-١-

دراسات احلب

-٢-

-٣-

ي احلـبـدراســات ف

خوسه أورتغا إي غاسيت :تأليـف قرــم أشـلى إبراهيـع: ترمجة

منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب م٢٠١٣ دمشق –وزارة الثقافة

-٤-

:العنوان األصلي للكتاب

Estudios sobre el amor Por

José Ortega y Gasset

تأليف خوسه أورتغا إي غاسيت؛ ترمجة علي / دراسات يف احلب

- .٢٠٠٩اهليئة العامة السورية للكتاب، : دمشق -.إبراهيم أشقر . سم٢٤ ص؛ ١٤٤

غاسيت- ٣ العنوان - ٢ غ ا س د ١٥٢,٤ - ١ أشقر- ٤

مكتبة األسد

-٥-

حياة أورتغا إي غاسيتنبذة من

يف مدريد ألسرة تعمل يف ١٨٨٣ولد خوسه أورتغا إي غاسيت عام

، مث على الدكتوراه ١٩٠٢وحصل على اإلجازة يف الفلسفة عام . الصحافة ".نقد األسطورة: مخاوف السنة األلفية: " برسالة عنوانها١٩٠٤عام

اضرات التي كانت تلقى ورحل بعد ذلك إلى أملانيا، وحضر هناك احملفدرس هناك على . ١٩٠٧يف جامعة ليبتسك وبرلني ومايربورغ حتى عام

دلتاي ودريش صاحبي الفلسفة احليوية، وعلى هرمان كوهن وإرنست وملا عاد إلى وطنه شغل . كاسيرر، وناتورب ممثلي النزعة الكانطية اجلديدة

.١٩٣٦ عام كرسي ما بعد الطبيعة يف جامعة مدريد حتىس يف عام Revista de، مث مجلة الغرب"إسبانيا" مجلة ١٩١٥وأس

Occidente . وكانت أهم مجلة أدبية وفكرية عرفتها إسبانيا، ومن خير .االت األدبية والثقافية يف العالم

- ١٩٢٣(دخل ميدان السياسة يف عهد ديكتاتورية برميوديريبيرا هذه الديكتاتورية داعيا يف مجلته إلى احلريات وعودة ، مكافحا )١٩٣٠

س ١٩٣١وملا سقطت الديكتاتورية عام . احلياة النيابية وإقامة اجلمهورية أسياسي تحت اسم وانتخب نائبا يف ". يف خدمة اجلمهورية"جمعية العمل الس

يف اجلمهورية وما رجاه اجلمعية التأسيسية، لكنه سرعان ما خاب أمله .منها، مث أصبح على غير وفاق مع أصحاب السلطة الناشئة فيها

، غادر البلد وراح ١٩٣٦وملا نشبت احلرب األهلية يف إسبانيا عام ل يف ما بني فرنسا وهولندا واألرجنتني حتى عام فعاد إلى . ١٩٤٥يتجو

رتغال وبعض الدول األوروبية حتى إسبانيا التي ظل يتنقل بينها وبني الب .١٩٥٥وفاته عام

-٦-

كتب أورتغا يف كل ااالت التي تهم اإلنسان بدءا من امليتافيزيقا حتى وجاءت مؤلفاته كلها على شكل سلسلة مقاالت يف . مصارعة الثيران

وال يشذ . الصحف أو محاضرات يف اجلامعة، مث تضم بعد ذلك يف كتاب .ا الكتاب عن ذلكهذ

إسبانيا الالفقرية، مترد اجلماهير، موضوع عصرنا، الرجل : من مؤلفاتهوجمع الكثير من مقاالته يف مجلدات ... اس، دروس يف امليتافيزيقا، إلخاملفرد والن

يت شاهد أو املتفرج: سم .امل

-٧-

هي Ortega y Gasset ألورتغا إي غاسيت )لدراسات يف احلب(هذه الطبعة أكمل الطبعات، فقد ضمت أعمال املؤلف اخلاصة باحلب كلها، واملبعثرة يف كتب أخرى ويف طبعات أخرى للعمل ذاته ما عدا تلك التي تشكل جزءا كامال وأساسيا

ل طبعة إسبانية عام . من مؤلفات أخرى عد الترجمة األملانية ب١٩٤٠ولقد نشرت أوويبين هذا املعطى . والطبعة احلالية هي الثالثة عشرة. uber die liebe: بعنوان

. عمل تبرز يف عنوانه خاصية إنتاج املؤلف كله. شهرة هذا العمل الدائمةتعني من جهة أخرى " حب"تعني من جهة، بحثا وتأمال ونظرية؛ و " فدراسات"

ثا دائما يف احلياة البشرية، وشعورا ال ميكن أن يكون يف نظر الفلسفة العقلية حدويف هذه . السابقة غير خليط مشوش وغامض، ال ميكن إجراء بحث فكري حوله

كما يف عمل املؤلف كله يفي أورتغا إي غاسيت بالواجب اآلمر الذي " الدراسات"ل من املشاهد كان قد صاغه يف الد األ يجب على ): "١٩١٦ (El Espectadorو

" فاملشاهد... "النظرية أن تفتح عينها الصافية على احلياة التلقائية من حني آلخر ".يخمن وينظر؛ لكن ما يريد أن يراه هو احلياة كما تتدفق أمامه

د أن عصرنا سوف إني أتبنى االعتقا: "ويقول يف الد ذاته من املشاهدفقد كانت اإليروسية خالل العصور ...يهتم باحلب بجد أكبر قليال مما هو معتاد

واملشاهد يرفض قبول وجود منطقة محظورة يف . كلها خاضعة لنظام من اإلخفاءسوف نتكلم إذا، بشكل شائع عن هذه األشياء، وهي األشياء . مشهد احلياة

ولقد ". يعلن عن نفسه اختصاصيا فيهاSócratesاط الوحيدة التي كان سقرزل يف تحدث عن احلب كثيرا فيلسوفنا املفتقد طيلة عمله الفكري كله، لكنه يع

يها، نازعا عنه اإلضافات كلها التي تعتم على هذا الكتاب ماهية احلب و ينقر استنادا إلى بحث سيكولوجي إنه احلب املفس. حقيقته الواقعية وتعقد سيرورته

، وحتى إلى بحث اجتماعي ملا عد االختيار يف احلب أحد واحدوظاهراتي يف آن .العوامل األكثر فعالية يف التاريخ

الناشرون

-٨-

مالحظة

لقد خضع ترتيب فصول الكتاب لتغيير بسيط، ألن املؤلف رتبها حسب فرأينا أن نرتبها حسب تسلسل . الصحف واالتتسلسل صدورها الزمني يفمالمح احلب، سيكولوجية الرجل : وصارت هكذا. املوضوع واإلحالة إلى ما سبق

اجلذاب، احلب عند ستندال، االختيار يف احلب، من أجل تاريخ احلب، خامتة .من فرنسيسكا إلى بياتريس، منظر مع ظبية يف اخللفية: لكتاب

-٩-

بــح احلــمالم

" الغراميات"، ألن "غراميات"فلنتكلم عن احلب؛ لكن فلنبدأ بأال نتكلم عن

قصص عارضة إلى حد ما تحدث بني رجال ونساء، وفيها تتدخل عوامل عديدة " تغراميا"تعقد سيرورتها وتربكها إلى درجة تبلغ أن توجد يف معظم احلاالت

وإنه لذو أهمية كبرى أن . من كل ضرب عدا ما يستحق أن يسمى يف الواقع حبالكننا قد . تحليال نفسيا مع بعض قضاياها اخللقية الطريفة" الغراميات"حنلل

وفوق ذلك، قد . نسيء الفهم إذا لم نتحقق من قبل مما هو حب بحق وصفاءشأن املوضوع إذا قصرنا الدراسة على احلب الذي نشعر به يكون تهوينا من

وكان . واملوضوع أوسع من ذلك كثيرا. بعضنا حنو البعض اآلخر، رجاال ونساء . يؤمن أن احلب يحرك الشمس والنجوم األخرىDanteدانتي

ومن املناسب أن نتنبه إلى ظاهرة احلب يف عموميتها كلها، من غير أن فال يحب الرجل املرأة، وال املرأة . ل إلى هذا التوسع الفلكي يف اإليروسيةنص

وإنما حنن حنب الفن والعلم، وتحب األم االبن، ويحب الرجل . الرجل فقطوهذا التنوع اجلم يف هذه املواضيع والبعد فيما بينها والتي ينتظمها . املتدين اهللا

ب جتعلنا حذرين، فال نعد من أسس احلب صفات وشروطا تأتي على احل .األغلب من األشياء التي ميكن أن تكون محبوبة

فإذا كان . منذ قرنني والكالم جار عن الغراميات كثيرا وعن احلب قليال للعصور كلها منذ العصر اليوناني، نظرية كبرى عن املشاعر، فإن هذين القرنني

، مث Platónفقد حنا العالم القدمي حنو نظرية أفالطون . األخيرين قد خلوا منها Tomasوتعلمت العصور الوسطى نظرية القديس توما . حنو نظرية األبيقوريين

Descartes بحمية نظرية االنفعاالت لديكارت ١٧ودرس القرن . والعربسوفا كبيرا يف املاضي ولم يحسب نفسه ملزما وال جند فيل. Espinosaواسبينوزا

-١٠-

أما حنن فال منلك بحثا من طراز كبير لنظم املشاعر يف نسق . بأن يعد نظريته . حركت املوضوع حديثاScheler وشيلر Pfanderما عدا أعماال البفاندر

لة، وكذل ك الفكرة لذلك ال يكفي أن نلجأ إلى هذه النظريات ذات الصيس توما عن احلب بعد تلخيصه التراث اإلغريقي . التي يعرضها لنا القد

شكالن من - يف نظره - إذ احلب والبغض . وهي فكرة خاطئة بوضوحفاحلب رغبة يف شيء حسن، . أشكال الرغبة والشهوة أو القوة الشاهية

غبة سلبية ونفور ؛ والبغض ر-concupiscible circa bonum-بصفته حسنا ويالحظ هنا اختالط . -cncupiscible circa malum-من الشر بصفته شرا

الشهوات أو الرغبات واملشاعر التي عاناها ماضي علم النفس كله حتى ؛ اختالط سنلحظه مرة أخرى يف عصر النهضة منقوال بصورة ١٨القرن

دة إلى اال اجلمالي l'amore è: الرائعLorenzoيقول لورنزو وهكذا . جي

un appetito di belleza : إن احلب شهوة للجمال. لكن ذلك أحد أهم الفروق الذي حنتاج إلى إدراكه كيما نتجنب أن يهرب

فال شيء يف حياتنا احلميمة . من بني أصابعنا ما هو نوعي وجوهري يف احلبإذا، من . هو جد خصب حتى صار رمزا لكل خصوبة. خصب كما الشعور باحلب

لكن كل هذا . رغبات وأفكار، وإرادات وأفعال: احلب تولد لدى الفرد أمور كثيرةالذي يولد من احلب كمحصول بذار، ليس احلب ذاته؛ بل هو باحلري يقتضي

لكننا يف . أيضاوإن ما حنن هو مبعنى من املعاني ما نرغب فيه. وجود هذا احلباملقابل، نرغب بشكل ذائع، يف أشياء كثيرة ال حنبها ونقف حيالها ال مبالني على

د ليس حبه واملدمن على املورفني . املستوى العاطفي، ألن الرغبة يف خمر جي .ثره الضاريف املخدر ويبغضه يف آن واحد أليرغب

ة لفصل احلب عن الرغبة، ألن الرغبة لكن هناك سببا أكثر صرامة ودقيف شيء هي يف نهاية املطاف ميل إلى امتالك هذا الشيء، حيث االمتالك يعني

لذلك . بشكل أو بآخر، أن يدخل الشيء يف مدارنا ويشكل ما يشبه جانبا منا، فهو على أما احلب. متوت الرغبة آليا إذا حصل عليها، وتتالشى عند إشباعها

وللرغبة طابع سلبي، وما أرغب فيه عند رغبتي هو يف . العكس، عدم إشباع دائم

-١١-

والعكس . فأنا مركز جاذبية أنتظر أن تسقط عليه األشياء. الواقع، أن يأتي إليوهو ال يكمن يف أن يأتي . صحيح، ففي احلب كل شيء نشاط كما سنرى

والشخص يف فعل احلب . لشيء وأكون فيهالشيء إلي، بل أنا أذهب إلى اوربما كانت تلك احملاولة القصوى التي تقوم بها الطبيعة، . يخرج من ذاته

كيما يخرج كل امرئ من ذاته ذاتها حنو شيء آخر، فال ينجذب الشيء .باتجاهي وإنما أنا أجنذب باتجاهه

د الرجال الذين فكروا ، وهو أحAgustinوقد استطاع القديس أغسطني باع حبا، أن يتحرر أعمق تفكير يف احلب، وربما كان أعظم ما وجد من ذوي الط

وهكذا يقول يف . أحيانا من هذا التفسير الذي يجعل من احلب رغبة أو شهوة Amor meus, pondus meum; illo feror quocumque feror: عرض شعري

.واحلب اجنذاب حنو احملبوب"). عى حيثما أسعىحبي ثقلي؛ وبه أس("لقد حاول اسبينوز أن يصحح هذا اخلطأ، فأبعد الشهوات باحثا يف

فاحلب يف نظره الفرح املقترن . الشعورباحلب والبغض عن قاعدة عاطفيةفإذا أحببنا شيئا أو . مبعرفة سببه؛ والبغض يف املقابل، هو احلزن مبعرفة مسببه

ا، فذلك أن نكون ببساطة فرحني ومدركني يف آن واحد أن الفرح يأتينا من أحدوهنا جند مرة أخرى، احلب مختلطا بنتائجه . هذا الشيء أو هذا الشخص

فمن يشك يف إمكانية أن يتلقى املحب الفرح ممن يحب؟ لكن، ال يقل عن . املمكنة. ن أحيانا حزينا، حزينا كاملوت وعذابا كبيرا وقاتالذلك صحة أن احلب يكو

يقيس نفسه ذاتها : إن احلب احلقيقي يدرك نفسه، أو بالقول هكذا: وأزيدفاملرأة العاشقة تؤثر ضروب القلق التي . ويحسبها بقدرتها على األلم واملعاناة

بها لها الرجل احملبوب على الالمباالة غير املؤمل ونقرأ يف رسائل الراهبة . ةيسب جمال موجهة إلى مغويها Mariana Alcoforadoالبرتغالية ماريانا ألكوفورادو

أشكر لك من أعماق قلبي اليأس الذي سببته لي، وأكره الهدوء : "اخلائن كهذهي أرى بوضوح ما عساه يكون عالج ". "الذي كنت أعيش فيه قبل أن أعرفك إن

! لكن، أي عالج هو. ا وأحس بنفسي متحررة منها لو تخليت عن حبكآالمي كلهي أؤثر العذاب على نسيانيك. كال آي، أو هذا األمر مقيد بي؟ ال أستطيع أن . إن

-١٢-

ويف نهاية املطاف، أنت . ألوم نفسي على أني لم أتخل عن حبك حلظة واحدةي، وخير لي أن أعاني كل ما أعانيه من متتعي بامللذات التي أجدر بالشفقة من

رها لك عشيقاتك يف فرنسا سالة األولى." توف وداعا؛ أحببني دائما : "وتختتم الر بعد Lespinasseوتكتب اآلنسة ده ليبيناس ". واجعلني أعان أيضا أكبر اآلالم

!".باليأس: أحبك كما يجب أن أحبك: "قرنني من ذلكفمن يحب الوطن، ربما . ألن احلب ليس فرحا. النظربينوزا اسولم يحسن

فهناك أحقاد تتلذذ بذاتها . والعكس صحيح. ميت يف سبيله، والشهيد يسقط حبا .وتسكر على شكل جزيل بالشر احلاصل للمبغوض

فإذا كانت هذه التعاريف الالمعة ال ترضينا، فمن اخلير لنا أن حناول واقعة احلب مباشرة بتصنيفها كما يفعل عالم احلشرات بحشرة وصف

. يصطادها يف الغابة؛ وآمل أن يكون القراء يحبون أو كانوا أحبوا أحدا ماوميكنهم اآلن أن ينشبوا شعورهم باألجنحة الشفافة ويبقوه ثابتا أمام النظرة

كثر جتريدا لهذه النحلة املرتعشة وسوف أعدد اخلصائص األعم واأل. الداخليةوسوف يحكم القراء على صيغي إن كانت تتطابق أم . التي لها علم بالعسل وتلسع

.ال تتطابق مع ما يرونه داخل أنفسهم -أكان شيئا أم شخصا–احلب يف بدايته يشبه الرغبة يقينا، ألن موضوعه

ة ومجروحة يف نقطة معينة على شكل فالنفس تشعر أنها مثار. يحثه على ذلك: ولهذا احلافز إذا، اتجاه جاذب إلى املركز. ناعم بحافز يأتي من املوضوع إليها

لكن فعل احلب ال يبدأ إال بعد هذه اإلثارة، وخير من . هو يأتي من املوضوع إلينااث، ويتجه وينبع احلب من هذا املسام الذي فتحه سهم املوضوع احل. ذلك، احلث

إنه يذهب من . هو يسير إذا، باتجاه معاكس للحاثة ولكل رغبة: بفعالية حنوهي إلى اآلخر - احملب إلى احملبوب وهذا الطابع . يف اتجاه نابذ عن املركز- ومن

يف أن يجد املرء نفسه يف حركة، ويف الطريق حنو املوضوع، والسير باستمرار حميم من كياننا إلى كيان الغير، هو أمر جوهري يف احلب ويف على شكلوهذا ال يعني مع ذلك، أننا نتحرك . وسنرى فيما يختلفان كالهما. البغض

وهذه . فيزيقيا حنو احملبوب الذي حناول االقتراب منه والتعايش اخلارجي معه

-١٣-

نا يف تعريفه، . لهاألفعال اخلارجية كلها تنشأ يقينا من احلب كآثار لكنها ال تهميها تنحية كاملة عن احملاولة التي نقوم بها وال بد لكلماتي كلها من . وعلينا أن ننح

.أن تشير إلى فعل احلب يف حميميته النفسية كعملية تحدث داخل النفس ذلك، حبه فال ميكن الذهاب إلى اهللا الذي يحب، بساقي اجلسد، ومع

وحنن نتخلى يف احلب عن الهدوء وعن حكمتنا . هو يف الذهاب حنوهوكون املرء مهاجرا باستمرار، . الداخلية، ونهاجر بشكل مضمر حنو املوضوع

. ألن فعل التفكير واإلرادة وقتيان، وقد لوحظ ذلك. هو كونه محبا دائما. ك، يف تحضيرهما، لكن تنفيذهما ال يدومفنحن نبطئ إلى هذا احلد أو ذا

ي أفهم . بل هو يحدث يف مثل فتح العني وإغماضها؛ إنهما فعالن فوريان إنتها، فجأة ويف حلظة واحدة أما احلب، فعلى العكس، ميتد يف . جملة، إن فهم

نقاط وال يكون يف سلسلة من اللحظات الفجائية، وال يف سلسلة من ال. الزمنك االنفجاري وإنما يحب احملبوب . التي تشتعل وتنطفئ كالشرارة يف احملر

له؛ . باستمرار عور الذي حنل د عالمة جديدة من عالمات الش وهذا األمر يحديالن وتدفق من مادة نفسانية، وسائل يفيض باستمرار كما من واحلب س

عن تعابير مجازية قد تبرز يف احلدس، ونستطيع القول إذا بحثنا. ينبوعوتحدد الطابع الذي أشير إليه اآلن، نستطيع القول إن احلب ليس طلقة،

هو . وإنما هو فيض مستمر وإشعاع نفسي يذهب من احملب إلى احملبوب .ليس دفقة واحدة، وإنما تيار

فاندر بدقة كبيرة على هذا املظهر ال سيال واملستمر للحب لقد ألح اب .والبغض

ولقد أبرزنا ثالثة مالمح أو ثالث عالمات مشتركة بني احلب إنهما نابذان، وهما ذهاب مضمر باتجاه املوضوع، وهما مستمران : والبغض .وسياالن

د الفرق األساس بني احلب والبغض .لكننا نستطيع اآلن أن حندجه الشخص فلهما كليهما االتجاه ذاته، ألنهما قوتان نابذتان، ويت

فيهما حنو املوضوع؛ لكنهما يحمالن داخل هذا االتجاه الوحيد معنى مختلفا

-١٤-

يف البغض يتم االتجاه حنو املوضوع، لكن الذهاب يكون. وهدفا معاكساا حنو املوضوع، لكن ويف احلب يتم االتجاه أيض. مضادا له؛ فمعناه سلبي .الذهاب يكون يف صاحله

وهناك مالحظة أخرى تطلع لنا عرضا كخصيصة مشتركة بني هذين إن التفكير واإلرادة يخلوان : الشعورين وتعلو على الفروق بينهما، وهي التالية

وعلى العكس منهما احلب والبغض . مما ميكن أن نسميه درجة حرارة نفسيةلذان جند فيهما حرارة، وهما ساخنان مقارنة بالتفكير الذي يتصور نظرية ال

فكل حب . وتتمتع نارهما فوق ذلك، بأكثر الفروق احلرارية صغرا. رياضيةيجتاز مراحل من درجات حرارة مختلفة؛ وتتكلم اللغة املتداولة بدقة عن

ويقودنا هذا الفصل . احملبوبة وبرودتهاغراميات تبرد، ويشكو احملب فتور إذ . من درجة احلرارة العاطفية، إلى أن نلحظ محطات علم نفسية مسلية

تظهر فيها وجوه من التاريخ العاملي لم تكن تعرفها حسب اعتقادي، األخالق اريخية وإننا نتكلم عن تنوع درجات احلرارة لدى األمم الت. والفن حتى اليوم

ني، وبرودة القرن -الكبرى ؛ وحرارة العصور ١٨برودة اإلغريق والص ونتكلم عن تأثير اختالف درجة -..الوسطى األوروبية الرومانسية، إلخ

ل ما . احلرارة بني األرواح على العالقات البشرية فإذا التقى كائنان، فإن أوونتكلم أخيرا عن . يراته العاطفيةيلحظه أحدهما على اآلخر درجة حر

يها حرارة يف األساليب الفنية، خاصة األدبية فة التي تستحق أن نسم الص .لكن، قد يكون محاال تناول املوضوع بشموله. منها

وأيا تكن درجة حرارة احلب والبغض، فإننا نفهمها فهما أفضل إذا ماذا يفعل احلب فيما حول موضوع . من املوضوعنظرنا إلى األمر انطالقا

؟ فسواء أكان احلب قريبا أم بعيدا، وسواء أكان املرأة أم االبن، موضوعاحلب. يضني نفسه بدورانه حول احملبوب أم العلم، الوطن أم اهللا، فإن احلبالفن

فهو ال . انافالرغبة تتمتع باملرغوب فيه وتتلقى منه مسرة، لكن، ليس قرب. واحلب والبغض يعمالن باستمرار. يهدي هدية وال يستأثر بشيء لنفسه

ل يلف املوضوع بجو مالئم، وهو، إن كان قريبا أم بعيدا، مداعبة وترويح فاألو

-١٥-

ئم وبنار ليست أما البغض فيحيطه بجو غير مال. ودعم ودالل، باختصار Siroco 1 ويجفف عصارته كريح سموم حارةإنه يفسده .أدنى من األولى

د، حلدوث ذلك يف الواقع. ويحطمه إضمارا، وينحره وإنما . وال ضرورة، أؤكأشير اآلن إلى النية الكامنة يف البغض، وإلى هذا الفعل الالواقعي الذي

ن الشعور ذاته لنقل، إذا، إن احلب يسيل يف عملية تأكيد حارة . يكو .للمحبوب، والبغض يفرز فوعة من السم أكالة

يف احلب : وإن املغزى املتناقض للنتيجتني كلتيهما يتجلى بشكل آخرحاد؟ إذ هو بذاته . نشعر بأنفسنا متحدين باملوضوع فماذا يعني هذا االت

حادا فيزيقيا وال اقترابا أيضا وال ننس (فربما يقطن الصديق . ليس اتلكننا . ، بعيدا عنا، وال نعرف عنه شيئا)الصداقة إذا تكلمنا عن احلب بعامة

معه يف تعايش رمزي، ويبدو أن نفسنا تتحد على شكل أسطوري، وحنس حاد جوهري معه إنه يشبه ما . على الرغم من املسافات وحيثما يكون بات

ر عنه إذا قلنا ألحد أي، . اعتمد علي، فأنا إلى جانبك: يف ساعة مشقةنعبي أنضم إلى شخصه وكيانه .إن قضيته قضيتي وإن

وعلى العكس منه البغض الذي يبعدنا عن املوضوع باملعنى الرمزي ذاته، إنه يبقينا على مسافة هامة ويفتح . على الرغم من ذهابه باستمرار حنو املبغوض

إنه توافق، والبغض اختالف وتنابذ : احلب هو قلب إلى جانب قلبو. هوة .ميتافيزيقي، وعدم وجود مطلق مع املبغوض

ولننظر اآلن على أي شيء يقوم هذا النشاط أو شبه الكد هذا الذي خنمن وال . وجوده يف البغض ويف احلب خالفا لالنفعاالت السلبية كالفرح أو احلزن

ــشرقية التــي تهــب علــى إســبانية ) ١( ــة ال ــريح اجلنوبي ــي . هــي ال ). شــروق= xoruc( واملفــردة مــن أصــل عرب

ــري ــت مــن عــدم ال ــى : وشــرقت-. وشــرقت األرض، حــسب املعجــم الوســيط، جف ــري حت ـا ال ــع عنهـ منــت ــم يــصلها مــاء النيــل : والــشراقي بكــالم أهــل مــصر -. جف ــدة. األرض التــي ل ــق . وكلهــا مول وربمــا أطل

ــذي تحملــه ــون التــراب ال ــريح مــن ل ــى تلــك ال ـالطبع، هــذا االســم عل ــسيون وبعــدهم اإلســبان بـ . األندلــه شــرقا : يقــال امــتألت : وشــرقت العــني بالــدم -. لــون بحمــرة : ويقــال شــرق الــبلح -احمــر : شــرق لون

. املترجم- ).أساس البالغة(لونت بكدرة : قت الشمسوشر. به

-١٦-

ح، وإنه حزين:يقال عبثا هما يف الواقع حالتان وليسا جهدين وال . إن املرء فرأما . فاحلزين ال يعمل شيئا مادام حزينا، وال الفرح بينما يكون فرحا. نشاطني

احلب فعلى العكس، يصل بتمدد شعاع البصر هذا حتى املوضوع وينهمك يف إنه ينشغل يف : األنشطة املمكنة، وهو أعظم هيلإعمل غير منظور، لكنه عمل

روا يا سادة، فيما هو حب الفن أو الوطن؛ إنه كعدم الشك . تعزيز موضوعه فكحلظة واحدة يف حقهما بالوجود، هو كاإلقرار والتأكيد كل حلظة على أنهما

وليس على طريقة القاضي الذي يصدر احلكم مقرا بحق ما، . جديران بالوجودوالبغض . إنما على شكل يكون فيه احلكم املالئم مداخلة وتنفيذا يف آن واحدو

على النقيض من ذلك، قتل ما نبغضه ضمنا، وإفناؤه يف النية ومحو حقه يف وال يرضي البغض . وبغض أحد ما هو غير الشعور بالهياج رد وجوده. التنفس

.سوى اختفائه اختفاء كليا. وال أحسب وجود عرض يف احلب والبغض أهم من هذا العرض األخير

فحب شيء هو بذل جهد كيما يوجد، وعدم قبول عالم يغيب عنه ذلك املوضوع لكن، الحظ أن ذلك يساوي بالضبط منحه احلياة يف . إن تعلق األمر بشخص

احلب إحياء دائم للمحبوب وخلق له وحفاظ و. النية باستمرار، إذا تعلق األمر بناذ مرة واحدة، وإنما هو . عليه والبغض إلغاء واغتيال مضمر، لكنه ليس اغتياال ينف

.اغتيال من غير راحة ميحو من الوجود الكائن الذي نبغضهفات التي تكشفت لنا يف احلب، نقول إنه فإذا خلصنا يف هذا املستوى الص

عل نابذ ينطلق من النفس التي تذهب باتجاه املوضوع يف تدفق مستمر وتلفه فدين وجوده فعليا ).ابفاندر. (بتأييد حار متحدين به مؤك

آ

-١٧-

حنو سيكولوجيا الرجل اجلذاب

I

رور لذكر . كسماعه قول النساء عنه إنه رجل جذابال شيء أبعث على السلكن، متى يكون رجل جذابا يف نظر امرأة؟ املسألة هي من أدق املسائل التي ميكن

وقد يكون من الضروري ملواجهتها . طرحها؛ لكنها من أصعبها أيضا يف آن واحدبشيء من الدقة، أن نعرض مذهبا جديدا، لم يحاوله أحد حتى اآلن، ويشغلني

أو أنتروبولوجيا ) معرفة اإلنسان(وقد اعتدت أن أسميه . ويهمني منذ سنني عدةوهذا املذهب يعلمنا أن للنفوس أشكاال مختلفة كما . فلسفية) أو إناسة(

فنحن ندرك جميعا يف تعاملنا االجتماعي هذا املظهر املتنوع احلميم . لألجسامفنا جهدا كبيرا لكن،. لألشخاص بوضوح يقل أو يكثر حسب نباهة كل منا يكل

إننا . واضحة وإلى معرفة كاملة) أو مفاهيم(تحويل إدراكنا الواضح إلى تصورات . نشعر باآلخرين لكننا ال نعرفهم

وقد راكمت اللغة املتداولة، مع ذلك، كنزا من اللمح الدقيقة، تحفظ يف الواقع، عن نفوس يجري الكالم، يف. لفظية ذات إشارات موحية" كبسوالت"

ونفوس حلوة، وعميقة وسطحية، " عفصة"جافية، ونفوس لطيفة، وعن نفوس ين بذلك . ونتكلم عن رجال كبار وجبناء. قوية وضعيفة، ثقيلة وخفيفة مقرلي . بحجم للنفوس كما لألجسام يقال عن أحد ما إنه رجل عمل أو هو رجل تأم

ولم يهتم أحد أن يتحقق منهجيا من ... عاطفي، إلخأو" Cerebralمفكر "أو هو املعنى الدقيق لهذه التسميات املختلفة التي نلمح وراءها تنوع اململكة اإلنسانية،

وكل هذه التعابير ال تعمل اآلن شيئا سوى اإلشارة إلى االختالف يف . العجيبوحنن نعلم أن . بناء تشريح سيكولوجيصورة الشخصية الداخلية، واحلث على

٢-دراسات في الحب م

-١٨-

وإن الطموح ميتلك . نفس الطفل لها بالضرورة بنية مختلفة عن نفس العجوزوهذه الدراسة، وقد متت بقليل من التنظيم، . شكال مختلفا عن شكل حالم

تقودنا إلى علم طباع ملح ذي أسلوب جديد، بفضله نستطيع أن نصف بدقة الرجل : ويبرز وسط هذا التنوع. مشكوك فيها، تنوع الدخيلة البشريةغير

.اجلذاب يف نظر املرأةوإن محاولتي التغلغل بعمق يف تحليله، تحدث يف رعبا، ألننا سرعان ما

ألن أول ما ميكن قوله . جند أنفسنا محاطني بغابة حيث كل شيء فيها مشكلة. الرجل اجلذاب هو الرجل الذي تتعلق به النساء: جل اجلذاب وأقصاهعن الر

. إننا نسقط وسط غابة احلب. وهذا األمر يضيعنا بقذفنا وسط أكبر املخاطروواقع احلال هو أنه ال توجد يف الطوبوغرافيا البشرية منطقة الناس أقل ارتيادا

وميكن القول إن كل شيء لم يقل بعد، باحلري، إن كل . تلها من منطقة الغراميا .شيء لم يفكر فيه بعد

لقد استقرت جملة من األفكار الفجة يف الرؤوس، ومتنع من رؤية الوقائع دة كيما يكون . بوضوح مقبول وكل ذلك مشوش ومضطرب؛ وهناك أسباب متعد

وإن حبا ال يمكن أن . رية يف املقام األولفالغراميات بجوهرها حياة س. كذلكوكل امرئ يتنبه إلى جتربته الشخصية . فهو عند نقله، يتالشى ويتطاير: يقص

فماذا عساها . الضئيلة دائما تقريبا، وليس من السهل مراكمة جتربة اآلخرينخصية فقط؟ لكن، يحدث يف تكون الفيزياء لو أن كل فيزيائي ميتلك أفكاره الش

املقام الثاني أن الرجال القادرين على التفكير عادة يف احلب، هم من أقل الناس عيشا له؛ ومن عاشه هم عاجزون يف العادة عن أن يفكروا فيه، ويحللوا بدقة

شكر عليه وإن بحثا يف احلب، أخيرا، عمل ال. مظهره الصعب وامللتبس دائما يولو تحدث طبيب عن الهضم الستمع الناس إليه بتواضع . املرء بشكل مفرط

لكن، إن تكلم عالم نفس عن احلب، الستمعوا إليه جميعا بازدراء، أو . وفضولبقول أفضل، ال يسمعونه وال يستطيعون أن يعلموا شيئا مما يعلنه، ألنهم يحسبون

وقلما تظهر بجالء كبير كما تظهر يف هذا األمر، . املادةأنفسهم جميعا علماء يفوكأن احلب لم يكن، يف نهاية املطاف، موضوعا نظريا من . حماقة الناس املألوفة

-١٩-

ساللة املواضيع األخرى ذاتها، بالتالي، هو مغلق على من ال يقترب منه بأدوات فكل الناس تحسب أنها متتلك . خوانواألمر ذاته يحدث مع دون! فكرية حادة

حول دون خوان املشكلة بل أخفى مشاكل -احلقيقية عنه ) أو املذهب(النظرية ذلك أن البشر ميكن أن ينقسموا مع . - عصرنا وأدقها وأكثرها جتريداالذين يظنون أنفسهم دون خوانيني، والذين : استثناءات قليلة، إلى ثالث فئات

يظنون أنفسهم أنهم كانوا كذلك، والذين يؤمنون أنهم يستطيعون أن يكونوا كذلك، وهؤالء األخيرون هم الذين مييلون بنية طيبة إلى أن يهاجموا . لكنهم لم يشاؤوا

.دون خوان، وربما إلى أن يقرروا إحالته إلى املعاشلتي يزعم الناس فهمها يف توجد إذا، أسباب فائضة كيما تكون املسائل ا

ما ياسة، أقل املسائل تقد ولقد آثر أن يسكت أولئك الذين يحسنون . احلب والسالكالم عنها لئال يستمعوا إلى التفاهات التي يبادر سفلة الناس إلى إصدارها ما

.إن تتناول مسألة منها وال العشاق يعرفون شيئا كبيرا يجدر بنا أن نؤكد إذا، أنه ال الدون خوانيونإنما يتكلم بدقة عن املادتني . عن دون خوان وال عن احلب؛ والعكس صحيح

كلتيهما من يقف على مسافة منهما، متنبها مستطلعا كما يصنع الفلكي مع وملعرفة شيء ال بد. ومعرفة األشياء ليس األشياء، وال األشياء معرفتها. الشمس

وخالف . لنا من االبتعاد عنه؛ والبعد يحوله من واقع معيش إلى موضوع معرفةذلك يقودنا إلى التفكير يف أن عالم احليوان يجب عليه أن يصبح نعامة كيما

.وهذا ما يؤول إليه دون خوان إذا تكلم عن نفسه. يدرس النعاماف هذه األمور الكبرى، من جهتي، أقول إني لم أستطع أن أدرك بوضوح ك

ومن حسن احلظ أنه ال يوجد سبب لنتكلم . على الرغم من أني فكرت فيها كثيراربما كان من الضرورة القول إن دون خوان هو دائما رجل . اآلن عن دون خوان

لكن، ليس كل رجل جذاب . جذاب، وخالفا لما يريد أعداؤه أن يجعلونا نؤمن بهأما . وبذلك نكتفي كيما ننحي من هذه األفكار صورته اخلطرة. ون خوان بالطبعد

وسوف أرى . احلب فسوف يكون أقل سهولة لنا جتنب إدخاله يف موضوعنانفسي إذا، مضطرا إلى أن أصوغ بدغمائية ظاهرية ومن غير عرض وال برهان،

-٢٠-

. فا كبيرا عن األفكار املتلقاةبعضا من أفكاري حول احلب، وهي تختلف اختال؛ "عن الرجل اجلذاب"ويحسن بالقارئ أن يعدها توضيحا ال غنى عنه ملا أقول

.ن اليوم كثيرا على القول إن كانت معقولة أم الوال يلح

II

ل ما ميكن قوله عن هذا الرجل كما أوحيت من قبل، إنه الرجل إن أولكن، سرعان ما يعترضنا أن كل الرجال الطبيعيني . عشقه النساءالذي ت

وإني أحتاج إلى أن . يحصلون على حب امرأة ما، بالتالي، هم جميعا جذابونهو أن الرجل اجلذاب يعشق : األمر األول. أجيب عن ذلك، أوال بهذين األمرين

لكن األمر . كم هن؟ ال يهم اإلحصاء.نساء كثيرات وليس امرأة واحدة فقطلكن، علينا أن نفهم . إن الرجل غير اجلذاب ال تعشقه أيما امرأة: الثاني حاسم

مبالغات مبسطة ال متيل إلى " وال واحدة"و " كثيرات"و " الالشيء"، و "الكل"أن اة هي أبعد ما تكون عن ألن الدقة يف كل مشكلة من مشاكل احلي. الدقة

الصحة، وإن التوصيفات الكمية تتقلص للتعبير عن مواقف منوذجية، وعن .احلاالت السوية وذات الغلبة

وهذا االعتقاد بأن احلب عملية غريبة وتافهة يعيق أكثر ما يعيق فهم ننا نطلق اسم احلب وحده أل. ظواهر الغرام، وهو قد تشكل يف ظل التباس كبير

على أكثر الوقائع النفسية تنوعا، وهذا ما يحصل إذا لم تتطابق تصوراتنا وإن ما يصح على احلب مبعنى الكلمة، ال يصح على شيء . وتعميماتنا مع الواقع

آخر، وإن مالحظتنا التي قد تكون صحيحة يف مجال اإليروسية، حيث حصلنا .تبدو زائفة إذا بسطناها على األمور األخرىعليها،

فات االجتماعية والفردية التي وأصل االلتباس غير ملتبس؛ ألن التصرجاذبات تفاوتا بني الرجل واملرأة هي، بخطوطها العامة، تتجلى فيها أكثر الت

فات م املرأة، ومن ألن الرجل الذي يعجبه شكل جس. مجموعة ضئيلة من التصريهتم بشخصها غرورا، ومن يفقد رأسه نتيجة األثر امليكانيكي الذي ميكن للمرأة

-٢١-

أن تحدثه بتكنيك وثيق من اجلاذبية والصدود، ومن يعلق ببساطة امرأة عطفا ، ومن يسقط يف حالة هوى، وأخيرا من يحب حبا "وشفقة"وإخالصا وتعاطفا

وإن من يراقب . ون جميعا بشكل متماثل مع زيادة أو نقصان قليلحقيقيا، يتصرففاته من بعيد، ال يفطن إلى هذا ، وإذا اقتصر "مع زيادة قليلة أو نقص قليل"تصر

على تحليل سلوكه بخطوطه العريضة فقط يحكم أن هذا السلوك ال يختلف عن لكن، يكفي أن نأخذ عدسة .غيره، بالتالي، وال الشعور الذي يوحي به أيضا

رة وندرسه من قريب حتى نالحظ أن التصرفات تتشابه فقط يف خطوطها مكبوإنه خلطأ كبير تفسير حب بأفعاله . الكبرى، لكنها تبدي تنوعا يف التضاريس

ات فال األفعال وال الكلمات تأتي منه عادة، وإنما تشكل جملة من إشار: وكلماتهكبرى، وطقوس وصيغ خلقها اتمع ويجدها الشعور إزاءه كأنها جهاز معد

وإنما اإلشارة األصيلة . ومفروض يرى نابضه نفسه مرغما على االندفاعالصغيرة، والنبرة واملعنى األعمق للسلوك هي وحدها فقط ما يسمح بتمييز

.الفروق بني أشكال احلب املختلفةم فقط عن احلب باملعنى الكامل للحب الذي هو مختلف جذريا عن أنا أتكل

ي، وعن حب الظهور " الشفقة"، واإلغواء امليكانيكي، وamour-vanitéالهياج احلسها هنا جند مجموعة من ضروب احلب املتنوعة كان موحيا ذكر ". الهوى"و

.أوصافها يف تركيبها املتعدد األشكالحلب مبعنى العشق الذي هو برأيي، أمنوذج منوذجي وقمة كل إن ا

شعور : أنواع اإليروسية، يتصف باحتوائه على هذين العنصرين يف آن واحدكامال، وشعورنا " وهم أمل"، يفتنه كائن آخر يحدث فينا "مفتونا"املرء بنفسه

ساسنا احليوي ذاته بأنه ميتصنا حتى جذر شخصنا، وكأنه انتزعنا من أواألمر اآلخر ما هو . ونعيش منقولني إليه مع جذورنا احليوية ضاربة فيه

غير أن احملب يحس بنفسه مستسلما استسالما كامال ملن يحب حيث ال يهم وقد تستطيع اإلرادة فوق . أن يتم أم ال يتم االستسالم اجلسدي أو الروحي

املنزلة -اص ملن تحب نتيجة اعتبارات جلية ذلك، أن متنع استسالمها اخلعوبات من كل ضرب واألمر جوهري أن يحس . - االجتماعية واخللقية والص

.املرء أنه مستسلم لآلخر، أيا يكن قرار إرادته

-٢٢-

ألن االستسالم ال يقوم به الشخص احملب، وإنما هو : وال تناقض يف ذلكفاالستسالم ليس إرادة، إنه . األعمق كثيرا من سطح إرادتهيتم يف أعماقه

وأينما تذهب بنا اإلرادة، نستسلم على شكل ال فكاك . استسالم من غير إرادة .1منه للكائن احملبوب، حتى لو ذهبت بنا إلى الطرف اآلخر من العالم لتبعدنا عنه

ب، والتعارض وتصلح هذه احلالة القصوى من انفكاك اإلرادة عن احلبينهما، يف إبراز خاصية هذا احلب، وهي تصلح أيضا لالعتماد عليها من أجل

إذ يصعب جدا أن تنبثق . ممكن، لكنه قليل االحتمال يقينا. تركيب ممكن لهمابقوة يف نفس شخص محب حقا، اعتبارات تحث إرادته لتتوقى احملبوب، حتى إذا

" يتصنع أفكارا"يا أن اإلرادة متتد إلى الشخص احملبوب، وأن صاحبها وجد عملكيال يحب أو لكي يحب حبا أدنى، فهذا عادة، العرض " يجد أسبابا محترمة"و

فيشعر ذلك الشخص منجذبا بشكل غامض . األكثر التباسا أنه ال يحب يف الواقع .م ينتزع من ذاته، أي أنه غير محبإلى شخص آخر، لكنه ل

إذا، أمر جوهري يف احلب الذي نتكلم عنه، تركيبه من العنصرين ن يف تركيبه ليس مجرد تواجد، وال يكمو. االفتتان واالستسالم: املذكورين آنفا

وجود العنصرين معا إلى جانب بعضهما البعض، ألن أحدهما يولد ويتغذى من .نه االستسالم بفعل االفتتانإ. اآلخر

وال " أمل موهوم"األم تستسلم البنها، والصديق لصديقه، لكن، ليس مبوجب إنما األم تصنع ذلك بغريزة متجذرة، تكاد تكون غريبة عن روحانيتها؛ ". افتتان"

، وبالتالي. وهذا عنده إخالص. والصديق يستسلم للصديق بقرار واضح من إرادتهونقول، إن الصديق يأخذ نفسه بيده ذاتها . تلك ميزة بصفتها متتلك جذرا فكريا

ن النفس تهرب من بني أيدينا وكأنما والنموذجي يف احلب، أ. للصديقويستسلم وهذا االمتصاص الذي متارسه الشخصية األخرى على . امتصتها النفس األخرى

وعة يف الهواء وتنزعها من جتذرها يف ذاتها وتنقلها إلى الكائن حياتنا تبقيها مرف. احملبوب، حيث اجلذور األولى تبدو أنها ثبتت مرة أخرى كما يف أرض جديدة

يستطيع املرء أن يرى األساس النفسي لهـذا الفـرق بـني الـنفس " حيوية، نفس، روح "يف بحثي ) ١(

املؤلف-). ٧جزء . املشاهد. (واإلرادة

-٢٣-

ويعيش احملب نتيجة ذلك ليس انطالقا من ذاته، وإنما انطالقا من اآلخر، كما .تي زرع يف حشاها وغاصيعيش االبن قبل أن يولد جسديا من األم ال

هناك كائن آخر . االفتتانإذا، امتصاص احملبوب للمحب ما هو غير نتيجة، ونشعر بهذا االفتتان على شكل شد مستمر ومرن بلطف ميتد من يفتـننا

على ابتذالها الشديد، هي مع ذلك، خير ما يعبر عن " افتتان"أما كلمة . شخصنافاألوفق إذا، أن نعيد . فعل الذي ميارسه احملبوب على من يحبههذا النوع من ال

. الذي كان لها يف األصلmágicoاستعمالها، باعثني فيها املعنى السحري فاجلسم غير . وال يوجد يف االجنذاب اجلنسي جاذبية باملعنى احلق

رغوب فيه، بل لكننا ال نذهب يف الرغبة إلى امل. ورغبة فيه1احملتشم يثير شهوةإن : لذلك يقال بشكل صحيح جدا. روحنا على العكس، تشد املرغوب فيه حنوها

رغبة، وكأنما يشير إلى أنه ال يتدخل يف الرغبة، وإن دوره ينتهي " يوقظ"املوضوع وإن لظاهرة . حينما يجعل الرغبة تنبثق؛ وحنن نعمل بهذه الرغبة كل شيء

فالظاهرة األولى متيل . عالمة متعاكسة" الكائن املفتون" النفسية وظاهرة الرغبة،لذلك ال يوجد يف . إلى امتصاص املوضوع، ويف الثانية تكون الذات ممتصة

.الشهوة استسالم من كياني، وإنما، على العكس، فيها أسر للموضوعلقد أضفي يف هذه ". pasiónالهوى "كذلك ال يوجد استسالم حقيقي يف

األزمنة األخيرة على هذا الشكل األدنى من احلب، مستوى وفضل ال يستحقهما فهناك من يحسب احلب كبيرا مبقدار اقترابه من االنتحار أو االغتيال . يقينا

وأنا ". عقلي"كما فعل وارتر وعطيل، ويوحي أن كل شكل آخر من احلب، وهم و

ا مـن وهـو شـائع جـد . علـى خطـأ يف التوصـيف الـسيكولوجي " شهوة"ينطوي هذا االصطالح ) ١(فـإذا كنـت . جهة أخرى؛ إنه يخلط الظاهرة النفسية التي يزعم وصفها، بالنتائج املألوفة عنها

ي أحـاول أن أتحـرك باتجاهـه هـو -petereوهـذا الـذهاب حنـو ". ألخـذه "أرغب يف شيء، فـإنإن الواقعـة األخيـرة، و. الوسيلة التـي جتـدها الرغبـة كيمـا تـشبع، لكنهـا ليـست الرغبـة ذاتهـا

.وفهم املوضوع وجذبه حنوي وانطواءه يف، هي يف املقابل، التعبير األصيل عن الرغبةو . وكـذلك عتمـت علـى وصـف احلـب كثيـرا عــادة خلطـه بنتائجـه عور باحلـب، وهــ إذ تثيـر الـش

ق النبيـل الرومـاني أخصب ما يف احليـاة النفـسية، مـا ال يحـصى مـن أفعـال ترافقـه كمـا يرافـ وهكذا تنـشأ مـن كـل حـب رغبـات حيـال احملبـوب؛ لكـن هـذه الرغبـات ليـست احلـب، . أتباعه

. املؤلف–. وإنما على العكس، تفترضه افتراضا لكونها ناشئة منه

-٢٤-

معناها القدمي " هوى" ذلك، أنه من الضرورة أن نعيد إلى كلمة أؤمن عكسأدنى كمية فال إطالق طلقة على النفس أو قتلها يضمن أدنى نوعية وال . السيء

فالشخص . حالة مرضية تفترض خلال يف النفسغير" الهوى"وما . من الشعورل إلى الضعيف أمام ميكانيزم الوسواس وذو ا لبنية البسيطة جدا واجلافية، يحو

ننزع عن الهوى . 1، أي إلى هوس كل بذرة من الشعور تسقط عليه"هوى" فلولنكف عن االعتقاد أن الرجل عاشق مبقدار . احللية التي زينته بها الرومانسية

با كيما يقوم بحماقات .ما يصبح أحمق أو متأه عن ذلك، يستحسن أن جنعل من هذه القاعدة املوجزة وإذا ابتعدنا

إذا كان احلب أدق فعل تفعله النفس : موضوعا عاما لسيكولوجيا احلبوال ضرورة إلى أن . وأشمله، فسوف ينعكس فيه وضع هذه النفس وطبيعتها

فإذا كان . نعزو إلى احلب اخلصائص التي يعزوها إليه الشخص الذي يشعر بهذا الشخص قليل الفطنة، فكيف يكون احلب مبينا؟ وإذا كان قليل التعمق، ه

لهذا السبب نستطيع أن . فكيف يكون حبه عميقا؟ إذ كيفما يكن املرء يكن حبهض األكثر حسما ينبئ عما يكون عليه الشخص فقد . جند يف احلب العر

إنما تكشف لنا : عته احلقيقيةتخدعنا سائر األفعال واملظاهر بشأن طبيوال . غرامياته عن سر كيانه املخفي بعناية شديدة خاصة سر اختيار احملبوب

.يتجلى أخص طباعنا يف شيء كما فيما نفضله يف احلبولطاملا سمعنا القول إن النساء الذكيات يعشقن الرجال احلمقى، والعكس

ولئن سمعت هذا األمر . ال األذكياء يعشقون النساء احلمقاواتبالعكس، إن الرج ولقد وجدت يف كل األحوال التي. مرات كثيرة، فإني أعترف أني لم أؤمن به قط

استطعت االقتراب فيها، واستعمال العدسة السيكولوجية املكبرة، أن أولئك النساء .أذكياء، أو العكس صحيح، لم يكن املختارون حمقىوالرجال لم يكونوا يف احلقيقة

ليس الهوى، إذا، ذروة الرغبة يف احلب، وإنما هو على العكس، سحر وال - أي، يجب أال يكون فيه -وليس فيه . تدهورها يف نفوس دنيا

ويعلم علماء النفس أن املوسوس يصارع يف مواجهة وسواسه، وال . استسالم

ــا ) ١( وكــان سيـصنع ذلــك ألي ســبب، بــسبب نــزاع أو فقــدان ثــروة، . مـن يقتــل نفــسه ال يقتلهــا حب . املؤلف–... إلخ

-٢٥-

إذا، يوجد هوى ضخم . ته، ومع ذلك، يسيطر عليه الوسواسيقبل به يف ذا .من غير محتوى هام من احلب

وهذا يدل القارئ على أن تفسيري ظاهرة احلب يسير يف اتجاه معاكس للميثولوجيا الزائفة التي جتعل منه قوة أولية وبدائية تتولد يف أحضان احليوانية

ة، وتسيطر بشكل فظ على اإلنسان من غير أن تسمح ألقسام البشرية الغامض .النفس العليا وأدقها، بتدخل ذي أهمية

لن أناقش اآلن االرتباط الذي، قد يكون للحب مع بعض الغرائز الكونية وأكاد، أكاد . الراقدة يف كياننا؛ فأنا أعتقد أن احلب هو كليا نقيض قوة أولية

إن احلب يبدو جنسا أدبيا أكثر - مع علمي بجانب من اخلطأ يف قولي -ل أقو نفور كثير من القراء، قبل أن - بالطبع –صيغة قد تثير . مما هو قوة أولية

وهي مسرفة وغير مقبولة إذا زعمت أنها الصيغة . بالطبع أيضا -يتأملوها ي ال أزعم . بها سوى أن أوحي أن احلب إبداع أكثر مما هو غريزةاألخيرة؛ لكن

فاملتوحش ال يتصوره، والصيني . وهو كإبداع ليس بدائيا يف شيء عند اإلنسانفليقل لي إن . 1والهندي ال يعرفانه، وإغريقي عصر بيركليس يكاد يلمحه حملا

ط يف بعض املراحل كون احلب إبداعا روحيا، وظهوره فق: كانت الفكرتان .واألشكال يف الثقافة البشرية، فيهما ما يسيء إلى تعريف جنس أدبي

ز بوضوح "الهوى"وإذ ميزنا الفوران احلسي من ، فإننا نستطيع أن منييف الشفقة التي هي يف ". شفقة"احلب من أشكاله الزائفة، وكذلك مما سميناه

وي، يف أحسن األحوال، يشعر شخصان بتعاطف متبادل العادة شكل احلب األم

ه يخلطـه . إن أفالطون على وعـي كامـل بهـذا الـشعور ويـصفه بـشكل معجـب ) ١( لكـن، لـم يخطـر يف ذهنـه أنـــه حنــو املــرأة ـا مبعنــى العــشق، . مبــا كــان إغريقــي مــن عــصره يحــس ب ـان حبـ واحلــب عنــد أفالطــون كـــاريخ ــور األول لهـــذا احلـــب يف التـ ــة، الـــشاب .وربمـــا كـــان الظهـ ــر ثقافـ ــل األكثـ ــل الكهـ ــه حـــب الرجـ لكنـ

ة وإبــداعا . اجلميـل احلـصيف ـازا للثقافــة اإلغريقيـ ويــرى أفالطـون يف هــذا احلـب مــن غيـر تــردد، امتيـاة البـشرية اجلديـدة ة يف احلي ة مركزيـ وحنـن يثيـر اسـتهجاننا علـى . روحيا، بـاحلري، مؤسـسة اجتماعيـ

ة شـكل خطيـر ولـسب يف احلــب؛ لكـن احلقيقـة اخلالـصة ترغمنــا Dóricaب كبيــر، هـذه الطريقـة الدوريـــة لهــذا اإلبــداع الغربــي املعجــب مــن حــب املــرأة ــن . علــى اإلقــرار أن فيــه أحــد اجلــذور التاريخي ولــو متع

ــد أن ــوف يجـ ــة، وسـ ــسبه العامـ ــا يحـ ــد وأدق ممـ ــور أعقـ ــيال لالحـــظ أن األمـ ـارئ قلـ ــة احلـــب القـ مقارنـ . املؤلف–. بجنس أدبي، أقل غرابة

-٢٦-

إذ كل فرد . وإخالص وارتباط، لكن، ال يوجد فيها أيضا سحر وال استسالميعيش حلسابه من غير اجنذاب حنو اآلخر، وإنما يرسل لآلخرين من ذاته

.أضواعا عذبة من التقدير والتأييدبشيء من املعنى، وال أزعم اآلن أكثر ما قلناه يكفي كيما نصبغ هذا التأكيد

إذا أردنا أن ننظر بوضوح يف ظاهرة احلب، فمن الالزم قبل كل شيء : من ذلكأن نتخلى عن الفكرة املبتذلة التي ترى فيها شعورا بسيطا، يستطيع الكل، أو الكل

لعرق والشعب تقريبا الشعور به ويحدث كل ساعة فيما حولنا، أيا يكن اتمع واوإن الفروق التي ترسمها الصفحات السابقات، تختزل . والعصر الذي نعيش فيه

وإذا . بشكل كبير شيوع احلب مبعدة عن فضائه أشياء كثيرة تنضوي فيه خطأإن احلب واقعة : خطونا خطوة أخرى، نستطيع القول من غير مبالغة مفرطة

يف الواقع، هو . بعض النفوس فقط أن تشعر بهقليلة الشيوع، وهو شعور تستطيعموهبة متتلكها بعض النفوس، توجد متحدة مبواهب أخرى، لكنها ميكن لها أن

.توجد منعزلة ومن دونهاأجل؛ العشق موهبة عجيبة متتلكها بعض املخلوقات، كموهبة نظم الشعر،

جاعة الشخ صية، وكمعرفة احلكم وكروح التضحية واإللهام املوسيقي والشإنما ينشأ احلدث اآللهي . فالقادر ال يعشق من كان، وال يعشقه من كان. والقيادة

إن قالئل جدا يستطيعون . إذا توفرت بعض الشروط الدقيقة عند الذات واملوضوعد. أن يكونوا محبني، وقالئل جدا محبوبني فللحب سببه وقانونه وجوهره املوح

.1املتماثل الذي ال يستبعد داخل نطاق هامشه وفرة الفتاوى وأخصب التنوع

ــد ) ١( ـنهم، يواجهــون التقليـ ـال الـــذين أفخــر أن أجــد نفــسي بيـ ـالم اليــوم مجموعــة مــن الرجـ يوجــد يف العــا واآلن بـشكل، وهنــاك التجريبـي الـذي يـرى أن كـل شــيء يحـدث باملـصادفة ومـن غيـر شــكل موحـد، هن

ــى ومــن بعــد بــشكل آخــر مــن غيــر ــة لوجــود قــانون آخــر لألشــياء ســوى االســتقراء اإلحــصائي إل إمكانيـا ويف معارضـة هـذه الفوضـى الواسـعة اسـتأنفنا تقليـد الفلـسفة اآلخـر الـدائم واألوسـع واألعمـق . حد م

بــالطبع، قـد يكــون أسـهل كثيــرا وأكثـر راحــة . والــشكل الفريـد يف كــل شـيء " اجلـوهر "الـذي يبحـث عــن ــل حالــة التفكيــر ـه مختلـــف يف كـ ــصى، وأنـ ــي . إلـــخ... يف أن احلـــب ذو أشــكال ال تحـ ــل أن أبقـ ـي آمـ وإنـ

ـا سـرت بـه العقـول بعيدا عني دائما االحنطـاط الفكـري الـذي يثيـر هـذا الـشكل مـن التفكيـر الـذي طاملـا صـيد . اخلاملـة ر األخيـرة ســتكون دائم ي، الـشكل الوحيـد يف وجــود ، أ"اجلـوهر "علـى أن رسـالة املفكـ . املؤلف–. كل واقع

-٢٧-

III

يكفي أن نعدد بعضا من شروط العشق وفروضه كيما تصبح ندرته وإذا كنت ال أزعم الكمال يف ذلك، فإننا . املتطرفة قابلة للتصديق بشكل مرتفع

نات احلب الكبرى نستطيع القول إن هذه الشروط تشكل ثالث رتب كما هي مكوكيما نرى الشخص الذي سيصبح محبوبا، شروط ) إدراك(إنها شروط : ثالثة

يف كياننا، ) تكوين(بها نستجيب عاطفيا لرؤية احملبوب، هذه، وشروط ) انفعال( ألنه حتى لو توفر الشرطان اآلخران يف اإلدراك. أو كيف ستكون بقية نفسنا

والشعور، فما زال باإلمكان أال ينسحب على شخصنا كله وأال يجتاحه ويشكله، .لكون هذا الشخص قليل الصالبة واملرونة ومندلقا أو من غير نوابض قوية

.فلنوح بإيحاءات قصيرة حول كل من هذه الرتب) ؤيةر(فنحن حنتاج كيما نفتتن، إلى أن نكون قادرين قبل كل شيء على

بل يلزمنا فضول . 1وال يكفي من أجل ذلك أن نفتح عينينا فقط. شخص آخرمسبق ذو درب مميز وأوسع كثيرا وأكمل وأكثر جذرية من ضروب الفضول

رؤية العالم "كالفضول العلمي والتقني والسياحة و (املوجهة حنو األشياء إذ ). كبث النمائم مثال(ضا ، وحنو أفعال خاصة باألشخاص أي..)، إلخ"اجلديد

الشخص بصفته : يجب أن يكون الشخص فضوليا إنسانيا بأكثر األشكال تعييناومن غير هذا الفضول ستمر من أمامنا . كال حيا، ومنوذج وجود فرديا

وإن مصباح عذارى اإلجنيل، . املخلوقات بأكثر تنوعاتها من غير أن نلمحها .ملشتعل دائما، رمز لهذه الفضيلة التي تشكل ما يشبه عتبة احلبا

ذلك . لكننا نالحظ أن فضوال كهذا يفترض من جهته أمورا أخرى كثيرة. أنه ترف حيوي ال ميكن أن ميتلكه سوى كائنات حية ذات مستوى حيوي عال

ابق على ما ميكن أن فالضعيف عاجز عن هذا االهتمام ارد عن الغرض والس

إدراك : "كيف نـرى الـشخص اآلخـر، إلـى بحـثني لـي : أحيل القارئ بالنسبة لهذا اللغز الكبير ) ١(ــد (، "اآلخــر ـة "و /). ١٥٣/ص . VIاألعمــال الكاملــة مجل ــاهرة الكونيـ ول التعبيــر والظ ". حــ

املؤلف-/). ٥٧٧/، ص IIلد األعمال الكاملة، مج. VIIاملشاهد (

-٢٨-

يحدث خارجه؛ باحلري، يخشى غير املنتظر الذي قد جتلبه احلياة ملفوفا يف طيات تنورتها اخلصبة، ويصبح مغلقا عن كل ما ليس له عالقة مبصلحته

إن هذه املفارقة يف املصلحة اردة تخترق احلب يف وظائفه ورتبه كلها، . الذاتية . األحمر املتضمن يف حبال البحرية امللكية اإلنكليزية كلهاكما اخليط

إن جوهر احلياة يكمن تحديدا : على إثر نيتشهSimmelوقد قال سيميل احلياة هي مزيد من احلياة والعمل على زيادة . يف الرغبة يف مزيد من احلياة

يضة، ومبقياسها ليست وإذا لم تكن احلياة كذلك، فهي مر. خفقات القلب ذاتهاإن االستعداد لالهتمام بشيء لما هو بذاته وليس بالنظر إلى الفائدة التي . حياة

لئن يكن . يردها علينا، هو هبة سخية رائعة تزدهر يف أعلى القنن حيوية فقط، اجلسم ضعيفا طبيا لنقص يف اجلهاز التشريحي ال يستلزم تلقائيا نقصا حيويا

وهذا ما . (والعكس صحيح، إذ ال تضمن اجلسامة الهرقلية طاقات عضوية كبرى ).يحدث على شكل شائع جدا مع الرياضيني

إن الرجال والنساء كلهم تقريبا يعيشون غارقني يف جو من مصاحلهم عور بالقلق الذاتية؛ وبعضهم على كونه جميال ومحترما بال ريب، عاجز عن الش

سواء أكانوا مسرورين أم مستائني من تفاصيل : للهجرة إلى أبعد من ذواتهم ذاتهاما يحيط بهم؛ فهم يعيشون يف النهاية راضني بخط أفق حياتهم، وال يفتقدون

إن استعدادا نفسيا كهذا و. اإلمكانيات الغامضة التي ميكن أن توجد بوفرةة ال تكل، ولرغبة قاسية يف الذهاب من الذات إلى يتماشى مع غريزة للهجرال

لذلك يصعب على البرجوازي الصغير واملرأة البرجوازية الصغيرة أن . 1اآلخر

ــشرط ) ١( ــشرط أو ذاك ال ــشائع لــنقص يف هــذا ال ــة احلــب ال يف كــل مجتمــع وعــرق أو عــصر تغيــب إمكانييف إسبانيا ال حاجة بنا إلـى البحـث بعيـدا عـن الـسبب يف نـدرة توفــر الواقعـة اإليروسـية، لغيـاب . اآلخر

ــون هــم اإلســبان خ . الفــرض األول ــة اإلســبانيات، املــزودون بالفــضول قليل ويــصعب أن جتــد أحــدا . اصـا ميكـن أن جتلبـه ـا جتلبـه أو م ـا يـرى م ـاة كيم وطريـف أن حنـضر اجتماعـا . يشعر بالشهوة ليحـب احلي

ـا" ــدنا" اجتماعيـ ـام : يف بل ـاس نيـ ــني نـ ــك ب ـات يكــشف ســريعا أن ــوتر يف احلــوار ويف احلركـ ـاب الت . إن غيـنـاس ال يطلبـون شـيئا مـن الـساعة التـي . البيولوجيون حياة دنيا السبات الشتوي لـبعض األنـواع ويسمي

ة وهـو ال أخالقــي، مـن وجهــة . متـر، وال يتوقعـون شــيئا مـن بعـضهم الــبعض، وال شـيئا مـن الوجــود بعامـ .املؤلف -. نظري، من ال يجهد ليجعل كل حلظة من حياته أشد ما ميكن توترا

-٢٩-

يحبا بشكل صادق؛ فاحلياة يف نظرهما إحلاح على ما هو معروف ومألوف ورضا .ال يتزعزع داخل جملة األمور املعتادةوع إلى احلياة، ال ميكن أن يوجد إال يف نفوس وهذا الفضول الذي هو نز

إنه الهواء الكوني . مسامية حيث يجري الهواء الطلق غير محدود بجدار تحديدلكن ذلك ال يكفي كيما نرى هذا الكيان الدقيق . محمال بغبار النجوم البعيدةهذا العضو يجب أن إن الفضول يعد عضو البصر، لكن . املعقد، الذي هو شخص

وحسن البصر هو املوهبة األولى والزاد العجيب الذي يفعل فعله . يكون حاداإننا بصدد حدس خاص يتيح لنا أن نكتشف سريعا دخيلة . كعنصر يف احلب

وبفضل هذا . رجال آخرين، وصورة نفسهم متحدة باملعنى الذي يعبر عنه اجلسمشخاصا، وتقدير نوعيتهم وتفاهتهم أو تفوقهم، أ" منيز"الفضول نستطيع أن

وال يظنن أني بسبب ذلك أتطلع إلى أن أعقلن . ومستوى كمالهم احليوي، أخيرار ال عالقة له بالعقل، ولئن يرجح حضوره لدى . الشعور باحلب وهذا التبص

كاملوهبة مخلوقات ذات عقل صاف، فإنه ميكن أن يوجد وجودا ال مثيل له؛ يف الواقع، . الشعرية التي تستكن مرات كثيرة لدى رجال يكادون يكونون حمقى

ليس سهال أن جنده إال لدى أشخاص مزودين بشيء من حدة الفكر، لكن زيادته وهكذا يحدث عادة أن يتوفر هذا احلس نسبيا . ونقصانه ال يتماشى وهذه احلدة

توفره لدى الرجال، على عكس موهبة التفكير، فهي تتصف لدى النساء أكثر من .1من ناحية اجلنس بالذكورة

أما الذين يتصورون احلب فعالية وسطا بني سحرية وميكانيكية تحدث يف . اإلنسان، فإنهم يستهجنون أن يجعل من بعد البصر إحدى صفاته الرئيسة

ئما من غير سبب، وهو ال منطقي ومناف للعقل، بالتالي فاحلب يف رأيهم، يولد داقاط الرئيسة التي أرى نفسي ملزما أن . يستبعد كل تبصر وهذه هي إحدى الن

.أناقض فيها بشكل قاطع الفكر املتلقاة

ــة ) ١( ــة الكيميائيـ ـواهر الفيزيائيـ ــدة، شــذوذها، خالفـــا للظـ ــرز إلــى جانـــب القاعـ ـة تبـ ــة بيولوجيـ . كــل وظيفــا يولـد احلــب، وكـان حــسن البـصيرة غيــر . وهكـذا األمـر يف احلــب فـإذا تــوفرت الـشروط األخــرى كيم

املؤلف-. غير طبيعيكاف أو معدوما، فسوف حنصل على حالة مرضية عاطفيا من حب

-٣٠-

نقول عن تفكير إنه منطقي إذا لم ينشأ فينا معزوال وتلقائيا؛ باحلري، نراه واملثال التقليدي على ذلك هو . تغذى من تفكير آخر، هو ينبوعه النفسيينبع وي

فإذا كانت تلكما . تصورنا املقدمتني) ألننا(حنن نقبل النتيجة : نتيجة القياسأو (واللم . املقدمتان يف موضع شك، فإن النتيجة تظل معلقة، ونكف عن تصديقها

، الذي يحضر، باختصار، logosليل واحلجة واللوغوس هو األساس والد) السببلكنه، يف آن واحد، الينبوع السيكولوجي الذي نشعر أن قوة . للتفكير عقالنيته

.تنبع منه، القوة احلقيقية التي تثيره وتبقيه يف الروحية يف أنه ه احلجة العقللئن خال احلب من أية عملية فكرية، فإنه يشب

" ينبوعه النفسي"، إذا قلنا هكذا، وإنما له Nihiloينشأ عفارا، أو من ال شيء الوإن حضور هذه الصفات يولد احلب . الكامن يف صفات املوضوع احملبوب

وكل من يحب هو . ويغذيه، أو بقول آخر، ال يحب أحد من غير سبب، أو تلقائياأن ) شعور" (اعتقاد"باحلري، احلب هو : ن واحد، بأن حبه مسوغعلى قناعة يف آ

احملبوب هو ، يف الواقع، محبوب بذاته، كما أن التفكير هو االعتقاد أن األشياء وميكن لنا أن نعاني اخلطأ يف هذه احلالة . هي يف احلقيقة، طبقا لما فكرنا فيها

طبقا ملا شعرنا به، وال الواقع واقعا حسبما فكرنا أو تلك، وأن احملبوب لم يكن ألن طابع التفكير . فيه؛ لكن واقع احلال هو أننا حنب ونفكر ما دامت تلك قناعتنا

املنطقي يكمن يف هذه اخلاصية بشعوره مسوغا وعيشه تحديدا من هذا التسويغ يا كل حلظة منه معززا بوضوح سببه عن ذلك Leibnizلقد عبر ليبنيتس و. متغذ

أنه " ألنه يرى"األمر نفسه قائال إن التفكير ليس أعمى؛ بل هو يفكر يف شيء ر فيه واحلب، باملثل، يحب ألنه يرى املوضوع جديرا بأن يحب، . كذلك وكما يفك

الئم وبذلك يصبح عند احملب املوقف الذي ال خيار فيه، واملوقف الوحيد املوهو مصدر الغيرة التي هي بعبارة ما -للموضوع، وال يفهم أال يحبه اآلخرون

.ومقياس ما من جوهر احلب ذاتهقد يكون بال ريب، خارج املنطق . إذا، احلب ليس ال منطقيا ومضادا للعقل

. م يشيران حصرا إلى العالقة بني مفاهيratio والعقل logoوالعقل؛ ألن املنطق مبعنى أوسع يضم كل ما ليس بأعمى، وكل ما " عقل"لكن هناك استعماال ملفردة

-٣١-

د يف ذاته، . nous" معنى"له وكل حب طبيعي له يف رأيي، معنى، وقائم بشكل جي .logoide" منطقي"وهو بالنتيجة شبه

األشياء وأنا أحس كل مرة أني أكثر بعدا عن امليل املعاصر إلى االعتقاد أن، وتأتي بشكل أعمى كحركات الذرات التي رفعتها nousتخلو من املعنى، من اـل

.آلية مدمرة إلى منوذج منوذجي لكل واقعلذلك أرى أنه ال غنى يف كل حب حقيقي عن حلظة تبصر توضح لنا

.كيما ينشأ ويكبر" أسبابا"الشخص اآلخر حيث الشعور يجد ر كبيرا أو صغيرا، وقد يكون مبتذال أو عبقرياوقد يكون وهذا . هذا التبص

Suiهو أحد وليس أهم األسباب التي جتعلني أصف احلب باملوهبة الفذة

generisلكن، من الواضح أيضا أن . التي تقبل كل الدرجات وصوال حتى العبقريةوامليكانيكية العمياء . ؤية اجلسدية والذكاءيشترك االتجاه بإمكانية اخلطأ مع الر

ذوذ يف احلب إلى اضطراب يف إدراك . ال تخطئ قط وترتد كثير من حاالت الشخداع بصري وسرابات ليست أكثر غرابة وال أقل وضوحا : الشخص احملبوب

أما وإن احلب . مما ترتكبه العينان كثيرا من غير داع كيما نعلن عن أنفسنا عميايجب علينا أن –وإن كان اخلطأ أقل كثيرا مما يقال –بالتحديد يخطئ أحيانا

ال يحق للشعراء أن يصفوا لنا : "Pascalنرد إليه صفة الرؤية كما أراد باسكال ".يجب أن ننزع عنه العصابة، ونرد منذ اآلن الفرح إلى عينيه: احلب أنه أعمى

-٣٢-

احلب عند ستندال

I

مملوء بالنظريات، لكنه ال ميتلك مواهب Stendhalإن رأس ستندال ، Baroja1وهو يشبه يف ذلك كما يف بعض األشياء األخرى كاتبنا باروخا . املنظر

كالهما . أوال) تنظيري(الذي يكون رد فعله على كل شأن إنساني بشكل مذهبي ه من غير حذر مناسب، يظهر مبظهر فيلسوف احنرف عن طريق إذا نظرنا إلي

يكفي أن نالحظ أنهما كليهما ميتلكان . ومع ذلك، هما نقيضا ذلك متاما. األدبأما الفيلسوف، فعلى العكس من ذلك، ال ميتلك . مجموعة غزيرة من النظريات

ض الذي مييز أسا. منها سوى نظرية واحدة سا الطبع النظري وهذا هو العر .احلقيقي من الطبع الذي يكون نظريا يف الظاهر فحسب

. ويبلغ املنظر الصيغة املذهبية مدفوعا برغبة ملحة للتطابق مع الواقعويتخذ من أجل هذه الغاية احتياطات كثيرة، أحدها أن يبقي حشد أفكاره يف

وما كان أشد ذعر . يقة واحدة بشكل رهيبألن احلق. وحدة صارمة ومتاسكأما أذهاننا وحساسيتنا فهي على ! ملا اكتشف ذلك Parmenidesبرمنيدس

وينزل املذهب عند . العكس من ذلك، متقطعة ومتناقضة ومتعددة األشكالستندال وباروخا إلى لغة محضة وجنس أدبي يصلح أن يكون أداة للفيض

ران يف . غانونظرياتهما أ. الشعري ، وهذا شيء ال يعمله "الضد"و" املع"إنهما يفكلذلك كانت مذاهبهما متعددة وتتكاثر . إنهما يحبان ويبغضان بالتصورات: املفكر

إنهما يقوالن . على شكل بكتيري متخالفة متعارضة، كل منها وليد االنطباع اآلني .ألشياء بل حقيقة املغنياحلقيقة طبقا لألغاني، لكن، ليس حقيقة ا

. املترجم- .ف األول من القرن العشرينمن كبار الروائيني يف إسبانيا يف النص) ١(

-٣٣-

فال ستندال وال باروخا كانا . ومع ذلك، ال أتطلع إلى اإليحاء بذم مايطمحان بعامة إلى أن يصنفا كفيلسوفني، وإذ بينت هذا املظهر القلق من طبعهما الفكري، فلم يكن ذلك إال بدافع الشعور باللذة الكبرى بأن آخذ البشر

! لكنهما ليسا كذلك، فحبذا. tant pis !وان فيلسوفني، فبئسماكانا يبد. كما همtant mieux.

ألن هناك موضوعا أراد . حالة ستندال مع ذلك، أعوص من حالة باروخاوهو باملصادفة، املوضوع ذاته الذي كان يعتقد سقراط . أن ينظر عنه بجد كامل

.، أي، شؤون احلبta erotiká: رأس الفالسفة أنه من اختصاصهيصل أحدهم . ، كتاب مقروء أكثر مما يقرأ من الكتب"يف احلب"دراسة

ويجب االنتظار . إلى حجرة املركيزة أو املمثلة، أو ببساطة السيدة الكوسموبوليتية -ولم يتعين وجود لوحات على اجلدران ال محالة؟–وجتتذب اللوحات . حلظات

إنه االنطباع النزق ذاته الذي . وال مندوحة لنا عن ذلك. جتتذب نظرتنا أواللكنها كان ميكن أن . اللوحة هي كما هي. يحدثه فينا العمل الفني دائما تقريبا

إذ حنتاج دائما إلى هذا االنفعال الدرامي عند العثور على . تكون شيئا آخر أيضافماذا يقول؟ . مث منت كتاب. تبمث قطع األثاث وبينها بعض الك. شيء ضروري

وتطمح املركيزة واملمثلة . ، كبحث يف أمراض الكبد يف بيت الطبيب"يف احلب"والسيدة الكوسموبوليتية إلى أن يكن بشكل ال محيد عنه اختصاصيات يف احلب،

ب حول ويردن أن يكن على علم به، كمن يشتري سيارة فيحصل تكملة لها على كتيكات االنفجارية .احملر

فدأب ستندال أن يقص، حتى حينما . وقراءة الكتاب تبعث على اللذةر يف رأيي هو خير سارد موجود، وهو رأس الساردين أمام . يعرف ويعلل وينظ

لكن، أصحيحة هذه النظرية املشهورة عن احلب بصفته بلورة؟ . العلي القديرشاع عنها إشاعة وال يخضعها أحد إلى ولم لم ت جر أية دراسة معمقة عنها؟ ي

.تحليل موائمأال تستحق عناء التحليل؟ باختصار، يالحظ أن هذه النظرية تصف احلب

ال ألن احلب يخطئ الطريق أحيانا، وإنما هو يف جوهره . أنه وهم يف األساس٣-دراسات في الحب م

-٣٤-

قطت مخيلتنا على شخص آخر كماالت غير موجودة حنن نعشق إذا أس. خطأوهذا أسوأ من التصريح . وسوف يتالشى الوهم ذات يوم، ومعه ميوت احلب. فيه

إنه راء، : ويف نظر ستندال، هو أقل من أعمى. أن احلب أعمى تبعا لعادة قدمية .ال ألنه يرى الواقع بل يحل محله

إنه . املذهب من اخلارج حتى نعينه يف الزمان واملكانيكفينا النظر إلى هذا: وهو يزدهي بامللمحني املميزين. ١٩إفراز منوذجي لإلنسان األوروبي يف القرن

مثالية ألنها جتعل من املوضوع اخلارجي الذي " البلورة"فنظرية . املثالية والتشاؤمواألوروبي مييل منذ عصر النهضة إلى هذه . نتجه حنوه مجرد إسقاط من الذات

١٩وقد كانت هذه املثالية حوالي القرن . الطريقة يف تفسيره العالم كفيض روحيفالعالم الذي تسقطه الذات على ما حولها، هو على طريقتها، . فرحة نسبيا

ها متيل لتبين لنا إن. متشائمة" البلورة"لكن نظرية . واقعي وحقيقي ومملوء باملعنىشاز وهكذا . أن ما نعده وظائف طبيعية لروحنا، ليست غير حاالت خاصة من الن

أن يقنعنا أن اإلدراك الطبيعي ما هو غير هلوسة مستمرة Taineيريد تني إذ يفسر فيه الطبيعي . ١٩وقد كان هذا من خواص إيديولوجيا القرن . وجماعية

وهناك جهد غريب لتبيان أن العالم فوضى مطلقة . بيعي، واألعلى باألدنىبالالطquid pro quoوسوف يحاول عالم األخالق أن يوحي إلينا أن . ، وقصور جوهري

وقد وصف داروين بأناة العمل املكيف الذي . larvadaكل غيرة هي أنانية مبطنةن أجل الوجود القوة احليوية العظمى، يحققه املوت يف احلياة، وجعل الصراع م

.وباملثل، سيضع كارل ماركس صراع الطبقات يف أس التاريخشاؤم العنيد متاما، وتنجح يف أن تستقر لكن احلقيقة هي عكس ذلك الت

وهذا هو واقع احلال يف نظرية . داخله من غير أن يلحظ املفكر األنكد ذلكف فيها يف نهاية املطاف، أن الرجل يحب فقط ما ميكن أن إذ نعتر". البلورة"

لكنه، إذ ال يجده يف الواقع، كما يبدو، يضطر إلى : يحب، وما هو جدير بأن يحبوسهل جدا أن نصف . أن يتخيله، وهذه الكماالت املتخيلة هي التي تثير احلب

من يصنع ذلك ينسى أن يطرح على نفسه لكن. األشياء الرائعة أنها تخيليةفإذا كانت هذه األشياء املثارة غير موجودة، فكيف نعلم . املشكلة التي تبرز حينئذ

-٣٥-

بها؟ وإذا لم يكن يف املرأة احلقيقية أسباب كافية إلثارة هياج احلب ففي أي ب؟غير موجود، عرفنا املرأة املتخيلة القادرة على جعلنا نلته" 1منتجع"

فإذا الحظنا أنه يتخيل . بالطبع، يبالغ بقوة التزييف الكامنة يف احلبأحيانا صفات ال ميتلكها يف الواقع الكائن احملبوب، فعلينا أن نسأل أنفسنا إن لم

وينبغي لسيكولوجية يف احلب أن تكون مرتابة جدا يف . يكن التزييف احلب ذاتهوإن أعقد ما يف بحث ستندال يف رأيي، هو هذا . تحللهصدق الشعور الذي

وال يعني شيئا آخر تصنيفه . االعتقاد بوجود ضروب من احلب غير موجودة، amour-vanité، احلب ظهورا amour-goŭtاحلب هواية : املشهور لضروب احلب

بيعي جدا أن فإذا بدأ احلب بأن يكون مزيفا بصفته حبا، فمن الط. احلب هوى .يكون كل ما يحيط به مزيفا، ال سيما املوضوع الذي أوحى به

وأحسب أنه مازال . وحده شرعي يف نظر ستندالpasiónوإن احلب هوى وكان يجب أن تدخل أيضا يف . يجعل حلقة مصداقية احلب فضفاضة جدا

هواية يبعثان على اخلطأ وليس احلب ظهورا أو. ضروب مختلفة" هوى-احلب"فاحلب هو النشاط الذي . بل يوجد مصدر آخر للتزييف مباشر وأكثر ثباتا. فقط

عراء دائما وهذبوه بأدواتهم التجميلية مبنحه . أطري أكبر إطراء فقد زينه الشخذنا عدتنا واقعا مجردا غريبا، حتى إننا عرفناه قبل أن نشعر به، وقدرناه وأ

inفتصوروا رجال أو امرأة يجعالن من احلب يف كل حال . ملمارسته كفن ووظيفة

genereإن كائنني كهذين . ، وبصورة مجردة، املثال األعلى لنشاطهما احليويفهما ال يحتاجان إلى موضوع معين . يعيشان باستمرار عاشقني على شكل وهمي

إنهما يحبان . ما يجري، وإنما يصلح لهذه احلالة كل شيءيجعل شريان احلب فيهفإذا حدث لرجل ما هذا األمر وعنده . وما احملبوب يف الواقع، غير حجة. احلب

.ميل إلى التفكير، فسوف يخترع على شكل ال فكاك منه نظرية البلورةي احلب هؤالء يف كتابه A. Bonnardيقول آبل بونار . وستندال أحد محب

هو ال يطلب من النساء شيئا آخر سوى ": "حياة ستندال الغرامية"احلديث حول

)١ (ville d 'eauxاملترجم–. ، وهي تعني بالفرنسية مدينة ينابيع حارة، واختصرناها مبنتجع .

-٣٦-

جزن أوهامه لكنه يف الواقع، كان هو . كان يحب لئال يشعر بنفسه وحيدا. أن ي ".وحده يختلق ثالثة أرباع غرامياته

ن مذاهب تقليدية، إحداهما تتضم. هناك فئتان من النظريات حول احلب. وآراء عامة خالصة تتكرر من غير حدس سابق بالوقائع التي تفصح عنها

وهكذا يرتسم . واألخرى تشتمل على معان أهم تأتي من التجربة الشخصية .ويتكشف شكل غرامياتنا فيما نتصوره حول احلب

لم يحب حقا، خاصة أنه إننا إزاء رجل. وال يوجد شك ما يف حالة ستندالومن ضروب احلب الزائفة . وحياته مألى بضروب احلب الزائفة. لم يحب حقا

للت وفككت نظرية فإذا ح. يبقى يف الروح الكآبة املنبئة بزيفها، وجتربة تبخرهااحلب عند ستندال، شاهدنا بوضوح أنه فكر فيها بالعكس؛ أي، أن الذروة يف

فكيف نفهم أن احلب ينتهي إذا ظل املوضوع احملبوب هو هو . ستندال نهايتهذاته؟ وسيكون من الالزم، باحلري، االفتراض، كما فعل كانط يف نظرية املعرفة، أن انفعاالتنا اإليروسية ال يضبطها املوضوع الذي تسعى حنوه، وإنما على

.واحلب ميوت ألن والدته كانت خطأ. الذي يعد املوضوعالعكس، خيالنا املغرمر هكذاChateaubriandأما شاتوبريان ألن جتربته كانت . فلم يفك

ها حنن أمام رجل امتلك موهبة إثارة حب حقيقي، لكنه كان . عكس تلك وتلك لقد مرت بجانبه هذه املرأة أو تلك،. عاجزا عن الشعور باحلب حقا

ولسوف ". فجأة وإلى األبد. "األخرى وقد أضنني حبا فجأة وإلى األبديحوك شاتوبريان بالضرورة مذهبا كان من أساس احلب احلقيقي فيه أال

.ميوت أبدا، وأنه يولد فجأة

II

إن حب شاتوبريان وحب ستندال إذا قارناهما ببعضهما، ربما شكال ائدة سيكولوجية تعلم الذين يتكلمون بخفة عن دون خوان، بعض موضوعا ذا ف

دان . هاكم رجلني ذوي قدرة إبداعية عمالقة. األشياء ولن يقال عنهما إنهما سي

-٣٧-

ورة السخيفة التي قلصت إليها صورة دون ). فواران(صغيران غزالن وهي الصوقد كرس هذان الرجالن مع ذلك . ارغةخوان يف بعض األذهان الضيقة والفوإنه ألمر . ولم يحصال على ذلك يقينا. خير طاقاتهما سعيا للعيش محبين دائما

لكن واقع احلال أنهما . صعب، كما أرى، لنفس وقادة أن تسقط يف جنون احلبهما الوهم أنهما كانا حاوال يوما بعد يوم، واستطاعا دائما تقريبا أن يخلقا لنفسي

لقد كانا يأخذان مأخذ اجلد غرامهما أكثر كثيرا من أخذهما عملهما . يحبانوالطريف أن العاجزين عن اإلتيان بعمل كبير وحدهم يعتقدون أن ما . األدبي

أن يأخذوا مأخذ اجلد العلم والفن أو السياسة، : يجب عمله عكس ذلكوإنما أقتصر على أن : وأنا ال أؤيد وال أعارض. كونه مادة تافهةويحتقروا احلب ل

أثبت أن املبدعني اإلنسانيني الكبار كانوا يف العادة قليلي اجلد جدا تبعا للفكرة .البرجوازية الصغيرة عن هذه الفضيلة

وقد . لكن املهم من وجهة نظر الدون خوانيه معارضة ستندال بشاتوبريانومع ذلك، هو نقيض . ان ستندال من تهالك بإقدام أكبر يف الدوران حول املرأةك

أما دون خوان فهو الشخص اآلخر، الغائب دائما وامللفوف . دون خوان متاما .بضباب كآبته، واألرجح أنه لم يغازل قط امرأة ما

يد صورة دون واخلطأ ذو العيار األكبر الذي ميكن اقترافه إذا حاولنا تحدوهذا يقود يف أحسن . خوان، االلتفات إلى رجال يقضون حياتهم يف حب النساء

بل نصل باحلري، عبر هذا . حال إلى العثور على منوذج أدنى وتافه من دون خوانفماذا يحدث إذا أردنا عند تعريف . الدرب إلى النموذج املعاكس، على األغلب

هنا إلى الشعراء الرديئني؟ بالضبط ألن الشاعر الرديء ليس الشاعر أن نوجه انتباشاعرا، وإنما جند عنده الرغبة فقط، والكد والعرق واجلهود التي يتطلع بها عبثا

: ألن الشاعر الرديء يستبدل باإللهام الغائب البهرجة التقليدية. إلى ما ال يستطيعهذا . ذلك هذا الدون خوان املكد الذي يقوم كل يوم بعمله الغراميوك. لمة وسترة

بط" أشبه"الدون خوان الذي طاملا .دون خوان، هو نفيه وفراغه بالضـدون خوان ليس الرجل الذي يقوم مبغازلة النساء، وإنما هو الرجل الذي

التي كان يجب أن يتأملها هذه، هذه هي الواقعة اإلنسانية األكيدة . تغازله النساء

-٣٨-

يف . أكثر قليال الكتاب الذين طرحوا أخيرا موضوع الدوان خوانية اخلطيروهاهنا مادة وافرة تدعو . الواقع، يوجد رجال تعشقهم النساء بشدة وترداد فائق

ز؟ فيما تكمن هذه املوهبة الغريبة؟ أي سر حيوي يختفي وراء هذا االمتيا. للتفكيرأما األمر اآلخر، أما التفكير خلقيا حول كل صورة سخيفة لدون خوان رغبة يف

: وهذا عيب الوعاظ األبدي. التكلف، فتبدو لي جد ساذجة حتى تكون خصبة .1اختراع ثنوية خرقاء بغاية التمتع برفض كل ثنوية

ر األنوثة، وتصور منظومة لقد كرس ستندال أربعني عاما يف طرق أسواكان يروح ويجيء ويتعنت ويتهالك يف املهمة . استراتيجية كاملة، مببادئ وتبعات

وال . فلم يستطع أن يكون محبوبا من أية امرأة حبا حقيقيا. والنتيجة عدم. بعناداثال، حتى ألن معظم الرجال يعانون مصيرا مم. موجب للدهشة من ذلك كثيرا

ابتكرت ملعادلة عثار احلظ هذا، العادة والوهم بقبول ارتباط ما غامض بامرأة أو ويحصل األمر ذاته يف . تساهل منها يحصل عليه بألف جهد، على أنه حب جيد

ألن معظم البشر ميوتون من غير أن يتذوقوا قط انفعاال حقيقيا . اال اجلماليفق على قبول الدغدغة التي يحدثها حلن فالس، أو التشويق بالف ن؛ ومع ذلك ات

.الدرامي الذي تثيره قصة، على أنهما انفعاالن فنيانوكانت غراميات ستندال غراميات زائفة من هذا الطراز، ولم يلح آبل بونار

ية، الذي أنهيت قراءته منذ حياة ستندال الغرام: كما يجب على ذلك يف كتابهواملالحظة هامة ألنها تفسر اخلطأ . عهد قريب، ودفعني لكتابة هذه األفكار

.اجلذري يف نظريته عن احلب، فقاعدة هذه النظرية جتربة زائفة، وفوق ذلك، "يخلق"ستندال يعتقد انسجاما مع وقائع جتربته، أن احلب

.كلتاهما خاصيتان من خواص الغراميات الزائفةوالصفتان . ينتهيوما كان . احلب دائما" خلق"أما شاتوبريان فيجد نفسه على العكس، يف

جهد نفسه، ألن املرأة متر إلى جانبه فتحس فجأة مشحونة بحاجة إلى أن ي؟ آه، هذا هو ا. بكهرباء سحرية لسر الذي كان يجب إنها تستسلم حاال وكليا، ولم

بل كان . ولم يكن شاتوبريان وسيما. على البحاثة يف الدون خوانية، أن يكشفوه لنا

.ملترجم ا–. مانوية، أي ثنوية اخلير والشر = maniqueoيف األصل ) ١(

-٣٩-

وكان ارتباطه . صغير احلجم، محني الكتفني وجايف الطبع ومستاء وشاردا دائمايف وهي " العبقرية"ومع ذلك، تعشق تلك املرأة . باملرأة احملبة يدوم مثانية أيام

. العشرين، وتظل وهي يف الثمانني مشغوفة بها، عبقرية ربما لم ترها مرة أخرى .إنها وقائع موثقة: وهذه ليست تخيالت

de CUSTINEمركيزة ديكوستني : واملثال على ذلك وسط أمثلة كثيرةة كانت تنتمي إلى إحدى أنبل العائالت، وكانت بارع". فارسة فرنسا األولى"

. وقد كانت إبان الثورة طفلة تقريبا وحكم عليها باإلعدام باملقصلة. اجلمالوهاجرت إلى . فأنقذت بفضل احلب الذي أيقظته يف إسكايف عضو يف احملكمة

فعرفت املؤلف، وانبثق . Atalaوملا عادت كان شاتوبريان قد طبع للتو آتاال . إنكلتراوقد شاء شاتوبريان النزق دائما أن تبتاع مدام ده . بفورا يف داخلها جنون احل

، وهو مقر إقامة إقطاعية قدمي بات فيه هنري Fervaquesاك كوستني قصر فيرففجمعت املركيزة كل ما استطاعت من ثروتها التي لم تكن قد . الرابع ذات ليلة

يبد لطفا يف لكن شاتوبريان لم. أعادت بناءها بعد الهجرة، واشترت القصرلكنه قضى يف نهاية املطاف فيه بضعة أيام، وكانت ساعات سامية يف . زيارته

فقرأ شاتوبريان بيتني من الشعر حفرهما هنري الرابع . نظر تلك املرأة املشغوفة :على املدفأة بسكني الصيد

مدام ديفرفاك .تستحق غارات شعواء

وابتعد . سارعة من غير عودة ممكنةوقد انقضت ساعات السعادة متأبحر حنو جزر حب : شاتوبريان كيال يعود، أو أنه فعل أقل من ذلك قليال

وأرت . ومرت الشهور واألعوام، وناهزت املركيزة ده كوستني، السبعني. جديدةإذا، ": وملا وصل هذا إلى حجرة املدفأة الكبيرة، قال. القصر أحد الزوار ذات يوم

وبادرت هي مستغربة وكأنها " هذا هو املكان حيث شاتوبريان ركع عند قدميك؟ ."أنا ركعت على قدمي شاتوبريان. آه، ال، ال، يا سيدي: "مهانة

وكان ستندال يجهل هذا الطراز من احلب الذي يظل فيه كائن مرتبطا مرة يا بكائن آخر عم امليتافيزيقيواحدة وإلى األبد ارتباطا كل لذلك . ، كنوع من الط

-٤٠-

يعتقد أن من جوهر احلب نفاده، يف حني أن احلقيقة، على األرجح، هي على ألن حبا ولد تاما يف جذر الشخص ال ميكن له كما يبدو أن . النقيض من ذلك

كالبعد –قد متنع الظروف . ميوت، بل هو منخرط إلى األبد يف الروح احلساسةل إلى -مثال من مده بالغذاء الضروري، فيفقد هذا احلب حينئذ حجما ويتحو

خيط عاطفي صغير، وإلى عرق قصير من االنفعال يظل ينبع مما تحت الشعور، ويظل الشخص احملب يشعر يف . وتظل صفته العاطفية سليمة: لكنه ال ميوت

وقد تحملها املصادفة من . ه مرتبط باحملبوبة ارتباطا مطلقاهذا القاع األساس أنفسوف تظل كائنة إلى . هنا إلى هناك يف اال الفيزيقي واالجتماعي، فال يهم

أن يكون إلى جانب : هذه هي السمة العليا للحب احلقيقي. جانب من يحبها ذلك يعني أنه يوجد حيويا .احملبوب ويف احتكاك وقرب أعمق من األبعاد املكانية

أن يكون : مفرطة يف تقنيتها، هي هذه، وإن تكنوقد تكون الكلمة األدق. مع اآلخرفاملرأة التي تحب لصا . أونطولوجيا مع احملبوب، وفيا ملصيره، مهما يكن األمر

.تظل تحس أنها يف السجن وإن وجدت باجلسم يف أيما مكان

III

لتسمية نظريته عن " بلورة"حنن نعرف ااز الذي يسر لستندل مفردة فلو ألقي يف مناجم سالزبورغ بغصن شجيرة والتقط يف اليوم التالي يظهر . احلب

إذ يتغطى الشكل النباتي البسيط ببلورات ملونة توشي مظهره على . عليه تحول، عملية مشابهة يف النفس القادرة على وتحدث يف حب ستندال. شكل عجيب

وذلك أن صورة املرأة احلقيقية تسقط داخل النفس الذكرية، وتأخذ شيئا . احلب .فشيئا بأن توشى مبركبات خيالية تراكم فوق الصورة اردة كل كمال ممكن

وربما كان . مفرطاولقد بدت لي دائما هذه النظرية الالمعة مزيفة زيفاحتى غير -الشيء الوحيد الذي نستطيع إنقاذه فيها، االعتراف الضمني

أن احلب مبعنى ما وشكل ما، دافع حنو الكمال، لذلك آمن ستندال - الصريحإذ . ومع ذلك، هو لم يهتم بهذه النقطة. بضرورة االفتراض أننا نتصور كماالت

-٤١-

، وأغفلها يف نظريته، حتى لم يالحظ أنها اللحظة األخطر واألعمق عدها مثبتةتهتم، باحلري، بتفسير اإلخفاق يف " البلورة"إن نظرية . واألغمض يف احلب

.احلب، وخيبة األمل باإلعجاب املتهافت؛ باختصار، عدم احلب وليس احلبة التي يأخذ فيها وستندال بصفته فرنسيا، يصبح سطحيا منذ اللحظ

هو مير بجانب الواقعة الرهيبة واألساسية من غير أن يتنبه . بالكالم كالما عاماأما الدهشة لما يبدو واضحا وطبيعيا للغاية، فهي موهبة . أو يدهش لها

انظروا كيف يسعى أفالطون مباشرة ومن غير تردد ليقبض . الفيلسوفاحلب نزوع إلى الوالدة يف : "هنية على عصب احلب املخيف، فيقولبكماشاته الذ

ذاجة". اجلمال تقول السيدات العاملات باحلب وهن يتناولن –! ما أكبر هذه السوال تخمن السيدات رضا الفيلسوف . يف العالمRitzالكوكتيل يف كل فنادق ريتو

اجة تتألأل إزاء كلماته يف عيون السيدات الساخر حينما يرى هذه الوصمة بالسذوهن ينسني قليال أن الفيلسوف إذا كلمهن عن احلب فإنه ال يبادلهن . املسحورة

ألن التفلسف كما يشير فيشته، يعني باملعنى . احلب، وإنما هو على العكس متامافما ألذ . احلق عدم التفلسفالصحيح عدم احلياة، كما أن احلياة تعني باملعنى

هذه القدرة على الغياب عن احلياة والهرب بسبب بعد مفترض ميتلكه الفيلسوف -كما ستندال–وما يهم املرأة ! الذي يدرك املرأة بشكل بارز حينما يبدو ساذجا إنما .وأنا ال أنفي أنهما هامان. يف مذهب احلب، السيكولوجيا السطحية والنكتة

أسمح لنفسي بأن أوحي أن مشاكل العشق الكبرى تكمن فيما وراء ذلك كله، .وهذا ما صاغه أفالطون يف مستوى أرقى منذ أربعة وعشرين قرنا

.فلنتأمل للحظة، وإن عرضا، املسألة الضخمةميته يف املفردات األفالطونية هو االسم املعين ملا اعتدنا تس" اجلمال"إن

وفكرة أفالطون إذا صغناها بشيء من احلذر مع مراعاة ". كماال"بأعم صورة حاد من يحب بكائن : تفكيره بدقة، تصبح هكذا يف كل حب تكمن رغبة يف ات

إذا، هي حركة من روحنا باتجاه شيء مميز، . آخر يبدو مزودا بكمال ماز حقيقة أم متخيال ال يغير أدنى وسواء أكان ه. باحلري، فائق مبعنى ما ذا التمي

ال يحدث - وبقول أدق احلب اجلنسي -تغيير من واقعة أن الشعور اإليروسي

-٤٢-

حب –فليجرب القارئ أن يتمثل حالة حب . فينا إال مبوجب شيء نعده كماالوعة، ير كيف أن ال ميثل فيها احملبوب يف عيني من يحب أي وجه للر-جنسي

وسوف نرى بشيء (احلب هو، بالتالي، شعور باالفتتان بشيء . هذا احلب محال؛ ويستطيع شيء ما أن يفنت إذا كان كامال ")االفتتان"من التفصيل ما هو هذا

. ال أعني بذلك أن الشخص احملبوب قد يبدو كامال متام الكمال. أو يبدو كامالإذ يكفي أن يكون فيه كمال ما؛ بالطبع، ال يعني الكمال يف . دالوهذا خطأ ستن

األفق البشري ما هو خير بإطالق، وإنما هو خير من البقية، وما يبرز يف مجال ز. نوعي ما .باختصار، هو التمي

ز يحث على البحث عن الوحدة مع هذا أوال، األمر الثاني هو أن التمي؟ إن أصدق العشاق سيقولون عن "الوحدة"وما هي هذه . خص ذي االمتيازالش

حاد اجلسدي-على األقل يف الوهلة األولى -حق أنهم لم يشعروا . بشهوة يف االتوليس املراد أن احملب ال يرغب يف اتحاد . املسألة دقيقة وتتطلب أكبر دقة

حاد أيضا، فمن الزيف لكن، إذا كان ي. جسدي مع احملبوبة رغب يف هذا االت .القول إن ذلك كان كل ما يرغب فيه

ربما باستثناء ما -إذ لم يفرق قط بشكل كاف . وتلح هنا مالحظة هامة، حتى إذا ذكر ذاك "الغريزة اجلنسية"و" احلب اجلنسي" بني - عمله شيلر فقط

لغرائز يف اإلنسان تبدو دائما تقريبا مقيدة بأشكال فوق يقينا أن ا. فهم منه تلكوقلما جند غريزة خالصة تعمل بشكل . غريزية ذات طابع نفسي وحتى روحي

وليس سهال . مبالغ فيها، كما أرى" احلب الفيزيقي"والفكرة املألوفة عن . مستقلتدعم اجلنسية وتختلط بها يف و. وال شائعا جدا الشعور باجنذاب جسدي مطلق

معظم األحوال، أصول من احلماسة العاطفية واإلعجاب باجلمال اجلسدي وحاالت املمارسة اجلنسية الغريزية بشكل خالص، هي مع ذلك، . واجلاذبية، إلخ

والفرق . احلقيقي" احلب اجلنسي"عديدة جدا حتى ال نستطيع متييزها من إذا قمعت ممارسة اجلنس ألسباب : حا خاصة يف املوقفني املتطرفنييبدو واض

يف . خلقية أو ظرفية، أو على العكس، إذا كان اإلفراط فيها يتدهور إلى دعارةذة اخلالصة توجد - لنقل عدم الطهارة اخلالصة -كلتا احلالتني نالحظ أن الل

-٤٣-

وة قبل معرفة الشخص أو املوقف الذي إذ يحس بالشه. مع ذلك، قبل موضوعهاونتيجة ذلك، هو إمكانية إشباعها مع من كان، ألن الغريزة ال متيز إذا . يشبعها

.وهي ليست بذاتها دافعا حنو الكمال. كانت غريزة فقطبينما احلب . وربما ضمنت الغريزة اجلنسية حفظ النوع، لكن، ليس كماله

أي، اإلعجاب الشديد بشخص آخر روحا وجسما يف وحدة ال اجلنسي احلقيقي، تنفصم، هو على العكس، يف ذاته وعلى شكل أصيل، قوة عمالقة مكلفة بتحسني

وعوضا عن وجود هذا احلب قبل موضوعه، يولد دائما بحث من كائن . النوع .لكائنيظهر إزاءنا، مث تطلق عملية احلب صفة مختارة من هذا ا

وما إن تبدأ هذه العملية حتى يشعر احملب بغريزة غريبة ليحل فرديته يف وما . فردية اآلخر؛ والعكس صحيح، ميتص يف فرديته فردية الكائن احملبوب

فإذا كنا ال نستهجن شيئا يف أمور احلياة األخرى قدر ! أغمض هذا اجلهدتخوم وجودنا الفردي، فإن لذة احلب تكمن يف استهجاننا رؤية كائن آخر يغزو

شعور املرء ميتافيزيقيا نفوذا إزاء الفردية األخرى بشكل ال جتد إشباعا لها إال وهذا يذكرنا مبذهب ". فردية واحدة لشخصني"يف ذوبانهما كليهما يف

. املرأة - الثنائي الرجلالسانسيمونيين الذي يرى أن الفرد اإلنساني احلقيقي هوفإذا كان احلب تاما، فإنه . مع ذلك، ال تقف العملية عند هذه الرغبة يف الذوبان

حاد مشخصا يف ابن يكون امتدادا يتوج برغبة واضحة إلى حد ما، يف أن يجعل االتالث الذي هو من مخلفات وهذا العنصر الث. لهما ويؤكدان كمال الكائن احملبوب

فاالبن ليس من األب، وال هو . احلب، يبدو أنه يجمع بكل نقاء معنى احلب األساسحادهما معا مشخصا، وهو سعي للكمال املشكل من حلم وروح: من األم وقد . إنه ات

ل، وكما كان احلب رغبة ملحة للوالدة يف الكما: على صواب) الساذج(كان أفالطون .إنه شهوة للجمال: يقول لورنزو ده ميديتشي، وهو أفالطوني آخر

cosmológicaلقد فقدت إيديولوجيا األزمنة األخيرة اإللهام الكوني وقد جلب انتباهنا تفنن علم نفس احلب . وصارت علمية نفسية كليا تقريبا

وسوف نتوغل . ني واألولي يف احلبمبراكمته حلوال دقيقة إلى هذا الوجه الكوإنا وإن كنا ننقض على أهم ما فيها، يجب . اآلن أيضا يف املنطقة العلمية النفسية

-٤٤-

أال ننسى أن قصة غرامياتنا املتعددة الشكل تعيش بكل تعقيداتها وأحوالها أخيرا تصنع نفسنا األولية أو النقية، البسيطة أو يف القوة األولية والكونية التي ال

كما يجب أال . املعقدة شيئا من قرن إلى قرن سوى تدبيرها وتشكيلها بشكل متنوعتنسينا العنفات واملنشآت املختلفة األحجام التي نغمرها يف مجرى السيل، قوة

كنا على شكل سري .هذا األولية التي تحر

IV

. هذه، جناحا أوليا واضحا بشكل كبير" البلورة"ال ميكننا أن ننفي عن فكرة لقد افترضنا . فمن الشائع جدا، يف الواقع، أن نكتشف خطأنا طيلة غرامياتنا كلها

أال ينبغي لنا أن نستصوب ستندال؟ أنا ال . يف احملبوب لطائف وجماال غائبة عنهإنا وإن . كن أن يكون على صواب، لكونه على صواب بإفراطنعم، مي. أحسب ذلك

كنا نخطئ كل ساعة يف تعاملنا مع الواقع، إال أننا بحاجة إلى أن نكون يف احلب . وإن إسقاط عناصر خيالية على موضوع حقيقي تحدث باستمرار. على صواب

ولقد سبق . ائما إكمالها يعني د-عداك عن تثمينها–وإن رؤية الرجل األشياء لديكارت أن الحظ أنه كان يحسب نفسه يرى بشرا ميرون يف الشارع عند فتح

:فماذا كان يرى يف الواقع؟ كان يرى. النافذة، إال أنه كان يرتكب خطأChapeaux et manteaux: rien de plus

انطباعي، ظريفة، إنها مالحظة رسام" (قبعات ومعاطف وال شيء آخر،"ر يف غار"جتعلنا نفك لبالثكيث احملفوظة يف متحف اللوفر والتي " 1الفرسان الص

وال يوجد أحد، إذا تكلمنا بدقة، يرى األشياء يف عريها ). Manetنسخها مانيه . ويوم يحدث ذلك، سيكون آخر يوم يف العالم، إنه يوم الكشف العظيم. احلقيقي

ك، نعد مالئما إدراك الواقع الذي يجعلنا وسط ضباب وريثما يحدث ذلوإن كثيرا . فانتازي، ونقبض على هيكل العالم وعلى خطوطه األرضية الكبرى

إنهم يعيشون من الكلمات : من الناس، بل أغلبهم، ال يصلون إلى هذا

)١ (Les petits chevaliers =املترجم–. هكذا هي بالفرنسية يف األصل .

-٤٥-

واإليحاءات؛ ويتقدمون يف الوجود على شكل مسرنم وهم يخبون داخلوإن ما نسميه عبقرية ما هو غير القوة الرائعة التي ميتلكها إنسان ما . هذيانهم

ليوسع مساما يف هذا الضباب اخليالي ويكتشف من خالله وهو يرتعد من .عري خالص، قطعة جديدة حقيقية من الواقع

ألن حياتنا . بيتجاوز مشكلة احل" البلورة"وإن ما يبدو واضحا يف نظرية بالتالي، لسنا بصدد شيء نوعي يف مسألة . الذهنية كلها هي مبقياس ما، بلورة

إنما نستطيع فقط االفتراض أن البلورة تزداد بنسبة غير طبيعية خالل . احلبلكن هذا زائف زيفا كامال على األقل باملعنى الذي يفترضه . مسيرة احلب

اخنداع احملب يف تقديره، ال يزيد عن اخنداع املتحزب السياسي، أو وإن. ستندالويكون املرء يف احلب غبيا أو نبيها إلى هذا احلد . الفنان أو التاجر يف تقديرهم

ومعظم الناس بليدون يف إدراكهم . أو ذاك، كحاله عادة يف احلكم على الغير .أدقها يف العالماألشخاص الذين هم أصعب األشياء و

يكفينا كيما نقضي على نظرية البلورة أن نتنبه إلى احلاالت التي ال جند إنها حاالت احلب النموذجية التي ميتلك فيها كال : فيها هذه النظرية بوضوح

فال بد . الشريكني روحا صافية وال يعانيان يف نطاق احلدود البشرية، خطأعن احلب من أن تبدأ فتبين لنا أشكاله األكمل عوضا من أن نتوجه إلى لنظرية

والواقع هو أن الرجل يعثر يف تلك احلاالت . باتولوجيا الظاهرة التي تدرسهاعلى صفات نوعية موجودة يف املرأة كان يجهلها حتى ذلك احلني، بدال من أن

والحظ أن . ت توجد يف ذهنه من قبليسقط عليها كماالت غير موجودة، وكانفات أن توجد من قبل يف . املراد صفات أنثوية تحديدا فكيف ميكن لهذه الص

ذهن ذكر إن كان فيها قليل من األصالة؟ أو العكس، وجود صفات ممتازة ذكرية وإن جانب احلقيقة الذي يوجد يف إمكانية استباق . مسبقة يف ذهن املرأة

ع أشكال من الكمال قبل أن توجد يف الواقع، ال صلة له البتة بفكرة اختراقيق سنتكلم. ستندال .وعن هذا األمر الد

هي . هناك قبل كل شيء، خطأ جسيم يف الرؤية يف هذه النظريةويبدو أن . تفترض، كما يبدو، أن حالة احلب تستلزم نشاطا فياضا يف الوعي

-٤٦-

. تندالية تشير إلى ترف يف العمل الروحي، وإلى ثراء وتراكمالبلورة السالعشق حالة من البؤس الذهني تضيق فيه : واألنسب بشكل قاطع أن نقول اآلن

شل .حياة وعينا وتفقر وتومن الالزم أن نضع شيئا من الدقة يف املفردة، تحت ". العشق"لقد قلت

" حب"ونطلق مفردة . عادة، يف موضوع احلبوطأة االستمرار بإطالق حماقات كالالبسيطة جدا، وقليلة األحرف جدا، على ظواهر ال حصر لها وجد مختلفة حتى

حنن نتكلم عن . صار من احلكمة أن نشك يف وجود شيء ما مشترك فيما بينها، "لفنحب ا"، و "حب الوطن"ن ، وع"حب اهللا"امرأة؛ لكننا نتكلم عن " حب"إنها كلمة واحدة تشمل وتسمي جماع . ، إلخ"حب األبناء"، و"احلب األموي"و

.اململكة العاطفية األكثر تنوعاوتكون مفردة ملتبسة إذا سمينا بها أشياء ال مشترك جوهريا فيما بينها

) ليون" (león"وهكذا نستعمل كلمة . ومن غير شيء هام يكون متماثال فيها كلهالنسمي بها احليوان السنوري املشهور، ولنشير بها يف آن واحد إلى باباوات روما

وقد عملت املصادفة على أن يحمل لفظ مبعان شتى . leónوإلى املدينة اإلسبانية حينئذ يتكلم النحويون واملنطقيون . تشير إلى مواضيع مختلفة جذريا، وتسميها

.؛ واملفردة متتلك معاني متعددة"polisemiaد املعاني تعد"عن حب "يف التعابير املذكورة سابقا؟ أيوجد بني " حب"أهذا هو حال كلمة

تشابه ما ذو أهمية؟ إذا قارنا حالتي الروح كلتيهما جند أن " حب املرأة"و " العلممتماثل يسمح لنا تحليل دقيق ومع ذلك، يوجد عنصر . العناصر كلها مختلفة فيهما

فإذا رأيناه خاليا ومنفردا عن بقية العوامل التي . بعزله يف هذه الظاهرة أو تلكوإننا . بشكل دقيق" احلب"تشكل حالتي الروح كلتيهما ندرك أنه وحده يستحق اسم

ا على الرغم من نطلقه بفعل توسع عملي، لكنه غير دقيق، على حالة النفس بكامله .باملعنى الصحيح، حتى وال هي شعور" حبا"أن هذه تحتوي أشياء أخرى ليست

واملؤسف أن عمل علم النفس يف األعوام املائة األخيرة لم يصب بعد يف الثقافة العامة، وكان مضطرا إلى أن يكتفي مبنظار غليظ مازال يستعمل عادة يف

.فس البشريةتأمل الن

-٤٧-

واحلب إذا تكلمنا بشكل حصري، هو محض نشاط عاطفي حنو شاط . موضوع ميكن أن يكون شخصا أو شيئا يكون " العاطفي"وتبعا للن

ر : معزوال عن الوظائف الفكرية كلها كاإلدراك، واالنتباه، والتفكير والتذك الرغبة التي كثيرا ما تختلط والتخيل، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، عن

ال ريب يف أنه . يرغب املرء يف كأس ما، إذا كان عطشان، لكنه ال يحبها. بهحنن نرغب يف سعادة . تولد من احلب رغبات؛ لكن احلب ذاته ليس رغبة

ه" ألننا"الوطن، ونرغب يف العيش فيه نا سابق على هذه الرغبات . حنب فحب .أ منه كما تنشأ النبتة من البذرةالتي تنش

شاط العاطفي، من املشاعر اخلاملة كالفرح أو وميتاز احلب طبقا للناملرء حزينا أو فرحا يف سلبية " يكون. "فهذان مبثابة تلوين يصبغ نفسنا. احلزنش. محضة اط، فالفرح بذاته ال ينطوي على نشاط ما، وإن قاد ربما إلى ذلك الن

، وإنما هو نشاط حنو "حالة ساكنة"أما حب شيء، فعلى النقيض ليس ببساطة وأنا ال أشير بذلك إلى احلركات اجلسدية أو الروحية التي يثيرها . احملبوب

احلب يف ذاته وتكوينه فعل متعد نسعى به سعيا حنو من حنب . احلب، بل إنسخ من املوضوع، فإننا نفيض حنوه إن كنا حنبه فلو مكثنا على بعد مائة فر

ى من غير تفكير فيه، بفيض غير محدد وذي طابع إيجابي وحار وهذا ما . حت" حالة"ألن بغض أحد أو شيء ليس . نلحظه بوضوح إذا عارضنا احلب بالبغض

ر املوضوع سلبية كحالة احلزن، وإنما هو بشكل ما فعل، وفعل سلبي رهيب ي دموهذه املالحظة بوجود نشاط عاطفي نوعي مختلف عن . املبغوض بشكل مثالي

شاط الفكري والرغبة والنشاط األنشطة اجلسمية والروحية األخرى كلها كالنألننا إذا . اإلرادي، تبدو لي ذات أهمية حاسمة من أجل علم نفس دقيق للحب

فإننا نصف دائما تقريبا عواقبه أو تبعاته وأسبابه املولدة أو تكلمنا عن احلبونكاد ال نتناول احلب ذاته مبالقط التحليل فيما هو خاص به ويختلف . نتائجه

.فيه عن بقية األمور النفسيةعنصر " حلب املرأة"و" حلب العلم"واآلن، قد يبدو مقبوال أن يكون

شاط العاطفي، ولهذا االهتمام احلار واإليجابي بكائن وميكن له. مشترك ذا الن

-٤٨-

آخر لذاته، أن يتجه على حد سواء إلى شخص أنثوي أو إلى قطعة من األرض ياضية)الوطن مثال( ياضة والعلم، إلخ: ، إلى ضرب من املمارسة الر وكان .. كالر

عاطفي محض، وكل ما هو يجب أن أضيف يف النهاية، أن كل ما ليس بنشاط .ليس بحب باملعنى الصحيح" حب املرأة"و " حب العلم"مختلف عن

. حيث يوجد من كل شيء ما عدا حبا حقيقيا" ضروب من احلب"هناك هناك رغبة وفضول وإصرار وهوس ووهم عاطفي صريح؛ لكن، ليس هذا الوثوق

حيث جندها فعليا، " ضروب احلب"أما . نااحلار بكائن آخر أيا يكن موقفه مفيجب أال ننسى أنها تحتوي عناصر أخرى كثيرة إضافة إلى احلب باملعنى

.sensu strictoالدقيق ي حبا، وهو حالة من " العشق"أما باملعنى الفضفاض، فنحن نسم

قيق دور ثانوي، حاالت النفس شديدة التعقيد، حيث للحب باملعنى الديف احلب، بتعميم متعسف : وستندال يشير إلى هذا احلب ملا عنون كتابه

.يكشف عن عدم كفاية أفقه الفلسفيالذي تعرضه لنا نظرية البلورة وتعده نشاطا " العشق"وأنا أقول عن هذا

ن تحت سلطانه وحن. فياضا يف النفس، إنه ضيق وشلل نسبي يف حياتنا الواعيةوهذا يقودنا إلى أن نرسم بخطوط . نكون أدنى وليس أكثر يف الوجود املألوف

.عامة سيكولوجية فورة احلب

V

.العشق بالتالي ظاهرة من ظواهر االنتباهيف كل حلظة نكتشف فيها حياة وعينا جندها مشغولة بجمع من األشياء

شياء التي متأل حجم ذهننا يف كل حالة، ليست وهذه األ. اخلارجية والداخليةيف الواقع، جند . بل فيها دائما حد أدنى من النظام وتسلسل هرمي. ركاما مبهما

بينها شيئا بارزا فوق األشياء األخرى ومفضال عليها ومضاء بشكل خاص وكأن من أسس وعينا أن نتنبه إلى وإن. بؤرة ذهننا ظللته بوهجها وعزلته عن البقية

-٤٩-

لكننا ال ميكننا االنتباه إلى شيء من غير صرف االنتباه عن أشياء أخرى . شيء .تظل بسبب ذلك يف شكل من احلضور الثانوي على شكل جوقة أو خلفية

فإذا كان عدد األشياء التي تشكل عالم كل فرد كبيرا جدا، وكان حقل راع من أجل غزو وعيناوعينا محدودا وإن . جدا، فسوف يقوم بينها نوع من الص

حياة نفسنا وروحنا هي بشكل خاص ما يتحقق فقط يف هذه املنطقة ذات أما البقية، أي املنطقة املغفلة، وأبعد من ذلك، منطقة ما تحت . اإلضاءة القصوىوميكننا . واحتياط فحسبفهي حياة بالقوة وتحضير وترسانة... الوعي، إلخ

إذا، يستوي القول إننا نتنبه إلى . تصور الوعي املتنبه كاال اخلاص بشخصيتنا .شيء والقول إن هذا الشيء ينتزع مكانا ما من شخصيتنا

ويحتل الشيء املتنبه له يف النظام الطبيعي، هذا املركز املمتاز مدة والوعي، . رعان ما يطرد منه ليخلي املكان لشيء آخرحلظات، مث س

فا عنده قليال أو كثيرا حسب أهميته باختصار، يتنقل من شيء إلى آخر متوقفسوف . فلنتصور أن انتباهنا شل ذات يوم، وظل مثبتا على شيء. احليوية

جودة؛ ولسوف يكتسب الشيء تظل بقية العالم مهملة، مبعدة وكأنها غير مواملتنبه له بشكل غير طبيعي يف نظرنا أبعادا ضخمة لغياب كل مقارنة

أبعاد جد ضخمة حتى يحتل هذا الشيء يف الواقع، مجال ذهننا كله، . ممكنةوسوف يكون وحده، ووحده فقط مساويا يف نظرنا هذا العالم كله الذي

ياتركناه يف اخلارج بسبب صر يحدث إذا، كما يحدث إذا . ف انتباهنا عنه كلفهي على كونها صغيرة احلجم جدا، تكفي لتغطية : قربنا من عيوننا يدنا

وميتلك الشيء املتنبه له بسبب . بقية املشهد ومتأل ملئا كامال حقل رؤيتناله ويشكل خلفية باهتة الواقعة ذاتها واقعا أكبر ووجودا أقوى مما لم نتنبه

شحن بالطبع، . وشبحية تقريبا تنتظر يف محيط ذهننا وبامتالكه واقعا أكبر ي .بتقدير أكبر، ويصبح أمثن وأهم ويعادل بقية العالم املظلمة

وإذا تركز االنتباه زمنا أطول أو بترداد أعظم مما هو طبيعي، على شيء، وقد كان . فاملهووس إنسان ذو نظام تنبهي غير طبيعي". هوس "فإننا نتكلم عن

فكرتهم "عظماء البشر جميعا تقريبا مهووسني، سوى أن عواقب هوسهم، و ٤-دراسات في الحب م

-٥٠-

ئل نيوتن . تبدو لنا نافعة أو محترمة" الثابتة كيف استطاع اكتشاف Newtonملا س :نظامه امليكانيكي الكوني، أجاب

Nocte dieque incubando يف احلقيقة، ال أحد . وهذا تصريح إنسان موسوس). بالتفكير فيه ليل نهار(

. إنه يتشكل لدى كل امرئ بطريقة مختلفة. يحدد لنا كيف هو نظامنا التنبهي من موضوع إلى آخر سببا العاديرجل الوهكذا تكون اخلفة التي ينزلق بها انتباه

ف التفكير ملحا على كل موضوع بغاية جعله يطلق عصارته للدوار لدى رجل أل والقلق، البطء الذي يتقدم التعب العاديرجل للإذ يسبب . والعكس صحيح. السرية

مث هناك . به انتباه املفكر الذي يسير كشبكة أعماق مستخرجا حشا الهاوية الوعرهناك من يصاب . ة التي تشكل قاعدة الطبع ذاتها االنتباه املختلفأفضليات

بالذهول وكأنه قد سقط من خالل باب مسحور، إذا برز أثناء احملادثة معطى ويتجه االنتباه عند شخص آخر تلقائيا باحندار ذاتي حنو الفن أو األمور . اقتصادي .تنبه، أقل لك من أنتقل لي إلى ما ت: وميكننا قبول هذه الصيغة. اجلنسيةظاهرة من ظواهر االنتباه، وحالة غير طبيعية " العشق"أنا أحسب : إذا

.منها تحدث داخل اإلنسان السويإذ يتقابل يف اتمع نساء كثيرات . البدئية" العشق"ويدل على ذلك واقعة

رجل وكذلك كل امرأة من ففي حالة الالمباالة، يتنقل انتباه كل . ورجال كثيرونلي اجلنس املقابل إلى ممثل آخر وجتعل أسباب من اجنذاب قدمي، . أحد ممث

وقرب أكبر، إلخ، انتباه املرأة يقع على هذا الذكر أكثر قليال مما يقع على ذكر آخر؛ لكن اخللل يف التناسب بني االنتباه إلى هذا وصرف االنتباه عن اآلخرين

إن كل الرجال الذين : وإذا استثنينا بعض الفروق الضئيلة نقول هكذا. كبيراليس لكن توزع . تعرفهم املرأة يكونون بخط مستقيم، على مسافة تنبهية متساوية منها

ألن انتباه املرأة مييل إلى أن يقع من ذاته . االنتباه املتساوي هذا يقف ذات يوموسرعان ما يقتضي منها جهد كيما تصرف تفكيرها . الرجالعلى أحد هؤالء

وبذلك ينكسر اخلط . عنه، وتعبئ اهتمامها باتجاه رجال آخرين أو أشياء أخرى .فيبرز أحد الذكور على مسافة تنبهية صغرى من تلك املرأة. املستقيم

-٥١-

يعي على انتباه يقع بشكل غير طب: يف بدايته غير هذا" العشق"وليس فإذا عرف هذا الشخص أن يفيد من موقفه املميز ويغذي بشكل . شخص آخر

ويجد نفسه كل يوم . ماهر ذلك االنتباه، فإن ما تبقى يحدث بآلية ال راد لهاوكل يوم ينتزع مكانا أكبر من نفس . يتقدم صف اآلخرين، صف الالمبالى بهم

تأخذ هذه املرأة تشعر بعجزها عن صرف االنتباه عن هذا مث. املرأة املتنبهة. أما الكائنات واألشياء األخر فتنتزع شيئا فشيئا من مجال الوعي. الرجل املفضل

، وأيا يكن اهتمامها الظاهري، ينجذب انتباهها بفعل "العاشقة"وحيثما تكن املرأة كبير أن تنتزعه 1والعكس صحيح؛ إذ يكلفها جهد. الثقالة ذاتها حنو ذلك الرجل

ولقد رأى سان . للحظة واحدة من ذلك االتجاه، وتتجه به حنو ضرورات احلياةأغسطني بذكاء حاد أن اإللقاء بثقلنا هذا تلقائيا حنو شيء، هو من خواص

).وبه أسعى حيث أسعى: حبي ثقلي: (احلببل على العكس متاما، هناك إبعاد . حلياتنا الذهنيةإذا، لسنا بصدد إثراء

فيضيق الوعي وال يحتوي إال على شيء . مطرد ألشياء كانت تشغلنا من قبلشل االنتباه، فال يتقدم من شيء إلى آخر. واحد با وأسير . وي ويمسي ثابتا متصل

ولسوف نرى . (الطونكما كان يقول أف") هوس إلهي ("theia mania! كائن وحيد ).املدهشة واملسرفة جدا" إلهي"من أين جاءت الصفة

فإذا قلص عالمه . مع ذلك، لدى العاشق انطباع أن حياته الواعية أكثر ثراءوهذا يعطي . وتتالقى قواه النفسية كلها لتنشط باتجاه واحد. يصبح أكثر تركيزا

.ر مفرطوجوده مظهرا زائفا من توتويضفي احنصار االنتباه على هذا الشيء املفضل، صفات عجيبة يف آن

لقد سبق لي أن بينت أن . (ال ألن كماالت غير موجودة مفتعلة تظهر فيه. واحد). لكنه ليس جوهريا وال ضروريا كما افترض ستندال خطأ. ذلك ميكن أن يحدثنتباه شيئا وينزلق عليه، يكتسب هذا الشيء يف الوعي قوة ومبقدار ما يالمس اال

إنه هنا دائما، قربنا وأكثر . إنه موجود كل ساعة بالنسبة لنا. واقع ال يضاهى

. املترجم–. عنف، يف األصل) ١(

-٥٢-

أما األشياء األخرى فيجب علينا أن نبحث عنها . واقعية من كل شيء آخر .ته ناشب باحملبوبموجهني حنوها بعناء انتباهنا الذي هو بذا

ويف فمن عادة . إننا نعثر هنا على شبه كبير بني العشق واالنفعال الصويف أن يتكلم عن بل وراءها . وهذه ليست مجرد جملة". حضور اهللا"الص

ه إلى اهللا، يكتسب اهللا يف . ظاهرة حقيقية فلكثرة الصالة والتأمل والتوجويف صالبة جد موضوعية حتى تسمح له أال يختفي قط من حقله نظر الص

وكل محاولة يف . إنه موجود هناك دائما، مادام ال ينفك االنتباه عنه. الذهنيوذلك . احلركة جتعله يعثر على اهللا، أي، يسقط مرة أخرى يف الفكرة عنه

يني يء ميكن أن يحظى فإذا كان ال يوجد ش. ليس شيئا مميزا للمجال الدويف كما يحظى به عند اهللا، كذلك العالم الذي هباحلضور الدائم عند الص

ر يف مشكلة أو الروائي الذي ينشغل باستمرار يعيش سنني كاملة وهو يفك Balzacوهكذا كان بلزاك . بشخصية خيالية يعرفان كالهما الظاهرة نفسها

ة، قائال ولنتكلم عن سيزار ! حسن؛ لنعد إلى الواقع:"إذا قطع محادثة جتاري، ." بيروتو يا ودائما وكذلك احملبوبة يف نظر العاشق، تكتسب حضورا كل

شرب بها وما يحدث يف الواقع هو أن العالم غير موجود . وكأنما العالم كله م العاشق يف فقد انتزعته احملبوبة منه وحلت فيه، لذلك يقول. يف نظر احملبنيا: "أغنية إيرلندية ."حبيبتي، أنت حصتي من الد

VI

أتكلم عن وأكرر أني ال -فلنقمع احلركات الرومانسية، ولنعترف أن احلب

فال نستطيع . حالة روحية دنيا ونوع من احلماقة املؤقتة- قيقاحلب باملعنى الد . ومن غير تقليص عاملنا املألوفأن نعشق من غير إفناء الذهن

هذا الوصف، هو كما يالحظ، عكس الوصف الذي " احلب"وإن وصف فوق شيء كما ) كماالت(فعوضا عن مراكمة أشياء كثيرة، . وصفه به ستندال

تزعم نظرية البلورة، فإن ما نصنعه هو عزل شيء بشكل غير طبيعي، ونظل

-٥٣-

يك إزاء اخلط األبيض الذي ينومه وحيدين معه جامدين مشلولني كا لد .مغناطيسيا

وال أزعم بذلك أن أهوي بسمعة واقعة احلب الكبرى التي وهبت احلب عمل من أعمال الفن الكبرى، . التاريخ العام واخلاص وهجا عجيبا

فوس واألجسام لكنه يحتاج بال ريب، كيما يحدث . وعملية رائعة تقوم بها النلى أن يعتمد على جانب من عمليات ميكانيكية، أوتوماتية، من غير روحانية إ

وإن فرضيات احلب الثمينة جدا كال مبفردها، غبية إلى حد ما، . حقيقية .وهي كما قلت تعمل بشكل ميكانيكي

ا من واحلب يفيد منها، كم. وهكذا، ال وجود حلب من غير غريزة جنسيةوالغريزة اجلنسية آلية أخرى من . قوة خام، وكما تفيد سفينة شراعية من الريح

تلك اآلليات احلمقاء اجلاهزة دائما لالنطالق بشكل أعمى، والتي يفيد منها دا وال ننس أن كل حياة روحية عليا واملقدرة . احلب وميتطيها بصفته فارسا جي

. ثقافتنا، محالة من غير اخلدمة التي تؤديها آليات دنيا ال تحصىجدا يفوإذا سقطنا يف هذه احلالة من الضيق الذهني، واخلناق النفسي الذي هو

لكن، إذا حدث مبقياس . يف األيام األولى نستطيع أن نصارع. العشق، فقد هلكناباه الذي نوليه اآلخرين وبقية الكون، ما خلل بني االنتباه املصروف إلى امرأة واالنت

.فلن يكون يف قدرتنا وقف العمليةواالنتباه هو أداة الشخصية، الفائقة؛ إنه اجلهاز الذي ينظم حياتنا

ويجب علينا أن . فإذا أصيب بالشلل، ال يبقي لنا حرية ما يف احلركة. الذهنيةلذلك كان من الضرورة مبكان أن . نقذ أنفسنانوسع مرة أخرى حقل وعينا كيما ن

فإذا استطعنا أن نرى، إبان . ندخل فيه أشياء أخرى تنتزع من احملبوب احتكاره لهاحتدام العشق، احملبوب فجأة يف منظور انتباهنا الطبيعي، فقد تتالشى قدرته

األشياء األخرى، لكن، ينبغي لنا من أجل صنع ذلك، أن نتنبه إلى هذه . السحرية .أي ينبغي لنا أن خنرج من وعينا ذاته، الذي يحتله من حنب احتالال كامالذ فيها إلى اخلارج وال ميكن . لقد سقطنا يف حجرة مغلقة من غير منف

. لشيء من اخلارج أن يتغلغل فيها ويسهل لنا الهرب عبر الثقب الذي تفتحه لنا

-٥٤-

حجرة مريض مطبقة، ذات هواء حبيس تغذيه رائحة بوإن نفس العاشق تفوح .الرئات ذاتها التي تتنفسه

فإذا ترك لذاته فإنه يتضاعف حتى . لذلك مييل كل عشق آليا حنو اجلنون .احلدود القصوى املمكنةفإذا ما تركز انتباه امرأة على . من كال اجلنسني" الغزاة"وهذا ما يعرفه

يكفيه لذلك لعبة . جدا على هذا الرجل أن ميأل بالها ملئا كامالرجل، يسهل ويعمل . بسيطة من الشد واإلرخاء، من الرجاء واالزدراء، ومن احلضور والغياب

نبض هذه التقنية كمخالة هواء يف انتباه املرأة، وينتهي إلى إفراغه من كل ما ماغ: "ل شعبناوما أجمل قو. تبقى من العالم املرأة يذهلها : يف الواقع!"ميتص الدتتقلص إلى هذه اللعبة امليكانيكية التي " الغراميات" وإن معظم .ءوميتصها شي

.تلعب على انتباه اآلخرذ العاشق سوى صدمة يتلقاها بعنف من اخلارج، ومعاملة وال ينق

دا ونعلم أن الغياب. يرغمه أحد ما عليها واألسفار قد تكون عالجا جيظ أنها تعالج االنتباه. للعاشقني يالح فبعد الشيء احملبوب يقطع عنه . ول

. الغذاء تنبهيا، إذ مينع البعد عناصر جديدة يف الشيء، من إبقاء االنتباه حياجبر العشاق على خروجهم من ذواتهم ماديا، وتحل ألف مشكلة واألسفار إذ ت

صغيرة بانتزاعنا من اإلطار املألوف وتضغط علينا بألف شيء غريب، تستطيع أن تكسر كلمة سر الهوس وتفتح مسامات يف الوعي املغلق الذي

.يدخله مع الهواء الطلق، املنظور الطبيعيويصح هنا أن نواجه اعتراضا قد يكون خطر للقارئ بعد قراءته الفصل

االنتباه على شخص آخر، لم نعزله ) أو تركيز(ا عرفنا العشق أنه تثبيت مل. السابقبشكل كاف عن ألف حالة يف احلياة حيث شؤون سياسية واقتصادية ذات خطورة

فإن معظم إثارة املثير تقريبا تأتي من . وضرورة، تحجز اهتمامنا بإفراطمنذ سبعني - أول من فرق Wundtكان وندت ولقد . االستجابة للمنبه بالضرورة

هناك تنبه سلبي إذا . بني االنتباه اإليجابي واالنتباه السلبي- عاما على األقلدوت طلقة يف الشارع، إذ تفرض الضوضاء غير املألوفة نفسها على سيروعينا

-٥٥-

من يعشق، وإنما يتجه وال وجود لهذا الفرض عند . التلقائي وترغمه على االنتباه .انتباهه من تلقاء ذاته إلى احملبوب

وقد تصف هنا سيكولوجيا دقيقة لهذه الظاهرة، موقفا ظريفا ذا وجهني .نتنبه فيه طوعا وقسرا يف آن واحد

. إذا فهمنا ذلك فهما دقيقا، ميكننا القول إن كل من يعشق، يريد أن يعشقي هو يف النهاية، ظاهرة طبيعية، عن الوسواس الذي هو وهذا يبعد العشق الذ

واملخيف يف حالته . عند فكرة مبيل ذاتي" يثبت"فاملوسوس ال . ظاهرة مرضيةتحديدا، هو أن الفكرة، وإن تكن فكرته، تظهر يف داخله بطابع مفروض شرس

.مجهول وغير موجود" آخر"وغريب، وتنبع من ) أو ليتركز(قط يسير فيها انتباهنا بقدمه ذاتها ليتثبت توجد حالة واحدة ف

ألن احلب . إنها حالة البغض. على شخص آخر، وليست مع ذلك، حالة عشقوكما يوجد عشق، . والبغض توءمان عدوان متماثالن ومتضادان يف كل شيء

.وليس بوفرة أقل" تباغض"يوجد طباع شبيه بانطباع االستيقاظ الذي وإذا طلعنا من فترة عشق، حنس بانوندرك حينئذ أن املنظر العام أوسع . يجعلنا خنرج من فج حيث تزدحم األحالم

. وأكثر تهوية، ونلمح االنغالق وخلخلة الهواء كلها، التي كان يعانيها ذهننا الهاوي .ونشعر خالل مدة ما بتأرجحات الناقهني وضعفهم وكآبتهم

أي، أن كل من يعشق . عملية العشق، فإنها جتري برتابة موئسةوإذا بدأت وهذا . الذكي كاألحمق، والشاب كالعجوز، والبرجوازي كالفنان: يعشق ذات العشق

.األمر يؤكد طابعه امليكانيكيلذلك . أما الشيء الوحيد الذي ليس ميكانيكيا خالصا فيه، فهو بدايته

ما . لماء النفس أكثر مما يلفته أيما جانب آخر من الظاهرةهي تلفت انتباه عالذي يجعل انتباه امرأة يتثبت على رجل معين، أو انتباه رجل على امرأة؟ أي

م صف اآلخرين، غير املميز؟ صنف من الصفات تهب شخصا مزية تتقدألنه . آن واحد ذو تعقيد كبيرلكنه يف. ريب يف أن هذا هو املوضوع األهمال

-٥٦-

ون للسبب ذاته فال . إذا كان من يحب يحب احلب ذاته، فليسوا جميعا يحب .توجد خلة ما تحب بشكل شامل

لكن، أحرى بنا أن نبين قبل أن ندخل يف موضوع جد شائك كموضوع عما أن نبين الشبه غير املنتظر هو احملبوب، وعما هي مناذج أولويات احلب املختلفة،

بني العشق بصفته شلال يف االنتباه، والتصوف وما هو أخطر من ذلك، حالة .التنومي املغناطيسي

VII

)أو غيبوبة ووجد(عشق وجذب وتنويم مغناطيسي

إذ ال متلك .. تعرف ربة البيت خادمتها عاشقة إذا الحظت عليها شرودها

إنها تعيش مغفلة . ة انتباهها حرا لتعبئه جهة األشياء احمليطة بهااملرأة املسكين. احملبوب احلاضر دائماومنكفئة على نفسها متأملة يف داخلها ذاتها، صورة

ويضفي هذا التركيز على الداخل الذاتي على العاشق مظهر مسرنم أو مجنون Tristánولقد رمز شراب تريستان . روالعشق يف الواقع، فتنة وسح". ومسحور"

.النفسية" احلب"السحري دائما بإيحاء مرن، إلى عملية يف جمل اللغة املستعملة التي تتكثف فيها لمح قدمية جدا، ينابيع رائعة من

ولقد . دائما" سحر"إن ما يعشق هو . علم نفس صحيح بإفراط، ولم تستغل بعداسم التقنية السحرية املعطى ملوضوع احلب، أن الذهن الغفل مبدع اللغة، بين لنا

فاء الذي يسقط فيه العاشق .الحظ الطابع الفائق للعادة غير القابل الش. cantus y carmenإن أقدم بيت شعري هو الصيغة السحرية التي تسمى

encantoومن هنا جاءت . la incantatioلقد كان فعل الصيغة ونتيجتها السحرية .carmen من charmeسحر وفتنة ويف الفرنسية جاءت

أعمق من كل ما شبه،لكن، يوجد يف رأيي، أيا تكن صالت العشق بالسحروكان يجب أن تستشف هذه القرابة . لحظ حتى اآلن، بني العشق والتصوف

-٥٧-

ائما بتطابق مذهل كلمات وصورا إيروسية الوثيقة من واقعة أن الصويف يتبنى دوقد الحظ ذلك كل من شغل بهذه الظاهرة الدينيية، لكنهم . كيما يعبر عن نفسه

.حسبوا كافيا اإلعالن أن األمر مجازات ال أكثرهناك أناس يحسبون إذا ). املوضة(ويحدث مع ااز ما يحدث مع

أنهم قد أزالوه، وال حاجة بهم إلى مزيد من وصفوا شيئا بااز أو املوضةلم يكونا واقعني من طراز الوقائع األخرى ذاتها، ) املوضة(وكأن ااز و. البحث

وكأنهما غير مزودين مبا ال يقل عنها بالثبات، وغير خاضعني ألسباب وقوانني جمية .جد فعالة كتلك التي تحكم املدارات الن

حظ كل من درس التصوف كثرة املفردات اجلنسية فيه، لم لكن، لئن الألن العكس . يالحظوا الواقعة اململة التي تضفي على التصوف خطورته احلقيقية

ــفاحلب عن. فالعاشق مييل إلى استعمال تعابير دينية. صحيح ون هوس ــد أفالطـ، "كأنه يف السماء"س بقربها ، ويح"إلهية"وكل عاشق يسمي محبوبته ". إلهي "وهذا التبادل الطريف يف الكالم بني احلب والتصوف يجعلنا خنمن وجود ... إلخ

.أس مشترك بينهماإنها . والعملية الصوفية كميكانيزم سيكولوجي، تشبه العشق يف الواقع

. بة بشكل مضجرتشبهه جدا إلى درجة تتطابق معه حتى بالتفصيل بكونها رتيوإذا كان كل من يحب يحب احلب ذاته، فإن الصوفيني يف كل األزمنة واألمكنة قد

.خطوا اخلطوات ذاتها وقالوا، يف الواقع، األشياء ذاتهامن الهند أو من الصني، وسواء أكان إسكندريا أم –خذوا أي كتاب صويف

دائما بصدد دليل متعال، وبصدد طريق عربيا، جرمانيا أم إسبانيا، جتدوه وإن احملطات والعربات هي هي ذاتها دائما ما عدا فروقا . الذهن إلى اهللا

.1خارجية وعرضية

مفكـرين " فـوق ذلـك "لقـد كـان بعـض الـصوفيني : الفرق الوحيد، ويكون أحيانا هاما، هو هذا ) ١(وهكـذا كـان أفلـوطني . ة أحيانـا وقد نقلوا إلينا إلى جانب تصوفهم، إيديولوجيا عبقريـ . كبارا

لكن صوفيتهم مبعناها الصحيح مطابقة إلى أكثـر أشـكال اجلـذب الـصويف . واملعلم إيكهارت . املؤلف–. ابتذاال

آ

-٥٨-

وإني أفهم متام الفهم غياب التعاطف الذي أبدته الكنائس دائما حنو . ة الدينالصوفيني، وكأنها تخشى أن جتلب مغامرات اجلذب هدرا لسمع

إذ ينقصه االعتدال . وصاحب اجلذب هو إلى هذا احلد أو ذاك، مجنونوهو يضفي على عالقته باهللا طابع قصف يثير نفور صفاء . والوضوح الذهني

ويف تطابق نادر مع ذلك، يشعر املعلم . رجل الدين احلقيقي، اخلطيرقار الذي يشعر به الكونفوشيوسي باحتقار حنو الصويف الطاوي، نظير االحت

وإن أنصار الهرج يف كل نظام يؤثرون . الالهوتي الكاثوليكي حنو الراهبة املستنيرةدائما فوضى الصوفيني وسكرهم على وضوح ذهن الكهان الصايف واملنظم، أي

مينعني . وأنا آسف لعدم استطاعتي أن أوافقهم على هذا االختيار. على الكنيسةذلك أن كل الهوت يبدو لي أنه ينقل إلينا كمية أكبر من . صدقمن ذلك مسألة

فعوضا من اقترابنا . األلوهة، وحملات ومعاني أكثر من مواجد الصوفيني كلها معايجب أن منسك به بكلمته، ونتلقى كل ما يأتينا به ) أو الوجد(من صاحب اجلذب

. إن كان ما يقدمه لنا يستحق العناءمن انغماساته املتعالية، مث ننظر بعد ذلك واحلقيقة هي أن ما يستطيع أن ينقله إلينا بعد مرافقته يف سفره السامي، شيء

وأنا أحسب أن الروح األوروبية جتد نفسها قريبة من شعور جديد . ضئيل القيمة أشك لكني. باهللا، ومن تحققات جديدة حول هذه الواقعة، وهي أهم الوقائع كلها

كثيرا أن يأتي ثراء أفكارنا حول األلوهة من طرق القصف التحتية، وليس عبر ).أو الغيبوبة(عبر الالهوت وليس عبر اجلذب . طرق الفكر املنهجي النير

.لكن، فلنعد إلى موضوعنا .والتصوف أيضا ظاهرة من ظواهر االنتباهل ما تقترحه علينا التقنية الصوفية أن على . نركز انتباهنا على شيءوأو

أي شيء؟ تكشف لنا اليوغا وهي تقنية اجلذب األصرم واألعلم واألشهر، بذكاء عن الطابع امليكانيكي لكل ما سوف يحدث لنا من مث، ألنها جتيبنا عن ذلك

ليس الشيء إذا، ما يصف العملية ويوحي بها، . نركزه على أي شيء: السؤاليف الواقع، . و يصلح فقط كحجة كيما يدخل الذهن يف موقف غير طبيعيوإنما ه

يجب االنتباه إلى شيء ببساطة على أنه وسيلة لصرف االنتباه عن سائر أشياء

-٥٩-

د األشياء املوجودة . العالم األخرى ويبدأ الطريق الصويف بإفراغ الوعي من تعدة االنطالق عند سان لذلك كانت نقط.فيه عادة، ويسمح بحركة االنتباه الطبيعية

، وكسر حدة الشهوات "البيت الهادئ" من أجل كل تقدم الحق خوان ديالكروث؛ أي، قطع جذور "تخل كبير عن كل شيء: "والفضول؛ وكما تقول سانتاتريسا

دة كيما نستطيع حسب (حنو شيء آخر " االجنذاب"مصاحلنا الدنيوية املتعد، أن يكف عن رؤية navatam na pasyatiباملثل يستطيع الهندوسي . )تريسا سانتا

.التعدد والتنوع كشرط للدخول يف التصوفوتنال هذه العملية بإبعاد األشياء التي يروح ويجيء بينها انتباهنا يف العادة،

التي ، kasinaوتسمى هذه املمارسة يف الهند كاسينا . بتثبيت االنتباه تثبيتا خالصايصنع املتأمل لنفسه قرصا من الطني ويجلس : مثال. ميكنها أن تفيد من كل شيء

أو ينظر من مرتفع ما إلى جريان جدول أو يتأمل بقعة . قربه ويثبت نظرته عليهأو يشعل نارا أو يضع شاشة يفتح فيها ثقبا وينظر إلى . الضوءعليها ما ينعكس

بحث عن أثر مخالة الهواء ذاته املشار إليه من قبل وي.. الوهج من خالله، إلخ ".أدمغة بعضهم بعضا: "والذي ميتص العشاق مبوجبه

يقول سان خوان . بق للذهنوال يوجد جذب صويف من غير إفراغ مسلذلك يأمر اهللا أن يكون املذبح الذي تقدم فيه الذبائح مفرغا من : "ديالكروث

ويعبر صويف ". فس كم يريدها اهللا فارغة من األشياء كلهالتدرك الن". "الداخل اهللا، أملاني بقوة أعظم عن ابتعاد االنتباه هذا عن كل ما ليس شيئا واحدا، أي

أرعى أنا ال: "وان نفسه على شكل جميلويقول سان خ". )١(لقد فنيت: "فيقول .، أي، ال أحتفظ بانشغال ما"قطيعا

ما إن يفرغ الذهن من األشياء كلها، حتى : أكثر إدهاشاواآلن يجيء ما هوأي، أن اهللا . يؤكد لنا الصويف أنه يجد اهللا أمامه، وأنه يجد نفسه مملوءا باهللا

صحراء :" عن Eckhartلذلك يتحدث املعلم إيكهارت . يكمن بالضبط يف هذا الفراغ؛ مظلم، مع ذلك، مآلن نورا، جد " املظلمليل الروح"، وسان خوان عن "اهللا الصامتة

إن ". مآلن رد وجود النور فقط، حتى ال يصطدم النور شيء فيصبح ظالما

املترجم -. أنا لم أولد: يف األصل) ١(

-٦٠-

خاصية الروح املطهرة واملفناة حيال عواطفها اخلاصة ومداركها كلها هي يف أال لظلمة والدجى تتمتع بشيء وال تفهم شيئا على شكل خاص، مقيمة يف فراغها من ا .وتعانق كل شيء باستعداد كبير كيما يتحقق فيها قول القديس بولس

Nihili habentes et omnia possidentes ويسمي سان خوان يف موضع آخر، هذا ". ال متلك شيئا ومتلك كل شيء"

."إنها الوحدة الصاخبة: "الفراغ اململوء والظلمة املضيئة بأعذب صيغة، فيقول* * *

" مثبتا"إذا، نصل إلى أن الصويف كما العاشق، يبلغ حالته غير الطبيعية االنتباه على شيء ليس له من دور آخر مؤقتا غير صرف االنتباه عن كل شيء

.آخر ويجعل فراغ الذهن ممكنا هو األخفى وال مستوى احلياة الوجدية، األكبر" املنزل أو املقام"ألنه، ال

. فقط ذلك الذي ينظر منه الصويف إلى اهللا، صارفا االنتباه عن كل شيء آخرواهللا الذي له حدود وشكل، اهللا . فهذا اإلله الذي ميكن النظر إليه ليس إلها حقا

أن يكون موضوعا أو تلك، باختصار، اهللا الذي ميكناملفكر فيه تحت هذه الصفة . تلك شبها مفرطا األشياء الدنيوية، ليس إلها حقيقيالالنتباه ويشبه يف حالته

ومن هنا املذهب الذي يعرض لنا من حني آلخر من صفحات التصوف بشكل فيه : وسبب ذلك واضح. يف اهللا" حتى"مفارقة، ليؤكد لنا أن الغاية هي عدم التفكير تي حني من الدهر يكف فيه عن إذ لشدة التفكير فيه، ولفرط االجنذاب إليه، يأ

أي، . أن يكون شيئا خارج الذهن ومختلفا عنه، وموضوعا خارج الذات وإزاءها فيتحول إلى شيء يف الداخل objectunيكف عن أن يكون شيئا يف اخلارج

injectun . وينساب اهللا يف الروح ويختلط بها، أو بقول معاكس، تذوب الروح يف التي unio (la(هذي هي الوحدة . عن الشعور به كأنه مختلف عنهااهللا وتكف

تصبح هذه الروح، أقول روح هذه الروح، شيئا واحدا . "يطمح إليها الصويفوال يظنن أحد أن ". املنزل أو املقام السابع"، تنقل إلينا سانتا تيريسا يف "واهللا

ويلمح . صل عليه اآلن، مث يفقد بعد ذلكهذه الوحدة يحس بها كشيء مؤقت يحيف طابع االتحاد النهائي والدائم كما يقسم العاشق ) أو الغيبوبة(الصويف اجلذب

-٦١-

: ومتيز سانتا تيريزا بقوة شكلي االتحاد من بعضهما. بصدق على حبه األبديلكن، ... نورا واحداهو مثل شمعتني تتحدان اتحادا وثيقا حتى يصبح النور "األول

والثاني مع ذلك، ". ميكن بعد ذلك فصل الواحدة عن األخرى وتظالن شمعتنيكماء يساقط من السماء على نهر أو ينبوع حيث يصبح املاء كله ماء واحدا، "هو

أو كنهر صغير . حتى ال ميكن متييز ماء النهر من ماء السماء وال الفصل بينهمالبحر فال توجد وسيلة للفصل بينهما، أو كحجرة ذات نافذتني يدخل يدخل ا

".منهما ضوء كبير، وإن يكن منقسما، يصبح ضوءا واحداي النسبي للحالة التي يكون فيها اهللا ولقد علل إيكهارت جيدا جدا التدن

لتفكير يف إن االنشغال احلقيقي باهللا هو يف الروح، وليس يف ا. "موضوعا للذهنفال ينبغي للمرء أن يكون إلهه مفكرا فيه فقط، . اهللا على منط واحد وباستمرار

بالتالي، ستكون الدرجة ". ألن التفكير إذا توقف، فسوف يتوقف أيضا ذلك اإللهالعليا يف الطريق الصويف تلك التي يكون فيها اإلنسان مشبعا باهللا، ويصير

وميكنه حينئذ أن يعود مرة أخرى إلى العالم ويهتم بشؤونه . لوهةإسفنجة من األولن تكون رغباته وخطاه وأعماله يف . األرضية، ألنه سيعمل يف الواقع، كأداة هللا

يكون " هو"وال يهمه شيء مما يعمله أو يحدث له، ألنه . العالم شيئا خاصا بهه أو عمله ذاته، ومحصنا أو كتيما إزاء كل ما هو غائبا عن األرض، غائبا عن رغبت

فقد هاجر شخصه احلقيقي إلى اهللا، وانصب فيه اهللا، ويصبح دمية . محسوسوالتصوف يف ذروته يالمس دائما . (يشغلها اهللا" صنيعة"ميكانيكية فحسب و

).quietimo" التعطيل"حدود فإذا استجاب ". العشق" يف عملية ويجد هذا املوقف املتطرف نظيره

حاد"اآلخر تطرأ فترة من ها كل فرد إلى اآلخر جذور االنتقالي، ينقل في" االت ليس انطالقا من ذاته، وإنما - أي يفكر ويرغب ويعمل - ويحيا ،كيانه

وبذلك يكف عن التفكير يف احملبوب لفرط وجوده يف . انطالقا من اآلخرحظ ذلك فيما ترمز إليه مالمح الوجه، كما يحدث يف كل ويال. داخله

االنتباه املشدوه واملقصور على " تثبيت"إذ تناظر فترة . احلاالت احلميمة. احملبوبة التي ما تزال خارج املرء، حركة من االنكفاء على النفس والتركيز

-٦٢-

فوق الصدر، فالعينان جامدتان والنظرة صلبة، والرأس مييل إلى التطامنومييل املظهر كله ليمثل مع الشكل البشري . واجلسم ينكمش إن أمكن ذلك

فنحن حنضن صورة احملبوب يف حجرة انتباهنا . شيئا محدبا وكأنه مغلقغيبوبة احلب وصارت احملبوبة لنا، باحلري، أكون " جاءت"لكن، إذا . املطبقة

لى الوجه هذا التفتح الظريف الذي تتجلى أنا ذاتي، وأنا احملبوبة، يظهر عفترقق العينان النظرة التي تصبح صمغا، وتنزلق على كل شيء . فيه السعادة

. وتتكرم فتداعب األشياء أكثر مما تراها. من غير أن تتركز، على شيءوكذلك يكون الفم شبه مفتوح على بسمة شاملة تقطر من غير انقطاع من

وتفقد أنفسنا . إنها هيئة األبله، وهكذا هي هيئة البالهة. ي الشفتنيصوار. النظام ودقة املوقف إذا لم جتد شيئا خارجيا وال داخليا نثبت عليه انتباهنا

ويقتصر نشاطنا على السماح بأن تنطلق . ونشعر بأنفسنا هائمني خفيفني . نفسنا، كما تنطلق من ماء راكدحنو الشمس األبخرة املمتصة من صفحة

، فال تعنيهما يف خير 1املشتركة بني العاشق والصويف" اجلذب"إنها حالة فاألشياء . ألنهما كفا عن أن يكونا مسألة لهما. أو شر هذه احلياة وال هذا العالم

ل يف املوقف الطبي عي، إلى التي نعملها ونعانيها لكونها متس أعمق دواخلنا، تتحولذلك نشعر بوجودنا ذاته كثقل ندعمه براحة يدنا، . مشاكل لنا، وتقلقنا وترهقنا

لكننا إذا نقلنا هذه النواة احلميمة إلى منطقة أخرى، وإلى وجود آخر خارج . بعناءالعالم، فإن ما يحدث لنا فيه يفقد فعاليته ويظل من غير تأثير علينا، وكأنه

نا وسط األشياء نشعر بأنفسنا قد فقدنا الوزن. جتنيموضوع بني مزدو . وإذا سروكأنما يوجد عاملان ذوا أبعاد مختلفة، لكنهما متداخالن، يعيش فيهما الصويف؛ هو يعيش يف العالم األرضي يف املظهر فقط، بينما يعيش يف احلقيقة، يف عالم

.آخر، ويف منطقة منعزلة يعيش فيها وحيدا مع اهللاDeum et animan. Nihilne plus? Nihil omnio.

ة التـي تنـاظر " القيمـة "ال أشير، كما يالحظ، يف شيء إلى ) ١( ذه هنـا فهـ ". حالـة اجلـذب "الدينيـ

. املؤلف–. اسم باملعنى الدقيق حلالة نفسية خاصة بالصوفيني كلهم يف كل األديان

-٦٣-

. ، يقول القديس أغسطني"وال شيء آخر؟ ال شيء البتة. اهللا والروح"وكذلك العاشق يتنقل بيننا من غير أن ننفعه بشيء آخر سوى االحتكاك مبحيط

.هو يرى حياته ويعتقد أنها قررت مسبقا وإلى األبد. حساسيته. صوفية كانت أم عشقية تفقد ثقال وخشونة" اجلذبحالة"واحلياة يف

أريحية السيد العظيم لكن. يط به بأريحية سيد عظيمفيبتسم السعيد لكل ما يحيف الواقع، هي . وأريحيته قليلة السخاء جدا. ضئيلة دائما وال تستلزم جهدا

ا يداعب بأريحية الكائنات، فمن يحسب نفسه من طبيعة علي. صادرة عن االزدراءال يتعامل "كائنات من رتبة دنيا ال تستطيع أن تلحق به ضررا، لسبب بسيط كونه

وإنما . وقمة االزدراء أننا ال نتفضل فنكشف عيوب اآلخر. وال يعيش معهم" معهم وهكذا كل شيء: سقط عليه من عليائنا التي ال تدرك، ضوء سعادتنا املالئمن

فإذا نظر إلى األشياء مرة أخرى . جميل ولطيف يف نظر الصويف ونظيره احملببعد مرحلة الذهول، فإنه ال يراها يف ذاتها، وإنما معكوسة يف الشيء الوحيد

وما ينقصها من لطف، تضفيه عليها املرآة الرائعة . اهللا أو احملبوب: املوجود لهالذي نبذ األشياء فتلقاها مرة أخرى من اهللا، وهكذا إيكهارت . التي يتأملها فيها

كمن يولي املنظر الطبيعي ظهره فيجده معكوسا مجسدا يف سطح البحيرة :، املشهورةكأشعار مواطننا سان خوان ديالكروثأو . الصقيل الرائع

مضى عبر هذه األيكة بسرعة .ساكبا ألف جمال

وإذ سار ناظرا إليها هه وحدهابصفحة وج

.جعلها تكتسي باجلمالحينئذ ترشح : ويضغط الصويف نفسه إسفنجة األلوهة، قليال على األشياء

.وكذلك احملب. سائلة وتطليهااأللوهةلكننا سنسقط يف اخلطأ إذا شكرنا للصويف أو للعاشق هذه

. قيقةإنهما يحتفيان بالكائنات بذات عدم االهتمام بهم يف احل". األريحية"يف الواقع، يزعجهما قليال أن يحتجزا كثيرا، . إنهما ميضيان لشأنهما بسرعة

-٦٤-

لطيفة عبارة سان لذلك كانت". اهتمام الفالحني"كما يزعج السيد العظيم : حينما يقولخوان ديالكروث

أبعدهم، يا حبيبي .فأنا أطير طيرانا

تكمن يف أن يكون املرء خارج العالم ، أينما مثلت،"حالة اجلذب"وإن لذة .خارج الذات وخارج العالم: ex-tasisوهذا ما تعنيه حرفيا . وخارج ذاته

أولئك : ويصلح أن نالحظ هنا، أن هناك منوذجني من البشر ال يلتقيانالذين يشعرون بالسعادة أنها خارج الذات، والذين يشعرون على العكس منهم،

وكثيرة للغاية الوسائل املوجودة للخروج من . وا يف كامل وعيهمبالهناء إذا كانكما هي كثيرة جدا الوسائل التي . الذات بدءا من اخلمرة حتى الغيبوبة الصوفية

وهاتان الفئتان من البشر . تحدث حالة الوعي بدءا من الدوش حتى الفلسفة يوجد أنصار الفن وهكذا. تبتعدان عن بعضهما يف كل مستويات احلياة

وهناك ". باالنفعال"أو اجلذبي، الذين يرون أن التمتع باجلمال يكون " الوجدي"آخرون باملقابل، يحكمون على املتعة الفنية احلقيقية باحلفاظ على الصفاء

.الذهني الذي يسمح بتأمل املوضوع ذاته تأمال باردا وواضحاح بودلير تصريحا جذبيا ملا أجاب عن سؤال Beaudelaireلقد صرشرط أن يكون ... يف أيما مكان، يف أيما مكان: "حول أين يفضل أن يعيش

!".خارج العالمسواء أكانت : إن الرغبة يف اخلروج من الذات خلقت أشكال القصف كلها

فا أم عشقا، إلخ . ذاتها" القيمة"لها تحمل وأنا ال أقول بذلك إنها ك. سكرا أم تصولذلك لم . إنما أوحي أنها تنتمي إلى الصنف ذاته ولها جذر يغوص يف القصف

يكن مصادفة استعمال صورة اخلطف أو االنتزاع استعماال متطابقا يف التصوف وانتزاع املرء هو أال يسير على قدميه ذاتهما، وإنما هو شعوره بأن أحدا . واحلبل أشكال احلب محفوظا يف امليثولوجيا تحت . يئا ما يحملهأو ش واخلطف هو أو

. صياد احلوريات الالتي يجلسن على كفليه1نوع السنطور

. املترجم–. كائن خرايف له رأس إنسان وجسم حصان ومخالب أسد) ١(

-٦٥-

إذ ما : ولقد ظلت يف طقس الزواج الروماني بقية من اخلطف األصليزوج يف الهواء لئال كانت تدخل الزوجة بيت الزوجية بقدمها ذاتها وإنما يحملها ال

الراهبة الصوفية وارتفاعها " غيبوبة"وآخر تصعيد رمزي لهذا الشكل . تطأ العتبة .يف الهواء، وإغماءة العشاق

يكتسب مظهرا أخطر " احلب"لكن هذا التوازي املدهش بني اجلذب ووهي : صمن ذلك إذا قارنا الشيئني كليهما بحالة أخرى غير طبيعية للشخ

.التنومي املغناطيسيإذ . لقد لوحظ مائة مرة أن التصوف يشبه التنومي املغناطيسي بإفراط

يوجد يف هذا أو ذاك غيبوبة وهلوسات وحتى آثار جسمانية متطابقة، كعدم .احلساسية والتخشب

يسي وأنا، من جهتي، كنت أخمن دائما وجود تقارب بني التنومي املغناطولم أجرؤ قط على صوغ هذا التفكير، وسبب ذلك يوجد كما أرى، يف أن . والعشق

ومع ذلك، لم يدرس . التنومي املغناطيسي يبدو لي أيضا ظاهرة من ظواهر االنتباهأحد على علمي، التنومي املغناطيسي انطالقا من وجهة النظر هذه، على الرغم من

يد واقعة كالنوم الذي يرتبط من اجلانب النفسي، باحلالة أنه توجد يف متناول ال منذ سنني كثيرة، أننا نقارب النوم مبقدار Claparideفقد الحظ كالباريد . التنبهية

وتكمن التقنية التي تسهل . ما نستطيع صرف االهتمام باألشياء، وإلغاء االنتباه لها. على شيء ما أو على نشاط ميكانيكي، كاحلكي مثالالنوم يف أن نستجمع انتباهنا

.ولنقل إن النوم الطبيعي كما الغيبوبة هما تنومي مغناطيسي ذاتي، وهو أحد أذكى علماء النفس يف Schilderلكن، هاهو بابلو شيلدر

عصرنا، رأى أن ال محيد عن قبول وجود قرابة وثيقة بني التنومي املغناطيسي وسوف أحاول تلخيص أفكاره التي، وإن كانت مستوحاة من أسباب جد .واحلب

مختلفة عن أسبابي، تقفل هذه احللقة من التطابق بني العشق واجلذب الصويف .والتنومي الذي حاول هذا البحث أن يبرزه

وهاكم سلسلة أولى من تطابقات العشق مع التنومي املغناطيسي، إن مرور : سهل الدخول يف التنومي املغناطيسي متتلك قيمة جنسيةالتدابير التي ت

٥-دراسات في الحب م

-٦٦-

؛ "النظرة الفاتنة"اليد احللو كاملداعبات؛ والكالم املوحي واملهدئ يف آن واحد، ومت النساء . وبعض العنف اآلمر أحيانا سواء باحلركة أم بالصوت فإذا نو

حلظة الدخول يف النوم أو اللحظة التالية مغناطيسيا فمن الشائع أن يتلقى املنوم. لالستيقاظ، تلك النظرة الكسيرة املميزة جدا لإلثارة أو اإلشباع اجلنسيني

وغالبا ما يعلن املنوم أنه شعر خالل الغيبوبة بانطباع لذيذ باحلرارة والراحة يف وتتجه . ة بشكل قاطعوال غرابة يف أن يلمح أحاسيس جنسي. أحناء جسمه كلها

م الذي يكون موضوع مراودة غرامية بجالء وتتكثف . اإلثارة اجلنسية إلى املنو .أحيانا تخيالت املنومة اجلنسية، يف ذكريات زائفة، وتتهم املنوم أنه عبث بها

ويقدم لنا التنومي املغناطيسي عند احليوان بعض املعطيات ذات الصلة galeodesإذ تحاول األنثى يف الصنف الرهيب من العناكب املسماة . املوضوعب

kaspicus Turkestanusفإذا وفق الذكر يف القبض . ، أن تلتهم الذكور التي تغازلهابكماشتيه على بطن األنثى يف نقطة معينة، تسمح هذه وبسلبية كاملة أن تتم

كن أن تتكرر عملية شل األنثى يف املختبر بلمس الدويبة يف ومي. العملية اجلنسيةلكننا نالحظ أن . هذا املكان، فتسقط هذه لتوها يف حالة من التنومي املغناطيسي

.تلك النتيجة يحصل عليها فقط يف فترة الشبقنومي كل ذلك يجعلنا نشتبه يف أن الت: "ويختتم شيلدر بعد هذه املالحظات

". املغناطيسي عند البشر هو أيضا وظيفة بيولوجية تساعد الوظيفة اجلنسيةو الفرويدية الدائمة التي ينبذ بها كل تفسير واضح للعالقة بني مث ينحو حن

".احلب"التنومي وونستطيع أن نستخرج أكبر الفوائد من املعاني التي متيزت بها حالة املنوم

إذ : إننا، حسب شيلدر، إزاء سقوط جديد يف حالة طفلية من الوعي. فسيةالنيحس الشخص يف نفسه مستسلما بلذة استسالما كامال لشخص آخر

لذلك . ومن غير هذه العالقة باملنوم فإن تأثيره يصبح محاال. ومستريحا لسلطانهكالشهرة والوضع االجتماعي . سلطانهيسهل عمل املنوم كل ما يساهم يف رفع

ومن جهة أخرى، ال ميكن للتنومي املغناطيسي أن يتم لدى الكائن . واملظهر الكرمي .البشري إال إذا كان مرغوبا فيه

-٦٧-

ظ إلى فات جميعها ميكن أن ترحل من غير تحف وليالحظ أن هذه الصا ويستلزم رغبة يف استسالم دائم" مرغوب فيه"وقد الحظنا أن العشق . العشق

أما السقوط . رغبة هي يف ذاتها لذيذة. الذات واالستراحة لدى الكائن اآلخروانكماشا " ضيقا روحيا"ثانية يف حالة ذهنية طفلية نسبيا، فيعني ذات ما سميته

.وفقرا يف احلقل التنبهيالنتباه كأوضح عامل يف التنومي، وال أفهم أال يشير شيلدر إلى ميكانيزم ا

مرآة، طرف : على كون تقنية التنومي تكمن أساسا يف لفت االنتباه إلى شيءمن جهة أخرى، تبين مقارنة بني مختلف مناذج الشخصية . ماسة، ضوء، إلخ

حسب ترتيب قدرتها على أن تنوم تطابقا كبيرا مع السلم الذي نشكله عن هذه .اذج ذاتها حسب ترتيب قابليتها لتعشقالنم

لذلك كانت املرأة عنصرا خيرا قابلية للتنومي من الذكر، إذا أخذت العوامل لكن واقع احلال أنها أطوع من الذكر أيضا لعشق . ceteris paribusكلها باحلسبان

ك أن اختالف وأيا تكن األسباب األخرى لتفسير هذا امليل، فال ش. حقيقيوإذا تساوت . تركيب النفوس التنبهي لدى اجلنسني، يؤثر يف األمر بإفراطولسبب بسيط : الشروط تكون النفس األنثوية أقرب إلى ضيق ممكن من الذكرية

هو أن للمرأة نفسا مرنة؛ واالنتباه، حسبما الحظنا، هو الوظيفة التامة األكثر عا وإن . مع ذاتها ذاتها، وهو أكثر ما يعطي الذهن بناءه ووضوحهمتركزا وجتم

ويخيل إلى املرء أن النفس . نفسا موحدة جدا تستلزم نظاما تنبهيا موحدا جدااألنثوية متيل للعيش مبحور تنبهي واحد يحط يف كل فترة من حياتها على شيء

ها وعشقها، القبض على شعاع انتباهها الوحيد إذ يكفي من أجل تنومي. واحددة . هذا ومقابل تركيب النفس األنثوية ذات املركز الواحد، توجد دائما مراكز متعد

وكلما كان املرء أكثر ذكورة مبعنى روحي، يجد نفسه أكثر . يف النفس الذكريةنه ينضم جذريا إلى السياسة فجانب م. تفككا وكأنها مقسمة إلى قطاعات كتيمة

أو إلى التجارة، بينما جانب آخر يتعاطى الفضول الفكري، وجانب ثالث ينهمك وإنما يسود لديه . ينقصه إذا، امليل إلى متركز موحد لالنتباه. يف اللذة اجلنسية

ولقد . ددألن محور االنتباه عنده متع. العكس الذي يقود إلى التفكك يف الواقع

-٦٨-

دة وعلى تعددية ااالت الذهنية التي هي تعودنا العيش على هذه القاعدة املتعدهشة الترابط فيما بينها، وال يحدث شيء إذا ظفر بانتباهنا أحدها ألننا نظل

.أحرارا من غير أن تمس بقية ااالت يبدو لها أنها ال جتد أمامها الرجل أما املرأة العاشقة فهي تيأس عادة، إذ

بل جتده دائما شارد الذهن شيئا ما، وكأنه إذا حضر املوعد، . الذي تحب بكليتهقد أخجل الرجل . والعكس صحيح. يترك مقاطعات من روحه مبعثرة يف العالم

الذي احلساس كثيرا شعوره بالعجز عن االستسالم جذريا، وعن كلية احلضور لهذا السبب، يعلم عن الرجل أنه غبي يف احلب وقاصر . تضعه املرأة يف احلب

وتبعا لذلك، فإن مبدأ . عن الكمال الذي تستطيع املرأة أن متنحه لهذا الشعور .واحدا قد يفسر ميل املرأة إلى التصوف والنوم املغناطيسي والعشق

نرى أنه يضيف إلى أخوة احلب وإذا عدنا اآلن إلى دراسة شيلدر، .والتصوف، مالحظة طريفة وهامة ومن منوذج جسدي

. إن النوم املغناطيسي ال يختلف يف املقام األخير، عن النوم الطبيعييبدو أنه : إذا. لذلك، كان الفرد النؤوم ذا قابلية ممتازة للتنومي املغناطيسي

ماغيةتوجد عالقة وثيقة بني يسمى وظيفة النوم ومكان من القشرة الدماغ السباتي، . البطني الثالث إذ تتوافق اضطرابات النوم والتهاب الد

رات يف هذا العضو ويحسب شيلدر أنه وجد فيه القاعدة اجلسدية . وتغيضوية عقدة ع"لكن البطني الثالث هو يف آن واحد . للتنومي املغناطيسي

.تأتي منها اضطرابات جنسية غير قليلة" جنسيةحقا ال يكلفنا جهدا . لكن إمياني باملواضع الدماغية ضعيف إلى حد ما

لكن هذا . اإلميان أنه إذا اجتث رأس رجل من أساسه يكف عن التفكير والشعورد كل وظيفة ونبحث لها املوضوع الرائع يأخذ بالتالشي باطراد إذا حاول نا أن حند

وأسباب هذا اإلخفاق ال تحصى، لكن أقربها يكمن يف أننا جنهل . عن مكان عصبي. ترابط الوظائف النفسية احلقيقي، والنظام والتسلسل الهرمي الذي تعمل به

" رتذك"و" تخيل"و " سمع" أو "رؤية"وليس سهال عزل وظيفة وصفيا، والكالم عن وإن كان ". التفكير"لكننا ال نعرف إن كان يتدخل يف الرؤية . ، إلخ"انتباه"و " تفكير"و

-٦٩-

ليس سهال أن نوفق إلى أن نعين مكان . ، أو العكس"الشعور" "االنتباه"ال يساهم يف .الوظائف كل وظيفة على حدة، وظائف عزلها غير ممكن

ى بحث مطرد يزداد قوة أكثر وهذا الشك، مع ذلك، يجب أن يحث علفأكثر، وهكذا يصلح أن نتلمس يف احلالة الراهنة، إن كانت قدرة االنتباه لها صدى ما مباشر أو معكوس يف هذه القطعة من القشرة الدماغية املوضوعة،

إن الصلة . حسب شيلدر، يف خدمة مجموعة النوم، والنوم املغناطيسي واحلبالصويف " اجلذب"ة التي أوحى بها هذا البحث، بني هذه احلاالت الثالث، والوثيق

وقد يفسر . جتعلنا خنمن أن البطني الثالث يساهم أيضا يف الغيبوبة الصوفيةهذا األمر البقاء الشامل للمفردات اجلنسية يف االعترافات اجلذبية، وللمفردات

.يةالصوفية يف املشاهد الغرام يف محاضرة له يف مدريد كل Allersولقد رفض حديثا عالم النفس آلر

ويبدو لي هذا . محاولة تعد التصوف مشتقا من احلب اجلنسي وتصعيدا له .املوقف صحيحا جدا

وقد كانت تافهة بشكل فظ النظريات اجلنسية املألوفة قدميا عن وإنما هذا وذاك اآلخر ميتلكان جذورا . املسألة مختلفة اآلنلكن. التصوف

والوعي يف هذا أو ذاك . مشتركة ويعنيان حالتني ذهنيتني ذاتي تنظيم متماثليتخذ شكال متطابقا تقريبا يثير صدى عاطفيا واحدا، تستخدم إلظهاره الصيغ

.الصوفية واإليروسية على السواء* * *

ويهمني عند اختتام هذا البحث أن أذكر أني حاولت فيه أن أصف حصرا ألن احلب عملية أوسع ". العشق"وهي : مرحلة واحدة من سيرورة احلب الكبرى

وكل حب يعبر منطقة . من ذلك وأعمق كثيرا، وأكثر إنسانية بجد، لكنها أقل عنفافال خنلط . يف املقابل ال يتبعه حب حقيقي" عشق"لكن، يوجد ". العشق"جنون

.إذا، اجلزء بالكلفحات السابقات ولقد كتبت هذه الص. حلب بعنفهوكثيرا ما تقاس نوعية ابل هو صفة . فليس للعنف صلة باحلب، بصفته حبا. ملناهضة هذا اخلطأ الشائع

-٧٠-

يبا ميكن أن تحدث من غير تدخل وحلالة ذهنية دنيا وميكانيكية تقر" للعشق" .فعال من احلب

وإن رذيلة العنف ربما أتت من نقص يف الطاقة عند الشخص، لكن، باستثناء ذلك، حنن مضطرون إلى القول إن فعال نفسيا كلما كان عنيفا كان

دي، أدنى يف تسلسل النفس الهرمي، وأقرب إلى العمل امليكانيكي اجلسفكلما اصطبغت مشاعرنا بروحانية أكبر، . والعكس صحيح. وأبعد عن الروح

ويكون إحساس اجلائع باجلوع دائما أعنف من . تفقد عنفا وقوة ميكانيكية .رغبة العادل يف العدل

-٧١-

االختيار احلب

I

الثانية ، فكار أخرخطر لي يف محاضرة حديثة أن أوحي بفكرتني وسط أإن األساس احلاسم يف فرديتنا لم : وهذه تقول هكذا. منهما ترتبط باألولى

تنسجه آراؤنا وجتاربنا يف احلياة؛ وال يكمن يف طبعنا وإنما يف شيء أدق وأخف منظومة خلقية من األفضليات ، حنن قبل كل شيء آخر. وسابق على كل ذلك

وكل فرد يحمل يف داخله منظومته املتطابقة إلى هذا احلد أو ذاك . تواالزدراءامع منظومة الغير واملذخرة واجلاهزة لتقذف بنا فيما هو لصاحلنا أو ضدنا

جاذب والتنافر هو دعامة ، والقلب آلة التفضيل واالزدراء. كبطارية من الت، يف هذا االتجاه أو ذاك، ا يحيط بناإنها ترمي بنا قبل أن نعرف م، شخصيتنا

يقظون جدا إلى األشياء التي تتحقق ، وحنن بفضل ذلك. وحنو هذه القيم أو تلكلها ، وعمي عن األشياء التي تكمن فيها قيم مساوية أو أعلى، فيها القيم التي نفض

.لكنها غريبة عن حساسيتنا، يدعمها فريق من الفالسفة بحجج قويةوأضيف إلى هذه الفكرة التي .فكرة ثانية لم أرها حتى اآلن ملحوظة

نعلم أن ال شيء نهتم به يف تعايشنا مع الغير قدر اهتمامنا بالتحقق من التي هي األس اجلوهري يف شخصه وأساس ، مشهد قيمه ومنظومة أفضلياته

إلى أن يحدد الئحة القيم ، ي يريد أن يفهم عصراوكذلك يحتاج املؤرخ الذ. طبعهإن وقائع ذلك العصر وأقواله التي ، بشكل آخر. املهيمنة على أناس ذلك العصر

تا ولغزا أو أحجية لها الوثائق تصبح حرفا مي كما هي أفعال غيرنا وأقوالهم ، تسجر وهذا . ي أي القيم تصلح لهاإذا لم نتغلغل إلى ما ورائها وحملنا يف غورها الس

-٧٢-

ي، أي نواة القلب هذه، الغور هو كذلك يف جانب كبير منه بالنسبة . يف الواقع، سرإنه يعمل يف العتمة . - هو يحملنا: وبقول أفضل-لنا ذاتنا الذين حنمله يف داخلنا

علينا ه كما تصعبويصعب علينا جدا أن نلمح، ويف أقبية الشخصية، السفلية. كما ال يستطيع بؤبؤ العني أن يتأمل نفسه، ه أقدامنارؤية شبر األرض الذي تطؤ

لها ، لكن قسما كبيرا من حياتنا فوق ذلك يكمن يف خير مسرحية هادفة منثليس ، ونتصنعها بصدق، ليست وجودنا، حنن نتصنع حاالت من الوجود. ألنفسنا

حنن ممثلو دور . وإنما لنزيني أنفسنا إزاء نظرتنا ذاتها، رينبهدف خداع اآلخونتكلم ونعمل مدفوعني مبؤثرات سطحية ميارسها على عضويتنا احمليط ، ذواتنا

ولو كرس القارئ مدة من . وتحل محل حياتنا احلقيقية، أو إرادتنا، االجتماعي) ـه( أن جانبا كبيرا من آراـئ-بما بذعر ور–الوقت لتحليل نفسه الكتشف بدهشة

وإنما هي غريبة ، ولم تنبع تلقائيا من غوره الشخصي ذاته، ومشاعره ليست آراءهحقا سقطت من احمليط االجتماعي داخل حوضه احلميم كما يسقط على ابن

.السبيل غبار الطريقوهذه أو ، ف سر الغير القلبيليست األفعال والكلمات خير معطى لكش، إذا

والشرير الذي ضخم ثروته . ونستطيع أن نتصنعها، تلك توجد يف متناول اليدمن غير أن يكف بسبب ، بفعل جرائمه ميكن له ذات يوم أن ينفذ عمال خيريا

ابير يف تع: واألصلح أن منعن النظر يف ما هو أقل أهمية. ذلك عن أن يكون آمثافهي تسمح لكونها تلقائية . الوجه واألسارير أكثر مما منعنه يف األعمال والكلمات

ري وتعكسها بدقة وعلى شكل طبيعي .)١(بهرب أنباء من العمق الس

لكن هناك مواقف وحلظات يف احلياة يفصح فيها الكائن البشري من غير يفصح ، ذات احلسم) Intimidad (عن أقسام كبيرة من دخيلته، أن يلحظ ذلكواحلب أحد تلك املواقف؛ يف اختيار احملبوبة يكشف الذكر عن . عما هو حقا

ذي . وكذلك املرأة يف اختيارها احملبوب، غوره اجلوهري وإن أمنوذج البشرية ال

العلل التي تفسر هذه القوة الكاشفة التي متتلكها تعـابير الوجـه واألسـارير والكتابـة وطريقـة ) ١( . املؤلف- ). VII،املشاهد" (حول التعابير كظاهرة كونية"ميكن أن ترى يف البحث ، اللبس

-٧٣-

أعمق ما ذلك أن احلب قوة تطلع من . نفضله يف الكائن اآلخر يرسم صورة قلبناوإذا وصلت إلى سطح احلياة املرئي جترف يف فيضانها ، تحت أرض شخصنا

ولو صنف عالم طبيعة جيد هذه املواد . طحالب وأصدافا من الهاوية الداخلية . الستطاع إعادة بناء قعر البحر الذي انتزعت منه

جربة التي تزعم أن امرأة نع دها ذات طبع قد يراد معارضة ذلك بالتز هواها غالبا على رجل غني مبتذل لكني أخمن أن من يحكمون ، مختار ترك

د قليال: هكذا يعانون دائما تقريبا خداعا بصريا واحلب ، إنهم يتكلمون من بعوإن مثل هذا . هو خيط حرير ناعم احلبكة جدا يرى من قرب قريب فقط

وهو يف احلقيقة غير موجود؛ ألن . وال كثيرة ظاهري فحسبالهوى يف أح. احلب احلقيقي والزائف يسلكان مسالك متشابهة إذا نظر إليهما من بعيد

؟ : لنفترض حالة يكون فيها الهوى فعليا، لكن فبأي شيء ينبغي لنا أن نظنية كما : بأحد شيئني أو إن املرأة لم تكن ، حسبناإما إن الرجل قليل األهم

.فعال ذات وضع مختار كما كنا نتصورهامبناسبة (لقد عرضت تكرارا هذا التفكير يف محادثات وفصول جامعية

واستطعت أن أالحظ أنه يثير بشكل آلي ، )تحديد أي شيء هو ما نسميه طبعا الفكرة ال تحتوي يف ذاتها عنصرا ما وإذ كانت. حركة أولى من االحتجاج واملقاومة

ولم . فإن هذه املقاومة اآللية تعادل إثباتا لصحة هذه الفكرة، مثيرا للغيظ وقارصاأن تكون أمنياتنا تعبيرا عن كياننا اخلفي؟ وذلك أن ، ال نسر يف أطروحة عامة

. حماية لهجوم لم يحتط لهالفرد يشعر بنفسه أنه تعرض على حني غرة ومن غيرويغضبنا دائما أن يحكم علينا أحد من ذلك الوجه من شخصنا الذي نبديه يف

إننا نريد أن يحكم . وهذا يثير غضبنا، فيمسك بنا وحنن غير مهيئني. غفلة مناكيما نستطيع أن نرتبها ، علينا بعد إخطار مسبق وحسب املواقف املقيدة بإرادتنا

أما ). Instantanea" التلقائية"إنه الرعب من . (كما نفعل أمام املصور الفوتوغرايفدخوله الغير من ، فإن ما يهمه بالطبع، من وجهة نظر الباحث يف القلب اإلنساني

. Infraganti" متلبسا باجلرم "ويفاجئه ، حيث أقل ما يخمن

-٧٤-

ملا احتيج ، ن أن تحل بشكل كامل محل تلقائيتهولو استطاعت إرادة اإلنسارية، إلى الغوص يف أغوار شخصيته لكن اإلرادة تستطيع فقط أن توقف مدة . الس

هو ، يف مناهضة الطبع، وإن تدخل اإلرادة طيلة حياة كاملة. حلظات قوة التلقائي. بجرعة ما من التزييف تأتي به اإلرادةإن طبعنا يتساهل. عمليا والعدم سواء

عن أننا نتمم ، أن نتكلم ضمن هذا املقياس حقا، وخير من الكالم عن تزييفعلى ، )العقل واإلرادة(إنها بصمة اإلبهام التي تضفيها الروح . أنفسنا ونكملهالذلك كان . اآللهي، وحيةولنحافظ بكل شرف على تدخل القوة الر. طيننا األصلي

وأال نؤمن أن ذلك األثر العجيب ميكن أن يتجاوز ، لزاما أن خنفف من األحالموإذا سار رجل طيلة حياته . وإذا ما تعداها يبدأ التزييف الفعلي. تلك اجلرعة

فهناك من هو مراء. فإنه بالفطرة ميال إلى التزييف، خالفا لطبعه الفطري .ومن هو متكلف بشكل طبيعي. بشكل صريح

بدت وظيفة ، كلما تغلغل علم النفس احلالي يف ميكانيزم الكائن البشريوإنما هي ببساطة ، أنها ليست خالقة، وميكانيزم الروح بعامة، اإلرادة بشكل واضح

إلرادي أو ذاك الذي واإلرادة ال تحرك بل توقف هذا االندفاع ما قبل ا. مصححةفإذا ما بدا األمر . سلبي، فتدخلها إذا. من تحت أرضية نفسنا، يصعد كما النباتيحدث أن يعمل أحد ميولنا أو إحدى : فذلك للسبب التالي، عكس ذلك أحيانا

فإذا أوقفت اإلرادة هذا . ككابح مليل ورغبة أخرى، شهواتنا ورغباتنا املتشابكة، حينئذ. أن ينساب ويتمدد بشكل كامل، نها تسمح للميل املكبل من قبلفإ، الكابح

أن الشيء الوحيد الذي عملته يف ، يف حني، تبدو إرادتنا أنها متتلك قوة إيجابية .كان رفع احلواجز التي كانت تكبح ذلك االندفاع املوجود من قبل، الواقع

كان ، ضة حتى أيامنا هذه مرورا بديكارتواخلطأ األكبر منذ عصر النهذي نراه بوضوح ، اإلميان أننا نعيش من وعينا من ذلك القسم الصغير من كياننا ال

ويبدو لي القول إن اإلنسان عقالني وحر عبارة قريبة . والذي تعمل فيه إرادتنالكن القوتني كلتيهما . ةألننا منتلك يف الواقع عقال وحري. من أن تكون زائفة

وإن . تشكالن قشرة رقيقة تغلف كتلة كياننا الذي داخله ليس عقالنيا وال حرا

-٧٥-

األفكار ذاتها التي تشكل العقل تصلنا جاهزة ناجزة من قعر مظلم ضخم يقع أتون كممثلني ي، متثل على مسرح ذهننا بوضوح، ورغباتنا باملثل. فيما تحت وعينا

وإذا كان . البسني ثيابهم ويتلون أدوارهم من بني أطر املسرح الغامضة املظلمة، يبدو لي على األقل، القول إن مسرحا هو القطعة التي تمثل على خشبته املضاءة

إذا استثنينا ، واحلقيقة. ومن روحه، غير صحيح القول إن رجال يعيش من وعيههي أننا نعيش من حياة ال عقالنية تصب يف الوعي ، تدخل اإلرادة السطحييف ، وتعيش من القعر غير املرئي الذي هو حنن ذاتنا، أصل احلوض الكامن

لذلك كان على عالم النفس أن يتحول إلى غواص يغوص تحت سطح . الواقعا وراء ذلك واملهم م. كلمات الغير وأفعاله وأفكاره التي هي مجرد خشبة مسرح

أما . ألن املشاهد يكفيه أن يرى هاملت الذي يجر تعبه إلى حديقة وهمية. كلهويريد أن يعرف يف ، عند باب خشبة املسرح، عالم النفس فينتظره متى خرج

.من هو املمثل الذي مثل هاملت، عتمة الستائر واملتاعسحورة والفتحات التي ينزلق منها إلى طبيعي أن يبحث عن األبواب امل، إذا

وباطل جهد املرأة التي . واحلب أحد هذه األبواب املسحورة. أعماق الشخصوفالن أخرق . لقد رأينا أنها كانت تحب فالنا. يف أن تخدعنا، تزعم كونها مختارة

".لرولزا"وإنما هو مهتم بإتقان ربطة العنق وتلميع سيارة ، وغير حساس

II

وتثار اعتراضات ال نهاية لها ملناهضة هذه الفكرة التي نكشف بها يف وإن إمكانية وجود بعض منها كاف للقضاء . اختيار احملبوب عن أصدق أعماقنا

تبدو لي تلك االعتراضات التي تعترضنا عادة غير ، ومع ذلك. على صدق إثباتناونسي أن علم نفس ، قة ارجتلها رأي من غير تحفظاتوضئيلة الد، فاعلة حقا

يكولوجي . احلب ميكنه أن يعمل بشكل مجهري فحسب فكلما كان املوضوع الساحلاجة إلى احلب هي ، إذا. مثار البحث أكثر حميمية، كان تأثير التفصيل أعظم

ها سوى حاجة وال يوجد شيء أشد حميمية من. واحدة من أعمق احلاجات

-٧٦-

أو ، "الشعور امليتافيزيقي"إنها تلك التي ميكننا أن نسميها . على األرجح، واحدة .الشعور اجلذري واألهم واألساس الذي منتلكه عن الكون

وهذا الشعور يصلح أن يكون أساسا ودعامة لبقية أنشطتنا أيا تكن هذه لم ميتلكه جميع الناس بارزا يف ذواتهم وال يعيش أحد من دونه وإن. األنشطة

ي. بالوضوح ذاته وعلى ، فهو يحتوي على موقفنا األول واحلاسم إزاء الواقع الكلفإنها ، أما بقية مشاعرنا وأفكارنا ورغباتنا. طعم احلياة والعالم بالنسبة لنا

ذلك ألن شكل . بلونهتتحرك فوق هذا املوقف األولي وتتركب عليه وتتلون ولقد أتيح . غرامياتنا تحديدا هو أحد األعراض األقرب إلى هذا الشعور األول

وهذا أهم ما . لنا أن خنمن من خالله ألي شيء ويف أي شيء وضع الغير حياتهنا التحقق منه بها وإنما الورقة التي يلعب ، ليس حكايات عن وجود هذا الغير: يهم

كلنا جميعا ندرك بعض اإلدراك أن منوذج احلياة الذي أحلقنا به قد تقرر . حياتهجارب . يف مناطق من كياننا أعمق من تلك التي تنشط فيها اإلرادة وعبث ترداد الت

ألن قلبنا يشعر بنفسه ملحقا مبدار مقرر من قبل وسوف يدور بعناد : واحلججذة اجلنسية أو جنم بثقالة جاذبي ياسي أو الل ته ذاتها حنو الفن أو الطموح الس

وكثيرا ما يسير وجود الفرد الظاهري خالفا ملصيره احلميم متيحا . املالجارة الذي يخفي رجال شهوانيا، أو : الفرصة لظهور أقنعة مفاجئة قناع رجل الت

ياسية فقطقناع الكاتب الذي هو يف احلقيقة طامع يف . السلطة السوهذا . تقريبا بالنساء الالئي ميررن قربه جميعا" يعجب"والرجل الطبيعي

يكفي من أجل ذلك . يسمح بزيادة إبراز طابع اخليار العميق الذي ميتلكه احلبلك وليكن ذ-إذ تحدث الصبية اجلميلة العابرة هياجا. أال خنلط الذوق باحلب

ذي يف محيط حساسي-تكرميا لها ة الذكر أبعد أثرا يف النفس من الهياج الويثير هذا الهياج بشكل آلي حركة أولى يف االتجاه ). الناضجة(تحدثه املرأة

ه . حنوها ورد الفعل هذا جد آلي وميكانيكي حتى لم جترؤ الكنيسة على عد، ة نفس ممتازةوقد كانت الكنيسة يف عصر آخر عامل. صورة من صور اخلطيئة

فقد كانت تقر . ويبعث على األسف أن تراجعت يف هذين القرنني األخيرين

-٧٧-

وكذلك ببراءة شعور الذكر املنجذب . كلها" احلركات األولى"بوضوح ببراءة ولوال ذلك ملا وجد شيء . واملشدود إلى املرأة التي تضرب األرض بكعبها أمامه

ومع ذلك، ال تقول عبارة . ال رذيلة وال فضيلة، وال خيرملا وجد شر ، مما عداهألن قسما من احمليط ذاته قد " أولى"إنها . كل ما يجب أن يقال" حركة أولى"

.من غير أن يساهم فيها القسم الداخلي من الشخص، تلقى اإلثارة، لى الرجلهذه اجلاذبية التي متارسها كل امرأة تقريبا ع، يف الواقع

ال يتبعها ، وتكاد تكون نداء توجهه الغريزة إلى املركز العميق من شخصيتنالكنه قد يصبح جوابا إيجابيا إذا . عادة جواب أو يتبعها جواب سلبي فقطشعور بالتعلق مبا جذب محيط ، انبثق من هذا املركز الشخصي جدا

يربط مركز نفسنا أو محورها بذلك ، إذا انبثقوإن شعورا كهذا. حساسيتناإننا ال ننجذب فقط مبستوى : اإلحساس اخلارجي؛ أو قوله بشكل آخر

وإنما نسعى بقدمنا إلى هذا اجلاذب ونضع فيه كياننا ، محيط إحساسنال . وإنما حنن مولعون، حنن ال ننجذب فقط: باختصار. كله واألمر األو

جر جرا عمن يذهب بذاتهيختلف عن الثاني . اختالف من يذي يعمل عمله يف االجنذابات العديدة وهذا الولوع هو احلب ال

زا على واحد منها، مبعدا القسم األكبر منها، احملسوس بها يحدث ، إذا. متركاصطفاء يف منطقة الغريزة التي يكون دورها بذلك، معترفا به ومحددا يف

ال شيء أكثر ضرورة من أجل توضيح وقائع احلب قليال، من أن . 1حدآن واد بشيء من الصرامة تدخل الغريزة اجلنسية فيه فإذا كان حماقة . حند

القول إن حب الرجل املرأة حبا حقيقيا، والعكس بالعكس، ليس فيه من إذ توجد . نس محضاجلنس شيء، فإنها حماقة أخرى االعتقاد أن احلب ج

بني العالمات الكثيرة التي متيزهما من بعضهما، عالمة أساسية هي أن شبعها من غير حد، بينما احلب الغريزة متيل إلى توسيع املواضيع التي ت

ون . إن كـون الغريــزة اجلنــسية بــذاتها اصـطفاء، كــان أحــد أفكــار دارويـن الكبــرى ) ١( وف يكــ وســ

.املؤلف –. احلب قوة ثانية يف االصطفاء أشد صرامة

-٧٨-

شيء بوضوح بني امليلني بواقعة أن الويتجلى هذا التعارض . مييل إلى احلصر .ت أخرى، كاإلعجاب املفرط بامرأة معينةيحصن الذكر إزاء جاذبيا

من مركزنا ) هذا االختيار(وإذ ينبع . احلب إذا مباهيته ذاتها، اختيارالشخصي، ومن أعماقنا الروحية، فإن املبادئ االصطفائية التي تقرره هي، يف آن

.واحد، األولويات األعمق واألخفى التي تشكل طبعنا الفردي* * *

أما الغريزة فعلى . لقد بينت أن احلب يعيش من التفصيل وينشأ مجهرياويخيل إلى املرء أنهما يعمالن . العكس، ترى بالعني اردة، وتندفع إزاء ااميع

فاجلمال اجلاذب قلما يتوافق مع اجلمال الذي . انطالقا من بعدين مختلفنيطاع فارغ القلب والعاشق أن يقارنا ما يشكله يف نظرهما اجلمال فإذا است. يعشق

ففارغ القلب يجد اجلمال يف . وفتنة امرأة بعينها، لدهشا من عدم توافقهمالكن هذه . اخلطوط الكبرى للوجه والشكل، وهذا ما يسمى يف العادة جماال

ت من هيكل الشخص اخلطوط الكبرى غير موجودة يف نظر العاشق، وقد امحولو كان صادقا لسمى جماال مالمح دقيقة حرة . احملبوب الذي يلمح من بعيد

.كلون بؤبؤ العينني وصوار الشفتني وجرس الصوت: ومتباعدة فيما بينهاولو حلل شعوره وتابع مسار هذا الشعور الذي ينطلق من داخله إلى الكائن

احلب يتوقف عند املالمح الدقيقة ويتغذى منها يف كل احملبوب، لالحظ أن خيط ألن احلب يتغذى باستمرار بال ريب، ويتشبع بعلة حبه ومسوغه متأمال . حلظة

احلب . (إنه يعيش على شكل تثبيت ال ينقطع. لطائف احملبوب حقيقة وتصوراكرر عليه مرات كثيرة أبرع رتيب وملحاح وشديد اإلزعاج؛ ال يطيق أحد أن ت

والعكس . اجلمل، أما هو فيطلب تكرارا ال حصر له أن الشخص احملبوب يحبهإذا كان أحد فارغ القلب من احلب فإن احلب الذي يخص به يوئسه : صحيح

).ويتعبه لفرط إزعاجه لهيل األسارير وتعابير ومن األهمية مبكان إبراز هذا الدور الذي تلعبه تفاص

الوجه يف احلب، ألنها العنصر املعبر أعظم تعبير عن كيان الشخص احلقيقي،

-٧٩-

أما اجلمال اآلخر الذي يلمح . ويتجلى فيها هذا الكيان الذي من خاللها نفضلهمن بعيد، فله وإن امتلك معنى تعبيريا، وأظهر حالة من حاالت الكائن، قيمة

. مستقلة وسحر شكلي موضوعي يشير إليه اسم اجلمالvalor estéticoة جماليوقد يكون خطأ كما يبدو لي االعتقاد أن هذا اجلمال هو ما يتثبت عليه

إذ . ولقد رأيت أن الرجال قلما يعشقون النساء األكثر جماال شكليا. اإلعجاب، التي يشير إليها الناس "اجلمال الرسمية"يوجد يف كل مجتمع بعضا من ضروب

شار إلى نصب عامة إذا، يكاد ال يتجه إليها . بالبنان يف املسارح واحلفالت كما يوهذا اجلمال جد جمالي على شكل قاطع، حتى . قط إعجاب الذكور اخلاص

–عجاب يحول املرأة إلى موضوع فني، وبذلك يقصيها ويبعدها، وتكون موضع إومن مث تصبح الرغبة يف التقرب، التي . لكنها ال تحب-وهذا شعور يستلزم بعدا .هي مقدمة احلب، محالة

وإن اجلمال املعبر عن حالة من حاالت الكائن، وليس املعبر عن حسن إذا : والعكس صحيح. الشكل أو كماله، هو يف رأيي ما يثير احلب بشكل فعال

-بدافع من حب الذات أو بالفضول أو عمى البصيرة–جد الفرد نفسه مدفوعا وإلى إعجاب مزيف بدال من حب حقيقي، فإن النفور األصم الذي يحس به يف . قرارة نفسه إزاء بعض التفاصيل يف الشخص اآلخر، هو إعالن عن أنه ال يحب

عدم صحة تناسب الوجه أو كماله من وجهة باملقابل ال يقف عائقا أمام احلب .نظر جمالية محضة إن لم تكن تلك النسب مشوهة

ارة يف وبفكرة اجلمال سحقت كما ببالطة رخام رائع، كل رقة ممكنة وغضن الرجل يعشق املرأة التي تبدو له جميلة، يظن أنه وإذا قيل إ. علم نفس احلب

واخلطأ مصدره اإلرث . حني أنه لم يقل يف الواقع شيءقد قيل كل شيء، يف ال ميكن أن يحسب إلى أية فئة من اإلنسانية الغربية تغلغلت . (األفالطوني

إن أكثر الناس جهال بالثقافة يستعمل مفردات . عناصر من الفلسفة القدمية ).ومفاهيم ألفالطون وأرسطو والرواقيني

ولم يكن اجلمال يعني له . احلب نهائيا باجلمالكان أفالطون من ربطعلى شكل دقيق، كمال اجلسم، وإنما كان اسما لكل كمال؛ والشكل، إذا قلنا

-٨٠-

ولقد . وكان اجلمال الكمال األمثل. هكذا، كان ميثل فيه كل مثني لعيون اإلغريق . مسارهحرفت خاصية املفردات هذه، التفكير الالحق حول احلب عن

واحلب شيء أخطر وأكثر داللة من اإلعجاب بخطوط وجه ولون وجنة؛ إنه قرار لصالح أمنوذج معين من اإلنسانية يعلن عنه رمزيا يف تفاصيل الوجه

.والصوت واإلشاراتكما كان يقول - Tiktein en tôkalôواحلب تطلع للوالدة يف اجلمال

واحلب يستلزم التصاقا . واجلمال حياة مثلى. مستقبلوالدة، أي خلق. أفالطونحميما بنموذج ما من احلياة البشرية تبدو لنا أنها األفضل، وجندها مشكلة من

.قبل ومدمجة يف كائن آخرمع ذلك . قد يبدو ذلك مجردا ومحاال وبعيدا عن الواقع املعين، يا سيدتي

تجريد، يف النظرة التي توجهينها إلى س من الناس، ما اكتشفت بتوجيه من هذا ال .فلنشرب كوكتيال آخر. يعد يف نظرك احلياة

III

وهذا يفسح اال . إن األكثر شيوعا أن يحب الرجل مرات عدة يف حياته

يحلها لقسم من املسائل النظرية فوق املسائل العملية التي يجب على احملب أن أهو جوهري بالنسبة لطبيعة احلب، هذه التعددية املتتالية : مثال. على مسؤوليته

يف احلب، أم هو عيب وبقية فاسدة من البدائية والبربرية؟ أيكون املثالي والكامل واملرغوب فيه، احلب الوحيد؟ أيوجد فرق ما فيما يعود إلى ذلك بني الرجل

ي واملرأة الطبيعية؟الطبيعوال نسمح . سوف حناول اآلن جتنب اإلجابة عن هذه األسئلة اخلطرة

د ألنفسنا بإبداء الرأي فيها، وإنما نأخذ فقط الواقعة املفروغ منها أن الرجل متعدوإذ نشير إلى األشكال الكاملة من هذا الشعور، فإننا . يف احلب دائما تقريبا

دية متعاقبة أو متتالية فقطنست دية حب تعايشية ونقتصر على تعد .بعد تعد

-٨١-

أال تتضمن هذه الواقعة صعوبة جادة أمام املذهب املطروق هنا، يف أن االختيار يف احلب يكشف عن أساس كيان الشخص؟ ربما؛ لكن، يصلح قبل

ة أن هذا التنوع يف احلب ميكن ذلك أن ننعش لدى القارئ املالحظة السطحيهناك أفراد يحبون طيلة حياتهم نساء عديدات، لكنهن . أن يكون من فئتني

ويصل التطابق أحيانا . جميعا يكررن بإحلاح واضح النموذج ذاته من األنوثةوهذا النوع من الوفاء الكامن يف أن . حتى يظل ضمن حجم فيزيقي بعينه

ب من خالل نساء كثيرات امرأة واحدة نوعية يف الواقع، هو شائع بإفراط تحلكن النساء الالتي . ويشكل البرهان األقصر على الفكرة التي نعرضها

يحبهن رجل واحد على الـتوالي، أو الرجال الذين تؤثرهم امرأة يف أحوال وإذا نظرنا إلى الواقعة . داأخر، هم أو هن يف احلقيقة من وضع مختلف ج

انطالقا من تلك الفكرة، فهذا يعني أن أساس كيان الرجل قد تغير بني فترة ر يف أس كياننا ذاته؟ . من الزمن وأخرى أو ميكن أن يحدث هذا التغي

باع فقد كان . واملشكلة من العيار الثقيل واحلاسم ربما، وصوال إلى علم للط، التفكير يف أن طبع الشخص ١٩فا خالل النصف الثاني من القرن مألو

شكل من اخلارج إلى الداخل فتجارب احلياة والعادات التي . يأخذ بالتتولدها ومؤثرات احمليط وتذبذبات املصير واحلاالت الفيزيولوجية سوف

وجود لكيان جوهري بالتالي، ال. تصفق ما نسميه طبعا كما يصفق سائل. للشخص، وال وجود لبنية عميقة سابقة على أحداث الوجود ومستقلة عنها

وحسب هذه . إنما حنن مجبولون ككرة الثلج من غبار الطريق الذي جنوبهالطريقة يف التفكير التي تستبعد وجود نواة جذرية يف الشخصية، ال وجود

رات األساسيةبالطبع ملشكلة ال وهو إذ : وما يسمى طبعا يتغير باستمرار. تغي .يتشكل يتفكك أيضا

لكني أميل، ألسباب ذات ثقل كاف ليس من املناسب مراكمتها هنا، إلى االعتقاد املعاكس الذي يبدو من األصح أن نقول طبقا له، إننا نعيش من الداخل

داخلي يكون يف جوهره قد تشكل قبل حدوث فشخصنا ال. إلى اخلارج٦-دراسات في الحب م

-٨٢-

هو وإن أثرت فيه مصادفات الوجود شيئا ما، فإن التأثير . املصادفات اخلارجيةفنحن كتيمون بشكل ال يصدق . الذي ميارسه على هذه املصادفات هو أكبر كثيرا

فطري الذي هو ال" الشخص"على كل ما يسقط علينا إن لم يكن على صلة بهذا وسوف يقال حينئذ، ال ميكننا الكالم أيضا عن . حنن ذاتنا يف املقام األخير

.وما نكونه عند الوالدة سنكونه عند املوت. تغيرات جذرية

إن هذا الرأي تحديدا يتمتع مبرونة كافية جتعله يقبل قوالب . كال، مث كال يسمح لنا أن منيز التغيرات الصغيرة التي األمروهذا. قائع بكل اعوجاجهاالو

تدخلها األحداث اخلارجية يف حياتنا، من تغيرات أعمق ال تخضع لدواعي وأنا أقول إن الطبع يتغير، إذا فهم من . املصادفة هذه، وإنما لطبيعة الطبع ذاتها

ر تطورا، باملعنى الدقيق التطور مثله مثل تطور كل عضوية، تثيره وهذا . التغيوقد يكون انطباع . وتوجهه أسباب داخلية تولد مع الشخص، وهي فطرية كطبعه

رات أشباهه تبدو له أحيانا تافهة وغير مسوغة، إن لم تكن القارئ يقينا أن تغير ميتلك يف أحوال أخرى كل جدارة النمو، صادرة عما ال يعترف به؛ لكن التغي

ومعناه كله، إنه البرعم الذي يصير شجرة، إنه عري الشجر الذي يسبق اإليراق، .والثمرة التي تلي تاج الشجرة

هناك أشخاص ال يتطورون، وذوو . أنا أرد إذا، على االعتراض السابقالبرجوازي "أمنوذجهم النموذجي و. هم األقل حيوية بعامة. (طباع متصلبة نسبيا

لكن هناك . وهؤالء يظلون ضمن مخطط ال يتغير يف اختيارهم الغرامي"). احلقأشخاصا ذوي طبع خصب وثر باإلمكانيات واالهتمامات، وهم ينتظرون بنظام

د ساعة تفتحهم . تقريباوباإلمكان التأكيد أن هذا األمر هو احلالة الطبيعية . جيرات كبرى هي مبثابة فالشخصية تعاني خالل مجرى حياتها تغيرين أو ثالثة تغي

إذ نالحظ ذات يوم أننا دخلنا يف مرحلة . مراحل مختلفة من مسار خلقي واحدجانس جديدة، أو حدث تغير يف طبعنا من غير أن نفقد التطابق، باحلري الت

ال هو أكثر من ذلك، . وهذا ما أسميه تغيرا جذريا. مساألساس، مع شعورنا باأل

-٨٣-

ويبدو كياننا العميق يف كل من هاتني املرحلتني أو . 1وال هو أيضا أقل من ذلكوينتقل حنو إطار آخر من الكون . املراحل الثالث، يدور على نفسه درجات معينة

.ويتجه حنو مجرات جددة أن يكون عدد مرات احلب احلقيقي التي مير بها أليست مصادفة موحي

الرجل الطبيعي عادة، تحمل دائما تقريبا العدد ذاته، وهو مرتان أو ثالث مرات؟ وفوق ذلك، تظهر كل مرة من مرات احلب هذه محددة زمنيا يف كل مرحلة من

نرى يف تعدد احلب أعظم إثبات للمذهب مراحل الطبع؟ ال يبدو لي إذا، إفراطا أنويتطابق بدقة مع هذا الطراز اجلديد من الشعور باحلياة، تفضيل . املعروض هنا

فقد تغير نسق قيمنا قليال أو كثيرا، وبوفاء كامن للقدمي . منوذج معين من النساءرها، بل ربما ما كنا ندركها، فتتقدم إلى البعد األول صفات ما كنا نقد. دائما

.ويعترض نوع جديد من االختيار يف احلب بني الرجل والنساء العابراتلقد قرأت . وإن رواية وحدها تقدم لنا أداة مالئمة لتوضيح هذا التفكير

التطور العميق : موضوعها بالضبط ما يلي. - وقد ال تنشر أبدا -قطعا منها - وهو الهام هنا -ويلح املؤلف . ع الذكر منظورا إليه من خالل غرامياتهلطب

إحلاحا متساويا على تبيان استمرار الطبع طيلة تغيراته والشكل املتباين الذي حا بذلك منطق هذه التبدالت احلي، وأصلها احملتوم رات، موض . متتلكه هذه التغي

رأة جتمع وتكثف يف كل مرحلة آماد تلك احليوية التي تتطور، كتلك وإن صورة ام .األشباح التي ميكن تشكيلها باألضواء والعواكس على جو كثيف

→ مجلة معرتضة ←

لقد هيأت لي أبحاثي التي تظهر يف العادة منجمة كقطع دودة حلقية يف رف نفوس اإلسبان واإلسبانيات الذين ، حجة طيبة ألعEl Solصحيفة إيل صول

ي أتلقى يف الواقع بكثرة سارة، رسائل تأييد أو . هم بعيدون عني وأجهلهم وإن

ر املفـاجئ ذواملظهـر "التحـول إلـى ديـن آخـر "األكثـر طرافـة وتطرفـا هـي إن الظاهرة ) ١( ، والتغيـواسـمحوا لـي اآلن أن أدع هـذا املوضـوع الـصعب مـن . الكارثي الذي يعانيه الـشخص أحيانـا

. املؤلف–. غير معاجلة

-٨٤-

ومتنعني مشاغلي أن أجيب، طبقا للعرف الصحيح، عن هذه . احتجاج أو خصام أن وسوف أحاول يف وقت تال. املراسالت النافعة جدا واخلصبة بالنسبة لكاتب

.أقتطف من هذه املراسالت ما يبدو لي أكثرها خصبا وأعمها نفعاوكبداية، أنقل رسالة غفال وصلتني من قرطبة، ويبدو من خطها شخصا

.حصيفا جدا، ما عدا التزامه بإخفاء اسمه، كما "االختيار يف احلب "El Solلقد قرأت مقالك يف صحيفة إيل صول "

ولقد . كتبه ويصل إلى يدي، أللتذ مبالحظاتك الدقيقة واألصيلةقرأت كل ما تشجعني استعدادي الروحي املسبق املؤيد لعملك، كيما أبين لك شيئا أعده خاطئا

.يف مقالك األخيرحنن متوافقان يف أن تعابير الوجه واألسارير تسمح لنا أن نتغلغل، كما "

، بشكل أتطابق )وربما اليقظة أيضا(ار الغافلة، يدخل بطرس بيته، يف روح اجل .فيه معك يف هذه النقطة التي كتبت ونشرت حولها شيئا ما

الذكر يكشف يف اختيار "أما ما ال ميكن دعمه يف رأيي بحق فهو أن "؛ وكذلك املرأة يف اختيارها احملبوب وال يف أن ". احملبوبة عن غوره اجلوهري

.ج املفضل يرسم بروفيل قلبناالنموذالتي يثيرها ) اآللية(ني أجرؤ على التأكيد أن هذه االحتجاجات ى إحت"

عادة تأكيد كهذا بني سامعيك أكثر مما يثيره اإلزعاج املقلق بإحساس املرء نفسه قبلها، عاريا أمام املراقب، هي االشمئزاز غير املسوغ ربما، الذي تظهره فكرة ال ن

.وال نستطيع أن نقبلها وإن كنا ال نعلم سبب ذلك بعدفعل لاسم ) أي االنفعال اجلنسي مع بهرجة غنائية أو من غيرها(احلب "

متعد بشكل بارز، هو مبعنى ما أكثر األفعال لزوما وأكثرها انغالقا جميعا، ألنه يبدأ له حياة أخرى سوى ما يعطيها له وينتهي يف الفرد، فهو من روحه يتغذى وليس

بالطبع، يبحث احملب مدفوعا بالشهوة اجلنسية، عن الفرد من اجلنس . الفرد ذاتهوال غرابة يف . اآلخر، وكل واحد منهما يريد أن يجد يف اآلخر تناسبا جسديا معينا . صحيحشيء أن يثبت طبع املرأة النخبة إعجابه على رجل مبتذل، والعكس

-٨٥-

وكل . نعم، باحلب ميكن معرفة احملب، لكن، ليس باملوضوع احملبوب"احملبوب كل احملاسن ) يخلع على(شخص يحب مبلء روحه وبقوة كافية كيما

، كما يضع )أو يخلع عليه نفسه ذاتها(والرقة التي تحتاج إليها نفس احملب قماش الشاشة اخلط واللون املصباح السحري أو جهاز العرض السينمائي على

املوجودين فيهما، وكما وضع دون كيخوته يف آلونثا لورنثو، ونيلسون يف الليدي ما تركع روحاهما ، ما هو ضروري كي)١٩ظبية الريف يف بدايات القرن (هاميلتون

.تنيأمام هاتني املرأوأقف هنا، ألن اعتراضي صيغ باختصار، وال أريد أن أزعجك من "

".ر طائلغيأشكر شكرا فائقا على االعتراض سوى أني كنت أؤثر أن أتلقاه بفعالية

وأحسبني . ألن محاولة قصر احلب على اجلنس يعكر املسألة من البداية. أكبراحلب عند "قد بينت اخلطأ البين املوجود يف هذا القصر يف سلسلة مقاالت

يكفي أن نالحظ الواقعة . صول هذا اخلريفالتي نشرتها صحيفة إيل " ستندالالثابتة أن الرجل يرغب جنسيا بهذه الشدة أو تلك، يف نساء ال يحصني، بينما حبه مهما يكن متضخما ومستعرا يتثبت على بعض منهن، حتى يبدو محاال أن

ن كل شخص يحب إ:"لكن املراسل اللطيف يقول فوق ذلك. نطابق بني الدافعنيلكن، إذا ضمت . فقط" شهوة جنسية"إذا، يصعب أن يكون احلب ". مبلء روحه

الروح إلى خوار اجلنس معونتها املتنوعة، فسوف حنصل على حراك نفسي .مختلف جدا عن الغريزة خالصة، وهذا ما نسميه حبا

فقد ". بهرجة غنائية"نها وال يحسن بنا أن نصف هذه اإلضافة اجلوهرية أكان يكفي املفكر القرطبي أن يتسلى يف حلظة هدوء قرب اجلب وسط اجليرانيوم بينما السحب العابرة تنزلق فوق الفناء القرطبي، بتحديد الفرق بني

احلب والرغبة أو الشهوة ولسوف يرى أن. احلب والرغبة: معنى الكلمتنيألن ما يرغب فيه : ما يف شيء، وإن كان أولهما يثار باألخرىيشبهان بعضهال

.حنبه) ألننا(وما حنبه نرغب فيه . ميكن أن يبلغ ذات مرة فيحب

-٨٦-

رمييخيو دي غورمون، " املأسوف عليه"زمن - لقد جاء حني من الزمنحلب، بالغة ا" تخدعها" ظهرت فيه سطحية تحليل سمحت لنفسها أن - مثال

يف ). فيزياء احلب – physique de l'amour(فبرزت من تحتها جاذبية اجلنس Beauلقد قال بومارشيه . احلقيقة، بولغ كثيرا بدور هذه الغريزة عند الرجل

marchais الشرب من غير عطش واحلب يف كل وقت هو األمر الوحيد الذي " إن؛ لكن، ما الذي يجب إضافته إلى احليوان ال بأس". مييز اإلنسان من احليوان

خالل الفصول " يحب"مرة واحدة يف العام، لنجعل منه مخلوقا " يحب"الذي األربعة؟ وإذ ما نزال يف الطابق السفلي من اجلنسية، فكيف ميكن أن ينشأ من احليوان املتثاقل جدا يف احلب، إنسان يفصح عن نفسه يف موضوع شاق

إفراط؟ وسرعان ما ندرك أن الغريزة اجلنسية إذا تكلمنا بدقة، ال توجد عمليا ب مرتبطة على األقل ارتباطا لدى الرجل، وإنما هي تعطى له دائما تقريبا،

.انفكاك له، باخليالال" يحب"وإذا لم ميتلك الرجل هذا اخليال النبيل جدا واخلصيب فلن

ا، كما يفعل يف كل مناسبة ممكنة، ألن معظم اآلثار التي تحمل على الغريزة جنسيوإن . ولو كان األمر كذلك، لظهرت أيضا لدى احليوان. اجلنسية ال تصدر عنها

. تسعة أعشار مما ينسب إلى اجلنسية هو من عمل قدرتنا الرائعة على التخيلوأبدي هنا مالحظة . إبداع: إنما هو على العكس من ذلكوالتخيل ليس غريزة، و

فقط، وهي أن اخللل الواضح يف التناسب بني القوة اجلنسية عند الرجل وعند ، تتطابق "احلب"املرأة التي جتعل من هذه بشكل طبيعي وتلقائي جد معتدلة يف

ع عادة بقدرة تخيلية أقل من قدرة على األرجح، مع واقعة أن األنثى البشرية تتمتولو حدث العكس ووجدت املرأة . لقد أرادت الطبيعة ذلك بلباقة وحرص. الرجل

نفسها مزودة بخيال كالذكر ألغرقت كوكب األرض بالدعارة ولكان اختفى النوع .1البشري متطايرا يف امللذات

. ل الهام فيهما كليهمـا اخليـال والعام. الدعارة ليست غريزة وإنما إبداع بشري نوعي كاألدب ) ١(

ون الـدعارة مـن هـذه الزاويـة كجـنس أدبـي لـه أصـوله وقوانينـه اء النفـسي م ال يدرس األطبـ فل . املؤلف-وتطوره وحدوده؟

-٨٧-

من واقع آخر سوى الغريزة وإذا كانت هذه الفكرة ال ترى يف احلب تتمدد جدا وتستقر يف األذهان، فقد بدا لي مفيدا نشر رسالة )1(اجلنسية

.القرطبي التي متدنا بحجج كثيرة كيما حناول تفريغهاميكن . ليس باملوضوع احملبوبباحلب و« ويختتم الكاتب الغفل معترفا

كيف ميكن -١: شيا كلمات كثيرةوأنا أجيب عن ذلك متحا، »معرفة احملبمعرفة حب احملبوب مبنهج مباشر، إذا كان بحكم الشعور، ينتمي إلى سر

إذا - ٢. الباطن؟ ألن اختيار املوضوع هو اإلشارة التي تسمح لنا بالتكهن بهفبأي مصادفة يحط به على هذه املرأة : كان احملب يضع كل شيء يف احلب

؟ ولم ال يتحاشى هذا القارئ النبيه للغاية أن يسقط يف وليس على تلكلستندال التي تسد مع التفسير اجلنسي " البلورة"فكرة - الفكرة األخرى

وسوف تكون ضروب اجلمال كلها . مزيدا من الدروب يف علم نفس احلبوسوف يكون . التي نفترضها يف احملبوب وهمية دائما، حسب هذه الفكرة

ولطاملا كافحت يف سلسلة املقاالت املذكورة أعاله هذا التفكير، . حلب خطأاوميكنني اختصار حججي . يشجعني على ذلك حظ خير كثيرا مما أستحق

ال يبدو صحيحا أن أي نشاط طبيعي : املعاكسة يف حجتني اثنتني، أوالهما أحيانا، كما تخطئ نعم، قد يخطئ احلب. لإلنسان يقوم على خطأ جوهري

لكن حالته الطبيعية كحالة هاتني احلاستني، تقوم على . العينان واألذنانجه إلى بعض اجلماليات . صواب كاف واحلجة األخرى تقوم على أن احلب يت

فات سواء أكانت متخيلة أم غير متخيلة فهو له هدف أو موضوع . والصم يتطابق الشخص احلقيقي مع هذا الهدف اخليالي، فإن حتى إذا ل: دائما

سببا ذا صلة يوجد بينهما كليهما يحملنا على افتراض هذه املرأة وليست .تلك األخرى، أنها أساس تلك الفنت ومسببتها

إذا كان للنفس غرائز وهذا ما أعتقده، كما الغرائز اجلـسدية، يجـب طـرح املناقـشة بطريقـة ) ١(

.املؤلف -. امختلفة جد

-٨٨-

IV

-هذا االختيار غير حر إن إن هذه الفكرة يف وجود اختيار يف احلب، و، وإنما هو مقيد مبا -ية من كل ما ميكن صنعه بوعي وعن عمداختيار أكثر فعال

يكون عليه طبع الفرد األساس، ال محيد من أن تبدو غير مقبولة ملن يحافظ على إنه تفسير . تفسير لإلنسان تفسيرا نفسيا صار يف رأيي متخلفا ويجب تبديله

.امليكانيكية يف احلياة البشريةيقوم على املبالغة يف تدخل املصادفة واألحداث لقد جرب رجال العلم بعناية منذ سبعني عاما أو تزيد، وجهة النظر هذه

وكما يحدث دائما، تأخرت أفكارهم جيال . وتطلعوا إلى بناء علم نفس ميكانيكية كامال حتى وصلت إلى وعي اإلنسان متوسط الثقافة، وكل محاولة اآلن لرؤي

وسواء أكانت . األشياء على شكل أصح جتد الرؤوس املزودة بأدوات ثقيلة متهافتةاألطروحة التي أوحي بها هنا صحيحة أم خاطئة، فال بد لها من أن تصدم

لقد تعود الناس التفكير يف أن . تيارات عامة من التفكير تتجه اتجاها معاكسائ، وإنما تحدث األحداث التي يشكل نس يجها الوجود ليس لها معنى حسن أم سي

.بفعل خليط من املصادفة واحلتمية وامليكانيكيةوكل فكرة تقلل من دور هذين العنصرين يف حياة الشخص، وتريد أن . تكتشف يف هذه احلياة قانونا داخليا متجذرا يف طبع الفرد، ستلقى الرفض فورا

من يحيط " حب"يف هذه احلالة تدور حول –فة من املالحظات الزائفة وإن طائتسد املصير الذي ميكن أن تتغلغل فيه الفكرة إلى ذهننا –بنا، أو حبنا الذاتي

يضاف إلى ذلك املفاهيم املألوفة التي تقوم . وتصبح مفهومة، مث يحكم عليهاوإلى هذا النوع تنتمي . رئ يف فكرة املؤلفدائما على إضافات تلقائية يدخلها القا

وأغلب هذه االعتراضات يكمن يف مالحظة أننا . أكثر االعتراضات التي أتلقاهاإذا أحببنا امرأة يعكس شخصها حالة كياننا احلميمة فلن نلقى تعاسة تلي الهوى

إلى وا بتعسف أمر يوحي أن القراء األعزاء ضم. يف الغالب أو تولد فيه ذاته .عالقة احملب مبوضوعه هذه التي أدعمها، عالقة سعادة ناجتة عنها

-٨٩-

فقد يعشق رجل مغرور يف أسه . لكني أحسب أن ال عالقة لهذه بتلك. امرأة مغرورة أيضا-كما هم أرستقراطيو الدم عادة بسبب احنطاطهم–األعمق

فال خنلط نتائج االختيار . ونتيجة هذا االختيار ستكون التعاسة ال محالةوأجيب يف آن واحد عن ضرب من االعتراضات أولية جدا، . باالختيار ذاته

يقال يف معظم األحوال إن هذا أو ذاك من . وواضحة جدا، لذلك هي مكررة جداه من لقد تصور من اختاره بشكل ما، مث تبين أن. احملبني قد ضل السبيل يف حبه

أليست هذه إحدى األغاني األكثر تكرارا يف سيكولوجيا احلب . شكل آخر من el quid pro quo1املألوفة؟ وإذا صدقناها فسوف يكون اخلطأ تقريبا البديل

فأنا ال أستطيع أن أقبل من غير أسباب . وهنا تفترق طرقنا. الوضع الطبيعي–ياة البشرية يف أعمق أنشطتها وأخطرها فائضة أية نظرية تكون مبوجبها احل

. محض استحالة مستمرة تقريبا، وبعدا عن القصد وخطأ- كما هو احلبوال أنفي أن هذه األمور قد تحدث ذات مرة، كما يحدث يف الرؤية

لكن إذا ألح على تقدمي . اجلسدية من غير أن تبطل صواب إدراكنا السليماقعة طبيعية مألوفة فسوف أقول إنه يبدو لي زيفا وناجتا عن اخلطأ أنه و

فالشخص : وال وجود للخطأ يف معظم احلاالت املزعومة. مالحظة غير كافيةهو ما بدا عليه حينئذ، إال أننا نعاني بعد ذلك نتائج هذا الوضع، وهذا ما

ازية مدريدية شابا لطالقة ليس نادرا أن تعشق شابة برجو: مثال. أسميه خطأناشبه جرأة ترشح من شخصه وهو دائما فوق الظروف ومستعد حللها . كافية ت

طلق ن غياب من اإلعجاب، وتصدران يف النهاية، عبيسر وسيطرة تثيراوال ميكننا إنكار أن تلك املرونة . لهي وما هو بشريلالحترام، احترام كل ما هو إ

ب هذا النموذج من الذكر جماال من الطراز األول يفتقر إليه يف احلركة تكس

البـديل، وتـستعمل بـشكل خـاص يف -١: ، وتعنيquiproquoعبارة التينية تكتب أيضا متصلة ) ١( اللبس يف عد شـخص -٢. الصيدلة داللة على إبدال دواء بدواء آخر عمدا أم عن غير عمد

يني يف هـذا وقد اسـتعملها املؤلـف بـاملعن . أو شيء شخصا أو شيئا آخرين؛ وما ينجم عن ذلك . املترجم–. الكتاب

آ

-٩٠-

إذا، تعشق . calavera1باختصار، هو منوذج للماجن . عادة ذوو الطباع األعمقلكن الزوج يرهن بعد ذلك اوهرات . الفتاة املاجن قبل أن ميارس مجونه

لكن هذه ". خطئها"عن فتعزي السيدة الصغيرة التعيسة صديقاتها . ويهجرهادا جدا يف القاع األخير من وعيها أن األمر لم يكن كذلك، وأن شكا ما تعرف جييف تلك اإلمكانيات قد أحست به منذ البداية، وأن هذا الشك كان عنصرا يف

.يف ذلك الرجل" تعرفه"حبه، وهو خير ما كانت ألفكار املبتذلة حول هذا الشعور الرائع، أحسب أننا بحاجة إلى إصالح ا

وإذ كان حافزا ممتازا . ألن احلب صار يف شبه اجلزيرة خاصة متبلدا جداللحيوية البشرية التي ال تحظى بكثير من احلوافز بعد كل شيء، فمن املناسب أن

يف اإلسراع إلى فكرة إذا، لنكن بطيئني. جنهزه وحنرره من االلتصاقات الغبية فيهويحزنني أن يلجأ الكاتب . كلما حاولنا إيضاح دراما اإليروسية املألوفة" اخلطأ"

صال جديد بي، إلى التفكير يف أننا نعشق حسن "القرطبي احلصيف الغفل يف اتوإذ كانت توجد يف ظالل منوذج جسدي . لدى كائن آخر" التناسب اجلسدي

، تحدث األخطاء، ويبدو محاال إثبات "لنفوس اختالفا وحتى تعارضاأكثر ا"واحد وواقع احلال هو أن هذا . وجود صلة بني املوضوع احملبوب وطبيعة احلب

القرطبي احلصيف ابن مدينة ابن رشد اعترف يف رسالته األولى أن تعابير الوجه أستطيع قبول هذا الفصل وآسف كثيرا أني ال. وأساريره تشف عن كيانه احلميم

؛ وهو هوس آخر من احلقبة املاضية وإنه لزيف كل . بني اجلسدي والنفسيوكأننا نضيف بعمل . إذا رأينا إزاءنا شكال بشريا" فقط"الزيف أن نرى جسما

ذهني جديد والحق من غير أن يعرف كيف، إلى هذا املوضوع املادي، نفسا

ي أجهل من أين جاء هذا التعبيـر الطريـف جـدا يف لغتنـا ) ١( وإذا عـرف أحـد القـراء مـصدره . إنأخمن أن األمر له عالقـة مبـشاهد . بطريقة موثوقة، فإني أشكر له جدا إن نقل معرفته إلي

ــشبيبة الذ ه ال ة املقــابر الــذي جعلتــ ة انتهــاك حرمــ ــ ة"هبي -. لهــا يف عــصر النهــضة " موضــ .املؤلف

. املترجم-. وهذا يفسر تعليق املؤلف عليها. أيضا" جمجمة" تعني calaveraمفردة : مالحظة

-٩١-

وبعيدا عن أن جتري األمور هكذا، يحدث أننا جند . 1ث ال يدرىمأخوذة من حيصعوبات كبرى يف فصل الروح عن اجلسد وعن جتريدها منه، على فرض أننا

ألن رؤيتنا شكال ما رؤية جسدية ليس يف مجال التعايش البشري . نستطيع ذلكواحد إدراك عقلي لنفسه، فقط، بل حتى يف تعاملنا مع أي كائن حي، هي يف آن

حنن نلمح يف عواء الكلب أمله، ويف إنسان عني النمر . أو ما يشبه أن يكون نفساز احلجر واآللة من شكل بجسد. شراسته واجلسد يف اجلوهر . لذلك مني

وواقعة أنه . واألساس جرم فيزيقي مشحون بكهرباء نفسانية، بطبع، باختصارأننا خنطئ يف إدراك نفس الغير، ال يصلح، أكرر، كيما توجد أشكال خاطئة، وفإذا قابلنا مخلوقا من نوعنا، يكشف لنا فورا عن . 2يبطل الصواب الطبيعي

وتغلغلنا يف غيرنا يكون كبيرا وصغيرا طبقا ملا يكون عليه ذكاؤنا . وضعه احلميمل، وال ومن غير هذه الفطنة لن يكون ممكنا التعام. الفطري ل يف حده األو

ثنا. التعايش االجتماعي وإذ ندرك . فكل إشارة وكل كلمة نقوم بها قد جترح محدنعمة السمع إذا تكلمنا إلى أصم، نالحظ وجود هذا احلدس الطبيعي الذي

، تعبير tacto 3 حينما حنتك بطائش، بشخص من غيرميتلكه املرء إزاء أشباههلى هذا املعنى يف اإلدراك الروحي الذي يبدو أننا منس به روح مدهش يشير إ

أما ما ال يستطيعه معظم . الغير ونلمس شكله وجفاء طبعه أو حالوته، إلخ" قوله" لكن ما ال يستطاع .كيف هو اآلخر املاثل أمامهم" القول"األشخاص فهو

عن النفس بالتصورات، والتصور هو التعبير" القول"و. يستلزم أننا ال نراهالواملعرفة التي يعبر . يفترض نشاطا تحليليا خاصة فكريا، قليل من الناس مارسوه

ــي ) ١( ــد ". (إدراك الغيــر"انظــر بحث ة، ال ــ ة عمــل شــيلر ). ١٥٣ ص VIاألعمــال الكامل وخاصــ

. املؤلف– . Wesen unformen des Sympatieالكبير حول مسألة قيمة اجلسم التعبيرية، الكبرى، أحيـل القـارئ الفـضولي مـرة أخـرى إلـى بحثـي ) ٢(

ف–). VIIاملشاهد ". (حول التعبير كظاهرة كونية" . املؤلــاليتني : يــستعملها مبعناهــا املباشــر ) ٣( ــتني الت ه يف اجلمل ــ ــى اآلخــر . ملــس، مــس، ليوظف ــا املعن أم

. املترجم–. لباقة، كياسة: لمة فهوللك

-٩٢-

عنها مبفردات، أعلى من املعرفة التي تكتفي بوجود شيء إزاء العينني، لكن هذه لمات ما يراه كل فليحاول القارئ أن يصف بالك. املعرفة األخيرة هي معرفة أيضا

حلظة، يدهش لقلة ما يستطيع قوله حول ذلك الذي يجده ماثال أمامه بوضوح وهذه املعرفة مع ذلك، تخدمنا لكي نتحرك وسط األشياء ولكي منيزها . شديد

التي ال توصف وتوجد يف لون ) أو اللوينات(مثال متييز فروق اللون -من بعضها بهذا الشكل الدقيق ينشط فينا اإلدراك . و نتحاشاها ولكي نبحث عنها أ-واحد

.الذي منتلكه عن الغير وعلى شكل خاص جدا يف مسألة احلبفال نردد إذا، بهدوء شديد، هدوء من يقول شيئا واضحا وبسيطا، أن الرجل

. ن كنا حنب، أو بالعكس، مث تأتي بعد ذلك الصدمة بطبع م"جسديا"يعشق املرأة لكن . أما ما يحدث فهو أن بعض األشخاص من كال اجلنسني يعشق جسدا فعال

ألن طبع احملب الشهواني هو ما . هذا األمر يكشف تحديدا عن حالة كيانه النوعيةلكن، يجب أن نضيف أن ذلك الطبع يوجد بذيوع أقل مما . يوحي بهذه األفضلية

لذلك يشك من يراقب . وهذا الشرط نادر بشكل خاص لدى املرأة. يظن عادةالنفس األنثوية بشيء من اإلمعان، يف إعجاب املرأة اإليروسي باجلمال الذكري

حتى ميكننا التكهن بنموذج املرأة التي سيكون استثناء من . على أنه حادثة طبيعية ذوات النفس الذكرية قليال؛ ثانيا، تلك اللواتي أوال، النساء: وها هن. القاعدة

النساء الطبيعيات الالتي : ؛ ثالثا)كالعواهر(مارسن احلياة اجلنسية من غير حدود وراءهن حياة جنسية مورست بشكل كامل، وتبلغن سن الكهولة؛ رابعا، الالتي

".2بع قويبط" مزودات 1بتركيبهن اجلسدي النفسي ولدنهذه النماذج األربعة من املرأة متتلك عالمة مشتركة جتعلها تتطابق يف

والنفس األنثوية، كما هو ملحوظ، موحدة أكثر . ضعفها امللحوظ إزاء جمال الذكرأي، توجد عناصر معينة يف النفس األنثوية أقل انفصاال عن : كثيرا من نفس الرجل

لذلك، كان انفصام اللذة . ى مما هي عليه لدى النفس الذكريةالعناصر األخر

. املترجم–. جئن: يف األصل) ١( . املترجم–. يف األصل كبير) ٢(

-٩٣-

فال . اجلنسية عن العاطفة أو اإلعجاب لديها، أقل شيوعا مما هو لدى الرجلإذ، . تستيقظ اللذة لدى املرأة من دون العاطفة بسهولة كما هي عندنا حنن الذكور

ا كيما تصبح شهوانية املرأة مستقلة وتعمل من الضرورة أن يوجد سبب خاص جدإذا، توجد يف مناذج املرأة األربعة هذه، البذرة . حلسابها وطبقا لقانونها اخلاص

ل، . كيما يحدث هذا االنفصام يف الشهوانية تكون قواها املختلفة يف النموذج األودا أو ذات انفصام خلقي عن بعضها لذكورة املوجودة فيه؛جرعة ابسبب ،أقل توح

والذكورة يف املرأة أحد املواضيع األهم يف علم النفس البشري وكانت تستحق (لذلك، . يف النموذج الثاني، يحدث االنفصام بسبب الوظيفة ذاتها). دراسة مستقلة

تكون بفرض أال . (كانت العاهرة أشد تحسسا من أي شخص آخر، بالذكر اجلميلأما النموذج الثالث وهو طبيعي ). العاهرة حالة خاصة جدا من الذكورة لدى املرأة

. ، كما يقال عادة"حواس املرأة تبطئ حتى تستيقظ"متاما، فأشير إلى واقعة أن واحلقيقة أنها تبطئ كيما تصبح مستقلة، سوى أن املرأة التي مارست ضمن حدود

أما لدى . كلها، حياة جنسية طويلة وفعالة، تحافظ فعليا على حسيتهاالقواعد الرجل، فإن فرط اخليال ميكن أن يحل محل املمارسة الفعلية بالنسبة للتطور

ويصلح ! واخليال لدى املرأة ما لم تكن ذكرية، يكون يف العادة فقيرا جدا. احلسي .نقص الشرف املعروف لدى املرأة يف جانب كبير منهأن ننسب إلى هذا ال

V

إذا كان احلب خيارا حاسما كما أفترض يف الواقع، فإن لدينا عنه نظرية إنه يخدمنا معيارا ودليال ملعرفة . للفرد، ونظرية وجودratio cognoscentisمعرفة

د أمواج البحر التي تشي ما تحت أرض أخالق ذلك الفرد، كقطع الفلني وسط زبوهو من . Esquiloبالشبكة التي متسح القعر اخلشن، على حد تشبيه أسخيلوس

جهة أخرى، يعمل عمله عرضا يف سيرة الشخص جالبا إليه وإلى أعمق مركز فاحلب يعدل بهذا الشكل . ا البقية منها، كائنات من منوذج معين، منحيفيه

دا التأثير الضخم الذي متارسه . املصير الفردي وأحسب أننا لم ندرك جي

-٩٤-

ألننا نفكر فورا باملؤثرات األكثر سطحية فقط، وإن . غرامياتنا على مجرى حياتناوإذ . الذي يبديه رجل من أجل امرأة، أو العكس بالعكس-كاجلنون -تكن درامية

كلها، خاليا من ضروب اجلنون تلك، كان القسم األعظم من حياتنا، إن لم يكن لكن واقع احلال هو أن هذا التأثير . فإننا منيل إلى التقليل من مقدار ذلك التأثير

خذ يف العادة مظهرا دقيقا للغاية إن احلب . خاصة تأثير امرأة يف حياة رجل، يتهم مسافة كيما يلمح يجمع األفراد يف تعايش جد وثيق وشامل حتى ال يدع بين

" جوي"وتأثير املرأة بخاصة . اإلصالح الذي يحدثه أحدهم على اآلخرAtmosféricoإنه . وال توجد وسيلة لتوقعه وتحاشيه. لذلك هو كلي وغير مرئي

يتغلغل عبر فجوات احلذر، وميارس فعله على الرجل احملبوب، كما املناخ على ساسية يف الشعور بالوجود، تسحق بعذوبة واستمرار وإن طرقها األ. النبات

جاتها املميزة .مالمح نفسنا وتنقل إليها متعوهذا يقودنا إلى أن نكتشف آفاقا هامة يف الفكرة القائلة إن احلب خيار

عوضا -على جيل مثال–فإذا أسقطنا املذهب على أفراد عصر أجمعني . عميقكلما تكلمنا عن جموع وجماهير، : ينه، حنصل على التاليمن اإلشارة إلى فرد بع

فإن الفروق الفردية املتطرفة بشكل خالص، تتعادل وتصبح مهيمنة على منوذج ط من السلوك؛ يف هذه احلالة منوذج وسط من التفضيل يف احلب أي، أن . متوس

عاما للمرأة، أو ما يعادل ذلك، كل جيل يفضل منوذجا عاما للذكر، ومنوذجا آخر وإذا كان الزواج يف . تفضل مجموعة معينة من النماذج من هذا اجلنس أو ذاك

النهاية الشكل األهم عدديا للعالقة اجلنسية، نستطيع القول إنه يف كل عصر .1نساء يتزوجن من منوذج معين أكثر مما يتزوجن من مناذج أخرى

ال أحسب ضروريا أن نتذكر بسبب هذا التطبيق اخلـاص، القواعـد املعروفـة يف كـل قـانون أو ) ١(

توجـد بـالطبع يف . دقتـه تقدير، حول كتل كبيرة من احلـاالت، قواعـد يؤسـس عليهـا اإلحـصاء لكـن إحـداها تهـيمن واالسـتثناءات . عدد هام من احلاالت، حـاالت مـن أكثـر األنـواع اختالفـا

لكـن، يهـيمن عليهـا منـوذج لـه . ويف كل عصر يتزوج نساء من النماذج كلهـا . تلغي بعضها بعضا . املؤلف -. احلظوة نوعيا وكميا

-٩٥-

كل جيل يكشف كما الفرد، يف اختيار غرامياته عن تيارات سفلية تعطيه شكله إلى حد تصبح األركان األكثر داللة، التي يف ظلها ميكن للتطور البشري

وكل عرق . أن يبدأ تاريخا للنماذج األنثوية التي كان لها األفضلية بشكل متتابعوذجا منوذجيا لألنوثة ال ينتج تلقائيا، وإنما يتشكل يف كما كل جيل، يصطفي من

وهكذا إذا . عمل طويل طيلة قرون تبعا ملا يتوافق معظم الرجال على تفضيلهأخذنا مخططا مجمال دقيقا وصارما عما هي املرأة اإلسبانية املثلى، أللقى

بالطبع، يجب إبراز . اجلزيرةبأضواء مخيفة على الكهوف السرية يف نفس شبه . صورتها بفضل مقارنات مع املرأة الفرنسية املثلى، والسالفية املثلى، إلخ

واخلصيب يف هذا األمر كما يف غيره، هو عدم اإلميان بأن األشياء والكائنات ؛ فكل ما هو موجود، كل ما . هي ما هي عفارا، مبوجب تولد ذاتي محض كال

وكل ما له شكل أيا يكن هذا الشكل، مثرة قوة، وأثر من طاقة هو هناك،ض لنشاط ما ، وميكن دائما تبيان ما "كل شيء معمول عمال"بهذا املعنى . وعر

. هي القوة التي شكلته، وأنها تترك على هذا العمل دمغتها الذاتية إلى األبد اخللقية طرقات تاريخنا كله كما تبقى وقد حفظت يف صورة املرأة اإلسبانية

.طرقات املطرقة منقوشة على الكأس املقدسةبالطبع، ألن منوذج . لكن املهم يف أفضلية احلب لدى جيل، قدرته السببية

املرأة التي يختارها يتعلق به ليس وجوده فقط، وإنما جانب كبير من الزمن فمهما يكن حكم . ت يهيمن دائما املناخ الذي جتلبه املرأة وتوجدهففي البي. التالي

والبيت هو . الرجل، فإن تدخله يف احلياة العائلية متقطع ومحيطي ورسمياليومي العادي يف اجلوهر، واملستمر، وهو سلسلة من الدقائق املتطابقة والهواء

ويفيض هذا اجلو من األم ويشمل . اداملألوف الذي تلتقطه الرئتان وتطرحانه بعنوقد يكون هؤالء ذوي أمزجة وطبائع شديدة االختالف، لكنهم . من مث جيل األبناء

قد منوا ال محالة تحت ضغط ذلك اجلو، واملستوى املشترك الذي ولدوا فيه، وإن فرقا . معينا) أو اتجاها (1والريح املدارية الدائمة التي فرضت عليهم ميال

)١ (curvaturaاملترجم–. األصل، أي احنناء وتقوس انسجاما مع كلمة الريح يف .

-٩٦-

،رجال اليوم على املرأة املفضلة لديهميحكم بها ضئيال يف الطريقة التي ، ينتج عنه بدوام تأثيره وبزيادة عدد البيوت التي يتكرر فيها هذا الفرقوتضاعف

وال أزعم بأي شكل، أن يكون ذلك . ثالثني عاما منظوراتغير تاريخي ضخم خاللتصوروا أن . لكنه، نعم، من أكثرها فعالية. الهام الوحيد يف التاريخالتأثير العامل

منوذج املرأة العام املفضل لدى شبان اليوم أكثر دينامية قليال أو قليال جدا من فسوف يلقى باألبناء من مث حنو وجود أكثر . النموذج الذي كان يحبه جيل اآلباء

ر امليل . وإقداما وامتالء بالرغبات واملبادراتقليال جرأة فمهما يكن صغيرا تغياحليوي املعمم على احلياة املتوسطة لألمة كلها، فسوف يجلب بشكل ال فكاك

.منه تحوال ضخما يف إسبانياويالحظ أن الرجل املتوسط العادي هو العنصر احلاسم يف تاريخ كل

وال أريد بذلك، ولو من بعيد، أن ننفي . تعلق صبغة اجلسم الوطنيشعب، وبه تومن دونهم ما . عن األفراد النخبة والوجوه املميزة تدخال قويا يف مصائر عرق ما

لكن، مهما يكن امتيازهم وكمالهم، فلن ينشطوا . كان شيء يستحق االهتماموماذا بوسعنا أن . العادي مبثالهم وأثرهمتاريخيا إال مبقدار ما يطبعون اإلنسان

وحدها . ألن التاريخ مملكة العاديني متوسطي الشأن بال هوادة! نعملHumanidad) فيها ) اإلنسانيةHوالعبقرية الكبرى . بحرف كبير نزينها به طباعيا

ضية مصنوعة كما تنفجر متناثرة إزاء القوة الالمحدودة لالبتذال؛ وإن الكرة األرولن يرتفع املستوى . يبدو، من أجل أن يحكمها الرجل متوسط الشأن دائما

املتوسط يف رأيي أبدا، من غير وجود رجال قدوة أعلني، ومناذج تشد حنو العلياء وما . لذلك، كان املهم أن يكون املستوى املتوسط أعلى ما ميكن. عطالة اجلماهير

اد رائعني ليس رجاالتهم الكبار أوال، وإنما مستوى متوسطي الشأن يجعل األفرليسوا . لذلك كان تدخل الرجل الكبير ثانويا وغير مباشر فقط. الذين ال يحصون

هم الواقع التاريخي، وقد يحدث أن ميتلك شعب أفرادا عباقرة من غير أن تكون وهذا ما يحدث كلما مترد اجلمهور على . يااألمة بسبب ذلك ذات وزن أكبر تاريخ

.هذه النماذج املثالية، فال يتبعهم وال يصل حد الكمال

-٩٧-

والطريف أن املؤرخني اهتموا حتى عهد قريب اهتماما كليا مبا هو فائق ب ولم يلحظوا أن ذلك كله ميتلك قيمة حكائية، أو على األغل. وبالوقائع املدهشة

قيمة جزئية فقط، وأن الواقع يف التاريخ هو تحديدا املألوف العادي، أي احمليط .الضخم الذي يغرق يف بعده الواسع كل ما هو غير عادي وبارز

بدرجة كبيرة، " يومية"وحيثما يسد املألوف تكن املرأة التي هي نفسها دائما إلى اخلارق للمألوف، على فالرجل أكثر ميال. عامال من الطراز األول

ر ومبواقف متوترة وصعبة وأصيلة أما املرأة، . األقل، هو يحلم باملغامرة والتغيإنها تستقر يف املألوف الثابت . فعلى العكس، تشعر حقا بسرور غريب باليومي

ة القول إن وقد بدا لي دائما حماق. وجتعل من اليوم احلاضر أمس ما استطاعت، وهو رأي صاغه بتعثر الرجل العاشق Souvent femme varieاملرأة متقلبة غالبا

لكن وجهة نظر العاشق الغزل ذات أفق . الذي لعبت به املرأة مدة من الزمنفإذا تأملنا املرأة من مسافة كبيرة وبرؤية صافية ونظرة خبير نرى . محدود جداإفراط إلى املكوث فيما هي فيه وتتجذر يف العرف والفكرة واملهمة أنها متيل ب

ر سوء . التي أنيطت بها؛ باختصار، إنها جتعل من كل شيء عادة ويبعث على التأثالرجل يسعى حنو املرأة وكأنه : الفهم الدائم املوجود بني اجلنسني يف هذه الناحية

على نشوة أو غيبوبة تقطع رتابة الوجود، فيجد دائما ذاهب إلى حفلة، أو مقدمتقريبا كائنا ال يسعده شيء سوى االهتمام مبهام يومية، سواء أكان رفو الثوب

قص Etnicosوإن األمر هو كذلك حتى أن اإلثنيين . األبيض أم الذهاب إلى الر املرأة؛ العمل، أي املهمة اليومية يبينون لنا بدهشة كبيرة، أن العمل كان من اختراع

لذلك كانت املرأة . القسرية، يف مقابل املبادرة واجلهد الرياضي املتقطع، واملغامرةل مزارع، وأول محصل وأول صانع : من خلق الوظائف واألعمال إنها أو

اجلنس : "ونمارنيون املعن يولقد أدهشني دائما يف بحث غريغور. (يكللسيرام ).أال يهتم بهذه الواقعة األولية وامللحوظة جدا" والعمل

فإذا ما ملح املرء يف اليومي القوة املهيمنة يف التاريخ، يستطيع أن يفهم التأثير الضخم لألنوثة على املصائر العرقية، ويهتم بإفراط بالنموذج البارز يف

٧- في الحب مدراسات

-٩٨-

وإني أدرك مع ذلك، أن . الذي أخذ يفضله يف عصرناماضي شعبنا، أي النموذج هذا االهتمام ليس شائعا بيننا، ألننا عند كالمنا عن املرأة اإلسبانية يحل كل

ولن أناقش اآلن جانب احلقيقة الكامن . شيء بذكر إرثنا العربي وتدخل اخلوري مالحظة أن واعتراضي على ذلك مختصر ويكمن يف. يف مثل هذه األطروحة

النموذج األنثوي اإلسباني إذا فرضنا صحة هذين العاملني فيه، ناتج كلي عن املؤثر الذكري، بالتالي ال تبدي هذه األطروحة شكا يف التأثير املتبادل للمرأة على

.نفسها وعلى التاريخ الوطني

VI

جليل السابق علينا؟ وما ذاك ما منوذج املرأة الذي كان يفضله يف إسبانية االذي أحببناه حنن؟ وما النموذج املتوقع الذي سيختاره اجليل اجلديد؟ إنه

ولم . موضوع رقيق ودقيق وإشكالي كما يجب أن تكون املواضيع التي يكتب عنها شيء الكتابة إذا لم يتح لهذه العملية السهلة للغاية الكامنة بدفع قلم على الورق،

جاعة ، وإذا لم نقترب من أمور خطرة طارئة ومعضلة؟ أضف 1من املخاطرة الش وال أفهم لم لم تعالج احلالة بصدد مسألة هامة بإفراط؛إلى ذلك أننا يف هذه

حنن نناقش طويال قانونا ماليا، أو قواعد . هي ونظائرها األخرى بشكل أعم تحلل امليول العاطفية التي تحمل حياة معاصرينا يف املقابل ال تشرح وال. السير

ومع ذلك تقيد املؤسسات السياسية ومبقياس غير ضئيل، . كما بني ذراعيهابنموذج املرأة املهيمن، وإنه أعمى من ال يجد رابطا وثيقا بني البرملان اإلسباني

األيام يف الشؤون مثال، ومنوذج املرأة الذي حصره سياسيو تلك١٩١٠عام ولقد أردت أن أكتب عن ذلك كله، حتى مع توقعي أن أخطئ يف تسعة . املنزلية

لكن هذه التضحية بأن يخطئ املرء شرعا هي تقريبا الفضيلة . أعشار رأيي

)١ (taurom aquico يف األصـل، نـسبة إلـى مـصارعة الثيـران التـي تحتـاج إلـى جرعـة كبيـرة مـن .املترجم -. الشجاعة

-٩٩-

وما خال ذلك . العامة الوحيدة التي يستطيع أن يقدمها الكاتب ملن يعايشهمصاحب مقهى، وبطوالت تافهة ال تنشأ من اجلهاز حركات سمسار عابثة، أو

منذ عشر سنوات والكتاب اإلسبان يبحثون يف (وهو العقل : اخلاص بوظيفتهالكني أريد قبل أن أحاول رسم صور ). السياسة عن حجة كيال يكونوا عقالء

أن أصل -)محاولة تصلح لها دراسة منفردة(-أنثوية مهيمنة على هذا العصر .رة االختيار يف احلب إلى نتيجتها القصوى ذات املدى الكبيربفك

ل االختيار يف احلب إلى اصطفاء بانتقاله من الفرد املفرد إلى ولقد تحو، وهو )االصطفاء اجلنسي(وتصب فكرتنا يف فكرة داروين الكبيرة . جمهور جيل

وجدير باملالحظة . ةالقوة العظمى التي تساهم يف تشكيل أشكال بيولوجية جديد: أن هذه الفكرة الرائعة ما كان باملستطاع تطبيقها بخصوبة على التاريخ البشري

وكانت تحتاج إلى دوالب كيما . لقد ظلت مقصورة على الزريبة واحلظيرة والغابةتحدث داخل : والتاريخ البشري دراما داخلية. تؤدي وظيفتها كفكرة تاريخية

. وكان يجب أن ينقل االصطفاء اجلنسي إلى هذا املسرح احلميم. فوسالنولسوف نرى اآلن أن هذا االصطفاء لدى اإلنسان يصنعه االختيار، وأن هذا

.االختيار تحكمه مثل عليا عميقة متخمرة يف أعمق أغوار الشخصيةيف : وفكرة داروين ينقصها هذا الدوالب ويفيض عنها دوالب آخر

فا وفكرة التكيف هذه هي . االصطفاء اجلنسي يختار ويفضل األحسن تكيفمتى تكون . إننا، كما هو معلوم، إزاء تفكير غامض غير محدد. الدوالب الفائض

د نوعيا؟ أو ليست العضويات كلها كذلك ما عدا عضوية ما متكيفة بشكل جيلقول من جهة أخرى، إن أيا منها ليس متكيفا بشكل املريضة منها؟ أوال ميكننا ا

وال يعني ذلك أني أكره مبدأ التكيف الذي من دونه ال ميكن . كامل؟ إلخ، إلخلكن، يجب إعطاؤه أشكاال أعقد وأدق كثيرا من . التحرك قدما يف البيولوجيا

ألن . يف مركز ثانوياألشكال التي أعطاها له داروين، وبخاصة، يجب وضعهلكن، ال ميكن البقاء يف احلياة من غير . تعريف احلياة بأنها تكيف أمر زائف

مقدار أدنى من هذا التكيف؛ لكن املدهش يف احلياة أنها تخلق أشكاال جريئة

-١٠٠-

وجسورة للغاية غير مكيفة يف البدء، والتي تنتظم مع ذلك لتتكيف مع مقدار أدنى لشروط، وتستطيع البقاء على قيد احلياة؛ بشكل ميكن ويجب أن يدرس كل من ا

أوال، كظاهرة ترفية من عدم التكيف : نوع حي انطالقا من وجهني متعاكسنيويخيل إلي أن احلياة لدى كل نوع . والنزوة، مث ثانيا، كميكانيزم بارع من التكيف

ا ذات مظهر غير قابل للحل، كيما تسر بحلها هي تطرح مشكلة على نفسهنفسها، بثراء وأناقة على شكل عام، إلى حد أن املرء إذا درس األشكال احلية، ينظر حواليه يف عرض األكوان باحثا عن مشاهد فهيم مبقتضى تصفيقه تأخذ

.على عاتقها هذا العمل املفرح) الطبيعة(مال األهداف التي توجه االصطفاء اجلنسي لدى النوع وإننا جنهل جهال كا

إنما نستطيع أن نكتشف نتائج جزئية فحسب، ونطرح على أنفسنا . البشريهل أتى عصر طبيعي : هذا السؤال مثالك. أسئلة غير متحفظة بشكل لذيذ

لمح اختارت املرأة منوذج الرجل األفضل فيه؟ ما إن نطرح السؤال حتى نألن الرجل األفضل كما يراه الرجل، والرجل األفضل كما . االزدواجية اخلطيرة

.وهناك شكوك حادة يف أنهما لم يتطابقا قط. تراه املرأة ال يتطابقانإن املرأة ال تهتم بالعباقرة قط، إن لم يكن باملصادفة؛ : لنقل ذلك بكل جفاءوالثابت أن . ة الرجل شروط تتوافق قليال مع العبقريةأي، إذا أضيفت إلى عبقري

فات التي تقدر أكثر مما تقدر يف الرجل ألثرها يف التقدم والعظمة البشريني الصوماذا يهم امرأة أن يكون رجل عالم : وقد يقال لي. ال تهم املرأة يف شيء غراميا

إن كل : زيائيا كبيرا، أو سياسيا كبيرا؟ وهكذا على التواليرياضيات كبيرا، أو فياملواهب الذكرية نوعيا واجلهود التي ولدت الثقافة وضخمتها وتبعث على

وإذا بحثنا يف . اإلعجاب الذكري معدومة القيمة يف ذاتها من أجل جذب املرأةد أنها أقل الصفات خصوبة من املقابل، عن الصفات التي تبعث احلب فيها جن

رجال "والعبقرية ليست . أجل كمال النوع العام، وهي أقل ما يهتم به الرجال .ال يهم الرجال" الرجل اجلذاب"حسب املرأة، والعكس صحيح، " جذابا

. ونابليون هو املثال املتطرف على عدم تأثير الرجل العظيم على املرأةفما . ولدينا الئحة كاملة بتقرباته من األنوثة. نعرف حياته دقيقة فدقيقةوحنن

-١٠١-

يف شبابه كانت تضفي عليه حنافته احلادة . كانت تنقص نابليون سالمة بدنيةوكان رأسه من أجمل . هيئة لطيفة لثعلب كورسيكي ناعم، مث تكور إمبراطورا

جلسدي أثار حماس الفنانني حتى شكله ا. الرؤوس من وجهة نظر ذكريةوكان مبستطاع النساء حقا أن يعجنب -من رسامني وحناتني وشعراء : وخيالهمإذ ميكن التأكيد، مع احتمال كبير : لكن، ال شيء من ذلك قد حصل. به قليال

فكن يحسسن قربه . بقول احلقيقة، أن أيما امرأة لم تعشق نابليون سيد العالم josefineوكن يفكرن جميعا يف ما كانت تقول جوسيفني . بالقلق والغم والضيق

فبينما كان اجلنرال الشاب املغرم يلقي يف حضن هذه باجلواهر .بصدق عنهواملاليني وأعمال الفن، وباملقاطعات والتيجان، كانت هذه تخونه مع أول أفاق

:الكنوزوكانت تصيح عند تلقيها هذه . يطرأ"il est drôle, ce Bonaparte =مضحك هذا البونابرت"

كعادة املولدات 1L وتشدد على Rولسانها ينزلق من فوق حرف .الفرنسيات

ويشق علينا مالحظة غياب احلرارة األنثوية التي اعتاد أن يعيش فيها واالستثناءات . ترهب املرأةويخيل إلى املرء أن العبقرية : الرجال العظماء املساكني

وهذه الواقعة الواضحة بذاتها تبدو جارحة أكثر إذا حدثت . تبرز صحة الواقعةيجب أن منيز يف : وأنا أشير إلى ما يلي. فيها عملية مضاعفة يتطلبها الواقع

. عملية احلب حلظتني يعكر اضطرابهما علم نفس احلب من البداية حتى النهايةوهذا التركيز . من قبل، عليه) تركز(ب امرأة رجال، أو العكس، يجب أن ولكي تح

ما هو غير تكثيف االنتباه على الشخص، الذي يصبح بفضل ذلك بارزا ويعلو وليس يف هذه احلظوة التنبهية شيء من احلب بعد، لكنها . على املستوى العامسابق، ) أو تثبيت(غرامية من غير تركيز وال تحدث الظاهرة ال. موقف متهيدي له

بالطبع، يخلق التركيز جوا جد مالئم . وإن يكن باإلمكان أال تتبع الظاهرة التركيزلكن . لبرعمة اإلعجاب الذي يساوي، إذا حصل عليه، بشكل طبيعي بداية حب

.املترجم –. elôrd يف كلمة l وrأي حرف ) ١(

-١٠٢-

. سود فيه مبادئ مختلفةالتفريق بني اللحظتني ذو أهمية قصوى ألنهما كليهما تتلفت "إذ يأتي عدد كبير من أخطاء علم نفس احلب من خلط الصفات التي

فات األخرى التي تبعث "االنتباه ، بالتالي، تبرز الفرد بشكل مالئم، بتلك الصلكن الرجل . فليست الثروات ما يحب يف الرجل، مثال. احلب باملعنى الصحيح

ال بأس إذا، يف أن رجال بارزا مبواهبه ميتلك . يبرز إزاء املرأة بثروتهالثريهذا هو . حتى إذا لم تعشقه يكون العذر صعبا: احتماال أعلى يف أن تتنبه املرأة له

وال بد لالبتعاد الذي . حال الرجل العظيم الذي يتمتع عموما بشهرة ساطعةواملرأة . نه، من أن يتضاعف بسبب هذا العامل الهاميحس به اجلنس األنثوي ع

.تزدري الرجل العظيم عن وعي وليس مصادفة أو إهماالوتعني هذه الواقعة من وجهة نظر االصطفاء اجلنسي أن املرأة ال تساعد فيما تفضله عاطفيا يف كمال النوع، على األقل باملعنى الذي يعزوه الرجال إلى

بل متيل باحلري، إلى إقصاء األفراد األفضل، إذا تكلمنا ذكوريا، . لكمالهذا افإذا انقضى . واملبدعني وأصحاب املشاريع العليا، وتبدي إعجابا مصمما بالعادي

جانب كبير من احلياة والعني يقظة يف مراقبة ذهاب املرأة وإيابها، فليس سهال إنها تخفق عادة فيما تبديه أحيانا من رغبة ! تهانسج أوهام حول قاعدة أفضليابل على العكس من ذلك، نراها تسبح على هواها . طيبة إعجابا بأفضل الرجال

.كما يف عنصرها، حينما تسير بني رجال متوسطي الشأنلكن، ال يحسنب أحد أننا عند . هذه هي الواقعة التي تأتي بها املراقبة

أكرر إن أهداف الطبيعة تظل سرية . ضمناها نقدا لطبع املرأة الطبيعيصياغتهافمن يدري أن يكون ابتعاد ملرأة عن األفضل مناسبا يف نهاية األمر؟ ولعل . بإفراط

دورها يف ميكانيكا التاريخ أن تكون قوة مثبطة إزاء القلق العاصف، والرغبة يف م الذي ينبع من الروح الذكريةالتغيير والت ذلك أننا لو تناولنا املسألة بأفقها . قد

األوسع وعلى شكل حيوي، فإن امليل العام يف أفضليات األنثى يبدو مصمما على إبقاء النوع ضمن حدود متواضعة لتجنب االصطفاء حنو األمثل وللحيلولة بني

.إله أو رأس مالئكةالرجل وبني أن يكون نصف

-١٠٣-

من أجل تاريخ احلب

I تغير األجيال

" أزياء"أتوجد : وربما سأل القارئ. احلب يف احنطاط، وأصبح ال يطاق

فهناك ناس يهرعون إلى املباهاة . يف عالم املشاعر؟ والسؤال تافه) موضات(اتب أن أسلوبا وأنا من جهتي، إذا قرأت لك". لألزياء"بعمق مزعوم مبدين ازدراء

دوان وغير " كونهما موضة"يف الرسم أو شكال معينا من اإليديولوجيا ال يعإن ذلك . فإني أوقف القراءة وال أتابع-ربما ألنه ال يفهمهما–جذابني يف نظره

.عرض ال يخيب على أن الكاتب قليل الذكاء وسطحيته ويف إشعاعاتها كلها، خالقة أزياء، أو وإن احلياة البشرية يف جوهرها ذا

... احلياة البشرية؟". modi-ficaciónأزياء -إحداث "القول بعبارة أخرى، هي حتى ال يوجد شكل آخر لتجلي العملية الروحية سوى السلسلة . ربما كل حياةويحدث لألفكار . ينيةالفكرية واجلمالية واخللقية والد" املوضات"املتصلة من

أن يبدعها بعض الرجال مث : واألشكال الشعورية كما يحدث يف البزات والطرائقوال نعدم قط أفرادا يعارضون التيار كما سمك احلفش، وهم على . يتبعها آخرون

ا فإن هذا ينظم أيضا سلوكهم يف نهاية األمر كيم) الزي(الرغم من سيرهم عكس .أكثر كماال" أزياء"يبدو الشبه فيما نسميه عادة

أقول إذا، إن األشياء املشهورة بكونها األكثر جدية، تسير وتتغير محكومة باآللية البيولوجية اجلوهرية للزي الذي يرتقي بذلك إلى مستوى قانون الواقع

لكن، يصلح أن . لطبعوإذا كان هكذا، يجب أن يكون األمر كذلك با. العميقكالبزات -نضيف يف آن واحد، أن األزياء يف األمور ذات العيار األدنى ظاهريا

-١٠٤-

لها دائما معنى أعمق كثيرا وأكثر جدية مما يعزى -.والعادات االجتماعية، إلخعتراف إليها بخفة، وإن وصمها بالسطحية بالتالي، كما جرت العادة، يساوي اال

وأقرب إلى احلقيقة بشكل كبير أن يوما ليس . بسطحية املرء ذاته وال شيء آخربعيدا يكشف فيه مسبقا تحليل مجهري وكيميائي جلفن عن مرض السل يف عضوية، أو عن السرطان الذي سيصاب به رجل يف العشرين من عمره متى صار

وم يف مخاطبة األشخاص بعضهم بعضا من املنتصر الي" الزي"وإن . يف األربعنيغير مجاملة ما إن يتقاربوا قليال، يستدعي ملن يحسن النظر، بقية التغيرات

.الكبرى السياسية واألخالقية املتجاورةوهكذا أخذ احلب ! وما كان ينقص غير ذلك. إذا، هناك أزياء يف املشاعر

وإذا كنا عبرنا عن الواقعة بهذه . البدايةيصبح ال يحتمل، كما كنت أقول يف إذ ال يوجد شيء . الكلمات فإننا نضفي على مالحظتنا صبغة ساخرة أو مزدريةلكن هذا الشيء . حي أو ينتمي مبعنى ما للحياة إال ويبدي وجها قابال لالزدراء

النظر مقيد واختيار وجهة . ذاته له دائما وجه آخر جاد ومحترم ورائع أو مخيفواخلطأ كامن يف افتراض أن . وكال املظهرين حقيقي بشكل متساو. بطبعنا

دا وألسره . حينئذ ستتأذى رؤيتنا باالحنياز. أحدهما حقيقي وملعانقة الواقع جيومن . اخلوف والسخرية: كبيرينيف كليته، علينا أن نلقي حنوه باسين ال

ومن ال يسخر ). Él thaumazein de Platónعجوبة أفالطون أ. (يخف ال يتعمقالواخلير يف أن يعمل . يسمح لنفسه باالجنراف إلى القاع ويغرق، ويهلك مختنقا

بالغوص حتى يجد الصدفة الثمينة يف القعر؛ : املرء كما عمل غواص كوروماندل -عالمة بسمة -ني أسنانه لكنه يخرج من ثم إلى السطح املضيء جالبا الدرة ب

.يضاعف منها زبد األمواج الكثيرة فوق وجه البحروللشعور باحلب كما لكل شيء إنساني، تطوره وتاريخه، يشبهان بإفراط

يف . وكل عصر ميتلك أسلوبه يف احلب. وفيه تتابع األساليب. تطور فن وتاريخهوالتعديل . ظام حب اجليل السابق عليهالواقع، كل جيل يعدل بهذه الدرجة أو تلك، ن

يكون يف األعم الشائع جد ضعيف حتى يهرب من التحليل وال يسمح بتحديده هذا هو أحد األسباب التي تفسر واقعة قلما لحظت؛ وهي، مع ذلك، . بوضوح

-١٠٥-

عشق هامة لدراسة احلب، وأنا أشير إلى أن رجال يف متام عمره ال يستطيع أن ي). أي يصغرنه بخمس سنني أو عشر(بشكل طبيعي سوى نساء ينتمني إلى جيله

وهذا يعني أنه يتبنى بسهولة . فالشاب يعشق يف الغالب يقينا نساء أكبر منه سنا. واألمر ذاته يحدث لألفكار. وعلى شكل مؤقت أسلوب اجليل السابق، الغرامي

ويف . وهو ينجذب إلى معلمي الزمن السابق. ن التلقيفالشاب يعيش أول فترة ملكن، تطرأ بعد ذلك فترة . هذا التلقي تتحقق وتتقولب صورته الروحية خارجيا

دق اخلالق والصراحة احليوية يبدأ فيها بأن يكون وفيا لذاته بعد أن ثانية من الصحينئذ يفكر بأفكاره اخلاصة ويبعد . يلةتكون قد نضجت ميوله الذاتية واألص

املتلقاة، وحينئذ يتخلى عن عشق النساء الالتي يكبرنه، ويشرع إلى األبد يف تشكيل جانب من قافلة جيله مع نساء زمانه والشعراء من أترابه، واألفكار السياسية

د يعشق رجل وق. وطريقة السلوك التي ابتكرت يف اخلامسة والعشرين من العمرولقد يحس اتمع من . يف األربعني امرأة يف العشرين، لكن هذا الرجل استثناء

ومع ذلك، يبدو طبيعيا أكثر من . غير أن يدري بشيء غير طبيعي، وبشكل ما مشوهأما ما يحتاج إلى تفسير فهو أن . عكسه، إن لم يكن يوجد سبب ما سري وعميق

بعني بشكل طبيعي امرأة يف الثالثني وقد مستها قليال ليونة يفضل رجل يف األرفالرجل . ومع ذلك، هذا هو الوضع. اخلريف الوشيك، على امرأة يف العشرين

املرأة يف ربيع شبابها غراميا، ألنه ال يستطيع أن يعلق عليها " يستذوق"األربعيني ال ي يبدأ بتفضيل بعض املواضيع التي هي باملثل، كل أسلوب فن. أسلوبه يف اإلعجاب

ض قابلة للتعديل كمادة متشابهة ومكونة من قبل، على ذلك األسلوب الذي سيفرإنما تفضل املرأة الشابة جدا إذا لم يكن ذلك بصدد رغبة يف احلب، وإنما . عليه

.ل األماكن والعصوربصدد لذة حسية خالصة وخالية من األسلوب املشترك يف كحنن نسير فيها . ال مهرب طبيعيا ومرضيا من القافلة التي تشكل جيلنا

وترى من حني إلى حني قافلة أخرى . أسارى ومختارين وراضني سرا يف آن واحد: وربما جمع القصف يف يوم احتفالي القافلتني معا. متر مبظهرها الغريب والنادر

لوحدة الفوضوية تتفكك إلى اموعتني العضويتني احلقيقيتني ساعة لكن اوكل فرد يتعرف بشكل سري إلى األفراد . عودتهما لعيش وجودهما الطبيعي

-١٠٦-

وإن . اآلخرين من جماعته، كما تميز النمال يف كل عش لها برائحتها املميزةفئة معينة وأسلوبا يف احلياة هو أحد االكتشافات اكتشافنا أننا نتبع بشكل محتوم

) زي(وإن جيال هو . الكئيبة التي يقوم بها من قبل ومن بعد، كل رجل حساسويعرف أعضاء كل عمر يف . كامل من الوجود يثبت بشكل ال يمحى على الفرد

لبشرة الذي يبدأ به الرسم على ا/ زي/ألن . بعض الشعوب البدائية، بوشمه .حينما يكون األعضاء راشدين، يظل منقوشا يف كيانهم بشكل ال فكاك عنه

ويتجلى الفرق بني أسلوبي جيلني متتالني، يف كل األنشطة، حتى يف أكثرها فإذا فتحنا اليوم كتابني يف أرقى . جتريدا، وهو يبدو أقل خضوعا ليد الزمان

يا نستطيع أن نكتشف من غير أنباء سابقة أي املؤلفين يف الثالثني رياضيات عللكن، إذا كان الفرق األسلوبي يزداد طبقا ألكثر الوظائف . وأيهما يف الستني

لذلك كان احلب . جتريدا وال شخصية، فهو يهبط طبقا ألكثرها تعيينا وحميميةقة كبرى، عدم توافقه مع أساليب جديدة يف املمارسة التي يلحظ فيها الرجل بد

وإنه لشاق حقا أن نلحظ التعثر وعدم التوافق الذي يغازل بهما رجل كهل . احلياةفربما كان الرجل الكهل يحتفظ . وذلك، ليس بسبب الفرق املطلق يف العمر. فتاة

بي حب متقابلني ومتعارضني بنضارة جسدية بشكل كبير، وإنما ألننا نرى أسلو .ليس باملستطاع دمج أحدهما باآلخر

لكننا لم نستطع مع ذلك كله، االقتراب من املوضوع الذي بدأنا به هذه احلب اجلديد املختلف " زي"فلنبق إلى يوم آخر محاولة تحديد . الفقرات

ا إليه انطالقا من هذه وإذا نظرن. جدا عن ذاك الذي ألهم األجيال السابقةيوخ يقولون إن احلب يف األجيال لبدا لنا باحلري، نفيا للحب، وزيا يجعل الش

.احنطاط وصار ال يحتمل

II .amor cortés" املهذب العفيفب احل"مالحظة حول

إننا نرى احلب اجلديد مير بكآبة غامضة، وكأننا مدعوون يصلون إلى لئن نكن أوفياء وفاء ال محيد عنه لشكل آخر من احلب أقل . ة متأخرينوليم

-١٠٧-

. حداثة، فإننا نستشعر لطائف هذا األسلوب األحدث، املميزة، وحنبها أيضا مختلفة لن تسمح لنا أن نرفض احلادية 1واحلياة شهية دائما، وإن عشر حيوات

نا نرى من اخلارج املشهد اإليروسي، وإذ كنا ال ذلك أن. عشرة من غير نوستاجليانشارك يف األس احليوي الذي يولده، فإننا نستطيع االقتراب من ماهيته فكريا

وهكذا يظهر لنا احلب اجلديد على خلفية احلب . والفكر عملية مقارنة. فحسبنا كان ينتمي مع هذه . ةالذي كنا منارسه متمايزا منه بعالماته الفرقي وحب

كانت فترت يف ". احلب الرومانسي"إنه . ١٩التعديالت أو تلك، إلى ساللة القرن ولهذا السبب ربما . أواخر ذلك القرن نار هوى بداياته يف ااالت احليوية كلهالكن، حسبنا . عور واألدبكنا نصنع ألنفسنا الوهم أننا لم نكن رومانسيني يف الش

أن نواجه الفئة الشابة من الناس كيما نشعر باجلذب التاريخي يبقينا الصقني . حنن خلفه القريب ومن نوع جديد أكثر اعتداال وحكمة. بأجدادنا الرومانسيني

: ي نفسهوقد كان هايني يزعم بشكل غير دقيق أنه ليس رومانسيا البتة، ويسم ".امللك املتنازل عن عرش اإلمبراطورية الرومانسية العتيقة"

أحد أكثر اإلبداعات إيحاء يف التطور البشري، ويبدو " احلب الرومانسي"وشيئا ال يصدق أن لم يحاول أحد قط، حسب علمي على األقل، تحليله أو

مل كل شيء تقريبا بعد، وما يزال ممكنا إنتاج وهذا يدل على أنه لم يع. تصنيفه .كتب أكثر أهمية

". موضات احلب"هاهنا مثال عما سميناه من قبل "! احلب الرومانسي"ل القرن يف " االحتشام" الذي لم يكن بدوره سوى زي آخر تال ١٨لقد خلف غز

يف "cortés عفيفب الاحل"؛ وأخيرا ١٥؛ واحلب األفالطوني يف القرن ١٧القرن ولسنا بحاجة إلى . ١٤ يف القرن gentilالدمث األرستقراطي واحلب -١٣القرن

االقتراب والعدسة يف يدنا، من التفصيل التاريخي كيما تنبثق أمامنا اململكة .اإليروسية املتنوعة بوجهها املختلف

احلب، خاصية بعد أخرى، ستكون وإن تحديد خواص هذه األنواع منوإذا تكلمنا عن االختالف والتنوع يف األمور البشرية فإننا . مهمة صعبة قليال

)١ (existenciasاملترجم–. مع يف األصل، أي، وجود بصيغة اجل .

-١٠٨-

فالعناصر التي تكون اإلنسان هي ذاتها تقريبا، على . نعني أشياء نسبية دائماملتباين الذي تدخل واالختالف ينشأ من املركب ا. األقل ضمن كل حلقة تاريخية

واملراد دائما الشيء ذاته، لكن . فيه هذه العناصر إلحداث التفاعل النفسييف احلب يتساند اخليال واإلعجاب . Idem sed aliter: بشكل مختلف كل مرة

وإن اجلرعة التي . واحلس واحلنان وأشياء أخرى كثيرة من الكيمياء احلميمة واملستوى الذي يحتله يف املنظور الكلي تقرر الشكل الذي يدخل بها كل منها،

.سيمثله الشعور باحلبإن الشخص البشري كيان : لذلك كان األوفق لنا أن ندرك التالي

وهو مركب من جسم ونفس يكون شكالهما األقصيان قطبي . مستقطب من أحدهما ونضعه يف وذلك يسمح لنا أن منسك الكائن البشري. الشخصية

توجد يف . البعد األول مبرزينه، بينما يظل اآلخر شبه مخفي وكامنا أو يف الظلالواقع، عصور جسدية تركز على اإلنسان يف جسده خاصة؛ بينما عصور أخرى

وإن . ال ترى يف اجلسد سوى مرآة للنفس وقطعة من مادة تتجلى فيها تلك النفسهذا امليل لتفضيل اجلسد أو الروح أحد أهم األعراض التي تحدد عصرا

وندرك أن إمكانيةهذا املنظور املزدوج ينتج نوعني مختلفني من احلب، . تاريخيا .وتفيدنا يف تصنيفه

" بالطات احلب"الذي اكتشفته ورعته " احلب املهذب العفيف"وهكذا وقد خلص . ، هو شكل متطرف من اإليروسية الروحية١٢املشهورة منذ القرن

ملا أراد من بياتريس " الكورتزيا"، قرنا ونصف القرن من ١٤دانتي يف القرن Beatrizوكانت تبعث . تعابير الوجه الذي هو اجلسد بصفته تعبيرا عن النفس

غاية احلب " التي كانت عنده ،disiato risoاحلب يف دانتي، بسمة املرأة املثالية ":وكماله

cose appariscon nello suo aspetto" che mostran de piacer del Paradiso

"Dico negli occhie nel suo dolce riso (convivio,tratto II)

-١٠٩-

ظهرت أمور على هيئتها" تدل على نعيم الفردوس

."أقول على عينيها ويف بسمتها احللوةإنه حب مأمول يف الغيب، أو هو . هذااحلب العفيف هام يف والبعد

إنه حب يضع احملب فيه كل شيء ويعيش من . نوستاجليا وبعد يف املكان والزمانوتتفجر كيمياؤه الذهنية قليال . وال يحتاج إلى رؤية احملبوبة. قوته احلماسية

دةمبجرد سماعه إطراء ينهال وهكذا حال الشاعر التروبادوري . على سي :Amenieu de Sescasأمينيودي سيكاس

E sabetz que vers es:" c' om ama, de cor fi

femme que anc non vi, sol per auzir,lauzar."

:واعلموا أنه حق" إن رجال يحب بقلب رقيق

امرأة لم يرها قط ."سوى سماعه إطراء لها

وهاكم . واملوضوع يعكس يف كل شيء جوقة التروبادوريني نصف املالئكية، كانت "شاعر احلب البعيد"، الذي أسميه بسرور Joufer Rudelجوفر روديل

:أغنيته الدائمة تقول دائما بكلمات أو أخرىqu 'el cor joi d'autr 'amor non a," mas d'aiseella que anc non vi".

القلب السعيد ليس له من حبإن" ".سوى حب تلك التي لم يرها قط

يف جانب كبير منها؛ أي، loaلذلك كانت القصيدة التروبادورية مديحا إبداع خيالي يوحي به اإلعجاب، وليست سردا وال وصفا، وليست دراما وال

وى وجهها وقد فال نرى س: وحنن نعرف بياتريس ملا غابت، ملا ماتت. أغنية

-١١٠-

: ، وكلمةel mirabile saluteالتفتت ملا ابتعدت لتهدي إلى الشاعر التحية العجيبة تظل تتذبذب فيما وراء الواقع يف خفق إيروسي سري كصدى موسيقى ! وداعا

.يعزفها وراء أيكة أحد ما غير مرئيلكن، أحرى بنا، أن . ويبدو لنا هذا احلب املهذب مصعدا روحيا بإفراط

كان العصر الوسيط األول يف احلضيض، وكان . ندرك ما يعنيه ساعة ازدهارهوما كان العصر . الرجل يعيش يف أحلك مرحلة منه وأشقها مبعزل عن املرأة

كان عصر رياضة وقنص . الوسيط األول يعرف سوى مجتمع من الرجال فقطوهكذا . شد من جهة أخرى، صموالت زهد شرسوكانت الكنيسة ت. ونهم وسكر

. بدأت بجرأة يف بعض مناطق فرنسا املنعمة موضة تأكيد شيء أرضي، هو احلباحلب "يف الواقع، كان . وما كان باإلمكان أن يحدث ذلك إال بشكل ناعم ومقنع

نفسهم وكان التروبادوريون أ. يتأرجح بني شعور واقعي ووهم رمزي" املهذب. ، ولعبة بالط"أكذوبة مهذبة"؛ أمر تصنع، أو fenherإن األمر أمر : يقولون ذلك

لكن ذلك يفترض أن يكون إبداعا روحيا، أو شيئا ما يعلق فوق الغريزة كنتاج نبيل إنه : وهذا احلب ال يتوافق مع أي تحقق شهواني. لم يكتمل من نتاج النفوس

لذلك كان غير منسجم مع احلب الزوجي . عد والوحدة كالعندليبيعيش يف البوهو شكل . وهو دينامية غرامية بحتة خالية من املادة. القائم على تحقق كامل

الص يف الواقع، هو احلب الذي واحلب اخل. احلب من غير عطالة اجلسد .يتحقق، وكله توتر وكد ورغبة حارقةال

كداللة لما كان ميكن " احلب العفيف"هذه املالحظة القصيرة عن ولتكن .أن يصبح ظاهرتية األنواع اإليروسية

-١١١-

1"فرنسيسكا إىل بياتريس"خامتة لكتاب من de Francesca a Beatrice

:سيدتيولقد قدتني بشكل عجيب يف جادة مثلثة من مقطعات . كانت الرحلة طيبة

ثالثية األبيات التي ترتعش تاركة هنا وهناك بحركة خفيفة، نبرة موحية تضفي بالطبع، كانت نظرتنا تتخلى أحيانا عن . على املشهد القدمي ما يشبه أفقا جديدا

صور دانتي لتتنبه إلى حركاتك كما فعل الشاعر غالبا مع خير دليل له بعد كل ألن شهوة ربما غير معتدلة، للعصر احلالي جعلتني أؤثر على !وماذا نعمل له. شيء

وال . املشهد العبقري القدمي، لكن الباهت، مشهدا آخر جديدا كان انعكاسا لذاكفقد كان عاملا جيدا . أحسب دانتي املعاد إحياؤه يجد يف ذلك مناسبة للنقد

ة التي هي عدم النظر أحيانا إلى العالم بامللذات، فال يجهل هذه اللذة املزدوجوقبل –فهو يتكلم أحيانا . مباشرة وإنما بشكل ملتو، منعكسا يف تبدالت وجه

. أنه يرى السفينة تنعكس هابطة التيار، يف بؤبؤ عني-هيريدا بسبعة قرونض بشكل أليس كذلك؟ ألنه يفتر. إنه اعتراف خطير). ٤٢، ٤١-XVIIالفردوس (

ويلذ . ال محيد عنه، شعورا باحندارات متقاربة جدا تنصب على عيون جد طبيعية أنها يف موقف حميم حلو كهذا املوقف، 2لنا أن نكتشف يف غنائيتنا القاسية

وهذا البيت . جغرايف أنهار تسيل عبر العيون، وربان سفن متخر داخل بؤبؤ عنيلى معطى بيولوجي فيه تهور منوذجي، وهو وثيقة صادقة يف الشعري ينطوي ع

أما وإنا سنتكلم بعد ذلك عن . ورقة اخلدمات العاطفية الصادرة عن الشاعرفقد كان جسورا يف . تكتيكه يف االبتعاد، فمن اخلير اآلن أن نبرز مآثره يف التقرب

راعاحلب على الرغم من حيائه، واقترب من سا ألن قاربا يف سائل خليج . حة الص

.، التي كان ميلكهاrevista de occidenteأعاد أورتغا نشره يف مجلة الغرب . ملؤلفته فيكتوريا أوكامبو) ١( .، ضبعhienaيف األصل ) ٢(

-١١٢-

بؤبؤ هو شيء جد دقيق ال يرى إال باإلطالل من قرب قريب على القزحية فبينما كان سائر . وعلى العكس من ذلك احلالة التي أشار إليها بلوتارك. السحرية

فتة للنظر، احملاربني يسير إلى املعركة رافعني رايات رسمت عليها شعارات كبيرة ال. -وصمه اآلخرون -! أنت جبان. "كان بينهم محارب يحمل شعارا ممثال بذبابة

!". تريد أن تذهب إلى املعركة من غير أن ترى، وشعارك ال يجعلك تقترب من العدو ذلك أني أفكر يف ،-أجاب احملارب املهان بهدوء -. على العكس من ذلك متاما"

".ى ال يجد مناصا من رؤية الذبابة، شاء أم أبىاالقتراب منه حت حميم، بالتالي، جد تافه، لكن هذا التفصيل البيوغرايف من طراز جد

يف أن نسوغ بوساطة الشاعر ذاته، زلة انتباهنا، إذا -أصدقاءك -ينفعنا حنن الا إلى قصيدة الشاعر اتجه حنوك عند قراءة الكتاب بإلفة وطرافة تفوق انتباهن

والتسويغ يهبط علينا مباشرة من أعلى األفالك ويتغذى من مبدأ هو . املعتبرة .أعظم مبادئ دانتي كلها

دتي، مظهر منوذجي لألنوثة ويف ما حول شخصك تلتقي . إنك، يا سي إلى كون وكيف ال يثير فضولنا رؤيتك تنزلني. بلطف مشع أكثر الكماالت غرابة

إن السفر إلى ما وراء ! دانتي املهلوس حيث توجد أشكال الوجود البشري كلها؟العالم الذي قمنا به مرات عدة يكتسب بهذا الشكل درامية جديدة ويمأل

دود . بتحوالت موحية دتي، عش من احلماسة الكاملة، ومن الص ألن قلبك، يا سيدود فوق فما أ. الصارم لذ متابعتك وشهود طيران هذه احلماسة أو ذاك الص

املشهد ومالحظة أين يقف ودك، أو إلى أين تنحرفني، يف املقابل، بقدم رشيقة وكل حركة من حركاتك لها يف نظرنا معنى معياري ألنه ! وكأنك يف هرب متعمد

.فيها ينكشف سر قبولك وصدودك أعظم اكتشاف قام به دانتي؟ وإنه حملزن -أي، املرأة معيارا -ك أو ليس ذل

. أن يكون تأثير املرأة النوعي يف التاريخ، غير مدرك وال يعرف الناس عنه شيئاويفترض أنه . واحلقيقة أنه لم يبحث أيضا حتى اليوم الشعور الذكري حنو املرأة

يف حني أنه سلك، يف الواقع تطورا . زيادة قليلة أو نقص قليلهو هو ذاته دائما ب .بطيئا ووعرا ومملوءا باإلبداعات والتراجعات

-١١٣-

. بالتالي، كان من اخلير أن نالحظ أن التاريخ قد تقدم تبعا إليقاع جنسيكانت الهيمنة فيها فهناك عصور هيمنت فيها القيم الذكرية، وهناك عصور أخرى،

ل، إذا لم نتكلم إال عن . لقيم األنوثة الحظي يا سيدتي، أن العصر الوسيط األوفما كانت املرأة تتدخل يف احلياة العامة، وكان . حضارتنا، كان عصرا ذكوريا

يدات، الرجال يضطلعون باملهمة احلربية، وكان رفاق السالح يلهون بعيدا عن السأما العصر الوسيط الثاني، وهو يف رأيي . باحتفاالت بربرية من الشرب والغناء

. أكثر عصور ماضي أوروبا جاذبية، فيتميز بصعود جنم األنوثة فوق أفق التاريخوإلى اآلن لم ". بالطات احلب"ولقد أشرت أنت إلى ذلك ملا اختتمت تعليقك على

آداب التهذيب و" (الكورتزيا" مستواها التاريخي الذي تستحقه ثقافة توضع يف، وهي يف رأيي إحدى الوقائع احلاسمة يف ١٢، التي ازدهرت يف القرن )السلوك

، ودانتي، S.Franciscoخرج سان فرنسيسكو " الكورتزيا"ومن . احلضارة الغربيةالنهضة التي يف إثرها تسارعت الثقافة وAvignon1والبالط البابوي يف آفينيون

وقد جاء هذا احملصول الضخم كامال من اجلرأة العبقرية التي . احلديثة كلهافقد . موقفا جديدا إزاء احلياةProvenceوطدت بها بعض سيدات من البروفانس

الداخلي والرقة جترأت هؤالء النسوة الراقيات على اإليحاء مبذهب من التهذيب وقد بعثت . الفكرية يف مقابل الزهد املزدوج واملحال أيضا عند الراهب واحملارب

وإذ كان العصر ". االعتدال" أو el metrónيف ظل هذا اإللهام قاعدة اليونان العليا

ال يعـرف بـشكل كـاف إن كـان هـذا الـبالط الفرنـسي اإليطـالي املناسـبة األولـى التـي شــرعت ) ١(دات يف تش إذا، منـه يجـب أن نـؤرخ . بـشكل مـألوف وثابـت " اتمـع "كيل جانب مـن فيها السي

ة التـي سـماها الرجـال املعاصـرون ). بالطـا = corte(باملعنى الصحيح لهذه الهيئة االجتماعيـوإذ شكله يف آفينيون يف جانب كبير منه، رجال دين كبار، بالتالي، عزاب، ظهـر منـوذج أصـيل

ة مــن ا ــسلكن حيــاة مــستقلة ومثقفــ ــساء كــن ي ة . لن ــكت مــن أجلهــن للمــرة األولــى كلمــ ولقــد سCortesana . وءا وبس . لكـن، عــار علــى مــن يظــن يف األمـر ســ L. Deوإن إحــداهن الوراده نــ

Novesاملؤلف–. كانت صديقة بيترارك . ــية يف -١: تعنــي Cortesana: مالحظــة لــذلك وضـــع . مومــسا -٢. الــبالط امــرأة مــن احلاشـ

.املترجم –. املؤلف مالحظة عنها٨-دراسات في الحب م

-١١٤-

يعلن la lei de corteziaالوسيط األول كله إسراف كالذكر، فإن قانون الكورتزيا .، وهو العنصر الذي تشجع عليه األنوثة"لالعتدال"الهيمنة اجلديدة

وقد انسكبت هيمنة االعتدال وحسن التصرف كزيت روحي عذب حتى وإنه لباعث على التأثر أن نكتشف يف أرض خشنة خشونة . أقصى األماكن

د، أبياتا من الشعر بهذه املفرد :اتقصيدة امليو سيFabló myo cid, bien e tan mesurado با ومتزنا جدا تكلم ميوسيد كالما طي

زان امللحمة القشتالية اجلافية من البالطات البروفنسية وقد جاء هذا االتوباملثل، حررت شارلوت دو . البعيدة حيث كانت تعيش بانسجام إناث متحضرات

لذلك . من جرمانيته الشرسة يف شبابهGoethe غوته Carlota de Steinشتاين إذا أردت أن تعرف ماذا يجب أن تعمل : "وينصحنا" املروضة"كان يسميها عادة

".يف كل حالة، فانظر إلى أرض النساءبا أوال، أو جسما باإلمكان خطفه وقد تال . كانت املرأة بالنسبة للرجل نه

عال القنصي شعور أرق ويحمل عالمة معاكسة لم يعرفها اإلغريقي هذا االنفألن ترقي . وما يف املرأة من غنيمة أو نهب، يؤخذ خطفا أصبح ال يرضي. 1جيدا

وغنيمة . الرجل رقيا كبيرا جعله يرغب يف أن تكون الغنيمة له بدافع تلقائي منهاوأصبحت الغنيمة جائزة، لنيلها . لم تكسب كسبامتلك يف الواقع إنأنوثتها ال ت

يجب على املرء أن يصبح جديرا بها، ويكون وفق املثال األعلى للرجل، الذي يغفو إذ يسقط : وقد انقلبت األدوار بسبب هذه اآللية الطريفة. داخل نفس املرأة

سية احملضة يقوم الغالب سجينا، فإذا كان موقف الذكر يف عصر الغريزة اجلنعلى النهب واالنقضاض على اجلمال العابر أمامه، فقد صار يف هذه املرحلة من احلماسة الروحية على العكس من ذلك، يقف على مسافة ويتجه من بعيد إلى

دود هذه " الكورتزيا"لقد دشنت ثقافة . الوجه األنثوي ليكتشف فيه الرضا والص

قد يكـون مزعجـا هنـا محاولتنـا تحليـل الـشعور باحلـب عنـد اليونـان مهمـا يكـن هـذا التحليـل ) ١(لسوء احلظ، مازال تسود يف بلدي كما يف البلد الذي تعيـشني فيـه نزعـة محافظـة . مختصرا

. املؤلف–. الم بوضوح كبير عن أعمق املواضيع اإلنسانيةصارمة حتى ال تدع هامشا للك

-١١٥-

وميثل . ة بني اجلنسني، التي أصبحت املرأة بفضلها مثقفة الرجلالعالقة اجلديدبشكل مرتعش يف ظل انفعال " احلياة اجلديدة"وقد كتب كتاب . دانتي ذروتها

الشاعر إلحساسه أنه سيتحول إلى رجل جديد تحت وطأة إزميل األنوثة ها حنن . ضاها فحسبوكان دانتي يتطلع إلى موافقة بياتريس ور. الالواقعي

وكان هم الشاعر إن . 1نراها متر بعيدة دائما ورتيبة احلركات قليال وتقليديةفإذا كانت بياتريس مستاءة تتحاشى تحيته، فيرتعد . كانت تحييه أم ال تحييه

يت لقد حيتني باحترام حتى بدا لي حينئذ أني لق: "يقول ملا رآها أول مرة. دانتي ".مفردات السعادة كلها

“Mi Salutó vertuosamente che mi parve allora vedere tutti e termini

della beatitudine”

ن هي السيدة صاحبة التحية التي تكرمت اليوم عرفت م: ويف يوم آخرانتظار التحية "ومنذ ذلك احلني ودانتي يعيش حزينا يتملكه ". فحيتني .فقط" ةالعجيب

وتسيطر الفتاة احملترسة على فتوة الشاعر الهائجة بتحيتها وصدودها بالطبع، . الشبيهني بلجامني غير منظورين، غير منظورين كخطي الذنب الفلكيني

ال ميكن لهذه القوة الساحرة جدا وغير اسمة تقريبا، أن تستقر إال يف املرأة ويلح بإشارة . تلك اللطيفة وخالصة األنوثة: قول دانتي بوعي كاملالتي تهذبت، وي

مفرطة قليال إلى احتقار اجلسد، على أنه إن تكلم عن العينني اللتني هما مبدأ ch' è fine de، وعن الفم الذي هو غاية احلب sono principio de amoreاحلب

amore""واذكر ما . عنك كل تفكير معيبانزع. "؛ فإنه يتحاشى كل تفكير سيءقرأت من قبل أن التحية املنطلقة من فم تلك السيدة كانت غاية رغبتي مادمت

".أستطيع أن أتلقاها منها

)١ (Prerrafaelista طريقــة يف -٢. طريقــة الرســم الــسائدة قبــل رفائيــل -١ يف األصــل وتعنــي تـدعو ١٩ حركة فنية وأدبية نشأت يف بريطانيـا يف القـرن -٣. الرسم تقلد األمناط السابقة . املترجم–. لقرون الوسطىللعودة إلى األصول وبدائية ا

-١١٦-

عيش مدة أسبوع كامل من غناء ويقال إن سان فرنسيسكو استطاع التلك البسمة التي وكان دانتي يستمد من الفم والبؤبؤ الكهرباء الصوفية ل. جدجد

وهذه البسمة التي ستظهر مرات كثيرة يف أعمال دانتي األخيرة، هذه . تحييه التي خلدتها عذارى احلجر goticaالضحكة املرغوب فيها هي االبتسامة الغوطية

.القامتة يف مداخل الكاتدرائيات األوروبيةChe dentro agli acchi suoi ardeva un riso

Tal ch'io co'miei tocar lo fondo Della mia grazia e del mio paradiso

كانت تتوهج يف عينيها تلك البسمة حتى ظننت أني أالمس بعيني منتهى "يقول دانتي يف أواخر عمله احلي مختتما انفعاالته األولية ملا ."سعادتي وجنتي

.بدأ شابا حياته اجلديدةدتي، ولن ينقضي شغفي أبدالقد شغفني ا لكن، اسمحي لي . ملوضوع يا سي

سالة البيولوجية العليا التي أنيطت أال أضيع الفرصة ألخلص أفكاري حول الروأرجوك، قبل كل شيء، أال يثير نفورك بشكل خطير . باألنثى البشرية يف التاريخ

نك أن يخولني سريعا جدا شرعية وآمل من اتزا. أنثى بشرية: جفاء هذه املفردة .استعمالها معترفا أنها ضرورية لي

إن رسالة األنثى البشرية التاريخية احلقيقية تظهر من غير وضوح وكل هذه . لنسياننا أن املرأة ليست الزوجة وال هي األم وال األخت وال البنت

اال تتبناها املرأة حينما تتخلى عن أن األشياء رواسب تضفي على األنوثة أشكال شك يف أن العالم يظل مبتورا بشكل . تكون امرأة، أو حينما ال تكون امرأة

مخيف إن أبعدت منه هذه القوى الروحية العجيبة التي هي الزوجة واألم واألخت لكن، من . يوجد شيء يفوقهاوالبنت، املقدرة واملمتازة جدا حتى يبدو محاال أن

الضرورة القول إنه ال تكتمل بها طبقات األنوثة، وهي أدنى وثانوية إذا قورنت مبا .هي املرأة حينما تكون امرأة وال شيء آخر

-١١٧-

وكل لقب مقدس من ألقاب الكائن األنثوي هذه، يختلف عن اآلخر، . األم والزوجة واألخت والبنتوال يجهل أحد ما هي . ويتحدد بوظيفته الفعالة

–لكن ال وجود لهذه الوظيفة الرباعية املؤثرة إن لم تكن األنثى البشرية فوق ذلك . امرأة-بل وقبل ذلك كله

لكن، ما هي املرأة إذا لم تكن غير امرأة؟أنا ال أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال من غير أن أصحح أوال معنى

فمنذ مائتي عام، يا سيدتي، وهم يكلموننا بثبات مرهق عن . ليا، التقليدياملثل الع–وهذه املوعظة التي طاملا استعملها الفالسفة واملربون عن املثل العليا . املثالية

والتأكيد على أن احلياة لها قيمة ما، إذا وضعت يف خدمة املثل فقط، أيا يكن ذي تحتويه، تكشف عن تصور خاطئ عما هي هذه املثل، وكانت جانب احلقيقة ال

لقد جرى كالم كثير . عائقا يف القرون األخيرة حتى صار ضرورة ملحة نقضهاعن مثال العدالة األعلى، ومثال احلقيقة أو اجلمال األعلى؛ لكن، لم يسأل أحد

إذ ال يكفي الثناء بشكل . أعلىنفسه ماذا ينبغي لشيء أن يكون كيما يصبح مثاالفمثال األمس كف عن . مؤثر على هذه القاعدة أو تلك كيما نوضح عملها كمثال

والتاريخ شهد مائة مرة دراما مثال أعلى يولد . أن يكون اليوم كذلك يف نظرناوعية؟ فكيف ميكن ذلك، إن لم يتغير محتواه وأهميته املوض. ويثمر مث ميوت

فال يكفي أن . بالطبع، خطأ أن ننظر إلى املثل يف ذاتها فقط بعيدا عن صلتها بناألن املثال وظيفة حيوية وأداة للحياة . يكون شيء كامال كيما يكون مثاال أعلى بحق

وقد يكون مبستطاع علم األخالق واجلمال أن . بني أدوات أخرى ال تحصىدا يف كل حلظ ور التي تستحق أن تعمل كمثل، أما وظيفة املثال ذاتها يحد ة الص

.فإننا نستطيع أن نتعلمها من البيولوجيا فحسبقد يقال إن املثل العليا هي أشياء سامية وغريبة عن احلياة، وإن هذه احلياة إذا ارتقت إليها، فإنها تخرج من ذاتها وترتفع فوق مدارها الطبيعي

وال يدرك أولئك الذين يحبذون هذا اخلطأ، الضرر الذي يلحقونه . املتواضعألنهم يفسحون اال لالفتراض أن احلياة ميكن لها أن تؤدي . مبثاليتهم ذاتها

-١١٨-

وظيفتها بذاتها من غير تدخل املثل العليا، على شكل تكون فيه هذه املثل الدوالب .افة شرفية بقدر ما هي سطحيةاخلامس يف العربة وإض

فاحلياة، على األقل كل حياة . وأنا أحسب أن ال وجود لشيء من هذان بشرية محالة من غير مثال أعلى، أو القول بطريقة أخرى، إن املثال عضو مكو

.من أعضاء احلياةمن جسم فرد فقط، ويبين علم احلياة اجلديد أن العضوية احلية ال تتكون

أو إذا كنا بصدد اإلنسان، من جسمه ونفسه؛جسم ونفس، وهما جماع شخصنا، ليسا سوى جملة من األعضاء املادية والروحية، بالتالي، هما نسق من األجهزة

واحلياة تكمن يف نسق من الوظائف اجلسمية والنفسية، . التي تؤدي وظيفتهاوتتوجه هذه األنشطة بصورة مباشرة وغير مباشرة إلى . ومن عمليات وأنشطة

فالعني ترى أشياء املنظر واليد تتقدم كيما . العالم احمليط بها، وتصب فيهلكن، قد يكون خطأ االفتراض أن العالم احمليط بنا، وما نسميه . تستولي عليها

ط موجود ببساطة كيما يتلقى أنشطتنا طبقا لتحق وكل يوم يصبح أكثر . قهاالوسوضوحا أن أنشطة العضوية حتى أكثرها أولية، كالغذاء، ال تؤدي وظيفتها إن لم

وكل ما . فاملنبه أو احلافز هو العنصر األول بالنسبة للكائن احلي. تكن منبهةط. احلياة هي أن تكون منبهة: عداه مقيد به حتى ميكننا القول ، إذا، هو فالوس

قبل كل شيء آخر، مخزن احلوافز وترسانة املنبهات التي تحفز بعملها املتواصل وكل نوع، بل كل فرد، ميتلك . على العضوية السيل الديناميكي الذي هو احلياة

ي الستة آالف وجه أشياء أخرى فالدبور الذي يرى بعينيه ذات: وسطه اخلاص . مختلف، بالتالي، يتلقى منبهات مختلفةنراها حنن، له وسط بصريال

وتدلنا هذه املالحظة البسيطة على أن الوسط ليس شيئا خارج العضوية وإذا نظر إلى احلياة هكذا، . البيولوجية، وإنما هو عضو فيها، إنه عضو التنبيه

تحاورين فيه، بدت لنا حوارا فعاال مع احمليط الذي يكون شخصنا أحد املوإذا كان الضغط اجلوي ودرجة احلرارة . والشخص اآلخر ما يحيط بنا

واجلفاف والضوء تنبه أنشطتنا اجلسمية وتثيرها، كذلك يوجد يف احمليط صور مجسمة أو خيالية وظيفتها تقوم على إطالق أنشطتنا الروحية التي بدورها جتر

-١١٩-

. وهذه املنبهات النفسية هي املثل العليا ال أكثر وال أقل.وراءها اجلهاز البدنيوفية املزيفة، عن املثل العليا . فلتكف إذا، هذه املوعظة الغامضة املداهنة الص

باختصار، هي مثل عليا مبقدار ما جتذب حيويتنا الروحية وتنبهها، هي نوابض . ن دونها ال تؤدي احلياة وظيفتهاوم. بيولوجية، وصواعق لتفجير الطاقات

) خارج أرضية(ومحيطنا الذي ليس مسكونا بأشياء واقعية فقط، وإنما بوجوه بعضها صغير . وحتى محالة أيضا، يحتوي على جملة شديدة التنوع منها

ومتواضع حتى ال ندري به تقريبا؛ وبعضها ضخم وذو حجم تاريخي يجعل وإذا أريد أن . ر كامل، وأحيانا وجود شعب كامل وعصر بأسرهوجودنا يف توت

يقتصر عدد املثل على هذه املثل الكبيرة، فال توجد عقبة يف التذكر أن ما فيها من املثل ليس بسبب ما فيها من الكبر وال بسبب أهميتها املوضوعية، وإنما ملا

االفتتان، واجلاذبية واإلثارة وإطالق ك: فيها من مشترك مع أصغر حوافز احلياةواحلياة كما الفرسان القدماء، . واملثال عضو يف كل حياة مكلف بتنبيهها. قوانا

لذلك كان واجبا على بيولوجيا كل كائن أن تحلل ليس . سيدة تستعمل مهاميزورا وحنن نعاني أحيانا تده. جسمه ونفسه وإنما أن تكتشف أيضا الئحة مثله

.يأتي من مرض يف جسمنا وال يف نفسنا وإنما من سوء يف صحة مثلنااللكي يكون شيء ما مثاال ال يكفي أن يبدو : وبذلك نصل إلى النتيجة التالية

جديرا بأن يكون كذلك ألسباب خلقية أو ذوقية أو عرفية، وإنما ال بد له من أن درة على السحر، وجذب أعصابنا، ويتغلغل تغلغال كامال ميتلك يف الواقع، هذه الق

وإما ال، فسوف يكون شبح مثال، أو مثاال مشلوال عاجزا عن شد . يف حساسيتنالقد انصب االهتمام حتى اليوم، على أحد وجهي املثال، الذي يطل . قوس احلافز

. و داخل التنظيم احليويعلى املطلق، ونسي الوجه اآلخر، ذاك الذي يتجه حنوحنن نعبر عن هذه الوظيفة اجلذابة التي هي ماهية املثال بأكثر الكلمات

".أحالم"ابتذاال، أي كلمة فوظيفة املرأة، إذا لم . واآلن نستطيع أن جنيب بسرور عن السؤال السابق

ال أكثر من ذلك، ") ماحل"و " فتنة("تكن غير امرأة، هي كونها مثال الذكر احملدد إذ يستطيع الرجل أن يحب بحماس مفرط األم والزوجة . وال أقل من ذلك أيضا

-١٢٠-

ويستطيع على . والبنت أو األخت من غير أن يكون يف شعوره أدنى نغمة من احللمعكس ذلك، أن يشعر بنفسه حاملا مفتونا منجذبا من غير أن يشعر بشيء من

والنساء مييزن بحدس . بدقة حبا بنويا، وأبويا وزوجيا أوأخوياهذا مما نسميهحاد متييزا كامال هذا اللوين من احللم متى وجد يف االنفعاالت التي تحث؛

.Jكان خوسه ديكامبو . ويشعرن حينئذ فقط يف سرهن أنهن مسرورات راضيات

de Campoإن شيئا واحدا : "، يقول١٨ي يف أواخر القرن ، وهو كاتب إسباني ذك ."فقط ميكنه أن ميأل ملئا كامال قلب الرجل، وهو قلب املرأة

إذ ميكن ألم . أو مثاال) سحرا(إذا، املرأة تكون امرأة مبقدار ما تكون فتنة وألقاب . علىكاملة أن تكون مثاال لألم، لكن كونها أما ال يعني أن تكون مثاال أ

األنثى البشرية املتنوعة متباينة بوضوح، وتتبع كال منها جملة مختلفة من اللطائف وميكن للزوجة واألم واألخت والبنت أن تكن كامالت من غير أن . والفضائل

.ميتلكن كمال املرأة، والعكس صحيحدأ الذي يجعل ويالحظ من جهة أخرى أن رسالة املرأة الساحرة هي املب

وإذا لم تفتن املرأة الرجل ال يختارها ليجعل منها . بقية أشكال األنوثة ممكنةوكل شيء ينشأ من هذه القدرة السحرية . زوجة ستكون أم بناته أخوات أبنائه

.على إثارة االفتتاننجوم ملا كان اجلنرال الروماني يسهر مسهدا كئيبا يف حصنه تحت خفق ال

بيليدا العرافة اجلميلة -حسب شاتوبريان يف كتاب الشهداء–الغامض، متثلت له التي كانت تحبه، شبحا إثيريا بناصيتها الطويلة الشقراء، واملنجل الذهبي

إذا، . sais-tu que je suis feéأتعلم أني جنية؟ : الطقسي بني ثدييها، وقالت لهأة أن تبدو للرجل، قبل أن تكون أي شيء آخر، مثل بيليدا، جنية ينبغي للمر

: واحللم ميكن له أن يعيش حلظة واحدة، أو أال ميوت أبدا. وماهية سحريةوسواء أكان قصير العمر، أم دائما فهو مناسبة لتؤثر املرأة به أعظم تأثير على

.الرجل الذي ميثل لهاق أن توجد أذهان عمي إلى حد تقبل أن املرأة ميكن أن وإنه ألمر ال يصد

تؤثر يف التاريخ بواسطة التصويت االنتخابي أو درجة الدكتوراه اجلامعية كما

-١٢١-

وإذ ال توجد داخل الشرط البشري قوة بيولوجية . تؤثر بقوة احللم السحرية هذهرأة لتجذب الرجل إليها، فقد جعلت موثوقة وفعالة كهذه القدرة التي متتلكها امل

.الطبيعة من هذه القوة أقوى أداة لالصطفاء، وقوة راقية لتغيير النوع وتكميلهوالطريف أن تظهر املرأة يف بدايات التاريخ األوروبي يف النشيد األول من

األمهر املرأة األجمل للرجل . اإللياذة جائزة ملن يغلب يف األلعاب أو يف احلرب. واألقوى، حتى أننا جند الذكور، من ثم، يتطلعون إلى غزو املرأة منافسة ومبارزة

ويف وقت الحق، لم تكن جائزة تمنح لألفضل، وإنما هي نفسها مكلفة أن تحكم وأصبحت احلياة االجتماعية مباراة مستمرة . على من هو األصلح وتفضل الفائز

وتسمح العادات . بني الرجال لقياس استعداداتهم بنية أن تفضلهن املرأةمفتوحة والنهضة والقرن -١٣القرن –بشدة نوعية خاصة يف العصور األخصب واألمجد

لكن، . juges des méritesحكام امتياز : أن تكون النساء كما قال ستندال-١٨ وإنما ما يبدو لها أنه األفضل، تفضل يعترض علينا أن املرأة ال تختار األفضل،

. وهكذا هو احلال، يف الواقع. الفرد الذي ترى مجسدا فيه مثال الذكر األعلىفاملثال، أو الصورة ايدة التي متتلكها املرأة عن الرجل، تعمل كجهاز اصطفاء

لصورة تحديدا، وهذه ا. يف جمهور الذكور وتبرز من بينهم الذين يتطابقون معهاأسيرة التاريخ الذي هو يف جانب كبير منه تاريخ املثل العليا الذكرية التي أبدعتها

أن من واجب الرجل أن يكون provenceوهكذا قررت سيدات البروفانس . املرأةprou و courtois) لقد خلقن مثال ! بطولة وتهذيب). أي، شجاعا ومهذبا

.الذي ظل وإن احنط وتهافت، يشكل لب اتمع األوروبي" ةالفروسي"يف كل جيل يفضل الذكور الذين يتطابقون مع املثال األعم السائد بني

فهم ينشئون البيوت األجنح واألسعد، حيث يربى خير األبناء : فتيات ذلك العصرسة ألجيال متعاقبة معيارا ووضعا الذين ينقلون، وقد تأثروا بنفوس آبائهم املتجان

.معينا من البشريةهكذا هي احلياة مدهشة ومألى بدروب لم ! فماذا نصنع لك، يا سيدتي

انظروا إلى احللم الالملموس والسيال واألثيري الذي تحلم به ! يخمنها أحدا يطبعه العذارى يف حجراتهن، وكيف يطبع أثره على القرون بشكل أعمق مم

-١٢٢-

وما تنسجه اليافعات يف عمق خيالهن منكفئات على ! عليها فوالذ قواد اجليوشنفوسهن، يناط به االنعطاف الذي يتخذه يف جانب كبير منه، التاريخ ضمن قرن

.إن حياتنا مصنوعة من حبكة أحالمنا: ولذا كان شكسبير على صواب. واحددتي، أن أتخذ يف هذه املناسبة مواقف من احلركة أنا ال أريد، يا سي

عاتها املعينة جديرة باالحترام والتشجيع. النسوية املعاصرة . ولربما بدت لي تطلي، نعم، أجرؤ على القول إن كل حركة نسائية تدع املسألة الكبرى من غير أن لكن

قة التي تؤثر بها األنوثة يف إنها الطري. تمس، هي حركة سطحية وإن تكن ناجحةالتاريخ، وإن نقصا يف االحتياط الفكري يقود إلى البحث عن فعالية املرأة يف

وبهذه الطريقة سنعثر بالطبع على . أشكال شبيهة باألشكال اخلاصة بعمل الذكر .ما ال يوجد

جب على الذهن وننسى أن كل كائن ميتلك صنفا معينا من األسباب، وي .اليقظ أن يعرف الكشف عنها

نفسه إن كان ممكنا تأليف Hebbelلقد سأل املسرحي العبقري هيبل ة تبدو قائمة على نشاط فياض ألن البطول. تراجيديات يكون بطلها أنثويا

األرملة judithوملا حلل واقعة جوديث . يتوافق تقريبا مع وضع املرأة الطبيعيالس ، فقد Holofernesالعذراء، وجد أنها إن كانت غامرت بدخول خيمة هولوفرن

كان ذلك إعجابا باحملارب الشجاع وتحمسا له؛ وإذا كانت جزت رأسه بعد ذلك، . فقد كان ذلك نتيجة آلية للبغض أو للحقد ملا شعرت بنفسها مذلة مهانة

يف الواقع، كانت نسيجا مكونا من . نظر إليها من بعيدفبطولتها تشبه البطولة إذا ردود الفعل وحاالت الضعف؛ ولتصحيح هذه احملاولة، عدل هيبل يف مسرحية

التي لم تصنع شيئا سوى املعاناة واأللم j.de Brabante جينوفييف ده برابانتاط مباهيته سلبا خالقة بذلك رمز بطولة سلبية باملعنى اخلاص حيث يكون النش

.هذي هي صياغته للدعوى األنثوية. ؛ العمل يف املعاناةDurch dulden tuومعاناة يقينا أن مصير . ويبدو لي حل هيبل للمشكلة التي طرحها بدقة، مفرطا

: املرأة ليس النشاط؛ لكن، بني هذا النشاط واملعاناة يوجد شكل وسط هو .الطبيعة أو املاهية

-١٢٣-

دا عانى قرب امرأة االنطباع أنه يجد كل رجل ذو حساسية ومتزن جيوتلك املرأة أقل علما منا، . نفسه أمام شيء عجيب وأعلى منه بشكل مطلق

ولديها قدرة على اإلبداع الفني أدنى، وليست قادرة يف العادة على حكم شعب وال علينا ذا طبيعة أهم من كل كسب معارك، ومع ذلك نلمح يف شخصها تفوقا

ذلك أن االمتيازات . الطبائع التي ميكن أن توجد بني رجلني من وظيفة واحدة -كاملوهبة العلمية أو الفنية، واملهارة السياسية واملالية والبطولة اخللقية–الذكرية

. القول هكذاهي بشكل ما طارئة على ذات الشخص، وإنما هي أداتية، إذا صحواملوهبة تقوم على قابلية خللق بعض املنتجات املفيدة اجتماعيا، من العلم والفن

أما ما نقدره حقا فهو هذه املنتجات، وإن شعاعا . إلى الثروة والنظام االجتماعيفليس الشاعر ما . من القيمة نعزوه إليها ينعكس على املواهب الضرورية إلنتاجها

نا، وإنما الشعر، وليس السياسي وإنما سياسته وطابع املواهب غير . يهماجلوهري أو اخلارجي هذا، يصبح جليا لوجوده بشكل شائع يف الرجل إلى جانب

؛ وامتياز املرأة يف )عمل(إذا، امتياز الذكر يتجذر يف . أخطر العيوب الشخصية ).حضور(و ) وجود(

لذلك، لم . ما يجذب الرجل إليهن ليس أفعالهن وإنما ماهيتهنأخيرا، إنيكن تدخل األنوثة العميق يف التاريخ يحتاج إلى أن يقوم على أعمال ومهام وإنما

واملرأة تعمل كل ما تعمله من غير أن . إلى حضور شخصيتها الساكن والهادئمشعة كما تضاء األشياء وتغني يف جنباتها األلوان تعمله، وإنما ألنها وبطبيعتها

ومن . عند انبثاق النور من غير قصد منه، ويتحقق ذلك من غير جهد ألنه نورالطريف أن نالحظ أن هذا الطابع الذي يضفي على كل حركة أنثوية ملمح فيض

أم . وظيفة من وظائفها اخلاصةأكثر مما هو يدار بغايات خارجية، يزدهر يف كل هو شغل ما تقوم به األم حينما تهتم بأبنائها، أو ما تعنى به الزوجة أو األخت عناية مفرطة؟ فما السر الغريب يف هذه األعمال، الذي يجعلها وكأنها متحي ما

لعمل إن تتحقق وال يبقى منها يف الهواء خط ينم عن عمل أو جهد؟ ألن سيولة اإذ تبدو املرأة أنها ال تتدخل يف الواقع، يف شيء؛ . بارزة يف عمل املرأة األصلي

فالرجل يضرب . وليس لتأثيرها املظهر العنيف، والدؤوب اخلاص بتدخل الذكر

-١٢٤-

بذراعه يف املعركة ويسعى الهثا يف مناكب األرض يف استكشافات خطرة، ويضع كاري، ويكتب كتبا ويجلد الهواء يف خطب، حتى إذا حجرا فوق حجر يف نصب تذ

لم يعمل شيئا سوى التفكير فإنه يقلص عضالته على نفسها يف هدوء جد نشيط بينما املرأة ال تصنع شيئا، وإذا ما . حتى يبدو التقلص تحضيرا لقفزة جريئة

قرأ على ضريح يف روما إننا ن. تحركت يداها فذلك إشارة أكثر مما هو عملاجلمهورية القدمية حيث يرقد جثمان إحدى السيدات العقائل والدة أحد أبناء

أي Domiseda, lanificaأقوى الشعوب، نقرأ إلى جانب اسمها هاتني الكلمتني ويخيل إلينا أننا نرى شكل املرأة . صانت نفسها وغزلت صوفها، وال شيء آخر

ئ جالسة يف عتبة البيت وأصابعها الطويلة اجلليلة مشتبكة بجزة النبيل الهادوف البيضاء .الص

وإن تأثير املرأة مرئي قليال، تحديدا ألنه منتشر انتشارا ويوجد يف كل . فهو ليس مضطربا كتأثير الرجل، وإنما هو ساكن، كتأثير الغالف اجلوي. مكان

هذا . ة األنثى طبيعة جوية تعمل ببطء على طريقة املناخإذ يوجد بوضوح يف ماهي .ما كنت أريد اإليحاء به ملا أكدت أن قيمة الرجل ما يعمله وقيمة املرأة ماهيتها

وبذلك نفهم أن ثقافة األنثى البشرية وكمالها، تسلك دائما مسارا مختلفا م ا. عن مسار الرجل –لذكر بشكل رئيس على صنع أشياء أفضل فبينما يقوم تقد

م املرأة يقوم على أن جتعل نفسها -كالعلوم والفنون والقوانني والتقنيات ، وتقد .أكثر كماال خالقة يف ذاتها منوذجا جديدا من األنوثة أكثر دقة وتطلبا

با أن :يف رأيي هذي هي رسالة املرأة العظمى على وجه األرض! أكثر تطلإذ يقترب منها الذكر ساعيا إلى أن يكون . تتطلب، و وتتطلب الكمال للرجل

املفضل لديها؛ ويحاول من ثم، تحقيقا لهذه الغاية، أن يجمع يف حزمة خير ما يفينة التي يزين بها أكثر الناس إهماال .شخصه كيما يقدمه للجمال احلاكم وإن الز

لتطلع إلى احلب، ما هي غير تعبير خارجي وساذج قليال عن جسمه وقت انا املرأة عليها حقا، إن هذا اخليار التلقائي وصقل . النظافة الروحية التي تحث

بل هناك أكثر من . جملتنا احليوية، هو أول دافع حنو الكمال ندين به للمرأةرأة ويعرضه عليها؛ يقول كلماته ويقوم بحركاته يقف الرجل مبا لديه إزاء امل: ذلك

-١٢٥-

تا نظرته على وجهها ليكتشف رضاها أو صدودها فتسقط على كل فعل من . مثبأفعاله إشارة خفيفة زاجرة أو بسمة داعمة؛ والنتيجة هي أن الرجل يسعى إراديا

ا، ويشجع تلك التي تحظى أم من غير إرادة إلى إلغاء أفعاله امللوم عليها وتحضينهحتى نكتشف يف نهاية األمر أننا قد أصلحنا وتطهرنا طبقا ألسلوب . باملوافقة

فقد حنتت املرأة الفاتنة يف كتلتنا احليوية متثاال جديدا . ومنوذج جديد يف احلياةاألغلب للذكر، من غير أن تعمل شيئا، بل تكون هادئة كالوردة يف شجيرتها، على

بوساطة فيض سيال من احلركات اخلفيفة السريعة التي تعمل كضربات ويخيل إلى املرء أنه توجد داخل النفس . كهربائية تضرب مبنحت غير حقيقي

األمر هو . األنثوية صورة خيالية تطبقها على كل رجل يقترب وأنا أحسب أنر مشكلة من قبل سوى أنها دخيلتها صورة للذكإن كل امرأة تحمل يف : كذلكومعرفة األشياء . فقوة املرأة ليس يف أن تعرف بل يف أن تشعر. تعلم أنها تحملهاال

واملرأة ال تعرف هذا . هي امتالك تصورات وتعاريف، وهذا هو عمل الذكرلنفور الذي تحس به الطراز من الذكورة، ولم تحدده لنفسها، لكن اإلعجاب وا

يف التعامل مع الرجل يساوي يف نظرها اكتشافها عمليا هذا العبء املثالي الذي وبذلك فقط تتضح واقعة أن كل حب . كانت تحمله يف قلبها من غير أن تخمنه

وهو coup de foudreحقيقي السيما حب املرأة، يولد يف مثل انفجار الصاعقة .سوف أدع اآلن آلية هذه الواقعة من غير بحثو. رمية سهم

فإذا كان كامنا ينبثق فجأة بشكل جد . وقلما يراهن على حب يولد ببطء. يقاومتلحظه منه تالشيا أسطوريا التلقائي ومقتحم حتى أن املرأة تلحظ أول ما

. املثالي ورجل عابروال تفهم هذه الظاهرة إال بالتطابق الفجائي بني ذلك القالبوإمنا كانت تنتظر مناسبة . وإن حب تلك الصورة اخليالية كانت موجودة من قبل

.مالئمة كيما تنطلقوالقسم األعظم من الرجال يعيشون من جمل جاهزة وفكر متلقاة ومشاعر

أعلى وكذلك النساء املبتذالت يحملن يف ذواتهن مثاال. تقليدية وأجنبية عنهملكن، كما . مبتذال للذكر ومنوذجا من ذخيرة جتد تحقيقا قريبا لها يف الواقع

يوجد رجال عباقرة يخترعون أفكارا يف غاية اجلدة، ويبدعون أساليب فنية

-١٢٦-

ويكتشفون قواعد قانون جديد، توجد كذلك نساء عباقرة ميكن أن ينشأ لديهن ، بفضل مادة ماهيتهن املمتازة وتنمية حساسيتهن مثال جديد للذكر وغير معروف

وتؤثر هذه الصورة السامية يف كل مجتمع بجعلها هدفا راقيا مثاليا . تنمية قويةمنوذجيا، رافعة بذلك من املستوى اخللقي لنموذج الرجل بوساطة اجلاذبية

.السحرية التي متارسها املرأةملرأة النوعية زيادة أو نقص يف العبقرية، كما توجد إذا، يوجد يف وظيفة ا

وهذا يعني أن األنوثة اخلالصة هي بعد جوهري يف الثقافة؛ . يف العلم أو الفنويعني أنه توجد ثقافة أنثوية بشكل نوعي مبواهبها وعبقرياتها ومحاوالتها

.األصيلة يف التاريخوإخفاقاتها وجناحاتها تحقق املرأة من خاللها مساهمتها ولو أن بضع دستات من النساء من ذوات املنزلة الهامة يف اتمع، ثقفن شخصهن وهذبنه حتى يجعلن منه معيارا كامال لإلنسانية وجهازا للضبط العاطفي وعضوا ذا حساسية مرهفة من أجل أشكال ممكنة من حياة أفضل،

واملرأة املتطلبة ال ترضى . ا يبلغه املربون والسياسيون جميعاحلققن أكثر ممبالعمل املبتذل الذكري، والتي تتطلب من الرجل صفات نادرة، تحدث بصدها

" تخشى"نوعا من الفراغ يف املستويات االجتماعية العليا؛ وإذ كانت الطبيعة فتبدأ قلوب الرجال تنبض بإيقاع : ائعالفراغ فسرعان ما سوف نراها متتلئ بوق

جديد، وتستيقظ أفكار غير منتظرة يف الرؤوس، وتشق األفضية احليوية مطامح جديدة ومشاريع وخططا، ويشرع الوجود كله يف السير بإيقاع متصاعد، ويزدهر

حياة يف البلد السعيد الذي ظهرت فيه هذه األنوثة ربيع تاريخي منتصر وغاز و Vita Nuova!! حياة جديدة. جديدة كاملة

دتي، كيف عدت بإخالص إلى النقطة التي انطلقت منها انظري، يا سيوكل ما قلته اآلن أردت أن يكون تعليقا على . بعد جولة طويلة وربما مرهقة قليال

ديدة هي القصة واحلياة اجل. انفعال الشباب الذي عبر عنه دانتي يف كتابه األول فيها ثالث حركات أو أربع góticaاملرسومة امللونة على نافذة زجاجية غوطية

أو (بسمة فيها تحية مشجعة، وإشارة فيها ازدراء : تعبر بها الفتاة الفلورنسية عنوسارت إلى األبد حياة دانتي، التي كانت بداية . غامض، وال شيء آخر) صدود

-١٢٧-

donna، يف دربها موجهة بتلك البسمة من السيدة ذات التحية عصور جديدة

della salutoفن على منت البحر تعرف طريقها يف تأللؤ جنم مرتعش .، كالسوال يتوجه شاعر الفردوس إلى الكمال مباشرة، بل يحسب بدال من ذلك،

:أنه يلتقط معياره من وجه بياتريس، لذلك يقولBeatrice tutta nelle eterne rote

Fissa con gli occhi stava; ed io in lei Le luci fisse, di lassu remote.

كانت بياتريس متعن النظر يف السماوات اخلالدة، وأنا كنت أمعن فيها " ".عيني وقد حدت بهما عن السماء

وقد عبر . إنه احلدث العميق الذي يضطرب دائما تحت السطح التاريخي :غوته عن ذلك بكلمات غير مسبوقة تقريبا

إن األنثوي اخلالد .يجذبنا حنو العلى

.موجهة الكالم ملارغريتا) األم ايدة(أو كما تقول بعد ذلك واصعدي إلى السماوات العلى! تعالي

.وإذا ما أحس بحضورك فسوف يتبعكيه فقط من تقدمه يف العلم أو الفن أو ألن كمال الرجل يف أساسه ال يأت

السياسة، وإنما يأتيه عادة بالنظر إلى الالنهاية من خالل نفس أنثوية وشبه من Schellyوهكذا متكن شيلي . بلورية تنعكس فيها املثل العليا الكبرى احملددة

.أنت ذاتي املثلى! حبيبتي: أن يقول حلبيبتهقدم التي يحرزها الرجل بعمله جزئية وصفات متس محيط وكل ضروب الت

م حياته احلميم، وعلى العكس من ذلك، كل شكل عال من كمال أنثوي هو تقدما شامال ويشبه بذرة إنسانية جديدة ومن هنا الرغبة الالمحدودة . احلياة تقداعترضت مجرى وجودهم امرأة واحللم امللتهب الذي أحس به خير الرجال ملا

ولو تأملنا بجالء ما كتبوه وما رسموه وشرعوه، الكتشفنا يف عملهم الفني . هامةوليس املراد حكايات غرامية مبتذلة، وإنما تلك . صورة رقيقة عابرة لسيدة لطيفة

-١٢٨-

الشاحب، Mantinea1العواطف الراقية التي كانت تشرحها يف شفق مانتينيا املراد تطلع للكمال . لسقراط اإللهي األجنبية Diotimaكيمة املرتعشة ديوتيما احل

.تزرعه يف نفس كل ذكر نخبة حواء منوذجية عند مرورها من غير توقفوإن . وإن فردا كشعب يحدد مبثله العليا بشكل أصح مما يحدد بالوقائع

. بحسن حظنا؛ لكن الطموح عمل محصور بقلوبناحصولنا على هدفنا مقيد. وتبين مناذج األنوثة التي هي أشكال من املثل، أفق القدرات الكامنة يف كل شعب

وترتفع يف كل مكان وزمان ظالل األنوثة اخلالدة إلى السماء كمجرات مقررة .بشكل مسبق مصائر العروق

دتي، أنت وأصدقائك، منذ مثانية أعوام لقد كان لي شرف معرفتك يا سيولن أنسى االنطباع الذي أثاره . ملا كنت على وشك أن أنهي إقامتي يف األرجنتني

كان . يف وجود تلك الزمرة من النساء الهامات ببروزهن على خلفية أمة شابةلغيرة على كل نظام فيكن ذلك احلماس للكمال، وتلك اإلرادة الواثقة الصارمة وا

حتى كانت كل محادثة من محادثاتنا الدورية تترك يف نفسي أمرا . شديدوإن ظهور أشكال من . واالختيار" mezura"ضاغطا كأنه ثقل خلقي باالتزان

لقد . األنوثة لدى شعب ذي ثقافة قدمية مزدهرة، أمر مفهوم، وإن يكن غير شائعإن املرأة الكاملة منوذج من اإلنسانية أرقى من الرجل ":Nietscheقال نيتشه

أما أن ينبثق مثل هذه املخلوقات فجأة وسط ". الكامل، وفوق ذلك هو أكثر ندرةعرق جديد وما يزال يف حالة تشكل، فإنه ينطوي على سر عضوي ويبعث على

ا كان احلال يف احلضارات بالطبع، لم يكن ذلك نتيجة للوسط كم. التفكير كثيراألن احليوية الصاعدة للعرق اجلديد يخلق . كل ذلك على العكس متاما. القدمية

إنها مناذج وقواعد . من ترفه الداخلي هذه الوجوه املختارة بنية جعلها مثال عليا وإن واقعة ظهوركن لي مزدهرات ساعة تبرعم أمة. تشرع يف تكميل الوسط

وكان تطابقها مع . كبيرة، جعلتني أتصور هذه األفكار حول تأثير املرأة يف التاريخ .عواطف دانتي يدعوني إلى أن أعيدها إليكن عالمة تكرمي وعرفانا باجلميل

. املترجم–. إحدى مدن أركاديا القدمية) ١(

-١٢٩-

ال أدري إن كان اتمع احمليط بك سيعرف أن يفيد من غير هدر س مصير األرجنتني أن تسلك ألي. من الفضيلة املعيارية املوجودة فيك: وقت

مسارا يعادل مسار شعب اليانكي موازنا بذلك الكتلتني العمالقتني يف حنو رعاية الكم فسوف يكون -كما يبدو–القارة؟ وإذ احنرفت الشمال

. النوع طامحة خللق منوذج إنسان صفوة) البالتا(ممتازا أن تفضل شعوب ض الواضح لهذا املصير هو أن هذه الشعوب متلك فيك شيئا يشبه أن والعر

. جنوبيةGiocondaيكون جيوكوندا لم كان نثرك يا سيدتي، لينا، وكل جملة تحمل نابضا يدفع بنا مبرونة عن

-!ومن يعرفه مثلك–األرض، ويهيئ لنا صعودا؟ ذلك أن احتراما ناعما لدانتي إذ ملا قمت بدور الدليل لنا، أثرت مشاكل . خصيةيجعلك تكبحني إلهاماتك الش

ر هذا الكتاب كتابا آخر تلقى فيه هذه . تركتها طوعا من غير حل وإننا ننتظر إث :وال تنسي أن ذلك بالنسبة لكثيرين كما كان الشاعر يقول. املشاكل إيضاحات

Quella and 'io aspetto il come e il quando

Del dire del callar

(Par. XXI) .]تلك التي كنت أنتظر منها كيف ومتى يكون الكالم والسكوت[ ).XXIالفردوس (

والسوء أنك تركتنا اآلن وحيدين بعد أن . سيدتي، كانت الرحلة شائقة؛ وإذ تركنا لفعل ثقلنا ذاته، فماذا بوسعنا أن قدتنا بجاذبية روحية حتى أعلى العلو

من : وى النزول؟ وبكل قواي قد أمتكن فقط من محاولة دراسة عنوانهانعمل سأحرى بنا أن نتذكر . بياتريس إلى فرنسيسكا، محاولة نزول ولن نعدم سابقة لها

لقد صعد . أن الرحلتني الكبيرتني للحصول على املرأة كانتا ذاتي اجتاه متعاكس نزل إلى اجلحيم وهو Orpheoيوس دانتي ليجد بياتريس يف اجلنة، لكن أورف

.يعزف املوسيقى ليلقى أوريديثويجب أن أعترف أني وإن كنت أسر بصحبة دانتي وأحاول أن أتعلم منه

وال ميكن ملرحلة التطور . فقد كان مذهبه يبدو لي يف النهاية، جزئيا وغير كاف٩-دراسات في الحب م

-١٣٠-

فقد كان ضروريا يقينا اكتشاف .العاطفي التي ميثلها أن تكون املرحلة األخيرةلكن، غاب . العاطفة الروحية حنو املرأة، وهي عاطفة لم تكن موجودة من قبل

وأنا أحسب أن تكامل الشعور . عنه أن يردها إلى اجلسم بعد أن كان ارتقى إليها .هذا، وهذه احملاولة لتذويب الروح يف اجلسد، هو رسالة عصرنا

فدانتي من جهته، كان . ا لدى عصره ثنائية ال تقدر بثمنإن لدى دانتي كموقد كانت حواسه اجلاهزة . الرجل الذي أحسن النظر إلى أشكال األشياء

واملتنبهة منفتحة على العالم بشكل رائع، وكانت تنبع من شخصه شهوة ضخمة إلى ما فإذا هرب". يحرك ما كان يلمسه"فحيثما يذهب . للحياة، ولم يكن شبحا

وراء عالم الفانني، فذلك كيما يجعل منه مكانا غاية يف الكمال يتأمل منه سيل وإذا عبر تخوم ما وراء القبر، حمل معه متاعه كامال من األهواء . عاملنا، الدرامي

. األرضية، ونسمع يف أشعاره املتعالية صفيرا كصفير ريح الشمال الباردة .ي قبل كل شيء كتاب مذكراتوالكوميديا اإللهية ه

لكن، إلى جانب هذا احلماس لألرضي من غير اتفاق معه، تنتصر لدى بروحها كالسهم املنطلق إلى ما وراء الواقع، goticismoدانتي النزعة الغوطية

وفوق ذلك يوجد لدى الشاعر . وبسكرها باملحال ورغبتها احلارقة يف الهربة التي سيكون لها الهيمنة يف عصر النهضة مث يف العصر بداية ميل للعقالني

وإننا نعالج اليوم أنفسنا من هذه العقالنية التي تطمح لتحل الفكر . احلديث كلهإنه العصر . وكان عصره على العكس مييل إلى ضروب الهلوسة كلها. محل احلياة

احلروب 1 خامتة فانتاسماوكان. الذي كان يبحث فيه عن الكأس املقدسةوجتعلنا فانتاسماغوريا األطفال املشهورة نلمح خلفية ما من . الصليبية البطولية

.كان الناس يعيشون يف سحر امللك آرثر وميرلني. الشذوذ، ومرضا يف األخيلةوأنا أطلب يا سيدتي، أن ننظم صحة جديدة، وهذه الصحة محالة إذا لم

فإذا ما اكتشفت حياة الروح ذات مرة، فإن هذه . ازنة ثقل الروحيقم اجلسم مبوسهل جدا أن تتصور : "وكان نيتشه يقول. تصبح مفرطة يف سهولتها ألنها خيالية

ماغوريا ) ١( ة لكــابوس أو : fantasmagoriaأوفانتاســ ــذهن نتيجــ ــسلة مــن األوهــام تتعاقــب يف ال سل

. املترجم–. حمى

-١٣١-

واجلسم يعني أمرا واجبا باإلجناز ميثل ". األشياء، لكن، صعب جدا أن تكونهاومن غير . الروح) أو حقيقة(إن اجلسم هو واقع وأنا أقول، فوق ذلك، . أمام الروح

.تعابير وجهك يا سيدتي، ما كان يعرف السر الذهبي الذي هو نفسكلقد انطلق الناس من جتريد زائف؛ فقد فصل اجلسم عن الروح بتعسف،

: لكن اجلسم احلي ليس كاملعدن. وكأنهما كليهما قابالن لالنفصال عن بعضهما) تقول(وإن يدا ووجنة وشفة . اجلسم حلم واللحم حساسية وتعبير. ادة بحتةم

دائما شيئا ما، إنها يف األساس إشارات وكبسوالت روحية ومظهر خارجي لهذا دتي، مقدسة ألن لها psiqueالباطن الهام الذي نسميه نفسا ، واجلسمية يا سي

. رمز الروحرسالة هامة يف أن تصبحولم احتقار األرض؟ فها هو الناسك بدروداميان نفسه ال ينسى وهو يف

:اجلنة، زيت الصوم الذي بلغ به السماء إن إمياني يف خدمة اهللا جد ثابت

حتى كنت أكتفي بأطعمة خفيفة من زيت الزيتون ساخنة وباردة

مسرورا باألفكار التأملية قاطني العالم اآلخر يتزاحمون سراعا حول دانتي والثابت أن

كحشرات حول الضوء، كيما يشربوا عنده قليال من احلياة، ويتعثرون .ليسألوه أخبارا عن األرض

دتي، أن نسمع إلهاما جديدا لك حول هذه املواضيع يلزمنا يا سيتضر محاطا وينزل عالم كامل مح. فنحن يف ساعة من شفق كوني. الكبرى

ويلمس القرص امللتهب خط قبره الساكن البارد . بحفلة نزعه الرائعة : بقية من ضياءوتظل أخيرا. واألخضر

الشمس تغيب والليل يقبل فال تتوقفوا وإنما ابحثوا عن مخرج

.وملا يغرق الغرب يف الظالم

-١٣٢-

منظر مع ظبية اخللفية

لكن الرجل األكثر رجولة . رجال كثيرون١٧٩٣ أوروبا حوالي العام كان يف

ونابليون؟ نابليون كان أكثر من . Nelsonيف أوروبا حينئذ، كان على األرجح نيلسون .أو نصف آله) سوبر مان(كان . رجل

لئن كان نيلسون رجال على شكل كلي وضخم، فكان يبدو أشياء أخرى فهو مفترق طرق العالم، ومنه " مقياس األشياء كلها"نسان وإذا كان اإل. كثيرة

وإذ ميد مالمحه يف اتجاه أو يف آخر فإنه . تنطلق الدروب باتجاه سائر ما عداهواملخيلة البشرية جو كثيف تحدث فيه دائما . يصل حتى إلى صور رائعة ومخيفة

لسون عبقرية أطلسية آخذة بفرض وهكذا كان ني. fata Morganaظاهرة السراب نظامها على البحار يف نظر ابن الريف الكالسيكي اجلديد الذي كان يوجد من

حف وإذا نظر إليه . أمثاله كثيرون يف ذلك العصر، وممن يقرأ األخبار يف الصوكان ابن الريف يقرأ الصحيفة قرب املدفأة اجلدارية . هكذا من بعيد كان نبتون

التي يضع فوقها ساعة من البرونز؛ وكان محيطها الكروي يقبع داخل احلضن ث املستدير ملوجة معدنية يستند إليها طافيا إله عار يحمل يف يده رمحا مثل

لكنه إذا نظر إليه من قريب كان شيئا آخر، كان أشياء أخرى . إنه نيلسون. السنانقاسي املالمح وخشنا كمصراع صدفة رخوي، كان رجال صغير احلجم، : كثيرة

إنكليزي، إنه كائن ال يحتاج كيما يعيش إلى 1وذا نفس قامتة وعاصفة مثل تريتونالشعرالذي كان يكرهه ويبعده عنه كما ينفض غبار الطريق آناء النهار، وكما تبعد

اليا بعد عيشه وكل ما خطر له أن يقول عن إيط. (اجلداجد الصخابة خالل الليل ساعات من حريق غرامي على منطقة الكهولة -يف نابولي أمتع ساعات حياته إنها بلد ال يطاق من عازيف الكمان والشعراء -التي صارت قاحلة قليال

.جم املتر–. أحد آلهة البحار عند اإلغريق، نصفه بشكل إنسان ونصفه اآلخر بشكل سمكة) ١(

-١٣٣-

وكانت حياته املالحية تتكون من هبات عنيفة مرت عليه آخذة معها ). والقوادينأم ! وا، مث بعد ذلك، عضوا آخر، سواء أكان هذا الذراعاليوم تأخذ عض: شيئا منهوالطريف أن كل هذه األعضاء املبتورة وغيابها كان يبرز أكثر ما يبرز ! تلك العني

وكانت شجاعته تتركز على ما . ما كان يف هذا الرجل الصغير من رجولة كاملة .بقي له من أعضاء

خمة يف خليج نابولي قبل هزميته أسطول ورسا ذات ليلة بفرقاطاته الضوذهب إلى السفارة اإلنكليزية حيث استقبله السفير السير . بونابرت يف أبي قير

.S.W Hamilton: ويليام هاملتونيف أحد طرفيه : ، مفهوم فضفاض جدا وكرميHumanidadاإلنسانية

املتون من غير أن ميكن أن يقبع األميرال نيلسون، ويف الطرف اآلخر ه .يعيقا بعضهما بعضا

د األخير، ونكون من أصدقائه وننطلق معه . ولعلنا نريد أن نعرف هذا السيوالريبي هو الرجل األخصب . ألنه رجل مجرب، وهاوي جمع كبير وريبي كبير

يؤمن وإن فكرة غبية تحملنا على الزعم أن الريبي ال . حياة واألغنى واألكملفالريبي يختلف عن الدوغماني يف . إنما هو على العكس من ذلك متاما. بشيء

أن هذا األخير يؤمن بشيء واحد، واألول يؤمن بأشياء كثيرة، يؤمن بها كلها د يف االعتقادات التي تلجم بعضها بعضا، يجعل الروح لينة . تقريبا وهذا التعد، وهو من بدأ حفريات "كالسيكية"أوائل من جمع أشياء وكان هاملتون من . عذبة

ومجموعته الفريدة تستقر اليوم، كما أعتقد، يف املتحف . Pompeyaبومبي .Britich Museumالبريطاني

ألول مرة بقوة غير ) التريتون(قدم نيلسون إلى زوجة السفير، فأحس سطورة، أسطورة جوهرية بذل الكتاب لقد استقرت األ: حسن. محددة تنهشه

واألسطورة . وأنا تحاشيتها يقينا. والفالسفة جميعا جهودهم كيما يتحاشوهانيلسون وهاملتون منوذجان هما أشد مناذج الذكورة ميكن تخيلها، تعارضا، : هي

ا بالطبع، كل الرجال اآلخرين الذين يتوسطون فيم. عشقا الليدي هاملتون ذاتها .بينهما انهاروا أيضا تحت وطأة سحرها

-١٣٤-

من هي الليدي هاملتون؟ : وتكون األسطورة كاملة لو أجبنا عن هذا السؤالالليدي هاملتون هي هذه السيدة التي متر اآلن بقنزعة بيضاء راكبة فرسا صغيرا

نطوانيت، إنها صديقة حميمة جدا مللكة نابولي ماري كارولينا أخت ماري أ. كميتاإما . والتي أجنبت مثانية عشر ابنا وما تزال تحتفظ بحرارة لتحب هذه اإلنكليزية

" جمال رسمي"وجمالها . كانت أجمل امرأة يف اململكة املتحدةEmma Hهاملتون صب التذكارية الوطنية وكانت تغني . يشير إليه الناس من بعيد كما يشار إلى الن

وتلبس على " الشال"؛ فتضع "متثيل" وتقيم يف السهرات جلسات بصوت عذب،الطريقة الهيلينية، فتمثل كليتمنسترا أو كاساندرا، فتقطب حاجبها املأساوي ور املنعكس ينكسر يف عينيها، كما يف وجتعل وجهها اجلميل يكتئب، جاعلة الن

جاح ضخما. Guido Reniريني صور غيدو كان الكالم عن هذه ف: وكان النأننا يف ساعة التحضير : وال ننس. يسري يف أحناء أوروبا كلها" التمثيليات"

إنه طعم . فكان القلب يصعد إلى الرأس، واالنفعال مقبول كالكحول. للرومانسية وكانت املرأة تتخذ. جديد مسكر، والناس يبحثون اآلن عن السكر بشكل خاص

وكان يفصح عن نغمة العصر مبفردات . موضوعا أو حجة إلعالء شأن املشاعر، وكانت الدمعة "مشؤوم"، "جذبي"، "سام"، "إلهي:"فكنت تسمع كل آن : اللغة

.تترقرق إلى جانب اللؤلؤةلقد ذهب املسرح إلى . وذلك كله إذا نظر إليه من بعيد، جذاب طريف

حلياة وانتفخت كشراع تحت الريح التي تهب على خشبة احلياة، فانتفجت هذه اإما هاملتون، " متثيليات"ال أدري؛ لكن مسرحة احلياة التي تفسر جناح . املسرح

الرومانسي، تبدو لي أجدر بالتقدير من املبدأ املعاكس النافذ بعد مائة عام من .ذلك ملا انشغل املسرح بتقليد احلياة

ما هذه صديقة امللكة وزوجة السفير الليدي هاملتون، ماذا لكن إ! حسن Grevilleكانت من قبل؟ إذا، هي كانت عشيقة ابن أخ هاملتون الفارس غرفيل

فقد كان لقيها يف بيت معالج دجال كان يعيد قوة احلركة . الذي مررها إلى عمه تقف إزاء سرير املرض حيث وكانت. إلى الضعفاء بوساطة االهتزازات الكهربائية

هذه الفتاة األعجوبة ،آلهة الصحة) هيخيا(يتلقى املريض تفريغ الشحنات، مثل

-١٣٥-

وليس . وهي اآلن زوجة سفير إنكلترا. التي كانت خادمة بسيطة بنت طباخة .سهال الوصول من حالة دنيا إلى أكثر من ذلك

فال بد لهذه ! بهذا الكبرال يكفي اجلمال لتفسير صعود: وقد يقول القارئ .املرأة من أنها كانت متتلك موهبة كبيرة

وهذي هي النقطة احلاسمة يف األسطورة التي اعتدنا أن نتحاشاها ألن احلقيقة القاسية هي أن الليدي هاملتون ال متتلك أية موهبة، حتى . جميعا

وكانت . إنها الطيش كامال. يماوال ثقافة رفيعة وال ذوقا تقريبا، أو إدراكا سلاحلياة عندها ارتداء بزات وخلع بزات، والذهاب إلى حفلة إثر حفلة واإلياب قص واحلركات التافهة، ودعوة الناس وقبول منها، وتبذير املال وعدم التوقف والر

هذا االسم أو ذاك، إنها التفاهة األبدية التي عرفناها جميعا تحت. الدعوات .لذلك أقول إن األسطورة أساسية وليست مجرد حكاية. وعشقناها ذات مرة

". ربما كانت مفرطة يف جمالها: "لذلك يلتفت القارئ إلى الوراء ويقوللكن ذلك ال يفسر أيضا أن يعشقها على شكل . أجل، يبدو أنها كانت كذلك

ألن اجلمال املفرط عقبة كيما يشعر . ن وهاملتونجذري رجال من أمثال نيلسووكمال وجه كماال مفرطا . بأنفسهم رجال ذوو شعور فائق، منجذبني حنو امرأة

يدعونا إلى تشييء الشخص الذي ميلكه، واالبتعاد عنه كيما نعجب به كموضوع . فحسبيعشقها املغفلون وصبيان احملالت " ضروب اجلمال الرسمي"و. جمالي

إنها نصب عامة وطرائف يتأملها املرء من بعيد من غير أن يقف عندها، ويحس .إزاءها أنه سائح وليس محبا

فمن غير جرعة . يحسن بنا إذا، أال نهرب من املسألة عبر نافذة اجلمالن يجذبهما لكن ما كا. منه ما كان البطالن املختلفان نيلسون وهاملتون أحبا إما

وأنا آمل أن يقاوم القارئ اإلغراء الشعبي املبتذل الذي . موضوعيا كان شيئا آخر .يفترض أن احلب عند رجل من هذا الطراز ينشأ من الشهوة اجلنسية

كانت الليدي هاملتون الرشيقة اخلفيفة ذات الشعر الناعم والرأس إنه املنظر الذي كان يعلق يف بيوت . ة املنظر كالظبيةالصغير القلق تظهر يف خلفي

-١٣٦-

ولم يكن لدى الليدي هاملتون من سداد الرأي أكثر مما لدى . إنكلترا كلها تقريبا فلم يعشقها رجالن مثل نيلسون وهاملتون؟. الظبية

لوعد إن حل اللغز احملتمل هام إلى حد ما، وال أدري إن كنت أجرؤ على ا .به يف العدد القادم

Olmedo حل أومليدو

إنه . لقد لقيت أومليدو، ومن هو أومليدو؟ يف رأيي، هو رجل يثير اإلعجاب

را لكن ما . وأجهل إن كان اآلخرون ذوي حظ خير من حظه. ذكي وليس مفكاألقل يف وضعته احلياة إزائي يفرض علي القناعة املغيظة أنه يكاد ال يوجد على

رين غير أذكياء أيضا، فإن . زماننا، رجال أذكياء غير املفكرين وإذ كان معظم املفكوهذه القناعة . الذكاء يبدو حادثا طارئا غريبا بإفراط على وجه الكرة األرضية

التي سيثير مضمونها القارئ عن حق، هي أيضا بالنسبة ملن يتبناها، مرهقة لكننا إذا انطلقنا من هذه القناعة، يصبح . وألسباب كثيرة. شكل كبيرومخجلة ب

محتمال جدا أال يكون املرء ذاته ذكيا يف شيء، بالتالي، تكون أفكاره كلها زائفة، لكن ذلك أمر ال محيد . حتى تلك الفكرة التي ينعتها بالفعل غريبة عن الذكاء

فز خارج ظله، وال أن ميتلك قناعات غير ما ميتلكه فال يستطيع أحد أن يق. عنهوأغنيتي . وإنما نستطيع أن نطلب من كل فرد أن يغني أغنيته بصدق فقط. منها

حول قلة عدد : املشهورةMassillonميكن لها أن تحمل عنوان موعظة ماسيون كلها يف نفس ولم يزرع شيء هذه الكآبة . Sur le petit nombre des élus. النخب

.املرء كهذا التأكيد على أن عدد األذكياء شديد الندرةفأنا أفهم من كلمة ذكاء أن يتفاعل . وليس املراد أن نطلب من الغير عبقرية

الذهن مع الوقائع بشيء من الدقة والتحديد فحسب، وأال يسيء الفهم بشكل ى املرء ما يقف أمامه بقليل من دائم وأال خنلط األمور ببعضها، خاصة أن ير

لكن، يساورنا . الصحة والدقة من غير أن نستبدل بالرؤية الكلمات املرددة آلياانطباع أننا نعيش يف العادة وسط مسرمنني يتقدمون يف احلياة غارقني يف حلم

-١٣٧-

ن ويرجح أ. مطبق ال ميكن أن يوقظوا منه للفت انتباههم إلى ما يحيط بهماإلنسانية قد عاشت دائما تقريبا يف هذه احلالة املسرنمة التي األفكار فيها ليست رد فعل يقظ وواع على األشياء، وإنما هي استعمال جملة عمياء وآلية من

.الصيغ التي يوحي بها احمليط إلى الفردل أيضا يف مرحلة وال ميكننا اإلنكار أن جانبا كبيرا من العلم واآلداب يتشك

وأخص بالذكر العلم . مسرمنة؛ أي، شكلتها مخلوقات ليست ذكية يف شيءاملتخصص واملمنهج يف آن واحد يف زماننا والذي يتيح للغبي أن يستثمره، وهكذا . نرى يف يومنا أشخاصا يقومون بأعمال جديرة بالتقدير، ال نستطيع أن نقدرهم

لكن ممارستهما هي بال ريب حافز يشجع . ال تستلزم نباهةإذ العلم واآلداب .يقظة املخ ويبقيه يف هذه احلالة من االستنفار املضيء الذي يشكل الذكاء

ألن الفرق بعد كل شيء بني الذكي واألحمق يكمن يف أن األول يعيش هده كما يبعدها، محترسا من حماقاته ذاتها ويتعرف إليها ما إن تظهر ويبذل ج

.بينما األحمق يستسلم لها مفتونا بها ومن غير تحفظوبسبب من هذا احلافز الدائم توجد احتماالت أكثر يف أن يكون املفكر

لكني أعد تعاسة خطيرة أن يقتصر الذكاء عمليا يف عصر ما أو أمة ما . ذكيابشكل خاص يف احلدس باحلياة وليس يف الفن ألن الذكاء يتجلى . على التفكيرإذا، املفكر ال يعيش تقريبا، وإنما هو يف العادة رجل فقير جدا . وال يف العلم

جارة وامللذات باحلدوس، ويكاد ال ينشط يف الدنيا، وقليل املعرفة باملرأة والتتطيع أن يلقي بقطعة حلم حي وإنما يتبنى وجودا مجردا، وقلما يس. واألهواء

.حقيقي بني أنياب فكره احلادةإنه ينكب دائما تقريبا على مواضيع غير : وإن ذكاء املفكر قليل النفع لنالذلك كانت لذة كبرى لي أن لقيت أومليدو، . واقعية وعلى مسائل من وظيفته ذاتها

نظرة ثاقبة وشبه ماجنة يبدو - املزدوج، ورأيته يقبل باسما يتقدمه سيف نظرته وأومليدو مصريف - عن األشياء كلها لترى كيف هي من الداخل1أنها ترفع الغطاء

وملا عبر بسرعة وجودي الهزيل لكوني مفكرا أوال وآخرا، بدا لي . ومجرب كبير

.تنورات = faldasيف األصل ) ١(

-١٣٨-

من حيث أتى، أعرف أنه وليأت. شهابا ثاقبا وصل محمال بغبار النجوم الذهبي، وصفع "Venusالزهرة "يجيء دائما من العالم، وأنه رأى أثناء سفره ما يجري يف

يعرف منها كما . وأومليدو يعرف أيضا كثيرا من الكتب. نبتون على كفله صفعةولم يسمح حملور . لكنه ال يعرف ذلك فكريا وإنما معرفة رجل خبير. يعرف املفكر

يف أي وظيفة، ويكون محدودا بسبب ذلك، وإنما يدعه يهيم 1شخصه أن يثبت مثال، رجال ١٨وربما وجد يف أزمنة أخرى كالقرن . على هوى مصيره املبهمنبالء ومتمولون ومالك وقضاة كانوا مع ذلك أذكياء، : كثيرون من هذا الطراز

وال . (ية أفكارا واضحة ومتميزةوكان يسرهم أن يستخلصوا من جتاربهم احليو إال إذا -أي عجزها عن حل مشاكلها الراهنة بيسر–يفهم وضع أوروبا احلالي

وكما توجد عصور كنهاية العصر . افترضنا خلوها من رجال هذه الطبقةد الروماني مثال، تندر فيها الشجاعة وال يعد شجعانا غير العسكريني، كذلك توج

).عصور يقتصر فيها الذكاء على املفكرين، ويصبح الذكاء وظيفةوقد ال ينشر –والكالم يجري باستفاضة عن أومليدو يف تاريخ ملا ينشر

احلياة األبدية املدريدية يف أيامنا 2 توصف فيه بتقريب مزعج مظاهر- أبدا .الراهنة

لقد أحسنت . - قال لي أومليدو–. لقد رأيت مقالك حول الليدي هاملتون -لكن، هات . جدا بإبراز ما هو جوهري يف النموذج املثالي يف تلك احلالة

.حل املشكلة اآلن .الواقع، يا صديقي أومليدو، أني ال أملك حال - أتقول جادا؟ - .متام اجلد - .إذا، أنت البرجوازي النبيل يف علم النفس -؟ - ولم . تحل املشاكل من غير أن تدري بذلكألنك -

)١ (Hincadoيف األصل منغرز . )٢ (Zonasيف األصل أي مناطق .

-١٣٩-

!أفصح ! أفصح -ألن ألغازنا . وهذا ما يحدث دائما. ملا صغت املشكلة نطقت باحلل، يف الواقع -

وهذا . وأسئلتنا هي يف العادة أجوبة مقنعة بطيتي عالمة االستفهام الصنعيتنيلطباع لكنهما كليهما نيلسون وهاملتون رجالن متعارضان يف ا. ما يحدث اآلن

ل، أحبا امرأة قاربت بلطف جمالها وفساد عقلها أن تكون من الطراز األو .وهنا املشكلة، تقول أنت. ظبية

.بالفعل -بل هي باحلري واقعة منوذجية ومضيئة . ومع ذلك، ال أرى أيما مشكلة هنا -

واقعة واضحة واملشكلة، أنت أضفتها، ألنك تقترب من. مثل معادلة رياضية .إن سراة الرجال ال يعشقون الظباء: جدا بفكرة تصورتها من قبل، وهي

يبدو طبيعيا أال يشعر ذكر ذو نفس معقدة ومنظمة باالجنذاب إلى ! يا رجل - .كما يقول أحد أشخاص باروخا" غير أساس"مخلوق تافه ذي روح هفة، ومن

عيا؛ لكن الطبيعي ليس ما يبدو لنا كذلك، وإنما ما أجل، أجل؛ يبدو ذلك طبي -يبدو للطبيعة التي هي طبيعية أكثر من كل أنساقنا الذهنية، وهي متتلك دائما

ما الداعي كيما يعشق رجل ذكي امرأة ذكية؟ لو : وبعد كل شيء. معنى أعظمو مدرسة علمية فإننا كنا بصدد إقامة صناعة، أو تأسيس حزب سياسي أ

لكن احلاجة . نفهم أن تحاول روح صافية أن تنضم إلى أرواح أخرى صافيةهي بالضبط . الغرامية ال عالقة لها بذلك حتى لو تركنا جانبا بعدها اجلنسي

واحلالة التي تطرحها بعيدا عن أن تكون لغزا هي . عكس كل اهتمام عقليجربة الغ الرجال يعشقون الظباء مبقدار ما يف املرأة من : راميةمفتاح الت

وأنا ال أقول ذلك أمام السيدات ألنهن قد يتظاهرن بغضب كبير وإن . الظبية .كن يشعرن بالسرور يف قرارة نفوسهن

.إذا، موهبة املرأة يف نظرك، وقدرتها على التضحية ونبلها صفات ال أهمية لها -بل لها أهمية كبيرة، وإنها عجائب تستحق منتهى التقدير، وإننا ! كال! كال -

. لكن، ماذا تريد مني. نبحث عنها ونغليها لدى األم والزوجة واألخت والبنت .أما إذا كنا بصدد العشق، فقد يعشق املرء الظبية الكامنة داخل املرأة

-١٤٠-

!عجبا ملا تقول لي -فكل ما يعمله . ن أكثر ذكورة، يمأل حتى الطفاف بالعقالنيةالذكر كلما كا -

أما احلب . ويحصل عليه، يعمله ويحصل عليه بعلل منطقية، خاصة علل نفعيةعند املرأة، وهذا االستسالم اإللهي من شخصها ما فوق احلميم الذي متارسه

ألن مركز . ينال بعلل منطقيةاملرأة الهاوية، فربما كان الشيء الوحيد الذي الفإذا كان الذكر . الروح األنثوية مهما تكن املرأة ذكية، تشغله قوة ال عقالنية

وهذه هي اللذة العظمى . الشخص العقالني فإن املرأة الشخص الالعقالني عاجز وهو. واحليوان ال عقالني أيضا، لكنه ليس شخصا! التي جندها فيها

فال ميكن التعامل معه وال . عن إدراك نفسه وإجابتنا، وعاجز عن إدراكناأما املرأة فتقدم للرجل املناسبة الساحرة للتعامل مع . إيجاد صلة حميمة به

كائن آخر من غير علل منطقية، والتأثير فيه والسيطرة عليه واالستسالم له لو كان للعصافير حد أدنى من : قني يا سيدصد. من غير أن تتدخل علة ما

والعكس صحيح، إذا كان الذكر ال . الشخصية لعشقنا العصافير وليس املرأةيعشق ذكرا آخر فذلك ألنه يرى روح هذا األخير مكونة كلها من العقالنية

ناعة واالقتصاد ملرأة غير وما نسميه عند ا. واملنطق والرياضيات والشعر والصفالعالم صنعه صانع ممتاز بشكل . معقول ونزقا هو ما يجذبنا إليها تحديدا

.عجيب، وإن توافق أجزائه وضبطها لهو أعجوبة !أنت مدهش، يا صديقي أومليدو - ينبغي له أن يحب امرأة سرية باملعنى العقلي، هو يإذا، فكرة أن الرجل السر -

الذكي يشعر بشيء من النفور من املرأة املوهوبة إذا تبسيط محض، ألن الرجلوبدال . ألن املرأة العقالنية لها رائحة رجل. لم تتكافأ الرزانة مع فرط اخلفة

ومن الزيف االفتراض أن الذكر . من احلب يحس إزاءها بالصداقة واإلعجابما هي زائفة الفكرة األخرى التي ، ك"الذكية جدا"النخبة جتذبه إليها املرأة

تشيعها النساء أنفسهن برياء أنهن يبحثن طبقا لها عن اجلمال لدى الرجل دا أنه يف نهاية األمر ال بد . قبل كل شيء وإن رجال بشعا لكنه ذكي يعرف جي

فهو . ميلنيرجاال ج" حبهن"له من أن يعالج النساء من الضجر الناجم عن

-١٤١-

يراهن ينسحنب واحدة إثر أخرى ويلقني مراسيهن مضطرات وضجرات غاية جر من رحلتهن يف أرض اجلمال الذكري .الض

لو كنت كاتبا وكتبت ما أنت قائله لي، لشنقوك على عمود : صديقي أومليدو - !مصباح

ويندر أن . ينيات الذاتيةولم الكتابة؟ فليس باإلمكان نقل اليق. لذلك ال أكتب -لكن ما أقوله قاله مشفرا منذ : يكون أحد على استعداد فيتكرم ليسمعنا بدقة

إذ ). أومليدو ويدعو فيدريك نيتشه فيده(، Fedeسنني طويلة صديقنا فيده :، ما يلي")املمتاز"ويسميه هو (جند ملا عدد خصائص الرجل األفضل

رور عند النساء هو ربما كما لدى الكائنات األدنى، لكنه أرهف إن الس"قص والنزق . وأدق ذة أن جتد مخلوقات رأسهن مملوء دائما بالر وما أبعث على الل

إنهن سحر تلك األرواح الذكرية املفرطة يف توترها وعمقها، وحياتها ! واملكائد ".مثقلة مبسؤوليات جسام

-١٤٢-

-١٤٣-

الفهرس

الصفحة

i. ٥ ..................................... نبذة من حياة أورتغا إي غاسيت ii. ٧ ...................................................... مقدمة الناشرين iii. ٨ ...............................................................مالحظة iv. ٩ ..........................................................مالمح احلب v. ١٧ ......................................حنو سيكولوجيا الرجل اجلذاب vi. ٣٢ ....................................................احلب عند ستندال vii. ٧١ .....................................................االختيار يف احلب viii. ١٠٣ ..................................................من أجل تاريخ احلب ix. ١١١ .........................."فرنسيسكا إلى بياتريس"لكتاب من خامتة x. ١٣٢ ......................................منظر مع ظبية يف اخللفية

-١٤٤-

م٢٠١٣ / ثانيةالطبعة ال نسخة١٠٠٠عدد الطبع