مع اآلب. إستعار أوريجانوس كالم يسوع: "أنا وأبي واحد" ليشرح لنا العالقة بين اآلب واإلبن. إن يسوع البشري يستطيع أن يقول لنا أنه واآلب واحد.

�حاد h في داخله هو دائم االت h خالدا وهو في جسده الفاني، ألنه يعرف أن هناك جزءاh �منا كيف يتسنى لنا أن نحو�ل أنفسنا يوميا باآلب. لقد كانت حياة يسوع أمثولة تعل�صبح خالدة ولتدخل في اإلتحاد بالخالق... نعم، الموح�دون الحقيقيين اليوم لكي ت

زون هذا القول h أن يقولوا ما قاله يسوع: "أنا وأبي واحد" وأنهم يعز� يستطيعون أيضا¢دات بشكل يومي من خالل سلوكياتهم وأعمالهم وليس من خالل الطقوس والتعب

h أعمل" h وكل يوم وهكذا أنا أيضا h لقول يسوع "أبي يعمل دائما �ة تطبيقا السطحي بالنسبة ألتباع آريوس كانت عملية التطه¢ر ضرورية للخالص أما بالنسبة للتقليديين

دخل األمبراطور الروماني "قسطنطين"،324فقد كان ذلك "هرطقة". في عام h على اعتناقه للدين المسيحي، معمعة الجدل الذي وكان قد مضى إثنا عشر عاما�هما فيها على تسوية أثاره آريوس فكتب رسالة إليه وإلى أسقف اإلسكندرية يحث

خالفاتهما، وقد أرسل "األسقف هوسيوس" من قرطبة إلى اإلسكندرية لكي يسل�م هذه الرسالة، لكن رسالة اإلمبراطور لم تستط�ع أن تهد�ئ العاصفة التي ازداد

اضطرامها حول طبيعة المسيح وعالقته باإلنسان، لقد أيقن قسطنطين أن عليه أنh حل� هذه العقدة. يعالج المسألة بطرق إضافية استثنائية إذا ما أراد فعال

:تجسد الله في اإلنسان

لقد كان من الخطأ بالدرجة األولى طرح مثل هذه األسئلة أو التور¢ط باإلجابة م(.325عنها عند طرحها" )قسطنطين- من رسالة إلى اإلسكندر وآريوس عام

h يحتضر أمام كاهن مسيحي...! لقد كان قسطنطين �د العالم عاريا وقف سي�ة يزيد تعدادها عن الثمانين مليون نسمة عندما خلع أثوابه األرجوانية h لرعي حاكما

h أساسية بإسم الصليب لربع قرن خال إال h لمراسم تعميده. ومع أنه كسب حربا �ئا متهي أنه شاء أن ينتظر نهاية مرضه المميت لينضم إلى الكنيسة بشكل رسمي كأحد رعاياها. فما هو سبب هذا الترد¢د في قبول التعميد؟ لقد اعتقد قسطنطين أن

h فرصة وحيدة يتطه£ر فيها من المعمودية تعطي اإلنسان فرصة فريدة، لكنها أيضا�ع على نفسه فرصة العمر جميع ذنوبه وخطاياه. ولم يكن الرجل يرغب في أن يضيh الثمينة هذه. كان يؤخ�ر العمادة ألنه خشي  أن يفقد ذلك النقاء بسبب عودته مجد£داخ "مايكل غرانت": "لقد إلى ارتكاب األخطاء والذنوب قبل وفاته. وكما قال المؤر�

أج�ل قسطنطين معموديته بدافع خوفه من الله وخشية من أن يعود إلى الخطأ من¢ل العمادة جديد بعد تلقي مراسم العمادة فتهلك روحه�. إن استنكاف قسطنطين تقب

h يعني بالنسبة إليه، تحاشي غضب يفضح طريقته في اإليمان، فكون المرء مسيحيا�حاد مع الله. وهذه النظرة تلقي الله وعقابه أكثر من السم�و في اإليمان وتحقيق االت

h على الخلفية التي وقفت وراء موقفه من الجدل الذي أثاره آريوس. h كاشفا ضوءا�عطى حياة خالدة، لبس h من أنه سوف ي فبعد أن تلق�ى معموديته، وبالتالي أصبح واثقا

h بيضاء واعتكف في مسكن مجاور حيث استلقى على فراش قسطنطين أثواباخ الكنيسة "أوسيبوس" أن قسطنطين قال قبل h الحياة. وقد ذكر مؤر� الموت مفارقا

أن وافته المنية بوقت قصير: "اآلن أشعر أنني أستحق الخلود في األبدية". ومعh قسطنطين يؤمن بتعاليم المسيحية؟ أم أنه كما ذلك، يبقى السؤال، هل كان فعال

h؟ إن الجواب يقول بعض المؤرخين رأى في المسيحية أداة تجمع شمل األمة سياسياالصحيح يقع على األرجح في منزلة متأرجحة بين هذين االحتمالين.

:القديس الثالث عشر

لقد رأى قسطنطين في المسيحية األداة التي يمكن استعمالها لتوحيدh من أجل جمع شملها. وبعد تشتيت اإلمبراطورية التي حارب ثمانية عشر عاما¤ن هما: ¤ن منظ�متي العقائد الوثنية، قيل أنه لم يعد في اإلمبراطورية سوى قو£تي

h، على الرغم من أن h مؤمنا الكنيسة والجيش. مع ذلك، فإن قسطنطين كان مسيحيا إيمانه كان من النوع الساذج، لقد نظر إلى نفسه كم�رسل من الله لخدمة الكنيسة،

حتى أنه كان يشترك بنفسه في تقديم المواعظ والقداديس وإحياء احتفاالت عيدh بتطبيق المعايير المسيحية الحترام �رى هل كان قسطنطين يلتزم حقا الفصح. ت

الحياة؟ فبعد مضي عشر سنوات على انقالبه نحو المسيحية كان ال يزال يحكم علىh ال يتوانى عن القتل والخداع وقد وصفه h سفاحا المجرمين بالصلب، لقد كان حاكما "غرانت" بأنه مثال الحاكم ال "أوتوقراطي" المؤمن بحق�ه في قتل من يشاء. لقد

أمر بصلب ولده البكر "كريسبوس" بتهمة التآمر غير الثابتة، وعندما ارتاب في أمرع عن األمر زوجته الثانية "كوستا" التي هي أم أوالده الثالثة الباقين، فإنه لم يتور�

h في حمام بخاري شديد الحرارة، كذلك أمر بإعدام صديقه ومستشاره بإعدامها خنقا بتهم كاذبة مل�فقة، هذه الدماء التي سفكها ال بد أنهاSopater  الفيلسوف "سوباتير"

ر نزع األثواب األرجوانية عن جسده لكي يغطس ألقت بثقلها على عقله عندما قر£

في مياه المعمودية. لقد سخرت األمم من المسيحيين أمثال قسطنطين إلفراغهم وهو أحد أتباعPorphyryقوة المعمودية من مضمونها، وقد كتب "بورفيري"

h االعتقاد المسيحي بأن معمودية واحدة يمكنها األفالطونية الم�حد ثة، بإسهاب منتقدا غسل جميع اآلثام السابقة، ولقد ذهب إلى القول أن مثل هذه الطقوس قد تشج�ع

الناس على إتيان األعمال الشريرة طالما أن ورقة المعمودية في يدهم بحيث يمكنهم استخدامها في نهاية المطاف لغسل جميع الذنوب السابقة. لقد كانت سيرة

h على صحة قول بروفيري، لقد أتى األمبراطور بجميع h حيا قسطنطين شاهداh األيام القليلة قبل موته للتعم�د بالماء المقد£س والتحرر المظالم وثابر عليها منتظرا

من جميع اآلثام والذنوب. ومع هذا النموذج عن المؤمن المسيحي، اعتقد الناس أنهم يستطيعون اإلتيان بجميع الموبقات قبل أن يؤوبوا أخيرأ إلى الكنيسة، ولم

¢ع بمكانته المرموقة في يسمح قسطنطين لذنوبه وخطاياه أن تحول بينه وبين التمت الكنيسة، فبعد وفاته سجي جثمانه في نعش م�ذ ه£ب م�غ ط�ى بالحرير األرجواني ود�ف�ن

س�ل القديسين والتي بناها خ¤رف ة بالذهب الم�خ ص£صة لدفن الر� في الكنيسة الم�ز  كمصلى� خاص به، وتحت القبة الرئيسية الخالدة لهذه الكنيسة يوجد صفان من

h للقديسين ومن أجل تأكيد مكانته وفضله على األضرحة ستة في كل صف تخليدا�ضع ناووسه في الوسط بين الكنيسة ك "قد�يسها الثالث عشر"، أصدر أوامره بأن ي

هذه األضرحة... ألم يكن فضله على الكنيسة يضارع فضل هؤالء القديسين؟ ومعh للتقاليد h بعد وفاته وفقا h رومانيا أنه كان ينظر إلى نفسه كقد�يس... فقد اعتبر إلها

الخاصة باألباطرة الرومان التي ابتدأت مع األمبراطور "أغسطس"، لقد جرى تأليه قسطنطين على أساس سلطته األرضية، وليس على أساس تحو�له الروحاني، ويبدو

£ر الالهوت أن قسطنطين نظر إلى الله وكأنه أمبراطور روماني، وعندما غيالمسيحي فقد طبع الله بطابع بشري.

:الجدل العقيم

وإذا كان فهم قسطنطين للمسيحية في هذا المستوى من السطحية فإنه ليس بعجيب أن يغيب عن ذهنه جوهر المسألة التي أثارها آريوس. ففي رسالته إلى

آريوس، ينفضح فهمه السطحي الساذج لإليمان المسيحي، فها هو يقول أنه بعد�ة على أسباب قليلة األهمية، فبالنسبة �ي ¤ن التمع¢ن الدقيق في هذه المسألة وجدها م ب

د جدل أو محاكمة ذلك الجدال، وحسب رأيه هذا إليه لم يكن األمر أكثر من مجر£h: "كركما على h وهو ينصح آريوس واإلسكندر قائال الجدل ما كان يجب أن ينشأ أساسا

h على إصالح مجرى الشؤون العامة"، ثم h باالنسجام والعمل معا حق... فعليكما إذا�ف انخرطهما في هذا الجدل العقيم ألن السؤال الذي أثاره آريوس غير حري يعن�دفن في تراب الصمت المطلق، وإذا كانا باالنتباه وإذا جر� االنتباه إليه فيجب أن يh من الوقت يستهلكانه في الجدل فإن نزاعهما قد تاه في مراعي £سعا يجدان مت

h... لقد اشتد� الجدل بدل أن ينطفئ، ويخبرنا المتع الضارة، لكن الرسالة لم تجد نفعا أن قساوسة المدن كافة قد دخلوا في صراع عنيد معEusebius"أوسيبيوس"

زمالئهم ووقف الناس في الشوارع إزاء بعضهم البعض، وحصلت صدامات عنيفة تلتها كتابات كانت من العنف بحيث تناولت باالحتقار مركز اإلمبراطور. ولم يكن قد

مضى على انفراد قسطنطين بحكم اإلمبراطورية سوى أشهر معدودة عندما انخرط سي،  ن في عمل حاسم لتثبيت وحدة الكنيسة المسيحية. لذلك فإنه دعا إلى م ج¤م ع ك

h لهم وسائط النقل. وانعقد المجمع دعا إليه األساقفة من جميع أقطار مملكته مقد�ما وهي مدينة تقع على ضفة بحيرة جنوبي شرقي القسطنطينية.Nicaeaفي نيقيا

�سقف ومن الصعب تسمية هذا المجمع بالمسكوني ألنه من أصل ثمانمئة أ حضر ثالثمائة فقط، منهم ستة فقط من غربي اإلمبراطورية الناطقين بالالتينية. أماh بحجة أنه رجل كبير في السن �له ولم يحضر شخصيا �سقف روما فقد أرسل من يمث أ

و¤ج د مجمع نيقيا سابقة شديدة األهمية،  ال يتحمل مثل هذا السفر الطويل. لقد أ

فألو�ل مرة يقوم حاكم دنيوي بالتأثير على العقيدة المسيحية، لقد كان عند القساوسة عدد كبير من األسباب التي تدفعهم إلى م�داهنة حاميهم اإلمبراطور، وال

عجب في ذلك، فبعضهم ما زال يحمل على جسده آثار التعذيب التي أنزلها به اإلمبراطور السابق.

:نيقيا

 سي في يوم من شهر حزيران سنة  ن م، وأوشك المؤتمر325ع�ق�د المجمع الك على أن يفتتح أعماله بعدما أخذ األساقفة مقاعدهم ودخل قاعة المؤتمر ثالثة من أقارب اإلمبراطور كمقد�مة لدخول الوفد اإلمبراطوري، بينما انتظر أفراد الحرس

 الخاص خارج القاعة.

�شار إليه بأنه المقد£س الجليل، فسيطر الروع  h دخل اإلمبراطور الذي ي وأخيرا على قلوب األساقفة. كان يرتدي أثواب ملك من الشرق، وشعره منسدل طويل، وعباءته األرجوانية الموشاة تتألأل بالذهب واألحجار الكريمة أخذ اإلمبراطور مكانه

ى بالذهب، وبدأ خطابه، لقد كانت رسالته إلى المؤتمر على مقعد وثير موش h بشكل متناغ�م. إنه يحذ�ر من االنشقاق £حدين ويعملون معا واضحة: هو يريدهم مت

h ويعتبره أشد أنواع الخطر على اإلطالق، ولذلك فهو يأمر األساقفة باالنصراف فوراh. بعد ذلك إلى العمل على تسوية الخالفات وإزالة أسباب الشقاق وطرح التنابذ جانباh دور المعتدل الذي ال يريد تنح�ى اإلمبراطور عن كرسيه وجلس وراء المؤتمرين آخذا

أن يطغى رأيه على أعمال المجمع. ومع أن تفاصيل النقاشات التي دارت في المؤتمر لم تصل إلينا إال أننا نستطيع تبيانها من وثائق المساجالت التي حصلتh. لقد كان الخالف األساسي حول مسألة خلق المسيح وما إذا كان يخضع الحقا

h، كما قال لناموس التحو�ل كباقي البشر، وكما أسلفنا فإن المسيح إذا كان مخلوقا آريوس، فإن� الخالص يصبح في منتهى السهولة لسائر البشر إذا حذوا حذوه، أما إذا

h بالله، كما قال المحافظون، فسيختلف بذلك عن كان المسيح غير مخلوق وشبيهاh وال يشبههم في شيء وال مناص للبشرية من الخضوع المطلق للكنيسة الخلق كليا

h للخالص، لقد جعله الفريق المحافظ في منزلة بعيدة عن متناول وقوانينها توخ�ياعوا في تفسير أقواله لتبرير كل ما ذهبوا إليه في هذا البشر. كان عليهم أن يتوس�

المجال، وذهب بهم األمر إلى حد إنكار أو تجاه�ل جميع النصوص التي ورد فيها وجود صفات إنسانية للمسيح. إال أن جماعة آريوس استشهدت بهذه النصوص، وعلى

سبيل المثال قول يسوع أنه ال يعلم متى ستكون عودته الثانية كقوله: "عن ميعاد اليوم والساعة ال أحد يعلم حتى المالئكة في السماء وكذلك اإلبن وهو علم يختص به األب دون سواه". أال يشير هذا النص بكل وضوح، يقول فريق آريوس، إلى أن أدنى منزلة من اآلب؟ ويرد عليهم اإلسكندر وأسقفه آتاناسيوس.. "بلى إن يسوع يعرف اليوم والساعة ولكنه مع ذلك ال يريد أن يفضي بعمله هذا ألحد". لقد أرادنا المسيح أن نحذو حذوه، كما يرى فريق آريوس، وصالة المسيح إلى أبيه ترمز إلى

h كما نحن واحد" هذا يعني أن ذلك بوضوح شديد: "وأجمع شملهم ليكونوا واحدا يسوع كان يريد ألتباعه أن يتحدوا بالله كما هي الحال بالنسبة إليه. ورد£ األصوليون

على هذه المقولة بقولهم: "إن يسوع لم يكن في صالته هذه يسأل الله في الحقيقة إعطاء تالميذه العالقة الخاصة نفسها التي يتمتع هو بها، ما ذهب إليه يسوع فقط هو

الطلب من تالميذه االتحاد فيما بينهم وبشكل منسجم". كما ناقش اإلسكندر هذهh: "إن البنو£ة الم م¤نوحة لإلبن تختلف عن البنو£ة التي الصالة من وجهة نظر أخرى قائالh وليس هنالك من أبناء آخرين �منح لسائر البشر وال عالقة بين البنو£تين أبدا يمكن أن ت

بالمعنى الطبيعي للبنو£ة سوى يسوع وحده". وذهب أتاناسيوس أبعد من ذلك في Our fatherبحث هذا الموضوع عندما قال أن مجرد مخاطبة يسوع لله بعبارة "أبونا"

ال تعني بالضرورة أنه يقصد أن الله هو "أبونا" كما هو "أبوه" وبالتالي ال يسو£غ لناh عندما انتهى إلى القول: أن نساوي أنفسنا باإلبن. وأقفل أتاناسيوس الباب نهائيا

h حاول آريوس h بنا". وعبثا h شبيهين به ولن يكون كلمة الله شبيها "لن نكون أبداh ورد�وا على الفريق h مثلنا جميعا وفريقه تقديم البرهان على أن يسوع كان مخلوقا

اآلخر بعبارة اعتقدوا أنها تشير إلى اإلبن وهي تقول: "لقد خلقني الله في بدايةالبدايات".

توالت اجتماعات المؤتمر طيلة شهرين وبحضور قسطنطين، الذي أصغى إلىh على وحدة الكنيسة. ثم تقد£م آألب h دوما النقاش الدائر وشارك فيه، مشد�دا

h بأن هناك طريقة واحدة لحسمCordova"هوسيوس" كبير أساقفة قرطبة قائال النزاع وهي التصويت علىميثاق واحد للكنيسة المسيحية. لقد عد�ل األساقفة

h في حينه ليناسب مقاصدهم وقد استمر العمل بهذا h كان موجودا المؤتمرون ميثاقاضه لتعديل طفيف آخر في القرن الرابع، كما هو حتى الميثاق على الرغم من تعر¢

،The Nicean Creedاآلن في كثير من الكنائس، لقد د�عي هذا الميثاق، بميثاق نيقيا h أخرى، للفصل بين اآلب h أحيانا h، ومستفيضا h أحيانا h متكلفا h كبيرا وقد بذل واضعوه جهدا

واإلبن من جهة وبين اآلب وسائر البشر من جهة أخرى، فقد جاء فيه: "إننا نؤمن بإله واحد، اآلب القدير صانع جميع الموجودات، المنظورة، وغير المنظورة كما نؤمن برب واحد هو يسوع المسيح إبن الله المولود الوحيد ألبيه اآلب من مادة اآلب اإلله، ونور النور، والله الحق، المولود، ال المخلوق، من مادة واحدة مع اآلب، الذي خلقت

h". أسقفان فقط باإلضافة إلى آريوس به جميع األشياء- الذي تجس�د وصار إنسانا رفضوا التوقيع على هذا الميثاق، لذلك طردهم قسطنطين من اإلمبراطورية، بينما

h في احتفال عظيم جرت �حاد الكنيسة م�جددا انصرف باقي األساقفة إلى االحتفال باتمراسمه في القصر اإلمبراطوري.

:التوصية

h على £د أيضا لقد ذهب الميثاق إلى أبعد من تأكيد قداسة يسوع عندما أكh كما أسلفنا، لكي �فا h متكل افتراقنا عن الله وعن المسيح، لقد بذل الميثاق جهدا

h وهو يختلف عنا نحن h مع إنكار كونه مخلوقا �برهن على أن المسيح هو إله تماشيا يالبشر تمام االختالف.

الذي ال يزالApostle's Creedلقد تكرر وصف يسوع في "ميثاق األولياء" h حتى اآلن في كثير من الكنائس البروتستانية بأنه اإلبن الوحيد لله. وقد م�ستخد ما

h "إني أؤمن بالله، اآلب القدير. إنيأؤمن بربنا يسوع المسيح ولده جاء فيه أيضا الوحيد". ولكن حتى هذه اللغة التي تدعو يسوع باإلبن الوحيد لله تنكر على البشر

أن يتوصلوا إلى درجة البنو£ة التي حصل عليها يسوع. لعله من المفيد أن نلفت أنظار المسيحيين إلى أن الكثير من العلماء الذين يعكفون على دراسة اإلنجيل هذه

h أن اد£عى بأنه إبن الله الوحيد". وأن األيام يعتقدون: "أن يسوع لم يسبق له أبدا�شير إلى أن يسوع كان ذلك تفسير خاطئ إلنجيل يوحنا... وهنالك دليل أكثر صالبة ي يعتقد بأن الناس يمكنهم أن يصيروا أبناء الله. لكن الكنائس بإخفائها هذه المواثيق

ستبقى مرته�نه لقسطنطين وقساوسته الثالثمائة. بعد انتهاء المجمع المسكوني المذكور، وحالما دخل القساوسة إلى القصر اإلمبراطوري لحضور المأدبة التي

اسه، ثم استقلوا على األرائك أعد£ها قسطنطين لهم ومشوا تحت سيوف حر  المخملية وتناولوا من طيبات اللحوم والفواكه وتقبلوا هدايا العرفان بالجميل من

اإلمبراطور... هل تراهم تصو�روا أن هذه الرعاية الملكية التي تترافق مع الكنائس الدنيوية التي سيبنيها قسطنطين ستقف بينهم وبين فرصتهم نحو االرتحال إلى

القصور السماوية لله المقيم في دواخلنا؟ في رسالة وجه£ها إلى األساقفة الذين لم يحضروا مؤتمر نيقيا، طلب اإلمبراطور منهم اإلذعان إلى هذه "التوصية المقدسة"عاة الكنيسة النظر إلى هذه ألنها صدرت عن المجمع المسكوني المقدس، فعلى ر�

indicative of the divineالتوصيات وكأنها إرشاد صادر عن اإلرادة اإللهية المقدسة"، willh لقد نطق "اإلله" الروماني قسطنطين بكلمته، لقد قالها بوضوح ملخ�صا

الموقف التقليدي الذي يصب في مصلحة وحدة الكنيسة وقوتها أكثر من الموقف�ق قانون العقاب الحكومي h الفرصة ليطب المعارض الذي يتوجب لجمه. لقد انتهز أيضا

h h ضد "الهراطقة" واصفا h عاليا الرسمي بحق� المسيحيين المنشق�ين، فأصدر أمرا£صف إياهم بـ "م�بغضي الحقيقة وأعداء الحياة وحلفاء الشر". مع أن حكمه ات

بالتساهل الديني، فها هو اآلن يمنع م ن¤ اعتبرهم "هراطقة" )معظمهم من اتباع آريوس( من التجم¢ع سواء في العلن أم في األماكن الخاصة بما فيها بيوت األفراد،م توفير أي مكان لهذه االجتماعات "الموسومة بالشعوذة"، بما فيها جميع كما حر£

�جبر المعل�مون أماكن العبادة التي يجب أن تكون تحت إشراف الكنيسة. لقد أh إلى القبضة األصولية، لقد )الهراطقة( على الفرار، وأجبر أتباعهم على العودة قسرا

أمر اإلمبراطور بالتفتيش عن كتب "الهراطقة" ومصادرتها وإتالفها، كما حكم على�ر األمور �ئ مؤلفاتهم بعقوبة الموت. كان قسطنطين يعرف كيف يسي كل من يخب

وفق مصلحته، كحاكم أوتوقراطي. لقد استمات من أجل تحقيق االنتظام والوحدة،

h لكنه كان يعرف كيف يدو�ر الزوايا عندما تتوافق األمور مع مصلحته، عندما أمر مثال بإعادة آريوس إلى أبرشيته، وكان قد بلغ هذا األخير الثمانين من عمره وسمح له

بالوعظ إلى أن توفي بعد ثماني سنوات.

 ق ولمسلك الخالص لقد رسم مجمع نيقيا بداية النهاية لنظرية الوجود الم�سب عبر االتحاد بالله في العقيدة المسيحية. لكن قسطنطين سل£ح الكنيسة على ما يبدو

h بجميع األدوات الالزمة إلتمام هذه المهمة عندما ق ولب المعتمد المسيحي وفقاh من يسوع اإلبن الوحيد لله. لفهمه الشخصي جاعال

أريوس.. وأنسنة المسيح سر اإلله في أنفسنا بتصرف عن كتاب "التقمص... الحلقة المفقودة في المسيحية" للكاتبة إيليزابيث بروفيت- إعداد قسم البحوث

1998الروحية في الضحى- راجع مجموعة أعداد الضحى

يخترق ضياء المشاعل ما تبقى من ظالل فجر يوم شباطي شاحب، ويتدافع المحتشدون لمشاهدة الموكب القادم، فيلسوف في الثانية والخميسين من العمر

h قدميه على الحجارة البركانية التي ر�صفت بها شوارع روما، عاري ا يشق طريقه جار�h قميصا أبيض ر�سم�ت عليه الصلبان £ل باألصفاد حتى العنق، مرتد�يا القدمين ومكب

ول�ط�خ برؤوس الشياطين وألسنة النيران، والرهبان يسيرون إلى جانبه يحثونه على التوبة، ويدنون الصليب من شفتيه مانحين إياه كل فرصة للخالص. حج£اج من شتى أنحاء أوروبا تجم£عوا حول ساحة حقل الزهور، نصف ميل من "برج نونا" حيث كان

£ال بانتظار تنفيذ حكم اإلعدام فيه، وتو�اقون لمشاهدة عملية إحراق السجين مكباس على وتد حديدي م�ح اطا بحزم الحطب، £ده الح�ر� "الهرطقي الفاسد" الذي قي

وبعدما رفض تقبيل الصليب كفرصة أخيرة للعودة عن آرائه وفيما بدأ الرهبان�شعلت النيران في الحطب، وبينما أخذت السنة اللهيب تلعق بإنشاد االبتهاالت أ

لحيته والدخان يمأل رئتيه، هل ندم "جيوردانو برونو" على القضية التي أوصلته إلى هذه النهاية؟ حينما بدأ ج�لده بالتشق¢ق ودمه بالتبخ¢ر في اللظئ هل تساءل عن أبدية العذاب في نار جهنم؟ أم تمس£ك بحلمه في مشاهدة شموس أخرى وعوالم سماوية

�حصى في رحلة عبر الالنهاية؟. لكن لماذا عاقبت الكنيسة الفيلسوف والراهب ال ت�بر في حينه "الدومينكاني" السابق "جيوردانو برونو"؟ لقد تم£ إحراقه بسبب ما اعت

"هرطقة" ومن ضمنها فكرة عودة الروح إلى الحياة في جسد جديد بعد الموت. لقد�حاد المقدس خالل الحياة ك بفكرة غالبا ما ترافق االعتقاد بالتقمص، وهي االت تمس£

األرضية. وبالنسبة له كان الدين المسلك الذي عبره يمتلك النور المقدس الروح�حاد، وهذا ما يحدث في أي يوم. ويرفعها نحو ذلك االت

وفي معتقد برونو عن القدرات البشرية تلك، تجد السبب الحقيقي لرفض المسيحية فكرة التقم¢ص، انه يق�وض سلطة الكنيسة. فكما يعتقد برونو، ان الخالص ال يرتبط بعالقة المرء بالكنيسة بل بعالقة مباشرة مع الله، ومن هذا المنطق إضافة

إلى اعتقاده بالتقمص، تصادم برونو مع محكمة التفتيش.

لقد كان برونو شوكة في خاصرة الكنيسة منذ لحظة ترسيمه كاهنا�ا في "نابولي" بعمر اثنين وعشرين حيث لم تناسبه حياة الرهبنة. دومينيكاني

�را واسع اإلطالق لكنه ذو طبع حاد ولديه ميل في إغضاب لقد كان برونو مفك السلطات. وكراهب شاب كانت لديه أفكار خاصة كثيرة. لقد دافع عن آريوس

الالهوتي الشهير، وقرأ األعمال الممنوعة للفيلسوف األلماني "ايراسموس"، وحينما و�جدت نسخة محظورة للفيلسوف المذكور في أحد مقاصير الدير، وقع برونو في

ر الهرب من مشكلة خطيرة، وبدأت الكنيسة في نابولي بتحضير إدانة ضده فقر£ عاما متجو�ال في كل من فرنسا وإنكلترا14. وأمضى برونو 1578إيطاليا عام

h وقد ألقت الكنيستان �جبر على الهرب مرارا وألمانيا وسويسرا، وبسبب نقده الالذع أ الكاثوليكية والبروتستانتية الحرم عليه. كان برونو من المع رجال عصره، وج£ه الملك الفرنسي هنري الثالث، وعل£م الفلسفة في جامعة "تولوز"، واختلط مع الدائرة اآلبية التي أحاطت بالملكة اإلنكليزية إليزابيث األولى. وقد استقطبت كتاباته الغزيرة وغير

العادية فئة صغيرة لكن غيورة من األتباع. لقد كان سابقا لزمانه بأشواط بعيدة، وسبقت أفكاره عن الكون بعض اكتشافات القرن العشرين في الفيزياء وعلم

الفضاء رغم أن برونو لم يكن عالما.

h للبحث العلمي وحرية في القرن التاسع عشر، اعتبر المثقفون برونو شهيدا التفكير، خاصة في دفاعه عن نظرية "كوبرنيكوس" في مركزية الشمس ضمن

منظومتها الشمسية. وقد تشارك مع "كوبرنيكوس" بتهجم عدو لدود في محكمة التفتيش الكاردينال "روبرت بالرامين" الذي سأل "غاليليو" الحقا عن دوران األرض

حول الشمس، لكنه من جهة ثانية لم يشارك "كوبرنيكوس" في نظرته العامةللعالم.

�حصى، لقد كانت الفلسفة والصوفية مصدر رؤية برونو في العوالم التي ال ت لقد وافق برونو كوبرنيكوس أن األرض ليست مركز الكون، لكنه اعتقد في المقابل

h له، وآمن أن األرض واحدة من ضمن عدد ال متناه h ليست مركزا أن الشمس أيضاh في جلد السماء. من العوالم. وفي وقت اعتقد الناس فيه أن النجوم ملتصقة دائما

فص£ل برونو معتقده الثوري: "هناك فضاء واحد كل�ي، مدى واسع واحد�حصى، كهذه األرض التي نعيش باستطاعتنا أن نطلق عليه، الفراغ، وفيه كواكب ال ت

ونترعرع عليها، هذا الفضاء نعلن انه ال نهائي، وفيه ال نهاية من العوالم من نفس نوع أرضنا هذه". بالنسبة لبرونو، فتحت فكرة العوالم الالمتناهية الباب أمام فكرة القدرات اإلنسانية الالمتناهية. إذا كانت هناك عوالم غير متناهية، لم  ال تكون هناك

h فرص غير محدودة إلظهار تلك القدرات؟ "اإلنسان"، كما كتب برونو، "ليس مكتمالولديه الفرصة الختيار الحياة في مجاالت مختلفة".

ق من أجل دفاعه عن �حر  ولقد اد£عت الكنيسة الحقا أن برونو لم ي "كوبرنيكوس" أو لعقيدته في العوالم الالمتناهية لكن من أجل "أخطائه الالهوتية"

واعتقاده في السحر، فيما أظهرت سجالت المحاكمة أن اعتقاده بالتقم¢ص والعوالم

الالمتناهية كان المأخذ الرئيسي وقد ظهر ذلك في محضر إدانته، باإلضافة إلىر في حينه "البابا"، إشارة إلى كتاب "قذف يختص بالوحش المنتصر"، أو ما ف�س��د أن برونو "طرد الوحش المنتصر" الوحيد المذكور في اإلدانة، لكن البحث يؤك

وحش برونو المنتص�ر لم يكن البابا، بل قصد برونو بالوحش الناحية الشريرة في�ي� على العقل الطبيعة اإلنسانية كالجهل والخرافة، لقد جادل من أجل دين مبن والمنطق، عبره يستطيع المرء أن يخل�ص نفسه من الوحش القابع في داخله،

h في عقيدة التقم¢ص. عا وكتاب برونو هذا يتضم£ن اكثر أعماله توس¢

وفي دفاعه يقول برونو داعما رأي الفيلسوف اليوناني فيثاغوراس في عبر h أن النفوس خالدة ومن الناحية الكاثوليكية ال ت التقمص: "لقد أدركت� إدراكا تام�ا

من جسد إلى آخر، بل تذهب إلى الجنة أو البرزخ أو الجحيم، لكنني استنتجت� بعمق منطقي، وأتكل£م كفيلسوف، ان الروح كونها ال توجد من دون جسد وليست مع ذلك

بجسد فباستطاعتها أن تنتقل من جسد إلى آخر". لكن دفاعه الفلسفي لم يخف��ه في مبادئ الثالوث األقدس، خاصة اختالفه الحقيقي مع الكنيسة. لقد اعترف بشك

h بجسد اإلبن، وتحد£ى العقيدة القائلة بخلق النفوس من ال شيء وأنها ليست جزءا من الله. وفي المقابل شد£د برونو على أن النفوس صدرت عن الخالق وإنها خالدة

h h بين النفوس واألجساد، ود ع¤م ا h جديدا �حادا h وات واعتقد أن الموت ليس إال افتراقا لمعتقده هذا، اقتبس من سفر الجامعة في العهد القديم عبارة "ليس تحت الشمس

 جديد".

، حيث واجه الكاردينال روبرت بالرامين1593لقد تم نقله إلى روما عام ألول مرة إلى جانب هيئة من ثمانية كرادلة. والمبدأ األول لمحكمة التفتيش في

�عرف ت سبع سنين لم ي إخضاع برونو كان في إبقائه وحيدا في السجن، وهكذا مر£ عنه شي¤، ح�ر�م خاللها من المأكل والكتب وأدوات الكتابة ومن المحتمل عن مبادئ

�قتيد برونو في شباط إلى كنيسة "سانت ماري"، وقد1600اعتبرت هرطقية، ا حاول الحراس إركاعه أمام الكاردينال لكنه بقي منتصبا ومتحد�يا، والكلمات التي

ترد£دت في أنحاء الكنيسة لم تكن مفاجئة "هرطقي عنيد غير نادم" وطرده ثانية من الكنيسة، وحرمه من "رحمتها" ووضع كتبه في قائمة الممنوعات، وأطلق عليه

الحكم بالموت حرقا، لكن برونو توجه إلى محكمة التفتيش قائال: "لعلكم انتم من أعلنتم الحكم علي في خوف أعظم مني أنا الذي أتلقاه". وأخذه الحراس إلى حاكم

يوما. إن11روما الذي سجنه في برج نونا، على نهر "الثيبر"، ليتم إعدامه حرقا بعد £ل في محاكمة جيوردانو برونو هي فصل مهم في تاريخ التقمص في المسيحية، ليتمث

�ر مستقل وعنيد واحدة من أقوى المؤسسات في العالم، وذلك مواجهة مفكh من تقليد غربي قديم يعتقد بالتقم¢ص، تقليد الفيلسوف الكستنائي اللحية كان جزءا

تطور إلى جانب المسيحية، طورا داخل الكنيسة وتارة خارجا عنها.

.جيوردانو برونو )شهيد اإليمان بالتقم¢ص(

h في المسيحية. اليوم ماال يعرفه المسيحيين اليوم هو أن التقم¢ص ليس جديدا معظم المذاهب قد تجيب بـ "ال" عن السؤال: "هل تستطيع اإليمان بالتقمص،

h؟" لكن في القرن الثاني الجواب كان نعم!.  وتبقى مسيحيا

ففي غضون القرون الميالدية األولى، ازدهرت مذاهب مسيحية عديدة، بعضها عل�م التقمص. وبالرغم من مهاجمة الالهوتيين المتشد�دين لهذا المعتقد منذ القرن

الثاني، استمر الجدل حول التقم¢ص طوال القرن السادس.

من بين المسيحيين المعتقدين بالتقم¢ص، الغنوصيون، أولئك الذين يزعمون�خفيت عن عامة �د المسيح )عليه السالم( الروحية الباطنية، التي أ امتالك تعاليم السي

الناس وح�ف�ظت ألولئك الذين يفهمونها ويستحق ونها. إن الممارسات الروحية الغنوصية تتمحور حول معلمين متنورين روحانيين، وحول التجربة الشخصية

h عن عضوية كنيسة منظمة. الكتشاف الله في الداخل عوضا

في الحقبة الممتدة ما بين القرنين الثالث والسادس أبادت سلطات الدولة والكنيسة المسيحيين الذين آمنوا بالتقمص، لكن معتقدهم هذا عاد بقوة ليظهر

�سم�ى اليوم ضمن المالمح المسيحية المميزة. وقد انتقلت فكرة التقمص إلى ما ي بالبوسنة وبلغاريا حيث ظهرت في القرن السابع مع البوسنيين وغيرهم. كما انتقل هذا المعتقد إلى فرنسا وإيطاليا في القرون الوسطى حيث أصبح المبدأ الرئيسي

في مذهب الكاثار.

�زيلت الكنيسة "الكاثارية" من الوجود في حملة عسكرية إبان القرن وبعد أن أ الثالث عشر وما تالها من حمالت محكمة التفتيش والتعذيب والحرق، استمر

h خالل القرن التاسع عشر في التقاليد السرية للخيميائيين �ا االعتقاد بالتقمص حي والهرمسيين وغيرهم من الجماعات السرية، كما استمر في النمو داخل الكنيسة

ذاتها. في بولندا القرن التاسع عشر، رئيس أساقفة كاثوليكي، "المنسنيون ، طع£م معتقده بالتقم¢ص واعتنقه بكل انفتاح،)Passavalli )1820-1897بسافلي"

�وا هذا المعتقد. �د و¤ر�ه�م تبن £ر على كهنة بولنديين وإيطاليين الذين ب وقد أث

بالمئة من الكاثوليك في أميركا بالتقم¢ص25إن اإلحصاء الذي يكشف اعتقاد �د هذه األيام قد يثير عجب الفاتيكان، لكن الحقائق واإلثباتات الملموسة التي تؤك

وجود أقلية صامتة للكاثوليك المعتقدين بالتقمص تدعم مثل هذه اإلحصاءات.

h للكثير من التساؤالت حول العدل اإللهي، لكن h مقنعا �ل التقمص حال يشك السلطات الدينية ال زالت تعار�ض هذا المعتقد تاركة المؤمنين في برزخ روحي ما

بين إيمانهم بالتقمص الذي يلبي حاجات النفس وسلطة دينية ترفض االعتراف بها.

h التقم¢ص يغيث الملهوف الذي يبحث عن أجوبة للعدل اإللهي، وقد أمد£ عقوال�رين غربيين كبار كالفيلسوف الفرنسي كبيرة بتلك األجوبة اليقينية أنمثال مفك

"فولتير" والفيلسوف األلماني "شوبنهور" ورجل الدولة األميركي "بنجامين

فرنكلين" والشاعر األلماني "غوته" والروائي "بلزاك" و "إمرسون" و "لونغ فلو" و�رين "الدوس هكسلي"، و "بيش"، "كللنغ"، "سلفادور دالي" وغيرهم من المفك

العظام.

h في سن الثامنة والعشرين، كتب بنجامين فرانكلين مسودة لكي تكون شاهداh تقم¢صه؛ لقد قارن جسده بغالف كتاب مهتريء وصفحات ممزقة، �دا على قبره مؤك لقد تكه£ن أن محتوياته لن تضيع لكنها ستظهر في طبعة جديدة وأنيقة بعد أن يكون

الكاتب راجعها وصح£حها.

فت المعنى إن أسرار األلوهية والملكوت ال يفقهها اليوم إال قلة مغبوطة ع ر الحقيقي لرسالة السيد المسيح.. تلك الرسالة الروحانية الباطنية.

.1998- تشرين ثاني 81فكرة التقم¢ص تجتاح الماليين- راجع الضحى العدد

تدل بعض فصول العصد الجديد على حقيقة التقمص، بينما تشير فصول أخرى إلى أن هناك حياة واحدة نحياها. وقد اعتقد عدد من الباحثين أن المقاطع

�ل رؤى كاتبي األناجيل وليست من تعليم يسوع. التي تدلh على التقمص تمث

نقطة الجدل األساسية كانت: هل عل£م العهد الجديد حقيقة التقمص في£دت أن إيليا عاد ثانية بقميص "يوحنا المعمدان"؟ ورغم أن ثالثة من المقاطع التي أك األناجيل األربعة تخبرنا بذلك، فإن الكنيسة قاومت التأويالت الحقيقية التي تثبت هذا

األمر.

h لهذا الموضوع: قد كان هناك اعتقاد شائع ما بين اليهود أيام يسوع أن تمهيدا إيليا قد يعود كسابق للمسيح وليوم الحساب، وأن النبي "مالخي" في الس�فر األخير

 مه�د الطريق"، h لكي ي h إن الله سوف يبعث رسوال من العهد القديم أشار مؤكدا وتخبرنا االيات األخيرة عن "يوم الرب العظيم والرهيب"، حين أرسل الله النبي إيليا

." اعتقد الناس أن ذلك اليوم أت�

هناك رؤيتان عن عودة إيليا األولى وظهوره في جسد سماوي أو روحاني )منف�ع في عربة من النار قبل تسعمائة المرج£ح أن جسده األرضي قد انتقل عندما ر�

سنة(، كما وصفت العلوم الباطنية والمعتقدات اليهودية ظهور إيليا في جسدh في جسد روحاني، فبهذا توقعت الناس بعفوية أن عودته النبوئية ستكون أيضا

روحاني.

h آخر عبر التقم¢ص، إنها   طريقا £خ�ذا £ أن هناك من رأى أن إيليا سيأتي مت إال الرؤية التي يثبتها اإلنجيل، لقد أخبرنا كل من متى ومرقس ولوقا أنه بعد أن بدأ

h إليليا أو أرميا أو أحد األنبياء. يسوع تعاليمه شاع اعتقاد أن يسوع كان تقم¢صا

h أن الناس تساءلوا إذا ما كان يوحنا هو إيليا أو لم يكن، يخبرنا اإلنجيل مرارار يوحنا في البرية وأتى �ثيرت ثالث مرات، المرة األولى عندما بش£ هذه القضية أ

�ون ليسألوه فأنكر أنه إيليا، لكنه عر£ف بنفسه على أنه: "صوت صارخ الكهنة والالوي�ى �له قويمة". )مت ب 4/3h( )اشعيا: 3/2في البرية أعدوا طريق الرب واجعلوا س� (. غالبا

ما صد£ق اليهود أيام المسيح أن هذا "الصوت" كان سابق المسيح المعر£ف عنه بإيلياh فقد يكون يوحنا قد أنكر أنه إيليا في نبوءة مالخي إذا كان هذا الحوار قد جرى فعال£ب رد ات فعل السلطات الروحية والسياسية التي قطعت رأسه فيما بعد لكنه ليتجن

�ن أتباعه. �ط مئ h لي h خفيا h تأكيدا يعطي الحقا

:لقد أتى إيليا

�علن يسوع بنفسه  ر�د ذكر السؤال عن إيليا ي في اإلشارتين التاليتين، وعندما ي أن يوحنا هو إيليا قد أتى ثانية، المرة األولى عندما كان يوحنا في السجن، قد£م

h: "... ألن األنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا h بجميله أمام الناس قائال يسوع عرفانا.(14-11/13وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي." )متى:

إن الشيء األكثر أهمية في الرؤيتين ما جاء بعد موت يوحنا المعمدان حدث

التجلي على الجبل: "وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا فأصعدهم

h كالثلج حتى إلى جبل عال على انفراد وتجل�ى أمامهم وصارت ثيابه تلمع بيضاء جدا

�بيض مثلها وتراءى لهم موسى وإيليا وكانا ال يستطيع ق ص£ار� على األرض أن ي

h إال يسوع وحده معهم. وفيما يخاطبان يسوع... ونظروا حولهم بغتة فلم يروا أحدا

h... وسألوه قائلين: "كيف يقول هم نازلون من الجبل أوصاهم أال يخبروا أحدا

h؟ فأجاب: لكني أقول لكم أن إيليا قد  بة أن إيليا ينبغي أن يأتي أوال  ت يسيون والك الفر�

 (12-9/1جاء وقد صنعوا به كل ما أرادوا كما كتب عنه. )مرقس:

ويضيف متى: "حينئذ ف ه�م التالميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان". )متى:17/13).

h، وأنه أد�ى h إيليا متقم�صا ما يريد كتاب األناجيل إظهاره هنا، أن يوحنا كان حقاh الطريق. قد يكون الحواريون فهموا عبارة "لقد �ئا دوره النبوي كرسول للرب ومهي

صنعوا به ما أرادوا" بأنها إشارة إلى إعدام يوحنا.

بعد هذه التأكيدات الثالثة أصبح من الصعب اإلنكار أن يسوع قد عل£م التقمص�اها في على األقل في حالة إيليا، لكن هناك رؤيتين حول مقاطع إيليا: األولى، تبن

البدء علماء الالهوت المسيحي حيث عرضوا كلمات يسوع األصلية لكنهم لم يقد�موا£اها معظم الباحثين المعاصرين وهي أن عقيدة عامة للتقم¢ص، والرؤية الثانية تبن

�دخ�لت إلى األناجيل  ت إليه حول إيليا لكنها أ ب �س� يسوع لم يكن صاحب األقوال التي ن�ثبت أنه عل£م التقم¢ص. �برهن أن يسوع هو المسيح وبذلك ال ت لكي ت

 ر أن قول يسوع بأن يوحنا كان إيليا  ب h الجدل الالهوتي الذي اع¤ت لنأخذ أوالh ألنه الم�زمع أن يأتي لم يقصدى به التدليل على أن النبي قد تقم£ص، إيليا كان فريدا

h عن أي إنسان فع في عربة إلى الجنة، كان مختلفا لم يمت بطريقة عادية لكنه ر�آخر في التاريخ.

في كتابه "التقم�ص والمسيحية"Robert Moreyدعم الدكتور "روبرت موري" الجدل المسيحي التقليدي بأن إيليا لم يم�ت. وحينما ظهر على جبل التجلي كان

h وفي جسده األصلي. �ظهر نفسه حيا ي

غير إن موري يهمل االحتمال اآلخر وهو أن إيليا جاء في جسد روحاني، قد�ة )أنتجت حادثة يكون هذه النتيجة رسمها شخص ما يألف العلوم السرية الغنوصي

h من المشابهات لرؤى "المركبة" السرية( شاهد هؤالء الباطنيون أخنوخ التجلي عددا في صعوده شبيه بصعود إيليا، ونظروا إلى إيليا وإخنوخ كمخلوقات مقد£سة انتقلت

أجسادهم الفاسدة والفانية إلى أجساد روحانية "األجساد السماوية" التي وصفهابولس.

£لوا بسهولة الفكرة القائلة بأن يوحنا إن المسيحيين الذين آمنوا بالتقمص تقب هو تقم¢ص إليليا، وبما أن يوحنا قد مات فإن روحه تظهر في تجل�ي إيليا مرتدية

h. عندما يحاول "موري" إقناعنا بأن إيليا كان ال يزال يرتدي جسده h روحانيا جسدا المادي وعمره تسعمائة سنة كان يتجاهل القول الواضح في األناجيل "إن إيليا قد

جاء ولكنهم لم يعرفوه بل صنعوا به كل ما أرادوا "من الواضح أن اإلنجيليين قصدوابهذا التقم¢ص حقا".

يعتقد عد�ة باحثين أن يسوع لم يكن صاحب المقولة التي ترى أن يوحنا هو�اب األناجيل أضافوها، لذلك فإن "هانس كينغ" �ت Hans Kingإيليا لكنهم يعتقدون أن ك

�د أن المقاطع التي تكل£مت عن إيليا هي )العالم الالهوتي الكاثوليكي المعاصر( يؤك"تقاليد شعبية مهم£شة في اإلنجيل".

كما أن مجموعة تض�م� أكثر من مئتي باحث معتد�ل ترى أن هذه المقاطعh ليسوع المسيح �ريدون البرهنة أن يوحنا المعمدان كان سابقا اختلقها بعض الذين ي

كما تقول النبوءات.

ا إذا كان الباحثون على حق أو لم يكونوا، فإن جدلهم هذا ال �غ ض  النظر عم� فب ينفي حقيقة أن الذين كتبوا األناجيل في الجزء األخير من القرن األول قد اعتقدوا

بالتقم¢ص، لكننا نعرف على األقل بعض المسيحيين األوائل مم£ن حاول استعمال هذهاألقوال ليثبت بالبرهان واقع التقم¢ص.

h مع يسوع h في أوائل المسيحية فهل نشأ أصال إذا كان االعتقاد بالتقم¢ص حديثا نفسه؟. إذا ما اقتفينا أثر هذا المعتقد في الغنوصية المسيحية وقابلناه مع العلوم

h. وكبرهان إضافي على وجود هذا المعتقد الباطنية اليهودية سيصبح السؤال واضحا في أوائل المسيحية، ذكر قصة الرجل المولود أعمى من إنجيل يوحنا:

من أخطأ؟

h أعمى منذ مولده فسأله تالميذه قائلين يا رب "وفيما يسوع مجتاز رأى رجال م¤ أبواه حتى و�لد أعمى؟ أجاب يسوع ال هذا أخطأ وال أبواه لكن من أخطأ أهذا أ

لتظهر أعمال الله فيه، صنع يسوع طينة من التراب واللعاب ووضعها على عيني.h الرجل وقال له اذهب واغتس�ل في بركة سلوام وعندما عاد الرجل كان بصيرا

 (3-9/1)يوحنا:

السؤال األكثر أهمية في هذا الفصل كان سؤال الحو�اريين: "من أخطأ أهذا أم أبواه حتى و�لد أعمى؟" لقد قد£م الحو اريون تفسيرين محتملين الختالف الناسh في اليهودية فالناس تعاني من ذنوب حول حقيقة مولده. الجزء األخير كان مقبوال أهلها. ألم يقل الرب عندما أعطى الوصايا العشر لموسى: "إنه يفتقد ذنوب اآلباء

(34/7في البنين إلى الجيل الثالث والرابع". )سفر الخروج

ولكن ماذا عن التفسير األول الذي قد£مه الحواريون بأن اإلنسان يعاني من�جيب أن خطيئة الرجل جعلته يولد أعمى ما لم يعتقد أخطائه الشخصية؟ ولم يكن لي

h بأن الرجل كان له حياة أخرى سابقة اقترف فيها خطيئته. مسبقا

وقد تعم£د يوحنا إظهار عدم اكتراث يسوع في اإلجابة وهو بذلك يكون قد تخط�ى المستوى العقلي لمستمعيه وأوصلهم إلى مستوى جديد: "ال هذا أخطأ وال أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه"، وأراد يوحنا إيضاح أن هذا الرجل قد و�لد أعمى ليس فقط بفعل أعماله السابقة بل ألن روحه استجابت بحرية لدعوات الله، لقد

£ل العمى بصبر حتى التقى النبي الذي يعيد إليه الرؤية. تقب

وقبل االنتهاء من قصة الرجل المولود أعمى دعونا ننظر إلى سؤال مثير للجدل حول التقم¢ص. هل، يتحم£ل المعاقون مسؤولية بالئهم؟ في كل الحاالت

�حتم أعمالهم في حيواتهم السابقة أن يختبروا ويتعل£موا التجديد في الجواب نعم، قد تر �قر� حياة ثانية قد يقود هذا التجديد إلى نمو النفس، إن احتياجات النفس المختلفة ت

�بين أو ق�ساة. والدة الناس أغنياء أو فقراء، عند أهل طي

¢د من وليس معنى هذا احتقار الناس فيما هم فيه من بالء وإعاقة لكن للتأكh ليستحقوا هذا مع العلم أن معرفة التقم¢ص قد تساعدنا على فهم إنهم فعلوا شيئا¦ننا من سبر أغوار التاريخ أسباب معاناتنا أو معاناة اآلخرين، وأن ال ند§عي أنها تمكh، لكنها قد تكون حالة الكارمي لكل شخص. في الواقع قد ال تكون اإلعاقة عقابا

£لت فيها النفس الصبر مثل الرجل األعمى بهدف تعليم وتشجيع اآلخرين )كعبرة تقبرين ويتحم£لون أخطاء لهم(، قد يكون المساكين وتعساء الحظ قديسين غير مبش�

العالم.

وبناء على ذلك، توضح قصة الرجل المولود أعمى أن االعتقاد بالتقمص كانh من تعاليم القرن األول للمسيحية. جزءا

يموتون مرة واحدة:

�وصيين وحذف النصوص في ظل المجهود الذي قامت به الكنيسة لحرق الغن ر الدليل األقوى الذي يثبت أن يسوع عل�م �عتب �ة من األناجيل ي �وصي الداعمة للغن

التقمص هو أنه ال يوجد هناك أية أقوال ليسوع في األناجيل، وال في كتابات الحواريين وال في األسفار وال في النصوص الغنوصية ينكر فيها التقم¢ص. فربما قد

�ة، ولكن كان من السهل على األساقفة حذف أو إعادة صياغة بعض النصوص اإلنجيليh من h ضربا �د المسيح. فلو كان التقم¢ص حق�ا من الصعب ابتداع أقوال عن لسان السي

�د المسيح أتباعه من هذا المعتقد ال �م  لم يحذ�ر السي ضروب السحر أو الجنون، فل�ة آنذاك. وما �ة واليوناني سيما وأن التقم¢ص كان عقيدة معروفة في الحكمة الهندي

يثبت أن السيد المسيح كان بإمكانه أن ينقض حقيقة التقم¢ص هي بعض النصوصh في إنجيل من إنجيل يوحنا التي يبحث فيها يسوع مفهوم التقم¢ص بوضوح. خذ مثال

h رجل من الفريسيين اسمه "نيقودمس" يوحنا الفصل الثالث حين جاء إلى يسوع ليالوجرى هذا الحوار:

الحق الحق أقول لك إن لم يولد أحد ثانية فال يقدر أن يعاين ملكوتيسوع:الله.

 لعله� يقدر أن يدخل جوفنيقودمس: كيف يمكن أن يولد إنسان وهو شيخ أأمه ثانية ويولد؟

أين العدل اإللهي؟

�د أن يسوع عل�م التقمص هو أنه أورد مستلزمات الخالص التي        وأكثر ما يؤك�سد£د في حياة واحدة.  يراها معظم الناس مستحيلة كي ت

هناك عدة أمثلة في العهد القديم عن معاقبة الله للناس بقسوة على جرائمh. بدون مفهوم التقم¢ص، تبدو هذه الحوادث غير عادلة، لكن إذا ال تبدو سيئة كثيرا

¤ن األعمال نظرنا عبر عدسة الحيوات السابقة، نقدر أن نراها كأستحقاق لد يرها كعقاب عن آالف السنين. عندما تعاد "نظرية التقمص" )الحلقة المفقودة( ونفس�

.h إلى المفهوم الديني يصبح العهد القديم مفهوما

في وعظه على الجبل أوضح يسوع بدقة مبدأ رد�ات الفعل: "ال تدينوا لئال       �كال لكم"؟ �لون ي �دانون وبالكيل الذي به تكي �دانوا، فإنكم بالدينونة التي بها تدينون ت ت

(7/21)متى:

h في عالم آخر، فم�ن  الواضح        إذا كان عقاب م ن¤ قطع رأس يوحنا تحق£ق الحقا�دانون"، أن ليس هذا هو العقاب الذي عناه يسوع بقوله "بالدينونة التي تدينون بها ت

�ة، أفال يكون �عاق ب م ن قطع رأس يوحنا، بل عاش ومات ميتة طبيعي وإذا كان لم يh من مفهوم العدل اإللهي؟ h مع قول يسوع وانتقاصا هذا متناقضا

وتابع يسوع ع�ظ�ته ليقول القاعدة الذهبية: "فكل ما تريدون أن يفعل الناس        (. وفصل آخر7/12بكم فافعلوه أنتم بهم، فإن هذا هو الناموس واألنبياء" )متى:

h من األعمال الجيدة والسيئة، يقول �ما في متى يدل على أن لدى كل إنسان تراكh صالحة" والرجل £ز قلبه الصالح يظهر بالطبع أعماال يسوع: "الرجل الصالح م ن¤ كن

£جه حسب نموذج h سيئة، ومقصد المسيح هو أن اإلنسان يت السيء يظهر أعماال�دة وسيئة حسب المخزون الجيد أو السيء فاته الشخصية وأنه يتلقى أشياء جي تصر¢

الذي جمعه.

التقم¢ص في م�عتق د المسيحيين األوائل )يوحنا.. إيليا المزمع أن يأتي(- )إعداد       قسم البحوث الروحية في الضحى(

:المسيحية وتجل�ي الصورة األزلي�ة

h من الالهوت الغنوصي، حيث أعتقد الغنوصيون أن        h رئيسيا �ل التقم�ص جزءا شكh في تعاليمه السرية h في أقواله وأمثاله، وباطنيا المسيح عل�م هذه الحقيقة ظاهريا

�د يسوع h إلى التقم¢ص، حين يؤك h تلميحا لتالمذته. وقد اعتبروا موعظته على الجبل مثال بأن على اإلنسان أن يسد�د ديون "الكارما" في حياته الحاضرة وإال سيبقى في حلقة

الموت والوالدة، في سجنه المادي... الجسد. وفي "إنجيل توما"، أقدم مخطوطةh إلى وجود¥ سابق للنفس قبل حلولها في70غنوصية مسيحية ) م(، تلميح أيضا

h، لكن الجسد، في مناقشة لفكرة "الصور": "حينما تشاهد شبيهك تصبح مسرورا حينما ترى صورك التي سبقتك إلى الوجود والتي لم تمت ولم تصبح مرئية، كم

باستطاعتك التحم¢ل؟!". لقد اكتسبت الغنوصية الكثير عن األفالطونية، ويرى البعض أن "صور" أفالطون لم تكن مجرد انعكاسات كما يحدث في المرآة، لكنها أشكال بشر¥ وأشياء أكثر حقيقية وواقعية من النسخ الباهتة التي توجد في العالم المرئي.

ر الغنوصيون "الصورة التي سبقتك إلى الوجود" على أنها الذات ولذلك فس��نزع قبيل "الهبوط" إلى الحقيقية )والتي و�جدت قبل الجسد(، الرداء الملوكي الذي ي

العالم المادي. وقد عل£م الغنوصيون بأن قدرنا يكمن في االتحاد مع تلك الذات، ولذلك قصد "توما" بقوله هذا عندما ترى صورتك الخالدة، أي عندما تتوح£د ذاتك

اآلنية بذاتك الحقيقية، باستطاعتك أن تتحم£ل حالة من النعمة األزلية. وتبدو حقيقة التقم¢ص أكثر جالءh في كتاب غنوصي آخر "توما المجادل" )أواخر القرن الميالدي

وورد فيه ما قاله "المخل�ص" لتلميذه توما بأنه بعد الموت، أولئك الذين الثاني( آمنوا لكنهم استمروا في تعل�قهم بـ "الجمال الزائل"، سوف يستهلكون في

h إلى العالم المرئي. وفي نهاية كتاب توما "همومهم الحياتية" وسيرجعون م�جد£دا�وا كي ال تولدوا في الجسد بل كي تتحرروا من عبودية هذه يقول يسوع "ترق�بوا وصل

�وا كي ال تكونوا في حياة ثانية على األرض الحياة الم�رة"، أي وبعبارة أخرى صلفريسة النسيان.

وهذه الدالالت تشير إلى أن التقم¢ص كان من خصائص الغنوصية في القرن       الميالدي الثاني.

�ي التقم¢ص في صميم مناقشته لخالص الروح،        ويضيع "كتاب يوحنا السر¦ ر أقدم من المسيحية. وهذا هو المفهوم �عتب ويحتوي على عناصر من الغنوصية التي تري ليوحنا عن التقمص: كل الناس شربوا من ماء النسيان، وهم موجودون في الس�

حالة من الجهل، البعض باستطاعته أن يتغل£ب على الجهل عبر روح الحياة التي�سأل يوحنا المخل�ص تهبط عليه، تلك النفوس "ستحق�ق الخالص وتصبح كاملة". وي عن مصير أولئك الذين لم يحق�قوا الخالص، فيجيبه بأنهم سيغرقون في "النسيان"

�رمون في "السجون" أي األجساد الجديدة، والسبيل الوحيد لخروجهم هو في ويالتل¢ص من النسيان وتحصيل "المعرفة".

:الجحيم على األرض

�وصيون على مبدأ التقمص لشرح أسباب األلم والمعاناة ومظالم        اعتمد الغن£د الفيلسوف المسيحي "باسيليدس" في مطلع القرن الثاني أن التقم¢ص الحياة. وأك

يوض�ح لماذا يذوق األبرياء طعم الشهادة، فالشهيد يسد�د ديون أخطائه في الحياة السابقة. ويلقى نص غنوصي آخر الضوء على ما يتضم£نه التقمص من عقاب وثواب،

ويبرهن النص هذا على أن اختالف األقدار ما هو إال نتيجة ألعمال الحياة السابقة.£د فيلو اإلسكندري، بأي علينا تقع مسؤولية البحث عن إذن يخبرنا الغنوصيون، كما أك

الروحية كي ننفذ من حلقة الوالدات التي يسيطر عليها طابع النسيان الحقائق بأن النفس التيZostrianosواالنغماس أكثر فأكثر بالخطيئة، ويقول "زوستريانوس"

h للحقيقة" تلتمس األشياء الموجودة هي النفس التي "تختبر في داخلها اكتشافا�صال بالله في داخلنا )الوجود الحق(. لذلك إن التماس "األشياء الموجودة" يعني االت

والتبديل في قيمنا هذا يعني عند الغنوصيين الوعي الروحي حينما تدرك النفس أصلها اإللهي، وعندما تحيا تلك النفس في وحدة مع الله في الداخل تعي عندها

الوجود الحقيقي. وبناء عليه، يعتقد الغنوصيون أن قيامة األموات أو البعث الواردh �فهم رمزيا h، ويؤمن البعض أن سفر ذكره في سفر الرؤيا يجب أن ي وليس ح رفيا

الرؤيا يصف طريقنا الشخصي في الكفاح النفسي ضد ماديتنا وكلنا في حالة منفي للبعث £ت الكنيسة التفسير الح ر¤  الوحي أو الرؤيا ونختبر عناصر عدة منها. لقد تبن

معتم�دة على مقاطع من سفر الرؤيا، لكن هذا التفسير ال يتالءم مع رسالة يسوع التي تتوافق مع التأويل الروحي، في حين يرى الغنوصيون أن البعث هو بعث

روحي، في حين يرى الغنوصيون أن البعث هو بعث روحي يحدث خالل الحياة على األرض وليس قيامة لألموات في زمن ما في المستقبل، وأن هذه النظرة موجودة

�ات الكتاب المقدس لكن علينا أن نعرف أين وكيف نجدها. وفي حين أن بين طي البعث الجسدي يقضي على فكرة التقمص، فإن البعث الروحاني ال يتعارض مع

التقم¢ص بل يتكامل معه، وتعتبر الغنوصية أن البعث والحياة األبدية والملكوت

h مستقبلية وحسب بل بمقدورنا اختبارها على األرض، وأن العارفين ليست أحداثا الذين وصلوا إلى ينبوع الحياة األبدية باختبارهم البعث الروحاني باستطاعتهم

الخروج من حلقة الوالدات التي يطغى عليها طابع النسيان. واعتقد الالهوتي الكبيرh يحدث h عند نهاية الزمن، وواحدا ¤ن: واحدا  ي  عث "أوريجانوس اإلسكندري" بأن هناك ب

.h في الروح واإلرادة واإليمان خالل حياتنا الحاضرة، وأن البعث روحاني وليس جسديا

وعد£د الغنوصيون أربع مثالب للبعث الجسدي في المسيحية ال تتوافق ورسالةالمسيح:

يجد الكثير من المسيحيين فكرة قيامة األموات في نهاية الزمن منافية      أوًال7:للعقل وعصية على القبول والفهم.

أنها تنكر الطريق الشخصي للخالص، حيث المطلوب فقط اإليمان بيسوع      ثانيا7:h، والتطهر بمعمودية الماء للحصول على الخالص بعد h ومخل�صا المسيح ربا

القيامة من الموت بغض النظر عن مسؤوليتنا تجاه أعمالنا.

h، إما أن تحصل على      ثالثا7: h واحدا h الهوتيا أنها تجعل من العقيدة المسيحية طرحاh الحياة األبدية عبر قيامة األموات أو ال تحصل عليها وتبقى في الخارج ملعونا

إلى األبد.

7 h، فيما    : رابعا �عتبر من الناحية التاريخية غير مثبتة كليا h ت إن قيامة المسيح جسدياh لقيامة كل األموات. ويعزو أوريجانوس هذا h مسبقا تعتبرها الكنيسة إثباتا المعتقد إلى "نقص في المنطق". وقال أن التفكير به يتناقض مع تعاليم

£د أن االعتقاد بقيامة جسدية h"، وأك بولس الذي يعتبر الجسد القائم "روحانيا�ريد لهم أن ما هو إال طر̈ح لـ "العقول البسيطة" و "عامة الشعب الذين أ

يحيوا حياة أفضل بمعتقدهم".

:تحو�ل سحري

إلى جانب تنافيها مع المنطق، تعني فكرة القيامة بعد الموت أن المعم£دين،        أكانوا يستحق�ون الجنة أم ال، يتم انتقالهم بعد الموت إلى الجنة بشكل سحري وكل

h! لقد غذ�ى أحد مقاطع بولس الرسول فكرة �محى تلقائيا ذنوبهم البشرية سوف ت التحو¢ل العجائبي هذه التي أد£ت إلى المعتقد الشائع بـ "الغبطة". لقد كتب بولس

في رسالته األولى إلى أهل كورنثيا: "لن نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير، في لحظة، في طرفة عين عند البوق األخير، فإنه سيبو£ق فقيام األموات عديمي فساد� ونحن نتغير.

( وقد فس£ر53-15/51ألن هذا الفاسد ال بد أن يلبس عدم فساد". )كورنثيا األولى المسيحيون لقرون عدة هذا المقطع على أنه وصف للبعث الجسدي، في حين اعتبر

البعض أن "الغبطة" هي لحظة يتم خاللها نقل جميع المسيحيين إلى الجنة دون�ون عن محو الذنوب �ة الموت في نقلة عجائبية. وهنا يتساءل الغنوصي ن خضوعهم لس�h في هذه اللحظة، متى نحصد ما قد زرعناه على هذه األرض؟ فما نفع كفاحنا جميعا

h التقمص أكثر عدالة من البعث الجسدي ألولئك الشخصي نحو الفضيلة والصالح؟ إذا Leslieالذين توف�اهم الله قبل جهوزيتهم لدخول الجنة. "ليسلس ويذرهد"

Weatherhead وصل إلى نتيجة1960 إلى 1935، راعي أبرشية لندن من سنة ، مماثلة، لقد اعتقد ويذرهد أن التقم¢ص جزء من الحكمة اإللهية وأن األرواح التي لم

� عبر التقمص، أي �صق ل إال تمر في اختبارات أرضية ال ترقى إلى مستويات عليا وت."h  حن مجددا �مت كي "ت

:القيامة الروحية

للغنوصية المسيحية لغتها الخاصة، وهي نوع من الكالم الباطني قيل أن       h، لقد كان البعث في h ماديا يسوع وحتى بولس نطقا به، لم يكن البعث عندهم ح د ثاh، ببساطة.. يقظة للنفس، واعتقدوا أن أولئك الذين اختبروا h روحانيا مفهومهما ح د ثا

�حاد المقدس على األرض، البعث الروحاني باستطاعتهم تحقيق الحياة األبدية، أو االتh أشبه باألشباح بال أرواح تطغى عليها والذين ال يختبرونه سوف يتقم£صون أجسادا

ر الغنوصيون بعض المقاطع من رسائل بولس التي تبدو وكأنها ظلمة النسيان. ف س� تشير إلى قيامة جسدية بأسلوبهم الخاص، واد�عوا أن بولس عل£م على مستويين،

واحد للدنيويين أولئك الذين على مستوى األشياء المادية، وآخر للروحانيين القادرين�ون أنفسهم روحانيين، والقسم األكبر على استيعاب الحكمة اإللهية. واعتبر الغنوصي£دوا أن الروحانيين وحدهم باستطاعتهم فهم المستوى من المسيحيين دنيويين، وأك

h، الذين بمقدورهم أن العالي لتعاليم اإلنجيل، لكن هذا ال يستثني الدنيويين نهائياh، حين يدركون غوامض األسرار. إن �ا h روحي يصبحوا روحانيين عبر انتهاجهم مسلكا

h في العالم اإلغريقي- الروماني، النظر في خفايا معاني النصوص الدينية كان شائعاh ذات مغزى، في حين اعتبر فقد رأى فيلو اإلسكندري في العهد القديم قصصا

أوريجانوس اإلسكندري أن النصوص لها معنيان، ظاهري وباطني.

:المعنى الحقيقي للحياة والموت

إن وعد يسوع لـ "مارثا" في إنجيل يوحنا يلقي الضوء على مفهومه الحقيقي       h. وكل من للموت والحياة "أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فمسيحيا

h وآمن بي فلن يموت إلى األبد. أتؤمنين بهذا". وفس�ر عدد كبير من كان حيا المسيحيين هذا القول على أن أولئك الذين يؤمنون بيسوع سيعيشون بعد البعث

h أن يسوع يشير إلى أبعد من بعث¥� في أجيادهم المادية إلى األبد!، لكن أليس واضحاh عندما يقول يسوع أن الذي يعيش ويؤمن بي لألموات؟ كل األجساد تموت، إذا "سوف لن يموت"، هل كان يقصد ببساطة بأن أجسادهم لن تموت؟ هنا يعتقد

h إلى حالة �ون بأن المسيح يقصد بكالمه هذا أن نفوسهم لن تعود أبدا الغنوصي "العبودية والنسيان"، ويؤكدون بدورهم أن المؤمنين بالمسيح )الكلمة، اللوغوس، أوh بخطوة ترقى بالحياة على األرض إلى مستوى أرفع العقل الكل�ي( سيتم بعثهم روحياh تتضمن من الكينونة، ويشيرون إلى أن مصطلحاتهم منثورة في أعمال الرسل، مثال

الرسالة إلى أهل أفسس كلمات "اليقظة، النوم، الموت" في مفهوم غنوصي: (.5/14"استيق�ظ أيها النائم وق�م من بين األموات فيضيء لك المسيح " )أإلسس

�يا̈م وبحاجة إلى �ون أن الدنيويين )النفوس غير المستيقظة( ن وآمن هؤالء الغنوصي إيقاظ طبيعتهم المقدسة. وبمساواتها فكرة االستيقاظ من النوم مع القيامة من الموت، تدعم رسالة بولس إلى أهل أفسس، التفسير الغنوصي للبعث على أنه�قد�م المخطوطات الغنوصية رؤية واضحة وبسيطة عن والدة روحية ال جسدية. وت

h، يبد�د "إنجيل توما" األوهام لدى العامة بأن البعث حدث مستقبلي: "قال البعث. أوال له أتباعه، متى تحدث راحة األموات، ومتى يأتي العالم الجديد؟، فقال لهم )أي

المسيح( ما تبحثون عنه قد أتى لكنكم ال تعرفونه" وهذا يعني أن البعث والملكوتh للمفهوم الغنوصي، لم نتكامل بهما بعد. موجودان اآلن، لكننا ال ندركهما، أو وفقا

وفي نص آخر من نصوص المخطوطات الغنوصية التي اكتشفت في "نجع حم�ادي" ،h للسؤال البديهي عن أي نوع من األجساد سيرتدي )حوار المخل�ص(، نجد جوابا

h من االستنتاج، كالمتشد�دين، أن النص أن تلك األجساد القائمون من الموت. وبدال زائلة وفانية ال تدوم "ليس بهذه األثواب الزائلة ستكسو نفسك". إن فكرة "االرتداء" وتبديل األثواب مجاز غنوصي يساعدنا على فهم مبدأ البعث عند

الغنوصيين، ويوض�ح النص الغنوصي بأن علينا أن ننزع أثواب هويتنا المادية وزخارفها لنرتدي الثوب الروحاني، هويتنا المقدسة )رداءنا الملكي(، وبذلك نحصل على الحياة�حاد الحقيقية- الحياة "المنبعثة". إن بحث الغنوصيين في نظرية البعث يرمي إلى االت

�ر، ووهمي. ك كل ما هو زائل ومتغي  ر¤ بما هو إلهي داخلنا، وت

�حاد المقدس، عندما تتأجج شعلة النار في        h، البعث هو معراج روحي نحو االت إذار قلب المؤمن إلى حد¥ تتالشى معه األشياء الزائلة. وتحدث هذه اليقظة عندما تقر�

�حاد وتبدأ محاولة تحقيقه على خطى السيد المسيح النفس أن هدفها هو ذلك االت)اللوغرس(,

�حاد        المفهوم الس�ري ليوحنا عن التقم¢ص )البعث يقظة نفسية لتحقيق االتh من العدد -77المقد�س(- قسم البحوث الروحية في الضحى- راجع الضحى ابتداءا

.1998تموز

h ما تكل£م يسوع عن الملكوت. لكن ما هو الملكوت وكيف يستطيع كثيرااإلنسان الدخول إليه؟

�حاد المقدس، الملكوت سنرى في بحثنا هذا أن بلوغ الملكوت هو تحقيق االتh بقدر ما هو كل مكان- حالة الكينونة التي يمكنك ولوجها عندما تحق�ق ليس مكانااألحدية مع الله. وسنفهم هذه الحالة عندما نتفح£ص أقوال يسوع عن الملكوت.

:أين هو الملكوت

£ر الناس في زمن يسوع وبحثوا عن الملكوت اآلتي وتساءلوا كيف سيكون. فك�لة بالمسيح وتساءلوا هل اعتقد البعض أنه سلطة الله السرمدية المقبلة والمتمث

سيحدث على األرض أو في السماوات؟، كان هناك دعم� للفكرتين.

دعم للنظرية األرضية سأل كاتب "مزامير سليمان" في األسفار الغنوصيةh على إسرائيل في زمن مقبل غير )القرن األول ق.م".( الله أن ينص�ب ابن داود ملكا

�ؤخ ذون إلى الملكوت السماوي: �ح سي م�سم�ى لكن أسفار موسى تخبرنا أن الص�ال"سوف يرفعكم الله إلىاألعالي نعم سوف يثبتكم بقوة في جنة النجوم".

حتى ولو كان هناك اختالف في اآلراء إذا كان الملكوت في السماء أو على£ت األرض فإن هذه المقاطع تصف الملكوت أنه مكان وقدومه حدث مستقبلي. تبن

�د أنه علينا أن ننتظر "نهاية الزمن" بعد الكنيسة الكاثوليكية هذه الفكرة، واليوم تؤك الحساب األخير كي يأتي ملكوت الله بكماله وعندها يصبح العالم المرئي الكلي

.h �را متغي

h آخر "للملوكية" والذي يشير إلى حالة باطنية لإلنسان- لكن هناك مفهوما القدرة على الحكم. تأتي عبارة الملكوت في العهد الجديد من الكلمة اإلغريقية

التي تعني الملوكية وتدل على قوة السلطة.Basileia"باسيليا"

كيف يمكن ألي شخص أن يحق�ق هذه القوة؟ تخبرنا النصوص اإلنجيلية وحتى�منح� للحكيم ألن الحكمة تقود إلى الخلود التوراتية أن قوة السلطة والسيادة ت

h للتعل¢م، ومراعاة  م سليمان "ابتداء الحكمة هي الرغبة األكثر صدقا الذاتي، تقول ح�كh من الله، فهذا التوق إلى قانونها هو تأمين الخلود، والخلود يجعل اإلنسان قريبا

الحكمة يقود إلى الملكوت".

:الحكمة تقود إلى الملكوت

 حك�مون األمم �ح بالخلود، ويقول إنهم سوف ي  م سليمان الص�ال  عد� ح�ك ت ويواجهون الناس ويكون لهم مطلق السلطة. في المسيحية دور الحكمة منوط

�منح الخلود والسلطة.  بيسوع فهو إنسان وسيط مقد£س ي

h بين تحقيق الحكمة وسيطرة الملكوت، تصل مخطوطات بحر الميت أيضا يخبرنا "سفر ليفي" اآلرامي )القرن الثالث ق.م( المكتشف في قمران، أن من

�ر هؤالء الذين يبحثون يعل�م الحكمة سيجلس فوق عرش المجد. وفي مقطع أخر يخبh في الملكوت األبدي. h وحكاما عن الحكمة أنهم سيصبحون ملوكا

�عطيت h أن الحكماء هم الذين يشتركون في الملكوت وقد أ يخبرنا فيلو أيضا لهم القوة كي يحكموا: "الحكيم الذي يمتلك الفضيلة هو الملك... الحكيم وحده هو

الحاكم والملك، والفضيلة هي سلطة ملوكية لمن سلطانه نهائي".

ال يصف فيلو الملكوت األرضر عندما يتكلم عن ملكوت الحكيم: "تأسست�ح¤صى. الممالك األخرى بين الناس في الحروب والحمالت وحاالت المحن التي ال ت

لكن ملكوت الحكيم يأتي كهدية من الله والزغنسان الفاضل الذي يستلم هذه."h الهدية ال يؤذي أحدا

:الطريق إلى الحرية الحقيقية

�ر بالفكر تأم£ل اإلغريق في الملكوت وكيف يمكن بلوغه، يخبرنا فيلو )المتأث اإلغريقي( أن امتالك الملكوت هو الطريقة الوحيدة لبلوغ الحرية الحقيقية، وهذه

h أقل �م ن¤ يجد الحكمة، يقول فيلو أن اإلنسان الحكيم يصبح ملكا الحرية تأتي فقط لh بعشرة آالف �د نفسه حتى لو كان محكوما h وسي  ر  حرا �ع¤نب من الملك العظيم )الله(. وي

h فهو أكثر حرية من سيده. رجل، بمعنى آخر لو كان الرجل الحكيم عبدا

نفسه بالملك مع أنه كانEpictetusقارن الفيلسوف الرواقي "إيبيكتيتوس" h كمتسو�ل: "أنا أنام على األرض ال زوجة لي وال أطفال وال سلطة رسمية لكن فقيرا لي فقط األرض والسموات وعبارة فقيرة واحدة. وماذا أريد؟ هل أنا حزين؟ هل أناh؟.. من الذي يراني وال يظن أنه يرى ملكه وسيده؟ "إيبيكتيتوس" خائف؟ ألست حرا

هو أفقر من أي ملك، لكنه حر� ألنه غير محكوم بمخاوفه ورغباته.

ينصح فيلو هؤالء الذين قد يبلغون منزلة الحرية والسيادة بأن يقهروا حاجاتهمh، بل h أو حرا ويسيطروا على رغباتهم، ال تعتمد الحرية على ما إذا كان اإلنسان عبدا

h بعواطفه وأهوائه )مثل البوذية(. تجعل المدفوعة بالشهوة والسعادة إذا كان محكومار �د، بينما تمتلك النفوس التي تحر� h لعشرة آالف سي والخوف أو الحزن، اإلنسان عبدا

 نفسها من العبودية، القوة والسيادة والسلطة على الذات.

Diogeneshيخبرنا فيلو في عمله "كل رجل صالح حر" أن "ديوجينس" كان مثالh فهذا لن h وباعوه عبدا لإلنسان الحر والملكي حتى ولو أن اللصوص أخذوه سجينا

h عن ذلك كان يمازح رفاقه العبيد ويسخر مم£ن سيشتريه"، ويؤكد يخمد روحه. عوضا�زان وعدم االكتراث هما من خاصية الملك. يتكل£م واحد من نصوص لنا فيلو أن اإلت

عن الحرية بنفس طريقة فيلو: "اإلنسانThe Sentences of Sextus"نجع حم�ادي" الحر الحكيم يشارك في ملكوت الله".

:ليأت� ملكوتك

انتشرت هذه األفكار عن الملكوت في القرن األول وبدون شك كانت مألوفة بالنسبة ليسوع، حيث أخذها بأهمية وبنى عليها تعاليمه. واستنتج تالميذ يسوع أن

h من وعظه. h أصيال  أقواله عن الملكوت كانت جزءا

اعتقد الباحثون )مثل فيلو( أن يسوع لم ير  الملكوت كرؤيا مستقبلية، بل منزلة يمكن أن يختبرها اإلنسان وينعم فيها اليوم إذا كانت لديه المفاتيح، ودون أن

h في أقواله عن الملكوت في إنجيل h وجليا ينتظر حتى نهاية العالم، وهذا يظهر واضحالوقا:

"وكان يقول ماذا يشبه ملكوت الله وبماذا أشبهه، إنه يشبه حبة خردل أخذها رجل وألقاها في بستانه فنمت وصارت شجرة عظيمة واستظل£ت طيور السماء في

£أتها h بماذا أشبه ملكوت الله إنه يشبه خميرة أخذتها امرأة وخب أغصانها، وقال أيضا ( ما هو21-20-19-13/18في ثالثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع". )"لوقا:

الشيء المشترك بين حبة الخردل والخميرة؟ لكليهما تأثير أكبر من تناسب حجميهما، فحبة الخردل الصغيرة أصبحت شجرة كبيرة واستظل£ت الطيور في

أغصانها، والخميرة رغم صغرها بالنسبة لحجم الطحين فإنها تخمر أغلبية العجينة ملكوت الله هو صغير وضخم في ذات الوقت ونفس الخصائص موجودة في

£أة داخل كل إنسان وصغيرة الشرارة المقدسة "اآلتمان" )الذات العليا( وهي مخب�رنا يسوع أن الملكوت هو مثل الخميرة وحبة الخردل، فهو يشير إلى h. عندما يخب جدا

ك عبر الشرارة المقدسة ومثلما تصبح حبة الخردل الصغيرة نبتة �د¤ر  أن الملكوت ي¤ض�ج �ن كبيرة، تسمح الشرارة المقدسة لنا أن نصبح الشجرة اإللهية الكبيرة. ومثلما ت

الخميرة العجينة فإن� الشرارة المقدسة لديها القوة لتوج�ه الكائن الباطني داخلنا�در�ك الملكوت عبر الشرارة المقدسة تلك نبلغ تخوم األلوهية. إلى الله، فعندما ن

يخبرنا يسوع في أقوال أخرى عن الملكوت أنه يقيم في كل جزء من الحياة وينفخ�ؤذ ن بدخوله لكل شخص. سأل الروح في الكون وهو حاضر في كل مكان لكن ال ي�قال �ون يسوع: "متى سيأتي الملكوت؟ أجابهم سوف يأتي بغير ترق�ب. لن ي الحواري

أنظر هنا أو أنظر هناك ألن ملكوت الرب منتشر على األرض والناس ال تراه".يسيون متى113)إنجيل توما: ( وهذا يشبه ما ورد في إنجيل لوقا: "ولما سأله الفر�

يأتي ملكوت الله أجابهم وقال إن ملكوت الله يأتي بغير ترق¢ب وال يقال إنه هنا أو (. لمزيد من البراهين17/20/21هناك ألن ملكوت الله في داخلكم" )إنجيل لوقا:

أن الملكوت هو حالة ذاتية ويمكن اختبارها في الحاضر نرى في رسالة العبرانيين:hمرضية hفلذلك إذ حصلنا على ملكوت¥ ال يتزعزع فلنتمس£ك بنعمة¥ بها الله عبادة"

(. يدعونا كاتب الرسالة إلى التبص¢ر في طبيعة12/28بتقوى وورع" )العبرانيين: الملكوت ويصفه وكأنه مصنوع من شيء ال يتزعزع مغاير لخلق األشياء التي يمكن

أن تتزعزع هذا يظهر أن الملكوت روحاني خالد.

:مفاتيح الملكوت

h لقد عرفنا الملكوت في مخطوطات بحر الميت وفي تعاليم الحكمة على إذا ح إلى الحكيم الصالح وتقوده إلى �من أنه حالة من الكينونة وقوة السلطة التي ت

الخلود. يخبرنا فيلو أن بلوغها يكون بفصل أنفسنا عبر العالم المادي، ويقول لوقا وتوما )في اإلنجيل( أن الملكوت م�تا̈ح لنا هنا على األرض ولكن ليس بمقدور كل�منا رسالة العبرانيين أنه روحاني، ويسوع يخبرنا أنه موجود شخص أن يدخله، وتعل

�حاد مع الله. h الفكرة الصوفية القائلة باإلت �دا  في داخلنا مؤك

�جاه. ففي ويشير إنجيل توما وبعض نصوص نجع حمادي الغنوصية إلى هذا االتh( خارجنا، ويتكل£م h( داخلنا، )كبير جدا أقوال توما تأكيد على أن الملكوت )صغير جدا

كاتب اإلنجيل بتفصيل ويبني على فكرة فيلو "الهلنستية" عندما يخبرنا أن بلوغ الملكوت يكون عبر المعرفة الذاتية: "قال يسوع إذا قال لكم أسيادكم انظروا هوذا

الملكوت في السماوات فعصافير الجنة سوف تسبقكم، وإذا قالوا لكم إنه البحر

فإن األسمال سوف تسبقكم، فالملكوت هو في داخلكم وخارجكم، عندما تعرفونأنفسكم سوف تعرفون وتفهمون أنكم أطفال لألب الحي".

¢ل "ولنعرف أنفسنا ولنصبح معروفين" هي عبارات غنوصية لعملية التمث�ل مع الله في الداخل، فلهذا يخبرنا توما أنه كي ندخل الملكوت علينا أن والتماث

h مع الله. نكون واحدا

h يبدو كتاب توما وكأنه يردد أقوال فيلو عندما يخبرنا كيف يصبح العبد ملكا عندما يهزم سلطة السعادة واأللم: "من يترك اآلالم الجسدية والعواطف سوف

 يالقي الطمأنينة من الشخص الصالح وسيحكم مع الملك".

�حاد المقدس: h مثل االت ثم يخبرنا النص فيما بعد أن بلوغ الملوكية هو تماماh معك اآلن وإلى األبد". £ح�دا h مع الملك والملك مت £ح�دا "عندما تحكم سوف تكون مت

هذه الفكرة حيث يعدPistis Sophiaيكرر النص الغنوصي "بيستيس صوفيا" h: "كل الذين �حاد المقدس لهؤالء الذين سيستلمون أسراره قائال يسوع بالملوكية واالت

)h h متشاركين )ملوكا �اما سيستلمون األسرار التي ال ينطق بها، سوف يصبحون حكh مع المسيح معي في ملكوتي وأنا هم وهم أنا". بعبارة أخرى عندما تصبح واحدا

تكون قد بلغت الملكوت )يضرب المثل بيسوع ألنه نموذج للصورة المقدسةالخالدة(.

�حاد تؤكد أقوال أخرى في إنجيل توما أن "إيجاد الملكوت" هو رمز لالتh يقارن يسوع نفسه بالملكوت: "من هو بقربي هو بقرب النار المقدس، أوال

)المقد£سة( ومن هو بعيد عني فهو بعيد عن الملكوت" إذا كان الملكوت مثل يسوعh به". ¢ها فمن يريد أن يبلغ الملكوت يحتاج إلى أن يصبح أكثر تشب

:العودة إلى البداية

h، هو "العودة إلى ح� آخر يوضح كيف يصبح اإلنسان مقد£سا ر¤ في إنجيل توما ش  البداية"، الحالة األزلية للكمال قبل أن تتحد£ر النفوس إلى الشكل الفاني، استنتج

)مم�ا ورد في إنجيل توما( أن البدايةStevan Daviesالباحث "ستيفان دايفس" وملكوت الله، ويسوع، والنور عبارات متساوية.

�ون يسوع عن "النهاية" أخبرهم أن الطريق لبلوغ الحياة عندما سأل الحواري األبدية تكون بالعودة إلى البداية، قال يسوع: "هل وجدت البداية التي تبحث عنها؟ في المكان الذي تجد فيه البداية ستكون هناك النهاية. مبارك� هو الذي سيقف في البداية ويعرف النهاية ولن يذوق طعم الموت". ويخبرنا يسوع في إنجيل توما أكثر

�ون: "أظهر لنا عن كيفية بلوغ حالة البداية )أو الكمال( التي حق£قها، يقول الحواري المكان حيث أنت حتى نبحث عنه". يجيب يسوع: "هناك نور داخل كل شخص منكم

يشع على العالم بأسره، وإذا لم يشع فالعالم مظلم وحالك".

h مع نور الله ولذلك عندما تكتشف كيف تجعل النور داخلك يشع، وتصبح واحدافي قلبك، عندها سوف تقف عند البداية وتكون قد اكتشفت الملكوت.

:الحاضر في كل مكان

�حاد كمثل كائن تجده في كل مكان دفعة وصف الفكر الصوفي حالة االت (: "أنا نور العالم الذي هو فوق كل األشياء،77واحدة، يقول يسوع )في إنجيل توما

£صل بي، شق الخشب أنا أنا كل األشياء، كل األشياء تظهر مني، وكل األشياء تتهناك، ارفع الحجر ستجدني هناك".

�حاد المقدس فأنا حاض̈ر "شق الخشب أنا هناك" تعني: "اآلن وقد حققت االتيء{ من الكون". مع الله بكل ذرة وج�ز 

يشرح إنجيل فيليب الغنوصي هذا الشكل للوجود، أي حالة الكينونة كجزء من       £حد مع جوهر h مع الله نت الحياة كلها وأنه "المملكة الحقيقية"، وعندما نصبح واحدا

الروحانية الحقيقية لألشياء وليس مع وهم العالم المادي.

"ال يستطيع الناس أن يروا أي شيء في المملكة الحقيقية إال عندما يدخلونها.       h، وإذا رأيت الروح في مملكة الحقيقة، إذا رأيت أي شيء تصبح أنت وإياه واحدا

أصبحت الروح، وإذا رأيت المسيح أصبحت أنت المسيح، إذا رأيت األب ستصبح أنت األب. في العالم ترى كل شيء وال ترى نفسك، لكن هناك ترى نفسك ألنك ستصبح

ما ترى".

h تحت الحجر        في الملكوت، تصبح كل شيء، وعندما تبلغه ستكون حاضراh كما يسوع، وتكون معه الشمس والسماء واألرض. فصميم رسالة يسوع هو تماما أن نجد هذه الحالة باألتحاد الصوفي الذي هو الملكوت والحياة األبدية. لم يرغبh فوق اآلخرين بل يريد أن يظهر لنا الطريق إلى h معظ£ما يسوع في أن يكون ملكا

h لحيرة اإلنسان وآالمه ومعاناته وعجلة الملكوت، وعندما نجدها سنجد مخرجا¤حاد المقد£س خارج الوالدة، ونتحو£ل إلى حالة غير اعتيادية من التنوير. حالة االت

العالم- عالم الزمان والمكان والمادة.

شرارة الذات المقدسة )ملكوت الله في داخلنا(- إعداد قسم البحوث       .الروحية في الضحى

 السابقون والعرفانيون والمتصو�فون

مشاهد من ذاكرة التوحيد

عصر اإلسالم

ج بهم في سل�م معرفته )في هذا الدور        إن رحمة الباري بعباده جعلته يتدر£ اآلدمي األخير( كما في سائر األدوار بتؤدة وعلى قدر أفهامهم. ذلك ألن البشرية ماج من عهود الجهل والظالم، إلى عهود المعرفة واإلشراق والنور... لذلك برحت تتدر£

h جاءت الحكمة األزلية كان ال بد من إعطاء الحقيقة جرعة جرعة... ولذلك أيضاج الطفل، مبثوثة في باطن جميع الفلسفات واألديان منذ أقدم العصور. فمثلما يتدر£

h بالمعرفة إلى ميدان ج مسلحا وتنمو مداركه من الحضانة إلى الجامعة حيث يتخر£ ة العمل، كذلك هو الحال مع البشرية من أقدم عصورها مع الدعوات التوحيدي

المتعاقبة.

عليه نقول، إن اإلسالم اعتقاد وإيمان، وبالطبع فال بد لإليمان من أن يكون       �زه�ر دون أن تنعق�د ثمارها h للخالص والنجاة، وإال كان كالشجرة التي تور�ق وت طريقا

وتنضج.

وقد حذ£رنا الله العظيم من الشرك به... لكن التوحيد كان ال بد أن يصل إلى       ر. منهاه عبر سلوك طريق الفكر المتحر�

£ل األنبياء الكرام إنها لداللة على الوالء للحقيقة وعدم الشرك بالله أن نتقبh من مصدر واحد ولهدف واحد. فتكون األديان ليست �عثوا جميعا س�ل ب على أنهم ر�

h في معراج البحث الصاعد عن الحقيقة. �ا سوى حلقات متعاقبة، ومتسلسلة تاريخيس�ل، بل يفهم جوهر األديان ويكون البحث عن الحقيقة ليس بالتعص¢ب لألنبياء والر�

والرساالت التي أتوا بها.

إن اإلسالم يدعو إلى عبادة الله وتوحيده والخضوع لمشيئته وقوانين الوجود       �ة التي أوجدها، كما يدعو إلى احترام األنبياء الذين دعوا إلى الكلمة السواء التوحيدي

التي سبقت اإلسالم في الظهور.

ا التوحيد فهو اإلسالم بمعناه األشمل. عندما أرسل النبي سليمان إلى        أم� بلقيس ملكة سبأ م ن يدعوها إلى اإليمان بالله الواحد فإنه كان يدعوها في الحقيقة

إلى اإلسالم بمعناه الواسع، وهو التسليم لمشيئة وإرادة الله الواحد الذي ال وجودإلله سواه. وهذا في الحقيقة جوهر عقيدة التوحيد اإلسالمية.

واإلسالم ال يعني بالنسبة للموح�دين الوقوف الحرفي عند النص، فالقرآن       �ة التي ال يعلم تأويل بعضها إال الله ولذلك فإن الكثير الكريم معروف بمعانيه الباطني

�ا االجتهاد المخلص المترف�ع عن القيود الفكرية لفهم الكثير من آياته يتتطل�ب من مات أبعاد وأعماق مرموزة ¢ر القرآن الكريم. ففي آيات القرآن الم�حك وتفسير وتدب

�رة عن كثير من الظواهر والبواطن من المعاني. وكلها صحيحة يغوص في ومعبر العقل، �اتها المؤمن بقدر ما أوتي من اإللهام والتوفيق، وسمو الذوق، وتحر¢ طي

£تهم. فمنهم م ن يطفو على سطح ورهافة اإليمان. وفيها يجد العوام والعلماء ضال

األلفاظ، ومنهم م ن يغوص في عمق المعاني. ومن المهم التذكير بأن ليس جميع ما ورد في الكتب المقد£سة إنما يمكن أن يؤخ ذ عن ظهر قلب على حرفيته، ألن

h ما كانت تأتي مغل£قة حتى ال يصعب على العامة الحقيقة ومنذ قديم الزمن كثيرا¢لها، أو حتى ال يسيئون إليها. تقب

h بالمعنى التقليدي الظاهري للكلمة. إن الموح�دين هم        التوحيد ليس دينا مسلمون لتعل¢قهم بجوهر األديان األبدي؛ والذي هو منذ األزل وهو ما أثبته القرآن

الكريم في كثير من آياته...

يعتق�د الموح�دون أن اإلسالم جاء برسالة الهدف منها إكمال توضيح الحقيقة       �ة بتزكية النفوس وتهيئتها لمشاهدة الحق سبحانه، وهذه الحقيقة شاهدتها كل اإللهي

h h جديدا نفس، وكاشفها كل عقل منذ بداية التكوين، فبذلك يكون اإلسالم معراجاh لألديان األخرى ومصدره النور الذي أتى في كل عصر وزمن لهداية الخلق مكم�ال

إلى معرفة الحقيقة.

ويقول القرآن الكريم أن رسالته هي "التوحيد" وليس التفرقة. والتوحيد هو       رسالة األديان المقد£سة التي تحث¢ على المحبة والسالم بين البشر.

�هد ر على مذبح التعص¢ب والجهل. وهذا ما أد�ى إلى h ت فكانت هذه الرسالة دائما�حاسب عليها �ف�ق الفرد وهامش حريته في البحث عن الحقيقة التي ست تضييق أ

نفسه وحدها.

h ضد نفسه،        £ط الفرد في أجياله وتقم¢صاته بين جبهات األديان ليشن حربا فيتخبh عن بوذيته في جيل ضد المسيحية وعن مسيحيته في جيل آخر ضد �دافع مثال في

£ته الحقيقية. h ذاته العليا التي تعطيه هوي البوذية ناسيا

لماذا د�ف�ع بالفرد إلى هذه الزواية؟

h حاجته        إنه استغالل لحاجة الفرد بأن يشعر باالنتماء وخوفه من الموت، وأحياناh أخرى حاجته إلى إلى العون المالي واالقتصادي واالجتماعي والسياسي... وأحيانا

�فر ض عليه غسل عقدة الشعور بالذنب. كل هذه الممارسات القاهرة لإلنسان إنما ت باسم "الله"، فباسم الله قام األميريكيون البيض باجتثاث األميريكيين األصليين

�دوا أميركا. وباسمه قام العرق األبيض باستعباد العرق األسود. )الهنود الحمر( ليشي وباسم الله أنشأت الكنيسة الكاثوليكية محاكم التفتيش في القرون الوسطى

ف�ك دم الحالج. وبإسم �ة. وباسم الله س� �ة للجماعات الغنوصي ونظ£مت المذابح الجماعي�ة في الجزائر اليوم. وباسم الله اغتصب اليهود �نظ£م المذابح الجماعي الله ت

 ل السو�اح األبرياء في مصر. �قت "فلسطين" وباسم الله ي

ما هو اإلسالم؟ اإلسالم هو إسالم الوجه إلى الله، فكل من أسلم وجهه إلى       �به ومالئكته واليوم اآلخر وقضاء �ت الله كان مسلما. كل من وح£د الله وأقر بأنبيائه وك

الله خيره وشره كان مسلما. أما أن يختلف المسلمون في أفكارهم فتنح� عن�ة اإلسالم. الفكر والعقل هو غنى وثروة لإلسالم، طالما أن اإلنسان يشهد بوحداني

الله ويشهد بمحم£د كرسول له يكون مؤمنا ونيته صادقة في أركان اإلسالم فالنستطيع أن نلغيه وال نستطيع أن نلغي غير المسلم.

h بخالف ما تقول به األديان وليس        �نين أحيانا مع األسف الشديد، إننا نرى المتديh. عندما قتل أحدهم مسلما فقط اليهود أو الغرب بل المسلمين والشرقيين أحيانا أنبه الرسول )ص( فقال: "لماذا قتلت هذا تارجل؟" قال له القاتل: "ألنه كافر"،

h رسول الله؟" قال: "نعم، ولكنه غير سأله: "ألم يشهد أن ال اله إال الله ومحمدا مخلص في شهادته". فأجابه الرسول )ص( قائال: "أشققت عن قلبه؟" فالكفر أمر

يحاس�ب عليه الله".

ف¤ض الغير هو ضد اإلسالم. من هنا، نرى أن اإلسالم يضعف عندما يصبح        ر�¤كا ولم يعد خالفا، هذا ما يجب أن ندركه كإسالم وكعرب ألنه عند ذلك تصبح م�ل أرواحنا إسالمية وتنفتح قلوبنا للمحبة وللخير. علينا كموح�دين في اإلسالم أن ال

نمالئ في كلمة الحق ولو على حساب كبريائنا. على اإلسالم أن يعيد النظر فيh في مراجعة ذاته وانتقاد نفسه، النقد الذاتي إذا مواقفه من غيره ويكون شجاعا

h ينق�ي النفس نحو األفضل. وهذا ما يجب أن يكون عليه عمل المسلمين كان صادقاكي يتوح£دوا ويبتعدوا عن التنافر والتناحر.

الذي يريد أن يسلك مسلك إسالم التوحيد فعليه أن يكون حقيقة موح�دا، ليس       هاته أي أن ينفي كل أنانية، وهذا أمر ال فقط في عقله ومنطقه، إنما في توج¢

يستطيع كل إنسان أن يصل إليه، والمقصود بانتفاء األنانية هو العمل في سبيل الحق وليس في سبيل إظهار ذات أو أية مصلحة. التوحيد هو طهارة وكلما تطه£ر

اإلنسان بالمحبة استطاع أن يقترب من الله.

h. ليس القرب إلى الله أن أرى الله في        القرب إلى الله أمر دقيق جدا مخلوقاته بل أن أرى األشياء من خالل الله. "الله أقرب إلينا من حبل الوريد. الله

أقرب إلينا منا. هذا ما يقوله التنزيل العزيز.

:رسالة سلمان الفارسي

£ق الحكمة في تفريده، فينفرد سلمان في قومه        يتأل£ق فجر اإلسالم، وتتأن األولين، ويستوحد في فراديس العقل اإللهي سابحا في ملكوت اللطافة إلى

ناسوت الكثافة.

خرج من النار نورا على خمسة فروع، وقيل على خمسة حروف، وكان عقله       �عر ف النهر ف القطرة من أختها، وال ي �عر  حدود األصل أو أصل الحدود. ففي النبع ال ت من منبعه ومجراه. هنا الكل واحد: النار والنور، الحرف والحد، الفرع واألصل، ومن حرم من علم الرموز وسمو التكوين في ما كان وما لم يكن، إنما يحرم نفسه من

متعة النظر في الجوهر ومشيئته! هو السابق قبل العهد. وهو المنادى والمستجيب:ال إله إال الله.

في المهد التوحيدي عرفته بالد فارس، ولم يعرف حقا إال من هداه ودعاه       �قال انه حمل على كتفيه مئتين وخمسين سنة مما تعودن، �قال انه سلمان باك. وي ي

ليختبر األديان والمسالك كلها.

من النار، سر اللطافة والحيوية كما رأى هيراقليطس، خرج بالنور إلى عين        اإلنسان. كان يعرف جوهر النار، وكان يعل�م أن طريق التوحيد طويل وأن زاد

الموحدين قليل، إذا هم لم يحسنوا قبس النور من مكانته الجوهرية الشعشعانية.

كان اإلنسان الحكيم العاقل فيه، وكان في كل أرض يناديه ويؤاتيه. ال تكون        مؤاخاة العقول إال في ربيع الحكمة وفصول التأل¢ق على مشارف األدوار واألكوار. وكان سلمان سالما وإسالما، قبل الكلمة. عاش في قميصين أو جسدين: قميص

h، ماثال في نقطة بيكار الكون الحقيقة وجسد الظل. وفي كل حال، كان حاضرا�م ن ك الروح وكأنها ريح الحياة التي ال تكشف ثمارها الطيبة إال ل والوجود. وكان يحر�

رعاها ووعاها.

حارت به الدوائر وهو ينتقل من نقطة إلى نقطة، في مسار كان يضع        الصيرورة والتحو¢ل في منزلة" ظالل الموت"، فيما قميص الحقيقة يرتدي "نور

الكلمة".

مرة أخرى، تأنقت مرايا الوجه الواحد وهو يسافر من بالد المهد )فارس( إلى        بالد العهد )الجزيرة العربية(، واشتعلت حتى كادت تنكسر من شدة حكمته، وهو

يأخذ الكتاب بقوة.

هو الضيف اإللهي، المسافر أبدا من بيت ناره إلى بيت نوره يطف�ئ نار        الجهالة والتلحيد بماء العرفان ونور التوحيد. يخلع قميص حياة مهدية، ويكتسي

في بالد كسوة المصلوب في بالد الشام قبل اإلسالم، ويرى كسوة المصلوب الشام قبل اإلسالم، ويرى اإلنسان فيه وفي العالمين مصلوبا، طالما انه رفع يديهم الله على الموح�د أن يذل نفسه لغير خالقه، إال إذا شاء". منقادا لغير خالقه "حر£

من بيت النار في فارس، إلى بيت المصلوب وفمه ذهب الكلمة، كان سلمان        يجوس األيام، يختبر الناس وكأنهم نقطة سوداء تبحث عن عمامة بيضاء يخرج سنا

الفجر من مكنونها الروحاني العقالني البحث.

سلمان: س. ل. م.ا.ن:

اسم فريد في بالد فارس. ال سابق له وال الحق، فهو االثنان معا. وكيف       لفارس وسواها أن تعر�ف ما ال عهد لها له؟

الفريد يبحث عن الفريد. اختبر المسيحية في ديرها، ولم يرتو. حملة شوق        الكلمة التوحيدية إلى بالد امحوتب )وهو هرمس الهرامسة عند اإلغريق وإدريس القرآني( وهناك أماط اللثام عن فرادة الدعوة وعزم الداعية. ففي محراب أهل

التوحيد تنكشف السرائر والبصائر، وتتهاوى الستائر، ألن الهرم مهما عرضت قاعدته�جاه سماء الواحد، يؤد�ي إلى نقطة واحدة تصل المتناهي بالالمتناهي، وتسامق في ات

وتدغم أبيض األرض واإلنسان بأزرق األثير والواجد.

في بالد إخناتون، حمل صليب التوحيد إلى هالله. قد£م نفسه قربانا، وقيل أن       روا به، فيما كان العميان h، وهو الحر المحرر؛ وقيل انهم تحر£ h أخذوه عبدا ارا �ج� ت

�دهم ففي كل موح�د سيد، يسود نفسه، يسوسها يظنونه عبدهم، وهو موالهم وسي بالحكمة، ويكون بها اقرب إلى الواحد من حبل الوريد، كما يكون إلى عبارة في

م�نتهى التواض�ع والرهافة.

كان سلمان "مألفة أألديان"- كما يقول الشيخ عبد الله العاليلي في اإلسالم-       بمعنى أن كل من يقصده يجد في بيته بغيته.

في المدينة، كان على موعد من مهاجري الله ورسوله. كان يعمل ليعيش،        ولكن ظالل الجسد ما كان ليخفي قميص نقائه وتقواه. هناك عرفوه مذ رأوه. والى

السابق تسابقوا لعتقه مم�ا هو فيه، بينما ينتقل من قوم إلى قوم، وهو يدرك انهم كلهم عيال الله. واصطفاه المصطفى إلى بيت هاشم، وكان البالغ: "سلمان من

£سع لكل األديان، ولكل الناس، أهل البيت أي بيت التوحيد، بيت الله العتيق، الذي يتلو علموا".

السالم في روحه، بل هو روح السالم. من السابقين الخمسة، كان كلمة وكان       م رسول الله نعته بالفارسي، عقال وكان نفسا لكل الالحقين المستجيبين. وحر£

�قة: انه بالمعنى الشائع تلك األيام، إذ الموح�د فوق التسميات القومية أو العرقية الضي�ادى بـ "سلمان المحمدي"، أي المحمود فيما يأتي عقل الجميع، وجامعهم! وصار ين

ويحكي. وكان له عهود مع رسول اإلسالم، ومع أول فتى مسلم، علي بن أبي طالب. وحين انتقل من عهد الرسول إلى عهدة الرفيق األعلى، كانت عروشالجهالة تتهاوى، وكان دعاء "الله أكبر" يؤذ�ن بنهاية ممالك "الشيطان األكبر".

عهد سلمان )الضيف اإللهي المسافر(- راجع الضخى العدد الرابع والثالثون1994

نحن مع رجل مأل في زمانه القلوب والعيون والبصر، والبصائر، واألسماع،        واألفهام، مع رجل كان في التوحيد، والورع، والتقوى آيات ظاهرة، وفي العلم

والمعرفة بحرا زاخرا، كان يتكل£م من حنايا فؤاده يزه�د الناس في الدنيا، وهو أول وإمام الزاهدين ال يزه�دهم فيها ليسبقهم إليها، ويزاحمهم عليها وينافسهم فيها، كان دينه دين فعل وعمل ال دين قول باللسان، دين إخالص وخلوة، ال دين رياء وإعالن،

،  ك� وتغاض� وكان يتواضع لله حتى رفعه الله عز وجل ويعيش ويحيا حياة الفقر والض ن

وبيديه الشريفتين خزائن األرض ومطارح الثروات، ومنابع الجواهر فلم يجمع في حياته األموال الهائلة، والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة وإنما كان يحمل

سالحه، ومصحفه الشريف عندما يريد الخروج ويقول: "هكذا ينجو الم�خ�ف�ون"، انه سلمان الفارسي )رضي الله عنه( بل سلمان الخير، والمحبة والنور الشعشعاني

�ل عن اسمه الطاهر قال: "عبد الله. وعن نسبه؟ قال: "ابن ئ حيث كان إذا س� اإلسالم"، وعن فخره قال: "سلمان منا"، وعن لباسه قال: "الواضع"، وعن طعامه،

قال: "الجوع"، وعن شرابه، قال: "الدموع"، وعن وسادته قال: "السهر"، وعنقصده، قال: "وجه الله" )عز وجل(.

لقد شب£ سلمان الفارسي )رضي الله عنه( وعين المولى تحرسه وترعاه        وتحفظه، وتكلؤه من أدناس الجاهلية، وعبادة األصنام، واألزالم، واألوثان، والشمس، والقمر، وآلهة النيران، فنشأ ولم يسجد ألي بيت من بيوت نار قومه، ولم يشاركهم في أعيد عيد من أعيادهم ولم يذق قرابينها، حيث قال عن نفسه الشريفة: "كنت ابن دهقان في قرية جي� من اصبهان، وبلغ من حب أبي لي أن حبسني في البيت

 س الجارية فاجتهدت في المجوسية حتى صرت قطن بيت النار" ففي هذه �حب كما تية حيث الميل إلى عبادة النيران، واآللهة المتعد�دة األجواء الموبوءة وغير الصح�

واألوثان تنبثق شخصيته التي تأبى الخضوع، والسجود لها، وعلى الرغم من انه كان قطن بيت النار إال انه كان قويا في توحيده، شجاعا مقداما، ال يبالى أن يقول كلمة الحق ما دام يعلم أنها حق، كانت تختلج في طوايا صدره أحاسيس مختلفة، وتبث من حنايا فؤاده أشواق ملتهبة إلى ترق¢ب من يشد أزره ويأخذ بيده الشريفة نحو�م ال عوج فيه وال اضطراب في مبادئه وال زيغ في �جاه دين قي الطريق القويم بات

�دا والمثل األعلى لكل المحرومين والمستضعفين شيء من توج¢هاته. كان إماما وسي�ق�بوا بأهل الصفة وهم �ق�ب ول واليتامى والمساكين من أقاربه وأخوته وصحابته حتى ل

قوم ترف£عوا عن الدنيا ومشتهياتها، واستصغروا وبادوا عنها، وهانت عليهم متعها ولذتها، فاقبلوا على العبادة، وانسوا بالله، وتجافت قلوبهم عن المضاجع يعبدون

ربهم محبة وعشقا ال طمعا ويرجون رحمته يحسبهم الناس من األغنياء من التعف¢ف فهم دائما أفئدتهم مع الله عز وجل يتجلى نور التوحيد ونسيمات اإليمان وقبسات

األنوار الربانية على وجوههم بعد أن فاضت طفحت نفوسهم وعروقهم بها، وأثر العبادة الحقة واضحة وبادية على وجوههم وسيماهم المشرقة"، هؤالء الذين عناهم وأصابهم المولى عز وجل في محكم تنزيله: للفقراء الذين احصروا في سبيل الله،

ال يستطيعون ضربا في األرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعف¢ف تعرفهم بسيماهم، ال يسألون الناس إلحافا" وقال الرسول الكريم )ص(: "إذا رأيتم الرجل

أعطى زهدا في الدنيا، وقلة منطق فاقتربوا منه فإنه يلق�ن الحكمة"، ففي قرية جي� باصبهان، وتحت لهيب النيران وبين حنادس الجهل والشرك والظلم والظلمات

أشعل سلمان )رضي الله عنه( قبس اإليمان، وحمل علم التوحيد، وأصاب بقومه الجاهلية والمنحرفين والمستكبرين والمعاندين أن أربوا بعقولكم وقلوبكم عن عبادةقوا النيران، وكرموا جباهكم إن تسجد لها، وارفعوا عن عيونكم غشاوة التقليد، وفر� عن عقولكم نسيج األوهام، لكن الجهل واالستكبار والغل والمعاندة واألحقاد رانت

شة، فلم تتبص£ر، وغشى على بصائرهم، وأعمى على قلوبهم، واستقر£ت معش�

£ر، حتى ط م¤ط ح وبد£د شمل شركهم، وأخمد نيران عبادتهم، وصاح أبصارهم فلم تتدب وهاج فيهم: "يا قوم إني بريء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر

السموات واألرض حنيفا وما أنا من المشركين"، وقال فيه اإلمام جعفر الصادق: "إن سلمان كان عبدا صالحا حنيفا مسلما، وما كان من المشركين"، فكان صحيح

العقيدة قوي الحجج، وصاحب حلم وعلم ومما يتناقله الموحدون في مواعظهم عن مشايخهم األجالء بأنه شتمه رجل فقال له: "يا هذا إن كنت مم£ن ثقلت موازينه فال

أبالي بما تقوله وان كنت مم£ن خف£ت موازينه فأنا أشر مما تقوله"، وهذا ما فعله جليل وأخ لسلمان )رضي الله عنه( وهو أبو ذر الغفاري جنادة بن جندب صحابي

£ه رجل فلم يجبه فقال له رجل: دعني اكفه عنك، فقال له أبو ذر بصوت الذي سب مفعم بالمحبة والحنان والرأفة والحلم: "من أذ�ن  في الشر ليس بحكيم"، وأهل

التوحيد والذوق يلتقون دائما على موائد مفتوحة عامرة وطافحة بالمحبة والتسامح.

:حياة ومسافرة سلمان الخير إلى درجات التعليم

وقال: "إني مهاجر إلى ربي انه هو العزيز الحكيم" اسمه روزبا بن بوذخشان،       اه المصطفى عليه السالم سلمان الخير، كان والده من زعماء بالد فارس وسم£ ويملك بعض الحقول والبساتين في منطقة أصبهان وفي أحد األيام كان والده

منصرفا لتوسيع داره طلب منه الذهاب إلى رزقه ليشرف على سير عمل المزارعين عن قرب، وأوصاه أن ال يتأخر في العودة فخرج سلمان مستجيبا ألوامر�اد يدينون بدين المسيحية وهم قائمون يصل�ون خاشعين فأعجبه والده فمر بخلوة لعب

أمرهم وحالهم، وانشرح صدره لهم، وقال في نفسه: "والله هذا خير من ديننا"، فأقام عندهم حتى غابت الشمس ال هو تابع إلى البساتين، وال رجع إلى والده حيث

كانت روحه الشريفة تتوق وتشتاق إلى الحكمة والمعرفة واالستشراق حيث كان يبحث ويفت�ش عن غناء قلبه وعن سرور وغبطة روحه ويريد أن يلتمس، ويشعر في مرضاة ربه سبحانه وتعالى فكان يشعر ويحس منذ والدته الطاهرة بحرارة العقل،�ل وقوة النور وسكون التواضع، وبرودة الحلم وليونة الهيولى وهذه الطبائع التي ج�ب

�ع فيها كانت صفاته وتحيط به من جميع الجوانب. وكان يستأنس بذكر عليها وط�ب المولى عز وجل في الد£جرات وللفلسفة ناخيا جاذرا، ونفسه الشريفة تئد¢ إلى

�لون فصوال من اإلنجيل �اد فرآهم وسمعهم يرت محارم الله عز وجل، فاقترب من الع�ب المقدس بصوت رخيم حزين ذي شجون يأخذ بمجامع القلوب ويفتت األكباد فيه

�د المسيح وتالمذته، هدى لترانيم العابد الذي اثقل كاهله الحزن والشجن يبكي السي فما كان من سلمان )رضى الله عنه( إال أن استغرق ببحر من التأمل والتفكير في£كته غص£ة �يات ضمن أجواء ومخاضات من ق س مات الحزن وتمل عالم الالهوت والتجل البكاء وجحظت عيناه الطاهرتان وانقلب من حال إلى حال، واريد وجهه وانتعشت

£و¤س روحه الشريفة، وشعر بحرارة اإليمان باسقة إلى عنان السماء" ووالده يكثر الن واالضطراب عليه قلقا مضطربا فأرسل جماعة لطلبه، وبينما هو يتلوى ويتكوى

حائرا متوترا وإذا بسلمان أمامه، فبادره والده بعنف: "لقد بعثت إليك بغلمان أين كنت؟" فقال بشجاعة متناهية: "لقد مررت بقوم يصلون في خلوة فاعجبني ما

من أمرهم وعلمت أن دينهم خير من ديننا". فأجابه والده بعنف: يا بني دينك رأيت

ودين آبائك خير من دينهم" فبادره سلمان )رضي الله عنه( قائال: "كال والله"، فعمد والده إلى استخدام القسوة والعنف والشدة معه لتأديبه فوضع األصفاد في قدميه

الشريفتين وتركه في الدار، فألقى سلمان القيود من رجليه وخرج وبدأت رحلتهها إلى الشام مع قافلة، وبعد مسافة حط حاديها ومهاجرته إلى الباري عز وجل متوج� ليستريح مع قافلته من مشقة السفر المضني، وسلمان )رضي الله عنه( يسأل هذا

وذاك عن رجل الدين الذي يولونه ثقتهم، وأمانتهم فأرشدوه إلى عابد منقطع متنس�ك مقيم في خلوته على رأس جبل، فصعد أليه والفرح والغبطة تعمران

وتغمران فؤاده المشتاق إلى لقاء األحبة، فسأله العابد: "من أنت؟ وماذا تريد؟" قال: "أنا رجل من ذي جي� جئت أطلب العمل وأتعل£م العلم فض�م£ني إليك أخدمك

وأصحبك وتعل�مني شيئا مم£ا عل£مك الله"، فوافق العابد على رعايته وتعليمه، ومر£ت األيام والسنوات والعابد المتنس�ك يتقد£م في السن حتى اشتكى علة قوية في

جسده ألصقته في فراشه. فأدرك سلمان انه مفارق هذه الدنيا ال محالة عن قريب فقبع عند رأسه يبكي وينحب ومما قال له العابد وهو يعاني سكرات الموت: "يا بني

لقد ترك الناس دينهم وال أعلم أحدا يقول بمقالتي إال عابد̈ في إنطاكية فإذا لقيتهله وكف£نه ودفنه، فاقرأه مني السالم، وادفع أليه هذا اللوح" ثم مات العابد، فغس£

وحمل اللوح وسار إلى إنطاكية فوصل إلى العابد بعد السؤال عنه، وسل£مه األمانة فأخذ اللوح من يده السؤال عنه، وسل£مه األمانة فأخذ اللوح من يده بشوق وحنين، وأكرم وفادته، وضيافته، وأنزله معه يتواله بعنايته زمن طويال إلى أن مرض فرمق

سلمان )رضي الله عنه( بعينيه اللتين أتعبتهما العبادة قائال: إني سأالقي ربي عز وجل وال أعلم أحدا على مسلكي وطريقتي إال عابدا في اإلسكندرية فإذا جئته بلغه

سالمي وسلمه هذا اللوح"، وما لبث العابد هنيهة حتى اغمض عينيه باطمئنان وراحة بال ووافته منية القدر فقام سلمان بتجهيزه وغسله وكفنه ودفنه، وخرج متوج�ها إلى

اإلسكندرية فوصل إليها ومعه األمانة وسل£مها للعابد والزمه، وكانت األيام تمر مسرعة والسنون تمضي حتى اقعد التعب العابد عن الجد والنشاط والعبادة فالتفت

h على منهجي ولم يبق  أحد̈ كما اعلم إلى سلمان قائال: "اني متوف� وال اعلم أحدا على دين السيد المسيح وقد أظلك زمان نبي يبعث بأرض العرب، واقتربت والدته

فإذا بلغك انه قد خرج فانه الرسول الذي بشر به، وآية ذلك أن بين كتفيه خاتم النبوة وانه يأكل الهدية وال يأكل الصدقة. فإذا جئت أليه فاقرأه مني السالم وادفع

�هامة ألية هذا اللوح "فغادر سلمان )رضي الله عنه( الخلوة متوج�ها نحو أرض تهين إلى الحجاز فقال لهم: "يا قوم اكفرني الطعام والشراب، فواجه قوما متوج�

أكفيكم الخدمة" فوافقوا على مطلبه فلما حان وقت الغداء عمدوا إلى شاة فقتلوها بالضرب ثم اخذوا لحمها، وتحلقوا حولها يأكلون. أما هو فتنحى جانبا ولم يذق طعم

؟ فرفض وقال لهم: "إني غالم ديران، والديرانيون ال يأكلون �ل¤ اللحم فقالوا له: ك اللحم"، فما كان منهم إال أن أوسعوه وأثخنوه ضربا حتى كادت روحه الشريفة

تخرج من جسده الطاهر، وأرادوا أن يغصبوه على تناول المسكرات فلم يشرب وقال بصوت هاد: "إني غالم ديراني والديرانيون ال يشربون الخمر"، فعذ£بوه وأوثقوه

بالسالسل، فقال لهم حتى يتخلص من شرورهم: "ال تضربوني، وتعذ�بوني وال�قر¢ لكم بالعبودية" حتى وافق لئيم منهم على استالمه فكان عبدا �دوني فإني أ تقي

بالجسد لهذا األبلة الحاقد، وأما روحه الطاهرة فال يسل�مها وال يستعبدها لغير طاعة

الله )عز وجل( والخضوع إلرادته ومشيئته. ورغم هذه المحن والباليا التي امتحنه المولى )عز وجل( بها كان مؤمنا بالغا في توحيده، صادقا في قوله ولفظه صحيحا

في فعله وعمله، وكلما زاده الوقت امتحانا وتجربة زاد في نفسه توحيدا ويقينا وإيمانا، فما كان من هذا اللئيم الوضيع إال أن أخرجه وباعه بثالثمائة درهم إلى رجل

يهودي، فسأله عن قصته فأخذ يحد�ثه فيها بالتفصيل إلى أن وصل على ذكر الرسول الكريم )صلى الله عليه وسلم( فغضب اليهودي، وحقد، وقال بنبرة لؤم: "إني

h فأخرجه من الدار إلى بابها وإذا بتلة كبيرة من الرمل وقال ألبغضك وأبغض محمدا£ك؟" فأخذ يعمل طيلة ليلته له: "والله لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله القتلن بجد ونشاط فلما بلغ منه التعب أشده وتزلعت قدماه يديه الشريفتين نحو السماء

دليال على افتقار ذات يده ونصب حاله وقال: "يا ربي انك حببت الرسول إلي فبحق وسيلته عجل فرنجي وأرحني مما أنا فيه" فاستجاب الله )عز وجل( لدعائه

واستغاثاته وتوسالته ولم يخيب آماله، فأرسل ريحا قوية قلعت ذلك الرمل من�ق�ل مكانه إلى المكان الذي يريده اليهودي، فلما فلق الصبح نظر إلى التل وقد ن

�ل أليه انه صنف من صنوف السحر فخاطب سلمان h وكاد يطير صوابه وخ�ي �را متحيh: "أنت ساحر وال أعلم ألخرجنك من هذه البلدة لئال تهلكها"، فباعه المرأة أحبته قائالره، وكان لها حائط "بستان" وسمحت له h لصدقه وإخالصه، وحسن م ع¤ش  حبا شديدا أن يأكل منه ما يشاء وما يريد، وبينما هو ذات يوم يسقي الزرع ويؤبر النخل دق£ت

�لهم سحابة ساعة الخير والخالص وإذا بكوكبة من الرجال األشداء قد أقبلوا تظل يتقد£مهم المقداد، وأبو ذر الغفاري، وعلي بن أبي طالب )رضي الله عنهم( وعلى

رأسهم الرسول الكريم )ص( فدخل البستان ومن معه فانتهز سلمان الفرصة التي قيضها الباري عز وجل له بعد أن كان متلوما فاقبل إلى ربة عمله مستميحا إياها أن

h من الرطب، فرخ£صت له بستة أطباق فحمل طبقا منها ووضعه بين تستوهبه قليال يديه متأكدا مستيقنا وقال للرسول الكريم: تفض£ل هذه صدقة فقال: "كلوا" وامسك هو، وحمل طبقا آخر وقال: "هذه هدية" فمد يده وقال: "بسم الله كلوا" ومد£ القوم

جميعا أيديهم وأكلوا وكشف عن كتفيه وإذا بخاتم النبوة مطبوع عليه شعيرات، فسقطت من عينيه دموع الفرح والخالص والبشارة، فالتفت الرسول أليه قائال: "يا

روزيا ادخل إلى هذه المرأة وقل لها: "يقول لك محمد اتبيعينني له؟" فرفضت بقوة والطمع يمأل قلبها، وقالت: "ال أبيعك إال بأربعمائة نخلة منها مئتان صفراء ومئتان" ثم جلس سلمان الخير )رضي حمراء" فقال الرسول )ص(: "ما أهون ما طلبت��ح في هذا السر الجاذب الله عنه( يسمع المصطفى ويتأمل في خ�لقه وخ لقه ويسب

الذي ميزه الله به وتربت محبة المصطفى إلى قلبه المستيقن من توحيده، وإيمانه وإذا بنار العذاب والتعب والقهر تخمد، ونيران أخرى تضطرب بين جوانحه هي نيران

الشوق والمحبة وان قلبه الطاهر ليعشق الحقيقة كعشق العبد للمعبود والمخلوق للخالق والمفتوق للفالق والمبرور للباري، والمحكوم للحاكم، هو سلم صعوده إليه

وهو مرآة تعبده له واالتحاد الكلي بين يديه، فأخذ عقله ينبض باليقين وقلبه المتأللئ يرقص طربا بين أضالعه من طراوة وهناك اللقاء بعد الفراق. لقد كان حب سلمان

للمصطفى أشد من حب األم ألوالدها، فأودع الباري عز وجل في حنايا قلبه رقة وشفقة وحنانا لمخلوقات الله )عز وجل(، حتى أكرمه بهذا السر وبهذه الجاذبية

المشرقة في معرفة حقائق اإلسالم الذي هو التوحيد بكماله، فكان يجيب دعوى

اخوته وصحبه، يقضي حوائجهم، ويقبل معذرتهم ويعادي من ضامهم، ويعود مرضاهم، ويبر ضعفاءهم، وينصرهم وال يخذلهم، ويعلمهم الصفح عم£ن يسيء ويخط�ئ إليهم، ويعل�مهم الرحمة والتراحم فيما بينهم وأن يسقطوا من قلوبهم

الشحناء والبغضاء والكره والحسد والتحاسد فكانت كلماته ووعظه تذيب القلوب فتسيلها دموعا، وحرقة، كانت وخزات تشك عيون القلوب لتوقظها من غفالتها

وتيهها، وضالالتها وذلك بعد أن روض ووطن قلبه على صدق اللسان وحفظ اإلخوان والصبر، وكان يبرأ إلى المولى عز وجل من عبادة العدم والبهتان، وج ل ى وطه£ر

فؤاده من مستعمرات الدنيا وشهواتها وأهوائها وملذاتها وأدرانها وطفيلياتها، فكانإذا نامت عيناه وأخلدت إلى الراحة ال ينام قلبه ولسانه عن ذكر الله عز وجل.

هذه هي رحلة سلمان الخير )رضي الله عنه( اإليمانية. لقد سافر في درجات        التعاليم حتى وقف على تعظيم الباري )عز وجل( وتنزيهه وتجريده، واجتمع مع

ضالته المنشودة الذي كان ينتظره ولب جبينه شوقا للقائه، وصحبته ومرافقته، واثر وتأثر حيث كان الرسول الكريم عائال ويتيما وضاال على ما ذكره الباري )عز وجل(

في محكم تنزيله: "ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضاال فهدى، ووجدك عائال فأغنى". فتصافيا وتصاحبا وتالقيا على التوحيد والمحبة حتى كان أحدهما ال يفارق صاحبه

فقال عنه الرسول الكريم: "سلمان منا من أهل البيت، لو كان الدين في الثريا لناله سلمان". وكان لسمان الخير )رضي الله عنه( مجلس خاص من الرسول الكريم

)ص(، على ما ذكرته السيدة عائشة: "كان لسلمان مجلس من رسول الله ينفرد به الليل حتى يكاد يغلبنا على رسول الله" فكان مالزما له حتى سماه "سلمان المحمدي": "ال تقولوا سلمان الفارسي بل سلمان المحمدي" فأراد أن يزيل

h الطبقية والعنصرية من المجتمع ويكون عباد الله اخوانا". وكان سلمان الخير مبتعدا عن كل مظاهر األبهة والفخفخة مقال منها م�عر�ضا عن زهرتها غير ناظر إلى نفرتها،

hال العفاف والكفاف شديد الخوف والخشية من المولى عز وجل دائم مستشعرا البعد موصول الطاعة ويأكل مع الخادم تواضعا ويبادر إلى خدمة القادم، لقد جاهدنا وناضل حتى زعزع العقائد الفاسدة والعقول المتحج�رة الصخرية وكان قوله مقتر  وموافقا لعمله، يأكل من ثمرة فعله وكسب يده، يذكر الله هياما وهودا وعلى جنبه

حتى ازداد قربا من الله عز وجل ورسوله الكريم، كان يكره التنط¢ع والتمنطقوالتفيهق والثرثرة والمراء والجدل بغير طاعة وذكر الله )عز وجل(.

كان إماما وسيدا مقداما، وذا شعور جياش، متفاعال مع األحداث والمحن       ردا من أنانيته والباليا واآلفات وغيورا على طهارة نفسه والمصلحة العامة ومتجر�

h في يات األمور ومتشرفا لما سيكون، فطنا ذكيا وواعيا لخطورة دوره متبص�را ام�ج¤ر h إلى فعل الخير حتى لقب استمالة العباد إليه، جسورا على إظهاره للحق، ومندفعا

�ر. بالخي

ولقد خطب سلمان الخير )رضي الله عنه( بعد أن د�ف�ن الرسول الكريم بثالثة        أيام، وكادت الفتنة تشتد بين المسلمين فأطفأها ببضع كلمات خرجت من فمه

الطاهر كحبات اللؤلؤ، وكانت اآلذان صاغية إليه واألبصار شاخصة مشدودة تنظر لوجهه الكريم، والحشود تتزاحم على سماع خطبته ومما قاله: "أال أيها الناس

h، لو أحد�ثكم بكل ما اسمعوا عني حديثي ثم اعقلوه عني أال وإني أوتيت علما كثيرا اعلم من فضائل أمير المؤمنين لقالت طائفة منكم انه مجنون، وقالت أخرى:

 ج ه�لتم أو �م أ ¤ح ك "اللهم اغفر لقاتل سلمان": أال اعدم منايا تتبعها باليا... أيها الناس و يدتم؟ والله لترتدن كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض تجاهلتم، أم، حسدتم أم تحس£بالسيف يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة، ويشهد الشاهد على الكافر بالنجاة".

سلمان الفارسي )جامع علم األولين واآلخرين(- راجع الضحى العدد السادس(1997والستون )آب

إن من يزور حجرة سلمان الخير، )رضي الله عنه( في المدائن تغص مقلتاه       h: "أسأل الله عز وجل الذي خص£ك ال، وذاكرا ع إليه متوس� بالبكاء، ويناديه، ويتضر£

بصدق الدين وصحة اليقين أن يحييني حياتك، ويميتني مماتك، إنك لم تنكث عهداh، فلله درهم من أقوام موح�دين مخلصين قاموا يناجون ولم تمزق ميثاقا توحيديا

�اد نيام، ويفرحون، الحبيب معشوقها ومحكومهم وحاكمهم، ومهوى أفئدتهم، والعب�لون، ويستبشرون بإدبار النهار وإقبال الليل، ويجتهدون، ويج�د�ون، وينشطون في ويهل

خدمة الملك العالم، فهي حياة وانتعاش ولذ�ة وسكرة قلوبهم وعقولهم. فكان سلمان الخير معجزة من معجزات الزمان، الذي عاش فيه، وآية من آيات الله عز

وجل العظام في جاللة عمله، وضخامة ورعه وتقواه، يخشى صدحه بالحق غائلة والh، فعشق العبادة، والتصق بها، وعانقها وخضع لها وخشع، لقد كان سلمان وجال

�ج رأس قلبه الشريف بخوذة وقلنسوة اإليمان، ع بدرع التقوى ويت الفارسي يتدر£ق بيده ونبال قبول األمر والرضى والتسليم، وكان يركب فرس التوفيق ويمتش�

والتوكيل، ويتخل£ق بأخالق الخالق عز وجل، فكان دائما يناجي مواله سبحانه وتعالى في غلسة وخلسة من ظ�ل�مات الليل األليل الداكن، وقبل بزوغ وإشراقة شمس يوم

�ل في النجاة عليه بقلب واجف منكس�ر وم�ح ط£م متشق�ق جديد ويتوج£ه إليه، ويتك ملؤه التوحيد واإليمان والحب والعطف، ويناجيه بأن يم�ن£ عليه برضاه، ويستر عيوبه

ويعينه على مواالته وعبادته وطاعته حتى اشتعلت نيران المحبة في حنايا صدره الشريف فأحرق لهيبها وأوارها كل ما كان عالقا في قلبه من شؤون وشجون الدنيا

فها، فأخذ فؤاده الطاهر يرقص طربا بين تالفيف خ¤ر� وهمومها وأثقالها ومتعتها وز�قه الفراق من ألم االشتياق، فعنده ح�ب  المولى عز وجل طهارة أضالعه حتى مز£�ط ه�ر الماء الظاهر من أحداث األبدان واألجسام الظاهرة للنفوس واألرواح فكما ي

كذلك يطه�ر العلم والمحبة من أحداث النفوس الباطنة وخبائثها وعوائثها وأفاعيلهاh h وناص�حا دا h ومرش� �با h ومواك h وم�صاح�با الردية الموبقة، فكان سلمان الخير مراف�قا

للرسول الكريم )ص( ومصباحا ومنارة له، لقد تعل£قت أفئدة الموحدين بسلمان�د المسيح ووعد�ه لهم بقوله: "لن �قوا نزوال على وصية السي الخير والتف�وا حوله، وتحل

 وا لئال يدخلوا في تجربة �ص ل أترككم يتامى بل سأعود إليكم" شريطة أن يسهروا وي فإن الروح نشيط وأما الجسد فضعيف. فكان سلمان المحبة بالنسبة للموح�دين األنقياء المخلصين، العصامي والمخل�ص الذي كانوا يرتقبونه بعقولهم وقلوبهم،

ويحتاجون أليه لتطهيرهم وتخليصهم وتعريبهم من أدناس الجاهلية الج�هالء، وكان�ز نفسه سلمان الخير كثير الصمت والتواض�ع واإلنكسار، صاحب خ�ل�ق رفيع، ال يمي�ي الناس، والعباد ويسمو بهم إلى المقامات الشريفة عن العباد بشيء. وكان يرب

العالية، مراتب التوحيد واإليمان. وينقلهم من الوسائل واألسباب إلى المقاصد والغايات وال يقيم لزينة الدنيا وزهرتها وبهرجها وجاهها وسلطانها وجمالها أي وزن

¥فاتة، وكان غاية في الزهد ولين الجانب والوقار والدماثة وال يتلف£ت إليها أيما الت¢ل والتفويض، وكان h ذروة الرضا والتوك وحسن العشرة والشفقة على الخلق متسنم�ا

h ويجلسه في مكان بارز ويتحد£ث معه بما يناس�ب ذوقه إذا زاره أحد قام له احتراما ونفسيته، وهذه العادة ما زالت موجودة إلى اآلن عند الموح�دين، فهو بحق يعسوب�دهم )وال إمام عليكم وال شيخ عليكم إال بما يطابق الحق(، الموح�دين وإمامهم وسي

�ب أحدا وال يغتابه وال شجاع في الحق والحقيقة ال يداهن وال يماري وال يجادل، وال يغي يحق�ره، كان أمة مجتمعة في فرد يعمل ويشتغ�ل بإخالص لتوحيده ودينه بهمة جبارةه الحوادث والمحن، ومن المأثور وعزيمة ماضية، ال ترهبه الخطوب وال تزعجه وتهز�

عن الموحدين ومما يتناقلونه في مجالسهم الطاهرة الزكية الطافحة والعامرة بالتوحيد واالخالص ونغمات الحكيم: أن سلمان الخير مر£ على راعى غنم من كبار

دين، فقال له: "ما معك من العلوم أيها الراعي الصالح " فقال: "معي مشايخ الموح� خمس كلمات وزدني منك خمسة ياسيدي حتى أضيفها إليها وأعمل بموجبها" "يا

سيدي األولى ال أستعمل الكذب والصدق يوجد، الثانية ال أستعمل الحرام والحالل، الرابعة ال أعصيه وهو يراني، يوجد، الثالثة ال اذكر عيوب الناس والعيب في£

�ع مه وهو يكفيني" فقال له: "لقد حويت علم األو£لين واآلخرين الخامسة ال أجحد نفد�م على الخمس كلمات ما على الخمس من مزيد".

"لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك همالمفلحون".

:سلمان الخير والمؤلفة قلوبهم

 م تنزيله: "قل إني نهيت أن اعبد الذي تدعون من        قال الله تعالى في م�حك دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن اسلم لرب العالمين" وقال: "ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله" وقال "من يسل�م وجهه إلى الله وهو محسن فقد

استمسك بالعروة الوثقى والى الله عاقبة األمور" وقال الرسول الكريم )ص(: "منتواضع لله رفعه".

لقد دخل الدين اإلسالمي كثير من المنافقين، والمرتزقة، واألف�اكين، وأجالف       h باإليمان واالستقامة، وباطنهم h ومليئا الناس من القبائل وكان ظاهرهم طافحا

£ونوا جماعة أطلق الباري سبحانه وتعالى h بالعجر والكفر والكبر، فك h محشوا مملوءا عليها تسمية المؤلفة قلوبهم، ويراد بهذه الجماعة تأليف قلوبهم وجمعها، وتآلقها

�رجى هم، في �قاء شر� على اإلسالم، أو تثبيتها عليه وذلك لض�عف¤ إسالمهم أو ات بإعطائهم ومنحهم، كف شرهم أو استدراجهم ودر نفعهم للدفاع عن المسلمين،

£لت ال يؤمنون إال بالمال والذهب فهم قوم قست قلوبهم وتحج£رت واستصخرت وتجب والفضة، وال يعتقدون إال بالقصور والديباج الفاخر واإلستبرق والحرير وال يأكلون إال

الخشية والذل والمسكنة ليس لله عز وجل بل كل ما لذ وطاب وغال، شديدوفها وجمالها، وعبدوا شهواتهم خ¤ر� �ان، فهم قوم طمعوا بمادة الدنيا وز� لألحمر الرن

وملذاتهم فاستغرقوا في تيه الضاللة والكبرياء يسبحون، ومن غرق اآلخرة ال�عجبوا بأنفسهم وذواتهم واستعظموا شأن شخوصهم وعتوا يخرجون واستكبروا وأ

h وقيل عنهم في القرآن الكريم: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي ¢وا كبيرا ع�ت سيدخلون جهنم داحرين" وما يروى عن استعالئهم وعنجهيتهم واستكبارهم وعجبهم بأنفسهم، أن£ وفدا من المؤلفة قلوبهم وهم: عيينة بن حصن واألقرم بن حابس قد

جاء إلى الرسول الكريم )ص( وعنده لفبف من الصحابة األجالء وعلى رأسهم سلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر العنسي، وصهيب الرومي )رضي

£بت عن هؤالء الله عنهم( فقالوا:يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس وتغيh وتورعا وتقشقا( جالسناك أو حادثناك وأرواح جبابهم )وكانت جباب صوف تزهدا

وأخذنا منك فال يمنعنا من الدخول عليك اال هؤالء". فكان الجواب في االية الكريمة: "واصبر نفسك مع الذي يجعلون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وال تعدو

عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا وال تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواهت الغشاوة وكان آخره فرطا". لقد نفخ الشيطان في اعطافهم، ورؤوسهم، واستقر£

في عيون هياكلهم، واستحكمت العصبية في تيارات وأمواج نفوسهم وخفقات أفئدتهم، واشتعلت عقولهم وقلوبهم غيظا وكبرا وعجبا وحسدا لهؤالء الفقراءدين المخلصين األتقياء األنقياء العابدين الخاضعين الذين اعرضوا وبادوا الموح�

وفارقوا الدنيا وشهواتها وملذاتها وزخرفها، ليس لعدم مقدرتهم على استحواذهاh وتقوى وخ�شية لله عز وجل ويدعون إلى العناية الفائقة وإنما تزه¢دا أو حكمة وورعا

واالهتمام المستمر بالمساكين والفقراء والمعوزين. أبناء السبيل والمستضعفين واليتامى واألرامل والجياع وأصحاب الفاقة والعوز، ويحاربون األغنياء وكانزي الذهب والفضة الذين ليس في قلوبهم رحمة وال شفقة لعباد الله الصالحين العابدين فكانوا�مراء وسالطين على شهواتهم ونزواتهم ال مملوكين وال مأمورين لها تاركين ملوكا وأ

وطارحين وراء ظهورهم بهجة الدنيا وزخرفتها ويدعون إلى عبادة الباري عز وجل ويؤلفون ويوالفون بين قلوب العباد ويجعلونهم أخوة في دين الله وتوحيده

واإلخالص لمشيئته ويجاهدونهم في سبيل إجالء جراثيم وبراثين التيه والضالل كماورد في القرآن الكريم: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا".

:حكمة سلمان الخير ووعظه وتعاليمه التوحيدية السامية

دا        ش� لقد كان سلمان الفارسي )رضي الله عنه( عقال كامال وحكيما ومع�ما وم�ر¤h للموح�دين حتى نظروا أليه نظرة المالك الذى جعله المولى �دا وإماما وواعظا وسي

ش واستقر في زوايا قلبه وكانت روحه h شعشعانيا حتى دخل اليقين وعش£ نورا الطاهرة ترنو إلى الحق وتهفو إلى الفضيلة والخير فتخشع وتنكسر جوارحه، وتفيض

�ل£ما خطر على فؤاده أنين وغصة عيناه الشريفتان بواكف، ومزاريب من الدموع ك وحرمة المستضعفين والدراويش والجياع من الموح�دين، وكانت كلماته مليئة بالرقة والعذوبة، واللين والعدل، والرأفة والشفقة والنفحات اإليمانية، وتنطلق من جوانب

¤ه كحبات اللؤلؤ المكنون. £ي ف ك

�فين آذاننا معقلين ومتدبرين بعقولنا إلى        لنقف اآلن بإجالل وقداسة وإكبار مشن ما عل£م هذا المعلم الحكيم حيث يقول: "إنما مثل المؤمن في الدنيا كمثل مريض مع

طبيبه الذي يعلم داءه ودواءه، فإذا اشتهى ما يضره منعه، وال يزال عنه يبرأ من وجعه، وكذلك المؤمن يشتهي أشياء كثيرة مما فضل به غيره من العيش فيمنعه�ة بالمفهوم التوحيدي هي �دخله الجنة )والجن الله إياه ويحجزه عنه حتى يتوفاه في

�د الحرمان، والذل والمسكنة �و ل قلب سلمان("، ومن أهم مبادئه هو االعتدال: الفقر ي والحرمان ينتج ويثمر النقمة والحنق والكبت، والنقمة تؤد�ي الى االنفجار والثورة

على الواقع البائس للفقراء والمحتاجين والمستذلين وسلمان الخير ينظر ويسمعد�ة بؤسهم ق ويتأل£م آلالم الناس وجوعهم وفاقتهم وش� ويعي ويتحس£س ويتلوى ويتحر£

فعندما مرض سألوه: "هل نأتيك بالطيب؟" قال: "الطبيب أمرضني" قالوا "سلهالعافية" قال: "يكفيني سؤالي علمه بمالي..."

حقيقة الصالة وأسرارها عند سلمان الفارسي:

�نهها        ¤دي للصالة إلى ك لقد تجاوز سلمان الفارسي المعنى الحرفي والق يد تكليف مفروض ورموزاتها وأسرارها ومعانيها وحقيقتها وأدرك أنها ليست مجر£

وواجب من سماء الباري )عز وجل( في عليائه وشموخه إلى أرض مخلوقاته وكائناته، وعل£م جميع الموح�دين المحق�ين المخلصين بأن الصالة التي ال تنير الفكر�ف تح الذهن وتضيء الوجدان هي �سك�ن الجوارح وتضبط العمل وت وتهدي القلب وت

 م اإلغالق، وكان سلمان العطاء إذا أشبه بمصباح محجوز في صندوق حديدي م�حكh من شد�ة تقواه وورعه صلى يصلي صالة مود�ع يخاف ويخشى أن ال يعود إليها أبدا

h للبصر h مغضا h خاشعا وسمته المستقيم، وكان في صالته )رضي الله عنه( مطرقاh على مصاله الذي يصلي عليه ويحجره عن الذنوب والتحرمة والحملقة، ومصورا

فكل صالة ال يحضر فيها العقل والقلب فهي إلى العقاب أقرب من العبادة فالصالة¢ت قوة الجوارح للباري )عز وجل(، �ن وتواضع وإذالل وكسر للنفس وتشت هي تمسك

وأن من أقر بأنه ليس له في سماء القدرة والعظمة إله معبود وال في األرض بار موجود إال موالنا )جل ذكره( كان من الموح�دين الفائزين، فكانت أوصال سلمان

المحبة الطاهرة تضطرب وأطرافه الشريفة ترتعد وشفتاه العطرتان ترتجفان عندماh بالحمد والشكر وكثرة h ومحبة واعترافا h وحنينا يقوم بين يدي الباري )عز وجل( شوقا

�م ن يصل�ي ما التفت وال تحرك، فالمصل�ون الصادقون العبادة، فلو علم المصل�ي ل�عون والمستقرون بقرب المولى )عز وجل( المخلصون هم ورثة الجنة والمتمت

�يات نوره )عز وجل( فالخشوع ثمرة اإليمان وحصيلة واستغراقهم في إشراقة تجل اليقين الناتج عن المحبة للباري )سبحانه وتعالى(، فكان سلمان الخير ال يأبه بظواهر العبادات الشكلية بقدر اهتمامه ببواطنها وأسرارها، فكثير من الناس

يشغلون جل أوقاتهم بالعبادات الظاهرية وقلوبهم وعقولهم مليئة بالخبائث�ة والوسواس من األخطار الخبيثة واألعمال القبيحة، والتقوقع والتشرنق ومحدوديh ومخيف، فأدرك الفكر والكره والحقد والخوف من التغيير وهذا شيء مرعب جدا

h h وقياما h وسجودا �ع¤د نظره أن الصالة ليست فقط ركوعا ووعى بثاقب بصيرته وب وبربرة في اللسان، بل الصالة هي التي تنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، أما

�ق ونعمل بما نؤم ر به من أوامر الصالة التي ال نعي وال نفهم ندرك ما نقوله وال نطب الله )عز وجل( ونواهيه، فهي صالة فارغة ال معنى لها ومحمولة على اإلنسان

�ين الذين هم عن صالتهم ساهون"، الذين يراؤون أي يمنعون وثقيلة، ف" ويل للمصل الخيرعم£ن يطلبه وهم في استطاعتهم أن يساعدوه فيتعالى على هذا ويتكبر على

 غ¤تابهم ويذكر عيوب اآلخريت ويطمع في ذلك ويحسد جاره وقريبه ويحتقر اخوانه ويh للمرائين والمنافقين وعندما تقام h وسيدا أموالهم وال يذكر عيوب نفسه ويكون إماما

الصالة تجده في الصف يزحم والم�ص ل�ون الحقيقيون ال تهمهم وال تعنيهم المظاهر البراقة ويستيقنون بأن أكثرها جوفاء خالية من طالوة وحالوة ولطافة الحقائق

واإليمان وال يشغلون خواطرهم وأفكارهم بزخرف الدنيا وبهرجتها وبتجارتهم وال يلتهون بأوالدهم وزوجاتهم ومأكولهم وملبوسهم ومشروبهم عنها. ويكونون مقبلين

عليها بمجامع أجسادهم وهياكلهم، وأرواحهم وقلوبهم مشغولة وملتهبة بذكر الله )عز وجل( كما قال المولى )عز وجل( في محكم تنزيله: "قد أفلح المؤمنون الذين�ر الصالة بخشوع هم في صالتهم خاشعون الذين هم عن اللهو معرضون". وان مكث يصيبه اطمئنان في قلبه واستقرار في جوارحه ونور في فكره، وثبات في عقيدته وحكمه جارية على لسانه، وإشراقة في وجهه ومما يتناقله كبار مشايخ الموح�دين عن أحد تقاتهم وثقاتهم بأنه لم يكن يرفع رأسه إلى السماء أربعين سنة حياء من

h من وابل وغزارة كرمه وعطائه، h له واستحياء  منه، وخجال الله )عز وجل(، وخشوعا وبعضهم من شد£ة غضه لبصره وإطرافه يظن بعض الناس أنه أعمى، فالصالة صلة بين العابد والمعبود والخالق والمخلوق والباري والمبرور والسيدو المسود والحاكم )جل شأنه( والمحكوم، ومربوطة بينهما ال يعرف حقيقتها وسرها وباطنها وكنهها إال الله )عز زجل(، وهي عمل توحيدي خشوعي وجداني تغسل النفس مما تعل£ق فيها

من أدران الذنوب والموبقات، وهي معارج الموح�دين وسل م نجاتهم والطريق�يات الباري )عز وجل( وهي قربان كل مؤمن. الموصل إلى مشاهدة مباهج أنوار تجل وما نشاهده ونعانيه اليوم من تجميل المساجد والجوامع وهدر األموال الطائلة في

�د ع الخارجة عن سنن اإلسالم بروحانيته وتعاليمه الراقية. زخرفتها لهو من الب

ليست األرض هي التي تمنح الهوي�ة لإلنسان، بل اإلنسان هو الذييمنح لألرض هوي�تها:

لم يتعل£ق سلمان الفارسي بأرض أو بمكان، لقد أمضى سلمان الفارسي       h حتى بعدما استقر به العيش بجوار وصحبة الرسول الكريم حياته وصرفها مهاجرا

مة فكان يعتز� ويفخر بهجرته، حيث هجر الشقاق والخالف والنقائص في مكة المكر£ ة، هجر العين الشاردة، هجر الجهل والتزل¢ف والخبائث واألخالف الفاسدة المنحل

�ر إلى الوحدة والتوحيد ولم� الشمل، هجر الغفلة عن ذكر الله )عز  ع¤ث  ب والتفر�قة والت وجل( إلى اليقظة والتيق¢ظ حتى امتأل قلبه وقالبه وعقله بنور إشراقة إشعاعات

h، هجر الجو الخانق القائم h وخلقا h وتهذيبا �شبعت جوارحه أدبا التوحيد واإليمان وأة والضالالت واألباطيل واالنحرافات والوثنيات إلى عبادة �د بالغيوم المكفهر£ والمتلب

"الواحد األحد الفرد الصمد المنزه عن األزواج والعدد" حتى غاب عن أهله وأصحابه وقومه ليدرك الدين القويم، وأص£ر على السير في دروب اإليمان والنضال والكفاح،

فالتمس¢ك بالحق أمر يتطل£ب العزيمة واإلصرار واإلخالص والنشاط وعقد النوايا وشد العزائم فكيف بمن يبحث عن الحقيقة ويفت�ش عن النور لكي يضيء به ظلمات

�ر�ق "سلمان الخير"، العالم ويخرجه من الظلمات إلى النور الم�شر�ق. لقد استh h وتله¢فا �عذ£ب يزداد اشتياقا �عبد وع�ومل بقساوة وبشاعة وظ�لم وكلما كان ي وأست للمولى ليشد أزره ويساعده ويعضده في أعباء الرسالة اإليمانية. وكلما زادت

المحن عليه والباليا تجوهر وصفا وظهر معدنه النوراني فصبر حتى ظفر، فبالصبر، جاوبه المولى )عز وجل( وبالرضى والتسليم أمره، والمولى )سبحانه وتعالى( وعده

بما شاء كما يشاء ى معارضة لحكمه وال راد¥ لقضائه ومشيئته، حتى نزلت جيوش الفرج وارتفعت رايات النبؤة خف�اقة مرفرفة في سماء علياء التوحيد وحق£ت كلمة

�ة وإكمال توحيده الخالص، الله )عز وجل( في إتمام رسالته الربانية األزلي�اقين إلى االستجابة للدعوة اإلسالمية كما كانوا )في كل عصر فالموح�دون كانوا سب�اقين لالستجابة إلى الدعوات التي سبقت وزمان من عصور تقم¢صان األبدان( السبh الطاعة اإلسالم والتبشير بها ونشرها بمسلكهم القويم، فعالمة المؤمن كانت دوما

�ة £ز الموح�دون بإقبالهم على الديانات السماوي واالستجابة وليست العصيان. فتمي¢دات وجمع المكاسب كما بقلوبهم وعقولهم وليس بهدف ممارسة الطقوس والتعب

£زوا بصدقهم وتعاملهم برحمة وشفقة مع عباد الله على اختالف مذاهبهم تمي وأديانهم وقومياتهم وعلى رأسهم الصحابي الجليل الطاهر سلمان الفارسي إمام

�دهم مثال الرحمة والتضحية فوصفهم القرآن بأنهم: "السابقون" الموحدين وسيبون"كما كبار سادات الموح�دين األوائل على الشدة والمشاق السابقون أولئك المقر£

h أو كسوة بدن جميلة، بل h لذيذا والدنيا الضيقة التي ال يكاد يجد فيها الموح�د طعاماh في األهل واألوالد والمال، والله ما كانوا أهل h وتعذيبا h وتنكيال h وقتال مضايقات ومحنا

جدل¥ وباطل¥ بل كانوا أهل مروءة وشهامة وكرم وورع وتقوى، وال تلهيهم التجارة أوh تنقل�ب فيه القلوب البيع عن ذكر الله وإقامة الصلوات وإيتاء الزكاة، ويخافون يوما

واألبصار، أفئدتهم تلتهب وتشتعل بحب الله )عز وجل( تستغرق في إشراقه، وتقتبس من نورانية حكمته نور المعرفة إنها أفئدة المحق�ين التي سلكت وسارت¢دها بأوامره وطاعة أنبيائه في كل في سبيل الوصول إلى المولى )عز وجل( بتقيماتها لكنه h لمحر£ h عن حدود الشريعة وال انتهاكا عصر وزمن، فالتوحيد ليس خروجا بمثابة الروح من الجسد وباطن الباطن من الظاهر والباطن والحرف من المعنى

h. اللهم اجعلني من ومن كان في هذه أعمى فهو في اآلخرة أعمى وأضل سبيال الموحدين المحقين المخلصين المستضيئين بأنوار توحيدك والمتمس�كين بتعاليم

صفوتك المختارين وارزقنا دوام التوفيق ووف�قنا لما يرضيك عنا، اللهم إجعلنا مؤمنين وال تجعلنا منافقين، وفج�ر ينابيع الحكمة من قلوبنا واج¤ر�ها على ألسنتنا

وثبت أفئدتنا على طاعتك واالئتمار بأوامرك واالجتناب بنواهيك، أللهم اعف عنا،�ز�غ h بالعباد. اللهم ال تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وال ت واغفر ذنوبنا وخطايانا يا لطيفا

قلوبنا بعد أن هديتنا، واستر علينا بسترك وحجابك اللهم إفتح بيننا وبين قومنا بالحق إنك خير الفاتحين، وآتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وق�نا عذاب النار يا أرحم

الراحمين.

حقيقة الصالة وأسرارها- راجع الضحى العدد التاسع والستون )تشرين الثاني       1997).

:التوحيد )إسالم الزهد والتص�وف(

ليس التص¢وف فرقة من الفرق اإلسالمية بل هو جوهر اإلسالم. وهذا الجوهر       £سم صاحبه بالتوبة والورع والزهد والفقر موجود في جميع الفرق وهو مسلك ات

¢ل والرضى، وقد عد£ بعضهم هذه المميزات مقامات من رحلة والصبر والتوكالمتص�وف المعرفية التي توصله إلى التوحيد.

�ة التصوف فقد تكل£م فيها الكثيرون وأعطوا تعريفات متعد�دة كلها        أما ماهي وافية بالمضمون وربما كان تعريف الشيخ الجنيد يحوى في جملة واحدة كل ما قيل في التصوف إذ قال هو: "أن تكون مع الله تعالى بال عالقة" وقد اختصر السهروردي

في "عوارف المعارف" التعريفات التي ذكرها المشايخ عن التصوف فقال: "الصوفي هو الذي يكون دائم التصفية ال يزال يصف�ي اوقات عن ثوب األكدار

بتصفية القلب من ثوب النفس، ويعينه على كل هذه التصفية دوام افتقاره إلى£ت النفس وظهرت من صفاتها مواله، فبدوام االفتقار يتقى من الكدر، وكلما تحرك

أدركها ببصيرته النافذة وفر£ منها إلى ربه. فبدوام تصفية جمعيته وبحركة نفسه�ه على قلبه، وقائم بقلبه على نفه. "قال الله تعالى: تفرقته وكدره. فهو قائم برب "كونوا قوامين لله شهداء بالقسط". وهذه القوامية لله على النفس هي التحق�ق

بالتصو¢ف. قال بعضهم: "التص¢وف كله اضطراب فإذا وقع السكون فال تص¢وف.�عة والسر أن الروح مجذوبة إلى الحضرة اإللهية، يعني أن روح الصوفي متطل

منجذ�بة إلى مواطن الق�رب. وللنفس، بوضعها، رسوب إلى عالمها وانقالب على عقبها. وال بد للصوفي من دوام الحركة بدوام اإلفتقار ودوام الفرار وحسن التفق¢د لمواقع إصابات النفس. ومن وقف على هذا المعنى يجد في معنى الصوفي جميع

ق من اإلشارات. المتفر�

إبراهيم بن آدهم )من أعالم المتصو�فين األوائل(- راجع الضحى العدد الثالث       .1994والثالثون

:التوحيد هو التص�وف الحقيقي

في الحقيقة، التص¢وف يقوم على التوحيد. هل مفهوم التوحيد يعني أن الله          �ل أحد ئ واحد ال شريك له. هذا جزء من التوحيد ولكن ليس كل التوحيد، عندما س�

المتص�وفة" كيف الطريق إلى الله؟". أجاب: "الطريق بين نقطتين والله واحد أحد". أنا اعتبر أن ذاتي واحدة والله واحد. هذه ثنائية حتى ولواعتبرت أن الله الواحد هو

أكبر من ذاتي الواحدة وأقوى وأقدم. هذا يؤدي إلى الخطأ. ألن التوحيد هو أن أواح�د¢ه. إذا كنت أحلم ورأيت صورة من الحلم، هذه ذاتي في الله. ال يعني ذلك التأل

الصورة لها وجود معين، وهي موجودة طالما أحلم. وعندما أكف عن الحلم تضمحل وال يعود لها وجود. هكذا الكون وهكذا اإلنسان وجوده كوجود الصورة في الحلم،

�م. الصورة موجودة طالما الحال�م وجود اإلنسان في الله كوجود الحلم بالنسبة للحال يحلم ونحن موجودون ووجودنا متعل�ق كليا بوجود الله ليس لنا وجود مستقل عن

الله مطلقا.

التص¢وف يقول: إن عملية الخلق ليست عملية حدثت في التاريخ وانتهت،        فخلق الله الكون وكف§ عن لك. وأصبح الكون ذا وجود مستقل، ألنه بذلك يصبح

هناك ثنائية وهي الله والكون. الكون موجود طالما الله موجود. وعملية الخلق هذهة، هي أمر الله وشأنه أن يخلق. وما تعنيه اآلية الكريمة: هي عملية دائمة ومستمر�

ة "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون". هذه اإلرادة اإللهية المستمر�h وجودنا ليس مستقال والموجودة دائما هي التي تكو�ن األكوان، كونها وبكونها إذا�زة كل القوى الممي عنهما، هذا ما يقوله التص¢وف. ثم إن العقل البشري، وهو يش�

عنده، ال يستطيع أن يحل أو أن يدر�ك الالمحدود. كيف يمكن للمحدود أن يعي الالمحدود؟ وإذا وعاه يعني إن هذا المحدود أصبح أكبر من الالمحدود، وأصبح هذا

الالمحدود محدودا، وهذا كفر بالله ونكران لالمحدودية الله. إذا العقل البشري المحدود ال يستطيع مطلقا أن يحد الالمحدود، ولكن نستطيع أن ندركه بالمحبة،

ومعظم الذين يعبدون الله خوفا من النار وطمعا برزق وان يرد عنا وعن أوالدنا هم يعبدون لذاتهم، وذلك يعني أن الغاية من هذه العبادة هي الذات. من هنا قول اإلمام علي بن أبي طالب: "اللهم ما عبدتك خوفا من نارك. إنما عبدتك ألنك أهل للعبادة".h. إذا علي£ أن أحب الله ليس من أجل ذاتي وهذا ما قالته السيدة رابعة العدوية أيضا

بل من اجل الله وحده. هذا مفهوم التصوف. أحد المتصو�فة الكبار أبو يزيد

خالق الملك، ال يساوي- كما قال الحديث الشريف- عند الله جناح بعوضة ومع ذلكh ال يحبه ألنه محتاج إليه بل يحبه ألنه يحبه. وهكذا علي أن احب الله له يحبه. إذا£صف بصفات الله، فأحبه كما وليس لي. بمعنى آخر، أن انفي عني، صفاتي وات

يحبني. فإذا أحببته كما يحبني عرفته. هذه هي المعرفة عند المتصوف. لنأخذ هذاات من الرمل جميع هذه الذرات تؤل�ف الشاطئ £ون من ذر� المثل: شاطئ البحر م�ك

�ات ال تزال حبة بحد ذاتها في حين أن البحر �ة من هذه الحب الرملي، ولكن كل ح ب ليس كل قطرة فيه تحتفظ بخاصيتها كقطرة الماء عندما تسقط في البحر تتخل£ص£صف بصفات البحر التي هي الماء. فإذا أردت أن تصبح بحرا عليك من خاصيتها وتت أن تكون مثل القطرة التي سقطت في البحر تتخل£ص من خاصيتك وإال بقيت  على

£تك الرملية. حبة الرمل عندها صفتان: صفة الرملية، وصفة ب £طا بح  الشاطئ متخب�يتها ولذلك لن تصبح بحرا. وهذا £ية، إذا صح هذا التعبير. فهي لم تتخل£ص من حب ب الح £صف بصفة الله كي تعرف الله فتحبه بصفاته وليس �ني عليه التصوف. وأن تت ما ب£ة رمل على الشاطئ؛ فالله عند بصفاتك، أما أن تحبه بعقلك يعني انك ما زلت ح ب المتصوف ليس كائنا محدودا إنما هو الوجود وهو الموجود األوحد. طالما اإلنسان يعتقد بوجوده وبوجود الله فهذا ليس تص¢وفا.بل التص¢وف يعتبر وجود اإلنسان في

وجود الله، وليس الله موجودا في اإلنسان بل اإلنسان موجود في الله.

ور بالصورة :التحام المص�

الكون مظهر للجسد، والجسد مظهر للروح، ال نستطيع أن نفصل الجسد عن        الروح، كما ال نستطيع أن نفصل المعنى عن الكلمة، ال يمكن أن يكون للمعنى معنى

h له أهمية دون مظهر أي الحرف. يتحق£ق المعنى بالحرف والعكس. فالحرف إذا�برى. ال نستطيع أن ننظر إليه على أنه وسيلة فقط. وإنما هو التحام عضوي بين ك

الجوهر والمظهر. من هنا: الحرف به وفيه يظهر المعنى. والحرف هو الكثافة. يقول أحد المتصوفة أبو الحسين النور: "الله لط£فذاته فسماها حقا وكثف ذاته فسماها

خلقا".

الخط£اطون التقليديون نظروا إلى الحرف العربي على أنه وسيلة للتعبير        فجم£لوها، ووصلوا بتجميلهم الوسيلة إلى قمم شاهقة في الجمال والفن. ولكن ما وصلوا إليه يبقى ضمن الوسيلة. فيما أن الحرف العربي بما فيه من حركية ومن

�حاد بالمعنى ال نستطيع أن نفهمه على أنه وسيلة فقط ألنه غير منفص�ل عن ات المعنى، وحياته ال تأتي من المعنى فقط وإنما تأتي أيضا من حركيته بما يحتوي من

استدارات وخطوط مستقيمة وتوجهات. لذلك ال نستطيع القول إن المعنى هو الذيh يضفي على المعنى أجواءh أخرى. لذلك وحدته يضفي عليه جماله وحسب وإنما أيضا

بالمعنى هي كوحدة الروح بالجسد ومن خالل الجسد من معارف، ومن خاللهتكتسب معناها.

الفنان التقليدي كان يجمل الحرف لكي يعطي المعنى فقط، وكان يكتبه        بطريقة تتناسب فيما بين الحروف دون أن يضفي عليها مشاعره وأحاسيسه

وأفكاره. فال نعلم إن كان غاضبا أو راضيا، قلقا أو مطمئنا، حزينا أو فرحا، كل مانعلمه انه استعمل مهارته وكتب أحرفا جميلة.

�ة تختلف عن ذلك، فإذا كنت في حالة غضب وكتبت        كتابة الحرف الحقيقي£ك ستكتبها بطريقة تختلف عما لو كنت بحالة ابتهال أو فرح أو كلمة المحبة، فإن

اضطراب أو حزن. إذا هناك وحدة في الفن بين الفنان واإلنتاج الفني والجو واإليحاء والخيال، كل هذه األشياء تكون ظاهرة في العمل الفني. هكذا التص¢وف في مفهوم

�يتها وبحقيقتها، فال نستطيع أن التوحيد، أي أن ال نأخذ األحرف بجزئياتها إنما بكلئ الفنان ونفصله عن الفن، أو أن نفصل المظهر عن الحقيقة، والخط عن نجز�

المعنى. لذلك على األثر الفني أن يعتبر- إن جاز القول- في تظهير الحقيقة وتكثيف اللطافة. واللطافة عند الفنان ال تقوم على الخط فقط وإنما على المعنى وعلى عقله وخياله وعلى مشاعره وأحاسيسه وعواطفه، وكل ذلك يجب أن يظهر في

�ر £خذ أثره الفني عبارة لمشاعره وأفكاره التي ال يعب النتاج واألثر الفني. فالفنان ال يتعنها وإنما عليه أن يعتبرها- أي- أن يجعلها تعبر من داخله.

فالفن ليس تعبيرا عن الفنان وإنما هو تعبير للفنان. هذه هي الطريقة التي        نفهم فيها فن الخط. وحرام علينا أن نحصر الخط ويكون وسيلة فقط. والفن هو

�ى إن التعبير الجمالي للعواطف واألحاسيس واألفكار. لذلك فهو يظهر بمظاهر شت في الخط أو الرسم أو في الموسيقى أو في الغناء والنحت وغير ذلك من الفنون.

والفرق الوحيد بين فن وآخر هو بالوسيلة واألداء. فإذا كانت وسيلة الرسم هي اللون والحركة وأدواته، مثل الريشة والفرشاة؛ وإذا كانت وسيلة فن الخط هي

الحركة والخطوط وأداته الريشة؛ وإذا كانت وسيلة الموسيقى هي التناسب باألبحاث وأداتها هي اآللة الموسيقية مثل البيانو أو الكمان أو غيرهما. يجب أن يتجاوز الخط الوسائل واألدوات ليكون أكثر شموال. لماذا ال نستعمل في الخط

اللون كما هو في الرسم أو وسيلة الحركة كما في الرقص. من هنا يصبح فن الخط£حد مع الله. ومن هنا يصبح h اتحادا صوفيا مع غيره من الفنون كما الكون مت £حدا من

الفن الخطي فناء بالحقيقة وال ينحصر على انه وسيلة تقتصر على أدوات ووسائلمعينة.

�رين- راجع الضحى العدد السابع        مقتبسات من مقابلة مع أحد المفك.(1994والعشرون )أيار

:التص�وف كمسلك

�بنى أمجادها بنبل        الصوفية حقيقة مسلكية، ترتقي ركائزها بارتقاء مسالها وت التمس¢ك بحبل اإليمان والمتوج�ه إلى حق العبادة والنزاهة والمخل�ص من االستعباد

دة نسبيا، هل من خالل سلوكيته الدنيوي، كيف يرى المتص�وف الحقائق المجر£الروحانية وتوج¢هاته العقالنية؟

نصل إلى اعمق صوفية روحانية عندما نسلك طريق اإليمان بالله عز وجل، ونعتقد اعتقادا مطلقا بما يفس�ره الدين ونتوج£ه توج¢ها صحيحا في مسيرتنا نحو الحياة

الصوفية. هي العالم األكثر روحانية بسلوكها تكون أيامنا مليئة بعمل الخير والفضائل، بعيدة عن فعل الشر والرذائل ألنها توج¢ه اإلنسان إلى معرفة طرق

¢ه إلى ما هو صالح للنفس وبالتالي إلى ما هو مضر� بالجوهر. الزهد في الدنيا والتنب بلوغ الذروة في التصوف هو قمة الحياة الروحية، والنظر إلى ميدان التص¢وف نظرة

ر في التفكير شاملة لكل معاني المودة في العمل، واإلخالص في العبادة، والتحر¢ من الشوائب، بهذا يكون المتص�وف قد أفرغ صورة أعماله في قالب تحليلي عميق إلى إخوانه، وأقواله التي حفظها لنا كثير من سالكي طريق الصوفية. إن المتصوف

ع كي تحظى شخصيته باهتمام اآلخرين؛ عليه أن ينير طريقهم بالمعرفة الحق£ة، ويوس�دة. إذا تم ذلك يبلغ هذا �ف�قهم باإليمان المطلق، وينم�ي مداركهم بالحقائق المجر£ أ

المرء ذروته في التوحيد لله تعالى، وفي الترتيب لحياته الروحية الخالصة. فمدرسة المؤمن هي قلب المتص�وف ولسانه ويرجع إليه الفضل في السلوك الجيد والقاعدة

القديمة كي يكون للمتص�وف العلم الكثير والعمل المثمر عليه أن يجاهد بتواصل واستمرار حتى يسمو ارتقاؤه وينفع م ن� حوله بالنسبة للمسلك في عصرنا هذا وأن

يكون عصر االنفالت من القيود الدينية يمكننا كمؤمنين موح�دين أن نثبت على توحيدنا فال يزعزع إيماننا شيء نأخذ بيدنا سبحة األخالق والعادات الحسنة طريقا

ف وصدق في كل عمل نؤد�يه. دليل على نصل به إلى ربنا ونجاهد بزهد وتقوى وتقش¢ سيرنا هذه الطريق هو كمال اجتهادنا في ديننا، ومالزمتنا لما اعتادته من طاعات.

¢ن ¢د الصوفي هي طريقة الثبات على مزاولة التدي �د أن أساليب التعب يرى المتعب واشتداد التأثر والتعم¢ق باألعمال الدينية. قد تعل�م الصوفية كيف استعمال األصول الدينية، وطريقة العناية بالمصادر اإللهية، حيث أن الصوفي يخلع عن كاهله كافة

�طل ب منه كماليات الدنيا وينصرف بأكمله إلى بواطن الكتب المنزلة لينف�ذ ما ي للوصول إلى طريق عبادة الله، ف م ن طلب هذه الطريق هداه الله)عز وجل(.

�د في اطمئنان دون أن نعرض التفاصيل، أن طريق الصوفية من نستطيع أن نؤك

را عقليا، �قيا للنفس وتوجيها دينيا للفكر، وتأم¢ال زهديا وتحر� ناحية كونها تثقيفا خ�ل مدينة بالكثير للفلسفة الشرقية وطريق الوصول إلى الله هي نسيان كل ما يدور حول المؤمن من مهالك ومساوئ والتعل¢ق بما هو انفق لدنيانا التي فيها معاشنا، وآلخرتنا التي فيها معادنا، ما أخرج الله إلى األرض علما وجعل للخلق إليه سبيال

واعتمد للحق إليه مطلبا إال وقد جعل لإلنسان العاقل الم�در�ك المتيق�ن المتبقى فيه�ر الصوفي أن لله علما تحت السماء أشرف من هذا h ونصيبا- لو يعلم المفك حظ�ا

¢ن وإخوان الرضا والصفا العلم "الصوفي" الذي نتكلم فيه مع أصحاب العلم والتدي التوحيد وعلم لسعى إليه وقصده ولكن ال يوجد أسمى واشرف من هذا العلم، علم

زق من الذكاء وصواب األفكار وعجيب التصوف. فمن سار وفق مناهج هذا النور ر� المعلومات وغزير الملكات في فنون العلم ما لم يوصف في زمان تعتريه المغريات

�نسب إليه هذا الغنى والمفتنات وتسيطر على عالمه الشهوات والرغبات، والذي ي�نسب إلى أهل العلم الباطن، أي العلم الحقيقي، في من التعليم في أمور الدين، ي عفاف وعزوف عن الدنيا وأبنائها. إن العفة في النفس هي تطهيرها من المفاسد

وتتويجها بالمكارم والمحاسن. والعزوف عن الدنيا هو في التمس¢ك بالصالحاتب من المكرمات، بذلك تكون حياة المرء عاقلة غافلة عن المباهج الزائفة، والتقر¢�س�س التربية الصوفية. ما ينفعنا في هذه الدنيا هو تصويب وجهنا نحو الله �هة أل متنب

ك الملذات برضى واقتناع ألن اإلنسان يمضي حياته  ر¤ تعالى بصدق وإخالص وت وتكون قد ضاعت تلك اإلشارات، وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم، ونفذت

تلك الرسوم وخلصت تلك األعمال، وما نفعنا إال ركعات نركعها في األسحار�يها في الليل. فمن هم أهل المعرفة بالله؟ هم من يصلون إلى ترك وصلوات نصل

الحركات وقطع العالقات التافهة ودمج الروابط الثابتة من باب البر واإلحسان والتقوى إلى الله تعالى، إن العارفين بالله يرجعون بأعمالهم إلى الله كما اقتبسوا

�عتقد أن هذه المرتبة هي التي يصل إليها اإلنسان هي مرتبة العادات عن األنبياء يبين من الله، أما العارف الكامل فهو ذلك الذي أخذ العارفين بالحقيقة، الم�ق ر£

األعمال عن أمر الله تعالى وجعلها خالصة له، ال لغرض آخر، من رغبة في جنة أو خوف من نار. ألن الذي يعبد الله خوفا منه كاذب في إيمانه وأعماله، والذي يعبد

�صال الله خوفا من النار هو من الذين يصلون بخداع وال يوجهون ذواتهم إلى االت الروحي الحقيقي، بالعالم العلوي. وأجمل ما يعيشه المؤمن من لحظات سعادة هو�حاد بالفكر والذات بالله عز في انسالخه عن كل ما يحيط به من روائع ومظاهر واالت

وجل، بذلك ينم االستشراف وينسى الفرد ذاته ويصعد من باطن األرض طائرا مسل£حا بوحه حتى يصل إلى أجمل محطات الروح، للمتص�وف سلوكات ينبغي إتباعها

أال وهي الذكر مع االجتماع. اإليمان مع الصالة. والوجد مع السماع والمشاركة في الصالة، واالنفراد مع الذات. كل ذلك يعني ذكر الله مع اجتماع الهمة، والحصول في

�باع الدقيق لتعاليم الدين ودروب الزهد. من حالة الوجد على المحبة اإللهية واإلت يترك الدنيا ويتخلى عن محاسنها وينسى رغباته يكون عنده صفاء المعاملة مع الله

قي المعرفة في المبادئ الدينية. أعتبر التصوف مبنيا على أخالق منها تعالى ور� السخاء للمحتاج، والرضا بالق د ر، والصبر على المصيبة، واالحتشام في اللباس،

والبساطة في العيش. المسير من الدنيا إلى اآلخرة سهل على المؤمنين والزاهدين�د مقام الرضا عن كل ما يصيب اإلنسان دون والمنقطعين إلى الله تعالى، وهذا يؤك

إكراه في القلب، وان يستسلم اإلنسان الروحاني للقضاء الذي يصيبه ويف�وض أمره إلى الله تعالى. يتعر£ض كل� منا لمصائب كثيرة وويالت عصيبة ويحق�ق االنتصار على

هذه األقدار إذا صبر بكل رضى وطيبة خاطر. المطلوب من اإلنسان أن يعتمد�ته، وعند مجاراته العلم أن ال يتكلم إال في الطعام كفاية لحاجته وليس إشباعا لشهي

أحوال األولياء والعارفين، وان ال يسمع من األقوال إال ما هو حق، وان ال يقوم إال بوجد الله تعالى. يعتبر اإلنسان أن مجالس الدنيا جملة فيها من الفرح والترف

واللهو، بل إن اشرف المجالس وأعالها عند المتصوف هو الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد، والبقاء مع االعتقاد في مسرح األلوهية، واالستمرار مع اإليمان

£صل بنظرية الله عن صفات المحدثات، بوحدانية الله. فالتوحيد الصوفي هو توحيد من كما هو عمل مخلص شوقا للخالص في اآلخرة بل إن التوحيد ينفي القدرة على

£تنا هو عملنا وإقرارنا إدراك الله أو رؤيته واإلحاطة به، ما يوصلنا لالرتقاء في صوفيhحاس ب على عمله في النهاية، بأن الله فرد في أوليته، ومعرفتنا بأن العبد سي

يستطيع الموحد أن يفنى في الله عبر عاطفته الخالصة وأعماله الصادقة، فالتوحيدرها من األخطاء، في تجربة  تها بالله وتحر� معنى يكتشف للنفس عن طريق ص�ل روحية بعد أن تجهدها المشقات وتصقلها الرياضات والمجاهدات وتتخل£ص من

شوائب البدن النفس؟ ذلك ألن النفس خالدة والجسد فان. إذ إن على اإلنسان أن يشقى في سبيل تحسين أعماله لضبط نفسه من تحريكها للشهوات والغرائز

وتسييرها للجسد في أهلك المراحل. فكيف تتحرر النفس من قيود البدن وعالقاته؟ف المتجه نحو ترك األثر، باالنقطاع تتحرر بالسلوك الراقي إلى المثالية بالتصر¢

الكلي نحو الله بقدر ما يضح�ي البشر في دنياهم، بقدر ما يحرمون أنفسهم من الملذات بقدر ما يسعون لتحقيق األهداف السامية، بقدر ما ينسون كل ما يشغل قلوبهم عن أمور الدين، يسمون ويرتقون إلى أعلى درجات المعرفة والصفاء من

التوحيد بالله يقع التصديق به ومن التصديق به يقع التحقيق لكثير من األعمالق�ي إلى الله  ر  الروحانية، كما يتم التنفيذ الجزيل من اآليات القرآنية، عندها يحصل لبت

)عز وجل(، فالخشية من الله تعالى تقبض الشيء في النفس والرجاء منه يبسط صالح األفعال، إذا الغاية المنشودة من وجود اإلنسان هي الفعل بما يتالءم والسيرة الحسنة، الذهاب بما تتوافق والمشيئة اإللهية، التوج¢ه بما يتناسب والقوانين الدينية،

السلوك بما ينير طريق الزاهد بالحب والخير والبر واإلحسان، هذا ما يسعدنا كمؤمنين بسبب وجودنا، هذا ما يفرحنا كموجودين من اجل حفظ الدين والعمل

بموجبه، هذا ما ينتاب شعورنا بوجوب اإلخالص لله تعالى، هذا ما يقنعنا كمفكرين�رين بالسعادة h هذا ما يجعلنا غير متأث بضرورة العلم في سبيل معرفة الحقيقة وأخيرا

الزائفة، غير منجرفين بخط البعد عن معرفة الله تعالى فذوقوا أيها البشر نعمةالسعادة الحقيقية.

ر النفس من المادة(- راجع        مسلك التص¢وف والعناية بالمصادر اإللهية )تحر¢.1998مجموعة أعداد الضحى

إبراهيم بن ادهم )من أعالم المتصوفة األولين( وكان من أعالم المتصوفة       �سبت £زة في تاريخ التص¢وف. فقد ن األولين إبراهيم بن ادهم. وإلبن أدهم شخصية مميو�ي  أن أباه كان من أهل بلخ ومن كبار ملوك خراسان. وقد خرج أليه سيرة بوذا إذ ر�

ك فرسه، فسمع ابنه إبراهيم يوما راكبا فرسه قاصدا الصيد فثار أرنب أو ظبي، فحر£�م�رت" فوقف ينظر يمنة ويسرة فلم ير نداء من ورائه: "ليس لذا خ�لقت وال بذا أ

ك فرسه ثانية، فإذا به يسمع نداء أجهر من األول: "يا إبراهيم ليس لذا h. ثم حر£ أحداك فرسه ثالثةh، فإذا به �مرت. "فوقف ثانية ونظر، فلم ير أحدا، ثم حر£ خ�ل�قت وال بذا أ

�مرت" فوقف وقال: يسمع النداء مرة أخرى: "يا إبراهيم ليس لذا خ�لقت وال بذا أ�نبهت جاءني نذير من رب العالمين والله ال عصيت الله بعد يومي إذا ما �نبهت أ "أ

عصمني ربي" ثم رجع إلى أهله فخلى عن فرسه ثم جاء أحد رعاة أبيه فأخذ منه جبة وكساء وألقى ثيابه إليه وساح في األرض فصار إلى العراق ثم إلى الشام. غير

أن المصادر التاريخية ال تذكر لنا أن واليا لخراسان أو بلخ كان بأسم أدهم في النصف األول من القرن الثاني للهجرة أو في القرن األول. أما ارتحاله من بلخ إلى

ه المصادر وأخبار من لقيه من الزهاد. وقد أظهر العراق ثم إلى الشام فأمر تقر¢اثة "لوي ماسينيون" في كتابه "بحث في نشأة المصطلح الفني للتصوف البح£

اإلسالمي" عدم صحة هذه الرواية، وأبان أن إبراهيم بن أدهم فر من بلخ سنة هـ وهي السنة التي قام فيها أبو مسلم الخراساني بثورته ضد األمويين. ولحق132

بشقيقته في الكوفة. وكان إبراهيم بن ادهم عربي النسب من بني عجل وقد استشهد في جهاده ضد البيزنطيين على الساحل السوري ود�ف�ن في جبلة على

�زار. وفي القرن مقربة من الالذقية سنة اثنتين وستين ومائة للهجرة وال يزال قبره ي�نشئت طريقة صوفية بأسمه هي الطريقة األدهمية كانت لها الرابع عشر للميالد أ

زوايا في أهم المدن العثمانية وبخاصة في بيت المقدس.

�جاهد إال        وقد اشتهر إبراهيم بن ادهم في جهاده ضد البيزنطيين بأنه كان ال ي في سبيل الله فلم يأخذ غنيمة، وكان يرفض أن ينال سهمه من الفيء. اشتهر

إبراهيم بالزهد في الدنيا وتقوى الله فإن£ من اتقى الله عز وجل، كما كان يقول، أطفأ ببصر قلبه ما أبصرت عيناه من حب الدنيا. فإن حب الدنيا يصم¢ ويعمي ويذل

£خذوا الله صاحبا وذر الناس جانبا. وهو يقول: "ليس من أعالم الرقاب. وكان يقول ات الحب أن تحب ما يبغض حبيبك. ذم موالنا الدنيا فمدحناه وأبغضها فأحببناها وزه£د نا

فيها فآثرناها ورغبنا في طلبها".

�ز إبراهيم بن أدهم ثالثة أنواع من الزهد فيقول الزهد ثالثة أصناف فزهد        ويمي ف ر¤ض وزهد ف ض¤ل وزهد سالمة. الفرض الزهد في الحرام، والفضل الزهد في

الحالل، والسالمة الزهد في الشبهات". وكان ينهي عن الكبرياء ويحث� على التواضع£ل يقول: "إياكم والكبر وإياكم واإلعجاب باألعمال... من أقبل إليه أرضاه ومن توك�حاس ب..." وكان يقول: "اشغلوا عليه كفاه ومن سأله أعطاه... فينبغي للعبد أن ي

قلوبكم بالخوف من الله وأبدانكم بالدأب في طاعة الله ووجوهكم بالحياء من اللهوألسنتكم بذكر الله".

�ع�د إبراهيم بن ادهم من أول من تكل£م في الحب. من ذلك قوله:        ويمكننا أن ن سهم ¤ب "لو أن العباد علموا حب الله عز وجل لقل مطعمهم ومشربهم وم ل

وحرصهم". من هنا نرى أن البن ادهم نظرية في التص¢وف تقوم على أن محبة الله

h طريق وغايتها باب المعرفة وأغلى معرفة هي أساس الزهد والحق، فهي أوالمشاهدة وجه الحق تعالى، يقول في ذلك:

�زف�ون إلى الله h ألهل النار لو نظروا إلى زوار الرحمن قد ح�م�لوا على النجائب ي بؤسا�صبت لهم المنابر وو�ضعت لهم الكراسي وأقبل عليهم زف�ا، وح�ش�روا وفدا وفدا ونهم وهو يقول إلى عبادي، إلى عبادي، إلى أوليائي والجليل جل جالله بوجهه ليسر�فوني من المطيعين، إلى أحبائي المشتاقين، إلى أصفيائي المحزونين. ها أنذا! عر�

تي �قا فليتمتع بالنظر إلى وجهي الكريم. فواعز� �ا أو متعل ب كان منكم مشتاقا أو مح�£كم كرامتي". هذا ما كان يريده كم بقربي وألبيحن وجاللي ألفرحكم بجواري والسر� من الجنة، أما غير ذلك فلم يكن ليلتفت إليه. قال في جملة ما قال: "اللهم انك ز�ن عندي جناح بعوضة إذا أنت آنستني بذكرك ورزقتني حبك تعلم أن الجنة ال ت

وسه£لت على طاعتك، فاعط� الجنة لمن شئت".

وكان إلبراهيم بن أدهم د�عاء يدعو به ربه في كل جمعة، إذا اصبح عشر       مرات، وإذا أمسى عشر مرات. وفيه يقول:

مرحبا بيوم المزيد والصبح الجديد والكتاب الشهيد. يومنا هذا يوم عيد، اكتب        لنا فيه ما نقول، بسم الله الحميد المجيد الرفيع الودود الفع�ال في خ لقه ما يريد.

h وبحجته معترفا ومن ذنبي مستغف�را ولربوبية h وبلقاء الله مصد�قا أصبحت بالله مؤمنا�ال والى الله الله خاض�عا ولسوى الله جاحدا وإلى الله تعالى فقيرا وعلى الله متوك

له وح م لة عرشه ومن خ لق م ن¤ هو س� منيبا، أشهد الله وأشهد مالئكته وأنبيائه ور� خالق بأن الله ال إله إال هو وحده ال شريك له وان محمدا عبده ورسوله )ص( وأنh حق، ولقاءك حق ووعدك حق والساعة آتية ال ريب فيها الجنة حق ومنكرا ونكيرا

وان الله يبعث من في القبور وعلى ذلك أحيا وعليه أموت وعليه ابعث إن شاء الله.

           إلى أن يقول:

اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي، انه ال يغفر الذنوب إال أنت واهدني�ئها فانه ال يصرف ألحسن األخالق فإنه ال يهدي ألحسنها إال أنت. واصر�ف عني سي

�ئها إال أنت. سي

لبيك وسعديك والخير كلهال بيديك وأنا لك أستغف�ر وأتوب إليك.

:رابعة العدوي�ة

ى، وفي ظ�لhمات الجحود يشع قبس        في ضمير الزمان وق¤ع مناجاتها الحر� ساطع من نفسها، وبين هذه البطاح وتلك، خيالها يتهادى فوق الرمال وجهته صحراء

الجزيرة..

في هدأة الليل البهيم صلوات تتلوها دعاءات محمومة، وابتهاالت ضارعة يرجع        صداها السكون الرهيب؛ ومن كوخ متواض�ع في حي متواضع من أحياء البصرة،

كانت ترتفع هذه االبتهاالت وهذه الدعاءات، ومن تينك العينين الذابلتين اللتين شع�تاh بنور اإليمان وصدق العقيدة، كان ينبعث القبس الذي أضاء تاريخ المرأة زمنا

 العربية.

�ل فتاة في شرح¤ الصبا، ذاهلة عم�ا �انون، فكانت اللوحة الجميلة تمث £لها الفن تخيحولها ضارعة إلى ربها غارقة في تأمالتها.

ولو تصو£رها النحاتون، لجاء تمثالها عن عجوز تقد£مت بها السن، وأضنى        جسدها التشق¢ق، في عينيها بريق شديد، وهو بريق العين التي اطمأنت إلى ما ترى.

وعين "رابعة العدوية" كانت تفيض دوما بذلك البريق ألنها لم تكن تنظر إال إلىجوهر الحقيقة، وهي لذلك كانت مطمئنة على الدوام.

£لها فيجذبني إليها خيال جامح، وحب قوي        وإنني ساعة أخلد إلى السكون، أتمثب إلى شخص زهد في الحياة إلى الحد الذي زهدت فيها رابعة، واحتقر المادة بالتقر¢ سا من نور إلى الدرجة التي احتقرتها بها رابعة، فكانت في تاريخ المرأة العربية، ق ب اإليمان، وكانت في الحقبة التي تالطمت فيها أمواج األطماع والشهوات وانجرفت

£رت ية بالحياة العربية الجديدة، الحياة التي غي فيها النفس مع تيار المادة مرح� أساليب المعيشة البسيطة، إلى أساليب معق£دة تعتمد على الترف واللهو؛ أجل كانت

£ر صفوه ضجيج مادة، وصورة للنفس الطاهرة التي �ر الذي ما عك إشعاعا للفكر الني ما لط£خت ببياض صفحتها نزوة عابرة، ومثاال للقلب النابض الذي ما أوهن إيمانهh للبطولة التي تعس¢ف الزمن، بل كانت رابعة طوال المدة التي عاشتها، مثال رائعا

تقهر الشهوة، وصورة صادقة للنفس الزاهدة التي ال يقوى الزمن مهما استعمل منمغريات على تحويلها عن الطريق التي رسمتها لنفسها.

ت اإلنسانية بأحقاب مظلمة تلتها حقبات طويلة، فذاقت الكثير من        لقد مر£�لين الذين كانوا يعتقدون أن الحياة ترضى بأن تجعل تعس¢ف الكافرين وأوهام المضل

h. وما كان الظالمون ليرعوها حين كان األنبياء �دا ومن آخر مسودا من إنسان سي والمصلحون يخرجون من صفوف الضعاف والصعاليك ليعل�موا الكل بأن البشر

ق بينهم نشاط الفكر والمعرفة واإلقبال على عمل الخير سواسية إن لم يفر�والصالح.

وحين نلقي نظرة واعية على الحقبة التي عاشت فيها رابعة العدوية، تطالعنا       h كل البعد عن هذه المظاهر الظالمة التي تجعل من المجتمع العربي مجتمعا بعيدا

الروح التي قاتل النبي العربي� )ص( في سبيل نشرها.

وعلى الرغم من انتشار الدعوى اإلسالمية، ومن رسوخ التعاليم التوحيدية في        النفوس، فقد بقيت للمادة سلطتها على النفوس؛ وكان المجتمع العربي يسير في

طرقات يحف�ها الضالل من كل جانب، فأودت به هذه الطرقات إلى حيث أودت،

وتفك£كت بسرعة أجزاء اإلمبراطورية الواسعة؛ والسبب األول واألخير في ذلك، هو ضعف النفوس، واستخفافها بالفضيلة وتوهم�ها أنها بذلك تحافظ على روح الدين�ر له وتعمل على إضعافه، بتشجيعها نظام الرقيق، الجديد في حين أنها كانت تتنكوباندفاعها هذا االندفاع وراء نزوات النفس، مسايرة جموحها، خاضعة ألطماعها.

لقد جارت األنظمة االجتماعية على اإلنسانية فكان الرقيق وكان نظام       الجواري، وكانت الطبقية التي جرت ما جرت من ويالت على البشرية.

�بت عليه وتضافرت. النفس  £ر بهذه العوامل مهما تأل لكن اإلنسان القوي ال يتأث د حرة وتعيش حرة. وسواء لديها أكانت في قصور بهيجة أم في أكواخ حقيرة. �ول تh ما h غاشما، ألنها كثيرا £ال مغلوال أم عاش طليقا وسيان عندها إذا عاش الجسم م�كب تكون عادلة في الجسم المغلول وأسيرة ظالمة في الجسم العاتي المندفع وراء

�ع بحرية التنقل واألمر والنهي.  األطماع والنزوات والمستمت

قد تكون هذه النظرية معرضة لبعض الجدل، لكن لنا من التاريخ ما يثبتها؛ ص¤رية الشهيرة، التي ارتفعت بنظرتها السامية إلى وتاريخ رابعة العدوية، الناسكة الب

الحياة، إلى درجة الكبار من المتصوفين الذين عمرت نفوسهم بالقوة، وواكبهمد في كل مراحل حياتهم، برهان ساطع على ذلك.  الطهر والتجر¢

هذه الشخصية النسوية الفذة، عاشت حياتها الطويلة رمزا للطهر ومثاال¤ت الشهوات والتغل¢ب على جموح النفس دون للشجاعة التي تعتمد على التوحيد وكب

تأف¢ف أو تذم¢ر، بل إن رابعة كانت مختارة في ذلك، فسارت على الطريق التيرسمتها هي لنفسها، ولم تكن في ذلك خاضعة ألية رغبة من الرغبات.

و�ل�دت ناسكتنا الشهيرة في حقبة استحكمت فيها حلقات الغالء والقحط في مدينة البصرة، فكان من الطبيعي أن تذوق وهي التي نشأت في بيت فقير، طعم الجوع والحرمان، ومرارة القحط واالجداي؛ ومم�ا زاد في شقائها وحرمانها موت

أبويها وهي ال تزال بعد طرية العود، غضة األهداب فكان من جراء هذه النكبة التي�بة أن جمع الدهر إلى فقرها وأحزانها آالم التشريد والوحدة. أصابت قلب الفتاة الطي

س¤ره  �د ظالم وقعت في أ ثم غدر بها الزمان مرة أخرى حين ساقها القدر إلى سي

فأذاقها من اآلالم والتعس¢ف ألوانا مريرة. ويشاء القدر أن تتوالى على قلب الصبية�د آخر لم يكن ليق�ل� عن األول �دها إلى سي الطاهرة أنواع المحن والعذاب، فيبيعها سي

 خشونة وقساواة، ووحشية وظ�لما.

فتها باأللم  وأقف هنا ألتصور هذه الصبية النبيلة التي جارت عليها الحياة فعر£ ألوانا وأنواعا وأذاقتها العذاب كؤوسا م�ترعة مريرة. كيف كان حال هذه الصبية

�عترف لها بحق النبيلة وأيدي الظالمين تتناقلها وتساوم على ثمنها، وهي سلعة ال ي�فر لها بروح؟ وال ي

�به ر أنظارها بمظاهر الترف،        هذه الفتاة التي احتقرت قصور األغنياء، ولم ت حتى تنصرف إلى الحياة الماجنة التي عرفت بها جواري ذلك العصر؛ كانت إنسانا ال

�ل  م وم�ث يملك من أمره شيئا بين جنبيها قلب يحب وينبض، ويشعرها أن الحياة ق�ي عليا، وان ما ينغمس فيه القوم من عبث ومجون، ولهو وإسراف ليس من المكارم�دي أو تعيد، فهي في شيء وال هو مم�ا يسمح به الدين. لكنها لم تكن لتستطيع أن تب

�د غاشم كان يسومها مر العذاب فتتحمل ذلك بنفس ال £دة خاضعة لمشيئة سي مقيh ترى في تعرف الو ه ن وقلب ال يعرف الهلع، ألنها كانت شجاعة بحق أبية أنوفاh وانهيارا. ولذلك فإنها كانت تتحم�ل اآلالم h وفي النحيب استسالما الشكوى ضعفا

بالصمود والرضى.

�د قلق ال يستقر به مضجع وال يعرف النوم إلى        وفي ذات ليلة، بينما السي جفونه سبيال، إذا بصوت بعيد يطرق أذنيه، أنصت السيد فإذا بالصوت صوت أنثى

ق الهدوء الرهيب. قام فمشى نحو مصدر الصوت فقادته يؤنس وحشة القلق ويمز�قدماه إلى غرفة رابعة، وهنا وقف الغاشم وهو ال يكاد يص�دق ما يرى.

إن جالل الصورة قد أسرى الدم باردا في عروقه، وفتح في ثنايا ضميره أبوابا        كانت من قبل مغلقة، تلك هي "رابعة" في خشوعها تبتهل وتتضرع وتناجي ربها

بينما الناس نيام يحملون بدنياهم المادية. كانت رابعة في تلك الساعة الرهيبة التي سمعها فيها سيدها تقول: "ربي انك تعلم إن أشد ما أتوق أليه هو عبادتك وتأدية ما لك من حقوق، ولكننب أسيرة ال أملك حريتي الشخصية، فال سبيل إلى تحقيق هذه

الغاية فلتعذرني يالهي".

خجل السيد من نفسه في تلك الساعة، وعرف أنه من العار تقييد فتاة        طاهرة كرابعة، وتحت تأثير هبة الضمير، ويقظة الوجدان، أراد أن يكف�ر عن ماضيه

فقال لرابعة: "أنت حرة طليقة منذ اآلن ولك الخيار في أن تمكثي هنا أو تذهبي إلىحيث تشائين".

h أن تؤثر رابعة ترك الدار وترك موالها لتعيش عيشة يرتاح لها ضميرها، كان طبيعيافتكسب قوتها بتعبها.

وهنا تبدأ حياة رابعة في صورة جديدة لم يعرفها التاريخ النسوي من قبل،       ف وعمل ألنها صورة ناسكة اعتزلت العالم لتفني نفسها وعمرها في العبادة والتقش¢

م�يت بـ "أم الخير". الخير حتى س�

وكانت السنون كلما تقد£مت برابعة، زادت عقيدتها رسوخا وزاد إيمانها قوة        وتغلغال في شعاب الفكر وأغوار النفس حتى بات كوخها الصغير م ق¤ص د الرجاالت

دا. في ذلك العصر، يؤمونه ليهتدوا بهدي رابعة، وليزدادوا يقينا وتجر¢

وساعة تنقلني أجنحة الخيال إلى ذلك الكوخ المظلم في أحد أحياء البصرة، تتراءى أمامي رابعة في ثوب من الصوف األسود هلهله القدم، وهي تجلس على

حصيرة بالية والى جانبها آجرة جعلت منها وسادتها ساعة كانت تأذن لجسدها النحيل باالستلقاء بعض الوقت إذا ما فرغت من مناجاتها عند الفجر لتنهض بعد

قليل، الئمة نفسها قائلة: "يا نفس كم تنامين والى متى تنامين، يوشك أن تنامي نومة ال تقومين منها إال لصرخة يوم النشور" وكان هذا دأبها حتى توف�يت إلى رحمة الله تعالى. إن أعمق اإليمان ما انبعث من نفس مطمئنة إلى عقيدتها، صادقة في

توحيدها؛ وإيمان رابعة العدوية، كان ايمان اإلنسان الذي ما زعزعت يقينه يوما رجفة من شك، وفي مناجاة رابعة للذات اإللهية بعض التحليل لتلك النفس

المنصرفة عن دنياها إلى ذلك الرقيب األعلى حيث تقول:

إني جعلتك في الفؤاد محدثي

فالجسم مني للجليس مؤانس

وأبحت جسمي من أراد جلوسي

وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي

والحياة التي عاشتها رابعة بلغت الغاية من الروعة في نزاهتها وطهرها، ألن       �عة أو ساعية ألجل غاية تبغيها آلخرتها، بل فها وزهدها متصن ناسكتنا لم تكن في تقش¢

h أو كانت تعيش مبادئ الدين، وتسيطر على نفسها التي كانت تخاف ذهولها أحياناتخشى منها جموحا، فسيطرت عليها سيطرة حرمتها كل متعة دنيوية.

�قد£م إليها من هدايا        فها، فكانت ترفض كل ما ي لقد أخلصت رابعة في تقش¢ وأموال ومساعدات قائلة: "ما بي إلى ذلك حاجة" كما أخلصت في نظرتها إلى

الحياة، فعرفت أنها فانية ال خير فيها وكان يؤلمها أن ترى الناس يكثرون من ذكرق كون بأهداب هذه الحياة التي كانت تثقل على كاهلها ألنها أتت تفر� دنياهم ويتمس£

بينها وبين حبيبها الذي جعلت منه غاية لوجودها فتقول:

حبي ليس يعد له حبيب

وما لسواه في قلبي نصيب

حبيب غاب عن بصري وشخصي

ولكن عن فؤادي ما يغيب

أجل¢ في رابعة شخصية جعلت دأبها في الحياة كبت الشهوات وحرمان النفس       �ر في رابعة تلك  ب �ك  طلق عليها بعضهم اسم "شهيدة العشق اإللهي"؛ وأ حتى أ

الشجاعة التي واكبتها في حياتها الطويلة، فجعلت منها صورة تجس£مت فيها معاني�بل ونكران الذات؛ وفي جوابها للعالمة الزاهد حسن القداسة والطهر وآيات الن

¢ر الناسكة لنفسها البصري، وقد تقد£م يطلب يدها بعد موت زوجته، ما يرينا من تنك

وسيطرتها على جوارحها وقلبها ما جعلها ترد الزاهد البصري وتصرفه بهذه األبياتقائلة:

راحت ياخوتي في خلوتي

وحبيبي دائما في حضرتي

لم أجد لي عن هواه عوضا

وهواه في البرايا محنتي

حيثما كنت أشاهد حسنه

فهو محرابي إليه قبلتي

أن أمت وجدا وما ثم رضى

واعنائي في الورى واشقوتي

يا طبيب القلب يا كل المنى

جد¤ بوصل منك يشفي مهجتي

يا سروري يا حياتي دائما

نشأتي منك وأيضا نشوتي

لقد هجرت الخلق جمعا ارتجي

منك وصال فهو أقصى نيتي

�ى اتجهت وحيث و�جدت تمجيدا لتلك        هكذا نظرت رابعة إلى الحياة، فرأتها أن�ان الذي سلب قلب رابعة فصرفه عن القوة، قوة حبيبها الغالي، وصورة لجماله الفت

كل ما هو دنيا ومادة.

كانت رابعة تعتقد أنها ال تملك إرادتها فهي عبدة لله وضعت نفسها وإرادتها رهن مشيئته، وعملت دوما بوحي من إليمانها؛ وحين سألها سفيان الثوري عن حقيقة هذا

اإليمان، وما إذا كانت عبادتها خوفا من النار أو رغبة في الجنة، ابتهلت وقالتمناخية حبيبها:

احبك حبين حب  الهوى

h ألنك أهل لذاك وحبا

فأما الذي هو حب الهوى

فشغلني بذكرك عمن سواك

وأما الذي أنت أهل له

فتكشف لي الحجب حتى أراك

فال الحمد في ذا وال ذاك لي

ولكن لك الحمد في ذا وذاك

هذه لمحة عن حياة شاعرة شغلها حبها للذات اإللهية عن نفسها، فنسيت        دنياها واحتقرتها وأبعدتها عن تفكيرها، ونظرت إلى الناس نظرة مشفقة على قوم

انغمسوا في االنشغال بدنيا فانية ال أمل فيها.

£لت البطولة النادرة التي قامت على إنكار        ومهما قيل عن رابعة، فإنها مث النفس وكبت رغباتها؛ وهي لعمري شجاعة لم يتصف بها إال األقوياء من الرجال

�ل عليا وقيم معنوية وأدبية ال تقوم إال الذي عرفوا أن الحياة في معناها الصحيح م�ثد ونكران الذات. على التجر¢

كانت رابعة أينما حلت ورحلت، تحمل معها مفنها وهو عبارة عن عباء من        الصوف األسود، وكأنها بذلك كانت تقول لنفسها: "انك� لعلى سفر فاستعدي". وحين

اقتربت منيتها أوصت صديقتها عبدة بنت أبي شوال أن تكف£نها، وكان لها ما أرادت هـ بعد أن عاشت حياة طويلة مألتها185وانطفأت تلك الشعلة من األيمان في عام

إمعانا في تعذيب نفسها، وكان إيثارها لحياة الفقر والشقاء في عصر تاهت فيه نفوس القوم رغبة في المادة وتهالكا على الحياة العاصفة التي عرفتها الحقبة التي

عاشت فيها الناسكة البصرية، ضوءا انبثق من هذه الشخصية النسوية الكبيرةد والطهر بنفسها، فأرانا كيف استطاعت أن تجعل من النزاهة رسالة ومن التجر¢

وإنكار النفس دينا ومبدأ.

�دة المتصو�فات في دنيا العرب أو: شهيدة العشق اإللهي- راجع رابعة العدوية سي(1997الضحى العدد الحادي والستون )آذار

:الحالج

كانت حياة الحالج وما انبثق منها من إشراقات، وما ابتدعت من مناهج في        التفكير والتأم¢ل والروحانيات. كانت كما يقول "نيكلسون": "لحظة جوهرية في

تاريخ التصو¢ف اإلسالمي". والتصو¢ف عند الحالج هو انتساب اإلنسان إلى الله

ف ر طويل هائل، سبحانه، ال إلى هذا العالم المادي، هو ارتفاع اإلسالم إلى الله في س ف ر غايته فناء الصفات البشرية في ال تقدر عليه إال عزائم المصطفين األحرار، س 

الصفات اإللههية وحب ووجد وذوق وشوق. ينظر الحالج في توج¢هاته العرفانية إلى أن المحبة هي سبيل الوصول إلى المعرفة الحق. فمعرفة الواحد األحد ال تأتي عن طريق الفهم العقلي. ذلك ألن العقل اإلنساني يستمد معلوماته من عالم الحس واليمكنه تخط�ي حدود العالم. يقول الحالج في "طاسين الفهم" من كتاب الطواسين:

أفهام الخالئق التتعلق بالحقيقة، والحقيقة ال تتعلق بالخلفية. الخواطر عالئق،وعالئق الخالئق ال تصل إلى الحقائق.

�حاد إلى مراقيها الع�ليا، إلى        �حاد لتتعدى االت أما المحبة فهي حركة شوق إلى ات وحدة الم�حب بالمحبوب وكأنهما طرفان متقابالن ليبقى الواحد في حقيقته. )حقيقة المتصو�ف الصوفي(. والفناء هو غاية الصوفية والفناء بالنسبة للحالج هو دنو حقيقته

 فى النسب ونفنى األمكنة واألبعاد وحين يستقر¢ في �نت من حقيقة الحق حيث تh وتشع¢ النورانية لتطغى على كل h شفافا الحقيقة وتستقر¢ الحقيقة فيه فيصبح لطيفا

ظلمة ويصبح في حضرة الحق في ظل مشاهدة الجمال اإللهي. وهذه الوحدة أد£ت مت� �لوهية ولكن بالحقيقة هذه الوحدة ال ت �هام الحالج بالحلولية وبأنه أد£عى األ إلى اتh وإنما h كعالم الخلق ليحل فيه حلةال إلى الحلولية بصلة ألن الله سبحانه ليس ماديا

h، فاللطافة ال تحل h لطيفا �يا تتم هذه الوحدة عبر التجلي أي تجلي الحق في الخلق تجل�جانس المطلق دون أن تكون خارجة عنه أو داخلة فيه وهي ال تجانسه إذ ال ي

النسبي. يقول الحالج إن عالم الحس هو كل� ال جزء، ولكنه يعكس حقيقة الكل الحق. وهكذا كان الحالج شهيد التصو¢ف اإلسالمي، شهيد العشق اإللهي بعد أن قد£م

أعظم برهان على أن التصوف في حقيقته أعلى صورة من صور السمو، كما هوأعلى صور االستشهاد.

قسم البحوث الروحية في الضحى

توحيد األديان والفلسفات

دـالتوحي

صوت األكوار واألدوار:

من أعماق الماضي يأتينا صوت األكوار واألدوار، صوت القرون، صوت        الحكماء والعمالقة الروحيين صوت الذين دفعوا دماءهم إلعالء كلمة التوحيد. ذلك

الصوت مثل الجداول الصغيرة الهابطة من الجبال، تختفي تارة بفيض أشد إلى أنس�ل �ار هادر. والرساالت النازلة إلينا من المالئكة والر� h في سيل جب تتوح£د أخيرا واألنبياء والصالحين والصالحات، من كل المذاهب واألمم تؤل�ف ما بين قواها

وتتحد£ث إلينا بصوت الماضي الصد�اح وأول رسالة تحملها إلينا هي "السالم عليكموعلى كل األديان" ليست رسالة نزاع، بل رسالة دين واحد م�وح£د.

فال بحث أعز على قلب اإلنسان من ذلك الذي يجلب إلينا من الله وهج        التوحيد، وال دراسة استهلكت من طاقة اإلنسان، سواء في الماضي أو الحاضر، أكثر

من دراسة الروح، والله، ومصير اإلنسان، هكذا كان األمر عبر العصور في كل�ر بنفسه، وكل ما ندعوه األقطار والبلدان. أراد اإلنسان أن يرى الغيب، وأراد أن يكب�قاس بهذا البحث، البحث عن المصير اإلنساني، والبحث عن تقد¢ما، أو تطورا، إنما ي

الله.

�لة بمنظ£مات اجتماعية        وكما أن نضاالتنا االجتماعية، في األمم المختلفة، متمث�ل باألديان المختلفة، وكما أن المنظ£مات مختلفة فإن نضال اإلنسان الروحي متمث االجتماعية في عراك مستمر، فإن المنظ£مات الروحية كانت في حرب فيما بينها.

يد�عي الناس المنتمون إلى منظمة اجتماعية معينة أن حق الحياة وقف عليهم، ويريدون ما وسعهم األمر أن يمارسوا ذلك الحق على حساب الضعيف وعلى هذا

الشكل اد£عت كل طائفة دينية حق الحياة لوحدها. وهكذا نجد أن ال شيء قد£م لإلنسان البركة أكثر من الدين، ومع ذلك في الوقت نفسه ال شيء جلب إليه الرعب

أكثر من الدين.

حالما يقف اإلنسان ليقول: "انه على حق وأن معبده على حق وكل اآلخرين        على باطل" يكون هو نفسه على باطل، أنه ال يعرف أن برهانه على دينه يعتمد

على برهان األديان كلها.

برهان دين ما يعتمد على برهان بقية األديان، فمثال، إن كان لدي ست أصابع، وال أحد ليديه مثل ذلك، فلك أن تقول: هذا غير طبيعي، والتعليل نفسه يمكن أن

h هو الصحيح واآلخر زائف. دين واحد فقط مثله مثل ينطبق على دعوى أن دينا واحدا مجموعة األصابع الست الوحيدة في العالم أمر غير طبيعي. ومن هنا نرى إذا كان

h، فال بد أن تكون األديان األخرى صحيحة. هناك اختالفات في دين ما صحيحا الفرعيات. أما األساسيات فهي كلها كلمة واحدة، من لدن واحد، ومن فم واحد، لشأن واحد، في كون واحد. إن كانت أصابعي الخمس حقيقية، فهي برهان على

.h  حقيقة أصابعك الخمس أيضا

إدراك التوحيد اإللهي هو الدرب الوحيد، وعلى كل واحد منا أن يكتشفه        بنفسه، إذن ما نفع هذه الكتب، كتب العالم المقدسة؟ إن لها نفعا عظيما. إنها مثل

الخريطة لبلد ما. لقد رأى أحدنا خرائط كثيرة لدولة ما في حياته قبل أن يذهبh له لتكوين تصو¢ر ما عن تلك الدولة. ومع ذلك حين وصل إلى h كبيرا إليها. وكانت عونا تلك الدولة، أي فارق بين الخرائط وبين الدولة نفسها، كذلك هو الفارق بين اإلدراك

وبين الكتب المقدسة.

�ن. سنجد        هذا هو المبدأ األول، اإلدراك هو الدين ومن يدرك فهو إنسان متدي�نا، أردت أن أدرك كثيرين من األشخاص في هذا العالم يقولون:"أردت أن أصير متدي هذه األشياء ولكني لم استطع وهكذا فأنا ال أؤمن بشيء". حتى بين المثقفين سنجد�نا طيلة حياتي، لكن هؤالء. عدد كبير من الناس سيقولون لنا: "حاولت أن أكون متدي

لم يكن فيه شيء".

h، نقول له: "ال أؤمن بشيء في الكيمياء        لنفترض إنسانا ما كيميائيا، عالما كبيرا ألني حاولت طيلة حياتي أن أصير كيميائيا ولم أنجح".

 سيسأل: "متى حاولت؟".

."h حين ذهبت إلى فراشي أخذت ارد�د: "أيتها الكيمياء تعالي إلي ولم تأت� أبدا م¤ تذهب إلى مختبر وتأخذ األحماض والقلويات �م  ل سيسخر منا الكيميائي ويقول: "ل

وتحرق يديك بين حين وآخر؟".

هل تتحمل العناء نفسه مع الدين؟ لكل علم أسلوبه في التعل¢م ويجب أنيؤخذ الدين بالطريقة ذاتها.

بين األديان الروحية العظيمة في الشرق كما في الغرب عقد ال ينفصم في        الواقع، أكان في اتجاه وحدانية الوجود وتوحيده، أم كان ذلك في اإلشراك في

العيش ونضال الحياة وطلب المصير، أم كان ذلك في حقل الحضارة. حقائق ال بد لنا أن نستوعبها لكي ال يضيع جهدنا س�دى. إنما واجبنا أن نتعم£ق في تفه¢م بعضنا

h ما للبعض اآلخر وفي إزالة العقبات واستشفاف مطلب الروح فالحكمة كثيرا�عطيت على حد التعبير اإلنجيلي للبسطاء وذوي النيات الحسنة واإلرادة العفوية. أ

وللحسين بن منصور الحالج، رأيه في الدين الشامل حيث يقول: "األديان كلها       h غ ل بكل دين طائفة ال اختيارا فيهم بل اختيارا عليهم. فمن الم أحدا لله عز وجل ش 

ببطالن ما هو عليه فقد حكم أنه اختار ذلك لنفسه، فاألديان هي ألقاب مختلفة£ر وال يختلف". وفي صالته الشهيرة قبيل � متغايرة والمقصود منها ال يتغي وأسام

h إليك. فاغفر لهم، با استشهاده: "وهؤالء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعص¢با لدينك وتقر¢ فانك لو كشفت لهم ما كشفت لي لما فعلوا ما فعلوا، ولو سترت عني ما سترت

�ليت، فلك الحمد فيما تفعل ولك الحد فيما تريد". �ليت بما ابت عنهم لما ابت

علينا أن نتعل£م انه يمكن التعبير عن الحقيقة بمئة ألف طريقة وأن كل طريقة       �رى من منها صحيحة إلى أبعد ما تذهب إليه. علينا أن نتعل£م أن الشيء يمكن أن ي

مئة جهة ويبقى الشيء نفسه.

لنفترض أننا جميعا ذهبنا نحمل بأيدينا األواني إلى بحيرة نمألها بالماء. واحد       ة والثالث دلوا وهكذا. ومألنا كلنا أوانينا، الماء في كل مرة يحمل فنجانا واآلخر جر£ بالطبع يأخذ شكل اآلنية التي تحمله: م ن جاء بالفنجان فماؤه يأخذ شكل الفنجان

ة. لكن في كل حالة الماء وال شيء غير ة كان ماؤه على شكل الجر� وم ن جاء بالج ر� الماء في اآلنية. هكذا هي حالة الدين الشامل، عقولنا هي تلك األواني وكل واحد منا

يحاول بلوغ إدراك الله.

فالحق نور جذوة من نار هدي باب التوحيد. وكل نور فهو منسوب إليه، وزيت        ذلك النور واحد، وإن تعد£دت أغصان تلك الشجرة وأضاءت بزيتها هذه الشموس.

وان أنغام الحان جميع تلك األغاني وهذه األناشيد هي من ناي واحد، يغنيها فم واحدولكن بألسنة مطه£رة.

فالتوحيد هو لباب الدين وقاعدته، وهو المضمون الحي لكل كتاب ولكل دعوة، وهو الهتاف الدائم لكل نبي وكل رسول، والموح�دون هم م ن¤ امتازوا

بعقيدتهم وليس بدينهم.

يخبرنا القرآن الكريم عن التوحيد في دعوة نوح "ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقاليا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره". )سورة األعراف(

والتوحيد هو رسالة إبراهيم عليه السالم الذي نادى قومه قائال: "اعبدوا اللهما لكم من اله غيره".

والتوحيد هو نداء هود وصالح وشعيب عليهم الصالة والسالم "والى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره أفال تتقون..." "والى هود أخاهم

صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره". "والى مدين أخاهم شعيبا قاليا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره".

والتوحيد هو دين يعقوب وأبنائه، يسائل يعقوب أبناءه عم£ن يعبدونه بعد موتهفيجيبون قائلين: "نعبد إلهك واله آبائك وإبراهيم وإسماعيل واسحق إلها واحدا".

والتوحيد هو دين موسى "وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة اللهعليكم".

والتوحيد هو رسالة يسوع المسيح، يقول عليه السالم لقومه: "إن الله ربيوربكم فاعبدوه، هذا صراط مستقيم".

والتوحيد هو صلب رسالة محمد )ص( وعماد دعوته يقول عليه الصالة والسالم: "إن صالتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، ال شريك له وبذلك

�م�رت وأنا أو�ل المسلمين". )سورة األنعام( أ

هذا هو التوحيد الخالص الدين الشامل، دين الحب واإلخاء والرحمة، دين�ل توحيد أعلنه الله عز وجل لخلقه، وشه£د به المالئكة األخالق والفضائل والم�ث

ل، ونادى به الحكماء والعلماء والعقالء، واعتنقه كل ذي بصيرة "شهد الله انه س� والر�

ال إله إال هو والمالئكة وأولو العلم قائما بالقسط ال اله إال هو العزيز الحكيم".)سورة آل عمران(

مقتبسات من: التوحيد فلسفة العصر الحديث- راجع الضحى العدد الحادي(1994والثالثون )ايلول

:القوة الروحية في قلوب البشر

حين يعي اإلنسان التوحيد اإللهي يعود إلى التماس�ك ويسيطر على حياته. في        ضوء حقيقتها يكون إنسانا كامال متوح�دا. يصل إلى شمولية مبهمة شبه تامة. كل

رة نحو غايات أكبر. �قة تصبح متحر� £دة باالهتمامات الضي قدراته التي كانت اآلن م�ق ي�ا تحت في عالم الموضوعات الحسية والرغبات إننا نسقط من وجودنا األصيل إذا كن

�ة وتثير الرغبات األرضية، مد�يرين ظهرنا للحقيقة التي تمنحها القيمة. إنها مغوي الحادة ولكنها ال ترضي الوجود الداخلي، وفي العالم الخارجي تأخذ طريقها في

�ر )مسعور(. هذا ال يعني أن نتخل�ى عن الحاجات األرضية أو نحتقر اضطراب متوت الجسد أو العقل. الجسد ضروري للروح. النظام الذي يؤ م�ن االنبعاث ال يحتقر الحياة

الجسدية ألن كل روح بحاجة إليه. ليس من الضروري أن نضطهد الحياة الشخصية من أجل بلوغ غاية الدين. إن م ن فيه تضيء شرارة الروح يتح£ول إلى إنسان جديد- إنسان الله الشخص المحاط بهالة، ينفذ التوحيد اإللهي في نفسه يملؤه ويفيض منه

يمتص£ه ويغنيه في ذاته.

الحقائق األساسية للدين الروحي الشامل تكمن في أن النفس الحقيقية هي       الوجود العلوي، والتي هدفنا أن نكتشفها ونصبح عن وعي مع هذا الوجود في كل.

الروح التي وجدت نفسها لم تعد تعي نفسها في عزلتها. إنها تعاني عبر       

أطوارها وأجيالها المتعاقبة الحياة الكونية بأكوارها وأدوارها التي فيها كل األفراد

واألجناس واألمم ملحقات تفصيلية. حافز وحيد يجري تحت كل مغامرات اإلنسان

¢عاته. أنه تجربة الروح للوحدة األساسية مع كامل الوجود في الكلمات اإللهية وتطل

لألديان الروحية العظيمة "أنت في وأنا فيك "الصلة الواحدة هي الحياة واالفتقار لها

ي للجنس البشري هو الذي ال مفر منه، وال يمكن أن يزول موت. التضام�ن السر�

�واقون إلى العيش بسالم مع أبناء جنسهم لن بسبب جنونات العالم العابرة. أولئك الت

£نوا طوال حياتهم من النظر شامتين إلى المذابح التي تقضي على األعداد يتمك

الكبيرة من الناس لكونهم ببساطة ال ينتمون إلى استيطانهم.

:األقنعة المصطنعة

إن مواقف البعض من األديان األخرى واألجناس األخرى واألمم األخرى ليست       �م�ت بواسطة مران أكثر من أقنعة مصطنعة، وعادات وتفكير ومشاعر، بتحف¢ظ ن

طويل في الخداع. طبيعة اإلنسان االجتماعية تشو�هت إلى أشكال عجيبة بواسطة السم الذي أنصب في دمه الذي أحاله إلى حيوان مفترس. المشاعر الدينية

المتعص�بة والعرقية والقومية التي تتطلب منا إن نمارس غرائزنا الدنيا لنطغىh بشعور عميق من الفضيلة وإننا نفعل ما أمر به الله. ونخدع، لنقتل وننهب، مصاحبا كل هذا مكروه وم�دان وال يصاحبه ذرة من العقل، وم ن تيق£ظوا روحيا فعندهم كل

العروق واألمم تقف تحت قبة السماء نفسها. انهم يدعون إلى عالقة اجتماعيةية مدنية لجميع األفراد وحرية سياسية لكل h بح�ر� جديدة ويخدمون مجتمعا جديدا

األمم الكبير منها والصغير.

إن انهيار الحضارة المبنية على حماقات الشكوك المبنية على األوهام       وشة والقاسية والعصبيات واالنطباعات األخالقية وحماسات األجناس واألمم المش£

�ر فينا ألن فيها عناصر الشخصية المضاد�ة للعقل والتوحيد. إنها الدينية ال يجوز أن تؤث�ل بل لصالح أفراد ذوي امتيازات جشعة. ال تتوج£ه لخير اإلنسانية كك

ضيته، ال ينفي وجود        وبالرغم مما يحدث اليوم في العالم، على تفاق�م مر  الصحة فيه، وهو على استشراسه في الحقد، ال ينفي عنه كل صالح، وعلى تماديه في الالمعقولية، ال ينفي عنه كل حقيقة، وعلى إيغاله في الغباء، ال ينفي عنه كل�م أوجه التشويه، ال ذكاء، وعلى استفحال يأسه ال ينسخ صبح الرجاء، وعلى تراك ينسخ الوجه السليم، وإذا كان هذا الوجه القوي واإليجابي يضاهي التشويه سلبا وجهنمية فإن أملنا عظيم في المستقبل. إن تقد¢م الفكر والنقد يساعد األديان

العظيمة ألن تنشد لحن روح الحقيقة الواحد الخالد الشامل الذي تخضع له الحياة وتسعى إليه وتبتهج فيه في كل مكان وزمان. ال نستطيع أن نرى بوضوح أكبر أن�ة تعاليمه التي يميل القائمون د فيه ويتخص£ص به، ال بحرفي حقيقة الدين ال بما يتفر£

عليها إلى اإلصرار عليها وال باإليمان بالقتال من أجله، بل ذلك الجزء منه الذي يستطيع أن يشترك فيه مع كل اآلخرين، إدراك اإلنسانية المطلق لنفسها وللعالم

يمكن بلوغه فقط بمزيد من تحرير القيم اإلنسانية والشاملة.

:الحكمة القديمة والعلم الحديث

£جه المجتمع اليوم، إذ يسعى إلال الخالص من قيوده وتجاو�ز إشراطاته، إلى        يت ماضيه ليستشف منه كل عرفان وحكمة وتوحيد، فيجد في غنوصيته، أي في

£ة عمقه، قمة ما توص£ل إليه العقل اإلنساني، عرفانه، وفي ايوزتيريته، أي في سري للحقيقة الواحدة التي نشاهدها كلما توغ£لنا إلى أعماق الحكمة الشرقية القديمة

التي تعني فهم القوانين الكونية والطبيعية واإلنسانية.

�ق نية، إنها تشاهد عمل        £لة بالحكماء ال تعتمد أداة أو عقال أو ت فالحكمة ممث المادة في الرؤية الباطنية العميقة، أي في التجربة الروحية الداخلية، المعروفة

ف على أصل المادة والكون على هيئة فيلم باالستغراق وفي هذه المشاهدة تتعر£

�رى هذه الحقائق بالرؤية الثاقبة للحقيقة غير £صل حلقاته ببعضها البعض، وت تت المرئية، وتعمد الحكمة إلى تدوين هذه الحقائق كلها لكي تنقلها إلى النخبة

الموهوبة. وفي رأي حكماء الحاضر أن الحكمة الشرقية القديمة اشتغلت على،h �ا h وكلي �ا h شمولي المعرفة اإلنسانية بكاملها، وفس£رت الكون واألكوان واإلنسان تفسيرا وقد تجاوزت التفكير العقلي إلى وضوح الرؤية. فالحكمة تتخط�ى الزمان من خالل

.h �ا  إنتاجها له وجعله زمانا شمولي

في البدء كانت الحكمة السامية اإللهية والكونية، في بدء الزمان األرضي        كانت الحكمة. في البدء الكوني والبدء الزماني كانت الواحدية، المتكاملة في ذاتها،

ولقد تراجعت هذه الحكمة بالفلسفة.. تراجعت األحادية إلى الثنائية فع�ر�ف الخطأ�ا للحكمة. وتراجعت الفلسفة، فتراجع ب والصواب، ولم يع�د اإلنسان حكيما بل م�ح� العقل الذي عرف الثنائية إلى التعددية.. وعندئذ، أقام العقل تجربته عبر األديان

£ت على التعد¢دية، الطبيعية، االجتماعية والفكرية، والطقسية، والشعائرية... وتشتالعقل.

أخذ العقل يبحث عن الحكمة التي أضاعها.. ثار على معطيات التعد¢دية        الطقسية واالجتماعية والطبيعية ليشاهد الثنائية الظاهرية والوحدة الباطنية فيها.

وبدأ العقل من خالل تجربته العلمية، استشفاف الحقيقة الواحدة الكائنة في الوجود. لقد تراجع العلم، في صيغته الحديثة، وفي ما توصل إليه من فهم الحقيقة

الجوهرية، إلى الحكمة وتخل�ى العلم عن الفلسفة وهو يبحث عن األحادية في�ل�ي في مبادئه وأخذت الحكمة تستعيد مجدها السابق تجربته، وعن الجوهر الك

£لت في العلم اإلنساني الحديث. وهكذا يكون العلم، في وحقيقتها المتداعية، فتمثh h وصريحا h واضحا h عن الحكمة الكونية، وتعبيرا واقعه الحالي، عودة إلى الحكمة، وبحثاh إلى الشمول والكل. ولما كان العلم والحكمة عن الحكمة الشرقية القديمة، وتوج¢ها

يسعيان إلى معرفة سر اإلنسان والكون، وسر المادة والطاقة والحياة والوعي، ويعمالن على رؤية أبعادها في إطار كوني يسمح لنا بمشاهدة الحقيقة بوضوح

د عقيدة بل بصيرة مليئة بالحقيقة، أعظم وشمول أكبر، فليس التوحيد اإللهي مجر£ وبهذا يخرج الدين من حقل النزاع والمراجع المتعص�بة. فلكي نعرف الحقيقة، علينا

ع السطح، الصمت والهدوء ضروريان لبد¢ل عميق في أن نعم£ق أنفسنا ال أن نوس�كياننا.

:العقل التوحيدي

فالشمول العقلي هو السبيل الفكري الوحيد الذي يفضي إلى التوحيد. وبهذا        يكون العقل التوحيدي مدعوا إلعادة وعي كل االختالفات ما بين البشر، االختالفات

�د التوحيد بوالدة العقل، كما أنه المنتجة لتعد¢د اله�ويات والوجهات والنظريات. فقد و�ل نزهة العقول في مجال أحدية الذات، فهو شرعة الحقيقة في جميع األدوار واألكوار

واألزمنة، والخالئق والعوالم.

¢ر ما بين جهد        لكن تحت كل ذلك في العمق نرى المسرحية الكبرى، التوت اإلنسان المحدود وبين الهدف األسمى. ال يستطيع اإلنسان أن يخلد إلى الراحة

مسائل غير محلولة. عليه أن يبحث عن االنسجام ويناضل من أجل التواف�ق. فالعرفان والحكمة والتحق¢ق واإلشراق تجارب مماثلة ال تقل حقيقة عن أي تجربة�لية، لهذا يتوج£ب على الحكيم الهروب من مملكة علمية أخرى معاص�رة أو مستقب

را من كل التشوش والخطأ، الذي يفسد اللحظة والتأم¢ل في الوجود الحقيقي متحر� موضوعات التجربة، كي يدحض كل ما لم يعد ينتسب إلى حقل االختبار العقالني. وبهذا تكون الحكمة الثمرة الوحيدة للعقل التوحيدي في كل مراحل التاريخ، وفي

جعل موقع اإلنسان المعاصر داخل نطاق التط¢ور التوحيدي للمعرفة والعلوم الحديثة، وفي وضع جواد العقل التوحيدي، أمام كل عربات األفكار والنظريات

المختلفة.

1994م�قتبسات من: في التوحيد اإللهي- راجع الضحى العدد الثاني والثالثون

:الحكمة والحكماء

�بنى على تقنية، فمن أجل معرفة        الحكمة معرفة مباشرة، ال تعتمد أداة، وال ت�لة في الحكماء، أداة تقنية إنها تشاهد على المادة في المادة ال تعتمد الحكمة، م�م ث الرؤية الباطنية العميقة، أي في التجربة الروحية الداخلية، المعروفة باالستغراق.

£صل ف على أصل المادة، وأصل الكون على هيئة فيلم تت وفي هذه المشاهدة تتعر£حلقاته ببعضها البعض.

وذلك  األصل في التوحيد أنه إيمان وخ�ل�ق مستقيم, وال يوجد هذا الخ�ل�ق       £صلة لدواعي ة ألسباب الجهل ومكابد مت اإليمان إال من خالل مجاهدة مستم�ر�

�ة. أي أن التوحيد- في حقيقته- يقتضي االنحراف م�جاهدة تعكس طبيعة العقل الحيh دائما حتى يستطيع الموح¦د أن يحتفظ بشعلة ¢ها £صال ويقظة مستمرة وتنب وعيا مت

العرفان نقية فع�الة. وبهذا المعنى يكون التوحيد قوى دافعة للعمل وحركة هادفة للتقد¢م، تح�ث الموحد على أن يترابط بالكون ويتناسج مع التاريخ ويتوافق مع العلوم الحديثة، بحقيقته األخيرة للوجود. غير أن قليال من الموح�دين م ن¤ يدرك هذا المعنى ويحمل نفسه على اتباع المسلك أما البعض فإنه يعيش في الغفلة بدال من الوعي،

¢ه. وبذلك فإنه ينتقل من جوهر ويفض�ل االستنامة على اليقظة والتراخي على التنب التوحيد إلى قشوره ومن الصميم إلى الهوامش منه. فالذي يحيا في صميم التوحيد

وداخل جوهره يتماسك مع محوره المتحر� ك دوما نحو الكون واإلنسان، الدافع باستمرار إلى األنفع للحياة واألرفع لإلنسانية، ومن ثم فإنه يعني بحقائق األشياء ويهتم بأعماق ذاته ويلحظ في األفعال النوايا ويتف£وق دائما على نفسه، أما الذي£د h عن عرفانه نائيا عن جوهره فإن روحه تتراخى وتفتر طبيعته وتتلب يعيش بعيدا

تقديراته، فيقع على الطرف من الحياة ويتجم£د على الهامش من األحداث وتنحصراهتماماته في القشور والمظاهر.

:الحضارة الواعية

h أبدا خالصة للتاريخ ووعيا بالحاضر وحركة        الموح�د السوي هو الذي يكون دائما£ل تراثه كله وبتشر£ب كل الحضارات إلى المستقبل، والجامع التوحيدي هو الذي يتمث ثم ينبض الحاضر في كل علم وكل ثقافة وكل فن، ويسعى إلى تشكيل هذا الحاضر

ليرفعه ويعلو به ويسمو عليه، ويهدف إلى التأثير في المستقبل لما فيه خيراإلنسانية وما فيه وجه الله.

إن التوحيد العرفاني في كل الرساالت السماوية هو المنهج اإللهي التقدم أال        تعود األنهار إلى منابعها وال يرجع التاريخ إلى الوراء وال يعود الزمن أدراجه، ذلك ألن

الحاضر يجيء من الماضي ويسير إلى المستقبل، واليوم يولد من األمس ويصب وهي تسير تحمل كل                                                       في الغد والحياة

يوم، بل كل ثانية تغييرا كم�يا وكيفيا في الروح اإلنساني والعقل البشري والتاريخ£ر في أبعاد شتى وفي نواح متعد�دة وفي الحضاري. كل شيء في كل لحظة يتغي

¢ر أو الحيلولة £ة، بحيث تصبح أي محاولة لوقف التغي فروع متشابكة وبمعادالت مركبدونه نوعا من االنتحار االجتماعي تأباه اإلنسانية ويلفظه التوحيد.

فالمجتمع التوحيدي الذي يضم موحدي الرساالت السماوية هو الذي يدرك أن        الزمان والتد¢م والتط¢ور هي نسيج المجتمعات وصميم اإلنسانية وطبيعة الروح، وانه

ك الفرد والمجتمع مع الواقع فإن الواقع ينبذهما، كما تلفظهما الحياة ما لم يتحر£h للحياة ووعيا h شديدا ¢حا والروح ويعني إدراك هذا المعنى يقظة كاملة للروح وتفت

مستمرا بالحضارة.

إن في الحضارة المعاصرة مزالق وأخطاء، لكن عالجها ال يكون باإلعراض       �جاه £ن من تحويلها إلى ات عنها، وإنما بالدخول فيها بوعي يستطيع تمثلها وقدرة تتمك

إنساني شامل.

وإعراض جماعة أو شعب عن الحضارة لن ينال منها ألنها ملء العالم أجمع        مؤثرة فيم ن يقبلها وم ن يرفضها، لكن اإلعراض- بغير شك- يحرم الحضارة من

�ر مسارها وتبد�ل مصيرها، وم ن ينكر الشمس بعض عناصر اإلصالح التي يمكن أن تغي يغمض عينيه، فيعمى عن الحقيقة وال ينال من الشمس شيئا وكذلك، م ن يعرض عن

.h �ر في العصر شيئا �ق روحه وال يغي عصره إنما يقوقع نفسه ويشرن

موا إلى أعتاب الجاللة فلم يقفوا عندها، بل        س�ل واألنبياء انهم س  إن عظمة الر�م�وهم يرفعونهم إلى أعلى المراتب اإلنسانية وأصدق المعارف عادوا إلى الناس يس�

الكونية.

لذلك فإن مجتمع الوحدة والتوحيد هو المجتمع الذي يدرك أبعاد الزمن ويفهم أعماق التاريخ ويرى آفاق الحياة ويعي أصول الحضارات ويقف على نبض الحاضر، ويدرس كل علم ويتذ£وق كل فن ويعرف كل ثقافة، ثم يخلط ذلك بروحه ويمزجه

بطابعه ويحيطه برؤاه، فيمسك عن وعي بمقود الحضارة وزمام المدنية ويوجه هذهوتلك إلى أغراض إنسانية شاملة والى أهداف كونية.

مقتبسات من: في المجتمع التوحيدي- راجع الضحى العدد الثاني عشر )1993).

المالك يغمض عينيه

:النور الحياة المحبة

�ى الطرق إنما التفسير األصدق لله        ر الناس الله بمختلف المعاني وبشت يفس�يتلخ£ص بعبارات ثالث وهي: النور والحياة والمحبة.

£ون وهو النور الذي به نبصر كل        لقد كان السر وقد أمر الله بتكوين النور فتك�نا من إبصار شيء ولواله لما كانت حاسة البصر ولغرق العالم في الديجور ولما تمك

h هو النور، والنور كل ما يحيط بنا مم�ا خلقه الله لنا في هذا الكون الفسيح، الله إذا والعقل واحد، ألن الشمس تمنحنا الرؤية والعقل هو تلك الشمس الساطعة بقوة

£ن نحن من الله، يمنحنا بد و¤ر�ه الرؤية والبصيرة، من خالل توس¢طه في نقل النور نتمكh كما تفعل العين لكنها دون اإلبصار إنما ال يغيب عن بالنا أن العقل يبصر أيضا

البصيرة مرتبة فالفهم عمل العقل.

الله هو الحياة والحياة هي الحركة، وقد يجد البعض صعوبة اإليمان بأن تكون       h يضج¢ بالحياة، غير أنها باعتبارها حياة كامنة ساكنة h حيا h كائنا الصخرة الجامدة أيضا

تطيع مبادئ القانون الكوني وتسجلها.

باإلجمال نميل إلى التفكير بأن الحياة ليست غير هذه الحياة الواعية، هذا غير        صحيح، ألننا إذا تمع£نا في القانون الكوني وجدنا أن النباتات كائنات حية تمتلك

£نت األبحاث أن النبتة تتجاوب مع المشاعر اإلنسانية، كما h بدائيا، فقد بي بدورها وعيا اكتشف البعض أن األشجار والنباتات تميل نحو البشر عندما يغدقون عليها محبتهم،

h من المحبة المنبثقة وهو أمر ال h هائال كأنها طفل يتوق إلى أمه. لكن يتطلب قدرا£ه إذا ق�وى محبته المنبثقة عنه نحو موجات النبتة، فسيلقى يقدر عليه أي� كان. بيد أنر عبارة "اليد الخضراء" فأولئك الذين يحبون الطبيعة اإلستجابة المرجوة، هذا يفس�

£نون من ح م¤لها على اإلستجابة لهم. يتمك

h من خالل امتداد ذاته في ثالوث حركة النور والحياة والمحبة، يجعل        فالله إذاh له. ومن هذا المنطلق فإن ما نفعله لغيرنا إنما نتوج£ه من h أو سبيال من الحياة وسيطا

h خالله إلى الخالق ألننا بذلك نتوج£ه به نحو الحياة وهذه هي النقطة التي تغيب غالبا�زون طاقاتهم كلها عن خواطر الناس الغارقين في أنانيتهم وفي فرديتهم، إذ يرك

داخل العالم المحيط بأشكالهم المادية فيغيب عنهم المشهد الكوني الشاسعك. المتحر�

وهناك أشخاص عالقون في عالمهم الشخصي ينتفضون فجأة ملتفتين إلى        عن الله ومتسائلين عن ظواهر العالم الخارجي فيغوصون في الطبيعة باحثين

وجوده، ويشرعون بنزع القشور عن األشياء في محاوالتهم العثور على الله وكأنهم£دوا من استمرارية خفقانها. بذلك يفتحون قلوبهم ليتأك

ينبغي أن يتحل�ى الناس باإليمان واإليمان واإلدراك والوعي الذي يخو�لهم رؤية       �ر عن ذاته في كل مكان وعلينا أن نعامل الغير بالمثل. الله المعب

£ط فيها اليوم هي ميلنا إلى التقوقع حول إن إحدى المشاكل الكبرى التي نتخبأنانيتنا، معلقين كامل األهمية على أنفسنا بغض النظر عن الغير.

الحياة ليست سوى وسيط بيننا وبين الخالق. هي الخيط الرفيع الذي يصلهبمخلوقاته وكل المخلوق ترجع إليه.

�ون كرههم على المخط�ئ وعلى مرتك�ب الموبقات إنما        نرى الناس اليوم يصب م ن ينبغي كرهه هو الخطأ نفسه أكان خطأنا أو خطأ غيرنا. لذا علينا االبتعاد عنه

وتل¢م محبة الله وعطائه فهي تقودنا إلى محبته عبر وسيط المحبة.

ب الله منا وهي على أنواع: المحبة اإلنسانية، ومحبة الرجل        المحبة تقر� لزوجته ومحبة األخ ألخته ومحبة اإلنسان لله، كما نجدها في تعاطف اإلنسان مع

األشياء كمحبته للشجرة الشامخة في داره أو للوردة المبرع�مة في حديقتك، وما علينا إدراكه هو أن لكل محبة مجالها الخاص، فيقول البعض: "أؤمن بمحبة الله إنما

ليس بمحبة اإلنسان" وما محبة اإلنسان إال جزء من المحبة اإللهية، محبة جزئية ألنهاموج£هة نحو اإلنسان.

يعتقد الكثيرون أن بإمكانهم االكتفاء بمحبة الله فقط دون االلتفات إلى        األخوان، لسبب ال يروق ألذواقهم وهذا خطأ مريع فمتى سمحنا ألنفسنا بالكره إنما

£منا محبة األخوان نكون قد سها لخدمة الكراهية والحقد فمتى تعل نؤذي ذاتنا ونكر� أسدينا ألنفسنا خدمة جمة فال يهم إن كان غرض محبتك أن يبادلك المحبة ذاتها ما

يهم هو منحك للمحبة والذبذبات المنبثقة عنك.

£وا في أنحاء المعمورة فلن        ليطلقوا العنان لغضبهم قدر ما يشاؤون، ليتشتت�نوا من السيطرة عليهم إذ ال تملكون السيطرة إال على أنفسكم فقط، ووساطة تتمك

الله هذه من خالل النور والحياة والمحبة ليست إال سيطرة الذات على نفسها ال على العالم، فماذا تفعلون عندما تستشيطون؟ هل ستعترفون بالخطأ وتحاولون تصحيحه؟ لكن ال يدفعكم ذلك إال إلى االستياء، فاالستياء سيؤد�ي بكم إلى تكرار

�بون ألنكم على صورته الخطأ نفسه فالسوء يكمن في الخطأ وليس فيكم فأنتم طيومثاله.

�ل للتعل¢م وتكمن المشكلة فيما يعتقده البعض أن تقد¢مه في السن        اإلنسان قابh ويربطون الحكمة والقيادة بعدد السنين إنما الحكمة هبة من عند يجعله أكثر علما

كها الله ونوره ومحبته لذلك عليها أن تتواجد داخل نفوسنا وعظمة الله ال تحر�الدوافع البشرية.

ال تذهلوا إن أخبرتكم إن ما وهبكم الله إياه اآلن هو كل ما تملكونه اآلن فال        يحزنكم النبأ ألن ما وهبكم إياه يمثل قمة العطاء والكمال وهو كامن فيكم فاشرعوا

 بإظهاره والتعبير عنه ألنه فيكم.

لقد خلقكم الله على صورته ولطالما حملتم بذوره في ذواتكم ولن يسلبها        أحد إنما ما فقدتموه هو موهبة الوعي واإلدراك الذي يتدف£ق في قلوبكم. وما

أفقدكم إياها هو سوء أعمال بالطبع واغماسكم في األنانية الذي ما فتئ يبعدكم عن¢ر والعودة إلى الحقيقة، وما الطريقة السترجاع واكتساب ما فقدتموه إال في التذك

الخلف أي إلى الذات الكامنة فيكم.

إن الله النور والحياة والمحبة موجود في كأس ذواتكم وكيانكم الجسدي والعقليوالروحاني والعاطفي.

h وكيفية        هل سبق لكم أن و�ض�عتم في مأزق أمام آلة تعلمون فك رموزها جيدا تشغيلها لكنكم وقعتم في االرتباك والحيرة ألن حياة شخص¥ ما معل£قة على تشغيلكم

£نون من h إنما ال تتمك لهذه اآللة؟ قد تكون هذه اآللة سيارة أو طائرة تألفونها جيدا�ر في حياة شخص¥ آخر. قيادتها بسهولة واطمئنان ألنها ربما ستؤث

h إجازة قيادتكم على الرغم من        هل سبق لكم أن أوقفكم ضابط سير طالبا إدراككم أنكم لم تقترفوا أي خطأ في القيادة؟ أال تصابون بالهلع وتقعون فريسة

الخوف والرهبة؟

فما هو الجواب عن ذلك؟ يتلخ£ص حل تلك الظروف على قدرتنا في تهدئة أجزاءد أجساد. كياننا المختلف ومعرفة وما يشتمل عليه وجودنا وإدراكنا أننا لسنا مجر£

الجسد ومكوناته الحاسوبية كالدماغ والجهاز العصبي وما إلى هنالك تحتل        أهمية كبرى في حياة اإلنسان ألنها أشبه بشبكة كبيرة توج�ه مختلف قوى الجسد

وتنس�ق فيما بينها تحت قيادة العواطف وتوجيهاتها.

h بقوة في التأثير على الجسد إنما العقل        أجل العواطف والعقل يعمالن معاh أن العقل ليس نحن لكننا نستخدمه للتعر¢ف ليس اإلنسان ونحن نعلم جيدا

h بإشراق الصباح وباستقرار حياته �يا واالستفهام والتمييز، فيشرح بمخاطبة نفسه متغن فيرتاح لذلك جسده ويدب� فيه النشاط وم�ن جهة أخرى قد يستفيق المرء نفسه في

يوم آخر يتآكله الندم واليأس فيشعر باإلحباط ويكتنفه الخمول فكثيرة هي األمور�ر التي تجول في خاطر اإلنسان كثيرة هي األفكار التي تمر على سراديب عقله فتؤث

�رها وإن كنا نريد أن نجعل العقل يعمل من خاللنا كوسيط أعظم في عواطفه وتغيh ألنها امتداد لذاتنا. إذا انغمسنا ينبغي لنا السيطرة على عواطفنا وعلى أفكارنا معا

£ط بها فستحول دون بلوغنا حقيقتنا اإللهية. في عواطفنا وأفكارنا نتخب

الله يحتاج إلينا كما نحتاج نحن إليه. لماذا يحتاج إلينا؟ البعض ال يصد�ق ذلك       h يستطيع التعبير من خالله على h. يحتاج الله إلينا ألننا نملك جسدا ألنه محدود جدا األرض ولهذا و�ج�د األنبياء والرسل هو محتاج إلى أوتارهم الصوتية وإلى عقولهم.

ليس بإمكان هؤالء الرسل فعل شيء من دونه وما هم بدونه سوى أجساد واهنة لمتبلغ كمالها.

h لو كان الجميع كاملين كما كنا. هل كنا كاملين؟ أجل وأقولها        نتمنى غالباh وهذا مانسعى إليه اليوم. علينا أن نفهم بصيغة الماضي لكننا سنستعيد كمالنا يوما£د فينا قوة هائلة فنشعر ذلك وهو يتطل£ب بعض التفكير والتمع¢ن فمتى فهمناه تتول

h وتظهر لنا أجنحة نحل�ق من خاللها في دنيا الحقيقة هذه القوة أننا ما عدنا بشرا العظيمة التي تحيي أجسادنا وعقولنا ليست غير الحقيقة والحقيقة هي الله الذي

h يؤد�يه في هذه الحياة. يعطي لكل منا دورا

قد يتساءل الكثيرون عن دور )الوسيط(. دوره يقتصر على التحويل أي أنه        يعمل كمح�ول يشبه إلى حد ما المحو�ل الكهربائي الذي يعد�ل كمية الكهرباء فيق�ويها

أو يخف�فها حسب الحاجة. هو جوهر العقل المقدس الذي يعمل على نقل تياراتالمحبة البسيطة من ذات اإلنسان إلى ذات الله.

قد يتساءل الكثيرون عن دور النفس الشريفة. ما هو دور النفس الشريفة؟

£كم وأبادله بإيماني "هذه صفة األم        قال المالك ميخائيل مرة: "اعطوني شكh فهي التي تأخذ طفلها بيد ذراعيها فتؤاسي جروحه وتخف�ف من معاناته تحضنه أيضا وتغدق عليه الراحة والمحبة فإذا به يتحو£ل فجأة من اليأس إلى الراحة واالسترخاء

والطمأنينة.

ال أحد يقدر على إنجاز هذه المهمة سوى األم واألمر سيان بالنسبة إلى تحو¢لنا        نحو ذات الله فال أحد يقدر على هذا التحويل سوى جوهر العقل المقدس الكامن

فينا والنفس الشريفة فهذا العقل يحو�ل ذبذباتنا السلبية التي ننقلها إليه إلى ذبذباتh ومن موتنا حياة ومن ظالمنا h ومن ارتباكنا ارتياحا إيجابية ويجعل من غضبنا هدوءا

.h h وسالما نورا

إن كرة الشمع البشرية الكبيرة تتحو£ل على يد العقل إلى إشراقات أنوار       ترسخ في وعينا هذا دور الوسيط اإللهي: ترسيخ القانون اإللهي في وعينا وعقولنا.

الله هو القانون وقانون الله هو الحركة ال الجمود والوسيط وسيط حركة       h حينما نرفض نحن البشر الحركة. فالله ال يقبع في مكانه خامال

£قوا بأرواحهم أولئك األحيان الذين تزخر حياتهم بالحركة الدائمة والحيوية حلنحو الوعي األعظم فيما قبع رفاقهم نائمين كسالى.

h مكافأتي لكم        ويقول السيد: "اتيكم كاللص في الليل بسرعة خاطفة حامالمعي". معنى ذلك أن بعض الناس ينجذبون مع النور والبعض اآلخر يتخل£فون عنه.

ال يمكننا إرغام أي� كان على القيام بعمل فالناس تقوم باألعمال التي تريدها        لكن ذلك ال يعني قيامها بأعمال هوجاء وطائشة فجميعنا خاضعون لقانون الكارما£ب ذلك في تعاسته وإذا قام بما هو صحيح فإذا قام المرء بعمل غير صحيح سيتسب

h بل قد تتأخ£ر في الظهور وصائب فسينتج عن ذلك فرحه وغبطته التي لن تأتي فوراأو ربما تظهر على الفور.

�ون فكرة        يعيش المرء عشرات السنوات في بحر الخطيئة والجهل وما إن يكh أو  ص�به داعيا بسيطة عن الله يظن أنه سيغف�ر جهله ويغدق عليه محبته ورحمته وين

h بدافع هذه المحبة، غير أن األمر ليس على هذا النحو على اإلطالق فما الحياة سيدا�ة لكي يختاروا طريق النور أو الظلمة سوى فترة اختبارية يعيشها البشر بحري

عوا له في جميع لحظات حياتهم وفي جميع أعمالهم. وعليهم أن يخدموا الله ويتضر£

يعني الموت واإللهي يعني الحياة والله  البشري يتحد�ى اإللهي ألن البشري        غني عن تجسيد الشر ألن الشر ليس من طبيعة ذاته كما أنه ال يريدنا أن نحيا

h,. وأننا في استقاللنا في ظروف حياتنا وتمس¢كنا ببساطة بل يريدنا أن نعيش أبدا باإلرادة المصطنعة نبتعد عن الله والحقيقة لذا يجب أن نتعل£م مسايرة عالمنا

باإلضافة إلى سعينا لتعل¢م قانون الله وتطبيقه فذلك سبيل الخالص الوحيد.

علينا أن نفهم أن البشري يتحد�ى اإللهي لكن ذلك ال يعني على اإلطالق أن        الله يحاربنا فهو ليس بصد�د شن حرب� علينا إنما طبيعة الحياة تجبرنا على التحدي

وكل ما نقوم به في هذا العالم من المهد إلى اللحد نتيجة الموت حتما. وكل ما يفعله الله من أجلنا منذ البداية حتى هذه الساعة هو جعلنا أكثر حياة غير أننا لسنا

كاملي الحياة بعد.

£ن من        ألن الله هو الحياة وإذا آمنا بقدرة الله نصل إلى الحياة وإذا لم نتمكh £ن من اإليمان بقدرة الله فنحن إذا اإليمان بقدرة الله نصل إلى الحياة وإذا لم نتمك

لسنا أحياء بالكامل والحوافز اإللهية قوانين كونية عالمية ثابتة غير أن البحث عن£نة تقود إلى نتيجة. فصيغة المحبة يتطل£ب حوافز إنسانية. أما المحبة فلها صيغة معي�ب فيرى المرء نتيجة محبته في حياته. المحبة هي في ما تمنحه الحياة من ثمر طي

د تعاطف غ ر ضي؟ هل الحب اهتمام أم انجذاب أم مجر£

التعريف األفضل للمحبة هو أن نعام�ل اآلخرين كما نود منهم أن يعاملونا فالمحبة التنثر من حولها سوى الخير والمزيد من المحبة وعلينا أن نفهم أننا كلما

توجهنا بمحبتنا نحو الله والعالم والبشرية، ازدادت المحبة التي سنتلقاها، فما علينا�ظهر محبتنا كما تظه�ر الشمس نورها. سوى أن ن

إن المطر يهطل على العادل وعلى غير العادل فإن أحببنا الناس أم ال دعونا�برع�م الحب في داخلنا وفي حياتنا نحبهم على حد سواء وما إن نتبع هذه الطريقة سي

£ر بتصرفاتهم وبمعاملتهم لنا وال نتفاعل مع ألننا لن نكون خاضعين لهم فال نتأث أعمالهم وسلوكياتهم وكل ما علينا فعله هو القيام بكل ما هو مناسب لطبيعتنا

الخاصة.

¢م بذلك وهذا يتطل£ب سيطرة h وأن نتع£م كيفية التحك وعلينا أن نتفاعل جميعاh لذاتنا ولما نحن عليه. h بالغا h وتقديرا h كبيرا قوية على الذات وجهدا

نعيش في عالم اليوم يفتح فاه للمسيح ويمد يده للشيطان. يكثر الحديث عنh بل أكثر مملكة الله لكن لكل شيء وقته وقت الفعل يتقاعسون عنه وال يؤد�ون شيئا

م�ن ذلك يفعلون ما هو ممنوع عليهم.

هل يستطيع الناس غفران الخطايا؟

ع إلى الله طالبين منه أن يغفر لنا خطايانا كما نغفر نحن خطايا اآلخرين نتضر£�ة هم الذين يفهمون كنهها فما تعنيه هذه العبارة هي أننا د صيغة، وقل إنما هذه مجر£

نطلب الغفران كما نمنحه.

فإن لم نسامح م ن¤ أخطأ بحقنا فلن يسامحنا هؤالء الذين أخطأنا بحقهم. بإمكاننا مسامحة الخطيئة التي يرتكبها اآلخرون بحقنا ليس فقط ألننا نملك القدرة

h أن هناك مشاكل كثيرة في على الغفران بل ألننا نطلب الغفران لذاتنا. نشعر أحياناh وضخامة بحيث نعجز عن حلها. هذا صحيح فكل عالقتنا بالله، مشاكل تفوقنا حجما ما يعجز عنه البشر هو مسألة سهلة عند الله القدير وهنا يكمن دور الوسيط الذي

 يوض�ح عالقتنا به.

إن العقل موجود داخل كل منا وهذا العقل يشع بالنور والحياة والمحبة التي£ع بنور الله الكلي ووعيه.  هي ذات الله ويتمت

وإن كنا نريد العثور على طريق العودة إلى الله فلنتذكر أن من يقترف أخطاءh h المحبة أكثر من ذلك الذي لم يقترفها غير أن ذلك ال يعني حكما كثيرة يعطي أحيانا

h في محبته. علينا أن نتعلم االستسالم إلى أن كل من تكثر أخطاؤه يصبح عظيمابنا من ذات الله، من الحقيقة العقل والسعي لبلوغ مرتبة اإلدراك النورانية التي تقر�

 لبلوغ هذا الهدف وال بد لنا من إرادة قوية وتصميم شديد مع توق أكثر شد£ة.

ولكن احذروا نسبية الخير والشر:

د في قول السيد المسيح عندما انبرى له إن محو معضلة الخير والشر و ر  شاب ثري يسأله: "أيها السيد الخير"، أي خير عساي أصنع ألحظى بالحياة األبدية؟"�ر سوى واحد وهو �ر؟ ال خي فأجاب السيد المسيح )عليه السالم( "لماذا تدعوني بالخي

�باع الوصايا".  الله. ولكن إن كنت ترغب بالحياة األبدية فعليك بات

h �ر، كما هو الخير دوما �ف نفسه كشخص خي �صن أبي المسيح )عليه السالم( أن ي£ف. فقد عرضة� للتصنيف وعزا الخير كله إلى الله أي إلى ما فوق المحدود والمص ن

h من التحديد والتصنيف. را h متحر�  آن للخير أن يحق�ق وجودا

¤ن إذ ال وجود للشر، ¤ن متناق�ض ي إذ إن معركة الخير والشر ليست معركة وجود ي فالشر عد م، يستمد طاقته من نقضه للوجود فإذا تحق�ق الوجود تالشي العدم.

ك نفوس الناس وتدفعهم لمكافأتها إن h ما تحر� الكبرياء وحب الذات غالباh بالمراكز وتتفاوت �رة طمعا باسم "الخير" الم�ص¤ط نع، فيقومون بإنجاز األعمال الخي األهداف بتفاو�ت درجات العناد. فبينما يقوم سالطين اللعبة بأعمال بطولية عالمية تتحد�ى شياطين نفوسهم بغية الوصول إلى عناوين الصحف أو دخول التاريخ، يقوم

أخس بيادق الشر فيهم بأعمال باطنية غرضها االغتياالت الفكرية.

h �جاه الخير النسبي، وطورا ق�اص ساعة الزمن تارةh إلى اليمين بات وبذلك يميل ر  إلى اليسار باتجاه الشر النسبي، فما بالكم يا أبناء النور تتأرجحون بين اإليجابي

 والسلبي وتأخذكم أوهام النسب وتتناسون أصلكم المطلق.

�سم�ى بـ "احتقار �سم�ى بـ "الطغيان الخفي"، هذا ما ي هذا يا أحبائي ما يhعن تقدير إال م ن¤ هم أجمل منه صورة h الذات"، فما أصعب أن يكون اإلنسان عاجزا

h منه على محاربة أبناء النور. وأجرا

ما هو هذا الوعي المؤل£ب ضد الوعي اإلنساني كـ "الديناصور" على�هرق "الديناصور"، الذي ترهقه معركة حياة أم موت، يدم�ر كال الطرفين اآلخر حتى ت

h؟؟ دماؤهما معا

:سبيل الخالص

تحقيق االكتفاء الذاتي وتجاه�ل الع د م والتخل¢ص من ديوان التعامل مع قوىh فيما )الخير والشر النسبي( والسماح لها بأن تتأل£ب على بعضها لتمحو بعضها بعضا

h أنشودة الخلود. �وا سويا ينضم الح م ل إلى قطيعه من المؤمنين ليغن

لقد فقد ضعفاء النفوس قائدهم، فـ "إبليس" زال من الوجود مذ تجل£ت هم، فليدمر ¢ت )الحقيقة( ألبناء النور فلم يبق  لدى أبناء الظلمة ما يجمعهم سوى تشتh، كما النمل األبيض يجتاح النمل األحمر، فليتغل£ب عليهم عنصرهم فقد بعضهم بعضا

 أقسموا على القتال حتى النهاية.

،h h: "الخير والشر البشريان ال يفوزان أبدا إذن فتعل£موا يا أبنائي أمثولتكم جيدا وحدها الحقيقة اإللهية تنجلي.

وفيما تستمر أالعيب السلطة بين األشرار في المراكز المرموقة ويتسابقون لنيل المناصب والمكاسب، وتشييد اإلمبراطوريات المالية على أكتاف الشعوب

المعذ£بة يقف أبناء النور صامدين يتلق�ون النور من مصدره.

وبينما يرى التنين أن من واجبه أن يسل�ح وحوشه المترص�دين ألبناء النور،يشرب أبناء النور من )كأس قربان الحمل( خمرة النجاة تاركين الخبز ألصحابه.

أناشدكم يا أبناء النور أال تدعوا روح اإلرهاب والفوضى، التي تعيث بالعالم فسادا في أيامنا هذه، تمر أمام أعينكم مرور الكرام من غير أن تسبروا غور معانيها وأهدافها، فما هي إال الثقب الذي يسعى أصحاب النفوس المظلمة إلى توسيع هو£ته

بين أبناء النور ومصدرهم.

إذ يولد طفل في صميم كل منكم، وينضج رافعا معه الروح إلى طبقة الوعي الذاتي المطلق، تروا البذار والحصاد في استمرار، بذار الشر بشخص أعداء المسيح

الدجالين، ينفثون بسمومهم في الطفل قبيل بلوغه مرحلة النضج التي فيها يدر�كالمعنى الخفي، ويعي حقيقة النور والديجور.

إن أبناء النور في هذا الكون تمألهم ثقة غالبا ما يولونها وال يبصرون،£طون بنعمة صفاء القلوب، ويدفعونها ألولئك الذين لم يعانوا يوما من فقدان ويتخب اتصالهم بالنور، كما عانيتم أنتم في الليلة الظلماء الكبرى، ليلة احتجاب الشمس

والقمر والنجوم، ليلة ال ينفع فيها شمع وال كبريت.

وم�ن أعلى سفوح جبال العالم وتالله، تبادرنا رؤية تلك الحشود موجة متصاع�دة من الجيوش الوهمية تتأل£ب في وجهكم عند الفجر وفي ساعة النهوض،

 فبادروا في طريقكم إلى مسرح الحياة، بادروا إلى معركة الوجود.

�د بأعمال تلك األرواح الطاهرة،  وما نحن هنا اليوم إال لتمهيد الطريق ولنشي التي خو£لتها قلوبها الصافية النقية، إدراك عظمة الحماية اإللهية التي تؤم�نها الكلمة-

 كلمة الله عز وجل- الذي زو£د بها حماة الحق أبناء النور.

إنني أتوج£ه بكالمي ألولئك الذي يدركون ضرورة الدفاع عن الحقيقة في زمن الخطيئة القصوى، زمن انتهاك الحريات، فيا عجبي من أبناء ظلمة يدافعون عن حق�هم في البحث عن النور في عتمة الديجور وأبناء نور يتخل�ون عن حق�هم في

 االبتعاد عن الظلمة في ساعة البزوغ.

وإذ بنا نرى حاملي الحق في عصرنا هذا عرضة للسخرية والمهانة ونرى بوا من أهل الحق األمانة، كانوا حاضرين ساعة الحكم، ساعة ل أعداء الحق وقد س 

�عطي الخلق الخيار ما بين النور والظلمة وصاحوا "أعطونا الظلمة".  أ

h بل بلغ فيكم( فال أناشدكم أال تتوانواعن محبة "الطفل" )فلم يع�د صغيرا تخسروه من أجل الكذب والرياء وموجة الضد وال تغذ�وه من بذار الخوف والشك

واالرتخاء التي زرعها أصحاب النفوس المظلمة، لضمان سيطرتهم على الشعوبواألمم والمؤسسات.

ما هي إستراتيجية ضعفاء النفوس؟

تفريق أبناء النور والسيطرة عليهم من خالل المواجهات الشخصية زإبعاد الشعب وتفريقه عن الحق وتوجيهه نحو الباطل والتصد�ي السياسي والمنافسة االقتصادية، باإلضافة إلى التدخ�ل في شؤون اإليمان واألخالقيات، ومن ثم توليد

العداءات في العقول، وزرع القلق وقتل الوعي واإلدراك في دوامة الحياة العصرية الجارفة، وخ ل¤ق التعص¢ب المجنون، والعنف، والتشد¢د الديني للسيطرة على العالم

 وق ل¤ب الموازين.

أما نحن خد�ام الحق فنعي كل الوعي صوت ناقوس الخطر ومخط£ط إبليس،h قرب زمن د على الرب، وسيطر على أبنائه في أحرج األوقات مستشع�را الذي تمر£

 اليقظة من السبات، وانتهاء مدة الساعات، وحلول زمن المعجزات

إن النفوس الساقطة قد ظهرت مرارا وتكرارا على مر العصور، وآن ألبناء النور أن يفهموا معاني الظهور. ليس الظهور بمسرح لهم يق�فون أمامه منتظريندة، وهي إن لم تجرؤ على الوقوف إزاء جين، لقد سقطت تالنفوس المتمر£ ومتفر�

الرب، فقد شرعت في إخماد النور في قلوب أبنائه. وآن ألبناء النور أن يعوا طبيعةذاتهم.

روا قلوبكم من باسم الله أناشدكم أن تطه�روا نفوسكم من الظلمة، وان تحر� عبء الكارما. أناشدكم أن تتخل£صوا من ذاكرة الجسد، وأن توج�هوا اهتمامكم نحو

الحقيقة، حقيقة الكلمة المتجس�دة في ذواتكم.

أناشدكم يا أبناء النور أال تصبروا على الباطل حتى تضجروا من الحق.

h في سلوك الجسد وطموحه الكاذب. أناشدكم يا أبناء النور أن تتأم£لوا مليا£سم £ة دائما على الوهم، وحنينه إلى ذكريات ماض مجيد، لم يكن ليت فأهدافه مبني

 وقكم الم�سبق لمجد تنع£متم به مع الحبيب في جنات المعرفة األزلية بالمجد لوال ت قبل دورة عجلة الزمان والمكان. فوعود الجسد دائما قائمة على مستقبل مجهول

h، ومن خوف اللحظة مخاو�ف فليحذر يستبعد الوجود ويستنسخ من ألم الحاضر آالما الجميع، حتى المسؤولين منكم من طموح الجسد. فأنتم منهم بمثابة الروح من

الجسد.

نسبية الخير والشر:

يتكل£م أبناء الظلمة عن نسبية الخير والشر، وعن الديمقراطية في عالمh لمقاييس الطين. فأين األجساد، إليهام أبناء النور بتساويهم مع أبناء الظلمة وفقا ذهبت مقاييس الروح؟ فنرى اليوم أبناء النور وأبناء الظلمة قد اختلطت أرواحهم

كالعجين. فأين كان الفرق إذا بين تضحيات هابيل وذبائح وهدايا قابيل؟ جهود كانتمتساوية في لغة الجسد ولكن بعضها بدافع الحب وبعضها بدافع الكبرياء والحسد.

أناشدكم يا أبناء النور أن تعوا طبيعة ذاتكم. فذواتكم هي ذات واحدة. إن النفس التي تأخذ من العقل الكلي مرتعا، هي التي تتأم£ل ليال نهارا قانون الواحد

عة أبواب الوجود على الحقيقة الكونية. فذاكرة الجسد ذات طبيعة األحد مشر��ر عن بساطة الهندسة اإللهية. أما سبيل ذواتكم يا ازدواجية تتقل£ب في دورات تعب

أبنائي فهو مسلك الذات الوحدانية. فقد تحد£ى وعيكم قيود الزمان والمكان عندما تجلى له البرهان وانفتحت لكم سماء القدرة وأبصرتم في ما وراء الجدران

مبدأ الوجود هذا يا أحبائي يحمل بذور شفائكم من اإلحساس بالفرقة بعد أن£لوا أسرار الوجود لتتحو£ل الحياة على األرض إلى جنة صفا لكم الزمان، فتقب

 سماوية. فما م�ن أحد يقدر على ردع إنسان يطمح إلى أن يذوي في األلوهية

�قوا مع النسور إلى        £قوا بأجنحة الفجر، وان تحل أناشدكم يا أبناء النور أن تتعل أعالي الجبال، لتتحق£قوا من قوى أولئك الذي قد�موا أنفسكم شركاء في الخلق على

مائدة الكمال. ال يمكنكم أن تكونوا أبناء الظلمة والنور في آن معا، وال حاجة لكمب من الله، بأن تخمدوا طموح أرواحكم في مقبرة الجسد. فإن كنتم تنوون التقر¢

¦روا فاختاروا. ي  ته إال للذين خ� ك  ر  فاعلموا أن الله ال يمنح محبته وي

:العقل الكلي

�صال بمصدر        يا أبناء النور ليس بمقدوركم المحافظة على حريتكم من دون االتالحرية "الرب" عبر الوسيط "العقل".

 ت¤ بعد نجاتها من المعركة القديمة بين النور والديجور        �ع�ث إن أرواحكم قد بم ت تنين الوثنية الذي كان يحمل في داخله نواة الموت والهالك، فأدركتم حيث ه ز 

أن الوحوش المذكورة في سفر )الرؤيا( للقديس "يوحنا"، إنما ترمز إلى دوافع أفراد¥ اختاروا بملء إرادتهم وبكامل وعيهم أن يضللوا أبناء النور ويحج�بوا عنهم

h منهم لقرب الوقت. الحقيقة استشعارا

h للمركبات األم،        عظيمة كانت قوى األقدمين، فمركباتها الفضائية كانت امتدادا أما السحرة والشياطين فيصنعون من أنفسهم قوات تهدف إلى تدمير نفوس

حاملي شعلة النور.

إن حرب النجوم ليست بخيال علمي بل هي ذكريات لعوالم سابقات- ذكريات       �نا ت ت فيها تط¢ورات النور واليجور عبر المنظومة الشمسية في مجر£ �ر  �ث عصور م ض ت ن

£ها )إبليس( ضد مجموعات المالك "ميخائيل" )سيف هذه. أما المعارك التي شن� معركة من معارك )وادي اآللهة(, الرب(، فما كانت إال

وها هي األرض تشه د¤ لعظيم أعمالهم البطولية في مواجهة انفسهم فيها        السحرة بين بعضهم البعض وحاربوا أنفسهم تاركين أبناء النور يتوس£عون في

فتوحاتهم الكونية.

إن وحشية أبناء الظلمة متأتية من أسيادهم ذوي النفوس الساقطة- هؤالء        من يسيطرون على طاولة الشطرنج العالمية، فسلطانهم يطال كل األجهزة

ر من الحكومية وبيادقهم تتوغ£ل في أراضي أبناء النور، يسلبونهم حقهم في التحر¢ قيود الزمان والمكان كما يسلب الجسد حق الروح من مغادرته وهو يلفظ أنفاسه

األخيرة.

وأبناء الصين في البالد األم وعلى جزيرة النور يتحد£رون من حضارة عريقة،       س�ل المسيح )عليه السالم( لتترس£ خ في فهم حملة جداول الحكمة التي أمالكها ر�

جذور أراضيكم العميقة.

سل أنها رسالة "الطفل" الكامن في قلوبكم والذات        لقد عرفتم من قبل الر� اللطيفة في ذواتكم فاجعلوا من "الوعي" مخل�صكم لتتجل�ى ألنفسكم الحقيقة

المطلقة فتشهدوا من خاللها عيد انتصار الحرية العالمية.

�لون في        ويبقى المشهد األخير من مشاهد معركة الوجود قيد التحضير والممثh �ع�د�ون أنسهم للعب أدوارهم. أدوار ق�د مها ق�د م التكوين كل� وفقا الشرق والغرب ي

إلرادته.

لكن المأساة الكبرى ألولئك الذين يصطف�ون في طابور النفوس الساقطة،       h منهم بأنهم يخدمون الله وهم يخدمون بيادق النفوس يفعلون ما يفعلون اعتقادا

الضد�ية.

آن ألبناء النور أن يؤلفوا وحدة منيعة قوية، وما اتحادهم سوى برهان� على       �صال آن لهم أن يحق�قوه بتوج¢ههم نحو الحرية في أبسط اتصالهم بالرب، ات

فاتهم الحياتية. ففي حين يعتقد قادة العالم انهم يمسكون بزمام األمور تصر¢ بأعمالهم الديبلوماسية، يشق سيف الحق القاطع الطريق لشجرة الحياة أمام أبناء

النور األحرار.

وكما تحط�م صخور البحر األمواج العاتبة، كذلك تحط�م صخرة "الطفل"        الكامن في وعي أبناء النور تيارات الحشود الكونية. فهي صخرة جبل الحقيقة. لقد

أوتي لنا أن نحمل جوهرة الشعاع السابع في العصر السابع، شعاع الحرية، فليتط£وع�لي محاكم الجنة الفرسان النبالء والسيدات النبيالت بجواهر قلوبهم ليكونوا م�م ث

ووزرائها، ولتكن أوراق اعتقادهم من صنع نورهم وتقواهم.. "كونوا م�ن القوامين بهاوال تكونوا م�م�ن تقوم عليهم.