1

الوهّابية تحافظ على آثار

اليهود... وتهدم آثار النبوّة

والتوحيد... !؟

رالتدمي معول ـ نشأتها منذ ومثلت ـ اليوم السعودية الوهابية، تمثل

ماك تكون وتكاد والدمار، التدمير تساوي إنها بل األمة، في والتخريب

نتجت أن لها يمكن ال إذ والمخرجات، المدخالت ثابتة الكيميائية المعادلة

الخاصة و وللعامة العرب، لقضايا وتدمير لإلسالم تشويه من أنتجته ما إال

أن يمعنوا البحث والنظر في مواقف ملوكها وأمرائها وممارساتهم، وفي

الفتاوى التي تصدر عن شيوخها الذين ينزعون إلى تجاوز حدود الدين

والشرع غلواً وتشدداً، إفراطاً وتفريطاً، ومجافاة للتنزيل.

فنظام آل سعود تمارس عصاباته اإلرهابية في كل من سورية والعراق

نان واليمن ومناطق أخرى، كل أشكال التكفير وقتل اآلخر المختلف، ولب

وتدنيس وهدم مقدساته وتهجيره من أرضه من أجل إقامة اإلمارة الوهابية

التكفيرية... وسمة هذه الحرب الوهابية الهّدامة، أن تقتلع جذور الشخصية

2

كنة واألماإلسالمية من جذور ذاكرتها وثقافتها ورموز عقيدتها في األزمنة

واألشخاص.

ويكفي للتدليل على جهل الحركة الوهابية وعقم تفكيرها، وضحالة

مضمونها اإلصالحي، إقدامها على هدم المشاهد والمعالم الدينية، وتدمير

كل الشواهد واآلثار والقباب واألضرحة في مكة والمدينة وباقي األماكن

وسائل الشرك والغلو والمدائن في جزيرة العرب وسواها، بدعوى أنها من

في األنبياء واألولياء الصالحين، حتى إن قبور الصحابة وآل البيت لم تسلم

من معاول أولئك الهدامين الذين ال يقيمون وزناً للمعالم الدينية والحضارية

والتاريخية.

فيه اللندنية تقريراً كشف ''االندبندنت''وفي وقت سابق نشرت صحيفة

عن أن المملكة العربية السعودية ''أندرو جونسون''الصحافي البريطاني

تخطط لنقل قبر الرسول ودفن رفاته في مقابر البقيع في قبر غير معلوم.

ونقلت الصحيفة عن الباحث السعودي عرفان علوي الذي تقول الصحيفة

إنه مدير مؤسسة التراث اإلسالمي لألبحاث في لندن انتقاده لعمليات

مكة والمدينة، والتي تم بسببها تدمير العديد من التوسعة للحرمين في

المعالم التاريخية.

أما الدكتور على أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى باألزهر الشريف سابقاً فقد

أكد أنّ قبر الرسول ليس بداخل المسجد وال يجوز بتاتاً نقل جثمان النبي

3

ير األنبياء ال تغ قبور'')صلى اهلل عليه واله وسلم( ألن هناك قاعدة تقول

.''أبداً

ومن باب األمانة البد لنا أن نؤكد، انّ اآلثار في بالد الحجاز، لو أنها بقيت

مصانة لشكلت مادة تراثية بالغة الغنى، و لكان باإلمكان استقراء الكثير، وها

نحن نرى أثر المواقع الدينية، حيث وُجدت، سياحياً، وثقافياً، ونفسياً،

ر أنّ الوهّابية التّكفيريّة قامتْ، أو األصحّ أنها )أقيمتْ( لتلعب واستلهاماً، غي

هذا الدّور التّدميري، ولتنحرف باإلسالم عن فطرته السّمحة هذا االنحراف

المتطرّف الخطير، واعتمدتْ على عقل بدويّ، بدائيّ، متخلّف، فشحنتْه

لهم دَساً، سيوصشحناً مخيفاً، حتى ظنّ من رفعوا لواءه أنهم يؤدون واجباً مق

إلى جنان الرّحمن، ولذا وجدنا أنّ التّطرف الذي بلغ حدّ الوحشيّة،

والتّدمير، وحرق الكتب والمكتبات، وأخالق الغزو الجاهليّة...

نفذه أولئك )األعراب(، وال يمكن لمن عرف شيئاً من قيمة المدنيّة

ي طبخة والتي ه والحضارة أن يقوم بتلك األفعال، والتي كرّستها الوهّابيّة،

إنجليزيّة، أرستْ دعائمها لتأخذ شكل ومنهج )الدّين(، ليس هذا فحسب،

بل هي الدّين الحقّ، وما عداها هو الباطل! فصارت فيما بعد موئالً لكّل

الحركات الدّينيّة المتطرّفة، وهذا يكشف المهمّة السياسيّة الموكلَة إليها

اسي، حين تضيق بهم، يذهبون إلى باسم الدّين، فكلّ جماعة اإلسالم السي

الحكّام السّعوديّين، وبذلك تبدو تلك البالد أنّها موئل الخائفين من

4

جماعات )األخوان(، كما أنّها تؤدّي الدّور التّاريخي الذي من أجله أقيم

ذلك العرش.

وليس بخفي على قارئ التاريخ أن يعلم أن ما سمي الدولة السعودية )نسبة

له سعود( قامت على الغزو والقتل ألشراف الجزيرة العربية إلى رجل يقال

)هم من ساللة رسولنا الكريم( تحت عين الرضى البريطانية ودعمها، وأن

المعتمد البريطاني للجزيرة العربية والخليج ''بيرسي كوكس''المدعو

العربي والتابع لمكتب الهند اإلمبراطوري آنذاك كان له الدور الهام في

هذه الدولة الوهابية ألهداف وسياسات تكمن في هدم الدين تأسيس

اإلسالمي الحق وتفتيت المنطقة العربية وحماية المصالح واألطماع الغربية

في منطقتنا. ومن ثم جاء دور الواليات المتحدة األميركية لتحمل مهمة

حماية ودعم هذه العائلة السعودية، فانتقلت المهمة األساسية في العالقات

من لندن إلى واشنطن، التي تعهدت بحماية ودعم أسرة آل سعود مقابل أن

تكون هذه الدولة السعودية هي اليد الطولى ألميركا في المنطقة العربية....

وككل حركة دينية مذهبية وشمولية تستقوي بالسلطان السياسي، وككل

سلطان سياسي يبحث لنفسه عن خطابات أيديولوجية تتيح له فرص

تمكين لسلطانه، وجد )ابن عبد الوهاب( غايته عبر سلطان )ابن سعود( ال

ووجد الثاني غايته عبر األول.

أطلق الثاني، لدى الدولة وحدة وباسم األول، لدى الدين وحدة فباسم

،''واآلثار القبور بهدم'' قال الذي ،(الوهاب عبد ابن) يد( سعود ابن)

5

هي الدعوة التي انتشرت في مرحلة و اإلسالم، على وخروجاً بدعة بوصفها

بدأ فيها وكأن الناس خرجوا من صافي إيمانهم باهلل إلى إيمان بالخوارق

والنذور، واستبدال الحقائق بالظواهر، لكن سرعان ما انغلقت هذه الدعوة

على نفسها، وتحولت من دعوة لإلصالح، في عيون مريديها، وفي ظرف

أسرة )آل سعود( تشهر الدين في وجه تاريخي محدد، إلى سالح ديني بيد

معارضيها السياسيين، واستخداماً لتبرير استمرارها، وحكمها، وكأنها جزء

ال يتجزأ من اإلسالم!

، وبخاصة في مرحلة الدولة الثالثة، التي ''الوهابية''والذين تابعوا مسيرة

مبدأت بـ )عبد العزيز( يستطيعون أن يلمسوا دور الدين في تثبيت حك

خوان اإل''األسرة، أكثر من دور الدين في تثبيت اإليمان. إذ حققت قوات

السلطة، ووفرت له أسباب التوسع، وما أن ''عبد العزيز''لـ ''الوهابيين

أيقن أنها صارت قوة مستقلة، خطرة، وأثارت له المتاعب مع جواره، حتى

عقيدة ضربها، وأعانه اإلنجليز على ذلك أي عون. ومع ذلك فقد ظلت

تقود السلطة، فعلياً، بعد أن رأت السلطة السعودية في ''اإلخوان''هؤالء

تلك العقيدة عوناً لها وتثبيتاً لحكمها، وإشهاراً لقوتها وعصبية رجالها، في

وجه خصومها، ولكنها ظلت ـ كذلك ـ تمسك بزمام هذه الجماعة،

، عم النظاموتروضها، كلما خرجت أو استشرت، كي تُقصر مهمتها على د

ال أكثر.

6

يار شكلت النواة المركزية لت ''االخوان الوهابيين''بيد أن الالفت، أن عقيدة

، منذ قرنين ونصف القرن، من قلب العالم اإلسالمي، ''اإلسالم السياسي''

والتي وجدت بشائر صداها في )مصر( بتأسيس جماعة بنفس اإلسم

ن األصل الوهابي وروافده ، والتي نهلت م8291، في العام ''اإلخوان''

الباكستانية مثل )أبو األعلى المودودي(، وغيره، فقوبلت، وقوبل ما تفرع

اب الخط''عنها من حركات أخرى، بالرعاية السعودية والدولية، إلى أن بلغ

حدود المؤسسة األزهرية، وغيرها من مؤسسات العلم اإلسالمي، ''الوهابي

ونالته علل الجمود واألحادية الفقهية، في غير بلد، بعد أن شحب خطابها،

معزوفة أساسية في خطابات مختلف الفرق ''الخطاب الوهابي''حتى صار

والمؤسسات السنية، وخصوصاً ضد كل ما يتصل بالفكر العصري ومنجزاته

الحضارية، من علوم وفنون، إلى حد إزالة آثار اإلسالم في أرضه األولى،

و خلفها، حقباً كثيرة من تطور اإلسالم ورموزه مُنهية بجهلها، وبقصد من ه

الغنية.

وهو ما حمل معارضاً سعودياً، في تسعينيات القرن المنصرم على وصف

، وإلى اتساع الحملة اإلعالمية والسياسية، من ''هدم لإلسالم''ما جرى بأنه

جانب المعارضين السعوديين، خارج المملكة، ألجل حماية ما تبقى من

سالمية في )الحجاز( من الهدم، ودخول صحف غربية، على خط اآلثار اإل

ارة حض''الحملة، والتي تحدثت عن تدمير العمارة اإلسالمية ليحل محلها

، في عشية إقدام ملك السعودية )فهد بن عبد العزيز( على ''الكونكريت

7

منه ، بما يتض''للحرم المكي''هدم بيت النبي )ص( ومحو المحيط الداخلي

!.''الحرم''ش وآثار، يمتد عمرها إلى مائة وألف عام، بإسم توسعة من نقو

وكان )ابن سعود الكبير( قد سبق الملك فهد في النيل من أغلب هذه

، إال أن الدولة العثمانية ''اإلخوان الوهابيين''اآلثار، بمساندة أتباعه من

أعادت تعمير وتشييد ما جرى هدمه في )مكة( و)المدينة(، ومنها

على ،8181 العام في( سعود ابن) دولة تدمير بعد والمساجد، ''األضرحة''

(.علي محمد) آنذاك ،(مصر) لـ العثماني الحاكم يد

في عشرينيات القرن ''الحرم''وكما أدت توسعات األب )عبد العزيز( لـ

الفائت إلى اختالط النشاط التجاري بالنشاط الروحي حتى ضاق الحجاج

وسعات شبله الملك فهد، في تسعينيات نفس القرن، إلى ذرعاً به، أدت ت

من تاريخه الحضاري المسلم، والتضييق على الحجيج، ''الحرم''تجريد

في ضوء الحوادث الدامية، المتتالية، طوال السنوات التي تلت هذا التوسع،

وحتى اليوم!، بحيث صارت تلك التوسعات ـ بقديمها وجديدها ـ عمالً

كاً لقاصدي فريضة الحج، ناهيك عن طمس الخصوصية عشوائياً ومنه

باحثة تهفصل ما نحو على ،''المحرم بيتها''التاريخية والثقافية لـ )مكة( و

العام في ثقافية عاصمة ،(مكة) باختيار االحتفال خالل معاصرة، سعودية

9002 .

لقد قام آل سعود بتدمير لمعظم تراث النبي والصحابة والمسلمين في

اكن المقدسة... ولو خضنا في البحث عما دمروه من آثار إسالمية دينية األم

8

تاريخية في الجزيرة العربية لعجزنا عن إحصائها، ولكن نقول على سبيل

المثال، هدم آل سعود البيت الذي ولد فيه النبي العربي محمد بمكة، بيت

فيه تالسيدة خديجة زوجة النبي، بيت أبي بكر الصديق، البيت الذي ولد

فاطمة بنت الرسول، بيت حمزة بن عبد المطلب، بيت األرقم أول بيت كان

يجتمع به الرسول مع أصحابه، وفي هذا البيت أعلن عمر بن الخطاب إيمانه

برسالة محمد.

كما هدم آل سعود قبور شهداء مكة وبعثروا رفاتهم، وكذلك هدموا مكان

ه علي ، والبيت الذي ولد فيالذي نصب للنبي العربي ''التاريخي''العريش

بن أبي طالب والحسن والحسين، وبقيع الغرقد في المدينة المنورة حيث

يرقد المهاجرون واألنصار من صحابة محمد وبعثروا رفاتهم، القبة التي

تظلل وتضم جثمان صاحب الرسالة المحمدية محمد بن عبد اهلل ونبشوا

ن ض العلماء الصالحين ومضريحه، لكنهم توقفوا حينما وقف الشعب وبع

البالد اإلسالمية كافة رافضين هذه اإلجراءات وخرجوا في التظاهرات.

وسرق آل سعود الذهب الموجود في القبة، وحالما دخل جند االحتالل

كتب، هو ما وكل …السعودي مكة المكرمة، اتجهوا لتدمير كل ما هو ورق

لك على سبيل المثل ذ من …تاريخي هو ما وكل وصور، وثائق هو ما وكل

التي وهي ا،أحرقوه التي العلمية التاريخية ''العربية بالمكتبة''ما ارتكبوه

.أبداً بثمن تقدر ال إذ تاريخية، قيمة العالم في المكتبات أثمن من تعد

9

( كتاب من الكتب النادرة الوجود، وفيها 00000لقد كان بهذه المكتبة )

خطت ''جاهلية''مخطوطات ( مخطوطة نادرة الوجود من 00000)

كمعاهدات بين طغاة قريش واليهود تكشف الغدر اليهودي وعدم ارتباط

اليهود بالدين والوطن من قديم الزمان وتكشف مؤامرات اليهود على

الرسول محمد، وفي هذه المكتبة وغيرها من مكتبات المدينة التي أحرقها

تبت بخط النبي ودمرها آل سعود بعض المخطوطات المحمدية التي ك

محمد وبخط علي بن أبي طالب وأبي بكر وعمر وخالد بن الوليد وطارق

بن زياد وعدد من الصحابة. لقد أحرقوا كل الوثائق التي تهتم باألشراف

الذين هم من ساللة الرسول الكريم. لقد أراد آل سعود بذلك أال يبقى أي

اإلسم السعودي أثر يذكر تاريخنا، وأال يبقى للعرب من تاريخهم إال

المزيف المهين.

وحين دعا عبد العزيز آل سعود لمؤتمر إسالمي، عُقد في الحجاز، ألهداف

تدعيميّة، وقف في ذلك المؤتمر الشيخ الظواهرين من مصر، و قال:

إنني أريد ان أتكلم لك يا عبد العزيز، في شيء مهمّ، وهو أننا زرنا اليوم

تت أكبادنا، وأسال دموعنا، وما ال يقرّه دين، وال المآثر والمقابر فرأينا ما ف

شرف، وال إنسانيّة، فقد رأينا الكالب ترتع وتبول على أرض مسّها جسم

النبيّ العربيّ عليه السالم، وهدمتم كلّ آثار هذا النبيّ، مآثر جهاده في سبيل

إعالء الشريعة والسّماحة والمساواة والحريّة، وأصبحت كلّ هذه المآثر

عاً بلقعاً تتكاثر فيه الكالب، وقلنا: الشكّ أنّ حاكماً فعل هذا بإسم الدّين قا

11

هو من الدّين براء، بل هو لم يأت إالّ لخراب الدّين وقواعده وأسسه، وكلّ

ما يدلّ على تاريخه، يا عبد العزيز، إنّ مَن كان قبلكم من الفاتحين

ومنابر لحريّة الرأي، المسلمين كانوا يحوّلون معابد غير اهلل إلى مساجد

ومهما قلتم في أسباب هدمكم لمآثر النبوّة والرسالة اإلنسانيّة فلن يبلغ إلى

مرتبة التصديق.

''اإلخوان الوهابيين''وكما أدى عدوان األب )عبد العزيز( ومناصريه، من

على اآلثار اإلسالمية المكرمة، في ذلك الوقت، إلى استنكار جمهرة

لف األقطار، وإقدام الحكومات على إعالن االحتجاج المسلمين، في مخت

الرسمي، مثل )مصر( ـ التي امتنعت عن إرسال الحجاج، ووجه مسلمو

)الهند( برقيات االحتجاج، أدى عدوان الملك فهد، المدعوم من نفس فئة

مناصري أبيه، إلى استياء إسالمي واسع النطاق، وإن وقع في ظل أغلبية من

ية الصامتة!الحكومات اإلسالم

وكانت النتيجة، في عهد )عبد العزيز(، أن فرض كل من مؤتمري )مكة(

، المذهب الوهابي ـ إن جاز وصفه 8291، و)الرياض(، عام 8290عام

بذلك ـ على أتباع المذاهب األخرى، وعبر حمالت إعالمية وتثقيفية

وضغوط إرهابية قمعية وإغراءات وتطميعات مادية، مما خلق حالة من

العداء المذهبي والتعصب الطائفي المقيت، ال شبيه له في أي بلد إسالمي

آخر، بينما جرى استغالل موسم الحج للترويج لذلك المذهب، عبر طبع

طاب الخ''الكتب التي تبشر به، وتندد بالمخالفين له، إلى أن تمكن

11

من احتكار مواسم الحج، وبعد أن حالت السلطة السعودية بين ''الوهابي

شيوخ المسلمين، من أتباع المذاهب األخرى، وبين بسط رؤاهم، خالل

هذه المواسم، بينما لم يكف المرشدون الوهابيون عن تحريم االقتراب من

ضريح النبي )ص( بناء على فتوى )ابن تيمية(، المثيرة للجدل.

ذلك، في عهود خلفاء )عبد في شيوع الخطاب الوهابي كان من نتيجة

العزيز( وبخاصة منذ الطفرة الهائلة في أسعار النفط، في السبعينيات من

وتمدد، في طول وعرض ''الخطاب الوهابي''القرن الماضي ـ أن شاع

العالم اإلسالمي، ووجد موالوه ومناصروه المنظمون، بين عامة الناس

ي ، ف''دعاة تقليديون''، و''إسالم سياسي''وخاصتهم، من حركات باسم

، في رداءات مُقلدة، ولسان الجميع ''دعاة مستحدثون''رداءات مستجدة، و

ينطق بقطعية التحريم اإلسالمي للفنون، بقديمها وحديثها، كأحد الثمار

، ومسلكهم المناوئ لآلثار اإلسالمية، ''خطاب اإلخوان الوهابيين''المرة لـ

في فنون العمارة،التي تقع في قلب األصيل اإلبداعي

وبات كل ما ينتمي إلى هذا الفن، من نحت وصور مجسمة، أمراً مستنكراً،

استناداً إلى مفهومها المبكر، في الدعوة اإلسالمية إلى التوحيد، بين وثنيي

شبه جزيرة العرب، وهو أمر يطمس أربعة عشر قرناً من الزمان اإلسالمي،

الفئة ''لى سابق عهده األول، حيث حضارة وعلماً وإيماناً، ويرتد بها إ

، ومن ''الفئة الوهابية''بين الوسط الوثني، ولكن، هذه المرة بين ''المؤمنة

واالها، والفضاء اإلسالمي، المتعدد المذاهب والمشارب واألنظار.

12

ليصير األمر إلى أحادية مذهبية وهابية متجبرة، تعادي كل من ال يواليها،

اب إلى أصل الدين، الذي جردته ـ بدوره ـ من بعد أن جردته من االنتس

آثاره، بوصفها ـ وللمفارقة ـ معادية لهذا الدين! إلى حد اإلقرار بهذه

المشروعية المصطنعة، بعد أن كانت حركة )طالبان( في )أفغانستان( قد

أقدمت ـ قبل سنوات ـ على تدمير تماثيل )بوذا(، في أراضيها، رغم كل

والدولية لثنيها عن ذلك الفعل. وبذلك تجاوز الوساطات اإلسالمية

دليرت األطراف، مترامي فضاء إلى المكاني فضاءه ''الوهابي الخطاب''

للذاكرة، امدةج بآلية تتشبث التي بالقديم االعتصام روح إلى الكثر بمواليه

.البدائية أشكالها إلى الحياة وتقلص

عل بالقديم الموهوم ـ بف ويبدو أن اشتعال الخصومة بين اإلبداع والتعلق

هذا الخطاب ـ داخل العالم اإلسالمي قد تزامن مع ما آل إليه من إحباط

وعجز عن إعادة البناء، منذ عقود، ومع زحف أنماط الحياة الريعية

واالستهالكية، بسطوتها على األفراد والجماعات، حتى استلب ما لديهم،

يانات صماء، عاجزة، ال تدري من بداهات األشياء ومنطق األمور، فصاروا ك

من أمرها، ومن أمر ذاكرتها اإلسالمية المتواترة، شيئاً، وفي مقدمتها )القرآن

الكريم(، نفسه، الذي يستخدم أساليب التصوير الفني، كما يذهب الكاتب

ر ـ وهو تصوي ''الوهابية''اإلسالمي )سيد قطب( ـ قبل تحوله إلى روح

ع بواسطة التخييل والتجسيم، لذا يخل يجري عبر طرق، تشمل التشخيص

)القرآن( ـ أحياناً ـ الحياة على األشياء الجامدة، ويلجأ ـ أحياناً أخرى ـ

13

إلى الصور الحسية والحركية، للتعبير عن حالة من الحاالت، أو معنى من

المعاني، إلى جانب دور اإليقاع الموسيقي في )القرآن(، وهو متعدد

و النفسي، ليؤدي وظيفة أساسية في البيان، حيث ال المعاني، ويتسق مع الج

يرد المعنى الفعلي العام، في القرآن، بطريقة تقريرية، بل يتوهج بصورة

متعددة، لتشع في نفس القارئ إحساساً وتأثيراً، يتغلغل إلى كل جنبات

وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى ''الكيان والوجدان، فيرهف ويرق:

.''من الدمعأعينهم تفيض

إذن، ففي أصول التطور العقائدي نحن بصدد إيمانين متعارضين يعكسهما

ا ، كما بسطن''اإلخوان الوهابيين''قول )سيد قطب( اآلنف الذكر وأقوال

جانباً منها أعاله، وذلك فيما يتصل بالنظر اإلسالمي إلى دور اإلبداع الفني

طب(، السابقة، قريبة ـ إلىفي تثبيت اإليمان، من عدمه. وتبدو أقوال )ق

حد كبير ـ من العلوم التي اختصت بدرس التطور العقائدي لإليمان، حيث

ينقل أحد االختصاصيين الفرنسيين في هذا المجال، وهو)شارل جنييبيرت(،

اً إن استيقاظ المشاعر يسبق في حياتنا دائم''عن )أوجست ساباتييه( قوله:

ـ كما يقول جنييبيرت ـ يُحس ويعاش، ، ذلك أن الدين ''استيقاظ الفكر

قبل أن يكون فكراً، ولهذا ليست العقائدية هي التي تنظم اإليمان وتحكمه،

بل إن اإليمان هو الذي تتولد عنه العقائد.

14

نعلم أن كثيراً من العقائد تتولد أثناء صراعات ''ويضيف )جنييبيرت(:

، وأنها تحبس نفسها، اإليمان، وأنها، من بعض الوجوه تحمل طابع اإلمكان

.''إن صح التعبير، في الصيغ التي تمليها الظروف

هي ـ إذن ـ بنت ظروفها التي تواءمت مع الجو ''العقيدة الوهابية''صيغة

العقلي واألخالقي الذي تحتم عليها أن تحيا فيه، وهي أجواء البادية

ية المدن )النجدية(، بوحشتها وقسوتها وجفائها، مقارنة بأجواء )الحجاز(

الباذخة، وفسيفسائها اإلبداعي والثقافي والحضاري، وهو وسط ال تجد فيه

هذه العقيدة أي ارتباط لها به، حيث يرفضها الحس المشترك، وحينئذ فإنها

تتجمد، غير أنه يمكنها، ولفترة محدودة، أن تتعزى بتصور أنها قادرة،

( فه )جنييبيرتوحدها، على الصمود، ومجابهة كل شيء، وهو تماسك يص

بأنه تماسك مهيب، لكنه غير مُجدٍ، إذ تكون عوامل الموت قد تسربت

إليها، وليس مهماً، بعد ذلك، تقدير الوقت الالزم الختفاء آخر مظاهر الحياة

في جسدها الخامد، وال معرفة الساعة التي يختفي فيها آخر رجل يستمد

منها شجاعته وعزاءه وآماله.

متهالكة والمحطمة ـ كـ )الوهابية(، بعد انهيار الدولة بيد أن العقائد ال

ـ ال يكون مصيرها 9008السعودية األولى، أو بعد الحادي عشر من أيلول

العدم، ألن الفكر اإلنساني الذي أوجدها ال يتحلل من تبعاتها، تحلالً تاماً،

إنه سرعان ما يتناولها مرة أخرى، ويدخل عليها بعض التعديالت، ثم

كها في نظام جديد، ويدخلها ـ بذلك ـ ضمن بناء ديني آخر، وهو ما يسل

15

تسرب إلى بعض أوجه الخطاب األزهري التقليدي، فرغم انتمائه إلى

المذهب الشافعي، إال أنه أخذ ينطق بلسان المذهب الحنبلي المتشدد ـ

الذي ترى )الوهابية( فيه أحد مرجعياتها ـ على نحو ما يتبدى في

ـ والذي تبوأ بعض منهم ''الخطاب األزهري''من ممثلي أطروحات بعض

مشيخة األزهر، أو مسؤولية دار اإلفتاء أو الدعوة العامة، منذ )عبد الحليم

محمود( و)عبد الرحمن بيصار( إلى )الشعراوي(، في سبعينيات القرن

الماضي وثمانينياته، حتى )فريد واصل( و)علي جمعة(، في مطالع القرن

الجاري!

ذلك فيما يتصل بمشروعية الفنون، أو حدود الحرية التي تقف عندها، و

وهو الغطاء الذي كان يخفي إما خطيئة الصمت، وإما ذنوب التواطؤ على

الجُرم السعودي ـ الوهابي تجاه اآلثار اإلسالمية في )الحجاز(، والتي يظل

ـ من اإليمان اإلسالمي، ب ـ ليس فقط راث ل من تالحفاظ عليها جزءاً عزيزاً

اإلبداعية اإلنسانية، شاء الكارهون لها أو نددوا!.

وإذا نظرنا إلى الذين يرتابون من الفن بذرائع دينية، أللفينا الكثير منهم ممن

يرتعدون ـ فرقاً ـ من حرية التفسير واالجتهاد، ويتجمدون عند الحرف،

فيه دونخشية ما تؤدي إليه الحرية من تحطيم عالمهم المستقر، الذي يج

ن أبيح ـ إ ''الكهنوتية الشمولية''األمن والنفوذ، فكأنهم يمثلون فرقة من

ذلك التعبير ـ تشغب على كل من يحاول اإلفالت من سطوة تفسيراتهم

الجامدة، أو ممن يجعلون من الدين أداة بطش وترويع ليستمدوا منه

16

ون أقدامهم رسلطانه، أو ممن يخشون على أنفسهم من الفتنة والتفكير، فيسم

حيث تقف عقولهم، ويتدثرون بما يحجبها عن التأثر بأية مشاعر أو أفكار،

أو ممن أتخموا في شبابهم باآلثام والخطايا، ثم يحاولون التكفير عما

اقترفوه باتخاذ مواقف متطرفة من مهنهم السابقة، أو ماضيهم القديم، أو

تجاربهم، فالممن تسطحت عقولهم، بفعل الجهل، بكل شيء، وضمرت

يسيغون إال ما يتملق جهلهم وضيق أفقهم.

وال ريب في أن حال هؤالء أو أولئك يتعارض مع دور العمل الفني الذي

يتميز بشحذ قدرات اإلنسان على إنتاج أشكال جديدة، دون أن يكون

منافساً لغيره من المجاالت، فيهدي أصحاب المجاالت األخرى، من خالل

دة إلى اكتشاف الينابيع النضاحة للحياة، واإلمكانات تلك األشكال الجدي

الثرية للوجود، ويلفتهم إلى قدراتهم الواعدة إلعادة النظر وتعديل المسار،

تمهيداً للتقدم في مجاالتهم خطوات أبعد وأفضل.

أما ما يخالف ذلك من فنون هابطة أو رديئة فإنها ال تدرج ضمن معايير

تبرز فاعلية اإلنسان في كل مجاالتها، على األرض المحايدة الفن، التي

للسديم المتجانس، ومن ذلك عمارة الفن اإلسالمي، في قديمها وحديثها،

التي نالت ـ وال تزال ـ من التعرض، الكثير على يد )آل سعود( و)اإلخوان

الوهابيين(، ومن واالهم، في العالم اإلسالمي...

نما تهدف إلى إفساد الدين وتشويه إسمه وسمعته وال ريب أن الوهابية حي

وصورته، فهي الوجه اآلخر لمشاريع تمزيق الخريطة اإلسالمية انطالقاً من

17

تقطيع أوصال الشرق األوسط باحتالل عقل األمة وتزوير معاييرها فال تعرف

الصادق من اآلفك وال الناسك من الفاتك وال اإلرهابي من المقاوم.

ى مكمن الداللة الرمزية العميقة لمعنى آثار الرسول وآل وها هنا نقف عل

بيته وصحابته، ومقاماتهم المباركة، ومعنى أن نقول بوجوب أن نرد عنهم

المخالب واألنياب ألنهم موصولون بنهج التزامنا الشرعي في الدفاع عن

جالشجرة الطيبة والكلمة الطيبة واألسرة الطيبة والذرية الطيبة، وهذا هو منها

القرآن الذي لم يدع سورة من سوره إال أدخل عليها قضية االستقامة وحفظ

الوعي السليم في كل معترك يحتدم فيه الحق والباطل، ذلك أن المصيبة

الجلى أن يصاب المسلم في دينه وعقله ومباني قبلته ووحدته منذ نزل

مَ هِدنَا إلى إِبراهِيواتخِذوا مِن مقامِ إِبراهيمَ مُصَلى وعَ''القرآن بقوله تعالى:

البقرة: ) ِ''وإِسمَاعِيلَ أَن طَهّرا بَيتِيَ لِلطائِفين والعاكِفِينَ وَالركعِ السجود

892.)

ونجد حين نتأمل في موقف النبي وأصحابه من آثار األمم السابقة التي

كانت موجودة في مصر والشام والعراق ومدائن صالح وما بها من آثار

ة، نجد أنه لم ينقل عن النبي أنه أمر بإزالتها أو طمسها ألمم وحضارات سابق

أو التحذير منها، ومازال كثير منها باقياً إلى هذه الساعة، وهي أمام نظر

علماء اإلسالم من القرون األولى، ولم ينقل عنهم اإلنكار أو الدعوى إلى

الطمس واإلزالة.

18

فعلوه ويفعلونه بآثار والمخزي للوهابيين ومن يقف وراءهم، أنه إزاء ما

النبوة والتوحيد، فإن آثار اليهود في المدينة المنورة باقية، فما زال حصن

كعب بن األشرف موجوداً في منطقة السد في المدينة، ومكتوب عنده

)منطقة أثرية(، وكذلك بالنسبة لخيبر.

ويتسائل كل شريف في هذا العالم: كيف يحافظ آل سعود الوهابيون على

ار اليهود وال يحافظون على آثار النبي وآل بيته وصحابته...؟!آث

وفي ظل ما نحن به، والدور الوهابي المتصاعد على ساحة إهدار الدم

العربي، وتهديم التراث العربي وبخاصة اإلسالمي منه، البد من وجوب

إدارة للمقدسات اإلسالمية بعيداً عن الخلفيات الوهابية التكفيرية،

تقتضي تحييد المدن الدينية واألماكن المقدسة بعيداً عن األنشطة فالضرورة

السياسية الوهابية المتغيرة، وإعادة الدور التوفيقي للحجاز الذي أصبح

منتدى لألفكار الوهابية المتطرفة وتحولت أرض الحجاز اإلسالمية إلى

ة.يكيان ال هوية له، بعدما كانت تحتوي جميع المذاهب والمدارس اإلسالم

فالدولة السعودية مسؤولة مسؤولية كاملة ألنها تقوم بالترويج للمذهب

الوهابي الذي يحظى بثقتها وتمويلها، وبسبب ذلك مسخت هوية الحجاز

وهدمت آثار الرسول وآل بيته وصحابته. والبد هنا من تأصيل علم اآلثار

لو أنفق ية، والدينية واعتباره علماً إسالمياً لما يترتب عليه من أحكام شرع

على هذا العلم وخبرائه مقدار ما أريق من الوقت والحبر والجهود على ما

19

نراه من غث في المكتبات ودور النشر، لكان ذلك أجدى في حفظ الذاكرة

اإلسالمية عقيدة وثقافة وهوية.