02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة...

106
١٣ א א א א א א א א א אא א א א J א א א א

Transcript of 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة...

Page 1: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٣

אא אאאא

א

א

אאאאאא Jאא אא

Page 2: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٤

Page 3: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٥

א احلمد هللا رب العاملني وصىل اهللا وسلم وبارك عىل عبـده ونبيـه ورسـوله سيدنا حممد وعىل آله وأزواجه وصحبه أمجعـني كـام حيـب ربنـا ويـرىض إنـه

محيد جميد . اهلــم األعظــم للدراســة استكــشاف العالقــة بــني البيــان النظــري ملنهــاج

z y x w v } |{ } ):النحـل(وة كام رسمته آية سورة الدع

¢ ¡ � ~ z وما اختذته الـسورة مـن بيـان عمـيل يتمثـل يف منهـاج وهبذا تـسعى الدراسـة . البناء الرتكيبي لصورة املعنى القرآين يف هذه السورة

إىل تقديم منهاج يف تأويل البالغة القرآنيـة يتجـاوز دائـرة الن ظـر اجلزئـي إىل دائــرة النظــر يف الــسورة عــىل هــدي مــن موضــوعها ومقــصودها, ســعيا إىل العرفان بمدى اقتـضاء املوضـوع واملقـصود مـنهج البنـاء الرتكيبـي للـسورة

,وكل ذلك عىل نحو مما هدى إليه األئمة من علامئنا املسلمني والبحث يلتفت أيـضا إىل بيـان العالقـة الوظيفيـة ) النحـل( بـني سـورة

وبيـان مواقـع كـل يف الـسياق الكـيل ) العنكبـوت(وسـورة ) النمل(وسورة للمعنى القرآين, والتالؤم البديع بني البعـد الـوظيفي لكـل سـورة مـن هـذه ــسورة النحــل ــداء ب ــع كــل, ووجــه االبت ــا, وموق ــثالث, ومغزاه ــسور ال ال

واالختتام بسورة ) العنكبوت( هو املستعان عىل طاعته,وهو وحده املرجتى رضوانهاهللا و

واحلمد هللا رب العاملني

Page 4: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٦

אאא

ال يتأتى أن يفهم حدث ما قوال أو فعال إال يف سياقه, وما قد يكون من أحداث قولية أو فعلية تعطي ما ينفع وهي مقطوع ة من سياقها إخبارا, فإن

ما تعط ه حينئذ مـن مـدلوالت يغلـب عليـه العمـوم والكليـة, فـإذا اقـيم يف ي نسيج سياقه استحال املعطى األول غري السياقي( إىل أمر آخر إما تعيينـا أو )

اتساعا دالليا متالحظـا أي يلحـظ كـل معطـى اآلخـ ر بحيـث يتنـادى معـه, ــة ــذا يغلــب عــىل األحــداث القولي ــد استحــضار األول, وه ــستدعيه عن وي والفعلية يف تشكلها الكيل, فكليات البيان القرآين والنبـوي مـثال ال تكـدي إذا ما سمعت خارج سياقها إخبـارا, وال خـارج سـياقها اسـتذكارا ذهنيـا,

صارت أمثـاال أو كاألمثـال, واسـتثامر ذلـك خـارج الـسياق ال حيـرم فكأهنا السامع من العطية ; ألن مـا فيهـا مـن كليـات املعنـى يبقـى, فـإذا مـا مريـت أخالفها داخل سياقها كانت أوفر وألطف, وأطـرف عطـاء, أو بعبـارة أدق

كانــت قــدرة املــستقبل هلــا يف ســياقها أقــوى عــىل رصــد الــدقائق واللطــائف والطرائف .

ولعل نقاد الكلمة الشاعرة حـني اسـتمجدوا أن يكـون للبيـت الـشعري يف القصيدة نصيب من االستقالل بحيث ال يرتبط تركيبا ببيت يتلوه فيفتقر

Page 5: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٧

را كليا كانوا أرغب يف أن يكـون البيـت ذا عطـائني متفـااإليه افتق وتني قـدرا : ومقدارا

األول عطــاء هــو التبلــغ والكفايــة حــني يــستجدى وحــده منـــزوعا مــن .سياقه

عطاء هو الغنية حني يستجدى يف ثبج سياقه, إذ يكون عطـاؤه : واآلخر ــرص ــامء التب ــسقى ب ــا إذ ي ــازرا متنامي ــر, متغ ــرتداد النظ ــاثرا ب ــذاك متك حين

.والتذوقيغلب عىل آياته القـدرة عـىل أن . ظه عىل نظام البيان القرآينوهذا ما تلح

تعطى اآلية وحدها مأخوذة من سياقها, فهي حينذاك ال تدعك مفتقـرا إىل غريها, فإن شئت وفـريا مـن العطيـة, فاسـلكها يف سـياقها, ومـارس حـسن

البرص والتدبر والتذوق جتد منها ما يفيض عن وعاء فـؤادك, فـال حياجز هـا .عن عطيتك من نعامئها إال ضيق وعائك

السياق ذو أثر بالغ يف تكاثر املعاين يف وعي السامع الراصد فوق أثره يف ضبط معامل حركة العقل املستقبل تأويال ملا يستقبل, إذ السياق يمنح السامع

املستبرص عطيتني رئيستني : العطية األوىل جزته عـن أن يـصيبه فـسوق عـن احلـد يف التأويـل بـام حما:

مع الكالم بنية ومعنى وميتواءم صداق .

Page 6: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٨

وهذه نعمة تطهريية لو اقترص السياق عليها لكـان عـايل العطـاء جـودا, ولكنه يشفع تلك العطية لـذلك العقـل املـستقبل بنعمـة أجـل, هـي العطيـ ة

األخرى نعمة القدرة عىل تكاثر املعاين, وتغازرها استنباطا مما هو مـستقبل : من البيان, ملا يتسم بـه البيـان العـايل ,بلـه العـيل مـن فـضيلة اتـساع الفـضاء

الداليل الذي يسبح فيه القول, وهو برغم اتساع هـذا الفـضاء إال أن حركـة العقل والذوق يف سبحه فيه منضبطة بالعطية األوىل,ولعل عطية الـضبط يف حركة التلقي والتأويل التي يزجيها السياق للعقل املستقبل إنام معدهنا تربج

أي حصانة وقوة( داللـة الـصورة عـىل املعنـى, بيـنام عطيـة اتـساع الفـ) ضاء الداليل للقول معدهنا حسن داللة الصورة عىل املعنى, ومتام تلـك الداللـة,

حسن الداللة ومتامها هلام من االقتدار عىل دفع احلركة املنـضبطة يف : فهذان فضاء داللة القول, وهكذا تكون حركة العقل والـذوق يف اسـتقباهلا القـول

مليكة حرية مسؤولة مضبوطة, فال هي باملأسورة املعطلة, وال هي بالطليقة املتمردة .

والبــرص بــأثر الغفلــة عــن الــسياق يف حتريــر الداللــة أيــرس منــه يف تكــاثر الداللة, ومن يغرس بصريته يف بعض ما جاء به أبو عبيدة معمر بن املثنى يف

تأويل بعـض كلـم القـرآن يـدرك أن مـا منـي بـه مـن من) جماز القرآن(كتابه

Page 7: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٩

جماوزة عن الصواب جاءه من الغفلة عن السياق ولو راجع السياق لرجـع . عام به أول .

والسياق النازل هـذه املنــزلة, واملنـتج ذلـك الفعـل يف العقـل املـؤول ملـا يستقبل قد يكون سياقا غري لـساين سـياقا لـسانيا, وهـذا وقـد يكـون ) مقـام(

اللـساين/البيـاين / املقـايل(اآلخر هـو األفعـل واأللطـف, واألول متعـدد ) األنواع, ولكن اآلخر .متصاعد املستويات) اللساين/ البياين/ املقايل(

تنــوع األول أفقــي, عالقــات التجــاور عيــاره, وتنــوع اآلخــر رأيس, عالقات التصاعد وا لرتاكب والرتاكم عامده .

والنوع األول قد يغني بعضه عن بعض, وقد يقدم بعض عىل ) املقامي( بعض, وقد تغيب بعض أنواعه بل إن من أهل النظر مـن غيبـه مـن اعتبـاره مع حضوره يف املدونة املعرفية, فلـم يعتـد بـه كـام تلحظـه يف كثـري مـن نتـاج

التفـسريية, فغـري قليـل تغـافلهم عمـدا عـن بعـض القـرائن "املنار"مدرسة ــسياق النــيص ــصار عــىل ال ــة واالقت ــسياقات املقامي وال ــايل ( ــاين/ املق / البي

) اللساينأما السياق اآلخر فلرتاكبه ال يغني بعضه ع) املقايل( ن بعض فـضال عـن

أن يغيب بعض ه, وال يقدم مستوى عىل ما قبله بل فريضة أن يلتـزم بحركـة . : التصاعد

Page 8: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٢٠

البيت / اآلية /اجلملةسياق الصورة الكلية / النجم/ لفقرة فسياق ا املعقد /فصلفسياق ال...القصيدة/ السورة/ اخلطبة: لنصفسياق ا

) الفقـرة (فهذه مستويات سياقية, وهي أشبه بـأربع دوائـر حتـيط الثانيـة ــة والثال) اجلملــة(بــاألوىل ــة ) الفــصل(ث ــه(بالثاني ــا أحاطــت ب : الفقــرة, ومفهـي دوائـر ) الفصل, وما أحاط به(بالثالثة ) النص(وحتيط الرابعة ) اجلملة

ال تتقاطع, بل تتداخل . ولـيس تعيـني الــسياق املقـايل الداللــة, وعـصمة الــسامع املعـاىف مــن داء

الغفلـة واجلهالــة واهلـوى بمقــصور عـىل دالالت الكلــم, بـل ذلــك قــائم يف دالالت الكــالم عــىل تنــوع مــساحاته الرتكيبيــة اتــساعا وإن يكــن فعلــه يف .

كيبيـة كـان أثـر الـسياق الكلم أظهر, وأقرب إدراكا وكلام اتسعت البنية الرت أخفى, وأبعد إدراكا, ولكنه ليس أضعف فعال, ففـرق ال خيفـى بـني لطـف

الفعل, وضعفه, ليس اللطف البتة آية ضعف, بل قد يكون من اللطف قوة ومتكن .

والوعي بأمهية السياق وأثره يف التلقي والفهم ليس وليد نظر حمدث ممـا يعرف بـ بل ذلك أمر أسبق من عـرص التـدوين, بـل أسـبق "نظرية السياق"

من عرص الرواية الشفاهية مجعا, وإن اسـتحال العرفـان الفطـري إىل نظريـة

Page 9: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٢١

علمية, وبسط القول وتشقيقه وترصيفه يف ذلك قد تكون العناية بـه ليـست جد بعيدة يف مسرية الوعي بالسياق وأمهيته . وعلامؤنا يعرفون العالقة بني السباق واللحـاق ) املوحدة التحتية: بالباء(

وأن السباق ما جـاور حمـل النظـر مـن القـول ) املثناة التحتية:بالياء(ياقوالس تقدما, واللحاق ما جاوره تأخرا, وكـل بحـسبه, فـسباق الكلمـة أو حلاقهـا كلمة, وسباق اجلملة أو حلاقها مجلة, وسباق الفقرة أو حلاقها كذلك فقـرة,

وسباق الفصل أو حلاقه فصل ... قدمع/أما السياق فهو االمتداد اللـساين للقـول مـن أول حـرف فيـه إىل آخـره, وهو دوائر أو مستويات, فهنالك سياق جزئي قريب, وهنالـك سـياق كـيل

... مديد إن الوعي بالسياق وأمهيته فطرة لسانية فهام, وإفهاما, وهو غري خـاص

قوم, وإن يكـن اللـسان األرقـى واألوسـع فعـال وحـضورا بلسان قوم دون أمهية السياق فيه أعظم, ولذا كان السياق أقل منزلـة يف كـالم الـدمهاء لقلـة

ــة ــة املعــاين العقلي ــة لغلب ــة املمكن االحــتامالت الداللي ــة( عــىل األداء ) النفعياللغـــوي عنـــدهم, أمـــا يف كـــام يف البيـــان ) األديب/ البالغـــي( األداء الفنـــي

الشعر والنثر الفني فإن أمهية السياق بـرضبيه :اإلبداعي املقـايل واملقـامي( (تكون أكرب بكثري, وال سيام السياق املقايل( النيص/ .(

Page 10: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٢٢

وتبلغ أمهية السياق ذروهتا يف بيان الوحي قرآنـا وسـنة, والسـي ام البيـان القرآين, فالنظام البياين هلذا الوحي القرآين يتسم بكثرة االحتامالت التأويلية الصحيحة املمكنة مع تفاوهتا قربا وبعـدا, وجـالء وخفـاء ولطفـا, فهـو كـام

أي ذو وجوه صحيحة, وذلك التساع نظامه "محال ذو وجوه"ورد به اخلرب ة نظمــه وتأليفــه وإحكــام تركيبــه, وهلــذا اتــسمت صــور معانيــه البيــاين وقــو

بالتربج واحلصانة واملتانة ملا يف هـذه الـصور وسـياقاهتا املقاليـة واملقاميـة مـا حياجز العقل البصري من الرتدي يف التأويل الفاسد, واألخذ بوجه ال وجود

له يف البيان عند التحقق وهلذا أكـد القـرآن رض. ورة مراعـاة كـل مـا حيـاجز العقل املعاىف من الغفلة واجلهالة واهلوى والعجلة عـن أن يرتـاب فيـه فـال .

يرتاءى منه خلياله حسبان وجه داليل ال يليـق بكـامل هـذا الكتـاب ورفعتـه, وتنزهه عن كـل مـا يكـون أهـال ألن يرتـاب فيـه ذو حجـر, فقـال يف مفتـتح

ــه :" البقــرةســورة" ــاب ال ريــب في ذلــك الكت ــسمة فتحقيــق تلــك ال اجلوهريـة يف القرآن :ذلك الكتاب,ال ريب فيه توجب عىل كـل متبـرص

متدبر أن يترتس بكل العوامل التي تعصمه من أن يكون منه يف تأويله ما ال يقارب هذه الصفة :ب ال ريـب فيـهذلـك الكتـا ومـا ال يقـارب الوظيفـة

هدى للمتقني: الرئيسية .

Page 11: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٢٣

ومن أبرز تلك العوامل السياق املقامي عىل تنوعه والـسياق املقـايل عـىل تعدد مستوياته ودوائـره بـدءا مـن وانتهـاء بالـسياق القـرآين كلـه "اجلملـة"

املستفتح بـ يف أول سورة "البسملة") باء( واملختـتم تـالوة ,ال ) أم الكتـاب( مـن قولـه ) الناس(كلمة ) سني(تدبرا بـ :اس ة والنـ مـن اجلنـ يف آخـر

البـد أن يكـون ملحوظـا ) السني(وتلك ) الباء(فام بني هذه ) الناس(سورة عىل مدرجة السياق, ال يوجد فيه ما يكون عند حتقيـق النظـر القلبـي املعـاىف

من داء الغفلة والتعجـل واجلهالـة واهلـوى مـا يمكـن أن حيـسب أنـه مباعـد شيئا هو قائم عىل مدرجة هذا السياق املمتد بني طرفيه املشار إليهام قبل . واألصل يف اتساق سياق القول يف أي بيان له يشء من خصائص ا لسمو

يف األداء إن كان بيان برش أو بيان وحي أن يكـون هـذا االتـساق متحققـا يف اجلانب اجلواين للبيان حتققا ال يتأتى القول معه بضعف هذا االتساق فضال عن القول بانقطاعه ,أما حتقق هذا االتساق يف البيان حتققا برانيا فيمكن أن

خيفى خفاء حيسب العجل نظرا والكليل برصا أن ثم انـقطاعا بيـنام يـراه مـن هو أغـور بـرصا وألطـف إدراكـا قـائام يف ذلـك البيـان ,وإن عجـز بيانـه عـن

كشفه . اتساق السياق النيص رضورة بيان يف كل خطاب بليـغ, وإال كـان ذلـك

اخلطاب موصوما باالن قطاع الذي هو الداء املبري للجانب الوظيفي للبيان :

Page 12: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٢٤

אאאK هذه الثالثة الوظيفية لكـل خطـاب بليـغ تتهـاوى وتتـداعى إذا مـا منـي

اخلطاب بانقطاع االتساق السياقي وآفة بعض الناظرين حـسباهنم أن مـا ال يبـرصونه حمكـوم عل يـه بأنـه ال

جيعلون إدراكهم عيار الوجود ,وهذا غري قـويم يف منطـق العلـم. وجود له .ومــن هــذا نــدرك بعــد مــن ذهــب إىل أن البيــان البليــغ قــد ال يكــون متــسام باالتــساق اجلــواين ملجــرد أنــه ال يدركــه أو رأى أن حمــاوالت بعــض العلــامء

ن حمـاوالت متـسمة بـالتكلف, فجعـل مـن الكشف عنه يف بعض فنون البياعــدم إدراكــه هــو, ومــن تكلــف آخــرين يف الكــشف دلــيال عــىل انتفــاء هــذا االتساق السياقي, وهذا حكم عىل األشياء من خارجها, وهو حيف وجور

. ال يطاقومن أهل العلم من ذهـب إىل أن دراسـة بالغـة اخلطـاب عـىل املـستوى

يضم كل أسـلوب إىل نظـريه ال يكـشف عـن الفـضيلة التجزيئي له أساليب البيانيـة للخطاب, بل العيل أن يـدرس اخلطـاب كلـه باعتبـاره وحـدة بيانيـة

. متكاملة ال تقبل التجزئةאאFW٦٥٤WE

ملا رأيت املؤلفني يف الشان مل يذهبوا مـذهبا يقـوم بمثلـه عـىل خمـا" لفيهم الربهان لكوهنم بوبوا تواليفهم أبوابا مرتمجة بنعوت حماسـن الكـالم الـذي

Page 13: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٢٥

وانتزعوا آيات تدخل حماسنها يف تلك األبـواب, "البديع"سامه املتأخرون بـ ومل يعدلوا إىل سورة بكامهلا, فيظهروا إعجازها بالنسبة إىل قصيدة فاضلة أ و

خطبــة هائلــة ;لتنقطــع حجــة الزنــديق, وتبطــل دعــوى كــل مــن خــرج عــن الطريق, فإنا لو قال لنا بعض الزنادقة إنه ما من قصيدة أو خطبة للعرب إال

ويندر فيها البيت الطائل, واملعنى اهلائل, فأي مزية هلذا الكالم العظيم عـىل غريه من الكالم ولو سلكوا غري طريقهم يف إظهار اإلعجاز ملا ورد علـيهم .

هذا الدخل, وملا توجه عليهم لسببه املالم ")١( وهذا الذي رصح به ابن أيب اإلصبع يف القرن السابع أنت جتد شـيئا منـه

وإن يف كتابـه إعجـاز القـرآن, يف صنيع القـايض البـاقالين يف القـرن الرابـع, : كانت ممارساته يف نقد الشعر مل ترق إىل ما يليق بالـشعر عامـة وبالـشاعرين

امرئ القيس والبحرتي خاصة, ولو أنه سلك سبيل النصفة هلام لكان إبرازه املزية املحققة إلعجاز بالغة القرآن أمكن, املهم أنه التفت إىل أن األمر ليس

ذرات من األساليب البالغية جتمع من هنا وهنالك, ثم تصنف, مرده إىل شبل األمر مبدؤه النظر يف البناء النيص .

هنا أن كل خطاب بليغ فيه حمور قصدي تطوف املكونـات جممل القول اخلطابية يف معناها ومبناها حول ذلك املحور تلحظه, وال تلتفت عنه .

F١E،אאאאאאאאW، J

١٩٦٠،٧٢

Page 14: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٢٦

ومن وراء هـذا الع امـل الـرئيس يف متاسـك بنـاء الـنص عامـل كـيل آخـر يتمثل يف سبك الصورة وحبكها, ولكن هذا العامل ببعديه ال يستغني البتـة

عن العامل الرئيس ,إذ هو مبني عليه يف كل سورة من سور القرآن مقصد حموري يمسك بمعـاين كـل آياهتـا,

دها املرحليــة, وكــذلك للــسياق وأعــشارها ومعاقــدها, وبمبانيهــا ومقاصــالقرآين كلـه مقـصد حمـوري يمـسك بكـل سـوره, بـل بكـل آياتـه, ونجومـه وفصوله, وما من آية أو نجم أو فصل أو سورة إال وهو موثوق هبذا املقصد

إياك نعبد ):أم الكتاب(املحوري, وهو املتمثل يف اآلية اخلامسة من سورة وإياك نستعني نى قرآين يف كل مكونات البيان القرآين عىل امتداده فكل مع

هو منسول من هذه اآلية, وقد أعيد ترصيف هذا املعنى والتـرصيح بـه عـىل : −سبحانة وتعاىل–يقول ) الصمد/اإلخالص(النسق نفسه يف صدر سورة

{ G F E D C B Az شأن كل خطاب بليغ أن يكون سياقه متسقا ناسال من رحم والتفـاوت بـني رضوب البيـان البليـغ إنـام يكـون يف قـدر مت

إحكام العالقة بني املحـور القـصدي الواحـدي, والتنـوع املعنـوي املتعـدد, فكثرة املوضوعات وتنوع املعاين املرحلية القائمة يف مباين الفـصول ثـم قـوة

التواصل ولطفه وطرافته هو الذي حيقق كثريا من عوامل التميز والتفاضـل بني رضوب اخلطاب البليغة .

Page 15: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٢٧

مما مـىض بيانـه ينكـشف لـك أن اخلطـاب البيـاين البليـغ عـىل امتـداده ال يكون عىل رشف البالغة إال إذا ما كان جاريا عىل الحب سياق متسق مـن

أوله إىل منتهاه ناء صورة اخلطاب الدالة عىل مكنونـه اجلزئـي والكـيل ذو وب. وهذه الدراسة مهمومة بإبراز مـستويات بنـاء صـورة مستويات متصاعدة,

املعنى القرآين عىل ما هو قائم يف مدونة العقل البالغي عىل اختالف جماالتـه ومقاماته املعرفية والعلمية وحسن أن تستهل . النظر ببيان املراد بمـستويات

Kالبناء,وبصورة املعنى القرآين

אW الصورة الدالة عىل املعنى تكون بحسب املعنـى إمـا نظـام, وإمـا ترتيبـا,

وإما تأليفا, وإما تركيبا وما هي بمستويات متعادلـة أو مرتادفـة أو متقاربـة . ى الثاين عىل األول, والثالث عىل الثاين, والرابع عىل الثالـث, فأدناهـا بل يبن

كيب هو النظم, وأعالها هو الرت . نسقها عبد القـاهر يف هـذا املوضـع )املستويات البنائية( األربعة األول

االستفتاحي نسقا أومأ بصياغتها إىل ما بينها : ا وترتيب−نظام

. وتركيبا−تأليفا كيب, وكل مستوى يطوي فيه مستويات البناء تبدأ بالنظم, وتنتهي بالرت

ما قبله من مستويات

Page 16: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٢٨

אאFאE هو توخي معاين النحو فيام بني معاين الكلم يف بنـاء اجلملـة عـىل حـسب

األغراض واملعاين التي يقال هل ا الكالم . { L K J I H G Fعىل نحو ما تراه يف قول اهللا

P O N Mz )هـذه اآليـات إنـام هـي مجلـة واحــدة ) ٤−٢:الفاحتـةاحلمد(تكونت من مسند إليه ومسند) فالعالقات القائمة .وتوابع نعتية) هللا(

:بني مكونات هذه اآليات ثالث عالقات )احلمد هللا:ني اجلملةبني رك(عالقة إسنادية

) رب العاملني( وعالقة تقييدية يفيف النعوت السم اجلاللة املجرور بالالم(وعالقة تبيينية ( אאFאE

وهو توخي ما يكون بني معاين اجلمل من عالقات غري اإلعرابية أي ما (يكــون بــني املعــاين اجلزئيــة القائمــة يف كــل مجلــة : يف بنــاء الــصورة الكليــة )

عـىل حـسب األغـراض التـي يقـال هلـا ) الفقـرة/ الصورة الكليـة/ النجم( الكالم ويدخل يف هذا ما يقع بني اجلمل من كامل االتصال, وشبهه. .

אאFWאE وهو توخي ما يكـون بـني معـاين النجـوم الـصور الكليـة/ قـر مـن الف/

الفصل عىل حسب الغرض املرحيل الذي يقال له / عالقات يف بناء املعقد الكالم .

Page 17: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٢٩

كل معنى جزئي لصورة أو نجم أو فقرة يتـآلف مـع سـباقه وحلاقـه عـىل الحب السياق وصوال إىل الفصل املعقد ذي الغرض املرحيل/ .

التأليف إذن هو ما بني معاين الصو ر الكلية من عالقات توجـب نـسقها ومعنـى الـصورة الواحـدة مكـون مـن معـاين اجلمـل املكونـة . يف بنية املعقـد

, كام أن معنى املعقد )الفقرة/النجم( للصورة الواحد مكـون مـن ) الفصل( معاين الصور, وهذا التناسق بني معاين الصور أسميه تأليفـا, ألنـه أوغـل يف

.اللطف, وذلك شأن التأليف ومما هو قوي الداللة عىل هذا ما تراه يف نـسق آيـات أحكـام املعـامالت

: { q p o n mتبـدأ اآليـات بقـول اهللا ) البقـرة(املالية يف سورة

f e d cb a _ ~} | { z y x w v u t s rz { KJ I H G F E D C Bليختم هذا املعقد بقوله ٢٦١: البقرة

] \ [Z Y X WV U T S R Q P O N M L

f e d c b a _z ٢٨٣: البقرة K

אאאFאE W وهــو تــوخي مــا يكــون بــني معــاين املعاقــد أي األغــراض )(الفــصول(

اجلزئيـة للمعقـد/ حليةاملر الـسورة يف البيـان (مـن عالقـة يف بنـاء الـنص ) عىل حسب ما هلـذا ) يف بيان اإلبداع البرشي... القرآين أو القصيدة, اخلطبة

Page 18: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٣٠

النص من غرض حموري رئيس, ومقصود أعظم, ومغزى مركزي يساق له الكالم كله .

من هذا ما تراه من نسق معاقد سورة ال بقرة ,وقـد تكلـم العلـامء يف هـذا .التي تركبت منها السورة) املعاقد(وأبانوا عن األقسام

كيبي هو املرحلة النهائية العليـا لبنـاء الـنص ووجـوده البيـاين, البناء الرت وحسن فهمه هو اخلطوة األوىل حلسن فهم التأليف ثم الرتتيـب ثـم الـنظم .

واص النظمية يف بنية اجلملة ال يكـون إال يف ضـوء الغـرض وحسن فهم اخل املساق له الكالم كام يقول عبد القاهر, وهذا الغـرض املـساق لـه الكـالم ال كيبي للنص يعرف حتريره وضبطه إال من خالل حسن النظر يف البناء الرت .

ورة إذن يتخذ منهاج احلال املرحتل, يتزود مـن كـل والنظر املتدبر يف الس مرحلة زادا لألخرى جيئة وإيابا .

ولكل نص بليـغ سـواء كـان مـن بيـان الـوحي قرآنـا وسـنة أو مـن بيـان اإلبداع شعرا ونثرا فنيا بناء نيص ولكـل بنـاء خصائـصه, ) أي بنـاء تركيبـي(

فليست األبنية الرتكيبية يف نتـاج شـاعر مـا عـىل نمـط واحـد, بـل تكـاد كـل قصيدة لبنائها الرتكيبي خصائص متيزه من غريه يف قـصيدة ) الكيل/ النيص(

أخرى للشاعر نفسه, وكذلك األمر يف البيان القرآين املعجز, بل متيز الـسور أعظم,وخصائصه أوفر) النيص(يف بنائها الرتكيبي .

Page 19: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٣١

אאאW خصوصية بالغـة ) العنكبوت(وسورة ) النمل(وسورة ) النحل(لسورة

بأمر الدعوة إىل اهللا فهـذه الـسور بينهـا تكامـل يف رسـم منهـاج الـدعوة , وأدواهتا وآداهبا, ونحن هنا معتنون بسورة , ولعيل أفرغ لتدبر كـل )النحل(

.)العنكبوت(وسورة ) النمل(ن سورةمسورة ترسم منهاج الدعوة إىل وحدانية اهللا ) النحل( سورة باحلكمة

.واملوعظة احلسنة, وترسم منهاج اجلدال بالتي هي أحسن وكـامل بيـان منهـاج الـدعوة إىل وحدانيـة اهللا مقصودها األعظـم هـو

. وسيكون هلا مزيد اختصاص بالنظرهقدرته استدالال وامتنانا بنعامئه وآالئــة اهللا ) النمــل(وأمــا ســورة ــة إىل وحداني فرتســم أداة الداعي : العلــم

.واحلكمة, ولذا كثر فيها الترصيح هباتني األداتني وكذلك التلويح ٦: النمل { s r q p o n mz: يف صدر السورةولعل قوله

{ _ ~ } | { z y x w v uنا موسـىيف شأن سـيد: وقوله

d c b az وقوله ٧: النمل { ß Þ Ý Ü Û Ú Ù Ø ×

M L K J I H GF E D C B Az ١٤ − ١٣: النمــل ـــــه { \ [ Z Y X W V U T SR Q P O N ^ ]zوقول

~ _ ` { h g f e d c b a:ولعــل مقــال النملــة ١٥: النمــل

q p o n m l k j iz ـــد ١٨: النمـــل ـــال اهلده :ومق{ Ò Ñ Ð Ï Î Í Ì Ë Ê É È Ç Æ Å٢٢: النمل ژ { z y

Page 20: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٣٢

_ ~ } | {z ٢٧: النمل { j i h g f e d c b a kz ٢٨: النمل {² ± ° ® ¬ « ª © § ¦z ٣٢: النمل

{ À ¿ ¾ ½ ¼ » º ¹ ¸ ¶ µ ´z النمـــل : { Ô Ó Ò Ñ

Ø × Ö Õz ل ٣٥ { g f e d c b a ` _ ~ } i h: النم ¢ ¡ �~ } | { z yx w v u t s r q p o n m l kj

¦ ¥ ¤ £z ٤٠: النمل { Æ Å Ä Ã Â Á À¿ ¾ ½ ¼» º ¹ ¸ ¶ Çz ٤٢: النمل { ä ã âá à ß Þ Ý Ü Û ÚÙ Ø × Ö ç æ å

ô ó ò ñ ð ï î í ì ë ê éèz ثـم تأتيـك ٤٤: النمل :اآليات املستفتحة واملختتمة باالستفهام

{ _ ~ } | { z y x w v u t s r q n m l k j ih g f ed c b a `z ٦٠: النمل W

{j i h g w v u t s rq p o n m lk z وقوله ٦٦: النمل: { Ø × Ö Õ Ô Ó Ò Ñ Ð Ï Î Í Ì Ë Ê É È Ç Æ Å Ä Ã

ã â á à ß Þ Ý Ü Û Ú Ù G F E D C B A U T SR Q P O N M L KJ I H ] \ [ Z Y X W V

r q p o n m l kj i h g f e d c b a ` _ ^ e d c b a ` _ ~ } | { z y x w v u t s

fz ثـم خيـتم الـسورة بقولـه ٨٢ − ٧٤: النمل: { _ ^ ] \ [

e d c b a u t s r qp o n m l k j i h gf k j i h g fe d c b a ` _ ~ } | { z y x wv

lz يف مــا ســبق إيــراده مــن اآليــات تبــرص حــضور العلــم ٩٣ − ٩١: النمـل .واحلكمة جليا حينا وخفيا حينا

Page 21: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٣٣

داعية, فعلم بال حكمة قد يكون سـببا العلم واحلكمة مها زاد ال: وهذان يف املرضة, والفتنة, عىل ما تراه يف حركة احلياة من حولك, فاحلكمة تـضبط فاعلية العلم يف احلياة, وهبذا يستحيل العلم نافعا, وكم من داعية هو خزانة

علم, ولكنه مفتقر إىل احلكمة, فتقع بعلمه الذي يبثه يف غري موضعه وأهلـه .ومنهجه فتن ال تطاق

ومن العلم واحلكم خيرج اهلدى والبرشى, فشأن الداعية أن يبدأ بالعلم والتعليم, وبالبرشى من قبل اإلنذار والتخويف, فالتقرب بـام فيـه التحبـب هيب والتخويف, ولـذلك تبـرص والتودد أوفق بحال الداعية من البدء بالرت

يف مفتتح سورة دالئل الرمحة والتحبب والتلطف تسبق دالئل ) أم الكتاب( هيب والتهويل الرت . فاملقصود األعظم منها إظهار العلم واحلكمـة كـام كـان ":يقول البقاعي

مقصود التي قبلها إظهار البطش والنقمة, وأدل ما فيها عىل هذا املقصود ما لتدبري, وسداد املذاهب يف العيش, وال سيام ما ذكـر عنهـا للنمل من حسن ا

سبحانه من صحة القـصد يف الـسياسة, وحـسن التعبـري عـن ذلـك القـصد, )١(""وبالغة التأدية

فالبرص بآخر آيات سـورة القـصص هيـدي إىل ) العنكبوت( وأما سورة ما تقـوم سـورة العنكبـوت لتفـصيله وتقريـره يف آخـر سـورةيقـول اهللا .

:القصص

F١EאאאWWאאאWא

אאW١٤٠١٥،٥L٤٠٥

Page 22: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٣٤

{ U T S R Q P O N M L K J IH G F E D C B A h g f e d c b a _ ] \ [ Z Y X W V a _ ~ } | { z y x w v u ts r q po n m l k j i

kj i h g f ed c b p o n m l z هذه اآليات ٨٨ − ٨٥: القصصرصحية يف الدعوة إىل أن يستمسك النبي والذين آمنوا معه بـام أنـزل اهللا ,

ــصدهم هللا ــم وق ــصوا أمه ــه يشء, وأن خيل ــصدهم عن وأال ي فكــل يشء .هالك إال وجهه له احلكم, وإليه املرجع

) العنكبوت( أمام املحن ما فيه, وهلذا جاءت سورة ويف هذا من التثبيتبعدها لرتسم العزيمـة واإلرصار عـىل املـيض إىل الغايـة, واحـتامل االبـتالء .

وما من داعية صادق ال يبغي غري وجه اهللا إال وقد أقيم يف البالء, ولكنه } | {z y x w v u t s:املنترص يف مآل أمـره, وأمـر دعوتـه

ª © § ¦ ¥ ¤£ ¢ ¡ � ~ }z ١(....٣ − ٢: العنكبوت( { y x w v ut s r q p:ويأيت ختام القول يف السورة

zz ــصاعده عــىل ٦٩: العنكبــوت ــه وت ــى القــرآن يف ترقي وذلــك ذروة املعنختتم, تدرك مـا فتبرص وشائج القربى بني املفتتح وامل.الحب مساق السورة

) العنكبوت(الذي تساق إليه آيات سورة

F١EאאאW٢ J٧،١٠ J١٣،٤١ J٤٢٥٦ J٦٠،٦٤،٦٩،א،אאאא

אאאאKW

Page 23: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٣٥

معبـودا وقد أبانت السورة مـصائر األمـم التـي اختـذت مـن دون اهللا تتقرب إليه وحتتمي به, فكانت كمثل العنكبوت اختذت بيتا هو بيت اهللكـة

.والفناء مقـصودها احلـث عـىل االجتهـاد يف األمـر بـاملعروف, ":يقول البقـاعي

والنهي عن املنكر, والدعاء إىل اهللا تعاىل ومحده من غري فرتة, كام ختمـت بـه أصال, لئال يكـون مثـل الفـرد السورة املاضية, من غري تعريج عىل غريه

املتعوض عوضا منه مثل العنكبوت, فهي سورة ضعف الكافرين وقوة عند )١( )دال عىل مقصودها املؤمنني, وقد ظهر رس تسميتها بالعنكبوت وأنه

معبودا تتقـرب السورة أبانت مصائر األمم التي اختذت من دون اهللا إليــه وحتتمــي بــه, فكانــت كمثــل العنكبــوت اختــذت بيتــا هــو بيــت اهللكــة

.والفناءهذه الثالث السور ترسم برناجما قرآنيا لبناء الداعية املسلم .

وتلحظ أن سورة املنهج تيـل ) النحل( قد سبقت يف سـياق التنزيـل والرتأيضا, تالها سورة األداة يف السياقني, ثم كـان اخلـتم بـسورة آداب ) النمل( ) العنكبوت(ممارسة الدعوة وأخالقها

وأنت إذ تنظر يف ما سميت به كل سورة وعالقة ذلك بمقصود الـسورة وموضعها تبـرص لطيـف التناسـب, فقيمـة منهـاج حياتـه, ومـا يف ) النحـل(

F١EאאאWWאאאWא

אאW١٤٠١٥،W٥٥٣٣

Page 24: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٣٦

ـــمثل حــرشة : يثمــره ذلــك املنهــاج ت ــزا يف العمــل ) النحــل( نموذجــا متمي اجلمعي, وانه ما من واحدة منها إال وهي رشيك مشاركة فعليـة يف العمـل, وذلك شأن أمر الدعوة, ال يثمر العمل الفردي فيها, بل العمل اجلامعي هو

الــذي يزهــر ويثمــر, وقــد أ درك املبغــضون لإلســالم وأهلــه ذلــك, فتنــادوا بتجــريم العمــل اجلامعــي يف الــدعوة واملامرســة, وتــساهلوا مؤقتــا يف العمــل

الفردي لعلمهم بأن أزهاره تتساقط, فال تثمر . تتمثل فيام يصوره مشهد النملـة حـني رأت سـليامن ) النمل(وقيمة

عـىل أن ا, مما محـل سـيدنا سـليامن وجنده, وما كان منها يف حتذير قومهفالعلم واحلكمة ظاهران يف أمرها أكثر من ظهورمها يف أمر . يتبسم من قوهلا

وهـذا ال يـصلح أن يكـون أحطت بام مل حتـط بـه:فاهلدهد قال) اهلدهد( { i h g f:من الداعية يف أمر الدعوة, ولكن ما قالته النملة

m l k j p o nz فهــو مــن أكثــر احلــرشات فطنــة ١٨: النمــلوحكمة وحرصـا واختـاذا لألسـباب واجللـد والعـزم فهـي حتمـل أضـعاف أضــعاف وزهنــا, والداعيــة أحــوج مــا يكــون إىل هــذه األدوات يف مــسريته

من أنفع ما يكون للداعية p o n , وبرصك بقوهلا بالناس إىل رهبم تعاملــه مــع مــن يــدعو, فــال يتــسارعن إىل ســوء الظــن بمــن يــدعو, يف أدب

ولينظر إليهم عىل أهنم كاملرىض الذين هم أحوج إىل الرفـق, وتبـسم سـيدنا

Page 25: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٣٧

{ v نعمـة الفهـم عنـه من قوهلا ,وهـو الـذي منحـه اهللا سليامن

| { z y xw zدال عــىل أنــه أبــرص مــا يف حاهلــا مــن ٧٩: األنبيــاء كمة, فحال هذه النملة هو أليق بحال الـدعوة ملـا فيـه مـن العلـم العلم واحل

واحلكمة واحليطة, وحسن الظن الـذي يـستولد تـأليف القلـوب, فتقبـل أو . تلقي السمع

أنثى العنكب فلها من األحوال ما يلفـت البـصائر, : أما شأن العنكبوتورة, فأهـل العلـم والنشغل هنا إال بشأن بيتها الذي هو حمل العـربة يف الـس

بحال هذا الكائن يؤكدون أن هذا البيـت يـصنع مـن خيـوط هـي يف نفـسها أقوى من الفوالذ ,وأن هذا البيت إنام وهنه ليس فيام صنع منـه, وإنـام وهنـه

فيام صـنع لـه, اختذتـه بيتـا, فلـم يتحقـق هلـا مـا تـصنع لـه البيـوت الـسكينة : تامعـي ,كـل هـذا مفقـود يف بيـت واألمنة والتكافـل األرسي,والـسالم االج

ادخلـوا مـسكنا كـام قـال يف شـأن النمـل اهللا العنكبوت, ولـذا مل يـسمه فبيت النمل تتحقق فيه السكينة, أما بيت العنكبوت فخواء مـن مساكنكم

السكينة, وهي ال تبنيه إال عند التزواج, فـإذا تـم التلقـيح مـن الـذكر قتلتـه, ملجـأ فقـد كـان فمـن اختـذ مـن دون اهللا وأخذت بيـضها إىل حمـل آخـر,

اختــاذه هــذا كمثــل اختــاذ العنكبــوت هــذا البيــت, هــو بيــت الفنــاء والــدمار ملجأ حيتمي به إن واهللكة, ويف هذا تعليم للداعية أال يتخذ من دون اهللا

Page 26: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٣٨

هو أقيم يف سياق ابتالء, وهو البد أن يقام فيه, فتلك سنة اهللا فحذار من وت, حـذار مـن أن يتخـذ غـري اهللا بيت العنكب ملجـأ, فمـن اختـذ اهللا

s r q p } يف ذروة السورةوحده ملجأ كان له ما وعد به اهللا

z y x w v utz ــوت ــذي ٦٩: العنكب تأمــل هــذا الوعــد العظــيم الختمت به السورة إن أسكنه الداعية قلبه, وأفعمه بنوره ويقينه فإنـه ال تثنيـه

غايته كل أعاصري االبتالءات وزالزهلا, وتأمـل التـآخي البـديع بـني مـا عن Õ Ô Ó Ò Ñ } ختمت به سورة العنكبوت, وما ختمت به سورة النحل

Ù Ø × Öz كذلك تتبني لك العالقـة املوضـوعية بـني ١٢٨: النحل هذه الثالث السور, ولعل يف اختصاصها بـأن سـميت "حـرشة" كـل باسـم

لفتا إىل أن فيها ما جيمعها Kوقد بينته لك عىل اإلمجال الذي اقتضاه املقام.

א،אאאW سورة سورة ذات خـصوصية يف تبيـان منهـاج الـدعوة إىل اهللا "النحل"

وجمادلــة اآلخــر بــالتي هــي أحــسن, مــ ن خــالل بنــاء الــدالئل واألدلــة عــىل ومـن خـالل نقـض شـبهات اآلخـر . وكامل علمـه وقدرتـهوحدانية اهللا

نقضا حميطا بصور مثىل للجـدال بـالتي هـي أحـسن, فـإذا مـا درس الداعيـة منهاج السورة يف ذلك, وهو منهاج يظهر لطيفا قويـا يف نـسق بنـاء الـسورة,

Page 27: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٣٩

ك القـدرة عـىل حـسن الـدعوة إىل اهللا فإنه يمتلـ وجمادلـة أهـل الـشبهات بالتي هي أحسن .

كــاف ملــن تــدبر أرسار – وهـو تــوقيقي –تقـسيم القــرآن الكــريم إيل ســور ــن ــه الزخمــرشي م ــا قال ــا م ــسيم, ومنه التق ــصيل ســبب تالحــق " أن التف

ــة ــائر ومالئم األشــكال والنظ ــاين ــتالحظ املع ــذلك ت ــبعض, وب ــضها ل بع ) ١( "ويتجاوب النظم

فقوله هذا يشري إيل أن كل سورة قد حوت جمموعة مـن املعـاين املتالحظـة .ومجيل منه التعبري بتالحظ املعـاين وجتـاوب الـنظم, فهـو ممـا يعطـي أن الـسورة

رامية إىل غاية تتالحظ املعاين يف مـسريهتا إليهـا, وتتناسـب, وتتنـاغم العنـارص دقيقها وجليلها, فرتى نظام متجاوبا, وهذا دال عىل أن بـني مكونـات الـسورة,

عىل تنوعها وتعددها عالقات جوانية جديرة بحسن التدبر . ومن احلسن أن أشري هنا إىل أمر عام يف تشابك املعاين الق رآنية, ذلك أهنا

معان قائمة عالقاهتا عىل أساس كيل هو أجناس املعاين وأنواعها : ثم معان هي أجناس عامة لسائر معاين القرآن كله .

وثم معان هي أجناس لسائر أنواع املعاين يف السورة بمعنى أن هنالـك . معنى هو كاجلنس ألنواع معان مبثوثة يف كثري من الـسور, فهـي تـربط هبـذا

األصل ارتباط النوع باجلنس .

F١Eאא–Wאא–١٤٢٣٥٩

Page 28: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٤٠

م معنى هو كاجلنس ألنواع معـان مبثوثـة يف سـورته التـي ورد فيهـا, وث وقد يكون هذا املعنى الذي هو جنس ملعان يف سورة متعينـة هـو نـوع ملعنـى

هو جنس كيل , فثم ما هو معنى كاجلنس العام, وما هو ك اجلنس اخلاص يف .سورة معينة

إذا نظرت يف معـاين سـورة الفاحتـة ألفيتهـا أجناسـا كليـة ألنـواع معـاين القرآن الكريم كله بدء "الناس" وانتهاء بسورة "البقرة" من سورة ا

وإذا نظرت يف كل سورة ألفيت فيها معنى هـو كـاجلنس الكـيل اخلـاص .ر معاين السورة ارتباط النوع باجلنسهبذه السورة, ويرتبط به سائ

ســتجد معنــى هــو جــنس عــام ألنــواع معــاين ســورة ) النحــل(يف ســورة خاصة, وهذا ما أشري إليه يف املباحث القادمة) النحل( :

مكية مـن ثـامن وعـرشين ومئـة آيـة تكونـت مـن ثالثـة )النحل(سورة , ومقدمة وخامتة, وكل معقد مكو)فصول(معاقد ن من مجلـة مـن اآليـات .

ولكل معقد غرض مرحيل جيري عىل الحب مساق مديد إىل مقصد حموري تقوم عليه السورة كلها, وهو ما يسميه أهـل العلـم بالبيـان القـرآين املقـصد

واملغزى األعظم, ونعته باألعظم دال عىل أنه جامع للمقاصد ) األغـراض(املرحلية أي التي تقوم عليه املعاقد, فلكـل معقـد غـرض, وموضـوع تـدور

معانيه عليه, وهـذه األغـراض واملوضـوعات املتعـددة يف الـسورة الواحـدة

Page 29: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٤١

تدور عـىل حمـور مركـزي هـو املقـصود األعظـم, وهـو بمثابـة روح الـسورة الساري يف كل مكون من مكوناهتا ينا, ويكون البيـان عنـه يف يظهر ذلك ح.

ه مـدلول عليـه بمـستوى السورة ظاهرا, ويكون حينا البيان عنه لطيفا, لكنـ من مستويات الداللة ,وهي مستويات متنوعة ومتفاوتة يف درجات الظهور

واخلفاء الذي قد ال يدركه إال اخلاصة

Page 30: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٤٢

אאאW ذات معاقد ثالثـة تـسبقها مقدمـة ذات براعـة اسـتهاللية ) النحل(سورة

تنبئ يف لطف عن املقـصود األعظـم للـسورة وتعقـب تلـك املعاقـد الثالثـة .خامتة تكرس البيان عن املقصود األعظم للسورة .

وهذا النهج ليس من خصائص بناء سورة فهو هنج غالب عىل ) النحل(ور القرآن الطوال واملئني, وبعض سـور املفـصل, ولكـل سـورة طريقتهـا س

اخلاصة يف مقدار املقدمة واخلامتة, ويف عدد املعاقد , فقـد تطـول )الفـصول(املقدمة, وقد تكـون آيـة واحـدة, وكـذلك اخلامتـة, وقـد تكـون الـسورة مـن

واحد, وقد تتعدد املعاقد) فصل(معقد ) الفصول ( ):٢−١(مقدمة سورة النحل قائمة من اآليتني األوليني

{ i h g f e d c b a ` _ ~ }| { z y x

u t s r q p o n m l k jz مــن واملعقــد األول ٢ − ١: النحــل ــه إىل −) ٣:ي( { ~ } | { zy x w vz : قول

ــه ــةاصــدر ( {e d c z آخــر قول ــان ) ٢٢: آلي ــالنعم وهــو لالمتن ب. الوحدانية وإحاطة العلم وكامل القدرةواآلالء تدليال هبا عىل

) ٢٢: النحل اآلية (g h i j k l m n z }: واملعقد الثاين { Ò Ó Ô Õ Ö × Ø Ù Ú ÜÛ Ý Þ ß à á zإىل

Page 31: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٤٣

ن اعرتاضات وشبهات املعاندين والـرد وهو معقود لبيا) ٦٤النحل اآلية ( .عليها وتقويضها

Ò Ó Ô Õ Ö × Ø Ù Ú ÜÛ Ý Þ ß }: واملعقد الثالـث

à á A B C D E F G H I KJ L M N O P Q R z )٦٥ي (ـــه _ [^ \ ] O P Q R S T U V XW Y Z } :إىل قول

a b c d e f g h z )مـا وهو معقود ملثـل ): ٨٩: ي . عقد له املعقد األول,ولكن بطريقة أخرى ترصيفا لالمتنان والتدليل

k l m n o p q } : وفاصلة السورة مـن أول قولـهواخلامتة

r s t u v xw y z { z)إىل خـــر ) ٩٠:يوهي معقودة لبيان ) ١٢٨:ي( Ñ Ò Ó Ô Õ Ö × Ø z } :السورة

مكارم األخالق وتكريس بيان منهاج ال دعوة إىل اهللا والوعد بالعون واملعية ملن التزم وأخلص

الرشيج األول تعقيب عىل املعاقـد الثالثـة , وهـو : وهذه اخلامتة رشجينيخيتص ببيان مكارم األخـالق التـي عـىل الداعيـة أن يتخلـق هبـا , وهـي مـن

)١٢٤(إىل آخر اآلية رقم) ٩٠(اآلية رقملهــا تكثيــف ألصــول منهــاج اآلخــر ,وهــو فاصــلة الــسورة كجوالــرشي

)١٢٨−١٢٥:ي( وجزاء من أحسن اختاذه ذلك املنهج الدعوة إىل اهللا

Page 32: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٤٤

هذا بيان وجيز خيلص حماور القول يف البناء الرتكيبي لسورة )النحل( ومن بعد يأتيك البيان التفصييل هلذا البناء الرتكيبي هلذه السورة املنهاج

,وهو بيان ال ينشغل با لنظر يف نظـم اجلملـة أو اجلمـل والعالقـات النحويـة كيبـي وغريها يف السورة , بـل هـو معنـي ببيـان التامسـك النـيص والبنـاء الرت ملعاقد السورة, وفقا للغرض واملقصد الـرئيس األعظـم للـسورة املـساق لـه

.كلمة ومجلة وآية, ومعقدا:بياهناאאא?א?

:املقصود األعظم لسورة النحلالقول بأن لكل سورة مقـصودا أعظـم إنـام خمرجـه اليقـني املؤسـس عـىل حسن التدبر يف البيان القرآين املثمر أن تقسيم القرآن الكـريم إىل سـور ذات

مفتــتح وخمتــتم متــضمنة مجعــا مــن اآليــات ذات الطــابع البيــاين اخلــاص ال يستقيم فطرة بيانية أن يقال إن هـذه اآليـات يف الـسورة متـشاردة ال مرجـع ترجع إليه أو ال مأم تؤمه, وال مقصد تسري إليه ,وأن كل آية ترمـي إىل غـري

ال يكون البتة ذلك يف بيان عال من بي. ما ترمي إليه قرينتها انات البـرش, بلـه .البيان العيل املعجز

الفطرة البيانية تطمئن إىل أن يف السورة ما هو مرجـع تـؤول إليـه آياهتـا موضوعا ومنهاج إبانة, ذلك املرجـع املحـوري هـو معنـى مركـزي يقـوم يف

Page 33: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٤٥

كل مكون من مكونـات الـسورة, فهـو بالنـسبة هلـا الـروح الـساري كـل يفعنرص من عنارصها .

وهذا الذي أرشت إىل أنه من منطق الفطرة البيانية والذي يؤكـده النظـر العلمي يف بيان القـرآن املعجـز لـيس أمـرا مـستحدثا يف أزماننـا, بـل هـو ممـا انتهى إليه نظر األئمـة مـن العلـامء ببيـان القـرآن الكـريم , ولـذا جتـاوزوا يف

مرحلة ربط اآليـة بـام قبلهـا عـىل سـبيل التسلـسل, فـال يكـاد النظـر تدبرهم جتـاوزوا ذلـك إىل أفـق –يعدو تالحـم اآليـات أوائلهـا بـأواخر التـي قبلهـا

أن هنالك روحا يقوم يف كل آيـة بـل يف كـل مجلـة مـن مجـل : أسمى وأجدى البيــان القــرآين يف الــسورة بــل إنـــهم عــىل أن لل قــرآن الكــريم كلــه مقــصودا

أعظم, يقوم يف كل سورة بل يف كل معقد بـل يف كـل آيـة مـن آيـات القـرآن الكريم, هذه الروح قد تظهر لبعض مـن أهـل العلـم بكتـاب اهللا وقـد ,

تلطــف عــىل بعــض ممــن ينظــر يف هــذا البيــان املعجــز, فيتــوهم أن لــيس يف طاره وأفقه وفضائه بني آياهتـا, وهـذا منـه غـري دقيـق ; السورة ما جيمع يف أق

ألنه جيعل من إدراكه هو إجيابـا أو سـلبا عيـارا لوجـود الـروح, وهـذا أشـبه ــامن ــادي يف اإلي ــنهج امل ــام يــرى هــو, فهــو أقــرب إىل امل ــؤمن إال ب بمــن ال ي

باألشياء, ومنطق العقل املعاىف من داء الغفلـة يعـرض عـن ذلـك إن مل ينفـر .منه نفورا

ومن أهل النظر من يستدل بتنوع ما ينتجه أهل النظـر املتـدبر مـن بيـان ذا املقصود عىل أن ما يقال منه أن لكل سورة مقصودا أعظم هو هلا الروح

Page 34: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٤٦

السوري فيها مجيعا إنام هو أمر غري موضـعي أو هـو أمـر متـوهم ; فلـو كـان مقصودا أعظم ما اختلفوا يف بيانـه, فـاختالفهم دال عـىل أن مـا لكل سورة

يتكلمون فيه ليس له وجود متعني يف السورة احلق أن هذا النظر فيه نظر. . ــستويات ــرده إىل اخــتالف م ــصار املقــصود األعظــم م ــوع يف استب التن

املستبرص يف تدبره واستبصاره, فمنهم من ي قرص بـه الـسعي, فـريى املقـصد املـــرحيل مقـــصدا حموريـــا, واملقاصـــد املرحليـــة تتعـــدد يف الـــسورة بتعـــدد

موضوعاهتا ومعاقدها فالشأن فيام هو كيل حموري اللطف, فال يكاد يبرصه . إال ذو فراسة بيانية يرى هبا ما ال يراه كثري من األقران .

مستهال القول ببيان املقصود األعظم لسورة النحل, فهذا ال إذا ما كنت يعني أن بملك املرء أن يتبرص معامله فضال عن مالحمه وقسامته عىل يرس مـن أمره, وبنظرة عجىل أو مصاحبة جانبية للـسورة ,بـل ذلـك ال يكـون إال إذا

لبـرص والبـصرية يف آيـات انتهج املرء يف تدبره منهاج احلال املرحتل, يقلـب االسورة مجيعها, حتى يتبني له معامل هذا املقصود )١(.

ومــن خــالل التأمــل التــدبر املثــابر اتــضح أن الــسورة مقــصودها بيــان " وإحاطة علمه وكامل قدرتهمنهاج الدعوة إىل توحيد اهللا "

F١EW)אאאWאאא

אEאאא،אא،אא،אאאאא

אאK

Page 35: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٤٧

وقريب من هذا قـال بـه مـن قبـل بعـض أهـل العلـم, ولكنـي مل أشـأ أن أنطلق من مقاهلم, بل نظرت, فانتهيت إىل ما قلت من قبل إهنا سورة بيـان :

منهاج الدعوة يف أمر من أمورها, وهو أعظمها وأسها , فهي توحيد اهللا : ليــست ســورة معقــودة لبيــان وحدانيــة اهللا بــل لبيــان املــنهج األمثــل يف ,

.ا األمر يف هذالدعوة إىل اهللا وإحاطـة علمـه وكـامل قدرتـه هـو جمـال فاالستدالل عىل توحيد اهللا

يان املنهاج, وهو منهاج يتخب ذ يف غري هـذا املجـال أيـضا إال أن االسـتدالل عىل ذلك هو رأس االستدالل عىل أي يشء آخر فمـن أحـسن االسـتدالل .

يف الدعوة إليه, فهو مق تدر عىل اإلحسان استدالال ودعـوة يف مـا دون ذلـك األمر األجل .

وتـمثل صفة العلم املحيط والقدرة الكاملـة أساسـا لكثـري مـن صـفات اهللا , فال ينعت بكامله إال إذا كان حميطا علمه بالعـاملني, وإال مـن كـان كامـل

القدرة عىل كل يشء . مــل والكلــم الدالــة دالــةاجلواآليــات و ": ة عــىل هــذه الـــثالث رصحيــ

تقوم يف السورة من أوهلا إىل آخرهـا ", وإحاطة العلم, وكامل القدرة الوحدانية قياما ال يكاد خيفى عىل من ألقى السمع والبرص وهو شهيد, فالتسبيح والتنزيـه

دال عىل ذلك, فكل كلمة يف آيتي االست هالل دالة عىل ذلك عىل مـا سـأبينه مـن . وكذلك حديثه عن اخللق, واإلنزال, والتسخري.بعد

Page 36: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٤٨

كل هذا يؤكد حماور املقصود األعظم للسورة . ولو أين ذهبت استعرض الكلم واجلمل واآليات التي هتدي منطوقـا أو ــر يف ــرصف إىل النظ ــسن أن أن ــسورة, فح ــرة ال ــا الستعرضــت مجه مفهوم

ائص نظم اآليتني األوليني, وداللته عىل هذا املقصود األعظم بام حيقـق خص فيها خاصـية براعـة االسـتهالل التـي هـي خصيـصة لكـل سـورة مـن سـور

القرآن, والسيام الطوال واملئني ومجهرة سور املفصل . אא،א

استفتحت الـسور شـأن كـل سـور القـرآن خـال A B C D z }: ة بقولـهسورة التوبة, وهو استهالل دال عىل أن املعنى القرآين يف كل سورة مؤسس

بـسم اهللا الـرمحن , وكـامل صـفاته, فمـآل معنـىعىل تقرير وحدانيـة اهللا هو التوحيـد, فاجلـار واملجـرور الـذي اسـتفتحت بـه الرحيم بـسم اهللا

متعلق بمحذوف مؤخر, دل حذفـه عـىل عمومـه,ودل تقـديره مـؤخرا عـىل اختصاصه, فكأنه قيل ال نفعل كـذا إال بـسم اهللا, وهـذا يعنـي أنـه لـو كـان :

ــه لكــان جــديرا أن يــشاركه يف أن يفعــل مــستفتحا ــه معــه أو دون هنالــك إل باسمه, ولكنه ليس ثم, فدل عىل أنه لي مـن إلـه, وهـذا س هنالـك سـواه

. كلمة التوحيد مفتاح اجلنة" ال إله إال اهللا":هو معنى قولناوجتــد فاحتــة الــسورة مــن بعــد البــسملة تــستهل هبــذا اخلــرب الــدال عــىل

, وأنه ليس معه من رشيك يمنعه من أن يأيت أمره, وأنه هـو وحدانية اهللا يدهش الـسامع, يتجـاوز توقعـه, استهالل x y z z } :العليم القدير, فقال

Page 37: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٤٩

وانتظاره, فثم هنالك مفارقة بني اخلرب أتى والنهي ال تـستعجلوه , فإنام يستعجل ما مل يأت, فإذا ما أتى, فكيف يكون استعجاله .

هذه املفارقة هي التي تدهش القارئ والسامع, فيتلبث, فـإذا بـه يراجـع : تـستعجلوه ما يعـود هـذا الـضمري الواقـع مفعـوال يفبصريته لتدرك إىل

أم إىل إتيان أمره أم إىل ثمرة إتيان أمرهأيعود إىل اهللا احـتامالت تقـوم يف . .قلب املتبرص, حياول أن يرقب حركة املعنى ليبرص الوجه األعىل

أو "جــاء" دون الفعــل أتــىوهــو يف هــذا ينظــر يف اصــطفاء الفعــل . ونحو ذلك "نزل" أو"قىض"

داللة عىل يرس وقوعه ومتكنه, فاإلتيـان أيـرس أتى يف اصطفاء الفعل من املجيء, وهذا دال عىل انه ليس ثم ما يمنعه, وأنه عليم بإتيانه زمانـا

ومكانــا, وقــدير عــىل إيقاعــه حيــث شــاء وكيــف شــاء, ألنــه ال رشيــك لــه .ايض دال عـىل مـا ذكـرت, وعـىل أن مـا وجعلـه يف صـيغة املـأتىفالفعل

أن يكون من قبل خلق السموات واألرض بخمسني ألف سنة قىض اهللا إنام هو آت ال حمالة, فهو بتقديره كأنه كان فـام أتـى تقـديرا هـو ال حمالـة آت قضاء, فليس ثم ما يمنع من مطابقة الوجـود قـضاء للوجـود قـدرا, فالـذي

يقررمها هو كذلك هيديك اصطفاء الكلمـة األوىل مـن . ال رشيك له اهللا ــة ــا كيفي الــسورة بعــد البــسملة إىل املقــصود األعظــم للــسورة, وهــو يعلمن

. االستدالل عىل املراد

Page 38: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٥٠

ومن يستحرض املقصود األعظم للسورة يرفع تأويل الفعل أتى عـىل وقرب ليتالءم مـع النهـي يف احلقيقة, ويرى أنه األعىل من تأويله بمعنى دنا

ال تستعجلوهدنا أمر اهللا : فيكون املعنى عندهوقرب فال تستعجلوه . القول بأنه أتى ألنه قيض, وما قيض اهللا ال مرد له, فهو قد وقع ال حمالـة, هــو األليــق بمقــام االســتدالل عــىل الوحدانيــة, ويف هــذا تعلــيم ملنهــاج

داد بام ال بد أن يقع عىل أنه واقع, وهـذا مؤكـد أن املخـرب االعت: االستدالل بالوقوع ال مرد ملا خيرب به .

وتقييــد األمــر بــام يــروى مــن ســبب النــزول فيــه تــضيق لفــضاء املعنــى واتساعه, فاألمر هنا كل األمر, فام من أمر مـن أمـوره التـي قـضاها قبـل أن

. ألف سنة إال وهو واقع بل هو قد وقـعخيلق السموات واألرض بخمسنيــازل, ــان الن ــضاء مــدلول البي ــضييق ف ــا ت ــزول ليــست وظيفته وأســباب الن فالقاعدة األغلبيـة أن االعتـداد بعمـوم اللفـظ ال بخـصوص الـسبب إال إذا كان يف البيان قرينـة غـري سـبب النـزول تـدل عـىل اخلـصوص, وحتجـز عـن

العموم . : باسم اجلاللـة دون اسـم الربوبيـة كـام يف قولـهواختصاص املضاف

{ b a ` _ ~ } |{ z y x w vu t s rz وقولـه ٧٦: هوديف آخــر ســورة احلجــر : { u t s r q p o n m l k

w vz فيه خصوصية للـسورة, فهـذه الـسورة قـد كثـر ٩٩ − ٩٨: احلجر جاء فيها مخـسا وثامنـني مـرة, بيـنام جـاء اسـمه :اهللاالبيان باالسم األعظم

Page 39: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٥١

رب تسع عرشة مرة فقط, وجاء اسمه الرمحن ,يف آيـة البـسملة فقـط وهذا مـرده إىل أن الـسورة معنيـة بـأمر . سبع مرات فقطالرحيمواسمه

أليق هبذا املعنى, فمناط منازعة املرشكني ليس ) اهللا(التوحيد, واسم اجلاللة يف توحيد الربوبية, بل يف توحيد األلوهيـة, فمـرشكو مكـة يقولـون بتوحيـد الربوبيـة, وينــازعون يف توحيـد األلوهيــة, فكـان حريــا أن يكـون هــو منــاط

الدعوة, وأن يكون االصطفاء للبيان باالسم األليق هبذا التوحيد . . يف الـسورةوهذا يتجىل لك حني النظر فيام هو من قبيل املشتبه اللفظـي

: فيهاتأمل قوله { Ù Ø × Ö Õ Ô ÓÒ Ñ Ð Ï Î Í Ì Ë Ê É È Ç

Úz وقوله ٧٩: النحلامللك( يف سورة:( { o nm l k j i h g

x w v u t sr q pz ١٩: امللك. صطفى فعل التسخري, وذيل اسم اجلاللة, وا) النحل(اصطفي يف سورة

وكل هذا هو األليق بمقصود السورة, Ô Õ Ö × Ø Ù z } :اآلية بقوله فالتسخري ال يكون إال من واحد ال ينازع فيام يريد, وإال من عليم بام يصلح لكل يشء, وقدير عىل فعل ما يريد متى يريد, وكيف ما يريد, وكل ذلك ال

., وعلمه, وقدرتهال من كان ذا إيامن بوحدانية اهللا يستفيد منه إ والنهي عن االستعجال فيه داللة عىل أن من احلمق أن يستعجل الـيشء قبل أوانه, وهذا فيه من تأديب الداعية ما فيه, فمن أعظم ما يضري الداعية,

و, فـال يـرى يف ويبتليه بداء الفتور أن يستعجل رؤية الثمرة واقتطافها, يـدع

Page 40: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٥٢

من يدعوهم أثرا ملا يقول, فيكاد خيمد أوار عزيمته, ولو علم أن لكل أجلـه ال تـستعجلوه:الذي فيه يكون ملا استعجل, فهذه اجلملـة دسـتور عظـيم

لكل داعية, ومرتكز مهم ملنهاج الدعوة, ولو أن كل داعيـة أيقـن أن الثمـرة ه يتحقق له كثري منها بمجر د أن يعـزم عـىل الـدعوة إىل اهللا األعظم بالنسبة ل

,إهنا ثمرة الثواب الرباين الذي يرى أثره يف نفسه ويف أهلـه ومجيـع أمـره وأول ما يراه من تلـك الـثامر انـرشاح صـدره للخـري, وحمبتـه للنـاس, ولـذا

يدعوهم, ليشاركوه ما هو فيه من اخلري, كل ذلك بعض من الثمـرة الربانيـة للداعية, فمن اعتد هبذه الثمرة مل يكن له أن يستعجل أمـرا, فالعجلـة جمـيء

اليشء يف غري أوانه, وما كان كذلك جاء خداجا { à ß Þ:يقـول اهللا .

ã â áz ٤٩: القمر אאFאEאWW

،אאאאא،W

אאאאאWW

אא،FאEא : { ¨

¶ µ ³ ² ± ° ® ¬ « ª ©

¹ Ã Â Á À ¿¾ ½ ¼ » ºz فجمع يف السورة ٣١: التوبة

Page 41: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٥٣

التنـــزيه عــن أن يكــون لــه رشيــك ألنــه الواحــد, : بــني نــوعني مــن التنـــزيهوالتنـزيه عن العجز, فهو العليم بكل يشء , والقادر عىل كل يشء .

املعقد األولويأتى لتـدليل واالمتنـان منها لواملعقد الثالث من السورة بالنعم حتى أن القارئ العجل يكاد يتوهم أن املعقد الثالث تكـرار للمعقـد األول, ولكــن البــرص احلديــد والبــصرية الــسوية يــستجليان أن لكــل معقــد خصوصيته التي هبا يتميز من سابقه, وإن شاركه يف ظاهر األمـر, فهـذا مـن

يف القــرآن, وهــو وجــه مــن وجــوه إعجــازه البيــاين, قبيــل تــرصيف القــول والترصيف البياين يف القرآن أوسع وألطف مما اعتـاد طـالب العلـم تـسميته

. املتشابه اللفظي أو النظمي فهو يتناول احلديث عن اعرتاضات املعاندين وشبهاهتم املعقد الثاينأما

والرد عليها وتفويضها ,ولذلك فإن هذا امل عقد وقع موقـع االعـرتاض بـني املعقد األول, واملعقد الثالث, وهو إيقاع يتالءم مع طبيعة مـا يتحـدث عنـه

وفذلكـة للـسورة وكيـف أهنـا هذا املعقد الثاين أما اخلامتة فإهنا تقوم ببلـورة . مكارم األخالق مع احلق واخللق الدعوة إىلأحوت عىل

Page 42: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٥٤

: املعقد األول )رة الوحدانية والقدالتدليل بالنعم عىل (

ــول اهللا ــدأ بق ــي تب ــات الت ــذا املعقــد مــن اآلي { v wيتكــون ه

x zy { | } zوينتهـــــي بقولــــــه : { c d e z) صــــــدر )٢٢(:اآلية

اإلنـسان هبـا عـىلآيات هذا املعقد تقوم بتعداد الـنعم التـي أنعـم اهللا وقدرته وعلمه واختيـاره وحدانية اهللا تعدادا يعرض يف جتاويفه التدليل عىل

وكامله, وسنلحظ أن صوت اإلقناع والتدليل قد امتـزج مـع االمتنـان بقـدر حمسوب إال أن صـوت التـدليل أقـوى وأعـىل, ولـذلك نجـده يـرصح هبـذه

االمتنان ترصحيا واضحا بيانا ملن قد تغفل عقوهلم وقلوهبم . ــدأ حيــدثك ــسان ب ــق اإلن ــسموات واألرض وخل ــق ال ــن خل ع

واألنعام, وإنـزال املـاء مـن الـسامء, ومـا ينبـت بـه, وتـسخري الليـل والنهـار والفلك وما يف األرض من نبات خمتلف ألوانه ومن تسخري البحر, وما فيـه

:من نعم, واجلبال وما فيها, وهنا يطرح السؤال{ S T U V XW Y Z [ \ ] _ ba c d e f g h i j k l m z قاطع فيام قلـت لـك مـن أن هـذه اآليـات فهذا

ــة اهللا ــالنعم عــىل وحداني تــضامت وتناســقت لتقــوم بالتــدليل ب وكــامل اختياره وعلمه وقدرته, والتدليل عىل أن ما يدعى من دونه مـن آهلـة باطلـة

ال متلك من أمرها شيئا, ومـن هنـا خيـتم هـذا املعقـد هبـذه احلقيقـة ال :قـاهرة{c d e z) ٢٢ي (

Page 43: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٥٥

ولو أنـك نظـرت يف عالقـات اآليـات املـشكلة هـذا املعقـد نظـرة كليـة لرأيت أمرا طريفا, وإن كان لطيفا تفتقر إىل مزيد من التبرص لتدركه بيان .

:ذلكبــدأت بــدليل ) ٣:ي( v w x zy { | } z } :اآليــة

¥ ¤ £ ¢ ¡ � } ه قوله غيبي استلزام إردافه بدليل شهودي أبرز

¦ § zوجه اإلمجال املستلزم تفصيال ملن ال يكتفي وكان كل ذلك عىل :فيام سبق فجاءت اآليات بعد ذلك مفصلة فانقسمت أوال قسمني

ما شارك اإلنسان يف خلقه من نطفة وجعل اإلنـسان أرشف منـه : األول : مــا تناولتــه اآليــاتومهيمنــا عليــه وهــو عــامل األنعــام واحليوانــات ودلــك

{© «ª ¬ ® ° ± ² ³ µ ¶ ¹ º » ¼ A B C D E F G H I KJ L M N O P

Q R S T VU W X Y Z [ \ ] _ ba c d e f z .

ما مل يشارك اإلنسان يف خلقه من نطفـه ولكنـه شـارك عـامل احليـوان : اآلخروان يف أن كال خلق ليكون عامل احليشارك: كام سبق تبيانه. املشارك لعامل اإلنسان

−١٠.( اإلنسان وهداية له يف الوقـت ذاتـه وقـد تنـاول ذلـك اآليـاتنعمة عىل١٦ :({ h i j k l nm o p q r s t u v w x y z

{ | } ~ _ a b c d e f g h i j k l m on p q sr t u v w x y z { |

} ~ � ¡ £¢ ¤ ¥ ¦ § © ª « ¬ ®

° ± ² ³ µ ¶ ¹ º » ¼ ½ ¾ ¿ À Á Â A B C D E F G H I J K L

Page 44: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٥٦

NM O P Q R z نـسق ) غري اإلنساين واحليـواين(وهذا القسم الثايناحلديث عنه تنسيقا بديعا, فقسمه عيل عوامل ثالثة :

العامل املكشوف املحيط به اهلـواء وقـد رتـب جزئيـات هـذا : العامل األول ترتيبا بديعا وجعله أيضا عىلالعامل : أنواع ثالثة بـسة هلـا ممـا حيتـاج يف إدراكـه إىل الـنفس شـديد املالما كان قريبا إىل ) أ(

:تفكر وذلك ما حتدثت عنه اآلية{ h i j k l nm o p q r s t u v w x y z

{ | } ~ _ a` b c d e f g h z فــــــامكون قريبا شديد املالبسة حيتاج املر ء إىل جماهدة إىل االلتفات إىل مـا فيـه مـن

عربة, فإن اإللف مشغلة . ما كان أبعد من سابقه من النفس وأقل مالبسة هلا فكان احتياجه )ب(

:يف إدراك داللته إيل مستوى أقل من أعامل العقل وهو ما حتدثت عنه اآلية { i j k l m on p q sr t u v w x

y z )١٢ي(. ما كانت داللته أوضح وأبني فلم حيتج إال إيل رضب من التذكر ملـا )ج(

هو مركوز يف الفطرة األوىل وهـو مـا ذكرتـه اآليـة )١٣.( { { | } ~

� ¡ £¢ ¤ ¥ ¦ § © z . املقابـل للعـامل الـذي قبلـه مـن ) البحـار( العامل املغمور اهلابط العامل الثاين

° ® ¬ » }):١٤( اآليـة جهة حمددة وذلك ما حتـدثت عنـه

Page 45: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٥٧

± ² ³ µ ¶ ¹ º » ¼ ½ ¾ ¿ À Á z.

املقابل للعامل املغمور اهلـابط الـذي ) اجلبال(العامل الشاهق : العامل الثالث A B C D E }) ١٥(قبله من جهة حمددة وذلك ما حتدثت عنـه اآليـة

F G H I J K z كـامال لعطـاء مجيـع ) ١٦(وكانت اآلية رقم . NM O P Q z } :السابقةاآليات

وبملكــك أن تبــرص وجــه افــرتاع وانبثــاق الغــصون والفــروع واألوراق مل تبق بذكر الدالئل عـيل الوحدانيـة عـيل الوجـه األكمـل والرتتيـب ( وهبذا

األحسن والنظم األبلـغ شـبهة يف أن اخلـالق هـو اهللا, ملـا ثبـت مـن وحدانيتـه تلك الدالئل نعـام عامـة ومننـا تامـة ومتام علمه وقدرته وكامل حكمته جلعله

مع اتضاح العجـز يف كـل مـا يـدعون فيـه األلوهيـة مـن دونـه, واتـضاح أنـه ســبحانه يف مجيــع صــنعه خمتــار للمفاوتــه يف الوجــود والكيفيــات بــني مــا ال مقتىض للتفاوت فيه غري االختيار فثبت بذلك أنه قادر عىل اإلتيـان بـام يريـد

وذلك هو الذي بدأ به السورة أتى أمر اهللا. )١( منهاجا يعينـه هذا النسق يف األدلة يتعلم منه الداعية إىل وحدانية اهللا

عىل إيصال معانيه يف قلوب سامعيه يف أحـسن صـورة مـن اللفـظ, فـيمكن هذه األدلة يف قلب السامع ,ويوطنها, فتتغازر, فتمأل هذا القلب, فال يبقى

F١Eאא،אאא،Wאא

،אWאאא J–١٤١٥،٤L٢٥٥

Page 46: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٥٨

مكان, فتخضع حركته يف احلياة ملتطلبات هذه املعـاين ,وتلـك لغري دالالهتا هي الغاية التي يرمي إليها كل داعية إىل اهللا

وعلينا أن نتذكر كيف أنه ختم ما يـسميه البالغيـون ) براعـة اسـتهالل( إهلكـم إلـه وختم آيـات املعقـد األول بقولـه ال إله إال أنا بقوله . باملحور الذي تدور حوله آيات السورة كلها فهذا ترصيحواحد

وتلحظ أن هذه اجلملة املحورية جاءت إهلكم إله واحد) أم القرى(جمردة من أدوات التوكيد, وأساليبه املعهودة, من أن مـضموهنا قـد بلـغ مـن

الوضوح والتمكن والثبات بام ساقته آيات املعقد األول من الربه ان القاهر, .والسلطان الظاهر عىل أهنا حقيقة احلقائق الكربى

وهذا هنج من أهناج تقرير املعاين يف القلوب ال تكـاد جتـد نظـريه يف غـري البيان العيل بيان الوحي األقدس, ويف هذا من اهلدي املنهجي للداعيـة, إن :

تبرصه بلغ املنزل, وتسنم رشف الغاية,وتنسم أرج الـنجح واملفـاز وتلـك . طلبة كل داعية إىل

انتـرش إهلكم إله واحـد ,وال إله إال أنا: وما حتمله اجلملة القرآنيةيف نسيج السورة مرصفة صورة التعبري عنـه وفـق مـا يقتـضيه الـسياق الـذي

.تربز فيه

Page 47: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٥٩

:املعقد الثاين للسورة )شبهاهتمبيان موقف املعاندين والرد عيل (

املعقـد الثـاين مـن معاقـد الـسورة الثالثـة, ) ٦٤−٢٢(متثل اآليـات مـن وهذا املعقد ذو طابع خاص من بني آيات السورة كلها .

إنه معقـد قائمـة آياتـه للكـشف عـن طبيعـة املعانـدين وتعديـد شـبهاهتم وتقويضها واحدة واحدة كيام جيهز عيل كل عتـاد وعدة يترتس هبا العقل يف

.جدله األعمى أنه ربام ظن أن هذا املعقد مقحم بـني املعقـد األول والثالـث, إال أن عىل

البصري يرى مجال إيقاع احلديث عن هذه املعاين يف هذا املوقع بـني املعقـدين األول والثالث, وحسن تبرص الداعية يف هذا املنهج البد يع يف النـسق هيديـه

إىل أن يتخذ منهاجا شبيها يف حماوراته وجمادالته . وهذا املنهج يف نسق املعاقد يظهر لـك الـصورة املـثىل إلتيـان املعنـى مـن

اجلهة التي هي أصح لتأديته ,كام يرى عبد القـاهر يف الـدالئل وقـع البيـان )١( عن اعرتضات املرشكني عىل وحداني موقعا اعرتاضيا بـني معقـدين ة اهللا

القائمـة يف نفـوس املـرشكني, والقـائمني فيهـا عـىل لالستدالل بـنعم اهللا تقرير ما يعرتضون عليه ,ويف هذا من بديع املشاكلة بـني املوقـع واملـضمون

F١E،א،אא،אWא،אW

٤٣

Page 48: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٦٠

والوظيفة ما فيه , وهو أيـضا مـن معـامل إعجـاز البالغـة القرآنيـة مـن جهـة ,ــة اهللا ــدعاة إىل وحداني ــيم ال ــه مــن تعل ــانظر كيــف حيــيط وفي ــه, ف ــا في م

اعرتاضــات وشــبهات املــرشكني بــدالئل وحدانيتــه, وكيــف يمهــد لنقــضها وتقويضها بقريـر األدلـة القائمـة فـيهم والقـائمني فيهـا, ثـم إذا مـا عمـد إىل

شــبهاهتم وقوضــها وفــرغ مــن ذلــك عمــد إىل مزيــد مــن تقريــر األدلــ ة عــىل إنه املنهج األمثل الذي يصل به الداعية إىل ما قام له, ويسعى , وحدانيته

إىل القيام به عىل الوجه األمثل, وتلك ربانية املنهج القرآين . אW

أول ما ترى أن آيات املعقد األول ختمت باجلملـة األوىل ) ٢٢−٣:ي( c d }: لتبدأ هذه املرحلة بقوله إهلكم إله واحد:هيو) ٢٢(من اآلية

fe g h i j k l m n z ـــ ــصدرة ب ــاء"م ــة عــىل"الف الدال أنه إذا كانت آيات املعقد األول بام فيها التسبب والتفرع واالنبثاق لتشري إىل

من دالئل قد أسلمتك يف رفق ومتكن إيل حقيقـة احلقـائق الكـرب إهلكـم :ى تأكيـد ملـضمون هـذه اجلملـة وجعلتك يف حالة لست بحاجة إىلإله واحد

التي هي حمور املقصود األعظـم للـسورة, وبـرغم مـن ذلـك, فـإن الـذين ال إخـالء مـا ة ملضمون هذه اجلملة, وبحاجة إىليؤمنون باآلخرة قلوهبم منكر

ضمون هذه اجلملة يف يف عقوهلم من شبهات وتنظيفها, وبحاجة إىل تأكيد موهذا يبـني للداعيـة عظـيم مـا هـو آخـذ بقلـوب املنكـرين, فلـيكن . عقوهلم

الداعية إىل اهللا حكيام حلـيام رفيقـا حتـى يبلـغ املنـزل إمـا بإعـانتهم عـىل

Page 49: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٦١

اهلدى ,وإما بتقويض ما يترتسون به, وحيتجون, فإذا هم عراة أمام أنقس هم, إذا خلوا إليها علموا عظيم محقهم بام أنكروا وعانـدوا وإقامـة املعانـد أمـام .

نفسه مستخذيا أمر عظيم أثره عليه . ببيان حال املعارضني املعرضني عن الوحدانية, وهي أن قلوهبم بدأ

منكرة, وأهنم مستكربون, فإعراضهم واعرتاضهم لـيس مـن قبـل شـبهة يف الـدالئل واألدلــة بـل يف قلــوهبم, ويف هـذا هدايــة للداعيـة أن حيــسن البــرص بأسباب املعاندة حني يقوم مقام اجلدال بالتي هـي أحـسن, فمـام حيقـق هلـذه

ــىل ــون الداعيــة ع ــة احلــسنى أن يك املجادل ــباب املعانــدة ــرص نافــذ بأس ب واالعرتاض ليسعى إىل إزالة هذه األسباب, فذلك أقرص طريـق إىل الغايـة,

أو عىل األقل إىل هتوينها وتضعيفها أو كشفها وتعريتها . أبان القرآن يف مفتتح عرض شبه واعرتاضات املنكرين وحدانيـة اهللا

عـــن أســـباب ذلـــك الـــسبب الـــرئيس ألن تكـــون قلـــوهبم منكـــرة أهنـــم : مستكربون يف هذا كشف للداعية, وإعـالم لـه .االستكبار: ء الوبيلإنه الدا.

أن األدلة عىل وحدانية اهللا ليـست هـي سـبب نكـران قلـوهبم, إهنـا أدلـة ــارهم, ــار يف دي ــة النه ــشمس يف رابع ــاطعة راســخة ســطوع ال ــراهني س وب

ورسوخ اجلبال من حوهلم .ولكنه االستكبار. وهذا حني يقوم يف قلب ال داعية عىل وحدانيـة اهللا ال يعرتيـه حـسبان

تقصريه, فيتخاذل ,وفيـه عرفـان لـه أن جيتهـد يف اختـاذ زاده وعدتـه وعتـاده لبلوغ املنزل, فالسفر بعيد شاق, والغاية شـاطنة, ونبيلـة, وأرشف الغايـات

Page 50: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٦٢

وأنبلها عطاء أمحزها سبيال, وحينذاك يدرك الداعيـة أن اهللا أقامـه يف مـاهذا السبيل إال تكريام له انتدبـه لعـيص املطالـب, وذلـك تكـريم لـيس مـن .

ــد ــذل اجله ــتفزاز لب ــز, واالس ــن احلف ــذا م ــدنيا, ويف ه ــريم يف ال ــه تك ورائ واستعذابه والتمتع بـام يتـواىل فيـه مـن املعانـاة وبمثـل ذلـك يبلـغ األبطـال .

. من ربانية املنهج يف هذه السورة اجلليلةذلك بعض . غاياهتموملا كان السبب يف إعراضهم إنام هو استكبارهم جـاء التهديـد بـأن اهللا

{ p q r s t u v w yx:)٢٣:اآلية(يعلم ما يرسون وما يعلنون

z { | } ~ z . ليس أشد هتديدا من هذين :أن اهللا يعلم ما يرسون و ما يعلنون إنـه

ال حيب املستكربين إنه لتهديد تنفطر له قلوب العارفني .

وإبــراز العلــم الــشامل عنــرص مــن عنــارص املقــصود األعظــم للــسورة, ومجيل أن يكون املربز هنا إنام هو عنرص العلم الشامل, وليس القدرة ; ألنـه

العنرص املتالئم مع اإلح اطة بالشبهات وتقويضها التي بدأ يعـددها واحـدة .واحدة ويقوضها

F١E القرآن ووصفه بأنه أساطري األولـنياالعرتاض عىل: الشبهة األوىل )٣٤ −٢٤ي (

{ � ¡ ¢ £ ¤ ¦¥ § © ª « ¬ ® ±° ² ³ µ ¶ ¹¸ º » ¼ ½ ¾ ¿ À Á Â Ã Ä Å Æ Ç È É Ê Ë Ì Í Î Ï Ð Ñ Ò Ó Ô A B C D E

Page 51: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٦٣

F G H I J LK M N O P Q R S T U V W X Y Z [ ]\ _ a b c ed f g h i j k l m

n o p q sr t u v w x y z { | } _~ ba c d e f g ih j k ml n o p q r s t u v w yx z { | ~} � ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ § ©¨ ª « ¬

® ° ± ² ³ µ ¶ ¹ º » ¼ ½ ¿¾ À Á Â Ã ÅÄ Æ Ç È É Ê Ë Ì Í Î Ï Ð Ñ Ò Ó Ô Õ Ö

× Ø z . )٣٧ −٣٥ي (التعلق بالقضاء والقدر يف إشـراكهم باهللا: الشبهة الثانية

{ A B C D E F G H I J K L M N O P Q R S T VU

W X Y Z \[ ] _ a b c d e f g h i j k l

m on p q r s t u v w yx z { | } ~

_ a b c d e f g h i j k ml n o p q r z .)٤٢ −٣٨ي )(إنكار البعث يوم القيامة: (الشبهة الثالثة

{ s t u wv x y z { }| ~ � ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ §

© ª « ¬ ® ° ± ² ³ µ ¶ ¹ º » ¼ ½

¾ ¿ À Á Â Ã Ä Å Æ Ç È É Ê Ë Ì ÎÍ Ï Ð ÒÑ Ó Ô

Õ Ö × Ø Ù Ú Û Ü z . )٤٤ −٤٣)(إنكار برشية الرسل: (الشبهة الرابعة

{ A B C D E F G IH J K L M N O P Q R TS

U V W X Y Z [ \ ] _ z . ):االعرتايض(لثاين ولضيق املقام أذكر فذلكة القول يف هذا املعقد ا

Page 52: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٦٤

ألقي نظرة إمجالية نبرص فيها التناسب الكـيل بـني جممـوع اآليـات وهـي عـىل) ٢٢−٣:ي( اثنتان وأربعون آية فنجد أنه بعد أن دلل يف املعقـد األول

بغـريه, وأبـان عـن تفـضله وحدانيته وقدرته, وأنكر عليهم تسويتهم اخلالقهم العقاب ; ألنه غفور رحيم خمتار يفعل مـا الرغم من استحقاقعليهم عىل

يشاء, وأثبت أن نه هو اهللا الواحـد, بعـد هـذا أهلتهم ال تصلح لأللوهية, وآبدأ يف بيان حقيقتهم ورس موقفهم املعاند بأهنم مستكربون عـن قبـول احلـق

أ يف املتــضح الزاهــر بالــدالئل القويــة وأهنــم يتــشبثون بــشبهات واهيــة وبــد .عرضها وتقويضها

وأول ما عرضه من شبهاهتم اعرتاضهم املاكر عىل القرآن, ووصفه بأنه أساطري األولني, ولعله بدأ بـه ألهنـم خاصـة مـا كـان هلـم أن يفعلـوا, وهـم الذين حتدوا باإلتيان بمثل سورة منه, فعجزوا, وقـوض مـوقفهم قارنـا لـه

ريهم املحتـوم, ثـم قابلـه بموقـف بموقف أئمتهم ومـصريهم ليعلمـوا مـصالذين اتقوا من القرآن الذي هو هدى هلـم ال لغـريهم, فكـان إعـالء للـذين

اتقوا وتسفيها وتبشيعا للذين ال يؤمنون باآلخرة . ويردف ذلك بشبهة أخرى هي تعلقهم بالقـضاء والقـدر يف إرشاكهـم,

وأنه مر يض اهللا إفحاما للرسل, فرد عليهم ب تنظري موقفهم هـذا بموقـف وا مصريهم ليكون ردا شهوديا عىلسابقيهم الذين علم ضالل ما تشبثوا بـه

وإن حجاجهم األنبياء عليهم السالم حجاج باطل وليس من شـأن الرسـل الرد عليه والدخول فيه .

Page 53: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٦٥

نلحظ بأنه بدأ بشبهة هي أوهن الشبه, ألن هلم مـن أنفـسهم حجـة عـىل اهنا وضالهلم يف القول هبا, فليس أحد أعلم بأن القـرآن مـن عنـد اهللا هو

من العرب زمن النبوة,, فإذا ما اختذوا هذا شبهة, فهذا دال داللـة بينـة عـىل أن االســتكبار أوقعهــم فــيام يــستحيي عاقــل أن يقــع فيه,وهــذا يكــشف أن

ن عـزة, وأن االستكبار كاجلنون يفقـد املـرء معـه صـوابه, فيحـسب أن اهلـواــن ــسهم يشء م ــن أن يم ــدعاة م ــذير ال ــن حت ــذا م ــاوي راســخ, ويف ه املته

.بطر احلق: االستكباروفيه تعليم للدعاة أن يكون بدء حجـاجهم جمـادليهم بـام هـو أهـون يف نفسه, وأنكى يف كشف ضالل املعاند, فإنه إذا مـا اسـتهل دفـع عنـادهم بـام

يؤكد أن يف عقله دغل وفساد ,وأنه أقدم عىل ما ال يقـدم عليـه مـن يف رأسـه ذرة من عقل, يكون هذا بمثابة الرضبة القاضية, مما يبادر بجندلته , وتفتيت قوته وعزمه ,وهـذا هنـج يف املجادلـة بـالتي هـي أحـسن جـد عظـيم خيتـرص

. الطريق إىل النرص, وحيققه عىل متامه كـام رأيـت معلـم عظـيم مـن كذلك تكون الرتبية املنهجية للدعاة ,وهي

).النحل(معامل البناء الرتكيبي لسورة : أراد هــدايتهم هلــدواذا إة االستمــساك بالقــدر, وأن اهللا هوثنــي بــشب

{A B C D E F G H I J K L M N O P Q R S T VU W

X Y Z \[ ] _ a b c z . ــن أن يتــرتس وهــذه شــبهة قديمــة ثبــت بطالهنــا, ومــن احل مــق واألف

معرتض بشبهة قيلت مـن قبلـه وقوضـت, ورأى أثـر القـول هبـا, ومـا حلـق

Page 54: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٦٦

بقائلها مـن النكـال, وهـذا يبـني للـدعاة أن أهـل الباطـل يتوارثـون شـبههم وأبــاطيلهم دون حيــاء مــن تــرداد مــا هــم عــاملون ببطالنــه, ورغبــة مــنهم يف

أن أهل الباطل يتنارصون الشغب بالباطل عىل احلق ,وهذا يكشف للداعية ,ويقيمون عىل باطلهم, فحق ألهل احلق أن يتنارصوا بـاحلق لنـرصة احلـق .

وها ما يفتقر إليه غري قليل من الدعاة, ال يتنارصون بالعمل اجلامعي املنظم, فالعمل الفردي, وإن كان جميدا متقنا إال أنـه قـد يـضعف أثـره أمـام تنـارص

: يدعو يف جليل األعامل إىل أن تؤدى أداء مجاعياالباطل, واهللا { k l m n o p q r z) ٤٣:البقــرة ( { b c d

e f g h i j z) ١١٩: التوبة( . s t u wv x } :إنكـار البعـث: ويأيت بعد هذا بـشبهتهم الثالثـة

y z { }| ~ � ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ § z أبان عن اجتهادهم يف أقسموا جهد أيامهنم ,ويف هذا ما يكـشف عـام يعتمـل يف تقرير هذه الشبهة,

إن القـول بـه سـيقوض كـل مـا هـم عليـه مـن ,نفوسهم من القول بالبعث, ــون عــىل ــذلك يبق ــم ب ــدجلوا وأن جيــادلوا لعله ــدوا أن ي ــل, فاجته أباطي أباطيلهم من التساقط ,ويف هذا كـشف حـاهلم للـدعاة, وبيـان هلـم أن أهـل

ن عند ما يشعرون أن يف املساس بباطل مـن أبـاطيلهم قـضاء الباطل جياهدو عليهم, فيتعلم الداعية أن استبسال أهل الباطل إزاء أمـر مـا أن هـذا األمـر عليه أن يستفرغ جهده يف تقويضه, وأال يتهـاون معهـم فيـه بـل يكـر بخيلـه

ذ منهـا ورجله عليـه ,وال يـدع جهـة إال أتـاهم منهـا, وال يـدع ثغـرة إال أنفـ

Page 55: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٦٧

سـهامه املاحقـة, كــذلك يعلـم القــرآن الـدعاة منهجـا يكتــشفون بـه مكــامن .اخلطر عىل أهل الباطل لينقضوا عليهم منها

داللة عىل ما هو s t u wv x y z { }| z }:ويف البيان بقولهآخذ بعقوهلم من داء االستكبار, فهـذا الـداء مـنعهم مـن الـوعي بـام نطقـت

كـاف إن اهللاجمـرد نطقهـم هبـذه الكلمـة اجلليلـة ) أقسموا باهللا(ألسنتهم عقلـــوا أن يمـــنعهم مـــن هـــذا القـــسم, فـــإذا كـــان هـــو اهللا فكيـــف ال

يحقق كامل العدل يبعثهم,والبعث للحساب كامل العدل, فكيف ال يبعث لباعرتافهم داال عىل أنـه البـد مـن البعـث ) اهللا( , أليس كونه هو وهو اهللا للجزاء ,

ويف هذا تربية للدعاة أن يتعلموا نقـض شـبهات املجـادلني مـن منطـوق لساهنم, فإنك إذا استخرجت نقض الشبهة مـن الـشبهة نفـسها فقـد دللـت

نـه يف سـكرة مـن أمـره, وأنـه لـو أوعىل أن صاحب الشبهة ال يعي ما يقول ,ملك قليال من الوعي بام يقول لكف لسانه عـن أن ينطـق هبـا, ويف هـذا مـن

التسفيه للمجادل بالباطل ما يقوضه, وجيندله فهي كلمة رد وإرضاب يكفح ما زعم من عدم بىل وجاء الرد مفحام

:البعث{ ~ � ¡ ¢ £ ¥¤ ¦ § © ª « ¬ ® ° ± ² ³ z ) ٧:التغابن(

وأضاف بأن هـذا وعـد وعـده اهللا عـىل نفـسه ثابتـا ال يـزول وال حيـول, وعدا عليه حقا . فجعله عىل نفسه حقا ملظلوم ينتصف له من ظامله

Page 56: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٦٨

ــشبهة ع ــذه ال ــان هب ــة عــىلويف اإلتي ــسابقتني دالل ــشبهتني ال أن قــب ال األوىل والثانية, فكـان هـذا مـن هو الذي دفعهم إىلاعتقادهم الشبهة الثالثة

إيراد السبب والعلة بعد املسبب واملعلول, ويف ذلك من التوطيـد والتثبيـت وفيه أيـضا تربيـة منهجيـة للـدعاة أن يكـون مـن . ذي معرفةما ال خيفى عىل

منهجهم يف مثل هذا أن يعرضوا األمر الذي يستنكر وقعه ثم يردفـه بـسببه, ألنه إذا بدأ الداعية بذكر ما تـستنكره الفطـر, ومنطـق العقـل الـسوي, كـان املرء بحاجة إىل أن يعرف السبب الذي به كان ما ال يـسرتىض, فيكـون هـذا أعظــم وأقــوى تنفــريا مــن االقــرتاب مــن ذلــك الــسبب ألنــه موقــع فــيام ال

.تسرتضيه الفطر السويةومن البني أن ع دم اإليامن بالبعث يفتح الطريق أمام من ال يـؤمن بـه أن

يفعل كل ما يقدر عليه دون رادع يردعـه وال جتـد مـستهرتا يف الـرش إال مـن عدم يقينه بالبعث أو من غفلته عنه, وكم من رشور حتـدث املـرء نفـسه هبـا,

فيكف عنها من خمافة البعـث, ففـي اإليـ امن بالبعـث مزيـد أمنـة للمجتمـع, ومتني سياج من كثري من الرشور وسعي الـدعاة إىل متكـني هـذا اإليـامن يف .

قلوب الناس يوفر عليهم كثـريا مـن اجلهـد يف حمـاجزهتم عـن الـرشور, ألن اإليامن بالبعث سيكون كفيال هبذه املحاجزة, كذلك يعلمنـا القـرآن يف هـذه

كيف حيسن الداعية اصـطفاء مـا يمنحـه مزيـدا مـن عنايتـه, السورة وغريها وما جيعله املقدم يف سعيه, وهذا من الرتبية املنهجية للدعاة يف القرآن ما فيـه

,وهو أس من أسس القول يف سورة ).النحل(

Page 57: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٦٩

A B C D E }: وخيتم بالشبهة الرابعة املتعلقة بإنكار برشية الرسل

F G IH J K L M N O P Q z فرد عليهم بأهنم يعلمون جيدا أن السابقني من الرسل كـانوا بـرشا, وليـسألوا أهـل الـذكر يف هـذا إن كـانوا ال

.يثقون إال يف مقوالهتم وهم الذين عادوا إليهم يف بعض أمرهمن موقفهم املتنـاقض أل وكأين به خيتم شهادهتم هبذه الشبهة أن يشري إىل

إنكار برشية الرسل فيه اعرتاف ضمني باإلرسال, وأن اإلنكار منصب هنـا ه برشا مع أهنم يف الشبهة الث كونعىل انية التي تشبثوا فيها بالقدر كانوا بذلك

عبثية اإلرسال عموما فكان التناقض بني الشبهة الثانيـة والرابعـة يرمون إىلجد جيل هو رضب من الت .نسيق بديع

ومجيـل أن بـدأ الـشبهات . شبهاهتم حتـدث عـن القـرآنى وبعد أن أوهيث عنه فكان أشبه برد باحلديث عن موقفهم من القرآن, وختمه أيضا باحلد

الصدر, وهو هنـج مـن أهنـاج تقريـر املعنـى اجلليـل يف النفـوس, العجز عىلقلب يف أحسن صـورة مـن فليست مهمة الداعية منتهية بإيصال املعنى إىل ال

اللفظ بل البد من تقريـر هـذا املعنـى يف ذلـك القلـب ومتكينـه فيـه وتوطينـه ليتغازر فيمأل هذا القلب, وال يدع لغريه مكانـا فيـه, ولـذا كثـرت يف البيـان القرآين مسالك توكيد جليل املعاين يف القلوب ومتكينها فيها ,ومتكـني تلـك

.فيه تربية منهجية للدعاة ال ختفىوهذا . املعاين من تلك القلوب

Page 58: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٧٠

אא ــستقيم إىل ــق امل ــان الطري ــه ,وبي ــه من ــانوا علي ــا ك ــان صــور مم اهللا وبي

):٦٤ −٤٥: ي(بعد أن ذكر شـبهاهتم وقوضـها وهـددهم يف أثنـاء ذلـك, وخـتم حديثـه

مـا . مجلة بيانهبإنزال القرآن لعلهم يتفكرون فيام حواه من هداية وبيان ومن أشارت إليه اآليات من عذاب األمم السابقة حني عاندته, فكفرت, فطلب من كفار مكة وأتباعهم أن يسريوا, فينظروا كيف عاقبة سـابقهم وأئمـتهم,

لك التفكري يف مصريهم أدعى إىلفكان ذ خوفهم, فجـاء هنـا لينكـر علـيهم أمنهم وعدم خوفهم بعد هذا البي : ان فقال

{ a b c d e f g h i j k l m n o p q r s t u v w x y z { | } ~ _ a b c d e f g h i

j k l m n o p q r s t u v w x y z { | } ~ � ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ § © ª « ¬ ® ° ± ² ³

µ´ ¶ ¹ »º ¼ ½ ¾ ¿ À Á Â Ã Ä Å ÇÆ È É Ê Ë Ì Í Î Ï Ð ÒÑ Ó Ô Õ Ö × Ø Ù Ú Û Ü Ý Þ ß à á â ã ä

A B DC FE G H I J K L M N O QP R S T U V W X Y Z \[ ] _ a b c d e f g h i

j k l m n o p q sr t u v w x y {z | } ~ _ a b c d e gf h i kj l m n o p q r s t u v w x y z { | } �~ ¡ ¢ £ ¤ ¥ §¦ © ª « ¬ ®

° ± ² ³ ¶µ ¹ º » ¼ ½ ¾ ¿ À Á Â Ã Ä Å Æ Ç È É Ê Ë Ì Í Î Ï Ð Ñ Ò Ó Ô Õ Ö × Ø Ù Ú ÜÛ Ý Þ ß à á z ـــر شـــبهاهتم وقوضـــها بعـــد أن ذك

Page 59: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٧١

وهددهم يف أثناء ذلك, وخـتم حديثـه بـإنزال القـرآن لعلهـم يتفكـرون فـيام مـا أشـارت إليـه اآليـات مـن عـذاب . هداية وبيان ومن مجلة بيانهحواه من

األمم السابقة حني عاندتـه, فكفـرت, فطلـب مـن كفـار مكـة وأتبـاعهم أن يـسريوا, فينظــرون كيــف عاقبــة ســابقهم وأئمــتهم, فكــان ذلــك التفكــري يف

خوفهم, اسـتهل إنكـاره علـيهم أمـنهم وعـدم خـومصريهم أدعى إىل فهم بعد هذا البيان ملا حل بـسابقيهم فقـال : أفـأمن الـذين مكـروا الـسيئات

) الفـاء(وهم فـأمنوا, ويعنـى ذلـك أن ت عأتفكروا فتابوا أو استمروا عىل أيوهـذا املقـدر هـو . مقدر هو املقابل ملدخول اهلمـزة عاطفة عىلأفأمنيف

م, لكنه ما كان فطواه, وأبرز ما يأمل أن يكون الذي كان حريا أن يكون منهويف هذا من التسفيه هلم أن وقع منهم مـا مل يقـع سـببه, لو كان ما بني عليه ,

فاألمن ال يكون إال من إيامن, وما كان منهم إيـامن, فكيـف أمنـوا? إهنـم إال .يف ضالل مبني

مهـزة اإلنكـار, لتـصور لـك عظـيم ) الفاء(كذلك يوظف إيالء محقهـم, وهذا هنج من أهناج الدعوة أن يكون الطعـن عـىل املـستكربين قويـا ولطيفـا أي أال يكون مبارشا, ففي اللطـف قـوة ونفـوذ أعظـم ممـا يف الظـاهر اجلـيل .

: قد ذكر يف هتديدهم أربع صورونالحظ من اآليات أن اهللا أن خيسف اهللا هبم األرض )١ أو يأتيهم ا )٢ لعذاب من حيث ال يشعرون أو يأخذهم يف تقلبهم فام هم بمعجزين )٣

Page 60: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٧٢

أو يأخذهم عىل ختوف )٤ الصور الثالثة األوىل مفروضة يف حال أمنهم من العذاب عند ظن عدم

فـام هـم ب القدرة عليه وعليهم ولذلك كانت الفاصلة للثالثـة معجـزين أي يف أي حال من األحوال الثالثة فسواء علينا غفلتهم وتيقظهم , ومل خيتم الرابعة بذلك ألن املتخوف يكون جموزا الوقوع فال يظـن عـدم القـدرة عـيل

وذلك ال خيتلف إن قلنا .اإلجياد وهبذا تربز دقة استخدام الفاصلة يف اآلياتإن قوله ختوفف وتوقـع وقـوع العـذاب بـام يرونـه مـن من مـأخوذ اخلـو

هنـا عـىل لغـة ختوف: ظواهره ومقدماته فيتوقعون نزوله, و قلنا إن قولههذيل أي تنقص, أي يأخذهم واحدة بعد واحدة بـام يقـيم فيـه مـن أسـباب

.اهللكة من فقر ومرض ومذلة وقتل ونحو ذلك كام يالحظ أن الصور الثالث األوىل تعطى نوعا من إ يقاع العذاب عىل

عيل أي من ( سبيل التنقص والتدريج سبيل االستئصال أما الرابعة فهو عىل . ولذا أفردت الرابعة عن بقية الصور) وجهى تفسريها

فإن ربكم لرؤوف رحيم: هوقول أن هذا : حيتمل وجهني من التأويل فإن ربكم لـرؤوف رحـ: التهديد بصوره األربع ختم بقوله إشـارة إىليم

أنه قد تسبب عن إمهاهلم يف كفرهم وطغياهنم مع القدرة علـيهم العلـم بـأن تركه ملعاجلتهم ما هو إال لرأفته ورمحته, ال لعجزه أو جهله بحاهلم, أو مانع

Page 61: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٧٣

منعه من ذلك, فإنه الواحد العزيز الذي ال ينازع, وهو العليم القدير, وأنه محته, لعل منهم من يؤمن فعل ذلك من رأفته ور

فإن ربكم لرؤوف رحيم(الوجه اآلخر أنه ينظر إىل ضمري اخلطاب يف فهــو خطــاب للمــسلمني أي أنــه مــا عــاجلهم ; ألن يف إمهــاهلم رأفــة بكــم ورمحة, فإنه إذا ما مل يعاجل منكري وحدانيته بالعقوبـة, فهـو أعظـم إمهـاال

وصربا عىل ما يقع ممن آمن به إ هلا وحدا, ويف هذا بعث لإلحـساس بمحبـة لعباده املوحدين, وفيه تربية للدعاة أال يعاجلوا بالعقوبة أو بالنكـال اهللا

احليس واملعنوي من نـاوءهم أو سـلك سـبل االعـرتاض واملناكـدة, فلـيكن وهـذا مـن أسـس منهـاج الـدعوة, . منهم ختلق بـصفة اهللا الـرؤوف الـرحيم

ذي يرسع إىل االنتقام من خمالفيه أو املختلفني معـه فيبـسط فـيهم فالداعية اللسانه أو يده إن استطاع إنام هو داعية عقيم عمله, هو إىل التنفـري أقـوى منـه

. إىل تأليف القلوب وترويضها{ I J K L M ON P Q R S T U V XW Y Z [ \ ]

`_ a b c d fe g h i j k z ) ١٥٩:آل عمران(. والداعية احلكيم حيرص عىل أال يكثر األعداء من حولـه حتـى ال تعيقـه كثـرهتم عـن مـسريه, فهــو إىل تـأليف القلـوب مــع معانديـه أميـل إال فــيام ال

, فكلــام وجــد ســبيال حــسنا إىل مقاربتــه فــيام ال يلحــق بإيامنــه يــريض اهللا وعمله رضرا ال يطاق كان إليه أرسع, هذا ما يفتقر إليه كثري مـن الـدعاة,يف

.زماننا والسيام الشبيبة منهم

Page 62: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٧٤

):٤٨رقم (وملا كان مقام التهديد يقىض إبراز االقتدار عليه جاءت اآلية { b c d e f g h i j k l m n o p q r s z لتــدل . متام قدرته عيل ذلك وغريهعىل

عجـزهم عـام أمل يـروا إىل: مقدر من اآليات السابقة تقـديرهوعطفه عىل مـا ال يريـدون فيعلمـوا, بـذلك قدرتـه وعجـزهم يريدون وقـرسه هلـم عـىل

فيعلموا أن عفوه عن جرائمهم إحسان منه إليهم ولطف هبم ومل يروا بع يون ويف هـذا التفـات إىل .ء مـا خلـق اهللا مـن يشاألبصار متفكرين بالبـصائر إىل

فإن ربكم لرؤوف رحيم :قوله من قبله أنه من بعد أن أوهى شبهاهتم هددهم وأنكـر علـيهم األمـن كذلك ترى

من عقاهبم, وهو القدير عليه إال أنه ما عاجلهم به ; ألنه رءوف رحيم خمتار يفعل ما يشاء متى شاء, ثم كر عىل موقفهم من وحدانية اهللا فنهاهم عن

ب احلديث عـن مـوقفهم باأللوهية احلقة يف صلالرشك وجهر بتفرد اهللا وحقيقــتهم, وكأنــه هبــذا يــضع يف قلــب مــوقفهم احلقيقــة املــدمرة لكــل مــا حياولون, فكان من البديع أن جعل الترصيح بالوحدانية يف هذه املرحلـة يف

.قلب احلديث بينا نراه يف براعة االستهالل جعله يف ختامتها ويف املعقد األول جعل التـرصيح بوحدانيـ يف مجلـة : يف ختامـهة اهللا

تأخذ صدر أول آية يف املعقد الثـاين, وجيعـل بـدأ هـذا املعقـد الثـاين وختمـه حديثا عن القـرآن, وهـو يمثـل رضبـا مـن رد العجـز عـيل الـصدر وليكـون

Page 63: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٧٥

احلديث عـن الوحدانيـة التـي هـي املقـصود األعظـم للـسورة بمثابـة املركـز .للدائرة

حدث عن الوحدانية يعرض مواقف هلم كلهـا تتمثـل يف وهو بعد أن يتخملـوق مـع خالقـه حـني إرشاكهم وتصورهم يف أبشع صـورة يكـون عليهـا

خالقه وال يكتفي بإعالء آهلتـه الباطلـة التـي خلقهـا هـو عـىل نفسه عىليعيل , وجيمل بنا أن نتذكر هنا أنه يف ختـام املعقـد األول أنكـر علـيهم خالقه

S T U V } يف ق بغريه فيكون حديثه يف اآلية تفصيال وإنامء ملاتسوية اخلال

XW Y Z [ z . وهبــذا يــربز أمــام أبــصارنا التنــسيق والتناســب البــديع الــذي يؤكــد أن

وأن . السورة ذات خطة حمكمـة يف تركيـب وترتيـب وبنـاء عنارصهـا كلهـا كني عـىل وحدانيـة إيقاع اآليات املتضمنة عرض وتفصيل اعرتاضات املـرش

وعلمه وقدرته ونقض تلك االعرتاضات والشبهات موقعـا اجلملـة اهللا املعرتضة فيه رضب من املشاكلة بني املضمون واملوقع الذي يقع البيان عنـه عىل الحب مساق القول, وأن هذا من اقتضاء املضمون موقـع البيـان عنـه,

فاملضمون خيتار شكل بنيتـه البيانيـة وم وقـع هـذه البينـة مـن الـسياق, وهـذا معلم من معامل اإلعجاز مل يلتفت إليه كثري من الناظرين يف دالئل اإلعجاز, ولعيل بام أرشت وأوجزت تفـصيله لفـت االنتبـاه إىل هـذا املعلـم الـذي هـو

جدير بأن يستقـىص القـول فيـه مـن أهـل العلـم ببالغـة كتـاب اهللا ومـن .طالبه

Page 64: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٧٦

אאWאאאאK { A B C D E F G H I KJ L M Nيستهل هذا املعقـد بقـول اهللا

O P Q R z . _ [^ \ ] O P Q R S T U V XW Y Z } :وخيتم بقوله

a b c d e f g h i z

تـوايل اآليـات املعـددة نعـم )٢٢ −٣: ي( سبق أن رأينا يف املعقد األول تعديدا يدل عىلاهللا وقدرته واختيـاره وكاملـه تـدليال وحدانية املنعم

لهـا ممزوجا باالمتنان وملا كان املقصود األعظم من القرآن تقريـر أصـول أج لذلك بعدما انتهى من تقويض شـبهات .يدحاألهليات, وأجل اإلهلات التو

: وكشف حقيقتهم, رشع مرة أخرى من أول قولهالذين ال يؤمنون باآلخرة واهللا أنزل من السامء ماء فأحيا به األرض بعد موهتا إن يف ذلك آلية لقـوم

يسمعون }٦٥{الوحدانية والقدرة بمنهاج آخـر يف اإلبانـة يف التدليل عىل منهجية للدعاة أن يتفننوا يف بيان احلقائق, ففـي واالستدالل, ويف هذا تربية

كل مرة من مرات التفنن يف العرض إضـافات تعـني عـىل متكـني احلقيقـة يف اس متفاوتـة يف اإلقبـال واإلعـراض, ويف قـدر التلقـي, القلب, فقلـوب النـ فمــن احلكمــة يف الــدعوة أن حيـــسن الداعيــة تنويــع طرائــق عرضــه احلقــائ ق

واالستدالل عليهـا, فالغايـة هـي متكـني احلـق بـاحلق يف قلـوب العبـاد عـىل . تنوعها وتفاوهتا يف القبول والتلقي

Page 65: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٧٧

واهللا أنزل من السامء ماء فأحيا به األرض بعد موهتا إن وجاء قوله يف ذلك آلية لقوم يسمعون }٦٥{ه عىل قول واهللا يعلم مـا تـرسون

وما تعلنون }١٩{ ت األوىل كانت تعديدا مـدلال عـىلإن آيا: بيان هذا الوحدانيـة والقـدرة كل يشء ويف ضمنه التدليل املطلقة عىل عيل البعث, ومل يرصح بالقدرة عىل

البعث يف آيات املعقد األول إال يف آية واحدة يف خت ام آيات املعقد األول يف ومـا معرض وصف ما يعبدون من دون اهللا الواحد القادر املختـار فقـال

يشعرون أيان يبعثون }٢١{ القدرة عىل التدليل عىلتركز عىل) ٨٩−٦٥ي (بينام آيات املعقد الثالث

البعث احلاملة يف طيهـا القـدرة عـيل كـل يشء آيـة إنـزال املـاء وهلـذا عـرب يف .فأحيــا بــه األرض بعــد موهتــا بقولــه ومــن الــسنة البيانيــة للقــرآن أنــه إذا

حتدث عن إنزال املـاء مـن الـسامء يف سـياق البعـث قـال فأحيـا أو فـأخرج, فذلك هو املالئم للبعث الذي يكون الـسياق لـه ,وهـذا مـن أثـر الـسياق يف

.اصطفاء الكلمةكان جيمع ) ٢٢ −٣ي( أن تعديد النعم يف آيات املعقد األول وما يلحظ

بني التدليل واالمتنان إال أن جانب التدليل كان أعىل صوتا وأقـوى ظهـورا كان جانب االمتنان أعىل, وكان ) ٨٩−٦٥: ي(بينام يف آيات املعقد الثالث

د, ألن االمتنان إنـام إبراز االستدالل يف املعقد األول أنسق بوظيفة هذا املعقيكون بعد التسليم باالسـتدالل, وهلـذا جـاء االمتنـان أبـرز وظهـر يف آيـات

Page 66: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٧٨

املعقــد الثالــث, وهــذا يرســم لنــا منهاجــا بيانيــا عاليــا يمكــن أن يربــى عليــه الداعية, ويمكنه أن يدرك املقام الذي يعيل فيه شيئا عـىل يشء, وأن يـحـسن

لوظيفي لألشياء, وهذا ال يكون إال عن بصرية, وعـن هتيئـة البرص بالنسق انفسية وعقلية, وكأنه يعد جنده ليغزو هبا ما أغلق مـن عــتي احلـصون, وال ريــب يف أن قلــوب أهــل االســتكبار أعتــى مــن عتـــي احلــصون أمــام اجلنــد

وهذا يربز لك أن اجلهاد بالكلمة قد يكـون أشـق عـىل املـ. األشاوس رء مـن اجلهاد بالنفس مما يفهم منـه مقاربـة العـامل املجاهـد بقلمـه الـشهيد املجاهـد

وكـل . دي املستبـسل يف يد اجلنففه, فالقلم يف يد العامل املسلم هو السييبسحيدث حتوال . د, هذا بمداده وذاك بدمهايف أمته إىل األجم

Page 67: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٧٩

) ٨٩ −٦٥: ي(ختليص القول يف آيات املعقد الثالث واهللا أنـزل مـن الـسامء ) ٦٥(أرشت فيام سبق أن هذا املعقد بدأ باآلية

ماء فأحيا به األرض بعد موهتا إن يف ذلك آلية لقوم يسمعون التي حتدثت يعلـم مـا واهللا ) ١٩ي (عن االمتنان بإنزال املـاء مـن الـسامء فعطـف عـىل

ترسون وما تعلنون }١٩{ التي هي تعقيب عـيل تعديـد الـنعم يف املعقـد .األول

وإذا ناظرت هذه اآليـة اخلامـسة والـستني يف أول املعقـد الثالـث باآليـة العــارشة يف املعقــد األول, رأيــت أن آيــة املعقــد األول ذكــرت لالســتدالل

بأحياء األرض امليتة باملا فأحيـا بـه األرض بعـد : ء عىل البعـث ,ولـذا قـال موهتا إن يف ذلك آلية لقوم يسمعون

وجعــل الــسامع كافيــا هنــا إلدراك قــوة االســتدالل, يكفيــك أن تــسمع, نه قد مهد السبيل إىل اليقني بالبعث ملـن أحـسن الـسمع, وذلـك بـام أوذلك

عقد األول مـن االسـتدالل بآالئـه ونعمـه عـىل وحدانيتـه وعلمـه أقامه يف املــام قــوض مــن شــبهات ــه عــىل البعــث, وكــذلك ب ــة, وقدرت ــه العام وقدرت

لقــوم : واعرتاضــات املــستكربين يف املعقــد الثــاين, كــل ذلــك جعــل قولــه . هنا آنس يسمعون

عـىل إنـزال أما اآلية العارشة واحلادية عرشة يف املعقد األول, فقد رتـب :املاء االمتنان بالعطية

{ h i j k l nm o p q r s t u v w x y z { | } ~ _ a` b c d e f g h z .

Page 68: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٨٠

وجعل ذلك االمتنان ملالبـسته اإلنـسان بحاجـة إىل أن ينعتـق مـن إلفـه, فإحساس املرء باملنة فيام ألف ضعيف, أال ترى لقوم يتفكرون: فقال أن

املنة بام جيري يف صدورنا من التنفس جد عظيمة, فأينا هو عىل ذكـر دائـم أو يف اإللف مقتلة للذكرى. غري قليل هبذه املنة .

وأمر آخر أنه ملا كانت اآلية العـارشة واحلاديـة عـرشة يف مفتـتح القـول, وملا يقرر األمر عىل كامله, وملا تـن قض شـبهات واملـستكربين كـان األليـق أن

فهذا من التدرج البديع يف التذييللقوم يتفكرون :يقول . واملتبرص يف مفتتح هذا املعقد يرى أن مفتتحه هاد إىل ما به يقـوم منهـاج

: إن تبرصالداعية إىل اهللا رآن حديث عن إنزال املاء من بعد احلديث عن إنـزال القـ) ٦٥ (يف اآلية

ومـن الـسنة البيانيـة ) االعـرتايض(التي ختم هبا املعقد الثـاين ) ٦٤(يف اآلية إنـزال املـاء مـن الـسامء : للقرآن أنه يف غالـب األمـر أنـه يقـرن بـني اإلنـزالني

¥ ¤ £ ¢ ¡ � ~ { | } x y z:وإنزال القرآن من السامء

¦ § ª© « ¬ ® ° ± ² ³ µ ¶ ¹ º » ¼ ½ ¾ ¿ À Á Â Ã Ä Å Æ Ç ) ٢٣ −٢٢: البقرة(

فاملاء رزق أجساد والقـرآن رزق قلـوب, باملـاء تعمـري الـدنيا ,وبـالقرآن عمران الدنيا واآلخرة, وبـالقرآن حتـل يف عقبـى إنـزال املـاء الربكـة ,وتأمـل

فأخرج به من الثمرات رزقـا لكـكيف اقرتن قوله الـدال عـىل البعـث, م اتقوا النار التي وقودها الناس واحلجارة أعدت للكافرين : وقوله

Page 69: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٨١

والتبــرص يف آيــة إنــزال املــاء وأثــره يف األرض واحليــاة هيــدي إىل حــسن تتنـادى التبرص والتدبر يف آية تنزيل القرآن ,وأثره يف القلوب واحلياة كذلك

. ر ,ولكن أكثر الناس ال يعقلونزاآليات, ويتآ Ò Ó Ô Õ Ö × Ø Ù }): النحـل(وتنظر يف آيات هذه السورة

Ú ÜÛ Ý Þ ß à á A B C D E F G H I KJ L M N O P Q z

خامتـة املعقـد الثـاين, مجع بني اإلنزالني, وجعل إنـزال الكتـاب عليـه األنس بام جـاءت فيه الناس ,وهذا عىلتلف الذي اخوجعله لتبني النبي فهي آيات تعرض شـبهات واعرتاضـات ) االعرتايض(له آيات املعقد الثاين

} p q r s t u v w x zy }املــستكربين, وقــد بينتهــا اآليــات,

| } ~ � ¡ ¢ z)٢١٣:البقــرة( ... هــو للــذين آمنــوا هــدى وشــفاء والذين ال يؤم نون يف آذاهنم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكـان

بعيد ) وجعله لقوم يؤمنون)٤٤:فصلت,: وهدى ورمحة وتبرص عالقة وهدى ورمحة هذا بيان طريق العلم املـؤدي "بالدعوة ومنهجها فاهلدى

داعية العظمى ,والرمحة هي أهـم أخـالق الداعيـة وتلك رسالة ال"إىل احلق .,وهبا يمكنه حتقيق رسالته عىل الوجه الذي يريض خالقه

وجعل إنزال املاء ذكرى للبعث الذي سيقت آيات املعقد الثالث لتقريـر وأنــه واقــع ال حمالــة, وجعلــت هــذه اآليــة مفتــتح هــذا املعقــد قــدرة اهللا .الثالث

Page 70: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٨٢

وهو من بعد يرت ب عىل ذكر اإلنزال املاء ذكر ما ينتجه اإلنزال يف مرأى S T U V XW Y Z [ \ ] _ a b c d e f g:العني

h i j k l m on p q r s t u إثبــات : األول األظهــر:يف هــاتني اآليتــني اعتبــار بــام لــه كــان البيــان هنــا

يتــه وعدلــه وعلمــه, القــدرة عــىل البعــث الــذي هــو الزم مــن لــوازم وحدان .واآلخر وهو األلطف اإلشارة إىل املنهج األمثل للداعية يف ممارسة رسالته

إثبات البعث يرتاءى لك يف إخراج اللـبن صـافيا مـن بـني فـرث : األولودم, فمن كان عىل ذلك القدير, أفيعجز عـن أن خيرجنـا مـن بطـن األرض

ضع منا يشء عىل تطـاول أزمـان من بني ما فيها خالصني كام كنا يف الدنيا مل ي املامت ?

وإذا ما أقدركم عىل أن تستخرجوا مـن الثمـرات مـا هـو مكنـون فيهـا, أفيعجــز الــذي أقــدركم عــىل ذلــك عــن أن يــستخرجكم مــن األرض التــي

أودعكم فيها ? أن يــستخرج اهلــدى مــن الــضالالت بيــان للداعيــة إىل اهللا : واآلخــر

رمز الفطرة (ته ولقانيته وحكمته استخالص اللبن خيلصه منها بثاقب بصري ). رمز القذر والنجاسة (من الفرث والدم ) واهلدى

) الـدم(وتبرص املفارقة العظيمة بـني لـون اللـبن ولـون مـا اسـتخرج منـه ) !!!الفرث(ورائحة اللبن وطعمه وما استخرج منه

الحمـه يف ويف هذا إشارة إىل أمهية التلطـف يف اسـتخراج معـامل اهلـدى وم ممارسة الدعوة, فالفراسة واللقانية من مقومات منهج الدعوى إىل اهللا

Page 71: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٨٣

إهنـا إشـارة هتـدي ) خالصا سائغا(وتأمل اإلشارة اللطيفة العلية يف قوله الداعيــة أن يكــون اســتخراجه اهلــدى خالــصا مــن كــل شــبهة أو غمــوض

ه للمـدعوين سـائغا ولبس, وإثارة لتوقف, وأن يكون عرضه اهلدى وطرحــال ــذا ق ــبن, ول ــرء الل ــرشب امل ــام يت ــرشبه ك ــا, فتت ــوب وفيه جيــري إىل القلللـشاربني,وكأن يف هــذا إيــامء إىل أن يكــون الداعيـة مقتــدرا عــىل أن يــرشب

عليه أن يسعى إىل أن يكون مليكا ملا حيقق له . املدعويني اهلدى, فيختلط هبم ذلك احتسابا لوجه اهللا

ومـن ثمـرات النخيـل واألعنـاب تتخـذون منـه سـكرا : ويف قولـه ورزقا حسنا إن يف ذلك آلية لقوم يعقلون }٦٧{ بيان للداعية أن املرء إذا

أحسن املنهج وأتقن املامرسة استخرج الرزق احلسن, وإن هو أمهل أو ضل فإنه يستخرج السكر الذي يغلق العقل ,ويكبله, فيحيـل النعمـة أو تقاعس

.نقمة,ويستخرج من النور ظلمة, فيكون هلكة قومه ونفسه من قبلكل ذلك فيه كام ترى منهاج تربية عيل للدعاة إىل اهللا .

:ويعطف عىل نعمة إنزال املاء نعمـة أخـرى هـي معقـد العـربة العظمـى{ w x y z { | } ~ _ a b c d e f g h i j k l

nm o p q r s t u v xw y z { | } ~ z والعالقة بني اإلحيـاء واإلنـزال جـد قويـة وظـاهرة ,ويف اصـطفاء اسـمه

مضافا إىل ضمري خطاب النبي ) الرب( إيامء إىل أن يف هذا اإلحياء للنحل عظــيم تفــض ل, فمــن الــسنة البيانيــة للقــرآن أنــه إذا أراد اإلشــارة إىل عظــيم

مـضافا إىل خطـاب ) الـرب(التجيل بكامل الرتبية بام حيدثك عنه يـأيت باسـمه

Page 72: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٨٤

ألنه مل يتجل بكامل الربوبية وجليلها عىل أحـد مـن عبـاده كـام جتـىل النبي هـذا اإلحيـاء لـن , وفيه إشارة أيضا إىل أن العربة العظمى يفلسيدنا حممد

, ويف هــذا إيــامء إىل مــا أحــد كمثــل مــا يفهــم النبــي يفهمهــا عــن اهللا يتضمنه حال النحل من لطيف وطريف العربة واهلدى ,ولكن أكثـر النـاس

.ال يعقلون بحاهلـا وملا كان حال النحلة من أكمـل أحـوال الكائنـات شـبه النبـي

بسنده عن عبدروى أمحد .حال املؤمن اهللا بن عمـرو بـن العـاص مرفوعـا والــذي نفــس حممــد بيــده, إن مثــل املــؤمن لكمثــل النحلــة, ":إىل النبــي

أكلت طيبا, ووضعت طيبا, ووقعت فلم تكرس ومل تفسد "(..." اعية بلسان حاله, وهو األجـىل بيانـا واألصـدق وكل مؤمن د–الداعية

نبأ, واألنجع أثرا واألكرم عطاء ليكن حالـه حـال النحلـة يأخـذ مـن كـل – فنون العلم, ويستخرج منها أحسنها غذاء وشفاء, فمن ابتغى الغذاء وجـد ومن ابتغى الشفاء وجد, ومن ابتغى التفكه وجد, وال يكـون مـن ذلـك إال

−تأكـل الطيـب : للمؤمن النحلة أربع خصالقد مجع النبي ما ينفع, و ومل تفسد− وإذا وقعت عىل عود مل تكرسه −وتضع الطيب

فمن كان غذاؤه طيبا ) أكلت طيبا ( :وأول اخلصال هو رأسها ومعدهنافلن ينتج إال طيبا يف ظاهره وباطنه, وغذاء املـؤمن عامـة, والداعيـة خاصـة

. العلم واحلكمة, وهذا للمؤمن بمنزلة رحيق األزهار للنحلةاإليامن و

Page 73: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٨٥

وكــان مــن هــم النبــي ــة يف هــذا أن يــربز جانــب املــساملة االجتامعيوإذا وقعت عـىل عـود مل : (واإلصالح يف األرض, فأبرز خصلتني عظيمتني

.وما أحوجنا إليهام يف كل عرص ومرص)) ومل تفسد−تكرسه حى ربك إىل النحل وأو: فهذه اآلية حتمل بنظمهـا العـيل إىل القلـب

املتبرص فيضا مـن اهلـدى, ففـي كـل كلمـة نـور تـرشق بـه القلـوب ال يـسع . وإسناده إىل اسم الربوبية ) الوحي(القلب إال أن يتدبر هذا االصطفاء لفعل

كام أرشت من قبل, فهو وحي فيه لطـف املضاف إىل كاف خطاب النبي عظيم تربية, ويف بيان ما أوحي بأن جعلهـا هـي التـي تتخـذ, عليهـا أن وفيه

تعمــل, وال تتكــل, وأن يكــون عملهــا اختــاذا, وهــذا فيــه داللــة عــىل أمهيــة االجتهاد يف العمل, ولذا مل يقل ابني, أو اسكني, وبدأ باجلبال ألهنا األشـق

من جهة, واآلمن من ثانية, ثم هي األكثر يف أرض العرب, وهي األنقـى, فام ينتج يف بيوت النحل يف اجلبال أنقى وأطيب, ثم أردفه بام هو أدنى مـن

ثم مـا هـو األدنـى مـن كـل الشجر ممـا يعرشـون ويف هـذا أيـضا هدايـة للداعية أن حيسن تنويع مصادره, وجماالته, وأن خيـتار األمثل, إال إذا تعرس

ثم كـيل مـن كـل الثمـرات فاسـلكي سـبل : ويأيت قوله . ذرعليه أو تع ربــك ذلــال اإلحاطــة يف : ويف هــذا مــن الرتبيــة املنهجيــة للداعيــة مــا فيــه

مصادر املعرفة,واليرس يف الدعوة واملسلك, فإن الرفق ال يكـون يف يشء إال I J K L M ON P Q R S }:ق هم الدعاةوأوىل الناس باختاذ الرف. زانه

T U V XW Y Z [ \ ] `_ a b c d fe g h i j z )١٥٩: آل عمران(

Page 74: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٨٦

إشارة إىل امتـداد الـسبيل واسـتقامته وإبالغـه ) سبل ربك(ويف اصطفاء بيـة يف الغاية, وإشارة إىل أن هذا يتخذ من فـيض الربوبيـة, فمـن حـسن الرت

ن يسلك الداعية سبيال ال ينقطع, وال يلتوي, وال يـضلاملنهج أ فتـضارب . .الطرق واملسالك قد يؤدي إىل ما ال حتمد عقباه

ـــه ـــه : { o p q r s t u v w zويـــأيت قول ليأخـــذ منالداعية ما جيب عليه أن ينـتج ممـا تلقـى مـن العلـم واملعرفـة رشاب متنـوع :

يصلح كل عرص ومرص , وينبئ احلق أن يف هذا الذي أهداه منهاج حيـاة آية جليلة ملن كان قواما بالتفكري, يقلب األمور, يسرب أغوارهـا, يعتـرصها,

.ال حيل حتى يرحتلكذلك تأين هذه اآلية حاملة فيض ا من التذكري بالنعم التي يقرر التفكـر

عىل كـل يشء وعـىل البعـث وكامل علمه وقدرتهفيها يقينا بوحدانية اهللا واإلخراج من باطن األرض, وحاملة فيضا من اإلبانة عـن املنهـاج األمثـل

الذي يكون عليه الداعية . يف قومه) النحلة( تعدد النعم املمتن هبـا عـىلوتوالت بعد ذلك اآليات اإلنـسان, ويف كـل

نعمة ما يستدل به عىل وحدانية اهللا عىل كل يشء, وعـىل البعـث وقدرته خاصة ويف ثبج هذا التعداد للنعم املمتن هبا استدالال يـرصح بـأمر الـساعة

ª ¬« ® ° ± ² © § ¦ ¥ ¤ £ ¡¢ � ~ { } : قائال

³ z . p q r s t } : ثم يستمر يف تعديد النعم ليختم ذلك بقوله

u z د الثالث تناظر قوله وهذه يف هذا املعقيف املعقد األول :

Page 75: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٨٧

{ \ ] _ ba c d e f g zوتدبر خامتـة كـل: لعلكـم تسلمون , إن اهللا لغفور رحيم وكيف أن قوله هنـا لعلكـم تـسلمون هللا أليق بخامتة االمتنان, فقوله لعلكم تـسلمون إغـراء بإسـالم الوجـه

هـو جـوهر العبـادة التـي هـي بلـوغ يف مجيع األمور , وإسالم الوجـه لـه .الغاية يف صدق التذلل

{ Î Ï Ð Ñ Ò Ó Ô Õ Ö × Ø Ù Ú Û Ü Ý Þ z { a b c d e f g h i j k ml n o p q z )١٢٥:النساء(

{ y z { | } ~ _ a b dc e f g h z

هو الغاية التي يساق العباد لتحقيقها, ويقبـل عـىل فإسالم الوجه هللا خمففا عنه ثقل الشعور بعظيم الرسالة, مؤكدا لـه أنـه سيد الدعاة إىل اهللا

ليس عليه إال أن جيتهد يف اإلبـالغ, فـال يـدع سـبيال مـن سـبل ربـه ذلـال إال سلكه, مربزا له أن من يتوىل معرضا, فام ع ن جهالة قامت بـه مـن تقـصريك

فإن تولوا فـإنام عليـك الـبالغ املبـني: يف اإلبالغ ,بل هو االستكبار }٨٢{ يعرفون نعمـت اهللا ثـم ينكروهنـا وأكثـرهم الكـافرون }٨٣{ وهـذه اآليـة

فالــذين ال يؤمنــون : ين يف مفتــتح آيــات املعقــد الثــاتــتالحظ مــع قولــه باآلخرة قلوهبم منكرة وهم مستكربون }٢٢{ فتدبر كيف اسـتفتح الثـاين

إهلكم إله واحدبام ختم به الثالث ,كام ختم األول بام خـتم بـه املقدمـة : أن أنذروا أنه ال إلـه إال أنا فات قون }٢{ فتبرص كيف تقام معامل اهلدى عـىل

الطريق,ويف هذا تربية منهجية للداعية يتزود يف مسريه إىل طلبته .

Page 76: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٨٨

الترصيح بالبعث يف ثبـج تعداد النعم يف هـذا املعقـد وإذا ما أقام اهللا الثالث فإنه خيتم املعقد أيضا ببسط القول الرصيح يف إثبات البعث عىل نحو

مل يسبق يف السورة قائال : { f g h i j k l m n o p q r s t u v w x

y z { | } ~ � ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ § © ª « ¬ ® ±° ² ³ µ ¶ ¹ º » ¼ ¾½ ¿ À

Á Â Ã Ä A B C D E F G H I J K L M N O P Q R S T U V XW Y Z [ \ ^] _ a b c

d e f g h i z ٨٩ – ٨٤: النحل

فـإنام عليـك : عـىل مقتـىض قولـه}..يـوم نبعـث( وهو يعطـف قولـه أي فبلغهم بالغا مبينا وخوفهم يوم نبعث من كل أمة شهيدا البالغ املبني

ــذ أنــه قــد بلغــوا احلــق, فتولــوا, وحينئــذ ال يــؤذن للــذين كفــروا أن يعت روا ....ويعتبوا, فإهنم ال يستعتبون

ويوم نبعث يف كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا :وكمثله قوله بك شهيدا عىل هـؤالء

وهو خيتم آيات املعقد الثالث باحلديث عن إنزالـه القـرآن عـىل النبـي نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل يشء وهدى ورمحة و: ووظيفة هذا الكتاب وبرشى للمسلمني }كمثل ما ختم املعقد الثاين}٨٩ : وما أنزلنـا عليـك

الكتاب إال لتبني هلم الذي اختلفوا فيه وهدى ورمحة لقوم يؤمنون }٦٤{ :وتبرص ما ختم به آخر املعقد الثاين,وما ختم به آخر املعقد الثالث

لتبني هلم الذي اختلفوا فيه وهدى ورمحة لقوم يؤمنون }٦٤{

Page 77: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٨٩

تبيانا لكل يشء وهدى ورمحة وبرشى للمسلمني }٨٩{ هنالــك تبيــني الــذي اختلفــوا فيــه,وهنا تبيــني لكــل يشء, هكــذا يرتقــى

التبيــني, وهنالــك وهــدى ورمحــة لقــوم يؤمنــون }٦٤{ وهنــا : وهــدى ورمحة وبرشى للمسلمني }٨٩{ واإلسالم الذي هو إسالم الوجه هللا هـو

ل إيامنـه وقـر يف قلبـه وملـك جوارحـه ثمرة اإليامن, وال يكـون إال ممـن كمـ وسـيؤكد هـذه البـرشى مـرة وبرشىوظاهره وباطنه , ولذلك جاء قوله

قل نزله روح القدس من ربك باحلق ليثبت الذين آمنوا :أخرى بعد آيات وهدى وبرشى للمسلمني ) تفتح سورة النمل هبـذه وسيس ) ١٠٢:النحل

طس تلك آيات القـرآن وكتـاب مبـني :البرشى أيضا هـدى وبـرشى }١{ للمــؤمنني الــذين يقيمــون الــصالة ويؤتــون الزكــاة وهــم بــاآلخرة هــم }٢{ يوقنون }٣{

ومما حيـسن التـذكري بـه أن آيـات امل معطوفـة ) ٨٩ −٦٥ي (عقـد الثالـث عيل خامتة آيات املعقد األول استطعنا أن نبرص التنسيق البديع بحيث يتأيت ملــن أراد أن يرســم تتــابع اآليــات يف كــل, فيــشكل دائــرة ملتحمــة بــشعبة يف

الدائرة األخرى . ــث ــد الثال ــات املعق ــأن آي ــذكري ب ــذلك الت وك ــات ( وإن ) ٨٩−٦٥اآلي

تشابت مع آيات املعقـد األول يف تعديـد الـنعم إال أهنـا ) ٢٢ −٣: اآليـات(ختتلف معهـا اختالفـا جوهريـا حيـث إن تعديـد الـنعم يف املعقـد األول ي (

ــي ) ٢٢−٣/ ــا, فه ــضمن امتنان ــتدالل املت ــرئيس إىل االس ــصد ال ــان الق ك

Page 78: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٩٠

ــ ــه, أم ــن خالل ــنفس م ــل أوال وال ختاطــب العق ــد ــات املعق ــد يف آي ا التعديفالقـصد الـرئيس إىل االمتنـان املتـضمن اسـتدالال, ) ٨٩ −٦٥: ي:(الثالث

فكانت ختاطب النفس أوال بعد أن حطمت آيات املعقد الثاين ) االعرتايض(شبهات واعرتاضات املستكربين ولذلك رأينا آيات املعقد ) ٦٤ −٢٢: ي(

تــضع يف داخلهــا مــا حتطــم بــه مــا قــد يبقــى مــن ) ٨٩ −٦٥: ي(الثالــث ):٧٧−٧٤(شبيهاته عالقا ببعض النفوس, فدمغتها باآليات

{ Q R S UT V W X Y Z [ \ ] _ a b c d e f g h i j k l m n o qp r ts u wv x y z { | } ~ _ a b c d e f g h i j k l m n po

q r s t u vw x y z { | } ~ � ¢¡ £ ¤ ¥ ¦ § © ª ¬« ® ° ± ² ³ z

فتكون مسرية السورة عىل هـذا النحـو يف تـصاعد مـستمر ونمـو مطـرد بمخاطبة العقـل, ثـم حطمـت أيتجاوب مع طبيعة النفس والعقل حيث بد

فس ختاطبها يف آيات الن منه, فرتكته أعزل, ثم انعطفت عىلشبهات ما متردوتقنعها بمنطـق الـشعور بعـد أن خاطبـت العقـل ) ٨٩−٦٥(املعقد الثالث

بمنطقه, فجمعت السورة بني منطق العقل ومنطق الشعور . ويف هذا منهج تربوي للداعيـة إىل اهللا ومـا حيـسن بـه أن يتخـذه مـن ,

فهذه طريقة يف احلجاج. سبيل إىل حتقيق رسالته واملجادلة بالتي هي أحسن تبلغ املقصد فمضمون السورة ومقصودها مهـا اللـذان اقتـضيا هـذا الـنهج .

التـركيبي البيـاين, فأنبـأ مـنهج البنـاء عـن املـضمون واملغـزى إنبـاء الـصورة عن املعنى عىل مستوى اجلملة واآلية, فكـام أن نظريـة الـنظم تؤكـد ) النظم(

Page 79: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٩١

املعنى هو انعكاس لبناء املعنى, فاألمر قريب منـه يف مـستوى أن بناء صورة كيبي للسورة هو ثمرة ملضموهنا ومغزاها, وهذا يؤكـد أن البالغـة البناء الرت القرآنية قد فتحت هذا السبيل الذي مل تكن العرب تسلكه أو تعرفـه, وهـذا

هو املعلم األهم واألعىل من معامل البالغة الق رآنية التـي ال نظـري هلـا يف بيـان .أحد من اخلالئق

אWאאFאL٩٥ J١٢٤KE منزلـة التعقيـب واخلامتـة للمعاقـد الثالثـة, ) ١٢٤ −٩٥( تنزل اآليـات

وهي هنا بمثابة الوصـية للداعيـة إىل اهللا الـسالك املـنهج الـذي رسـمته سورة يف معاقدها الثالثة, فهذه الوصية الربانيـة للداعيـة ترسـيخ لـدعائم ال

هذا املنهج يف قلبه, وترسيخ لقـدم الداعيـة عـىل الحـب هـذا املنهـاج, ولـذا كانت هذه اخلامتة الوصية قائمـة بالـدعوة إىل مكـارم األخـالق التـي يـتحىل

بـها املسلمون عامة والدعاة منهم خاصة . تبدأ الوصية من أول قول اهللا { k l m n o p q r s

t u v xw y z { | z إىل أول قوله: { v w

x y z { }| ~ � ¡ £¢ ¤ ¥ ¦ § © ª ¬« ® ° ± z

استفتحت الوصية باخللق الكيل الذي تندرج حتته كل مكـارم األخـالق وهذا من السنة البيانية للقرآن عل رأس األمر ما هو كيل ضابط ملا يتوافد جي.

هــذا التناســل يف تــوارد املعــاين يؤكــد مبــدأ اإلمامــة واالنتظــام . مــن بعــده , واالطراد والتوحد يف القصد يف احلياة اإلسالمية يف كافة جنباهتـا, البـد مـن

Page 80: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٩٢

اإلمام, ففيه ضبط حلركة احلياة أال ترى أن أعظـم حـاالت املـسلم صـالته, من وراء إمـام يتقـدمهم بـني يـدي ربـه جعله اهللا ,وهـم يفـدون إليـه

ــوت اهللا ــة يف بي ــم األئم ــو عل ــستجدون رضــوانه, ول ــه ي ــون يف بيت ويقف قدر مقامهم هذا ملا كـان بملـك أحـدهم أن ينـرصف باطنـه عـام جعـل إمـام

قومه فيه ,ويف هذا تربية منهجية للدع .اة لو كانوا يتفكروناملهم أن البيان القـرآين بـستفتح القـول هنـا بـاخللق الكـيل رأس مكـارم :

, وهذا إذا ما حتقق يف أي جمتمع, فهو املجتمع املتكامـل, )العدل:(األخالقبل الكامل, فمجتمع ال ظلم فيه للنفس واآلخر هو املجتمع املثـايل, ورأس

ظلم النفس الرشك باهللا { A B C D E F G H I J K L z التطهر لبيان منهاج الدعوة إىل) النحل( وهذا ما أقيمت سورة )٨٢األنعام(

ما يكون حركة إىل غري قليل من النفوس ىمن أدنى صوره, فهو أخف . وأحق الناس بإقامة العدل مع نفسه واآلخـرين هـو الداعيـة إىل اهللا ,

فالعدل مفتاح مغ اليق القلوب, ألنه دعوة بلسان احلال, ولسان احلـال أبلـغ وأصدق وأنجع من لسان املقال, وما يرض الدعوة اإلسالمية لكنة أو حبسة

يف لسان الداعية بمقدار ما يرضها لكنة أو عجمة يف سلوكه وأخالقه . أمور بذلك, يأمر بالعدل واإلحسان دون تعيني املاالستهالل بأن اهللا

ودون تعيني من يكون العدل واإلحسان معه فيه داللة بينة عىل أهنام مطلبان من كل مسلم, ومن الدعاة خاصة, ومطلبـان لكـل إنـسان مـسلم أو غـريه,

Page 81: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٩٣

ــة إىل اهللا ــسلم والداعي ــع فامل ــه أن يعــدل وأن حيــسن م فــرض عــني علي .اآلخرين, فالعدل مبدأ األمر, واإلحسان أعاله

ويأيت من بعدمها األمر بإيتـاء ذي القربـى واإليتـاء هنـا أعـىل كيفيـة مـن اإليتاء يكون عن طيب نفس وشعور بالـسعادة عنـد : اإلعطاء يف حق البرش

ممارسة الفعل, والشعور بأن املؤيت ليس باملتفضل عىل مـن يؤتيـه مـن فـضل , بــل إن الــذي يــؤتى اهللا ملــؤيت هــو املتفــضل عــىل ا) بفــتح عــني ( بكــرس (

إذ قبل منه نواله, ولوال إحـساس مـن أنـت مؤتيـه مـن فـضل اهللا ) العنيالذي يف يمينك أنك خري منه ملا قبل ما أنت مؤتيه إذ كيف يقبل املرء تفضال

.ذلك يف منطق الفطر السوية غري مقبول! ممن هو دونه?واإليتاء كام قلت فعل يـصدر عـن نفـس رضـية تـرى يف أن متـنح غريهـا

إحسانا أعظم من أن يمنحها غريها وهو إذا يعـني مـن يـؤتى العطيـة يف قولـه : وإيتـاء ذي القربـى فهـذا

يشمل كل مسلم, القربى هنا ليست قربى النـسب بـل هـي قربـى اإلسـالم, وقربى اإلسالم قربى حسب :إنام املؤمنون إخوة )١٠:احلجرات(

إيتاء ذي القربى منزلة خاصة هي فوق منزلة اإلحسان, وهو مل يعـني مـا يؤتيه املرء لذي القربى, وكأن كل ما فاض عن حاجتك هو حمـل ألن يـؤتى لذي القربى إذا ما احتاج إليه, فام حيتاج إليه ذو قربى مما لـست بحاجـة إليـه

.يتائه ذي القربى يأمر بإ يف يمينك, فإن اهللا مما وضعه اهللا

Page 82: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٩٤

هذا هو السمو يف مكارم األخـالق, وهـو يقابلـه بـام ال يليـق بمـسلم أن وينهـى عـن الفحـشاء واملنكـر والبغـي: عنهيتلطخ به, ولذا هنى اهللا

املبـدوء بـه, ) العـدل(وأنت تلحظ النسق الدائري, فالبغي املختوم به يقابل ألنه إذا ما كـان إيتـاء ذي القربـى زائـدا إيتاء ذي القربى والفحشاء تقابل

بخصوصيته عىل اإلحسان, فإن الفحـش زائـد عـىل الظلـم, ألنـه فجـور يف الظلم, ولذا غلب هذا عىل فعل الزنا, وهو مـن أعظـم البغـي والظلـم, ألن

االعتداء عىل األعراض أنكى أثرا من االعتـداء عـىل األمـوال بـل ا ألرواح, .يعرف ذلك الرشفاء

وإذا ما كان اإلحسان ذروة العـدل, فهـو مـنح مـا لـيس بمـستوجب بـل مستحسن, فاملنكر يطلق عىل ما هو األدنـى مـن العـصيان, فتنكـره الفطـرة,

متــسعة تبــدأ يف حــق األصــفياء بــام هــو خــالف ) املنكــر(ولــذا كانــت دائــرة .راماألوىل, ليتصاعد يف حق الدمهاء إىل ما هو احل

يعظكــم لعلكــم تــذكرون مفتــتح الوصــية بقولــه وخيــتم اهللا ذلك أن ما مـىض يف املعاقـد الثالثـة قـرر ) التذكر(والفعل املصطفى هنا هو

األمور يف القلوب, لكنـه قـد تغفـل ,فـال حتتـاج إىل تقريـر ومراجعـات, بـل يكفيها التذكري لعلكـم تـذكرون :كذلك وقعـت هـذه الفاصـلة. موقعـا

يعظكم: وكان قوله. آنسا جد آنس, فاملوعظة ال تؤسس علام جديدا, بل هي تثور ما كان مؤسسا قبل, فالعامل يؤسس, والواعظ يثور ما أسس العامل .

Page 83: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٩٥

فخامتة السورة تنزل من املعاقد الثالثة منزلة الـواعظ مـن العـامل ,وهـذا مـن .الرتقي والتصاعد : السنن البيانية للقرآن

{ } ~ _ a b c d e f g hوجاء قولـه

i j lk m n o p q r z ـــه ـــا عـــيل أول قول إن اهللا معطوفيــأمركم ... ,ملــا تــضمنه هــذا اخلــرب مــن معنــى األمــر, فكأنــه قيــل اعــدلوا

أو هو معطوف عىل ما أفهمه السياق, ...اءوأحسنوا, وآتوا, واتركوا الفحش أي أمرتكم ووعظـتكم لعلكم تذكرون وما ختمت به اآلية من قوله

.به لعلكم تتذكرون فتذكروا والزموا ما أمرتم به, واجتنبوا ما هنيتكم عنه وأول املأمورات الوفـاء بالعهـد الـذي أخـذه علـيكم احلـق يف عـامل

الذر ألنه أول V W X Y Z [ \ ] _ a b dc } عهـد

e gf ih j k l m n o p q r s z )ــــاء ١٧٢:األعــــراف والوف بالعهد من العدل الذي هو أول املأمورات يف اآلية التسعني

وهكذا تستمر اآليات ترسـم الطريـق أمـرا بمعـروف وهنيـا عـن منكـر, V W X Y Z \[ ] _ a b c d e f g h }ليأيت قولـه

ji k l m on p q r s t u v w x y z { | } ~ _ a b c ed f g h i j k l z ليقيم

الداعية مقام املرابطة التي ال تلتفت إىل عرض من الدنيا, وال تتخذ الـدعوة سبيال إىل مكسب من زخرف احلياة الفانية, وال يقوض سعي الداعية كمثل

ت بعملـه إىل عـرض مـن الـدنيا, هنالـك تتهـاوى القـوى, ما يقوضه االلتفا وختور العزائم, ويضل القلب, وينفلت اللـسان غـري معقـول بعقـال احلـق,

Page 84: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٩٦

فإذا بالداعية كالتي نقضت عزهلا من بعد . فيهدم يف حلظة ما بني يف سنوات . قلتقوة أنكاثها, ونظرة يف واقع الدعاة يف زماننا هذا تريك صدق الذي

أمرا بالغ األمهية لكل مسلم داعية ومدعو إىل اخلريبني اهللا :{ g h

ji k l m on p q r s t u v w x y z { | } ~ _ a b c ed f g h i j k l z .

هاتان اآليتان إذا قامتا يف قلب املـسلم عامـة والداعيـة خاصـة اسـتفحل إخالصــه وطلبــه القربــى ممــن لــه , واســتوثق ملــك الــسموات واألرض

نجحه يف فؤاده, فإذا هو ال يلوي عىل يشء مما يف أيدي الناس نفعا أو رضا, [ \ ] W X Y Z }. وتلك التي عليها يكون مبلغ النجح

_^ a b c d e f hg i j k l nm o p rq s t u v w x y z)٢٢: املجادلة(

ومن فيـوض الر الـسياج الـذي حيـاجز املـسلم عامـة, يـأيت بيانـه محـةوالداعية خاصة من أفاعيل الشيطان, فيهـدي إلينـا قولـه { m n o p

q r s t u v w x y z { | } ~ � ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ § © ª « z

m n } عجـز الـشيطان عـىل الـرغم مـن تقاسـمه بـاهللاكذلك يبني لنا

o p q r s t u v w x y z { | } ~ `_ a b c d e z)١٧ −١٦:األعراف(

ـــــه ¤ £ ¢ ¡ � ~ { | } v w x y z }:ويف قول

¥ ¦ § © ª « z أمنة تقيم القلـب املـسلم يف حـصانة وقـوة .وثقة بالنرص املبني عىل الشيطان وحزبه

Page 85: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٩٧

ويبني هلم مواقف أولئك الذين يتولون الشيطان, فهم بـسبب مـن تلـك منــزل القــرآن الكـريم الــذي هـو الــسياج هلــم إن املـواالة مــرشكون بـاهللا

:عقلوا من مذلة التذلل للشيطان, فقال { ¬ ® ° ²± ³ µ ¶ ¹ º ¼» ½ ¾ ¿ À

Á Â Ã Ä Å Æ Ç È É Ê Ë Ì Í Î Ï A B C D E F HG I J K L M N O P

Q R S T U V W X Y Z [ \ ] _ a b c d e f hg i j k l m n o p q r s t u v

w x y z { | } ~ _ a b c d e f g h i j k l m n o p q r s t u v w x y z |{ } ~ � ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ §

© z ,وهو إذ يبـني ذلـك مل يغلـق الطريـق عـىل مـن أنـاب مـنهم املـتجيل بكـامل ورغب يف اهلود والتوب, فأبرز أن من شاء ذلك, فإن اهللا

يته عىل خرية خلقه هو ألولئك الراغبني يف اهلود واإلنابةفيض ربوب : ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد مـا فتنـوا ثـم جاهـدوا وصـربوا

فمـن كـان للـذينتبرص فـيض الربوبيـة املتـدفق يف جمـرى هـذه الـالم يف !!!د عليه ?الرب له, فأي نوال ذلك الذي يتواف

: عىل من هاد وأناب يصور لنا إقبال اهللا والنبي

Page 86: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٩٨

روى البخاري يف باب التوبة مـن صـحيحه بـسنده عـن األعمـش عـن عامرة بن عمري عن احلارث بـن سـويد حـدثنا عبـد اهللا بـن مـسعود حـديثني

أحدمها عن الن بي واآلخر عن نفسه قال : إن املؤمن يرى ذنوبه كأنـه قاعـد حتـت جبـل خيـاف أن يقـع عليـه وإن "

الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر عىل أنفه فقال به هكـذا قـال أبـو شـهاب بيـده فوق أنفه, ثم قال هللا أفرح بتوبة عبده مـن رجـل نـزل منـزال وبـه مهلكـة ":

ومعه راحلته عليها طعامه ورشابـه فوضـع رأسـه فنـام نومـة فاسـتيقظ وقـد ذهبت راحلته حتى إذ ا اشتد عليه احلر والعطـش أو مـا شـاء اهللا قـال أرجـع

إىل مكاين فرجع فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده " إن ربك من بعدها لغفـور رحـيم :ويأيت قوله }١١٠{ مبينـة وجهـا

إن ربـك ::وهلذا فـصل قولـه . جمالها املغفرة والرمحة) الالم(ىل هذه جم من بعدها لغفور رحيم }١١٠{ عن قوله:: ثم إن ربك للـذين هـاجروا

من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصربوا ثـم إن ربــك :كيـد الوعـد ملـن تـاب وأنـابويـستمر البيـان ليختمـه بتأ

للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعـد ذلـك وأصـلحوا إن ربـك مـن بعــدها لغفــور رحــيم }١١٩{ ــة للمــسلمني ــة املنهجي ويف هــذا مــن الرتبي

تربيــة هلــم وتعلــيم أال يغلقــوا أبــواب يف هــذا. عامة,والــدعاة مــنهم خاصــة

Page 87: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

٩٩

. اإلقبال واإلفضال يف وجه من تصدى هلم يوما, فلام انكشف الغطاء أنـابولو أن الدعاة تـأدبوا .لتكن قلوبكم مفتحة بالرضوان ملن عرف احلق فتبعه

ــا, وألزاحــوا مــن ســبيلهم كــدى ــدا أو أعوان ــسبوا للهــدى جن بــذلك الكت وليس أخرس مـن داعيـة يـسعى . يكونون إىل إزاحتهاوعقابيل هم أحوج ما

إىل تغازر مناوئيه من حوله, إن تأليف القلوب مـن أقـوى عوامـل اسـتفراغ السبيل يف مسريتك إىل اخلري الذي إذا ما فرغت له قوي, فكان أقدر عىل أن يقوم قياما ختـر أعاصـري الباطـل حتـت قدميـه, ولكنـك تـرى غـري قليـل مـن

ن يريدون أن يعلموا الناس اخلري يشتدون يف خطـاهبم, ويقـسون الدعاة ومعىل من ركب متن اجلهالة, وسقط يف ردغة الـضاللة, ظنـا مـنهم أن يف هـذا

ــدعاة, كــال ــدعوة وال ــه. عــزة ال ــق ال يكــون يف يشء إال زان إن الرف ــيكن . لالداعية ملن أناب عن جهالة, وتاب من ضاللة, يصطفيه, فيصفيه من دغـل

د يبقى من أثارة ويشفيه من عباقيل ناشبة بقلبه فالدعاة أطبـاء القلـوب, , ق : هلمفليكونوا هلم كام كان اهللا

ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصربوا ثــم إن ربــك للــذين عملــوا الــسوء بجهالــة ثــم تــابوا مــن بعــد ذلــك

وأصلحوا . أن يتخلق هبا عباده التي حيب اهللا فهذا من التخلق بصفات اهللا

Page 88: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٠٠

ويقــدم للــدعاة األســوة والقــدوة أبــا األنبيــاء ,وإمــام الــدعاة إىل اهللا :سيدنا إبراهيم

{ U V W X Y Z [ \ ] _ a cb d e f g h i j k l nm o p q r s t u v w x y z { }|

~ _ a b z ويف هذا إشارة إىل أن ما يدعون إليه من مكارم األخالق, وينهـون عنـه

, وهم من أشد الناس من مفاسدها إنام هو الذي جاء به أبوهم إبراهيم , ففتح هلـم ق اآلباء هبذا أبوهم إبراهيم استمساكا بمرياث آبائهم, وأح

, فوضـح هلـم باب األمل يف العودة إليه استجابة لدعوة أبـيهم إبـراهيم حقيقة أبيهم عربا, فإن كانوا كام يدعون حقا أهنم عيل ديـن آبـائهم, فـأبوهم

ا ,وإنام كان أمة قان ما كان مرشكاألكرب األعظم األمة تـا هللا حنيفـا ,ومل .يك قط من املرشكني

U V W X Y Z [ \ ] _ a cb d }هذه اآليات

e f g h i j k l nm o p q r s tz من العظمة التـي هبـا جاءت لتعلل ما قبلها ولتجمع ألبينا إبراهيم

كان وحده جديرا بأن يؤمه كل واحد وأن يتبعه مجيـع البـرش ثـم أضـاف إىل يف نفسه ومن علو منزلته, ومن ثم عطف عـىلصفا هو أعىلذلك و مـا قبلـه

ما قبلهـا كـام الرتتيب الرتبي املقرر لعلو رتبة ما بعدها عىلالدالة عىل) ثم(بـ

Page 89: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٠١

أنه رصح باألمر باتباعه موجها مبـارشة ألحـب خلـق اهللا إليـه ويف هـذا ,ــراهيم ار مقتــدى أن صــإشــارة إىل أن مــن أعظــم خــصائص ســيدنا إب

ثم أوحينا إليك أن اتبـع ملـة إبـراهيم حنيفـا ومـا كـان مـن : رسول اهللا املرشكني }١٢٣{فكان ذلك تصعيدا إلهلاهبم لقبول الدعوة اإلسالمية .

. وهبذا تنتهي اآليات التي هي بمثابة خامتة ملعاقد السورة وتتميم هلاا أن نلحظ جيدا أن السورة كانت تربز الترصيح بوحدانيـة اهللا وعلين

يف مفاصل القول نجد ذلـك يف مـا أسـميناه براعـة اسـتهالل يف أخـره اآليـة −٣ي(خـر آيـات املعقـد األول آ ويف لـه إال أنـاإنـذروا أنـه ال أ أن الثانية ٢٢:(إهلكم إله واحد وهـذه اجلملـة هـي صـدر لآليـة التـي هـي صـدر

التعقيـب وقد عطفت عليها بالفـاء الدالـة عـىل) ٦٤ −٢٢: ي(املعقد الثاين النهـى ثم تأتى آيات املعقد الثاين لتنص يف وسـطها رصاحـة عـىل. والتفريغ

¼ µ´ ¶ ¹ »º ³ ² ± ° }:عـــن اإلرشاك ولتـــرصح بالوحدانيـــة

½ ¾ ¿ À Á Â Ã Ä Å ÇÆ È É Ê Ë Ì Í Î Ï Ð Ñ z . إال ليبـني املـصطفى ن أن ما أنزل القرآن الكـريم عـىلتنتهي حديثها ببياو

Ò Ó Ô Õ Ö × Ø Ù Ú ÜÛ Ý Þ }. هلم الـذي اختلفـوا فيـه

ß à z ومن أبرز ما اختلفوا فيـه الوحدانيـة والقـدرة والسـيام القـدرةلتختم حديثها بمثل ما ) ٨٩ −٦٥:ي( البعث فتأتى آيات املعقد الثالث عىل

Page 90: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٠٢

] O P Q R S T U V XW Y Z } آيات املعقد الثاين ختمت به

\ ^] _ a b c d e f g h z ـــب ـــأيت التعقي ليعىل هذه املعاقـد مـستهال بالتـرصيح بـاألمر بالعـدل وأول درجـات العـدل

ثم ختـتم آيـات هـذا التعقيـب وكامل علمه وقدرته,اإليامن بوحدانية اهللا U } وتنفي عنـه اإلرشاك سيدنا إبراهيم بحديثها عن أعظم املوحدين

V W X Y Z [ \ ] _ a cb d e f g h i

j k l nm o p q r s z وهبذا تستطيع أن تستوضح جيدا براعةالتوزيع إلبراز عنارص السورة يف مواقع دقيقة وحساسة ,وتبرص مـستويات

الـسورة, ومـستويات التـشابك الرتقي والتصعيد يف حركة املعنى القرآين يف.بني عنارصه

Page 91: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٠٣

א إذا ما كان لكل آية من آيات الذكر احلكيم يف غالب األمر فاصلة فإن للسور

−١٢٥: ي):(النحـل(وفاصـلة سـورة . القرآنية يف غالب األمر كذلك فاصـلة :تضمنت تكثيفا ملقصدها, فرصحت بمنهاج الدعوة إىل اهللا ) ١٢٨ { v w x y z { }| ~ � ¡ £¢ ¤ ¥ ¦ § ©

ª ¬« ® ° z . األمر بالدعوة هنا غري مقيد بمن يدعى إىل سبيل اهللا فكل مـن هـو ,

صالح ألن يدعى, فإنـه جتـب دعوتـه, ويف هـذا تكليـف بـأن يـسعى املـسلم باإلسالم إىل كل بقعة يكون فيها إنسان, وأن يكـون املـس لم مقتـدرا عـىل أن

حيسن خماطبة كل إنسان باللسان الذي يفهم عنه, وباملنهج الـذي يفعـل فيـه فيثمر, كذلك جيب أن يفهم إطالق فعل األمر مـن التقييـد بمفعـول, وهـذا

ـــول اهللا ـــده ق » ©ª § ¦ ¥ ¤ £ ¢ ¡ ~� { | } }يؤي

¬ z )فهـو رشف للنبـي ) ٤٤ −٤٣: الزخرف ولقومـه العـرب الـذينجــاء بلــساهنم القــرآن, وإهنــم مجيعــا ملــسؤولون عــن تبليــغ هــذا الكتــاب إىل الناس كافة يف أمصارهم, وبألسنتهم, وال يكلف غري العرب بـأن يتعلمـوا العربية يف مفتـتح األمـر, بـل علينـا نحـن العـرب أن نـتقن كـل لـسان فنبلـغ

. كذلك يكون األمر. نعلمهم لسان العربيةاإلسالم به إىل أهله, ثم من بعد ويف تسميته اإلسالم سبيل ربك من اإلغراء بـه كـل داع ومـدعو كلمـة .

.سبيل حتمل معنى االمتداد واالعتدال واالنتهاء إىل الغاية وهذا حيمل إىل قلب سالكه أمنة أنه بالغ غايته .

Page 92: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٠٤

يف بـاكر األمـر ثـم كـل لنبي خماطبا به ا) ربك(ويف إضافة السبيل إىل قولهداعية ما يفهم أنه سبيل تربية يف أفقها األكمل واألمجل, فإضافة اسم الربوبية إىل

. يف البيان القرآين حتمـل إعالمـا باتـساع فيـوض العطـاءكاف خطاب النبي وفيه داللة عـىل أنـه متـسع ال حـرج فيـه, فهـو يتـسع كـل العبـاد عـىل اخـتالف

ـــدهم, ومـــستوياهتم أعـــص ارهم وأمـــصارهم ,وأجناســـهم وعـــاداهتم وتقالياالجتامعية والفهمية والنفسية, فهو صالح لكل زمان ومكان,ومصلح كل زمان

.ومكان, فمن ابتغى اهلدى من غريه أضله اهللا .احلكمة واملوعظة احلسنة: مرتكزان رئيسيانوملنهج الدعوة إىل اهللا

مؤسسة للعلم حمكمة للدليل واحلجة, فهي يقينيـة مطهـره عـن احلكمة .احتامل نقيض

واملوعظة احلسنة مثورة النفوس إىل أخذ مـا جـاءت بـه احلكمـة, فلـيس كافيا أن تؤسس معرفة, بل فريضة أن تغري القلوب هبا .

املوعظة احلسنة هي سـياق التثقيـف يف البيـان القـرآين بيـنام احلكمـة هـي اق التعليم والتكليف يف البيان القـرآين, والـذين يتبـرصون آيـات الـذكر سي

احلكــيم يــدركون أنــه مــا مــن آيــة مــن آيــات احلكمــة إال وهــي مكنوفــة بــل وممزوجــة باملوعظــة احلــسنة, وذلــك مــن فــيض رمحانيــة ورحيميــة رب مــن

.أرسله رمحة للعاملني ــ ــيم الن ــدعوة ويف تعل ــل يف ال ــنهج األمث امل ــة ــزج احلكم اس اخلــري أن متت

يف املوعظة ما يلطف حزونة احلكمة, املوعظة احلسنة إغراء بنـوال . باملوعظة

Page 93: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٠٥

فالعامل حكيم, والداعية مغـر بـام ينتجـه العـامل . قامت احلكمة بصنعه وببيانه . احلكيم

احلكمة واملوعظة تنتجان حني يكون القلب املخاطب هبام معـاىف :هذان ــن ــإن كــان القلــب م ــة بالباطــل, ف ــة وعــشق الغلب داء االســتكبار واملجادل

املخاطب مبتىل بذلك الداء الوبيل, فثم طريق أخـر جيندلـه, يكـرس شـوكته, يعريه أمام القلوب األخر, فال يكون له بباطله أثر فيها يأيت سبيل املجادلة, .

ل يقيدها بأنـها جمـادلة بـالتي والقرآن هنا ال يدعو إىل املجادلة عىل إطالقها ب أي بالطريقة التي هي أحسن, فاملجادلة بالتي هي أسوأ ال تثمـر .هي أحسن

إال فسادا ,وإفسادا . وقد هنينا عن اإلفساد يف األرض. B C D E F G H }وقــد جــاء يف ســورة العنكبــوت مــا يقــرر هــذا

I J K L NM O P Q R S T U V W X Y Z [ z .)٤٦:العنكبوت(

اجلدال بالتي هي أحسن إنام يكون حني ال يستجيب املدعو ألثر احلكمة واملوعظة احلسنة ملا ينشب يف قلبه من شبهات, تسوقه إىل املجادلة واملجالدة

استكبارا, حينئذ ينتدب الداعية إىل اجلـدال بـالتي هـي أحـسن ويف القـرآن . سس علام يمكن الداعيـة مـن أن ينفـذ يف من مناهج احلجاج ما يمكن أن يؤ

.سبيله حني يقوم هلذا هنـج مـن اإلجيـاز فهذه اآلية جامعة جلميـع أقـسام منهـاج الـدعوة عـىل

.بديع

Page 94: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٠٦

رأينا أهنا قد حوت األنواع يف دعوهتـا إىل ) النحل( وإذا نظرنا إىل سورة ــة ــد ... الوحداني ــق اآلنفــة تعم ــت يف اســتخدامها للطرائ إىل مزجهــا وكان

اوتداخلها لتامزج وتداخل املخاطبني, فكانت هتدف إىل التأثري عليهم تـأثري . اا شموليكلي

بالـدعوة باحلكمـة قد بـدأت بـأمر النبـي ) ١٢٥(وإذا ما كانت اآلية واملوعظة احلسنة, وختمت بالر ث عـن فق يف اجلدال, فمـن األكمـل التحـد

أنه قد وجه اخلطاب هنا إىل أتباع النبي جانب القوة يف الدعوة, غري مرا أ وجـه األعداء والنهي يف جمازاهتم إال عـىلىبالعدل واإلحسان ولو مع أعد

.µ ¶ º¹ » ¼ ½ ¾ ¿ z ³ ² }العدل فقال وهنـا مل دعاهنالـك قـال. مل يأت البيان هنـا عـىل هنجـه يف التـي قبلهـا

, فهـو إىل اجلامعـة عـن اخلطـاب إليـه وإن عاقبـت, رصف اخلطـاب :يقلاألصل يف الدعوة, فوجه إليه اخلطاب, ولكنه ليس األصل يف املعاقبة, ألنـه

لــرؤوف رحــيم, وكــذلك إىل الــصفح أميــل, وعــن املعاقبــة أرغــب, إنــه حيسن بالداعية أن يتأسى, وكأين أستشعر أن املعاقبة بالعدل ملن يـستحق, −

, ويف الناس من هذا شأنه ن فاملعاقبة العادلة قـد تكـون وملن تصلحه املعاقبةوسيلة من وسائل الدعوة, فهي أشبه بمرحلة ثالثة مـن مراحـل الـدعوة إىل

:يق هنج الرت وأن الرتتيب قائم عىلاهللا من معاملـة باحلكمـة وموعظـة حـسنة إىل جـدال بـالتي هـي أحـسن إىل

.معاقبة عادلة

Page 95: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٠٧

فيمنعها من أن تسري يف طريقها لتبلغ الناس معاقبة من يتصدى للدعوة هـذه املعاقبـة العادلـة هنـج مـن أهنـاج الـدعوة –باحلكمة واملوعظـة احلـسنة

.أيضا املتجـاوب مـع منطـق العقـل وتـأثرات ي وذلك هو الرتتيـب التـصاعد

.النفس والشعورممــا يقــيض أن ) الــواو(جــاءت معطوفــة بـــ) ١٢٦( ويؤيــد هــذا أن اآليــة

. ون املعاقبة العادلة مرحلة تالية مكملة للمراحل التي قبلهاتكوهذه املعاقبـة العادلـة ال تكـون إذا مـا كـان بملـك الـدعوة أن تنفـذ إىل مرادها, ولذا حث عىل الصرب عند القدرة عىل املعاقبة العـدل, وعـىل جتـاوز

سلكوا عراقيل مـن يـستحقون املعاقبـة, يف هـذا تربيـة منهجيـة للـدعاة أال يـسبيل املعاقبة العادلة إذا ما كانوا قادرين عىل أن يبلغوا الغايـة, ألن الـصفح

¼ « } فقولـه . أليق بالداعية, ومن الصفح تتولد املقاربـة أو املهادنـة

½ ¾ ¿ z فيه من اهلدى ما يقوي عزيمة الداعية عىل التلطف, وعدم املسارعة إىل احلزونة يف اجتياز الكدى .والعراقيل

Á Â Ã Ä ÆÅ Ç È É Ê }: قـائالووجه اخلطاب للرسـول

Ë Ì Í Î Ï zوكأنه يلحظ األمـر يف قولـه أي ادع واصـرب, ) ادعفأنت األوىل هبام معا, أما العقاب العدل فأنت األرغب عنـه , وإن كـان مـن

د وذلـك هـو املقـام املحمـو حقك, وحيثه عىل االستعانة والتـسليم املطلـق ,ـــد ـــم Á Â Ã Ä ÆÅ Ç È É Ê Ë Ì Í Î Ï z }: األجم ث

Page 96: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٠٨

يبني له أنه معه إذا ما التزم هبذا املنهج األمثل يف الدعوة, وصـابر وثـابر, ومل جيعل للحزن عليهم أثرا فيه, ونفى عن نفسه شائبة الضيق تسليام ملا يريد اهللا

حتـى ال يتـوهم أن أن يكون, وهو القادر عىل أال يكون لـو أراد ذلـك, و, ويوقن أن ذلك لكل داعية التزم املنهج وصـابر هذه املعية خاصة بالنبي

ــال ــابر, رصف اخلطــاب, فق :{ Ñ Ò Ó Ô Õ Ö × Ø Ù zوث: معهـم بقولـهومل يقل له إن اهللا معك, بـل عمـم, فعـرب عمـن بكـون اهللا

{ Ô Õ Ö × Ø Ù z فاهللا فكل من كان هذا أمره معـه, وأنـت يارسول اهللا إمام املتقني واملحسنني, فأنـت األوىل بـأن يكـون اهللا ,معـك

ولذا أرسى بك لرييك من آياته الكربى, وكنت األحق بذلك واملختص بـه ألنك أنت السميع البصري الذي منح القدرة عىل أن يـسمع وأن يبـرص هـذه

هـا إال مـن بلـغ املنـزل األعـىل يف مقـام اآليات الكربى التي ال يمكـن أن يراالعبودية هللا رب العاملني, وكل من عداك من النبيني مل يبلغ يف مقام العبودية ما بلغت, فكنت األحـق بـأن يـرسى بـك, وتلـك مثوبـة كـل داعيـة يـسلك

وختلـق بأخالقـه فيـه, مثوبتـه أن يـرسى منهاج الدعوة الذي سلك النبي له وقلبه إىل السموات العىل من الكتـاب والـسنة , فرييـه اهللا بروحه وعق

من معاين اهلدى يف آيات ذكره احلكـيم مـا مل يكـن لغـريه أن يـرى مـن تلـك .املعاين

Page 97: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١٠٩

لعنارصها كان بناء يقدم للمـسلمني ) النحل(إن بناء سورة :مالك القول, فـرتى إىل اهللا املنهج التطبيقي للدعوة− وهم ىف مرحلة الدعوة املكية−

... السورة قد أقامت حجاجها وتـدليلها ودعوهتـا إىل وحدانيـة اهللا وقدرتـه .الخ

يف هذه السورة سمعنا البيان القرآن حيطم شبهات املعارضنينفس من بعد أن حطم عنـاد أوتار ال رأيناها ختاطب العقل, وتوقع عىل

.العقل ة لتقـدم لنـا هنجـا تطبيقيـا بـديعا يف رأيناها تأخذ بأيدينا يف رمحـة ومـود

اجلـدال بـالتي − املوعظـة احلـسنة −احلكمـة: املزج بني طرق الـدعوة إىل اهللا .املعاقبة العادلة واملعافاة عند االقتدار..هي أحسن

مزجت بني كل هذا ووقعت يف وقت واحد عىل أوتـار عـدة, وخاطبـت بـرص, وإذنـه بـام تـسمع, عينـه بـام تنظـر فت: كل مدرك من مدركات اإلنسان

فتعي, وعقله بام فيه يثق فيهدى, وقلبه بام يستنري فريشد إىل اهلدى, سـلكت . كل سبيل من سبل الدعوة, وطوعت كل أداة لبلوغ الغاية

والتأمل البصري يف خطة السورة يف هجومها ودفاعها وترهيبها وترغيبها ة يكشف لك التنسيق وامليدان الذى جاهدت فيه والعدة التي طوعتها للغاي

. البديع املعجز والتكامل والتفاعل والوحدة يف أسمى صورها وأشكاهلا : أما بعد

Page 98: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١١٠

كان هذا البحث عامدا إىل سرب غور فرض علمي قائم عىل تـساؤل فقد : مرشوع

أيكون مضمون السورة القرآنية ومقصودها األعظم هو املقتيض منهجـا للسورة, بحيث ال يصلح غري هذا املنهاج حلمل هذا معينا يف البناء الرتكيبي

املضمون واملقصود األعظم لتلك السورة, فيكون املـضمون واملقـصود هـو املقتيض تشكيل البنية الكلية للسورة?

:إذا ثبتت صحة هذا الفرض فإنه يرتتب عليه سؤال آخر إذا ما كان لكل سورة من سور القرآن مضموهنا ومقـصودها األ عظـم,

وإن تقاربت بعض السور يف ذلك يف ظاهر األمر أو يف ظـاهر النظـر أفيعنـي هذا أن مناهج البناء الرتكيبـي لـسور القـرآن تتعـدد بتعـدد الـسور, وبـذلك نكون مكلفني ببيان هذه املناهج التشكيلية للبنية الكلية للسور, وهـذا مـا مل

يقم لبيانه مجهرة من أهل العلم ? ويرتتب : عىل هذا تساؤل آخرإذا كان هذا أفيعنـي أنـه لـن يكـون البتـة منهـاج بنـاء تركيبـي لـسورة مـا صاحلا ألن حيمل مضمون سورة أخرى, وإن قارب مضمون تلـك الـسورة

.ومغزاها الرئيس

Page 99: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١١١

أحببت أن أسرب غور هذا كله, فنظرت فرأيـت ثـالث سـور تقاربـت يف بعت يف النزول تتابعها يف التالوة, أال تسميتها وتقاربت يف جمال القول, وتتا

).العنكبوت(و) النمل(و) النحل(وهي سور التآخي يف التسمية جد ظاهر, وهو الفت للبصرية, من أن اسم الـسورة فيه آية عىل مضموهنا ومقصودها, وداللته عىل ذلك داللة جد لطيفة, ومـن

مية بأهنا سميت بـذلك لطفها نجد غري قليل من كبار أهل العلم يعلل التسلورد الكلمة فيها ,وهذا تعليل غري علمي ألنه ليس بمطرد,واالطراد أصل

..من أصول علمية القولــدعوة إىل اهللا ــثالث جتــري يف موضــوع ال ــسور ال , ورأس ونجــد ال

الدعوة إليه الدعوة إىل وحدانيته . وقد تبني يل بمزيد من املراجعة للسور الث الث أن سورة ترسم ) النحل(

معــامل مــنهج الــدعوة إىل اهللا :تبــني ) النمــل(وأن ســورة . إىل وحدانيتــهـــة ـــا يف الداعي ـــالزم حتققه األدوات ال ـــة,وأن ســـورة : ـــم واحلكم أداة العل

ترسم أخالق املامرسـة يف الـدعوة أي األخـالق التـي جيـب أن ) العنكبوت(يتسم هبا الد وحتمـل املـشاق اعية مـن الـصرب واملـصابرة واإلخـالص هللا . واستعذاهبا

Page 100: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١١٢

وملا كان املنهج مقدما عـىل األداة, واألداة مقدمـة عـىل أصـول املامرسـة جاء ترتيب السور يف النزول والـتالوة عـىل وفـق ذلـك −النحـل/املـنهج: (

)العنكبوت / املامرسة −النمل/ األداةللنظر يف موضوعها ومضموهنا ومقـصودها ) النحل(ت سورة واصطفي

وما اقتضاه من منهاج البناء الرتكيبي للبنية الكلية للسورة, فانتهى النظر إىل أن موضوع ومضمون السورة ومغزاها هو بيان منهاج الـدعوة إىل اهللا ,

ــة ــا يف االســتدالل عــىل وحداني ــا عملي ــدم واقع فهــي تق ويف نقــض اهللا شبهات املعاندين وتقويضها, وقد تبني للبحـث أن هنالـك عالقـة عـضوية

ــاء صــورة معناهــا الكــيل املعنــى (بــني مــضمون ســورة النحــل, ومنهــاج بن ) السوري/النيص

بنـاء : (وقد كانـت هـذه الدراسـة ذات اعتنـاء بمـستوى البنـاء الرتكيبـيريا باملستويات التي من دون هذا املـستوى , وال تنشغل كث)السورة/ النص

يف منظومة مـستويات بنـاء صـورة املعنـى القـرآين, فـاهلم األعظـم للدراسـة استكشاف العالقة بني البيان النظري ملنهاج الـدعوة كـام رسـمته آيـة سـورة

ــل( § ¦ ¥ ¤ ¢£ ¡ � ~ |{ } { v w x y z):النح

© ª ¬« ® ° ± z لسورة من بيان عميل يتمثل يف وما اختذته امنهاج البناء الرتكيبي لصورة املعنى القـرآين يف هـذه الـسورة وهبـذا تـسعى .

Page 101: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١١٣

الدراسة إىل تقـديم منهـاج جديـد يف تأويـل البالغـة القرآنيـة يتجـاوز دائـرة النظر اجلزئي إىل دائرة النظر النيص عىل نحو ما هدى إليه األئمة من علامئنا .

بني له أيضا أن العالقة الوظيفية بني سورة وت ) النمـل(وسـورة ) النحل(عالقة جد وثيقة, وأن هنالك تالؤما بـديعا بـني البعـد ) العنكبوت(وسورة

الوظيفي لكل سورة من هذه السور الـثالث, ومغزاهـا, وموقـع كـل, وأن هنالـــك تناســـبا بـــديعا بـــني االبتـــداء بـــسورة النحـــل واالختتـــام بـــسورة

|{ } x y z } :قولــه) النحــل(وأن آيــة املفتــتح يف ســورة ) العنكبــوت(

~ _ a z ,وآية املختتم سورة العنكبوت قوله :{ p q r

s ut v w x y z z إنام هو من بديع النسق القرآين, كمثل مـا هـو Ñ Ò Ó Ô Õ Ö × Ø Ù z }):النحل(قائم بني اآلية املختتم سورة

p q r s ut v w x y z }: واآلية املختتم سورة العنكبوتوقد تبني يل من خالل هذا البحث أن معامل البالغة القرآنية ال تظهر ظهـورا مفحام فيام استفرغ السابقون زماهنم وجهدهم يف الوفاء بـه, لنقـف عنـد مـا

.ناء عىل ما قاموا بهوقفوا بل هم بام قاموا به مهدوا لنا الطريق لنكمل بالبالدرس البالغي يف معامل بناء اجلملة واآلية واآليتني ال حيقق لنا العرفان األمثل واألجمد ببالغة القـرآن ; ألن بالغـة القـرآن جيـب أن تكـون فـيام ال يلتقــي معهـــا فيــه أي رضب مـــن رضوب البالغــات البـــرشية, وال يف أي

Page 102: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١١٤

رب, أال ترى أن أساليب بناء اجلملة واجلملتـني مستوى من مستويات التقا واجلمل يف القرآن يقاربه بعـض املقاربـة بنـاء اجلملـة واجلملتـني واجلمـل يف

عيل البيان البرشي البديع . اجلــاحظ كــان يقــول إن العــرب تــستطيع أن تقــول مثــل احلمــد هللا رب (

) أل( من مسند إليه معرف بــأي من جهة النظم النحوي, فبناء مجلة) العاملنيتعلق به جار وجمرور, ونعت املجرور بمضاف ومضاف إليه أمر غري قليـل يف

بل إن العريب يمكنه أن يقول مثل . بيان العرب إنا أعطينـاك الكـوثر مـن جهـة النظم النحوي, ولكنه يعجز أن يكون مضمون قوله هذا مـن قبيـل مـضمون

احل : تعاىلقول اهللا مد هللا رب العاملني ,وإنا أعطيناك الكوثر ألن هذا , , ولـذلك كـان , فهو معنى إهلي ال يتـأتى مـن غـري اهللا ال يقوله إال اهللا

مناط اإلعجاز ومعدنه ومنجمه عندي ليس النظم من حيـث هـو نظـم, بـل من حيث نوع املعاين املنظومة, وليس من حيث نظم املعنـى, ألن املعنـى إذا

إن إعجاز القرآن يف أن . مل يكن إهليا, وبلغ يف نظمه ما بلغ فلن يكون معجزامعانيه إهلية ال برشية, أما طريقة النظم يف مجلتهـا فهـي ممـا هلـا نظـري يف كـالم العرب, فعجزهم آت من قبل نوع املعنى أوال, ثـم مـن قبـل بـرشيتهم ثانيـا

وليس آتيا أوال من نظم امل تلطف هبـم حـني حتـداهم, عنى وحده, واهللا فلم يطلب منهم معاين مـن نـوع معـاين القـرآن بـل جتـاوز ذلـك إىل مرحلـة

Page 103: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١١٥

حتداهم أن يكون نظم معانيهم البرشية يف اإلحكام قريبـا مـن إحكـام : أدنىنظم القرآن معانيه اإلهلية, فإذا عجزوا عـن ذلـك, فعجـزهم عـن أن تكـون

ن معاين القرآن أشد, ومـن ثـم لـن يبلغـوا يف نظـم معـانيهم معانيهم قريبة م مستوى يف إحكامه ما يقارب مستوى نظـم القـرآن معانيـه اإلهليـة إحكامـا .

هذا هو ما يتبني يل . اهللا العدل مل يطلـب مـنهم البتـة أن يـأتوا بـنظم معـانيهم عـىل مثـل نظـم

كال هذا ال يكون ; ألنه إذا ما اخ. القرآن تلف املعنيان اختلف رضورة نظـم كل, فالتحدي يف أن يبلغوا يف نظم معانيهم البرشية حـدا ال يطيقـه غـريهم,

كام بلغ القرآن يف نظم معانيه اإلهلية حدا ال يكون من غري اهللا . ومن ثم فإن املعنى هو الذي يقتيض منهاج تشكيل البنية الكلية لـه ممـثال

.ناء الرتكيبي للسورةيف البوهــذا هــو الــذي تتحقــق بــه خــصوصية البالغــة القرآنيــة, وليــست خصوصيتها متحققة ببالغة اجلملة, واجلملتني واآليـة واآليتـني, بـل ذلـك متحقــق ببالغــة البنــاء الرتكيبــي للــسورة, فهــو األوىل بــأن نبــدأ ســرينا إليــه

. سلف إن شاء اهللا تعاىللنكمل مسرية سلفنا, فنكون بحق خري خلف خلري

Page 104: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١١٦

واهللا وحده املسؤول أن حيسن اخلامتة العقبى, وأن يسرت املـسري واملـصري إنه نعم املوىل ونعم النصري وصىل اهللا وسلم وبارك عىل عبده ونبيه ورسـوله

.سيدنا حممد وعىل آله وصحبه وأمته,واحلمد هللا رب العاملني

Page 105: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١١٧

אאא

١E א،אא،אא،F١Eאא، JאK

٢E א،אאאאא–א–אK

٣E א،אא،L١٤٢٠٠Wא

٤E אKאאKאKWאKאK

٥E א،אאאא،אW،אאאWאאאא–

K ٦E אאאאK،אאW

،אאF١Eאאא J J١٤١٣ ١٩٩٣K

٧E אא،אאא،אW،אאאWאאא J

–١٤١٥K

Page 106: 02= منهاج الدعوة إلى الله في ضوء البناء التركيبي لصورة المعنى

١١٨