التحليل السيميائي للخطاب السردي في رواية

16
م س ا ق ل ب د. ي ن لا ي ك ل ا ب ي ج ن ل ف ص عا ل ع ا ي ب ر ل ا ة رواي ي ف ردي س ل ا طاب خل ل ي7 ن ا ي م ي س ل ل ا ي ل ح> ن ل ا" " ر7 ئ ا ز ج ل ا- ة دف: دمة ق م اب ي7 ب ا ي م ي س ل م ا عل ال ح م ي فN ونQ ث ح ا ي ل ا ها ب م ت ه ا ي لت وص ا ص ن ل اN ن] ي بN ن م ردي س ل ص ا ن ل عد ا ي: Sèmiologie"(1). رد س ل م ا عل حاول ي و"narratologie" و هe ب ي حN ن م ص ن ل م ا علN ن م رع ف"Textologie" م س> ت> ب ة ي ب د7 لا ا زة ه اn الط ل ع ج ة و ج ه من ط ن ض ي لw ا( ل ل ع م ل ر ا ي غ ل ب و7 ا ي ل اN ن ع عادها ي إ ب لك ، ود ة ي م ل ع ل إ ب2 .) إل ب ك ي م وم ه ف م و ه ري7 ا ما ي ف رد س ل م ا عل ل د حدب ي رر ئ7 ل ا ع ل و" " Miek Bal ر ي ت ع اe ب ي ح ة ردي س ل م ا عل رد س ل م ا عل"narrativitè" وص ، ص ن ل ا ة اغ ي ض ل ي ق ي ي م الد عل ل و ا ه و7 ا( ة ردي س ل ا ها ن ي ي ب ي ف ة ردي س ل ا3 N ن مn لاحط بN ن7 اN ن ك م ي ردي س ل ص ا ن ل اN ن7 ي ا لw إل ا ب ك ي م ب ه . ود) " " واع. ن7 ا ةe لايe بالة ل خ1 ردي س ل ص ا ن ل ا"Texte narratif". 2 ة حكاي ل ا"Rècit". 3 صة ق ل ا"Histoire". ك ك ق ي ها ب ي لت ا ة ق زي لط و ا7 ا وب ل س7 لا ا ي ه إل ب ك ي م وم ه ف م ب س ج يً صا ن عدها ي ة ردي س ل وا" " صة ق ل وا ردي س ل ص ا ن ل اN ن] ي ب طة ران ل ا اب لاق ع ل إ ب دة حد م ة ردي س ل اN ن7 ي ا لw ا ي ه ن ي ب ص، و ن ل ا زاب فe ش( ة حكاي ل وا4 .) ة ق يn ظ و ل ا رة ك قN ن ع ة عاض ي سلا ي ا لw ا اضة ح ي اب ي7 ب ا ي م ي س ل وا وعاب ص و م ل ة ا هد بام م ي هلا دي ا7 د ا وق" " "La fonction" ً إ اب ي ح7 ل ا ص ن> ب ة ردي س وخداب ود ج و ن راف‡ غيلا وا ردي س ل اn وظ ف ل م ل إ ب1

Transcript of التحليل السيميائي للخطاب السردي في رواية

Page 1: التحليل السيميائي للخطاب السردي في رواية

التحليل السيميائي للخطاب السردي في رواية "الربيع العاصف" لنجيبالكيالني ـــ د.بلقاسم دفه- الجزائر

مقدمة: يعد النص السردي من بين النصوص التي اهتم بها الباحثون في مجال علم

"narratologie" ويحاول علم السرد .Sèmiologie"(1) :السيميائيات إلى ضبط منهجه وجعل "Textologie" من حيث هو فرع من علم النص

).2الظاهرة األدبية تتسم بالعلمية، وذلك بإبعادها عن التأويل غير المعلل( Miek "ولعل أبرز تحديد لعلم السرد ـ فيما أرى ـ هو مفهوم "ميك بالBal حيث اعتبر علم السرد علم السردية "narrativitè"، أو هو العلم

). وذهب "ميك3الذي يقبل صياغة النصوص السردية في بنيتها السردية( بال" إلى أن النص السردي يمكن أن يالحظ من خالله ثالثة أنواع.

."Texte narratif" ـ النص السردي 1."Rècit" ـ الحكاية 2

."Histoire" ـ القصة 3t بحسب مفهوم "ميك بال" هي األسلوب أو الطريقة والسردية بعدها نصا التي بها تفكك شفرات النص، وينتهي إلى أن السردية محددة بالعالقات

).4الرابطة بين النص السردي والقصة والحكاية( وقد أدى االهتمام بهذه الموضوعات والسيميائيات بخاصة إلى االستعاضة

بالملفوظ السردي واالعتراف "La fonction" "عن فكرة "الوظيفةt أخرى t بالجدول اإلدراجي، وتتصل أحيانا بوجود وحدات سردية تتصل أحيانا

فتنشئ العالقات التي تربط بين "Diachronique" بالجدول التعاقبي).5الملفوظات السردية في عالقتها المختلفة(

وكان من نتائج السيميائيات بحسب الوجهة التعاقبية أن جنحت إلى تحليل القصة، واعتبرتها بنية سردية، أي شبكة من العالقات الكبرى، وهي التي

للنص. "Structure de superficielle" تشكل البنية السطحية ويقوم المنهج الذي يقترحه التحليل السيميائي للخطاب السردي علىاعتماد نماذج لغوية تحكم البنية السطحية والعميقة للمسار السردي. إن النماذج التي سنتناولها بالدراسة تعد خطابات مشعة، أي: تستفز

المتلقي، ومن ثمة فهي ذات طبيعة أدبية.t على ما قدمته علوم اللسان وسأدرس رواية "الربيع العاصف" معتمدا

La" كعلم السيميائيات والسرديات وعلم األصوات التمفصليphonètique articulaire" ألندري مارتني "Andrè martiet".

والنظرية التمفصلية تنظر إلى أي خطاب مهما كان نوعه أو جنسه على أنه نص يقبل التشكيل في تمفصلين كبيرين، أصطلح على األول بالتمفصل واصطلح على الثاني بالتمفصل الثاني ،"Première articulation" األول

"Deuxième articulation"(6). ،"mocômes" يدرك بالتحديد اللساني في التشكل األول الوحدات الدالة وهي وحدات صوتية تقبل التجزؤ إلى أقل منها. ويدرك في التشكل الثاني

Double" الوحدات الصوتية المميزة، وائتالفها يعطي التمفصل الثانيarticulation".

نعتمد على هذه األفكار كلها، حيث نسعى إلى استثمار المفيد منها في تحليل هذا النص السردي بالتركيز على تمفصالته النصية، وأوجهها

1

Page 2: التحليل السيميائي للخطاب السردي في رواية

السيميائية ذات الطابع األدبي، وذلك بالوقوف على الوحدات السيميائية، أي: العالمات الدالة التي استمدت في بناء النظام السردي وكانت

مشحونة بشحنات داللية. وفي هذا السياق نشير إلى أن اإلجراءات السردية للخطاب السردي

اإلبداعي تنسجم مع المنطق السردي وروائع االبتكار، وعن طريقها يصلالدارس إلى رصد مالمح الخطاب السردي.

ولهذا من الممكن التعامل مع اإلشارات والرموز في هذا النص السردي بتقسيمه إلى عدة تمفصالت، وتعد هذه بمثابة حقول داللية، ولكل تمفصلنجسدها في الوحدات اآلتية: "Unitès Sèmiotiques" وحدات سيميائية

ـ التمفصل األول: الوحدات السيميائية الدالة على الحزن والمعاناة. 1ـ التمفصل الثاني: الوحدات السيميائية الدالة على الفتن والصراع. 2

ـ التمفصل الثالث: الوحدات السيميائية الدالة على الشرف والبراءة. 3ـ التمفصل الرابع: الوحدات السيميائية الدالة على انفراج األزمة. 4 نتبين من خالل هذه الوحدات أن النظام السردي في قصة "الربيع

العاصف" هو تفاعل منطقي لسير األحداث، إذ تتحرك الشخصيات معبرة عن معان وأفكار وأيديولوجيات، حرص السارد على الكشف عنها وإبرازها،

واستطاع رصدها وتفسيرها، وهي تعكس سلوكات اجتماعية متناقضة؛تمثل القرية والمدينة، بل التأخر والمدنية، أو الجمود والروح الجديدة. وما دامت القصة تحيل إلى وقائع لها حضورها في المجتمع المصري

الحديث نحاول في دراستها أن نفيد في هذا الجانب من النظرية إذ هي طرح ،"R. Jakobson" السيميائية التواصلية لرومان جاكبسون لساني يعتمد على وظائف ست، أهمها: الرسالة التي يشترط فيها أن

وواصلة ،"Code" وسنن ،"Contexte" تكون مسندة إلى سياق"Contact". والمهم هنا الوظيفة المرجعية "La fonction

rèfèrentielle" والسياق(7).

لرواية "الربيع "La fonction rèfèrentielle" الوظيفة المرجعيةالعاصف":

أبرز السارد األمكنة التي نسجت فيها وقائع القصة وأحداثها، فهي تنطلق من مدينة القاهرة، ومن حي "السيدة زينب" (مقر الشخصية المحورية

t إلى قرية t بقرية "سنباط" و"كفر حسين"، ووصوال منال عبد المجيد) مرورا"شرشابة".

وقرية "شرشابة" هي مركز الحدث، "وهي ال تبعد عن طنطا... أكثر من)"t ). وقد تم تعيين الحكيمة منال في "مستشفى8عشرين كيلو مترا

الوحدة المجمعة لهذه القرية التي تدلف إليها ألول مرة في حياتها، لتقوم).9بعملها كحكيمة في هذه المؤسسة الجديدة"(

وقد اختار السارد قرية "شرشابة"، ويحمل المقطع األول منها داللةt كل المتناقضات من شر وخير، وحب وكره... "شر". وقد اجتمعت فيه فعال

t للصراعات، فعصفت بها الفتن من كل جانب، فأضحت فأضحت مقراt، وحتى يد القدر انتقمت من أهالي القرية، فأصابت اآلفات شجيرات خرابا

القطن الخضراء فجأة، ولم تجد معها مقاومة. أما الزمن فهو تصوير لفترة من حياة قرية "شرشابة"، وقد أحسن السارد

2

Page 3: التحليل السيميائي للخطاب السردي في رواية

اختياره، "وهو حين تمد المدينة يدها إلى القرية، ممثلة في الوحدة المجتمعة، وهي فترة مليئة بالصراع بين قديم ألفته القرية فاكتسب صفة

القانون الثابت الواجب، وبين جديد مسلح بعوامل البقاء، فتحرر من كل ما).10هو رديء وجامد من الموروثات"(

ولعل اعتماد النظرية السيميائية الوظيفية المرجعية واالنتباهية، وكذا المعجمية من ،Jakobson(11) واالنعكاسية التي حددها جاكبسون

شأنه أن يبرز الكوامن المتوارية خلف العالمات، إذ القصة صدرت عن سارد يحسن توظيف التقنيات السردية؛ فهو يتحرك بالمسرود ضمن نهجواقعي؛ ال شأن فيه لمنطق المفاجأة أو المصادفة في النظام السردي.

اآلليات الدينامية للقصة: يرتكز بناء الحبكة السردية في رواية "الربيع العاصف" على نظرة عميقة،

تعتمد التسلسل المنطقي لألحداث عبر الزمن، وعلى طبيعة منطق العالقات بين الشخصيات، إذ تتعاقب األحداث على مسرح الحياة، وتتطور

t حتى يبلغ بها السارد درجة عالية من التوتر t فشيئا المواقف وتنمو شيئا والصراع، ثم يعود بها في حركة إياب إلى األخذ بموقف سابق لبلورته،

t في معترك األحداث السردية من النص، أو الشروع في والسير به قدمابناء موقف سردي آخر، له عالقة رصينة بالموقف العام للوقائع المسرودة. والقصة في عمومها تنبني على شخصية محورية، وهي شخصية: الحكيمة منال عبد المجيد، إذ تم تعيينها في قرية "شرشابة" ـ "وهي قرية مصرية

) بعد أن "خرجت حكيمة في مدرسة الحكيمات12في محافظة الغربية" ـ( ) بالقاهرة، وعملت بالوحدة المجتمعة لهذه القرية13بالقصر العيني"(

فترة من الزمن، وافتتن بجمالها بعض أعيان القرية، وود كل منهم أن يظفر بها زوجة، لكنها امتنعت. وحولت بعد أن هدأت العاصفة التي هزت

).14القرية "إلى مستشفى أم المصريين بالجيزة"( وكان بحق أن تعد شخصية منال الشخصية المحورية في النظام السردي،

أما باقي الشخصيات التي وردت في القصة، نحو: الباشكاتب عبد المعطي، والمعلم حامد المليجي، والحاج علي شيخ البلد، والطبيب رمزي

إبراهيم... فقد قامت بوظائف ثانوية، وأسهمت بدورها في خدمة الشخصية المحورية "منال"، ومن نمو األحداث وتطويرها وإبرازها حتى

.t t محكما أصبحت القصة مترابطة ترابطاt وحكيمة في الوحدة المجمعة، وبعض أعيان فالسارد قد اختار طبيبا

القرية، ليصور لنا من خاللهم هذا الصراع المشحون بالغضب والدماء؛ فالباشكاتب عبد المعطي والمعلم حامد والحاج علي، في جانب من

).15الصراع، والدكتور رمزي والحكيمة منال في الجانب اآلخر( واستهلت القصة بالتحاق الحكيمة "منال" بمستشفى الوحدة المجمعة

بقرية "شرشابة" وطوال الطريق كانت "تجفف دمعة تنزلق فوق خدها). إنها16لتستقبل أخرى، كانت تحس أن قلبها وروحها وعينيها كلها تبكي"(

تركت مدينتها الفاتنة القاهرة، "حيث الحياة المضيئة واألهل واألصدقاء). وجاءت لتعمل في هذه القرية، "حيث الفالحون17والذكريات"(

).18والبعوض والتراب واألمراض المتوطنة"( وهكذا يبدو مسار الحبكة للبنية السردية، من حيث الترتيب الزمني يتدرج من وصول "منال" إلى قرية "شرشابة"، وشروعها في العمل كممرضة

3

Page 4: التحليل السيميائي للخطاب السردي في رواية

في المستشفى، ومحاولة بعض أعيان القرية امتالك قلبها بقصد الزواج،وصراعهم من أجلها.

t مع مرور الزمن إلى أن كما كانت األحداث الفرعية نفسها تتدرج منطقيا كثرت اإلشاعات حول الحكيمة "منال" وحول الطبيب من جهة، واألعيان المنحرفين من جهة أخرى. فكان أن حولت إلى مستشفى أم المصريينt بالجيزة، وينقل الطبيب رمزي إلى مستشفى العياط قرب الجيزة، قريبا

منها. وجاء سير األحداث في هذه الرواية وفق منطق محكم؛ ليس لمجرد السرد بل كانت األحداث تتسلسل في حلقات تتميز بالحبكة، إذ تدور

حول: الحب، الكره، الحقد، الكيد، الغيرة، اإلغراء، المتعة، الظلم، الغش،التنافس، االنتقام، الصراع، البراءة.

تمفصالت بنية الرواية: في رواية "الربيع العاصف" عالمات دالة بسياقاتها وأحوالها على أفكار هي عالمات "Unitès sèmiotiques" السارد. فالوحدات السيميائية

يتضمنها الخطاب السردي. وقد ظهرت لي من خالل بنيتها ونظامها السردي تتمفصل في خمس تمفصالت، لكل تمفصل وحداته السيميائية،

التي هي نوايات تنطلق منها عمليات التوصيل. وقد وزعت بحسبالتفمصالت على أربعة مباحث، هي:

التمفصل األول: الوحدات السيميائية الدالة على الحزن والمعاناة.t من الشخصية لقد كشف السارد عن معاناة شخصيات الرواية بدءا

المحورية "منال"، وهي تذهب ألول مرة إلى الريف المصري، وإلى قرية). فالنظرة الدامعة داللة19"شرشابة"، وقد "أرسلت... نظراتها الدامعة"(

على الحزن واأللم والمعاناة. فالسارد تناول الجانب النفسي للشخصيات. وقد كشفت عنه الكلمات

التي اتسمت بنسبة شيوع عالية، عكست مشاعر الحزن والقلق والخوف والمعاناة لدى الشخصيات الرئيسة، كشخصية الحكيمة "منال"،

والباشكاتب "عبد المعطي، والمعلم "حامد المليجي"، وشيخ البلد "الحاج علي". ولو أن السارد ركز أكثر على شخصية "منال"، و"عبد المعطي"؛

فكان نصيبهما أوفر من حيث الغوص في أعماق نفسيتهما. وقد شهدت على ذلك جوارح أولئك، وأولها "العين" التي وردت في مواضع

عدة من النص، ولم تكن للرؤية بقدر ما كانت أداة للبكاء والمعاناة، كما نرى في مثل هذه السياقات: "وأجهشت بالبكاء وأغرقت صدر أمها بدموع

). و"ترقرقت الدموع من أهدابها الطويلة، وغامت20كثيرة غزيرة"( t"(21عيناها"( ). و"تمتم عبد22). و"رفعت منال عينيها المحتقنتين قليال

).23المعطي وعيناه مخضلتان بالدموع"( أما كلمة "قلب" فوردت ـ هي األخرى ـ في مواضع عدة، وصورت معاناة شخصيات الرواية في مثل السياقات اآلتية: "الغربة مألت قلبي بالخوف

)، و"تغيرت25). و"قلوب تخفق بالخوف والغضب والوعيد"(24والقلق"_( ).26القلوب"(

وجاءت كلمة "صدر" وقد ارتبطت بالهموم والمتاعب والمعاناة نحو: "كمt بالنسبة لي فأضمه إلى صدري في حنان"( t ثمينا ).27كان خطابك كنزا

t بها إلى الحزن والكآبة في مثل: واستخدمت كلمة "وجه" موصوفة مشارا

4

Page 5: التحليل السيميائي للخطاب السردي في رواية

t، وارتسمت على محياه سيما األلم "وازداد وجه عبد المعطي شحوبا).28والمرارة"(

t ـ داللة المعاناة، نحو: كما استخدم السارد كلمات أخرى تحمل ـ أيضا التنهد، األلم، الشحوب، األسى، المرارة، الحزن، الكآبة، وذلك في مثل

). و"القرية القاسية التي تلف29السياقات اآلتية: "وتنهدت منال في آلم"( ).31). "وتنهدت منال في مرارة"(30حياتها الجديدة بالشحوب واألسى"(

t،32و"اجتاحتها... موجة داهمة من الحزن العميق"( t كئيبا ). و"يرقد شاحبا t من األمل والحياة"( t فارغا ).33هيكال

من خالل هذه العالمات السيميائية يتراءى لي الطابع المأساوي الغالبعلى سير أحداث الرواية.

التمفصل الثاني: الوحدات السيميائية الدالة على الفتن والصراع. تنمو األحداث وتتطور، وتتجدد المواقف، فتتوتر العالقات بين الشخصيات،

وتصطدم المصالح، ويتعمق الحوار، فتتنوع األدوات السيميائية الشاحنة للسرد، وتتعدد عمليات التوصل، فيثرى حقل العالمات الدالة على الفتن

والصراع، وأبرزها: الدماء، الكارثة، الهزيمة، خراب، ثعابين، شياطين،العواصف، الحرب، قنبلة، النار،... وذلك في السياقات اآلتية:

t في حارات34ـ "سالت الدماء"( )، "والدماء توشك أن تجري أنهارا )،37)، و"فيها ثعابين وشياطين"(36)، و"جاءت الكارثة"(35القرية"(

)،39)، و"الحرب... أصبحت معركة عقول"(38و"الجو ينذر بالعواصف"( ).41)، و"النار تتقد تحت التراب"(40و"قنبلة ذرية تنسف آالف الرجال"(

و"تصارع الرجال من أجل امرأة متبرجة وطوتهم رغبات الجسد).42الساذجة"(

وهذه العالمات في سياقاتها المختلفة توحي بالكيد والفتن والصراع. والذي يتأمل هذه العالمات الدالة من خالل بنيتها القصصية يدرك أن

السارد يحرك الشخصيات في القمة، ويدفعهم إلى القيام بأفعال معينةدون غيرها. ولنحتكم إلى شخوص القصة:

ـ الباشكاتب عبد المعطي: تتغلب عليه النزعة الشريرة والرغبة فيt يدافع عن الحقوق المسلوبة إلنقاذ القرية من المجاعة، اإليذاء. إنه حقاt... ال يعدم... حيلة كي يوقع t "إذا ضايقه أحد أو عرقل له أمرا ولكنه أيضا

).44)، وهو "دؤوب حقود شرس بطبعه"(43أحدهم في ورطة"()، وهو "الوحش الناعم الذي45ـ المعلم حامد المليجي: "تاجر سموم"(

)"t )، وهو كذلك "وغد46يخفي مخالبه وأنيابه وراء مظهره الضاحك دائما ).47كبير... كالذئب الذي خطف دجاج القرية تحت جنح الظالم"(

ـ الحاج علي شيخ البلد: "قاطع طريق... متعجرف... يسرق أموال الجمعية التعاونية، ويثير القلق واالضطراب برغم أنه شيخ البلد، والناس ال

).48تخفى عليهم تصرفاته"( ـ الطبيب رمزي إبراهيم: "هذا النفعي الذي ال يفكر إال في المال والعربات

األنيقة، وتكوين ثروة بأسرع ما يمكن... ثم يحاول أن يسرق شرف فتاة).49مسكينة مثل منال"(

ـ الحكيمة منال عبد المجيد: يصورها لنا السارد "جميلة فاتنة... بيضاء). وهو ال يصورها إال عابثة الهية، ال تفيق من عبثها إال حين50البشرة..."(

تنطلق الشائعات من حولها.

5

Page 6: التحليل السيميائي للخطاب السردي في رواية

ولفظة "فاتنة" هنا ـ فيما نقدر ـ هي مركز الثقل الداللي، ونواة النسيج السردي السيميائي؛ إذ حضورها في المحور اإلدراجي يجعلها من الوحدات

السيميائية المختارة، فداللتها متصلة بالفتنة... والفتنة أشد من القتل. وقد افتتن بالحكيمة "منال" بعض رجاالت القرية من أمثال: الباشكاتب

عبد المعطي، والمعلم حامد المليجي، والحاج علي شيخ البلد. وتشرب العالمات األخرى: نحو: ذئب، وحش، عواصف، أعاصير، ثورة،

حقد، خوف، نار... من معاني النواة السيميائية فاتنة، والتي منها الفتنة،فتسهم في إثراء الداللة وتعميق الروائية، وتنويع أدوات السرد.

أما لفظة "النار" فاستخدمت لتدل على إشعال نار الفتنة في القرية، وقد جاء على لسان الباشكاتب عبد المعطي، وقد سألته منال عمن أشعلها،

فقال: "أشعلت النار، وذهبت بهم إلى السجن... وأقمت الدنيا وأقعدتها"(51.(

t، وتكررت في مواضع t حيويا ولفظة "الذئب" هي األخرى قد احتلت موقعا عدة، منها: "الذئاب... الذئاب هذه الفراخ الصغيرة الرقيقة كيف تأمن على

).53)، و"هذه القرية مليئة بالذئاب"(52نفسها منهم؟"( تنزل العالمة "الذئب" ـ في هذا الخطاب السردي ـ منزل السداد، حيث

وظفت بأحكام ودقة من لدن السارد، ومن حيث هي وحدة سيميائية ترمز إلى المكر، والخبث والكيد، والخيانة، ومخالفة العهد، واالفتراس،... وكلها

صفات ذميمة تمثل الدالالت التي ارتوت وتغذت منها كلمة "الذئب". وقد انتقلت هذه اللفظة إلى اإلنسان من هذا الحيوان المفترس، لذا قيل:

t؟ اإلنسان ذئب ألخيه. ولنتساءل: هل كان بعض رجال قرية "شرشابة" ذئاباذلك ما أخبر به السارد في أكثر من موقف.

ويقابل هذه اللفظة لفظة "وحش"، فهي تومئ بالوحشية واالفتراس. ووردت في سياقات مختلفة، منها: "وصورة المعلم حامد "الوحش" الناعم

).54الملمس الذي يخفي مخالبه وأنيابه..."( وتتطور األحداث وتنمو، وتتشكل حتى يصل الخطاب السردي إلى حالة

t يعبر عن تتعقد فيها المواقف، وتتشابك فيها مالبسات الحبكة، فتغدو رمزا رمز، وإشارة تحيل إلى إشارة، فيصطدم المتلقي بلفظة "العاصفة" في

قول السارد: "لم يكد يمر وقت قصير، حتى اشتعلت العواصف في)، وقوله: "الجو55القرية، وجاءت الكوارث يأخذ بعضها برقاب بعض..."(

). وجاءت لفظة "األعاصير" هي األخرى لتدل على56ينذر بالعواصف"( ).57عمق الكارثة في: "وسط هذه األعاصير المزعجة"(

ولفظة "العواصف" أو "األعاصير" من حيث هي وحدة سيميائية نواة في الفعل السردي جاءت متصلة بالكوارث واالشتعال وإتالف شجيرات القطن

،"Structure de superficielle" والبكاء والعويل في البنية السطحية Structure" وداللة على الرعب واإلجرام والقتل في البنية العميقة

profonde". وتتفاعل العالمات األخرى المدرجة ضمن الوحدات السيميائية الداللة على

الفتن والصراع، نحو: النيران، البؤس، الصراخ، الدخان،... وذلك فيالسياقات اآلتية:

)".59)". و"ينطلق البؤس والشقاء"(58ـ "وألسنة النيران تضيء المكان( ).60و"صراخ النسوة يمأل األفق ويزاحم الدخان األسود"(

6

Page 7: التحليل السيميائي للخطاب السردي في رواية

وكل هذه العالمات تدل على شدة العاصفة التي أثارتها الفتن والصراع، وهي تسهم بدورها في تحريك انفعاالت المتلقي، وفي تشويقه إلى متابعة

السرد القصصي.التمفصل الثالث: الوحدات السيميائية الدالة على الشرف والبراءة.

لقد اتهم بعض أهل القرية "شرشابة" الحكيمة "منال" في شرفها وفساد).61أخالقها، حتى باتت "ال تسمع إال الكلمات الوقحة التي أشاعوها عنها"( وكانت كلما راودها أحدهم إال وتذكرت كلمات أبيها، وهي صغيرة: "يا

منال... احذري الرجال... ال تفرطي في شرفك قيد شعرة... سوف أنزعجفي قبري... نحن فقراء... رأس مالنا الشرف، والشرف هو ستر الله"(

62.( فالتفات السارد إلى الماضي من جديد والرجوع إليه يعد خاصية فنية رائعة

في الطرح السيميائي، إذ يوصف ذلك باالرتداد في الفعل السردي، وهو العودة إلى فكرة ذكرت في سياق ما، فأرجئ تقديمها لغاية فنية، منها

حب المزج بين الزمن الحاضر والماضي، وإدماج أحدهما في اآلخر بطريقة).63تتوخى الحيوية والحركية المتجددة في المنظومة السردية(

ولما بلغت الشائعات مداها إلى سمع "منال"، اندفعت تقول: "هذا الرجلt من الصفات... الوحش... الذئب... الثعبان... الذي تطلقون عليه قاموسا أنا ال أخافه... وعندما يفكر أن ينظر إلي نظرة غير مهذبة فسوف أقتلع

عينه... يجب أن يعلم أهل "شرشابة" ما أقول... أنا لست هينة سهلةالمنال، ولكني فتاة مثقفة... ذات كبرياء... لن أطأطئ رأسي ألحد..."(

64.( فالسارد ينفي أن تكون "منال" سهلة المنال على غير داللة اسمها الذي

اختاره. والواقع إن إدراك المتضادات يشكل األساس لما يسميه قريماس"greimas" بـ: "بالبنى األولية للتدليل أو الترميز" التي ترتكز عليه

).65نظرياته في علم الداللة( وهكذا نجد هذه الشخصية المتحولة تثور مدافعة عن شرفها، فهي قوية

ثائرة، ال تلبث على شيء حتى تعدل عنه إلى سواه؛ فتهشم قواعد الصمت والتقاليد والعرف. ومن حيث هي وحدة سيميائية في النظام

السردي نجدها تتحرك لتخترق النصوص السردية، وقد برزت على سطحالخطاب، وكشفت عن معاني: الجرأة، والصراحة، والحق، والتبرئة...

وقد برأ الباشكاتب عبد المعطي "منال" مما نسب إليها أهل القرية من أمثال حامد المليجي، والشيخ المداح (خطيب المسجد الكبير)، حيث

يقول: لقد "ألصقوا بها كل إثم ونسبوا إليها كل كارثة... حتى الدودة التي أصابت القطن... كانت بسببها... لقد غضب الله عليهم بسببها... فعاقبتهم

). ثم استأنف ليقول: "ليست منال هي السبب...66هذا العقاب األليم"( إنهما ]المعلم حامد، والحاج علي[ يتناحران من أجل الفوز بها، وهي

).67ترفض هذا وذاك"( وتفرج األزمة وتحل العقدة من خالل حلقات السرد المثيرة بعد أن يبلغ الحدث غايته من التوتر، فتنقل "منال" من قرية "شرشابة" التي جاءتها وهي كارهة إلى مستشفى أم المصريين بالجيزة، حيث تصبح قريبة من

أمها وإخوتها بالقاهرة.المفتصل الرابع: الوحدات السيميائية الدالة على انفراج األزمة.

7

Page 8: التحليل السيميائي للخطاب السردي في رواية

هدأت العاصفة التي اجتاحت قرية "شرشابة". وبتعبير آخر توقفت الفتن والصراعات، فعاد األمن والسالم إلى أرجاء القرية، وذلك بعد أن أفرج

على المعلم "حامد المليجي"، بضمان مالي، وأطلق سراح "الحاج علي" بعد إيقافه عن العمل بمشيخة البلد، وحول الطبيب "رمزي"، والحكيمة

"منال" من الوحدة المجمعة.وقدم السارد هذه األحداث في مشهدين:

يبدأ األول حين سماع نبأ اإلفراج على المعلم "حامد"، وخروج الحاج"علي" من السجن، وتحويل الحكيمة والطبيب.

ويبدأ الثاني حين اتفاق الطبيب "رمزي"، والحكيمة "منال" على الزواج، واستعدادهما للرحيل. وينتهي حين تحركت العربة التي تنقلهما، ووقوف

العشرات من رجال القرية لتوديعهما. والزمن الحاضر للسرد ـ هنا ـ هو زمن الصباح المقترح لرحيل الباشكاتب "عبد المعطي" عن الحياة، ورحيل الحكيمة "منال، والطبيب "رمزي" عن

قرية "شرشابة"، إلى حيث تم تحويلهما.t للرحيل من قبيل الصدفة، بل جيء ولم يأت اختيار زمن "الصباح" موعدا

إلى بداية عهد جديد، تمد فيه المدينة يدها إلى القرية. "Signe" به إشارة فتتحرر من كل ما هو جامد ورديء من التقاليد البالية والموروثات

المحنطة. وقد استخدم السارد كلمات تومئ إلى النهاية السعيدة للقصة نحو: تهدأ،

السالم، سعيدة، يبتسم، انبساطه، انشراحه، ود، تتعانق،... وهذه الكلمات جاءت في سياقات تشير إلى نهاية الصراع وانفراج األزمة،

ذلك في مثل: "لتهدأ النفوس، وتعود المياه إلى مجاريها ويفوح عبير). ويبتسم69). و"ال شك أنك سعيدة بانتقالك قرب األسرة"(68السالم"(

t ما... يجعلك قريبة إلى نفسي"( t: "أجل... أعرف أن فيك شيئا ).70قائال ). و"... صافحا الطبيب71و"كان هو اآلخر في قمة انبساطه وانشراحه"(

ومنال في وداع عميق... كانت قلوبهم تتعانق، وأطل من العيون بريق).72صاف نبيل بريق بدد ما شاب الذكريات من ظالم وآالم"(

وتتراءى لي داللة الكلمات وما توحي به من خالل السياق أن العاصفةهدأت، وأن األمن والسالم قد عاد إلى قرية "شرشابة".

ويمكن أن يستنتج من هذه الدراسة ما يأتي: ـ المنظومة السردية في "الربيع العاصف" مفاعلة موضوعية، اإلطار فيها

مرتبط بالدعوة إلى األخالق الرفيعة، والتخلي عن الموروثات الباليةوالتقاليد الجامدة.

ـ الشخصيات والحبكة السردية واألبعاد المكانية والزمانية وردت كلهالتكشف عن حقائق الحياة وواقعها في الريف المصري.

ـ إن هذه القصة تبرز حقائق الحياة سهلة، وتؤمن بمقدرة اإلنسان علىاالرتقاء واالبتكار، وترحب بالجهود البناءة لتطوير حياة األمة.

ـ ورود التمفصالت النصية منسجمة مع تطور أحداث القصة وتقنياتها،ونظامها السردي.

t، يعكس أفكار وتصورات t متميزا t عالماتيا ـ اللغة السيميائية تمثل نظاماالجماعة اللغوية في فترة من حياة بقعة من الوطن المصري.

ـ ارتباط العالمة من حيث هي وحدة سيميائية بصورة حسية في تنمية

8

Page 9: التحليل السيميائي للخطاب السردي في رواية

أحداث الرواية وتطويرها، وفي ربط المخاطب "المتلقي" بأفكار المبدع،إذ تميزت الرواية بوصف عام باإليحاء والتوصيل.

-http://www.ta5atub.com/t1791 لمعرفة المزيدtopic#ixzz2z5PH2bGl

9