ذوق الصلاة عند ابن القيم رحمه الله

81

Transcript of ذوق الصلاة عند ابن القيم رحمه الله

5ذوق الصــالة

بسم اهلل الرحمن الرحيم

المقدمةاحلمد هلل رب العاملني، والصالة والسالم على أشرف النبيني

:واملرسلني، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثريا وبعدابن القيم اجلوزية رمحه نفيس يف جزء لطيف، تكلم فيهفهذا فصل

سبق إليها اهلل عن صفة الصالة يف مواضع من كتبه، بطريقة مبتكرة، مل يحيث تكلم عن لب الصالة وخمها، وهو اخلشوع من التكبري . فيما أعلم

.إىل التسليم، فأتى فيه بكل عجيب ومفيد ( )فذكره يف طيات كتابه عن مسألة السماع: الموضع األولأما

.«فهذه إشارة ما، ونبذة يسرية جدا يف ذوق الصالة»: وقال يف آخرهوملا كان ( )ففي كتابه عن الصالة وحكم تاركها: والموضع الثاني

هذا الفصل على نفاسته مغمورا بني تلك الصفحات، كان من املفيد جدا .معنونا بكلمات تناسب فقراته، إفراده ليعم نفعه املسلمني كافة

.يف رسالة له إىل أحد إخوانه: والموضع الثالثفلفظ الذوق »: وعن كلمة الذوق قال ابن تيمية رمحه اهلل

هـ بتحقيق راشد احلمد، وقد أثبت أهم 041 طبعه دار العاصمة بالرياض عام ( )

.تعليقاته على النصهـ بتحقيق تيسري زعيرت وقد أثبت أهم تعليقاته 045 طبعته مؤسسة الرسالة عام ( )

.على النص، مع تصويب ما يلزم بطبعة دار ابن كثري بتحقيق حممد نظام الدين

6 ذوق الصــالة

.( )«يستعمل يف كل ما حيس به وجيد أمله أو لذتهفهذان احلديثان الصحيحان مها أصل فيما يذكر »: وقال أيضا

ففي « من الوجد والذوق اإلمياين الشرعي دون الضاليل البدعيذاق طعم اإليمان من رضي »: أنه قال صحيح مسلم عن النيب .«ا وبمحمد نبياباهلل ربا وباإلسالم دين

ثالث من كن فيه وجد »: أنه قال ويف الصحيحني عن النيب هما، أن يكون اهلل ورسوله أحب إليه مما سوا: بهن حالوة اإليمان

هلل، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد وأن يحب المرء ال يحبه إال .( )«إذ أنقذه اهلل منه كما يكره أن يلقى في النار

إذا مل جتد للعمل »: م عن شيخه ابن تيمية قالونقل ابن القي .«حالوة يف قلبك وانشراحا فاتمه فإن الرب تعاىل شكور

يعين أنه ال بد أن يثيب العامل على »: قال ابن القيم معقبا عليهعمله يف الدنيا من حالوة جيدها يف قلبه وقوة انشراح وقرة عني،

.هـ كالمه.أ ( )«فحيث مل جيد ذلك فعمله مدخول .وما توفيقي إال باهلل عليه توكلت وإليه أنيب

كتبه عادل بن عبد الشكور الزرقي

(.41 /7)الفتاوى ( ) (.4/04 )الفتاوى ( ) (.منزلة املراقبة)مدارج السالكني ( )

7ذوق الصــالة

:الرسالة األولى

قال ابن القيم رحمه اهلل

4 ذوق الصــالة

حقيقة الصالة

ال ريب أن الصالة قرة عيون احملبني، ولذة أرواح املوحدين، وحمك املهداة إىل أحوال الصادقني، وميزان أحوال السالكني، وهي رمحته

عبيده هداهم إليها وعرفهم هبا رمحة هبم وإكراما هلم؛ لينالوا هبا شرف كرامته، والفوز بقربه، ال حاجة منه إليهم، بل منه منا وفضال منه عليهم، وتعبد هبا القلب واجلوارح مجيعا، وجعل حظ القلب منها

وتلذذه أكمل احلظني وأعظمهما وهو إقباله على ربه سبحانه وفرحه بقربه وتنعمه حببه وابتهاجه بالقيام بني يديه وانصرافه حال القيام بالعبودية عن االلتفات إىل غري معبوده، وتكميل حقوق عبوديته حىت

.تقع على الوجه الذي يرضاه الصالة مأدبة وغيث

وملا امتحن سبحانه عبده بالشهوات وأسباهبا من داخل فيه ه به وإحسانه إليه أن هيأ له مأدبة قد وخارج عنه، اقتضت متام رمحت

مجعت من مجيع األلوان والتحف واخللع والعطايا، ودعاه إليه كل يوم مخس مرات، وجعل كل لون من ألوان تلك املأدبة لذة ومنفعة ومصلحة هلذا العبد الذي قد دعاه إىل املأدبة ليست يف اللون اآلخر؛

العبودية، ويكرمه بكل صنف لتكمل لذة عبده يف كل لون من ألوان من أصناف الكرامة، ويكون كل فعل من أفعال تلك العبودية مكفرا

وليثبه عليه نورا خاصا وقوة يف قلبه وجوارحه ، ملذموم كان يكرهه بإزائه .وثوابا خاصا يوم لقائه

1ذوق الصــالة

الصدور من المأدبةخبلع فيصدر املدعو من هذه املأدبة وقد أشبعه وأرواه وخلع عليه

القبول وأغناه؛ ألن القلب كان قبل قد ناله من القحط واجلدب واجلوع والظمأ والعري والسقم ما ناله، فأصدره من عنده وقد أغناه

.عن الطعام والشراب واللباس والتحف ما يغنيه تجديد الدعوة

وملا كانت اجلدوب متتابعة، وقحط النفوس متواليا، جدد له أدبة وقتا بعد وقت رمحة منه به، فال يزال مستسقيا الدعوة إىل هذه امل

من بيده غيث القلوب وسقيها مستمطرا سحائب رمحته؛ لئال ييبس ما أنبتته له تلك من كأل اإلميان وعشبه ومثاره، ولئال تنقطع مادة النبات والقلب يف استسقاء واستمطار، هكذا دائما يشكو إىل ربه

سقيا رمحته، وغيث بره فهذا دأب العبد جدبه وقحطه وضرورته إىل .أيام حياته

الغفلة قحطفإن الغفلة اليت تتنزل بالقلب هي القحط واجلدب، فما دام يف ذكر اهلل واإلقبال عليه فغيث الرمحة واقع عليه كاملطر املتدارك، فإذا غفل ناله من القحط حبسب غفلته قلة وكثرة، فإذا متكنت الغفلة

رضه ميتة، وسنته جرداء يابسة، وحريق واستحكمت صارت أ .( )الشهوات فيها من كل جانب كالسمامي

(.40 / )عرب لسان ال. الريح احلارة: السمامي ( )

4 ذوق الصــالة

عاقبة الغفلة

وإذا تدارك عليه غيث الرمحة اهتزت أرضه وربت وأنبتت من كل ا دب كان مبنزلة شجرة رطوبتها ولينهزوج هبيج، فإذا ناله القحط واجل

بلت أغصاهنا، عروقها وذ تسمن املاء، فإذا منعت من املاء يب ومثارهاوحبست مثارها ورمبا يبست األغصان والشجرة، فإذا مددت منها غصنا إىل نفسك مل ميتد ومل ينقد لك وانكسر فحينئذ تقتضي حكمة

.قيم البستان قطع تلك الشجرة وجعلها وقودا للنار يبوسة القلب

فكذلك القلب، إمنا ييبس إذا خال من توحيد اهلل وحبه ومعرفته عائه فتصيبه حرارة النفس، ونار الشهوات فتمتنع أغصان وذكره، ود

اجلوارح من االمتداد إذا مددتا واالنقياد إذا قدتا، فال تصلح بعد سالم فـهو على : هي والشجرة إال للنار أفمن شرح الله صدره لل

ذكر الله أولئك في ضالل نور من ربه فـويل للقاسية قـلوبـهم من [. : الزمر] مبين

مطر القلب

فإذا كان القلب ممطورا مبطر الرمحة كانت األغصان لينة منقادة رطبة، فإذا مددتا إىل أمر اهلل انقادت معك، وأقبلت سريعة لينة وادعة، فجنيت منها من مثار العبودية ما حيمله كل غصن من تلك

فاملادة تعمل عملها يف ، ن ومادتا من رطوبة القلب وريهاألغصا

ذوق الصــالة

القلب واجلوارح، وإذا يبس القلب تعطلت األغصان من أعمال الرب؛ ألن مادة القلب وحياته قد انقطعت منه فلم تنشر يف اجلوارح،

.فتحمل كل جارحة مثرها من العبودية استعمال الجوارح

ية ختصه، وطاعة مطلوبة وهلل يف كل جارحة من جوارح العبد عبود .منها، خلقت ألجلها وهيئت هلا :والناس بعد ذلك ثالثة أقسام

من استعمل تلك اجلوارح فيما خلقت له وأريد منها، : أحدهافهذا هو الذي تاجر مع اهلل بأربح التجارة وباع نفسه هلل بأربح البيع،

عا لقيام والصالة وضعت الستعمال اجلوارح مجيعها يف العبودية تب .القلب هبامن استعملها فيما مل ختلق له، ومل يلق هلا، فهذا هو : الثاني

الذي خاب سعيه وخسرت جتارته، وفات رضى ربه عنه وجزيل ثوابه .وحصل على سخطه وأليم عقابه

من عطل جوارحه وأماتا بالبطالة، فهذا أيضا خاسر : الثالثللعبادة والطاعة ال للبطالة، وأبغض أعظم خسارة، فإن العبد خلق

اخللق إىل اهلل البطال الذي هو ال يف شغل الدنيا وال يف سعي اآلخرة، .فهذا كل على الدنيا والدين

ذوق الصــالة

جوارح الطاعة

كرجل أقطع أرضا واسعة وأعني بآالت احلرث والبذار، : فاألولر فيها من أنواع وأعطي ما يكفيها لسقيها، فحرثها وهيأها للزراعة وبذ

الغالل، وغرس فيها من أنواع الثمار والفواكه املختلفة األنواع، مث مل يهملها بل أقام عليها احلرس وحفظها من املفسدين وجعل يتعاهدها كل يوم فيصلح ما فسد منها، ويغرس عوض ما يبس وينفي دغلها

.ويقطع شوكها، ويستعني مبغلها على عمارتا جوارح المعصية

مبنزلة رجل أخذ تلك األرض فجعلها مأوى للسباع : ثاينوالواهلوام ومطرحا للجيف واألنتان، وجعلها معقال يأوي إليه كل مفسد

فصرفه معونة ، ومؤذ ولص، وأخذ ما أعني به على بذارها وصالحها .ومعيشة ملن فيها من أهل الشر والفساد

جوارح البطالة

وأرسل ذلك املاء ضائعا يف مبنزلة رجل عطلها وأمهلها: والثالث .القفار والصحاري فقعد مذموما حمسورا

فهذا مثال أهل الغفلة، والذي قبله مثال أهل اخليانة واجلناية، .واألول مثال أهل اليقظة واالستعداد ملا خلقوا له

إذا حترك أو سكن أو قام أو قعد أو أكل أو شرب أو : فاألول

ذوق الصــالة

ذلك كله له ال عليه، وكان يف نام أو لبس أو نطق أو سكت كان .ذكر وطاعة وقربة ومزيد

إذا فعل ذلك كان عليه ال له، وكان يف طرد وإبعاد : والثاين .وخسران

.إذا فعل ذلك كان يف غفلة وبطالة وتفريط: والثالث .فاألول يتقلب فيما يتقلب فيه حبكم الطاعة والقربة

فإن اهلل مل ميلكه ،يتقلب يف ذلك حبكم اخليانة والتعدي: والثاينما ملكه ليستعني به على خمالفته، فهو جان متعد خائن هلل يف نعمه،

.معاقب على التنعم هبا يف غري طاعتهيتقلب يف ذلك ويتناوله حبكم الغفلة وهبجة النفس : والثالث

وطبيعتها، مل يبتغ بذلك رضوان اهلل والتقرب إليه، فهذا خسران بـنين .اليت ال قيمة هلا عن أفضل األرباح والتجارب إذ عطل أوقات عمره

فدعا اهلل سبحانه املوحدين إىل هذه الصلوات اخلمس رمحة منه عليهم، وهيأ هلم فيها أنواع العبادة؛ لينال العبد من كل قول وفعل

.وحركة وسكون حظه من عطاياه وافد الملك

ره وكان سر الصالة ولبها إقبال القلب فيها على اهلل وحضو بكليته بني يديه فإذا مل يقبل عليه واشتغل بغريه وهلا حبديث النفس،

مستمطرا ، كان مبنزلة وافد وفد إىل باب امللك معتذرا من خطئه وزللهمستطعما له ما يقوت قلبه؛ ليقوى على ، لسحايب جوده ورمحته

0 ذوق الصــالة

القيام يف خدمته، فلما وصل إىل الباب ومل يبق إال مناجاة امللك لتفت عن امللك وزاغ عنه ميينا أو واله ظهره، واشتغل عنه بأمقت ا

شيء إىل امللك وأقله عنده قدرا فآثره عليه وصريه قبلة قلبه، وحمل توجهه، وموضع سره، وبعث غلمانه وخدمه، ليقفوا يف طاعة امللك،

.ويعتذروا عنه وينوبوا عنه يف اخلدمة، وامللك شاهد ذلك ويرى حاله كرم الملك

ومع هذا فكرم امللك وجوده وسعة بره وإحسانه يأىب أن ينصرف .عنه تلك اخلدم واألتباع فيصيبها من رمحته وإحسانه

لكن فـرق بني قسمة الغنائم على أهل السهمان من الغامنني وبني ولكل درجات مما عملوا وليـوفـيـهم : ملن ال سهم له ( )الرضخواهلل سبحانه خلق هذا النوع اإلنساين هم وهم ال يظلمون أعمال

ابن آدم »: لنفسه واختصه وخلق له كل شيء كما يف األثر اإلهليوخلقت كل شيء لك، فبحقي عليك ال تشتغل ، خلقتك لنفسي

.«بما خلقته لك عما خلقتك لهخلقتك لنفسي فال تلعب، وتكفلت برزقك »: ويف أثر آخر

تتعب، ابن آدم، اطلبني تجدني، وإن وجدتني وجدت كل فال .«شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا خير لك من كل شيء

(.4 / )انظر النهاية البن األثري . العطية القليلة: الرضخ ( )

5 ذوق الصــالة

سبب القربوجعل الصالة سببا موصال له إىل قربه ومناجاته وحمبته واألنس به، وما بني صالتني حتدث له الغفلة واجلفوة واإلعراض والزالت واخلطايا،

، وينحيه عن قربه، ويصري كأنه أجنيب عن العبودية فيبعده ذلك عن ربهليس من مجلة العبيد، ورمبا ألقى بيده إىل أسر العدو فأسره وغله وقيده

فحظه ضيق الصدر ومعاجلة اهلموم والغموم ، وجنه يف سجن نفسه وهواه .واألحزان واحلسرات، وال تدري السبب يف ذلك

عبوديته عبودية فاقتضت رمحة ربه الرحيم به أن جعل له منجامعة خمتلفة األجزاء واحلاالت، حبسب اختالف األحداث اليت جاءت من العبد وحبسب شدة حاجته إىل نصيبه من كل خري من

.أجزاء تلك العبودية طهارة القدوم

فبالوضوء يتطهر من األوساخ ويقدم على ربه متطهرا والوضوء له لعبادة، وباطنه وسره طهارة ظاهر وباطن، وظاهره طهارة البدن وأعضاء ا

القلب من أوساخه وأدرانه بالتوبة وهلذا يقرن سبحانه بني التوبة والطهارة [ : البقرة] إن الله يحب التـوابين ويحب المتطهرين : يف قوله

: للمتطهر بعد فراغه من الوضوء أن يتشهد مث يقول وشرع النيب فكمل له . ( )«ني من التوابين واجعلني من المتطهريناللهم اجعل»

.مراتب الطهارة باطنا وظاهرا

احلديث عن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه أخرجه الرتمذي، كتاب الطهارة، باب ( ) (.77/ )فيما يقال بعد الوضوء

6 ذوق الصــالة

فإنه بالشهادة يتطهر من الشرك، وبالتوبة يتطهر من الذنوب، وباملاء يتطهر من األوساخ الظاهرة فشرع أكمل مراتب الطهارة قبل

ن له الدخول على اهلل والوقوف بني يديه، فلما طهر ظاهرا وباطنا أذبالدخول عليه بالقيام بني يديه إذ يلص من اإلباق مبجيئه إىل داره

.وحمل عبوديتهوهلذا كان اجمليء إىل املسجد من متام عبودية الصالة الواجبة عند

.قوم واملستحبة عند آخرين استقبال القبلة

والعبد كان يف حال غفلته كاآلبق عن ربه وقد عطل جوارحه يت خلق هلا، فإذا جاء إليه فقد رجع من إباقه فإذا وقلبه عن اخلدمة ال

وقف بني يديه موقف العبودية والتذلل واالنكسار، فقد استدعى .عطف سيده عليه وإقباله عليه بعد اإلعراض

وأمر بأن يستقبل القبلة بيته احلرام بوجهه، ويستقبل اهلل عز وجل مث قام بني يديه مقام بقلبه لينسلخ مما كان فيه من التويل واإلعراض،

الذليل اخلاضع املسكني املستعطف لسيده وألقي بيديه مسلما مستسلما ناكس الرأس خاشع القلب مطرق الطرف ال يلتفت قلبه عنه وال طرفه مينة وال يسرة بل قد توجه بقلبه كله إليه وأقبل بكليته

.عليه حقيقة التكبير

لبه يف التكبري لسانه فكان اهلل مث كبـره بالتعظيم واإلجالل وواطأ ق

7 ذوق الصــالة

أكرب يف قلبه من كل شيء وصدق هذا التكبري بأنه مل يكن يف قلبه شيء أكرب من اهلل يشغله عنه، فإذا اشتغل عن اهلل بغريه وكان ما

.اشتغل به أهم عندهم من اهلل كان تكبريه بلسانه دون قلبه :فالتكبري

.بوديةيرجه من لبس رداء التكرب املنايف للع - .ومينعه من التفات قلبه إىل غري اهلل -

فإذا كان اهلل عنده ويف قلبه أكرب من كل شيء منعه حق قول اهلل أكرب والقيام بعبودية التكبري عن هاتني اآلفتني اللتني مها من أعظم

.احلجب بينه وبني اهلل دعاء االستفتاح

ا هو وأثىن على اهلل مب« سبحانك اللهم وبحمدك»: فإذا قال .أهله، فقد خرج عن الغفلة اليت هي حجاب أيضا بينه وبني اهلل

وأتى بالتحية والثناء الذي ياطب به امللك عند الدخول عليه تعظيما له ومتجيدا ومقدمة بني يدي حاجته، فكان يف هذا الثناء من أدب العبودية ما يستجلب به إقباله عليه ورضاه عنه وإسعافه

.حبوائجه تعاذة باهللاالس

فإذا شرع يف القراءة قدم أمامها االستعاذة باهلل من الشيطان فإنه أحرص ما يكون على العبد يف مثل هذا املقام الذي هو أشرف

4 ذوق الصــالة

مقاماته وأنفعها له يف دنياه وآخرته، فهو أحرص شيء على صرفه عنه واقتطاعه دونه بالبدن والقلب، فإن عجز عن اقتطاعه وتعطيله عنه

ن اقتطع قلبه وعطله عن القيام بني يدي الرب تعاىل، فأمر العبد بالبدباالستعاذة باهلل منه ليسلم له مقامه بني يدي ربه، وليحيي قلبه ويستنري مبا يتدبره ويتفهمه من كالم سيده الذي هو سبب حياته ونعيمه وفالحه، فالشيطان أحرص على اقتطاع قلبه عن مقصود

.التالوةوتفرغه للعبد، وعجز العبد عنه، وده حسد العم سبحانوملا عل

أمره بأن يستعيذ به سبحانه ويلتجئ إليه يف صرفه عنه فيكتفي ال طاقة لك هبذا : باالستعاذة مؤنة حماربته ومقاومته، فكأنه قيل له .العدو فاستعذ يب واستجر يب أكفكه وأمنعك منه

هاش عليك إذا »: قدس اهلل روحه يوما ( )وقال يل شيخ اإلسالمكلب الغنم فال تشتغل مبحاربته ومدافعته، وعليك بالراعي فاستغث

.«به فهو يصرف عنك الكلبفإذا استعاذ باهلل من الشيطان بـعد منه فأفضى القلب إىل معاين

وشاهد عجائبه اليت تبهر العقول، ( )القرآن، ووقع يف رياضه املونقةأت وال أذن مسعت، وكان واستخرج من كنوزه وذخائره ما ال عني ر

النفس والشيطان، والنفس منفعلة للشيطان ، احلائل بينه وبني ذلك

.هو ابن تيمية رمحه اهلل ( )ونقة أي بساتينه اليت جتلب الفرح من األنق وهو الفرح والسرور، ورياضه امل: املونق ( )

.والسرور

1 ذوق الصــالة

سامعة منه فإذا بعد عنها وطرد مل هبا امللك وثبتها وذكرها مبا فيه .سعادتا وجناتا

القراءة

فإذا أخذ يف قراءة القرآن فقد قام يف مقام خماطبة ربه ومناجاته، تعرض ملقته وسخطه أن يناجيه وياطبه وهو فليحذر كل احلذر من ال

معرض عنه ملتفت إىل غريه، فإنه يستدعي بذلك مقته ويكون مبنزلة رجل قربه ملك من ملوك الدنيا فأقامه بني يديه، فجعل ياطبه امللك وقد واله قفاه أو التفت عنه بوجهه مينة ويسرة، فما الظن مبقت امللك

ملبني الذي هو رب العاملني وقيوم هلذا، فما الظن بامللك احلق ا .السماوات واألرض

وليقف عند كل آية من الفاحتة ينتظر جواب ربه له وكأنه مسعه فإذا الحمد لله رب العالمين : محدين عبدي حني يقول: يقولأثنى علي »: وقف حلظة ينتظر قوله الرحمن الرحيم : قال

مجدني »: انتظر قوله مالك يـوم الدين : فإذا قال« عبديهذا »: انتظر قوله إياك نـعبد وإياك نستعين : فإذا قال« عبدي

إىل آخر اهدنا الصراط المستقيم : فإذا قال« بيني وبين عبدي .( )«هؤالء لعبدي ولعبدي ما سأل»: انتظر قوله

وقد « قسمت الصالة بيين وبني عبدي نصفني»إشارة إىل حديث أيب هريرة وأوله ( )

(.16 / )أخرجه مسلم كتاب الصالة باب وجوب قراءة الفاحتة يف كل ركعة

4 ذوق الصــالة

طعم الصالة

عم الصالة علم أنه ال يقوم غري التكبري والفاحتة ومن ذاق طمقامهما، كما ال يقوم غري القيام والركوع والسجود مقامها، فلكل عبودية من عبودية الصالة سر وتأثري وعبودية ال حتصل من غريها، مث

.لكل آية من آيات الفاحتة عبودية وذوق ووجد يصها الحمد هلل

جتد حتت هذه الكلمة ه رب العالمين الحمد لل : فعند قولهوتنزيهه عن كل سوء ، إثبات كل كمال للرب تعاىل فعال ووصفا وامسا

منزه ، فهو حممود يف أفعاله وأوصافه وأمسائه، وعيب فعال ووصفا وامساعن العيوب والنقائص يف أفعاله وأوصافه وأمسائه، فأفعاله كلها حكمة

ل ال خترج عن ذلك، وأوصافه كلها أوصاف ورمحة ومصلحة وعدكمال ونعوت جالل، وأمساؤه كلها حسىن، ومحده قد مأل الدنيا واآلخرة والسماوات واألرض وما بينهما وما فيهما فالكون كله ناطق حبمده، واخللق واألمر صادر عن محده وقائم حبمده ووجد حبمده؛

جود، وكل فحمده هو سبب وجود كل موجود، وهو غاية كل مو موجود شاهد حبمده، وإرساله رسوله حبمده، وإنزاله كتبه حبمده، واجلنة عمرت بأهلها حبمده، والنار عمرت بأهلها حبمده، وما أطيع إال حبمده وما عصي إال حبمده، وال تسقط ورقة إال حبمده، وال حيرك ، يف الكون ذرة إال حبمده، وهو احملمود لذاته، وإن مل حيمده العباد

كما أنه هو الواحد األحد ولو مل يوحده العباد، واإلله احلق وإن مل

ذوق الصــالة

احلمد هلل : يؤهلوه، وهو سبحانه الذي محد نفسه على لسان القائلإن اهلل تعالى قال على لسان »: رب العاملني، كما قال النيب

.( )«سمع اهلل لمن حمده: نبيهفإنه الذي أجرى فهو احلامد لنفسه يف احلقيقة على لسان عبده،

.احلمد على لسانه وقلبه وإجراؤه حبمدهفله احلمد كله، وله امللك كله، وبيده اخلري كله، وإليه يرجع األمر

.كله، فهذه املعرفة من عبودية احلمدومن عبوديته أيضا أن يعلم أن محده لربه سبحانه نعمة منه عليه،

ستوجب عليه محدا يستحق عليها احلمد فإذا محده على هذه النعمة ا .آخر على نعمة محده وهلم جرا

فالعبد ولو استنفد أنفاسه كلها يف محده على نعمة من نعمه كان ما جيب له من احلمد ويستحق فوق ذلك وأضعاف، وال حيصي أحد

.البتة ثناء عليه مبحامدهومن عبودية العبد شهود العبد لعجزه عن احلمد وأن ما قام به

.انه هو احملمود عليه إذ هو جمريه على لسانه وقلبهمنه، فالرب سبحومن عبوديته تسليط احلمد على تفاصيل أحوال العبد كلها ظاهرة وباطنة على ما حيب العبد وما يكرهه، فهو سبحانه احملمود

.على ذلك كله يف احلقيقة وإن غاب عن شهود العبد

(.040)إشارة إىل حديث أيب موسى األشعري رضي اهلل عنه مسلم ( )

ذوق الصــالة

رب العالمين

عبودية شهود تفرده سبحانه من ال رب العالمين : مث لقولهبالربوبية، وأنه كما أنه رب العاملني وخالقهم ورازقهم ومدبر أمورهم وموجدهم ومفنيهم فهو وحده إهلهم ومعبودهم وملجأهم ومفزعهم

.عند النوائب فال رب غريه، وال إله سواه الرحمن الرحيم

عموم عبودية ختصها، وهي شهود الرحمن الرحيم : مث لقولهرمحته وسعها لكل شيء وأخذ كل موجود بنصيبه منها، وال سيما الرمحة اخلاصة اليت أقامت عبده بني يديه يف خدمته يناجيه بكالمه ويتملقه ويسرتمحه ويسأله هدايته ورمحته وإمتام نعمته عليه، فهذا من

.كما أن محده وسع كل شيء، رمحته بعبده، فرمحته وسعت كل شيء لدينمالك يوم ا

عبوديتها ويتأمل تضمنها مالك يـوم الدين : مث يعطي قولهإلثبات املعاد، وتفرد الرب فيه باحلكم بني خلقه، وأنه يوم يدين فيه

.العباد بأعماهلم يف اخلري والشر وذلك من تفاصيل محده، وموجبهعن محده إخبارا الحمد لله رب العالمين : وملا كان قوله

الرحمن الرحيم : وملا كان قوله« حمدني عبدي»: تعاىل قال اهللفإن الثناء « أثنى علي عبدي»: إعادة وتكريرا ألوصاف كماله قال

إمنا يكون بتكرار احملامد وتعداد أوصاف احملمود، وملا وصفه سبحانه

ذوق الصــالة

تضمن لظهور عدله وهو امللك احلق امل مالك يـوم الدين بتفرده بـ : وكربيائه وعظمته ووحدانيته وصدق رسله، مسى هذا الثناء جمدا فقال

.فإن التمجيد هو الثناء بصفات العظمة واجلالل« مجدني عبدي» إياك نعبد وإياك نستعين

: انتظر جواب ربه له إياك نـعبد وإياك نستعين : فإذا قالهاتني وتأمل عبودية« بدي ما سألهذا بيني وبين عبدي؛ ولع»

ه هلل والكلمة اليت للعبد، وفق ز الكلمة اليتالكلمتني وحقوقهما وميـن سر كون إحدامها هلل واألخرى للعبد، وميز بني التوحيد الذي تقتضيه

وإياك نستعين والتوحيد الذي تقتضيه كلمة إياك نـعبد كلمة كون هاتني الكلمتني يف وسط السورة بني نوعي الثناء وفقه سر

وإياك على إياك نـعبد : وفقه تقدمي، قبلهما والدعاء بعدمهاوتقدمي املعمول على الفعل مع اإلتيان به مؤخرا، أوجز نستعين

وأشد اختصارا، وسر إعادة الضمري مرة بعد مرة، وعلم ما دفع كل من الكلمتني من اآلفة املنافية للعبودية، وكيف تدخله واحدة

الكلمتان يف صريح العبودية، وعلم كيف يدور القرآن من أوله إىل آخره على هاتني الكلمتني بل كيف يدور عليهما اخللق واألمر والثواب والعقاب والدنيا واآلخرة، وكيف تضمنتا ألجل الغايات

هبما بضمري اخلطاب واحلضور دون وأكمل الوسائل، وكيف جيء .ضمري الغائب

0 ذوق الصــالة

اهدنا الصراط المستقيم

اهدنا الصراط المستقيم : مث تأمل ضرورته وفاقته إىل قوله :الذي مضمونه

.وقصده وإرادته - .معرفة احلق - .والثبات عليه -0 والعمل به - والدعوة إليه والصرب على أذى املدعو -5ستكمال هذه املراتب اخلمس تستكمل اهلداية وما نقص منها فبا

.نقص من هدايته أمور الهداية

وملا كان العبد مفتقرا إىل هذه اهلداية يف ظاهره وباطنه يف مجيع :ما يأتيه ويذره من

أمور قد فعلها على غري اهلداية علما، وعمال وإرادة فهو - .ي اهلدايةحمتاج إىل التوبة منها وتوبته منها ه

وأمور قد هدي إىل أصلها دون تفصيلها، فهو حمتاج إىل - .هداية تفاصيلها

وأمور قد هدي إليها من وجه دون وجه فهو حمتاج إىل متام - .اهلداية فيها؛ لتتم له اهلداية ويزاد هدى إىل هداه

وأمور حيتاج فيها إىل أن حيصل له من اهلداية يف مستقبلها -0

5 ذوق الصــالة

.يف ماضيها مثلما حصل لهوأمور يعتقد فيها خبالف ما هي عليه، فهو حمتاج إىل هداية -5

.تنسخ من قلبه ذلك االعتقاد، وتثبت فيه ضدهوأمور من اهلداية هو قادر عليها، ولكن مل يلق له إرادة -6

.فعلها فهو حمتاج يف متام اهلداية إىل خلق إرادة يفعلها هباى فعلها مع كونه مريدا فهو وأمور منها هو غري قادر عل -7

.حمتاج يف هدايته إىل إقداره عليهاوأمور منها هو غري قادر عليها وال مريد هلا فهو حمتاج إىل -4

.خلق القدرة واإلرادة له لتتم له اهلدايةوأمور هو قائم هبا على وجه اهلداية اعتقادا وإرادة وعمال -1

.افهو حمتاج إىل الثبات عليها واستدامتهحاجته إىل سؤال اهلداية أعظم احلاجات وفاقته إليها ( )كانت

أشد الفاقات، فرض عليه الرب الرحيم هذا السؤال كل يوم وليلة يف أفضل أحواله، وهي الصلوات اخلمس مرات متعددة، لشدة ضرورته

.وفاقته إىل هذا املطلوب الناس والهداية

لسبيل أهل الغضب وأهل مث بـني أن سبيل أهل هذه اهلداية مغاير :الضالل، فانقسم اخللق إذا ثالثة أقسام بالنسبة إىل هذه اهلداية

.«..وملا كان العبد مفتقرا» :جواب قوله ( )

6 ذوق الصــالة

عم عليه حبصوهلا، واستمرار حظه من النعم حبسب حظه - منـ .من تفاصيلها وأقسامها

.وضال مل يـعط هذه اهلداية ومل يوفق هلا - .ومغضوب عليه عرفها ومل يوفق للعمل مبوجبها - نعم عليه قام باهلدى ودين احلق علما، عمال والضال : ولفاأل

امل

منسلخ عنه علما وعمال واملغضوب عليه عارف به علما منسلخ منه .عمال

مشروعية التأمين

مث شرع له التأمني عند هذا الدعاء تفاؤال بإجابته وحصوله عليه وطابعا عليه وحتقيقا له، وهلذا اشتد حسد اليهود للمسلمني

.حني مسعوهم جيهرون به يف صالتم الركوع

مث شرع له رفع اليدين عند الركوع؛ تعظيما ألمر اهلل وزينة للصالة وعبودية خاصة لليدين كعبودية باقي اجلوارح، واتباعا لسنة رسول اهلل

فهو حلية الصالة، وزينتها، وتعظيما لشعائرها. الت الصالة من ركن إىل مث شرع له التكبري الذي هو يف انتقا

ركن كالتلبية يف انتقاالت احلاج من مشعر إىل مشعر، فهو شعار الصالة كما أن التلبية شعار احلج؛ ليعلم العبد أن سر الصالة هو

.تعظيم الرب تعاىل وتكبريه بعبادته وحده

7 ذوق الصــالة

مث شرع له بأن يضع للمعبود سبحانه بالركوع خضوعا لعظمته ال لعزته، فثىن العبد له صلبه ووضع له قامته واستكانة هليبته وتذل

ونكس له رأسه وحىن له ظهره معظما له ناطقا بتسبيحه املقرتن بتعظيمه، فاجتمع له خضوع القلب وخضوع اجلوارح، وخضوع القول، على أمت األحوال ومجع له يف هذا الذكر بني اخلضوع والتعظيم

ضوع وصف العبد والعظمة لربه والتنزيه له عن خضوع العبيد وأن اخل .وصف الرب

ومتام عبودية الركوع أن يتصاغر العبد ويتضاءل حبيث ميحو تصاغره كل تعظيم منه لنفسه و يثبت مكانه تعظيمه لربه وكلما استوىل على قلبه تعظيم الرب ازداد تصاغره هو عند نفسه، فالركوع

.للقلب بالذات والقصد وللجوارح بالتبع والتكملة ال من الركوعاالعتد

مث شرع له أن حيمد ربه ويثين عليه بآالئه عند اعتداله وانتصابه ورجوعه إىل أحسن هيأته منتصب القامة معتدهلا، فيحمد ربه ويثين عليه بأن وفقه لذلك اخلضوع، مث نقله منه إىل مقام االعتدال

.واالستواء بني يديه، واقفا يف خدمته كما كان يف حال القراءةاالعتدال ذوق خاص وحال حيصل للقلب سوى ذوق الركوع ولذلك

وحاله، وهو ركن مقصود لذاته كركن الركوع والسجود سواء؛ وهلذا كان رسول اهلل يطيله كما يطيل الركوع والسجود ويكثر فيه من الثناء واحلمد

وكان يف قيام الليل يكثر فيه من ( )والتمجيد كما ذكرناه يف هديه

(.55/ )انظر زاد املعاد ( )

4 ذوق الصــالة .يكررها ( )«الحمد لربي الحمد لربي»: قول

السجدة األولىمث شرع له أن يكرب وير ساجدا، ويعطي يف سجوده كل عضو من أعضائه حظه من العبودية فيضع ناصيته باألرض بني يدي ربه مسندة راغما له أنفه خاضعا له قلبه، ويضع أشرف ما فيه وهو وجهه

ني يدي سيده راغما له أنفه باألرض وال سيما على الرتاب معفرا له بخمضعا له قلبه وجوارحه، متذلال لعظمته، خاضعا لعزته مستكينا بني يديه، أذل شيء وأكسره لربه تعاىل مسبحا له بعلوه يف أعظم سفوله، قد صارت أعاليه ملوية ألسافله ذال وخضوعا وانكسارا وقد طابق

وقد سجد معه قلبه حال جسمه، فسجد القلب كما سجد الوجه، .أنفه و يداه وركبتاه ورجاله

فخذيه عن ساقيه، وبطنه عن فخذيه، ( )(يقل)وشرع له أن وعضديه عن جنبيه، ليأخذ كل جزء منه حظه من اخلضوع وال حيمل

.بعضه بعضافأحرى به يف هذه احلال أن يكون أقرب إىل ربه منه يف غريها من األحوال

.( )«ون العبد من ربه وهو ساجدأقرب ما يك» كما قال النيب

جزء من حديث رواه حذيفة وقد أخرجه أبو داود يف سننه كتاب الصالة، باب ما ( )ما يقول : والنسائي كتاب االفتتاح، باب ( / )يقول الرجل يف ركوعه وسجوده

(.14 /5)وأمحد يف مسنده ( 11 / )يف قيامه ذلك (.40 /0)يرفع النهاية البن األثري : يقل ( )هذا احلديث رواه أبو هريرة، وقد أ خرجه مسلم كتاب الصالة باب ما يقال يف ( )

(.54 / )الركوع والسجود

1 ذوق الصــالة

سجود القلب

وملا كان سجود القلب خضوعه التام لربه، أمكنه استدامة هذا .السجود إىل يوم لقائه

أي واهلل : )كما قيل لبعض السلف هل يسجد القلب؟ قال .( )(سجدة ال يرفع رأسه منها حىت يلقى اهلل

(.4 / )سهل بن عبد اهلل التسرتي كما يف جمموع الفتاوى البن تيمية : القائل ( )

4 ذوق الصــالة

أسماء الصالة

ة والقيام و الركوع والسجود القراء: وملا بنيت الصالة على مخس .والذكر مسيت باسم كل واحد من هذه اخلمس

[ : املزمل] قم الليل إال قليال : فسميت قياما كقوله تعاىل [.4 : البقرة] وقوموا لله قانتين : وقوله

مشهودا وقـرآن الفجر إن قـرآن الفجر كان : وقراءة كقوله [.74: اإلسراء]

[ 0: البقرة] واركعوا مع الراكعين : وركوعا كقوله تعاىل [.04: املرسالت] وإذا قيل لهم اركعوا ال يـركعون : وقوله فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين : وسجودا كقوله ترب وقوله ،[ 14: احلجر ] وذكرا [. 1 :العلق ] واسجد واقـ

إذا نودي للصالة من يـوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر : كقوله تـلهكم أموالكم وال أوالدكم عن ذكر ال [ 1: اجلمعة] الله [.1: املنافقون] الله

ا السجود، وأشرف أذكارها القراءة، وأول سورة وأشرف أفعاهلافتتحت بالقراءة وختمت بالسجود ووضعت أنزلت على النيب

.الركعة على ذلك، أوهلا قراءة وآخرها سجود االعتدال من السجود

مث شرع له أن يرفع رأسه ويعتدل جالسا، وملا كان هذا االعتدال

ذوق الصــالة

فينتقل من السجود إليه سجود قبله وسجود بعده،: حمفوفا بسجودين .مث منه إىل السجود كان له شأن

يطيله بقدر السجود يتضرع فيه إىل ربه، فكان رسول اهلل وله ذوق خاص ( )ويستغفره ويسأله رمحته وهدايته ورزقه وعافيته

.وحال للقلب غري ذوق السجود وحاله الجلوس بين السجدتين وذوقه

ملقيا نفسه ، ثيا بني يدي ربهفالعبد يف هذا القعود قد متثل جامستعديا ، بني يديه، معتذرا إليه مما جناه، راغبا إليه أن يغفر له ويرمحه

.على نفسه األمارة بالسوءيف هذه القعدة، ويكثر رغبته ( )يكرر االستغفار وكان النيب

.إىل اهلل فيهامي و الغر ، فمثل نفسك مبنزلة غرمي عليه حق اهلل وأنت كفيل به .مماطل خمادع وأنت مطلوب بالكفارة والغرمي مطلوب باحلق

ص لخحىت تستخرج ما عليه من احلق؛ لتت، فأنت تستعدي عليه .من املطالبة

ود كتاب الصالة باب الدعاء بني إشارة إىل حديث ابن عباس وقد أخرجه أبو دا ( )

هم اغفر يل لال»: كان يقول بني السجدتني أن النيب ( 0 / )السجدتني .«وارمحين وعافين واهدين وارزقين

رب اغفر يل »: كان يقول بني السجدتني إشارة إىل حديث حذيفة أن النيب ( )بني السجدتني أخرجه ابن ماجه كتاب إقامة الصالة باب ما يقول « رب اغفر يل

(.11 / )والنسائي كتاب االفتتاح باب ما يقول يف قيامه ذلك ( 44 / )

ذوق الصــالة

والقلب شريك النفس يف اخلري والشر والثواب والعقاب واحلمد والذم، والنفس من شأهنا اإلباق واخلروج من رق العبودية، وتضييع

والقلب شريكها إن قوي سلطاهنا وأسريها وهي ، لهاحقوق اهلل اليت قب .إن قوي سلطانه تهوأسري تهشريك

جماع الخير

أن جيثو بني يدي اهلل ، فشرع للعبد إذا رفع رأسه من السجودمستعديا على نفسه، معتذرا إىل ربه مما كان منها، راغبا إليه أن يرمحه

هي مجاع خري الدنيا ويغفر له و يهديه ويرزقه ويعافيه وهذه اخلمس .واآلخرة

فإن العبد حمتاج بل مضطر إىل حتصيل مصاحله يف الدنيا ويف اآلخرة، ودفع املضار عنه يف الدنيا واآلخرة، وقد تضمنها هذا الدعاء،

واهلداية ، والعافية تدفع مضارها، فإن الرزق جيلب له مصاحل دنياه، والرمحة جتمع ذلك جتلب له مصاحل أخراه، واملغفرة تدفع عنه مضارها

.كله السجدة الثانية

وشرع له أن يعود ساجدا كما كان وال يكتفي منه بسجدة واحدة يف الركعة كما اكتفى منه بركوع واحد لفضل السجود وشرفه وموقعه من اهلل حىت أنه أقرب ما يكون إىل عبده وهو ساجد، وهو

خامتة الركعة وما أدخل يف العبودية، وأعرق فيها من غريه؛ وهلذا جعل قبله كاملقدمة بني يديه، فمحله من الصالة حمل طواف الزيارة، وما

ذوق الصــالة

قبله من التعريف وتوابعه مقدمات بني يديه وكما أنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فكذلك أقرب ما يكون منه يف املناسك

.وهو طائف: لدنياوهلذا قال بعض الصحابة ملن كلمه يف طوافه بأمر من ا

.( )"أتقول هذا وحنن نرتاءى هلل يف طوافنا"وهلذا واهلل أعلم جعل الركوع قبل السجود تدرجيا وانتقاال من

.الشيء إىل ما هو أعلى منه جلوس التشهد

فلما قضى صالته وأكملها ومل يبق إال االنصراف منها شرع إال له اجللوس بني يدي ربه مثنيا عليه بأفضل التحيات اليت ال تصلح

.وال تليق بغريه التحيات هلل

وملا كان عادة امللوك أن حييوا بأنواع التحيات من األفعال واألقوال املتضمنة للخضوع والثناء وطلب البقاء ودوام امللك، فمنهم من حيىي بالسجود ومنهم من حيىي بالثناء عليه، ومنهم من

لك كله، فكان حيىي بطلب البقاء والدوام له، ومنهم من جيمع له ذامللك احلق سبحانه أوىل بالتحيات كلها من مجيع خلقه، وهي له باحلقيقة، وهلذا فسرت التحيات بامللك، وفسرت بالبقاء والدوام

(.67 /0)قائل هذا القول عبد اهلل بن عمر الطبقات الكربى البن سعد ( )

0 ذوق الصــالة

.وحقيقتها ما ذكرته وهي حتيات امللك، فامللك احلق املبني أوىل هبافكل حتية حيىي هبا ملك من سجود أو ثناء أو بقاء ودوام فهي

وجل، وهلذا أتى هبا جمموعة معرفة بالالم أداة العموم وهي مجع هلل عزحتية، وهي تفعيلة من احلياة، وأصلها حتيية بوزن تكرمة مث أدغم أحد املثلني يف اآلخر فصارت حتية، وإذا كان أصلها من احلياة فاملطلوب

.ملن حيىي هبا دوام احلياةولك احلياة الدائمة، لك احلياة الباقية: وكانوا يقولون مللوكهم

عشرة آالف سنة، واشتق منها أدام اهلل أيامك، : وبعضهم يقولوأطال اهلل بقاءك، حنو ذلك مما يراد به دوام احلياة وامللك وذلك ال ينبغي إال للحي الذي ال ميوت وللملك الذي كل ملك زائل غري

.ملكه والصلوات

شمل كل ما مث عطف عليها الصلوات بلفظ اجلمع والتعريف ليأطلق عليه لفظ الصالة خصوصا وعموما فكلها هلل ال تنبغي إال له فالتحيات له ملكا، والصلوات له عبودية واستحقاقا فالتحيات ال

.تكون إال له والصلوات ال تنبغي إال له والطيبات

الوصف : مث عطف عليها الطيبات كذلك، وهذا يتناول أمرين .وامللك

5 ذوق الصــالة

سبحانه طيب، وكالمه طيب، وفعله كله فأما الوصف فإنه طيب، وال يصدر منه إال الطيب، وال يضاف إليه إال الطيب، وال يصعد إليه إال الطيب فالطيبات له وصفا وفعال وقوال ونسبة، وكل طيب مضاف إليه، وكل مضاف إليه طيب، فله الكلمات الطيبة

وناقته وجنته واألفعال الطيبات، وكل مضاف إليه كبيته وعبده وروحه .فهي طيبات

وأيضا فمعاين الكلمات الطيبات هلل وحده فإن الكلمات الطيبات تتضمن تسبيحه وحتميده وتكبريه ومتجيده والثناء عليه بآالئه وأوصافه فهذه الكلمات الطيبات اليت يثىن عليه هبا ومعانيها له وحده

ك وتعاىل ال يشركه فيها غريه، كسبحانك اللهم وحبمدك وتبارك امسوحنو سبحان اهلل واحلمد هلل وال إله إال اهلل واهلل ( )جدك وال إله غريك

.( )وحنو سبحان اهلل وحبمده سبحان اهلل العظيم ( )أكربفكل طيب فله وعنده ومنه وإليه، وهو طيب ال يقبل إال طيبا،

.وهو إله الطيبني، وجريانه يف دار كرامته هم الطيبون

سبحانك »: إشارة إىل حديث أن عمر بن اخلطاب كان جيهر هبؤالء الكلمات يقول ( )رواه مسلم كتاب الصالة « وال إله غريكاللهم وحبمدك وتبارك امسك وتعاىل جدك

(.11 / )باب حجة من قال ال جتهر بالبسملة ألن أقول سبحان اهلل واحلمد »: قال رسول اهلل : إشارة إىل حديث أيب هريرة قال ( )

رواه مسلم كتاب « هلل وال إله إال اهلل واهلل أكرب أحب إيل مما طلعت عليه الشمس (. 47 /0)تهليل والتسبيح والدعاء الذكر والدعاء باب فضل ال

كلمتان خفيفتان على اللسان »: قال إشارة إىل حديث أيب هريرة أن النيب ( )رواه « ثقيلتان يف امليزان حبيبتان إىل الرمحن سبحان اهلل وحبمده سبحان اهلل العظيم

(.47 /4)البخاري كتاب الدعاء باب فضل التسبيح

6 ذوق الصــالة

مات بعد القرآن كيف ال تنبغي إال هلل، وهي فتأمل أطيب الكلسبحان اهلل، والحمد هلل، وال إله إال اهلل، واهلل أكبر، وال حول »

.«وال قوة إال باهللتتضمن تنزيهه عن كل نقص وعيب وسوء، «سبحان اهلل»فإن

.وعن خصائص املخلوقني وشبههما تتضمن إثبات كل كمال له قوال وفعال ووصف «الحمد هلل»و

.على أمت الوجوه وأكملها أزال وأبداتتضمن انفراده باإلهلية، وأن كل معبود سواه «ال إله إال اهلل»و

فباطل، وأنه وحده اإلله احلق وأنه من تأله غريه فهو مبنزلة من اختذ .بيتا من بيوت العنكبوت يأوي إليه ويسكنه

و تتضمن أنه أكرب من كل شيء وأجل وأعظم «اهلل أكبر»وأعز وأقوى وأقدر وأعلم وأحكم، فهذه الكلمات الطيبات ال تصلح

.هي ومعانيها إال هلل وحده وعلى عباد اهلل الصالحين السالم على النبي

مث شرع له أن يسلم على عباد اهلل الذين اصطفى بعد تقدم قل الحمد : احلمد والثناء عليه مبا هو أهله فطابق ذلك قوله تعاىل

ر أما يشركون لل ه وسالم على عباده الذين اصطفى آلله خيـ .وكأنه امتثال له[ 51: النمل]

وأيضا فإن هذه حتية املخلوق فشرعت بعد حتية اخلالق وقدم يف الذي نالت أمته على يده هذه التحية أوىل اخللق هبا، وهو النيب

7 ذوق الصــالة

، وعلى سائر عباد اهلل الصاحلني كل خري، وعلى نفسه بعدهمع ،وأخصهم هبذه التحية األنبياء، مث أصحاب رسول اهلل

.عمومها لكل عبد هلل صاحل يف األرض والسماء شهادة الحق

مث شرع له بعد ذكر هذه التحية والتسليم على من يستحق التسليم خصوصا وعموما أن يشهد شهادة احلق اليت بنيت عليها

وهي حق من حقوقها وال تنفعه إال بقرينتها وهي شهادة الصالة، بالرسالة وختمت هبا الصالة، كما قال عبد اهلل بن لرسول اهلل

فإذا قلت ذلك فقد قضيت صالتك فإن شئت أن تقوم فقم )مسعود .( )وإن شئت أن تقعد فاقعد

وهذا إما أن حيمل على قضاء الصالة حقيقة كما يقوله الكوفيون، .ومشارفته كما يقوله أهل احلجاز وغريهم اى مقاربة انقضائهأو عل

وعلى التقديرين فجعلت شهادة احلق خامتة الصالة كما شرع أن .( )تكون خامتة احلياة، فمن كان آخر كالمه ال إله إال اهلل دخل اجلنة

.( )وكذلك شرع للمتوضئ أن يتم وضوءه بالشهادتني

والدارقطين كتاب الصالة، ( 50 / )صالة باب التشهد رواه أبو داود وكتاب ال ( ) (. 5 / )باب صفة التشهد

من كا ن آخر كالمه ال » رسول اهللقال : إشارة إىل حديث معاذ بن جبل قال ( )قلني ود كتاب اجلنائز باب يف الثوقد أخرجه أبو دا« إله إال اهلل دخل اجلنة

( / 14.) من توضأ فقال »: قال مر اجلهين أن رسول اهلل إشارة إىل حديث عقبة بن عا ( )

=

4 ذوق الصــالة

انقضاء الصالةه أذن له أن يسأل حاجته، وشرع له أن يتوسل مث ملا قضى صالت

فإهنا من أعظم الوسائل بني يدي الدعاء قبلها بالصالة على النيب إذا دعا »: قال كما يف السنن عن فضالة بن عبيد أن رسول اهلل

أحدكم فليبدأ بحمد اهلل، والثناء عليه، و ليصل على رسوله، ثم .( )«ليسل حاجته

ذلك، أوهلا محد اهلل، والثناء عليه، مث فجاءت التحيات على للمصلي الصالة على رسوله، مث الدعاء آخر الصالة، وأذن النيب

ونظري هذا ما ( )بعد الصالة عليه، أن يتخري من الدعاء أعجبه إليه .شرع ملن مسع املؤذن

.( )أن يقول كما يقول - د رضيت باهلل ربا وباإلسالم دينا وبمحم»: وأن يقول -

= أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إال

رواه مسلم كتاب الطهارة « فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء (.4 / )باب الذكر املستحب عقب الوضوء

وقال الرتمذي هذا حديث ( 7 5/ 5-60)باب تاب الدعواترواه الرتمذي يف ك ( ) (.4 /6)حسن صحيح وأمحد يف مسنده

البخاري يف كتاب الصالة إشارة إىل حديث رواه عبد اهلل بن مسعود وقد أخرجه ( )كتاب الصالة باب يف يف ومسلم( / ) من الدعاء بعد التشهد باب ما يتخري

(. 4 / )التشهد يف الصالة إذا مسعتم النداء فقولوا »: قال حديث أيب سعيد اخلدري أن رسول اهلل إشارة إىل ( )

رواه البخاري كتاب بدء األذان باب ما يقول إذا مسع املنادي « مثل ما يقول املؤذن( / 51.)

1 ذوق الصــالة

.( )«رسوال وأن يسأل اهلل لرسوله الوسيلة، والفضيلة وأن يبعثه املقام - .( )احملمود .( )مث يصلي عليه -0 .( )مث يسأل حاجته -5

.فهذه مخس سنن يف إجابة املؤذن ال ينبغي الغفلة عنها

من قال حين »: أنه قال إشارة إىل حديث سعد بن أيب وقاص عن رسول اهلل ( )

له، وأن محمدا عبده وحده ال شريكيسمع المؤذن أشهد أن ال إله إال اهللرواه مسلم « ت باهلل ربا وبمحمد رسوال وباإلسالم دينا غفر له ذنبهورسوله رضي

(.14 / )كتاب الصالة باب استحباب القول مثل ما يقول املؤذن إخل من قال حني يسمع »: قال إشارة إىل حديث جابر بن عبد اهلل أن رسول اهلل ( )

هم رب هذه الدعوة التامة والصالة القائمة آت حممدا الوسيلة والفضيلة النداء اللرواه البخاري كتاب « وابعثه مقاما حممودا الذي وعدته حلت له شفاعيت يوم القيامة

(.51 / )بدء األذان باب الدعاء عند النداء ذا مسعتم إ»: يقول إشارة إىل حديث عبد اهلل بن عمرو بن العاص أنه مسع النيب ( )

املؤذن فقولوا مثل ما يقول مث صلوا علي فإنه من صلى علي صالة صلى اهلل عليه هبا رواه مسلم كتاب الصالة باب استحباب القول مثل ما يقول املؤذن إخل « إخل.. عشرا

.( / 44.) الدعاء ال يرد بني »: قال رسول اهلل : إشارة إىل حديث أنس بن مالك قال (0)

وأبو داود كتاب الصالة باب ما ( 1 / )« مة رواه أمحد يف مسندهاألذان واإلقاوالرتمذي أبواب الصالة باب ما جاء ( 00 / )جاء يف الدعاء بني األذان واإلقامة

(.51 / )يف أن الدعاء ال يرد بني األذان واإلقامة

04 ذوق الصــالة

اإلقبال على اهلل

ا وسر الصالة وروحها ولبها هو إقبال العبد على اهلل بكليته، فكمفكذلك ال ، أنه ال ينبغي له أن يصرف وجهه عن قبلة اهلل ميينا ومشاال

.ينبغي له أن يصرف قلبه عن ربه إىل غريهفالكعبة اليت هي بيت اهلل قبلة وجهه وبدنه، ورب البيت تبارك وتعاىل هو قبلة قلبه وروحه، وعلى حسب إقبال العبد على اهلل يف

ذا أعرض أعرض اهلل عنه ولإلقبال يف صالته يكون إقبال اهلل عليه، وإ :الصالة ثالث منازل

إقبال على قلبه فيحفظه من الوساوس واخلطرات املبطلة - .لثواب صالته أو املنقصة له

.وإقبال على اهلل مبراقبته حىت كأنه يراه- وإقبال على معاين كالمه وتفاصيل عبودية الصالة ليعطيها - .حقها

تب الثالث تكون إقامة الصالة حقا ويكون فباستكمال هذه املرا .إقبال اهلل على عبده حبسب ذلك

فإذا انتصب العبد قائما بني يديه فإقباله على قيوميته وعظمته، .وإذا كرب فإقباله على كربيائه

فإذا سبحه وأثىن عليه فإقباله على سبحات وجهه وتنزيهه عما ال .يليق به والثناء عليه بأوصاف مجاله

0ذوق الصــالة

ذا استعاذ به فإقباله على ركنه الشديد وانتصاره لعبده ومنعه له فإ .وحفظه من عدوه

فإذا تال كالمه فإقباله على معرفته من كالمه، حىت كأنه يراه لقد جتلى اهلل »: ويشاهده يف كالمه فهو كما قال بعض السلف

فهو يف هذه احلال مقبل على ذاته وصفاته ( )«لعباده يف كالمه .أحكامه وأمسائهوأفعاله و

فإذا ركع فإقباله على عظمته وجالله وعزه؛ وهلذا شرع له أن .سبحان ريب العظيم: يقول

فإذا رفع رأسه من الركوع فإقباله على محده والثناء عليه ومتجيده .وعبوديته له وتفرده بالعطاء واملنع

فإذا سجد فإقباله على قربه والدنو منه واخلضوع له والتذلل بني .ه واالنكسار والتملقيدي

فإذا رفع رأسه وجثا على ركبتيه فإقباله على غناه وجوده وكرمه وشدة حاجته إليه وتضرعه بني يديه واالنكسار أن يغفر له ويرمحه

.ويعافيه ويهديه ويرزقهشبه حال يفإذا جلس يف التشهد فله حال آخر وإقبال آخر

صراف من بني يدي احلاج يف طواف الوداع، وقد استشعر قلبه االنافاة العالئق والشواغل اليت قطعه عنها ومو إىل أشغال الدنيا ربه،

قبل دخوله التأمل هبا والعذاب هبا قلبه الوقوف بني يدي ربه، وقد ذاق

(.47 / )« إحياء علوم الدين»جعفر بن حممد الصادق : قائل هذا القول ( )

0 ذوق الصــالة

بته قرب ونعيم اإلقبال على اهلل وعافروح ال فباشر قلبه، يف الصالة .وانقطاعها عنه مدة الصالةمنها

دها إليه خبروجه من محى الصالة، فهو حيمل مث استشعر قلبه عو هم انقضاء الصالة وفراغها ويقول ليتها اتصلت بيوم اللقاء، ويعلم أنه ينصرف من مناجاة من كل السعادة يف مناجاته، إىل مناجاة من األذى واهلم والغم والنكد يف مناجاته، وال يشعر هبذا وهذا إال قلب

.األنس بهحي معمور بذكر اهلل وحمبته و تسليم النفس

:وملا كان العبد بني أمرين من ربه عز وجلحكم عليه يف أحواله كلها ظاهرا وباطنا واقتضاؤه : أحدمها -

منه القيام بعبودية حكمه فإن لكل حكم عبودية ختصه، أعين احلكم .الكوين القدري

فعل يفعله العبد عبودية لربه، وهو موجب حكمه : والثاين - .ديين األمري، وكال األمرين يوجبان تسليم النفس إليه تعاىلال

وهلذا اشتق له اسم اإلسالم من التسليم، فإنه ملا أسلم نفسه حلكم ربه الديين األمري وحلكمه الكوين القدري بقيامه بعبوديته فيه

.ال باسرتساله معه استحق اسم اإلسالم فقيل له مسلم صورة الصالة

بذكره وكالمه وحمبته وعبوديته، سكن إليه وقرت وملا اطمأن قلبه

0ذوق الصــالة

عينه به فنال األمان بإميانه، وكان قيامه هبذين األمرين أمرا ضروريا له، .ال حياة له، وال فالح وال سعادة إال هبما

وملا كان ما بلي به من النفس األمارة واهلوى املقتضى أو الطباع إضاعة حظه من ذلك أو املطالبة، والشيطان املغوي، يقتضي منه

اقتضت رمحة العزيز الرحيم أن شرع له الصالة خملفة عليه ما ، نقصانهضاع منه رادة عليه ما ذهب، جمددة له ما أخلق من إميانه، وجعلت صورتا على صورة أفعاله خشوعا وخضوعا، انقيادا وتسليما و أعطى

ا وروحها كل جارحة من اجلوارح حظها من العبودية، وجعل مثرتإقباله على ربه فيها بكليته، وجعل ثواهبا وجزاءها القرب منه ونيل كرامته يف الدنيا واآلخرة، وجعل منزلتها وحملها الدخول على اهلل تبارك وتعاىل والتزين للعرض عليه تذكريا بالعرض األكرب عليه يوم

.القيامة قرة العين

لزكاة تطهري املال، ومثرة وكما أن الصوم مثرته تطهري النفس، ومثرة ااحلج وجوب املغفرة، ومثرة اجلهاد تسليم النفس اليت اشرتاها سبحانه من العباد، وجعل اجلنة مثنها فالصالة مثرتا اإلقبال على اهلل، وإقبال اهلل سبحانه على العبد، ويف اإلقبال مجيع ما ذكر من مثرات األعمال؛

يف الصوم وال يف احلج جعلت قرة عيين ولذلك مل يقل النيب ومل يقل « وجعلت قرة عيني في الصالة»: والعمرة، وإمنا قال

بالصالة إعالما بأن عينه إمنا تقر بدخوله فيها، كما تقر عني احملب مبالبسته حملبوبه وتقر عني اخلائف بدخوله يف حمل أمنه، فقرة العني

00 ذوق الصــالة

.الدخولبالدخول يف الشيء أكمل وأمت من قرة العني به قبل يا بالل أرحنا »: وملا جاء إىل راحة القلب من تعبه ونصبه قال

أي أقمها لنسرتيح هبا من مقاساة الشواغل، كما ؛( )«بالصالة .يسرتيح التعبان إذا وصل إىل منزله وقر فيه وسكن

راحة الصالة

وتأمل كيف قال أرحنا هبا ومل يقل أرحنا منها، كما يقوله لها تكلفا وغرما، فهو ملا امتأل قلبه بغريها املتكلف هبا الذي يفع

وجاءت قاطعة عن أشغاله وحمبوباته، وعلم أنه ال بد له منها فهو نصلي ونسرتيح من الصالة ال هبا، فهذا لون : قائل بلسان حاله وقاله

وذاك لون آخر، فالفرق بني من كانت الصالة جلوارحه قيدا أو لقلبه من كانت الصالة لقلبه نعيما ولعينه قرة سجنا، ولنفسه عائقا، وبني

.وجلوارحه راحة، ولنفسه بستانا ولذةفاألول الصالة سجن لنفسه وتقييد هلا عن التورط يف -

مساقط اهللكات وقد ينالون هبا التكفري والثواب ويناهلم من الرمحة .حبسب عبوديتهم هلل فيها

عيوهنم، ولذة والقسم اآلخر الصالة بستان قلوهبم، وقرة - .نفوسهم، ورياض جوارحهم فهم فيها يتقلبون يف النعيم

فصالة هؤالء توجب هلم القرب واملنزلة من اهلل ويشاركون األولني

هذا جزء من حديث رواه أنس وقد أخرجه النسائي كتاب عشرة النساء باب حب ( ) (.11 /1)وأمحد يف مسنده ( 4/6)النساء

05ذوق الصــالة

يف ثواهبم ويتصون بأعاله وباملنزلة والقربة وهي قدر زائد على جمرد الثواب، وهلذا يعد امللوك من أرضاهم باألجر والتقريب كما قال

قال نـعم * إن لنا ألجرا إن كنا نحن الغالبين لفرعون السحرة [.0 ، : األعراف] وإنكم لمن المقربين

فاألول عبد قد دخل الدار والسرت حاجب بينه وبني رب - الدار فهو من وراء السرت فلذلك مل تقر عينه؛ ألنه يف حجب

وم اهلوى، ودخان النفس، وخبار األماين، فالقلب الشهوات، وغي .عليل، والنفس مكبة على ما تواه، طالبة حلظها العاجل

واآلخر قد دخل دار امللك ورفع السرت بينه وبينه فقرت عينه - واطمأنت نفسه، وخشع قلبه وجوارحه، وعبد اهلل كأنه يراه، وجتلى له

.يف كالمه .ة جدا يف ذوق الصالةفهذه إشارة ما، ونبذة يسري

06 ذوق الصــالة

الرسالة الثانية

قال ابن القيم رحمه اهلل

وأقيموا الصالة : عند قوله تعالى

07ذوق الصــالة

إقامة الصالة

فأمرنا بإقامتها، وهو اإلتيان هبا قائمة تامة القيام والركوع والسجود واألذكار، وقد علق اهلل سبحانه الفالح خبشوع املصلي يف

فاته خشوع الصالة، مل يكن من أهل الفالح، صالته، فمن ويستحيل حصول اخلشوع مع العجلة والنقر قطعا بل ال حيصل اخلشوع قط إال مع الطمأنينة وكلما زاد طمأنينة ازداد خشوعا وكلما قل خشوعه اشتدت عجلته حىت تصري حركة يديه مبنزلة العبث الذي

معرفة حقيقية العبودية ال يصحبه خشوع وال إقبال على العبودية وال: وقال[ 0: البقرة] وأقيموا الصالة : واهلل سبحانه قد قال

والذين آمنوا الذين يقيمون الصالة [55: املائدة ]وقال : وأقمفإذا اطمأنـنتم فأقيموا : وقال[ 05: العنكبوت] الصالة : النساء] والمقيمين الصالة : وقال[ 4 : النساء] الصالة رب اجعلني مقيم الصالة وقال إبراهيم عليه السالم [ 6

فاعبدني وأقم الصالة وقال ملوسى عليه السالم [ 04: إبراهيم] [.0 : طه] لذكري

زيل إال مقرونا فلن تكاد جتد ذكر الصالة يف موضع من التنبإقامتها فاملصلون يف الناس قليل، ومقيم الصالة منهم أقل القليل،

.( )«احلاج قليل، والركب كثري»: كما قال عمر رضي اهلل عنه

(.1 /5)رود من قول شريح عند عبد الرزاق ( )

04 ذوق الصــالة

أقسام المصلين

فالعاملون يعملون األعمال املأمور هبا على الرتويج حتلة القسم، ا نأيت به ولو علم وليتن، يكفينا أدىن ما يقع عليه االسم: ويقولون

هؤالء أن املالئكة تصعد بصالتم فتعرضها على الرب جل جالله مبنزلة اهلدايا اليت يتقرب هبا الناس إىل ملوكهم وكربائهم فليس من عمد إىل أفضل ما يقدر عليه فيزينه وحيسنه ما استطاع مث يتقرب به إىل من

ونه عليه فيسرتيح يرجوه ويافه كمن يعمد إىل أسقط ما عنده وأهمنه ويبعثه إىل من ال يقع عنده مبوقع وليس من كانت الصالة ربيعا لقلبه وحياة له، وراحة وقرة لعينه وجالء حلزنه، وذهابا هلمه وغمه، ومفزعا إليه يف نوائبه ونوازله كمن هي سحت لقلبه وقيد جلوارحه،

.ني وراحة لذلكوتكليف له وثقل عليه فهي كبرية على هذا وقرة عواستعينوا بالصبر والصالة وإنـها لكبيرة إال على : وقال تعاىل الذين يظنون أنـهم مالقو ربهم وأنـهم إليه راجعون * الخاشعين

من حمبة فإمنا كربت على غري هؤالء خللو قلوهبم[ 06، 05: البقرة]اهلل تعاىل وتكبريه وتعظيمه واخلشوع له وقلة رغبتهم فيه فإن حضور العبد يف الصالة وخشوعه فيها وتكميله هلا واستفراغه ووسعه يف

.إقامتها وإمتامها على قدر رغبته يف اهلل قدر الصالة

إمنا حظهم من اإلسالم : قال اإلمام أمحد يف رواية مهنا بن حيىي الصالة، ورغبتهم يف اإلسالم على قدر رغبتهم على قدر حظهم يف

01ذوق الصــالة

يف الصالة، فاعرف نفسك يا عبد اهلل، احذر أن تلقى اهلل عز وجل، وال قدر لإلسالم عندك فإن قدر اإلسالم يف قلبك كقدر الصالة يف

.( )قلبكوليس حظ القلب العامر مبحبة اهلل وخشيته والرغبة فيه وإجالله

الة كحظ القلب اخلايل اخلرب من ذلك، فإذا وقف وتعظيمه من الصاالثنان بني يدي اهلل يف الصالة، وقف هذا بقلب خمبت خاشع له قريب منه سليم من معارضات السوء، قد امتألت أرجاؤه باهليبة، وسطع فيه نور اإلميان، وكشف عنه حجاب النفس ودخان

بشاشة اإلميان الشهوات، فريتع يف رياض معاين القرآن، وخالط قلبهحبقائق األمساء والصفات وعلوها ومجاهلا وكماهلا األعظم، وتفرد الرب سبحانه بنعوت جالله، وصفات كماله فاجتمع مهه على اهلل وقرت عينه به وأحس بقربه من اهلل قربا ال نظري له، ففزع قلبه له وأقبل عليه

حانه أقبل عليه بكليته وهذا اإلقبال منه بني إقبالني من ربه فإنه سبأوال فاجنذب قلبه إليه بإقباله، فلما أقبل على ربه، حظي منه بإقبال

.آخر أمت من األول استفتاح الصالة

وههنا عجيبة من عجائب األمساء والصفات حتصل ملن تفقه قلبه يف معاين القرآن وخالط بشاشة اإلميان هبا قلبه، حبيث يرى لكل اسم

.ال منهاوصفة موضعا من صالته وحم

(.50 / )طبقات احلنابلة ( )

54 ذوق الصــالة

فإنه إذا انتصب قائما بني يدي الرب تبارك وتعاىل شاهد بقلب .قيوميته

.اهلل أكرب شاهد كربياءه: وإذا قالسبحانك اللهم وحبمدك، وتبارك امسك، وتعاىل »: وإذا قال

ا ( )«جدك وال إله غريكشاهد بقلبه ربا منزها عن كل عيب، سامل

ده يتضمن وصفه بكل كمال، من كل نقص، حممودا بكل محد، فحموذلك يستلزم براءته من كل نقص تبارك امسه، فال يذكر على قليل إال كثره وال على خري إال أمناه وبارك فيه، وال على آفة إال أذهبها، وال على شيطان إال رده خاسئا داحرا، وكمال االسم من كمال مسماه،

يف األرض وال يف فإذا كان هذا شأن امسه الذي ال يضر معه شيء .السماء، فشأن املسمى أعلى وأجل

ارتفعت عظمته، وجلت فوق كل عظمة وعال : وتعاىل جدك أيشأنه على كل شأن وقهر سلطانه على كل سلطان فتعاىل جده أن يكون معه شريك يف ملكه وربوبيته أو يف إالهيته، أو يف أفعاله أو يف

عالى جد ربـنا ما اتخذ صاحبة وأنه تـ صفاته كما قال مؤمن اجلن فكم يف هذه الكلمات من جتل حلقائق األمساء [ : اجلن] وال ولدا

.والصفات على قلب العارف هبا وغري املعطل حلقائقها

.بالبسملة ال جيهر: باب حجة من قال: الصالة يف( 5( )11 )مسلم ( )

5ذوق الصــالة

االستعاذة

فقد آوى إىل ركنه « أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم»: وإذا قالمن عدوه الذي يريد أن يقطعه عن ربه، الشديد، واعتصم حبوله وقوته

.ويباعده عن قربه ليكون أسوأ حاال الحمد هلل رب العالمين

ة يسرية ينتظر هوقف هني الحمد لله رب العالمين : فإذا قالالرحمن : فإذا قال ( )«حمدني عبدي»: جواب ربه له بقوله

مالك : فإذا قال« ثنى علي عبديأ»: انتظر اجلواب بقوله الرحيم فيا لذة قلبه وقرة عينه « يمجدني عبدي»: انتظر جوابه يـوم الدين

ثالث مرات فواهلل لوال ما على «عبدي»وسرور نفسه بقول ربه القلوب من دخان الشهوات وغيم النفوس الستطريت فرحا وسرورا

أثنى علي عبدي، حمدني عبدي، و »: بقول رهبا وفاطرها ومعبودها .«ومجدني عبدي

مث يكون لقلبه جمال من شهود هذه األمساء الثالثة اليت هي اهلل والرب والرمحن، فشاهد قلبه من ذكر : أصول األمساء احلسىن وهي

يف الصالة، باب وجوب قراءة ( 1 )ه جزء من حديث رواه مسلم هذا وما يلي ( )

باب القراءة خلف اإلمام فيما : يف الصالة( 45، 40/ )الفاحتة يف كل ركعة واملوطأ باب من ترك القراءة يف صالته : يف الصالة( 4)ال جيهر فيه بالقراءة وأبو داود سورة فاحتة الكتاب القرآن، ومنريتفس( 150 )بفاحتة الكتاب، والرتمذي

باب ترك قراءة بسم اهلل الرمحن الرحيم يف : يف االفتتاح( 6 ، 5 / )والنسائي .فاحتة الكتاب

5 ذوق الصــالة

اسم اهلل تبارك وتعاىل إهلا معبودا موجودا خموفا، ال يستحق العبادة ت له املوجودات، ع، وخضغريه، وال تنبغي إال له، قد عنت له الوجوه

تسبح له السموات السبع واألرض ومن : وخشعت له األصواتوله من و[. 00: اإلسراء] فيهن وإن من شيء إال يسبح بحمده وكذلك خلق [ 6 : الروم] في السماوات واألرض كل له قانتون

السماوات واألرض وما بينهما، وخلق اجلن واإلنس والطري والوحش واجلنة والنار، وكذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب، وشرع الشرائع، وألزم

قيوما قام ( رب العاملني)العباد األمر والنهي، وشاهد من ذكر امسه ريها وشرها، قد بنفسه، وقام به كل شيء، فهو قائم على كل نفس خب

استوى على عرشه، وتفرد بتدبري ملكه، فالتدبري كله بيديه، ومصري األمور كلها إليه، فمراسيم التدبريات نازلة من عنده على أيدي مالئكته بالعطاء واملنع، واخلفض والرفع واإلحياء واإلماتة والتوبة ابة والعزل، والقبض والبسط، وكشف الكروب، وإغاثة امللهوفني، وإج

يسأله من في السماوات واألرض كل يـوم هو في املضطرين ال مانع ملا أعطى، وملا معطي ملا منع، وال معقب حلكمه، وال شأن

راد ألمره، وال مبدل لكلماته، تعرج املالئكة والروح إليه، وتعرض يوقت املواقيت مث األعمال أول النهار وآخره عليه، فيقدر املقادير و

.يسوق املقادير إىل مواقيتها قائما بتدبري ذلك كله وحفظه ومصاحله الرحمن الرحيم

جل جالله ربا حمسنا إىل خلقه " الرمحن"مث يشهد عند ذكر اسم بأنواع اإلحسان متحببا إليهم بصنوف النعم، وسع كل شيء رمحة

5ذوق الصــالة

ه كل شيء وعلما، وأوسع كل خملوق نعمة وفضال فوسعت رمحتووسعت نعمته كل حي، فبلغت رمحته حيث بلغ علمه، فاستوى على عرشه برمحته، وخلق خلقه برمحته وأنزل كتبه برمحته، وأرسل رسله برمحته وشرع شرائعه برمحته، وخلق اجلنة برمحته، والنار أيضا برمحته، ن فإهنا سوطه الذي يسوق به عباده املؤمنني إىل جنته، ويطهر هبا أدرا

املوحدين من أهل معصيته وسجنه الذي يسجن فيه أعداءه من .خليقته

فتأمل ما يف أمره وهنيه ووصاياه ومواعظه من الرمحة البالغة، والنعمة السابغة، وما يف حشوها من الرمحة والنعمة، فالرمحة هي

منهم ما أن العبودية هي السبب املتصل السبب املتصل منه بعباده، ك .ه العبودية ومنه إليهم الرمحةبه، فمنهم إلي

ومن أخص مشاهد هذا االسم شهود املصلي نصيبه من الرمحة الذي أقامه هبا بني يدي ربه، وأهله لعبوديته ومناجاته، وأعطاه ومنع

.غريه وأقبل بقلبه وأعرض بقلب غريه وذلك من رمحته به مالك يوم الدين

د اجملد الذي ال يليق فهنا شه مالك يـوم الدين : فإذا قالبسوى امللك احلق املبني فيشهد ملكا قاهرا قد دانت له اخلليقة وعنت

وخضع لعزته كل عزيز، فيشهد ،له الوجوه، وذلت لعظمته اجلبابرةبقلبه ملكا على عرش السماء مهيمنا لعزته تعنو الوجوه وتسجد وإذا

األمساء مل تعطل حقيقة صفة امللك أطلعته على شهود حقائق فإن امللك احلق التام ، والصفات اليت تعطيلها تعطيل مللكه وجحد له

50 ذوق الصــالة ال يكون إال حيا قيوما مسيعا بصريا مدبرا قادرا متكلما آمرا : امللك

ناهيا مستويا على سرير مملكته، يرسل إىل أقاصي مملكته بأوامره، ضب على فريضى على من يستحق الرضا، ويثيبه ويكرمه ويدنيه ويغ

من يستحق الغضب ويعاقبه ويهينه ويقصيه فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء ويعطي من يشاء، ويقرب من يشاء، ويقصي من يشاء، له دار عذاب، وهي النار، وله دار سعادة عظيمة، وهي اجلنة فمن أبطل شيئا من ذلك، أو جحده وأنكر حقيقته فقد قدح يف ملكه سبحانه

كماله ومتامه، وكذلك من أنكر عموم قضائه وقدره ونفى عنه -وتعاىلفقد أنكر عموم ملكه وكماله، فيشهد املصلي جمد الرب تعاىل يف

.مالك يـوم الدين : قوله إياك نعبد وإياك نستعين

ففيها سر اخللق واألمر، إياك نـعبد وإياك نستعين : فإذا قالتضمنة ألجل الغايات وأفضل الوسائل، فأجل والدنيا واآلخرة وهي م

الغايات عبوديته وأفضل الوسائل إعانته فال معبود يستحق العبادة إال هو، وال معني على عبادته غريه، فعبادته أعلى الغايات، وإعانته أجل الوسائل، وقد أنزل اهلل سبحانه وتعاىل مائة كتاب وأربعة كتب مجع

راة واإلجنيل والقرآن والزبور، ومجع معانيها التو : معانيها يف أربعة وهييف القرآن، ومجع معانيه يف املفصل ومجع معانيه يف الفاحتة ومجع

.إياك نـعبد وإياك نستعين معانيها يف :وقد اشتملت هذه الكلمة على نوعي التوحيد، ومها

.توحيد الربوبية -

55ذوق الصــالة

.وتوحيد اإلهلية - د باسم الرب واسم اهلل، فهو يعبد بألوهيته وتضمنت التعب

ويستعان بربوبيته ويهدي إىل الصراط املستقيم برمحته فكان أول اهلل والرب والرمحن، تطابقا ألجل املطالب من : السورة ذكر امسه

عبادته وإعانته وهدايته، وهو املنفرد بإعطاء ذلك كله، ال يعني على .عبادته سواه، وال يهدي سواه

دنا الصراط المستقيماه

شدة فاقته اهدنا الصراط المستقيم : مث يشهد الداعي بقولهوضرورته إىل هذه املسألة اليت ليس هو إىل شيء أشد فاقة وحاجة منه إليها البتة، فإنه حمتاج إليه يف كل نفس وطرفة عني، وهذا املطلوب من

ريق املوصل إليه سبحانه، هذا الدعاء ال يتم إال باهلداية إىل الطواهلداية فيه وهي هداية التفصيل وخلق القدرة على الفعل وإرادته وتكوينه وتوفيقه إليقاعه له على الوجه املرضي احملبوب للرب سبحانه

.وتعاىل، وحفظه عليه من مفسداته حال فعله وبعد فعله أمور الهداية

يف مجيع ما يأتيه وملا كان العبد مفتقرا يف كل إىل هذه اهلداية :ويذره من .أمور قد أتاها على غري اهلداية، فهو حيتاج إىل التوبة منها - .وأمور هدي إىل أصلها دون تفصيلها -

56 ذوق الصــالة

أو هدي إليها من وجه دون وجه فهو حيتاج إىل إمتام اهلداية - .فيها ليزداد هدى

تقبل وأمور هو حيتاج إىل أن حيصل له من اهلداية فيها باملس -0 .مثل ما حصل له يف املاضي

.وأمور هو خال عن اعتقاد فيها، فهو حيتاج إىل اهلداية فيها -5 .وأمور مل يفعلها فهو حيتاج إىل فعلها على وجه اهلداية -6وأمور قد هدي إىل االعتقاد احلق والعمل الصواب فيها، -7

.فهو حمتاج إىل الثبات عليهااهلل سبحانه عليه أن ( )ت فـرض إىل غري ذلك من أنواع اهلدايا

.يسأله هذه اهلداية يف أفضل أحواله مرات متعددة يف اليوم والليلةاملغضوب »مث بني أن أهل هذه اهلداية هم املختصون بنعمته دون

وهم « الضالني»وهم الذين عرفوا احلق، ومل يتبعوه ودون « عليهمكتا يف القول يف خلقه و الذين عبدوا اهلل بغري علم، فالطائفتان اشرت

أمره وأمسائه وصفاته بغري علم، فسبيل املنعم عليه مغايرة لسبيل أهل .الباطل كلها علما وعمال

التأمينفلما فرغ من هذا الثناء والدعاء والتوحيد، شرع له أن يطبع على ذلك بطابع من التأمني يكون كاخلامت له، وافق فيه مالئكة السماء،

.السابق أول الفقرة" ملا"جواب ( )

57ذوق الصــالة

من زينة الصالة كرفع اليدين الذي هو زينة الصالة، وهذا التأمنيواتباع للسنة، وتعظيم أمر اهلل، وعبودية اليدين، وشعار االنتقال من

.ركن إىل ركنمث يأخذ يف مناجاة ربه بكالمه واستماعه من اإلمام باإلنصات وحضور القلب وشهوده وأفضل أذكار الصالة ذكر القيام، وأحسن

القيام، فخصت باحلمد والثناء واجملد وتالوة كالم هيئة املصلي هيئةيف الركوع والسجود؛ الرب جل جالله وهلذا هنى عن قراءة القرآن

ذل وخضوع وتطامن واخنفاض، وهلذا شرع فيهما من ألهنما حالتا .الذكر ما يناسب هيئتهما

الركوع

فشرع للراكع أن يذكر عظمة ربه يف حال اخنفاضه هو وأنه سبحانه يوصف بوصف عظمته عما يضاد وتطامنه وخضوعه

كربياءه وجالله وعظمته فأفضل ما يقول الراكع على اإلطالق فإن اهلل سبحانه أمر العباد بذلك، وعني « سبحان ريب العظيم»

املبلغ عنه السفري بينه وبني عباده هذا احملل هلذا الذكر ملا نزلت فسبح باسم ربك العظيم ركوعكم اجعلوها في»: قال»( )

وأبطل كثري من أهل العلم صالة من تركها عمدا وأوجب سجود السهو على من سها عنها، وهذا مذهب اإلمام أمحد ومن وافقه من أئمة احلديث والسنة، واألمر بذلك ال يقتصر على األمر بالصالة

(.11 / )و الدارمي ( 447)وابن ماجه ( 461)أبو داود ( )

54 ذوق الصــالة يف التشهد األخري، ووجوبه ال يقتصر على وجوب مباشرة عليه

صلي باجلبهة واليدين، وباجلملة، فسر الركوع تعظيم الرب جل املأما الركوع »: جالله بالقلب والقالب والقول؛ وهلذا قال النيب

.( )«فعظموا فيه الرب االعتدال من الركوع

مث يرفع رأسه عائدا إىل أكمل حديثه، وجعل شعار هذا الركن : الشعار بقول املصليمحدا هلل والثناء عليه وحتميده، فافتتح هذا

: أي مسع مسع قبول وإجابة، مث شفع بقوله« سمع اهلل لمن حمده»ربنا ولك احلمد، ملء السماوات واألرض وملء ما بينهما، وملء »

ربنا ولك »: وال يهمل أمر هذه الواو يف قوله« ما شئت من شيء فإنه قد ندب األمر هبا يف الصحيحني وهي جتعل الكالم يف« احلمد

متضمن يف املعىن « ربنا»: تقدير مجلتني قائمتني بأنفسهما فإن قولهة األمور، وإليه مرجعها امللك القيوم الذي بيديه أزم أنت الرب و

ولك »: على قوله« ربنا»: فعطفها على هذا املعىن املفهوم من قوله .فتضمن ذلك معىن قول املوحد له امللك وله احلمد« احلمد

ملء »: أن هذا احلمد وعظمته قدرا وصفه، فقالمث أخرب عن شالسماوات وملء األرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء

قدر ملء العامل العلوي والسفلي والقضاء الذي بينهما : أي« بعدفهذا احلمد قد مأل اخللق املوجود وهو ميأل ما يلقه الرب تبارك

.جودباب النهي عن قراءة القرآن يف الركوع والس: مسلم يف الصالة ( )

51ذوق الصــالة

كل موجود ومأل ما وتعاىل بعد ذلك وما يشاؤه فحمده قد مأل سيوجد فهذا أحسن التقديرين و قيل ما شئت من شيء وراء العامل

بعد للزمان على األول واملكان على الثاين مث أتبع ذلك »: فيكون قولهفعاد األمر بعد الركعة إىل ما افتتح به «« أهل الثناء واجملد»: بقوله

أحق »: ذلك بقولهالصالة قبل الركعة من احلمد والثناء واجملد مث أتبع تقريرا حلمده ومتجيده والثناء عليه، وأن ذلك أحق ما « ما قال العبد

نطق به العبد، مث أتبع ذلك باالعرتاف بالعبودية وأن ذلك حكم عام ال مانع ملا أعطيت وال معطي ملا »: جلميع العبيد مث عقب ذلك بقوله

ل ذلك بعد انقضاء وكان يقو ( )«منعت، وال ينفع ذا اجلد منك اجلدالصالة أيضا فيقوله يف هذين املوضعني اعرتافا بتوحيده، وأن النعم

.كلها منه وهذا يتضمن أمورا .أنه املنفرد بالعطاء واملنع: أحدهاأنه إذا أعطى مل يطق أحد منع من أعطاه، وإذا منع مل : الثاني

.يطق أحد إعطاء من منعهيلص من عذابه، وال يدين من أنه ال ينفع عنده، وال : الثالث

كرامته جدود بين آدم وحظوظهم من امللك والرئاسة والغىن وطيب العيش وغري ذلك، إمنا ينفعهم عنده التقريب إليه بطاعته وإيثار

.مرضاته

باب اعتدال أركان الصالة وختفيفها يف متام : يف الصالة( 10 ( ) 07)مسلم ( )( 1 / )يف الصالة باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع والنسائي ( 077)مسلم

.باب ما يقوله يف قيامه: يف االفتتاح

64 ذوق الصــالة

اللهم اغسلين من خطاياي باملاء والثلج »: مث ختم ذلك بقولهح كما كان يتم كما افتتح به الركعة يف أول االستفتا ( )«والربد

الصالة باالستغفار وكان االستغفار يف أول الصالة ووسطها وآخرها من محده : فاشتمل هذا الركن على أفضل األذكار وأنفع الدعاء

ومتجيده والثناء عليه واالعرتاف له بالعبودية والتوحيد والتنصل إليه من الذنوب و اخلطايا، فهو ذكر مقصود يف ركن مقصود ليس بدون

.لركوع والسجودا السجود

مث يكرب وير هلل ساجدا غري رافع يديه، ألن اليدين تنحطان للسجود كما ينحط الوجه فهما تنحطان لعبوديتهما فأغىن ذلك عن رفعهما، ولذلك مل يشرع رفعهما عند رفع الرأس من السجود؛ ألهنما يرفعان معه كما يوضعان معه، وشرع السجود على أكمل اهليئة

لغها يف العبودية، وأعمها لسائر األعضاء حبيث يأخذ كل جزء من وأب .( )البدن حبظه من العبودية

والسجود سر الصالة وركنها األعظم وخامتة الركعة، وما قبله من األركان كاملقدمات له، فهو شبه طواف الزيارة يف احلج، فإنه مقصود

.دمات لهاحلج وحمل الدخول على اهلل وزيارته وما قبله كاملقوهلذا أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وأفضل األحوال

.باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع: يف الصالة( 40 ( )076)مسلم ( ) .سقط من نسخة تيسري زعيرت ( )

6ذوق الصــالة

له حال يكون فيها أقرب إىل اهلل؛ وهلذا كان الدعاء يف هذا احملل .أقرب إىل اإلجابة

أصل اإلنسان

وملا خلق اهلل سبحانه العبد من األرض، كان جديرا بأن ال يرج النفس باخلروج عنه، فإن عن أصله، بل يرجع إليه إذا تقاضاه الطبع و

العبد لو ترك طبعه ودواعي نفسه لتكرب وأشر، وخرج عن أصله الذي خلقه منه، ولوثب على حق ربه من الكربياء والعظمة، فنازعه إيامها، وأمر بالسجود خضوعا لعظمة ربه وفاطره، وخشوعا له وتذلال بني

لتذلل ردا له إىل يديه، وانكسارا له فيكون هذا اخلشوع واخلضوع واحكم العبودية ويتدارك ما حصل له من اهلفوة والغفلة واإلعراض

.الذي خرج به عن أصلهفتمثل له حقيقة الرتاب الذي خلق منه، وهو يضع أشرف شيء منه وأعاله، وهو الوجه، وقد صار أعاله أسفله خضوعا بني يدي ربه

زته، وهذا غاية األعلى، وخشوعا له وتذلال لعظمته واستكانة لعخشوع الظاهر فإن اهلل سبحانه خلقه من األرض اليت هي مذللة للوطء باألقدام، واستعمله فيها، ورده إليها، ووعده باإلخراج منها، فهي أمه وأبوه وأصله وفصله، ضمته حيا على ظهرها، وميتا يف ع بطنها، وجعلت له طهرا ومسجدا فأمر بالسجود، إذ هو غاية خشو

الظاهر، وأمجع العبودية لسائر األعضاء، فيعفر وجهه يف الرتاب .استكانة وتواضعا وخضوعا وإلقاء باليدين

ما بقي شيء يرغب فيه إال أن : وقال مسروق لسعيد بن جبري

6 ذوق الصــالة

.( )نعفر وجوهنا يف هذا الرتاب له سنن السجود

ال يتقي األرض بوجهه قصدا بل إذا اتفق له ذلك وكان النيب .( )فعله، ولذلك سجد يف املاء والطني

وهلذا كان من كمال السجود الواجب أنه يسجد على األعضاء الوجه واليدين و الركبتني وأطراف القدمني، فهذا فرض أمر : السبعة

.اهلل به ورسوله، وبلغه الرسول ألمتهومن كماله الواجب أو املستحب مباشرة مصاله بأدمي وجهه،

رض حبيث يناهلا ثقل رأسه وارتفاع أسافله على واعتماده على األ .أعاليه، فهذا من متام السجود

أن يكون على هيئة يأخذ فيها كل عضو من البدن : ومن كمالهحبظه من اخلضوع، فـيـقل بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وجيايف عضديه عن جنبيه، وال يفرشهما على األرض ليستقل كل

.ةعضو منه بالعبوديولذلك إذا رأى الشيطان ابن آدم ساجدا هلل اعتزل ناحية يبكي

(.465 )أخرجه أمحد يف الزهد ( )وباب : باب السجود على األنف يف الطني: يف صفة الصالة( 06 / )البخاري ( )

ل ليلة باب فض: يف الصيام( 67 )من مل ميسح جبهته وأنفه حىت صلى ومسلم ( 1)بهة باب السجود على األنف واجل: الصالةيف( 410)القدر، وأبو داود

يف االفتتاح باب السجود ( 41 ، 44 / )باب السجود على األنف والنسائي .على اجلبني

6ذوق الصــالة

يا ويله أمر ابن آدم بالسجود، فسجد، فله اجلنة، وأمرت : ويقول .( )بالسجود فعصيت فلي النار

ولذلك أثىن اهلل سبحانه على الذين يرون سجدا عند مساع به كالمه، وذم من ال يقع ساجدا عنده؛ ولذلك كان قول من أوج

قويا يف الدليل وملا علمت السحرة صدق موسى وكذب فرعون، خروا سجدا لرهبم، فكانت تلك السجدة أول سعادتم وغفران ما أفنوا فيه أعمارهم من السحر؛ ولذلك أخرب سبحانه عن سجود مجيع

ولله يسجد ما في السماوات وما في : املخلوقات له فقال تعاىليخافون ربـهم من * ض من دابة والمالئكة وهم ال يستكبرون األر

فأخرب عن إمياهنم [ 54، 01: النحل] فـوقهم ويـفعلون ما يـؤمرون : بعلوه وفوقيته وخضوعهم له بالسجود تعظيما وإجالال وقال تعاىل

سجد له من في السماوات ومن في األرض ألم تـر أن الله يوالشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن

[.4 : احلج] عل ما يشاء الله يـف فالذي حق عليه العذاب هو الذي ال يسجد له سبحانه، وهو الذي أهانه برتك السجود له، وأخرب أنه ال مكرم له، وقد هان على

ولله يسجد من في السماوات : ربه حيث مل يسجد له وقال تعاىل [.5 : الرعد] *لهم بالغدو والصال واألرض طوعا وكرها وظال

.باب بيان إ طالق اسم الكفر على من ترك الصالة: يف اإلميان( 4)مسلم ( )

60 ذوق الصــالة

تكرار السجود

وملا كانت العبودية غاية كمال اإلنسان وقربه من اهلل حبسب نصيبه من عبوديته، وكانت الصالة جامعة ملتفرق العبودية، متضمنة ألقسامها كانت أفضل أعمال العبد، ومنزلتها من اإلسالم مبنزلة عمود

كان السجود أفضل أركاهنا الفعلية، وسرها اليت شرعت الفسطاط منه و ألجله، وكان تكرره يف الصالة أكثر من تكرر سائر األركان، وجعله

ه له عله بعد الركوع، فإن الركوع توطئوشرع ف ،خامتة الركعة وغايتهاومقدمة بني يديه، وشرع فيه من الثناء على اهلل ما يناسبه، وهو قول

فهذا أفضل ما يقال فيه، ومل يرد عن « األعلىسبحان ريب »: العبداجعلوها في »: أمره يف السجود بغريه حيث قال النيب

ومن تركه عمدا فصالته باطلة عند كثري من العلماء، ( )«سجودكممنهم اإلمام أمحد وغريه؛ ألنه مل يفعل ما أمر به، وكان وصف الرب

الساجد الذي قد احنط إىل بالعلو يف هذه احلال يف غاية املناسبة حلال السفل على وجهه، فذكر علو ربه يف حال سقوطه، وهو كما ذكر عظمته يف حال خضوعه يف ركوعه، ونزه ربه عما ال يليق به مما يضاد

.عظمته وعلوه الجلوس بين السجدتين

مث ملا شرع السجود بوصف التكرار، مل يكن بد من الفصل بني

.وهو حديث حسن( 11 / )والدارمي ( 447)وابن ماجه ( 461)أبو داود ( )

65ذوق الصــالة

مقصود، شرع فيه من الدعاء ما يليق السجدتني، ففصل بينهما بركنبه، ويناسبه، وهو سؤال العبد املغفرة والرمحة واهلداية والعافية

، ودفع شر الدنيا واآلخرة، فالرمحة حتصل اخلري، واملغفرة تقي ( )والرزقالشر واهلداية توصل إىل هذا وهذا، والرزق إعطاء ما به قوام البدن من

ام الروح والقلب من العلم واإلميان، وجعل الطعام والشراب، وما به قو جلوس الفصل حمال هلذا الدعاء ملا تقدمه من رمحة اهلل والثناء عليه

.واخلضوع له، فكان هذا وسيلة للداعي ومقدمة بني يدي حاجتهفهذا الركن مقصود الدعاء فيه فهو ركن وضع للرغبة وطلب

القيام واحلمد والثناء واجملد، العفو واملغفرة والرمحة، فإن العبد ملا أتى بمث أتى باخلضوع وتنزيه الرب وتعظيمه، مث عاد إىل احلمد والثناء، مث كمل ذلك بغاية التذلل واخلضوع واالستكانة، بقي سؤال حاجته واعتذاره وتنصله فشرع له أن يتمثل يف اخلدمة فيقعد فعل العبد الذليل

يدي سيده راغبا راهبا معتذرا جاثيا على ركبتيه كهيئة امللقي نفسه بنيإليه مستعديا إليه على نفسه األمارة بالسوء مث شرع له تكرير هذه العبودية مرة بعد مرة إىل إمتام األربع، كما شرع له تكرير الذكر مرة بعد مرة ألنه أبلغ يف حصول املقصود، وأدعى إىل االستكانة

.واخلضوع

باب الدعاء بني السجدتني، : يف الصالة( 454)داود هذه إشارة إىل ما رواه أبو ( )

يف ( 414)وابن ماجه : باب ما يقول بني السجدتني: يف الصالة( 40 )والرتمذي .«األذكار»باب ما يقول بني السجدتني، وحسن إسناده النووي يف : إقامة الصالة

66 ذوق الصــالة

جلسة التشهد

الة وسجودها وقراءتا وتسبيحها وتكبريها، فلما أكمل ركوع الصشرع له أن جيلس يف آخر صالته جلسة املتخشع املتذلل املستكني جاثيا على ركبتيه، ويأيت يف هذه اجللسة بأكمل التحيات وأفضلها عوضا عن حتية املخلوق للمخلوق، إذا واجهه، أو دخل عليه، فإن

حيات اليت حييون هبا قلوهبم، الناس حييون ملوكهم وأكابرهم بأنواع التلك البقاء والنعمة، : أنعم صباحا، وبعضهم يقول: فبعضهم يقولتعش ألف عام، : أطال اهلل بقاءك، وبعضهم يقول: وبعضهم يقول

وبعضهم يسجد للملوك، وبعضهم يسلم فتحياتم بينهم تتضمن ما .حيبه احمليا من األقوال واألفعال، واملشركون حييون أصنامهم

: كان أهل اجلاهلية يتمسحون بأصنامهم ويقولون: قال احلسنلك احلياة الدائمة، فلما جاء اإلسالم أمروا أن جيعلوا أطيب تلك

.التحيات وأزكاها وأفضلها اهلل

67ذوق الصــالة

التحيات

فالتحية هي حتية من العبد للحي الذي ال ميوت، وهو سبحانه احلياة والبقاء أوىل بتلك التحيات من كل ما سواه، فإهنا تتضمن

والدوام، وال يستحق أحد هذه التحيات إال احلي الباقي الذي ال فإنه ال يستحق « والصلوات»: ميوت وال يزول ملكه، وكذلك قوله

أحد الصالة إال اهلل عز وجل والصالة لغريه من أعظم الكفر والشرك : فهي صفة املوصوف احملذوف أي« والطيبات»: به، وكذلك قوله

ات من الكلمات واألفعال والصفات، واألمساء هلل وحده، فهو الطيبطيب، وأفعاله طيبة، وصفاته أطيب شيء وأمساؤه أطيب األمساء، وامسه الطيب، ال يصدر عنه إال طيب، وال يصعد إليه إال طيب، وال يقرب منه إال طيب، فكله طيب، وإليه يصعد الكلم الطيب، وفعله

يه فالطيبات كلها له ومضافة إليه طيب، والعمل الطيب يعرج إلإن اهلل طيب ال يقبل إال »: قال النيب . صادرة عنه ومنتهية إليه

أنت »ويف حديث رقية املريض الذي رواه أبو داود وغريه ( )«طيباوال جياوره من عباده إال الطيبون كما يقال ألهل ( )«رب الطيبين

وقد [ 7: الزمر] ادخلوها خالدين سالم عليكم طبتم ف اجلنة حكم سبحانه شرعه وقدره أن الطيبات للطيبني، فإذا كان هو سبحانه الطيب على اإلطالق فالكلمات الطيبات، واألفعال الطيبات، والصفات الطيبات، واألمساء الطيبات كلها له سبحانه، ال

.اباب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيته: يف الزكاة( 5 4 )مسلم ( ) (. /6)باب كيف الرقي وأمحد : يف الطب( 41 )أبو داود ( )

64 ذوق الصــالة

بحانه، يستحقها أحد سواه، بل ما طاب شيء قط إال بطيبته سفطيب كل ما سواه من آثار طيبته، وال تصلح هذه التحية الطيبة إال

.له وعلى عباد اهلل الصالحين السالم على النبي

وملا كان السالم من أنواع التحية، وكان املسلم داعيا ملن حيييه، وكان اهلل سبحانه هو الذي يطلب منه السالم لعباده الذين اختصهم

هم لنفسه، وشرع أن يبدأ بأكرمهم عليه، وأحبهم بعبوديته، وارتضاإليه، وأقرهبم منه منزلة يف هذه التحية بالشهادتني اللتني مها مفتاح

.اإلسالمفشرع أن يكون خامتة الصالة، فدخل فيها بالتكبرية واحلمد والثناء والتمجيد وتوحيد الربوبية واإلهلية، وختمها بشهادة أن ال إله

مدا عبده ورسوله، وشرعت هذه التحية يف وسط إال اهلل، وأن حمالصالة إذا زادت على ركعتني تشبيها هلا جبلسة الفصل بني السجدتني، وفيها مع الفصل راحة للمصلي الستقباله الركعتني اآلخرتني بنشاط وقوة خبالف ما إذا واىل بني الركعات، وهلذا كان

.جلس يف وسطهناألفضل يف النفل مثىن مثىن، وإن تطوع بأربع الصالة على النبي

وجعلت كلمات التحيات يف آخر الصالة مبنزلة خطبة احلاجة أمامها، فإن املصلي إذا فرغ من صالته، جلس جلسة الراغب الراهب يستعطي من ربه ما ال غىن به عنه، فشرع له أمام استعطائه كلمات

61ذوق الصــالة

من نالت التحيات مقدمة بني يدي سؤاله، مث يتبعها بالصالة علىأمته هذه النعمة على يده وسعادته، مث يتبعها بالصالة على من نالت أمته هذه النعمة على يده وسعادته، فكأن املصلي توسل إىل اهلل سبحانه بعبوديته، مث بالثناء عليه والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله

ه ختري من الدعاء أحب: بالرسالة، مث الصالة على رسوله، مث قيل لهإليك، فذاك احلق الذي عليك، وهذا احلق الذي لك، وشرعت الصالة على آله مع الصالة عليه تكميال لقرة عينه بإكرام آله و الصالة عليهم، وأن يصلي عليه وعلى آله كما صلى على أبيه إبراهيم

.وآلهواألنبياء كلهم بعد إبراهيم من آله؛ لذلك كان املطلوب للرسول

صالة على إبراهيم، وعلى مجيع األنبياء بعده وآله صالة مثل الاملؤمنني، فلهذا كانت هذه الصالة أكمل ما يصلي على رسول اهلل

هبا وأفضل. االستعاذة من مجامع الشر

فإذا أتى هبا املصلي أمر أن يستعيذ باهلل من جمامع الشر كله، ب فإن الشر إما عذاب اآلخرة وإما سببه فليس الشر إال العذا

عذاب يف الربزخ وعذاب يف اآلخرة، : وأسبابه، والعذاب نوعانالفتنة، وهي نوعان كربى وصغرى، فالكربى فتنة الدجال : وأسبابه

وفتنة املمات، والصغرى فتنة احلياة اليت ميكن تداركها بالتوبة خبالف .فتنة املمات وفتنة الدجال، فإن املفتون فيهما ال يتداركها

74 ذوق الصــالة

مالدعاء قبل السال

مث شرع له من الدعاء ما يتاره من مصاحل دنياه وآخرته والدعاء يف هذا احملل قبل السالم أفضل من الدعاء بعد السالم وأنفع للداعي،

كلها، كانت يف الصالة من أوهلا وهكذا كانت عامة أدعية النيب إىل آخرها فكان يدعو يف االستفتاح أنواعا من الدعاء، ويف الركوع،

رفع رأسه منه، ويف السجود وبني السجدتني ويف التشهد قبل وبعد التسليم، وعلم الصديق دعاء يدعو به يف صالته، وعلم احلسن بن علي دعاء يدعو به يف قنوت الوتر، وكان إذا دعا لقوم أو على قوم جعله يف الصالة بعد الركوع ومن ذلك أن املصلي قبل سالمه يف حمل

يدي ربه، فسؤاله يف هذه احلال أقرب إىل اإلجابة املناجاة والقربة بني .من سؤاله بعد انصرافه من بني يديه

جوف الليل وأدبار »: أي الدعاء أمسع؟ فقال وقد سئل النيب ودبر الصالة جزؤها األخري كدبر احليوان ( )«الصلوات المكتوبة

ه ودبر احلائط، وقد يراد بدبرها ما بعد انقضائها بقرينة تدل علييسبحون اهلل ويحمدونه ويكبرونه دبر كل صالة ثالثا »: كقولهفهنا دبرها بعد الفراغ منها، وهذا نظري انقضاء األجل، فإنه «وثالثين

.يراد به، وملا يفرغ، ويراد به فراغها وانتهاؤهامث ختمت بالتسليم، وجعل حتليال هلا يرج به املصلي منها كما

عل هذا التحليل دعاء اإلمام ملن وراءه يرج بتحليل احلج منه، وج

.وحسنه( 44)باب : يف الدعوات( 010 )الرتمذي ( )

7ذوق الصــالة

بالسالمة اليت هي أصل اخلري وأساسه، فشرع ملن وراءه أن يتحلل مبثل .ما حتلل به اإلمام

ويف ذلك دعاء له وللمصلني معه بالسالم، مث شرع ذلك لكل مصل، وإن كان منفردا فال أحسن من هذا التحليل للصالة كما أنه

حترميا هلا، فتحرميها تكبري الرب تعاىل ال أحسن من كون التكبري اجلامع إلثبات كل كماله له، وتنزيهه عن كل نقص وعيب، وإفراده وختصيصه بذلك وتعظيمه وإجالله، فالتكبري يتضمن تفاصيل أفعال

.الصالة وأقواهلا وهيئاتاوأي « اهلل أكرب»: فالصالة من أوهلا إىل آخرها تفصيل ملضمون

التحرمي املتضمن لإلخالص والتوحيد؟ وهذا حترمي أحسن من هذافتتحت فا. التحليل املتضمن اإلحسان إىل إخوانه املؤمنني

.هـ.باإلخالص، وختمت باإلحسان أ

7 ذوق الصــالة

:الرسالة الثالثة

قال ابن القيم

7ذوق الصــالة

فالصالة قرة عيون احملبني يف هذه الدنيا ملا فيها من مناجاة من ال

والتنعم ، تسكن النفوس إال إليه تقر العيون وال تطمئن القلوب والبذكره والتذلل واخلضوع له والقرب منه، وال سيما يف حال السجود،

.وتلك احلال أقرب ما يكون العبد من ربه فيهافأعلم ( )«يا بالل أرحنا بالصالة»: ومن هذا قول النيب

فأين هذا من . بذلك أن راحته يف الصالة، كما أخرب أن قرة عينه فيها .القائل نصلي ونسرتيح من الصالة قول

فاحملب راحته وقرة عينه يف الصالة، والغافل املعرض ليس له نصيب من ذلك، بل الصالة كبرية شاقة عليه، إذا قام فيها كأنه على اجلمر، حىت يتخلص منها، وأحب الصالة إليه أعجلها وأسرعها، فإنه

بد إذا قرت عينه بشيء ليس له قرة عني فيها، وال لقلبه راحة هبا، والعواسرتاح قلبه به فأشق ما عليه مفارقته، واملتكلف الفارغ القلب من اهلل والدار اآلخرة املبتلى مبحبة الدنيا أشق ما عليه الصالة وأكره ما

.إليه طوهلا مع تفرغه وصحته وعدم اشتغالهومما ينبغي أن يعلم أن الصالة اليت تقر هبا العني ويسرتيح هبا

:ب هي اليت جتمع ستة مشاهدالقل :اإلخالص: المشهد األول

وهو أن يكون احلامل عليها والداعي إليها رغبة العبد يف اهلل

(.0145)، وأبو داود (60 /5)أخرجه أمحد ( )

70 ذوق الصــالة

وحمبته له، وطلب مرضاته والقرب منه، والتودد إليه، وامتثال أمره حبيث ال يكون الباعث له عليها حظا من حظوظ الدنيا ألبتة، بل

لى، حمبة له وخوفا من عذابه ورجاء ملغفرته يأيت هبا ابتغاء وجه ربه األع .وثوابه

:مشهد الصدق والنصح: المشهد الثانيوهو أن يفرغ قلبه هلل فيها، ويستفرغ جهده يف إقباله فيها على اهلل، ومجع قلبه عليها، وإيقاعها على أحسن الوجوه وأكملها ظاهرا

املشاهدة األفعال: وباطنا فإن الصالة هلا ظاهر وباطن فظاهرهااخلشوع واملراقبة، وتفريغ القلب هلل، : واألقوال املسموعة، وباطنها

، واإلقبال بكليته على اهلل فيها، حبيث ال يلتفت قلبه عنه إىل غريهفهذا مبنزلة الروح هلا، واألفعال مبنزلة البدن، فإذا خلت من الروح

.كانت كبدن ال روح فيهمبثل ذلك، وهلذا تلف بالثوب أفال يستحي العبد أن يواجه سيده ضيعك اهلل كما ضيعتين، : اخللق ويضرب هبا وجه صاحبها، وتقول

والصالة اليت كمل ظاهرها وباطنها تصعد وهلا نور وبرهان كنور حفظك اهلل : الشمس حىت تعرض على اهلل، فريضاها ويقبلها وتقول

.( )كما حفظتين :مشهد المتابعة واالقتداء: المشهد الثالث

وهو أن حيرص كل احلرص على االقتداء يف صالته بالنيب

ورد هذا املعىن من حديث أنس بن مالك وعبادة بن الصامت، بأسانيد ضعيفة عند ( ) .الطرباين وغريه

75ذوق الصــالة

ويصلي كما كان يصلي ويعرض عما أحدث الناس يف الصالة من شيء منها الزيادة والنقصان واألوضاع اليت مل ينقل عن رسول اهلل

وال عن أحد من أصحابه، وال يقف عند أقوال املرخصني الذين كون غريهم قد نازعهم يف ذلك يقفون مع أقل ما يعتقدون وجوبه، وي

ولعل األحاديث الثابتة والسنة النبوية من جانبه، . وأوجب ما أسقطوهحنن مقلدون ملذهب فالن، وهذا ال : وال يلتفتون إىل ذلك ويقولون

يلص عند اهلل وال يكون عذرا ملن ختلف عما علمه من السنة عنده، اعه وحده، ومل يأمر واتب فإن اهلل سبحانه إمنا أمر بطاعة رسوله

وكل أحد باتباع غريه، وإمنا يطاع غريه إذا أمر مبا أمر به الرسول .ذ من قوله ومرتوكو فمأخ سوى الرسول

:مشهد اإلحسان: المشهد الرابعوهو مشهد املراقبة وهو أن يعبد اهلل كأنه يراه، وهذا املشهد إمنا

ىت كأنه يرى اهلل ينشأ من كمال اإلميان باهلل وأمسائه وصفاته، حسبحانه فوق مسواته مستويات على عرشه، يتكلم بأمره وهنيه، ويدبر أمر اخلليقة فينزل األمر من عنده ويصعد إليه، وتعرض أعمال العباد وأرواحهم عند املوافاة عليه، فيشهد ذلك كله بقلبه ويشهد أمساءه

آمرا ناهيا حيب وصفاته، ويشهد قيوما حيا مسيعا بصريا عزيزا حكيماويبغض ويرضى ويغضب ويفعل ما يشاء وحيكم ما يريد، وهو فوق عرشه ال يفى عليه شيء من أعمال العباد وال أقواهلم وال بواطنهم

.بل يعلم خائنة األعني وما ختفي الصدورومشهد اإلحسان أصل أعمال القلوب كلها، فإنه يوجب احلياء

76 ذوق الصــالة

بة و اإلنابة والتوكل واخلضوع هلل واإلجالل والتعظيم واخلشية واحملسبحانه والذل له ويقطع الوساوس وحديث النفس وجيمع القلب واهلم على اهلل، فحظ العبد من القرب من اهلل على قدر حظه من مقام اإلحسان، وحبسبه تتفاوت الصالة حىت يكون بني صالة الرجلني من الفضل كما بني السماء واألرض وقيامهما وركوعهما

.وسجودمها واحد :مشهد المنة: المشهد الخامس

وهو أن يشهد أن املنة هلل سبحانه كونه أقامه يف هذا املقام وأهله له ووفقه لقيام قلبه وبدنه يف خدمته فلوال اهلل سبحانه مل يكن شيء

:فيقولون من ذلك كما كان الصحابة حيدون بني يدي النيب

يمنون عليك أن أسلموا قل ال تمنوا علي : قال اهلل تعاىليمان إن كنتم صادقين إسالمكم بل الله يمن عليكم أن هداكم لل

* [7 : احلجرات.] ما واملصلي مصليا كما فاهلل سبحانه هو الذي جعل املسلم مسل

ربـنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة : قال اخلليلرب اجعلني مقيم الصالة ومن وقال [ 4 : البقرة] لك

[.04: إبراهيم] ذريتيوكان هذا من ، هفاملنة هلل وحده يف أن جعل عبده قائما بطاعت

وما بكم من نعمة فمن الله : أعظم نعمه عليه وقال تعاىليمان وزيـنه في : وقال[ 5: النحل] ولكن الله حبب إليكم اإل

واهلل لـــــــــــوال اهلل مـــــــــــا اهتـــــــــــدينا

وال تصـــــــــــــــــــدقنا وال صـــــــــــــــــــلينا

77ذوق الصــالة قـلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم

[.7: احلجرات] الراشدون وهذا املشهد من أعظم املشاهد وأنفعها للعبد، وكلما كان العبد

:أعظم توحيدا كان حظه من هذا املشهد أمت وفيه من الفوائدأن حيول بني القلب وبني العجب بالعمل ورؤيته فإنه إذا -

ه شهود شهد أن اهلل سبحانه هو املان به املوفق له اهلادي إليه شغلذلك عن رؤيته واإلعجاب به وأن يصول به على الناس فريفع من قلبه فال يعجب به، ومن لسانه فال مين به وال يتكثر به، وهذا شأن العمل

.املرفوعومن فوائده أنه يضيف احلمد إىل وليه ومستحقه فال يشهد -

لنفسه محدا بل يشهده كله هلل كما يشهد النعمة كلها منه والفضل .كله له واخلري كله يف يديه

وهذه من متام التوحيد، فال يستقر قدمه يف مقام التوحيد، إال بعلم ذلك وشهوده فإذا علمه ورسخ فيه صار له مشهدا وإذا صار لقلبه مشهدا أمثر له من احملبة واألنس باهلل والشوق إىل لقائه والتنعم

ة، وما للمرء تالدنيا ألببذكره وطاعته ما ال نسبة بينه وبني أعلى نعيم ذا مصدودا وطريق الوصول إليه عنهخري يف حياته إذا كان قلبه عن هذرهم يأكلوا ويـتمتـعوا ويـلههم : مسدودا، بل هو كما قال تعاىل

[. : احلجر] األمل فسوف يـعلمون

74 ذوق الصــالة

:مشهد التقصير: المشهد السادستهد يف القيام باألمر غاية االجتهاد وبذل وأن العبد لو اج

وسعه فهو مقصر وحق اهلل سبحانه عليه أعظم والذي ينبغي له أن يقابل به من الطاعة والعبودية واخلدمة فوق ذلك بكثري، وأن عظمته وجالله سبحانه يقتضي من العبودية ما يليق هبا، وإذا كان

جالل هلم خدم امللوك وعبيدهم يعاملوهنم يف خدمتهم باإلوالتعظيم واالحرتام والتوقري واحلياء واملهابة واخلشية والنصح حبيث يفرغون قلوهبم وجوارحهم هلم، فمالك امللوك ورب السموات واألرض أوىل أن يعامل بذلك بل بأضعاف ذلك، وإذا شهد العبد من نفسه أنه مل يوف ربه يف عبوديته حقه وال قريبا من حقه علم

سعه مع ذلك غري االستغفار واالعتذار من تقصريه تقصريه ومل يوتفريطه وعدم القيام مبا ينبغي له من حقه وأنه إىل أن يغفر له

أحوج منه إىل أن يطلب منه عليها ثوابا ، العبودية ويعفو عنه فيهاوهو لو وفاها حقها كما ينبغي لكانت مستحقة عليه مبقتضى

ه مستحق عليه حبكم كونه فإن عمل العبد وخدمته لسيد، العبوديةعبده، ومملوكه فلو طلب منه األجرة على عمله وخدمته لعده

.الناس أمحق وأخرقهذا وليس هو عبده وال مملوكه على احلقيقة وهو عبد اهلل ومملوكه على احلقيقة من كل وجه هلل سبحانه، فعمله وخدمته مستحق

رد فضل ومنة عليه حبكم كونه عبده فإذا أثابه عليه كان ذلك جموإحسان إليه ال يستحقه العبد عليه، ومن ههنا يفهم معىن قول النيب

71ذوق الصــالة

:«وال أنت يا رسول : قالوا« منكم الجنة بعمله لن يدخل أحد .( )«وال أنا إال أن يتغمدني اهلل برحمة منه وفضل»: اهلل؟ قال

.حديث عائشة وله شواهد أخرى متفق عليه من ( )

44 ذوق الصــالة

الفهرس 5 ......................................................... املقدمة

الرسالة األولى 7 .................................................. :الرسالة األوىل 4 ................................................... حقيقة الصالة

4 ............................................. الصالة مأدبة وغيث 1 ............................................... الصدور من املأدبة

1 .................................................... جتديد الدعوة 1 ..................................................... قحط الغفلة

4 .................................................... عاقبة الغفلة 4 ................................................... يبوسة القلب 4 .................................................... مطر القلب

................................................ استعمال اجلوارح .................................................. جوارح الطاعة ................................................. جوارح املعصية .................................................. جوارح البطالة ..................................................... وافد امللك 0 ..................................................... كرم امللك

5 ................................................... سبب القرب 5 ................................................... طهارة القدوم

4ذوق الصــالة

6 .................................................. استقبال القبلة 6 .................................................. حقيقة التكبري 7 ................................................ دعاء االستفتاح 7 .................................................. االستعاذة باهلل

1 ......................................................... القراءة 4 ................................................... طعم الصالة 4 ...................................................... احلمد هلل

.................................................... رب العاملني .................................................. الرمحن الرحيم

................................................ مالك يوم الدين ......................................... إياك نعبد وإياك نستعني 0 .......................................... اهدنا الصراط املستقيم

0 .................................................... أمور اهلداية 5 .................................................. الناس واهلداية

6 ................................................ مشروعية التأمني 6 ......................................................... الركوع

7 ............................................. االعتدال من الركوع 4 ................................................. السجدة األوىل 1 .................................................. سجود القلب 4 ................................................... أمساء الصالة

4 ........................................... االعتدال من السجود

4 ذوق الصــالة

.................................... اجللوس بني السجدتني وذوقه ..................................................... مجاع اخلري

................................................. السجدة الثانية ................................................. جلوس التشهد .................................................... التحيات هلل 0 ...................................................... والصلوات 0 ...................................................... والطيبات

6 ..................... وعلى عباد اهلل الصاحلني السالم على النيب 7 .................................................... ادة احلقشه

4 ................................................. انقضاء الصالة 04 ................................................ اإلقبال على اهلل 0 ................................................... تسليم النفس 0 ................................................... صورة الصالة

0 ....................................................... قرة العني 00 ................................................... راحة الصالة

الرسالة الثانية 06 ................................................... الرسالة الثانية .............................. 06 وأقيموا الصالة : عند قوله تعاىل

07 ................................................... ة الصالةإقام 04 .................................................. أقسام املصلني 04 .................................................... قدر الصالة

4ذوق الصــالة

01 ................................................ استفتاح الصالة 5 ...................................................... االستعاذة

5 ........................................... احلمد هلل رب العاملني 5 .................................................. الرمحن الرحيم

5 ................................................ مالك يوم الدين 50 ......................................... إياك نعبد وإياك نستعني 55 .......................................... اهدنا الصراط املستقيم

55 .................................................... أمور اهلداية 56 ......................................................... التأمني 57 ......................................................... الركوع

54 ............................................. االعتدال من الركوع 64 ....................................................... السجود

6 .................................................. أصل اإلنسان 6 .................................................. سنن السجود 60 .................................................. تكرار السجود

60 .......................................... اجللوس بني السجدتني 66 .................................................. جلسة التشهد

67 ....................................................... التحيات 64 ..................... وعلى عباد اهلل الصاحلني السالم على النيب ........................................... 64الصالة على النيب

61 ........................................االستعاذة من جمامع الشر

40 ذوق الصــالة

74 .............................................. الدعاء قبل السالم الرسالة الثالثة

7 .................................................. :الرسالة الثالثة 44 ........................................................ الفهرس