1

2

فرید أبوسرایا: بقلم ) . الشمعة (قصة قصیرة

من دیسمبر من عام عند حوالي الساعة الحادیة عشر والنصف من مساء یوم الثالثاء ، بتاریخ الثالثین

غابت . ، فأنقطع حبل الوصال بالحیاة العصریة منازلناتوقف التیار الكھربائي عن السریان في أسالك 2014

عندما تغیب الكھرباءفي تلك األوقات العصیبة أنھ ولوحظ ، ، وغابت البھجة والدفء الضوءالكھرباء، فغاب

ویشمر عن ساعدیھ نتھز الفرصة ییكون للموت حضور قوي على الساحة ، وبصمة واضحة في المشھد العام ، و

غازي أول أكسید ا، وشریكاه الرئیسیان في ھذه الجرائم ھم وھم نیام بإغتیال العائالت وخنق األطفال ویشرع

على من المفارقات المحزنة أنھ . المنبعثین من مواقد الفحم والمولدات الكھربائیة الكربون وثاني أكسید الكربون

، فلیس ھناك مكان آخر في العالم سواھا یضيء أھون موجود في لیبیاإال أنھا ، وأھمیتھاالكھرباء فائدةالرغم من

لو كان للكھرباء لسان ینطق بحالھا . والشمس عندھم في رابعة النھار نھارا ، الكھربائیة الناس فیھ مصابیحھم

.لقالت إن الھوان الذي أنا فیھ لیحسدني علیھ قعیس وتستعظمھ عمتھ

بدون أدنى شك نھاإواإلنسان في حیاتنا العصریة ، اھرباء في إنجاز العدید من الوظائف التي یؤدیھتساھم الك

الكثیرین ، ومع كل ھذا ، نجد الحیاة أكثر رفاھیة لجعلوسیلة ، وھي العلم والمعرفة تمھد الطریق أمام طالب

إن یبدو . فیما ال طائل من وراءه ویھدرونھا، ، ویبخسونھا حقھا من المسؤولیة قدریتعاملون معھا بأدنى

بكلماتھ لعبر أن المتنبي كان مطلعا على أحوالنا لو من المؤكدالكھرباء في لیبیا كالعالم الذي ضاع بین جھال ، و

. یتمردون علیھاوھم ، إنھا تكرمھم : ما معناه وقال عن ھذا الحال ، البلیغة والبدیعة

، ولیس الكرم بغریب عن الكھرباء، ومع ھذا كلھ تظل تكرمھمویدمرونھا ، ،یسرقونھا ، وینھبونھا ، ویحرقونھا

.إنھ الكھرمان أیھا السادة ، ذلك الحجر الكریم .. أسمھا نفسھ لھ عالقة بشئ كریمإذا أعتبرنا أن

؟ ألیست الوطنیة ھي الدافع الوطنیةكل من فیھ كیف یحدث مثل ھذا الطیش وھذه الحماقة في وطن یدعي

ألیست ؟ ویحرص على موارده وثرواتھ أشد الحرصوالوازع الذي یجعل المرء یحب وطنھ ، وینتمي إلیھ ،

، فتجعلھ ھتعتمل في نفس التي تغرس في نفس المرء بتأثیر التربیة الصالحة ، والتي تلك المشاعرالوطنیة ھي

؟ یتمنى أن یكون وطنھ أفضل األوطان

3

بأنك جزء منھ ، الشعورالشعور باإلنتماء إلى الوطن ، واإلنتماء إلى الوطن ھو أیضا وھي، عم ، إنھا لكذلك ن

ال والوطنیة . النحلةولست غریبا عنھ ، بقدر ما أن التمرة لیست بغریبة عن النخلة ، والعسل لیس بغریب عن

لیس للمرء ف، من غیر الممكن أن یعقد شخص ما العزم على أن یكون وطنیا ، فیصبح كذلك فترتبط باإلرادة ،

جھي عملة ، وجھھا الثاني ھو المواطنة، وإذا لم یكن ھي أحد و الوطنیة .خیار في أن یكون وطني أو غیر وطني

ستكون ف، ي المسیح الدجالحدى عینإك لھذه العملة إال وجھ واحد ، ال سمح اهللا ، وكان وجھھا الثاني ممسوحا

الذھبیة لھا وجھان ھما الوطنیة والمواطنة ، الواجبات الوطن الحقیقیة عملةألن ، عبارة عن عملة مزورة

.والحقوق

على الوطنیة في أسواق اإلنتخابات والحروب ، وتصبح سلعة رائجة ، وكأنھا شجرة ال كثیرا یزداد الطلب

على األوقات العصیبة ، ال یقتصر الوطنیة دور اإلدراك البدیھي یقول أن ، بید أن تخضر إال في موسم معین

، وب تحمي األوطان وتذود عنھافي زمن الحرب ، ففي الحر ضروریةفي زمن السلم بقدر ما ھي ضروریةھي ف

ن السلم الجھاد في زم فھيإذا كانت الوطنیة في زمن الحرب ، جھاد ، . وفي السلم تحافظ على األوطان وتبنیھا

في حاجة لست إطفاءك لمصباح كھربائيأن ھناك من یعتبر ف ، الوطنیة في أداء أبسط األشیاء تكمنوقد األكبر ،

وھكذا یمكننا الجدار ، مفتاح كھربائي على بأن تضغط بسبابتك برفق علىوذلك ، عمال وطنیا وعبادة إلى ضوءه

.على اإلطالق وغیر مجھد ، وغیر مكلف، للغایة ممارسة الوطنیة أمر بسیط وسھلأن نرى أن

، عاد التیار 2015وفي الساعة الثانیة عشر والنصف من صباح یوم الخمیس بتاریخ األول من ینایر من عام

الكھربائي إلى التناوب والتذبذب في منازلنا بقممھ وقیعانھ ، وعلى الرغم من الظلمة فقد كنا شھود عیان على

. وشھدنا حدوث ظالما متتالیا تخلل سنتین متتالیتن فترة مظلمة ،

حل شھر ینایر ، وینایر یعني الشتاء ، والشتاء یعني البرد ، والبرد إذا لم یدفع بالنار فبإمكانھ أن یجعل النفوس

ني من كنا مشغولین بدفن موتانا ونحن نغوص في األوحال بین القبور ، والبلد یعا. تسخط على واقعھا البارد ذاك

االنقسام ، فھناك حكومتان ، وھناك برلمانان ، وھناك إرادتان خفیتان تحركان الخیوط والدمى على مسرح

تعالت نبرة النعرات الجھویة والعنصریة ، وكانت صریحة وشدیدة اللھجة ، وعیر البعض برعي . العرائس

.سخط أسخط منھ السخط نفسھ كان شتاء .بالفسقالشیاه ، فرد المعیرون على من عیرھم بتعییرھم

. لم یتوفر شئ في ھذا الشتاء القارس بقدر ما توفرت فیھ البرودة الشدیدة ، والمطر والموت واألخالق السیئة

إن ما أصاب الكھرباء ، لم یكن لیخطئ وقود التدفئة ، فلم یعد لغاز الطھي أي أثر ، وأصبح الحصول على

، وھي نوع ) النافطة البیضاء ( القتاد ، ثم أستجد على قاموس معیشتنا كلمة دونھ خرط فعل )القاز( الكیروسین

توفر ھذا النوع من وقود المدافئ نسبیا ، بید أن ھذه الوفرة لم . من الوقود یستعمل في أغراض التدفئة المنزلیة

للموت ونائبا عنھ، فكم من منزل تكن إال طعما یستخدمھ الموت لإلیقاع بالناس في شراكھ ، فھي لم تكن إال وكیال

! أحرقتھ، وكم من روح أزھقتھا

4

في تلك األیام التي أنعدم فیھا المنطق ، وأسیئ فیھا إلى الحریة والدیمقراطیة أبلغ إساءة ، أزدھرت أحوال تجار

ھارا بأغلى جھارا ن) البوتان ( الحروب ، وأنتعشت تجارة األزمات ، فبیع الكیروسین والبنزین وغاز الطھي

األثمان ، وتكالب الناس على شراء المولدات الكھربائیة الصینیة ، فبات لیل المدینة عامرا بقلیل من الضوء

وكثیر من الضوضاء ، ووسط ھذه الظروف المناخیة ، واإلقتصادیة واالجتماعیة الصعبة نشبت المعارك

، وأختلط حابل اللیبیین بنابلھم ، فعال أزیز وحروب المدن ، وأعمال الحصار ، وأندلعت الحرائق الضخمة

الرصاص وھدیر المدافع وفرقعة القنابل على بقیة األصوات ، وتطابق المقال القائل لیس ھناك صوت یعلو فوق

. صوت المعركة مع المقام اللیبي تمام التطابق

على الرغم من عدم والعام ، ھطل الثلج على جبل نفوسة ، ولكنھ لم یكلل قمم الجبل األخضر وسفوحھ في ھذا

، وتلبدت السماء بسحب ، فأعترت الجو برودة شدیدة أبت إال أن تنخفض درجة الحرارةإال أن ھطول الثلج

. بوابل من المطر تارة ، وبوابل من البرد تارة أخرى ھذه السحب لم تبخل علینا، و سوداء

، حسب التصنیف المحلي ألیام فبرایر من السنة التالیة 1 دیسمبر إلى 24یطلق على الفترة الزمنیة الممتدة من

، ولكنھا لیالي كنت آسمھانبھا أطربتنالم تكن ھذه اللیالي ھي لیالي األنس بفیینا التي ، و) اللیالي(اسم السنة ،

: لیشتنبرغجورج العالم األلماني قال، فكما وأستضيء بضوءھا، بنورھاأستنیر رفقة شمعةإلى أأنس فیھا

. یحب اإلنسان الرفقة ـ حتى لو كانت مجرد رفقة شمعة صغیرة مشتعلة

الشمعة جسم مضيء بذاتھ ، وھي ال تعكس ضوء غیرھا لیقال أن ما تشعھ ھو نور ، ولكن إن في واقع األمر ،

إن ضوء الشمعة . ما أقصده بنور الشمعة لیس النور المرادف للضوء ، ولكنھ النور المرادف للھدایة واإلرشاد

. سبھ معنى من معاني النورما یك ھو ھذاأظن أن ، ویجعل القارئ أكثر قربا من الكلمات ، وأقوى فھما للمعاني

5

قررت وبلبلة فكر ، عقل في خضم ظلمة ال تضیئھا إال جمرات حمروات متوھجة في موقد قریب ، ووسط حیرة

كنت على یقین ألننيالوقت في إستمطار اللعنات على الظالم وأوالد الحرام ، أن أضیعأن أوقد شمعة بدال من

إجراء ھو ھذا اإلجراء أعتقد أن عل أوالد الحرام أقل عددا وعدة ، و، ولن تج الظالمبأن لعناتي لن تقشع جحافل

لم ھذا اإلجراء ن على أیة حال ، إ. سوى بضع شمعات ینیر محیطھملك ما یال كان المرءغریزي ، خاصة إذا

:المثل الصیني القائل عن یحد قید أنملة

. من األفضل أن توقد شمعة على أن تلعن الظالم

، فالشمعة بلھبھا تشبھ ھذا صحیح من بعض النواحيو ،توھج اللھب األصفر الدافئ بقمتھ المدببة كرأس السھم

الشمعة على ولكن لو قلنا أن من حولھ ، الظالم بضیاءه یبددالذي المنتصب السمھري السھم أو الرمحإلى حد ما

السفن المبحرة بنورھا التي ترشدو، المنارة الواقفة بشموخ على أجراف السواحل الصخریة تشبھ منضدة القراءة

تنیر الشمعة المنتصبة على . التشبیھ أكثر توافقا مع مقتضیاتھ ھذا لكان إلى الموانئ والمرافئ في اللیالي المظلمة

.كتابةالقراءة والمن بھدیھ الدارسیتمكن فیتولد نور على صفحات الكتب ضوءھایسقط و ما حولھا سطح مكتب

، وكأنھا بالضوء الحار في ظلمة اللیل ، تنجذب إلیھ ھربا من برودة الجو وطلبا لنور األنس العثثعندما تحس

:التي یقول فیھا " یا ابن أمي " وبالذات قصیدة ، ألبي القاسم الشابي "أغاني الحیاة " دیوانقد قرأت

عذب جمیلإلى النور فالنور

.إلى النور فالنور ظل اإللھ ) ومیض فسفوري ( ألي بصیص التي ال ینبعث منھا ضوء ، وال تلتفت كثیرا باألجسام الحارة العثاثال تعبأ

، وھي تدرك ، فھي ترید النار والنور على حد سواء صعبة اإلرضاءمخلوقات ثالعثا. یشع نور بدون حرارة

6

على أتم االستعداد وكانتبنارھا ، یصطليفعلیھ أن راد نورھا أمن وتدرك أن جیدا أن الشمعة نار ونور ،

، عندما كان األوحدالصقر قد نالت مرادھا في جماھیریة ثالعثا أن في شك ال. لإلكتواء حتى لإلصطالء و

:قائلین یخطبون بلغة الترھیب الخضر وأعضاء اللجان الثوریة یون الجماھیر

. من أعتدىعلى نور لمن أھتدى ، ونار شمس الفاتح لطیران إلى الشمس ، طالما إلى ابحاجة ولم تكن ، سدرة منتھاھا النعیم األرضي ذلكومن المؤكد أنھا وجدت في

ستھتدي وتعتدي إذا كانت الھدایة والعدوان فأنوارھا ، وتسطعأن ھناك شمس قریبة على األرض تتأجج نیرانھا

قد خاب عندما أستمعت إلى خطاب ملك العثاث أن رجاءال ریب .وفران لھا النور والنار اللذان تنشدھما یس

الشھید الصائم رسمھاولم تستغ صورة النار الحمراء والجمر التي الملوك من فوق أسوار السرایا الحمراء ،

.لیبیا في ھذه الحالة ستكون حارة ولكن بدون نور ألن وذلك ببساطة ، ، قبل أن یستشھد ، وقبل أن یصوملیبیا ل

.حب النور بدون حرارة تحب الحرارة بدون نور ، كما ال توالعث ال

أي عدوان نحطمھ باإلرادة الشعبیة ، . أن نحطم أي عدوان ، نحن نستطیع ، نسنو نستطیع

ل الشعب اللیبي ، كل بالشعب المسلح ، بالشعب المسلح ، وعند اللزوم ستفتح المخازن لیتسلح ك

.تصبح لیبیا نار حمراء ، تصبح جمر . القبائل اللیبیة 2015فبرایر 25الجمعة ، . العقید معمر القذافي من فوق أسوار السرایا الحمراء

7

لیبیة تحب أن تنتسب إلى الشموع ، كما أن العثث تحب الدوران حول الشموع ، ھناك عثة وهللا في خلقھ شؤون ، ف

. وتقول أنھا تأمل أن یكون ما تنشره ھو بمثابة شمعة مضیئة وسط ظالم یحیط بھا ، لیسترشد بھا من یبصرون

ـ أن األكاذیب واإلشاعات والكالم الذي تنقلھ عن وكیف لعثة أن تدري بأنھا ال تدريوال تدري ھذه العثة ـ

، ال یمكن بأي حال ) الفرار إلى الجھنم ( ، أو حتى مقتطفات من قصة صفحات الخضر ، أحباب الشھید الصائم

كالبصیص الصادر من ذنب حشرة الحبحاب ، ناھیك عن أن تكون بصیصا من األحوال أن ترقى ألن تكون

عن عالقة النور بالمرئیات عباس محمود العقادوال ریب أن ھذه العثة ال تدري بما قالھ . شمعة مضیئة

المھم أن یكون ما تود رؤیتھ موجود في النور.. م أن تكون في النور كي ترى لیس المھ

جدیرة بمنزلة الكواكب الدائرة حول أنھا في أنفسھا إلى الشمعة على أنھا كوكب دري ، وترى ثتنظر العثا

، وكما أن الكوكب تصیبھ شواظ من ثتكون العثا ،النجوم ، ولذا فحیثما یكون ھناك شمعة تتوھج بنورھا ونارھا

المصیر وھي تدور ، فالعثة تالقي نفس النار وھو یدور حول الشمس ، ویكتوي سطحھ بفعل العواصف الشمسیة

ھذه الصورة الواقعیة في قالب شعري ، فیقول على لسان بورشیا في مسرحیة شكسبیرحول نجمھا ، ویضع

:تاجر البندقیة

.ة وھكذا سفعت الشمعة العثعلى لھب الشمعة عن مصیر السفن المبحرة في القناة اإلنجلیزیة قبالة سواحل المتھافتةال یختلف مصیر العثة

، والتي تنجذب " نزل جامایكا " في روایة دافني دو مورییھعنھا الكاتبة اإلنجلیزیة تحدثنال التي وكورنو

مخادعة ، فتتحطم على صخور الشاطئ ویقتل التي یضعھا محطمو السفن في أماكن الخداعة لألضواء الزائفة

.ركابھا على أیدي محطمو السفن غالظ األكباد ، قساة القلوب

8

تاجات مفادھا أن بنات العم للبعض ببعض االستن صلة القرابة ھذهلفراشات ، وقد توحي اھن بنات عم العثث

الفرق كبیر ، والبون أن إالالمقدمات صحیحة ھذه الرغم من أن ىسف فعلما یكن متشابھات ، ولكن لأل غالبا

المتصوف الكبیر جالل الدین مع كل ھذا إال أن . بین القبح والجمالووالفراشات ، فشتان بین العثث شاسع،

، ویقول في ھذا ، فیرى كل ما حولھا جمیالإلى النصف الممتلئة من الكأس ، فیبھره جمال الشمعة ینظر الرومي

:المعنى

.جمال الشمعة من منظورأحكم على العثة یرى أن ھناك فاصال بین القبح والجمال ، فمھما أقترب القبح من تشارلز دیكنزبید أن عمالق األدب اإلنجلیزي

بطل الروایة بیب یخبر، ) آمال عظیمة ( في روایة الجمال أو طاف حولھ یظل القبیح قبیحا ، والجمیل جمیال ، ف

كان یحوم حولھا طوال الوقت في حفلة ، درومیل الفظ ، غلیظ القلب ، الحظ أن الفتىأنھ قد لحسناء إستیال ، ا

: بنظرةالرقص ، فترد علیھ إستیال وھي تحدجھ

ھل بإمكان الشمعة أن . العثات وجمیع أنواع المخلوقات القبیحة تحوم حول الشمعة المشتعلة

دوث ذلك ؟تحول دون ح

9

یربط ما بین یجعلھ ھذا اإلعجاب ، و ولیم شكسبیرتثیر الشمعة الصغیرة إعجاب شاعر اإلنجلیزیة العظیم

: شعاعھا وأثر العمل الصالح، فیقول

وھكذا یتألق العمل الصالح في ! ما أبعد المسافة التي تقذف إلیھا ھذه الشمعة الصغیرة بشعاعھا

.عالم كئیب ، إنھا منارة بر العلم والمعرفة ، فالشمعة تھدي العیون والعقول إلى بر األمانإذا كانت المنارة ترشد السفن إلى

كالشمعة المنارة یمكننا القول أن ناحیة أخرى ومن ،قائمة على جزر نائیة موحشة في أعالي البحار وإن لم تكن

المحیط أفاق، ولكن من أجل أي غایة ترسل المنارة ضوءھا إلى ضوءا تشع بذاتھ ولذا فھي جسم مضیئفھي

اإلصطدام بالحید البحریة تتفادى، لتجعلھا الموحشة إذا لم یكن من أجل إرشاد السفن المبحرة في ظلمات البحار

نرى ، نعم من أجل ھذه الغایة یطلق على ضوء المنارة نور ، فبالضوءالغادرة الكامنة تحت سطح میاه البحر

وإذا كان .لبصر، أما النور فھو للبصائر لإن الضوء .األشیاء المرئیة ، ولكننا بالنور نرى األشیاء غیر المرئیة

.ضوء للرؤیة ، أما النور فھو للرؤى إن الالقول نافیمكنخیر الكالم ما قل ودل ،

، ولكنھ لیس أصفر ولیس في ھذا الكالم مجانبة للصواب أصفر اللون ، للناظر ألول وھلة یبدو لھب الشمعة

الذبالة، وكأن ھي سوداء اللونذبالة الشمعة إن نواة اللھب حیث تنشأ من . اللون بالكامل ، فقلبھ من الداخل أسود

10

یتمثل صورة اللھب األصفر طھ حسینھل كان . فقط ما ھو أسود یحاذیھا إالالمحترقة السوداء ال ترضى أن

:لبھ األسود المعتم عندما قال بالبھیج

.والنعیم الیكمل اال إذا جاوره الجحیم، الجمال الیستقیم اال اذا جاوره القبح لألحالم ومحفزا امجرد مصدر للضوء ، ولكنھ مصدر غاستون باشالرالفیلسوف الفرنسي لیس اللھب في نظر

:یلقي الضوء على اللھب فیقول ) لھب الشمعة ( للمخیلة ، وفي كتابھ

اللھب ھو من بین أشیاء العالم التي تستدعي األحالم، وھو واحد من أعظم صانعي الصور، إن

اللھب یجبرنا على التخیل، وحالما نشرع بالحلم أمام اللھب فإن كل ما نراه یصبح ال شيء نسبة

فاالستعارات األكثر برودة تصبح صورا بالفعل بواسطة اللھب المدرك بوصفھ ...تخیلھ لما ن

. موضوعا للحلم

بواسطة یتغذىقویا وثابتا ، الولیدفي البدایة ، عندما تلد الشمعة الضوء ، وتكون في ریعان شبابھا ، یكون اللھب

تشتعل الذبالة ، والشمع معطاء ، عندما یكون الدھن وفیرا. النسغ الدھني الصاعد إلیھ من الشمع على الذبالة

، ویكون اللھب في أتم صحة وأفضل عافیة ، لھبا قویا صامدا ویتقد رأسھا بوھج أحمر ، فتتوھج كجمرة حمراء

ي تلك اللھب ف ال یرى. ال یتأثر إال بنسمات الھواء التي تھب علیھ ، فیمیل معھا ویتمایل ، ویحني رأسھ قلیال

، ویرى في تلك النسمات معینا ورافدا النسمات تھدیدا لوجوده بل ینظر إلى البطانة الفضیة من السحابة السوداء

.بدونھ ضوء وحرارةلھ یكونأن أن یتوھج ، و ، ونفسا منعشا ال یمكن ألي لھب الھواءمن حیویا

، ولعل ھذا الظرف نار الشمعة على أما إذا زاد الھواء عن حده ، وأنحرف عن إعتدالھ ، فتكون كثرتھ وباال

في مھب الریح ، المشتعلةإلى تشبیھ حیاة اإلنسان بالشمعة كارل ساندبرغبالذات ھو ما دعى الشاعر األمریكي

:فیقول

. إن حیواتنا مثل شمعة في مھب الریح طلبھ، وھو یلحف في المطرب اللیبي الراحل أحمد حلمين ھذه الصورة لم تكن غائبة عن مخیلة من المؤكد أ

:أن ال تنطفئ ، فیتغنى بلحن عذب قائال بلشمعة

. ، یا دمعة ال ما تذرفي یا شمعة ال ما تنطفيبشخصیة اللیدي دیانا ، أمیرة ویلز ، تلك النسمة Candle in the wind شمعة في الریحصورة تذكرنا

صوتھاأھمدت وزوابع العنصریة الشیطانیة ، فوعواصف اإلجرام ، ، أعاصیر الشر بھا اللطیفة التي أحاطت

. أنفاسھا أخمدتو

11

لمثلة في رثاء ا، 1973شمعة في الریح ، ھي عنوان أغنیة تغنى بھا المطرب البریطاني إلتون جون في عام

، بوستمنستر 1997وداعا یا نورما جین ، وفي عام : األمریكیة الراحلة مارلین مونرو ، وفي ھذه األغنیة یقول

، ولكن ھذه المرة في رثاء اللیدي دیانا ، أغنیتھ القدیمةبإلتون جون تغنىأبي في العاصمة البریطانیة لندن ،

مصادفات الرھیبة ، أن أغنیة شمعة في الریح قد غنیت في رثاء من ال. وداعا یا وردة إنجلترا : ویقول فیھا

أمرأتین ، وأن موت ھاتین المرأتین قد دارت حولھ الشكوك ، وحامت حولھ الشبھات ، وراجت أقاویل تشیر إلى

.في تدبیره ضلوع أجھزة االستخبارات األمریكیة والبریطانیة

أغسطس 31في لیلة األحد ، ولكن في تقال ھذه العبارة من باب التفاؤل ، ، إنني أرى نورا في نھایة النفق

یس ، وكل ما ھنالك كانت رائحة نفق ألما بالعاصمة الفرنسیة بار ، لم یكن ھناك أي بصیص من نور في1997

، حربا ضروسا على الوردة والعلیق األشواك تلقد شن. التآمر ، وصوت الزور ، وصورة اإلجرام العنصري

، وكان سنة 117ولیس في ذلك عجب أو غرابة إذا ما تذكرنا أن تاریخ الحروب یتضمن حربا دارت رحاھا لمدة

.لورد ، أما اآلن فھي حرب على الورود ل افي الماضي كانت حرب. عالقة بالورود لھاسم ھذه الحربل

تشابھ بین حاجة الشمعة لألكسجین بقدر ، وحاجة الغواص في أعماق البحر كذلك لألكسجین بقدر ، فكما أن ھناك

في أعماق البحر وتورده تصیبھ بالھلوسة الشمعة ، فكذلك الحال مع الغواص ، فإن زیادتھ تخنق زیادة األكسجین

.حتفھ

12

، ویوظف ھذا المثل صورة لشمعة األسرار ھناك مثل مصري شعبي یضرب للحث على قضاء الحوائج بكتمان

كتمان االسرار بالحجاب الذي یحول دون وشمعة ، تلك افي معترك الریاح ، ویشبھ قضاء الحوائج باشتعال

:، ویقول ھذا المثل عن الریاح فما علیك سوى أن تحجبھا بكفیكالشمعة في جو عاصف ، ولكي تتقد ھا إنطفاء

.تقید داري على شمعتك

إال السواد ، بید أن تلك الظلمة اال یكتنفھسوى الظلمة ، و اال ینتج عنھ ةفي واقع األمر ، إن ذبالة الشمعة المحترق

وكأن تلك . ، ھذه ھي حقیقة ضوء الشمعة ضوءظلمة تشع إنھا . بھي أصفر ضوءوذلك السواد ینتج عنھما

، نعم إنھا ثقب أسود المضيءالمنطقة المظلمة المحیطة بذبالة الشمعة المشتعلة ثقبا أسود في كون الشمعة

.الظالم دیاجیرمتص الضوء كما تمتصھ الثقوب السوداء بجاذبیتھا الھائلة ، ثم تشعھ بعد ذلك ، فینتشر في ی

، بحیرة صغیرة من الشمع الذائب الخالي من الدسم ، یلتمع وتحت اللھب مباشرة د الشمععلى قمة عموتتكون

وصاف ھذه البحیرة الشمعیة من بعض الوجوه ببحیرة أعلى الرغم من تشابھ . على سطحھا إنعكاس ضوء اللھب

ص شدید في غاز األكسجین ، تیتي كاكا المعلقة فوق قمة جبال األندیز إال أن أجواء تیتي كاكا تعاني دائما من نق

.وال تنیر سطحھا األضواء في العتمة ، ومع ذلك فإن كلتا البحیرتان معلقتان في األعالي

إحدى وسطھا حاملة لھبا یشع ضوء وكأنھالذبالة تنبثق من أن بحیرة الشمع ھذه یرىإلى إن الناظر المدقق

فیھالغطس ورجلیھا ممدوتان في الھواء وفوقھما جفنة یتقد التي تستعرض با) التزامنیات ( السباحات التوافقیات

.تفیض البحیرة فتسیل منھا قطرات الشمع إلى أسفل الشمعبازدیاد ذوبان . لھبا مضیئا

13

على لحم الشمعة وشحمھا وعروقھا ، وكأنھ ھو المرابي شایلوك في مدینة البندقیة باھضةیفرض الضوء ضریبة

. النبیل أنطونیوأن یقتطع رطال من لحم إال ب، الذي ال یرض وال یقنع الذي حدثنا عنھ شكسبیر

بھ یتحدث كان مثال شدید الوضوح ، وتجسید عملي لما ، ھذا الشمع ویذوب الذبالة ، فتحترق الدھن النار ، یوقد

الثة التي ترفع ھي الفرسان الث والدھنوالشمع الذبالةإن . تحول الكتلة إلى طاقة من نظریات حول إینشتاین

.لیشع الضوء ونحترقونذوب نشتعلشعار یقول كلنا

مخزون عندھا دأ یب، بنت یحیى بثینة تقولتأتي على الشمعة لحظة من الدھر ، ال حانت وال حان حینھا ، كما

إلى الذبالة ، فتتغیر حالة اللھب من الھدوء الدھنيالنسغ ، ویحدث انقطاع لسریان الدھن في الشمعة بالنفاد

والترنح بشدة ، ثم تنتابھ حالة یأخذ معھا بالتطاول فوق والثبات إلى حالة الھیاج واإلضطراب ، ویأخذ بالتمایل

.مستواه الطبیعي وكأنھ بذلك یبحث عن رزق لھ في السماء بعد أن أیقن بنفاده على األرض

حالة شمعة على وشك اإلنطفاء في وصف بیرل بكالكاتبة األمریكیة الكبیرة في روایة األرض الطیبة توظف

:رائع لحالة أوالن زوجة المزارع وانغ النغ وھي تحتضر ، فتقول

ولكن حالھا تحسنت فجأة قبل یوم واحد من عید رأس السنة ، كما ترتجف الشمعة في إشراقة قویة

قبل أن تلفظ نفسھا األخیر ة ولكن اللھب یحافظ على تمیل الذبال. الشمع وتأخذ الذبالة بالمیالن وسط البركة الصغیرة في النھایة یذوب

اللھب .عمودیا لمھما مالت الذبالة بسبب تمیع األرضیة التي تقف علیھا إال أن اللھب یظفمودي ، وضعھ الع

الشمعة نفسھا مائلة أو في وضع مستقیم ، ویكون دائما عمودیا ویحافظ على ھیئتھ ھذه سواء كانت الذبالة أو

یبدو أن اللھب كاألشجار وعندما نتمثل صورة اللھب ال یمكننا القول أن ما بني على مائل فھو مائل ، . رأسي

یعیش واقفا مثلھا ، ولكنھ یختلف عنھا قلیال في كونھ عندما ینطفئ فھو ال یقف أو ینبطح ، وإنما یختفي عن

اللھب ، فبدون الحمل عمودیةالتي تحافظ على ) الجیروسكوب ( ة ھي عجلة المدوار إن الحرار. الوجود كلیة

.الحراري ال یمكن أن نستغرب رؤیة لھبا مائال یبزغ من شمعة مائلة ھي األخرى

ال یدین اللھب على تمتعھ بقامة نحیفة رشیقة ، ولون أصفر ذھبي ألحد أو لشئ إال للجاذبیة ، فلوال الجاذبیة لما

أو تخلى ھو عن الجاذبیة لو تخلت الجاذبیة عنھ ، ، وكان للھب قامة كغصن البان ، ولون أصفر یسر الناظرین

. كالكرة ، وفقد لونھ األصفر الذھبي ، وتلون بلون أزرق باردلكبر كرشھ ، وغدا مدورا

تطفو في الھواء كفراشة ، وتتملى بناظریك تفي منطقة ینعدم فیھا الوزن ، وأن أیھا القارئ ، أن تتخیل نفسكلك

في شمعة لھا لھب كروي الشكل ، أزرق اللون ، فما ھو الشعور الذي ستحس بھ ، وما ھي الفكرة التي ستتبلور

في ذھنك حینذاك ؟

، أم سینعدم الجمال من تقییمك لذلك اللھب ؟ من اللھب كرة زرقاءلھل سیحظى الجمال بمكان في اعتبارك

14

لقد تعودنا على رؤیة ! جماال وبھاء أیضا ر غریب وعجیب ، فالجاذبیة تجعل لألشیاء وزنا ، وتمنحھاإنھ أم

األشیاء بصورھا المألوفة لنا في عالم تسیطر علیھ الجاذبیة ، وتملي علیھ قراراتھا ، ولكن في عالم ال یكون

.التي نقدرھا من أجلھا للجاذبیة فیھ موطئ قدم ، فبالتأكید لن یكون لألشیاء جاذبیتھا

تنھار آخر المطاففي فخاصة اللحن العذب الذي تغنى بھا الراحل أحمد حلمي بعلى الرغم من كل شئ ، و

.الذبالة وتسقط بالكامل في بركة الشمع وتغرق فیھا وتنخمد شعلة حیاتھا

.أبیضا یضم رفاتھا في مرقدھا األبدي في البدایة كان الشمع عباءة بیضاء تلبسھا الذبالة وفي النھایة أصبح كفنا

. ذاب الشمع ، وتساءلت عن الفائدة التي یمكن أن یقدمھا الشمع بعد أن أدى مھمتھ الضوئیة ، ورسالتھ النورانیة

سرح فكري قلیال ، وتفكرت فیما یعملھ النحل وھو یقوم ببناء أقراصا سداسیة الشكل من الشمع ، وما فعلتھ سیدة

متحفا لتماثیل من الشمع في بیكر ستریت 1825مدام توسو بالشمع عندما أسست في عام فرنسیة تدعى

ع في لیبیا ، بصنع وخطرت ببالي فكرة االستفادة من الشمع الذائب من جمیع الشم. بالعاصمة البریطانیة لندن

ن ، والمحتالین واللصوص ، والخونة ، والكذبة ، والمنافقی ، تماثیل صغیرة تجسد شخوص جمیع المجرمین

الذین أضروا بلیبیا ، وآذوھا ، وتوضع ھذه التماثیل في ، والعاھرات ، وبائعي الكالم ، والدجالین والمشعوذین

15

، لكي یبقى ھؤالء في ذاكرة األمة ، ویصعب بعد ذلك وبالیاھامتحف یسمى متحف ویالت لیبیا ومصائبھا

.یفا ، والعاھرة فاضلة تزویر التاریخ لیصبح الدجال منقذا ، واللص شر

.فائدة في حیاتھ ، وفي مماتھ ، إن جاز القول وھكذا یكون للشمع

األخیرة ، یخفق اللھب باضطراب شدید ، وینبض بسرعة كبیرة كما لوكان نجما أنفاسھاعندما تلفظ الشمعة

نیوترونیا نباضا فقد الھیدروجین الذي یقتات علیھ ، فأنكمش على نفسھ وتحول إلى ساعة كونیة مذكرا بنبضاتھ

.بالموت والفناء الجمیع )دقاتھ (

وما توفیقي إال باهللا

فرید أبوسرایا

ھـ 1437ربیع األول 12م الموافق 2015دیسمبر 23، األربعاء