رسائل

114
ي ن ا ف ن ك سان غ ل ئ رسا مان س ل ا ادة ي غ ل ا هداء ا حاولة ملدوا و ي م ل ن ي ي الد ل ا عد0 ب وم ي ات ها د ا ي ا ي ن هدا ا ي لت ور ا سط ل ة ا هد دوري0 ها ي ي هد ، ا ة صدئ ة خ ض م ة0 ب ل ق ن ك ي م ل دع0 ب مّ ي طت و، ة صدئ ات ح ض م ت س لي م ه0 ي و ل ق ن ي ي الد ل ا ة طال هد0 ب ا وت م ي ن عد ا0 ب لدون و ي س ن ي ي الد ل وا ل ئ رسا ل ا مان ر ل ا ا هد ي ف دس ف ل ا ي ف ن ف ل د ئ و س ك ما رت0 ب رو ن ا ي لc ب م م ه ي ز ح ي لg ط ي س ن ك ل و دلا0 ء، ي ردي ل ا ا اق ي ي ف ي ن ا ف ن ك سان غ ن ف د ي ن ا ن م ادة غ ي ل و م ا ي د ف ب حاولة م عام ل ي ا ل ص ا ا ح ل ا ن م زوج ح ل ا

description

رسائل غسان كنفاني لغادة السمان

Transcript of رسائل

Page 1: رسائل

رسائل غسان كنفانيإلى غادة السمان

محاولة إهداء

بعد إلى الذين لم يولدوا وطني. مبدع لم يكن هذه السطور التي أهداني إياها ذات يوم

قلبه مضخة صدئة، أهديها بدوري إلى الذين قلوبهم ليست وإلى الذين سيولدون بعد أن يموت أبطال هذه مضخات صدئة،

الرسائل

ولكن سيظل يحزنهم مثلي أن روبرت ماكسويل دفن في الرديء، بدال من أن يدفن غسان القدس في هذا الزمان

كنفاني في يافا

غادة

محاولة تقديم أولى

الخروج من الخاص إلى العام

الخنساء لم تصب بالعمى لكثرة ما رثت أخوتها القتلى وبكتهم –كما هو-1 في كتب األدب-ولكنها رثت قتالها وبكتهم ألنها كانت )عمياء( منذ شائع

في الموت غير الموت. إنها لخطيئة مميتة أن ال نرى البداية! إنها لم ترالموت في الموت غير

والرومانسيات التي ال كي أتجنب السقوط في فخ الرثاء الذي أكرهه،- 2نفسه تجدي ، لن أكتب عن غسان كنفاني ،وإنما سأتركه هو يحدثنا عن

يكفي ، وأن الناس في شوق يخيل إلي أحيانا أننا جميعا تحدثنا عنه بما- 3 ، هي إلى سماع صوته هو .وهذا ممكن بفضل عادة سيئة طالما تملكتني

الحوار األبجدي مع رفاقي ، زادت في تفاقمها عادة سيئة أخرى من الترحال، بحيث تصير الرسائل أحيانا وسيلة التخاطب عاداتي وهي كثرة

حوارنا األدبي والحياتي الوحيدة الممكنة وعبرها نتابع

الرجال الذين ال) إليكم عن نفسه وعن أترك غسان كنفاني يتحدث- 4(قتلهم يمكن

Page 2: رسائل

األمواج إلى صفحة بيضاء كالشاشة، حولوا اآلن صفحة نفوسكم الهائجة-5 تذكروا، أنا لست هنا وفوقها سترتسم كلماته كلسع النار والجليد معا ،

ألرثيه بل ألشهر صوته على الذاكرة كالخنجر. وكل ما سأفعله هو مونتاج ( صغير للذكريات ، وكل ما سأقوله لن يتجاوز ما يقوله معلق)

غير بشري كي يكون محايدا وبشريا أمام شريط من إذاعي يبذل جهدا.المعجزة أحداث له طعم

بماليين األجفان نسدلها كالستائر جفنا لماذا )المونتاج( ؟ ألن الذاكرة عين واحدا ألن المجال ال يتسع بعد اآلخر على ما كان، وسأرفع اليوم جفنا

منها إيقاعا لمزيد . وألن الذاكرة حنجرة بماليين األصوات اخترت لكم واحدا هو صوت المذيع المحايد ، فصوت غسان ليس بحاجة إلى كورس

.الندابات إغريقي من

جيدا. اآلن ترتسم فوق قلت لكم صفحة بيضاء كالشاشة. حدقوا- 6 طفال شقيا مبلال) الشاشة صورة غسان وهو في العاشرة من عمره

(ركض طويال تحت المزاريب بمطر يافا الغزير، بعد أن

ما هو ضمن قوسين وبالحرف األسود منقول هل ذكرت لكم أن كل-حرفيا من رسائله؟

جلده إلى لقد تعمد غسان بمطر يافا ، وحين غادرها كان مطرها قد اخترق.مستحيال األبد وصار من بعض دورته الدموية...وكان النسيان

وسكينه معا ، ويؤمن بهما معا وكان غسان منذ البداية يتقن استعمال قلمه يحب وطنه- إلى . كان صغيرا يوم أدخلوا أخته فايزة – وكان يحبها كما:العمليات غرفة العمليات بسبب والدة عسيرة ، فاقتحم غرفة

ولسون ، ذلك رفعت المشرط في وجه المسكين)) االسكتلندي الطيب الذي كان يجد في. ما لم أجده أنا في

بال شك حين يذكر القصة. كنت أنا على حق نفسي . إنه يضحك إذا ماتت هي رغم كل شيء ، وقلت له :ليمت الطفل ، ولكن

فستموت معها هنا . ورفضت أن أخرج وظللت مثل مجنون فار الزاوية وأنظر إليها مضرجة بالدم تحت مثبتا ظهري إلى

الرعب أصابعه الباردة وحين تنفس الصعداء بعد قرن من أخذت أبكي، وسقط المشرط من يدي ...ولم أرها إال بعد أن

.....((من عمره صار أسامة في الرابعة

من الناحية الثانية مشرط قاطع ، إنه هكذا أرى غسان دائما : رجل قلمه

Page 3: رسائل

في الوقت المناسب ، الرجل الذي ال يحجم عن استعمال السالح المناسب :طرف القلم وطرف المشرط ، وبوسعه

(أن يصنع الحياة بمشرط جارح)

:وبعد أن فقد الوطن

فقدانه هوال̀ تساوت فيه إرادة العيش بشفرة أحس كم كان) ولسون حين كانت المشرط. إنني ال أنسى حدقتي. الدكتور

تسبح فيهما تلك الكرتان الزرقاوان ، كان رجال قادرا على فرط ما شاهد الناس يموتون ببساطة ، ويتركون الفهم من

(.أقل العالم بمالجئ

بقضية ..بيقين.. بهدف..كان منذ وكان غسان يمتلك الملجأ األكبر : الوعي:البداية يعرف )الهدف( الوطن

سأظل أناضل السترجاعه ألنه حقي وماضي. ومستقبلي) شجرة وغيمة وظل وشمس تتوقد وغيوم الوحيد..ألن لي فيه

(القلع تمطر الخصب... وجذور تستعصي على

الوطن بالعمل ، ثم لقد حاولت منذ البدء أن أستبدل) بالعائلة ، ثم بالكلمة، ثم بالعنف، ثم بالمرأة ، وكان دائما

يعوزني االنتساب الحقيقي. ذلك أن االنتساب الذي يهتف بنا شيء في هذا العالم فقم.أعرفته؟ حين نصحو في الصباح: لك

وكان االحتيال يتهاوى ، فقد كنت أريد أرضا ثابتة أقف فوقها ، ونحن نستطيع أن نخدع كل شيء ما عدا أقدامنا ، إننا

بالوقوف على رقائق جليد هشة معلقة ال نستطيع أن نقنعها((بالهواء

وكانت تمر لحظات من األلم الشرس في نفس غسان الفنانة المرهفة،:أن درب االنتماء هي ما تبقى له وكان يعرف

أكتشف ذلك كله كما يستطيع الجريح في الميدان أستطيع أن) الرصاص ، ومع ذلك المتروك أن ينقب في جروحه عن حطام

فهو يخاف أن ينتزع الشظايا كي ال ينبثق النزيف. إنه يعرف الشظية تستطيع أن تكون في فوهة العرق المقطوع مثلما أن

تركها هناك ، وحيدا في تكون سدادة الزجاجة ويعرف أن ولو ....الميدان ، يوازي انتزاعها. فالنهاية قادمة ، ال محالة

كان شاعرا فارسا يمتطي صهوة الصحراء الجاهلية الختار أن يده على كأسه األخيرة ، وعينيه على : يموت رويدا رويدا

(النزيف الشريف

Page 4: رسائل

:ماذا يفعل بالضبط؟ يمشي نحو )الهدف( أي هدف

(كما يؤمن التقي بالله والصوفي بالغيب)

يقعون وهذا النقاء الفذ ، هو مهمازه للوقوف إلى جانب أصدقائه حين- في ورطة. فالشخصية وحدة ال تتجزأ – أو أنها هكذا على األقل لديه- وبعد

حزيران ، ورغم ألمه الفادح للهزيمة ، فإن ذلك لم يلهه عن مد يد حرب عمل مثلي رمت بها األقدار في لندن – باألحرى المساعدة إلى زميلة

من العمل البيروتي ومن رمت هي بنفسها هناك للدراسة- فطردوها ارتكبته قبلها المحبة، وحكمت بالسجن ثالثة أشهر لجرم لم تكن تدري أنها

بعامين) وهو ترك العمل الدمشقي بدون إذن رسمي وهو أمر محظور(الشهادات العالية على حملة

ألمه الكبير وال ينسى المساهمة وها هو في رسالة واحدة يحدثني عن:عمليا في تخفيف ألمي الشخصي

ماذا أقول لك ؟ إنني أنضح مرارة...يعصر لساني الغضب مثلما يعصرون) البرتقال على الروشة( ، ) أنا ال أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما

(قمصانهم يرتق الناس

المربك، فينفحني بجواز سفر لكنه ال ينسى رتق وجعي المادي والعملي جديد لي ينقذني من العودة مرغمة إلى السجن، ويساهم في إيجاد عمل

!أعمل بصيغة كلها فروسية كما لو كان هو بحاجة إلى أن

وطلب مني جادا هام: كان أحمد بهاء الدين عندي اليوم) ورسميا أن أكتب لك رجاءه ورجاء مؤسسته – دار الهالل – بأن

للمصور من لندن رسائل أدبية وفنية وإذا شئت سياسية تكتبي وذات توزيع مرتفع وتدفع بأسلوبك. إن المصور مجلة جادة

أسعارا جيدة –إذا رغبت بذلك ابعثي له رسالة إلى دار الهالل بالقاهرة...إن ذلك في رأيي مرحلة جيدة ومفيدة ، وسيكون

الفلوس إلى لندن أو يفتحون بها االتفاق واضحا يحولون لك(....أيضا حسابا لك في القاهرة- إنه يهديك تحياته

العمل خارج حقل الصحافة ، وكان ووصلت الرسالة بعد أن كنت باشرت طردتني دونما إنذار، القرف يغمرني إثر تجربتي السابقة مع المجلة التي

فتابعت عملي بدل أن أكتب للمصور لكن جواز السفر كان طوق نجاة

Page 5: رسائل

ولمسة حنان أنقذتني من السجن ريثما أعتقني أوائل السبعينات فيما بعد.شملني عفو عام

يسقطون وبمثل هذه بهذه الشفافية كان غسان يساعد رفاقه حينالعالم الكلمات كان يشجع رفاق القلم حين يخذلهم

األمام كالرمح. أنت جديرة بوسعك أن تدخلي إلى التاريخ ورأسك إلى)(بذلك

العاملة، وال يخجل من دعمها علنا . لم يكن ثوريا غسان يحترم المرأة ما يفعله ، وكان االنسجام قائما ال بين فصاميا. كان حقيقيا وأصيال في كل

:وجسده فكره والعالم الخارجي فحسب ، بل بين فكره

التوافق غير البشري بين هل تفهمين؟ إنني رجل مأساتي هي في ذلك) مريض جسدي وعقلي، هكذا قال لي الدكتور ولسون يوما : ولذلك أنت

(بالسكر يا صديقي

الصداقة وغسان حقيقية وحميمة وشاملة، لكن ذلك التوافق كان يجعل لمتاعبنا كنا نفرح لركنه وكنا نحبه كما هو داخل إطاره . وكما كان يأسى

وليلى العائلي الهادئ حيث يكتب ويرسم ويبدع، ونشعر أن ولديه فايز:أننا والرائعة آني من أفراد أسرتنا الكبيرة ، نحن الذين يربطنا

رقاب جالدي (رقابهم نتعاون لنضع نصل الصدق الجارح على).أسرتنا الكبيرة

:من الرفض بدأ غسان ، الرفض الحقيقي الفذ- 8

استطعت أن حياتي جميعها كانت سلسلة من الرفض ولذلك) أعيش. لقد رفضت المدرسة ورفضت الثروة ورفضت الخضوع

(باألشياء ورفضت القبول

االنتماء الواعي العظيم الذي هو تتويج وذلك الرفض كله كان دربا الختيار السطحية لألمور التي للتناقضات السابقة كلها بحيث تنتفي النظرة

النفسية تصورها لنا على أنها تناقضات جوهرية ، وتكتمل لوحة الفسيفساء:على نحو مدهش ، وكما عبر عنه غسان

إنني أتحدث عن وجود أكثر تعقيدا من ذلك وأكثر عمقا. ماذا)

Page 6: رسائل

وكيف أشرح لك األمور ؟ دعيني أقول لك كيف : أقول لك بهذه اللعبة التي أمس كنت أذوtب شمعة فوق زجاجة ، أتلهى

يكون فيها اإلنسان شيئا فوضويا وغامضا من زجاجة وقضيب ذوب الشمع قد كسى جسد الزجاجة بأكمله تقريبا شمع، وكان

دون إرادة مني، ، وفجأة ، سقطت نقطة من الشمع الذائب وتدحرجت بجنون فوق تالل الشمع المتجمد على سطح

ثغرة لم أكن قد الحظتها من قبل ، الزجاجة ، واستقرت في( تلقائه وتجمدت هناك فجعلت ثوب الشمع بأكمله يتماسك من

:الخلفية كان هنالك إنسان يؤمن بأن ولكن األمر لم يكن عشوائيا. ففي وهكذا يستعصي (يمكن قتلهم إال ممن الداخل هنالك رجال ال)

القتل منذ تماسك الداخل كما يستعصي أمثاله على الموت غسان على وقف التنفيذ أو كانوا من نوع الشهداء مع سواء كانوا من نوع الشهداء مع

التنفيذ

وغسان ال يبالي بالموت بقدر ما يعي عبثية الحياة، لكن العبث يقوده إلى:محاولة صنع المصير

األقدار. إن يدا وحشية قد خلطت إن الدنيا عجيبة ، وكذلك) بداياتها األشياء في المساء خلطا رهيبا فجعلت نهايات األمور

والبدايات نهايات...ولكن قولي لي : ماذا يستحق أن ال نخسره العابرة؟ تدركين ما أعني...إننا في نهاية في هذه الحياة

(المطاف ستموت

ولكن غسان عاش لحظات نصر ثورية جميلة، منها زيارته لغزة ولقاؤه:بالمناضلين والناس هناك

وأكاد أقول )محبوب( أكثر مما كنت إنني معروف هنا ،) ألنني أعرف أتوقع ، أكثر بكثير. وهذا شيء في العادة يذلني ،

أنه لن يتاح لي الوقت ألكون عند حسن ظن الناس ، وأنني سأعجز في أن أكون مثلما يتوقعون مني . في كل الحاالت

الدكاكين يكاد طوال النهار والليل أستقبل الناس ، وفي الباعة يعطونني ما أريد مجانا ، وفي كل مكان أذهب إليه

تزيد شعوري ببرودة أطرافي ورأسي وقصر أستقبل بحرارة أكثر من أي رحلتي إلى هؤالء الناس وإلى نفسي . إنني أشعر

وقت مضى في أنا كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض السالح وأنها تنحدر اآلن أمام شروق صفيق وتافه لغياب

شيء الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل أحترمه ، وذلك كله يشعرني بغربة تشبه الموت وبسعادة

وعذاب ، ولكن أيضا بذل من طراز المحتضر بعد طول إيمان(صاعق

Page 7: رسائل

غسان المتواضع الفذ المناضل ) يبدو أنني أكاد أنزلق إلى فخ هذا هو رأسك إلى موضعه يا امرأة وتابعي الكتابة الرثاء الرومانسي. أعيدي

(بحياد

يوم قرأت هذه الكلمات أحسست بشيء يشبه المطر داخل حلقي ، أجل للمرة األولى بالمقاومة بصوت هامس يشبه فمن غسان كنت قد سمعت

رعدا يتنامى في القلوب الصالة ، وكان رائعا أن أسمع عبره صدى الهمس.والسواعد

:ذلك الرجل الذي وجد) الهدف ( ظل فريسة أوجاع جسدية-

الشيطانية ( ) إنني إن النقرس يفتك بي مثل ماليين اإلبر) مريض حقا . ال أريد أن أشعرك بأي قلق علي ) إذا كان ذلك

ولكن الغرفة تدور اآلن ، وكالعادة أحتاج كما أعتقد ( ممكنا (إلى نوم كثير

:والسكري حسنا واآلن لنستعرض أسلوبه في مداواة النقرس

6بالدخان المضغوط ، دخنت حولت صدري إلى زجاجة معبأة) علب وأمضيت النهار التالي أسعل وأدخن وأسعل وأدخن من

، وأمس ليال كان جسدي قد تعب من هذه اللعبة جديد عند بهاء ثم واستسلم أمام عنادي، وهكذا قمت فسهرت

(الصباح اقتادني األصدقاء بعد ذلك إلى الليل ونمت مع طلوع

الموقع كان يعرف أنه ال شفاء لمرضه وإنما مجرد مصالحة معه في : الوسط ، وهو يكره الحلول الوسط

الوسط ؟ في الوسط الذي تعرفين أنني ال ولكن في) أستطيعه(؟

الثاني للمشرط الذي أراد به أن يصنع الحياة هو قلمه وألن الطرف- 10 حقل الكتابة ، ولم يكن الكفاح أقل صعوبة فقد كان نضاله اآلخر التوأم في

:هذا النحو ، وقبل أن تولد مجلته كان يتمزق أحيانا على

في الصحافة كما تسألين عن روايتي ؟ لم أكتب شيئا. أعمل)

Page 8: رسائل

(لمسرحية كان يعمل العبيد العرايا في التجديف . لدي فكرة

!الغيوم – أو بسببها ثم تأتي بعض االنفراجات رغم كثافة

ال مثيل له )مؤتمر الكتاب األفرو عبر هذا االزدحام الذي) التي آسيوي( أنهمك كالمصاب بالصرع في كتابة المسرحية

حدثتك عنها. أسميتها )حكاية الشيء الذي جاء من الفضاء وأمس اقترحت لنفسي عنوانا آخر( . وقابل رجال مفلسا

من )النبي والقبعة( على أساس أن القبعة تستر رأس الرجل الخارج والنبي يستره من الداخل...وما زلت في حيرة ، ولكن

(يرام . ما رأيك؟؟ المسرحية تمشي على ما

غسان الذي كان يقاتل بعيدا عن أرضه من أجل أرضه المستباحة- 11يرسم صورته وحبه الهارب

يقاتل بكل دمائه النبيلة ، معذبا وبعيدا عن جواده وقلعته ،) ناجحا في أن يتجنب التلطيخ بوحل الميدان الشاسع . كان

يعرف أن التراجع موت ، وأن الفرار قدر الكاذبين، إنه فارس ذؤابة رمحه، يعتقد أن الحياة اسبارطي حياته ملتصقة على

يريد أن أكبر من أن تعطيه ، وأنه أكبر من أن يستجدي، ولكنه يعطي بشرف مقاتل الصف األول. ليس لديه ما يفقده ورغم

فقد هذا الشيء الوحيد الذي يعتز به ذلك فهو يعرف أنه إذا(فإنه سيفقد نفسه

روى لي غسان مرة أن والده حشا جرح صديقه بغبار العنكبوت جمعه- 12.ثقوب سور عكا ، قال يومها إن الغبار أوقف النزيف من

فلنأمل بمفعول الغبار؟ ال ...غبار األيام سيترسب فوق الجرح، لكنه مثل جراح روحنا كلها : تلتهب كلما هبت عليها الريح ..ريح الذاكرة سيكون

تراني سقطت أخيرا في )خطيئة الحزن( ؟ حسنا من كان. وريح النسيان!....بحجر منكم بال خطيئة ، فلترمه

غادة

Page 9: رسائل

محاولة تقديم ثانية

قطعناه وفاء لعهد

كنفاني......وكان له وجه طفل وجسد نعم .كان ثمة رجل اسمه غسان من مدرسة عجوز ..عينان من عسل وغمازة جذلة لطفل مشاكس هارب

الببغاوات ، وجسد نحيل هش كالمركب المنخور عليه أن يعاجله بإبر كي ال يتهاوى فجأة تحت ضربات مرض السكري : هدية األنسولين

لم يكن فيه من الخارج ما .....الطفولة لصبي حرم من وطنه دونما ذنب .زجاجي يشبه صورة البطل التقليدية : قامة فارعة...صوت جهوري

.....ألنه كان ببساطة بطال حقيقيا( إلى آخر عدة النضال0ال مباالة بالنساء

الحقيقيون يشبهون الرجال العاديين رقة وحزنا ال نجوم السينما واألبطال غير العادي في غسان كان تلك الروح .....الهوليوودية الملحمية

.....المتحدية

النار الداخلية المشتعلة المصرة على مقاومة كل شيء ، وانتزاع الحياة بين منقار رخ القدر ......نار من شجاعة تتحدى كل شيء حتى من

...الموت

*** ثمة رجل اسمه غسان كنفاني.....جسده المهترئ بالنقرس ال نعم .كان

ولكن حرفه يفعل ذلك بإتقان ...وحين أقرأ ....يرسمه جيدا وال يعبر عنه ويطلع من حروفه كما يطلع ... رسائله بعد عقدين من الزمن أستعيده حيا

ذاكرتي ..ويدخل الجني من القمقم حارا ومرحا صوته الريح..يقرع باب بأصابعه المصفرة بالنيكوتين وأوراقه وإبرة ) أنسولينه( وصخبه

المرح...ويجرني من يدي لنتسكع معا تحت المطر..ونجلس في المقاهي...أيضا األصدقاء...ونتبادل الموت والحياة والفرح بال أقنعة ، والرسائل مع

***

نقية، نعم .كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني...التصق بعيني زمنا كدمعة وانتصب فوق أفقي كقوس قزح...ووفاء لضوء عرفناه معا ، دعوتكم مرة

اإلحتفال بعيد ميالده الذي يتصادف في شهر نيسان في لمشاركتي في ولبيتم ، وها أنا أدعوكم اليوم إلى مهرجان )لحظة حريتي( بمجلة الحوادث...رسائله من األلعاب النارية والنجوم هي

Page 10: رسائل

المتجددة أبدا نحوه ، بل وفاء لرجل والوفاء ليس فقط لعاطفتي الغابرة من أن يسمح له عدوه مبدع من بالدي اكتمل بالموت ألنه كان أكثر صدقا

عربية بالحياة والكتابة واالكتمال بالعطاء ...موت غسان المبكر خسارة على الصعيد الفني ال تعوض ، لم يمهلها العدو وقتا لتأخذ مداها من التأجج

والسطوع...واألجمل من ذلك كله أنه كان مناضال حقيقيا ومات فقيرا .. زمننا الموسخ بالخلط بين الثروة والثورة(...إنه رجل لم )وتلك ظاهرة في

.وال بالغرور وظل يمثل النقاء الثوري الحقيقي يتلوث بالمال وال بالسلطة

*** ثمة رجل اسمه غسان كنفاني...أشعر دائما بالرغبة في إطالقه نعم .كان

العربية...واألسباب كثيرة وعديدة ، وأهمها كرصاصة على ذاكرة النسيان وشهيدا حقيقيا وتكريمه هو في كل بالتأكيد أن غسان كان وطنيا حقيقيا

دون وجل لتحيا لحظة تكريم للرجال األنقياء الذين يمشون إلى موتهم أوطانهم ، ولتخرج )القيم( و)المفاهيم( من صناديق اللغة الرثة، إلى

عظمة الفعل الحي....ال أستطيع االدعاء-دون أن أكذب- أن غسان كان كامرأة كي ال أخون حقيقتي الداخلية مع آخرين أحب رجالي إلى قلبي

وبالنار التي أوقدوها في زمني – سيأتي دور االعتراف بهم – بعد الموت.بينهم وحرفي ...لكنه بالتأكيد كان أحد األنقياء القالئل

***

يتراكم نعم .كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني...ويعز علي أن أرى الغبار فوق وجهه ، والعنكبوت يغزل خيوطه ببطء – ولكن باستمرار – فوق

بالرغم من الجهود المباركة للجنة تكريمه...أخشى أن يغوص حروف اسمه كان يمثله...ال جائزة أدبية باسمه، وال شارع في لجة النسيان هو وكل ما

مخطئة وقليلة االطالع (...وال في مدينة عربية يخلده ) أرجو أن أكون رياض نجيب – مهرجان أدبيا يكرسه... أفرح حين أرى ليوسف الخال هو

الريس – يحمي اسمه من عث النسيان، وأتساءل : أين )جائزة غسان للرواية مثال ؟ أم أن عليه أن يقرع جدران )الخزان( ؟...غسان( كنفاني

فهو طفل األمة العربية كلها وأحد الذين جسدوا ليس ملكا لمنظمة معينة الحبيبة الفلسطينية األخرى ولكن أنبل ما فيها..أفكر به ، وقلبي على

الكنيسة حيث المكفنة بنسيان شبه شامل : سميرة عزام ...منذ غادرت عزيت بها لم أر أحدا من الذين عرفوا وهج إبداعها يحاول بعث ذلك الضوء

في نجمة...لم أسمع بأستاذ جامعي منهم كلف طالبة أو طالبا بإعداد توثق لها وتحفظ ذكراها إال فيما ندر ...واالحتفال بميالد رسالة جامعية عنها

األسبوعية بالحوادث ذات مرة ، وبرسائله اليوم غسان كنفاني في صفحتي ذاكرة النسيان العربية ...ال أريد أن ، هذا االحتفال جزء من االحتجاج على

ويغطيها ببرود الجحود...فقد أرى الثلج يهطل فوق شاهدة قبره وأمثاله وال رقصة التانغو كان وطنيا من نوع فريد...لم يعرف المساومة وال الرياء

...السياسية: خطوة إلى األمام وخطوتان إلى الوراء

***

Page 11: رسائل

ثمة رجل اسمه غسان كنفاني...واألستاذ جهاد فاضل لم يفتر نعم .كان رسائل متبادلة بيننا سأقوم بنشرها دون عليّ حين تحدث ذات يوم عن

سطوره ...على حذف حرف منها...ولم يبح بسر شخصي حين خط العكس، كنت أريد أن يكتب ما كتب، على أمل أن يتصل بي )الشخص(

تزال رسائلي بحوزته...فالذي حدث أن الشهيد غسان قتل الذي ما على أفضل حال ، ولم يحدث ما يستدعي قطع والعالقات الدبلوماسية بيننا

أخرى: رسائله عندي العالقات وسحب الرسائل والسفراء...وبعبارة!!...كلهم ورسائلي عنده كما هي الحال لدى متبادلي الرسائل

رسائلي بحوزته )أو بحوزتها(..نداء وأنتهز الفرصة ألوجه النداء إلى من رسائلنا معا ممكنا كي أشاركهم فيه محبة غسان وأرجوهم جعل حلم نشر

ال تصدر رسائل غسان وحدها حاملة أحد وجوه الحقيقة فقط بدال من وجهيها..وأنا والحق يقال ال أدري أين رسائلي إليه..كل ما أعرفه هو أن

العتيقة لم تعد ملكا ألحد ، وإنما تخص القارئ العربي كجزء تلك الرسائل على لسان مجنوني� حبر، صار أحدهما غبارا من واقعه األدبي والفكري

لمهرجان التراب منذ مضيئا منذ عقدين من الزمن ، وتستعد األخرى تدخل في باب والدتها ...إنها رسائل تدخل في باب الوثائق األدبية أكثر مما

الرسائل الشخصية بعدما ما انقضى أكثر من ربع قرن على كتابتها،.الخاص إلى العام ، باستشهاد صاحبها قبل عشرين سنة فخرجت من

*** أيضا إقالق نعم .كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني...ونشر رسائلنا معا هو

لراحة الرياء ولنزعة التنصل من الصدق ...وهي نزعة تغذيها المقوالت الجاهزة عن )التقاليد الشرقية( المشكوك أصال في صحتها...أنا من شعب

ويزهو بأوسمة األقحوان وشقائق النعمان على صدره يشتعل حبا ، صدقي....وإذا كانت جدتي وحرفه...ولن أدع أحدا يسلبني حقي في

تسعة المسلمة –مثلي- والدة بنت المستكفي قد فتحت خزائن قلبها منذ قرون تقريبا ، فلم أخشى أنا ذلك في زمن المشي فوق سطح

:حقها أن تقول في ابن زيدون القمر ...ولماذا يكون من

الظــــــــالم زيارتــــــي..........فإنــــــــي ترقب إذا جنللسر رأيت الليل أكتم

تلح..........وبالبدر لم يطلع وبي منك ما لو كان بالشمس لموبالنجم لم يسر

فلماذا ال أجرؤ على نشر رسائلي ورسائله دونما تبديل أو تعديل-بغض-..عما جاء فيها أو لم يجيء؟ النظر

مجاملة الزيف وركوعا مني لسطوتها سأنشر للحقيقة سطوة ترفض تحوير ، ألن األلم الذي رسائل زمن الحماقات الجميلة دون تعديل أو

إذا سمحت تسببه آلخرين عابرين مثلي هو أقل من األذى الالحق بالحقيقة لقلمي بمراعاة الخواطر ...والحقيقة وحدها تبقى بعد أعوام حين أتحول

Page 12: رسائل

من العابرين إلى تراب كغسان نفسه...ولذا قدمت هذا االعتبار وسواي حالي يقول : قد ال أريد أن أتذكر كي ال أجرح على أي اعتبار آخر ولسان

...ال أخون ذاتي والحقيقة معا الحاضر، ولكنني ال أستطيع أن أنسى كي

رسائلي إليه فأنشرها ورسائله معا ، أكتفي مؤقتا بنشر وريثما أحصل على� ووفاء لوعد رسائله المتوافرة، بصفتها أعماال أدبية ال رسائل ذاتية أوال

الرسائل بعد موت أحدنا، ولم يدر قطعناه على أنفسنا ذات يوم بنشر هذه الرغبة الكنفانية-السمانية بخلدي يومئذ أنني سأكون األمينة على تنفيذ تلك

المشتركة

*** كنفاني...وكان يعرف أن حبي للحقيقة نعم .كان ثمة رجل يدعى غسان

التي لن تهدأ يوما يفوق أحيانا حتى حبي لذاتي، ومن هنا كانت الحرب بيني وبين المؤسسات المكرسة لرعاية الرياء االجتماعي و)تطييب

خاطره(...وإذا كنت قد جاملتها يوما فبالمقدار الذي يسمح لي بالبقاء على ال أكثر، وعلى طريقة )غاليليو( الذي أعلن أن األرض تدور حول قيد الحياة

ببساطة الحقيقة وبغض النظر عمن تزعزع الشمس وليس العكس-ألنها وهو يهمس )ولكنها ما جذور حياته كشفها –ولكنه عاد وسحب مؤقتا كالمه

...(...تزال تدور

غسان كنفاني فعل رفض للخضوع لزمن الغبار الذي يكاد ونشر رسائل صوب أوكار تزوير المشاعر البشرية يتكدس في الحناجر وعصر التراجع

� إلى حرية ال تؤذي وإذا فعلت فعلى طريقة مبضع الجراح ال الجائعة أبدا خنجر قاتل الظالم

عربية نشرت رسائل حبيبها الشاعر خليل حاوي بعدما حذفت ثمة أديبة لرغبتها لن أذكره( كما شطبت بنفسها بعض اسمها منها ) واحتراما

األرجح...ولم تنج من السطور التي وجدتها محرجة في حق سواها على ال يجب أن اللوم ألنها تجنت على األمانة األدبية ...وأنا أعتقد أن العتاب

مفهوما يوجه إليها ، بل إلى القيم التقليدية السائدة التي تجعل سلوكا كهذا – بل ومدعاة لالحترام- ..والهجوم ال يجوز أن يوجه لألديبة التي نفذت

مجتمعها ، بل لذلك المجتمع المهترىء بالزيف الذي يجد في أكبر تعاليم ...التنصل منه في حجرات السر المظلمة حقائق الحياة عيبا يجب

معاتبة تلك األديبة على مزاجها الشخصي في المقاومة ، وليس من حقنا لعب دور العين التي تقاوم المخرز ...بل وال الطلب من جميع األديبات

السكاكين لتقص أغصان أية شجرة علينا أوال ضرب اليد التي تمتد بأصابعها في غابات تومض فيها شرارات الحقيقة..كي ال تضرم نار عشق الصدق

القلوب المتعطشة إلى حرية الضوء ، التائهة أمام المعادلة المستحيلة:!..نضيء دون أن نحترق؟ كيف

***

Page 13: رسائل

نعم .كان ثمة رجل يدعى غسان كنفاني...وتسديد طعنة إلى )جمعيات الرياء المتحدة( أمر كان سيطرب له غسان ، كما كان سيفرح بإحياء ذكر

يستحق من ذاكرتنا حيزا أكبر من الذي رصدناه له ...ولعل أي شهيد نقي يوما للعهد الذي قطعناه على أنفسنا بنشر ذلك أحد األسباب التي دعتنا

تنفيذه أو أؤجله لو لم أشعر رسائلنا معا وهو عهد ربما كنت سأتملص من.الزمن أن هذه الرسائل خرجت من الخاص إلى العام بمرور

رسائل غسان كنفاني دونما ولكن ثمة عوامل أخرى أيضا تحثني على نشر مناضل في أي تردد ، منها مثال رسم شخصية )الفدائي( من الداخل ....أي

...وطن

بالذات لرسم صورة )المناضل( في صورة ثمة ميل دائم في األدب العربي وتنجيته من التجربة..وفي )السوبرمان( ولتحييده أمام السحر األنثوي

رسائل غسان صورة المناضل من الداخل قبل أن يدخل في سجن األسطورة ويتم تحويله من رجل إلى تمثال في الكواليس المسرحية

....السياسية

الطالع عامة وأدب وهي صورة أعتقد أن بوسعها أن تغني أدب الجيل السياسية المقاومة خاصة وتبعده عن هوة الضوضاء الخطابية المهرجانية

التي يلقى اإلبداع فيها مصرعه بعدما حلت اإلنشائيات والرطانات المزودة بمكبرات الصوت محل دقات القلب .وبهذا المعنى تبدو المدرسية

كنفاني ضرورة للروائيين الشباب....حيث يطلعون لي قراءة رسائل غسان عن أقنعة التزوير .....وأعتقد أن على صورة حية لحياة شهيد حقيقي بعيدا

العكس من ذلك، تساعد ) أنسنة( فكرة الشهيد ال تؤذي القضية ، بل على للذين كل إنسان على اكتشاف العمالق الذي يقطنه مهما بدا لنفسه أو

من حوله مريضا وضعيفا – بالمفاهيم التقليدية- وعاشقا مهزوما كسره� ....ومأله بالزهو واالعتداد أحيانا الحب حينا

� منا يستطيع أن يكون مهما لوطنه إذا سنكتشف في رسائل غسان أن كال النهاية وتخلص من االزدواجية بين المشاعر تبع صوت قلبه بال وجل حتى

الموت مارس ذلك الحب والسلوك قدر اإلمكان، فإذا أحب وطنه حتى....فقط سلوكا ، ال خطبا طنانة على المنابر

بالمعنى العالمي واإلنساني بهذا المقياس أرى كنفاني شهيدا نموذجيا التبتل االستعراضي( )للكلمة ورسائله تجسد هذا النقاء الثوري البعيد عن

...مقنعة والفساد السري، ولعبة الرصانة الديكورية واألقنعة الال

*** للعهد على نشر هذه الرسائل بعد خروجها من الخاص إلى العام الوفاء

التأسيس لنوع أدبي منتشر في الدنيا بكثرة ...بحيث صارت وثيقة أدبية المراسالت غير الرسمية ، مراسالت ويكاد يكون معدوما عندنا هو أدب

األدب العربي . عشق االعتراف : اللون الناقص شبه المفقود في لوحة يدعو إلى الحقيقة...إحياء ذكرى غسان ...اإلعالن عن عاطفة نبيلة تزويرها

Page 14: رسائل

الخجل ال كشفها .تكريم الشهيد .....أهذه وحدها تقف خلف رغبتي فيكنفاني؟؟ نشر رسائل

وهي تكاد تتستر على ها أنا أستجوب نفسي في لحظة صدق وأضبطها عامل نرجسي ال يستهان به : الفخر بحب رجل كهذا أهدى روحه لوطنه

وأنشد لي يوما ما معناه

إن ضيعها سلمت يده ..........موالي وروحي في يده

�( بعاطفة تدغدغ كبرياءها األنثوي ....وأنا وأعتقد أن كل أنثى تزهو )ولو سرا نفسي من ذلك جزئيا!...ولكني في الوقت ذاته بالتأكيد ال أستطيع تبرئة

صورته في األذهان )أو أتساءل : إلى أي مدى تضيف رسائل غسان إلى� إنسانيا تنقصها(؟..وأجد بكل اإلخالص أن هذه الرسائل تمنح صورته بعدا

� يذكر بشخصية طالما أحبها غسان هي شخصية )الدكتور � أخاذا جميال التي أبدعها األديب الروسي )باسترناك( وكان غسان يحبها كثيرا( جيفاكو

حبيبته الرا في الرواية وكانت مستسلمة تركت )قدر كرهي لشخصية يعي ذلك حين طلب مني أن قدرهما يدمرهما معا (. ولعل غسان كان

إنها وجهه .أعاهده على نشر تلك الرسائل ذات يوم بعيد كأنه البارحة..الحقيقي أو أحد وجوهه األصلية

*** نعم .كان ثمة رجل يدعى غسان كنفاني...وأعترف لذكراه أن فكرة إحراق� ، وأنا أنشد مع الجوقة ضد المشي بين القبور هربا الرسائل راودتني مرارا

الذي يدفعه كل من يجرؤ على إقالق راحة الرياء....في ممالك من الثمنوالالوفاء األقنعة

فيها المرء إلى رقعة ملساء ولكن للرسالة سحرا أبيض ال أسود...يتحول...الصدق نقية اسمها الورقة، وتخط الروح فوقها رموز

األشواق إلى تقمص اللغة الرسالة جموح القلب إلى المستحيل،وشهية ال حتى البقاء . والمظروف أحد أكفان لحظات الخلود الصغيرة، حين

يخطر ببال المرء أنه سيتحول من رجل إلى طابع بريد!..ومن عاشق إلى...شهيد

منها أحد )بعضنا يعترف وإلى جانب النرجسية الصغيرة التي ال يخلو وسبق لي وبعضنا يكابر( ، ثمة شعور بالجميل أحمله نحو غسان الصديق

� أن عبرت عنه في حواري مع الدكتور غالي شكري- الذي صد�ر به كتابا� له .عني- منذ خمسة عشر عاما نقديا

يزيده الزمن إال تأججا وسطوعا ....ذات يوم، كنت وهو شعور بالجميل ال بعض )األصدقاء( سكاكينهم وحيدة ومفلسة وطريدة،وحزينة، فشهر

وقف كنفاني بانتظار سقوط )النعجة( – على عادة الدنيا معنا- ....يومها إلى جانبي وشهر صداقته...كنت مكسورة بموت أبي ، ومحكومة بالسجن

Page 15: رسائل

أفخر به، ولكن غسان أنجدني بجواز سفر، ريثما صدر أوائل لذنب....شملني السبعينات عفو عام

*** ثمة رجل يدعى غسان كنفاني..ورسائله تستعصي على التجزئة نعم .كان

منها التي سبق أن نشرتها في المجلة التي –باستثناء المقاطع السياسية� لذكراه في مناسبة ...سابقة أسسها بنفسه-تخليدا

أن أنسى التعبير عن أسفي أما ما تبقى من الرسائل، فأترككم معها دون بيروت (يوم احترق بيتي في1969-1968لحريق بعضها)بعض رسائل عام

.ولو لم أكن قد احتفظت بهذه الرسائل في1976خالل الحرب مطلع عام مصادفة-لذهبت هي أيضا طعمة للنيران...وكل ما أتمناه هو أن أرى –لندن

�..رسائلي ورسائله،حتى تلك التي رسائلنا كلها منشورة معا كما حلمنا يوما!...احترقت

ولعلي كنت حنثت بعهدي لغسان على نشر تلك الرسائل، لو لم أجد فيها أدبية وسيرة ذاتية نادرة الصدق لمبدع عربي ، مع الوطن المستحيل وثيقة

المستحيل...وثيقة ثرية بأدب االعتراف الذي تفتقر إليه مكتبتنا والحب بهذا المعنى تسد نقصا سبقتنا األمم األخرى إلى العربية . والرسائل

األدب مازلنا نتهيب أمام بحاره العطاء في مجاله، وتؤسس لنوع جميل من.لجته ، ومن أجدر من القلب العربي الثري للخوض في

!أموت انشريها ال تتركيني في دفتيها عند كوبي المكسور،حزمة أوراق..........وعمر

م�ـيت� ش� فيهـــــا..........والفتون الذي عليـه احمليهــــا، ماضي شبابك

يت� ق� ش� عنها..........انشريهـا،ال اقرئيهــــــــا،ال تحجبـي الخلد

تتركيني أموت�عمر أبو ريشة

ذائع من سره ما استودعك

ودعـك..........ذائع من سره ما استودعك ودع الصبـر محب

زمانــــــــا أطلعك يا أخـا البدر سناء وسنى.......... حفظ الله قصر الليــل إن يطــــل بعدك ليلي فلكم..........بت أشكو

معكوالدة بنت المستكفي

Page 16: رسائل

لي رسالة غير مؤرخة-ال أذكر التاريخ!....لعلها أول رسالة سطرها

..غادة

أن الكثيرين كتبوا إليك، وأعرف أن الكلمات المكتوبة تخفي عادة أعرف�نزف على الصورة حقيقة األشياء خصوصا �حس وت �عاش..وت إذا كانت ت

الماضيين...ورغم ذلك، فحين الكثيفة النادرة التي عشناها في األسبوعين أستطيع أن أمسكت هذه الورقة ألكتب كنت أعرف أن شيئا واحدا فقط

أقوله وأنا أثق من صدقه وعمقه وكثافته وربما مالصقته التي يخيل إلي.أحبك أنها كانت شيئا محتوما، وستظل كاألقدار التي صنعتنا: إنني اآلن

لحظة واحدة فقط اآلن أحسها عميقة أكثر من أي وقت مضى، وقبل مررت بأقسى ما يمكن لرجل مثلي أن يمر فيه ، وبدت لي تعاساتي كلها مجرد معبر مزيف لهذه التعاسة التي ذقتها في لحظة كبريق النصل في

...الكفيف اللحم

كما قلت لي والتي شعرت بأن اآلن أحسها ، هذه الكلمة التي وسخوها ،.بدوري علي أن أبذل كل ما في طاقة الرجل أن يبذل كي ال أوسخها

تكرهينه – ليس أقل وال أكثر مما إنني أحبك: أحسها اآلن واأللم الذي.دبيب الموت أمقته أنا – ينخر كل عظامي ويزحف في مفاصلي مثل

الجرداء مقابل الستارة التي تقطع أحسها اآلن والشمس تشرق وراء التلة...متطاولة أفق شرفتك إلى شرائح

ليلة أمس، وأنني فوجئت وأنا أنتظر أحسها وأنا أتذكر أنني لم أنم أيضا الدموع ذات يوم الشروق على شرفة بيتي أنني – أنا الذي قاومت

�جلد – أبكي بحرقة.بمرارة لم أعرفها حتى أيام الجوع وزجرتها حين كنت أ الحقيقي ، بملوحة البحار كلها وبغربة كل الموتى الذين ال يستطيعون فعل

� هذا الذي أسمعه أم سلخ السياط أيما شيء ...وتساءلت: أكان نشيجاالداخل؟ وهي تهوي من

أع�ر�ف� منك بالجحيم الذي يطوق ال..أنت تعرفين أنني رجل ال أنسى وأنا أكرهها ، وبالحريق الذي حياتي من كل جانب ، وبالجنة التي ال أستطيع أن

إلى يشتعل في عروقي ، وبالصخرة التي كتب عليّ أن أجرها وتجرني� بأنها حياتي أنا ، وأنها تنسرب حيث ال يدري أحد ...وأنا أعرف منك أيضا

أصابعي أنا ، وبأن حبك يستحق أن يعيش اإلنسان له ، وهو جزيرة من بين

Page 17: رسائل

....موج المحيط الشاسع أن يمر بها دون أن ال يستطيع المنفي� في

� بأنني أحبك إلى حد أستطيع أن أغيب ورغم ذلك فأنا أعرف منك أيضا تشائين ، إذا كنت تعتقدين أن هذا الغياب سيجعلك فيه ، بالصورة التي

� من .حقيقة األشياء أكثر سعادة ، وبأنه سيغير شيئا

أهذا ما أردت أن أقوله لك حين أمسكت الورقة؟ لست أدري..ولكن� أشك في أن أحدا صدقيني يا غادة أنني تعذبت خالل األيام الماضية عذابا

احتماله ، كنت أجلد من الخارج ومن الداخل دونما رحمة وبدت يستطيع� ال مبرر له، وأن الله إنما وضعني لي حياتي كلها تافهة ، واستعجاال

أن يجعل عذابه الطويل بالمصادفة في المكان الخطأ ألنه فشل في البشرية على الممض وغير العادل لهذا الجسد، الذي أحتقر فيه قدرته غير

...الصالبة، ينحني ويموت

تكتب ، وسأحتقر نفسي لو حاولت ذات يوم أن أفعل ، لقد إن قصتنا ال� كاإلعصار الذي ال �فهم ، كالمطر، كالنار، كاألرض المحروثة كان شهرا ي

إلى حد لمت نفسي ذات ليلة التي أعبدها إلى حد الجنون وكنت فخورا بك وضعفي ، حين قلت بيني وبين ذاتي أنك درعي في وجه الناس واألشياء

وكنت أعرف في أعماقي أنني ال أستحقك ليس ألنني ال أستطيع أن .عيني� ولكن ألنني لن أستطيع االحتفاظ بك إلى األبد أعطيك حبات

وكان هذا فقط ما يعذبني ...إنني أعرفك إنسانة رائعة ، وذات عقل ال يصدق وبوسعك أن تعرفي ما أقصد: ال يا غادة لم تكن الغيرة من

أكبر منهم بما ال يقاس ، و لم أكن أخشى منهم اآلخرين.....كنت أحسك .أن يأخذوا منك قالمة ظفرك

الذي لم يكن ليغادرني ، مثل ال يا غادة ....لم يكن إال ذلك الشعور الكئيب�ه هذه ذبابة أطبق عليها صدري ، بأنك ال محالة ستقولين ذات يوم ما قلت

.الليلة

الستارة التي تحوله إلى شرائح وتذكرني بألوف إن الشروق يذهلني ، رغم مجرد شرائح....وأشعر – الحواجز التي تجعل من المستقبل - أمامي

أظل معك ، ال بصفاء ال مثيل له مثل صفاء النهاية ورغم ذلك فأنا أريد أن أريد أن تغيب عني عيناك اللتان أعطتاني ما عجز كل شيء انتزعته في

� يا غادة، هذا العالم من إعطائي . ببساطة ألني أحبك. وأحبك كثيرا�د�مر� الكثير مني إن أفقدك، وأنا أعرف أن غبار األيام سيترسب على وسي

سيكون مثل جروح جسدي: تلتهب الجرح ولكنني أعرف بنفس المقدار أنه .كلما هبت عليها الريح

� وحين تتحدثين عن توزيع االنتصارات يتبادر إلى ذهني أنا ال أريد منك شيئاسبيلها أن كل انتصارات العالم إنما وز�ع�ت من فوق جثث رجال ماتوا في

Page 18: رسائل

� ، وال أريد- بنفس � أن أفقدك أنا ال أريد منك شيئا � أبدا .المقدار- أبدا

ستسافرينها لن تحجبك عني ، لقد بنينا أشياء كثيرة معاً إن المسافة التي�بها المسافات وال أن تهدمها القطيعة ألنها بنيت على ال يمكن ، بعد، أن تغي

.التزعزع أساس من الصدق ال يتطرق إليه

يستحقون أن يكونوا وقود هذا الصدام وال أريد أن أفقد ) الناس( الذين ال هذا ما تريدينه فقولي لي المرو�ع مع الحقائق التي نعيشها...ولكن إذا كان

الصغيرة أن أغيب أنا . ظلي هنا أنت فأنا الذي تعودت أن أحمل حقيبتي ...وأمضي

أعرف أنني أحبك، وسأظل أنزف كلما ولكنني هذه المرة سأمضي وأنا� هبت الريح على األشياء العزيزة التي بنيناها ..معا

غسان

رسالة غبر مؤرخة ، ولكن سياق الكالم فيها يدل على أنها كتبت في بيوم أو اثنين29/11/1966تشرين الثاني )نوفمبر(وقبل القاهرة أواخر

..عزيزتي غادة

ولكنك أمامي ، هذه الصورة الرائعة التي تذكرني : مرهق إلى أقصى حد التحفز التي تعمل في بدني مثلما بأشياء كثيرة عيناك وشفتاك ومالمح

التراجع . سعادة األلم تعمل ضربة على عظم الساق ، حين يبدأ األلم في أفتقدك إلى حد. التي ال نظير لها . أفتقدك يا جهنم ، يا سماء، يا بحر

.الجنون . إلى حد أضع صورتك أمام عيني وأنا أحبس نفسي هنا كي أراك

الداكن. وأمس رأيت كرات ما زلت أنفض عن بذلتي رذاذ الصوف األصفر إنها تبتعث ....صغيرة منها على كتفي فتركتها هناك. لها طعم نادر كالبهار

فحين: الدموع إلى عيني أيتها الشقية. الدموع وأنا أعرف أنني ال أستحقك� أية سعادة أفتقد إذ ال أغلقت الباب وتركتني أمضي عرفت ، عرفت كثيرا

لقد تبقت كرات صغيرة من الصوف األصفر على بذلتي ،. أكون معك بها إلى هنا مثلما يفعل أي عاشق تتشبث بي مثلما أنا بك ، وسافرت

.صغير قادم من الريف ألول مرة

� لن أنسى. كال. فأنا ببساطة أقول لك: لم أعرف أحدا في حياتي مثلك، أبدا

Page 19: رسائل

� ولذلك لن أنساك، � أبدا � . لم أقترب من أحد كما اقتربت منك أبدا أبدا.معك ال...إنك شيء نادر في حياتي. بدأت معك ويبدو لي أنني سأنتهي

ولكنهم سيسفروننا30إلى سأكتب لك أطول وأكثر...لقد أجلوا المؤتمر� ، األحد إلى غزة كي نشترك بمآتم التقسيم. يا للهول ويبدو أنه لن. غدا

6يكون بوسعي أن أعود للقاهرة قبل الرابع . وسأكون في بيروت يوم � األول على أبعد تعديل...إال إذا فررت من المؤتمر وأتيتك كانون ..عد�وا

معه ، بل أجبرني على التعاقدأحمد بهاء الدين حديثك لي خطفه قرأ حين� أيها العفريت ألكتب له مواضيع مماثلة ......قال لي وهو يهز رأسه: أخيرا

�سكت شراستك. سينشر الموضوع في وجدت التي علمت (المصور) من ي� هائلة وتحوز على ثقة الناس أنها توزع في كل البالد العربية أعدادا

..واحترامهم ...ولكنني بالطبع ال أعرف متى

� .فكرت بك.بك.وزعت كتبك وحدك..وأنت ال تحدثت عنك كثيرا مع الماي فير تصدقين..وأنت حين )أعذب نفسي في المساء( موجودة في

..والضحك الناس والهواتف

يوليو .القاهرة فسيكون 26 حاولي أن تكتبي لي: فندق سكارابيه شارع أنك لن أحلى ما يمكن أن يلقاني حين عودتي رسالة منك ألنني أعرف

..تأتين

آه.. يا عزيزةكنفاني غسان

ـــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حوار صحفي : قرأ أحمد بهاء الدين حديثك لي خطفه

وكان يرئس تحريرها يومئذ أحمد بهاء مجلة المصور المصرية : (المصور)الدين

نسخ من كتاب ليل الغرباء حملها معه إلى القاهرة وكان : كتبك وزعت.قبلها بأشهر الكتاب قد صدر

الروشة يجاور بيتي يومئذ كان يحلو لي – مقهى في بيروت : الماي فيرالجلوس فيه أحيانا مع األصدقاء

Page 20: رسائل

كازينو األندلس - غزة

ANDALUS CASINO-GAZA

فندق األندلس - غزة

EL-ANDALUS HOTEL-GAZA

603 فندق قصر البحر – غزة ت

SEA PALACE HOTEL-GAZA TEL603

352 كازينو هويدي – غزة ت

HAWAIDICASINO GAZA TEL352

Gaza 29/11/1966غزة في

غادة

على ضخامتها ، ليست إال أربع طاوالت كل هذه العناوين المسجلة فوق، القارورة الباردة من على شاطئ البحر الحزين ، وأنا ، وأنت، في هذه

يتسلق العزلة والضجر. إنه الصباح، وليلة أمس لم أنم فقد كان الصداع الوسادة كجيوش مهزومة من النمل ، وعلى مائدة الفطور تساءلت: هل

كلهم تافهون أم أن غيابك فقط هو الذي يجعلهم يبدون هكذا؟ صحيح أنهم� إلى هنا أسماء كبيرة وصغيرة، ولكنني تركت مقعدي بينهم : ثم جئنا جميعا

أن أرى مقعدي الفارغ في وجئت أكتب في ناحية، ومن مكاني أستطيع.أنا مكانه المناسب ، موجود بينهم أكثر مما كنت

مما كنت أتوقع ، أكثر بكثير . إنني معروف هنا ، وأكاد أقول )محبوب( أكثر يتاح لي الوقت ألكون وهذا شيء، في العادة ، يذلني، ألنني أعرف بأنه لن

مثلما عند حسن ظن الناس ، وأنني في كل الحاالت سأعجز في أن أكون يتوقعون مني . طوال النهار والليل أستقبل الناس ، وفي الدكاكين يكاد

� وفي كل مكان أذهب إليه أستقبل بحرارة الباعة يعطونني ما أريد مجانا أطرافي ورأسي وقصر رحلتي إلى هؤالء الناس وإلى تزيد شعوري ببرودة

Page 21: رسائل

أن كل قيمة كلماتي كانت في نفسي. إنني أشعر أكثر من أي وقت مضى أمام شروق أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السالح وأنها تنحدر اآلن

الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه ، وذلك يشعرني بغربة تشبه الموت وبسعادة المحتضر بعد طول إيمان كله

.........طراز صاعق وعذاب ، ولكن أيضا بذل من

أفقد ولكنني متأكد من شيء واحد على األقل، هو قيمتك عندي..أنا لم صوابي بك بعد ، ولذلك فأنا الذي أعرف كم أنت أذكى وأنبل وأجمل. لقد

بدني طوال الوقت ، في شفتي، في عيني وفي رأسي. كنت� كنت� في يتذكره اإلنسان كي يعيش ويعود...إن عذابي وشوقي والشيء الرائع الذي

ورؤيتك..وحين أرى لي قدرة لم أعرف مثلها في حياتي على تصورك� أو أسمع كلمة وأعلق عليها بيني وبين نفسي أسمع جوابك في منظرا

� أسمعك تضحكين، أذني ، كأنك واقفة إلى جواري ويدك في يدي . أحيانا� أسمعك � تسبقينني إلى التعليق ، وأنظر إلى وأحيانا ترفضين رأيي وأحيانا

إن كانوا قد لمحوك معي، أتعاون معك على عيون الواقفين أمامي ألرى على رقابهم. إنني أحبك مواجهة كل شيء وأضع معك نصل الصدق الجارح

أيتها الشقية كما لم أعرف الحب في حياتي، ولست أذكر في حياتي سعادة توازي تلك التي غسلتني من غبار وصدأ ثالثين سنة ليلة تركت

.بيروت إلى هنا

بالنسبة لي أكثر بكثير مما أرجوك..دعيني معك. دعيني أراك.إنك تعنين� أعني لك وأنا أعرف ولكن ما العمل؟ إنني أعرف أن العالم ضدنا معا

� في وجهه؟ ولكنني أعرف بأنه ضدنا بصورة متساوية، فلماذا ال نقف معا عن تعذيبي فال أنا وال أنت نستحق أن نسحق على هذه الصورة. أما كفي

بما فيه الكفاية ولست أريد وال أقبل الهروب بعد. أنا فقد أذلني الهروب، وراءك ومعك. ولن يستطيع سأظل، ولو و�ضع أطلس الكون على كتفي�

وسأفقد بعدك ، كل شيء في العالم أن يجعلني أفقدك فقد فقدت قبلك ،.شيء

ولذلك فأنا أطلب حبك( ..أعطيك العالم إن إنني ال أستطيع أن أكرهك) أعرف أنني أحبك وأعرف أنني أعطيتني منه قبولك بي..فأنا، أيتها الشقية،

..األبد إذا فقدتك فقدت أثمن ما لدي� ، وإلى

رسالتي القادمة، فسأغادر سأكتب لك وأنا أعرف أنني قد أصل قبل.غيرك كانون وتأكدي : ال شيء يشوقني5القاهرة يوم

غسان كنفاني

Page 22: رسائل

20/1/1967عزيزتي غادة

..الخير صباح

المكتب ، الساعة الثانية ماذا تريدين أن أقول لك ؟ اآلن وصلت إلى� حتى مثل هذه الساعة إال أمس ودخلت � ، لم أنم أبدا مثلما أدخل كل ظهرا

صباح : أسترق النظر إلى أكوام الرسائل والجرائد والطرود على الطاولة� أنني كأنني ال أريد أن تلحظ األشياء لهفتي وخيبتي. اليوم فقط كنت متيقنا

الماضية كنت أنقب في كوم17رسالة منك ، طوال األيام ال لن أجد في المساء . اليوم فقط نفضت يدي من البريد مرة في الصباح ومرة

لقد كانت رسالتك . األمر كله، ولكن األقدار تعرف كيف تواصل مزاحهادمعت� فوق الكوم كله، وقالت لي: صباح الخير ! أقول لك

في دمشق وأنا وحدي سعيد منذ سافرت� سافرت آني ، وإلى اآلن ما تزال� كل شيء إال ما له � وأكتب دائما � ، غريبٌ أحيانا قيمة ...حين كنت� أحيانا

� على المطار � رهيبا سيحدث بعد ساعات: غيابك وتركي كنت أعرف أن شيئا ، ولكنني لم أقل لك. كنت� سعيدة ومستثارة بصورة ال مثيل لهاللمحرر

.ذهبت� إلى البيت وقلت للمحرر أن كل شيء قد انتهى وحين تركتك

إنني أقول لك كل شيء ألنني أفتقدك. ألنني أكثر من ذلك ) تعبت من الوقوف( بدونك.. ورغم ذلك فقد كان يخيل إلي ذات يوم إنك ستكونين

� حين .تسافرين بعيدة حقا

حارة واحدة واستطعت أن تظلي ولقد آلمتني رسالتك. ضننت علي� بكلمة� أو أكثر دون أن أخطر على بالك، يا للخيبة! ورغم ذلك فها أنا أسبوعا

وتحدثنا عنك الماي فير شربنا نخبك تلك الليلة في عاطف أكتب لك: مع بصمت فيما كان صاحب المطعم ينظر إلينا نظرته إلى التسقية وأكلنا

� شخصين أضاعا .شيئا

�؟ متى ستشعرين أنني أستحقك؟ متى سترجعين؟ متى ستكتبين لي حقا..عينيك إنني انتظرت ، وأنتظر ، وأظل أقول لك : خذيني تحت

غسانـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

.جريدة المحرر البيروتية ، حيث كان غسان يعمل المحرر

.وغسان صديق حميم من أصدقائي عاطف

في الروشة مقهى الماي فير

Page 23: رسائل

الحمص وكنا نذهب آخر الليل للعشاء في مطعم شعبي يعدها فتة التسقية المقاصد ، حتى صار صاحب المطعم يتوقع في ) الطريق الجديدة( قرب

! غبنا حضورنا كل ليلة مع األصدقاء ، ويعاتبنا إذا

24/1/1967

!غادة..يا حياتي

ال ألومك ، لك الحق .....في الدفاع عن توقيتك لرحلة : )كيف تقولين لي واحدة بأن هذا التعيس الذي ينتظرك صيد انتهت؟( كيف تفكرين لحظة

� يفعل ذلك؟ كيف تعتقدين أن � ضائعا ذلك الرجل ، الذي كما ينتظر وطنا سلخت الشوارع قدميه، كالمجنون الطريد ، ينسى أو يوق�ت أو يدافع عن

نفسه أو يهاجم؟ ولكنني أغفر لك ، مثلما فعلت وأفعل وسأظل أفعل . أكثر من أنا وأكثر من أي شيء آخر، ألنني ببساطة أغفر لك ألنك عندي

ألنني أبكي كطفل حين تقولين ذلك ،( )أريدك وأحبك وال أستطيع تعويضك �مطوق� بك ، وأحس بدموعي تمطر في أحشائي ، وأعرف أنني أخيرا

!.بالدفء والشوق وأنني بدونك ال أستحق نفسي

أنت ، بعد، ال تريدين أخذي ، تخافين مني أو من نفسك أو من الناس أو المستقبل لست أدري وال يعنيني. ما يعنيني أنك ال تريدين أخذي ، وأن من

مني ، تحوطني من كل جانب ، كأصابع طفل صغير حول أصابعك قريبة تطلقها وال تمسكها ولكنها تنبض نحلة ملونة : تريدها وتخشاها وال

أكثر وأنت غائبة معها..أعرف أعرف حتى الجنون قيمتك عندي ، أعرفها وأمس رأيت عمارات الروشة ، صدقيني ، عارية مثل أشجار سلخها

في البراري ، تطن عروقها الرفيعة في وجه السماء كأنها الصقيع يحدث معي ألول مرة في عمري التعيس السياط..بدونك ال شيء. وهذا

.كله

� أقول أنني سأخلصك لماذا أنت معي هكذا؟ إنني أفكر بك ليل نهار ، أحيانا� مني ويكون قراري مثل قرار الذي يريد أن يقذف نفسه في الهواء ، أحيانا

� ، أريد أن أدافع وأهاجم أقول أنني سأتجلد، أنني ، كما توحين لي أحيانا� أراك: أدخل إلى بيتك فوق حطام الباب وأضم�ك إلى وأغير أسلوبي، أحيانا

� � ولحما � ، بحجم األبد بين ذراعي حتى تتكونا من جديد، عظما ودما خاصرتك..ولكنني في أعماقي أعرف أن هذا لن يحدث وأنني حين أراك

أمامك مثل قط أليف يرتعش من الخوف...فلماذا أنت معي سأتكوم وإنني ال أعرف ماذا أريد . تعرفين إنني هكذا؟ أنت تعرفين إنني أتعذب

Page 24: رسائل

حائر وإنني غارق في ألف أغار، وأحترق وأشتهي وأتعذب. تعرفين إنني� إلى شوكة برية ..تعرفين..ورغم ذلك فأنت فوق ذلك كله ، تحولينني أحيانا

مجرد تافه آخر ، تصغرين ذلك النبض القاتل الذي يهزني كالقصبة، معك......وبدونك

� تأخذينني على محمل أقل ذكاء مما ينبغي . م�ن� الذي �ه، أيتها أحيانا رأيت شيء الغالية ، في الثامنة والنصف من آخر ليلة كنت فيها في بيروت ؟ إنه

� أتوقف ألقتلع من راحة يدي شوكة في تافه وصغير ولكن يبدو أنني أحيانا دبوس..أال تفهمين أن هذا الذي ينبض داخل قميصي هو رجل حجم نصف

� تعرفين. أنت هائلة في اكتشاف شرقي خارج من علبة الظالم ؟ حتما� ، لذلك )ال !تقولين( ولذلك بالذات تقولين مقتلي لذلك تتهربين مني أحيانا

� ونصنع لنجعل من نفسينا � ، لنضع ذراعينا معا � أكثر بساطة ويسرا � شيئا معا� فوق � بسيطا التعقيدات التي نعيشها وتستنزفنا .. لنحاول ذلك منهما قوسا

وحزنك وقطيعتك. أنت عندي على األقل. أنت عندي أروع من غضبك أغواره شيء يستعصي على النسيان، أنت نبية هذا الظالم الذي أغرقتني

الباردة الموحشة وأنا ال أحبك فقط ولكنني أؤمن بك مثلما كان الفارس يؤمن بكأس النهاية يشربه وهو ينزف حياته، بل ألضعه لك كما الجاهلي

األصيل بالوطن والتقي بالله والصوفي يلي: أؤمن بك كما يؤمن.بالمرأة بالغيب .ال. كما يؤمن الرجل

لم أكن أعرف عنوانك قبل ذلك، كتبت لك منذ أربعة أيام أو أكثر رسالة ، رسالتك وكتبتها يوم وصلت رسالتك إلي� ، بعد خمسة أيام من وصول

فيها قصاصات ) يقولون هذه األيام في بيروت ، وأرسلت لك .. لعاطف عالقة من طرف واحد ، وأنني ساقط وربما أماكن أخرى ، أن عالقتنا هي

حذائك إنني سأتعب ذات يوم من لعق الهورس شو في الخيبة. قيل في البعيد . يقال أنك ال تكترثين بي وأنك حاولت أن تتخلصي مني ولكنني كنت

� كالعلق . يشفقون علي أمامي ويسخرون مني ورائي ، ويقرأون ملحاحا ولكن ذلك كله يظل تحت ما... للشاعر المجنون نماذج لي كما يقرأون

� ، فأنا أحبك بهذه البساطة والمواصلة التي ال يمكن فهمها في أشعره حقا(.التافهين شارع الحمراء ، وال على شفاه

� : يمر على مكتبي ونتحدث عنك ولكنه يشعر بالبرد أرى عاطف أحيانا� من أن أذهب إليه...يسألني عن فيذهب إلى بيته، أما أنا فالبيت أكثر بردا

� لك..إنه شخص مسافر إلى لندن ، أعتقد أنك طلبت منه أن يرسل شيئا� وموجود في كل مكان ، كما تعرفينه ومنذ في صحة جيدة ويضحك دائما

� أسبوع � حوالي ساعتين. وأمس ليال � صامتا � كأسا � ، ذهبنا وشربنا معا تقريبا لي أنه سيكتب لك فقلت له : أما أنا فقد فعلت. ضحك وفال كان هنا وقال

؟ صفحة12:

فالطريق مغلق منذ ذهبت� سافرت آني لدمشق ، وحتى اآلن لم تعد بالثلوج والجو بارد ولكن سيارتي تتقد دائما وعجالتها ال تكف عن سلخ

Page 25: رسائل

اإلسفلت، دونما هدف . الراديو أخرس ما يزال ، والشوفاج فوضى ، إذا انعطفت لليسار والسائقون اآلخرون مستعجلون والزمور ال يصرخ إال

�رت كما كنا نراهم دائما ال أفتح لهم الطريق إال مع شتيمة وليلة أمس غي� تحت المطر قرب المكان الذي غيرت فيه ذات � عجال � صعبا يوم عجال

� بالدموع ال بالمطر :معك ، وحين انتهيت خيل إلي أن وجهي كان مغسوال فقد فتحت باب السيارة وتوقعت أن يسقط رأسك المتكئ على الباب ،

.اليوم كما حدث ذلك

العالم كله. ألم تشتاقي تعالي ، يا أجمل وأذكى وأروع قطة في هذا ؟ ألم تشتاقي الغاضب والعج�انة لماكس والقرد المدهوش والحطاب

لغسان؟

� حين كتبت لك عن � جدا .اآلن تلك األلمانية التي نسيت اسمها كنت آسفا خشيت أن تتصوري أنني أمتع نفسي بطريقة أو بأخرى . ال. لقد كانت

� باردة لكحول عمياء أمام طاولة رجل طريد . إن الحرية ال يمكن أن كأسا� يأتي من الخارج ، وأنا اآلن طليق إلى أبعد حد ، ولكنني حين تكون شيئا

..وترن في صدري ألتفت أسمع أصوات السالسل الغليظة تخش

لحظة ، ليل نهار: في الشمس التي أريد أن أكتب لك ، أن أكتب لك كل البارد والمساء بدأت تشرق بحياء ، تحت سياط الصقيع ، في الصباح

والعتمة، في ضياعي وجنوني وموتي ..) اطمئني : إن صحتي جيدة ، وآخر� � ولكنني لم أنم ، واليوم أتحسن( لم أكتب شيئا � جدا ثالثة أيام كنت مريضا

التجديف ، المحرر كما كان يعمل العبيد العرايا في ، أعمل في في روايتي ال أعرف متى الخاصة األوراق لدي فكرة لمسرحية سترينها في

.أنتظرك سأكتبها..أعرف فقط أنني

مما في توق رجل واحد أن أنتظرك . أنتظرك. أنتظرك. وأفتقدك أكثر� سمائي التي تحدثت عنها " يفتقد امرأة واحدة، وأحبك ، ولن أترك أبدا

أن تفجر الثلج" ، إنني فخور بآثار خطواتنا وال أريد لشيء ، حتى السماء ،.تكنسها

غسان كنفاني� وإلى األبد "بيروت " اآلن وغدا

24/1/1967 ولكن صادف أن كتب في

ـــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عاطف السمرا : لعاطف

أحد مقاهي األدباء في الستينات في بيروت: الهورس شو

� :للشاعر المجنون وجدانية في زاويته الخاصة كان غسان يكتب نصوصا

Page 26: رسائل

كتاب بجريدة المحرر ولعلها لم تجمع بعد في

تماثيل في بيتي: والعج�انة لماكس والقرد المدهوش والحطاب الغاضب ويحاورها وعلى رأسها بومة أسماها كان يطلق غسان عليها األسماء

!..ماكس

!نسي نسي أن يكتب لي عنها ونسي أنه: األلمانية التي نسيت اسمها تلك

.اسم زاوية في جريدة المحرر يومئذ: األوراق الخاصة

31/1/1967بيروت

..عزيزتي غادة

بحركة صغيرة ،. األوراق الخاصة قصاصات من وصلتني رسالتاك ، فيهما والتوهج شحطة واحدة فوق نهايات الحروف أعدت� إلى عالمي المعنى

وجلدني الشوق لك وأسرني ذكاؤك الذي أفتقده بمقدار ما أفتقد كفيك..وكتفيك

� ما أيتها الشقية الحلوة الرائعة ! ماذا � عني ؟ أقول لك همسا تفعلين بعيدا� حتى: ) صفحات الجريدة قلته اليوم لك على أجففه سأترك شعري مبتال

!على شفتيك!( أنني أذوب باالنتظار كقنديل الملح. تعالي

أحس نحوك هذه األيام – أعترف – بشهوة ال مثيل لها . إنني أتقد مثل مغلق من الكبريت وأمام عيني تتساقط النساء كأن أعناقهن بترت كهف

منهن رزمة من السقط محزومة بجدولتك الغاضبة بحاجبيك. كأنك جعلت�( ...وسأظل الطفلة..ال. ليس ثمة إال أنت . )إلى أبدي وأبدك وأبدهم جميعا

أيتها الشقية الرائعة؟ أضبط خطواتي ورائك حتى لو كنت� هواء�.. أتسمعين� حتى لو كنت� هواء�! ولكنني أريدك أكثر من الهواء. أريدك �ما � وع�ل أرضا

Page 27: رسائل

؟ �...أريدك أكثر من ذلك. وأنت� وليال

� كمالو عاطف ليس لدينا أخبار كثيرة هنا . آني عادت فجأة . أرى غالبا ودخل ومع فواجعه و"بوزاته" ..عاطف جاء أمس آرتين وأمس سهرت مع

إلى المكتب غاضبا وتشاجر مع كمال ألنه لم يره منذ فترة ثم سألني : أين� وفتشت عليك في المكتب والبيت كنت يوم السبت؟ غادة أرسلت شخصا

العزيز كنت في البيت وفي المكتب! ال . طوال الليل والنهار! يا عاطف� سأسافر � صباحا إلى القاهرة لحضور مؤتمر نعم . وانتهى األمر هنا . غدا

سيكون الصحفيين العرب وسأعود االثنين أو األحد ...هل سأجدك هنا؟ عنواني هناك : )بواسطة مروان كنفاني ، جامعة الدول العربية ، قسم

� هناك ، أحتاج إلى حروفك(. فلسطين اكتبي لي ، فقد يكون المطر غزيرا!التواقتين لك ألفرش أمامها راحتي�

� على الصحف يوم الجمعة الماضي: " بلى. خبر مهم: أحدهم وزع خبرا غسان كنفاني سيتم في جو عائلي ، خالل األسبوع القادم ، زفاف الزميل

على األديبة المبدعة غادة السمان.." المحررون في الصحف عرفوا فرموا الخبر . في آخر لحظة اتصل بي زميل من صحيفة ما يريد أن يبارك لي

إخباره..ثم أخذ يركض إلى المطبعة فشال السطرين ويعاتبني على عدم وأنا غير مكترث..لم تكن غلطة الذي الهائلين عن الطابعة..مرت العاصفة

� من دس الخبر ولكن غلطة السنوات الخمس التي مرت، ال شيء. مزيدا الذين يقولون: سيتعب ذات يوم من لعق حذائها. مسافر من دمشق جاء

�، وعني األوراق الخاصة قال إن .ليقول لي أن دمشق تتحدث عنك� ،حسنا وتصطدم بالزجاج كأنك ريح صغيرة . ثم نظر تظهر أنك معذب ومهزوم

.حرام : إلي وأنا صامت وأبلغني

أيتها الشقية الحلوة؟ أتخافين مني اكتبي لي..لماذا ال تكتبين؟ لماذا؟ لماذا أم من نفسك أم من صدق حروفك ؟ اكتبي

غسان

ــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان يكتب رسائل وجدانية في زاويته :األوراق الخاصة... صفحات الجريدة إلي في لندن فكتبت له مرة رسالة على هامش "أوراق خاصة" ويرسلها

رسالته

عاطف السمرا: عاطف

كمال طعمة: كمال

Page 28: رسائل

� وكان يحلو لغسان أن يقصد كمال طعمة وهو صديق حميم لنا: آرتين أيضا� بأرتين األسمر !.يلقبه مداعبا

في المحرر ربما لم تجمع أوراق خاصة : عنوان زاوية: األوراق الخاصة1967-1964بعد كتاباته فيها بين حوالي

1/2/1967الخارج تاريخها هذه العبارة سطرها على مظروف الرسالة من

� ينتظرني هناك أدهشني حين وصلت إلى القاهرة أنني لم أجد رجال.. من لندن ويقول : هذه رسالة لك يا سيدي

هذه الغرفة العالية لم أسمع يذهلني أنني حين أرفع سماعة الهاتف في ..على الطرف صوتك

أقول لك : يخيفني أن أرفع رأسي اآلن ، عن هذه الرسالة، فال أجدكالمقابل في المقعد جالسة

ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1/2/1967الخارج تاريخها هذه العبارة سطرها على مظروف الرسالة من

يومئذ  من القاهرة المرحوم سليم اللوزي "وكان غسان وحمل لي الرسالة� باسم مستعار هو ربيع مطر" وقد اختار اللوزي يكتب في الحوادث أحيانا

� وبعد غسان كتب آخرون اسم ربيع ألنه اسم ابنه الوحيد الذي مات صغيرا جمعها. وأحب أن باالسم المستعار نفسه ، وال أظن أن كتاباته هذه تم

ألفت إليها أنظار طالب الجامعات عسى أن يهتم أحد بجمعها في جامعية كما أحب أن أذكر بكتابات غسان في جريدة المحرر أطروحات

خاصة في فترة عمله هناك إلى جانب كتابات البيروتية في زاوية أوراق

Page 29: رسائل

الذي كان يرأس تحريره كنفاني آخر الستينات في ملحق جريدة األنوار فارس وهي كتابات بعضها باسمه وبعضها اآلخر باسم مستعار هو فارس

فندق

كليوباترا

التحرير في قلب القاهرة..ميدان

(خطوط10)70420تليفون

تلغرافيا "كليوتيل" القاهرة

CLEOPATRA

PALACEHOTEL

In the heart of modern Cairo

Tahreer square

Tel . 70420-)10lines(

TEL.ADDRESS-cleotel

1/2/1967 ليل

****!غادة...يلعن عزيزتي

إال لي؟ اليوم في الطائرة قال لي ما الذي حدث؟ تكتبين لكل الناس أنه كمال لم أعد أذكر ، وأمس قال لي ألمية سليم اللوزي أنك كتبت له أو

Page 30: رسائل

فما الذي حدث؟ ال تريدين الكتابة لي؟! تلقى رسالة منك... وآخرين� لما تفعلين: ذلك � بك معلش! ولكن انتبهي جيدا !سيزيدني تعلقا

� وصلت إلى القاهرة ، وفي الظهر مرضت ، ربما ألنني لم أنم اليوم صباحا� ، وربما ألن الطقس تغير فجأة من البرد الخبيث المتسلل : أمس إطالقا

بالذات!( إلى الشمس الصريحة في إلى بيروت ، )إلى قميصي من الجبل ،المؤتمر في الدفء الشتوي الرائع هنا ..وهكذا تخلصت من مسؤولياتي

وقمت بجولة في المقاهي حيث قابلت األصدقاء وتشاجرت مع شقيقي!وعدت، ألكتب لك

يكبر غيابك في صدري بصورة تستعصي على العالج ، يدهشني أنني لم� يقول لي : رسالة لك يا سيدي من لندن أجد في .المطار شخصا

يخفق قلبي كلما دق جرس الهاتف في هذه الغرفة العالية ثم ال أسمع ينادي كالوشوشة: )غهسآن!( أقول لك أيتها الشقية : أخاف أن صوتك

الكرسي المقابل فال أراك هناك! ماذا تراك تفعلين ألتفت هذه اللحظة إلى وفقت في استبدال سذاجته وحدته اآلن؟ أعو�ضت غسانك التعيس؟ هل

جدوى؟ أتعتقدين وضيق أفقه وسخافاته ) واستقامته الطفلة( بشيء أكثر ؟ هل نجحت قطع القمة سقوطهم إلى أنك نجحت في طمري تحت أوراق

؟ هل جف مرج الشوك الحلو؟ الضباب بلندن في تكوين نعش لذكرياتناهل ستعودين؟

لو كنت� معي في هذه الغرفة البعيدة العالية لكان العالم. . لو كنت� هنا� . أتراك تشعرين كم يموت عمرنا دونك ال يستطيع الجدار أن يخبأ شيئا

منفاك� االختياري كم يقتلني خوفك أمام أعيننا؟ أتراك تحسن وأنت في تعتقدين إنك حرامٌ وكم يحز ترددك في أوردتي ؟ ثم ال تكتبين! إذا كنت�

على يدي� فهل حروفك حرام� على عيني�؟ ومع ذلك فسأترك بيادر القش تلتهب في صدري وجسدي حتى يأتي ذات يوم تطفئها فيه راحتاك . أنت.

ألف مرة من أن تكوني أديبة وكاتبة. أنت، األديبة والكاتبة أيتها المرأة قبل!ألف امرأة والذكية التي تجعل منك

� . ال أريد أن أشعرك بأي �( إنني مريض حقا قلق علي� )إن كان ذلك ممكنا إلى نوم كثير...بطاقتك ولكن الغرفة تدور اآلن ، وكالعادة أحتاج كما أعتقد

كانت رائعة، هل قلت لك ذلك في( شو هالبرد )وصلتني إلى بيروت التي� من الرسائل في حجم الرسالة الماضية؟ أريد أن أجد لدى عودتي صندوقا

� أن يحمل لك . شحنة ويسكي ، سمعت (سالم) علبة20أوصيت زميال� بهذا الموضوع، أرجو أن يكونوا قد وصلوا، عاطف يقول إنه تلقى منك طلباوعنك إذا وصلوا ال تنفخي مع دخانهم اعتزازي بك، وبكل شيء لك ومنك

غسان

!.منك أنني سأعود السبت إلى بيروت ، أريد أن أقرأ اليوم األربعاء.. اعتقد

Page 31: رسائل

ـــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زوجة سليم وهما صديقان حميمان لنا أمية اللوزي: ألمية

كمال طعمة، صديق مشترك كان يشاركنا السهر وعاطف السمرا: كمال.من األصدقاء وسواهما

�: المؤتمر المؤتمر السياسي التحاد الصحفيين العرب وكان غسان منتدبا.فلسطين من إحدى المنظمات لتمثيل

.اسم رواية كنت أعمل عليها سقوطهم إلى القمة

شو : كتبت من لندن إلى غسان بطاقة فيها عبارة واحدة( : هالبرد شو)!..هالبرد

نوع من السجائر: (سالم)

فندق كليوباترا

CELOPATRA

PALACE HOTEL

4/2/1967 القاهرة

المسافرة التي ال تتذكر عزيزتي الشقية ، الضائعة ،

� سأكون من جديد � ظهرا في الفراغ الجديد في بيروت، لقد حدثت أمور غدا التي انتدبتني لتمثيل فلسطين هامة هنا منذ وصلت، فقد أبلغتني المنظمة

Page 32: رسائل

فجأة ، وألسباب في المؤتمر السياسي التحاد الصحفيين العرب أنها قررت وجدتني تافهة كما يبدو لم يقدر لي أن أعرفها، أن تقاطع المؤتمر ، وهكذا

� ألن أسقط في المرض فجأة بال عمل ، وجعلني هذا الوضع أكثر استعدادا أترقبه بجزع، وأمس حدث ما كنت أتوقعه : فقد أمضيت معظم الذي كنت

الليلة التي سبقت قد حولت صدري إلى نهاري في الفراش. كنت في وأمضيت النهار التالي علب6زجاجة معبأة بالدخان المضغوط ، دخنت

أسعل وأدخن وأسعل وأدخن من جديد ، وأمس ليال كان جسدي قد تعب من هذه اللعبة واستسلم أمام عنادي، وهكذا قمت فسهرت عند بهاء ثم

� األحد سأعود اقتادني األصدقاء بعد ذلك إلى الليل ونمت في الصباح...وغدا .، إذا لم يطرأ أي جديد

ورغم جميع الذين كانوا عبر ذلك كله جئت� أنتِ ، وكنت معي رغم أنفك العاقل معك والذين كانوا معي ، وفكرت بك بهدوء ، كما يجلس اإلنسان

� أن يربح الجولة بأي ثمن ، وقلت لنفسي : يا ولد ، ليلعب الشطرنج معتزما أصغر من أن تكون دونها وأعجز من أن تغلق الباب . كان أنت

� عن جواده وقلعته ورغم ذلك "الملك" ،على رقعة الشطرنج ، � وبعيدا معذبا في أن يتجنب التلطيخ بوحل فقد كان يقاتل بكل دمائه النبيلة، ناجحا

وأن الفرار الميدان الشاسع وحمأ الهزائم . كان يعرف أن التراجع موت قدر الكذابين. ، إنه فارس اسبارطي حياته ملتصقة على ذؤابة رمحه،

أن الحياة أتفه من أن تعطيه ، وأنه أكبر من أن يستجدي، ولكنه يريد يعتقد بشرف مقاتل الصف األول. ليس لديه ما يفقده ورغم أن يأخذ وأن يعطي

الوحيد الذي يعتز به فإنه سيفقد ذلك فهو يعرف أنه إذا فقد هذا الشيء� ، فكيف نفسه. إنه المقاتل والخصم والميدان والسالح في وقت واحد معا

أيتها يربح وكيف يخسر؟ كيف يكون التقدم وكيف يكون التراجع : هذه هي� رأسه الثقيلة بين كوعيه الشقية لعبة شطرنج ال تنتهي، يظل الالعب حاضنا

يتبادل النظر مع الملك الصامت على الرقعة المزدحمة بخبب السنابك الرجال ،دون أن تستطيع الجياد مغادرة الرقعة المقطعة بأقدار المهزومة

والخيول والملوك الذين يذلهم أنهم لم يولدوا على صهوات خيلهم كما تولد .التوائم السيامية

أستطيع أخذك، وأستطيع أن آخذك بمقدار ما إنني أريدك بمقدار ما ال� ، ترفضين ذلك ، وأنت ترفضين ذلك بمقدار ما تريدين االحتفاظ بنا معا

اختصام دموي مع وأنت وأنا نريد أن نظل معا بمقدار ما يضعنا ذلك في الجبان، العالم.. إنها معادلة رهيبة ، ورغم ذلك فأنا أعرف بأنني لست أنا

ولكنني أعرف بأن شجاعتي هي هزيمتي ، فأنت تحبين ، في�، أنني اآلن أن ال أخسر عالمي ، وحين أخسره سأخسرك، ومع استطعت إلى

.خسرته ذلك فأنا أعرف أنني إذا خسرتك

المتروك أن أستطيع أن أكتشف ذلك كله كما يستطيع الجريح في الميدان ينقب في جروحه عن حطام الرصاص ، ومع ذلك فهو يخاف أن ينتزع

ال ينبثق النزيف. إنه يعرف أن الشظية تستطيع أن تكون في الشظايا كي

Page 33: رسائل

تكون سدادة الزجاجة ويعرف أن تركها فوهة العرق المقطوع مثلما� في الميدان ، يوازي انتزاعها فالنهاية قادمة ، ال محالة...ولو. هناك ، وحيدا

� يمتطي صهوة الصحراء الجاهلية � فارسا � كان شاعرا الختار أن يموت رويدا� : يده على كأسه األخيرة وعينه على النزيف .الشريف رويدا

في وجه الريح: إنني أحبك ! ليقف الفارس في ذلك الخالء األجرد ويصيح الخصب ،أيتها فذلك هو قدره الذي تتوازى فيه الخسارة بالربح . إنك

الجميلة الشقية .. وليس ثمة إال أن أنتظرك في غيابك وفي حضورك . في الشمس وفي المطر ، تحت تطاير الكلمات من شفاهنا وبين التصاقهما.

غير مرئي اسمه االنتظار تنمو على راحتي يدينا وثمة حقول من طحلب من االنتظار تشده أهدابنا إلى حين تمطر فوقهما المصافحة ، هناك جسر

حفرة تكبر كلما عمقت بعضها حين تتبادل النظر . إن االنتظار ، فيما بيننا ، عالقتنا أظافرنا اكتشافها ، إننا ال نستطيع أن نردمها بأي شيء فليس في

ما نستطيع أن نستغني عنه لنخطو إلى بعضنا فوقه .اكتبي أيتها الحلوة تمسكي بهذا الشيء الذي يستطيع أن يكون إلى األبد درعك أكثر . الذكية

مبتكر ) وقصير( أن يفعل. بوسعك أن تقتحمي العالم مما يستطيع أي رداء حصان طروادة ؟ إنني واثق من على منقار صقر فما الذي يعجبك في

العنق فما شيء واحد : بالنسبة لك الحياة ملحمة انتصار تبدأ من فوق ،فلتجعلي همك هناك. لغيرك أن يعتقد أن حياته لها قمة هي

بوسعك أن تدخلي إلى التاريخ ورأسك إلى األمام كالرمح ، . الكتفان من هو أكثر منك جدارة . اط�رحي مرة كالرمح. أنت جديرة بذلك وليس

وركبتيك فتكسبي مرة وإلى وإلى األبد حيرتك األنثوية المغيظة بين رأسك الصاعق األبد رأسك ورؤوس اآلخرين وعظمة أنوثتك وجمالها األخاذ

المفعم بالكبرياء . إنني أحبك كما لم أفعل في حياتي ، أجرؤ على القول يفعل أي إنسان وسأظل. أشعر أن تسعة شهور معك ستظل كما لم

أريدك. أنتظرك وسأظل أريدك وأنتظرك، . تمطر فوق حياتي إلى األبد ولون عيني� وإذا بدلك شيء ما في لندن ، ونسيت ذات يوم اسمي

فسيكون ذلك مواز لفقدان وطن. وكما صار في المرة األولى سيصير في الثانية : سأظل أناضل السترجاعه ألنه حقي وماضي� ومستقبلي المرة

وغيمة وظل وشمس تتوقد وغيوم تمطر الوحيد. ألن لي فيه شجرة.القلع الخصب وجذور تستعصي على

� اكتبي لي . هذه اللحظة وقولي : سأظل معك وسنظل معا

غسان

1967/نيسان3بيروت

Page 34: رسائل

!يا غادة

يؤخرني عن الجواب إال ذلك الغرق المخيف تلقيت رسائلك جميعا، ولم األفرو آسيوي الذي عقد هنا في أشغال ال نهاية لها توجها مؤتمر الكتاب

اسمك في خالل األسبوع الماضي وشغلني من الفجر إلى النجر..كان�اب الذين يمثلون سوريا وكنت أقرؤه كل يوم ، وأقول مثلما قائمة الكت

� قلت� في !إحدى رسائلك: إن ما يدور مفجع حقا

االزدحام الذي ال مثيل له أنهمك كالمصاب بالصرع في كتابة وعبر هذا في السيارة ذات يوم ، ذات ليلة..إنني المسرحية التي تحدثنا عنها

اإللهيتين في تلك الليلة أستشعر وأنا أكتبها طعم صوتك وبريق عينيك� � ) أواه كم كان ذلك نادرا �!( وأحس النادرة التي كناها معا � وقصيرا ومفاجئا

كفيك على جبيني المحروق تستحثني مثلما يستحث المهماز خاصرة"� � مفلسا األصيلة . أسميتها "حكاية الشيء الذي جاء من الفضاء وقابل رجال

� آخر: "النبي والقبعة" على أساس أن القبعة وأمس اقترحت لنفسي عنوانا الخارج والنبي� يستره من الداخل..ومازلت في تستر رأس الرجل من

!إنني أكتبها لك . حيرة ، ولكن المسرحية تمشي على ما يرام

ورسائلي "المفجعة" ..أجل ، أيتها الشقية، أنا لنعد إلى رسائلك الرائعة مريعة. آخر ليلة .كنت� مثلما غاضب ومهرق ومطعون..كنت� تلك الليلة

� معي وكنت� سعيدة وكان هو ولكنك لم تكوني معي، وحدي أردتك دائما� ما زلت أحس نزيفه إلى حد زلزلني صوتك الضاحك وفتح في رئتي� جرحا

يبلل قميصي: لقد عملت� في المكتب مثل كلب الهث ، ألغيت، ألول مرة حياتي ، دعوة كنت وجهتها لصديق مسافر في اليوم التالي وركضت في

: ال إن ذلك ال .يحتمل إليك�

غسان ويأتي توقيعك في وأمس فقط وصلتني رسالتك التي يقول أولها أبغض : آخرها وبين هذين القلبين السياميين فراغ ثقيل يملؤه البياض

� . أن . وفكرت أن أمأل ذلك الفراغ. أن أكتب عنك لنفسي شيئا األلوان إلي� على هذا السؤال الذي طرحته ورقتك البيضاء في وجهي: مالذي أجيب

سأكتب "أنا لك" ولكن ذلك – حتى ذلك- لم يكن :أريد أن تقوله لي؟ قلت أريد ماذا؟ وعدت فقرأت.." يكفي . قلت سأكتب : " أحبك وأريد أن

� وأنا أرتجف ..آه يا غادة..أيتها الشقية التي لم ترتطم إال رسائلك جميعا !بالشقي�

� بجريمة لم دونك أنا في عبث . أعترف لك مثلما يعترف المحكوم أخيرا.لنفسه نهاية ال يريدها يرتكبها وهو في طوق المشنقة ، كي يبرر

� حين أنا أعرف أنك لن تعودي إلى هنا . كنت أعرف ذلك منذ البدء ، تماما، بذكائك الذي يخونك حين تكذبين ، تقولين لي كم سيكون مستقبل كنت�

� ...وكنت� أبكي بتلك الدموع المرو�عة �رى( مرتين: )عالقتنا مستقرا التي ال ت

Page 35: رسائل

�ين !برأسي مرة ألنك ستمضين ومرة ألنك تشك

راكمته لندن فوق وجهي ؟ وكيف حالك اآلن؟ كم صار س�مك الغبار الذي أن أشفى أما أنت� فقد دخلت إلى عروقي وانتهى األمر ، إنه لمن الصعب

.منك

�ك ولؤمك ثقل المسؤولية . لقد كانت رسائلك رائعة وحادة حم�لني عذاب باالقتناع : إنني أريدك وأحبك والشعور بالذنب ولكن ذلك لم يكن له عالقة

بأي طالء أو وأشتهيك وأحترمك وأقدس حرفك.. ولست أقبل تلوين ذلك� عن إعطاء أكثر مما أعطيت وضعه في صيغ التحفظ . ال. لست عاجزا

- التي كنت عاجزة عن األخذ . كنت تحسبين نبضي ولكنك � –أنت� دائما اللغريتمات ، كنت تختارين مني أسوأ ما في� وتمزجينه ونبضك على جدول

� توقعت� منه أن مع ما اخترت� من أسوأ تجاربك، وكانت الحصيلة قزما� إلى غرفة أنت فيها بمالبس النوم مع رجل آخر ، عشية يدخل فرحا

� ليس أنا..ووجدت� في اندفاعي غيابك،! لقد قتلت� في� الرجل لتعبدي وهما !فرصتك لتري� كيف تستطيعين تعذيبي

1967/نيسان3بيروت

!غادة يا

إال ذلك الغرق المخيف تلقيت رسائلك جميعا، ولم يؤخرني عن الجواب عقد هنا في أشغال ال نهاية لها توجها مؤتمر الكتاب األفرو آسيوي الذي

خالل األسبوع الماضي وشغلني من الفجر إلى النجر..كان اسمك في�اب الذين يمثلون سوريا وكنت أقرؤه كل يوم ، وأقول مثلما قائمة الكت

� قلت� في إحدى رسائلك: إن ما !يدور مفجع حقا

له أنهمك كالمصاب بالصرع في كتابة وعبر هذا االزدحام الذي ال مثيل ذات ليلة..إنني المسرحية التي تحدثنا عنها في السيارة ذات يوم ،

أستشعر وأنا أكتبها طعم صوتك وبريق عينيك اإللهيتين في تلك الليلة�!( وأحس � وقصيرا � ومفاجئا � ) أواه كم كان ذلك نادرا النادرة التي كناها معا

على جبيني المحروق تستحثني مثلما يستحث المهماز خاصرة كفيك�" األصيلة . أسميتها "حكاية � مفلسا الشيء الذي جاء من الفضاء وقابل رجال

� آخر النبي والقبعة" على أساس أن القبعة: "وأمس اقترحت لنفسي عنوانا الداخل..ومازلت في تستر رأس الرجل من الخارج والنبي� يستره من

!لك حيرة ، ولكن المسرحية تمشي على ما يرام . إنني أكتبها

Page 36: رسائل

أجل ، أيتها الشقية، أنا" ..لنعد إلى رسائلك الرائعة ورسائلي "المفجعة كنت� مثلما .غاضب ومهرق ومطعون..كنت� تلك الليلة مريعة. آخر ليلة

� معي وكنت� سعيدة وكان هو معي، وحدي ولكنك لم تكوني أردتك دائما� ما زلت أحس نزيفه إلى حد زلزلني صوتك الضاحك وفتح في رئتي� جرحا

عملت� في المكتب مثل كلب الهث ، ألغيت، ألول مرة يبلل قميصي: لقد مسافر في اليوم التالي وركضت في حياتي ، دعوة كنت وجهتها لصديق

: ال إن ذلك ال يحتمل .إليك�

وأمس فقط وصلتني رسالتك التي يقول أولها غسان ويأتي توقيعك في وبين هذين القلبين السياميين فراغ ثقيل يملؤه البياض : أبغض آخرها

� . أن األلوان إلي�. وفكرت أن أمأل ذلك الفراغ. أن أكتب عنك لنفسي شيئا ورقتك البيضاء في وجهي: مالذي أجيب على هذا السؤال الذي طرحته

حتى ذلك- لم يكن – أريد أن تقوله لي؟ قلت :سأكتب "أنا لك" ولكن ذلك يكفي . قلت سأكتب : " أحبك وأريد أن.." أريد ماذا؟ وعدت فقرأت

� وأنا أرتجف ..آه يا غادة..أيتها الشقية التي لم ترتطم إال رسائلك جميعا !بالشقي�

� بجريمة لم دونك أنا في عبث . أعترف لك مثلما يعترف المحكوم أخيرا.يريدها يرتكبها وهو في طوق المشنقة ، كي يبرر لنفسه نهاية ال

� حين أنا أعرف أنك لن تعودي إلى هنا . كنت أعرف ذلك منذ البدء ، تماما، بذكائك الذي يخونك حين تكذبين ، تقولين لي كم سيكون مستقبل كنت�

� ...وكنت� أبكي بتلك الدموع المرو�عة )التي ال �رى( مرتين: عالقتنا مستقرا ت�ين برأسي !مرة ألنك ستمضين ومرة ألنك تشك

وجهي ؟ وكيف حالك اآلن؟ كم صار س�مك الغبار الذي راكمته لندن فوق أما أنت� فقد دخلت إلى عروقي وانتهى األمر ، إنه لمن الصعب أن أشفى

.منك

�ك ولؤمك ثقل المسؤولية لقد كانت رسائلك رائعة وحادة . حم�لني عذاب إنني أريدك وأحبك : والشعور بالذنب ولكن ذلك لم يكن له عالقة باالقتناع

وأشتهيك وأحترمك وأقدس حرفك.. ولست أقبل تلوين ذلك بأي طالء أو� عن إعطاء أكثر مما أعطيت وضعه في صيغ التحفظ . ال. لست عاجزا

� –أنت� التي كنت عاجزة عن األخذ . كنت تحسبين نبضي- ولكنك دائما تختارين مني أسوأ ما في� وتمزجينه ونبضك على جدول اللغريتمات ، كنت

� توقعت� منه أن مع ما اخترت� من أسوأ تجاربك، وكانت الحصيلة قزما� إلى غرفة أنت فيها بمالبس النوم مع رجل آخر ، عشية يدخل فرحا

� ليس أنا..ووجدت� في اندفاعي غيابك،! لقد قتلت� في� الرجل لتعبدي وهما !كيف تستطيعين تعذيبي فرصتك لتري�

حدث : لم أصدق قط أنك ضد أخذ العالقة إلى وكان عليك أن تتوقعي ما

Page 37: رسائل

وقد عرفت� ذلك. إذن ما الذي مداها . أنت امرأة حقيقية حتى كعب حذائك� من الذل؟ أمور أكثر كان يرغمك على بناء جدار الجليد ؟ رجل آخر؟ مزيدا

� ؟ لماذا لم تعتقدي لحظة أنني قد آخذ من هذه االتهامات � تعقيدا متراسا أصد به الرماح التي كانت تنال من رجولتي ورغم ذلك: انظري ما الذي

�عناه انظري ! عام كامل من المشي على الزجاج المطحون لماذا؟ من! ضي أتصرف ؟ هاك دواء يصلح للتحنيط، ضعيه في المسؤول؟ كيف تريدين أن

في غرفة لك، ال أعرف عروقي واجعلي مني شطرين أسند رف كتب تافه!من فيها

أن روعة عالقتنا كانت في أنها لم تكن؟إنني ال أصدق تريدين أن تقولي لي أقيس جسدي بصيغ التهرب والخذالن ، . ولست أريد أن أصدق. إنني ال

� وإلى األبد أنك أهنت� في� ما أعتز به أكثر مما كتبت وأقول لك: اليوم وغدا.وأكتب وسأكتب

� يبدو أننا سنتشاجر مرة أخرى..ولكن أرجوك يا غادة. اجلسي لنفسك قليال� ، كان الصمت أكثر من الكالم. كان واستعيدي ما فعلته � كامال بي عاما

أكثر من الحقيقة . كان الرفض أكثر من البعد أكثر من القرب. كان الوهم� في األيام القبول. كان التحايل أفظع من المواجهة...لقد حرصت� مثال

� لم تفكري األخيرة على المطالبة بأسطواناتك بانتظام وبإصرار، ولكنك أبدا بكم أحتاج آللة التصوير وألسطواناتي..وسافرت� دون أن تكترثي! إنها

. لو �. لو عدلت� � أكبر من مجرد هذه األشياء : لو فكرت� قليال تلخص شيئا�ه لي وما كنته لك ...لو عرفت أنني أعدت� بينك وبين نفسك تقييم ما كنت

� !عندك ولك في عام كامل كنت� دائما

قيمتي اآلن دونك وما نفع هذا الضياع يا حبيبتي الشقية..ما الذي يبقى ؟ ما أن نستسلم : للعالقة أو ونفع هذه الغربة؟ لم يكن أمامنا منذ البدء إال

يريدانه..لقد للبتر، ولكننا اخترنا العالقة بإصرار إنسانين يعرفان ما استسلمنا للعالقة بصورتها الفاجعة والحلوة ومصيرها المعتم والمضيء

� في سبيل غيري ، لم أكن أريد وتبادلنا خطأ الجبن: أما أنا فقد كنت جبانا بالفضاء بطفلين وامرأة لم يسيئوا إلي� قط مثلما طو�ح بي العالم أن أطو�ح

�، أما أنت فقد كان ما يهمك هو نفسك فقط.. القاسي قبل عشرين عاما� على مصير غيري، وقد أدى االرتطام كنت خائفة على مصيرك وكنت� خائفا

� لو إلى الفجيعة ال هي عالقة وال هي بتر ..أتعتقدين أننا كنا أكثر عذابا!ال استسلمنا للقطيعة أو لو استسلمنا للعالقة؟

الشجاع" لحقيقة األشياء ...تحدثت� أما أنا فأريد العالقة . ذلك " االستسالم أينها؟ في العالقة أم البتر؟ أنت� عن " أكثر الميتات كرامة" ..هل تقولين

� بحق الشياطين !قولي شيئا

سأظل أكتب لك. سأظل .وسأظل أحبك. وستظلين بعيدة..وستظل قدمي وشهدت سيارتك النبع رأس باتجاه مكبح السيارة كلما مررت في تنتفض

Page 38: رسائل

. وليس "كلماتك" كما واقفة هناك على الرصيف ..أنت� تسكنين في� .أنت� كتبت لي.أنت�

لك�..غسان كنفاني

هام: كان أحمد بهاء الدين عندي اليوم وطلب مني جادا ورسميا أن أكتب رجاءه ورجاء مؤسسته – دار الهالل – بأن تكتبي للمصور من لندن لك

وإذا شئت سياسية بأسلوبك. إن المصور مجلة جادة رسائل أدبية وفنية إذا رغبت بذلك ابعثي له رسالة –وذات توزيع مرتفع وتدفع أسعارا جيدة

جيدة ومفيدة ، إلى دار الهالل بالقاهرة...إن ذلك في رأيي مرحلة وسيكون االتفاق واضحا يحولون لك الفلوس إلى لندن أو يفتحون بها

لك في القاهرة- إنه يهديك تحياته أيضا حسابا

ــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحد أصدقائي ، وصل من دمشق فجأة ، فسهرت معه عشية: وكان هوتضايق من حضوره سفري ومع غسان الذي

حيث بيت عاطف السمرا الذي استودعته سيارتي حين : رأس النبع.سافرت

..غادة

يتعين علي� أن أكتب لك..لقد أرسلت لك رسالة مطولة لست أعرف ماذا� ، وأنا أشعر منذ أسبوع ، ومع ذلك فرسائلك تقول أنك لم تتسلمي شيئا

، � أو أن نبضي لك قد بالذنب، وأخشى أن تعتقدي للحظة أنني ألعب دورا أيتها أخذ يخفق في فراغ، أو أنه صمت ، أو أنه اتجه نحو مرفأ آخر: دونك

الغالية ال شيء وال أحد ..وغيابك – ليكن من يكن الذي سيختاره – لن.بعدك مستحيل. دونك ال شيء ولكن غيرك غير ممكن.. يعوض

في جلدي، وأحسك مثلما أحس فلسطين : ضياعها كارثة بال أي أنت لحمي ودمي ، وغيابها دموع تستحيل معها بديل ، وحبي شيء في صلب

.لعبة االحتيال

لقد وقع األمر ، وال فرار..العذاب معك له طعم غير طعم العذاب دونك ،.ولكنه ، عذاب جارح ، صهوة تستعصي على الترويض

Page 39: رسائل

� لن يرتقها � أعرف أن شيئا أنا ال. إنني أكره ما يذكرني بك ، ألنه ينكأ جراحا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...ويا لكثرة

ع األشياء التي تذكرني بك : الشعر األسود حين يلو�ح وراء أي منعطف يمز� السود ما تزال تجرحني....السيارات ، الشوارع ، جلدي ، النظارات

عيونهم بصماتك ، المقاعد ، األكل ، الناس ، األصدقاء الذين تركت� على ذلك ، كله..هو أنت ، الكتب ، الرسائل ، المكتب ، البيت ، الهاتف ، كل

في وقبله : أذكرك طالما أنا أنا..وحين أنظر إلى كفي� أحسك تسيلين أعصابي..وحين تمطر أذكرك ، وحين ترعد أسأل: من معها؟ وحين أرى

� أقول : هي تشرب؟ ثم ماذا؟ كأسا

� لقد صرت عذابي ، وكتب علي� أن ألجأ � أو مرغما مرتين إلى المنفى ، هاربا� في صدره : على الفرار من أقرب األشياء إلى الرجل وأكثرها تجذرا

.الوطن والحب

أناضل من أجل أن أسترد األرض فقولي لي: أنتِ أيتها وإذا كان علي� أنكوابيسي التي ال تحتمل ..كيف أستردك؟ الجنية التي تحيك، كل ليلة ،

دون أن أغمض عيني� ودون أن أرتجف : إنني أنام إلى جوارك أقول لك ، لهاثك وأسبح في بحر العتمة مع جسدك كل ليلة، وأتحسس لحمك وأسمع

يا غادة يا غادة يا : وصوتك وروحك ورأس�ك ، وأقول وأنا على عتبة نشيج...غادة

.عيني� وأغمض

الليل وحين أكتب ليس ثمة قارئ غيرك ، وحين أقود سيارتي في تعب� أتحدث إليك ساعات من الجنون ، أتشاجر ، أضحك ، أشتم وحيدا

.ثم أقف : أحتويك وأقبلك وأنتشي السائقين ، أسرع ،

جنون ولكنني أعرف قبل أي إنسان آخر أن وجودك معي إنني على عتبة�صلح في- جنون آخر له طعم اللذة ، ولكنه ألنك أنت� ، التي ال يمكن أن ت

!الموت قالب أريده أنا- جنون تنتهي حافته إلى

السماعة..لم يكن ثمة أحد يتكلم أمس رن الهاتف في المنزل ، ورفعتغادة؟: على الطرف اآلخر وهمست، بعد لحظة ، بصوت جبان

�ة وفاتنة وموهوبة..وبسهولة تستطيعين أن وهذا كله ال يهمك ..أنت صبي تصعدين إلى ما تدرجي اسمي في قائمة التافهين ، وتدوسي عليه وأنت

!التعيسة تريدين..ولكنني أقبل ..إنني أقبل حتى هذه النهاية

؟ إنني أنضح مرارة..يعصر لساني الغضب مثلما يعصرون ماذا أقول لك�

Page 40: رسائل

أبعد عن البرتقال على الروشة ، ال أستطيع أن أنسى ، وال أستطيع أن� ، يشهد الله كم هو كبير ، لتجعلينني وريدي شفرة الخيبة التي بذلت� جهدا

!أجترعها بال هوادة

ماذا أكتب.ال أعرف إلى أين سأنتهي. واآلن – ال أعرف ماذا أريد . ال أعرف� – أنا مشوش إلى حد العمى : إن النقرس يفتك بي مثل ماليين خصوصا

األقل ، شيء اإلبر الشيطانية. أشفقي علي� أيتها الشقية ...فذلك، على.يقال

: نتحادث في الهاتف..أما أنا فليس لدي قرش أستطيع أن أصرفه ، قلت�� على عذاب ال أحتمله. لقد تقو�ض هذا الشيء الذي وأن أصرفه خصوصا

�، ولكنه ك كثيرا حدث: كنته ، وأنا حطام ، وأعرف أن ذلك شيء ال يسر�.عنوان القصة

؟ أجل حازم ، من نوع أكثر صميمية : إنني أكثر شجاعة منه في وجهحازم.المعذ ¾�ب ، ولكنني أقل منه شجاعة في وجه الحب العدو

إنني أعطيك بطل قصة ، مخلوق جدير بالتفحص في أنبوب� ، ولم اختبار ..وسأكون � لو عرفت� كيف تكتبين عن رجل أحبك حقا سعيدا

يكترث بأيما شيء في سبيلك ... دون يخطئ معك ، وظل يحترمك ، ولم� إال "آذان اآلخرين .واالغتراب والصمت" أن تمنحيه بالمقابل شيئا

!ال

ال تتحدثي معي بالهاتف..اكتبي لي كثيرا ..أنا أحب رسائلك إلى حد� وذات يوم سأعطيها لك..إنها- أيتها التقديس ، وسأحتفظ بها جميعا

� الشقية- أجمل ما ..كتبت� وأكثرها صدقا

السابقة أنهم يريدونك لتكتبي للمصور من كنت� قلت� لك في رسالتي.الدين لندن..حاولي أن تفعلي ، واكتبي ألحمد بهاء

: اكتبي لي . أرجوك�

كنفاني غسان

ـــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

.أحد أبطال قصص كتابي ليل الغرباء: حازم

Page 41: رسائل

بطاقة بريدية من السودان

1968مارس17

السمان األخت غادة

مجلة الحوادث

بيروت

لبنان

� رغم كل القيظ الذي كيلو من 3 ال ينقصني إال! شو هالبرد : هنا أردد دائما أنتظرها كما ينتظر العطشان...أذكرك، واخترت هذه البطاقة بدقة الوزن

..جميعا ألنني أعرف كم تحبين الموسيقا وكم أغتاظ منها.....تحياتي لكم

غسان

ـــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

.بطاقة بريدية في العبارة التي سبق أن كتبتها له: شو هالبرد

�3كان يريدني أن أضيف : الوزن كيلو من 3 كيلو غرام إلى وزني خوفا!..صحتي ، وحتى اليوم لم أفعل على

البريدية يظهر عليها موسيقي سوداني وبيده آلة تعقيب...البطاقةخلفه آثار أحراش وأشجار موسيقية لعلها الكمان ...وتبدو من

Page 42: رسائل

/8/1968

..غادة عزيزتي

سليم أخذت عنوانك من في نفس اليوم الذي تلقيت فيه رسالتك كنت قد�، ولكن حين قرأت اسم وعزمت في العنوان كريس على الكتابة لك مطوال

.انتابني شيء غامض، واكتفيت بأن أكتب لك ، عن عنواني

اليباس. مثلك ال نزلت علي� رسالتك كما المطر على أرض اعتصرها .شيء . مكانك ال يمأل، كلماتك وحدها التي لها صوت يغطس إلى أعماقي

� أمامي، أشتاقك، أعذب نفسي بأن أحاول نسيانك فأغرسك أراك دائما� أكثر في تربة صارت كالحقول التي يزرعون فيها الحشيش : ال تقبل زرعا

� للشمس . أقول لك : غيره إال "عباد الشمس" ، وأنا لن أنهي حياتي عبادا الوحيد الذي أخفق له . هل إنني أشتهيك ، وال أستحي ألنك صرت الشيء

جبلت في سأراك حين تعودين؟ أم تفضلين الكفر بتلك الساعات التي لحمنا حتى القرار ؟

إنني أحبك بصورة أكبر من أن أخفيها وأعمق من أن( مأساتي )ومأساتك� يا للمأساة التي لن تنتهي! أقول تطمريها. أتراك في نفس المكان؟ إذا

� ، إن حياتنا أصغر من أن نهدرها لك: تعالي ، ودعينا نهدم الجدران جميعا!في الشطارة .أعترف

! وهاأنذا متروك هنا ، كشيء

تركتك تذهبين؟ كيف

شراع في بحر التيه على حفنة كيف لم تطبق كفاي عليك مثلما يطبقريح؟

� زورقنا الواحد كيف لم أذوبك في حبري ؟ كيف لم أجعل من لهاثينا معاالحقيقي؟ إلى نبض الحياة

في عمري دون أن تتركا كيف ذهبت دون أن أحس بك ؟ كيف مرت عيناك على وجهي بصماتهما ؟ كيف لم أتمسك بك ؟ كيف تركتك – يا هوائي

وخبزي ونهاري الضحوك- تمضين؟

Page 43: رسائل

العبث، من بحر أيتها المرأة الطليقة ، يا من قبلك لم أكن وبعدك لست إال� ، وفوق راحتيك � سرابا عينيك سقيت ضياعي جرعة الماء التي كانت دائما

.تعرفت� إلى مرساتي ووسادتي وليلي

أيتها المرأة التي مثلك ال يرى، أيها الشعر الذي رف تحت ! يا طليقة في رحم الريح ، أيتها العينان اللتان جفني مثل جناحي عصفور ولد

طليقة : كيف انخلعت هكذا تمطران خبز القلب وملح السهوب الجديبة ، يا عني ؟ كيف شلت مرساتك من عشبي وتركت بحري ؟ بعد�ك ليس إال

.الخواء، دونك لست إال قطرة مطر ضائعة في سيل

معك حقيقة عمري. ضعت فيك إلى حد لم أصدق أنه قد تمضين، عشت ولكنك –ذات صباح- غبت� ، كما لو أن شروقك كان ذلك مثل المستحيل ،

!في جبيني لم يكن

:وورقة على حافة الفجيعة

، وما زلت أحسك بين ذراعي . راقبت المصعد يهبط ، غادرت لتوك" � سأراك ألودعك ، ولكن ذلك الضوء ينطفئ ، خطواتك تختفي. وغدا

� ، إال إذا تصرفنا بحذاقة غير إنسانية...هل أقول لك : إلى سيكون مرعبا� ما قد اللقاء؟ إنها كلمة ليست شخصية بصورة كافية ، تبدو وكأن شخصا

استعملها قبل لحظة وتركها مرمية هناك. الشيء الوحيد الذي أستطيع أن.."أقوله

...أيتها الطليقة

عبث. الكلمات كلها علكت من قبل أناس آخرين ، ولكن وقع يدك� ذلك كله� والدة لشيء رائع ومتوهج ، مثل ومضة لهب ، كان على جبيني كان دائما

� وال � وشخصيا � خاصا � شيئا .يعوض دائما

� من الكلمات عبث أيتها السحابة التي أمطرت على جفافي موسما� الكلمة الجديدة البكر التي لم الخصب ، ولكن في عينيك كانت توجد دائما� تصدأ من كثرة ما تناقلتها الشفاه . كانت تولد في قبضة الصمت نبضا

� يلتمع .بالدهشة عبقريا

� لغتي التي ال يفهمها أحد ، وراء التعويذات الكلمات عبث ، وأنت كنت دائما� � وأصواتا ، لقد كان شعرك� مطري، التي اخترعها أجدادنا وسموها حروفا

كان. وراحتك وسادتي ، وذراعك جسري ، وعيناك بحري، وشفتاك كأسي انتظارك عمري ، وحضورك والدتي وغيابك ضياعي.. وها أنت تذهبين مثلما

� : تحييه لحظة ، ثم تعيده إلى الغيب تعبر ريح � مهجورا ...الصباح شباكا

كيف تركتك تذهبين؟ ما الذي سأفعله بعدك؟ أي أرض ستخصب بعدك؟

Page 44: رسائل

سيدخل إلى جفافي ويباسي ريح الصبح؟ وأي شباك

عمري. ندمك وندمي. لقد نسفنا بأيدينا الشجرة الوحيدة سأعلك الندم ، ولم يبق أمامنا إال أن نكمل الشوط في التي صادفناها في رحلة عمرينا

� لسعادة قيظ الوحدة التي ال ترحم . أنت وأنا اعتقدنا أن في العمر متسعا الرجل ، أخرى ، ولكننا مخطئون ، المرأة توجد مرة واحدة في عمر

وكذلك الرجل في عمر المرأة ، وعدا ذلك ليس إال محاوالت التعويض ،.النسيان والندم راقة فوق راقة بذل

أبرعنا في التزوير، أكثرنا قدرة على الغوص في بحر إن أسعدنا هو� - ال أريد أن أنسى . ليس - األقنعة. ننسى؟ ذلك مستحيل ، وأنا أيضا

لمجرد أنك ذهبت ، بوسعي أن أطمر الزهرة الوحيدة في عمري هكذا ، .وأن أملي في أن ألقاك هو مثل أملي في أن ألقى طفولتي

ال أعرفها، والتي كان علي فيا أيتها الطليقة التي حملها جناحاها إلى أرض السماء منذ البدء أن أعرف بأنها ، مثل العصافير، ستضرب في فراغ

وجاذبية المدى الذي ال يحده حد ، لست أطمع منك بالعودة . لقد رف� يشبه خفق القلب، جناحاك في زنزانتي وتركا في هوائها الساكن شيئا

.وتركاها تغطس في وحدتها المرة زرعا في صمتها خفقة طليقة

بالعودة، فالعصافير ال تسكن أعشاشها مرتين، وحين لست أطمع منك..أنك لن تعودي نفضت عن ريشك كسل القرار عرفت أنا

أربط نفسي إليك مثلما ربط السندباد ولكن كيف تركتك تذهبين؟ كيف لمنفسه إلى ريش الرخ؟

ومائي خبزي يا ، الطليقة أيتها عندي، في ليس � وبعيدا ، الندم إال وهوائي،للشجرة بذرة توجد القادمة قراره

.بلى

يوم. ترانا – يومذاك- سنكسر من حول جلودنا سأراك مرة أخرى ، ذات النادرة في حياتنا، كي ال نظل يراقات النسيان التي سنبنيها فوق اللحظات

صرعى الخذالن؟

� إن العمر خديعة ، يا طليقة، وإال كيف يمكن أن يكون عمري معك عمرا� �، وكيف يمكن – بعد هذين العمرين –أن أراك مرة وعمري دونك عمرا أيضا

لماذا ال؟ أخرى وتكونين أنت وأكون أنا ؟

اخترعه البشر في رحلتهم ماذا أقول لك؟ إن النسيان هو أحسن دواء جناحي المريرة ، ومع ذلك فأنا لن أنساك. أنت تخفقين في رأسي مثل

Page 45: رسائل

عصفور طليق، أمام بصري ينتثر ريش الطائر الذي حط وطار ، مثل لمح...البصر

انتظار طويل، يخفق في بدني وها أنذا، متروك هنا كشيء ، على رصيف لم تعرفا منذ توق ألراك، وندم ألنني تركتك تذهبين. أشرع كفي� اللتين

.تركت ، غير الظمأ

..تعالي : وأقول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سليم اللوزي : سليم

في لندن ، وكنت كرستوفر ، صديق بريطاني من أصدقائي : كريسمشردة تلك الفترة فتكرم بإعارتي عنوانه البريدي

الرسالة نشر غسان بعضها في هذه : ! ...وهاأنذا متروك هنا ، كشيء بعضها اآلخر بخط ملحق األنوار األسبوعي الذي كان يرأس تحريره ، وكتب

يده على هامش الجزء المنشور. وفي تونس، كتب األستاذ عبد الرحمن يقول: أحب أن أذكر23/9/1990مجيد الربيعي في جريدة الصدى بتاريخ

� لتحرير أن المرحوم غسان كنفاني عمل في أواخر الستينات رئيسا اللبنانية وكان يكتب صفحة أسبوعية الملحق األسبوعي لجريدة األنوار

العالمي بل يكتب عن فيها. صفحة ال يحلل الوضع السياسي العربي أو خفق قلبه ووجدانه وكل أصدقائه كانوا يعرفون أن تلك الصفحات كانت� سيما وأن هناك لجنة مهتمة لغادة وعنها ، فلماذا ال تنشر في كتاب أيضا

� ؟ كما كان غسان يكتب زاوية لنقد الكتب الجديدة بنشر تراثه كامال الكتابات لم تر النور كذلك ويجب أن ويوقعها باسم فارس فارس ، هذه

.يحصل لها ذلك

�28/12/1966صباح يوم منهكا،� أيقظني قرع على الباب . كان غسان واقفا� : إنها لك. كتبتها لك� ، ولكنني � ، وناولني هذه الرسالة قائال خاطبت وغاضبا

أختي فايزة فيها لغضبي منك . وتركها بين يدي ومضى..وكانت رسالة بدأ وختمها برسالة أخرى بعد27/12/1966في الليلة السابقة ، ليل كتابتها

.28/12/1966 طلوع فجر

Page 46: رسائل

بحاجة إلى أن أخلو إلى نفسي بعد صعقني ما ورد فيها فقد كنت ليلتها غسان إلى هذا سهرة مع بعض األصدقاء ولم يخطر ببالي أن ذلك سيزلزل

المدى ..أم تراه خطر ببالي وتعمدته في الالوعي ؟ أم تراني كنت أريده� إلى � أن يقضي سهرته مع أسرته ولذا اقترحت عليه الذهاب مبكرا حقا

أهتف له ألضمن ذهابه مما أثار شكوكه ؟ هل تعمدت هناك ووعدته بأن� إثارة شكه؟ ما زلت حتى اليوم ال � أنني كنت دائما أدري ، ولكنني أذكر جيدا

.استقاللية كياني حريصة على كيانه العائلي بقدر حرصي على

27/12/1966بيروت

..عزيزتي فائزة

ولكنني أعود، أنبع فجأة ، وأنت تقولين لنفسك: ها إنني أغيب عنك سنوات تغضبين وتحزنين وتقولين إنك تفتقدينني هو الطفل يعود. كنت� فيما سبق

� لذلك الطفل الغريب �، المغلوب على ولكنك استسلمت أخيرا األطوار دائما�، الباحث عن ملجأ دائم..تستطيعين اآلن بعد ثالثين سنة ، أن أمره دائما

تطمئني لشيء واحد هو أنني سأظل أعود ، فقد كتب علي كما يبدو أن� في أعماقي ، إن الشيء الذي انكسر في� حين كنت في أظل مهزوما

� أوفى الناس لشيء اسمه التعاسة العاشرة لم يلتئم ، وقد ظللت دائما ربما ألنك بعيدة عني وألنك وسوء الحظ. وها أنذا أعود مرة أخرى لك ،

..معك وفيك ولك الجزيرة التي لم تعد لي وألنك ال تستطيعين أن تأخذيني

الماضية ؟ ما الذي حدث، بالضبط، ما الذي حدث خالل السنين الطويلة رفعت المشرط منذ اقتحمت عليك غرفة العمليات ؟ هل تذكرين ؟ يوم

في وجه المسكين ولسون ، ذلك االسكتلندي الطيب الذي كان يجد في� ما أجده أنا نفسي ، إنه يضحك بال شك حين يذكر القصة. كنت أنا على لم

له : ليمت الطفل ، ولكن إذا ماتت هي حق رغم كل شيء ، وقلت� فستموت معها هنا . ورفضت أن أخرج وظللت مثل مجنون فار مثبتا

ظهري إلى الزاوية وأنظر إليك مضرجة بالدم تحت أصابعه الباردة وحين تنفس الصعداء بعد قرن من الرعب أخذت أبكي ، وسقط المشرط من

�رك يدي...ولم أرك إال بعد أن صار أسامة في الرابعة من عمره..لماذا أذك ألنني أشعر كم كنت على حق.. إن اآلن بهذا الشيء الذي مضى؟ ربما

Page 47: رسائل

وهكذا سيظل ، وكل اإلنسان ليس إال مخترع مالجئ ، هكذا كان وهكذا هو� داخل ما عدا ذلك هراء في هراء، وأقول اآلن : كنت� أحس ملجأي عميقا

�، النبوة، وكنت أحس كم تلك الغريزة التي كنت� تسمينها ، حين كنت� طفال� تساوت فيه إرادة العيش بشفرة المشرط. إنني ال أنسى كان فقدانه هوال

ولسون حين كانت تسبح فيهما تلك الكرتان الزرقاوان ، حدقتي الدكتور� على الفهم من � قادرا فرط ما شاهد الناس يموتون ببساطة كان رجال

.أنك� ملجأي ويتركون وراءهم العالم بمالجئ أقل ، وكان يعرف

� بمطر يافا وها أنذا أعود يا فائزة مثلما كنت � مبلال � شقيا أعود إليك طفال تقولي لي: " كنت تسير تحت الغزير وتستطيعين بنفس الصوت القديم أن

يا فائزة تحت المزاريب، أنا أعرف كم تبلغ بك الشقاوة.." تحت المزاريب المزاريب..إنني أعطيك رأسي بعد أكثر من عشرين سنة لتجففيه مرة

� من الداخل ، أعطيك رأسي ، أنا الشقي أخرى رغم أنني أحسه مبتال شيء إال يديك..وبالضبط ألنهما على بعد ألف المسكين ، فلم يتبق ثمة

.ميل

ما الذي حدث منذ ولد أسامة عبر ذلك المخاض الصعب الرهيب؟

متقاطعتين منذ بالنسبة لي ما تزال دفتا الباب األبيض تروحان وتجيئان خرجت منهما..هل تغير أيما شيء ؟ ما الذي حدث؟ أي جنون يمأل هذا

العالم؟ هل رأيت الدكتور ولسون مرة أخرى وتحدثتما عن جنوني؟ هل يسمع عني بين الفينة واألخرى ؟ أما أنا فقد حدث يعرفني أسامة ؟ هل

.وحده سيحطمني ذات يوم : الحب لي ذلك الشيء الذي قلت لي مرة أنه

معنا كما كنت تفعلين منذ زمن ، لنظرت إلي� في لو كنت هنا ، وجلست عشت عمري أنتظر أن أرى لحظة مسترقة وهززت رأسك موافقة. لقد

من رأسك تلك الحركة .حين جلسنا مع جاكلين في بحمدون قبل سبع سنوات انتهزت� أول فرصة ورفعت� أمام عيني حاجبيك كأنك تقولين " ال،

عبر حاجبيك وراحت جاكلين وراحت منى، وراحت كوكب" ليست هي� يقوالن " ال "..وجاءت هي . قولي لي .إنها هي اللذين كانا دائما

� هذا هو الشيء الذي كنت تنتظرينه يا فائزة وراء ظهري ، دون أن أخيرا كنت� صادقة أعرف ..هذا هو الشيء الذي وحده يستطيع أن يحطمني . كم

�.. أتذكرين يوم جئت إليك أقول إن جاكلين سافرت؟ قلت وكم كنت� غبيا على مائدة الفطور : إن شراستك كلها إنما هي إلخفاء قلب هش ، ال لي

يوم ستصل أصابع امرأة ما إليه وستطحنه..وإذ حدود لهشاشته، ذات!وحدي تجيء يومها إلي� سأفهمك

� ، إنني ها أنذا أجيء فكافئيني بأن تفهميني ، ليس بوسعك أن تنصحي أحدا� واحدة في هذا الجسد الذي كان أتمزق وليس بوسعك أن تجدي ، بعد، أذنا

� متأخرين . متأخرين. متأخرين. أفهمت� كل شيء له آذان، إننا نجيء دائما.اآلن يا فائزة؟ متأخرين

Page 48: رسائل

المرتفع في حياتي وأنظر إليها قاحلة مليئة بالشوك أقف اآلن على هذا وبرودة المستقبل دونما نهاية..ويبدو والتوحد وتمتد في برودة الماضي

عمرك كله ما هو أنني أحاول أن أستبدل الوطن بالمرأة ، أعرفت في أبشع من هذه الصفقة وأكثر منها استحالة؟ ولكن هذا ما يحدث، وأستطيع� أعمى إلى هذه أن أكشفه بوضوح اآلن كأن كل ما حدث لم يكن إال اقتيادا

حاولت منذ البدء أن أستبدل الوطن بالعمل، ثم بالعائلة ، ثم النهاية . لقد� يعوزني االنتساب الحقيقي ، بالكلمة ، ثم بالعنف ، ثم بالمرأة ، وكان دائما

حين نصحو في الصباح : " لك شيء في هذا ذلك االنتساب الذي يهتف بنا� ثابتة أقف العالم فقم" أعرفته؟ وكان االحتيال يتهاوى، فقد كنت أريد أرضا

إننا ال نستطيع فوقها ، ونحن نستطيع أن نخدع كل شيء ما عدا أقدامنا، أن نقنعها بالوقوف على رقائق جليد هشة معلقة بالهواء ، واآلن: كنت

أمشي على رقع الجليد تلك ، وليس كل ما كتبته وكل ما قلته في حياتي .تهشمها تحت الخطوات الطريدة كلها إال صوت

حدث، ؟ تزوجت فجأة ، أنت ال تعرفين لماذا بالطبع مرة أخرى ، ما الذي� ، لم وقد فجأك الخبر مثلما فجأ والدي، ولكنه لم يستطع أن يفعل شيئا

رغم أنفه ، ولم يكن يكن يستطيع أن يحرمني من ثروته بعد أن حرم منها يكن يستطيع أن يمنعني من ولوج بيته بعد أن امتنعت من تلقاء نفسي ولم

ليستطيع استنزال غضب السماء علي� فلدي� من غضبها ما يفيض عن حاجة� يعرف لماذا وكيف، ولكنني كنت أعرف ، .. رجل واحد ولم يكن هو أيضا

.البشرية الوحيدة : كنت أخترع ملجأ كنت أمارس تلك الفضيلة

� ، في � ومرغما االنزالق على لقد جاءت آني حين كنت قد شرعت ، مختارا هضبة الوحل المغرية والجذابة ، وفي ذات الصباح الذي قررت في مسائه

أتزوجها كنت على وشك االتفاق مع امرأة نصف ثرية نصف جميلة أن� . كانت تلك المرأة نصف ونصف تحبني ونصف شابة على أن نعيش معا

أقبل الرحلة كلها فيما الطريق إلى السقوط وأردت أن أجعلها محطتي كي مثلما تجيء بعد إلى قرار القاع السحيق والمنسي� . وجاءت آني ذلك اليوم

رسالة البشرى من مكان قصي� مجهول فجعلتها ملجأي للفرار في واحدة ومضات النبو�ة التي تبرق في ضمير كل إنسان على ظهر هذه األرض. من

� أقول لك اآلن : كانت .فرارا

واحتجت إلى خمس سنوات كبيرة. كانت يا فائزة بعيدة عني في كل شيء� خاللها في ردم الهوة المفتوحة بيننا، وارتكبت مرة أخرى أظل مشغوال

.بطفلين خطأ االحتيال : فحين عجزت عن ردمها كما ينبغي ردمتها

� للقيم التي أحترمها والتي أورثني ولكنني رغم كل شيء ظللت مخلصا أصر على إياها إقطاع جدي المؤمن بالفضائل حين خسر أراضيه ولكنه

كسب أخالقه ، وكنت أعرف في أعماقي أن الشراع المطوي في أعماقي� ، وبقسوة السكين سيمتلئ برياح الغربة من جديد ولكنني ظللت صامدا

سبيلها ، كانت وما تزال امرأة رائعة ، ربما تخليت عن حياتي السابقة في

Page 49: رسائل

برضى ال حدود له ، أن أقدم الشيء الوحيد في هذا الكون الذي أستطيع .لها حياتي إذا ما تعرضت لخطر الغياب

وحدنا : هل أنت سعيد أقول لك ذلك اآلن رغم أنك سألتني ذات يوم وكنا� : ال . إن الحب شيء وعالقتي بها � وصادقا شيء معها ؟ فقلت لك حاسما

.آخر ، وهي تعرف

.غادة ثم جاءت

� في جاءت ؟ال، إن الكلمة األصح هي : عادت. لقد كانت موجودة دائما في ممرات أعماقي .أنا ال أتحدث عن الفترة التي كنت أراها فيها عابرة

� من ذلك الجامعة قبل عشر سنوات ، ال. إنني أتحدث عن وجود أكثر تعقيدا� . ماذا أقول لك وكيف أشرح لك األمور؟ دعيني أقول لك وأكثر عمقا

شمعة فوق زجاجة، أتلهى بهذه اللعبة التي يكو�ن كيف: أمس كنت أذو�ب� � وغامضا � فوضويا من زجاجة وقضيب شمع، وكان ذوب فيها اإلنسان شيئا

� ، وفجأة سقطت نقطة من الشمع قد كسى جسد الزجاجة بأكمله تقريبا الشمع الذائب دون إرادة مني وتدحرجت بجنون فوق تالل الشمع المتجمد

سطح الزجاجة واستقرت في ثغرة لم أكن قد الحظتها من قبل على.بأكمله يتماسك من تلقائه وتجمدت هناك فجعلت ثوب الشمع

عرفت قابلتها أول مرة أي وصف آخر له. ومنذ هذا ما حدث، ولست أجد في أعماقي كل الذي سيحدث ، على األقل من جهتي . ورغم ذلك فقد

مثل الذي يدخل إلى حقل من الرمال المتحركة ال يعرف فيما إذا كان كنت .يقطع الطريق إلى األمام عليه أن يعود أو أن

�رت . أنا نفسي لم أصدق وال عمري اآلن سبعة شهور، ولن تصدقي كم تغي.قتلهم إال من الداخل أصدق ، ويبدو أن هناك رجال ال يمكن

تردم الهوة بينها لقد عذبها الكثيرون في حياتها وهي وحيدة وال تستطيع أن هاتف وبين العالم إال بالرجال ، )في الواقع ال أؤمن بهذا. وقد قاله لي

!مجهول قبل أسبوع( ألم أردمها أنا بطفلين

لنحاول كرة أخرى: إنها تحبني وتخشى إذا ما اندفعت نحوي أن أتركها مثلما يحدث في جميع العالقات السخيفة بين الناس ، وتخشى إذا ما

مداها الطبيعي أن نخسر بعضنا . ولكن يا فائزة هذا ذهبت في عالقتنا إلى عواطف امرأة أمام رجل يحبها كالم كتب وأطباء ومدرسي حساب وليس

..وتحبه

ثالثة : إنها تحبني إلى حد ال تريد فيه أن تقو�ض حياتي . ولكن لنحاول مرةهروبها لن يفعل؟ من الذي قال لها أن

ربما أكثر مما ينبغي . وأفسر كالمها مثلما يا فائزة. إنني أثق بذكائها ،

Page 50: رسائل

� أنها أمام الناس تحاول إذاللي . يفعل الباحث في المختبر. يخيل لي أحيانا ولكن لماذا؟ ما الذي!( إن ذلك ال يغضبني ) نعم فقد وصلت إلى هذا الحد

� ما إلى تمزيق إنسان آخر يحبه بهذه القوة ؟ أمس قالت لي يدفع إنسانا أمام صديق : إن أي رجل في هذا العالم لن يدخل بيتي إال هو، ألنه أخ

تتحدث عن صديقي( لماذا؟ ما هو ذلك الشيء الرهيب الذي يدفع ) وكانتالكالم للرجل الذي تحبه أمام صديقه؟ امرأة بأن تقول هذا

فائزة. ولكنني ليل نهار ، لحظة وراء األخرى ، أفكر في ذلك لست أدري يا� أنظر إلى عينيها وأقول لنفسي: كله وأعيش وأتعذب فيه ومن أجله..أحيانا

لها إذاللك على هذه الصورة ، ينبغي أن تكره هذه المرأة التي يروق قرار في لحظة ولكنني ال أستطيع . كنت فيما سبق أستطيع أن أصل إلى!تعاستي حين أقول هذا الكالم لنفسي ..أما اآلن فأنت� لن تدركين

� وحشية قد خلطت األشياء في إن الدنيا عجيبة ، وكذلك األقدار . إن يدا� فجعلت نهايات األمور بداياتها � رهيبا والبدايات نهايات.. ولكن السماء خلطا

تدركين ما قولي لي : ماذا يستحق أن نخسره في هذه الحياة العابرة؟.أعني . إننا في نهاية المطاف سنموت

وأنا لم أكتب لك ذلك كله ألطلب نصيحة، أستطيع اآلن أن ألقي محاضرة هذا الموضوع ..ولست أدعي أنني أعرف كيف ستنتهي األمور ، حول

� على أن أقول لنفسي وأنا أودعها أمام باب ولكنني ذات يوم سأكون قادرا أن تتيح لي لحظة االقتراب منها : " لقد ماتت". وعندها سأبكي، بيتها دون

أنكسر لشهر أو شهرين، وسيظل قلبي يقرع كلما وقد أرتكب حماقة، وقد مثلما يقرع قلب المرء حين يصادف أقرأ عنها أو أراها أو أسمع أخبارها

�، وأقول لك ما هو أبشع : قد أنزلق وأتحطم � لن أقبل شبحا � أبدا ولكنني أبدا� يثبت � لها ، أرى بعيني� المكسورتين رجال أنه يحبها وتحبه. أن أكون صديقا

فلن أتحمل هذا الهراء . إنني - كما قلت لك مرة – أفضل الموت عن� ال يستطيع أن يحبها كما فعلت ، وعلى األقل من أجل األسر.إن أحدا

� أن أقبل الزيف الحقيقة فسأرفض .دائما

اآلن ، وتحت األيام تدور أيتها العزيزة، تدور وتدور مثلما تدور رأسي... غبارها التافه يأمل اإلنسان أن ينسى . أتذكرين يوم روى لنا والدي

المسكين كيف حشا جرح صديقه بغبار العنكبوت جمعه من ثقوب سور!الغبار أوقف النزيف ..يا لله كم كان يقرأ الغيب عكا ؟ قال لنا يومها أن

.ربما تسمعين ذات يوم أنني كففت عن حبها ، أقول لك اآلن : ال تصدقي إنني أحبها بطريقة ال يمكن أن تذوي، كتبت لها ما لم أكتبه في حياتي

�. إن ومعها ومن أجلها تحد�يت العالم والناس ونفسي وتفوقت عليهم جميعا� من هذا المستوى ال تقبله المرأة ولكنه مع األسف يستطيع رجل ما أن حبا

ملجأ هذه المرة فلنأمل يحمله وهو يعرف هذه الحقيقة. ال فرار وال .بمفعول الغبار

Page 51: رسائل

تسألين: ما الذي تريده إذن؟ وأنا ال أعرف . أعرف فقط أنني أريدها . أنت� تحبه. إن عالقتهما ، إلى أنا ال أستطيع أن أفهم كيف ترفض المرأة رجال

� على اتخاذ قرار رهيب من أبعد مدى ، تضحي حاجة، وإذا كنت أنا قادرا أفسر األمور؟ صحيح أن النوع الذي اتخذته منذ شهرين فكيف تريدين أن

� ولكنه موجود..أوه يا عزيزتي ! ليس من السهل بالنسبة الجنس ليس أوال لي أن أبني معها عالقة جنسية حتى لو أتيحت لي الفرصة لذلك،

.............................................. ........................................أذكر إذن ماذا أريد؟ ال أعرف أيتها العزيزة ال.......... ..............................

الحياة معقدة أكثر مما ينبغي ألناس سيعيشون أربعين سنة أعرف.. إن اآلن أننا نضيع حياتنا هباء... إن رجولتي لم تذل على األكثر، والذي أشعره

�...ثم أدير في حياتها مثلما تذل في كل ليلة � هانئا أقول لها فيها : نوما وينزف جرح تلك ظهري وأمضي كأنني قطعة خشب ال يسكنها عصب ،

الرجولة المهدورة حين أسمع وراء ظهري اصطفاق الباب : إن األمر ال.يعنيها

لن أطيع ، ولكن عسى ذلك ماذا أفعل؟ حاولي أن تقولي لي رغم أنني� بنا . يساعد في الوصول إلى شيء.. إننا تافهون حين يضحي القرار متعلقا

� على األقل ، � أفكر في االلتحاق بالفدائيين عسى أن أموت شريفا أحيانا� أفكر بالسفر إلى مكان مجهول : أبدل اسمي وأعمل وأعيش إلى أحيانا

� أفكر في اقتحام بيتها والبقاء فيه.. ولكن أن أموت بهدوء مجهول ..أحيانا يجدي؟ أتحسبين أنني أفتش عن فرار من ذلك كله – أسألك – ماذا

ولكن كيف؟ كيف؟ أين .أريدها نفسي؟ ال. منها؟ ال. إذن ماذا أريد؟ إنني الكون التي نستطيع أن نضع أقدامنا فوقها هي البالطة السحرية في هذا

�؟ معا

الشيء الوحيد الذي أردته في حياتي ال أستطيع الحصول عليه. لقد إن�ن لي أن حياتي جميعها كانت سلسلة من الرفض ولذلك استطعت أن تبي

العائلة. ورفضت الثروة، ورفضت أعيش . لقد رفضت المدرسة، ورفضت� لم أرد �، وحين الخضوع، ورفضت القبول باألشياء، ولكنني أبدا � محددا شيئا

ذلك( أريدها تفر من أصابعي ) وأصابع القدر واألشياء والعالم،أنا أفهم !مثلما يفر الماء من الغربال

ربحها إنني أفكر بالنسبة لها كما يلي : معركتنا خاسرة، إذن فلنعمل على إلى أن تجيء اللحظة . الزمن ضدنا فلنستعمله طالما هو معنا . اللقاء

�. سنخسر كل شيء فلنربح الزمن مستحيل فلنتالق حين يكون ذلك ممكنا.قادم كي ال نندم. البكاء

� أنها أنا أعرف أنها تحبني، ال ليس كما أحبها، ولكنها تحبني . إنها تردد دائما�أتها ولكنها ال تكف عن تشييئي دون وعي منها. إنها تهرب مني ضدي إذا شي

تقوله – تفضل في وقت ال أكف فيه عن االندفاع نحوها. إنها – رغم كل ما التفاهة والمشاعر التي تمر على السطح ،وأنا أعرف أن الحياة قد خدشتها

Page 52: رسائل

�ن علي أنا أن � من األخداش ولكن لماذا يتعي بما فيه الكفاية لترفض مزيدا ؟ إنها امرأة جميلة – وتستطيعين رؤية ذلك في صورها – أدفع الثمن

صورها ، وقد يكون دورها في إتعاسي ولكنها أجمل في الواقع من ال حيلة لها به وهزيمتي أنها مشتهاة بطريقة ال يمكن صدها وهو أمر

� ال حيلة لي به، وهي ذكية وحساسة وتفهمني وهذا يشدني ولكنني أيضا إليها بقدر ما يبعدها عني ، فهي تعي أكثر مني ربما طبيعة الرمال

غرقنا فيها دون وعي منا . أقول لك باختصار أنها جبانة، المتحركة التي ال تريدني وال تريد غيابي ، وفي اللحظة التي تريد أن تكون نصف األشياء ،

أبحث عنه كل حياتي تقف هي وصلت فيها أنا إلى انتساب كامل لها كنت.في منتصف الميدان

�، حين قلت لها إنني أدفع معها ثمن تفاهة اآلخرين..أمس صعقتني ، مثال فصاحت: أتحسبني بنت شارع؟ كانت ترد على أنني أرغب في رؤيتها

أنا؟ غيري، وكنت أعرف ذلك ولكن ما هو ذنبي

� على إنني أتمزق مثلما لم يحدث لي في حياتي �، ال شيء كان قادرا أبدا وأشتهيها ..وفي سبيل هزي بال هوادة أكثر من هذه المرأة ، إنني أحبها

عالقة ذلك ارتكبت حماقة أخرى ال يد لي بها : يا فائزة، ليس لدي� أية جنسية مع أي كان..هل تفهمين؟ إنني رجل مأساتي هي في ذلك التوافق

� : غير البشري بين جسدي وعقلي ، هكذا قال لي الدكتور ولسون يوما�ر يا !صغيري ولذلك أنت مريض بالسك

� إلى هذا ولكن حذار أن تحسبي أن هذه هي المشكلة.ال.إنني لست صغيرا هي مشكلتي إذن؟ ال الحد ولم يعد الجنس بالنسبة لي نهاية الكون. ما

أعرف ، ولكنني أريدها. هذا شيء مستحيل كما قد تقولين، وأنا أعرف.ولكن هذه هي القصة

ببساطة: لنقل أنها امرأة يلذ لها تعذيبي دعينا نحاول اكتشاف األمور .بانتظار أن يأتي فلنسعد اآلن، الفراق ال بد منه فلنتالق

.اللحظة، في جرح نظيف ونبيل ونهائي أو فلنبتر كل شيء اآلن. هذه

الوسط؟ في الوسط يا فائزة التي تعرفين أنني ال أستطيعه، يا ولكن في أمره..إن سيزيف نسي قضيته ضحية لتعاسة أخيك المغلوب على

وأعود بها مرة العادة.أما أنا فثمة صخرة واحدة، أحملها مرة واحدة،!واحدة

�، وأن وكيف حال أسامة؟ علميه أن الزيف هو جواز المرور األكثر حسما� قصة الدنيا هراء يكسب فيها � أبدا من ينزلق على سطحها ، ال تروي له أبدا

الحياة بمشرط جارح.. إن الحياة أقل خاله الذي أراد ذات يوم أن يصنع� وينبغي أن تكون أكثر بساطة. إن الحياة مثل هضبة الجليد ال تعقيدا

الحل يستطيع أن يسير عليها من أراد أن يغرس نفسه فيها. االنزالق هو

Page 53: رسائل

وهو االحتيال األمثل .. علميه أن ال ينتظر ثالثين سنة ليرتكب أخطاء خاله� .التعيس ، وأن ال يتوقع شيئا

�.إنني أعود إليك مثلما يعود ال تكتبي لي �. ال تكترثي، ال تقولي لي شيئا جوابا الوحيد، وسأظل أعود : أعطيك رأسي المبتل لتجففيه اليتيم إلى ملجأه

!المزاريب بعد أن اختار الشقي أن يسير تحت

28/12/1966

� منها ..كنت أنتظرها الشمس ستشرق بعد قليل ، ولتوي تلقيت هاتفا الليل وكنت أعرف أنني لو أردت أن أجدها لوجدتها ولكنني كأنما طوال

أريد أن أرى مدى اهتمامها هي. ال خبر، ال إشارة.ال دون إرادة مني كنت ستأوي إلى فراشها في العاشرة ولذلك" شيء. قالت لي في الصباح أنها

� اليوم".. ولكن حتى منتصف الليل لم تكن هناك، وال في اذهب لبيتك باكرا فأبلغتني أنها كانت الواحدة، وال في الثانية ، وال في الثالثة...ثم هتفت لها

�، وأنها كانت تسهر مع صديق...وسألتني: لماذا تأخرت؟ تشرب نبيذا

أكن هناك. كنت على بعد كانت تحسب أنني أحدثها من البيت ولكنني لم فقيل صرخة واحدة منها .كنت سألت في البيت عما إذا كان أحد قد هتف

لي أن جرس الهاتف دق مرة أو مرتين دون جواب فهتفت لها ، وهذا – يا كانت تريد أن تقوله ! هل تتصورين؟ كانت تجهد لتنال أذني كي فائزة- ما

ما الذي يذ�كر هذه اإلنسانة بي ، إال الذل؟ تصب فيهما اللعنة..ترى

الذي حدث هذه الليلة؟ إنني مجنون . هذا شيء حقيقي: حين كتبت لك ما� ، على بعد خطوات منها ، في المقهى الصفحات السابقة كنت ، أيضا

ومثلما حدث وتوقعت لم تكترث، المجاور وسيارتي إلى جانب سيارتها ،� مع كل صفحة حتى صار الليل وفتك الكحول وذهبت، وكنت أشرب كأسا

بكتفي فلم يعد بوسعي أن أحرك ذراعي وقدت السيارة في المطر بهدوء لم يكن عندي في حياتي ، وقررت أن ال أرى والغبش والذهول

�... لم أفكر بالموت، فكرت � أحدا بالتعاسة فقط وعرفت أنني سأكون تعيسا أستطيع أن أنكره وال أن أنساه إلى أمد طويل . إنني أحبها وهذا شيء ال

ليلة وال حتى أن أغفره لنفسي ، وحين لمست أصابعي جسدها ذات

Page 54: رسائل

�، بأنني لم ألمس امرأة من .قبل راودني شعور مخيف، أخافني حقا

� آخر.. وها أنذا مكسور ومطعون وبعيد عن كل شيء ، � لن يكون يوما غدا� ربما ثالثة � تماما شهور، أظل أكتب وأنا أعرف أنني أحتاج أن أكون وحيدا

� بعد اآلخر، لتري بعينيك قصة رجل ينتهي، أو في هذه األوراق لك، يوما.يبدأ، أو ينزلق،أو يغترب، أو يموت بالصدفة بعد ذلك كله

وما الذي بقي ألفعله أيتها العزيزة؟ ما الذي بقي؟ بعد قليل سأشرب قهوة� على التنفس .. أخرى ، وأحتاج لكأس حليب كي يظل صدري قادرا

�... وسأضع نفسي في مكان أبعد وأنأى وسأمشي ، ولكنني لن أرى أحدا� من أن يتيح لي رؤيتها أو التحدث من أن أسمع فيه صوتها وأكثر انخفاضا

.إليها

الشمس وأكتب. مررت من أمام بيتها عشر مرات ورأيت أجلس اآلن في أتفرج على الناس واألطفال والموج سيارتها ووقفت على حاجز الروشة

نسيت اإلبرة اللعينة وأنا أكاد أغفو على الحاجز. ألول مرة منذ سنوات أن ونسيت الطعام.. تراها سألت عني؟ ذلك لن يكون إال إذا كانت تريد

�، أو تريد أن تنصحني تلك النصيحة التافهة : اذهب إلى بيتك تراني معذبا� أو تقول لي : لماذا تغار؟ بعيدة عن الحقيقة بعيدة بعيدة..ستجد.. باكرا

الطفل القنوع الغبي ، وكالعادة لن يكون بوسعي أن ألف عذر لترضي هذا� ماذا حدث؟ ماذا يمكن أن يكون قد حدث غير أقول لها : ال ، وأمس ليال

آخر ، أو مع نفسها، أنها كانت فخورة بأنها قادرة على الخروج مع شابوأنا أنتظر؟

ما الذي أريده من كل شيء يا فائزة؟ ما الذي يريده هذا.. وما الذي أريده الذي تحول إلى كرة متشابكة من األعصاب الطفل المدلل الضائع الغبي

. والجروح

ـــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أتمنى على جاكلين ومنى: كوكب وراحت جاكلين وراحت منى وراحت إن كتب لهن ذات يوم ألن تلك السطور وكوكب عدم تمزيق رسائل غسان

األدب لم تعد رسائل شخصية تخص تاريخهن بل تخص تاريخ

التقينا للمرة األولى في جامعة دمشق أمام باب قاعة : قابلتها أول مرة� يومئذ . بعد أيام الجامعة االمتحانات الشفهي ولم أكن قد سمعت به أديبا

التقينا مصادفة في جريدة المحرر ببيروت، لم نلتق فترة أربعة أعوام حتى� على إلغاء تلك األعوام من حياته وحياتي وكان غسان مصرا

.......................................... ..................................................

Page 55: رسائل

هذا السطر المشطوب ألغاه غسان بنفسه،........ ..........................: � قراءته وفشلت وكانت الرسالة هكذا عندما استلمتها،وحاولت كثيرا

الغالف على

عهد رسائل غسان كنفاني التي تنشرها غادة السمان، هل ستكون فاتحة جديد في كشف أوراق العرب الراحلين وأسرارهم، وهل ستكون هنالك

جرأة غادة السمان؟ نساء أخريات في

باء مجلة ألف

برسائل كنفاني ليس مقدار العاطفة قد يكون مبعث اعتزاز غادة السمان� وكان � أنه كان كاتبا � قتله العدو بسبب وطنيته التي تبادالها بل وأيضا وطنيا

�، وحبه لشعبه.بقي أن أقول أنه ال فن إن لم يكن الفنان � وأصيال حقيقيا األمر أو ذاك، والفن ينتهي بال شك عندما يبدأ الفنان بمراعاة هذا األمر هذا

.وعندما تصبح الدنيا اجتماعيات ومبادئ حساب

جهاد فاضل

وثائق هامة عن إبداع واحد من أدبائنا البارزين. ونشرها هذه الرسائل على المواقف الشجاعة في الكتابة خطوة شجاعة من كاتبة عودتنا

وأكاد أجزم أن هذا والحياة. وكم أتمنى لو تحذو حذوها أديبات أخريات، من النوع من الرسائل موجود لكنه مخبأ أو أتلف كما حصل مع جزء كبير

.رسائل الياس أبو شبكة إلى حبيبته ليلى

الرحمن مجيد الربيعي عبد

� يجتاح كل ما غيره وكان يحب غادة. كان ال كان غسان كنفاني طوفانا� سواه � غيره� وال فنانا � بمثل موهبته... يعرف رجال � مثله وال رساما وال سياسيا

� وال كاتب قصص بوليسية! كان العالم يبدأ بقميصه الفضفاض وال شاعرا

Page 56: رسائل

� ويحب غادة. يوسف إدريس هو من وينتهي بصندله العتيق! وكان عظيما-� نفس فصيلة هؤالء الفنانين الذين يعيشون جنون الفن وعقله – واقعيا

� قبل � : يحب غادة. هل القدر أن يحب المهووسون فنا أن يكتبوه! وهو أيضاالبعض؟ بعضهم

ليلى الحر

إذا كانت كل كاتبة عربية تملك جرأة غادة السمان في نشر ما كتب لهن رسائل من كتاب وشعراء وفنانين ..فإننا سوف نملك شاشة جديدة من

زالت خفية وسوداء. إن إقدام غادة السمان على في أدبنا المعاصر ما وعظيمة , وكسر جليد تختبئ نشر رسائل غسان كنفاني لها خطوة رائدة

لو أفرج عنها من خلفه مئات الرسائل التي ترينا الوجه اآلخر لمعظم كتابنا.داخل صناديق الخوف

ياسين رفاعية

رسائل لكتاب نقدية السمان دراسة غادة إلى كنفاني غسان

أثار هذا الكتاب ضجة لم تهدأ حتى اآلن عندما كشفت غادة الرسائل الغرامية التي كانت في حوزتها السمان عن هذه

مجتمع وقام زوجها بنشرها فقد كانت خطوة جريئة وسط

Page 57: رسائل

!!!!الحقيقة عربي تعود على التكتم ولكنها فقط ذكرت نصف

وكان" يسقط الحائط الرابع" كتابه أنيس منصور أصدر 1971 في سنة كرة من القطن إنها مثل" أول ناقد يكتب عن غادة السمان وقال عنها

المشتعل تنطلق في كل مكان، إنها تبحث عن ماء يخمدها فإذا وجدت رفضت وقاومت وصرخت....ما الذي تريده ؟!! إنها تريد أن تظل الماء

!! "مشتعلة وأن تحلم بالماء

البحر في" و "عيناك قدري" و "ليل الغرباء" وحينما كتب عن أعمالها وصفها بأنها أديبة غير منتمية...وتريد أن تنتمي وحينما نقل بعض "بيروت

قال لي انصهري فانصهرت، قال انسكبي" العبارات من كتبها مثل طالما بكيت ألنني سقطت وحدي ولم يرفعني" ومثل" فانسكبت

أحد..حتى أبي لم يرفعني ألنه هرب مع امرأة ضائعة مثلي !!" "صوت التالل أنت جميلة يا حبيبتي ...عيناك..وشعرك حبيبي من الجبال إلى

."فراشي طلبت حبيبي فما وجدته وأسنانك وشفتاك وفمك..في الليل عل

جاء أدب األظافر الطويلة من..عبارته التي اشتهرت أنيس منصور قال أي جاء على يد غادة السمان وليلى بعلبكي ...وكوليت سهيل – !!لبنان

!!..وتتعشقها رائحة البارفان ولكن احذر إنها طويلة األظافر عليها الطالء

جاء بعده واهتم فقط بغادة السمان وأصدر الدكتور غالي شكري ولكن غادة السمان" كتابه الجميل 1977 دار الطليعة في بيروت سنة عنها عن قوصته.. لها معان وقال وقتها اإلخوة في الشام عبارة جميلة" بال أجنحة الشامية...والمعنى إشاعة حب بينهما – فال أي قتلته باللهجة السمان

األخريات وبخاصة ليلى بعلبكي، إال يمكن أن يخصها وحدها بكتاب من غير! إذا!!! وفي سوريا يقولونها كثيرا إال إذا كان؟

ف باقي أديبات بيروت ودمشق قبلها في كتابه الجنس أزمة" مع أنه عر� األربع غير وبدل فيه ولم ولكنه في طبعاته1961 سنة "في القصة العربية

�؟ !يضف إلى الذين كتبوا عن الجنس غادة السمان...عجبا

حب رجل بسيط

غسان كنفاني هذا االعتراف قلب المهم أنها اعترفت بعالقة حب بينها وبين أستطيع االدعاء ..دون أن أكذب –أن غسان ال" الدنيا ...إذ إنها قالت فيه

حقيقتي الداخلية مع كان أحب"رجالي" إلى قلبي كامرأة كي ال أخون الجالسة على إذن فأنت الفتاة "آخرين سيأتي االعتراف بهم - بعد الموت

Page 58: رسائل

حجر العفريت في ألف ليلة وليلة والتي قابلت شهريار وأخاه ومارست معهما وأظهرت لهما خيطا من الخواتم لرجال آخرين فأعطاها كل الهوى.خاتمه منهما

فعلها المهم هذا: هز االعتراف الوسط األدبي كله رجال ..ونساء..ماذا لو!باقي الكتاب ...آه لو استهوت اللعبة األدب النسائي؟

ليلة" بعد رواية أعترف بأنك ملكة الرواية سناء البيسي ولهذا قالت له!اآلن وله زوجة وأوالد؟ وكان هذا يكفي ...لماذا "المليار

رسائل" تصدر عن دار الطليعة في بيروت اختارت أن غادة السمان ولكن راصدة ريع الكتاب لمؤسسة غسان "السمان غسان كنفاني إلى غادة

..كنفاني وهو ما رفضته زوجته وأوالده

ومنذ أكثر من ": الرويني عبلة أما ما فعلته غادة ..فلنحكه على لسان غادة السمان وتبادال ثالثين عاما أحب الروائي الفلسطيني غسان كنفاني

لما يردده الرسائل العاطفية ...وبدا عاشقا ضعيف القلب ، ال يلتفت كثيرا أهالي بيروت عن أنه ساقط في الخيبة، وأنه سيتعب من لعق حذائها

ومن أنها ال تكترث به، وأنه ملحاح كالعلق ، فكل ما ردده ظل تحت البعيد،.حقا ما يشعره

هكذا أعلن عن حبه ببساطة ووضوح، مؤكدا أن مشاعره ال يمكن فهمها..الحمراء في شارع

ومنذ أكثر من ثالثين عاما نسف االسرائيليون غسان كنفاني ، فاكتملت أسطورته، هو المبدع الفذ الذي يبدأمنه تاريخ تبلور النثر الفلسطيني ،

إلى مرتبة الشرف حين أعطاه –بتعبير محمود درويش– الحبر الذي نقل قيمة الدم..وهو النموذج والمثال ، نتاج رحلة العذاب الفلسطيني من

وعاء المخيم، حتى الصعود المتمثل في واقعية السقوط المتمثل في.البندقية

رسائل غسان العاطفية إليها ، دون نشر رسائلها هي نشرت غادة السمان لوجه الحقيقة..تقول غادة إن رسائلها إليه، ليظل الكتاب ناقصا ومخالفا

في وجدانها..لكنها ليست في حوزتها..ربما..لكن يبقى تاريخ العالقة التزمت الصمت والموقف الحيادي ..فلم تعلق على رسالة واحدة...لم تضف هامشا، لم تفصح عن صورتها أو مالمحها يوم كانت ، لتتيح أمام

...المشهد القارئ اكتمال

Page 59: رسائل

ثمة رجل يدعى غسان كنفاني

عباراتها وهي تشاهد الحريق ، وعلى حين هكذا انتقت بحيادية تامة "مؤسسات الرياء االجتماعي" تصورت غادة أن كتابها جريء جدا يتحدى

الغبار الذي يتكدس في حسب تعبيرها _ ويرفض الخضوع لزمن_ غسان،" الحناجر ، وال تملك جرأة المجابهة ألن فعله الحقيقي هو "فعل

وموقفه الحقيقي هو"موقف" غسان وجرأته الحقيقية هي "جرأة" غسان ، ..غادة دون فعل ، دون موقف دون جرأة بينما تتوارى

..الرسائل أما من هو غسان كنفاني بطل هذه

ومن عائلة1936ولد غسان كنفاني في مدينة عكا بفلسطين عام انتقل مع أبويه إلى يافا، حيث تلقى دراسته االبتدائية في مدرسة متوسطة

فرنسية ، وقبل أن يكمل عامه الثاني عشر قامت العصابات تابعة إلرسالية الفلسطينية ..فاضطر إلى النزوح مع عائلته الصهيونية بمهاجمة المدن

جنوب لبنان وأقاموا هناك فترة المكونة من أبويه وجده وسبعة أشقاء إلى الخمسينيات التحق من الزمن..ثم انتقلت العائلة إلى دمشق... في بداية

غسان بحركة " القوميين العرب" التي كانت قد طرحت شعار مناهضة .االستعمار

وأرسلها إلى "الصدفة أنقذتني" كتب قصته األولى اسمها1953في عام الطلبة" وبالفعل برنامج أسبوعي كانت تبثه إذاعة دمشق تحت اسم "ركن

24/11/1953أذيعت القصة مساء

شمس" واسمها1953الرأي " عام " ثم نشر قصته الثانية في جريدة حول طفل صغير من غزة . في العام نفسه التي تدور أحداثها "جديدة

خالل مشاهدته سافر غسان إلى الكويت ليعمل مدرسا..وهناك ومن الصور للصحراء وألبناء شعبه ..وللعالقات السائدة ...يختزن في ذهنه مئات

"الشمس رجال تحت" ...وليستفيد منها بعد سنوات في روايته الشهيرة1963التي كتبها عام

أدبيا لجريدة " الحرية " حيث عمل محررا1960انتقل إلى بيروت عام كما عمل" رئيسا لتحرير جريدة "المحرر1963األسبوعية ثم أصبح عام

في " األنوار " تحت اسم مستعار "فارس فارس" ومجلة "الحوادث" حتى عائد إلى"و "من قتل ليلى الحايك" وقد نشر باألخيرة رواية 1969عام لتحريرها حتى ثم أسس مجلة " الهدف" األسبوعية وبقي رئيسا "حيفا

.استشهاده

أيدي استشهد غسان على1972ففي صباح الثامن من حزيران عام عمالء إسرائيل عندما انفجرت قنبلة بالستيكية ومعها خمسة كيلو غرامات

الديناميت في سيارته وأودت بحياته الغالية...تقول زوجته ورفيقة من

Page 60: رسائل

ولميس-ابنة أخته- بعد دقيقتين من مغادرة غسان"..: "آني" نضاله السيدة لكي سمعنا انفجارا رهيبا..تحطمت كل نوافذ البيت ...نزلت السلم راكضة

أجد البقايا المحترقة لسيارته...وجدنا لميس على بعد بضعة أمتار ..ولم غسان...ناديت عليه ..ثم اكتشفت ساقه اليسرى ...وقفت بال نجد

ابنه- يدق رأسه بالحائط...وليلى-ابنتنا- تصرخ: –حراك ..في حين أخذ فايز".قتلوك بابا ..بابا..لقد

ورقة بقي أن نذكر أن المحققين وجدوا إلى جانب السيارة المنسوفة".تقول " مع تحيات سفارة إسرائيل-كوبنهاجن

المحدد وهي تكشف عن جانب مهم من جوانب هذه الورقة لها معناهاالغامضة؟ نضاله السياسي فماذا تعني هذه الرسالة

زوجة مثقفة وفية

فتاة دانمركية اسمها من المعروف أن غسان كنفاني كان متزوجا من في حياة غسان وفي نضاله ونشاطه هذه الفتاة كان لها دور كبير "آني"

من األوساط الثوري ، وقد اعتمد عليها غسان في توثيق صالته بكثير األوربية ..بل واعتمد على مساعدتها له في الحصول على كثير من الوثائق المتصلة بواقع العرب في األرض المحتلة هؤالء الذين كانوا يبلغون حوالي

والذين أصبحوا1967مواطن عربي داخل إسرائيل قبل عام ربع مليون بعد أن وقعت الضفة الغربية لنهر أكثر من مليون ونصف مليون مواطن

الورقة التي عثر عليها األردن تحت سيطرة اإلسرائيليين ، لذلك فإن هذه غسان من المحققون بمكان االنفجار تعني إشارة واضحة للدور الذي لعبه

خالل هذه الزوجة المثقفة الوفية لزوجها ، ولشعب فلسطين العربي، بزيارة ألول مرة وهي تقوم "آني" اإلشارة إلى أن غسان التقى مع وتجدر

لبعض الدول العربية إلعداد دراسة عن "الالجئين الفلسطينيين" وقد غسان باعتباره كاتبا فلسطينيا يمكن أن يساعدها في إعداد تعرفت على

.الحقائق..وانتهت هذه المعرفة إلى الزواج البحث وتقصي السمان خزانة أوراقها الخاصة وبعد أكثر من عشرين سنة تفتح غادة

نعم يعرف كثيرون. وتنفض الغبار عن رسائل غسان إليها وتدفع بها للنشر -على األرجح- حين كانا66أن غسان كان يحبها..وأنه وقع في هواها في

يعيشان في بيروت " هل يذكر أحد بيروت في منتصف الستينات قبل أن التي لم تبق على أحد أو شيء؟" ثم رحلت هي إلى تهدمها غاشية الحرب

يكون ..من تلك الرسائل لندن وبقي هو يكتب لها الرسائل من حيث ونشرتها مع صور68و66اختارت غادة اثنتي عشرة رسالة فيما بين

.خطية لها ، ومقدمتين

Page 61: رسائل

اقتباسات من في المقدمة الثانية...دعك من األولى التي ليست سوى الرسائل ذاتها تورد السيدة مبرراتها لنشرها هي ليست_فقط_ الوفاء

لعاطفتها الغابرة المتجددة نحوه بل وفاء لمبدع من بالدها اكتمل بالموت. ال) حرصا منها على عالقات أخرى في الماضي والحاضر وال تنسى

دون أن أكذب- أن غسان كان أحب رجالي إلى قلبي - أستطيع االدعاء مع آخرين سيأتي دور االعتراف كامرأة كي ال أخون حقيقتي الداخلية

طلقة في معركتها ، وهي تنشر الرسائل دون حذف أو تعديل......(بهم التي لن تهدأ يوما ضد ما تسميه مؤسسات الرياء االجتماعي . ثم لكي

� لصورة المناضل من الداخل قبل أن يدخل في � جميال � إنسانيا تضيف بعدا� تمارس السيدة غادة لحظة صدق، فتضبط سجن األسطورة ، وأخيرا

الفخر بحب : يستهان به نفسها وهي تكاد تتستر على عامل نرجسي ال:ما معناه رجل كهذا،،أهدى روحه لوطنه وأنشد لي يوما

.سلمت يده موالي وروحي في يده ..........إن ضيعها

تذكر غادة أنها ليست كل الرسائل ، )"المنتقاة" لكن قارئ تلك الرسائل يستطيع أن يزيح عن ( قد ال76فثمة أخرى قد احترقت في بيتها في

.نفسه أن هذا الدافع النرجسي هو أهم الدوافع كلها

!!تريد أن تظل مشتعلة وأن تحلم بالماء إنها

حب من طرف واحد

تعكسها الرسائل هي صورة تعلق جارف من فصورة العالقة بينهما – كما الضارعة الغاضبة اآلملة، طرف، نراه ونسمع لهاثه ونقرأ كلماته الشاكية

أن صورة ونحس عذابه الجارف الطاغي لملك الطرف اآلخر. بعبارة ثانية غادة –كما تبدو في تلك الرسائل – هي صورة فتاة طاغية األنوثة، مرحة

وأكثر. "أنت صبية وفاتنة وموهوبة .." في إحدى الرسائل يقول لها لعوب،� هي بالرجل الذي تعبث. "يا شقية" األوصاف التي يصفها بها ترددا

أيقنت ..من رسالته األولى – أنه يحبها- والذي تعرف عنه –كما يصف كرة متشابكة من األعصاب"- في رسالته األخيرة هنا نفسه

وهي في هذا العبث ليست عادلة تستخدم سالحا موجعا فقد....."والجروح

Page 62: رسائل

.زوجا وأبا وكانت هي حرة طليقة كان غسان

� ": لهذه النقطة بالتحديد في إحدى رسائله يحلل غسان عالقتهما مشيرا والحلوة، ومصيرها المعتم لقد استسلمنا للعالقة بصورتها الفاجعة

سبيل غيري، لم والمضيء. وتبادلنا خطأ الجبن: أما أنا فقد كنت جبانا في أكن أريد أن أطوح بالفضاء بطفلين وامرأة لم يسيئوا إلي� قط ، مثلما

طوح بي العالم القاسي قبل عشرين سنة، أما أنت فقد كان كل ما يهمك..".فقط نفسك

إذالل العشق

القلب ، تلك التي وفي أكثر تلك الرسائل حميمية وسخونة وامتالء بنزف كلماتها وجهها غسان ألخته الكبرى فايزة، وهو يعني غادة في كل كلمة من

يحاول غسان تحليل دوافعه الذاتية العميقة – قدر ما استطاع الغوص.والنفاذ-التي تدفعه إلى التعلق بمن تهينه وتذله

..هذا اإلذالل وفيها يروي واقعة صغيرة من

المساء. قالت له في الصباح أنها ستأوي إلى فراشها في العاشرة من الليل لم تكن هناك، لكنها حتى منتصف "اذهب لبيتك باكرا اليوم" ولذلك

لها فأبلغتني أنها كانت تشرب ثم هتفت.." وال في الواحدة وال في الثالثة تريد أن تقوله! هل نبيذا وأنها سهرت مع صديق...وهذا يا فايزة ما كانت

يذكر تتصورين؟ كانت تجهد لتنال أذني كي تصب فيها اللعنة، ترى..ما الذي"هذه اإلنسانة في إال الذل؟

شأن العشاق الكبار- يتلمس لها – ولم يكن غسان ظالما لها بل كان تستطيع أن تردم الهوة بينها وبين العالم ال" األعذار والمبررات فهي وحيدة

التي تمر على السطح. وأنا إال بالرجال، وهي تفضل التفاهة والمشاعر� من "األخداش" أعرف أن الحياة قد خدشتها بما فيه الكفاية لترفض مزيدا

ولكن لماذا يتعين علي أن أدفع الثمن

أمس صعقتني مثال حين قلت لها أنني أرغب في رؤيتها فصاحت: أتحسبني شارع؟ كانت ترد على غيري، وكنت أعرف ذلك،ولكن..ما هو ذنبي بنت"أنا؟

الوحيد أيها العزيز غسان ، أنك سقطت في هوى أنثى جميلة طاغية ذنبك� تجيد اللعب ويلذ لها أن تعبث بمن يحبها، كنت في حبك لها مستجيبا

وجدتها في مأزق حقيقي قدمت لها ألعمق ما في ذاتك وأنبل ما فيها حين

Page 63: رسائل

كتبت لك رسالة. جواز سفر وسعيت لها في عمل فكافأتك مكافأة رائعة بيضاء . اسمك في أولها ..واسمها في آخرها ، وتركت لك أن تمأل

!..الفارغة كما تهوى المساحة

صراع بين األنثى والكاتبة

� نفهم � بين األنثى ومن سياق الرسائل أيضا � كان ناشبا أن ثمة صراعا أيتها" ويخاطبها "امرأة حتى كعب حذائها" والكاتبة فيها) كان يصفها بأنها

"(المرأة قبل ألف من أن تكوني أديبة وكاتبة

صاحبته نحو االنحياز للكاتبة فيها، نحو النصف وكان غسان يحاول أن يدفع اكتبي أيتها" : إليها أن تكتب له األعلى ال األسفل، يكتب مرة ضارعا

الشيء الذي يستطيع إلى األبد أن يكون الحلوة الذكية، تمسكي بهذا أن يفعل ، بالنسبة لك" درعك أكثر مما يستطيع أي رداء مبتكر و"قصير

الحياة ملحمة انتصار تبدأ من العنق فما فوق، فلتجعلي همك هناك..اطرحي مرة وإلى األبد ، حيرتك األنثوية المغيظة بين رأسك

..."ورؤوس اآلخرين وعظمة أنوثتك وركبتيك فتكسبي رأسك

غسان؟ لمن كانت تغني مزاميرك يا

� أعود لمالحظة غسان كنفاني" في روايتها " لعلي أجد : سناء البيسي أخيرا يطاردونه...يحدس حضورهم الذي يزداد اقترابا يعرف أنهم)" "ليلة المليار

إلى الجالد القادم ليسوقه إلى بالحاسة نفسها التي كانت تنبهه في السجن...(قاعة االعتراف أو النسيان

�..أحببته" آه ذلك األحمق الذي كنت أعشق، واآلن لم أعد أعرف شيئا ذات يوم ألنه رائع ال يقول إال الصدق – كما علمه والده القروي – بجنون

� إلى مبرر بؤسي ولم أكن أدري أن " مبرر حبي له سيتحول يوما

!!!!ليلة المليار؟؟؟؟ ربما ...فهل هو خليل في روايتها

Page 64: رسائل

المطابع حديث منتدىالساخر موقع

www.alsakher.com