المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

769
ﺃﺩﺑﻲ ﺗﺎﺭﳜﻲ ﺭﻭﺍﺋﻲ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻔﺴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﺘﺎﺏ ﻋﻠﻤﻲ ﻓﲏ ﻓﻠﺴﻔﻲ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺁﻳﺔ ﳏﻤﺪ ﺣﺴﲔ ﺍﻟﻄﺒﺎﻃﺒﺎﺋﻲ

Transcript of المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

Page 1: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

١

كتاب علمي فين فلسفي أدبي تارخيي روائي اجتماعي حديث يفسر القرآن بالقرآن

حممد حسني الطباطبائي العالمة السيد آية

Page 2: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢

أياما معدودات فمن كان )١٨٣(ن يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقوي ينلى الذعو رام أخأي نم ةدفر فعلى سع ريضا أونكم مأن مو له ريخ وا فهريخ عن تطوفم نيكسم امة طعيدف يقونهط

ونلمتع إن كنتم لكم ريوا خومى )١٨٤(تصداله نم اتنيباس وى للنده آنالقر يهأنزل ف يالذ ضانمر رهشبكم اليسر وال فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد والفرقان

)١٨٥(كرون على ما هداكم ولعلكم تش يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا

بيان

يف أول اآلية الثانية ظرف أياما معدوداتسياق اآليات الثالث يدل أوال على أهنا مجيعا نازلة معا فإن قولهيف اآلية الثالثة إما خرب ملبتدأ حمذوف وهو الضمري شهر رمضانوقوله الصيام يف اآلية األوىل بقولهمتعلق

والتقدير شهر رمضان هو والتقدير هي شهر رمضان أو مبتدأ خلرب حمذوف أياما معدودات قولهالراجع إىل يف اآلية األوىل وعلى أي تقدير كتب عليكم الصيام قولهالذي كتب عليكم صيامه أو هو بدل من الصيام يف

هو بيان وإيضاح لأليام املعدودات اليت كتب فيها الصيام فاآليات الثالث مجيعا كالم واحد مسوق لغرض واحد وهو .بيان فرض صوم شهر رمضان

Page 3: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣

والتمهيد بالنسبة إىل وسياق اآليات يدل ثانيا على أن شطرا من الكالم املوضوع يف هذه اآليات الثالث مبنزلة التوطئة أن اآليتني األوليني سرد الكالم فيهما ليكون كاملقدمة اليت تساق لتسكني طيش النفوس واحلصول أعين شطر آخر

إذا كان غرض املتكلم بيان ما ال يؤمن فيه التخلف والتأبي على اطميناهنا واستقرارها عن القلق واالضطرابولذلك ترى اآليتني األوليني تألف ن احلكم أو اخلرب ثقيال شاقا بطبعه على املخاطبلكون ما يأتي م عن القبول

بذكر فيهما الكالم من مجل ال خيلو واحدة منها عن هداية ذهن املخاطب إىل تشريع صوم رمضان بإرفاق ومالءمة وتنكسر به سورة اجلماح واالستكبار وحيصل به تطيب النفس ما يرتفع معه االستيحاش واالضطراب

.روعيت يف تشريع هذا احلكم مع ما فيه من اخلري العاجل واآلجل باإلشارة إىل أنواع من التخفيف والتسهيل

كما كتب على الذين قوله أردفه يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام قولهولذلك ملا ذكر كتابة الصيام عليهم كملن قبم لكم أن تستثقلوه وتستوحشوا من تشريعه يف حقكم وكتابته عليكم فليس هذا احلكم أي ال ينبغي

على أن يف العمل هبذا مبقصور عليكم بل هو حكم جمعول يف حق األمم السابقة عليكم ولستم أنتم متفردين فيهوأنتم املؤمنون واليوم اآلخر لبونه بإميانكم وهو التقوى اليت هي خري زاد ملن آمن باحلكم رجاء ما تبتغون وتط

على أن هذا العمل الذي فيه رجاء التقوى لكم وملن كان قبلكم ال )١٨٣(لعلكم تتقون وهو قوله أياما معدوداتقولهوهو يستوعب مجيع أوقاتكم وال أكثرها بل إمنا هو يف أيام قالئل معينة معدودة

Page 4: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤

وشروه قولهويف التوصيف بالعدل إشعار هبوان األمر كما يف داللة على التحقريأيامافإن يف تنكريةوددعم ماهرخس دن ببثم الصيامنا جانب من يشق عليه أصل الصيام كمن يطيق على أنا راعي فعليه

فمن كان منكم مريضا أو على سفر قولهوهو طعام مسكني وهو أن يبدله من فدية ال تشقه وال يستثقلهانيكسم امة طعيدف يقونهطي ينلى الذعو رام أخأي نم ةدفع.

خريكم ومراعى فيه ما أمكن من التخفيف والتسهيل عليكم كان خريكم أن تأتوا وإذا كان هذا العمل مشتمال على

فإن من تطوع خريا فهو خري له من أن يأتي به عن كره وهو قوله به بالطوع والرغبة من غري كره وتثاقل وتثبط ونلمتع إن كنتم لكم ريوا خومأن تصو له ريخ وا فهريخ عن تطو١٨٤(فم( فالكالم املوضوع يف اآليتني كما ترى

فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام يف اآلية الثالثة توطئة ومتهيد لقوله ريدي رأخ وارتكبلو ةدلوا العتكملو رسالع بكم ريدال يو رسالي بكم ونكرتش لكملعو اكمدا هلى مع

)١٨٥( وعلي هذا فقوله يف اآلية األوىلاميالص كمليع بكت إخبار عن حتقق الكتابة وليسكتب قولهو يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى قولهبإنشاء للحكم كما يف

بنياألقرن ويداللوة ليصا الوريك ختر إن توالم كمدأح ضرإذا ح كمليع فإن بني القصاص يف القتلىوهو أن القصاص يف القتلى أمر يوافق حس االنتقام الثائر يف نفوس والوصية للوالدين واألقربني وبني الصيام فرقا

Page 5: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥

أولياء املقتولني ويالئم الشح الغريزي الذي يف الطباع أن ترى القاتل حيا ساملا يعيش وال يعبأ مبا جنى من القتلة عند املوت والفراق وخاص وكذلك حس الشفقة والرأفة بالرحم يدعو النفوس إىل الرتحم على الوالدين واألقربني

موافقان ملا تقتضيها فال حيتاج والوصية حكمان مقبوالن بالطبع عند الطباع فهذان أعين القصاص الدائمفإنه يالزم حرمان النفوس من أعظم اإلنباء عنها بإنشائها إىل متهيد مقدمة وتوطئة بيان خبالف حكم الصيام

حيتاج كريه عند النفس ولذلك فهو ثقيل على الطبع وهو األكل والشرب واجلماعمشتهياهتا ومعظم ما متيل إليها وهم عامة الناس من املكلفني إىل متهيد وتوطئة تطيب هبا نفوسهم وحتن بسببها إىل يف توجيه حكمه إىل املخاطبني

كتب عليكم إذا حضر قولهو اه القصاصكتب عليكم قولهوهلذا السبب كان قبوله وأخذه طباعهمتوالم كمدأح قولهإنشاء للحكم من غري حاجة إىل متهيد مقدمة خبالفاميالص كمليع بكت فإنه إخبار

.مبجموع ما يف اآليتني من الفقرات السبع فمن شهد منكمقولهعن احلكم ومتهيد إلنشائه

جيب عليهم إذا هبذا اخلطاب لتذكريهم بوصف فيهم وهو اإلمياناإلتيان اه يا أيها الذين آمنوا قولهوقد صدرت آية التفتوا إليه أن يقبلوا ما يواجههم رهبم به من احلكم وإن كان على خالف مشتهياهتم وعاداهتم

القصاص بذلك أيضا ملا مسعت أن النصارى كانوا يرون العفو دون القصاص وإن كان سائر الطوائف من املليني .وغريهم يرون القصاص

Page 6: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦

الكتابة معروفة املعنى ويكنى به عن الفرض اه كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكمقوله

ونكتب ما قدموا وآثارهم قولهو الغلبن أنا ورسلي كتب قولهوالعزمية والقضاء احلتم ك

قولهوفسبالن فسالن ا أنيهف همليا عنكتبو والصيام والصوم يف اللغة مصدران مبعنى الكفورمبا يقال إنه الكف عما تشتهيه عن الفعل كالصيام عن األكل والشرب واملباشرة والكالم واملشي وغري ذلك

من طلوع الفجر إىل املغرب النفس وتتوق إليه خاصة ثم غلب استعماله يف الشرع يف الكف عن أمور خمصوصةممن سبق ظهور اإلسالم من أمم األنبياء كأمة موسى وعيسى األمم املاضية الذين من قبلكمبــراد وامل بالنية

كما كتب على قولهوليس فإن هذا املعنى هو املعهود من إطالق هذه الكلمة يف القرآن أينما أطلقت وغريهمكملن قبم ينالذ يف مقام اإلطالق من حيث األشخاص وال من حيث التنظري فال يدل على أن مجيع أمم األنبياء

كان مكتوبا عليهم الصوم من غري استثناء وال على أن الصوم املكتوب عليهم هو الصوم الذي كتب علينا من حيث والكف ال من حيث فالتنظري يف اآلية إمنا هو من حيث أصل الصوم الوقت واخلصوصيات واألوصاف

.خصوصياته

Page 7: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧

كما قولهغري أن ظاهر ومل يعني القرآن من هم األمم السابقة من املليني يف اجلملة الذين من قبلكمبــواملراد بكت أن هؤالء من أهل امللة وقد فرض عليهم ذلك وال يوجد يف التوراة واإلجنيل املوجودين عند اليهود

لكنهم يصومون أياما بل الكتابان إمنا ميدحانه ويعظمان أمره والنصارى ما يدل على وجوب الصوم وفرضهويف كالصوم عن اللحم والصوم عن اللنب والصوم عن األكل والشرب معدودة يف السنة إىل اليوم بأشكال خمتلفة

.القرآن قصة صوم زكريا عن الكالم وكذا صوم مريم عن الكالموالوثنيون من اهلند بل الصوم عبادة مأثورة عن غري املليني كما ينقل عن مصر القديم ويونان القديم والرومانيني

.بل كونه عبادة قربية مما يهتدي إليه اإلنسان بفطرته كما سيجيء يصومون حتى اليوم

اليهود والنصارى أو السابقني من األنبياء استنادا إىل روايات ال ختلو الذين من قبلكمبــواملراد إن ورمبا يقال .عن ضعف

كان أهل األوثان يصومون إلرضاء آهلتهم أو إلطفاء نائرة غضبها إذا أجرموا )١٨٣(لعلكم تتقون قوله

وإذا أرادوا إجناح حاجة وهذا جيعل الصيام معاملة ومبادلة يعطي هبا حاجة الرب معصيةجرما أو عصوا أمنع جانبا من أن يتصور يف حقه وأن ليقضي حاجة العبد أو يستحصل رضاه ليستحصل رضا العبد

Page 8: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٨

أي فما تعطيه العبادات من األثر اجلميل بريء من كل نقص وباجلملة هو فقر أو حاجة أو تأثر أو أذىقال كما أن املعاصي أيضا كذلك وتقدس إمنا يرجع إىل العبد دون الرب عبادة كانت وأي أثر كان

افله أتمأس إنو كمأنفسل تمنسأح تمنسأح إن هذا هو الذي يشري إليه القرآن الكريم يف تعليمهيا أيها الناس أنتم قال بإرجاع آثار الطاعات واملعاصي إىل اإلنسان الذي ال شأن له إال الفقر واحلاجة

وكون التقوى )١٨٣(لعلكم تتقون قولهويشري إليه يف خصوص الصيام هو الغني و الفقراء إلى مرجو احلصول بالصيام مما ال ريب فيه فإن كل إنسان يشعر بفطرته أن من أراد االتصال بعامل الطهارة والرفعة

واالرتقاء إىل مدرجة الكمال والروحانية فأول ما يلزمه أن يتنزه عن االسرتسال يف استيفاء لذائذ اجلسم وينقبض وباجلملة أن يتقي ما يبعده االشتغال به عن الرب عن اجلماح يف شهوات البدن ويتقدس عن اإلخالد إىل األرض

وأقرب من ذلك وأمس حلال عموم الناس من أهل واتفهذه تقوى إمنا حتصل بالصوم والكف عن الشه تبارك والدنيا وأهل اآلخرة أن يتقي ما يعم به البلوى من املشتهيات املباحة كاألكل والشرب واملباشرة حتى حيصل له

وترتبى على ذلك إرادته يف الكف عن املعاصي والتقرب إىل التدرب على اتقاء احملرمات واجتناهبا .ومعاصيه أمسع وأطوع يف املشتهيات املباحة ومسع وأطاع فهو يف حمارم فإن من أجاب داعي

وقد مر أن تنكري الصيامقولهومتعلق يف منصوب على الظرفية بتقدير أياما معدودات قولهوقد مر أن واتصافه بالعدد للداللة على حتقري التكليف من حيث الكلفة واملشقة تشجيعا للمكلف أياما

Page 9: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٩

نكم الشهر فليصمه شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد مقولهبكم اليسر وال يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد ومن ونكرتش لكملعو اكمدا هلى م١٨٥(ع( املعدودات شهر رمضانبيان لأليام فاملراد باأليام.

وقال بعضهم أن املراد باأليام املعدودات ثالث أيام من كل شهر وصوم يوم عاشوراء وقد ذكر بعض املفسرين

واملسلمون يصوموهنا ثم نزل والثالث األيام هي األيام البيض من كل شهر وصوم يوم عاشوراء فقد كان رسول نكم الشهر شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد مقوله

ريدي رام أخأي نم ةدفر فعلى سع ريضا أوم ن كانمو همصفلي الو رسالي بكم ةدلوا العتكملو رسالع بكم ريدي فنسخ ذلك واستقر الفرض على صوم شهر رمضان )١٨٥(على ما هداكم ولعلكم تشكرون ولتكبروا

.واستندوا يف ذلك إىل روايات كثرية من طرق أهل السنة واجلماعة ال ختلو يف نفسها عن اختالف وتعارض

ولو كان األمر كما يقولون لضبطه عبادة عامة شاملة أن الصيام كما قيل أوالوالذي يظهر به بطالن هذا القول على أن حلوق يوم عاشوراء باأليام الثالث من كل شهر يف التاريخ ومل خيتلف يف ثبوته ثم يف نسخة أحد وليس كذلك

حيث أبادوا فيه ذرية وجوب الصوم أو استحبابه ككونه عيدا من األعياد اإلسالمية مما ابتدعه بنو أمية لعنهم

Page 10: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٠

وه وأهل بيته بقتل رجاهلم وسيب نسائهم وذراريهم وهنب أمواهلم يف وقعة الطف ثم تربكوا باليوم فاختذ رسول ودسوا أحاديث تدل على أنه كان عيدا إسالميا بل من عيدا وشرعوا صومه تربكا به ووضعوا له فضائل وبركات

وكل ذلك مل يكن األعياد العامة اليت كانت تعرفه عرب اجلاهلية واليهود والنصارى منذ بعث موسى وعيسىوال وقعت فيه واقعة فتح لنريوز أو املهرجان عند الفرسوليس اليوم ذا شأن ملي حتى يصري عيدا مليا قوميا مثل ا

وال هو ذو جهة دينية حتى يصري عيدا دينيا كمثل أو ظفر حتى يصري يوما إسالميا كيوم املبعث ويوم مولد النيب .عيد الفطر وعيد األضحى فما باله عزيزا بال سبب

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى قولهأن اآلية الثالثة من اآليات أعين وثانيا

بكم اليسر وال خر يريد والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أتأبى بسياقها أن تكون )١٨٥(على ما هداكم ولعلكم تشكرون يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا

خرب ملبتدإ حمذوف أو مبتدأ خلرب شهر رمضاننازلة وحدها وناسخا ملا قبلها فإن ظاهر السياق أن قولهحمذوف كما مر ذكره فيكون بيانا لأليام املعدودات ويكون مجيع اآليات الثالث كالما واحدا مسوقا لغرض واحد

فإنه الذي أنزل فيه القرآن قولهمبتدأ خربه شهر رمضانقولهوأما جعل وهو فرض صيام شهر رمضان

Page 11: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١١

وحدها غري أهنا ال تصلح حينئذ ألن تكون ناسخة ملا قبلها لعدم وإن أوجب استقالل اآلية وصالحيتها ألن تنزل .مع أن النسخ مشروط بالتنايف والتباين املنافات بينها وبني سابقتها

أياما معدودات فمن أن اآلية الثانية أعين قوله - على ما يظهر منهم - وأضعف من هذا القول قول آخرين

سم امة طعيدف يقونهطي ينلى الذعو رام أخأي نم ةدفر فعلى سع ريضا أونكم مم كان له ريخ وا فهريخ عن تطوفم نيكلمتع إن كنتم لكم ريوا خومأن تصو ١٨٤(ون( ناسخة لآلية األوىل أعين قوله اكم اميالص كمليع بكت

تتقون لكملع كملن قبم ينلى الذع ب١٨٣(كت( وذلك أن الصوم كان مكتوبا على النصارى ثم زادوا فيهيف حق املسلمني باآلية األوىل فكان ثم شرعه حتى استقر على مخسني يوما ونقصوا بعد عيسى

أياما معدودات فمن كان منكم مريضا قولهوالناس يصوموهنا يف صدر اإلسالم حتى نزل رسول خ عن تطوفم نيكسم امة طعيدف يقونهطي ينلى الذعو رام أخأي نم ةدفر فعلى سع أو ريوا خومأن تصو له ريخ وا فهري

لمتع إن كنتم لكم ١٨٤(ون( فنسخ احلكم واستقر احلكم على غريه.

وكون اآلية الثانية من ويرد عليه مجيع ما يرد على سابقه من اإلشكال وهذا القول أوهن من سابقه وأظهر بطالنا .وما استند إليه القائل من الروايات أوضح خمالفة لظاهر القرآن وسياق اآلية متممات اآلية األوىل أظهر وأجلى

Page 12: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٢

كتب قولهالفاء للتفريع واجلملة متفرعة على فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر قوله

كمليع قولهو اتوددعماه أي إن الصيام مكتوب مفروض والعدد مأخوذ يف الفرض وكما ال يرفع اليدفلو عرض عارض يوجب ارتفاع احلكم الفرض عن األيام املعدودات عن أصل الفرض كذلك ال يرفع اليد عن العدد

أخر خارج شهر رمضان فإنه ال يرفع اليد عن الصيام عدة من أيام اليت هي أيام شهر رمضان كعارض املرض والسفر ولتكملوا العدةقولهإليه يف اآلية الثالثة وهذا هو الذي أشار تساوي ما فات املكلف من الصيام عددا

.كما يفيد معنى التحقري كما مر يفيد كون العدد ركنا مأخوذا يف الفرض واحلكم أياما معدودات قولهف

خالف الصحة والسفر مأخوذ من السفر مبعنى الكشف كأن املسافر ينكشف لسفره عن داره اليت ثم إن املرض مسافرا لإلشارة إىل اعتبار فعليه التلبس حاال ومل يقل أو على سفرقولهوكان يأوي إليها ويكن فيها

.املاضي واملستقبل دون

فمن كان منكم مريضا قولهإن املدلول عليه ب - أهل السنة واجلماعة وهم املعظم من علماء - وقد قال قوم رام أخأي نم ةدفر فعلى سع أو هو الرخصة دون العزمية فاملريض واملسافر خمريان بني الصيام واإلفطار وقد

Page 13: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٣

وهو املروي عن أئمة أهل عزمية اإلفطار دون الرخصةهو فعدة من أيام أخر قولهعرفت أن ظاهر بن عمر وأبي هريرة وهو مذهب مجع من الصحابة كعبد الرمحن بن عوف وعمر بن اخلطاب وعبد البيت

.فعدة من أيام أخر قولهب فهم حمجوجون وعروة بن الزبري

فعدة من أيام فأفطرفمن كان منكم مريضا أو على سفرإن التقدير فقالواوقد قدروا لذلك يف اآلية تقديرا رأخ.

.ويرد عليه أوال أن التقدير كما صرحوا به خالف الظاهر ال يصار إليه إال بقرينة وال قرينة من نفس الكالم عليه

فمن وقولنا أن الكالم على تقدير تسليم التقدير ال يدل على الرخصة فإن املقام كما ذكروه مقام التشريع وثانيا

غاية ما يدل عليه أن اإلفطار ال يقع معصية بل جائزا باجلواز باملعنى األعم فأفطركان منكم مريضا أو على سفروأما كونه جائزا مبعنى عدم كونه إلزاميا فال دليل عليه من الكالم البتة بل الدليل من الوجوب واالستحباب واإلباحة

.على خالفه فإن بناء الكالم يف مقام التشريع على عدم بيان ما جيب بيانه ال يليق باملشرع احلكيم وهو ظاهر

Page 14: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٤

اإلطاقة كما ذكره بعضهم صرف متام الطاقة يف الفعل وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني قولهوالفدية هي البدل وهي هنا بدل مايل وهو طعام مسكني أي طعام يشبع مسكينا والزمه وقوع الفعل جبهد ومشقة

قولهوحكم الفدية أيضا فرض كحكم القضاء يف املريض واملسافر ملكان جائعا من أوسط ما يطعم اإلنسان ينلى الذعو الظاهر يف الوجوب التعييين دون الرخصة والتخيري.

خري املطيقني للصوم من الناس كلهم يعين القادرين أن اجلملة تفيد الرخصة ثم فسخت فهو وقد ذكر بعضهم

ألن الناس كانوا يومئذ غري على الصوم من الناس بني أن يصوموا وبني أن يفطروا ويكفروا عن كل يوم بطعام مسكنيأنه نسخ حكم غري وقد ذكر بعض هؤالء فمن شهد منكم الشهر فليصمهقولهمتعوذين بالصوم ثم نسخ ذلك

.من جواز الفدية وأما مثل الشيخ اهلرم واحلامل واملرضع فبقي على حاله العاجزين

وأنت إذا تأملت اآليات الثالث وجدهتا كالما موضوعا على بالقرآن وجعال آلياته عضنيولعمري إنه ليس إال لعبا ثم إذا نزلت هذا الكالم على وحدته واتساقه على ما يراه غرض واحد ذا سياق واحد متسق اجلمل رائق البيان

كتب عليكم فتارة يقول ه أولهوينقض آخر متطارد اجلمل يدفع بعضها بعضا هذا القائل وجدته خمتل السياقاميالص وأخرى يقول جيوز على القادرين منكم اإلفطار والفدية وأخرى يقول جيب عليكم مجيعا الصيام إذا

Page 15: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٥

ومل يكن يف اآلية حكم غري فينسخ حكم الفدية عن القادرين ويبقى حكم غري القادرين على حاله شهدمت الشهركان داال على القدرة قبل النسخ فصار يدل بعد النسخ على عدم يطيقونهقولهإن م إال أن يقالالله القادرين

كتب قولهيف وسط اآليات ناسخا ل وعلى الذين يطيقونهقولهوباجلملة جيب على هذا أن يكون القدرةاميالص كمليع يف أوهلا ملكان التنايف ويبقى الكالم يف وجهه تقييده باإلطاقة من غري سبب ظاهر قولهثم

همصفلي رهالش نكمم هدن شفم قولهيف آخر اآليات ناسخا ل يقونهطي ينلى الذعو الكالم يف يف وسطهاويبقى مع كون الناسخ مطلقا شامال للقادر والعاجز مجيعا وجه نسخه حلكم القادرين على الصيام فقط دون العاجزين

.وكون املنسوخ غري شامل حلكم العاجز الذي يراد بقاؤه وهذا من أفحش الفساد

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس قولهوإذا أضفت إىل هذا النسخ بعد النسخ ما ذكروه من نسخ فعدة من أيام أخر يريد وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر

الو رسالي وا بكمرتكبلو ةدلوا العتكملو رسالع بكم ريدي ونكرتش لكملعو اكمدا هلى م١٨٥(ع( يقونه فدية طعام أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يط قولهل

لمتع إن كنتم لكم ريوا خومأن تصو له ريخ وا فهريخ عن تطوفم نيكسم ١٨٤(ون( قولهونسخ اتوددعا مامأيامة طعيدف يقونهطي ينلى الذعو رام أخأي نم ةدفر فعلى سع ريضا أونكم مم ن كانفم وا فهريخ عن تطوفم نيكسم

Page 16: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٦

لمتع إن كنتم لكم ريوا خومأن تصو له ريخ ١٨٤(ون( قولهل اميالص كمليع بكت وتأملت معنى اآليات .شاهدت عجبا

التطوع تفعل من الطوع مقابل الكره وهو إتيان الفعل بالرضا والرغبة فمن تطوع خيرا فهو خير له قوله

ومعنى باب التفعل األخذ والقبول فمعنى التطوع التلبس يف إتيان الفعل بالرضا والرغبة من غري كره واستثقال سواء وأما اختصاص التطوع استعماال باملستحبات واملندوبات فمما حدث بعد نزول كان فعال إلزاميا أو غري إلزامي

ه بالطوع هو الندب وأما الواجب ففيه شوب كره ملكان اإللزام الذي القرآن بني املسلمني بعناية أن الفعل الذي يؤتى ب .فيه

ال داللة فيه مادة وهيئة على الندب وعلى هذا فالفاء للتفريع واجلملة متفرعة على احملصل وباجلملة التطوع كما قيلالصوم مكتوب عليكم مرعيا فيه خريكم وصالحكم مع ما فيه من أعلم واملعنى و من معنى الكالم السابق

فإن من أتى باخلري طوعا والتخفيف والتسهيل لكم فأتوا به طوعا ال كرها استقراركم يف صف األمم اليت قبلكم .كان خريا له من أن يأتي به كرها

Page 17: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٧

من قبيل وضع السبب موضع املسبب أعين وضع كون التطوع مبطلق فمن تطوع خيراقولهأن ومن هنا يظهرقد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم ال يكذبونك ولكن قولهاخلري خريا مكان كون التطوع بالصوم خريا نظري

اتبآي نيمالظال وندحج٣٣(ي( أي فاصرب وال حتزنونككذبال ي مفإنه.

مرتبطة باجلملة اليت تتلوها أعين فمن تطوع خيرا فهو خير لهقولهإن اجلملة أعين ورمبا يقالواملعنى أن من تطوع خريا من فدية طعام مسكني بأن يؤدي ما وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكنيقوله

.يزيد على طعام مسكني واحد مبا يعادل فديتني ملسكينني أو ملسكني واحد كان خريا له

فإنه ال يظهر عدم الدليل على اختصاص التطوع باملستحبات كما عرفت مع خفاء النكتة يف التفريع ويرد عليهال داللة له على التطوع بالزيادة فمن تطوع خيرا قولهمع أن لتفرع التطوع بالزيادة على حكم الفدية وجه معقول

.فإن التطوع باخلري غري التطوع بالزيادة

كما - واملعنى حبسب التقدير لسابقتها مجلة متممة )١٨٤(وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون قوله .فالتطوع به خري على خري تطوعوا بالصوم املكتوب عليكم فإن التطوع باخلري خري والصوم خري لكم - مر

Page 18: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٨

خطاب للمعذورين دون عموم املؤمنني املخاطبني وأن تصوموا خير لكمقولهيقال إن اجلملة أعين ورمبا

وحيمل بالفرض والكتابة فإن ظاهرها رجحان فعل الصوم غري املانع من الرتك فيناسب االستحباب دون الوجوبمن املريض واملسافر فيستحب عليهم اختيار الصوم على رجحان الصوم واستحبابه على أصحاب الرخصة

.على اإلفطار والقضاء

فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام قولهواختالف اجلملتني أعين عدم الدليل عليه أوال ويرد عليهله ريخ وا فهريخ عن تطوفم نيكسم امة طعيدف يقونهطي ينلى الذعو رأخ قولهو ريوا خومأن تصو

لكم بالغيبة واخلطاب ثانيا وأن اجلملة األوىل مسوقة لبيان الرتخيص والتخيري قولهبل ظاهر امأي نم ةدفع رأخ تعني الصوم يف أيام أخر كما مر ثالثا وأن اجلملة األوىل على تقدير ورودها لبيان الرتخيص يف حق املعذور مل

بيانا ألحد طريف التخيري بل إمنا ذكرت صوم شهر وأن تصوموا خير لكمقولهيذكر الصوم واإلفطار حتى يكون رمضان وصوم عدة من أيام أخر وحينئذ ال سبيل إىل استفادة ترجيح صوم شهر رمضان على صوم غريه من جمرد

وأن املقام ليس مقام بيان احلكم حتى ينايف ظهور من غري قرينة ظاهرة رابعا وأن تصوموا خير لكمقولهمقام مالك التشريع وأن احلكم املشرع ال خيلو عن املصلحة - كما مر سابقا - رجحان كون احلكم وجوبيا بل املقام ال

Page 19: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٩

فاسعوا إلى قولهو فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم قولهواخلري واحلسن كما يف ورسوله تؤمنون ب قولهو )٩(وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ذكر

واآليات يف ذلك كثرية )١١(بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون وتجاهدون في سبيل شهر رمضان هو الشهر التاسع من الشهور شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى قوله خامسا

.القمرية العربية بني شعبان وشوال ومل يذكر اسم شيء من الشهور يف القرآن إال شهر رمضان

والقرآن اسم والفرق بني اإلنزال والتنزيل أن اإلنزال دفعي والتنزيل تدرجيي العلووالنزول هو الورود على احملل من )٣(إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون باعتبار كونه مقروا كما قال للكتاب املنزل على نبيه حممد

ويطلق على جمموع الكتاب وعلى أبعاضه.

وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه وقد قال واآلية تدل على نزول القرآن يف شهر رمضان زيال١٠٦(تن(اإلسراء وهو ظاهر يف نزوله تدرجيا يف جمموع مدة الدعوة وهي ثالث وعشرون سنة تقريبا واملتواتر

.ولذلك رمبا استشكل عليه بالتنايف بني اآليتني من التاريخ يدل على ذلك

Page 20: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٠

جنوما وعلى مكث بأنه نزل دفعة على مساء الدنيا يف شهر رمضان ثم نزل على رسول ورمبا أجيب عنهوهذا جواب مأخوذ من الروايات اليت سننقل بعضها يف البحث - جمموع مدة الدعوة - يف مدة ثالث وعشرين سنة

.عن الروايات

ال هدى للناس وبينات من الهدى والفرقانقوله أنزل فيه القرآنقولهبأن تعقيب وقد أورد عليه .يساعد على ذلك إذ ال معنى لبقائه على وصف اهلداية والفرقان يف السماء مدة سنني

وفارقا إذا التبس حق بباطل ال ينايف بأن كونه هاديا من شأنه أن يهدي من حيتاج إىل هدايته من الضالل وأجيب

وهلذا نظائر وأمثال يف القوانني املدنية بقاءه مدة على حال الشأنية من غري فعلية التأثري حتى حيل أجله وحيني حينه .املنتظمة اليت كلما حان حني مادة من موادها أجريت وخرجت من القوة إىل الفعل

غري حكم اخلطابات اليت ال يستقيم أن تتقدم على مقام التخاطب ولو زمانا يسريا واحلق أن حكم القوانني والدساتري

قولهويف القرآن آيات كثرية من هذا القبيل ك عمس قد ي إلىتكتشا وجهي زوف لكادي تجل التقو و اكمراوتح عمسي وقوله إذااومكوك قائترا وها انفضوا إليوله أو ةارجا تأور

Page 21: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢١

عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديال رجال صدقوا ما عاهدوا وقوله)٢٣( على أن يف القرآن ناسخا ومنسوخا وال معنى الجتماعهما يف زمان حبسب النزول.

أن ويرد عليه أن املراد من نزول القرآن يف شهر رمضان أن أول ما نزل منه نزل فيه ورمبا أجيب عن اإلشكالوقد بعث اليوم السابع والعشرين من شهر رجب وبينه وبني إمنا بعث بالقرآن املشهور عندهم أن النيب

اقرأ باسم ربكعلى أن أول سورة رمضان أكثر من ثالثني يوما وكيف خيلو البعثة يف هذه املدة من نزول القرآن يشهد على أهنا أول سورة نزلت وأهنا نزلت مبصاحبة البعثة وكذا سورة املدثر تشهد أهنا نزلت يف أول الدعوة

أنزل فيه القرآنقولهعلى أن وكيف كان فمن املستبعد جدا أن تكون أول آية نزلت يف شهر رمضان غري صريح الداللة على أن املراد بالقرآن أول نازل منه وال قرينة تدل عليه يف الكالم فحمله عليه تفسري من غري دليل

إنا قولهو )٣(إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين )٢(والكتاب المبني قولهونظري هذه اآلية فإن ظاهر هذه اآليات ال يالئم كون املراد من إنزال القرآن أول إنزاله أو إنزال أول )١(أنزلناه في ليلة القدر

.بعض من أبعاضه وال قرينة يف الكالم تدل على ذلك

Page 22: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٢

القرآن يف شهر رمضان أو يف ليلة منه إمنا والذي يعطيه التدبر يف آيات الكتاب أمر آخر فإن اآليات الناطقة بنزول شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن عربت عن ذلك بلفظ اإلنزال الدال على الدفعة دون التنزيل كقوله

وقوله ١(حم( بنيتاب المالكو)٢( كةاربم لةي ليف اهلنإنا أنز وقوله لةي ليف اهلنإنا أنزكماء واعتبار الدفعة إما بلحاظ اعتبار اموع يف الكتاب أو البعض النازل منه كقوله )١(القدر

اءمالس نم اهلنأنز جمموعا واحدافإن املطر إمنا ينزل تدرجيا لكن النظر هاهنا معطوف إىل أخذه ولذلكوإما لكون الكتاب ذا ٢٩صكتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وكقوله عرب عنه باإلنزال دون التنزيل

حقيقة أخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي الذي يقضى فيه بالتفرق والتفصيل واالنبساط والتدريج هو املصحح وهذا االحتمال الثاني هو الالئح من اآليات الكرمية ...لكونه واحدا غري تدرجيي ونازال باإلنزال دون التنزيل

فإن هذا اإلحكام مقابل التفصيل هود)١(كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبري قولهكوالتفصيل هو جعله فصال فصال وقطعة قطعة فاإلحكام كونه حبيث ال يتفصل فيه جزء من جزء وال يتميز بعض من

واآلية ناطقة بأن هذا التفصيل املشاهد يف القرآن إمنا طرأ بعض لرجوعه إىل معنى واحد ال أجزاء وال فصول فيه .عليه بعد كونه حمكما غري مفصل

Page 23: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٣

هل ينظرون إال )٥٢(ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون قولهوأوضح منه قا بالحنبل رسر تاءج ل قدقب نم وهنس ينقول الذي ي تأويلهأتي موي تأويلهاألعراف قولهو آنذا القره ا كانمو

أم يقولون )٣٧(ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب ال ريب فيه من رب العالمني أن يفترى من دون بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه )٣٨(إن كنتم صادقني طعتم من دون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من است

تأويله همأتا يلموفإن اآليات الشريفة وخاصة ما يف سورة يونس ظاهرة الداللة على أن التفصيل أمر طار على يونسوأهنم إمنا كذبوا بالتفصيل من الكتاب لكوهنم الكتاب فنفس الكتاب شيء والتفصيل الذي يعرضه شيء آخر

ون إىل علمه فال ينفعهم الندم وسيظهر هلم يوم القيامة ويضطر ناسني لشيء يئول إليه هذا التفصيل وغافلني عنه .والت حني مناص وفيها إشعار بأن أصل الكتاب تأويل تفصيل الكتاب

وإنه في أم الكتاب )٣(إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )٢(والكتاب المبني )١(حم وأوضح منه قوله

يمكح يلا لعني٤(لد( فإنه ظاهر يف أن هناك كتابا مبينا عرض عليه جعله مقروا عربيا الزخرف وإمنا ألبس لباسحكيم ال يوجد علي ال يصعد إليه العقول عند - وهو يف أم الكتاب - القراءة والعربية ليعقله الناس وإال فإنه

.فيه فصل وفصل

Page 24: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٤

فال أقسم بمواقع ويف هذا املساق أيضا قوله ويف اآلية تعريف للكتاب املبني وأنه أصل القرآن العربي املبنيال يمسه إال المطهرون )٧٨(في كتاب مكنون )٧٧(إنه لقرآن كريم )٧٦(وإنه لقسم لو تعلمون عظيم )٧٥(النجوم

)٧٩( نيالمالع بر نزيل متن)٨٠( الواقعة فإنه ظاهر يف أن للقرآن موقعا هو يف الكتاب املكنون ال ميسه هناك أحدوأما قبل التنزيل فله موقع يف كتاب مكنون عن األغيار وهو الذي عرب وأن التنزيل بعده إال املطهرون من عباد بل هو قرآن مجيد حيث قال )لوح محفوظ(بــ ويف سورة الربوج )أم الكتاب(بــ عنه يف آيات الزخرف

)٢١( فوظحح مي لوف)٢٢(الربوج وهذا اللوح إمنا كان حمفوظا حلفظه من ورود التغري عليه ومن املعلوم أنالذي هو )الكتاب المبني(ــف القرآن املنزل تدرجيا ال خيلو عن ناسخ ومنسوخ وعن التدريج الذي هو حنو من التبدل

.وإمنا هذا مبنزلة اللباس لذاك أصل القرآن وحكمه اخلايل عن التفصيل أمر وراء هذا املنزل

- وحنن نسميه حبقيقة الكتاب - كون القرآن يف مرتبة التنزيل بالنسبة إىل الكتاب املبني ثم إن هذا املعنى أعينمبنزلة اللباس من املتلبس ومبنزلة املثال من احلقيقة ومبنزلة املثل من الغرض املقصود بالكالم هو املصحح ألن يطلق

إىل غري الربوج )٢٢(في لوح محفوظ )٢١(مجيد بل هو قرآن ) القرآن أحيانا على أصل الكتاب كما يف قوله إنا أنزلناه في ليلة قولهو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن قولهذلك وهذا الذي ذكرنا هو املوجب ألن حيمل

Page 25: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٥

كةاربم وقوله لةي ليف اهلنرإنا أنز١(القد( على إنزال حقيقة الكتاب والكتاب املبني إىل قلب رسول دفعة كما أنزل القرآن املفصل على قلبه تدرجيا يف مدة الدعوة النبوية.

ال قولهو ١١٤طهوال تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه قولهوهذا هو الذي يلوح من حنو

ل بهجتعل انكسل ك بهر١٦(تح( آنهقرو هعما جنليع إن)١٧( آنهقر فاتبع أناهفإذا قر)١٨( انهيا بنليع إن ثم)١٩( كان له علم مبا سينزل عليه فنهي عن االستعجال بالقراءة قبل قضاء فإن اآليات ظاهرة يف أن رسول القيامة

. إن شاء - وسيأتي توضيحه يف املقام الالئق به الوحي

على كون هذا القرآن املنزل على النيب وباجلملة فإن املتدبر يف اآليات القرآنية ال جيد مناصا عن االعرتاف بداللتهاتدرجيا متكئا على حقيقة متعالية عن أن تدركها أبصار العقول العامة أو تناوهلا أيدي األفكار املتلوثة بألواث

بذلك حقيقة ما عناه بكتابه وأن تلك احلقيقة أنزلت على النيب إنزاال فعلمه اهلوسات وقذارات املادةهو الذي أنزل عليك الكالم املتعلق هبذا املعنى يف البحث عن التأويل والتنزيل يف قوله وسيجيء بعض من

اتكمحم اتآي هنم تابالكفهذا ما يهدي إليه التدبر ويدل عليه اآليات ٧آل عمران نعم أرباب احلديث والغالب مناملتكلمني واحلسيون من باحثي هذا العصر ملا أنكروا أصالة ما وراء املادة احملسوسة اضطروا إىل محل هذه اآليات

Page 26: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٦

ونازال ويف لوح حمفوظ ونظائرها كالدالة على كون القرآن هدى ورمحة ونورا وروحا ومواقع النجوم وكتابا مبيناويف صحف مطهرة إىل غري ذلك من احلقائق على أقسام االستعارة وااز فعاد بذلك القرآن شعرا من عند

.منثورا

كان إنه ال ريب أن بعثة النيب قال ما حمصله ولبعض الباحثني كالم يف معنى نزول القرآن يف شهر رمضانوال ريب أن هذه الواقعة إمنا وقعت بالليل بالتبليغ واإلنذار مقارنا لنزول أول ما نزل من القرآن وأمره

وال ريب أن الليلة كانت من ليايل شهر رمضان )٣(إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين قولهل .١٨٥البقرة شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن قولهل

وهي تشتمل على مجل معارف القرآن فكان ومجلة القرآن وإن مل تنزل يف تلك الليلة لكن ملا نزلت سورة احلمد فيهاعلى أن القرآن يطلق على البعض كما يطلق على الكل بل )أنزلناه في ليلة ) كأن القرآن نزل فيها مجيعا فصح أن يقال

أن أول ما نزل وذلك سائر الكتب السماوية أيضا كالتوراة واإلجنيل والزبور باصطالح القرآن قال يطلق القرآن علىقاصد نزل والنيب نزل ليلة اخلامس والعشرين من شهر رمضان إخل)اقرأ باسم ربك ) من القرآن قوله

وملا إخل))١(اقرأ باسم ربك الذي خلق) قوله دار خدجية يف وسط الوادي يشاهد جربائيل فأوحى إليه

Page 27: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٧

)١(الرحمن الرحيم بسم بقولهكيف يذكر اسم ربه فرتاءى له وعلمه تلقى الوحي خطر بباله أن يسأله نيالمالع بر لهل دمإىل آخر سورة احلمد ))٢(الح ثم علمه كيفية الصالة ثم غاب عن نظره فصحا النيب ومل

جيد مما كان يشاهده أثرا إال ما كان عليه من التعب الذي عرضه من ضغطة جربائيل حني الوحي فأخذ يف طريقه مأمور هبدايتهم ثم ملا دخل البيت نام ليلته من شدة التعب فعاد إليه ملك إىل الناس وهو ال يعلم أنه رسول من

.املدثر اآليات )٢(قم فأنذر )١(ياأيها المدثر قولهالوحي صبيحة تلك الليلة وأوحى إليه

وأما ما يوجد يف بعض كتب الشيعة فهذا هو معنى نزول القرآن يف شهر رمضان ومصادفة بعثته لليلة القدر قال

من أن البعثة كانت يوم السابع والعشرين من شهر رجب فهذه األخبار على كوهنا ال توجد إال يف بعض كتب الشيعة .اليت ال يسبق تاريخ تأليفها أوائل القرن الرابع من اهلجرة خمالفة للكتاب كما عرفت

أنه نزل فيه قبل خبار تدل على أن معنى نزول القرآن يف شهر رمضانوهناك روايات أخرى يف تأييد هذه األ قال

بعثة النيب من اللوح احملفوظ إىل البيت املعمور وأماله جربائيل هناك على املالئكة حتى ينزل بعد البعثة على رسول

Page 28: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٨

وهذه أوهام خرافية دست يف األخبار مردودة أوال مبخالفة الكتاب أن مراد القرآن باللوح احملفوظ وثانيا .انتهى ملخصا هو عامل الطبيعة وبالبيت املعمور هو كرة األرض لعمرانه بسكون اإلنسان فيه

تقبل اإلصالح حتى تنطبق على احلق واحلقية - على فساده بتمام أجزائه - ولست أدري أي مجلة من مجل كالمه

.فقد اتسع اخلرق على الراتق بوجه

اقرأ باسم ( نزل عليه أن هذا التقول العجيب الذي تقوله يف البعثة ونزول القرآن أول ما نزل وأنه أوالففيه كبر( وهو يف الطريق ثم نزلت عليه سورة احلمد ثم علم الصالة ثم دخل البيت ونام تعبانا ثم نزلت عليه سورة

وإمنا هي قصة ختيلية ال كل ذلك تقول ال دليل عليه ال آية حمكمة وال سنة قائمة املدثر صبيحة الليلة فأمر بالتبليغ .توافق الكتاب وال النقل على ما سيجيء

أنه ذكر أن من املسلم أن البعثة ونزول القرآن واألمر بالتبليغ مقارنة زمانا ثم فسر ذلك بأن النبوة ابتدأت بنزول وثانيا نبيا غري رسول ليلة واحدة فقط ثم يف صبيحة الليلة أعطي الرسالة بنزول سورة املدثر وكان النيب القرآن

.وليس من املسلم ذلك نةأن يستند يف ذلك إىل كتاب وال س وال يسعه

Page 29: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٩

أما السنة فألن الزم ما طعن به يف جوامع الشيعة بتأخر تأليفها عن وقوع الواقعة عدم االعتماد على شيء من جوامع قرنني احلديث مطلقا إذ ال شيء من كتب احلديث مما ألفته العامة أو اخلاصة إال وتأليفه متأخر عن عصر النيب

حاله أسوأ والدس الذي رمي به احلديث - على خلوه من هذه التفاصيل - والتاريخ فصاعدا فهذا يف السنة .متطرق إليه أيضا

ذكره وتكذيب ما تقوله ظاهرة فإن وأما الكتاب فقصور داللته على ما ذكره أوضح وأجلى بل داللته على خالف ما

ويشهد به اآليات على ما ذكره أهل النقل وهي أول سورة نزلت على النيب - اقرأ باسم ربكسورة مشتملة على أنه - اخلمس اليت يف صدرها ومل يذكر أحد أهنا نزلت قطعات وال أقل من احتمال نزوهلا دفعة

ندري كيف كانت هذه كان يصلي مبرأى من القوم وأنه كان منهم من ينهاه عن الصالة ويذكر أمره يف نادي القوم واليتقرب هبا إىل ربه يف بادىء أمره إال ما تشتمل عليه هذه السورة من أمر السجدة الصالة اليت كان رسول

أو أمر بالتقوى )١١(أرأيت إن كان على الهدى )١٠(عبدا إذا صلى )٩(أرأيت الذي ينهى فيها قال ناصية كاذبة )١٥(كال لئن لم ينته لنسفعن بالناصية )١٤(يرى ألم يعلم بأن )١٣(أرأيت إن كذب وتولى )١٢(

ئةاط١٦(خ( هيناد عدفلي)١٧( ةيانبالز عدنس)١٨( العلق أنه كان هناك من ينهى فاآليات كما ترى ظاهرة يف

Page 30: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٠

بدليل قوله وقد كان هذا املصلي هو النيب وال ينتهي عن فعاله ويذكر أمره يف النادي مصليا عن الصالة بعد ذلك هعال تط كال١٩العلق .

وقد كان على اهلدى ورمبا أمر كان يصلي قبل نزول أول سورة من القرآن فقد دلت السورة على أن النيب نبيا وكان يصلي وملا ينزل عليه قرآن وال نزلت بعد فكان وهذا هو النبوة ومل يسم أمره ذلك إنذارا بالتقوى

.عليه سورة احلمد وملا يؤمر بالتبليغ

ولو كان نزوهلا عقيب نزول سورة العلق بال فصل عن خطور يف قلب وأما سورة احلمد فإهنا نزلت بعد ذلك بزمانرب للهاحلمد .الرمحن الرحيم بسم (قل كما ذكره هذا الباحث لكان حق الكالم أن يقال رسول ولكان من الواجب أن خيتم )إخل رب العاملني للهاحلمد ( قل )الرمحن الرحيم بسم ( أو يقال )إخل العاملني

خلروج بقية اآليات عن الغرض كما هو األليق ببالغة القرآن الشريف مالك يوم الدين الكالم يف قوله

قوله - وسيجيء بيانه وهي من السور املكية كما تدل عليه مضامني آياهتا - نعم وقع يف سورة احلجر يمظالع آنالقري وثانالم نا معباك سنآتي لقد٨٧(و(احلجر.

Page 31: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣١

واملراد بالسبع املثاني سورة احلمد وقد قوبل هبا القرآن العظيم وفيه متام التجليل لشأهنا والتعظيم خلطرها لكنها مل كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين تعد قرآنا بل سبعا من آيات القرآن وجزءا منه بدليل قوله

فما له من يهدي به من يشاء ومن يضلل ذلك هدى يخشون ربهم ثم تلني جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اد٢٣(ه(الزمر.

لسورة على ذكر سورة احلمد يدل على سبق نزوهلا نزول سورة احلجر والسورة مشتملة أيضا ومع ذلك فاشتمال ا ويدل احلجر اآليات )٩٥(إنا كفيناك المستهزئني )٩٤(فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركني على قوله

.فاصدعكان قد كف عن اإلنذار مدة ثم أمر به ثانيا بقوله ذلك على أن رسول

فإن كانت السورة نازلة بتمامها دفعة كان حال املدثر)٢(قم فأنذر قولهوأما سورة املدثر وما تشتمل عليه من إنا كفيناك )٩٤(فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركني حال قوله )٢(قم فأنذر هذه اآلية

نيزئتهس٩٥(الم( الشتمال هذه السورة أيضا على قوله ايدحو لقتخ نمي ونذر)١١( إىل آخروإن كانت إخل )١٠٦(وأعرض عن المشركني وهي قريبة املضمون من قوله يف سورة احلجر املدثراآليات

.السورة نازلة جنوما فظاهر السياق أن صدرها قد نزل يف بدء الرسالة

Page 32: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٢

احملفوظ إىل البيت املعمور مجلة واحدة قبل إن الروايات الدالة على نزول القرآن يف ليلة القدر من اللوح قولهأن وثالثا أخبار جمعولة خرافية ملخالفتها الكتاب وعدم استقامة مضموهنا البعثة ثم نزول اآليات جنوما على رسول

.وأن املراد باللوح احملفوظ هو عامل الطبيعة وبالبيت املعمور كرة األرض خطأ وفرية

.تاب خيالف هذه األخبار على ما عرفتفألنه ال شيء من ظاهر الك أوالأما

أضافها هو إىل مضموهنا من غري فألن األخبار خالية عن كون النزول اجلملي قبل البعثة بل الكلمة مما وأما ثانيا .تثبت

ما هو الوجه وليت شعري - وأنه أضحوكة - إن اللوح احملفوظ هو عامل الطبيعة تفسري شنيع قولهفألن وأما ثالثا

أ ذلك لكون هذا العامل حمفوظا عن التغري لوحا حمفوظا املصحح على قوله لتسمية عامل الطبيعة يف كالمه أو لكونه حمفوظا عن الفساد تكوينا أو تشريعا! متغري الصفات سيال الذات فهو عامل احلركات والتحول

في )٧٧(إنه لقرآن كريم قوله كما يدل عليه أو لكونه حمفوظا عن اطالع غري أهله عليه! فالواقع خالفه .!فإدراك املدركني فيه على السواء الواقعة )٧٩(ال يمسه إال المطهرون )٧٨(كتاب مكنون

Page 33: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٣

فإن مل يأت هذا الباحث يف توجيهه نزول القرآن يف شهر رمضان بوجه حمصل يقبله لفظ اآلية وبعد اللتيا واليتكأنا أنزلناه إنا أنزلناه في ليلة ومعنى كأمنا أنزل فيه القرآن أنزل فيه القرآن أن معنى حاصل توجيهه

.!وهذا شيء ال حيتمله اللغة والعرف هلذا السياق يف ليلة

لنزول سورة الفاحتة املشتملة على مجل معارف نزل القرآن ليلة القدر على رسول ولو جاز لقائل أن يقولمن غري أي نزول إمجال معارفه على قلب رسول إن معنى نزول القرآن نزوله مجلة واحدة القرآن جاز أن يقال

.مانع مينع كما مر بيانه سابقا .ويف كالمه جهات أخرى من الفساد تركنا البحث عنها خلروجه عن غرضنا يف املقام

وهم الطبقة الدانية من اإلنسان الذين سطح فهمهم الناس هدى للناس وبينات من الهدى والفرقانقوله )٣٠(ولكن أكثر الناس ال يعلمون كما قال يكثر إطالق هذه الكلمة يف حقهم املتوسط أنزل السطوح

وهؤالء أهل التقليد ال يسعهم العنكبوت )٤٣(وتلك األمثال نضربها للناس وما يعقلها إال العالمون وقال الروموالقرآن هدى وال فرق احلق من الباطل باحلجة إال مببني يبني هلم وهاد يهديهم متييز األمور املعنوية بالبينة والربهان

Page 34: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٤

ة املستعدون لالقتباس من أنوار اهلداية اإلهلي وأما اخلاصة املستكملون يف ناحييت العلم والعمل هلم ونعم اهلدىوالركون إىل فرقان احلق فالقرآن بينات وشواهد من اهلدى والفرقان يف حقهم فهو يهديهم إليه ومييز هلم احلق ويبني هلم

من اتبع رضوانه سبل السالم ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم يهدي به قال كيف مييز . املائدة )١٦(إلى صراط مستقيم

وهو التقابل بني العام واخلاص فاهلدى لبعض والبينات ومن هنا يظهر وجه التقابل بني اهلدى والبينات من اهلدى

.من اهلدى لبعض آخر

وشهادة الشهر إمنا الشهادة هي احلضور مع حتمل العلم من جهته فمن شهد منكم الشهر فليصمه قوله .ويكون بالبعض كما يكون بالكل هو ببلوغه والعلم به

بشهود الشهر رؤية هالله وكون اإلنسان باحلضر مقابل السفر فال دليل عليه إال من طريق املالزمة يف وأما كون املراد .وال قرينة يف اآلية بعض األوقات حبسب القرائن

Page 35: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٥

ليس من قبيل التكرار إيراد هذه اجلملة يف اآلية ثانيا ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر قولهللتأكيد وحنوه ملا عرفت أن اآليتني السابقتني مع ما تشتمالن عليه مسوقتان للتوطئة والتمهيد دون بيان احلكم وأن

.احلكم هو الذي بني يف اآلية الثالثة فال تكرار

وهو كأنه بيان موع حكم االستثناء بكم اليسر وال يريد بكم العسر ولتكملوا العدة يريد قوله قولهوالالم يف وصيام عدة من أيام أخر ملكان وجوب إكمال العدة اإلفطار يف شهر رمضان ملكان نفي العسر

ةدلوا العتكملو للغاية قولهوهو عطف على ريدي لكونه مشتمال على معنى الغاية والتقدير وإمنا أمرناكمهو املوجب إلسقاط ولتكملوا العدةقولهولعل إيراد ولتكملوا العدةباإلفطار والقضاء لنخفف عنكم

عن هذه اآلية مع تفهم حكمه بنفي العسر وذكره يف اآلية طعام مسكني وعلى الذين يطيقونه فدية قولهمعنى .السابقة

ظاهر اجلملتني على ما يشعر به الم الغاية )١٨٥(على ما هداكم ولعلكم تشكرون ولتكبروا قوله

الذي أنزل فيه بقوله شهر رمضانقولهأهنما لبيان الغاية غاية أصل الصيام دون حكم االستثناء فإن تقييد ن كانمو همصفلي رهالش نكمم هدن شقان فمالفرى وداله نم اتنيباس وى للنده آنالقر ةدفر فعلى سع ريضا أوم

Page 36: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٦

ريدي رام أخأي نم بكم ريدال يو رسالي وا بكمرتكبلو ةدلوا العتكملو رسالع لكملعو اكمدا هلى مع ونكر١٨٥(تش( مشعر بنوع من العلية وارتباط فرض صيام شهر رمضان بنزول القرآن هدى للناس وبينات من

مبا نزل عليهم القرآن وأعلن ربوبيته اهلدى والفرقان فيعود معنى الغاية إىل أن التلبس بالصوم إلظهار كربيائه .لباطلوفرق هلم بكتابه بني احلق وا وشكر له مبا هداهم إىل احلق وعبوديتهم

يف للهوملا كان الصوم إمنا يتصف بكونه شكرا لنعمه إذا كان مشتمال على حقيقة معنى الصوم وهو اإلخالص

فإن صورة الصوم والكف للهالتنزه عن ألواث الطبيعة والكف عن أعظم مشتهيات النفس خبالف اتصافه بالتكبري وتعظيمه فرق بني التكبري والشكر فقرن الشكر سواء اشتمل على إخالص النية أو مل يشتمل يدل على تكبريه

يف أول كما قال)١٨٥(على ما هداكم ولعلكم تشكرون ولتكبروا بكلمة الرتجي دون التكبري فقال .)١٨٣(لعلكم تتقون اآليات

.) )قال يف احلديث القدسي

Page 37: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٧

أنه هو العبادة الوحيدة اليت تألفت من للهوالوجه يف كون الصوم وقد رواه الفريقان على اختالف يسري أقولوالفعل الوجودي ال يتمحض يف وغريه كالصالة واحلج وغريمها متألف من اإلثبات أو ال خيلو من اإلثبات النفي

ألنه ال خيلو عن شوب النقص املادي وآفة احملدودية وإثبات اإلنية وميكن إظهار عبودية العبد وال ربوبية الرب نصيب فيه كما يف موارد الرياء والسمعة والسجدة لغريه خبالف النفي الذي يشتمل عليه الصوم أن جيعل لغريه

فيه لكونه أمرا بني عن اإلخالد إىل األرض والتنزه بالكف عن شهوات النفس فإن النفي ال نصيب لغريه تعايلبالإن كان بصيغة املعلوم كان داال على ( (وقوله العبد والرب ال يطلع عليه حبسب الطبع غريه

أنه ال يوسط يف إعطاء األجر بينه وبني الصائم أحدا كما أن العبد يأتي مبا ليس بينه وبني ربه يف االطالع عليه أحد ) نظري ما ورد ( قال ذأخيو

قاتدالص١٠٤ التوبة هول كان كناية عن أن أجر الصائم القرب منهوإن كان بصيغة ا.

)عن الصادق ويف الكايف

(. .على صيام شعبان ورمضان وثالثة أيام من كل شهر قبض رسول قال وعن عنبسة العابد

Page 38: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٨

ما عدا صوم واألخبار من طرق أهل البيت كثرية يف ذلك وهو الصوم املسنون الذي كان يصومه النيب أقول

.رمضان

(قال يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيامقولهيف عن الصادق ويف تفسري العياشي

(. آمنوا كتب يا أيها الذين كتب عليكم القتال عن قول سألت الصادق قال وعن مجيل

اميالص كمليع.قال فقال

. يقول عن حفص قال مسعت أبا عبد ويف الفقيه

فقلت له فقول ينا الذها أيي با كتكم اميالص كمليع بوا كتنآمكملن قبم ينلى الذع قال

أقول والرواية ضعيفةوعلى أي وكان الروايتني واحدة وقد روي هذا املعنى مرسال عن العامل بإمساعيل بن حممد يف سنده

Page 39: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٩

كما كتب على الذين من قبلكمقولهحال فهي من اآلحاد وظاهر اآلية ال يساعد على كون املراد من كان التصريح بامسهم أوىل من واملقام مقام التوطئة والتمهيد والتحريص والرتغيب األنبياء خاصة ولو كان كذلك

.العامل الكناية وأوقع و فقال عن القرآن والفرقان أ مها شيئان أو شيء واحد عمن سأل الصادق ويف الكايف

.

.عنه ويف اجلوامع عنه والقمي ويف تفسريي العياشي

.أقول واللفظ يساعد على ذلك ويف بعض األخبار

وهو واحد غريب يف بابه وقد نقل هذا الكالم عن قتادة أيضا من . املفسرين

Page 40: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٠

على أن لفظ رمضان من غري تصديره بلفظ شهر وكذا خال عن ذكر رمضان واألخبار الواردة يف عد أمسائه حبيث يستبعد رمضانان بصيغة التثنية كثري الورود يف الروايات املنقولة عن النيب وعن أئمة أهل البيت

. جدا نسبة التجريد إىل الراوي

أمرني أن أسألك عن إن ابن أبي يعفور ألبي عبد قلت عن الصباح بن نباتة قال ويف تفسري العياشيقال إذا دخل شهر رمضان وأنا يف منزيل أيل أن أسافر يقول لك قلت مسائل فقال

همصفلي رهالش نكمم هدن شفم

.

.وهو استفادة لطيفة حلكم استحبابي باألخذ باإلطالق أقول

قال عن علي بن احلسني ويف الكايف

Page 41: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤١

رام أخأي نم ةدفر فعلى سع ريضا أونكم مم ن كانفم أقول ورواه .العياشي أيضا

قال الشهر فليصمهفمن شهد منكم قولهيف عن الباقر ويف تفسري العياشي

قال وقد عرفت داللة واألخبار عن أئمة أهل البيت يف تعني اإلفطار على املريض واملسافر كثرية ومذهبهم ذلك أقول

.اآلية عليه وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني سألته عن قول أيضا عن أبي بصري قال ويف تفسري العياشي

. قال .قال يف اآلية ويف تفسريه أيضا عن الباقر

. قال ويف تفسريه أيضا عن الصادق

Page 42: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٢

واملراد باملريض يف رواية أبي بصري املريض يف سائر أيام السنة غري أيام والروايات فيه كثرية عنهم أقولال يشمله وهو فمن كان منكم مريضاقولهشهر رمضان ممن ال يقدر على عدة أيام أخر فإن املريض يف

.والعطاش مرض العطش ظاهر

ما التكبري إال يف يوم النحر قلت قال ويف تفسريه أيضا عن سعيد عن الصادق قال

. قال أبو عبد عن سعيد النقاش قال ويف الكايف

قال قلت وأين هو قال

قال قلت قال! كيف أقول

ةدلوا العتكملو

وارتكبول اكمدا هلى مع

قال ويف رواية التكبري اآلخر أربع مرات.

Page 43: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٣

يعين وقوله اختالف الروايتني يف إثبات الظهرين وعدمه ميكن أن حيمل على مراتب االستحباب أقولمع الصلوات على ما أي عدة أيام الصوم بصالة العيد ولتكربوا ولتكملوا العدةالصالة لعله يريدأن املعنى

فإنه استفادة حكم على ما هداكم ولتكبروا قولهوهو غري مناف ملا ذكرناه من ظاهر معنى هديكممن استفادة كراهة فمن شهد منكم الشهر فليصمهقولهاستحبابي من مورد الوجوب نظري ما مر يف

واختالف آخر التكبريات يف املوضعني من الرواية اخلروج إىل السفر يف الشهر ملن شهد الليلة األوىل منه هذا ـي بدبتضمني التكبري معنى احلمد ولذلك ع على ما هداكم ولتكبروا قولهإن األخرية يؤيد ما قيل

لىع

به عندنا أن حدث جعلت فداك ما يت قلت له قال عن ابن أبي عمري عن الصادق ويف تفسري العياشيقال صام تسعة وعشرين أكثر مما صام ثالثني أحق هذا النيب

ةدلوا العتكملو .

أن ظاهر التكميل والرواية تدل على ما قدمناه يف مقام االستفهام اإلنكاري قوله أقول . تكميل شهر رمضان

Page 44: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٤

قال على ما هداكم ولتكبروا قولهعن بعض أصحابنا رفعه يف ويف حماسن الربقي

.

وميكن أن يكون من قبيل ما يسمى تأويال كما املصداقمن باب اجلري وبيان قولهو أقول ورد يف بعض الروايات

شهر رمضان الذي أنزل سألته عن قول قال عن حفص بن الغياث عن أبي عبد ويف الكايفآنالقر يهف وإمنا أنزل يف عشرين بني أوله وآخره فقال أبو عبد

ثم قال

. . بعدة طرق عن وائلة بن األسقع عن النيب رواه السيوطي يف الدر املنثور عن النيب ما رواه أقول

Page 45: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٥

عن ليلة القدر فقال أخربني عن ليلة القدر مسعت رجال يسأل أبا عبد عن يعقوب قال والفقيه ويف الكايف . فقال أبو عبد كانت أو تكون يف كل سنة

شهر رمضان والليلة املباركة وليلة القدر فإن ليلة القدر هي الليلة املباركة قال عن ابن عباس ويف الدر املنثور

وهي يف رمضان نزل القرآن مجلة واحدة من الذكر إىل البيت املعمور وهو موقع النجوم يف السماء الدنيا حيث وقع .بعد ذلك يف األمر والنهي ويف احلروب رسال رسال القرآن ثم نزل على حممد

وروي هذا املعنى عن غريه أيضا كسعيد بن جبري ويظهر من كالمه أنه إمنا استفاد ذلك من اآليات القرآنية أقول

والبيت )٣(في رق منشور )٢(وكتاب مسطور قولهويف آل عمران)٥٨(والذكر الحكيم قولهكوإنه لقسم لو تعلمون عظيم )٧٥(فال أقسم بمواقع النجوم قولهو الطور )٥(والسقف المرفوع )٤(المعمور

)٧٦( كريم آنلقر إنه)٧٧( ونكنتاب مي كف)٧٨( ونرطهإال الم هسمال ي)٧٩(الواقعة وقوله اءما السنزيوومجيع ذلك ظاهر إال ما ذكره يف مواقع وأنه السماء األوىل وموطن القرآن فإن ١٢حم السجدةالدنيا بمصابيح وحفظا

وقد ورد من طرق أهل البيت أن البيت واآليات من سورة الواقعة غري واضحة الداللة على ذلك فيه خفاءومما جيب أن يعلم أن احلديث كمثل القرآن يف وسيجيء الكالم فيه يف حمله إن شاء املعمور يف السماء

Page 46: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٦

من اللوح وال سيما يف أمثال هذه احلقائق والكالم على اإلشارة والرمز شائع فيه اشتماله على احملكم واملتشابهوالقلم واحلجب والسماء والبيت املعمور والبحر املسجور فمما جيب للباحث أن يبذل جهده يف احلصول على

. القرائن

Page 47: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٧

)(

بيان

أحسن بيان ملا اشتمل عليه من دعان وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا قولهوفيه داللة على كمال املضمون وأرق أسلوب وأمجله فقد وضع أساسه على التكلم وحده دون الغيبة وحنوها

ثم حذف الواسطة يف اجلواب الناس وما أشبهه يزيد يف هذه العناية ومل يقل عبادي قولهثم العناية باألمرثم اإلتيان بالصفة دون الفعل الدال على إن ـثم التأكيد ب ومل يقل فقل إنه قريبفإني قريبحيث قال

ثم الداللة على جتدد اإلجابة واستمرارها حيث أتى بالفعل املضارع الدال القرب ليدل على ثبوت القرب ودوامهوهذا القيد ال يزيد على إذا دعان قولهأجيب دعوة الداع قولهثم تقييده اجلواب أعين عليهما

وفيه داللة على أن دعوة الداع جمابة من غري شرط وقيد ملقيد به شيئا بل هو عينهدعوة الداعقولهفهذه سبع نكات يف اآلية تنبىء باالهتمام يف أمر استجابة الدعاء ٦٠املؤمنونادعوني أستجب لكمقولهك

وهي اآلية الوحيدة يف القرآن ضمري املتكلم سبع مرات - على إجيازها - مع كون اآلية قد كرر فيها والعناية هبا .على هذا الوصف

Page 48: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٨

والسؤال جلب فائدة أو در من املسئول يرفع به حاجة السائل والدعاء والدعوة توجيه نظر املدعو حنو الداعي

فالسؤال مبنزلة الغاية من الدعاء وهو املعنى اجلامع جلميع موارد السؤال كالسؤال لرفع اجلهل بعد توجيه نظره .والسؤال مبعنى احلساب والسؤال مبعنى االستدرار وغريه

ثم إن العبودية كما مر سابقا هي اململوكية وال كل مملوكية بل مملوكية اإلنسان فالعبد هو من اإلنسان أو كل ذي عقل

.وشعور كما يف امللك املنسوب إليه

ميلك عباده ملكا طلقا حميطا هبم يغاير ملك غريه مغايرة اجلد مع الدعوى واحلقيقة مع ااز فإنه وملكه ون دونه يف أنفسهم وال ما يتبع أنفسهم من الصفات واألفعال وسائر ما ينسب إليهم من األزواج واألوالد ال يستقل

ومسعه وبدنه نفسه فكل ما ميلكونه من جهة إضافته إليهم بنحو من األحناء كما يف قولنا واملال واجلاه وغريها وبصره وفعله وأثره وهي أقسام امللك بالطبع واحلقيقة وقولنا زوجه وماله وجاهه وحقه - وهي أقسام

يف استقرار النسبة بينهم وبني ما ميلكون أيا ما كان ومتليكه ف إمنا ميلكونه بإذنه - امللك بالوضع واالعتبار

Page 49: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٩

وهو الذي جعل هلم هو الذي أضاف نفوسهم وأعياهنم إليهم ولو مل يشاء مل يضف فلم يكونوا من رأس عز امسه .وهو الذي خلق كل شيء وقدره تقديرا السمع واألبصار واألفئدة

من ولد أو زوج أو صديق أو مال أو وهو احلائل بني الشيء وبني كل ما يقارنه احلائل بني الشيء ونفسه فهو

ونحن أقرب قريب على اإلطالق كما قال جاه أو حق فهو أقرب إىل خلقه من كل شيء مفروض فهو ونرصال تب نلكو كمنم ه٨٥(إلي(الواقعة وقال ريدل الوبح نم هإلي بأقر ننحو)١٦(ق قال

أن قلبهو ءرالم نيول بحي٢٤األنفال والقلب هو النفس املدركة.

قريبا منهم على اإلطالق وأقرب لعباده ملكا حقيقيا وكوهنم عبادا له هو املوجب لكونه وباجلملة فملكه إليهم من كل شيء عند القياس وهذا امللك املوجب جلواز كل تصرف شاء كيفما شاء من غري دافع وال مانع يقضي

أن جييب أي دعاء دعا به أحد من خلقه ويرفع باإلعطاء والتصرف حاجته اليت سأله فيها فإن امللك للهأن إن واقعتان على مجيع التقادير من غري تقيد بتقدير دون تقدير ال كما يقوله اليهودوالسلطان واإلحاطة عام

فال نسخ وال وخرج زمام التصرف اجلديد من يده مبا حتمه من القضاء ملا خلق األشياء وقدر التقادير مت األمريف أفعال عباده للهأن ال صنع وال كما يقوله مجاعة من هذه األمة بداء وال استجابة لدعاء ألن األمر مفروغ عنه

Page 50: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٠

جموس هذه األمة فيما رواه الفريقان من قوله وهم القدرية الذين مساهم رسول

.

وإذن فما شاءه وملكه وأذن يف وقوعه على اإلطالق وال ميلك شيء شيئا إال بتمليك منه للهبل امللك يا أيها الناس أنتم قال وما مل يشأ ومل ميلك ومل يأذن فيه ال يقع وإن بذل يف طريق وقوعه كل جهد وعناية يقع

.الفاطر )١٥(هو الغني الحميد و الفقراء إلى

كما يشتمل على وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان أن قوله فقد تبنيوقربه هو املوجب لقربه منهم للهفكون الداعني عبادا للهاحلكم أعين إجابة الدعاء كذلك يشتمل على ع

منهم هو املوجب إلجابته املطلقة لدعائهم وإطالق اإلجابة يستلزم إطالق الدعاء فكل دعاء دعي به فإنه جميبه إال وهذا القيد غري الزائد على إذا دعان بقولهأجيب دعوة الداع قولهقيد أن هاهنا أمرا وهو أنه

أصغ إىل قول الناصح إذا نصحك أو فإن قولنا نفس املقيد بشيء يدل على اشرتاط احلقيقة دون التجوز والشبهأكرم العامل إذا كان عاملا يدل على لزوم اتصافه مبا يقتضيه حقيقة فالناصح إذا قصد النصح بقوله فهو الذي جيب

يدل إذا دعان اإلصغاء إىل قوله والعامل إذا حتقق بعلمه وعمل مبا علم كان هو الذي جيب إكرامه فقوله

Page 51: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥١

إمنا هو إذا كان الداعي داعيا حبسب احلقيقة مريدا حبسب العلم الفطري والغريزي على أن وعد اإلجابة املطلقةدون ما يأتي به فإن حقيقة الدعاء والسؤال هو الذي حيمله القلب ويدعو به لسان الفطرة مواطئا لسانه قلبه

عد ما ال عمل ولذلك ترى أنه جدا أو هزال حقيقة أو جمازااللسان الذي يدور كيفما أدير صدقا أو كذبا ال تحصوها إن اإلنسان لظلوم كفار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة قال للسان فيه سؤاال

)٣٤(إبراهيم فهم فيما ال حيصوهنا من النعم داعون سائلون ومل يسألوها بلساهنم الظاهر بل بلسان فقرهم الرمحن )٢٩(يسأله من في السماوات واألرض كل يوم هو في شأن وقال واستحقاقهم لسانا فطريا وجوديا

وداللته على ما ذكرنا أظهر وأوضح.

فما ال يستجاب من الدعاء وال يصادف اإلجابة فقد فقد أحد ال يتخطى اإلجابة فالسؤال الفطري من . إذا دعان دعوة الداع بقولهأمرين ومها اللذان ذكرمها

وإمنا التبس األمر على الداعي التباسا كان يدعو اإلنسان فيسأل ما ال يكون فإما أن يكون مل يتحقق هناك دعاء

وهو جاهل بذلك أو ما ال يريده لو انكشف عليه حقيقة األمر مثل أن يدعو ويسأل شفاء املريض ال إحياء امليت

Page 52: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٢

أو يسأل ما لو علم ذلكولو كان استمكنه ودعا حبياته كما كان يسأله األنبياء ألعيدت حياته ولكنه على يأس من .حبقيقته مل يسأله فال يستجاب له فيه

حاجة من حوائجه وقلبه متعلق باألسباب العادية أو وحده كمن يسأل وإما أن السؤال متحقق لكن ال من

الذي باحلقيقة فإن فلم يسأل للهبأمور ومهية تومهها كافية يف أمره أو مؤثرة يف شأنه فلم خيلص الدعاء فهاتان الطائفتان من الدعاة ال من يعمل بشركة األسباب واألوهام جييب الدعوات هو الذي ال شريك له يف أمره

.السائلني مل خيلصوا الدعاء بالقلب وإن أخلصوه بلساهنم وبه يظهر معاني سائر اآليات النازلة يف هذا الباب كقوله فهذا ملخص القول يف الدعاء على ما تفيده اآلية

كماؤعال دي لوبر أ بكمبعا يقل موقوله ٧٧الفرقان ذابع أتاكم إن تكمأيقل أر رة أغياعالس أتتكم أو نيقادص تمكن إن ونع٤٠(تد( ركونا تشم نوستنو اءش إن هإلي ونعا تدم فكشفي ونعتد اهل إيب)٤١(

نكونن من قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه ل وقوله األنعام ريناك٦٣(الش( قل ركونتش أنتم ب ثمكل كر نما وهنم يكمجني)٦٤(األنعام فاآليات دالة على أن لإلنسان

فالتبس غري أنه إذا كان يف رخاء ورفاه تعلقت نفسه باألسباب فأشركها لربه دعاء غريزيا وسؤاال فطريا به ربه مع أنه ال يسأل غريه فإنه على الفطرة وال تبديل خللق عليه األمر وزعم أنه ال يدعو ربه وال يسأل عنه

Page 53: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٣

ة وطارت األسباب عن تأثريها وفقدت الشركاء والشفعاء تبني له أن ال منجح حلاجته وال جميب وملا وقع الشدووجه وجهه حنو الرب الكريم فكشف فعاد إىل توحيده الفطري ونسي كل سبب من األسباب ملسألته إال

.أوال من الشرك والنسيانثم إذا تلبس به ثانيا عاد إىل ما كان عليه شدته وقضى حاجته وأظله بالرخاء

)٦٠(ين وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخر وكقولهاملؤمنون واآلية تدعو إىل الدعاء وتعد باإلجابة وتزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء عبادة بقوهلايتادبع نع أي عن دعائي بل جتعل مطلق العبادة دعاء حيث إهنا تشتمل الوعيد على ترك الدعاء بالنار والوعيد بالنار

.إمنا هو على ترك العبادة رأسا ال على ترك بعض أقسامه دون بعض فأصل العبادة دعاء فافهم ذلك قولهو ١٤املؤمنونمخلصني له الدين فادعوا وبذلك يظهر معنى آيات أخر من هذا الباب كقوله

ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا وقوله األعراف)٥٦(قريب من المحسنني وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة نيعاشا خ٩٠(لن( األنبياء وقوله ينتدعالم بحال ي ة إنهفيخا وعتضر كمبوا رعاد)٥٥(األعراف

قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب )٣(إذ نادى ربه نداء خفيا وقولهإىل غري ٢٦الشورىويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله وقوله مريم)٤(شقيا

وعمدهتا اإلخالص يف دعائه وهي تشتمل على أركان الدعاء وآداب الداعي ذلك من اآليات املناسبة

Page 54: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٤

ويلحق به اخلوف والطمع والرغبة والتعلق به وهو مواطاة القلب اللسان واالنقطاع عن كل سبب دون والرهبة واخلشوع والتضرع واإلصرار والذكر وصاحل العمل واإلميان وأدب احلضور وغري ذلك مما تشتمل عليه

.الروايات

قريب إن تفريع على ما يدل عليه اجلملة السابقة عليه بااللتزامفليستجيبوا لي وليؤمنوا بي قولهوصفته فهو يدعوهم إىل دعائه وهو ذو عناية هبم ومبا يسألونه منه ال حيول بينه وبني دعائهم شيء من عباده

وليوقنوا بأنه قريب جميب وليؤمنوا به يف هذا النعت وليقبلوا إليه فليستجيبوا له يف هذه الدعوة هذه الصفة .لعلهم يرشدون يف دعائه

فيما رواه الفريقان عن النيب يف احلديث القدسي ويف عدة الداعي

.

Page 55: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٥

قل ما يعبأ بكم ربي عنه ويف املكارم كماؤعال دلو وروي ذلك عن الباقر والصادق.

بن علي بن احلسني عن ابن عمه الصادق عن يف رواية حممد بن عجالن عن حممد بن عبيد ويف عدة الداعيقال آبائه عن النيب

قال أيضا عن النيب ويف عدة الداعي

.

وما اشتمل عليه احلديثان هو اإلخالص يف الدعاء وليس إبطاال لسببية األسباب الوجودية اليت جعلها أقول وسائل متوسطة بني األشياء وبني حوائجها الوجودية ال علال فياضة مستقلة دون ولإلنسان

ويشعر أيضا أن كل ما يتوجه إليه شعور باطين بذلك فإنه يشعر بفطرته أن حلاجته سببا معطيا ال يتخلف عنه فعله

Page 56: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٦

والركن الذي يعتمد يبتدىء عنه كل أمر من األسباب الظاهرية ميكن أن يتخلف عنه أثره فهو يشعر بأن املبدأ الذيعليه ويركن إليه كل حاجة يف حتققها ووجودها غري هذه األسباب والزم ذلك أن ال يركن الركون التام إىل شيء من

واإلنسان ينتقل إىل هذه احلقيقة يث ينقطع عن السبب احلقيقي ويعتصم بذلك السبب الظاهريهذه األسباب حب ما طلبه كشف ذلك أنه سأل ربه واتصل حاجته بأدنى توجه والتفات فإذا سأل أو طلب شيئا من حوائجه فوقع

طلب ذلك من سبب من األسباب وإذا اليت شعر هبا بشعوره الباطين من طريق األسباب إىل ربه فاستفاض منهفليس ذلك من شعور فطري باطين وإمنا هو أمر صوره له ختيله لعلل أوجبت هذا التخيل من غري شعور باطين

.وهذا من املوارد اليت خيالف فيها الباطن الظاهر باحلاجة

أن اإلنسان كثريا ما حيب شيئا ويهتم به حتى إذا وقع وجده ضارا مبا هو أنفع منه وأهم وأحب فرتك ونظري ذلكورمبا هرب من شيء حتى إذا صادفه وجده أنفع وخريا مما كان يتحفظ به فأخذ األول وترك األول وأخذ بالثاني

فهو بشعوره وأخذ بالبكاء وهو يريد الصحة فالصيب املريض إذا عرض عليه الدواء املر امتنع من شربه الثانيفلإلنسان يف حياته نظام الباطين الفطري يسأل الصحة فيسأل الدواء وإن كان بلسان قوله أو فعله يسأل خالفه

الباطين وله نظام آخر حبسب ختيله والنظام الفطري ال يقع فيه خطاء وال يف سريه حبسب الفهم الفطري والشعورفرمبا سأل اإلنسان أو طلب حبسب الصورة اخليالية وأما النظام التخيلي فكثريا ما يقع فيه اخلطاء والسهو خبط

Page 57: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٧

وهو الالئح فعلى هذا ينبغي أن يقرر معنى األحاديث وهو هبذا السؤال بعينه يسأل شيئا آخر أو خالفه شيئا .فيما سيأتي من قول علي

عن النيب ويف عدة الداعي

. ويف احلديث القدسيوقد ورد املنع عن الدعاء وذلك أن الدعاء مع اليأس أو الرتدد يكشف عن عدم السؤال يف احلقيقة كما مر أقول

.مبا ال يكون

أيضا عن النيب ويف العدة

البنه احلسني يف وصية له ويف هنج البالغة

Page 58: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٨

أن االستجابة تطابق الدعوة فما سأله السائل منه به يريد قوله أقول على حسب ما عقد عليه حقيقة ضمريه ومحله ظهر قلبه هو الذي يؤتاه ال ما كشف عنه قوله وأظهره لفظه

فإن اللفظ رمبا ال يطابق املعنى املطلوب كل املطابقة كما مر بيانه فهي أحسن مجلة وأمجع كلمة لبيان االرتباط بني .املسألة واإلجابة

هبا عدة من املوارد اليت يرتاءى فيها ختلف االستجابة عن الدعوة ظاهرا كاإلبطاء يف اإلجابة وقد بني

أو صرفه إىل شيء آخر أصلح أو مبا هو خري منه يف اآلخرة وتبديل املسئول عنه يف الدنيا مبا هو خري منه يف الدنيافإن السائل رمبا يسأل النعمة اهلنيئة ولو أوتيها على الفور مل تكن هنيئة وعلى الرغبة فتبطىء منه حبال السائل

وكذلك املؤمن املهتم بأمر دينه لو سأل ما فيه يئة فقد سأل اإلجابة على بطءإجابتها ألن السائل سأل النعمة اهلنهالك دينه وهو ال يعلم بذلك ويزعم أن فيه سعادته وإمنا سعادته يف آخرته فقد سأل يف احلقيقة آلخرته ال دنياه

.فيستجاب لذلك فيها ال يف الدنيا

Page 59: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٩

عن الباقر ويف عدة الداعي

ويف خرب آخر .

بن وعبد وجابر ما يقرب من هذا املعنى عن عدة من الصحابة كسلمان وقد روي يف الدر املنثور أقولويف مجيعها رفع اليدين يف الدعاء فال يف مثاني روايات وابن أبي مغيث عن النيب وأنس بن مالك عمر

- فيها إذ رفع اليدين إىل السماء إمياء إىل أنه معنى إلنكار بعضهم رفع اليدين بالدعاء معلال بأنه من التجسم .- عن ذلك وتقدس تعاىل

فإن حقيقة مجيع العبادات البدنية هي تنزيل املعنى القليب والتوجه الباطين إىل موطن الصورة وهو قول فاسد

كما هو ظاهر يف الصالة والصوم واحلج وغري ذلك وأجزائها وإظهار احلقائق املتعالية عن املادة يف قالب التجسموهو متثيل التوجه القليب واملسألة الباطنية مبثل ومنها الدعاء البدنيةولو ال ذلك مل يستقم أمر العبادة وشرائطها

السؤال الذي نعهده فيما بيننا من سؤال الفقري املسكني الداني من الغين املتعزز العايل حيث يرفع يديه بالبسطوقد روى الشيخ يف االس واألخبار مسندا عن حممد وزيد ابين علي بن ويسأل حاجته بالذلة والضراعة

كان أن رسول مرسال ويف عدة الداعي عن النيب احلسني عن أبيهما عن جدمها احلسني

Page 60: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٠

.املسكني يرفع يديه إذا ابتهل ودعا كما يستطعم قال بك من الفتنة م إني أعوذاللهأنه مسع رجال يقول عن علي ويف البحار

ةتنف كمالدأوو الكموا أمإنم

.

أن احلق يف معنى كل لفظ هو الذي وفيها وهذا باب آخر يف تشخيص معنى اللفظ وله نظائر يف الروايات أقول .ومن هذا الباب ما ورد يف الروايات يف تفسري معنى اجلزء والكثري وغري ذلك ورد منه يف كالمه

عن الصادق ويف عدة الداعي

أيضا عن علي ويف العدة .واللهو والسر فيه عدم حتقق حقيقة الدعاء واملسألة يف السهو ويف هذا املعنى روايات أخر أقول

للعبد يف التوراة يقول ويف دعوات الراوندي

Page 61: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦١

فإذا وذلك أن من سأل شيئا لنفسه فقد رضي به ورضي بعني هذا الرضا بكل ما مياثله من مجيع اجلهات أقول

وإذا كان هو نفسه ظاملا لغريه دعا على من ظلمه باالنتقام فقد دعا عليه ألجل ظلمه فهو راض باالنتقام من الظامل بعني ما دعا لنفسه فإن رضي باالنتقام عن نفسه ولن يرضى أبدا عوقب مبا يريده على غريه فقد دعا على نفسه

ويدع اإلنسان بالشر دعاءه بالخير وكان اإلنسان قال وإن مل يرض بذلك مل يتحقق منه الدعاء حقيقة .اإلسراء)١١(عجوال

ألبي ذر قال رسول ويف عدة الداعي

قلت بلى يا رسول قال

يف الرخاء وال تنسه حتى يعين ادع قوله أقول وذلك أن من نسي ربه يف الرخاء فقد أذعن باستقالل األسباب يف الرخاء يستجيب دعاءك يف الشدة وال ينساك

Page 62: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٢

على هذه وليس ربه يف الشدة كان معنى عمله أنه يذعن بالربوبية يف حال الشدة وعلى تقديرها ثم إذا دعاوقد ورد هذا املعنى يف بعض الروايات بلسان فهو مل يدع ربه الصفة بل هو رب يف كل حال وعلى مجيع التقادير

قال عن الصادق ففي مكارم األخالق آخر

وهو املستفاد منفإن مطلق وال ينايف هذا ما ورد أن الدعاء ال يرد مع االنقطاع ٦٧التوبةفنسيهم نسوا إطالق قوله

.الشدة غري االنقطاع التام

يف السؤال إرشاد إىل التعلق ب وقولههلا من واالستعانة حبسب احلقيقة فإن هذه األسباب العادية اليت بني أيدينا إمنا سببيتها حمدودة على ما قدر

واألمر بيد احلد ال على ما يرتاءى من استقالهلا يف التأثري بل ليس هلا إال الطريقية والوساطة يف اإليصال فإذن الواجب على العبد أن يتوجه يف حوائجه إىل جناب العزة وباب الكربياء وال يركن إىل سبب بعد سبب وإن

الذي أفاض ا وهذه دعوة إىل عدم االعتماد على األسباب إال بأن جيري األمور إال بأسباهب كان أبى كيف والداعي عليها السببية ال أهنا هداية إىل إلغاء األسباب والطلب من غري السبب فهو طمع فيما ال مطمع فيه

.ويسأل ما يريده باللسان ويستعني على ذلك بأركان وجوده وكل ذلك أسباب يريد ما يسأله بالقلب

Page 63: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٣

واعترب ذلك باإلنسان حيث يفعل ما يفعل بأدواته البدنية فيعطي ما يعطي بيده ويرى ما يرى ببصره ويسمع ما يسمع بأذنه فمن يسأل ربه بإلغاء األسباب كان كمن سأل اإلنسان أن يناوله شيئا من غري يد أو ينظر إليه من غري عني أو

كان كمن تعلق قلبه بيد اإلنسان يف إعطائه أو بعينه يف ومن ركن إىل سبب من دون يستمع من غري أذنوليس ذلك تقييدا نظرها أو بأذنه يف مسعها وهو غافل معرض عن اإلنسان الفاعل بذلك يف احلقيقة فهو غافل مغفل

ن ال يوجب سلب كما أن االحنصار الذي ذكرناه يف اإلنسا للقدرة اإلهلية غري املتناهية وال سلبا لالختيار الواجيبإذ من الضروري أن اإلنسان قادر لكون التحديد راجعا باحلقيقة إىل الفعل ال إىل الفاعل القدرة واالختيار عنه

والرؤية والسمع مها اللذان يكونان بالعني واألذن ال على املناولة والرؤية والسمع لكن املناولة ال يكون إال باليدقادر على اإلطالق غري أن خصوصية الفعل يتوقف على توسط األسباب فزيد مثال كذلك الواجب مطلقا

هو اإلنسان الذي ولده فالن وفالنة يف زمان كذا ومكان كذا وعند وجود شرائط كذا وارتفاع موانع للهوهو فعل واملتوقف لى حتقق مجيعهافهو يف إجياده يتوقف ع لو ختلف واحد من هذه العلل والشرائط مل يكن هو هو كذا

.هو الفعل دون الفاعل فافهم ذلك

Page 64: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٤

وقوله قولهتفريع على

قولهمن قبيل تعقيب املعلول بالعلة فهو بيان علة وسببه واملعنى أن احلوادثوال تستعن بغريه فال تسأل غريه ال تأثري لسبب من األسباب فيها حقيقة مكتوبة مقدرة من عند

وأما هو فسلطانه دائم وملكه ثابت ومشيته نافذة وكل يوم هو يف شأن بقولهولذلك عقب اجلملة .ومن أخبار الدعاء ما ورد عنهم مستفيضا أن احلاجة املدعو هلا إما أن تكون مقضية مقدرة أو ال وفيه جواب ما استشكله اليهود وغريهم على الدعاء أقول وهي على األول واجبة وعلى الثاني ممتنعة وعلى أي حال ال معنى لتأثري الدعاء أن فرض تقدير واجلواب

والدعاء من أسباب وجود الشيء فمع الدعاء يتحقق وجود الشيء ال يوجب استغناءه عن أسباب وجودهويف موهذا هو املراد بقوهل سبب من أسباب الوجود فيتحقق املسبب عن سببه

.هذا املعنى روايات أخر

عن النيب ففي البحار وعن الصادق

Page 65: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٥

وعن أبي احلسن موسى

وعن الصادق

.فإن كثرة اإلتيان بالقصد يوجب صفاءه وفيها إشارة إىل اإلصرار وهو من حمققات الدعاء أقول

وعن إمساعيل بن مهام عن أبي احلسن

.وفيها إشارة إىل إخفاء الدعاء وإسراره فإنه أحفظ إلخالص الطلب أقول

عن الصادق ويف املكارم

أيضا وعن الصادق

Page 66: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٦

أطلبهما فال أجدمها قال وقد قال له رجل من أصحابه إني ألجد آيتني يف كتاب أيضا وعن الصادق

قلت قال فندعوه فال نرى إجابة ادعوني أستجب لكموما مها قلت فقال ال قال قلت ال أدري قال

قلت وما جهة الدعاء قال

ثم قال قلت ا أنفقتمموفهخلي وفه ءيش نم وأراني أنفق وال قال أرى خلفا قلت ال قال قلت ال أدري قال

.والوجه يف هذه األحاديث الواردة يف آداب الدعاء ظاهرة فإهنا تقرب العبد من حقيقة الدعاء واملسألة أقول

قال رسول قال عن ابن عمر ويف الدر املنثور

Page 67: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٧

ويف رواية وعن ابن عمر أيضا عنه

ومعناه وهذه املعنى مروي من طرق أئمة أهل البيت أيضا أقول .واضح مما مر

أيضا عن معاذ بن جبل عن رسول ويف الدر املنثور

وذلك أن اجلهل مبقام احلق وسلطان الربوبية والركون إىل األسباب يوجب اإلذعان حبقيقة التأثري لألسباب أقول

ا املعهودة وأسباهبا العادية حتى أن اإلنسان رمبا زال عن اإلذعان حبقيقة التأثري لألسباب للهوقصر املعلوالت على عاإلذعان بتعني الطرق ووساطة األسباب املتوسطة فإنا نرى أن احلركة والسري يوجب االقرتاب من املقصد لكن يبقى

هو املؤثر هناك لكن ثم إذا زال منا االعتقاد حبقيقة تأثري السري يف االقرتاب اعتقدنا بأن السري واسطة ووباجلملة أن املسببات ال تتخلف عن أسباهبا اقرتابيبقى االعتقاد بتعني الوساطة وأنه لو ال السري مل يكن قرب وال

فإنه ال يالئم السلطنة وهذا هو الذي ال يصدقه العلم مبقام وإن مل يكن لألسباب إال الوساطة دون التأثريقل وهذا التوهم هو الذي أوجب أن نعتقد استحالة ختلف املسببات عن أسباهبا العادية كالث التامة اإلهلية

Page 68: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٨

وقد مر يف البحث وهكذا والري عن الشرب والشبع عن األكل والقرب عن احلركة واالجنذاب عن اجلسموبني مسبباهتا حق ال وبعبارة أخرى توسط األسباب بني عن اإلعجاز أن ناموس العلية واملعلولية

والكتاب والسنة تثبت مناص عنه لكنه ال يوجب قصر احلوادث على أسباهبا العادية بل البحث العقلي النظري .نعم احملاالت العقلية ال مطمع فيها أصل التوسط وتبطل االحنصار

يوجب اإلذعان بأن ما ليس مبحال ذاتي من كل ما حتيله العادة فإن الدعاء أن العلم ب إذا عرفت هذا علمت

.مستجاب فيه كما أن العمدة من معجزات األنبياء راجعة إىل استجابة الدعوة

فليستجيبوا لي وليؤمنوا بيقولهيف عن الصادق ويف تفسري العياشي

وليؤمنوا بيأنه قال وروي عن أبي عبد قال ويف امع

وندشري ملهلع

Page 69: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٩

Page 70: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٠

بيان

و وأصله من احلل مقابل العقد اإلحالل مبعنى اإلجازة أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسآئكم قولهفثالر هو التصريح مبا يكنى عنه مما يستقبح ذكره من األلفاظ اليت ال ختلو عنها مباشرة النساء وقد كين به

هاهنا عن عمل اجلماع وهو من أدب القرآن الكريم وكذا سائر األلفاظ املستعملة فيه يف القرآن كاملباشرة والدخول ريمها وكذا لفظ الوطء واجلماع وغ واملس واللمس واإلتيان والقرب كلها ألفاظ مستعملة على طريق التكنية

كما أن ألفاظ املستعملة يف غري القرآن ألفاظ كنائية وإن أخرج كثرة االستعمال بعضها من حد الكناية إىل التصريحلتضمينه معنى اإلفضاء على إلى ـب الرفثوتعدية الفرج والغائط مبعنامها املعروف اليوم من هذا القبيل

.ما قيل الظاهر من اللباس معناه املعروف وهو ما يسرت به اإلنسان بدنه لكم وأنتم لباس لهنهن لباس قوله

واجلملتان من قبيل االستعارة فإن كال من الزوجني مينع صاحبه عن اتباع الفجور وإشاعته بني أفراد النوع فكان كل .منهما لصاحبه لباسا يواري به سوأته ويسرت به عورته

Page 71: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧١

فإن اإلنسان أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسآئكمقولهوتزيد لطفا بانضمامها إىل وهذه استعارة لطيفةوأما نفس اللباس فال سرت عنه فكذا كل من الزوجني يتقي به صاحبه عن الرفث إىل يسرت عورته عن غريه باللباس

.وأما الرفث إليه فال ألنه لباسه املتصل بنفسه املباشر له غريه

وفيه االختيان واخليانة مبعنى أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم علم قولهفتدل اآلية على أن هذه داللة على معنى االستمرار أنكم كنتم تختانونقولهويف معنى النقص على ما قيل

سرا باخليانة ألنفسهم اخليانة كانت دائرة مستمرة بني املسلمني منذ شرع حكم الصيام فكانوا يعصون ومها وإن مل يكونا صرحيني يف سبق املعصية لكنهما ولو مل تكن هذه اخليانة منهم معصية مل ينزل التوبة والعفو

.ظاهران يف ذلك وخاصة إذا اجتمعا

واآلية بنزوهلا شرعت وعلى هذا فاآلية دالة على أن حكم الصيام كان قبل نزول اآلية حرمة اجلماع يف ليلة الصيامكنتم قولهو أحل لكمقولهويشعر به أو يدل عليه احللية ونسخت احلرمة كما ذكره مجع من املفسرين

تختانون قولهونكمفا ععو كمليع فتاب قولهو نوهراشب فاآلن إذ لو ال حرمة سابقة كان حق الكالم .وهو ظاهر فال جناح عليكم أن تباشروهن أو ما يؤدي هذا املعنى أن يقال

Page 72: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٢

إن اآلية ليست بناسخة لعدم وجود حكم حترميي يف آيات الصوم بالنسبة إىل اجلماع أو إىل األكل ورمبا يقال أن املسلمني ملا نزل حكم بل الظاهر كما يشعر به بعض الروايات املروية من طرق أهل السنة واجلماعة والشرب

فهموا )١٨٣(كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون قولهفرض الصوم ومسعوا إمنا ينكحون ويأكلون ويشربون يف أول وقد كانت النصارى كما قيل منه التساوي يف األحكام من مجيع اجلهات

فكان الشبان منهم ال يكفون عن غري أن ذلك صعب عليهم الليل ثم ميسكون بعد ذلك فأخذ بذلك املسلمون والشيوخ رمبا أجهدهم الكف عن األكل والشرب بعد النوم النكاح سرا مع كوهنم يرونه معصية وخيانة ألنفسهم

لنوم فحرم عليه األكل والشرب بزعمه فنزلت اآلية فبينت أن النكاح واألكل والشرب غري حمرمة ورمبا أخذ بعضهم ا كما كتب على الذين من قبلكمقولهأن مراد اآلية بالتشبيه يف وظهر بذلك عليهم بالليل يف شهر رمضان

التشبيه يف أصل فرض الصوم ال يف خصوصياته قولهوأمال لكمأح فال يدل على سبق حكم حترمييإذ من املعلوم أن صيد البحر مل يكن املائدةأحل لكم صيد البحر قولهبل على جمرد حتقق احللية كما يف إمنا يعين به أهنم كانوا أنكم كنتم تختانون أنفسكم علم وكذا قوله حمرما على احملرمني قبل نزول اآلية

ختتانون ومل يقل تختانون أنفسكم ولذا قال خيونون حبسب زعمهم وحسباهنم ذلك خيانة ومعصيةواملعنى علم مع احتمال أن يراد باالختيان النقص األنفالوالرسول وتخونوا أماناتكم ال تخونوا كما قال

Page 73: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٣

أنكم كنتم تنقصون أنفسكم حظوظها من املشتهيات من نكاح وغريه قولهوكذا فاعو كمليع فتابنكمع غري صريح يف كون النكاح معصية حمرمة هذا.

كنتم تختانون أنفسكمقولهو أحل لكمأن ذلك خالف ظاهر اآلية فإن قوله وفيه ما عرفت

مضافا إىل قوله وإن مل تكن صرحية يف النسخ غري أن هلا كمال الظهور يف ذلك فتاب عليكم وعفا عنكم قولهو نوهراشب فاآلنإخل إذ لو مل يكن هناك إال جواز مستمر قبل نزول اآلية وبعدها مل يكن هلذا التعبري وجه

وأما عدم اشتمال آيات الصوم السابقة على هذه اآلية على حكم التحريم فال ينايف كون اآلية ناسخة فإهنا مل ظاهركان قد ومن املعلوم أن رسول يامتبني سائر أحكام الصوم أيضا مثل حرمة النكاح واألكل والشرب يف هنار الص

واآلية تنسخ ما بينه الرسول بينه للمسلمني قبل نزول هذه اآلية فلعله كان قد بني هذا احلكم فيما بينه من األحكام .على ذلك وإن مل تشتمل كالمه

سبب تشريع جواز الرفث فال بد أن ال يعم يدل على هن لباس لكم وأنتم لباس لهن قوله فإن قلت

إن هذه التعليالت الواقعة يف موارد الناسخ واملنسوخ لبشاعة أن يعلل النسخ مبا يعم الناسخ واملنسوخ معا وإن قلنا

Page 74: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٤

وال يلزم يف احلكمة أن تكون جامعة ومانعة كالعلل فلو كان الرفث حمرما قبل نزول األحكام حكم ومصاحل ال علل .ية ثم نسخ باآلية احملللة مل يصلح تعليل نسخ التحريم بأن الرجال لباس للنساء وهن لباس هلماآل

مع أن حكم اللباس جار يف النهار كالليل وهو ليلة الصيامقوله أحل لكمقولهإنه منقوض بتقييد أوال قلت

أنكم قولهو هن لباس لكمقولهو ليلة الصيامقولهأن القيود املأخوذة يف اآلية من وثانيا حمرم يف النهاركمأنفس تختانون كنتم تدل على علل ثالث مرتتبة يرتتب عليها احلكم املنسوخ والناسخ فكون أحد الزوجني

والصيام هو ليلة الصيامقولهثم حكم الصيام املشار إليه لباسا لآلخر يوجب أن جيوز الرفث بينهما مطلقاالكف واإلمساك عن مشتهيات النفس من األكل والشرب والنكاح يوجب تقييد جواز الرفث وصرفه إىل غري مورد

ثم صعوبة كف النفس عن النكاح شهرا كامال عليهم ووقوعهم يف معصية مستمرة وخيانة جارية يوجب الصيامإطالق حكم اللباس املقيد بالصيام إىل بعض إطالقه وهو أن وبذلك يعود تسهيال ما عليهم بالرتخيص يف ذلك ليال

أن إطالق حكم اللباس الذي قيدناه بالصيام ليال وهنارا وحرمناه أعلم واملعنى و يعمل به ليال ال هناراوأعدنا إطالق ذلك عليكم حللناه لكم ملا علمنا أنكم ختتانون أنفسكم فيه وأردنا التخفيف عنكم رأفة ورمحة

.احلكم عليه يف ليلة الصيام وقصرنا حكم الصيام على النهار فأمتوا الصيام إىل الليل

Page 75: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٥

وإن كان علة أو حكمة إلحالل أصل الرفث إال أن هن لباس لكم وأنتم لباس لهنأن قوله واحلاصلهن لباس لكم قولهالغرض يف اآلية ليس متوجها إليه بل الغرض فيها بيان حكمة جواز الرفث ليلة الصيام وهو جمموع

.وهذه احلكمة مقصورة على احلكم الناسخ وال يعم املنسوخ قطعا وعفا عنكم قولهإىل

وقد سبقه قوله أمر واقع بعد احلظر فيدل على اجلواز لكم فاآلن باشروهن وابتغوا ما كتب قوله يف أول اآلية ل لكمأحواملعنى فمن اآلن جتوز لكم مباشرهتن واالبتغاء هو الطلب واملراد بابتغاء ماوفطرهم على طلبه ذلك على النوع اإلنساني من طريق املباشرة هو طلب الولد الذي كتب كتب

هلم وإن وسخرهم بذلك على هذا العمل فهم يطلبون بذلك ما كتب مبا أودع فيهم من شهوة النكاح واملباشرةكتب هلم بقاء احلياة والنمو باألكل والشرب وهو املطلوب مل يقصدوا ظاهرا إال ركوب الشهوة ونيل اللذة كما أنه

.فإمنا هو تسخري إهلي الفطري وإن مل يقصدوا باألكل والشرب إال احلصول على لذة الذوق والشبع والري

حيب أن يؤخذ برخصة كما حيب أن يؤخذ احلل والرخصة فإن لكم ما كتب بـإن املراد وأما ما قيل .أن الكتابة يف كالمه غري معهودة يف مورد احللية والرخصة فيبعده بعزائمه

Page 76: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٦

فجر أول الفجر فجران وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من الفجر قولهوعمود شعاعي يظهر يسمى بالكاذب لبطالنه بعد مكث قليل وبذنب السرحان ملشاهبته ذنب الذئب إذا شاله

ثم يف آخر الليل يف ناحية األفق الشرقي إذا بلغت فاصلة الشمس من دائرة األفق إىل مثانية عشر درجة حتت األفقويسمى ق كاخليط األبيض املمدود عليه وهو الفجر الثانييبطل باالعرتاض فيكون معرتضا مستطيال على األف

.الفجر الصادق لصدقه فيما حيكيه وخيرب به من قدوم النهار واتصاله بطلوع الشمس

حتى يتبين وأن قوله بيانية منوأن كلمة ومن هنا يعلم أن املراد باخليط األبيض هو الفجر الصادق ضيط األبالخي لكم من قبيل االستعارة بتشبيه البياض املعرتض على األفق من الفجر اور ملا ميتد معرتضاا

.معه من سواد الليل خبيط أبيض يتبني من اخليط األسود

فإن ارتفاع شعاع بياض النهار يبطل علم أيضاأن املراد هو التحديد بأول حني من طلوع الفجر الصادقومن هنا ي .اخليطني فال خيط أبيض وال خيط أسود

Page 77: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٧

ملا دل التحديد بالفجر على وجوب الصيام إىل الليل بعد تبينه استغنى عن ثم أتموا الصيام إلى الليل قولهداللة على أنه واحد بسيط وعبادة أتمواقولهويف ذكره إيثارا لإلجياز بل تعرض لتحديده بإمتامه إىل الليل

وهذا هو الفرق بني التمام واحدة تامة من غري أن تكون مركبة من أمور عديدة كل واحد منها عبادة واحدةوالكمال حيث إن األول انتهاء وجود ما ال يتألف من أجزاء ذوات آثار والثاني انتهاء وجود ما لكل من أجزائه أثر

فإن الدين جمموع الصالة ٣ املائدةاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي قال همستقل وحديف الكالم خبالف النعمة على ما سيجيء بيانه إن شاء والصوم واحلج وغريها اليت لكل منها أثر يستقل به

.على اآلية

العكوف واالعتكاف هو اللزوم واالعتكاف باملكان تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجدوال قوله .اإلقامة فيه مالزما له

ولذلك صح أن االعتكاف عبادة خاصة من أحكامها لزوم املسجد وعدم اخلروج منه إال لعذر والصيام معه

يتوهم جواز مباشرة النساء يف ليايل االعتكاف يف املسجد بتشريع جواز الرفث ليلة الصيام فدفع هذا الدخل بقوله اجدسي المف فوناكع أنتمو نوهراشال تبو.

Page 78: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٨

مجيع استعماالته واشتقاقاته كحد أصل احلد هو املنع وإليه يرجع فال تقربوها تلك حدود قوله

والنهي عن القرب من احلدود كناية عن عدم اقرتافها السيف وحد الفجور وحد الدار واحلديد إىل غري ذلكأي ال تقرتفوا هذه املعاصي اليت هي األكل والشرب واملباشرة أو ال تتعدوا عن هذه األحكام والتعدي إليها

.ها لكم وهي أحكام الصوم بإضاعتها وترك التقوى فيهاواحلرمات اإلهلية اليت بين

قال عن الصادق يف تفسري القمي

وكان رجل من أصحاب رسول يقالوكله بفم الشعب يوم أحد يف مخسني بن جبري الذي كان رسول أخو عبد له خوات بن جبري األنصاري

وكان أخوه هذا خوات بن جبري من الرماة ففارقه أصحابه وبقي يف اثين عشر رجال فقتل على باب الشعب فجاء إىل أهله حني أمسى فقال عندكم طعام يف اخلندق وكان صائما مع رسول شيخا كبريا ضعيفا

قد حرم فلما انتبه قال ألهله ال تنم حتى نصنع لك طعاما فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر فقالوااألكل يف هذه الليلة فلما أصبح حضر حفر اخلندق فأغمي عليه فرآه رسول علي فرق له وكان قوم من

Page 79: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٩

أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسآئكم هن لباس لكم يف شهر رمضان فأنزل الشبان ينكحون بالليل سرا ملع نله اسبل أنتمو ا كتبتغوا مابو نوهراشب فاآلن نكمفا ععو كمليع فتاب كمأنفس تختانون كنتم أنكم

أ ر ثمالفج نم دواألس طالخي نم ضيط األبالخي لكم نيتبتى يوا حبراشكلوا وو ال لكمل وإلى اللي اميوا الصمت وددح لكت اجدسي المف فوناكع أنتمو نوهراشتب وهبتقر فال نيبي كا كذل تقوني ملهاس لعلنل هاتآي

فأحل قولهواألكل بعد النوم إىل طلوع الفجر ل ، النكاح بالليل من شهر رمضان تعاىلتبارك و نيتبتى يح هو بياض النهار من سواد الليل : قاللكم الخيط األبيض من الخيط األسود من الفجر

رواها الكليين وهذا املعنى مروي بروايات أخرى من كالم الراوي) وكان رجل(قولهيعين إىل قولهو أقول

إمنا هو قصة خوات بن جبري األنصاري وكلوا واشربوا إخل قولهويف مجيعها أن سبب نزول والعياشي وغريمها .ما كان يفعله الشبان من املسلمني أحل لكم إخل قولهوأن سبب نزول

إذا كان عن عدة من أصحاب التفسري والرواية عن الرباء بن عازب قال كان أصحاب النيب ويف الدر املنثور الرجل صائما فحضر اإلفطار فنام قبل أن يفطر مل يأكل ليلته وال يومه حتى ميسي وأن قيس بن صرمة األنصاري كان

ال ولكن انطلق قالت هل عندك طعام صائما فكان يومه ذاك يعمل يف أرضه فلما حضر اإلفطار أتى امرأته فقالفلما انتصف النهار غشي أمنت خيبة لك فأطلب لك فغلبته عينه فنام وجاءت امرأته فلما رأته نائما قالت

Page 80: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٨٠

من الفجر ففرحوا هبا فرحا قولهإىل فنزلت هذه اآلية أحل لكم ليلة الصيام الرفث عليه فذكر ذلك للنيب وروي بطرق أخر القصة ويف بعضها أبو قبيس بن صرمة ويف بعضها صرمة بن مالك األنصاري على أقول شديدا

.اختالف ما يف القصة

وأخرج ابن جرير وابن املنذر عن ابن عباس أن املسلمني كانوا يف شهر رمضان إذا صلوا أيضا ويف الدر املنثورثم إن ناسا من املسلمني أصابوا الطعام والنساء يف رمضان العشاء حرم عليهم النساء والطعام إىل مثلها من القابلة

ل لكم ليلة الصيام الرفث إلى أح فأنزل منهم عمر بن اخلطاب فشكوا ذلك إىل رسول بعد العشاء ملع نله اسبل أنتمو لكم اسبل نه كمائسن فاألن كمنفا ععو كمليع فتاب كمأنفس تختانون تمكن أنكم

نوهراشب يعين انكحوهن.

وهي متحدة يف أن حكم النكاح بالليل والروايات من طرقهم يف هذا املعنى كثرية ويف أكثرها اسم من عمر أقولوظاهر ما أوردناه من الرواية األوىل أن النكاح كحكم األكل والشرب وأهنا مجيعا كانت حمللة قبل النوم حمرمة بعده

كان حمرما يف شهر رمضان بالليل والنهار مجيعا خبالف األكل والشرب فقد كانا حمللني يف أول الليل قبل النوم حمرمني اللفظ وسياق اآلية يساعده فإن النكاح لو كان مثل األكل والشرب حملال قبل النوم حمرما بعده كان الواجب يف بعده

Page 81: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٨١

وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من الفجر ثم قولهأن يقيد بالغاية كما صنع ذلك ت اجدسي المف فوناكع أنتمو نوهراشال تبل وإلى اللي اميوا الصمأت وددح لك نيبي كا كذلوهبتقر فال هاتآي

تقوني ملهاس لعلن١٨٧(ل( وقد قال فثام الريلة الصلي ل لكمأح ومل يأت بقيد يدل على الغاية أن اخليانة ما كانت ختتص بالنكاح بل كانوا خيتانون يف األكل والشرب أيضا ال وكذا ما اشتمل عليه بعض الروايات

أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فاألن علم قولهيوافق ما يشعر به سياق اآلية من وضع ا كتبتغوا مابو نوهراشب لكم قولهقبلوابراشكلوا وو.

قال أن رسول أيضا ويف الدر املنثور

والروايات يف هذا املعنى مستفيضة من طرق العامة واخلاصة وكذا الروايات يف االعتكاف وحرمة اجلماع أقول

فيه

بيان

Page 82: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٨٢

واملصحح هلذا املراد باألكل األخذ أو مطلق التصرف جمازاوال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطلقوله .اإلطالق اازي كون األكل أقرب األفعال الطبيعية اليت حيتاج اإلنسان إىل فعلها وأقدمها فاإلنسان أول ما ينشأ

وجوده يدرك حاجته إىل التغذي ثم ينتقل منه إىل غريه من احلوائج الطبيعية كاللباس واملسكن والنكاح وحنو ذلك

أكال ال وخاصة يف مورد األموال ولذلك كان تسمية التصرف واألخذ فهو أول تصرف يستشعر به من نفسه .خيتص باللغة العربية بل يعم سائر اللغات

والبني هو الفصل الذي يضاف كأنه مأخوذ من امليل لكونه مما مييل إليه القلب ا يتعلق به الرغبات من امللكواملال م

.والباطل يقابل احلق الذي هو األمر الثابت بنحو من الثبوت إىل شيئني فأزيد

داللة على أن مجيع األموال جلميع الناس وإمنا بينكمقوله وال تأكلوا أموالكمقولهأعين ويف تقييد احلكمبينهم تقسيما حقا بوضع قوانني عادلة تعدل امللك تعديال حقا يقطع منابت الفساد ال يتعداه قسمه

ويف خلق لكم ما في األرض جميعا فاآلية كالشارحة إلطالق قوله تصرف من متصرف إال كان باطالإضافته األموال إىل الناس إمضاء منه ملا استقر عليه بناء اتمع اإلنساني من اعتبار أصل امللك واحرتامه يف اجلملة

Page 83: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٨٣

وقد ذكر هذا األصل يف القرآن بلفظ من لدن استكن هذا النوع على بسيط األرض على ما يذكره النقل والتاريخوكذا أزيد من مائة مورد وال حاجة إىل إيرادها يف هذا املوضعامللك واملال والم امللك واالستخالف وغريها يف

البيع وأحل قولهبطريق االستلزام يف آيات تدل على تشريع البيع والتجارة وحنومها يف بضعة مواضع ك

٢٧٥البقرة قولهو ل إال أناطبالب كمنيب الكمواضال تأكلوا أمتر نع ةارجت تكون٢٩النساء قولهو .والسنة املتواترة تؤيده وغريها ٢٤التوبةوتجارة تخشون كسادها

تقريب اإلدالء هو إرسال الدلو يف البئر لنزح املاء كين به عن مطلق وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاقوله

وهو كناية لطيفة تشري إىل استبطان حكمهم املطلوب بالرشوة املمثل املال إىل احلكام ليحكموا كما يريده الراشيواجلملة معطوفة والفريق هو القطعة املفروقة املعزولة من الشيء حلال املاء الذي يف البئر بالنسبة إىل من يريده

رةاملقد )أن(ـوالفعل منصوبا ب )مع(مبعنى ووميكن أن يكون الواو فالفعل جمزوم بالنهي تأكلوا قولهعلى فتكون اآلية جبملتها كالما واحدا مسوقا لغرض واحد )مع أن تأكلوا(والتقدير وهو النهي عن تصاحل الراشي

واملرتشي على أكل أموال الناس بوضعها بينهما وتقسيمها ألنفسهما بأخذ احلاكم ما أدىل به منها إليه وأخذ الراشي .فريقا آخر منها باإلثم ومها يعلمان أن ذلك باطل غري حق

Page 84: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٨٤

يف اآلية عن الصادق يف الكايف

وال تأكلوا أموالكم بينكم يف كتابه قول أيضا عن أبي بصري قال قلت ألبي عبد ويف الكايفقال بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام

تر إلى ألم لى الطاغوتالذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إ

روي عن أبي جعفر قال ويف امع

.وهذه مصاديق واآلية مطلقة أقول

Page 85: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٨٥

فإنه يتصرف يف اخلارج عن دائرة وجوده ومنها النبات واحليوان واإلنسان كل ما بني أيدينا من املوجودات املكونةوال خرب عن فال خرب يف الوجود عن موجود غري فعال مما ميكن أن ينتفع به يف إبقاء وجوده حلفظ وجوده وبقائه

وكذلك فهذه أنواع النبات تفعل ما تفعل لتنتفع به لبقائها ونشوئها وتوليد مثلها فعل يفعله فاعله ال لنفع يعود إليه .فهذا مما ال شبهة فيه أقسام احليوان واإلنسان تفعل ما تفعل لتنتفع به بوجه ولو انتفاعا خياليا أو عقليا

واحليوان واإلنسان بالشعور الغريزي أن التصرف يف املادة لرفع تدرك بالغريزة الطبيعية وهذه الفواعل التكوينية

احلاجة الطبيعية واالنتفاع يف حفظ الوجود والبقاء ال يتم للواحد منها إال مع االختصاص مبعنى أن الفعل الواحد ال و ما ندرك مالك أفعاله فإنه مينع عن املداخلة يف يقوم بفاعلني فهذا حاصل األمر ومالكه ولذلك فالفاعل من اإلنسان أ

إنسان وهو معنى وهذا أصل االختصاص الذي ال يتوقف يف اعتباره أمره والتصرف فيما يريد هو التصرف فيه .ويل أن أفعل كذا ولك أن تفعل كذا الالم الذي يف قولنا يل هذا ولك ذلك

مما يتغذى به أو فيما حازه من عش أو كن أو وكر أو ما اصطاده أو وجده ويشهد به ما نشاهده من تنازع احليوان

وما نشاهده من تشاجر األطفال فيما حازوه من غذاء وحنوه حتى الرضيع يشاجر ما ألفه من زوج وحنو ذلكثم إن ورود اإلنسان يف ساحة االجتماع حبكم فطرته وقضاء غريزته ال يستحكم به إال ما الرضيع على الثدي

Page 86: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٨٦

وال يوجب إال إصالح ما كان وضعه أوال وترتيبه وتعظيمه يف صورة النواميس أدركه بأصل الفطرة إمجاالوات أسام خمتلفة فيسمى وعند ذلك يتنوع االختصاص اإلمجايل املذكور أنواعا متفرقة ذ االجتماعية الدائرة

.االختصاص املايل بامللك وغريه باحلق وغري ذلك

وهم وإن أمكن أن خيتلفوا يف حتقق امللك من جهة أسبابه كالوراثة والبيع والشراء والغصب بقوة السلطان وغري ذلك أو من جهة املوضوع الذي هو املالك كاإلنسان الذي هو بالغ أو صغري أو عاقل أو سفيه أو فرد أو مجاعة إىل غري

لكن أصل امللك يف اجلملة ويثبتوا لبعض وينفوا عن بعض وينقصوا من بعض فيزيدوا يف بعض ذلك من اجلهاتخالفني للملك يسلبونه عن الفرد وينقلونه إىل اتمع أو الدولة احلاكمة ولذلك نرى أن امل مما ال مناص هلم عن اعتباره

ويف بطالن عليهم وهم مع ذلك غري قادرين على سلبه عن الفرد من أصله ولن يقدروا على ذلك فاحلكم فطري .الفطرة فناء اإلنسان

ومن والربح واإلرث والغنيمة واحليازةوسنبحث يف ما يتعلق هبذا األصل الثابت من حيث أسبابه كالتجارة

. العزيز حيث املوضوع كالبالغ والصغري وغريمها يف موارد يناسب ذلك إن شاء

Page 87: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٨٧

بيان

األهلة مجع هالل ويسمى القمر هالال أول الشهر يسألونك عن األهلة قل هي مواقيت للناس والحجقولهوقال وقال بعضهم الليايل الثالثة األول خرج من حتت شعاع الشمس الليلة األوىل والثانية كما قيلالقمري إذا

حتى يبهر نوره ظلمة الليل وذلك يف الليلة وقال بعضهم والتحجر أن يستدير خبطة دقيقة بعضهم حتى يتحجر .وامسه العام عند العرب الزبرقان السابعة ثم يسمى قمرا ويسمى يف الرابعة عشر بدرا

أهل القوم باحلج إذا رفعوا أصواهتم ومن قوهلم واهلالل مأخوذ من استهل الصيب إذا بكى عند الوالدة أو صاح

.مسي به ألن الناس يهلون بذكره إذا رأوا بالتلبية

Page 88: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٨٨

ويطلق أيضاعلى املكان املعني للفعل كميقات أهل الشام واملواقيت مجع ميقات وهو الوقت املضروب للفعل

.واملراد هاهنا األول وميقات أهل اليمن

عن حقيقة القمر وسبب تشكالهتا وإن مل يشرح أن السؤال يف أمرها عما ذا يسألونك عن األهلةقولهويف الظاهر بعد احملاق يف أول الشهر أو عن حقيقة اهلالل فقط املختلفة يف صور اهلالل والقمر والبدر كما قيل

.أو عن غري ذلك القمري كما ذكره بعضهم

دليل على أن السؤال مل يكن عن ماهية يسألونك عن األهلةولكن إتيان اهلالل يف السؤال بصورة اجلمع حيث قيلوأيضا لو كان يسألونك عن القمر ال عن األهلة األنسب أن يقالالقمر واختالف تشكالته إذ لو كان كذلك لكان

يسألونك عن اهلالل إذ ال غرض حينئذ السؤال عن حقيقة اهلالل وسبب تشكله اخلاص كان األنسب أن يقالففي إتيان األهلة بصيغة اجلمع داللة على أن السؤال إمنا كان عن السبب أو الفائدة يف ظهور القمر يتعلق باجلمع

.وعرب عن ذلك باألهلة ألهنا هي احملققة لذلك فأجيب بالفائدة هالال بعد هالل ورمسه الشهور القمرية

Page 89: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٨٩

فإن املواقيت وهي األزمان املضروبة والحجقل هي مواقيت للناس ويستفاد ذلك من خصوص اجلواب .واألعمال إمنا هي الشهور دون األهلة اليت ليست بأزمنة وإمنا هي أشكال وصور يف القمر لألفعال

وباجلملة قد حتصل أن الغرض يف السؤال إمنا كان متعلقا بشأن الشهور القمرية من حيث السبب أو الفائدة فأجيب

الفائدة وأهنا أزمان وأوقات مضروبة للناس يف أمور معاشهم ومعادهم فإن اإلنسان ال بد له من حيث اخللقة ببيان والزم ذلك أن يتقطع الزمان املمتد الذي ينطبق من أن يقدر أفعاله وأعماله اليت مجيعها من سنخ احلركة بالزمان

يوم والشهر والفصول والسنني بالعناية اإلهلية اليت تدبر أمور عليه أمورهم قطعا صغارا وكبارا مثل الليل والنهار والوالتقطيع الظاهر الذي يستفيد منه العامل واجلاهل والبدوي واحلضري ويسهل خلقه وهتديهم إىل صالح حياهتم

الناس حفظه على اجلميع إمنا هو تقطيع األيام بالشهور القمرية اليت يدركه كل صحيح اإلدراك مستقيم احلواس مندون الشهور الشمسية اليت ما تنبه لشأهنا ومل ينل دقيق حساهبا اإلنسان إال بعد قرون وأحقاب من بدء حياته يف

.األرض وهو مع ذلك ليس يف وسع مجيع الناس دائما

ن وكا فالشهور القمرية أوقات مضروبة معينة للناس يف أمور دينهم ودنياهم وللحج خاصة فإنه أشهر معلومات .اختصاص احلج بالذكر ثانيا متهيد ملا سيذكر يف اآليات التالية من اختصاصه ببعض الشهور

Page 90: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٩٠

ثبت بالنقل أن ابهاوليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوقوله

اجلاهلية كانوا إذا أحرموا للحج مل يدخلوا بيوهتم عند احلاجة من الباب بل اختذوا نقبا من ظهورها مجاعة من عرب ونزول اآلية يقبل االنطباق على هذا الشأن ودخلوا منه فنهى عن ذلك اإلسالم وأمرهم بدخول البيوت من أبواهبا

.سيأتي نقلهوبذلك يصح االعتماد على ما نقل من شأن نزول اآلية على ما

قالولو ال ذلك ألمكن أن ي قولهإن نم وتيأتوا البن اتقى وم البر نلكا وورهن ظهم وتيا البتأتو بأن البر سليوكناية عن النهي عن امتثال األوامر اإلهلية والعمل باألحكام املشرعة يف الدين إال على الوجه الذي أبوابها

وال الصيام يف غري شهر رمضان وهكذا وكانت اجلملة على هذا فال جيوز احلج يف غري أشهره شرعت عليهل شرعت فيها وال جيوز التعدي هبا عنها إىل وكان املعنى أن هذه الشهور أوقات مضروبة ألعما متمما ألول اآلية

.والصوم يف غري شهر رمضان وهكذا فكانت اآلية مشتملة على بيان حكم واحد غريها كاحلج يف غري أشهره

وعلى التقدير األول الذي يؤيده النقل فنفي الرب عن إتيان البيوت من ظهورها يدل على أن العمل املذكور مل يكن مما وأثبت كونه من الرب أمضاه الدين وإال مل يكن معنى لنفي كونه برا فإمنا كان ذلك عادة سيئة جاهلية فنفى

Page 91: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٩١

ولكن البر من اتقى قولهوإمنا عدل إىل ولكن الرب هو التقوى وكان الظاهر أن يقال أن الرب هو التقوىليس إشعارا بأن الكمال إمنا هو يف االتصاف بالتقوى وهو املقصود دون املفهوم اخلايل كما مر نظريه يف قوله

واليوم األخر والمالئكة والكتاب والنبيني ولكن البر من آمن بالبر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب اب وأقام الصالة وآتى الزكاة وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكني وابن السبيل والسائلني وفي الرق

بع وفونالمأولوقوا ودص ينالذ كأس أولئالب نيحو اءالضرو اءأسي البف ابرينالصوا وداهإذا ع مهده مه كئ تقون١٧٧(الم( البقرة .

إىل حسن إتيان البيوت من أبواهبا ملا ليس أمرا مولويا وإمنا هو إرشاد وأتوا البيوت من أبوابهاقولهواألمر يف

فيه من اجلري على العادة املألوفة املستحسنة املوافقة للغرض العقالئي يف بناء البيوت ووضع الباب مدخال وخمرجا فال فإن الكالم واقع موقع الردع عن عادة سيئة ال وجه هلا إال خرق العادة اجلارية املوافقة للغرض العقالئي فيها

نعم الدخول من غري الباب مبقصد أنه من الدين بدعة يدل على أزيد من اهلداية إىل طريق الصواب من غري إجياب .حمرمة

Page 92: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٩٢

قد عرفت يف أول السورة أن التقوى من الصفات اليت جيامع مجيع ١٨٩ لعلكم تفلحون واتقوا قولهومن املعلوم أن مجيع املقامات ال يستوجب الفالح والسعادة كما يستوجبه مراتب اإلميان ومقامات الكمال

ولذلك قال املقامات األخرية اليت تنفي عن صاحبها الشرك والضالل وإمنا هتدي إىل الفالح وتبشر بالسعادة اتقواو ونحتفل لكملع ١٨٩ فأتى بكلمة الرتجي وميكن أن يكون املراد بالتقوى امتثال هذا األمر

.اخلاص املوجود يف اآلية وترك ما ذمه من إتيان البيوت من ظهورها

عن األهلة فنزلت سأل الناس رسول أخرج ابن جرير وابن أبي حامت عن ابن عباس قال يف الدر املنثورهورها ولكن البر من يسألونك عن األهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظ هذه اآلية

هبا أجل دينهم وعدة نسائهم ووقت يعلمون ١٨٩ لعلكم تفلحون اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا .حجهم

وروي أيضاأن بعضهم سأل النيب وروي هذا املعنى فيه بطرق أخر عن أبي العالية وقتادة وغريمها أقول

.عن حاالت القمر املختلفة فنزلت اآلية

Page 93: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٩٣

.وهذا هو الذي ذكرنا آنفا أنه خمالف لظاهر اآلية فال عربة به

كانوا إذا أحرموا يف اجلاهلية دخلوا البيت من وابن جرير عن الرباء والبخاري أخرج وكيع أيضاويف الدر املنثور

.ابهاوليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبو ظهره فأنزل

كانت قريش تدعى احلمس وكانوا أيضا أخرج ابن أبي حامت واحلاكم وصححه عن جابر قال املنثورويف الدر يدخلون من األبواب يف اإلحرام وكانت األنصار وسائر العرب ال يدخلون من باب يف اإلحرام فبينا رسول

إن قطبة بن عامر رجل فاجر يا رسول يف بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر األنصاري فقالوا رأيتك فعلته ففعلته كما فعلت قال قال وأنه خرج معك من الباب فقال له

قال ديين دينك فأنزل فإن اورهن ظهم وتيا البتأتو بأن البر سليو.

واحلمس مجع أمحس كحمر وأمحر من احلماسة وهي الشدة وقد روي قريبا من هذا املعنى بطرق أخرى أقول .مسيت به قريش لشدهتم يف أمر دينهم أو لصالبتهم وشدة بأسهم

Page 94: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٩٤

بقولهكان قد أمضى قبل الواقعة الدخول من ظهور البيوت لغري قريش ولذا عاتبه وظاهر الرواية أن رسول

إخل وعلى هذا فتكون اآلية من اآليات الناسخة وهي تنسخ حكما مشرعاأن وحاشا وليس البر بأن تأتوا ولكنك قد عرفت أن اآلية تنافيه حيث تقول من غري آية هذا

.يشرع هو أو رسوله بأمره حكما من األحكام ثم يذمه أو يقبحه وينسخه بعد ذلك وهو ظاهر

قال وأتوا البيوت من أبوابها يف قوله عن الباقر ويف حماسن الربقي

عن الصادق ويف الكايف

وال شك أن اآلية الرواية من اجلري وبيان ملصداق من مصاديق اآلية باملعنى الذي فسرت به يف الرواية األوىل أقوليعين وقوله حبسب املعنى عامة وإن كانت حبسب مورد النزول خاصة

Page 95: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٩٥

والروايات يف وله معنى آخر أدق لعلنا نشري إليه فيما سيأتي إن شاء البيان احلق والدعوة التامة الذين معهم معنى الروايتني كثرية

بيان

وقد سيق الكالم فيها لبيان غرض واحد وهو تشريع سياق اآليات الشريفة يدل على أهنا نازلة دفعة واحدة وللقصاص وللفتنة فإن فيها تعرضا إلخراجهم من حيث أخرجوا املؤمنني القتال ألول مرة مع مشركي مكة

Page 96: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٩٦

على أنه وكل ذلك أمور مربوطة مبشركي مكة والنهي عن مقاتلتهم عند املسجد احلرام حتى يقاتلوا عندهوليس معناه االشرتاط أي قاتلوهم إن الذين يقاتلونكم وقاتلوا في سبيل قولهقيد القتال بالقتال يف

واملعنى قاتلوا الرجال دون النساء والولدان الذين ال يقاتلونكم كما ذكره وال قيدا احرتازيا قاتلوكم وهو ظاهرال تقاتله بل إمنا الصحيح النهي عن ويقال إذ ال معنى لقتال من ال يقدر على القتال حتى ينهى عن مقاتلته بعضهم

.قتله دون قتالهواملراد به الذين حاهلم حال القتال مع املؤمنني للحال والوصف لإلشارة يقاتلونكم بل الظاهر أن الفعل أعين

.وهم مشركوا مكة

الذين )٣٩(على نصرهم لقدير أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن قولهفمساق هذه اآليات مساق . إذن ابتدائي للقتال مع املشركني املقاتلني من غري شرط احلجأخرجوا من ديارهم بغير حق إال أن يقولوا ربنا

وقاتلوا في سبيلقولهعلى أن اآليات اخلمس مجيعا متعرضة لبيان حكم واحد حبدوده وأطرافه ولوازمه ف

ألصل احلكم قولهو وا إنتدال تعو ينتدعالم بحال ي حتديد له من حيث واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتلقولهو االنتظام

Page 97: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٩٧

وال تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم قولهو حتديد له من حيث التشديد ريناء الكافزج ككذل مفاقتلوه حتديد له من حيث املكان قولهو ةتنف تى ال تكونح ملوهقاتو

ينالد كونيولهل نيملى الظالإال ع انودع وا فالفإن انته حتديد له من حيث األمد والزمان ما اعتدى الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل قولهو

بيان أن هذا احلكم تشريع للقصاص يف القتال والقتل مع المتقني واعلموا أن عليكم واتقوا فيقرب أن يكون إجياب ملقدمته املالية وهو اإلنفاق للتجهيز والتجهز وأنفقواقولهو ومعاملة باملثل معهم

وال أن تكون نازلة يف نزول جمموع اآليات اخلمس لشأن واحد من غري أن ينسخ بعضها بعضا كما احتمله بعضهمبل الغرض منها واحد وهو تشريع القتال مع مشركي مكة الذين كانوا يقاتلون شئون متفرقة كما ذكره آخرون

.املؤمنني

وكونه يف سبيل القتال حماولة الرجل قتل من حياول قتله الذين يقاتلونكم وقاتلوا في سبيل قولهدون االستيالء فهو عبادة يقصد هبا وجه إمنا هو لكون الغرض منه إقامة الدين وإعالء كلمة التوحيد

على أموال الناس وأعراضهم فإمنا هو يف اإلسالم دفاع حيفظ به حق اإلنسانية املشروعة عند الفطرة السليمة كما

Page 98: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٩٨

ال وال تعتدوا إن ولذلك عقبه بقوله والتعدي خروج عن احلد فإن الدفاع حمدود بالذات سنبينهينتدعالم بحي.

يقال عدا واعتدى إذا االعتداء هو اخلروج عن احلد ال يحب المعتدين وال تعتدوا إن قوله

والنهي عن االعتداء مطلق يراد به كل ما يصدق عليه أنه اعتداء كالقتال قبل أن يدعى إىل احلق جاوز وحده .وغري ذلك مما بينه السنة النبوية وعدم االنتهاء إىل العدو وقتل النساء والصبيان واالبتداء بالقتال

يقال ثقف ثقافة وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتلواقتلوهم حيث ثقفتموهم قوله

والفتنة هو ما يقع به اختبار التوبةفاقتلوا المشركني حيث وجدتموهمقولهأي وجد وأدرك فمعنى اآلية معنى ولذلك يطلق على نفس االمتحان واالبتالء وعلى ما يالزمه غالبا وهو الشدة والعذاب على ما حال الشيء

واملراد به يف اآلية الشرك ب وقد استعمل يف القرآن الشريف يف مجيع هذه املعاني يستعقبه كالضالل والشرك .وقبلها جرة رسول ورسوله بالزجر والعذاب كما كان يفعله املشركون مبكة باملؤمنني بعد ه

Page 99: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٩٩

فاملعنى شددوا على املشركني مبكة كل التشديد بقتلهم حيث وجدوا حتى ينجر ذلك إىل خروجهم من ديارهم وما فعلوه أشد فإن ذلك منهم كان فتنة والفتنة أشد من القتل ألن يف القتل وجالئهم من أرضهم كما فعلوا بكم ذلك

.ويف الفتنة انقطاع احلياتني واهندام الدارين انقطاع احلياة الدنيا

اء الكافرين وال تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزقوله فيه هني عن القتال عند املسجد احلرام حفظا حلرمته ما حفظوه قولهوالضمري يف يهف راجع إىل

.املكان املدلول عليه بقوله عند املسجد

واملراد به االنتهاء عن مطلق القتال االنتهاء االمتناع والكف غفور رحيم فإن انتهوا فإن قولهفإن املسجد احلرام دون االنتهاء عن مطلق القتال بطاعة الدين وقبول اإلسالم فإن ذلك هو املراد بقوله ثانياعند

انودع وا فالانته قولهوأما هذا االنتهاء فهو قيد راجع إىل أقرب اجلمل إليه وهو لوهال تقاتو ندع مجدسالم وعلى هذا فكل من اجلملتني أعين قوله ا فإنوفإن انته وقوله وا فالفإن انته

انودع قيد ملا يتصل به من الكالم من غري تكرار.

Page 100: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٠٠

واملعنى فإن وضع السبب موضع املسبب إعطاء لعلة احلكم غفور رحيم فإن قولهويف . غفور رحيم انتهوا فإن

والفتنة يف لسان هذه حتديد ألمد القتال كما مر ذكره للهوقاتلوهم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين قوله

ويكون الدين ويدل عليه قوله اآليات هو الشرك باختاذ األصنام كما كان يفعله ويكره عليه املشركون مبكةلهل قولهواآلية نظرية ل ا فإنوفإن انته لهل كله ينالد كونية وتنف تى ال تكونح ملوهقاتو لونمعا يبم

ريص٣٩(ب( وا أنلما فاعلوتو إنو ريصالن معنلى ووالم معن الكموم)٤٠(األنفال ويف اآلية داللة على وجوبومن ينصر عباده املؤمنني ونعم املوىل ونعم النصري للهالدعوة قبل القتال فإن قبلت فال قتال وإن ردت فال والية إال

وال معنى لقتال هذا شأنه وغايته إال عن دعوة إىل الدين احلق وهو الدين للهاملعلوم أن القتال إمنا هو ليكون الدين .الذي يستقر على التوحيد

وال باليوم قاتلوا الذين ال يؤمنون ب قولهويظهر من هذا الذي ذكرناه أن هذه اآلية ليست مبنسوخة ب

مرا حم ونمرحال ير واألخ مهو دي نة عيطوا الجزعتى يح تابأوتوا الك ينالذ نم قالح يند ونيندال يو ولهسرو ونراغ٢٩(ص( التوبة بناء على أن دينهملهل وذلك أن اآلية أعين قوله تى ال تكونح ملوهقاتو

Page 101: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٠١

هو أن ال يعبد األصنام ويقر للهبكون الدين فاملراد خاصة باملشركني غري شاملة ألهل الكتاب فتنةال يؤمنون حبسب احلقيقة كما قال وإن كان ذلك كفرا منهم ب وأهل الكتاب مقرون به بالتوحيد

لكن اإلسالم قنع منهم مبجرد ورسوله وال يدينون دين الحق وال باليوم األخر وال يحرمون ما حرم ب .وإمنا أمر بقتاهلم حتى يعطوا اجلزية إلعالء كلمة احلق على كلمتهم وإظهار اإلسالم على الدين كله التوحيد

أي فإن انتهوا عن الفتنة وآمنوا مبا آمنتم به فال تقاتلوهم فإن انتهوا فال عدوان إال على الظالمني قوله

فإن انتهوا فإن فهو من وضع السبب موضع املسبب كما مر نظريه يف قوله فال عدوان إال على الظاملني يمحر غفور قولهفاآلية كيني الدف انكموفإخ كاةا الزآتوو ةالوا الصأقاموا وتاب فإن١١التوبة .

احلرمات مجع حرمة وهي ما حيرم هتكه وجيب بالشهر الحرام والحرمات قصاصالشهر الحرام قوله

واملعنى أهنم لو حرمة الشهر احلرام وحرمة احلرم وحرمة املسجد احلرام واحلرمات تعظيمه ورعاية جانبهوقد هتكوا حني صدوا النيب وأصحابه عن احلج عام احلديبية ورموهم هتكوا حرمة الشهر احلرام بالقتال فيه

وميتثلون أمره يف إعالء فإمنا جياهدون يف سبيل بالسهام واحلجارة جاز للمؤمنني أن يقاتلوهم فيه وليس هبتكالشهر قولهف كلمته ولو هتكوا حرمة احلرم واملسجد احلرام بالقتال فيه وعنده جاز للمؤمنني معاملتهم باملثل

Page 102: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٠٢

بيان خاص عقب ببيان عام يشمل مجيع احلرمات وأعم من هذا البيان العام قوله الحرام بالشهر الحرامإمنا شرع القصاص فاملعنى أن فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم عقيبه

يف الشهر احلرام ألنه شرع القصاص يف مجيع احلرمات وإمنا شرع القصاص يف احلرمات ألنه شرع جواز االعتداء .باملثل

ثم ندهبم إىل مالزمة طريقة االحتياط يف االعتداء ألن فيه استعماال للشدة والبأس والسطوة وسائر القوى الداعية

وواليته وهم أحوج إىل حمبة ال حيب املعتدين جادة االعتدال وإىل الطغيان واالحنراف عن .مع المتقني واعلموا أن واتقوا ونصره فقال

باالعتداء مع أنه ال حيب املعتدين فإن االعتداء مذموم إذا مل يكن يف مقابلة اعتداء وأما إذا كان يف وأما أمره

كالتكرب مع املتكرب مقابلة االعتداء فليس إال تعاليا عن ذل اهلوان وارتقاء عن حضيض االستعباد والظلم والضيم واجلهر بالسوء ملن ظلم.

Page 103: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٠٣

أمر بإنفاق املال إلقامة القتال يف سبيل وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأنفقوا في سبيل قوله كما مر نظري تقييد القتال يف أول اآليات بكونه يف سبيل والكالم يف تقييد اإلنفاق هاهنا بكونه يف سبيل

وال تلقوا أيديكم إىل التهلكة كناية عن النهي عن إبطال القوة واملعنى زائدة للتأكيد أيديكم قولهوالباء يف واملعنى حمذوف ال تلقواإن الباء للسببية ومفعول ورمبا يقال واالستطاعة والقدرة فإن اليد مظهر لذلك

والتهلكة واهلالك واحد وهو مصري اإلنسان حبيث ال يدري أين هو ال تلقوا أنفسكم بأيدي أنفسكم إىل التهلكة .وهو على وزن تفعلة بضم العني ليس يف اللغة مصدر على هذا الوزن غريه

والكالم مطلق أريد به النهي عن كل ما يوجب اهلالك من إفراط وتفريط كما أن البخل واإلمساك عن إنفاق املال

وكما أن التبذير بإنفاق مجيع وفيه هالك العدة بظهور العدو عليهم قوة وذهاب القدرةعند القتال يوجب بطالن ال .املال يوجب الفقر واملسكنة املؤديني إىل احنطاط احلياة وبطالن املروة

وليس املراد باإلحسان يحب المحسنني وأحسنوا إن الكالم باإلحسان فقال ثم ختم

الكف عن القتال أو الرأفة يف قتل أعداء الدين وما يشبههما بل اإلحسان هو اإلتيان بالفعل على وجه حسن بالقتال فدفع الظامل مبا يستحقه والعفو يف مورد العفو والشدة يف مورد الشدة والكف يف مورد الكف يف مورد القتال

Page 104: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٠٤

ودفاع عن الدين املصلح لشأهنا كما أن الكف عن التجاوز يف إحسان على اإلنسانية باستيفاء حقها املشروع هلاوهو الواجب هو الغرض األقصى من الدين وحمبة استيفاء احلق املشروع مبا ال ينبغي إحسان آخر

آل فاتبعوني يحببكم قل إن كنتم تحبون قال ربه باإلتباع على كل متدين بالدين أن جيلبها من

ال يحب المعتدين إن وقد بدأت اآليات الشريفة وهي آيات القتال بالنهي عن االعتداء و ٣١عمران .ويف ذلك من وجوه احلالوة ما ال خيفى يحب المحسنني إن وختمت باألمر باإلحسان و

قل يا أيها كما قال كان القرآن يأمر املسلمني بالكف عن القتال والصرب على كل أذى يف سبيل ونر١(الكاف( وندبا تعم دبال أع)٢( دبا أعم ونابدع ال أنتمو)٣( تمدبا عم ابدال أنا عو)ا )٤م ونابدع ال أنتمو

دب٥(أع( يند يلو كميند لكم)٦(الكافرون وقال قولونا يلى مع براصواملزمل وقال إلى تر ألموكان هذه اآلية تشري إىل قوله ٧٧النساءالذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال

همأنفس دنع نا مدسا حكفار كمانإمي دعب نم ونكمدري تاب لول الكأه نم ريكث دو قالح مله نيا تبم دعب نم يأتتى يوا حفحاصفوا وفاع إن رهبأم يرقد ءيلى كل ش١٠٩(ع( كاةآتوا الزو ةالوا الصيمأقوالبقرة .

أذن للذين يقاتلون بأنهم قولهثم نزلت آيات القتال فمنها آيات القتال مع مشركي مكة ومن معهم باخلصوص ك إنوا ومظل يرلقد مرهلى نصا )٣٩(عنبقولوا ري ق إال أنر حبغي مارهيد نوا مرجأخ ينالذ احلج ومن

Page 105: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٠٥

وقاتلوهم حتى ال تكون فتنة قولهوكذا املمكن أن تكون هذه اآلية نزلت يف الدفاع الذي أمر به يف بدر وغريها ا فإنوفإن انته لهل كله ينالد كونيو ريصب لونمعا ي٣٩(بم( وا أنلما فاعلوتو إنو معنلى ووالم معن الكموم

ريص٤٠(الن(األنفال قولهوكذا بيلي سلوا فقاتو وا إنتدال تعو لونكمقاتي ينالذ بحال يينتدعالم البقرة .

وال باليوم األخر وال يحرمون ما حرم قاتلوا الذين ال يؤمنون ب قال ومنها آيات القتال مع أهل الكتاب

ص مهو دي نة عيطوا الجزعتى يح تابأوتوا الك ينالذ نم قالح يند ونيندال يو ولهسرو ونر٢٩(اغ(التوبة .

فاقتلوا المشركني حيث وجدتموهم وهم غري أهل الكتاب كقوله ومنها آيات القتال مع املشركني عامة .٣٦التوبةقاتلوا المشركني كافة كما يقاتلونكم كافةقولهوك ٥التوبة

.١٢٣التوبة الكفار وليجدوا فيكم غلظةقاتلوا الذين يلونكم من قولهومنها ما يأمر بقتال مطلق الكفار ك

Page 106: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٠٦

ومجلة األمر أن القرآن يذكر أن اإلسالم ودين التوحيد مبين على أساس الفطرة وهو القيم على إصالح اإلنسانية يف ذلك الدين التي فطر الناس عليها ال تبديل لخلق فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة حياهتا كما قال

ونلمعاس ال يالن أكثر نلكو م٣٠(القي(الروم كما قال فإقامته والتحفظ عليه أهم حقوق اإلنسانية املشروعة ى بهصا وين مالد نم لكم عرش ى أنيسعى ووسمو يماهرإب ا بهنيصا ومو كا إلينيحي أوالذا ونوح

يهقوا فال تتفرو ينوا الديمأق١٣الشورى ثم يذكر أن الدفاع عن هذا احلق الفطري املشروع حق آخر فطري قال فعال دلوو ما اسيهف ذكري اجدسمو اتلوصو عبيو عاموص تمدض لهعبب مضهعب اسالن اريكث

نرصنليو إن هرصني نم زيزع ٤٠(لقوي(احلج فبني أن قيام دين التوحيد على ساقه وحياة ذكره منوطيف ضمن وقال ٢٥١البقرةالناس بعضهم ببعض لفسدت األرض ولوال دفع قولهونظريه بالدفاع

بعد عدة آيات ثم قال األنفال)٨(ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون آيات القتال من سورة األنفال ايييكمحا يمل اكمعول إذا دسلرلو لهوا لتجيبوا اسنآم ينا الذهأي٢٤األنفال فسمى اجلهاد والقتال الذي يدعى له

ومعناه أن القتال سواء كان بعنوان الدفاع عن املسلمني أو عن بيضة اإلسالم أو كان قتاال ابتدائيا املؤمنون حمييا هلمويف هالك اإلنسانية وموت الفطرة كل ذلك باحلقيقة دفاع عن حق اإلنسانية يف حياهتا ففي الشرك ب

.القتال وهو دفاع عن حقها إعادة حلياهتا وإحياؤها بعد املوت

Page 107: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٠٧

أنه ينبغي أن يكون لإلسالم حكم دفاعي يف تطهري األرض من لوث مطلق الشرك هناك يستشعر الفطن اللبيبومن أو فإن هذا القتال الذي تذكره اآليات املذكورة إمنا هو إلماتة الشرك الظاهر من الوثنية للهوإخالص اإلميان

مع أن آية القتال معهم تتضمن أهنم ال يؤمنون إلعالء كلمة احلق على كلمة أهل الكتاب حبملهم على إعطاء اجلزية ورسوله وال يدينون دين احلق فهم وإن كانوا على التوحيد لكنهم مشركون باحلقيقة مستبطنون ذلك ب

.احلق والدفاع عن حق اإلنسانية الفطري يوجب محلهم على الدين

والقرآن وإن مل يشتمل من هذا احلكم على أمر صريح لكنه يبوح بالوعد بيوم للمؤمنني على أعدائهم ال يتم أمره إال هو الذي أرسل رسوله وهو القتال إلقامة اإلخالص يف التوحيد قال بإجناز األمر هبذه املرتبة من القتال

ركونشالم كره لوو ين كلهلى الدع هظهريل قين الحدى ود٩(باله(الصف قولهوأظهر منه يا فنكتب لقدو ونحالالص يادبا عرثهي ضاألر الذكر أن دعب نور مب١٠٥(الز(األنبياء قولهوأصرح منه دعو ينالذ

يمكنن لهم دينهم الذي آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في األرض كما استخلف الذين من قبلهم ولونندبعا ينأم همفوخ دعب نم مهلندبليو متضى لهئااريبي ش ركونشي ال ي٥٥النور فقوله يونندبعي يعين به

يعد بعض اإلميان شركا مع أنه ال يشركون بي شيئا عبادة اإلخالص حبقيقة اإلميان بقرينة قوله

Page 108: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٠٨

من تصفية األرض فهذا ما وعده يوسف)١٠٦(إال وهم مشركون وما يؤمن أكثرهم ب قال .حقا وختليتها للمؤمنني يوم ال يعبد فيه غري

قولهورمبا يتوهم املتوهم أن ذلك وعد بنصر إهلي مبصلح غييب من غري توسل باألسباب الظاهرة لكن ينافيه

ضي األرف مهفنتخلسلي فإن االستخالف إمنا هو بذهاب بعض وإزالتهم عن مكاهنم ووضع آخرين مقامهم .ففيه إمياء إىل القتال

بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي قولهعلى أن

- على ما سيجيء يف حمله - ٥٤املائدةوال يخافون لومة الئم المؤمنني أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل .وهنضة دينية ستقع عن أمر إهلي ويؤيد أن هذه الواقعة املوعودة إمنا تقع عن دعوة جهاد يشري إىل دعوة حقة

ومبا مر من البيان يظهر اجلواب عما رمبا يورد على اإلسالم يف تشريعه اجلهاد بأنه خروج عن طور النهضات الدينية

واهلداية دون اإلكراه على قدمه على الدعوةاملأثورة عن األنبياء السالفني فإن دينهم إمنا كان يعتمد يف سريه وت

Page 109: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٠٩

ولذلك رمبا مساه بعضهم كاملبلغني من النصارى بدين السيف والدم اإلميان بالقتال املستتبع للقتل والسيب والغارات .!وآخرون بدين اإلجبار واإلكراه

ينبغي أن يرتاب أن كمال اإلنسان يف حياته وذلك أن القرآن يبني أن اإلسالم مبين على قضاء الفطرة اإلنسانية اليت ال

وهي تقضي بأن التوحيد هو األساس الذي جيب بناء القوانني الفردية هو ما قضت به وحكمت ودعت إليهوأن الدفاع عن هذا األصل بنشره بني الناس وحفظه من اهلالك والفساد حق مشروع واالجتماعية عليه

فبدأ بالدعوة اردة والصرب وقد روعي يف ذلك طريق االعتدال سيلة ممكنةلإلنسانية جيب استيفاؤه بأي وثم القتال االبتدائي ثم الدفاع عن بيضة اإلسالم ونفوس املسلمني وأعراضهم وأمواهلم على األذى يف جنب

الذي هو دفاع عن حق اإلنسانية وكلمة التوحيد ومل يبدأ بشيء من القتال إال بعد إمتام احلجة بالدعوة احلسنة كما ي ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي ه قال جرت عليه السنة النبوية

نسأح١٢٥النحل واآلية مطلقة وقال ةنيب نع يح نا ميحيو ةنيب نع لكه نم كلهيل٤٢األنفال.

وأما ما ذكروه من استلزامه اإلكراه عند الغلبة فال ضري فيه بعد توقف إحياء اإلنسانية على حتميل احلق املشروع وهذه طريقة دائرة بني امللل والدول فإن املتمرد األفراد بعد البيان وإقامة احلجة البالغة عليهمعلى عدة من

Page 110: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١١٠

املتخلف عن القوانني املدنية يدعى إىل تبعيتها ثم حيمل عليه بأي وسيلة أمكنت ولو اجنر إىل القتال حتى يطيع وينقاد .طوعا أو كرها

ثم التعليم والرتبية الدينيان يصلحان الطبقات اآلتية طبقة واحدة من النسلعلى أن الكره إمنا يعيش ويدوم يف

.بإنشائها على الدين الفطري وكلمة التوحيد طوعا

املوجود من حياهتم يدل على عدم أن سائر األنبياء جروا على جمرد الدعوة واهلداية فقط فالتاريخ وأما ما ذكروهفقد كان أحاط هبم القهر والسلطنة من كل يام بالقتال كنوح وهود وصاحل اتساع نطاقهم حبيث جيوز هلم الق

أيام إقامته بني الناس واشتغاله بالدعوة وإمنا انتشرت دعوته وقبلت حجته يف وكذلك كان عيسى جانب .زمان طرو النسخ على شريعته وكان ذلك أيام طلوع اإلسالم

وكأين قال والقرآن يذكر طرفا منه كما تقصه التوراة على أن مجعا من األنبياء قاتلوا يف سبيل

يحب الصابرين وما ضعفوا وما استكانوا و من نبي قاتل معه ربيون كثري فما وهنوا لما أصابهم في سبيل )١٤٦( امأقد تثبرنا وي أما فافنرإسا ونا ذنوبلن را اغفنبقالوا ر إال أن ملهقو ا كانمو رينم الكافلى القونا عرانصا ون

Page 111: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١١١

)١٤٧(آل عمران وقال - يقص دعوة موسى قومه إىل قتال العمالقة - وام اذكرا قوي همقوى لوسإذ قال مويا قوم ادخلوا )٢٠(عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمني نعمة

األر ي كتبة التسقدالم ض ريناسوا خبقلفتن اركمبلى أدوا عتدال ترو ا )٢١(لكمما قويهف ى إنوسا مقالوا ياخا فإنا دهنوا مجخري ا فإنهنوا مجخرتى يا حلهخند إنا لنو ارينبج ٢٢(لون( مأنع خافوني ينالذ نن مالجقال ر

لىعو ونبغال فإنكم وهلتمخفإذا د ابالب همليلوا عخا ادهمليع نينمؤم تمكن كلوا إنا )٢٣(فتوقالوا ي وقال املائدة )٢٤(ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتال إنا هاهنا قاعدون موسى إنا لن ندخلها أبدا

إىل ٢٤٦البقرة اتل في سبيل ألم تر إلى المال من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نق .آخر قصة طالوت وجالوت

قالت يا أيها المال أفتوني في أمري ما )٣١(أال تعلوا علي وأتوني مسلمني يف قصة سليمان وملكة سبإ و قال

)٣٣(قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد واألمر إليك فانظري ماذا تأمرين )٣٢(كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون لونفعي ككذللة وا أذهلأه ةزلوا أععجا ووهدة أفسيلوا قرخلوك إذا دالم إن ٣٤( قالت( سرإني مو ةيدبه هملة إلي

لونسرالم جعري بم ةراظ٣٥(فن( يا آتانال فمونن بمدقال أتم انمليس اءا جفلم كمتيدبه ل أنتمب ا آتاكممم ريخ ونح٣٦(تفر( مهنيأتفلن همإلي جعار ونراغص مهلة وا أذهنم مهنخرجلنا وبه مل لهبال ق ودنبج)٣٧(النمل ومل يكن

Page 112: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١١٢

إال )٣٧(فلنأتينهم بجنود ال قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون بقولههذا الذي كان يهددهم هبا . قتاال ابتدائيا عن دعوة ابتدائية

ال ريب أن االجتماع أينما وجد كاجتماع نوع اإلنسان وسائر االجتماعات املختلفة النوعية اليت نشاهدها يف أنواع .والبقاءمن احليوان فإمنا هو مبين على أساس االحتياج الفطري املوجود فيها الذي يراد به حفظ الوجود

وكما أن الفطرة واجلبلة أعطتها حق التصرف يف كل ما تنتفع هبا يف حياهتا من حفظ الوجود والبقاء كاإلنسان يتصرف يف اجلماد والنبات واحليوان حتى يف اإلنسان بأي وسيلة ممكنة فريى لنفسه حقا يف ذلك وإن زاحم حقوق

وكأنواع احليوان يف تصرفاهتا يف غريها وإذعاهنا بأن هلا حقا يف غريه من احليوان وكمال غريه من النبات واجلمادذلك كذلك أعطتها حق الدفاع عن حقوقها املشروعة هلا حبسب فطرهتا إذ كان ال يتم حق التصرف بدون حق

واحلركة يرى فكل نوع حيفظ وجوده وبقاءه بالشعور والناموس ناموس التنازع يف البقاء الدفاع فالدار دار التزاحمويدل على ويذعن بأن ذلك مباح له كما يذعن بإباحة تصرفه املذكور لنفسه حق الدفاع عن حقوقه بالفطرة

من أهنا تتوسل عند التنازع بأدواهتا البدنية الصاحلة ألن تستعمل يف الدفاع ذلك ما نشاهده يف أنواع احليوانوبعضها الذي مل يتسلح بشيء من هذه والشوك واملنقار وغري ذلكواألظالف كالقرون واألنياب واملخالب

Page 113: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١١٣

األسلحة الطبيعية القوية تسرتيح إىل الفرار أو االستتار أو اخلمود كبعض الصيد والسلحفاة وبعض احلشرات .وبعضها الذي يقدر على إعمال احليل واملكائد رمبا أخذ هبا يف الدفاع كالقرد والدب والثعلب وأمثاهلا

واإلنسان من بني احليوان مسلح بالشعور الفكري الذي يقدر به على استخدام غريه يف سبيل الدفاع كما يقدر عليه

ومن حكمها أن لإلنسان حقا يف ولفطرته قضاوة وحكم وله فطرة كسائر األنواع يف سبيل التصرف لالنتفاعوهذا احلق الذي يذعن به اإلنسان بفطرته هو الذي يبعثه حنو املقاتلة وحقا يف الدفاع عن حقه الفطري التصرف

واملقارعة يف مجيع املوارد اليت يهم هبا فيها يف االجتماع اإلنساني دون حكم االستخدام الذي حيكم به حكما أوليا االجتماع إذ اإلنسان ميكنه أن يستخدمه يف طريق منافعه احليوية فإن هذا احلكم معدل ب فطريا فيستخدم به كل ما

إذا أحس حباجته إىل استخدام غريه من بين نوعه ثم علم بأن سائر األفراد من نوعه أمثاله يف احلاجة اضطر إىل املصاحلة واملوافقة على التمدن والعدالالجتماعي بأن خيدم غريه مبقدار ما يستخدم غريه حسب ما يزنه االحتياج

.مبيزانه ويعدله االجتماع بتعديله

أن اإلنسان ال يستند يف شيء من مقاتالته إىل حكم االستخدام واالستعباد املطلق الذي يذعن به يف ومن هنا يعلمأول أمره فإن هذا حكم مطلق نسخه اإلنسان بنفسه عند أول وروده يف االجتماع واعرتف بأنه ال ينبغي أن يتصرف

Page 114: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١١٤

ند يف ذلك إىل حق الدفاع عن حقوقه يف منافعه بل إمنا يست يف منافع غريه إال مبقدار يؤتي غريه من منافع نفسه .فيفرض لنفسه حقا ثم يشاهد تضييعه فينهض إىل الدفاع عنه

حتى أن الفاحتني من امللوك واملتغلبني من الدول يفرضون ألنفسهم نوعا من احلق كحق فكل قتال دفاع يف احلقيقة مضيقة يف األرض أو غري ذلك فيعتذرون بذلك يف احلاكمية ولياقة التأمر على غريهم أو عسرة يف املعاش أو

.مهامجتهم على الناس وسفك الدماء وفساد األرض وإهالك احلرث والنسل

أن الدفاع عن حقوق اإلنسانية حق مشروع فطري مباح االستيفاء لإلنسان نعم ملا كان هذا حقا مطلوبا فقد تبنيمهية فال يقدم على الدفاع إال إذا كان ما يفوت اإلنسان بالدفاع من املنافع لغريه ال لنفسه جيب أن يوازن مبا للغري من األ

وقد أثبت القرآن أن أهم حقوق اإلنسانية هو التوحيد والقوانني هو دون احلق الضائع املستنقذ يف األمهية احليويةالدينية املبنية عليه كما أن عقالء االجتماع اإلنساني على أن أهم حقوقها هو حق احلياة حتت القوانني احلاكمة على

.اتمع اإلنساني اليت حتفظ منافع األفراد يف حياهتم

Page 115: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١١٥

ال يحب الذين يقاتلونكم وال تعتدوا إن وقاتلوا في سبيل يف قوله عن ابن عباس يف امعينتدعالم نزلت هذه اآلية يف صلح احلديبية وذلك أن رسول ملا خرج هو وأصحابه يف العام

الذي أرادوا فيه العمرة وكانوا ألفا وأربعمائة فساروا حتى نزلوا احلديبية فصدهم املشركون عن البيت احلرام فنحروا اهلدي باحلديبية ثم صاحلهم املشركون على أن يرجع من عامه ويعود العام القابل وخيلو له مكة ثالثة أيام

ا يشاء فرجع إىل املدينة من فوره فلما كان العام املقبل جتهز النيب وأصحابه لعمرة القضاء فيطوف بالبيت ويفعل م قتاهلم يف الشهر وكره رسول وخافوا أن ال تفي هلم قريش بذلك وأن يصدوهم عن البيت احلرام ويقاتلوهم

.هذه اآلية احلرام يف احلرم فأنزل

.بطرق عن ابن عباس وغريه وروي هذا املعنى يف الدر املنثور أقول

هذه أول آية نزلت يف القتال فلما نزلت كان رسول أيضا عن الربيع بن أنس وعبد الرمحن بن زيد بن أسلم ويف امع يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزلت ثيح نيركشفاقتلوا المموهتمدجو فنسخت هذه .اآلية

Page 116: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١١٦

.وهذا اجتهاد منهما وقد عرفت أن اآلية غري ناسخة لآلية بل هو من قبيل تعميم احلكم بعد خصوصه أقول

واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل وال قولهيف ويف امعاآلية نزلت ن كافريتقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء ال

أن الفتنة يف يف سبب رجل من الصحابة قتل رجال من الكفار يف الشهر احلرام فعابوا املؤمنني بذلك فبني . الدين وهو الشرك أعظم من قتل املشركني يف الشهر احلرام وإن كان غري جائز

. أن ظاهر وحدة السياق يف اآليات الشريفة أهنا نزلت دفعة واحدة وقد عرفت أقول

فإن انتهوا فال عدوان إال على للهوقاتلوهم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين قولهيف ويف الدر املنثور

نيمالظال قال بطرق عن قتادة ةتنف تى ال تكونح ملوهقاتو أي شرك ينالد كونيولهل قال ال إله إال قالحتى ي عليها قاتل رسول وإليها دعا أن النيب وذكر لنا كان يقول

نيملى الظالإال ع انودع وا فالفإن انته قال وإن الظامل الذي أبى أن يقول ال إله إال يقاتل حتى يقول ال إله إال

Page 117: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١١٧

وروي نظري ذلك استفاد ذلك من قول النيب وهي استفادة حسنة من قول قتادة )اخل..وإن الظامل(قوله أقول

.عن عكرمة

أنه أتاه رجالن يف فتنة ابن الزبري فقاال أيضا أخرج البخاري وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر ويف الدر املنثور إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النيب فما مينعك أن خترج قال مينعين أن حرم دم أخي

وأنتم تريدون أن للهقاتلنا حتى مل تكن فتنة وكان الدين قالوقاتلوهم حتى ال تكون فتنة أمل يقل قاال .تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغري

وإمنا املورد من مصاديق الفساد يف األرض أو وقد مر بيانه وقد أخطأ يف معنى الفتنة وأخطأ السائالن أقول

.االقتتال عن بغي وال جيوز للمؤمنني أن يسكتوا فيهوهو املروي عن أبي عبد قال قال أي شرك اآلية وقاتلوهم حتى ال تكون فتنةقولهيف ويف امع .

Page 118: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١١٨

سألته عن قال عن العالء بن الفضيل الشهر الحرام بالشهر الحرامقولهيف ويف تفسري العياشيرأى املسلمون قال إذا كان املشركون ابتدءوهم باستحالهم املشركني أيبتدئهم املسلمون بالقتال يف الشهر احلرام

أخرج أمحد الشهر احلرام بالشهر احلرام واحلرمات قصاص ويف الدر املنثور قولهوذلك مبا أهنم يظهرون عليهم فيهيغزو يف الشهر احلرام حتى مل يكن رسول قال وابن جرير والنحاس يف ناسخه عن جابر بن عبد

غزىي ويغزو فإذا حضره أقام حتى ينسلخ.

عن رجل قتل رجال يف احلل ثم دخل احلرم فقال سألت أبا عبد عن معاوية بن عمار قال ويف الكايف قال قلت

قال فما تقول يف رجل قتل يف احلرم أو سرق

نفمكمليى عتدا اعثل مبم هليوا عتدفاع كمليى عتداع فقال هذا هو يف احلرم فقال قال وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة يف قوله عن الصادق ويف الكايف

إلى يكمدال تلقوا بأيو ا إنونسأحو لكةالته نينسحالم بحي

Page 119: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١١٩

قال رسول قال وروى الصدوق عن ثابت بن أنس

لكةإلى الته يكمدال تلقوا بأيو

وعلى أهل مصر عقبة بن عامر كنا بالقسطنطينية قال بطرق كثرية عن أسلم أبي عمران ويف الدر املنثوروعلى أهل الشام فضالة بن عبيد فخرج صف عظيم من الروم فصففنا هلم فحمل رجل من املسلمني على صف

صاحب رسول فقام أبو أيوب يلقي بيديه إىل التهلكة سبحان الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس فقالوا فقال يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه اآلية هذا التأويل وإمنا نزلت هذه اآلية فينا معشر األنصار إنا ملا أعز دينه وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرا دون رسول إن أموالنا قد ضاعت وأن قد أعز اإلسالم

وأنفقوا في سبيل يرد علينا ما قلنا ى نبيهعل وكثر ناصروه فلو أقمنا يف أموالنا فأصلحنا ما ضاع فيها فأنزل لكةإلى الته يكمدال تلقوا بأيو فكانت التهلكة اإلقامة يف األموال وإصالحها وتركنا الغزو.

اإلفراط والتفريط يف أن اآلية مطلقة تشمل جانيب واختالف الروايات كما ترى يف معنى اآلية يؤيد ما ذكرناه أقول

. اإلنفاق مجيعا بل تعم اإلنفاق وغريه

Page 120: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٢٠

ةرمالعو جوا الحمأتولهن لفم لهحم يدلغ الهبتى يح كموسؤقوا رلال تحي وداله نم رستيا اسفم تمرصأح فإن كانمتع بالعمرة إلى الحج فما منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن ت

شع لكت تمعجإذا ر ةعبسو جي الحام فأي ثالثة اميفص جدي ن لمي فمداله نم رستياس لهأه كني ن لممل كلة ذلكام ةرالحج أشهر معلومات فمن فرض١٩٦ شديد العقاب واعلموا أن قوا حاضري المسجد الحرام وات

هلمعر ييخ نلوا ما تفعمو جي الحال فال جدوق وال فسو فثر فال جالح يهنف ال ادالز ريخ وا فإندوتزى وتقو ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضال من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا ١٩٧واتقون يا أولي األلباب

Page 121: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٢١

نلم هلن قبإن كنتم مو اكمدا هكم وهاذكرام ورر الحعشالم ندع الضآلني١٩٨ اسالن أفاض ثيح نيضوا مأف ثمكذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا ١٩٩غفور رحيم إن واستغفروا

ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا ٢٠٠الدنيا وما له في اآلخرة من خالق فمن الناس من يقول ربنا آتنا فيسريع الحساب أولئك لهم نصيب مما كسبوا و٢٠١ حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار

٢٠٢ وااذكرو ن امل هليع فال إثم رن تأخمو هليع إثم ن فاليموي يل فجن تعفم اتوددعام مي أياتقوا فتقى و ونرشتح هإلي وا أنكملماعو٢٠٣

بيان

.وفيها تشريع حج التمتع آخر حجة حجها رسول نزلت اآليات يف حجة الوداع

متام الشيء هو اجلزء الذي بانضمامه إىل سائر أجزاء الشيء يكون الشيء هو للهوأمتوا احلج والعمرة قولهوالكمال هو حال ويرتتب عليه آثاره املطلوبة منه فاإلمتام هو ضم متام الشيء إليه بعد الشروع يف بعض أجزائه هو

فانضمام أجزاء أو وصف أو أمر إذا وجده الشيء ترتب عليه من األثر بعد متامه ما ال يرتتب عليه لو ال الكمالورمبا يستعمل التمام مقام الكمال وكونه إنسانا عاملا أو شجاعا أو عفيفا كماله اإلنسان بعضها إىل بعض هو متامه

Page 122: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٢٢

واملراد بإمتام احلج والعمرة هو باالستعارة بدعوى كون الوصف الزائد على الشيء داخال فيه اهتماما بأمره وشأنهفإن ذلك تفريع على فإن أحصرمت فما استيسر من اهلدي بعده والدليل عليه قوله املعنى األول احلقيقي

إيصال العمل إىل آخر أجزائه وضمه إىل أجزائه املأتي هبا بعد الشروع وال معنى يصحح تفريعه على التمام مبعنى .اإلمتام مبعنى اإلكمال وهو ظاهر

وكان بعده بني العرب ثم أمضاه واحلج هو العمل املعروف بني املسلمني الذي شرعه إبراهيم اخلليل

.هلذه األمة شريعة باقية إىل يوم القيامة

وفيها التضحية مبنى ورمي اجلمرات الثالث ويبتدى هذا العمل باإلحرام والوقوف يف العرفات ثم املشعر احلرام حج اإلفراد وهو على ثالثة أقسام وفيها أمور مفروضة أخر والطواف وصالته والسعي بني الصفا واملروة

.يف آخر عهد رسول وحج التمتع الذي شرعه وحج القران

Page 123: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٢٣

والعمرة عمل آخر وهو زيارة البيت باإلحرام من أحد املواقيت والطواف وصالته والسعي بني الصفا واملروة للهوأمتوا احلج والعمرة ويدل عليه قوله والعمرة عبادتان ال يتمان إال لوجه ومها أعين احلج والتقصري

.اآلية

واملراد اإلحصار هو احلبس واملنع إخل فإن أحصرمت فما استيسر من اهلدي وال حتلقوا رءوسكمقولهاملمنوعية عن اإلمتام بسبب مرض أو عدو بعد الشروع باإلحرام واالستيسار صريورة الشيء يسريا غري عسري

وأصله من اهلدية واهلدي هو ما يقدمه اإلنسان من النعم إىل غريه أو إىل حمل للتقرب به كأنه جيلب اليسر لنفسهواملراد به واهلدي واهلدية كالتمر والتمرة مبعنى التحفة أو من اهلدى مبعنى اهلداية اليت هي السوق إىل املقصود

.ما يسوقه اإلنسان للتضحية به يف حجه من النعم

وتفريع هذا احلكم على النهي عن حلق إخل الفاء للتفريع كان منكم مريضا أو به أذى من رأسهفمن قوله الرأس يدل على أن املراد باملرض هو خصوص املرض الذي يتضرر فيه من ترك الشعر على الرأس من غري حلق

ألذى ما كان من غري طريق املرض كاهلوام فهو أو به أذى من رأسه بلفظة أو الرتديد يدل على أن املراد با بقولهواإلتيان

Page 124: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٢٤

فهذان األمران جيوزان احللق مع الفدية بشيء من اخلصال الثالث كناية عن التأذي من اهلوام كالقمل على الرأس .والنسك والصدقة اليت هي الصيام

.وأن النسك شاة وأن الصدقة إطعام ستة مساكني وقد وردت السنة أن الصيام ثالثة أيام

أي إذا أمنتم املانع من مرض أو عدو أو غري تفريع على اإلحصار فإذا أمنتم فمن متتع بالعمرة إىل احلجقوله

أي متتع بسبب العمرة من حيث ختمها واإلحالل إىل زمان اإلهالل باحلج فما ذلك فمن متتع بالعمرة إىل احلجوسببية العمرة للتمتع مبا كان ال جيوز له يف حال اإلحرام كالنساء والصيد فالباء للسببية استيسر من اهلدي

.وحنومها من جهة متامها باإلحالل

ال جربان ملا فات منه من اإلهالل باحلج من ظاهر اآلية أن ذلك نسك فما استيسر من اهلديقوله .امليقات فإن ذلك أمر حيتاج إىل زيادة مئونة يف فهمه من اآلية كما هو ظاهر

Page 125: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٢٥

فمن متتع ترتب اجلزاء على الشرط مع أن اشتمال قولهعلى فما استيسر من اهلدي قولهإن ترتب فإن قيل .الشرط على لفظ التمتع مشعر بأن اهلدي واقع بإزاء التمتع الذي هو نوع تسهيل شرع له ختفيفا فهو جربان لذلك

وال معنى للتسهيل حيث فإن ذلك يناسب التجويز للتمتع يف أثناء عمل واحد بالعمرةقولهيدفعه قلت

على أن هذا االستشعار لو صح فإمنا يتم به كون تشريع اهلدي من ال إحرام لتمام العمرة وعدم اإلهالل باحلج بعدوظاهر أجل تشريع التمتع بالعمرة إىل احلج ال كون اهلدي جربانا ملا فاته من اإلهالل باحلج من امليقات دون مكة

متتع بالعمرة إىل احلج فما استيسر من اهلدي إخبارا عن تشريع التمتع ال إنشاء للتشريع فإنه جيعل فمن قولهاآلية كون من متتع فعليه هدي وقولنا متتعوا وسوقوا اهلدي ففرق بني قولنا التمتع مفروغا عنه ثم يبنى عليه تشريع اهلدي

.ية ذلك ملن مل يكن أهله حاضري املسجد احلراميف ذيل اآل قولهوأما إنشاء تشريع التمتع فإمنا يتضمنه

جعل احلج ظرفا للصيام باعتبار احتاده مع فمن مل جيد فصيام ثالثة أيام يف احلج وسبعة إذا رجعتمقولهزمان الصيام وهو من زمان إحرام احلج إىل الرجوع فالزمان الذي يعد زمانا للحج زمان االشتغال به ومكانه

ولذلك وردت الروايات عن أئمة أهل البيت أن وقت الصيام قبل يوم األضحى أو بعد أيام التشريق ملن مل ثالثة أيام قولهوظرف السبعة إمنا هو بعد الرجوع فإن ذلك هو الظاهر من يقدر على الصيام قبله وإال فعند الرجوع إىل وطنه

Page 126: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٢٦

جوع على أن االلتفات من الغيبة إىل احلضور يف قوله إذا رجعتم ال خيلو عن إشعار ومل يقل حني الر إذا رجعتم .بذلك

أي الثالثة والسبعة عشرة كاملة ويف جعل السبعة مكملة للعشرة ال متممة داللة تلك عشرة كاملةقوله

والكمال يف أول اآلية فالثالثة عمل على أن لكل من الثالثة والسبعة حكما مستقال آخر على ما مر من معنى التمام .وإمنا تتوقف على السبعة يف كماهلا ال متامها تام يف نفسه

أي احلكم املتقدم ذكره وهو التمتع بالعمرة إىل احلج لغري ذلك ملن مل يكن أهله حاضري املسجد احلرامقوله

.وهو الذي بينه وبني املسجد احلرام احلاضر

والتعبري عن النائي من زوجته وعياله وأهل الرجل خاصته عشر ميال على ما فسرته السنةأكثر من اثين وفيه إمياء إىل حكمة التشريع وهو البعيد بأن ال يكون أهله حاضري املسجد احلرام من ألطف التعبريات

وهو عمل ال خيلو من الكد ومقاسات التعب ووعثاء فإن املسافر من البالد النائية للحج التخفيف والتسهيلوليس للنائي أهل عند واإلنسان إمنا يسكن ويسرتيح عند أهله ال خيلو عن احلاجة إىل السكن والراحة الطريق

Page 127: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٢٧

من التمتع بالعمرة إىل احلج واإلهالل باحلج من املسجد احلرام من غري أن يسري ثانيا فبدله املسجد احلرام .إىل امليقات

فمن قولهدون ذلك ملن مل يكن إخل قولهأن اجلملة الدالة على تشريع املتعة إمنا هي هذه اجلملة أعين وقد عرفت

.دون وقت وال شخص دون شخص وال حال دون حالوهو كالم مطلق غري مقيد بوقت متتع بالعمرة إىل احلج

التشديد البالغ يف هذا التذليل مع أن صدر الكالم مل شديد العقاب واعلموا أن واتقوا قولهيشتمل على أزيد من تشريع حكم يف احلج ينبىء عن أن املخاطبني كان املرتقب من حاهلم إنكار احلكم أو التوقف

األمر فإن احلج خاصة من بني األحكام املشرعة يف الدين كان موجودا بينهم من عصر إبراهيم يف قبوله وكذلك كان اخلليل معروفا عندهم معموال به فيهم قد أنسته نفوسهم وألفته قلوهبم وقد أمضاه اإلسالم على ما كان تقريبا إىل آخر

ابلوه باإلنكار وكان ذلك غري واقع يف نفوس عهد النيب فلم يكن تغيري وضعه أمرا هينا سهل القبول عندهم ولذلك ق حيكم ما يشاء للهإىل أن خيطبهم فيبني هلم أن احلكم ولذلك اضطر النيب كثري منهم على ما يظهر من الروايات

وأنه حكم عام ال يستثين فيه أحد من نيب أو أمة فهذا هو املوجب للتشديد الذي يف آخر اآلية باألمر بالتقوى . التحذير عن عقاب و

Page 128: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٢٨

أي زمان احلج أشهر معلومات عند يف احلجقولهإىل احلج أشهر معلومات فمن فرض فيهن احلجقوله

.شوال وذو القعدة وذو احلجة القوم وقد بينته السنة وهي

زمان جميئي قولناوكون زمان احلج من ذي احلجة بعض هذا الشهر دون كله ال ينايف عده شهرا للحج فإنه من قبيل .إليك يوم اجلمعة مع أن ايء إمنا هو يف بعضه دون مجيعه

ويف تكرار لفظ احلج ثالث مرات يف اآلية على أنه من قبيل وضع الظاهر موضع املضمر لطف اإلجياز فإن املراد باحلج

إلظهار مل يكن بد من إطناب غري الزم كما ولو ال ا األول زمان احلج وباحلج الثاني نفس العمل وبالثالث زمانه ومكانه .قيل

والرفث كما مر مطلق اآلية للهوأمتوا احلج والعمرة وفرض احلج جعله فرضا على نفسه بالشروع فيه لقوله

لكن السنة فسرت الرفث واجلدال املراء يف الكالم والفسوق هو اخلروج عن الطاعة التصريح مبا يكنى عنه .وبلى و واجلدال بقول ال و والفسوق بالكذب باجلماع

Page 129: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٢٩

ودعوة إىل التقوى لئال يفقد تذكرة بأن األعمال غري غائبة عنه وما تفعلوا من خري يعلمه قوله

وهذا دأب القرآن يبني أصول املعارف ويقص القصص ويذكر روح احلضور ومعنى العمل املشتغل بطاعة فإن العلم من غري عمل ال قيمة له يف اإلسالم الشرائع ويشفع البيان يف مجيعها بالعظة والوصية لئال يفارق العلم العمل

واتقوني يا أويل األلباب بقولهولذلك ختم هذه الدعوة ي يدل على كمال االهتمام بالعدول من الغيبة إىل التكلم الذ .واالقرتاب والتعني

يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلوة قولههو نظري ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضال من ربكمقوله

فإذا قضيت الصالة فانتشروا يف األرض وابتغوا من إىل أن قال وذروا البيع من يوم اجلمعة فاسعوا إىل ذكر ولذلك فسرت السنة االبتغاء من الفضل يف فهو هو فبدل البيع باالبتغاء من فضل ١٠ اجلمعة فضل

.هذه اآلية من البيع فدلت اآلية على إباحة البيع أثناء احلج

اإلفاضة هي الصدور عن املكان مجاعة عند املشعر احلرام فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا قوله .وهي املزدلفة وقوف عرفات كما تدل على الوقوف باملشعر احلرامفهي تدل على

Page 130: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٣٠

إخل أي واذكروه ذكرا مياثل هدايته إياكم وأنكم كنتم من قبل هدايته إياكم ملن واذكروه كما هديكمقوله

.الضالني

وإحلاق ظاهره إجياب اإلفاضة على ما كان من دأب الناس ثم أفيضوا من حيث أفاض الناسقولهاملخاطبني يف هذا الشأن هبم فينطبق على ما نقل أن قريشا وحلفاءها وهم احلمس كانوا ال يقفون بعرفات بل

باإلفاضه من حيث أفاض الناس وهو ال نفارق احلرم فأمرهم حنن أهل حرم باملزدلفة وكانوا يقولون .عرفات

بثم الدالة على التأخري اعتبار للرتتيب الذكري فإذا أفضتم من عرفات قولهوعلى هذا فذكر هذا احلكم بعد

واملعنى أن أحكام احلج هي اليت ذكرت غري أنه جيب عليكم يف اإلفاضة أن تفيضوا من والكالم مبنزلة االستدراكثم أفيضوا من حيث أفاض والرتتيب إن يف اآليتني تقدميا وتأخريا يف التأليف ورمبا قيل عرفات ال من املزدلفة

.فإذا أفضتم من عرفات.الناس

Page 131: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٣١

والبالغ فيه بأن يذكره الناسك كذكره دعوة إىل ذكر ذكراقولهإىل فإذا قضيتم مناسككمقولهأعظم من حق واذكروه كما هديكمقولهآباءه وأشد منه ألن نعمته يف حقه وهي نعمة اهلداية كما ذكره ب

إن العرب كانت يف اجلاهلية إذا فرغت من احلج مكثت حينا يف منى فكانوا يتفاخرون باآلباء وقد قيل عليهآبائه لإلضراب فتفيد وأو يف قوله أو أشد ذكرا من ذكره كذكرهم أو أشد من ذكرهم بالنظم والنثر فبدله

وقد وصف الذكر بالشدة وهو أمر يقبل الشدة يف الكيفية كما يقبل الكثرة يف الكمية قال معنى بل واذكروا ذكرا كثريا األحزاب ٤١ وقال والذاكرين كثريااألحزاب ٣٥ فإن

فيمكن أن بل هو أمر يتعلق باحلضور القليب واللفظ حاك عنه الذكر حبسب احلقيقة ليس مقصورا يف اللفظقياما الذين يذكرون يف غالب احلاالت كما قال يتصف بالكثرة من حيث املوارد بأن يذكر

وملا كان املورد املستفاد من وأن يتصف بالشدة يف مورد من املوارد ١٩١ آل عمران وقعودا وعلى جنوهبمونسيانه كان األنسب توصيف الذكر الذي موردا يستوجب التلهي عنه فإذا قضيتم مناسككم قوله

.أمر به فيه بالشدة دون الكثرة كما هو ظاهر

كذكركم فاذكروا قولهإخل تفريع على فمن الناس من يقول ربنا آتنا يف الدنياقولهفاملراد به أفراد اإلنسان أعم من الكافر الذي ال يذكر إال آباءه أي ال يبتغي إال املفاخر والناس مطلق آباءكم

Page 132: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٣٢

ولو أراد من الدنيا ومن املؤمن الذي ال يريد إال ما عند الدنيوية وال يطلب إال الدنيا وال شغل له باآلخرةويكون ول والدعاء ما هو سؤال بلسان احلال دون املقالوعلى هذا فاملراد بالق شيئا مل يرد إال ما يرتضيه له ربه

معنى اآلية أن من الناس من ال يريد إال الدنيا وال نصيب له يف اآلخرة ومنهم من ال يريد إال ما يرتضيه له ربه سواء يف .الدنيا أو يف اآلخرة وهلؤالء نصيب يف اآلخرة

وذلك أن من يريد الدنيا ال يقيده بأن يكون وجه ذكر احلسنة يف قول أهل اآلخرة دون أهل الدنيا ومن هنا يظهر

وهذا بل الدنيا وما هو يتمتع به يف احلياة األرضية كلها حسنة عنده موافقة هلوى نفسه حسنا عند إىل حسنة وسيئة وال يريد وال يسأل فإن ما يف الدنيا وما يف اآلخرة ينقسم عنده خبالف من يريد ما عند

.ربه إال احلسنة دون السيئة

تعطي أن أعمال الطائفة األوىل أولئك هلم نصيب مما كسبوا قولهو وما له يف اآلخرة من خالق قولهواملقابلة بني ٢٣ الفرقان وقدمنا إىل ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا باطلة حابطة خبالف الثانية كما قال

األحقاف ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم يف حياتكم الدنيا واستمتعتم هبا وقال ٢٠ وقال فال نقيم هلم يوم القيمة وزنا الكهف ١٠٥.

Page 133: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٣٣

وإطالقه يدل على مشوله للدنيا واآلخرة معا احلسنى اسم من أمساء سريع احلساب وقوله

.اجلزاء جزاء وفاقا كلما عمل عبد شيئا من احلسنات أو غريها آتاه فاحلساب جار

فإن الناس على طائفتني أن اذكروا إىل آخر اآليات فمن الناس من يقولقولهفاحملصل من معنى مما يرتضيه له وله نصيب ومنهم من يريد ما عند منهم من يريد الدنيا فال يذكر غريها وال نصيب له يف اآلخرة

فكونوا من أهل النصيب بذكر سريع احلساب يسرع يف حساب ما يريده عبده فيعطيه كما يريد من اآلخرة و نطني آيسنيوال تكونوا ممن ال خالق له برتكه ذكر ربه فتكونوا قا.

األيام املعدودات هي أيام التشريق وهي اليوم احلادي عشر والثاني يف أيام معدودات واذكروا قوله

والدليل على أن هذه األيام بعد العشرة من ذي احلجة ذكر احلكم بعد الفراغ عن عشر والثالث عشر من ذي احلجةفإن التعجل يف يومني إمنا يكون إذا فمن تعجل يف يومني إخل والدليل على كوهنا ثالثة أيام قوله ذكر أعمال احلج .وقد فسرت يف الروايات بذلك أيضا ويومان يتعجل فيهما فهي ثالثة يوم ينفر فيه كانت األيام ثالثة

Page 134: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٣٤

فال قولهال نافية للجنس ف عليه ملن اتقىفمن تعجل يف يومني فال إثم عليه ومن تأخر فال إثم قولهولو كان املراد ال إثم عليه يف التعجل أو يف عليه يف املوضعني ينفي جنس اإلثم عن احلاج ومل يقيد بشيء أصال إثم

فاملعنى أن من أمت عمل احلج فهو مغفور ال ذنب له سواء تعجل يف يومني أو تأخر التأخر لكان من الالزم تقييده بهبل املراد بيان كون الذنوب مغفورة أن اآلية ليست يف مقام بيان التخيري بني التأخر والتعجل للناسك ومن هنا يظهر

.للناسك على أي حال

بل الظاهر أن على من اتقى فليس بيانا للتعجل والتأخر وإال لكان حق الكالم أن يقال ملن اتقىقولهوأما واملراد أن هذا احلكم ملن اتقى ذلك ملن مل يكن أهله حاضري املسجد احلرام اآلية ملن اتقى نظري قوله قوله

عنه يف احلج واختصه به فيئول ومن الالزم أن يكون هذه التقوى تقوى مما هنى وأما من مل يتق فليس لهيف أيام املعنى أن احلكم إمنا هو ملن اتقى تروك اإلحرام أو بعضها أما من مل يتق فيجب أن يقيم مبنى ويذكر

.وقد ورد هذا املعنى يف بعض ما روي عن أئمة أهل البيت كما سيجيء إن شاء معدودات

Page 135: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٣٥

أمر بالتقوى يف خامتة الكالم وتذكري باحلشر والبعث فإن واعلموا أنكم إليه حتشرون واتقوا قولههلم عذاب إن الذين يضلون عن سبيل قال التقوى ال تتم واملعصية ال جتتنب إال مع ذكر يوم اجلزاء

.٢٦ ص شديد مبا نسوا يوم احلساب

مع ما يف نسك احلج من حشر الناس ومجعهم لطف ظاهر أنكم إليه حتشرون ويف اختيار لفظ احلشر يف قوله وإشعار بأن الناسك ينبغي أن يذكر هبذا اجلمع واإلفاضة يوما حيشر الناس ال يغادر منهم أحدا.

.مها مفروضان قال للهوأمتوا احلج والعمرة يف قوله عن الصادق وتفسري العياشي التهذيبيف

سألنامها قالوا عن زرارة ومحران وحممد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد ويف تفسري العياشي .فإن متام احلج أن ال يرفث وال يفسق وال جيادل قاال للهوأمتوا احلج والعمرة قولهعن

.واتقاء ما يتقي احملرم فيهما يعين بتمامهما أداءمها يف حديث قال عن الصادق ويف الكايف

Page 136: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٣٦

.والروايات غري منافية ملا قدمناه من معنى اإلمتام فإن فرضهما وأداءمها هو إمتامهما أقول

حني حج حجة اإلسالم خرج يف أربع بقني من إن رسول قال عن احلليب عن الصادق ويف الكايف

ذي القعدة حتى أتى الشجرة وصلى هبا ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها وأهل باحلج وساق مائة بدنة مكة طاف بالبيت حتى إذا قدم رسول وأحرم الناس كلهم باحلج ال ينوون عمرة وال يدرون ما املتعة

به فأتى الصفا فبدأ أبدأ مبا بدأ ثم قال وطاف الناس معه ثم صلى ركعتني عند املقام واستلم احلجر فلما قضى طوافه عند املروة قام خطيبا وأمرهم أن حيلوا وجيعلوها عمرة هبا ثم طاف بني الصفا واملروة سبعا

لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما وقال رسول به فأحل الناس وهو شيء أمر وال حتلقوا رءوسكم حتى يبلغ اهلدي يقول إن ومل يكن يستطيع من أجل اهلدي الذي معه أمرتكم

أ رأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا أو لكل عام علمنا ديننا كأنا خلقنا اليوم قال سراقة بن جعثم الكناني حمله خنرج حجاجا ورءوسنا تقطر من نسائنا يا رسول وإن رجال قام فقال ال بل لألبد فقال رسول من اليمن حتى وافى احلج فوجد وأقبل علي قال إنك لن تؤمن هبا أبدا فقال رسول

يا علي بأي مستفتيا فقال رسول فاطمة قد أحلت ووجد ريح الطيب فانطلق إىل رسول

Page 137: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٣٧

ال حتل أنت فأشركه يف اهلدي وجعل له سبعا وثالثني وحنر رسول فقال فقال مبا أهل به النيب شيء أهللت ثالثا وستني فنحرها بيده ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلها يف قدر واحد ثم أمر به فطبخ فأكل منه وحصا

وسألته قال قد أكلنا اآلن منه مجيعا واملتعة خري من القارن السائق وخري من احلاج املفرد من املرق وقال .صالة الظهر قال أي ساعة فقلت فقال هنارا أم هنارا ليال أحرم رسول

.وقد روي هذا املعنى يف امع وغريه أقول

دخلت العمرة يف احلج إىل يوم القيامة فمن متتع بالعمرة إىل احلج فما استيسر قال عن الصادق ويف التهذيب

أنزل ذلك يف كتابه وجرت به السنة من رسول من اهلدي فليس ألحد إال أن يتمتع ألن

.فما استيسر من اهلدي شاة يف قوله أيضا عن الصادق ويف الكايف

قيل يصوم قبل الرتوية بيوم الرتوية ويوم عرفة قال يف املتمتع ال جيد الشاة أيضا عن الصادق ويف الكايفيصوم يوم احلصبة وبعده قال مل يقم عليه مجاله قيل يصوم ثالثة أيام بعد التشريق قال فإنه قد قدم يوم الرتوية

Page 138: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٣٨

إنا أهل بيت نعم أليس هو يوم عرفة مسافرا قال قيل يصوم وهو مسافر قال يوم نفرة وما احلصبة قيل يومني .يف ذي احلجة يقول فصيام ثالثة أيام يف احلج يقول نقول بذلك

.وليس له متعة ما دون املواقيت إىل مكة فهو حاضري املسجد احلرام قال وروى الشيخ عن الصادق

والروايات يف يعين أن ما دون املواقيت فساكنه يصدق عليه أنه من حاضري املسجد احلرام وليس له متعة أقول

.هذه املعاني كثرية من طرق أئمة أهل البيت

احلج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وذو قال احلج أشهر معلومات يف قوله عن الباقر ويف الكايف .احلجة ليس ألحد أن حيج فيما سواهن

الفرض التلبية واإلشعار والتقليد فأي ذلك فعل فقد فمن فرض فيهن إخل يف قوله عن الصادق وفيه

.فرض احلج

Page 139: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٣٩

واجلدال قول والفسوق الكذب والسباب الرفث اجلماع فال رفث إخل يف قوله عنه الكايفويف .وبلى و ال و الرجل

ال جناح عليكم أن تبتغوا فضال من ربكم اآلية يعين الرزق يف قوله عن الصادق ويف تفسري العياشي

.فإذا أحل الرجل من إحرامه وقضى فليشرت وليبع يف املوسم

.ذلك باآلية إهنم كانوا يتأمثون بالتجارة يف احلج فرفع ويقال أقول

.رواه جابر عن أبي جعفر معناه ال جناح عليكم أن تطلبوا املغفرة من ربكم وقيل ويف امع

.وفيه متسك بإطالق الفضل وتطبيقه بأفضل األفراد أقول

إن أهل احلرم قال ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس اآلية يف قوله عن الصادق ويف تفسري العياشيوكان رجل يكنى أبا كانوا يقفون على املشعر احلرام ويقف الناس بعرفة وال يفيضون حتى يطلع عليهم أهل عرفة

Page 140: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٤٠

أن هذا أبو سيار ثم أفاضوا فأمرهم فإذا طلع عليهم قالوا وكان يسبق أهل عرفة سيار وكان له محار فاره .يقفوا بعرفة وأن يفيضوا منه

.ويف هذا املعنى روايات أخر أقول

رضوان قال ربنا آتنا يف الدنيا حسنة ويف اآلخرة حسنة يف قوله عن الصادق ويف تفسري العياشي

واجلنة يف اآلخرة والسعة يف الرزق وحسن اخللق يف الدنيا.

.ويف اآلخرة اجلنة والتوسعة يف املعيشة وحسن الصحبة رضوان قال وعنه

.وعذاب النار امرأة السوء ويف اآلخرة احلوراء يف الدنيا املرأة الصاحلة وعن علي

مما ميكن حصوله يف الدنيا وملا كان رضوان والروايات من قبيل عد املصداق واآلية مطلقة أقول .وظهوره التام يف اآلخرة صح أن يعد من حسنات الدنيا كما يف الرواية األوىل أو اآلخرة كما يف الرواية الثانية

Page 141: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٤١

وهي أيام التشريق قال يف أيام معدودات اآلية واذكروا يف قوله عن الصادق ويف الكايف

فإذا جل شأنه فقال كان أبي يفعل كذا وكذا وكانوا إذا أقاموا مبنى بعد النحر تفاخروا فقال الرجل منهمال إله إال أكرب أكرب والتكبري قال كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا قضيتم مناسككم فاذكروا

و أكرب ولهاحلمد ل أكرب على ما هدانا أكرب على ما رزقنا من هبيمة األنعام.

ويف والتكبري يف أيام التشريق من صالة الظهر يوم النحر إىل صالة الفجر من اليوم الثالث قال عنه وفيه .األمصار يكرب عقيب عشر صلوات

يف سئل الصادق اآلية فمن تعجل يف يومني فال إثم عليه ومن تأخر فال إثم عليهقولهيف ويف الفقيه

.لكنه يرجع مغفورا له ال ذنب له ليس هو على أن ذلك واسع إن شاء صنع ذا هذه اآلية فقال

.يرجع مغفورا له ال ذنب له ملن اتقى قال عنه ويف تفسري العياشي

Page 142: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٤٢

.يتقي الصيد حتى ينفر أهل منى قال ملن اتقى اآلية يف قوله عن الصادق ويف الفقيه

.يف إحرامه ملن اتقى الرفث والفسوق واجلدال وما حرم وعن الباقر

. ملن اتقى وعنه أيضا

.ملن اتقى الكبائر وعن الصادق

.وميكن التمسك بعموم التقوى كما يف الروايتني األخريتني قد عرفت ما يدل عليه اآلية أقول

آخر أنه سئل عن متعة احلج فقال أهل املهاجرون واألنصار أخرج البخاري والبيهقي عن ابن عباس يف الدر املنثور

اجعلوا إهاللكم باحلج عمرة إال قال رسول يف حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة وأزواج النيب من قلد اهلدي فإنه ال حيل حتى وقال من قلد اهلدي فطفنا بالبيت وبالصفا واملروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب

Page 143: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٤٣

فإذا فرغنا من املناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا واملروة وقد مت يبلغ اهلدي ثم أمرنا عشية الرتوية أن هنل باحلجفما استيسر من اهلدي فمن مل جيد فصيام ثالثة أيام يف احلج وسبعة إذا رجعتم وعلينا اهلدي كما قال حجنا

أنزله يف كتابه وسنة نبيه وأباحه للناس إىل أمصاركم والشاة جتزي فجمعوا نسكني يف عام بني احلج والعمرة فإن وأشهر احلج اليت ذكر املسجد احلرامذلك ملن مل يكن أهله حاضري قال غري أهل مكة

والفسوق املعاصي والرفث اجلماع فمن متتع يف هذه األشهر فعليه دم أو صوم شوال وذو القعدة وذو احلجة .واجلدال املراء

يف حجة الوداع بالعمرة إىل احلج متتع رسول قال أيضا أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر ويف الدر املنثور

فأهل بالعمرة ثم أهل باحلج فتمتع الناس مع النيب وبدأ رسول وأهدى فساق معه اهلدي من ذي احلليفةمن مكة قال للناس فلما قدم النيب بالعمرة إىل احلج فكان من الناس من أهدى فساق اهلدي ومنهم من مل يهد

وبالصفا حيل لشيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن مل يكن أهدى فليطف بالبيتكان منكم أهدى فإنه ال .واملروة وليقصر وليحلل ثم ليهل باحلج فمن مل جيد هديا فليصم ثالثة أيام يف احلج وسبعة إذا رجع إىل أهله

Page 144: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٤٤

كثرت القالة من الناس قال أيضا أخرج احلاكم وصححه من طريق جماهد وعطاء عن جابر ويف الدر املنثورأيروح أحدنا إىل عرفة قلنا فخرجنا حجاجا حتى إذا مل يكن بيننا وبني أن حنل إال ليال قالئل أمرنا باإلحالل

أعلمكم ب فأنا و تعلمون أيها الناس أب فقام خطيبا فقال فبلغ ذلك رسول وفرجه يقطر منيافمن مل يكن معه هدي فليصم وأتقاكم له ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هديا وحلللت كما أحلوا

قال قال عطاء ومن وجد هديا فلينحر فكنا ننحر اجلزور عن سبعة ثالثة أيام يف احلج وسبعة إذا رجع إىل أهلهقسم يومئذ يف أصحابه غنما فأصاب سعد بن أبي وقاص تيس فذحبه عن أن رسول ابن عباس

.نفسه

نزلت آية املتعة يف كتاب أيضا أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن عمران بن حصني قال ويف الدر املنثور وفعلناها مع رسول ثم مل ينزل آية تنسخ آية متعة احلج ومل ينه عنه حتى مات قال رجل برأيه ما .شاء

.وقد رويت الرواية بألفاظ أخرى قريبة املعنى مما نقله يف الدر املنثور أقول

Page 145: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٤٥

بعث إيل عمران بن حصني يف مرضه قال عن مطرف وسنن النسائي ومسند أمحد ويف صحيح مسلمأن ينفعك هبا بعدي فإن عشت فاكتم علي وإن مت إني كنت حمدثك بأحاديث لعل الذي تويف فيه فقال

ومل ينه قد مجع بني حج وعمرة ثم مل ينزل فيها كتاب فحدث هبا عين إني قد سلم علي وأعلم أن نيب .قال رجل فيها برأيه ما شاء عنه نيب

هي حالل فقال قال بن عمر عن متعة احلج سئل عبد البن القيم أيضا وزاد املعاد ويف صحيح الرتمذي

أأمر أبي تتبع أم أمر رسول أ رأيت إن كان أبي هنى وصنعها رسول إن أباك قد هنى عنها فقال له السائل فقال الرجل بل أمر رسول فقال لقد صنعها رسول .

عن حممد بن عبد وكتاب األم للشافعي وموطأ مالك وسنن البيهقي وسنن النسائي ويف صحيح الرتمذي

أنه مسع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان ومها يذكران التمتع بالعمرة إىلفإن قال الضحاك فقال سعد بئسما قلت يا بن أخي ال يصنع ذلك إال من جهل أمر احلج فقال الضحاك

.وصنعناها معه قد صنعها رسول عمر بن اخلطاب هنى عن ذلك قال سعد

Page 146: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٤٦

وهو قدمت على رسول قال أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي موسى ويف الدر املنثور قال ال قلت هل سقت من هدي قال أهللت بإهالل النيب قلت أهللت بالبطحاء فقال

ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتين رأسي وبالصفا واملروة طف بالبيت وبالصفا واملروة ثم حل فطفت بالبيتإنك ال وغسلت رأسي فكنت أفيت الناس يف إمارة أبي بكر وإمارة عمر فإني لقائم باملوسم إذ جاءني رجل فقال

لناس من كنا أفتيناه بشيء فليتئد فهذا أمري املؤمنني قادم أيها ا تدري ما أحدث أمري املؤمنني يف شأن النسك فقلت قال فإن أن نأخذ بكتاب قال ما ذا الذي أحدثت يف شأن النسك عليكم فيه فأمتوا فلما قدم قلت

.مل حيل حتى حنر اهلدي وأن نأخذ بسنة نبينا للهوأمتوا احلج والعمرة

كان ابن عباس يأمر باملتعة وكان ابن الزبري ينهى عنها فذكر قال أيضا أخرج مسلم عن أبي نضرة ويف الدر املنثوركان إن فلما قام عمر قال على يدي دار احلديث متتعنا مع رسول فقال ذلك جلابر بن عبد

وافصلوا حجكم من ما شاء مما شاء وإن القرآن نزل منازله فأمتوا احلج والعمرة كما أمركم حيل لرسول .عمرتكم فإنه أمت حلجكم وأمت لعمرتكم

Page 147: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٤٧

يعين املتعة ولكين أخشى أن يعرسوا هي سنة رسول عن أبي موسى أن عمر قال ويف مسند أمحد .هبن حتت األراك ثم يروحوا هبن حجاجا

فعلتها أن عمر بن اخلطاب هنى عن املتعة يف أشهر احلج وقال عن سعيد بن املسيب مجع اجلوامع للسيوطي ويف

وأنا أهنى عنها وذلك أن أحدكم يأتي من أفق من اآلفاق شعثا نصبا معتمرا يف أشهر احلج وإمنا مع رسول يلبس ويتطيب ويقع على أهله إن كانوا معه حتى إذا شعثه ونصبه وتلبيته يف عمرته ثم يقدم فيطوف بالبيت وحيل و

كان يوم الرتوية أهل باحلج وخرج إىل منى يليب حبجه ال شعث فيها وال نصب وال تلبية إال يوما واحلج أفضل من العمرة لو خلينا بينهم وبني هذا لعانقوهن حتت األراك مع أن أهل البيت ليس هلم ضرع وال زرع وإمنا ربيعهم فيمن يطرأ

.عليهم

إن ابن الزبري ينهى عن املتعة وابن عباس يأمر به قلت قال عن مسلم عن أبي نضرة عن جابر ويف سنن البيهقيإن فقال ومع أبي بكر فلما ويل عمر خطب الناس متتعنا مع رسول قال على يدي جرى احلديث

وأنا أهنى عنهما هذا الرسول والقرآن هذا القرآن وأهنما كانتا متعتني على عهد رسول رسول

Page 148: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٤٨

متعة وأعاقب عليهما إحدامها متعة النساء وال أقدر على رجل تزوج امرأة إىل أجل إال غيبته باحلجارة واألخرى .احلج

ولقد إني ألهناكم عن املتعة وإهنا لفي كتاب و مسعت عمر يقول عن ابن عباس قال ويف سنن النسائي

.يعين العمرة يف احلج فعلها رسول

كان عثمان ينهى عن املتعة وكان علي يأمر هبا فقال قال بن شقيق أخرج مسلم عن عبد ويف الدر املنثور .ولكنا كنا خائفني قال لقد علمت أنا متتعنا مع رسول عثمان لعلي كلمة فقال علي

كانت املتعة يف احلج ألصحاب حممد أيضا أخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن أبي ذر ويف الدر املنثور

.خاصة

.ال تصلح املتعتان إال لنا خاصة يعين متعة النساء ومتعة احلج أيضا أخرج مسلم عن أبي ذر قال ويف الدر املنثور

Page 149: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٤٩

والروايات يف هذا املعنى كثرية جدا لكنا اقتصرنا منها على ما له دخل يف غرضنا وهو البحث التفسريي عن أقولوهو حبث كالمي فإن هذا النهي رمبا يبحث فيه من جهة كون ناهيه حمقا أو معذورا فيه وعدم كونه كذلك هنيه

.خارج عن غرضنا يف هذا الكتاب

ورمبا يبحث فيه من جهة اشتمال الروايات على االستدالل على هذا املعنى مبا له تعلق بالكتاب أو السنة فرتتبط .وهو سنخ حبثنا يف هذا الكتاب بداللة ظاهر الكتاب والسنة

اآلية وأن التمتع للهوأمتوا احلج والعمرة أما االستدالل على النهي عن التمتع بأنه هو الذي يدل عليه قوله فنقول

كان حيل لرسوله ما شاء مما أن كما يدل عليه ما يف رواية أبي نضرة عن جابر مما كان خمتصا برسول وأمتوا احلج والعمرة أن قوله فقد عرفت شاء وأن القرآن قد نزل منازله فأمتوا احلج والعمرة كما أمركم

لهاآلية ال يدل على أزيد من وجوب إمتام احلج والعمرة بعد فرضهما ل.

Page 150: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٥٠

وأن عدم وأما كون اآلية دالة على اإلمتام مبعنى فصل العمرة من احلج إخل فإن أحصرمتقولهوالدليل عليه أو به ومبن معه يف تلك احلجة حجة الوداع فدون إثباته خرط خاصة الفصل كان أمرا خاصا برسول

.القتاد

إني وله وكما يف رواية النسائي عن ابن عباس من ق وفيه مع ذلك اعرتاف بأن التمتع كان سنة رسول . ولقد فعلها رسول قولهألهناكم عن املتعة إىل

إن نأخذ بكتاب قولهوأما االستدالل عليه بأن يف النهي أخذا بالكتاب أو السنة كما يف رواية أبي موسى من

أن الكتاب انتهى فقد عرفت وإن نأخذ بسنة نبينا مل حيل حتى حنر اهلدي للهقال وأمتوا احلج والعمرة فإن أنه مناقض ملا نص به أوال لكونه مل حيل حتى حنر اهلدي ففيه وأما إن ترك التمتع سنة النيب يدل على خالفه

.نفسه على ما يثبته الروايات األخر اليت مر بعضها آنفا

Page 151: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٥١

وأنه خطب أهل بالعمرة وأهل ثانيا باحلج وأنه صنعها أن الروايات ناصة على أن رسول وثانيا ومن عجيب الدعوى يف هذا املقام ما ادعاه ابن تيمية أن حج رسول تعلمون أيها الناس أ ب وقال

.!كان حج قران وأن املتعة كانت تطلق على حج القران

واآلية أيضا تدل على أن جمرد عدم حلق الرأس حتى يبلغ اهلدي حمله ليس إحراما للحج وال يثبت به ذلك وثالثا .إذا مل يكن أهله حاضري املسجد احلرام فهو متمتع ال حمالة أن سائق اهلدي الذي حكمه عدم احللق

وكيف ميكن أن يعد ما أتى بغري التمتع لكنه أمر مجيع أصحابه ومن معه بالتمتع هب أن رسول ورابعا

نفسه ويأمر أمته بغريه وينزل به الكتاب ثم يكون بعد وهل ميكن أن يتحقق أمر خص به رسول شأنه هذا سنته .!سنة متبعة بني الناس

احلاج ويورده مورد االستلذاذ بإتيان النساء واستعمال وأما االستدالل عليه بأن التمتع يوجب هيئة ال تالئم وضع

ولكين أخشى أن يعرسوا قولهمن الطيب ولبس الفاخر من الثياب كما يدل عليه ما يف رواية أمحد عن أبي موسىفعله وأصحابه قد علمت أن النيب وكما يف بعض الروايات هبن حتت األراك ثم يروحوا هبن حجاجا انتهى

Page 152: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٥٢

ففيه أنه اجتهاد يف مقابل النص ولكين كرهت أن يعرسوا هبن يف األراك ثم يروحون يف احلج تقطر رءوسهم انتهى! ورسوله أعلم بأن هذا احلكم ميكن أن يؤدي إىل ما كان خيشاه ويكرهه و ورسوله على احلكم وقد نص

م يأتي يف بياهنا بعني املعنى الذي أظهر أنه خيشاه ويكرهه فقد قال ومن أعجب األمر أن اآلية اليت تشرع هذا احلك فمن متتع بالعمرة إىل احلج فهل التمتع إال استيفاء احلظ من املتاع وااللتذاذ بطيبات النكاح واللباس وغريمها

.!وهو الذي كان خيشاه ويكرهه

بالتمتع بعني ما جعله وأمر النيب ! ورسوله حني نزول اآلية أن األصحاب قد اعرتضوا على وأعجب منهأ يروح أحدنا إىل عرفة وفرجه يقطر منيا عن احلاكم عن جابر قلنا سببا للنهي حني قالوا كما يف رواية الدر املنثور

.فقام خطيبا ورد عليهم قوهلم وأمرهم ثانيا بالتمتع كما فرضه عليهم أوال انتهى فبلغ ذلك النيب

قولهمن عن سعيد بن املسيب وأما االستدالل عليه بأن التمتع يوجب تعطل أسواق مكة كما يف رواية السيوطي .مع أن أهل البيت ليس هلم ضرع وال زرع وإمنا ربيعهم فيمن يطرأ عليهم انتهى

Page 153: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٥٣

يا أيها الذين آمنوا إن قولهيرد عليه يف نظري املسألة على أن أنه اجتهاد يف مقابل النص أيضاففيه من فضله إن شاء إن املشركني جنس فال يقربوا املسجد احلرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم

عليم حكيم التوبة ٢٨.

عن التمتع ملكان اخلوف فال متتع يف غري حال اخلوف كما يف رواية الدر املنثوروأما االستدالل عليه بأن تشريع وقد روي نظريه عن ابن الزبري ولكنا كنا خائفني انتهى من قول عثمان لعلي بن شقيق مسلم عن عبد

يا أيها قال أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن املنذر عن ابن الزبري أنه خطب فقال كما رواه يف الدر املنثور إمنا التمتع أن يهل الرجل باحلج فيحضره عدو أو مرض أو كسر ما التمتع بالعمرة إىل احلج كما تصنعون الناس و

العام املقبل ثم حيج ويهدي هديا فهذا أو حيبسه أمر حتى يذهب أيام احلج فيقدم فيجعلها عمرة فيتمتع حتلة إىل .التمتع بالعمرة إىل احلج احلديث

ذلك أن اآلية مطلقة تشمل اخلائف وغريه فقد عرفت أن اجلملة الدالة على تشريع حكم التمتع هي قوله ففيه

.فمن متتع بالعمرة إىل احلج اآلية ملن مل يكن أهله حاضري املسجد احلرام اآلية دون قوله

Page 154: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٥٤

.وأنه أهل بإهاللني للعمرة واحلج أتى حبجه متتعا على أن مجيع الروايات ناصة يف أن النيب

فإن عن أبي ذر كما يف رواييت الدر املنثور بأن التمتع كان خمتصا بأصحاب النيب وأما االستدالل عليهوإن كان املراد أنه كان حكما خاصا كان املراد ما ذكر من استدالل عثمان وابن الزبري فقد عرفت جوابه

ذلك ملن مل يكن أهله حاضري املسجد احلرام ففيه أنه مدفوع بإطالق قوله ألصحاب النيب ال يشمل غريهم .اآلية

كهم له كعمر وعثمان وابن الزبري وأبي موسى ومعاوية لذلك احلكم وتر على أن إنكار بعض أصحاب النيب

.!وروي أن منهم أبا بكر ينايف ذلك

أطيعوا طاعة أويل األمر إذ قال وأما االستدالل عليه بالوالية وأنه إمنا هنى عنه حبق واليته األمر وقد فرض وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم النساء ٥٤ ففيه أن الوالية اليت جعلها القرآن ألهلها ال يشمل املورد.

Page 155: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٥٥

اتبعوا ما أنزل إليكم من قولهعلى رسوله ك أن اآليات قد تكاثرت على وجوب اتباع ما أنزله بيان ذلكوال حيرمون ما قولهكما يلوح من مما شرعه هو بإذن وما بينه رسول ٣ األعراف ربكم ٧ احلشر ما آتاكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه فانتهواقولهو ٢٩ التوبة ورسوله حرم

ورسوله بامتثال األوامر وانتهاء فيجب إطاعة وما هنيكم عنه بقولهفاملراد باإليتاء األمر بقرينة مقابلته ٤٥ املائدة فأولئك هم الظاملون ومن مل حيكم مبا أنزل وكذلك احلكم والقضاء كما قال النواهي

٤٤ املائدة فأولئك هم الكافرون ويف موضع آخر ٤٧ املائدة فأولئك هم الفاسقون ويف موضع آخر ورسوله أمرا أن يكون هلم اخلرية من أمرهم ومن يعص وما كان ملؤمن وال مؤمنة إذا قضى وقال

وربك خيلق ما يشاء وخيتار ما كان هلم وقال ٣٦ األحزاب ورسوله فقد ضل ضالال مبيناوقد نص القرآن على أنه كتاب فإن املراد باالختيار هو القضاء والتشريع أو ما يعم ذلك ٦٨ القصص اخلرية

وإنه لكتاب عزيز ال يأتيه الباطل من قال غري منسوخ وأن األحكام باقية على ما هي عليها إىل يوم القيامة فاآلية مطلقة تشمل نسخ احلكم فما شرعه ٤٢ فصلت بني يديه وال من خلفه تنزيل من حكيم محيد

.أويل األمر فمن دوهنم ورسوله جيب اتباعه على األمة ورسوله أو قضى به

Page 156: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٥٦

إمنا جيعل ألويل األمر حق الطاعة وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم أطيعوا قولهأن ومن هنا يظهرورسوله بل هو عليهم يف غري األحكام فهم ومن دوهنم من األمة سواء يف أنه جيب عليهم التحفظ ألحكام

من فعل أو فالذي جيب فيه طاعة أويل األمر إمنا هو ما يأمرون به وينهون عنه فيما يرون صالح األمة فيه أوجب .يف الواقعة ترك مع حفظ حكم

فكما أن الواحد من الناس له أن يتغذى يوم كذا أو ال يتغذى مع جواز األكل له من مال نفسه وله أن يبيع ويشرتي يوم

وله أن يعرض عن الدفاع مع وله أن يرتافع إىل احلاكم إذا نازعه أحد يف ملكه كذا أو ميسك عنه مع كون البيع حالالوال وليس له أن يشرب اخلمر األحكام على حاهلا كل ذلك إذا رأى صالح نفسه يف ذلك مع بقاء جواز الرتافع

وال له أن يغصب مال غريه بإبطال ملكه وإن رأى صالح نفسه يف ذلك ألن ذلك كله يزاحم حكم له أن يأخذ الربا هذا كله يف التصرف الشخصي كذلك ويل األمر له أن يتصرف يف األمور العامة على طبق املصاحل

على وميسك عن ذلك حينا فيدافع عن ثغور اإلسالم حينا الكلية مع حفظ األحكام اإلهلية على ما هي عليهااإلنفاق العمومي يوما إىل غري ذلك حبسب ما أو يأمر بالتعطيل العمومي أو حسب ما يشخصه من املصاحل العامة

.يراه من املصلحة

Page 157: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٥٧

يف وباجلملة كل ما للواحد من املسلمني أن يتصرف فيه حبسب صالح شخصه مع التحفظ على حكم أن يتصرف فيه حبسب الصالح العام العائد إىل حال املسلمني مع الواقعة فلوايل األمر من قبل رسول

.يف الواقعة التحفظ حبكم

ولو جاز لويل األمر أن يتصرف يف احلكم التشريعي تكليفا أو وضعا حبسب ما يراه من صالح الوقت مل يقم حكم على إن حكم التمتع من طيبات فما الفرق بني أن يقول قائل ومل يكن الستمرار الشريعة إىل يوم القيامة معنى البتة ساق

إن إباحة االسرتقاق ال تناسب وبني أن يقول القائل احلياة ال يالئم هيئة النسك والعبادة من الناسك فيلزم تركه أو إن إجراء احلدود مما ال هتضمه اإلنسانية الراقية اليوم وضع الدنيا احلاضرة القاضية باحلرية العامة فيلزم إمهاهلا

وقد يفهم هذا املعنى من بعض الروايات يف الباب كما يف الدر ! وانني اجلارية يف العامل اليوم ال تقبله فيجب تعطيلهوالقأن عمر بن اخلطاب هم أن ينهى عن متعة احلج وأمحد عن احلسن أخرج إسحاق بن راعويه يف مسنده املنثور

.فنزل عمر واعتمرنا مع رسول ليس ذلك لك قد نزل هبا كتاب فقال فقام إليه أبي بن كعب

هدشيا ونيالد اةيي الحف لهقو كجبعن ياس مالن نمو امصالخ ألد وهو ي قلبها فلى مع٢٠٤ لىإذا توول وسالنو ثرالح كلهيا ويهف دفسيض لي األرى فعس ادالفس بحال ي٢٠٥ اتق يل لهإذا قو ذتهأخ

Page 158: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٥٨

ادهالم لبئسو منهج هبسباإلثم فح ةزالع٢٠٦ رشن ياس مالن نمو ضاترغاء متاب هي نفس و وفؤر ادببالع٢٠٧

بيان

فمن الناس قولهتشتمل اآليات على تقسيم آخر للناس من حيث نتائج صفاهتم كما أن اآليات السابقة أعين تشتمل على تقسيم هلم غري أن تلك اآليات تقسمهم من حيث طلب الدنيا أو إخل من يقول ربنا آتنا يف الدنيا

.وهذه اآليات تقسمهم من حيث النفاق واخللوص يف اإلميان فمناسبة اآليات مع آيات حج التمتع ظاهرة اآلخرة

يف احلياة قولهو أي راقه وسره - أعجبه الشيء إخل ومن الناس من يعجبك قوله يف احلياة الدنياقوله أي إن اإلعجاب يف الدنيا من جهة أن هذه احلياة نوع حياة ال حتكم إال على الظاهر يعجبك بقولهمتعلق الدنيا

ال يشاهده اإلنسان وهو متعلق احلياة بالدنيا إال أن يستكشف وأما الباطن والسريرة فتحت السرت ووراء احلجابواملعنى أنه يتكلم على ما يف قلبه ويشهد من قوله شيئا من أمر الباطن من طريق اآلثار ويناسبه ما يتلوه

وتقدم الدين واألمة وهو أشد والعناية بصالح اخللق من ما يشري به إىل رعاية جانب احلق مبا يعجبك كالمهواخلصام مجع خصم أفعل التفضيل من لد لدودا إذا اشتد خصومة ألدقولهاخلصماء للحق خصومة و

.ومعنى ألد اخلصام أشد خصومة اخلصام مصدر وقيل كصعب وصعاب وكعب وكعاب

Page 159: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٥٩

يف ويؤيده قوله التويل هو متلك الوالية والسلطان إخل وإذا توىل سعى يف األرض ليفسد فيهاقوله

والسعي الدال على أن له عزة مكتسبة باإلثم الذي يأثم به قلبه غري املوافق للسانه أخذته العزة باإلثم اآلية التاليةوأوتي سلطانا وتوىل أمر فاملعنى وإذا متكن هذا املنافق الشديد اخلصومة من العمل هو العمل واإلسراع يف املشي

أي إذا خرج وميكن أن يكون التويل مبعنى اإلعراض عن املخاطبة واملواجهة الناس سعى يف األرض ليفسد فيهاوتبدل ما كان يظهره من طلب الصالح واخلري إىل السعي يف األرض ألجل من عندك كانت غيبته خمالفة حلضوره

.الفساد واإلفساد

ليفسد فيها أي يفسد فيها بإهالك احلرث والنسل ظاهره أنه بيان لقوله ويهلك احلرث والنسلقولهوملا كان قوام النوع اإلنساني من حيث احلياة والبقاء بالتغذي والتوليد فهما الركنان القوميان اللذان ال غناء عنهما

واحليوان يركن إىل وأما التغذي فإمنا يركن اإلنسان فيه إىل احليوان والنبات أما التوليد فظاهر للنوع يف حالفلذلك علق الفساد على احلرث والنسل فالنبات هو األصل ويستحفظ باحلرث وهو تربية النبات النبات

.فاملعنى أنه يفسد يف األرض بإفناء اإلنسان وإبادة هذا النوع بإهالك احلرث والنسل

Page 160: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٦٠

بالفساد ليس ما هو فساد يف الكون والوجود الفساد التكويين فإن النشأة ال حيب الفساد املراد وقولهومها متعانقان يف هذا الوجود وال حياة إال مبوت وعامل التنازع يف البقاء وال كون إال بفساد نشأة الكون والفساد

.ما هو مقدره وقاضيه وحاشا أن يبغض الطبيعي يف النشأة الطبيعية

إمنا شرع ما شرعه من الدين ليصلح به أعمال عباده فيصلح أخالقهم وإمنا هو الفساد املتعلق بالتشريع فإن وعند ذلك تسعد حياهتم يف الدنيا وحياهتم يف وملكات نفوسهم فيعتدل بذلك حال اإلنسانية واجلامعة البشرية

. كان الناس أمة واحدةقولهاآلخرة على ما سيجيء بيانه يف

فهذا الذي خيالف ظاهر قوله باطن قلبه إذا سعى يف األرض بالفساد فإمنا يفسد مبا ظاهره اإلصالح بتحريف مبا يؤدي إىل فساد األخالق والتصرف يف التعاليم الدينية عما هو عليه وتغيري حكم الكلمة عن موضعها

وقد صدق هذه اآليات ما جرى عليه وفساد الدنيا وفناء اإلنسانية ويف ذلك موت الدين واختالف الكلمة يستعقب للدين إال وتصرفهم يف أمر الدين والدنيا مبا مل التاريخ من والية رجال وركوهبم أكتاف هذه األمة اإلسالمية

وال اإلنسانية إال فلم يلبث الدين حتى صار لعبة لكل العب ولألمة إال اختالفا وللمسلمني إال احنطاطا وباال

Page 161: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٦١

وهلذا وهالك اإلنسانية ثانيا وذلك هبالك الدين أوال فنتيجة هذا السعي فساد األرض خطفة لكل خاطف .فسر قوله ويهلك احلرث والنسل يف بعض الروايات هبالك الدين واإلنسانية كما سيأتي إن شاء

واملهاد الوطاء العزة معروفة أخذته العزة باإلثم فحسبه جهنم ولبئس املهاد وإذا قيل له اتق قوله

أخذته العزة الظاهرة اليت اكتسبها باإلثم والنفاق واملعنى أنه إذا أمر بتقوى باإلثم متعلق بالعزة قولهوالظاهر أن تعز من تشاء وتذل من كما قال وذلك أن العزة املطلقة إمنا هي من املستبطن يف نفسه

أيبتغون وقال ٨ املنافقني العزة ولرسوله وللمؤمنني للهو وقال ٢٦ آل عمران تشاء .١٣٩ النساء مجيعا للهعندهم العزة فإن العزة

شيئا إىل نفسه وخيتصه بإعطائه ثم يستعقب إمثا أو شرا فهذه العزة إمنا هي عزة حيسبها وحاشا أن ينسب

.لصاحبها اجلاهل حبقيقة األمر عزة حبسب ظاهر احلياة الدنيا ال عزة حقيقية أعطاها

واملعنى محلته العزة على اإلثم بأن يكون الباء للتعدية أخذتهقوله باإلثم ليس متعلقاقولهومن هنا يظهر أن واملعنى ظهرت فيه العزة واملناعة أو يكون الباء للسببية وجتيبه األمر مبا يسوؤه من القول ورد األمر بالتقوى

Page 162: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٦٢

وذلك أن إطالق العزة على هذه احلالة النفسانية وتسميته بالعزة يستلزم إمضاءها بسبب اإلثم الذي اكتسبه .خبالف ما لو مسيت عزة باإلثم بأهنا عزة حقيقية وليست هبا والتصديق منه

٢ صبل الذين كفروا يف عزة وشقاق كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا والت حني مناصقولهوأما

فهي هناك عزة كم أهلكنا من قبلهم إخل بقولهفليس من قبيل التسمية واإلمضاء لكون العزة نكرة مع تعقيب اآلية .صورية غري باقية وال أصيلة

ومن الناس من يعجبك مقابلته مع قوله إخل ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات قوله

بيان أن هناك رجال ومن الناس من يعجبك قولهيفيد أن الوصف مقابل الوصف أي كما أن املراد من قوله إخلمعتزا بإمثه معجبا بنفسه متظاهرا باإلصالح مضمرا للنفاق ال يعود منه إىل حال الدين واإلنسانية إال الفساد واهلالك

ال يريد إال ما بيان أن هناك رجال آخر باع نفسه من ومن الناس من يشري نفسه إخل قولهكذلك املراد من فيصلح به أمر الدين ال هوى له يف نفسه وال اعتزاز له إال بربه وال ابتغاء له إال ملرضاة أراده

وبذلك يظهر ارتباط الذيل بالصدر ويدر به ضرع اإلسالم ويطيب به عيش اإلنسانية وحييى به احلق والدنيابعباده إذ لو ال فإن وجود إنسان هذه صفته من رأفة مبا قبله رءوف بالعباد و أعين قوله

Page 163: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٦٣

رجال هذه صفاهتم بني الناس يف مقابل رجال آخرين صفتهم ما ذكر من النفاق واإلفساد الهندمت أركان الدينال يزال يزهق ذاك الباطل هبذا احلق ويتدارك لكن رشاد لبنة على لبنةومل تستقر من بناء الصالح وال

البقرة الناس بعضهم ببعض لفسدت األرض ولو ال دفع إفساد أعدائه بإصالح أوليائه كما قال ٢٥١ وقال ولو ال دفع الناس بعضهم ببعض هلدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها

األنعام فإن يكفر هبا هؤالء فقد وكلنا هبا قوما ليسوا هبا بكافرين وقال ٤٠ احلج كثريا اسم ٨٩ فالفساد الطارىء على الدين والدنيا من قبل عدة ممن ال هوى له إال يف نفسه ال ميكن سد ثلمته إال بالصالح

وقد ذكر وإصالح األرض ومن عليها وال هوى له إال يف ربه الفائض من قبل آخرين ممن باع نفسه من اشرتى من املؤمنني أنفسهم وأمواهلم بأن هلم اجلنة يقاتلون يف إن قولهب هذه املعاملة الرابية عند

فاستبشروا فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا يف التوراة واإلجنيل والقرآن ومن أوفى بعهده من سبيل .إىل غري ذلك من اآليات ١١١ التوبة ببيعكم الذي بايعتم به

أهنا نزلت يف األخنس بن شريق اآلية ومن الناس من يعجبكقولهيف عن السدي يف الدر املنثورإني لصادق فأعجب جئت أريد اإلسالم ويعلم املدينة وقال أقبل إىل النيب الثقفي حليف لبين زهرة

Page 164: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٦٤

ثم خرج من عند النيب فمر بزرع لقوم من على ما يف قلبه ويشهد قولهذلك منه فذلك النيب .وإذا توىل سعى يف األرض اآلية املسلمني ومحر فأحرق الزرع وعقر احلمر فأنزل

وهو املروي عن الصادق قال نزلت اآليات الثالثة يف املرائي ألنه يظهر خالف ما يبطن عن ابن عباس ويف امع.

.ولكنه غري منطبق على ظاهر اآليات أقول

.ويف بعض الروايات عن أئمة أهل البيت أهنا من اآليات النازلة يف أعدائهم

والنسل أن املراد باحلرث هاهنا الدين ويهلك احلرث والنسل يف قوله عن الصادق ويف امع

.اإلنسان

.واألمر يف التطبيق سهل أن املراد باحلرث الذرية والزرع وقد روي وقد مر بيانه أقول

Page 165: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٦٥

نزلت يف علي قال ومن الناس من يشري نفسه اآلية يف قوله عن علي بن احلسني ويف أمايل الشيخ حني بات على فراش رسول أقول وقد تكاثرت الروايات من طرق الفريقني أهنا نزلت يف شأن ليلة .خبمس طرق عن الثعليب وغريه ورواه يف تفسري الربهان الفراش

قالت يل قريش يا ملا أردت اهلجرة من مكة إىل النيب قال أخرج ابن مردويه عن صهيب ويف الدر املنثور

أ رأيتم إن دفعت لكم فقلت هلم ال يكون ذلك أبدا و صهيب قدمت إلينا وال مال لك وخترج أنت ومالك فقال نعم فدفعت إليهم مايل فخلوا عين فخرجت حتى قدمت املدينة فبلغ ذلك النيب قالوا مايل ختلون عين

ربح البيع صهيب مرتني أقول ورواه بطرق أخرى يف بعضها ونزلت ومن الناس من يشري نفسه اآلية ويف .بعضها نزلت يف صهيب وأبي ذر بشرائهما أنفسهما بأمواهلما وقد مر أن اآلية ال تالئم كون املراد بالشراء االشرتاء

.أن املراد باآلية الرجل يقتل على األمر باملعروف والنهي عن املنكر عن علي ويف امع

.وهو بيان لعموم اآلية وال ينايف كون النزول لشأن خاص أقول

Page 166: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٦٦

دع لكم طان إنهيالش اتطووا خال تتبعلم كآفة وي السلوا فخوا ادنآم ينا الذهاأيي بنيم و٢٠٨ دعن بم فإن زللتم وا أنلمفاع اتنيالب اءتكما جم يمكح زيزع٢٠٩ نظل يه مهيأتإال أن ي ونر امالغم ني ظلل مف

٢١٠ترجع االمور والمآلئكة وقضي األمر وإلى

بيان

قريب اآلية سبع آيات كاملة تبني طريق التحفظ أال إن نصر قولهإىل يا أيها الذين آمنواقولههذه اآليات وهي من القول وما أراه من على الوحدة الدينية يف اجلامعة اإلنسانية وهو الدخول يف السلم والقصر على ما ذكره

وال حلت اهللكة دار قوم إال باخلروج عن وال ارحتلت سعادة الدارين وأنه مل ينفصم وحدة الدين طريق العملشوهد ذلك يف بين إسرائيل وغريهم من بتغيريها ووضعها يف غري موضعها والتصرف يف آيات السلم

.قريب أال إن نصر يعدهم بالنصر األمم الغابرة وسيجري نظريها يف هذه األمة لكن

وكافة كلمة تأكيد مبعنى السلم واإلسالم والتسليم واحدة السلم كافةيا أيها الذين آمنوا ادخلوا يف قولهفهو أمر متعلق باموع وبكل واحد من وملا كان اخلطاب للمؤمنني وقد أمروا بالدخول يف السلم كافة مجيعا

Page 167: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٦٧

ولرسوله للهوجيب على اجلميع أيضا أن ال خيتلفوا يف ذلك ويسلموا األمر فيجب ذلك على كل مؤمن أجزائه وأيضا اخلطاب للمؤمنني خاصة فالسلم املدعو إليه هو التسليملهل بعد اإلميان به فيجب على املؤمنني

وال يضعوا ألنفسهم من عند أنفسهم طريقا وال يذعنوا ألنفسهم صالحا باستبداد من الرأي أن يسلموا األمر إليهومل يسلب حق احلياة فما هلك قوم إال باتباع اهلوى والقول بغري العلم ورسوله يسلكونه من دون أن يبينه

.وسعادة اجلد عن قوم إال عن اختالف

أن املراد من اتباع خطوات الشيطان ليس اتباعه يف مجيع ما يدعو إليه من الباطل بل اتباعه فيما ومن هنا ظهريدعو إليه من أمر الدين بأن يزين شيئا من طرق الباطل بزينة احلق ويسمي ما ليس من الدين باسم الدين فيأخذ به

.التعاليم الدينية ورسوله إياه يف ضمن وعالمة ذلك عدم ذكر اإلنسان من غري علم

وإذا كان فإن اخلطوات إمنا تكون يف طريق مسلوك وخصوصيات سياق الكالم وقيوده تدل على ذلك أيضاوإذا كان الواجب على املؤمن هو وطريقه إمنا هو طريق اإلميان فهو طريق شيطاني يف اإلميان سالكه هو املؤمن

.واتباعه اتباع خطوات الشيطان الدخول يف السلم فالطريق الذي يسلكه من غري سلم من خطوات الشيطان

Page 168: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٦٨

يا أيها الناس كلوا مما يف األرض حالال طيبا وال تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبني قولهفاآلية نظرية وقد مر الكالم يف اآلية ١٦٩ البقرة ما ال تعلمون إمنا يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على

فإنه يأمر بالفحشاء يا أيها الذين آمنوا ال تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطانقولهو األنعام وال تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبني كلوا مما رزقكم قولهو ٢١ النور واملنكر

١٤٢ والفرق بني هذه اآلية وبني تلك أن الدعوة يف هذه موجهة إىل اجلماعة ملكان قوله كافة خبالف تلك ١٠٣ آل عمران مجيعا وال تفرقوا واعتصموا حببل قولهفهذه اآلية يف معنى اآليات فهي عامة

١٥٣ األنعام وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وال تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيلهقولهو .ويستفاد من اآلية أن اإلسالم متكفل جلميع ما حيتاج إليه الناس من األحكام واملعارف اليت فيه صالح الناس

واملعنى فإن مل تدخلوا يف السلم كافة وزللتم الزلة هي العثرة فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيناتقوله

حكيم ال يتعدى عما تقتضيه عزيز غري مغلوب يف أمره والزلة هي اتباع خطوات الشيطان فاعلموا أن .وجيريه فيكم من غري أن مينع عنه مانع حكمته من القضاء يف شأنكم فيقضي فيكم ما تقتضيه حكمته

Page 169: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٦٩

وظاهر اآلية الظلل مجع ظلة وهي ما يستظل به إخل يف ظلل من الغمام هل ينظرون إال أن يأتيهم قوله ويف اآلية التفات من اخلطاب إىل الغيبة وتبديل خطاهبم خبطاب رسول أن املالئكة عطف على لفظ اجلاللة

باإلعراض عن خماطبتهم بأن هؤالء حاهلم حال من ينتظر ما أوعدناهم به من القضاء على طبق ما خيتارونهويقضي األمر يف ظلل من الغمام واملالئكة لك بأن يأتيهم وذ من اتباع خطوات الشيطان واالختالف والتمزق

فال مفر من حكمه ترجع األمور وإىل أو حبيث ال يعبأ هبم ومبا يقعون فيه من اهلالك من حيث ال يشعرونيف اآلية السابقة هو الوعيد الذي أوعدهم به يف قوله هل ينظرون قولهفالسياق يقتضي أن يكون وقضائه

.عزيز حكيم فاعلموا أن

وال ينعت ال يوصف بصفة األجسام ثم إن من الضروري الثابت بالضرورة من الكتاب والسنة أن ليس كمثله فقد قال ويالزم الفقر واحلاجة والنقص بنعوت املمكنات مما يقضي باحلدوث

الزمرخالق كل شيء وقال ١٥ فاطر هو الغين و وقال ١١ الشورى شيء٦٢ إىل غري ذلك من اآليات وهي آيات حمكمات ترجع إليها متشاهبات القرآن فما ورد من اآليات وظاهرها

ويفهم منها معنى من املعاني ال ينايف ينبغي أن يرجع إليها إسناد شيء من الصفات أو األفعال احلادثة إليه فاآليات املشتملة على نسبة ايء أو اإلتيان إليه صفاته العليا وأمساءه احلسنى تبارك و

Page 170: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٧٠

من حيث مل فأتيهم قولهو ٢٢ الفجر وجاء ربك وامللك صفا صفاقولهككل ذلك يراد فيها معنى يالئم ٢٦ النحل بنياهنم من القواعد فأتى قولهو ٢ احلشر حيتسبوا

إن يأتيهم وعلى هذا فاملراد باإلتيان يف قوله ساحة قدسه تقدست أمساؤه كاإلحاطة وحنوها ولو جمازا اإلحاطة هبم للقضاء يف حقهم.

يف موارد من كالمه إذا سلب نسبة من النسب وفعال من األفعال عن استقالل األسباب على أنا جنده

٤٢ الزمريتوفى األنفس قولهووساطة األوساط فرمبا نسبها إىل نفسه ورمبا نسبها إىل أمره كفنسب التويف تارة ٦١ األنعام توفته رسلناقولهو ١١ السجدة يتوفيكم ملك املوتقولهو

إن قولهوكذلك ٢٧ األنبياء بأمره يعملون أمر املالئكة يف وتارة إىل املالئكة ثم قال إىل نفسهوكما يف هذه ٧٨ املؤمنون قضي باحلق فإذا جاء أمر قولهو ٩٣ يونس ربك يقضي بينهم

هل ينظرون إال أن تأتيهم املالئكة أو يأتي أمر قولهو اآلية يف ظلل من الغمام أن يأتيهم اآلية .٣٣ النحل ربك

Page 171: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٧١

جاء نظري وهذا يوجب صحة تقدير األمر يف موارد تشتمل على نسبة أمور إليه ال تالئم كربياء ذاته .فالتقدير جاء أمر ربك ويأتيهم أمر ويأتيهم ربك

فهذا هو الذي يوجبه البحث الساذج يف معنى هذه النسب على ما يراه مجهور املفسرين لكن التدبر يف كالمه

١٥ فاطرهو الغين وقولهوذلك أن أمثال يعطي هلذه النسب معنى أرق وألطف من ذلك تفيد أنه ٥٠ طه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قولهو ٩ ص العزيز الوهابقولهو

يهبه وجيود به وإن كانت أفهامنا من جهة اعتيادها باملادة مليء مبا واجد ملا يعطيه من اخللقة وشئوهنا وأطوارهاببعض ما يفيض على خلقه من الصفات ونسبته إليه وأحكامها اجلسمانية يصعب عليها تصور كيفية اتصافه

املادة وأوصاف احلدثان مل يكن يف نسبته إليه لكن هذه املعاني إذا جردت عن قيود حمذور فالنقصفإذا مل يصاحب املعنى نقصا وحاجة لتجريده عنه صح واحلاجة هو املالك يف سلب معنى من املعاني عنه

.بوجه على ما يليق بكربيائه وعظمته بل وجب ذلك ألن كل ما يقع عليه اسم شيء فهو منه إسناده إليه

فايء واإلتيان الذي هو عندنا قطع اجلسم مسافة بينه وبني جسم آخر باحلركة واقرتابه منه إذا جرد عن وحينئذ صح وارتفاع املانع واحلاجز بني شيئني من جهة من اجلهات خصوصية املادة كان هو حصول القرب

Page 172: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٧٢

احلقائق وهذه من إليهم ارتفاع املوانع بينهم وبني قضائه فيهم فإتيانه حقيقة من غري جماز إسناده إليه وإثبات التشكيك يف وركوهبا كل سهل ووعر القرآنية اليت مل يوفق األحباث الربهانية لنيله إال بعد إمعان يف السري

.احلقيقة الوجودية األصيلة

ومن عزيز حكيم إن يف اآلية السابقة وكيف كان فهذه اآلية تتضمن الوعيد الذي ينبىء عنه قوله هل يف نظري اآلية املمكن أن يكون وعيدا مبا سيستقبل القوم يف اآلخرة يوم القيامة كما هو ظاهر قوله

ومن املمكن أن يكون وعيدا بأمر متوقع احلصول يف ٣٣ النحل ينظرون إال أن تأتيهم املالئكة أو يأتي أمر ربكوما يف سورة الروم ٤٧ يونس ولكل أمة رسولقولهالدنيا كما يظهر بالرجوع إىل ما يف سورة يونس بعد

وما يف سورة األنبياء وغريها على أن اآلخرة آجلة هذه ٣٠ الروم وأقم وجهك للدين حنيفاقولهبعد وكيف ومن املمكن أيضا أن يكون وعيدا مبا سيقع يف الدنيا واآلخرة معا العاجلة وظهور تام ملا يف هذه الدنيا

.كان فقوله يف ظلل من الغمام يشتمل من املعنى على ما يناسب مورده

Page 173: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٧٣

كما يدل عليه وهو السكوت عن ذكر فاعل القضاء ترجع األمور وقضي األمر وإىل قولهإلظهار الكربياء على ما يفعله األعاظم يف األخبار عن وقوع أحكامهم وصدور ترجع األمور وإىل قوله

.أوامرهم وهو كثري يف القرآن

اآلية عدة روايات تؤيد ما ذكرناه من معنى اتباع طيبايا أيها الناس كلوا مما يف األرض حالال قولهقد تقدم يف .ويف بعض الروايات أن السلم هو الوالية وهو من اجلري على ما مر مرارا يف نظائره خطوات الشيطان فارجع

قال يف ظلل من الغمام هل ينظرون إال أن يأتيهم قولهيف عن الرضا واملعاني ويف التوحيد

وجاء ربك .وعن قول باملالئكة يف ظلل من الغمام وهكذا نزلت هل ينظرون إال أن يأتيهم يقولعن االنتقال وإمنا يعين به وجاء أمر ال يوصف بايء والذهاب إن صفا صفا قال وامللك

.ربك وامللك صفا صفا

.معناه يريد هل ينظرون فهو تفسري لآلية وليس من قبيل القراءة يقول هل ينظرون قوله أقول

Page 174: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٧٤

إتيان أمره فإن املالئكة إمنا تعمل ما تعمل وتنزل حني واملعنى الذي ذكره هو بعينه ما قربناه من كون املراد بإتيانه

ينزل وقال ٢٧ األنبياءبل عباد مكرمون ال يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون قال تنزل باألمر .٢ النحل املالئكة بالروح من أمره

إخل هل ينظرون إال أن يأتيهم قولهوهاهنا معنى آخر احتمله بعضهم وهو أن يكون االستفهام اإلنكاري يف

يف أن يأتيهم واملعنى أن هؤالء ال ينتظرون إال أمرا حماال وهو إلنكار جمموع اجلملة ال إلنكار املدخول فقطكناية عن استحالة فهو ظلل من الغمام كما يأتي اجلسم إىل اجلسم ويأتي معه املالئكة فيأمرهم وينهاهم وهو حمال

أن اآليات ذات سياق واحد والزمه أن يكون الكالم أنه ال يالئم ما مر وفيه تقوميهم هبذه املواعظ والتنبيهاتعلى أن الكالم لو كان مسوقا إلفادة ذلك مل خيل واملؤمنون ال يالئم حاهلم مثل هذا البيان متوجها إىل حال املؤمنني

وقال الذين ال يرجون لقاءنا لو ال أنزل علينا املالئكة أو قولهمن الرد عليهم كما هو دأب القرآن يف أمثال ذلك كوقالوا اختذ الرمحن ولدا قولهو ٢١ الفرقان نرى ربنا لقد استكربوا يف أنفسهم وعتوا عتوا كبريا

األنبياء ٢٦.

Page 175: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٧٥

.وال نكتة ظاهرة لبقية الكالم وهو ظاهر يف ظلل من الغمام على أنه مل يكن حينئذ وجه لقوله

آخر وتفسريها عن الباقر اعلم أنه ورد عن أئمة أهل البيت تفسري اآلية بيوم القيامة كما يف تفسري العياشي

كما رواه العياشي يف تفسريه وتفسريها بظهور املهدي بالرجعة كما رواه الصدوق عن الصادق .بطريقني عن الباقر

ونظائره كثرية فإذا تصفحت وجدت شيئا كثريا من اآليات ورد تفسريها عن أئمة أهل البيت تارة بالقيامة وأخرى

والناس ملا مل يبحثوا عن حقيقة يوم القيامة وليس ذلك إال لوحدة وسنخية بني هذه املعاني بالظهور بالرجعة وثالثةفمنهم من ومل يستفرغوا الوسع يف الكشف عما يعطيه القرآن من هوية هذا اليوم العظيم تفرقوا يف أمر هذه الروايات

ومنهم من أوهلا على ظهورها ئة رواية يف أبواب متفرقةوهي مات ورمبا زادت على مخسما طرح هذه الروايات .من ينقلها ويقف عليها من غري حبث - وهم أمثل طريقة - ومنهم وصراحتها

Page 176: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٧٦

لكنهم أنكروا وغري الشيعة وهم عامة املسلمني وإن أذعنوا بظهور املهدي ورووه بطرق متواترة عن النيب وعد ورمبا حلق هبم يف هذه األعصار بعض املنتسبني إىل الشيعة الشيعةالرجعة وعدوا القول هبا من خمتصات

وبعضهم رام إبطال بن سبإ وأصحابه ذلك من الدس الذي عمله اليهود وبعض املتظاهرين باإلسالم كعبد على حي حتى أن املوت حبسب العناية اإلهلية ال يطرأ ما حاصله الرجعة مبا زعمه من الدليل العقلي فقال

يستكمل كمال احلياة وخيرج من القوة إىل الفعل يف كل ما له من الكمال فرجوعه إىل الدنيا بعد موته رجوع إىل القوة وهو أو خليفة من خلفائه كما أخرب به يف قصص موسى هذا حمال إال أن خيرب به خمرب صادق وهو بالفعل

.وغريهم وعيسى وإبراهيم

ثم أخذ يف تضعيف الروايات فلم وال منهم يف أمر الرجعة شيء وما يتمسك به املثبتون غري تام ومل يرد منه .هذا يدع منها صحيحة وال سقيمة

ومل يدر هذا املسكني أن دليله هذا لو مت دليال عقليا أبطل صدره ذيله فما كان حماال ذاتيا مل يقبل استثناء ومل ينقلب

وأن املخرب بوقوع احملال ال يكون صادقا ولو فرض صدقه يف إخباره أوجب ذلك املخرب الصادق ممكنا بإخبار

Page 177: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٧٧

وأن كل صادق فهو بعينه اضطرارا تأويل كالمه إىل ما يكون ممكنا كما لو أخرب بأن الواحد ليس نصف االثنني .كاذب

القوة ثانيا حق لكن الصغرى ممنوعة فإنه إمنا يلزم احملال املذكور وما ذكره من امتناع عود ما خرج من القوة إىل الفعل إىل

وهو يف إحياء املوتى ورجوعهم إىل الدنيا بعد اخلروج عنها إذا كان ذلك بعد املوت الطبيعي الذي افرتضوه .تفارق النفس البدن بعد خروجها من القوة إىل الفعل خروجا تاما ثم مفارقتها البدن بطباعها أن

فإن من وأما املوت االخرتامي الذي يكون بقسر قاسر كقتل أو مرض فال يستلزم الرجوع إىل الدنيا بعده حمذورا

اجلائز أن يستعد اإلنسان لكمال موجود يف زمان بعد زمان حياته الدنيوية األوىل فيموت ثم حييى حليازة الكمال املعد بتخلل حياة ما يف الربزخ فيعود إىل الدنيا بعد استيفاء الشرط أو يستعد لكمال مشروط له يف الزمان الثاني

.فيجوز على أحد الفرضني الرجعة إىل الدنيا من غري حمذور احملال ومتام الكالم موكول إىل غري هذا املقام

حتى عد القول أن الروايات متواترة معنى عن أئمة أهل البيت وأما ما ناقشه يف كل واحد من الروايات ففيهوالتواتر ال يبطل بقبول آحاد الروايات بالرجعة عند املخالفني من خمتصات الشيعة وأئمتهم من لدن الصدر األول

Page 178: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٧٨

والروايات الواردة فيها تامة الداللة قابلة االعتماد على أن عدة من اآليات النازلة فيها للخدشة واملناقشة النمل ويوم حنشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتناقولهارد املناسبة هلا كوسيجيء التعرض هلا يف املو

.وغريه من اآليات ٨٣

أم حسبتم أن تدخلوا اجلنة وملا يأتكم مثل الذين خلوا من قولهعلى أن اآليات بنحو اإلمجال دالة عليها كومن احلوادث الواقعة قبلنا ما وقع من إحياء األموات كما قصه القرآن من قصص إبراهيم ٢١٤ البقرة قبلكم

والذي نفسي بيده لرتكنب سنن ( فيما رواه الفريقان وقد قال رسول وموسى وعيسى وعزير وأرميا وغريهم .)بين إسرائيلمن كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ال ختطئون طريقهم وال خيطئكم سنن

وقد أثبتها النقلة والرواة يف على أن هذه القضايا اليت أخربنا هبا أئمة أهل البيت من املالحم املتعلقة بآخر الزمان

كتب حمفوظة النسخ عندنا سابقة تأليفا وكتابة على الوقوع بقرون وأزمنة طويلة نشاهد كل يوم صدق شطر منها من .غري زيادة ونقيصة فلنحقق صحة مجيعها وصدق مجيع مضامينها

Page 179: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٧٩

وبالرجعة أو الظهور تارة أخرى قيامة تارةولنرجع إىل بدء الكالم الذي كنا فيه وهو ورود تفسري آية واحدة بيوم المن أوصاف يوم القيامة ونعوته أنه يوم ال حيجب فيه سبب من فيما ذكره الذي يتحصل من كالمه فنقول

فيفنى فيه مجيع األوهام ويظهر فيه آياته كمال الظهور وهذا يوم ال يبطل األسباب وال شاغل من الشواغل عنه وجوده وحتققه حتقق هذا النشأة اجلسمانية ووجودها فال شيء يدل على ذلك من كتاب وسنة بل األمر على

إىل آدم وزوجته خالف ذلك غري أن الظاهر من الكتاب والسنة أن البشر أعين هذا النسل الذي أهناه .سينقرض عن الدنيا قبل طلوع هذا اليوم هلم

حتى يدفع بعضها بعضا كما أن النشأة الربزخية وهي ثابتة وال مزامحة بني النشأتني أعين نشأة الدنيا ونشأة البعث

لقد أرسلنا إىل أمم من قبلك فزين هلم ت وال الدنيا تدفعها قال اآلن لألموات منا ال تدفع الدنيا .٦٣ النحل الشيطان أعماهلم فهو وليهم اليوم وهلم عذاب أليم

ولذلك رمبا منهم شيء يوم هم بارزون ال خيفى على يوم يقوم الناس لرب العاملني فهذه حقيقة يوم القيامة

من مات قامت قيامته فعن علي مسي يوم املوت بالقيامة الرتفاع حجب األسباب عن توهم امليت .وسيجيء بيان اجلميع إن شاء

Page 180: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٨٠

والروايات املثبتة للرجعة وإن كانت خمتلفة اآلحاد إال أهنا على كثرهتا متحدة يف معنى واحد وهو أن سري النظام

ال يشوهبا هوى بل يعبد عبادة خالصة فال يعصى فيه كل الظهور الدنيوي متوجه إىل يوم تظهر فيه آيات ويفصل احلق وأعدائه إىل الدنيا األموات من أولياء ويعود فيه بعض وال يعرتيه إغواء الشيطان نفس

.من الباطل

وإن كان دونه يف الظهور إلمكان الشر والفساد فيه يف اجلملة دون أن يوم الرجعة من مراتب يوم القيامة وهذا يفيدأيضا لظهور احلق فيه أيضا متام الظهور وإن كان هو أيضا ولذلك رمبا أحلق به يوم ظهور املهدي يوم القيامة

ويف بعضها ثالثة يوم الظهور ويوم الكرة ويوم القيامة أيام وقد ورد عن أئمة أهل البيت دون الرجعة أيام ثالثة يوم املوت ويوم الكرة ويوم القيامة وهذا املعنى أعين االحتاد حبسب احلقيقة واالختالف

بعض اآليات بالقيامة تارة وبالرجعة أخرى وبالظهور حبسب املراتب هو املوجب ملا ورد من تفسريهم .وال دليل مع املنكر يدل على نفيه وقد عرفت مما تقدم من الكالم أن هذا اليوم ممكن يف نفسه بل واقع ثالثة

Page 181: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٨١

نم ماهنآتي يل كمائري إسنل بة سمعل ندبن يمو ةنيب ةآي فإن اءتها جم دعن بم قابالع يددش٢١١ وي مقهاتقوا فو ينالذوا ونآم ينالذ نم ونخرسيا ونيالد اةيوا الحكفر ينلذل نزيو ةاميالق م راء بغيشن يزق مري

٢١٢حساب

بيان

فإن زللتم من بعد ما تثبيت وتأكيد واشتمل عليه قوله إخل سل بين إسرائيل كم آتيناهم من آيةقوله .اآلية من الوعيد بأخذ املخالفني أخذ عزيز مقتدر عزيز حكيم جاءتكم البينات فاعلموا أن

ورزقهم من الكتاب واحلكم والنبوة وامللك هذه بنو إسرائيل يف مرءاكم ومنظركم وهي األمة اليت آتاهم يقول

وانظر يف أمرهم من أين بدءوا وإىل أين كان سلهم كم آتيناهم من آية بينة وفضلهم على العاملني الطيبات وكتابه وآياته أمورا من عند أنفسهم بغيا بعد العلم ووضعوا يف قبال حرفوا الكلم عن مواضعه مصريهم وأكل بعضهم بعضا واالختالف وتشتت اآلراء أشد العقاب مبا حل فيهم من اختاذ األنداد فعاقبهم

.ولعذاب اآلخرة أخزى وهم ال ينصرون وعذاب الذلة واملسكنة يف الدنيا وفناء السعادة وذهاب السؤدد

Page 182: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٨٢

شديد و يعاقبه من يبدل نعمة وأخرجها إىل غري جمراها فإن وهذه هي السنة اجلارية من إىل قوله العقاب من قبيل وضع الكلي موضع اجلزئي للداللة على ومن يبدل نعمة قولهوعلى هذا ف العقاب .سنة جارية احلكم

وأن املالك يف ذلك تزين احلياة الدنيا هلم فإهنا التعليل ملا مر يف موضع زين للذين كفروا احلياة الدنياقوله

من جاه فال يريد اإلنسان إال نيلها وأنست كل حق وحقيقة إذا زينت إلنسان دعته إىل هوى النفس وشهواهتاومن ذلك الدين فيأخذ الدين وسيلة فال يلبث دون أن يستخدم كل شيء ألجلها ويف سبيلها ومقام ومال وزينة

فينقلب الدين إىل متيز الزعماء والرؤساء وما يالئم سوددهم ورئاستهم يتوسل هبا إىل التميزات والتعيناتوكنا شاهدناه وتقرب التبعة واملقلدة املرءوسني وما جيلب به متايل رؤسائهم وساداهتم كما نشاهده يف أمتنا اليوم

وظاهر الكفر يف القرآن هو السرت أعم من أن يكون كفرا اصطالحيا أو كفرا مطلقا يف مقابل ائيل من قبليف بين إسروغري نعمة اإلميان املطلق فتزين احلياة الدنيا ال خيتص بالكفار اصطالحا بل كل من سرت حقيقة من احلقائق الدينية

.يد العقابدينية فهو كافر زينت له احلياة الدنيا فليتهيأ لشد

Page 183: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٨٣

تبديل اإلميان بالتقوى يف هذه اجلملة لكون اإلميان ال ينفع وحده لو ال إخل والذين اتقوا فوقهم يوم القيامةقوله .العمل

ثعفب ةداحة وأم اسالن كان ايماس فالن نيب كمحيل قبالح تابالك مهعل مأنزو ريننذمو رينشبم نيبيالنمهنيا بغيب اتنيالب ماءتها جم دعن بم أوتوه ينإال الذ يهف تلفا اخمو يهتلفوا فى اخدفه تلفوا الا اخموا لنآم ينذ

و هبإذن قالح نم يهف يمتقسم اطراء إلى صشن يي مدهي٢١٣

بيان

أن بيانوسبب وقوع االختالف فيه ب اآلية تبني السبب يف تشريع أصل الدين وتكليف النوع اإلنساني بهثم ظهر فيه حبسب الفطرة كان يف أول اجتماعه أمة واحدة - وهو نوع مفطور على االجتماع والتعاون - اإلنسان

واملشاجرات يف لوازم فاستدعى ذلك وضع قوانني ترفع االختالفات الطارئة االختالف يف اقتناء املزايا احليويةوأصلحت بالثواب والعقاب وشفعت بالتبشري واإلنذار ناحلياة فألبست القوانني املوضوعة لباس الدي

ثم اختلفوا يف معارف الدين أو أمور املبدإ واملعاد وإرسال املرسلني بالعبادات املندوبة إليها ببعث النبينيومل يكن هذا وتبع ذلك االختالف يف غريه وظهرت الشعوب واألحزاب فاختل بذلك أمر الوحدة الدينية

Page 184: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٨٤

ومتت عليهم وظلما وعتوا منهم بعد ما تبني هلم أصوله ومعارفه االختالف الثاني إال بغيا من الذين أوتوا الكتابواختالف اختالف يف أمر الدين مستند إىل بغي الباغني دون فطرهتم وغريزهتم فاالختالف اختالفان احلجة

و املؤمنني إىل احلق املختلف فيه بإذنه ثم هدى تشريع الدينيف أمر الدنيا وهو فطري وسبب ل .يهدي من يشاء إىل صراط مستقيم

يصلح الفطرة بالفطرة ويعدل واملصلح ألمر حياته فالدين اإلهلي هو السبب الوحيد لسعادة هذا النوع اإلنساني

فهذا إمجال واملادية واملعنوية وينظم لإلنسان سلك حياته الدنيوية واألخروية قواها املختلفة عند طغياهنا .تاريخ حياة هذا النوع احلياة االجتماعية والدينية على ما تعطيه هذه اآلية الشريفة

.وقد اكتفت يف تفصيل ذلك مبا تفيده متفرقات اآليات القرآنية النازلة يف شئون خمتلفة

اإلنسانبدء تكوين

وحمصل ما تبينه تلك اآليات على تفرقها أن النوع اإلنساني وال كل نوع إنساني بل هذا النسل املوجود من اإلنسان بل هو نوع أبدعه حولته إليه الطبيعة املتحولة املتكاملة ليس نوعا مشتقا من نوع آخر حيواني أو غريه

Page 185: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٨٥

فقد كانت األرض وما عليها والسماء وال إنسان ثم خلق زوجان اثنان من هذا النوع وإليهما ينتهي هذا من األرضوقال ١٣ احلجرات إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل قال النسل املوجود خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها األعراف ١٨٩ وقال آدم خلقه من كمثلوعليه وأما ما افرتضه علماء الطبيعة من حتول األنواع وأن اإلنسان مشتق من القرد ٥٩ آل عمران تراب

والفرضية غري مستند مدار البحث الطبيعي اليوم أو متحول من السمك على ما احتمله بعض فإمنا هي فرضيةبل وال ينايف اعتبارها اعتبار احلقائق اليقينية إىل العلم اليقيين وإمنا توضع لتصحيح التعليالت والبيانات العلمية

وسنستوعب إذ ال اعتبار هلا أزيد من تعليل اآلثار واألحكام املربوطة مبوضوع البحث حتى اإلمكانات الذهنيةآل كمثل آدم خلقه من تراب إن مثل عيسى عند قولهيف سورة آل عمران يف اء هذا البحث إن ش

.٥٩ عمران

تركبه من روح وبدنوجوهر جمرد مادة بدنية حني ما أنشأ مركبا من جزءين ومؤلفا من جوهرين هذا النوع وقد أنشأ

ثم ثم ميوت البدن ويفارقه الروح احلية ومها متالزمان ومتصاحبان ما دامت احلياة الدنيوية هي النفس والروحولقد خلقنا اإلنسان من ساللة من طني ثم جعلناه نطفة يف قرار مكني ثم قال يرجع اإلنسان إىل

Page 186: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٨٦

حلما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا املضغة عظاما فكسونا العظام أحسن اخلالقني ثم إنكم بعد ذلك مليتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون املؤمنون ١٦ انظر إىل موضع قوله ثم

٧٢ ص فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدينقولهويف هذا املعنى أنشأناه خلقا آخروقالوا أإذا ضللنا يف األرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء رهبم كافرون قل قولهوأوضح من اجلميع

أجاب عن إشكاهلم بتفرق فإنه ١١ السجدة يتوفيكم ملك املوت الذي وكل بكم ثم إىل ربكم ترجعون األعضاء واألجزاء واستهالكها يف األرض بعد املوت فال تصلح للبعث بأن ملك املوت يتوفاهم ويضبطهم فال يدعهم

فأبداهنم تضل يف األرض لكنهم أي نفوسهم غري ضالة وال فائتة وال مستهلكة! فهم غري أبداهنم وسيجيء إن .القرآن يف حقيقة الروح اإلنساني يف احملل املناسب له استيفاء البحث عما يعطيه شاء

شعوره احلقيقي وارتباطه باألشياء

وركب فيه السمع والبصر والفؤاد ففيه قوة اإلدراك والفكر وأودع فيه الشعور هذا النوع وقد خلق هبا يستحضر ما هو ظاهر عنده من احلوادث وما هو موجود يف احلال وما كان وما سيكون ويئول إليه أمر احلدوث

و وقال ٥ العلق علم اإلنسان ما مل يعلم قال فله إحاطة ما جبميع احلوادث والوقوعوقال ٧٨ النحل أخرجكم من بطون أمهاتكم ال تعلمون شيئا وجعل لكم السمع واألبصار واألفئدة

Page 187: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٨٧

وعلم آدم األمساء كلها البقرة ٣١ وقد اختار هلذا النوع سنخ وجود يقبل االرتباط بكل شيء كما أعم من االتصال أو التوسل به إىل غريه جبعله آلة وأداة لالستفادة من غريه ويستطيع االنتفاع من كل أمر

خلق لكم ما يف األرض قال وسلوكه يف مسالكه الفكرية نشاهده من عجيب احتياالته الصناعيةإىل غري ذلك ١٣ اجلاثية وسخر لكم ما يف السموات واألرض مجيعا منه وقال ٢٩ البقرة مجيعا

.من اآليات الناطقة بكون األشياء مسخرة لإلنسان

علومه العمليةأعين قوة الفكر واإلدراك ورابطة التسخري عناية ثالثة عجيبة وهي أن يهيىء لنفسه وأنتجت هاتان العنايتان

ري والفعل يف املوجودات اخلارجة علوما وإدراكات يعتربها اعتبارا للورود يف مرحلة التصرف يف األشياء وفعلية التأث .عنه لالنتفاع بذلك يف حفظ وجوده وبقائه

هذا املوجود األرضي الفعال بالفكر واإلرادة أنك إذا خليت ذهنك وأقبلت به على اإلنسان توضيح ذلكواعتربت نفسك كأنك أول ما تشاهده وتقبل عليه وجدت الفرد الواحد منه أنه يف أفعاله احليوية يوسط إدراكات

وهي علوم كانت العوامل وأفكار مجة غري حمصورة يكاد يدهش من كثرهتا واتساع أطرافها وتشتت جهاهتا العقلأو تصرف القوة الفكرية فيها تصرفا باطنة من اإلنسانيف حصوهلا واجتماعها وجتزيها وتركبها احلواس الظاهرة وال

Page 188: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٨٨

وهذا أمر واضح جيده كل إنسان من نفسه ومن غريه ال حيتاج يف ذلك إىل أزيد من ابتدائيا أو تصرفا بعد تصرف .تنبيه وإيقاظ

سان وبني أفعاله ثم إذا كررت النظر يف هذه العلوم واإلدراكات وجدت شطرا منها ال يصلح ألن يتوسط بني اإلن

وكمعاني قولنا اإلرادية كمفاهيم األرض والسماء واملاء واهلواء واإلنسان والفرس وحنو ذلك من التصوراتوهي علوم وإدراكات وغري ذلك من التصديقات واملاء جسم سيال والتفاح أحد الثمرات األربعة زوج

ونظريها علمنا حتققت عندنا من الفعل واالنفعال احلاصل بني املادة اخلارجية وبني حواسنا وأدواتنا اإلدراكيةفهذه العلوم والكليات اآلخر املعقولة احلاصل لنا من مشاهدة نفوسنا وحضورها لدينا ما حنكي عنه بلفظ أنا

.بل إمنا حتكي عن اخلارج حكاية لنا حتقق إرادة وال صدور فعلواإلدراكات ال يوجب حصوهلا

إن هناك حسنا وقبحا وما ينبغي أن يفعل وما جيب أن يرتك وهناك شطر آخر بالعكس من الشطر السابق كقولناوالعبدية واملولوية فهذه والظلم قبيح ومثل مفاهيم الرئاسة واملرءوسية والعدل حسن واخلري جيب رعايته

سلسلة من األفكار واإلدراكات ال هم لنا إال أن نشتغل هبا ونستعملها وال يتم فعل من األفعال اإلرادية إال بتوسيطها .والتوسل هبا القتناء الكمال وحيازة مزايا احلياة

Page 189: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٨٩

أفهامنا كما كان األمر كذلك يف القسم وهي مع ذلك ال حتكي عن أمور خارجية ثابتة يف اخلارج مستقلة عنا وعن

بل هي مما األول فهي علوم وإدراكات غري خارجة عن حموطة العمل وال حاصلة فينا عن تأثري العوامل اخلارجيةوجهازاتنا العاملة هيأناه حنن وأهلمناه من قبل إحساسات باطنية حصلت فينا من جهة اقتضاء قوانا الفعالة

ونفورها عما ال يالئمها يوجب حدوث صور من فقوانا الغاذية أو املولدة للمثل بنزوعها حنو العمل للفعل والعملثم هذه الصور اإلحساسية تبعثنا إىل اعتبار هذه والشوق وامليل والرغبة كاحلب والبغض اإلحساسات

ثم بتوسطها بيننا إىل غري ذلك وجيب وجيوز وينبغي وال ينبغي العلوم واإلدراكات من معنى احلسن والقبحوهي فقد تبني أن لنا علوما وإدراكات ال قيمة هلا إال العمل وبني املادة اخلارجية وفعلنا املتعلق هبا يتم لنا األمر

.املسماة بالعلوم العملية والستيفاء البحث عنها حمل آخر

أمرا كان ليقضي واألخذ بالتصرف يف الكون أهلمها اإلنسان ليجهزه للورود يف مرحلة العمل والذي خلق فسوى والذي وقال ٥٠ طه الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال مفعوال

وسوق له إىل الفعل وهذه هداية عامة لكل موجود خملوق إىل ما هو كمال وجوده ٣ األعلى قدر فهدى .سواء كان ذا شعور أو فاقدا للشعور والعمل حلفظ وجوده وبقائه

Page 190: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٩٠

فأفاد أن الفجور ٨ الشمس ونفس وما سواها فأهلمها فجورها وتقويه يف اإلنسان خاصة وقال

وهي العلوم ومها ما ينبغي أن يفعله أو يراعيه وما ال ينبغي والتقوى معلومان لإلنسان بإهلام فطري منه .ولعله إليه اإلشارة بإضافة الفجور والتقوى إىل النفس العملية اليت ال اعتبار هلا خارجة عن النفس اإلنسانية

٦٤ العنكبوتيعلمونوما هذه احلياة الدنيا إال هلو ولعب وإن الدار اآلخرة هلي احليوان لو كانوا وقال

من جاه ومال وتقدم وتأخر ورئاسة ومرءوسية وغري كذا احلياة الدنيا فإن اللعب ال حقيقة له إال اخليال فقطمبعنى أن الذي يف اخلارج إمنا هو حركات طبيعية ذلك إمنا هي أمور خيالية ال واقع هلا يف اخلارج عن ذهن الذاهن

.يتصرف هبا اإلنسان يف املادة من غري فرق يف ذلك بني أفراد اإلنسان وأحواله

ومن الثوب اململوك الثوب وأما رئاسته فإمنا هي يف الوهم فاملوجود حبسب الواقع من اإلنسان الرئيس إنسانيته .وعلى هذا القياس وأما إنه مملوك فأمر خيايل ال يتجاوز حد الذهن مثال

جريه على استخدام غريه انتفاعا

Page 191: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٩١

ومن مجلة هذه األفكار والتصديقات فهذه السلسلة من العلوم واإلدراكات هي اليت تربط اإلنسان بالعمل يف املادةوبعبارة أخرى إذعانه بأنه ينبغي أن تصديق اإلنسان بأنه جيب أن يستخدم كل ما ميكنه استخدامه يف طريق كماله

ويعمل آالت من املادة ويستبقي حياته بأي سبب أمكن وبذلك يأخذ يف التصرف يف املادة ينتفع لنفسه واستخدام اإلناء حلبس املائعات واستخدام اإلبرة للخياطة ة كاستخدام السكني للقطعيتصرف هبا يف املاد

وأنواع وال حيد من حيث الرتكيب والتفصيل إىل غري ذلك مما ال حيصى كثرة واستخدام السلم للصعود .الصناعات والفنون املتخذة لبلوغ املقاصد واألغراض املنظور فيها

فيستخدم أنواع النبات بالتصرف فيها يف طريق يأخذ اإلنسان أيضا يف التصرف يف النبات بأنواع التصرفوبذلك

فينتفع من حلمها وبذلك يستخدم أيضا أنواع احليوان يف سبيل منافع حياته الغذاء واللباس والسكنى وغري ذلكوال يقتصر على سائر احليوان دون ها ومجيع أفعاهلاودمها وجلدها وشعرها ووبرها وقرهنا وروثها ولبنها ونتاج

ويتصرف يف وجودها وأفعاهلا مبا فيستخدمها كل استخدام ممكن أن يستخدم سائر أفراد نوعه من اآلدميني .كل ذلك مما ال ريب فيه يتيسر له من التصرف

كونه مدنيا بالطبع

Page 192: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٩٢

صاحلهم ورضي منهم أن يريدون منه ما يريده منهم وهم أمثاله نوعه غري أن اإلنسان ملا وجد سائر األفراد منويلزمه احلكم بلزوم واالجتماع التعاوني وهذا حكمه بوجوب اختاذ املدنية ينتفعوا منه وزان ما ينتفع منهم

.وهو العدل االجتماعي ويتعادل النسب والروابط استقرار االجتماع بنحو ينال كل ذي حق حقه

ولو ال والعدل االجتماعي إمنا هو حكم دعا إليه االضطرار فهذا احلكم أعين حكمه باالجتماع املدنيوإنه حيكم بالعدل إن اإلنسان مدني بالطبع وهذا معنى ما يقال االضطرار املذكور مل يقض به اإلنسان أبدا

ولذلك كلما قوي إنسان فإن ذلك أمر ولده حكم االستخدام املذكور اضطرارا على ما مر بيانه االجتماعيعلى آخر ضعف حكم االجتماع التعاوني وحكم العدل االجتماعي أثرا فال يراعيه القوي يف حق الضعيف وحنن

إىل هذا اليوم الذي يدعى أنه عصر وعلى ذلك جرى التاريخ أيضا نشاهد ما يقاسيه ضعفاء امللل من األمم القوية .احلضارة واحلرية

إن اإلنسان قولهو ٧٢ األحزاب إنه كان ظلوما جهوالقولهك وهو الذي يستفاد من كالمه

إن اإلنسان قولهو ٣٤ إبراهيم إن اإلنسان لظلوم كفارقولهو ١٩ املعارج خلق هلوعا .٧ العلق ليطغى أن رآه استغنى

Page 193: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٩٣

ولو كان العدل االجتماعي مما يقتضيه طباع اإلنسان اقتضاء أوليا لكان الغالب على االجتماعات يف شئوهنا هو

وإعمال القدرة والغلبة مع أن املشهود دائما خالف ذلك ومراعاة التساوي وحسن تشريك املساعي العدل .واستدالل الغالب للمغلوب واستعباده يف طريق مقاصده ومطامعه وحتميل القوي العزيز مطالبه الضعيف

حدوث االختالف بني أفراد اإلنسان

ومن هنا يعلم أن قرحية االستخدام يف اإلنسان بانضمامها إىل االختالف الضروري بني األفراد من حيث اخللقة وإنتاج ذلك لالختالف الضروري من حيث القوة والضعف ومنطقة احلياة والعادات واألخالق املستندة إىل ذلك

فيستفيد القوي من يؤدي إىل االختالف واالحنراف عن ما يقتضيه االجتماع الصاحل من العدل االجتماعيوينتفع الغالب من املغلوب من غري أن ينفعه ويقابله الضعيف املغلوب ما دام ضعيفا مغلوبا الضعيف أكثر مما يفيده

فكان بروز االختالف مؤديا إىل اهلرج فإذا قوي وغلب قابل ظامله بأشد االنتقام حليلة واملكيدة واخلدعةبا .وبطالن السعادة وفناء الفطرة وداعيا إىل هالك اإلنسانية واملرج

Page 194: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٩٤

وال يزالون خمتلفني قولهو ١٩ يونس وما كان الناس إال أمة واحدة فاختلفواقوله وإىل ذلك يشري ليحكم بني الناس فيما يف اآلية املبحوث عنها وقوله ١١٩ هود إال من رحم ربك ولذلك خلقهم

.اآلية اختلفوا فيه

وإن وهذا االختالف كما عرفت ضروري الوقوع بني أفراد اتمعني من اإلنسان الختالف اخللقة باختالف املوادوالوحدة يف الصورة تقتضي الوحدة من حيث األفكار كان اجلميع إنسانا حبسب الصورة اإلنسانية الواحدة

واختالف املواد يؤدي إىل اختالف اإلحساسات واإلدراكات واألحوال يف عني أهنا متحدة بنحو واألفعال بوجهوهو املؤدي إىل واختالفها يؤدي إىل اختالف األفعال واختالفها يؤدي إىل اختالف األغراض واملقاصد واآلمال

.اختالل نظام االجتماع

وهو جعل قوانني كلية يوجب العمل هبا ارتفاع االختالف وظهور هذا االختالف هو الذي استدعى التشريع .وحتميلها الناس ونيل كل ذي حق حقه

Page 195: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٩٥

إجلاء االجتماع على طاعة ملصلحة الجتماع اإلنسان أحد طريقني األولوالطريق املتخذ اليوم لتحميل القوانني امبعنى أن ينال كل من األفراد ما يليق به من القوانني املوضوعة لتشريك الناس يف حق احلياة وتسويتهم يف احلقوق

وذلك جبعل التوحيد ملغى غري منظور من التوحيد واألخالق الفاضلة مع إلغاء املعارف الدينية كمال احلياة فما وافق حال االجتماع من األخالق فهو اخللق الفاضل وجعل األخالق تابعة لالجتماع وحتوله إليه وال مرعي

.وهكذا ويوما اخليانة ويوما األمانة ويوما الكذب ويوما الصدق ويوما اخلالعة فيوما العفة

إجلاء االجتماع على طاعة القوانني برتبية ما يناسبها من األخالق واحرتامها مع إلغاء املعارف الدينية يف والثاني .الرتبية االجتماعية

أحدمها بالقوة اربة وهذان طريقان مسلوكان يف رفع االختالفات االجتماعية وتوحيد األمة اتمعة من اإلنسان

لكنهما على ما يتلومها من املفاسد مبنيان وثانيهما بالقوة والرتبية اخللقية والقدرة املتسلطة من اإلنسان فقطمتعلق الوجود للهفإن هذا اإلنسان موجود خملوق فيه بوار هذا النوع وهالك احلقيقة اإلنسانية على أساس اجلهل

غري حياة طويلة الذيل فله حياة باقية بعد االرحتال من هذه النشأة الدنيوية بدأ من عنده وسيعود إليه بصانعهواكتسابه األحوال وامللكات وكيفية سلوك اإلنسان فيها وهي مرتبة على هذه احلياة الدنيوية منقطع األمد

Page 196: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٩٦

وإذا بنى اإلنسان حياته يف هذه الدنيا على بادئا منه عائدا إليه للهاملناسبة للتوحيد الذي هو كونه عبدا .وأباد حقيقته وسرت حقيقة األمر فقد أهلك نفسه نسيان توحيده

فمثل الناس يف سلوك هذين الطريقني كمثل قافلة أخذت يف سلوك الطريق إىل بلد ناء معها ما يكفيها من الزاد ولوازم

وضرب و من قتل ثم نزلت يف أحد املنازل يف أثناء الطريق فلم يلبث هنيئة حتى أخذت يف االختالف السريثم اجتمعوا يتشاورون بينهم على اختاذ طريقة حيفظوهنا وأخذ مال وغصب مكان وغري ذلك هتك عرض

.لصون أنفسهم وأمواهلم

والتمتع على حسب ما لكل من الوزن عليكم باالشرتاك يف االنتفاع من هذه األعراض واألمتعة فقال قائل منهم .فليس إال هذا املنزل واملتخلف عن ذلك يؤخذ بالقوة والسياسة االجتماعي

ينبغي أن تضعوا القانون املصلح هلذا االختالف على أساس الشخصيات املوجودة الذي جئتم هبا وقال قائل منهم

والعطوفة ويأخذ بالرمحة لرفقائه فيتأدب كل مبا له من الشخصية اخللقية من بلدكم الذي خرجتم منه .فليست إال لكم وملنزلكم هذا جودةثم تشرتكوا مع ذلك يف االنتفاع عن هذه األمتعة املو والشهامة والفضيلة

Page 197: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٩٧

ومن الواجب على املسافر أن يراعي يف وسهيا عن أن القافلة مجيعا على جناح سفر وقد أخطأ القائالن مجيعا

مجيع أحواله حال وطنه وحال غاية سفره اليت يريدها فلو نسي شيئا من ذلك مل يكن يستقبله إال الضالل والغي .واهلالك

وخذوا من ذلك متتعوا من هذه األمتعة على حسب ما يكفيكم هلذه الليلة والقائل املصيب بينهم هو من يقول

.وما تريدونه ملقصدكم وما أريد منكم يف وطنكم زادا ملا هو أمامكم من الطريق

رفع االختالف بالدينواالعتقاد واألخالق ما شرعه من الشرائع والقوانني واضعا ذلك على أساس التوحيد ولذلك شرع

وبعبارة أخرى وضع التشريع مبين على أساس تعليم الناس وتعريفهم ما هو حقيقة أمرهم من مبدئهم إىل واألفعال ويعملوا يف العاجل ما يعيشون به يف اآلجل وأهنم جيب أن يسلكوا يف هذه الدنيا حياة تنفعهم يف غد معادهم

أمر أال تعبدوا للهإن احلكم إال قال فالتشريع الديين والتقنني اإلهلي هو الذي بين على العلم فقط دون غريه يف هذه اآلية املبحوث عنها وقال ٤٠ يوسف إال إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ال يعلمون

Page 198: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٩٨

فبعث النبيني مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليحكم بني الناس فيما اختلفوا فيه اآلية فقارن .بعثة األنبياء بالتبشري واإلنذار بإنزال الكتاب املشتمل على األحكام والشرائع الرافعة الختالفهم

وما يهلكنا إال الدهر وما هلم بذلك من علم إن وقالوا ما هي إال حياتنا الدنيا منوت وحنياقولهومن هذا الباب

بل ألن القول ال لدفع القول باملعاد فحسب فإهنم إمنا كانوا يصرون على قوهلم ذلك ٢٤ اجلاثية هم إال يظنونوطاعة قوانني دينية مشتملة على باملعاد والدعوة إليه كان يستتبع تطبيق احلياة الدنيوية على احلياة بنحو العبودية

.من العبادات واملعامالت والسياسات مواد وأحكام تشريعية

ومراقبة البعث واملعاد يف مجيع األحوال واتباع أحكامه يف احلياة وباجلملة القول باملعاد كان يستلزم التدين بالدين .فردوا ذلك ببناء احلياة االجتماعية على جمرد احلياة الدنيا من غري نظر إىل ما ورائها واألعمال

إن الظن ال يغين من احلق شيئا فأعرض عمن توىل عن ذكرنا ومل يرد إال احلياة الدنيا ذلك مبلغهم من قولهوكذا

ويبين دينه يدعو إىل دار السالم و أهنم يبنون احلياة على الظن واجلهل فبني ٣٠ النجم العلموللرسول إذا للهيا أيها الذين آمنوا استجيبوا قال والرسول يدعو الناس إىل ما حيييهم على احلق والعلم

Page 199: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

١٩٩

أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له قولهيشري إليها وهذه احلياة هي اليت ٢٤ األنفال دعاكم ملا حيييكمأفمن يعلم أمنا أنزل وقال ١٢٢ األنعام نورا ميشي به يف الناس كمن مثله يف الظلمات ليس خبارج منها

قل هذه سبيلي أدعوا إىل وقال ١٩ الرعد إليك من ربك احلق كمن هو أعمى إمنا يتذكر أولوا األلباب على بصرية أنا ومن اتبعين وسبحان وما أنا من املشركني يوسف ١٠٨ وقال هل يستوي

يعلمهم الكتاب واحلكمة وقال ٩ الزمر الذين يعلمون والذين ال يعلمون إمنا يتذكر أولوا األلبابوناهيك فيه أنه والقرآن مشحون مبدح العلم والدعوة إليه واحلث به إىل غري ذلك ١٢٩ البقرة ويزكيهم

.يسمي العهد السابق على ظهور اإلسالم عهد اجلاهلية كما قيل

وهؤالء القائلون إن الدين مبين على التقليد واجلهل مضاد للعلم ومباهت له فما أبعد من اإلنصاف قول من يقولفظنوا عدم اإلثبات وراء الطبيعةأناس اشتغلوا بالعلوم الطبيعية واالجتماعية فلم جيدوا فيها ما يثبت شيئا مما

ثم نظروا إىل ما يف أيدي أمثاهلم من الناس املتهوسني من وخبطوا يف حكمهم وقد أخطئوا يف ظنهم إثباتا للعدمثم نظروا إىل الدعوة بريء من املشركني ورسوله و وال حقيقة هلا غري الشرك أمور يسمونه باسم الدين

والدين أجل شأنا من أن يدعو إىل اجلهل يف حسباهنم الدينية بالتعبد والطاعة فحسبوها تقليدا وقد أخطئوا

Page 200: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٠٠

ومن أظلم ممن أو يرشد إىل قول بغري هدى وال كتاب منري وأمنع جانبا من أن يهدي إىل عمل ال علم معه والتقليد .كذبا أو كذب باحلق ملا جاءه افرتى على

أن االختالف يف نفس الدين

فلو كانت هناك قوانني غري خيربنا أن االختالف يف املعاش وأمور احلياة إمنا رفع أول ما رفع بالدين وباجلملة فهو .دينية فهي مأخوذة بالتقليد من الدين

من العلماء خيربنا االختالف نشأ بني النوع يف نفس الدين وإمنا أوجده محلة الدين ممن أوتي الكتاب املبني ثم إنه

شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما قال بغيا بينهم وظلما وعتوا بكتاب وما تفرقوا إال من بعد ما جاءهم - إىل أن قال - فيهوصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين وال تتفرقوا

وما كان وقال ١٤ الشورىالعلم بغيا بينهم ولو ال كلمة سبقت من ربك إىل أجل مسمى لقضي بينهموالكلمة ١٩ يونس الناس إال أمة واحدة فاختلفوا ولو ال كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه خيتلفون

فاالختالف يف الدين ٢٤ األعراف ولكم يف األرض مستقر ومتاع إىل حنيقولهاملشار إليها يف اآليتني هو فإن الدين فطري وما كان كذلك ال تضل فيه اخللقة وال يتبدل فيه حكمها كما قال مستند إىل البغي دون الفطرة

Page 201: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٠١

فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة اليت فطر الناس عليها ال تبديل خللق ذلك الدين القيم الروم ٣٠ .فهذه مجل ما بين عليه الكالم يف هذه اآلية الشريفة

اإلنسان بعد الدنيا

ثم دارا ثم إنه خيربنا أن اإلنسان سريحتل من الدنيا اليت فيه حياته االجتماعية وينزل دارا أخرى مساها الربزخأهنا ال ترتبط ومعنى كون احلياة انفرادية أخرى مساها اآلخرة غري أن حياته بعد هذه الدنيا حياة انفرادية

بل السلطنة هناك يف مجيع أحكام احلياة لوجود نفسه ال يؤثر فيه وجود والتشارك والتناصر باالجتماع التعاونياملادة مل يكن بد عن حكومة التعاون ولو كان هناك هذا النظام الطبيعي املشهود يف غريه بالتعاون والتناصر أصال

فال يرى لزوم وبطل عنه مجيع علومه العملية وأقبل إىل ربه لكن اإلنسان خلفه وراء ظهره والتشاركوليس له إال صحابة يف الدنيا االستخدام والتصرف واملدنية واالجتماع التعاوني وال سائر أحكامه اليت حيكم هبا

قال وال يظهر له إال حقيقة األمر ويبدو له النبأ العظيم الذي هم فيه خمتلفون عمله ونتيجة حسناته وسيئاته ونرثه ما يقول ويأتينا فردا مريم ٨٠ وقال ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم

ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أهنم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما ما خولناكم وراء موليهم احلق وضل هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إىل وقال ٩٤ األنعام كنتم تزعمون

Page 202: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٠٢

٢٦ الصافات مستسلمونما لكم ال تناصرون بل هم اليوم وقال ٣٠ يونس عنهم ما كانوا يفرتونوأن وقال ٤٨ إبراهيم الواحد القهار للهيوم تبدل األرض غري األرض والسموات وبرزوا وقال

إىل غري ذلك من اآليات ٤١ النجم ليس لإلنسان إال ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم جيزاه اجلزاء األوفىفهذه اآليات كما ترى تدل على أن اإلنسان يبدل بعد املوت حنو حياته فال حييا حياة اجتماعية مبنية على التعاون

وال جيين إال مثرة عمله ونتيجة سعيه ظهر له وال يستعمل ما أبدعه يف هذه احلياة من العلوم العملية والتناصر .ظهورا فيجزي به جزاء

واألمة هي اجلماعة من الناس معروف وهو األفراد اتمعون من اإلنسان أمة واحدةكان الناس قوله

ورمبا يطلق على ١٢٠ النحل للهإن إبراهيم كان أمة قانتا قولهورمبا يطلق على الواحد كما يف الناسولئن أخرنا عنهم العذاب أي بعد سنني وقوله ٤٥ يوسف وادكر بعد أمةقولهمعتد به ك زمان

إن هذه أمتكم أمة واحدة قولهامللة والدين كما قال بعضهم يف ورمبا يطلق على ٨ هود إىل أمة معدودة ٩٢ األنبياء إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدونقولهويف ٥٢ املؤمنون وأنا ربكم فاتقون

وأصل الكلمة من أم يأم إذا قصد فأطلق لذلك على اجلماعة لكن ال على كل مجاعة بل على مجاعة كانت ذات

Page 203: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٠٣

وهو املصحح إلطالقها على الواحد وعلى سائر معانيها إذا واحدة هي رابطة الوحدة بينها مقصد واحد وبغية .أطلقت

وعلى عليهم يف حياهتم زمان كانوا على االحتاد واالتفاقوكيف كان فظاهر اآلية يدل على أن هذا النوع قد مر

وال اختالف يف املذاهب واآلراء ال اختالف بينهم باملشاجرة واملدافعة يف أمور احلياة السذاجة والبساطةالنبيني مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليحكم بينهم فيما فبعث قولهوالدليل على نفي االختالف

فقد رتب بعثة األنبياء وحكم الكتاب يف مورد االختالف على كوهنم أمة واحدة فاالختالف يف أمور اختلفوا فيهأوتوه وما اختلف فيه إال الذينقولهوالدليل على نفي االختالف الثاني احلياة ناش بعد االحتاد والوحدة

.فاالختالف يف الدين إمنا نشأ من قبل محلة الكتاب بعد إنزاله بالبغي بغيا بينهم

ويتقدم يف طريق فإنا نشاهد النوع اإلنساني ال يزال يرقى يف العلم والفكر وهذا هو الذي يساعد عليه االعتبارويقوم على رفع وبذلك يستحكم أركان اجتماعه يوما بعد يوم وجيال بعد جيل عاما بعد عام املعرفة والثقافةوكلما رجعنا يف ذلك القهقرى واالستفادة من مزايا احلياة واملقاومة قبال مزامحات الطبيعة دقائق االحتياج

ويل الذي ال يوجد عنده وينتهي بنا هذا السلوك إىل اإلنسان األ وأسرار الطبيعة وجدناه أقل عرفانا برموز احلياة

Page 204: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٠٤

كأهنم ليس عندهم إال البديهيات ويسري من النظريات إال النزر القليل من املعرفة بشئون احلياة وحدود العيشكالتغذي بالنبات أو شيء من الصيد واإليواء إىل الكهوف الفكرية اليت هتيىء هلم وسائل البقاء بأبسط ما يكون

ومن املعلوم أن قوما حاهلم هذا احلال فهذا حال اإلنسان يف أقدم عهوده وحنو ذلك والدفاع باحلجارة واألخشابكالقطيع من الغنم ال هم ألفراده إال وال يبدو فيهم الفساد بدوا مؤثرا ال يظهر فيهم االختالف ظهورا يعتد به

.واملشرب والتجمع يف املسكن واملعلف االهتداء لبعض ما اهتدى إليه بعض آخر

غري أن اإلنسان لوجود قرحية االستخدام فيه كما أشرنا إليه فيما مر ال حيبسه هذا االجتماع القهري من حيث وهو كل يوم يزداد علما وقوة على طرق التعاون على رفع البعض حوائج البعض عن االختالف والتغالب والتغلب

وفيهم األقوياء وأولوا السطوة وأرباب القدرة ويتيقظ لطرق دقيقة يف االنتفاع ويتنبه مبزايا جديدة االستفادةاالختالف الفطري الذي دعت إليه قرحية وهو منشأ ظهور االختالف وفيهم الضعفاء ومن يف رتبتهم

.كما دعت هذه القرحية بعينها إىل االجتماع واملدنية االستخدام

وذلك ويصلح شأهنما ويعدل أمرمها إذا كان فوقهما ثالث حيكم بينهما كمني فطرينيوال ضري يف تزاحم حكما أن جاذبة التغذي تقضي بأكل ما ال تطيق هضمه ويؤدي ذلك إىل التزاحم كاإلنسان تتسابق قواه يف أفعاهلا

Page 205: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٠٥

ويقدر فعل كل واحدة من هذه ويقضي لكل مبا يناسبه وهناك عقل يعدل بينهما اهلاضمة وال تسعه املعدة .القوى الفعالة مبا ال يزاحم األخرى يف فعلها

فسلوك فطرة اإلنسان إىل املدنية ثم سلوكها إىل االختالف والتنايف بني حكمني فطريني فما حنن فيه من هذا القبيل

وإنزال الكتاب يرفع التنايف برفع االختالف املوجود ببعث األنبياء بالتبشري واإلنذار ولكن يؤديان إىل التنايف .احلاكم بني الناس فيما اختلفوا فيه

ألن االختالف إمنا أن املراد باآلية أن الناس كانوا أمة واحدة على اهلداية وهبذا البيان يظهر فساد ما ذكره بعضهم

وقد غفل هذا القائل عن أن اآلية تثبت اختالفني اثنني والبغي من محلة الكتاب ظهر بعد نزول الكتاب بغيا بينهمفما هو وعن أن الناس لو كانوا على اهلداية فإهنا واحدة من غري اختالف وقد مر بيانه ال اختالفا واحدا

وإثارة وإشاعة الفساد ز لبعث األنبياء وإنزال الكتاب ومحلهم على البغي باالختالفاملوجب بل ما هو او .غرائز الكفر والفجور ومهلكات األخالق مع استبطاهنا

Page 206: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٠٦

إذ لوالها مل يكن وجه فساد ما ذكره آخرون أن املراد هبا أن الناس كانوا أمة واحدة على الضاللة ويظهر به أيضايذكر أن هذا الضالل الذي وقد غفل هذا القائل عن أن إخل النبيني فبعث قولهلرتتب

إمنا نشأ عن سوء الذين آمنوا ملا اختلفوا فيه من احلق بإذنه فهدى ذكره وهو الذي أشار إليه بقوله فلو كانوا على الضاللة قبل البعث واإلنزال وبيان آياته للناس سريرة محلة الكتاب وعلماء الدين بعد نزول الكتاب

.وهي ضاللة الكفر والنفاق والفجور واملعاصي فما املصحح لنسبة ذلك إىل محلة الكتاب وعلماء الدين

يذكر أهنم اختلفوا يف الكتاب بغيا بينهم ويظهر به أيضا ما يف قول آخرين إن املراد بالناس بنو إسرائيل حيث إن وذلك أنه تفسري من غري دليل ١٦ اجلاثية فما اختلفوا إال من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم قال

.وجمرد اتصاف قوم بصفة ال يوجب احنصارها فيهم

كان أمة واحدة على واملعنى أن آدم إن املراد بالناس يف اآلية هو آدم وأفسد من ذلك قول من قال .واآلية جبملها ال تطابق هذا القول ال كله وال بعضه إخل النبيني فبعث اهلداية ثم اختلف ذريته

Page 207: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٠٧

وكان قولهإن كان يف اآلية منسلخ عن الداللة على الزمان كما يف ويظهر به أيضا فساد قول بعضهمأن الناس أمة واحدة من حيث كوهنم مدنيني طبعا فإن واملعنى فهو دال على الثبوت ٧ الفتح عزيزا حكيما

واتساع دائرة لوازم حياته لكثرة حوائجه الوجودية اإلنسان مدني بالطبع ال يتم حياة الفرد الواحد منه وحدهفيأخذ كل من نتائج عمله ما ة يف املساعيحبيث ال يتم له الكمال إال باالجتماع والتعاون بني األفراد واملبادل

فهذا حال ويأخذ بدله بقية ما حيتاج إليه ويستحقه يف وجوده يستحقه من هذه النتيجة ويعطي الباقي غريهيدل عليه ما وصل إلينا من تاريخ هذا النوع اإلنسان ال يستغين عن االجتماع والتعاون وقتا من األوقات

دني وكونه اجتماعيا مدنيا مل يزل على ذلك فهو مقتضى فطرته وخلقته غري أن ذلك يؤدي إىل االجتماعي املوبلغها إليهم بعنايته البالغة شرائع ترفع هذا االختالف فشرع واختالل نظام االجتماع االختالف

.وإنزال الكتاب احلاكم معهم للحكم يف موارد االختالف ببعث النبيني مبشرين ومنذرين

فمحصل املعنى أن الناس أمة واحدة مدنية بالطبع ال غنى هلم عن االجتماع وهو يوجب االختالف فلذلك بعث األنبياء وأنزل الكتاب.

Page 208: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٠٨

وقد واالجتماع واالشرتاك يف احلياة الزما ذاتيا هلذا النوع أنه أخذ املدنية طبعا أوليا لإلنسان أوالويرد عليه .وأن القرآن أيضا يدل على خالفه بل أمر تصاحلي اضطراري عرفت فيما مر أن األمر ليس كذلك

أن تفريع بعث األنبياء وإنزال الكتب على جمرد كون اإلنسان مدنيا بالطبع غري مستقيم إال بعد تقييد هذه وثانيا

فيحتاج الكالم إىل التقدير وهو خالف الظاهر وظهور الفساد املدنية بالطبع بكوهنا مؤدية إىل االختالف .والقائل مع ذلك ال يرضى بتقدير االختالف يف الكالم

واآلية كالنص يف كون أنه مبين على أخذ االختالف الذي تذكره اآلية وتتعرض به اختالفا واحدا وثالثا

فهو اختالف وأنزل معهم الكتاب ليحكم بني الناس فيما اختلفوا فيه حيث تقول االختالف اختالفني اثننيثم تقول وما اختلف فيه أي يف الكتاب إال الذين أوتوه سابق على الكتاب واملختلفون هبذا االختالف هم الناس

واملختلفون هبذا وهذا االختالف الحق بالكتاب متأخر عن نزوله أي علموا الكتاب ومحلوه بغيا بينهمأحدمها اختالف عن بغي فأحد االختالفني غري اآلخر االختالف علماء الكتاب ومحلته دون مجيع الناس

.واآلخر خبالفه وعلم

Page 209: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٠٩

بالبعث دون اإلرسال وما يف معناه ألن هذه عرب إخل النبيني مبشرين ومنذرين فبعث قولهوهو يناسب البعث الذي هو اإلقامة عن نوم أو الوحدة املخرب عنها من حال اإلنسان األويل حال مخود وسكوت

وهذه النكتة لعلها هي املوجبة للتعبري عن هؤالء املبعوثني بالنبيني دون أن يعرب باملرسلني أو الرسل قطون وحنو ذلك على أن البعث وإنزال الكتاب كما تقدم بيانه حقيقتهما بيان احلق للناس وتنبيههم حبقيقة أمر وجودهم وحياهتم

مبعوثون ليوم عظيم وأهنم سالكون كادحون إىل هوالذي ال إله إال وهو وإنبائهم أهنم خملوقون لرهبم فيجب أن يراعوا ذلك يف هذه احلياة وأفعاهلا ال حقيقة له إال اللعب والغرور واقفون يف منزل من منازل السري

من استقر وهذا املعنى أنسب بلفظ النيب الذي معناه وإىل أين ويف أين وأن جيعلوا نصب أعينهم أهنم من أينداللة على عصمة األنبياء يف ويف إسناد بعث النبيني إىل ولذلك عرب بالنبيني عنده النبأ دون الرسول

وأما التبشري واإلنذار أي تلقيهم الوحي وتبليغهم الرسالة إىل الناس وسيجيء زيادة توضيح هلذا يف آخر البيانمن سخطه والنار ملن كذب والوعيد بعذاب من رضوانه واجلنة ملن آمن واتقى الوعد برمحة

وإن كان بعض الصاحلني من عباده وأوليائه ال تتعلق وعصى فهما أمس مراتب الدعوة حبال اإلنسان املتوسط احلال .نفوسهم بغري رهبم من ثواب أو عقاب

Page 210: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢١٠

والكتاب الكتاب فعال مبعنى املكتوب وأنزل معهم الكتاب ليحكم بني الناس فيما اختلفوا فيهقولهحبسب املتعارف من إطالقه وإن استلزم كتابه بالقلم لكن لكون العهود والفرامني املفرتضة إمنا يربم بالكتابة غالبا

وقد كثر شاع إطالقه على كل حكم مفروض واجب االتباع أو كل بيان بل كل معنى ال يقبل النقض يف إبرامهكتاب أنزلناه إليك قال وهبذا املعنى مسي القرآن كتابا وهو كالم إهلي استعماله هبذا املعنى يف القرآن

فيما ويف قوله ١٠٣ النساء إن الصلوة كانت على املؤمنني كتابا موقوتا وقال ٢٩ ص مبارك .مر كما إخل كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث داللة على أن املعنى اختلفوا فيه

شرع لكم من الدين ما قولهل والالم يف الكتاب إما للجنس وإما للعهد الذهين واملراد به كتاب نوح

فإن اآلية يف مقام ١٣ الشورى وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسىاالمتنان وتبني أن الشريعة النازلة على هذه األمة جامعة ملتفرقات مجيع الشرائع السابقة النازلة على األنبياء

نوح وإبراهيم وموسى وعيسى فالشريعة خمتصة هبؤالء األنبياء العظام السالفني مع ما خيتص بوحيه النيب .وحممد

Page 211: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢١١

فيه اآلية يدل على أن الشرع إمنا كان معهم الكتاب ليحكم بني الناس فيما اختلفواوأنزل قولهوملا كان وأنزل معهم قولهوأنه املراد ب كتابا متضمنا لشريعة على أن لنوح أوالبالكتاب دلت اآليتان باالنضمام

.على كون الالم للعهد أو اجلنسإما وحده أو مع غريه من الكتب بناء الكتاب ليحكم بني الناس فيما اختلفوا فيه

إذ لو كان قبله كتاب لكان قبله شريعة حاكمة ولذكرها أن كتاب نوح أول كتاب مساوي متضمن للشريعة وثانيا شرع لكم اآلية قولهيف.

وقد حكم اآلية كان قبل بعثة نوح كان الناس أمة واحدةقولهإليه أن هذا العهد الذي يشري وثالثا

.فيه كتابه

قد مر أن املراد به االختالف الواقع يف نفس الدين من محلته وما اختلف فيه إال الذين أوتوه بغيا بينهمقولهاليت فطر الناس فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة قولهوحيث كان الدين من الفطرة كما يدل عليه

.االختالف الواقع فيه إىل البغي نسب ٣٠ الروم عليها

Page 212: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢١٢

داللة على أن املراد باجلملة هو اإلشارة إىل األصل يف ظهور االختالف الديين يف إال الذين أوتوهقولهويف الكتاب ال أن كل من احنرف عن الصراط املستقيم أو تدين بغري الدين يكون باغيا وإن كان ضاال عن الصراط السوي

فإن ال يعذر الباغي وقد عذر من اشتبه عليه األمر ومل جيد حيلة ومل يهتد سبيال قال إمناوقال ٤٢ الشورى السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون يف األرض بغري احلق أولئك هلم عذاب أليم

وآخرون اعرتفوا بذنوهبم خلطوا عمال صاحلا وآخر سيئا عسى أن يتوب عليهم إن غفور رحيموقال ١٠٦ التوبة عليم حكيم إما يعذهبم وإما يتوب عليهم و وآخرون مرجون ألمر - إىل أن قال - إال املستضعفني من الرجال والنساء والولدان ال يستطيعون حيلة وال يهتدون سبيال فأولئك عسى أن

.٩٩ النساءعفوا غفورا يعفو عنهم وكان

ولذلك خص البغي بالعلماء ومن استبانت له ولكن تنايف التعمد والبغي على أن الفطرة ال تنايف الغفلة والشبهة ٣٩ البقرةوالذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون قال اآليات اإلهلية

وباجلملة فاملراد ثم أوقع عليه الوعيد وقد قيد الكفر يف مجيعها بتكذيب آيات واآليات يف هذا املعنى كثرية .باآلية أن هذا االختالف ينتهي إىل بغي محلة الكتاب من بعد علم

Page 213: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢١٣

بيان ملا اختلف فيه وهو احلق الذي كان الكتاب نزل الذين آمنوا ملا اختلفوا فيه من احلق فهدى قولهوعند ذلك عنت اهلداية اإلهلية بشأن وأنزل معهم الكتاب باحلققولهكما دل عليه مبصاحبته

واالختالف يف احلق واملعارف اإلهلية الذي كان عامله األصلي بغي االختالف يف شأن احلياة االختالفني معاهلؤالء املؤمنني مل تكن إلزاما داللة على أن هداية بإذنهقولهويف تقييد اهلداية ب محلة الكتاب

وال يوجب عليه موجب ال حيكم عليه حاكم فإن أن يهديهم إلمياهنم وإجيابا على منهميهدي و وعلى هذا فقوله ولو شاء مل يأذن ومل يهد بل كانت اهلداية بإذنه إال ما أوجبه على نفسه

بإذنه ألن له أن يهديهم وليس واملعنى إمنا هداهم من يشاء إىل صراط مستقيم مبنزلة التعليل لقوله بإذنهوقد شاء أن يهدي الذين آمنوا إىل صراط بل يهدي من يشاء مضطرا موجبا على اهلداية يف مورد أحد

.مستقيم

وهو أنه حنو سلوك يف احلياة الدنيا يتضمن صالح الدنيا مبا يوافق الكمال حد الدين ومعرفه أوالوقد تبني من اآلية فال بد يف الشريعة من قوانني تتعرض حلال املعاش على قدر واحلياة الدائمة احلقيقية عند األخروي .االحتياج

Page 214: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢١٤

أن الدين أول ما ظهر ظهر رافعا لالختالف الناشىء عن الفطرة ثم استكمل رافعا لالختالف الفطري وغري وثانيا .الفطري معا

فإذا استوعبها ختم ختما فال أن الدين ال يزال يستكمل حتى يستوعب قوانينه جهات االحتياج يف احلياة وثالثا

ما كان قال وبالعكس إذا كان دين من األديان خامتا كان مستوعبا لرفع مجيع جهات االحتياج دين بعدهونزلنا عليك الكتاب وقال ٤٠ األحزاب وخامت النبيني حممد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول

حم بني يديه وال من خلفه وإنه لكتاب عزيز ال يأتيه الباطل من وقال ٨٩ النحل تبيانا لكل شيء٤٢.

.أن كل شريعة الحقة أكمل من سابقتها ورابعا

وهو أن اإلنسان حبسب وبعبارة أخرى العلة يف الدعوة الدينية السبب يف بعث األنبياء وإنزال الكتب وخامسا

وإذا كانت الفطرة هي اهلادية إىل طبعه وفطرته سائر حنو االختالف كما أنه سالك حنو االجتماع املدنيهذا االختالف فرفع وكيف يدفع شيء ما جيذبه إليه نفسه االختالف مل تتمكن من رفع االختالف

Page 215: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢١٥

وهذا الكمال كمال حقيقي داخل يف الصنع بالنبوة والتشريع هبداية النوع إىل كماله الالئق حباهلم املصلح لشأهنمفبني أن من ٥٠ طه الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى وقد قال ته كذلكواإلجياد فما هو مقدم

ومن متام خلقه اإلنسان أن يهتدي إىل كمال وجوده يف الدنيا أن يهدي كل شيء إىل ما يتم به خلقه شأنه وأمره اإلسراء ربك حمظوراكال مند هؤالء وهؤالء من عطاء ربك وما كان عطاء أيضا وقد قال واآلخرة

٢٠ وهذه اآلية تفيد أن شأنه هو اإلمداد بالعطاء ميد كل من حيتاج إىل إمداده يف طريق حياته ووجوده من قبل إال أن ميتنع ممتنع بسوء حظ نفسه وأن عطاءه غري حمظور وال ممنوع من قبله ويعطيه ما يستحقه

.نفسه ال من قبله

املعلوم أن اإلنسان غري متمكن من تتميم هذه النقيصة من قبل نفسه فإن فطرته هي املؤدية إىل هذه النقيصة ومن .فكيف يقدر على تتميمها وتسوية طريق السعادة والكمال يف حياته االجتماعية

كماله احلري به وهي وإذا كانت الطبيعة اإلنسانية هي املؤدية إىل هذا االختالف العائق لإلنسان عن الوصول إىل

فاإلصالح لو كان جيب أن يكون من جهة غري جهة الطبيعة قاصرة عن تدارك ما أدت إليه وإصالح ما أفسدته

Page 216: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢١٦

عن قيام األنبياء هبذا اإلصالح ورفع االختالف بالبعث ولذا عرب وهي اجلهة اإلهلية اليت هي النبوة بالوحي .ىل نفسه مع أن قيام األنبياء كسائر األمور له ارتباطات باملادة بالروابط الزمانية واملكانيةومل ينسبه يف القرآن كله إال إ

فالنبوة حالة إهلية وإن شئت قل غيبية نسبتها إىل هذه احلالة العمومية من اإلدراك والفعل نسبة اليقظة إىل النوم هبا

وهذا اإلدراك والتلقي من الغيب هو يف حياة اإلنسان يدرك اإلنسان املعارف اليت هبا يرتفع االختالف والتناقض .واحلالة اليت يتخذها اإلنسان منه لنفسه بالنبوة املسمى يف لسان القرآن بالوحي

وعنايته ومن هناك يظهر أن هذا أعين تأدية الفطرة إىل االجتماع املدني من جهة وإىل االختالف من جهة أخرى

اخللقة مبدأ حجة على وجود النبوة باهلداية إىل متام وبعبارة أخرى دليل النبوة العامة.

وهذا االستخدام الفطري يؤديه إىل االجتماع املدني وإىل االختالف أن نوع اإلنسان مستخدم بالطبع تقريرهوالفساد يف مجيع شئون حياته الذي يقضي التكوين واإلجياد برفعه وال يرتفع إال بقوانني تصلح احلياة االجتماعية برفع

وراءه لكن الفطرة غري إما بفطرته وإما بأمر وهداية اإلنسان إىل كماله وسعادته بأحد أمرين االختالف عنهاوهو فوجب أن يكون هبداية من غري طريق الفطرة والطبيعة كافية فإهنا هي املؤدية إىل االختالف فكيف ترفعها

Page 217: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢١٧

وهذه احلجة مؤلفة من مقدمات مصرح هبا يف كتاب التفهيم اإلهلي غري الطبيعي املسمى بالنبوة والوحي كما عرفت فيما تقدم وكل واحدة من هذه املقدمات جتربية بينتها التجربة لإلنسان يف تاريخ حياته

إىل أقدم أعصار احلياة اإلنسانية واجتماعاته املتنوعة اليت ظهرت وانقرضت يف طي القرون املرتاكمة املاضية .اليت يذكرها التاريخ

وال استخدامه مل يؤد إىل االجتماع وقضى امفال اإلنسان انصرف يف حني من أحيان حياته عن حكم االستخد

وال أن فطرته وال االختالف ارتفع بغري قوانني اجتماعية وال اجتماعه املكون خال عن االختالف حبياة فرديةوناهيك يف وعقله الذي يعده عقال سليما قدرت على وضع قوانني تقطع منابت االختالف وتقلع مادة الفساد

وما هو نصب عينيك من احنطاط األخالق وفساد عامل ما تشاهده من جريان احلوادث االجتماعية ذلكوسلطان التحكم واملقاتل املبيدة للماليني بعد املاليني من الناس واحلروب املهلكة للحرث والنسل اإلنسانية

رن الذي يسمى عصر املدنية والرقى والثقافة والعلمونفوذ االستعباد يف نفوس البشر وأعراضهم وأمواهلم يف هذا الق فما ظنك بالقرون اخلالية أعصار اجلهل والظلمة.

Page 218: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢١٨

وأما إن الصنع واإلجياد يسوق كل موجود إىل كماله الالئق به فأمر جار يف كل موجود حبسب التجربة والبحثوأما إن التعليم وكذا كون اخللقة والتكوين إذا اقتضى أثرا مل يقتض خالفه بعينه أمر مسلم تثبته التجربة والبحث

والرتبية الدينيني الصادرين من مصدر النبوة والوحي يقدران على دفع هذا االختالف والفساد فأمر يصدقه البحث ىل حقائق املعارف وفواضل األخالق وحماسن األفعال فصالح العامل فألن الدين يدعو إ أما البحث والتجربة معا

فاإلسالم أثبت ذلك يف اليسري من الزمان الذي كان احلاكم فيه على االجتماع وأما التجربة اإلنساني مفروض فيه وأصلحوا نفوس غريهم من الناس وأثبت ذلك برتبية أفراد من اإلنسان صلحت نفوسهم بني املسلمني هو الدين

على أن جهات الكمال والعروق النابضة يف هيكل االجتماع املدني اليوم اليت تضمن حياة احلضارة والرقي مرهونة وسنستويف البحث عنه التقدم اإلسالمي وسريانه يف العامل الدنيوي على ما يعطيه التجزية والتحليل من غري شك

.ر أليق بهيف حمل آخ إن شاء

قضاء القرآن خبتم النبوة وعدم أن الدين الذي هو خامت األديان يقضي بوقوف االستكمال اإلنساني وسادسانسخ الدين وثبات الشريعة يستوجب أن االستكمال الفردي واالجتماعي لإلنسان هو هذا املقدار الذي اعتربه

.القرآن يف بيانه وتشريعه

Page 219: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢١٩

القرآن اليت صدقها جريان تاريخ اإلنسان منذ نزول القرآن إىل يومنا هذا يف زمان يقارب أربعة عشر وهذا من مالحم وقطع بعدا شاسعا غري أنه وقف من جهة قرنا تقدم فيها النوع يف اجلهات الطبيعي من اجتماعه تقدما باهرا

أو رجع أقداما خلفه ومل يتقدم حتى قدما واحدا وأخالقه الفاضلة موقفه الذي كان عليه معارفه احلقيقية .فلم يتكامل يف جمموع كماله من حيث اموع أعين الكمال الروحي واجلسمي معا القهقرى

إن جعل القوانني العامة ملا كان لصالح حال البشر وإصالح شأنه وجب أن تتبدل وقد اشتبه األمر على من يقول

وال شك أن النسبة بيننا وبني عصر نزول القرآن نفسها وارتقائها وصعودها مدارج الكمال بتبدل االجتماعيات يف وتشريع قوانني اإلسالم أعظم بكثري من النسبة بني ذلك العصر وعصر بعثة عيسى وموسى فكان

تفاوت النسبة بني هذا العصر وعصر النيب موجبا لنسخ شرائع اإلسالم ووضع قوانني أخر قابلة االنطباق على .مقتضيات العصر احلاضر

بل اعترب حقيقة الوجود أن الدين كما مر مل يعترب يف تشريعه جمرد الكمال املادي الطبيعي لإلنسان واجلواب عنه

والزم ذلك وابتغى السعادة املادية واملعنوية مجيعا وبنى أساسه على الكمال الروحي واجلسمي معا اإلنساني أن يعترب فيه حال الفرد االجتماعي املتكامل بالتكامل الديين دون الفرد االجتماعي املتكامل بالصنعة والسياسة

Page 220: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٢٠

األحباث االجتماعية املادية واملادة متحولة متكاملة وقد اختلط األمر على هؤالء الباحثني فإهنم لولوعهم يف كاالجتماع املبين عليها حسبوا أن االجتماع الذي اعتربه الدين نظري االجتماع الذي اعتربوه اجتماع مادي جسماني

فحكموا عليه بالتغري والنسخ حسب حتول االجتماع املادي وقد عرفت أن الدين ال يبين تشريعه على أساسوعلى هذا جيب أن يفرض فرد ديين أو اجتماع ديين جامع للرتبية الدينية بل اجلسم والروح مجيعا جلسم فقطا

والوهن احملتاج واحلياة املادية اليت مسحت به دنيا اليوم ثم لينظر هل يوجد عنده شيء من النقص املفتقر إىل التتميم .إىل التقوية

.معصومون عن اخلطأ أن األنبياء وسابعا

كالم يف عصمة األنبياء

والعصمة عن اخلطأ يف العصمة عن اخلطأ يف تلقي الوحي أن العصمة على ثالثة أقسام توضيح هذه النتيجةويرجع باآلخرة إىل قول أو والعصمة عن املعصية وهي ما فيه هتك حرمة العبودية وخمالفة مولوية التبليغ والرسالة

ونعين بالعصمة وجود أمر يف اإلنسان املعصوم يصونه عن الوقوع فيما ال جيوز من اخلطأ فعل ينايف العبودية منافاة ما .أو املعصية

Page 221: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٢١

ه وبعبارة أخرى يف غري باب أخذ الوحي وتبليغه والعمل ب وأما اخلطأ يف غري باب املعصية وتلقي الوحي والتبليغ

ونظري كاخلطأ يف األمور اخلارجية نظري األغالط الواقعة لإلنسان يف احلواس وإدراكاهتا أو االعتباريات من العلوماخلطأ يف تشخيص األمور التكوينية من حيث الصالح والفساد والنفع والضرر وحنوها فالكالم فيها خارج عن هذا

.املبحث

أما العصمة عن اخلطإ يف تلقي الوحي يف مجيع اجلهات الثالث وكيف كان فالقرآن يدل على عصمتهم النبيني مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب باحلق فبعث يف اآلية فيدل عليه قوله وتبليغ الرسالة

ليحكم بني الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إال الذين أوتوه من بعد ما جاءهتم البينات بغيا بينهم فهدى إمنا بعثهم بالتبشري واإلنذار وإنزال الكتاب فإنه ظاهر يف أن الذين آمنوا ملا اختلفوا فيه من احلق بإذنه

وبعبارة أخرى هلداية الناس إىل حق االعتقاد وهذا هو الوحي ليبينوا للناس احلق يف االعتقاد واحلق يف العملفبني أنه ال ٥٢ طه ال يضل ربي وال ينسى وقد قال يف بعثهم وهذا هو غرضه وحق العمل

وإذا سلك بفعل يضل يف فعله وال خيطىء يف شأنه فإذا أراد شيئا فإمنا يريده من طريقه املوصل إليه من غري خطأوقد بعث األنبياء بالوحي إليهم وكيف ال وبيده اخللق واألمر وله امللك واحلكم إىل غاية فال يضل يف سلوكه

Page 222: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٢٢

إن أيضا وقال ! وبالرسالة لتبليغها للناس وال بد أن يكون وتفهيمهم معارف الدين وال بد أن يكون .٢١ يوسف غالب على أمره و وقال أيضا ٣ الطالق لكل شيء قدرا بالغ أمره قد جعل

عامل الغيب فال يظهر على غيبه أحدا إال من ارتضى من رسول فإنه قولهويدل على العصمة عن اخلطإ أيضا

يسلك من بني يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رساالت رهبم وأحاط مبا لديهم وأحصى كل شيء خيتص رسله بالوحي فيظهرهم ويؤيدهم على الغيب مبراقبة ما بني أيديهم فظاهره أنه ٢٨ اجلن عددا

ليتحقق واإلحاطة مبا لديهم حلفظ الوحي عن الزوال والتغري بتغيري الشياطني وكل مغري غريهم وما خلفهمله ما بني أيدينا وما نتنزل إال بأمر ربك حكاية عن قول مالئكة الوحي ونظريه قوله إبالغهم رساالت رهبم

دلت اآليات على أن الوحي من حني شروعه يف النزول إىل ٦٤ مريم وما خلفنا وما بني ذلك وما كان ربك نسيا .بلوغه النيب إىل تبليغه للناس حمفوظ مصون عن تغيري أي مغري يغريه

يف تلقي الوحي وتبليغ الرسالة فقط وهذان الوجهان من االستدالل وإن كانا ناهضني على عصمة األنبياء

لكن ميكن تتميم داللتهما على العصمة من املعصية أيضا بأن دون العصمة عن املعصية يف العمل على ما قررناإن الفعل الفالني حسن الفعل دال كالقول عند العقالء فالفاعل لفعل يدل بفعله على أنه يراه حسنا جائزا كما لو قال

Page 223: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٢٣

جائز فلو حتققت معصية من النيب وهو يأمر خبالفها لكان ذلك تناقضا منه فإن فعله يناقض حينئذ قوله فيكون حينئذ مبلغا لكال املتناقضني وليس تبليغ املتناقضني بتبليغ للحق فإن املخرب باملتناقضني مل خيرب باحلق لكون كل منهما

.لنيب يف تبليغ رسالته ال تتم إال مع عصمته عن املعصية وصونه عن املخالفة كما ال خيفىفعصمة ا مبطال لآلخر

فجميعهم ٩٠ األنعام فبهداهم اقتده أولئك الذين هدى قولهويدل على عصمتهم مطلقا كتب عليهم اهلداية وقد قال ومن يضلل فما له من هاد ومن يهدي فما له من

.٣٧ الزمر مضل

فال فنفى عن املهتدين هبدايته كل مضل يؤثر فيهم بضالل ١٧ الكهف فهو املهتد من يهد وقال أمل أعهد إليكم يا بين آدم أن ال تعبدوا الشيطان إنه قولهوكل معصية ضالل كما يشري إليه يوجد فيهم ضالل

فعد كل معصية ٦٢ يس ولقد أضل منكم جبال كثريا لكم عدو مبني وأن اعبدوني هذا صراط مستقيمثم يف حق األنبياء ضالال حاصال بإضالل الشيطان بعد ما عدها عبادة للشيطان فإثبات هدايته

لساحة أنبيائه عن صدور املعصية منهم نفى الضالل عمن اهتدى هبداه ثم عد كل معصية ضالال تربئة منه .وكذا عن وقوع اخلطإ يف فهمهم الوحي وإبالغهم إياه

Page 224: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٢٤

عليهم من النبيني والصديقني والرسول فأولئك مع الذين أنعم ومن يطع قولهويدل عليها أيضا

املستقيم صراط الذين اهدنا الصراط وقال أيضا ٦٨ النساء والشهداء والصاحلني وحسن أولئك رفيقافوصف هؤالء الذين أنعم عليهم من النبيني بأهنم ٧ الفاحتة أنعمت عليهم غري املغضوب عليهم وال الضالني

ويؤيد هذا ولو صدر عنهم معصية لكانوا بذلك ضالني وكذا لو صدر عنهم خطأ يف الفهم أو التبليغ ليسوا بضالنيعليهم من النبيني من ذرية آدم وممن محلنا مع نوح أولئك الذين أنعم فيما يصف به األنبياء املعنى قوله

ومن ذرية إبراهيم وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرمحن خروا سجدا وبكيا فخلف من بعدهم خلف أعين اإلنعام فجمع يف األنبياء أوال اخلصلتني ٥٩ مريمأضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات وسوف يلقون غيا

ووصفهم مبا فيه غاية التذلل عليهم أنعم قولهواهلداية حيث أتى مبن البيانية يف قوله وممن هدينا واجتبينا بعد والفريق الثاني غري األول ألن الفريق األول رجال ثم وصف اخللف مبا وصف من أوصاف الذم يف العبودية

وإذ وصف الفريق الثاني وعرفهم بأهنم اتبعوا الشهوات وسوف يلقون غيا ممدوحون مشكورون دون الثانيومن البديهي أن من كان هذا شأنه مل جيز فالفريق األول وهم األنبياء ما كانوا يتبعون الشهوات وال يلحقهم غي

صدور املعصية عنه حتى أهنم لو كانوا قبل نبوهتم ممن يتبع الشهوات لكانوا بذلك ممن يلحقهم الغي ملكان اإلطالق يف .أضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات وسوف يلقون غيا قوله

Page 225: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٢٥

ق العقل بأن إرسال الرسل وإجراء املعجزات وهذا الوجه قريب من قول من استدل على عصمة األنبياء من طري

.على أيديهم تصديق لقوهلم

والعقل ال يعد إنسانا يصدر منه املعاصي واألفعال املنافية فال يصدر عنهم كذب وكذا تصديق ألهليتهم للتبليغق عدم خطائهم يف فإجراء املعجزات على أيديهم يتضمن تصدي ملرام ومقصد كيف كان أهال للدعوة إىل ذلك املرام

.تلقي الوحي ويف تبليغ الرسالة ويف امتثاهلم للتكاليف املتوجه إليهم بالطاعة

أن الناس وهم عقالء يتسببون يف أنواع تبليغاهتم وأقسام أغراضهم االجتماعية بالتبليغ ممن ال خيلو عن وال يرد عليهإما ملكان املساحمة منهم يف فإن ذلك منهم ألحد أمرين ال جيوز فيما حنن فيه بعض القصور والتقصري يف التبليغ

والقبض على اليسري وإما ألن مقصودهم هو البلوغ إىل ما تيسر من األمر املطلوب اليسري من القصور والتقصري .والغض عن الكثري وشيء من األمرين ال يليق بساحته

Page 226: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٢٦

فلو ال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا يف الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا قولهظاهر وال يرد عليه أيضافإن اآلية وإن كانت يف حق العامة من املسلمني ممن ليس مبعصوم لكنه أذن هلم ١٢٣ التوبة إليهم لعلهم حيذرون

ال تصديق هلم فيما أنذروا به وجعل حجية لقوهلم على الناس واحملذور إمنا يف تبليغ ما تعلموا من الدين وتفقهوا فيه .هو يف الثاني دون األول

حيث ٦٤ النساء وما أرسلنا من رسول إال ليطاع بإذن قوله ومما يدل على عصمتهم

بكل وذلك يستدعي باملالزمة البينة تعلق إرادته وقصر الغاية فيه جعل كون الرسول مطاعا غاية لإلرسالفلو حتقق من الرسول خطأ يف ما يطاع فيه الرسول وهو قوله أو فعله ألن كال منهما وسيلة معمولة متداولة يف التبليغ

.ال يريد إال احلق للباطل و فهم الوحي أو يف التبليغ كان ذلك إرادة منه

فيكون وكذا لو صدر عن الرسول معصية قوال أو فعال واملعصية مبغوضة منهي عنها لكان بعينه متعلق إرادته حمبا ومبغضا بالنسبة إىل فعل واحد بعينه آمرا وناهيا مريدا غري مريد بعينه طاعة حمبوبة فيكون

فإن از تكليف ما ال يطاق على ما قال به بعضهمعن تناقض الصفات واألفعال علوا كبريا وهو باطل وإن قلنا جبو

Page 227: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٢٧

تكليف ما ال يطاق تكليف باحملال وما حنن فيه تكليف نفسه حمال ألنه تكليف وال تكليف وإرادة وال إرادة وحب .!وال حب ومدح وذم بالنسبة إىل فعل واحد

النساءحجة بعد الرسل رسال مبشرين ومنذرين لئال يكون للناس على قولهومما يدل على ذلك أيضا

١٦٥ فإن اآلية ظاهرة يف أن يريد قطع عذر الناس يف ما فيه املخالفة واملعصية وأن ال قاطع للعذر إالومن املعلوم أن قطع الرسل عذر الناس ورفعهم حلجتهم إمنا يصح إذا مل يتحقق يف ناحيتهم ما ال الرسل

وخطأ أو معصية وإال كان للناس أن يتمسكوا به وحيتجوا على رهبم من قول أو فعل ورضاه يوافق إرادة وهو نقض لغرضه.

ال يقع منهم خطأ وال يصدر عنهم معصية الذي يدل عليه ما مر من اآليات الكرمية هو أن األنبياء فإن قلت

وتردعه عن وليس ذلك من العصمة يف شيء فإن العصمة على ما ذكره القوم قوة متنع اإلنسان عن الوقوع يف اخلطإوليست القوة جمرد صدور الفعل أو عدم صدوره وإمنا هي مبدأ نفساني تصدر فعل املعصية واقرتاف اخلطيئة

.عنه الفعل كما تصدر األفعال عن امللكات النفسانية

Page 228: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٢٨

وال يضر يف ذلك نعم لكن الذي حيتاج إليه يف األحباث السابقة هو عدم حتقق اخلطإ واملعصية من النيب قلت .عدم ثبوت قوة تصدر عنها الفعل صوابا أو طاعة وهو ظاهر

ومع ذلك ميكن االستدالل على كون العصمة مستندة إىل قوة رادعة مبا مر يف البحث عن اإلعجاز من داللة

إن ربي على صراط قولهوكذا ٣ الطالق لكل شيء قدرا بالغ أمره قد جعل إن قولهفهذه األفعال على أن كال من احلوادث حيتاج إىل مبدإ يصدر عنه وسبب يتحقق به ٥٦ هود مستقيم

ويف نفسه وهي القوة على وترية واحدة صوابا وطاعة تنتهي إىل سبب مع النيب الصادرة عن النيب نوع األفعال االختيارية الصادرة أن أفعال النيب املفروض صدورها طاعة أفعال اختيارية من الرادعة وتوضيحه

وال شك أن الفعل االختياري إمنا هو اختياري بصدوره عن العلم واملشية عنا اليت بعضها طاعة وبعضها معصيةفإن كان املقصود هو اجلري على اوإمنا خيتلف الفعل طاعة ومعصية باختالف الصورة العلمية اليت يصدر عنه

- أعين الصورة العلمية اليت يضاف إليها املشية - وإن كان املطلوب العبودية بامتثال األمر مثال حتققت الطاعةفاختالف أفعالنا طاعة ومعصية الختالف علمنا الذي عنه حتققت املعصية اتباع اهلوى واقرتاف ما هنى

ولو دام أحد العلمني أعين احلكم بوجوب اجلري على العبودية وامتثال األمر اإلهلي ملا صدر إال يصدر عنه الفعلوعلى هذا فصدور مل يتحقق إال املعصية ولو دام العلم اآلخر الصادر عنه املعصية والعياذ ب الطاعة

Page 229: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٢٩

ه فعله باملشية صورة علمية صاحلة بوصف الطاعة دائما ليس إال ألن العلم الذي يصدر عن األفعال عن النيب ومن املعلوم أن الصورة العلمية واهليئة النفسانية الراسخة غري وهو اإلذعان بوجوب العبودية دائما غري متغرية

ففي النيب ملكة نفسانية يصدر عنها أفعاله الزائلة هي امللكة النفسانية كملكة العفة والشجاعة والعدالة وحنوها .طاعة واالنقياد وهي القوة الرادعة عن املعصيةعلى ال

ومن جهة أخرى النيب ال خيطىء يف تلقي الوحي وال يف تبليغ الرسالة ففيه هيئة نفسانية ال ختطىء يف تلقي املعارف وتبليغها وال تعصي يف العمل ولو فرضنا أن هذه األفعال وهي على وترية واحدة ليس فيها إال الصواب والطاعة

وال انضمام من شيء إىل نفس النيب كان معنى ذلك أن حتققت منه من غري توسط سبب من األسباب يكون معهوالزم ذلك إبطال فيه من غري دخالة للنيب تصدر أفعاله االختيارية على تلك الصفة بإرادة من

وهو ينايف ختيارية عن كوهنا اختياريةوإرادته يف تأثريها يف أفعاله ويف ذلك خروج األفعال اال علم النيب إمنا هي بإجياد سبب يف فالعصمة من افرتاض كونه فردا من أفراد اإلنسان الفاعل بالعلم واإلرادة

.اإلنسان النيب يصدر عنه أفعاله االختيارية صوابا وطاعة وهو نوع من العلم الراسخ وهو امللكة كما مر

كالم يف النبوة

Page 230: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٣٠

بعد ما ذكر هذه احلقيقة وهي وصف إرشاد الناس بالوحي يف كالمه كثريا عرب عن رجاهلا بتعبريين و الزمر وجيء بالنبيني والشهداء قال ومها الرسول والنيب خمتلفني فيه تقسيمهم إىل قسمني أو كالتقسيم

٦٩ وقال يوم جيمع الرسل ما ذا أجبتم املائدة ١٠٩ الرسالة ومعنى الرسول حامل ومعنى .ومبا عنده وبني خلقه وللنيب شرف العلم ب فللرسول شرف الوساطة بني النيب حامل النبأ

وقد قيل إن الفرق بني النيب والرسول بالعموم واخلصوص املطلق فالرسول هو الذي يبعث فيؤمر بالتبليغ وحيمل

.والنيب هو الذي يبعث سواء أمر بالتبليغ أم مل يؤمر الرسالة

مريم واذكر يف الكتاب موسى إنه كان خملصا وكان رسوال نبياقولهك لكن هذا الفرق ال يؤيده كالمه ٥١ واآلية يف مقام املدح والتعظيم وال يناسب هذا املقام التدرج من اخلاص إىل العام كما ال خيفى.

حيث مجع يف الكالم بني الرسول والنيب ثم ٥١ احلج وما أرسلنا من قبلك من رسول وال نيبقولهوكذا

وكذا ٦٩ الزمر ووضع الكتاب وجيء بالنبيني والشهداءقولهجعل كال منهما مرسال لكن وكذا ما يف اآلية املبحوث عنها من ٤٠ األحزاب وخامت النبيني ولكن رسول قوله

Page 231: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٣١

إىل غري ذلك من اآليات يعطي ظاهرها أن كل مبعوث من النبيني مبشرين ومنذرين فبعث قولهفإن اللفظني قصد هبما معنامها من وكان رسوال نبيا اآلية باإلرسال إىل الناس نيب وال ينايف ذلك ما مر من قوله

وما قولهوكذا ومعارفه غري أن يصريا امسني مهجوري املعنى فاملعنى وكان رسوال خبريا بآيات غري أن إن النيب والرسول كليهما مرسالن إىل الناس اآلية إلمكان أن يقال أرسلنا من قبلك من رسول وال نيب

والرسول هو املرسل برسالة خاصة النيب بعث لينبىء الناس مبا عنده من نبإ الغيب لكونه خبريا مبا عند ولكل أمة رسول فإذا جاء رسوهلم قضي بينهم قولهزائدة على أصل نبإ النبوة كما يشعر به أمثال

وعلى هذا فالنيب هو ١٥ اإلسراء وما كنا معذبني حتى نبعث رسوالقولهو ٤٧ يونس باحلقمن هداية الناس إىل الذي يبني للناس صالح معاشهم ومعادهم من أصول الدين وفروعه على ما اقتضته عناية

والرسول هو احلامل لرسالة خاصة مشتملة على إمتام حجة يستتبع خمالفته هالكه أو عذابا أو حنو ذلك سعادهتميف الفرق وال يظهر من كالمه ١٦٥ النساء حجة بعد الرسل لئال يكون للناس على قال

والزمه هو الذي أشرنا إليه من أن للرسول شرف الوساطة بني بينهما أزيد مما يفيده لفظامها حبسب املفهوم وبني عباده وللنيب شرف العلم ب ومبا عنده وسيأتي ما روي عن أئمة أهل البيت من الفرق .بينهما

Page 232: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٣٢

ولقد أرسلنا رسال قال مل يقصص اجلميع يف كتابه ثم إن القرآن صريح يف أن األنبياء كثريون وإن إىل غري ذلك والذين قصهم ٧٨ املؤمنون من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من مل نقصص عليك

يف كتابه باالسم بضعة وعشرون نبيا وهم آدم ونوح وإدريس وهود وصاحل وإبراهيم ولوط وموسى وشعيب ويوسف ويعقوب وإسحاق ويونس وإلياس وذو الكفل واليسع وإمساعيل

وحممد صلى وعيسى وإمساعيل صادق الوعد وحييى وزكريا وأيوب وسليمان وداود وهارون عليهم أمجعني.

أمل تر إىل املإل من بين إسرائيل من بعد موسى قال وهناك عدة مل يذكروا بأمسائهم بل بالتوصيف والكناية

خاوية على أو كالذي مر على قرية وهي وقال ٢٤٦ البقرة إذ قالوا لنيب هلم ابعث لنا ملكا ١٤ يس إذ أرسلنا إليهم اثنني فكذبومها فعززنا بثالث وقال ٢٥٩ البقرة عروشها

البقرة واألسباط وقال ٦٥ الكهف فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه من لدنا علما وقال١٣٦ قولهوهناك من مل يتضح كونه نبيا كفتى موسى يف لفتاهوإذ قال موسى الكهف ٦٠ ومثل ذي

.القرنني وعمران أبي مريم وعزير من املصرح بأمسائهم

Page 233: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٣٣

وباجلملة مل يذكر يف القرآن هلم عدد يقفون عنده والذي يشتمل من الروايات على بيان عدهتم آحاد خمتلفة املتون واملرسلون منهم ثالمثائة وثالثة أن األنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نيب وأشهرها رواية أبي ذر عن النيب

.عشر نبيا

قال وحممد وموسى وعيسى وإبراهيم نوح أن سادات األنبياء هم أولوا العزم منهم وهم واعلم فاصرب كما صرب أولوا العزم من الرسل األحقاف ٣٥ وسيجيء أن معنى العزم فيهم الثبات على العهد

وإذ أخذنا من النبيني ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى قال األول املأخوذ منهم وعدم نسيانهولقد عهدنا إىل آدم من قبل فنسي ومل جند له وقال ٧ األحزاب وعيسى وأخذنا منهم ميثاقا غليظا

.١١٥ طه عزما

شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي قال وكل واحد من هؤالء اخلمسة صاحب شرع وكتابإن هذا لفي الصحف األوىل وقال ١٣ الشورى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى

إىل أن قال هبا النبيونإنا أنزلنا التوراة فيها هدى حيكم وقال ١٩األعلىك صحف إبراهيم وموسى - إىل أن قال - وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا ملا بني يديه من التوراة وآتيناه اإلجنيل فيه هدى ونور

Page 234: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٣٤

وال تتبع أهواءهم عما وأنزلنا إليك الكتاب مصدقا ملا بني يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم مبا أنزل جلعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما علنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء جاءك من احلق لكل ج

.٤٨ املائدة آتاكم

وأما كتاب نوح فقد عرفت أن اآلية كتبا واآليات تبني أن هلم شرائع وأن إلبراهيم وموسى وعيسى وحممد شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا اآلية تدل بانضمامه إىل قوله كان الناس أمة واحدة إخل أعين قوله

١٦٣ النساء وآتينا داود زبورا قال وهذا الذي ذكرناه ال ينايف نزول الكتاب على داود عليه وال ما يف الروايات من نسبة كتب إىل آدم وشيث وإدريس فإهنا كتب ال تشتمل على األحكام والشرائع.

إنا أوحينا إليك كما أوحينا إىل واعلم أن من لوازم النبوة الوحي وهو نوع تكليم إهلي تتوقف عليه النبوة قال .وسيجيء استيفاء البحث عن معناه يف سورة الشورى إن شاء ١٦٣ النساء نوح والنبيني من بعده

Page 235: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٣٥

ال مهتدين وال ضالني فبعث كان الناس قبل نوح أمة واحدة على فطرة أنه قال عن الباقر يف امع .النبيني

قال بل كانوا فعلى هدى كانوا وكان ذلك قبل نوح فقيل يف اآلية قال عن الصادق ويف تفسري العياشي

الذي كان عليه آدم وبقي شيث وصيه ال يقدر على إظهار دين وذلك أنه ملا انقرض آدم وصاحل ذريته ضالالفصار فيهم بالتقية والكتمان فازدادوا كل يوم وصاحل ذريته وذلك أن قابيل كان يواعده بالقتل كما قتل أخاه هابيل

تبارك لهلفبدا وحلق الوصي جبزيرة من البحر ليعبد ضاللة حتى مل يبق على األرض معهم إال من هو سلفيف كل إمنا هو شيء حيكم وكذبوا ولو سئل هؤالء اجلهال لقالوا قد فرغ من األمر أن يبعث الرسل و

ما يكون يف تلك السنة من شدة أو رخاء أو مطر تبارك و فيحكم فيها يفرق كل أمر حكيم عام ثم قرأاليت كانوا على فطرة مل يكونوا على هدى قال قلت أ فضالال كانوا قبل النبيني أم على هدى أو غري ذلك

لئن مل يهدني ربي أ ما تسمع بقول إبراهيم ومل يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم ال تبديل خللق فطرهم عليها .ألكونن من القوم الضالني أي ناسيا للميثاق

Page 236: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٣٦

وأهنم يفسر معنى كوهنم ضالال املذكور يف أول احلديث مل يكونوا على هدى كانوا على فطرة قوله أقولوأما اهلداية اإلمجالية فهي جتامع الضالل مبعنى اجلهل إمنا خلوا عن اهلداية التفصيلية إىل املعارف اإلهلية

.ال مهتدين وال ضالال على فطرة املنقولة آنفا يف رواية امع بالتفاصيل كما يشري إليه قوله

تفسري للضالل فاهلداية هي ذكر امليثاق حقيقة كما يف الكمل من املؤمنني أو اجلري أي ناسيا للميثاق وقوله على حال من هو ذاكر للميثاق وإن مل يكن ذاكرا له حقيقة وهو حال سائر املؤمنني وال خيلو إطالق اهلداية عليه من

.عناية

من أين أثبت أنبياء ورسال فقال سأل الزنديق الذي أتى أبا عبد عن هشام بن احلكم قال ويف التوحيدوكان ذلك الصانع أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن مجيع ما خلق إنا ملا أثبتنا قال أبو عبد

فثبت أن له سفراء وال يباشرهم وال يباشروه وحياجهم وحياجوه وال يالمسوه حكيما مل جيز أن يشاهده خلقهفثبت اآلمرون الناهون عن احلكيم ويف تركه فناؤهم يف خلقه يدلوهنم على مصاحلهم ومنافعهم وما فيه بقاؤهم

حكماء مؤدبون باحلكمة مبعوثني وثبت عند ذلك أن له معربين وهم األنبياء وصفوته من خلقه العليم يف خلقهمؤيدين من عند احلكيم العليم على مشاركتهم هلم يف اخللق والرتكيب حواهلمغري مشاركني للناس يف أ هبا

Page 237: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٣٧

من حجة وإبراء األكمه واألبرص فال خيلو أرض من إحياء املوتى باحلكمة والدالئل والرباهني والشواهد .يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته

.واحلديث كما ترى مشتمل على حجج ثالث يف مسائل ثالث من النبوة أقول

كان جتد أنه منطبق على ما استفدنا من قوله احلجة على النبوة العامة وبالتأمل فيما ذكره إحداها

.الناس أمة واحدة اآلية

منطبق على ما ذكرناه يف البحث عن اإلعجاز يف وما ذكره احلجة على لزوم تأييد النيب باملعجزة وثانيتها .٢٣ البقرة وإن كنتم يف ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثلهقولهبيان

.مسألة عدم خلو األرض عن احلجة وسيأتي بيانه إن شاء وثالثتها

Page 238: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٣٨

مائة قال كم النبيون قلت يا رسول قال عن عتبة الليثي عن أبي ذر رمحه واخلصال ويف املعانيقلت من كان أول قال ثالمثائة وثالثة عشر مجا غفريا كم املرسلون منهم قلت وأربعة وعشرون ألف نيب

ثم قال يا أبا ذر بيده ونفخ فيه من روحه نعم خلقه قال وكان من األنبياء مرسال قلت آدم قال األنبياء وأربعة من العرب ونوح وأخنوخ وهو إدريس وهو أول من خط بالقلم آدم وشيث أربعة من األنبياء سريانيون

وأول نيب من بين إسرائيل موسى وآخرهم عيسى وستمائة نيب ونبيك حممد وشعيب وصاحل هودعلى شيث مخسني أنزل مائة كتاب وأربعة كتب قال من كتاب كم أنزل ! يا رسول قلت

والزبور واإلجنيل وأنزل التوراة وعلى إبراهيم عشرين صحيفة صحيفة وعلى إدريس ثالثني صحيفة .والفرقان

والرواية وخاصة صدرها املتعرض لعدد األنبياء واملرسلني من املشهورات روهتا اخلاصة والعامة يف كتبهم أقول

وعن زيد بن علي عن آبائه عن الرضا عن آبائه عن النيب واألمايل وروى هذا املعنى الصدوق يف اخلصال ويف البصائر عن السجاد والسيد يف اإلقبال ورواه ابن قولويه يف كامل الزيارة عن أمري املؤمنني

.عن الباقر

Page 239: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٣٩

النيب الذي يرى يف منامه ويسمع الصوت وال وكان رسوال نبيا اآلية قال يف قوله عن الباقر ويف الكايف .والرسول الذي يسمع الصوت وال يرى يف املنام ويعاين يعاين امللك

فأرسل إىل قولهومن املمكن أن يستفاد ذلك من مثل ويف هذا املعنى روايات أخر أقول

وليس معناها أن معنى الرسول هو املرسل إليه ملك الوحي بل املقصود أن النبوة والرسالة ١٣ الشعراء هارونورمبا اجتمع املقامان يف واحد فاجتمعت مقامان خاصة أحدمها الرؤيا وخاصة اآلخر مشاهدة ملك الوحي

فيكون الرسالة أخص من النبوة مصداقا ال مفهوما كما يصرح به ورمبا كانت نبوة من غري رسالة اخلاصتان .فقد تبني أن كل رسول نيب وال عكس كم املرسلون منهم قلت احلديث السابق عن أبي ذر حيث يقول

٤٠ األحزابوخامت النبيني ولكن رسول قولهوبذلك يظهر اجلواب عما اعرتضه بعضهم على داللة

.إنه إمنا يدل على ختم النبوة دون ختم الرسالة مستدال هبذه الرواية ونظائرها

أن النبوة أعم مصداقا من الرسالة وارتفاع األعم يستلزم ارتفاع األخص وال داللة يف الروايات كما عرفت واجلواب .على العموم من وجه بني الرسالة والنبوة بل الروايات صرحية يف العموم املطلق

Page 240: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٤٠

إمنا مسي أولو العزم أويل العزم ألهنم كانوا أصحاب العزائم والشرائع قال عن أبي احلسن الرضا ويف العيون

وكل نيب كان يف أيام وذلك أن كل نيب كان بعد نوح كان على شريعته ومنهاجه وتابعا لكتابه إىل زمن إبراهيم اخلليلكان يف زمن موسى كان على وكل نيب إبراهيم كان على شريعة إبراهيم ومنهاجه وتابعا لكتابه إىل زمن موسى

شريعة موسى ومنهاجه وتابعا لكتابه إىل أيام عيسى وكل نيب كان يف أيام عيسى وبعده كان على شريعة عيسى وهم أفضل األنبياء والرسل فهؤالء اخلمسة أولو العزم ومنهاجه وتابعا لكتابه إىل زمن نبينا حممد

وال نيب بعده إىل يوم القيامة فمن ادعى بعده النبوة أو أتى بعد القرآن بكتاب وشريعة حممد ال تنسخ إىل يوم القيامة .فدمه مباح لكل من مسع ذلك منه

.عن الصادق وروى هذا املعنى صاحب قصص األنبياء أقول

وموسى وإبراهيم وهم نوح اآلية فاصرب كما صرب أولوا العزم من الرسلقولهيف ويف تفسري القمي وأقروا بكل نيب كان قبلهم وبعدهم ومعنى أويل العزم أهنم سبقوا األنبياء إىل اإلقرار ب وعيسى بن مريم

وعزموا على الصرب مع التكذيب هلم واألذى.

Page 241: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٤١

وإبراهيم نوح أن أويل العزم من األنبياء مخسة وروي من طرق أهل السنة واجلماعة عن ابن عباس وقتادة أقول

وموسى وعيسى وحممد كما رويناه من طرق أهل البيت وهناك أقوال أخر منسوبة إىل بعضهم وذهب بعضهم إىل أهنم وأيوب ويوسف ويعقوب وإسحاق وإبراهيم نوح فذهب بعضهم إىل أهنم ستة

ونوح إبراهيم وذهب بعضهم إىل أهنم أربعة الذين أمروا باجلهاد والقتال وأظهروا املكاشفة وجاهدوا يف الدين وهود ورابعهم حممد وهذه أقوال خالية عن احلجة وقد ذكرنا الوجه يف ذلك.

كان ما بني آدم وبني نوح من األنبياء مستخفني قال عن الثمايل عن أبي جعفر ويف تفسري العياشي .ولذلك خفي ذكرهم يف القرآن فلم يسموا كما مسي من استعلن من األنبياء احلديث

.بطرق كثرية وروي هذا املعنى عن أهل بيت العصمة أقول

يف خطبة له قال نبيا أسود مل يقص علينا قصته ويف النهج بعث عن امع عن علي ويف الصايف

من ولده أنبياء أخذ على الوحي واصطفى فأهبطه إىل دار البلية وتناسل الذرية يذكر فيها آدم

Page 242: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٤٢

معهواختذوا األنداد فجهلوا حقه إليهم ملا بدل أكثر خلقه عهد وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم ميثاقهمليستأدوهم وواتر إليهم أنبياءه فبعث فيهم رسله واقتطعتهم عن عبادته واجتالتهم الشياطني عن معرفته

ويروهم آيات املقدرة ويثريوا هلم دفائن العقول وحيتجوا عليهم بالتبليغ ويذكروهم منسي نعمته ميثاق فطرته من سقف فوقهم مرفوع ومهاد حتتهم موضوع ومعايش حتييهم وآجال تفنيهم وأوصاب هترمهم وأحداث

رسل ال أو حجة الزمة أو حمجة قائمة أو كتاب منزل خلقه من نيب مرسل ومل خيل تتابع عليهمعلى ذلك نسلت أو غابر عرفه من قبله من سابق مسي له من بعده يقصر هبم قلة عددهم وال كثرة املكذبني هلم

ومتام حممدا إلجناز عدته إىل أن بعث وخلفت األبناء وسلفت اآلباء ومضت الدهور القرون .نبوته اخلطبة

أي أرسل واحدا بعد واحد واتر إليهم قولهو اجتالتهم أي محلتهم على اجلوالن إىل كل جانب قوله أقول

وقوله نسلت القرون أي مضت واألحداث مجع احلدث وهو النازلة واألوصاب مجع وصب وهو املرضوبشر به عيسى بإرسال رسوله حممد واملراد به الوعد الذي وعده وإجناز العدة تصديق الوعد

وغريه من األنبياء قال ومتت كلمة ربك صدقا وعدال األنعام ١١٥.

Page 243: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٤٣

وكتبنا ملوسى قال قال أبو عبد بن الوليد قال عن عبد ويف تفسري العياشيألبني لكم بعض الذي ختتلفون لعيسى وقال له يف األلواح من كل شيء فعلمنا أنه مل يكتب ملوسى الشيء كله

.وجئنا بك شهيدا على هؤالء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء حملمد وقال فيه

ملوسى إخل قال وقوله بن الوليد بطريقني هذا املعنى عن عبد وروي يف بصائر الدرجات أقولإذ لو كان وتفصيل كل شيء يف حق التوراة يف األلواح من كل شيء يفسر قوله إشارة إىل أن قوله

يف األلواح من كل شيء فهذا الكالم شاهد على أن قولهاملراد به استيعاب البيان جلميع جهات كل شيء مل يصح .املراد من تفصيل كل شيء تفصيله بوجه ال من مجيع اجلهات فافهم

حبث فلسفي

جمعولة مشرعة وهي أمور اعتبارية غري حقيقيةمسألة النبوة العامة بالنظر إىل كون النبوة حنو تبليغ لألحكام وقوانني وإن كانت مسألة كالمية غري فلسفية فإن البحث الفلسفي إمنا ينال األشياء من حيث وجوداهتا اخلارجية

.وحقائقها العينية وال يتناول األمور اعولة االعتبارية

Page 244: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٤٤

من املعارف األصلية ن املواد الدينيةوذلك أ لكنها بالنظر إىل جهة أخرى مسألة فلسفية وحبث حقيقيواألحكام اخللقية والعملية هلا ارتباط بالنفس اإلنسانية من جهة أهنا تثبت فيها علوما راسخة أو أحواال تؤدي إىل

والقرب وهذه العلوم وامللكات تكون صورا للنفس اإلنسانية تعني طريقها إىل السعادة والشقاوة ملكات راسخةفإن اإلنسان بواسطة األعمال الصاحلة واالعتقادات احلقة الصادقة يكتسب لنفسه والبعد من

والرضوان واجلنان وبواسطة األعمال الطاحلة من القرب والزلفى كماالت ال تتعلق إال مبا هي له عند نيا الداثرة وزخارفها الفانية ويؤديها ذلك أن ترد والعقائد السخيفة الباطلة يكتسب لنفسه صورا ال تتعلق إال بالد

.بعد مفارقة الدنيا وانقطاع االختيار إىل دار البوار ومهاد النار وهذا سري حقيقي

.وعلى هذا فاملسألة حقيقية واحلجة اليت ذكرناها يف البيان السابق واستفدناها من الكتاب العزيز حجة برهانية

واإلنسان نوع حقيقي مبعنى أنه موجود أن هذه الصور للنفس اإلنسانية الواقعة يف طريق االستكمال توضيح ذلكوالعلل الفياضة للموجودات أعطتها قابلية النيل إىل كماهلا األخري يف وجودها حقيقي مبدأ آلثار وجودية عينية

يكون هناك إفاضة لكل نفس مستعدة مبا يالئم تام اإلفاضة فيجب أن والواجب بشهادة التجربة والربهان

Page 245: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٤٥

من الكمال الذي يسمى سعادة إن كانت ذات صفات حسنة ويتبدل به قوهتا إىل الفعلية استعدادها من الكمال .وملكات فاضلة معتدلة أو الذي يسمى شقاوة إن كانت ذات رذائل وهيئات ردية

طريق األفعال االختيارية املنبعثة عن اعتقاد الصالح والفساد وإذ كانت هذه امللكات والصور حاصلة هلا من

وجب أن تكون هذه اإلفاضة أيضا متعلقه بالدعوة والرهبة من املضار والرغبة إىل املنافع واخلوف والرجاءوخسارا للظاملني الدينية بالتبشري واإلنذار والتخويف والتطميع لتكون شفاء للمؤمنني فيكملوا به يف سعادهتم

.والدعوة حتتاج إىل داع يقدم هبا وهو النيب املبعوث من عنده فيكملوا به يف شقاوهتم

وسلوكه طريق الفضيلة كفى يف الدعوة ما يدعو إليه العقل من اتباع اإلنسان للحق يف االعتقاد والعمل فإن قلت .فأي حاجة إىل بعث األنبياء والتقوى

دون العقل النظري املدرك ويأمر به هو العقل العملي احلاكم باحلسن والقبح العقل الذي يدعو إىل ذلك قلت

والعقل العملي يأخذ مقدمات حكمه من اإلحساسات الباطنة حلقائق األشياء كما مر بيانه سابقاوأما القوة واإلحساسات اليت هي بالفعل يف اإلنسان يف بادي حاله هي إحساسات القوى الشهوية والغضبية

Page 246: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٤٦

فهذه اليت بالفعل ال تدع وقد مر أن هذا اإلحساس الفطري يدعو إىل االختالف الناطقة القدسية فهي بالقوةإلنسان فكل قوم أو فرد فقد الرتبية الصاحلة عاد عما قليل اإلنسان خيرج من القوة إىل الفعل كما هو مشهود من حال ا

.فال غناء عن تأييد إهلي بنبوة تؤيد العقل إىل التوحش والرببرية مع وجود العقل فيهم وحكم الفطرة عليهم

حبث اجتماعيهب أن العقل ال يستقل بالعمل يف كل فرد أو يف كل قوم يف مجيع التقادير ولكن الطبيعة متيل دائما إىل ما فيه فإن قلت

صالحها واالجتماع التابع هلا مثلها يهدي إىل صالح أفراده فهو يستقر باآلخرة على هيئة صاحلة فيها سعادة أفراد اعل بني اجلهات املتضادة يؤدي باآلخرة إىل اجتماع صاحل مناسب اتمعني وهو األصل املعروف بتبعية احمليط فالتف

ويشهد به ما نشاهده ويؤيده التاريخ أن االجتماعات ال حمليط احلياة اإلنسانية جالب لسعادة النوع اتمع األفرادبلغ مبتغاه وأمنيته كما يف فمنها ما تزال متيل إىل التكامل وتتمنى الصالح وتتوجه إىل السعادة اللذيذة عند اإلنسان

.ومنها ما هو يف الطريق وملا يتم له شرائط الكمال وهي قريبة أو بعيدة كما يف سائر الدول بعض األمم مثل سويسرة

واالجتماع املنتهي إىل الطبيعة حاله حال الطبيعة متايل الطبيعة إىل كماهلا وسعادهتا مما ال يسع أحدا إنكاره قلتيف التوجه إىل الكمال لكن الذي ينبغي اإلمعان فيه أن هذا التمايل والتوجه ال يستوجب فعلية الكمال والسعادة

Page 247: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٤٧

ملا ذكرنا من فعلية الكمال الشهوي والغضيب يف اإلنسان وكون مبادىء السعادة احلقيقية فيه بالقوة احلقيقيةوالشاهد عليه عني ما استشهد به يف االعرتاض من كون االجتماعات املدنية املنقرضة واحلاضرة متوجهة إىل

فإن الذي جنده عند هؤالء من وقرب البعض اآلخر أو بعده ونيل بعضها إىل املدنية الفاضلة السعيدة الكمالفإن اإلنسان ليس هو اجلسم بل هو الكمال والسعادة هو الكمال اجلسمي وليس الكمال اجلسمي هو كمال اإلنسان

مؤلف من جهتني مادية ومعنوية له حياة يف البدن وحياة بعد مفارقته من غري فناء وزوال مركب من جسم وروحفليس من الصحيح أن يعد كماله اجلسمي املوضوع على تستند إليها يف حياته اآلخرةحيتاج إىل كمال وسعادة

.وحقيقته هذه احلقيقة أساس احلياة الطبيعية كماال له وسعادة بالنسبة إليه

وإن فتبني أن االجتماع حبسب التجربة إمنا يتوجه بالفعل إىل فعلية الكمال اجلسماني دون فعلية الكمال اإلنساني كان يف قصدها هداية اإلنسان إىل كمال حقيقته ال كمال جسمه الذي يف تقوية جانبه هالك اإلنسانية واحنالل تركيبه

وضالله عن صراطه املستقيم فهذا الكمال ال يتم له إال بتأييد من النبوة واهلداية اإلهلية.

لو صحت هذه الدعوة النبوية وهلا ارتباط باهلداية التكوينية لكان الزمها فعلية التأثري يف االجتماعات فإن قلتفكان كما أن هداية اإلنسان بل كل موجود خملوق إىل منافع وجوده أمر فعلي جار يف اخللقة والتكوين اإلنسانية

Page 248: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٤٨

فكيف وليس كذلك وجيري يف ما بني الناس جمرى سائر الغرائز اجلارية من الالزم أن يتلبس به االجتماعاتفليست الدعوة الدينية يف رفعها اختالفات احلياة إال يكون إصالحا حقيقيا وال تقبله االجتماعات اإلنسانية

.فرضية غري قابلة االنطباق على احلقيقة

فإهنا يف مجيع أعصار وجودها منذ ظهرت ال يرتاب فيه إال مكابر أوال أثر الدعوة الدينية مشهود معاين قلتوأضعاف ذلك وأضعاف أضعافهم يف جانب الشقاء بالقبول والرد ربت ألوفا وألوفا من األفراد يف جانب السعادة

على انا من الزمانمضافا إىل بعض االجتماعات الدينية املنعقدة أحي واإلميان والكفر واالنقياد واالستكبارومن املمكن أن يتحول االجتماع اإلنساني يوما إىل وملا ينقرض العامل اإلنساني أن الدنيا مل تقض عمرها بعد

فيه حياة اإلنسانية احلقيقية وسعادة الفضائل واألخالق الراقية يوم ال يعبد فيه إال اجتماع ديين صاحل .وليس من اجلائز أن نعد مثل هذا التأثري العظيم هينا ال يعبأ به ويسار فيه بالعدالة والفضيلة

أن األحباث االجتماعية وكذا علم النفس وعلم األخالق تثبت أن األفعال املتحققة يف اخلارج هلا ارتباط وثانيا

فاألفعال آثار النفوس وهلا تأثري يف النفوس يةباألحوال وامللكات من األخالق ترتضع من ثدي الصفات النفسان

Page 249: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٤٩

وأصل أصل سراية الصفات واألخالق ويستنتج من هناك أصالن وهلا آثار يف النفوس يف صفاهتا وصفاهتا .وتتسع ببقاء وجودها بالوراثة طوال فهي تتسع وجودا بالسراية عرضا وراثتها

يف تارخيها املضبوط وقبل ضبط تصاحب االجتماعات اإلنسانية من أقدم عهودهافهذه الدعوة العظيمة وهي

التاريخ ال بد أن تكون ذات أثر عميق يف حياة اإلنسان االجتماعية من حيث األخالق الفاضلة والصفات احلسنة .فللدعوة الدينية آثار يف النفوس وإن مل جتبها ومل تؤمن هبا الكرمية

وقد ملكوها أن ما نشاهد يف االجتماعات احلاضرة من امللل واألمم احلية من آثار النبوة والدين مربل حقيقة األ

وهو الداعي الوحيد فإن الدين منذ ظهر بني هذا النوع محلته وانتحلت به أمم ومجاعات هامة بالوراثة أو التقليدفاملوجود من اخلصائل احلميدة بني الناس اليوم وإن واألخالق الفاضلة والعدل والصالح الذي يدعو إىل اإلميان

أحدها تدبري فإن التدابري العامة يف االجتماعات املتكونة ثالثة ال رابع هلا كان قليال بقايا من آثاره ونتائجهنيها القوانني املدنية وهي جتري وحتكم يف األفعال وثا االستبداد وهو يدعو إىل الرقية يف مجيع الشئون اإلنسانية

وثالثها الدين وهو حيكم يف االعتقادات وتدعو إىل احلرية فيما وراء ذلك من األخالق وغريها فحسب .واألخالق واألفعال مجيعا ويدعو إىل إصالح اجلميع

Page 250: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٥٠

.وتربيتهفلو كان يف الدنيا خري مرجو أو سعادة لوجب أن ينسب إىل الدين

وأمهلت أمر الدين واألخالق ويشهد بذلك ما نشاهده من أمر األمم اليت بنت اجتماعها على كمال الطبيعة

فإهنم مل يلبثوا دون أن افتقدوا الصالح والرمحة واحملبة وصفاء القلب وسائر الفضائل اخللقية والفطرية مع وجود ومل تكن هذه الصفات بني البشر من البقايا املوروثة من الدين ملا كافيةولو كانت أصل الفطرة أصل الفطرة فيهم

.افتقدوا شيئا من ذلك

فاقتبسوا على أن التاريخ أصدق شاهد على االقتباسات اليت عملتها األمم املسيحية بعد احلروب الصليبية واحلال أن املسلمني اختذوها وراءهم ظهريا مهمات النكات من القوانني العامة اإلسالمية فتقلدوها وتقدموا هبا

.والكالم طويل الذيل فتأخر هؤالء وتقدم أولئك

ومها التقليد الغريزي يف اإلنسان والتحفظ على السرية أعين السراية والوراثة وباجلملة األصالن املذكوران .املألوفة يوجبان نفوذ الروح الديين يف االجتماعات كما يوجبان يف غريه ذلك وهو تأثري فعلي

Page 251: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٥١

وما فائدة بناء التشريع على فعلى هذه فما فائدة الفطرة فإهنا ال تغين طائال وإمنا أمر السعادة بيد النبوة فإن قلت

.أساس الفطرة على ما تدعيه النبوة

فإن السعادة ما قدمناه يف بيان ما للفطرة من االرتباط بسعادة اإلنسان وكماله يكفي يف حل هذه الشبهة قلتفإن الفطرة هي اليت وال غريبا عن الفطرة والكمال الذي جتلبه النبوة إىل اإلنسان ليس أمرا خارجا عن هذا النوع

وهذا املعني الذي يعينها لكن هذا االهتداء ال يتم هلا بالفعل وحدها من غري معني يعينها على ذلك هتتدي إليه منضما إىل اإلنسان كاحلجر املوضوع يف على ذلك وهو حقيقة النبوة ليس أيضا أمرا خارجا عن اإلنسانية وكماهلا

وإال كان ما يعود منه إىل اإلنسان أمرا غري كماله وسعادته كالثقل الذي يضيفه احلجر إىل ثقل جنب اإلنسان مثالوهو شعور خاص وإدراك خمصوص بل هو أيضا كمال فطري لإلنسان مذخور يف هذا النوع اإلنسان يف وزنه

كما أن للبالغ من اإلنسان شعورا نوع أخذهتم العناية اإلهليةمكمون يف حقيقته ال يهتدي إليه بالفعل إال آحاد من الوإن كان اجلميع من البالغ وغري البالغ ال هتتدي إليه بالفعل بقية األفراد غري البالغني بالفعل خاصا بلذة النكاح

.والشعور شعور مرتبط بالفطرة مشرتكني يف الفطرة اإلنسانية

Page 252: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٥٢

وال السعادة اليت وخارج عن فطرته النبوة أمر زائد على إنسانية اإلنسان الذي يسمى نبياوباجلملة ال حقيقة وإال مل تكن غريب عما يستأنسه وجودهم اإلنساني هتتدي سائر األمة إليها أمر خارج عن إنسانيتهم وفطرهتم

.كماال وسعادة بالنسبة إليهم

فإن الفطرة على هذا كافية وحدها والنبوة غري خارجة عن فيعود اإلشكال على هذا التقرير إىل النبوة فإن قلت .الفطرة

هو أن النوع اإلنساني املتمدن بفطرته واملختلف يف اجتماعه يتميز من بني أفراده فإن املتحصل من هذا الكالم

فيهتدون يمة عن األوهام والتهوسات ورذائل الصفاتوعقوهلم سل آحاد من الصلحاء فطرهتم مستقيمةفيضعون قوانني فيها مصلحة وسعادة اإلنسان وسالمة عقوهلم إىل ما فيه صالح االجتماع باستقامة فطرهتم

.فإن النيب هو اإلنسان الصاحل الذي له نبوغ اجتماعي وعمران الدنيا واآلخرة الناس

.وال ما تستتبعه وإمنا هو تفسري ال ينطبق على حقيقة النبوة! كال قلت

Page 253: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٥٣

والفحص عن حقائق املبدإ فألن ذلك فرض افرتضه بعض علماء االجتماع ممن ال قدم له يف البحث الديين أوالأما .واملعاد

وهذا النبوغ يدعو إىل الفكر يف حال فذكر أن النبوة نبوغ خاص اجتماعي استتبعته استقامة الفطرة وسالمة العقل

.وما يسعد به اإلنسان االجتماعي وما يصلح به هذا االجتماع املختل االجتماع

والقوانني اليت جيعلها لصالح والفكر الصاحل املرتشح من قواه الفكرية هو الوحي فهذا النابغة االجتماعي هو النيبوروحه الطاهر الذي يفيض هذه األفكار إىل قواه الفكرية وال خيون العامل اإلنساني باتباع اهلوى االجتماع هو الدين

والكتاب الذي يتضمن أفكاره العالية الطاهرة هو واملوحي احلقيقي هو هو الروح األمني وهو جربائيلوالشيطان هي النفس األمارة إىل اخلري واملالئكة هي القوى الطبيعية أو اجلهات الداعية الكتاب السماوي

.وعلى هذا القياس بالسوء أو القوى أو اجلهات الداعية إىل الشر والفساد

إن النبوة هبذا املعنى ألن تسمى لعبة سياسية أوىل هبا من أن وقد مر يف البحث عن اإلعجاز وهذا فرض فاسد .تسمى نبوة إهلية

Page 254: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٥٤

الذي مييز بني خري الفكر الذي يسمي هؤالء الباحثون نبوغه اخلاص نبوة من خواص العقل العمليوقد تقدم أن هذا

األفعال وشرها باملصلحة واملفسدة وهو أمر مشرتك بني العقالء من أفراد اإلنسان ومن هدايا الفطرة املشرتكةان هذا شأنه مل يقدر من حيث هو كذلك على وإذا ك وتقدم أيضا أن هذا العقل بعينه هو الداعي إىل االختالف

وقد عرفت أنه جيب أن يكون هذا املتمم نوعا خاصا من الشعور واحتاج فيه إىل متمم يتمم أمره رفع االختالفخيتص به حبسب الفعلية بعض اآلحاد من اإلنسان وهتتدي به الفطرة إىل سعادة اإلنسان احلقيقية يف معاشه

.ومعاده

مبعنى أن ما جيده اإلنسان من النتائج الفكرية من ا يظهر أن هذا الشعور من غري سنخ الشعور الفكريومن هن .والطريق غري الطريق طريق مقدماهتا العقلية غري ما جيده من طريق الشعور النبوي

رمبا يظهر يف بعض اآلحاد من أفراده وال يشك الباحثون يف خواص النفس يف أن يف اإلنسان شعورا نفسيا باطنيا

صرح وراء ما يناله العقل والفكر ويعطيه عجائب من املعارف واملعلومات يفتح له بابا إىل عامل وراء هذا العامل .به مجيع علماء النفس من قدمائنا ومجع من علماء النفس من أوروبا مثل مجز اإلجنليزي وغريه

Page 255: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٥٥

وأن النبوة وكذا الشريعة والدين والكتاب وامللك لوحي النبوي غري باب الفكر العقليفقد حتصل أن باب ا

.والشيطان ال ينطبق عليها ما اختلقوه من املعاني

وعيسى وموسى فألن املأثور من كالم هؤالء األنبياء املدعني ملقام النبوة والوحي مثل حممد وأما ثانياصريح يف خالف هذا وكذا املوجود من كتبهم كالقرآن - وبعضهم يصدق بعضا - وغريهم وإبراهيم ونوح

.الذي فسروا به النبوة والوحي ونزول الكتاب وامللك وغري ذلك من احلقائق

أن هذه احلقائق وآثارها أمور خارجة عن سنخ فإن صريح الكتاب والسنة وما نقل من األنبياء العظام حبيث ال يعد إرجاعها إىل الطبيعة وحكمها إال تأويال مبا ال يقبله طبع وحكم احلس ونشأة املادة الطبيعة

.وال يرتضيه ذوق التخاطب الكالم

Page 256: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٥٦

وقد تبني مبا ذكرنا أن األمر الذي يرفع فساد االختالف عن االجتماع اإلنساني وهو الشعور الباطين الذي يدرك قوة اليت ميتاز هبا النيب من غريه أمر وراء الشعور الفكري الذي يشرتك فيه مجيع أفراد صالح االجتماع أعين ال

.اإلنسان

فعلى هذا يكون هذا الشعور الباطين أمرا خارقا للعادة فإنه أمر ال يعرفه أفراد اإلنسان من أنفسهم وإمنا فإن قلتفكيف ميكن أن يسوق اجلميع إىل إصالح شأهنم ويهدي النوع إىل سعادته هو أمر يدعيه الشاذ النادر منهم

وقد مر سابقا أن كل ما فرض هاديا لإلنسان إىل سعادته وكماله النوعي وجب أن يهديه باالرتباط ! احلقيقية .ال بنحو االنضمام كانضمام احلجر املوضوع يف جنب اإلنسان إليه واالحتاد مع فطرته

وكذا كونه أمرا من قبيل اإلدراكات الباطنية وحنو شعور مستور كون هذا األمر خارقا للعادة مما ال ريب فيه قلت

لكن العقل ال يدفع األمر اخلارق للعادة وال األمر املستور عن احلواس الظاهرة عن احلواس الظاهرية مما ال ريب فيهق األمور اخلارقة للعادة املستورة عن احلواس الظاهرة فإن له أن يستدل وللعقل طريق إىل تصدي وإمنا يدفع احملال

أو من لوازمه أو آثاره وهو االستدالل اإلني فيثبت بذلك وجوده وهو االستدالل اللمي للهعلى الشيء من طريق ع والنبوة باملعنى الذي ذكرنا ميكن أن يستدل عليها بأحد طريقني فتارة من طريق آثاره وتبعاته وهو اشتمال الدين

Page 257: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٥٧

وتارة من جهة اللوازم وهو أن النبوة ملا كانت أمرا خارقا الذي يأتي به النيب على سعادة اإلنسان يف دنياه وآخرتهع للعادة فدعواها ممن يدعيها هي دعوى أن الذي وراء الطبيعة وهو إهلها الذي يهديها إىل سعادهتا ويهدي النو

ولو كان اإلنساني منها إىل كماله وسعادته يتصرف يف بعض أفراد النوع تصرفا خارقا للعادة وهو التصرف بالوحي ألن حكم األمثال فيما جيوز وفيما ال جيوز واحد هذا التصرف اخلارق للعادة جائزا جاز غريه من خوارق العادة

يب واجدا هلا لكان من اجلائز أن يأتي بأمر آخر خارق للعادة مرتبطة فلو كانت دعوى النبوة من النيب حقا وكان النوهذا األمر اخلارق للعادة هي اآلية بنبوته حنو ارتباط يوجب تصديق العقل الشاك يف نبوة هذا املدعي للنبوة

بسورة من مثله وإن كنتم يف شك مما نزلنا على عبدنا فأتوا قولهاملعجزة وقد تكلمنا يف اإلعجاز يف تفسري .٢٣ البقرة اآلية

وكان هب أن هذا االختالف ارتفع هبذا الشعور الباطين املسمى بوحي النبوة وأثبتها النيب باإلعجاز فإن قلت

وما الذي يصون النيب لكن ما املؤمن عن الغلط على الناس أن يأخذوا بآثاره وهو الدين املشرع الذي جاء به النيب .عن الوقوع يف اخلطإ يف تشريعه وهو إنسان طبعه طبع سائر األفراد يف جواز الوقوع يف اخلطأ

Page 258: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٥٨

ومن املعلوم أن وقوع اخلطأ يف هذه املرحلة أعين مرحلة الدين ورفع االختالف عن االجتماع يعادل نفس االختالف فيعود احملذور من وإضالله هذا النوع يف سريه إىل سعادته االجتماعي يف سد طريق استكمال النوع اإلنساني

.!رأس

فإن الذي ساق هذا النوع حنو هذه الفعلية أعين األمر األحباث السابقة تكفي مئونة حل هذه العقدة قلتالروحي الذي يرفع االختالف إمنا هو الناموس التكويين الذي هو اإليصال التكويين لكل نوع من األنواع الوجودية إىل

فإن السبب الذي أوجب وجود اإلنسان يف اخلارج وجودا حقيقيا كسائر كماله الوجودي وسعادته احلقيقيةومن املعلوم أن األمور اخلارجية من حيث ألنواع اخلارجية هو الذي يهديه هداية تكوينية خارجية إىل سعادتها

أعين الوجود اخلارجي ال يوجد فيه اخلطأ والغلط لوضوح أن ما يف اخلارج إهنا خارجية ال تعرضها اخلطأ والغلطوم التصديقية واألمور الفكرية من جهة تطبيقها على اخلارج فإن وإمنا يعرض اخلطأ والغلط يف العل! هو ما يف اخلارج

وإذا فرض أن الذي يهدي تعرضها من حيث مطابقتها للخارج وعدمها الصدق والكذب من خواص القضايا هذا النوع إىل سعادته ورفع اختالفه العارض على اجتماعه هو اإلجياد والتكوين لزم أن ال يعرضه غلط وال خطأ يف

فال التكوين يغلط يف وضعه هذا الروح والشعور وال يف وسيلة هدايته اليت هي روح النبوة وشعور الوحي هدايته وال هذا الشعور الذي وضعه يغلط يف تشخيصه مصاحل النوع عن مفاسده وسعادته عن شقائه يف وجود النيب

Page 259: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٥٩

فمن الواجب أن يقف أمر ر آخر مصون عن الغلط واخلطأولو فرضنا له غلطا وخطأ يف أمره وجب أن يتداركه بأم .التكوين على صواب ال خطأ فيه وال غلط

وهي املصونية عن اخلطأ يف أمر الدين والشريعة أن هذا الروح النبوي ال حيل حمال إال مبصاحبة العصمة فظهر

فإن هذه عصمة يف تلقي الوحي من وهذه العصمة غري العصمة عن املعصية كما أشرنا إليه سابقا املشرعة وتلك عصمة يف مقام العمل والعبودية وهناك مرحلة ثالثة من العصمة وهي العصمة يف تبليغ الوحي فإن

.وال خطأ وال غلط يف التكوين كلتيهما واقعتان يف طريق سعادة اإلنسان التكوينية وقوعا تكوينيا

أنه مل ال جيوز أن يكون هذا الشعور الباطين مثل الشعور وقد ظهر مبا ذكرنا اجلواب عن إشكال آخر يف املقام وهوفإن الشعور الفطري الفطري املشرتك أعين الشعور الفكري يف حنو الوجود بأن يكون حمكوما حبكم التغري والتأثر

ومن األمور القائمة بالنفس اردة عن املادة إال أنه من جهة ارتباطه باملادة يقبل الشدة وإن كان أمرا غري ماديوالضعف والبقاء والبطالن كما يف مورد اجلنون والسفاهة والبالهة والغباوة وضعف الشيب وسائر اآلفات الواردة

وإن سلم أنه غري مادي لك هذا الشعور الباطين أمر متعلق بالبدن املادي حنوا من التعلقفكذ على القوى املدركة

Page 260: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٦٠

ومع إمكان عروض التغري والفساد فيه يف ذاته فيجب أن يكون حاله حال الشعور الفكري يف قبول التغري والفساد .يعود اإلشكاالت السابقة البتة

إنا بينا أن هذا السوق أعين سوق النوع اإلنساني حنو سعادته احلقيقية إمنا يتحقق بيد الصنع واإلجياد واجلواب

.وال معنى لتحقق اخلطأ يف الوجود اخلارجي اخلارجي دون العقل الفكري

كون كل شعور متعلق وأما كون هذا الشعور الباطين يف معرض التغري والفساد لكونه متعلقا حنو تعلق بالبدن فال نسلم وإمنا القدر املسلم من ذلك هذا الشعور الفكري وقد مر أن الشعور النبوي ليس من بالبدن معرضا للتغري والفساد

وهو ال يقبل البطالن والفساد والتغري واخلطأ فإنه قبيل الشعور الفكري وذلك أن من الشعور شعور اإلنسان بنفسه .وتتمة هذا الكالم موكول إىل حمله لوم اخلارجيعلم حضوري معلومه عني املع

.انسياق االجتماع اإلنساني إىل التمدن واالختالف أحدها فقد تبني مما مر أمور

.أن هذا االختالف القاطع لطريق سعادة النوع ال يرتفع ولن يرتفع مبا يضعه العقل الفكري من القوانني املقررة ثانيها

Page 261: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٦١

.يف بعض آحاد اإلنسان ال غري أن رافع هذا االختالف إمنا هو الشعور النبوي الذي يوجده ثالثها

أن سنخ هذا الشعور الباطين املوجود يف األنبياء غري سنخ الشعور الفكري املشرتك بني العقالء من أفراد رابعها

.اإلنسان

أن هذا الشعور الباطين ال يغلط يف إدراكه االعتقادات والقوانني املصلحة حلال النوع اإلنساني يف سعادته خامسها .احلقيقية

وكون شعور الوحي غري الشعور لزوم بعثة األنبياء أن هذه النتائج ويهمنا من بينها الثالثة األخرية أعين سادسها

غري غالط يف تلقي الوحي نتائج ينتجها الناموس العام املشاهد يف هذه العامل وكون النيب معصوما الفكري سنخاوهو سري كل واحد من األنواع املشهودة فيه حنو سعادته هبداية العلل الوجودية اليت جهزهتا بوسائل السري الطبيعي

وهو جمهز مبا ميكنه به أن يعتقد االعتقاد احلق واإلنسان أحد هذه األنواع حنو سعادته والوصول إليها والتلبس هبا

Page 262: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٦٢

فال بد أن يكون الوجود يهيىء له هذه ويعمل عمال صاحلا يف مدينة صاحلة فاضلة ويتلبس بامللكات الفاضلة .السعادة يوما يف اخلارج ويهديه إليه هداية تكوينية ليس فيها غلط وال خطأ على ما مر بيانه

لزلوا حتى يقول تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وز أم حسبتم أن رتى نصم هعوا منآم ينالذول وسالر رنص أال إن قريب٢١٤

بيان

ذات سياق إىل آخر هذه اآلية يا أيها آمنوا ادخلوا يف السلم كافةقولهقد مر أن هذه اآليات آخذة من .واحد يربط بعضها ببعض

وهو أن الدين نوع هداية من تثبيت ملا تدل عليه اآليات السابقة أم حسبتم أن تدخلوا اجلنةقوله للناس إىل ما فيه سعادهتم يف الدنيا واآلخرة ونعمة حباهم هبا فمن الواجب أن يسلموا له وال يتبعوا

كفرا ونقمة من وال يبدلوا نعمة وال جيعلوا الدواء داء وال يلقوا فيه االختالف خطوات الشيطانهم غضب من رهبم كما حل ببين إسرائيل حيث بدلوا نعمة وابتغاء زخرف الدنيا وحطامها فيحل علي اتباع اهلوى

Page 263: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٦٣

من بعد ما جاءهتم فإن احملنة دائمة والفتنة قائمة ولن ينال أحد من الناس سعادة الدين وقرب رب العاملني .إال بالثبات والتسليم

فإن أصل اخلطاب كان معهم ووجه الغيبةويف اآلية التفات إىل خطاب املؤمنني بعد تنزيلهم يف اآليات السابقة منزلة

وإمنا عدل عن ذلك إىل غريه لعناية كالمية أوجبت ذلك يا أيها الذين آمنوا ادخلوا يف السلم كافة قولهالكالم إليهم يف وكلمة أم منقطعة تفيد اإلضراب...وبعد انقضاء الوطر عاد إىل خطاهبم ثانيا واملعنى على ما قيل بل

وأن الداللة على معنى واحلق أن أم إلفادة الرتديد واخلالف يف أم املنقطعة معروف أحسبتم أن تدخلوا اجلنة إخلهل فاملعنى يف املورد مثال ال أهنا داللة وضعية اإلضراب من حيث انطباق معنى اإلضراب على املورد

واالتفاق واالحتاد فيه أم ال بل حسبتم أن انقطعتم مبا أمرناكم من التسليم بعد اإلميان والثبات على نعمة الدين .تدخلوا اجلنة إخل

واملثل بفتح امليم والثاء كالشبه املثل بكسر امليم فسكون الثاء وملا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكمقوله

والشبه واملراد به ما ميثل الشيء وحيضره ويشخصه عند السامع ومنه املثل بفتحتني وهو اجلملة أو القصة اليتمثل الذين محلوا التوراة ثم تفيد استحضار معنى مطلوب يف ذهن السامع بنحو االستعارة التمثيلية كما قال

Page 264: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٦٤

انظر كيف ضربوا قولهومنه أيضا املثل مبعنى الصفة ك ٥ اجلمعة مل حيملوها كمثل احلمار حيمل أسفارايبني املثل الذي وحيث إنه جمنون وساحر وكذاب وحنو ذلك وإمنا قالوا له ٩ الفرقان لك األمثال

.مستهم البأساء والضراء إخل فاملراد به املعنى األول بقولهذكره

إىل آخره ملا اشتد شوق املخاطب ليفهم تفصيل اإلمجال الذي دل عليه مستهم البأساء والضراءقولهمستهم البأساء والضراء والبأساء هو الشدة املتوجهة إىل اإلنسان يف بقولهبني ذلك وملا يأتكم مثل الذين بقوله

يت تصيب اإلنسان يف والضراء هي الشدة ال خارج نفسه كاملال واجلاه واألهل واألمن الذي حيتاج إليه يف حياتهكررت اللفظة للداللة على والزلزلة والزلزال معروف وأصله من زل مبعنى عثر نفسه كاجلرح والقتل واملرض

وكب وصل وصلصل وهو كصر وصرصر التكرار كان األرض مثال حتدث هلا بالزلزلة عثرة بعد عثرة .والزلزال يف اآلية كناية عن االضطراب واإلدهاش وكبكب

واجلملة على هذا يف حمل الغاية ملا سبقها قرىء بنصب يقول حتى يقول الرسول والذين آمنوا معهقوله

واملعنيان وإن كانا مجيعا صحيحني لكن الثاني أنسب وقرىء برفع يقول واجلملة على هذا حلكاية احلال املاضية .ال يناسب السياق كل املناسبة وزلزلواقولهفإن كون اجلملة غاية يعلل هبا للسياق

Page 265: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٦٥

وال ضري يف أن يتفوه الرسول مبثل الظاهر أنه مقول قول الرسول والذين آمنوا معه مجيعا متى نصر قوله

ولقد سبقت رسله واملؤمنني هبم كما قال هذا الكالم استدعاء وطلبا للنصر الذي وعد به ألغلنب أنا كتب وقال ١٧٢ الصافات كلمتنا لعبادنا املرسلني إهنم هلم املنصورون

استيئس الرسل وظنوا أهنم قد كذبوا جاءهم حتى إذا أيضا وقد قال ٢١ اادلة ورسلي .وهو أشد حلنا من هذه اآلية ١١٠ يوسف نصرن

...ال تتمة لقول الرسول والذين آمنوا معه مقول له قريب أال إن نصر قولهوالظاهر أيضا أن

واآلية كما مرت إليه اإلشارة سابقا تدل على دوام أمر االبتالء واالمتحان وجريانه يف هذه األمة كما جرى يف األمم .السابقة

.وهو الذي يسمى بتكرر التاريخ وعوده وتدل أيضا على احتاد الوصف واملثل بتكرر احلوادث املاضية غابرا

Page 266: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٦٦

اكسالمى وتاماليو بنياألقرن ويداللور فليخ نا أنفقتم مقل م قوننفاذا يم ألونكسر ييخ نلوا ما تفعمبيل ون السابو ني فإن يملع به٢١٥

بيان

فإهنم إمنا إن اآلية واقعة على أسلوب احلكمة قالوا ما أنفقتم من خري قل يسئلونك ما ذا ينفقونقوله وكان هذا السؤال كاللغو ملكان ظهور ما يقع به اإلنفاق وهو املال على أقسامه سألوا عن جنس ما ينفقون ونوعه

أنواعه ليكون تنبيها هلم حبق صرف اجلواب إىل التعرض حباله وبيان وكان األحق بالسؤال إمنا هو من ينفق له .السؤال

فإهنا تعرضت وهو أن اآلية مع ذلك متعرضة لبيان جنس ما ينفقونه والذي ذكروه وجه بليغ غري أهنم تركوا شيئا

ففي اآلية داللة على أن به عليم وما تفعلوا من خري فإن بقوهلا وثانيا إمجاال من خري أوال بقوهلا لذلكلكنهم كان عليهم أن به عليم وأن ذلك فعل خري و من قليل أو كثري الذي ينفق به هو املال كائنا ما كان

.الوالدان واألقربون واليتامى واملساكني وابن السبيل وهم يسألوا عمن ينفقون هلم ويعرفوه

Page 267: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٦٧

ليس هو السؤال عن املاهية ماذا ينفقونقولهأن املراد مبا يف املفسرينومن غريب القول ما ذكره بعض بل هو السؤال عن الكيفية فإنه اصطالح منطقي ال ينبغي أن ينزل عليه الكالم العربي وال سيما أفصح الكالم وأبلغه

وأهنم كيف ينفقونه ويف أي موضع يضعونه فأجيب بالصرف يف املذكورين يف اآلية فاجلواب مطابق للسؤال ال .!كما ذكره علماء البالغة

أن السؤال وإن كان بلفظ ما إال أن املقصود هو السؤال عن الكيفية فإن من ومثله وهو أغرب منه ما ذكره بعض آخر

نظري وتعني أن السؤال عن الكيفية وإذا كان هذا معلوما مل يذهب إليه الوهم املعلوم أن الذي ينفق به هو املالفكان من املعلوم أن البقرة هبيمة ٧٠ البقرةقالوا ادع لنا ربك يبني لنا ما هي إن البقر تشابه عليناقوله

فكان من املتعني أن يكون سؤاال عن ما هي على طلب املاهية قولهفال وجه حلمل نشأهتا وصفتها كذا وكذا .٧١ البقرة إهنا بقرة ال ذلولقولهولذلك أجيب باملطابقة ب الصفة اليت هبا متتاز البقرة من غريها

وهي فإن ما وإن مل تكن موضوعة يف اللغة لطلب املاهية اليت اصطلح عليها املنطق وقد اشتبه األمر على هؤالء

حتى لكنه ال يستلزم أن تكون حينئذ موضوعة للسؤال عن الكيفية احلد املؤلف من اجلنس والفصل القريبني

Page 268: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٦٨

للوالدين بقولهفيجاب عنه أي على من أنفق ما ذا أنفق يصح لقائل أن يقول عند السؤال عن املستحقني لإلنفاق .فإن ذلك من أوضح اللحن واألقربني

فهي أو معرفا باخلواص واألوصاف موضوعة للسؤال عما يعرف الشيء سواء كان معرفا باحلد واملاهيةبل ما

يبني قولهومنه يعلم أن أعم مما اصطلح عليه يف املنطق ال أهنا مغايرة له وموضوعة للسؤال عن كيفية الشيءوهو السؤال عما يعرف على أصل اللغةسؤال وجواب جاريان إهنا بقرة ال ذلولقولهو لنا ما هي

.الشيء وخيصه واجلواب بذلك

إن املاهية ملا كانت معلومة تعني محل ما على السؤال عن الكيفية دون املاهية فهو من أوضح اخلطإ وأما قول القائل .فإن ذلك ال يوجب تغري معنى الكلمة مما وضع له إىل غريه

وأين ينفقون فذكر أحد السؤالني ما ينفقون إن السؤال كان عن األمرين مجيعا من يقول ويتلومها يف الغرابة قول

.وهو كما ترى! وهو السؤال الثاني لداللة اجلواب عليه وحذف اآلخر

Page 269: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٦٩

وكيف كان ال ينبغي الشك يف أن يف اآلية حتويال ما للجواب إىل جواب آخر تنبيها على أن األحق هو السؤال عن من والتحول من معنى إىل آخر للتنبيه على ما ينبغي التحول إليه وإال فكون اإلنفاق من اخلري واملال ظاهر ينفق عليهم

مثل الذين كفروا كمثل الذي قولهوهو من ألطف الصنائع املختصة به ك واالشتغال به كثري الورود يف القرآنمثل ما ينفقون يف هذه احليوة الدنيا كمثل ريح فيها قولهو ١٧١ البقرة ينعق مبا ال يسمع إال دعاء ونداء

كمثل حبة أنبتت سبع مثل الذين ينفقون أمواهلم يف سبيل قولهو ١١٧ آل عمران صر ٨٩ الشعراء بقلب سليم يوم ال ينفع مال وال بنون إال من أتى قولهو ٢٦١ البقرة سنابل

٥٧ الفرقان أسألكم عليه من أجر إال من شاء أن يتخذ إىل ربه سبيالقل ما قولهوإىل غري ذلك من كرائم ١٦٠ الصافاتاملخلصني عما يصفون إال عباد سبحان قولهو

.اآليات

اخلري يف أول يف تبديل اإلنفاق من فعل اخلري هاهنا كتبديل املال من به عليم وما تفعلوا من خري فإن قولهغري أنه ينبغي أن يكون خريا يتعلق به الرغبة وتقع اآلية إمياء إىل أن اإلنفاق وإن كان مندوبا إليه من قليل املال وكثريه

يا أيها الذين وكما قال ٩٢ آل عمران لن تنالوا الرب حتى تنفقوا مما حتبون عليه احملبة كما قال

Page 270: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٧٠

ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من األرض وال تيمموا اخلبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إال أن آمنوا أنفقوا من طيبات .٢٦٧ البقرة تغمضوا فيه

ثم ال يتبعون ما أنفقوا وإمياء إىل أن اإلنفاق ينبغي أن ال يكون على حنو الشر كاإلنفاق باملن واألذى كما قال

.٢١٩ البقرة ويسئلونك ما ذا ينفقون قل العفوقولهو ٢٦٢ البقرة منا وال أذى

ما رأيت قوما كانوا خريا من أصحاب حممد ما سألوه إال عن ثالث عشرة عن ابن عباس قال يف الدر املنثور

ويسئلونك ويسألونك عن الشهر احلرام يسئلونك عن اخلمر وامليسر منهن كلهن يف القرآن مسألة حتى قبضما كانوا يسألون إال عما كان ويسئلونك ما ذا ينفقون ويسئلونك عن األنفال ويسئلونك عن احمليض عن اليتامى

.ينفعهم

مبا ذا أتصدق يا رسول فقال وكان شيخا كبريا ذا مال كثري يف اآلية نزلت يف عمرو بن اجلموح يف امعوقد عن ابن املنذر عن ابن حيان ورواه يف الدر املنثور أقول هذه اآلية فأنزل وعلى من أتصدق

Page 271: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٧١

وهي مع ذلك غري منطبق على اآلية حيث مل يوضع يف اآلية إال السؤال عما يتصدق به دون من استضعفوا الرواية .يتصدق عليه

سأل املؤمنون رسول عن ابن جرير وابن املنذر عن ابن جريح قالونظريها يف عدم االنطباق ما رواه أيضا

أين يضعون أمواهلم فنزلت يسئلونك ما ذا ينفقون قل ما أنفقتم من خري فذلك النفقة يف التطوع والزكاة .سوى ذلك كله

وهي النفقة ينفقها الرجل على يوم نزلت هذه اآلية مل يكن زكاة قال ونظريها يف ذلك أيضا ما رواه عن السدي

.والصدقة يتصدق هبا فنسختها الزكاة أهله

وبني هذه اآلية نسبة النسخ وهو ١٠٤ التوبة خذ من أمواهلم صدقة وليست النسبة بني آية الزكاة أقول .ظاهر إال أن يعين بالنسخ معنى آخر

Page 272: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٧٢

بكتيوا شبى أن تحسعو لكم ريخ وهئا ويوا شهى أن تكرسعو لكم هكر وهتال والق كمليعو لكم رش وهئا و ونلمال تع أنتمو لمعي٢١٦ بيلن سع دصو كبري يهتال فقل ق يهتال فام قرر الحهن الشع ألونكسي به كفرو

ندع رأكب هنم هلأه اجرإخام ورالح جدسالمو لونكقاتي الونزال يالقتل و نم رة أكبتنالفن وع وكمدري تىح ممالهمأع بطتح كلئفأو ركاف وهو تمفي هينن دع نكمم دتدرن يموا وتطاعإن اس كميند كلئأوو ةراآلخا ونيي الدف

وندالا خيهف مار هالن ابحأص٢١٧ يالذ بيل إني سوا فداهجوا وراجه ينالذوا ونآم ن ونجري كلئأو تمحر و يمحر غفور٢١٨

بيان

الكتابة كما مر مرارا ظاهرة يف الفرض إذا كان الكالم مسوقا لبيان كتب عليكم القتال وهو كره لكمقولهويف القضاء احلتم إذا كان يف التكوين فاآلية تدل على فرض القتال على كافة املؤمنني لكون اخلطاب متوجها التشريع

ليس على األعمى حرج وال على األعرج حرج وال على املريض قولهإليهم إال من أخرجه الدليل مثل .وغري ذلك من اآليات واألدلة ٦١ النور حر

Page 273: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٧٣

و هو ال يناسب إظهار الفاعل صونا ملقامه عن اهلتكوهو كره لكمقولهومل يظهر فاعل كتب لكون اجلملة مذيلة .وحفظا المسه عن االستخفاف أن يقع الكتابة املنسوبة إليه صرحيا موردا لكراهة املؤمنني

املشقة اليت والكره بفتح الكاف والكره بضم الكاف املشقة اليت يدركها اإلنسان من نفسه طبعا أو غري ذلك

ال حيل لكم أن ترثوا النساء حتمل عليه من خارج كان جيربه إنسان آخر على فعل ما يكرهه قال وكون القتال املكتوب ١١ فصلت فقال هلا ولألرض ائتيا طوعا أو كرها وقال ١٩ النساء كرها

كرها للمؤمنني إما ألن القتال لكونه متضمنا لفناء النفوس وتعب األبدان واملضار املالية وارتفاع األمن والرخص فإن وغري ذلك مما يستكرهه اإلنسان يف حياته االجتماعية ال حمالة كان كرها وشاقا للمؤمنني بالطبع والرفاهية يف كتابه مبا مدحوإن مدح املؤمنني وذكر أن فيهم رجاال صادقني يف إمياهنم مفلحني يف سعيهم لكنه مع

وهو ظاهر بالرجوع إىل اآليات النازلة يف غزوة بدر وأحد ذلك عاتب طائفة منهم مبا يف قلوهبم من الزيغ والزلل ومعلوم أن من اجلائز أن ينسب الكراهة والتثاقل إىل قوم فيهم كاره وغري كاره وأكثرهم كارهون واخلندق وغريها

.فهذا وجه

Page 274: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٧٤

وأن وإما ألن املؤمنني كانوا يرون أن القتال مع الكفار مع ما هلم من العدة والقوة ال يتم على صالح اإلسالم واملسلمنيولذلك كانوا يكرهون د بزيادة النفوس وكثرة األموال ورسوخ االستطاعةاحلزم يف تأخريه حتى يتم هلم االستعدا

أمرا يف هذا األمر للهفإن أهنم خمطئون يف هذا الرأي والنظر فبني اإلقدام على القتال واالستعجال يف النزال .وهو العامل حبقيقة األمر وهم ال يعلمون إال ظاهره وهذا وجه آخر هو بالغه

وملكة الرمحة والرأفة فكانوا وإما ألن املؤمنني لكوهنم مرتبني برتبية القرآن تعرق فيهم خلق الشفقة على خلق

ومل يكونوا راضني بذلك بل كانوا يكرهون القتال مع الكفار لكونه مؤديا إىل فناء نفوس منهم يف املعارك على الكفرويدخلوا حتت لواء والدعوة احلسنة لعلهم يسرتشدوا بذلك اجلميلةحيبون أن يداروهم وخيالطوهم بالعشرة

فبني ذلك أهنم خمطئون يف ونفوس الكفار من اهلالك األبدي والبوار الدائم اإلميان فيحفظ نفوس املؤمنني من الفناءوأنه ال يعود يعلم أن الدعوة غري مؤثرة يف تلك النفوس الشقية اخلاسرة - وهو املشرع حلكم القتال - فإن ذلك

فهم يف اجلامعة اإلنسانية كالعضو الفاسد الساري فساده إىل من كثري منهم عائد إىل الدين ينتفع به يف دنيا أو آخرة .وهذا أيضا وجه قطع ويرمى بهالذي ال ينجع فيه عالج دون أن ي سائر األعضاء

Page 275: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٧٥

على أن وهو كره لكم إال أن األول أنسب نظرا إىل ما أشري إليه من آيات العتاب فهذه وجوه يوجه هبا قوله .بصيغة اهول على ما مر من الوجه يؤيد ذلك كتب عليكم القتال قولهالتعبري يف

مستعمل قد مر فيما مر أن أمثال عسى ولعل يف كالمه وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خري لكمقوله

وليس من الواجب قيام صفة الرجاء بنفس املتكلم بل يكفي قيامها باملخاطب أو مبقام يف معنى الرتجيبل لريجوه املخاطب أو عن ذلك عسى أن يكون كذا ال ألنه يرجوه إمنا يقول ف التخاطب

.السامع

على خطئهم يف األمرين فأرشدهم حمبني للسلم عسى يف اآلية لكون املؤمنني كارهني للحرب وتكراركان معناه أنه ال عسى أن تكرهوا شيئا وهو خري لكم أو حتبوا شيئا وهو شر لكم أنه لو قيل بيان ذلك مجيعا

ومثل هذا الكالم إمنا يلقى إىل من أخطأ خطأ واحدا كمن يكره عربة بكرهكم وحبكم فإهنما رمبا خيطئان الواقعفالذي تقتضيه البالغة أن وأما من أخطأ خطاءين كان يكره املعاشرة واملخالطة وحيب االعتزال لقاء زيد فقط

كره شيئا عسى أن ت وال يف حبك اهتديت ال يف كرهك أصبت فيقال له يشار إىل خطئه يف األمرين مجيعاوملا كان وهو خري لك وعسى أن حتب شيئا وهو شر لك ألنك جاهل ال تقدر أن هتتدي بنفسك إىل حقيقة األمر

Page 276: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٧٦

أم حسبتم أن تدخلوا اجلنة وملا يأتكم سابقا املؤمنون مع كرههم للقتال حمبني للسلم كما يشعر به أيضا قوله .وعسى أن حتبوا عسى أن تكرهوا باخلطاءين باجلملتني املستقلتني ومها نبههم مثل الذين خلوا من قبلكم

تدرج يف بيان ذلك إرفاقا بأذهاهنم فإنه تتميم لبيان خطئهم يعلم وأنتم ال تعلمون وقوله

فلما اعتدلت أذهاهنم حبصول الشك عسى أن تكرهوا بقولهفأخذ أوال بإبداء احتمال خطئهم يف كراهتهم للقتال الذي ال جيهل وزوال صفة اجلهل املركب كر عليهم ثانيا بأن هذا احلكم الذي كرهتموه أنتم إمنا شرعه فيها

إياه وكشف عن والذي ترونه مستند إىل نفوسكم اليت ال تعلم شيئا إال ما علمها شيئا من حقائق األمور .األمر لموا إليه فعليكم أن تس حقيقته

على اإلطالق ونفي العلم عن غريه على اإلطالق تطابق سائر اآليات الدالة على هذا واآلية يف إثباته العلم له

وال حييطون بشيء من علمه إال مبا قولهو ٥ آل عمران ال خيفى عليه شيء إن قولهاملعنى ك .١٩٠ البقرة وقاتلوا يف سبيل قولهوقد سبق بعض الكالم يف القتال يف ٢٥٥ البقرة شاء

Page 277: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٧٧

اآلية تشتمل على املنع عن القتال يف الشهر احلرام وذمه بأنه صد يسئلونك عن الشهر احلرام قتال فيهقولهوأن الفتنة أكرب واشتماهلا مع ذلك على أن إخراج أهل املسجد احلرام منه أكرب عند وكفر عن سبيل

يف آخر اآليات وأنه إمنا وقع خطأ لقوله يؤذن بوقوع حادثة هي املوجبة للسؤال وأن هناك قتال من القتل إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا يف سبيل أولئك يرجون رمحة و غفور رحيم اآلية

ففيه وطعن الكفار به فهذه قرائن على وقوع قتل يف الكفار خطأ من املؤمنني يف الشهر احلرام يف قتال واقع بينهم .بن جحش وأصحابه تصديق ملا ورد يف الروايات من قصة عبد

واملراد الصد هو املنع والصرف وكفر به واملسجد احلرام قل قتال فيه كبري وصد عن سبيل قوله

والظاهر أن ضمري به راجع إىل السبيل فيكون كفرا يف العمل دون العبادة والنسك وخاصة احلج بسبيل .وعن املسجد احلرام أي صد عن سبيل واملسجد احلرام عطف على سبيل االعتقاد

فاقتلوا املشركني حيث قولهإهنا منسوخة ب وقد قيل واآلية تدل على حرمة القتال يف الشهر احلرام

.وقد مر بعض الكالم يف ذلك يف تفسري آيات القتال وليس بصواب ٦ التوبة وجدمتوهم

Page 278: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٧٨

أي والذي فعله املشركون من إخراج رسول والفتنة أكرب من القتل وإخراج أهله منه أكرب عند قوله واملؤمنني من املهاجرين وهم أهل املسجد احلرام منه أكرب من القتال وما فتنوا به املؤمنني من الزجر

ومل يكن فال حيق للمشركني أن يطعنوا املؤمنني وقد فعلوا ما هو أكرب مما طعنوا به والدعوة إىل الكفر أكرب من القتل .غفور رحيم و املؤمنون فيما أصابوه منهم إال راجني رمحة

.إىل آخر اآلية حتى للتعليل أي لريدوكم يقاتلونكموال يزالون قوله

.هتديد للمرتد حببط العمل وخلود النار إخل ومن يرتدد منكم عن دينهقوله

كالم يف احلبط

لئن أشركت ليحبطن قولهومل ينسب يف القرآن إال إىل العمل ك واحلبط هو بطالن العمل وسقوط تأثريهوشاقوا الرسول إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل قولهو ٦٥ الزمر اخلاسرينعملك ولتكونن من

وأطيعوا الرسول يا أيها الذين آمنوا أطيعوا شيئا وسيحبط أعماهلم من بعد ما تبني هلم اهلدى لن يضروا وذيل اآلية يدل باملقابلة على أن احلبط مبعنى بطالن العمل كما هو ظاهر ٣٣ حممد وال تبطلوا أعمالكم

Page 279: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٧٩

وقدمنا إىل ما قولهويقرب منه ١٦ هود وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملونقوله .٢٣ الفرقان عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا

إن أصله من احلبط بالتحريك وهو أن يكثر احليوان وقد قيل وباجلملة احلبط هو بطالن العمل وسقوطه عن التأثري

.من األكل فينتفخ بطنه ورمبا أدى إىل هالكه

فللحبط تعلق باألعمال من حيث أثرها يف من أثر احلبط بطالن األعمال يف الدنيا واآلخرة معا والذي ذكره من عمل صاحلا من ذكر أو قال فإن اإلميان يطيب احلياة الدنيا كما يطيب احلياة اآلخرة احلياة اآلخرة

وخسران سعي ٩٧ النحل أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملونفإن قلبه غري متعلق وحبط عمله يف الدنيا ظاهر ال غبار عليه وخاصة من ارتد إىل الكفر بعد اإلميان الكافر

قال ويرجع إليه عند احلاجة ويتسلى به عند املصيبة يبتهج به عند النعمة وهو بأمر ثابت أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا ميشي به يف الناس كمن مثله يف الظلمات ليس خبارج منها األنعام ١٢٢ تبني اآلية أن للمؤمن يف الدنيا حياة ونورا يف أفعاله وليس للكافر ومثله قوله فمن اتبع هداي فال

Page 280: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٨٠

حيث يبني أن ١٢٤ طه يضل وال يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا وحنشره يوم القيمة أعمى .وباملقابلة معيشة املؤمن وحياته سعيدة رحبة وسيعة معيشة الكافر وحياته يف الدنيا ضنك ضيقة متعبة

موىل الذين آمنوا وأن الكافرين ال ذلك بأن قولهوقد مجع اجلميع ودل على سبب هذه السعادة والشقاوة

.١١ حممد موىل هلم

ال خصوص األعمال العبادية املراد باألعمال مطلق األفعال اليت يريد اإلنسان هبا سعادة احلياةفظهر مما قربناه أن مضافا إىل أن احلبط وارد يف مورد الذين ال عمل واألفعال القربية اليت كان املرتد عملها وأتى هبا حال اإلميان

ينصركم ويثبت يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا قولهوال فعل قربي هلم كالكفار واملنافقني ك عبادي ٩ حممد فأحبط أعمال هم أقدامكم والذين كفروا فتعسا هلم وأضل أعماهلم ذلك بأهنم كرهوا ما أنزل

ويقتلون النبيني بغري حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس إن الذين يكفرون بآيات قولهوإىل ٢٢ آل عمران فبشرهم بعذاب أليم أولئك الذين حبطت أعماهلم يف الدنيا واآلخرة وما هلم من ناصرين

.غري ذلك من اآليات

Page 281: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٨١

كما أن أن يؤثر يف سعادة احلياةفمحصل اآلية كسائر آيات احلبط هو أن الكفر واالرتداد يوجب بطالن العمل عن فإن آمن اإلنسان بعد الكفر حييت أعماله يف تأثري اإلميان يوجب حياة يف األعمال تؤثر هبا أثرها يف السعادة

فال تأثري هلا يف سعادة دنيوية وإن ارتد بعد اإلميان ماتت أعماله مجيعا وحبطت السعادة بعد كوهنا حمبطة باطلة .لكن يرجى له ذلك أن هو مل ميت على الردة وإن مات على الردة حتم له احلبط وكتب عليه الشقاء رويةوال أخ

.ومن هنا يظهر بطالن النزاع يف بقاء أعمال املرتد إىل حني املوت واحلبط عنده أو عدمه

فإن مل يرجع إىل اإلميان أنه ذهب بعضهم إىل أن أعمال املرتد السابقة على ردته باقية إىل حني املوت توضيح ذلك

ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت قولهواستدل عليه ب بطلت باحلبط عند ذلكعملوا من عمل فجعلناه هباء وقدمنا إىل ما قولهاآلية ورمبا أيده أعماهلم يف الدنيا واآلخرة

ويتفرع عليه أنه لو رجع إىل اإلميان متلك أعماله فإن اآلية تبني حال الكفار عند املوت ٢٣ الفرقان منثورا .الصاحلة السابقة على االرتداد

Page 282: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٨٢

نعم له ما عمله من وذهب آخرون إىل أن الردة حتبط األعمال من أصلها فال تعود إليه وإن آمن من بعد االرتدادوأما اآلية فإمنا أخذت قيد املوت لكوهنا يف مقام بيان مجيع أعماله وأفعاله األعمال بعد اإلميان ثانيا إىل حني املوت

وأن اآلية بصدد بيان بطالن أن ال وجه هلذا النزاع أصال وأنت بالتدبر فيما ذكرناه تعرف! اليت عملها يف الدنيا .!وأفعاله من حيث التأثري يف سعادته مجيع أعماله

وهي أن األعمال هل تبطل بعضها وهنا مسألة أخرى كاملتفرعة على هذه املسألة وهي مسألة اإلحباط والتكفري

.نعم احلسنات رمبا كفرت السيئات بنص القرآن بعضا أو ال تبطل بل للحسنة حكمها وللسيئة حكمها

فمن قائل بأن كل الحق من السيئة تبطل والتحابط بني األعمال وقد اختلف هؤالء بينهمذهب بعضهم إىل التباطل أو سيئة فقط ومن قائل والزمه أن ال يكون عند اإلنسان من عمله إال حسنة فقط احلسنة السابقة كالعكس

والزم القولني مجيعا أن ال يكون عند باملوازنة وهو أن ينقص من األكثر مبقدار األقل ويبقى الباقي سليما عن املنايف .اإلنسان من أعماله إال نوع واحد حسنة أو سيئة لو كان عنده شيء منهما

Page 283: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٨٣

أن يتوب عليهم وآخرون اعرتفوا بذنوهبم خلطوا عمال صاحلا وآخر سيئا عسى قولهويردمها أوال فإن اآلية ظاهرة يف اختالف األعمال وبقائها على حاهلا إىل أن تلحقها توبة من ١٠٢ التوبة غفور رحيم و وهو ينايف التحابط بأي وجه تصوروه.

جرى يف مسألة تأثري األعمال على ما جرى عليه العقالء يف االجتماع اإلنساني من طريق اازاة أنه وثانيا

وهو اجلزاء على احلسنة على حدة وعلى السيئة على حدة إال يف بعض السيئات من املعاصي اليت تقطع رابطة .واآليات يف هذه الطريقة كثرية غنية عن اإليراد املولوية والعبودية من أصلها فهو مورد اإلحباط

.ولكل عمل أثره سواء يف ذلك احلسنة والسيئة وذهب آخرون إىل أن نوع األعمال حمفوظة

جيعل لكم فرقانا ويكفر عنكم يا أيها آمنوا إن تتقوا نعم احلسنة رمبا كفرت السيئة كما قال

إن وقال ٢٠٣ البقرة فمن تعجل يف يومني فال إثم عليه اآلية وقال ٢٩ األنفال سيئاتكمبل بعض األعمال يبدل السيئة حسنة كما قال ٣١ النساء عنه نكفر عنكم سيئاتكمجتتنبوا كبائر ما تنهون

إال من تاب وآمن وعمل عمال صاحلا فأولئك يبدل سيئاهتم حسنات الفرقان ٧٠.

Page 284: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٨٤

إنه فقيل وهي البحث عن وقت استحقاق اجلزاء وموطنه وهنا مسألة أخرى هي كاألصل هلاتني املسألتني

وقت العمل باملوافاة مبعنى أنه لو مل يدم على ما هو عليه وقيل اآلخرة وقيل حني املوت وقيل وقت العملفيكتب ما ما يئول إليه حاله ويستقر عليه حال العمل إىل حني املوت وموافاته مل يستحق ذلك إال أن يعلم

.يستحقه حال العمل

فإن فيها ما يناسب كال من هذه األوقات حبسب االنطباق كل قول مبا يناسبه من اآلياتوقد استدل أصحاب .ورمبا استدل ببعض وجوه عقلية ملفقة

إنا لو سلكنا يف باب الثواب والعقاب واحلبط والتكفري وما جيري جمراها مسلك نتائج األعمال والذي ينبغي أن يقال

كان الزم ذلك كون ال يستحيي أن يضرب مثال ما بعوضة فما فوقها إن قولهعلى ما بيناه يف تفسري النفس اإلنسانية ما دامت متعلقة بالبدن جوهرا متحوال قابال للتحول يف ذاته ويف آثار ذاته من الصور اليت تصدر

فإذا صدر منه حسنة حصل يف ذاته صورة معنوية مقتضية التصافه عنها وتقوم هبا نتائج وآثار سعيدة أو شقيةغري أن الذات ملا كانت يف معرض التحول وإذا صدر منه معصية فصوره معنوية تقوم هبا صورة العقاب بالثواب

Page 285: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٨٥

ا إىل والتغري حبسب ما يطرؤها من احلسنات والسيئات كان من املمكن أن تبطل الصورة املوجودة احلاضرة بتبدهلفعند ذلك وهذا شأهنا حتى يعرضها املوت فتفارق البدن وتقف احلركة ويبطل التحول واستعداده غريها

.يثبت هلا الصور وآثارها ثبوتا ال يقبل التحول والتغري إال باملغفرة أو الشفاعة على النحو الذي بيناه سابقا

على ما بيناه فيما مر كان حال اإلنسان من حيث اكتساب وكذا لو سلكنا يف الثواب والعقاب مسلك اازاة احلسنة واملعصية بالنسبة إىل التكاليف اإلهلية وترتب الثواب والعقاب عليها حاله من حيث اإلطاعة واملعصية يف

يء والعقالء يأخذون يف مدح املطيع واحملسن وذم العاصي واملس التكاليف االجتماعية وترتب املدح والذم عليهاغري أهنم يرون ما جيازونه به من املدح والذم قابال للتغري والتحول لكوهنم يرون مبجرد صدور الفعل عن فاعله

فلحوق املدح والذم على فاعل الفعل فعلي عندهم الفاعل ممكن التغري والزوال عما هو عليه من االنقياد والتمردوأما ثبوت املدح والذم ولزومهما حبيث ال يبطالن قط قق ما ينافيهبتحقق الفعل غري أنه موقوف البقاء على عدم حت

.فإمنا يكون إذا ثبت حاله حبيث ال يتغري قط مبوت أو بطالن استعداد يف احلياة

أن يف مجيع األقوال السابقة يف املسائل املذكورة احنرافا عن احلق لبنائهم البحث على غري ما ينبغي أن ومن هنا يعلم .يبنى عليه

Page 286: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٨٦

أن اإلنسان يلحقه الثواب والعقاب من حيث االستحقاق مبجرد صدور الفعل املوجب له لكنه قابل أوالوأن احلق

.وإمنا يثبت من غري زوال باملوت كما ذكرناه للتحول والتغري بعد

.أن حبط األعمال بكفر وحنوه نظري استحقاق األجر يتحقق عند صدور املعصية ويتحتم عند املوت وثانيا

.أن احلبط كما يتعلق باألعمال األخروية كذلك يتعلق باألعمال الدنيوية وثالثا

.أن التحابط بني األعمال باطل خبالف التكفري وحنوه ورابعا

كالم يف أحكام األعمال من حيث اجلزاء

من أحكام األعمال .أن من املعاصي ما حيبط حسنات الدنيا واآلخرة كاالرتداد

Page 287: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٨٧

اآلية ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعماهلم يف الدنيا واآلخرة قال

.والعناد فيه وكالكفر بآيات

ويقتلون النبيني بغري حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم إن الذين يكفرون بآيات قال وكذا من الطاعات ما يكفر سيئات ٢٢ آل عمران بعذاب أليم أولئك الذين حبطت أعماهلم يف الدنيا واآلخرة

إن قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رمحة قال الدنيا واآلخرة كاإلسالم والتوبة يغفر الذنوب مجيعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إىل ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم ال تنصرون

فمن اتبع هداي فال يضل وال يشقى ومن أعرض وقال ٥٥ الزمر واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم .١٢٤ طه عن ذكري فإن له معيشة ضنكا وحنشره يوم القيامة أعمى

إن الذين كفروا وصدوا عن قال من املعاصي ما حيبط بعض احلسنات كاملشاقة مع الرسول وأيضاشيئا وسيحبط أعماهلم يا أيها الذين آمنوا وشاقوا الرسول من بعد ما تبني هلم اهلدى لن يضروا سبيل

فإن املقابلة بني اآليتني تقضي بأن يكون األمر ٣٣ حممد وأطيعوا الرسول وال تبطلوا أعمالكم أطيعوا

Page 288: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٨٨

قال وكرفع الصوت فوق صوت النيب وإبطال العمل هو اإلحباط باإلطاعة يف معنى النهي عن املشاقة يا أيها الذين آمنوا ال ترفعوا أصواتكم فوق صوت النيب وال جتهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن حتبط

.٢ احلجرات ال تشعرون أعمالكم وأنتم

وأقم الصلوة طريف النهار وزلفا من قال وكذا من الطاعات ما يكفر بعض السيئات كالصلوات املفروضةفمن تعجل يف يومني فال إثم عليه ومن قال وكاحلج ١١٤ هود الليل إن احلسنات يذهنب السيئات

إن جتتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم قال وكاجتناب الكبائر ٢٠٣ البقرة تأخر فال إثم عليهالذين جيتنبون كبائر اإلثم والفواحش إال اللمم إن ربك واسع وقال ٣١ النساء سيئاتكم

.٣٢ النجم املغفرة

املائدة أن تبوء بإمثي وإمثكإني أريد قال من املعاصي ما ينقل حسنات فاعلها إىل غريه كالقتل وأيضا ٢٩ وقد ورد هذا املعنى يف الغيبة والبهتان وغريمها يف الروايات املأثورة عن النيب وأئمة أهل البيت وكذا من

.الطاعات ما ينقل السيئات إىل الغري كما سيجيء

Page 289: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٨٩

ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيمة قال من املعاصي ما ينقل مثل سيئات الغري إىل اإلنسان ال عينها وأيضا ١٣ العنكبوتوليحملن أثقاهلم وأثقاال مع أثقاهلم وقال ٢٥ النحل ومن أوزار الذين يضلوهنم بغري علم

وكذا من الطاعات ما ينقل مثل حسنات الغري إىل اإلنسان ال عينها قال ونكتب ما قدموا .١٢ يس وآثارهم

إذا ألذقناك ضعف احليوة وضعف قال من املعاصي ما يوجب تضاعف العذاب وأيضاوكذا من الطاعات ما ٣٠ األحزاب يضاعف هلا العذاب ضعفني وقال ٧٥ اإلسراءاملمات

كمثل حبة أنبتت مثل الذين ينفقون أمواهلم يف سبيل قال يوجب الضعف كاإلنفاق يف سبيل القصصأولئك يؤتون أجرهم مرتنيقولهومثله ما يف ٢٦١ البقرة سبع سنابل يف كل سنبلة مائة حبة

٥٤ قولهوما يفيؤتكم كفلني من رمحته وجيعل لكم نورا متشون به ويغفر لكماحلديد ٢٨ على أن .١٦٠ األنعامباحلسنة فله عشر أمثاهلامن جاء قال مطلقا مضاعفة عند احلسنة

إال من تاب وآمن وعمل عمال صاحلا فأولئك قال من احلسنات ما يبدل السيئات إىل احلسنات وأيضا .٧٠ الفرقان سيئاهتم حسنات يبدل

Page 290: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٩٠

ذريتهم بإميان أحلقنا هبم ذريتهم الذين آمنوا واتبعتهم قال من احلسنات ما يوجب حلوق مثلها بالغري وأيضا

وميكن احلصول على مثلها يف السيئات ٢١ الطور وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرىء مبا كسب رهنيوليخش الذين لو تركوا من خلفهم كظلم أيتام الناس حيث يوجب نزول مثله على األيتام من نسل الظامل قال

.٩ النساء ذرية ضعافا خافوا عليهم

كما أن من السيئات ما وجيذب حسنات الغري إليه من احلسنات ما يدفع سيئات صاحبها إىل غريه وأيضا وهذا من عجيب األمر يف باب اجلزاء واالستحقاق وجيذب سيئاته إليه يدفع حسنات صاحبها إىل الغري

اخلبيث من الطيب وجيعل اخلبيث بعضه على بعض فريكمه مجيعا ليميز قولهسيجيء البحث عنه يف .٣٧ األنفال فيجعله يف جهنم

ويف موارد هذه اآليات روايات كثرية متنوعة سنورد كال منها عند الكالم فيما يناسبه من اآليات إن شاء

.العزيز

Page 291: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٩١

أن يف األعمال من حيث اازاة أي من حيث تأثريها يف السعادة وبالتأمل يف اآليات السابقة والتدبر فيها يظهروذلك أن فعل األكل مثال من حيث إنه والشقاوة نظاما خيالف النظام املوجود بينها من حيث طبعها يف هذا العامل

وال ينتقل اه إىل غريهإمنا يقوم بفاعله حنو قيام يعطيه الشبع مثال وال يتخط جمموع حركات جسمانية فعلية وانفعاليةوال وكذا يقوم حنو قيام بالغذاء املأكول يستتبع تبدله من صورة إىل صورة أخرى مثال عنه إىل شخص آخر دونه

وكذا إذا ضرب زيد عمرا كانت احلركة اخلاصة وال ينقلب عن هويته وذاته وال يتبدل بغريه يتعداه إىل غريهلكن هذه األفعال وكان عمرو مضروبا ال غري إىل غري ذلك من األمثلة يد ضاربا ال غريضربا ال غري وكان ز

وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم األحكام كما قال حبسب نشأة السعادة والشقاوة على غري هذهانظر كيف وقال ٤٣ الفاطر وال حييق املكر السيىء إال بأهله وقال ٥٧ البقرة يظلمون

قالوا ضلوا عنا بل مل ثم قيل هلم أين ما كنتم تشركون من دون وقال ٢٤ األنعام كذبوا على أنفسهم .٧٤ املؤمنونالكافرين نكن ندعوا من قبل شيئا كذلك يضل

ورمبا أعطى للفعل ورمبا نقل الفعل وأسنده إىل غري فاعله عامل اازاة رمبا بدل الفعل من غري نفسه وباجلملة

.غري حكمه إىل غري ذلك من اآلثار املخالفة لنظام هذا العامل اجلسماني

Page 292: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٩٢

وال ينبغي ملتوهم أن يتوهم أن هذا يبطل حجة العقول يف مورد األعمال وآثارها ويفسد احلكم العقلي فال يستقر فيما حكاه يف كتابه يستدل هو أو مالئكته املوكلة على األمور وذلك أنا نرى أن شيء منه على شيء

ونفخ يف وكذا يف القيامة والنار واجلنة حبجج عقلية تعرفها العقول قال على ارمني يف حال املوت والربزخم ينظرون وأشرقت األرض بنور ونفخ فيه أخرى فإذا هم قيا الصور فصعق من يف السموات واألرض إال ما شاء

رهبا ووضع الكتاب وجيء بالنبيني والشهداء وقضي بينهم باحلق وهم ال يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو سيحكم بني الناس باحلق يوم القيامة فيما كانوا وقد تكرر يف القرآن اإلخبار بأن ٧٠ الزمر أعلم مبا يفعلون

وقال الشيطان ملا قضي األمر إن قولهعن الشيطان ب وكفى يف هذا الباب ما حكاه فيه خيتلفونوعدكم وعد احلق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان يل عليكم من سلطان إال أن دعوتكم فاستجبتم يل فال تلوموني

.٢٢ إبراهيمولوموا أنفسكم اآلية

أن حجة العقول غري باطلة يف نشأة األعمال ودار اجلزاء مع ما بني النشأتني أعين نشأة الطبيعة ونشأة ومن هنا نعلم .اجلزاء من االختالف البني على ما أشرنا إليه

Page 293: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٩٣

تكلم مع الناس يف دعوهتم وإرشادهم بلسان أنفسهم وجرى يف خماطباته إياهم أن والذي حيل به هذه العقدةواملولوية فعد نفسه موىل ومتسك باألصول والقوانني الدائرة يف عامل العبودية رى العقول االجتماعيةوبياناته هلم جم

والوعد والتبشري واإلنذار وواصلهم باألمر والنهي والبعث والزجر والناس عبيدا واألنبياء رسال إليهم .وسائر ما يلحق هبذا الطريق من عذاب ومغفرة وغري ذلك والوعيد

غري أنه شيء فهو يصرح أن األمر أعظم مما يتومهه الناس أو خييل إليهم وهذه طريقة القرآن الكريم يف تكليمه للناس

أن ينالوه ا شاء ال تسعه حواصلهم وحقائق ال حتيط هبا أفهامهم ولذلك نزل منزلة قريبة من أفق إدراكهم لينالوا موالكتاب املبني إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه يف أم الكتاب من تأويل هذا الكتاب العزيز كما قال

.٤ الزخرف لدينا لعلي حكيم

الدائرة فالقرآن الكريم يعتمد يف خصوصيات ما نبأ به من أحكام اجلزاء وما يرتبط هبا على األحكام الكلية العقالئيةأن هذه احلقائق املستورة عن سطح األفهام العادية ومن لطيف األمر بني العقالء املبتنية على املصاحل واملفاسد

مثال فإن العقل العملي االجتماعي ال يأبى ممكنة التوجيه هبا قابلة التطبيق على األحكام العقالئية املذكورةالتشديد على بعض املفسدين مبؤاخذته جبميع ما يرتتب على عمله من املضار واملفاسد االجتماعية كان يؤاخذ

Page 294: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٩٤

أو يؤاخذ من سنن سنة سيئة جبميع املخالفات القاتل جبميع احلقوق االجتماعية الفائتة بسبب موت املقتولاليت كانت ترى ظاهرا أفعاال للمقتول فاعلها هو املثال األول يقضي بأن املعاصي ففي اجلارية على وفق سنته

ويف املثال الثاني بأن السيئات اليت عملها التابعون لتلك السنة السيئة أفعال فعلها القاتل حبسب االعتبار العقالئيخذ هبا كما فلذلك يؤا فهي أفعال هلم معا يف عني أهنا أفعال للتابعني فيها أول من سن تلك السنة املتبوعة

.يؤخذون

أو حسنات الغري أو الفعل املعني احملدود غري ذلك الفعل وكذلك ميكن أن يقضي بكون الفاعل لفعل غري فاعل له .كل ذلك باقتضاء من املصاحل املوجودة أو لإلنسان أمثال تلك احلسنات حسنات لإلنسان

وإسناد املوجودة يف اجلزاء كمجازاة اإلنسان بفعل غريه خريا أو شرافالقرآن الكريم يعلل هذه األحكام العجيبة

ويوضحها بالقوانني العقالئية املوجودة يف ظرف إىل غري ذلك وجعل الفعل غري نفسه الفعل إىل غري فاعلهوكانت األحكام وإن كانت حبسب احلقيقة ذات نظام غري نظام احلس االجتماع ويف سطح األفهام العامة

وسينكشف على اإلنسان ما هو مستور عنه اليوم يوم االجتماعية العقالئية حمصورة مقصورة على احلياة الدنياولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورمحة لقوم يؤمنون هل ينظرون إال تأويله تبلى السرائر كما قال

Page 295: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٩٥

وما كان هذا وقال ٥٣ األعراف قد جاءت رسل ربنا باحلقيوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل إىل أن قال - ولكن تصديق الذي بني يديه وتفصيل الكتاب ال ريب فيه من رب العاملني القرآن أن يفرتى من دون

.٣٩ يونس بل كذبوا مبا مل حييطوا بعلمه وملا يأهتم تأويله -

وهبذا الذي ذكرناه يرتفع االختالف املرتائي بني هذه اآليات املشتملة على هذه األحكام العجيبة وبني أمثال ال تزر وازرة قولهو ٨ الزلزال فمن يعمل مثقال ذرة خريا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يرهقوله

وأن ليس قولهو ٢١ الطور كل امرىء مبا كسب رهنيقولهو ١٦٤ األنعام وزر أخرىإىل غري ذلك من ٤٤ يونس ال يظلم الناس شيئا إن قولهو ٣٩ النجم لإلنسان إال ما سعى

.اآليات الكثرية

وذلك أن اآليات السابقة حتكم بأن معاصي املقتول املظلوم إمنا فعلها القاتل الظامل فمؤاخذته له بفعل نفسه ال بفعل وكذا حتكم بأن من اتبع سنة سيئة ففعل معصية على االتباع مل يفعلها التابع وحده بل فعله هو وفعله املتبوع غريه

وفاعل وكذا حتكم بأن من أعان ظاملا على ظلمه أو اقتدى بإمام ضالل فهو شريك معصيته فاملعصية معصيتان

Page 296: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٩٦

ال أهنم اآلية ونظائرها من حيث اجلزاءوازرة وزر أخرىال تزر قولهفهؤالء وأمثاهلم من مصاديق كمثله .خارجون عن حكمها باالستثناء أو بالنقض

وقضي بينهم باحلق وهم ال يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم مبا قولهوإىل ذلك يشري

يدل أو يشعر بأن توفية كل نفس ما عملت إمنا هي على حسب وهو أعلم مبا يفعلون قولهف ٧٠ الزمر يفعلونفإن وحياسبه من أفعاهلم ال على حسب ما حياسبونه من عند أنفسهم من غري علم وال عقل ما يعلمه قد سلب عنهم العقل يف الدنيا حيث قال حكاية عن أصحاب السعري لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا يف

ومن كان يف هذه أعمى فهو يف اآلخرة أعمى وأضل ويف اآلخرة أيضا حيث قال ١٠ امللك أصحاب السعرييف تصديق وقال ٧ اهلمزة املوقدة اليت تطلع على األفئدة نار وقال ٧٢ اإلسراء سبيال

النار قال لكل ضعف ولكن ال قالت أخريهم ألوليهم ربنا هؤالء أضلونا فأهتم عذابا ضعفا من هذا السلبأما املتبوعني فلضالهلم فأثبت لكل من املتبوعني وتابعيهم الضعف من العذاب ٣٨ األعراف تعلمون

.وأما التابعني فلضالهلم وإقامتهم أمر متبوعيهم بالتبعية ثم ذكر أهنم مجيعا ال يعلمون وإضالهلم

Page 297: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٩٧

ظاهر هذه اآليات اليت تسلب العلم عن ارمني يف الدنيا واآلخرة ينايف آيات أخر تثبت هلم العلم فإن قلتوكاآليات اليت حتتج عليهم وال معنى ٣ فصلت كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمونقولهك

على أن نفس هذه اآليات مشتملة على أقسام من االحتجاج لالحتجاج على من ال علم له وال فقه لالستداللعلى أن هاهنا آيات تثبت هلم العلم واليقني يف عليهم يف اآلخرة وال مناص من إثبات العقل واإلدراك هلم فيه

٢٢ ق لقد كنت يف غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديدقولهخصوص اآلخرة كترى إذ ارمون ناكسوا رءوسهم عند رهبم ربنا أبصرنا ومسعنا فارجعنا نعمل صاحلا إنا ولو قولهو

.١٢ السجدة موقنون

ومعنى نفيه عنهم يف اآلخرة لزوم ما جروا عليه مرجع نفي العلم عنهم يف الدنيا نفي اتباع ما عندهم من العلم قلتوكل إنسان ألزمناه طائره يف عنقه من اجلهالة يف الدنيا هلم حني البعث وعدم انفكاك األعمال عنهم كما قال

قال يا ليت بيين وبينك بعد املشرقني فبئس قولهو ١٣ اإلسراء وخنرج له يوم القيامة كتابا يلقيه منشورا يبني قولهوسيجيء استيفاء هذا البحث يف تفسري إىل غري ذلك من اآليات ٣٨ الزخرف القرين

.٢٤٢ البقرة لكم آياته لعلكم تعقلون

Page 298: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٩٨

أن نقل وقد أجاب اإلمام الغزايل عن إشكال انتقال األعمال جبواب آخر ذكره يف بعض رسائله فقال ما حاصلهفريى الظامل مثال احلسنات والسيئات بسبب الظلم واقع يف الدنيا وقت جريان الظلم لكن ينكشف ذلك يوم القيامة

الواحد للهملن امللك اليوم ومل تنقل يف ذلك الوقت بل يف الدنيا كما قال طاعات نفسه يف ديوان غريههناك بل هو مالك دائما إال أن حقيقته ال يف اآلخرة وهو مل حيدث له أخرب عن ثبوت امللك له القهار

فإذا علمه وما ال يعلمه اإلنسان فليس مبوجود له وإن كان موجودا يف نفسه تنكشف لكافة اخلالئق إال يوم القيامة .صار موجودا له كأنه وجد اآلن يف حقه

.إن املعدوم كيف ينقل والعرض كيف ينقل فقد سقط هبذا قول من قال

ال نفس الطاعة ولكن ملا كانت الطاعة يراد لثواهبا عرب عن نقل أثرها بنقل نفسها املنقول ثواب الطاعة فنقول

وأثر الطاعة ليس أمرا خارجا عن اإلنسان الحقا به حتى يشكل بأن نقله يف الدنيا من قبيل انتقال العرض احملالبل املراد بأثر ! وإن كان جوهرا فما هذا اجلوهر ونقله يف اآلخرة بعد انعدامه من قبيل إعادة املعدوم املمتنعة

وبأنوار الطاعة أثره يف القلب بالتنوير فإن للطاعات تأثريا يف القلب بالتنوير وللمعاصي تأثريا فيه بالقسوة والظلمةوبالظلم والقسوة يستعد القلب للحجاب النور واملعرفة واملشاهدةالطاعة تستحكم مناسبة القلب مع عامل

Page 299: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٢٩٩

وقال النيب إن احلسنات يذهنب السيئاتوبني آثار الطاعات واملعاصي تعاقب وتضاد كما قال والبعد )واآلثام متحيصات للذنوب)أتبع السيئة احلسنة متحقها ولذلك قال إن الرجل ليثاب حتى بالشوكة

.احلدود كفارات وقال تصيب رجله

فالظامل يتبع ظلمه ظلمة يف قلبه وقسوة توجب امنحاء أثر النور الذي كان يف قلبه من الطاعات اليت كان عملها واملظلوم فقد دار ما يف قلب نوع تنور يتأمل فينكسر شهوته وميحو عن قلبه أثر السيئات اليت أورثت ظلمة يف قلبه فيتنور قلبه

وما يف قلب املظلوم من الظلمة إىل قلب الظامل وهذا معنى نقل احلسنات الظامل من النور إىل قلب املظلوم .والسيئات

ليس هذا نقال حقيقيا إذ حاصله بطالن النور من قلب الظامل وحدوث نور آخر يف قلب املظلوم فإن قال قائل

.لمة من قلب املظلوم وحدوث ظلمة أخرى يف قلب الظامل وليس هذا نقال حقيقةوبطالن الظ

انتقل الظل من موضع إىل موضع آخر قلنا اسم النقل قد يطلق على مثل هذا األمر على سبيل االستعارة كما يقالفليس فيه إال أنه كين وانتقل نور الشمس أو السراج من األرض إىل احلائط إىل غري ذلك فهذا معنى نقل الطاعات

Page 300: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٠٠

ومسي إثبات الوصف يف حمل وإبطال مثله يف حمل آخر بالنقل بالطاعة عن ثواهبا كما يكنى بالسبب عن املسبب .انتهى ملخصا معلوم بالربهان لو مل يرد الشرع به فكيف إذا ورد وكل ذلك شائع يف اللسان

يف حق أي القاتل واملقتول استعارة يف استعارة أعين حمصل ما أفاده أن إطالق النقل على ما يعامله أقول

استعارة اسم الطاعة ألثر الطاعة يف القلب واستعارة اسم النقل إلحماء شيء وإثبات شيء آخر يف حمل آخر وقد عرفت أنه وإذا اطرد هذا الوجه يف سائر أحكام األعمال املذكورة عادت مجيع هذه األحكام جمازات

وال ريب أن عليه أحكامه من املصاحل واملفاسدويبين قرر هذه األحكام على ما يراه العقل العملي االجتماعيفيؤاخذ القاتل مثال جبرم املقتول أو يتحف املقتول أو هذه األحكام العقلية إمنا تصدر من العقل باعتقاد احلقيقة

.حبسنة القاتل وما يشبه ذلك باعتقاد أن اجلرم عني اجلرم واحلسنة عني احلسنة وهكذا ورثته

وأما بالنسبة إىل غري هذا الظرف األحكام يف ظرف االجتماع الذي هو موطن أحكام العقل العمليهذا حال هذه وهو ظرف احلقائق فاجلميع جمازات إال حبسب التحليل مبعنى أن نفس هذه املفاهيم ملا كانت مفاهيم اعتبارية

ات إذا قيست إىل تلك احلقائق املأخوذة مأخوذة من احلقائق املأخوذة على حنو الدعوى والتشبيه كانت مجيعها جماز .منها فافهم ذلك

Page 301: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٠١

أهنا حمفوظة مكتوبة متجسمة ومن أحكام األعمال

يوم جتد كل نفس ما عملت من خري حمضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا كما قال

وخنرج له يوم القيامة كتابا يلقيه وكل إنسان ألزمناه طائره يف عنقه وقال ٣٠ آل عمران بعيدا ١٢ يسونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه يف إمام مبني وقال ١٣ اإلسراء منشورا

وقد مر البحث ٢٢ ق لقد كنت يف غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد وقال .عن جتسم األعمال

ونعين باألعمال احلسنات والسيئات اليت هي أن بينها وبني احلوادث اخلارجية ارتباطا ومن أحكام األعمال

وما دون احلركات والسكنات اليت هي آثار األجسام الطبيعية فقد قال عناوين احلركات اخلارجيةال يغري ما بقوم إن وقال ٣٠ الشورى أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثري

مل يك ذلك بأن وقال ١١ الرعد بقوم سوءا فال مرد له حتى يغريوا ما بأنفسهم وإذا أراد

Page 302: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٠٢

واآليات ظاهرة يف أن بني األعمال واحلوادث ٥٣ األنفال مغريا نعمة أنعمها على قوم حتى يغريوا ما بأنفسهم .ارتباطا ما شرا أو خريا

ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من قولهومها وجيمع مجلة األمر آيتان من كتاب

ظهر الفساد يف الرب قولهو ٩٦ األعراف السماء واألرض ولكن كذبوا فأخذناهم مبا كانوا يكسبون .٤١ الروم والبحر مبا كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون

وسلوكه الطريق الذي فجرى النوع اإلنساني على طاعة فاحلوادث الكونية تتبع األعمال بعض التبعية

ومتاديه يف الغي واحنراف هذا النوع عن صراط العبودية وانفتاح أبواب الربكات يرتضيه يستتبع نزول اخلرياتوشناعة األعمال يوجب ظهور الفساد يف الرب والبحر وهالك األمم بفشو الظلم وارتفاع وفساد النيات والضاللة

وكذا ظهور املصائب واحلوادث املبيدة الكونية األمن وبروز احلروب وسائر الشرور الراجعة إىل اإلنسان وأعمالهان نوح وصاعقة مثود سيل العرم وطوف وقد عد كالسيل والزلزلة والصاعقة والطوفان وغري ذلك

.وصرصر عاد من هذا القبيل

Page 303: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٠٣

قال وبال أمرها وآل ذلك إىل إهالكها وإبادهتا فاألمة الطاحلة إذا انغمرت يف الرذائل والسيئات أذاقها أومل يسريوا يف األرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا يف

وإذا أردنا أن هنلك وقال ٢١ املؤمنون من واق بذنوهبم وما كان هلم من األرض فأخذهم ثم أرسلنا وقال ١٦ اإلسراء قرية أمرنا مرتفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدمريا

املؤمنون رسلنا ترتى كلما جاء أمة رسوهلا كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم ال يؤمنون٤٤ هذا كله يف األمة الطاحلة واألمة الصاحلة على خالف ذلك.

غري أن الفرد رمبا ينعم بنعمة أسالفه كما أنه يؤخذ مبظامل غريه والفرد كاألمة يؤخذ باحلسنة والسيئة والنقم واملثالت

علينا إنه من يتق قال أنا يوسف وهذا أخي قد من حكاية عن يوسف قال كآبائه وأجدادهوقال عليه من امللك والعزة وغريمها واملراد به ما أنعم ٩٠ يوسف ال يضيع أجر احملسنني ويصرب فإن فخسفنا به وبداره األرض القصص ٨١ وقال وجعلنا له لسان صدق عليا مريم ٥٠

وأما وقال ٢٨ الزخرفجعلنا كلمة باقية يف عقبه كما قال وكأنه الذرية الصاحلة املنعمةفأراد ربك أن يبلغا أشدمها اجلدار فكان لغالمني يتيمني يف املدينة وكان حتته كنز هلما وكان أبومها صاحلا

Page 304: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٠٤

فليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا وقال ٨٢ الكهف ويستخرجا كنزمها .واملراد بذلك اخللف املظلوم يبتلي بظلم سلفه ٩ النساء عليهم

نعمة على أمة أو على فرد من أفراد اإلنسان فإن كان املنعم عليه صاحلا كان ذلك نعمة وباجلملة إذا أفاض

قال هذا من فضل ربي ليبلوني ء عن سليمان إذ يقول أنعمها عليه وامتحانا ميتحنه بذلك كما حكى لئن شكرمت وقال ٤٠ النمل أشكر أم أكفر ومن شكر فإمنا يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غين كريم

واآلية كسابقتها تدل على أن نفس الشكر من األعمال ٧ إبراهيم ألزيدنكم ولئن كفرمت إن عذابي لشديد .الصاحلة اليت تستتبع النعم

وميكرون وإن كان املنعم عليه طاحلا كانت النعمة مكرا يف حقه واستدراجا وإمالء ميلى عليه كما قال

سنستدرجهم من حيث ال يعلمون وأملي هلم إن وقال ٣٠ األنفال خري املاكرين و وميكر .١٧ الدخان ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وقال ٤٥ القلم كيدي متني

Page 305: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٠٥

وإذا أنزلت النوازل وكرت املصائب والباليا على قوم أو على فرد فإن كان املصاب صاحلا كان ذلك فتنة وحمنة قال وكان مثله مع البالء مثل الذهب مع البوتقة واحملك به عباده ليميز اخلبيث من الطيب ميتحن أحسب الناس أن يرتكوا أن يقولوا آمنا وهم ال يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الذين صدقوا

وقال ٤ العنكبوت وليعلمن الكاذبني أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما حيكمون وتلك األيام نداوهلا بني الناس وليعلم الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء آل عمران ١٤٠.

.واآليات السابقة دالة على ذلك وإن كان املصاب طاحلا كان ذلك أخذا بالنقمة وعقابا باألعمال

ولو ال أن يكون الناس أمة واحدة جلعلنا ملن قولهوأما فهذا حكم العمل يظهر يف الكون ويعود إىل عامله

عليها يظهرون ولبيوهتم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل يكفر بالرمحن لبيوهتم سقفا من فضة ومعارج فغري ناظر إىل هذا الباب بل املراد به و ٣٥ الزخرف ذلك ملا متاع احليوة الدنيا واآلخرة عند ربك للمتقني

وأن القدر لآلخرة ولو ال أن ولذلك يؤثر للكافر أعلم ذم الدنيا ومتاعها وأهنا ال قدر هلا وملتاعها عند .بالكافر أفراد اإلنسان أمثال واملساعي واحدة متشاكلة متشاهبة خلصها

Page 306: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٠٦

احلوادث العامة واخلاصة كالسيول والزالزل واألمراض املسرية واحلروب واألجداب هلا علل طبيعية فإن قيلوعليه فال حمل للتعليل باألعمال احلسنة مطردة إذا حتققت حتققت معاليها سواء صلحت النفوس أو طلحت

.وتقدير ال يطابق الواقع والسيئة بل هو فرضية دينية

هذا إشكال فلسفي غري مناف ملا حنن فيه من البحث التفسريي املتعلق مبا يستفاد من كالمه قلتآمنوا واتقوا لفتحنا عليهم ولو أن أهل القرى قولهوسنتعرض له تفصيال يف حبث فلسفي على حدة يف تفسري

.٦٤ األعراف بركات من السماء

إن فهم ال يريدون بقوهلم أن الشبهة ناشئة عن سوء الفهم وعدم التنبه ملقاصد القرآن وأهله ومجلة القول فيهوال وإنكار تأثريهاإبطال العلل الطبيعية األعمال حسنة كانت أو سيئة مستتبعة حلوادث يناسبها خريا أو شرا

كما أن اإلهليني ال يريدون بإثبات الصانع إبطال قانون العلية واملعلولية العام تشريك األعمال مع العوامل املاديةأو تشريك الصانع مع العلل الطبيعية واستناد بعض األمور إليه والبعض اآلخر وإثبات االتفاق واازفة يف الوجود

وإسناد التأثري إىل كلتا العلتني لكن وعامل معنوي فوق العوامل املادية رادهم إثبات علة يف طول علةبل م إليها .نظري الكتابة املنسوبة إىل اإلنسان وإىل يده وثانياأوال بالرتتيب

Page 307: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٠٧

هو أن سائق التكوين يسوق اإلنسان إىل سعادته الوجودية وكماله احليوي كما مر الكالم فيه يف ومغزى الكالم

فإذا عرض ومن املعلوم أن من مجلة منازل هذا النوع يف مسريه إىل السعادة منزل األعمال البحث عن النبوة العامةوالبوار قوبل ذلك مبا يدفع العائق املذكور أو يهلك هلذا السري عائق مانع يوجب توقفه أو إشراف سائره إىل اهلالك

نظري املزاج البدني يعارض العاهة العارضة للبدن أو لعضو من أعضائه فإن وفق له أصلح احملل وإن اجلزء الفاسد .عجز عنه تركه مفلجا ال يستفاد به

مبا يدفع به اآلفات والفسادات املتوجه وقد دلت املشاهدة والتجربة على أن الصنع والتكوين جهز كل موجود نوعي

ودلتا أيضا على أن التكوين يعارض كل موجود ! وال معنى الستثناء اإلنسان يف نوعه وفرده عن هذه الكلية إليهنوعي بأمور غري مالئمة تدعوه إىل إعمال قواه الوجودية ليكمل بذلك يف وجوده ويوصله غايته وسعادته اليت هيأها له

.فما بال اإلنسان ال يعتين يف شأنه بذلك

وما خلقنا السموات واألرض وما بينهما العبني ما خلقنامها إال باحلق ولكن قولهذي يدل عليه وهذا هو الوما خلقنا السماء واألرض وما بينهما باطال ذلك ظن الذين قولهو ٣٩ الدخان أكثرهم ال يعلمون

Page 308: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٠٨

فكما أن صانعا من الصناع إذا صنع شيئا لعبا ومن غري غاية مثال انقطعت الرابطة بينه وبني ٢٧ ص كفروالكنه لو صنعه لغاية كان وما ذا يصادفه من الفساد واآلفة إىل ما يئول أمره ومل يبال مصنوعه مبجرد إجياده

يت صنعه ألجلها وركب أجزاءه للوصول إليها إذا عرضه عارض يعوقه عن الغاية ال مراقبا ألمره شاهدا على رأسهكذلك احلال أصلح حاله وتعرض لشأنه بزيادة ونقيصة أو بإبطاله من رأس وحتليل تركيبه والعود إىل صنعة جديدة

بل ومل يوجده هباء ما خلقه عبثا مل خيلق يف خلق السموات واألرض وما بينهما ومن مجلتها اإلنسانوقال ١١٥ املؤمنون أفحسبتم أمنا خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ال ترجعون للرجوع إليه كما قال

وأن إىل ربك املنتهى النجم ٤٢ ومن الضروري حينئذ أن تتعلق العناية الربانية إىل إيصال اإلنسانثم بإهالك من بطل يف حقه غاية ثم باالمتحان واالبتالء كسائر ما خلق من خلق إىل غايته بالدعوة واإلرشاد

قال فإن يف ذلك إتقانا للصنع يف الفرد والنوع وختما لألمر يف أمة وإراحة اآلخرين اخللقة وسقطت عنه اهلداية وربك الغين ذو الرمحة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم

.وربك الغين ذو الرمحة انظر إىل موضع قوله ١٣٣ األنعام آخرين

بل غالبة عنها أهنا سنة غري مغلوبة وال مقهورة وهذه السنة الربانية أعين سنة االبتالء واالنتقام هي اليت أخرب وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثري وما أنتم مبعجزين يف األرض منصورة كما قال

Page 309: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٠٩

ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا املرسلني إهنم وقال ٣١ الشورى من ويل وال نصري وما لكم من دون .١٧٣ الصافات هلم املنصورون وإن جندنا هلم الغالبون

ومن خواص قبيل أن قبيل السعادة فائقة على قبيل الشقاء السعادة والشقاءومن أحكام األعمال من حيث

كما أن مقابالهتا من السعادة كل صفة وخاصة مجيلة كالفتح والظفر والثبات واالستقرار واألمن والتأصل والبقاء .لشقاءالزهاق والبطالن والتزلزل واخلوف والزوال واملغلوبية وما يشاكلها من خواص قبيل ا

كلمة طيبة كشجرة مثال ويكفي يف ذلك ما ضربه واآليات القرآنية يف هذا املعنى كثرية متكثرة

األمثال للناس لعلهم يتذكرون طيبة أصلها ثابت وفرعها يف السماء تؤتي أكلها كل حني بإذن رهبا ويضرب الذين آمنوا بالقول الثابت يف ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق األرض ما هلا من قرار يثبت

ليحق احلق ويبطل قولهو ٢٧ إبراهيم ما يشاء الظاملني ويفعل احليوة الدنيا ويف اآلخرة ويضل لقد سبقت كلمتنا لعبادنا قولهو ١٣٢ طه والعاقبة للتقوىقولهو ٨ األنفال الباطل

غالب على أمره وقولهو ١٧٣ الصافات املرسلني إهنم هلم املنصورون وإن جندنا هلم الغالبون .إىل غري ذلك من اآليات ٢١ يوسف ولكن أكثر الناس ال يعلمون

Page 310: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣١٠

ليست مشعر بأن هذه الغلبة من ولكن أكثر الناس ال يعلمون بقولهوتذييل الكالم يف هذه اآلية األخرية

ولو كانت هي الغلبة احلسية اليت يعرفها كل أحد مل جيهلها حبيث يفقهها مجيع الناس بل أكثرهم جاهلون هبا .وأنكرها من أنكرها من جهتني وإمنا جهلها من جهلها األكثرون

يتكلم عن احلال ويغفل مقصور نظره على ما بني يديه مما يشهده وال يغيب عنه أن اإلنسان حمدود فكره األوىل

ويأخذ عمره القصري ومتاعه القليل مقياسا حيكم ويعد غلبة ساعة غلبة وحيسب دولة يوم دولة عن املستقبلواحلاكم على الدنيا واآلخرة والقيوم على كل وهو احمليط بالزمان واملكان لكن به على عامة الوجود

وال ال خياف فوتا والعقبى بالنسبة إليه واحدة واألوىل وإذا قضى قضى حقا شيء إذا حكم حكم فصال أو حرمان فرد ذريعة فمن املمكن بل الواقع ذلك أن يقدر فساد يوم مقدمة يتوسل هبا إىل إصالح دهر يعجل يف أمر مسبوق مغلوب ساء ما حيكمون لكن وأن فيظن اجلاهل أن األمر أعجزه إىل فالح أمة

وحيكم على مجيع خلقه كما حيكم على الواحد منهم ال يشغله شأن عن يرى سلسلة الزمان كما يرى القطعة منهكفروا يف البالد متاع قليل ثم مأويهم ال يغرنك تقلب الذين قال شأن وال يئوده حفظهما وهو العلي العظيم

.١٩٦ آل عمران جهنم وبئس املهاد

Page 311: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣١١

فإن غلبة اجلسمانيات وقهرها أن تتسلط على األفعال فتجعلها أن غلبة املعنويات غري غلبة اجلسمانيات والثانية

وبسط الكره واإلجبار كما كان ذلك دأب املتغلبني من منقادة مطيعة للقاهر الغالب عليها بسلب حرية االختياروقد دل ويفعلون ما يشاءون بالتحكم والتهكم ويأسرون آخرين فكانوا يقتلون فريقا ملوك االستبداد

وأن سلطة األجانب ال يستقر على األمم احلية استقرارا التجارب وحكم الربهان على أن الكره والقسر ال يدوم .وإمنا هي رهينة أيام قالئل ؤبدام

فليس فوق اإلميان التام وبأن تربي أفرادا تعتقدها وتؤمن هبا وأما غلبة املعنويات فبأن توجد هلا قلوب تستكنها فإذا استقر اإلميان مبعنى من املعاني فإنه سوف يظهر دهرا وإن استخفى يوما أو برهة درجة وال كإحكامه حصن

امع احلية اليوم تعتين بشأن التبليغ أكثر مما تعتين بشأن العدة والقوة فسالح املعنىولذلك جند أن الدول املعظمة وا .أشد بأسا

وأما هذا يف املعنويات الصورية الومهية اليت بني الناس يف شئوهنم االجتماعية اليت ال تتجاوز حد اخليال والوهم

.فإن أمره أوضح وأبني إليه املعنى احلق الذي يدعو

Page 312: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣١٢

ومن املعلوم أن الباطل ال يقاوم وما ذا بعد احلق إال الضالل فاحلق من حيث نفسه ال يقابل إال الضالل والباطل

.احلق فالغلبة حلجة احلق على الباطل

فإن املؤمن لو غلب على عدو احلق يف واحلق من حيث تأثريه وإيصاله إىل الغاية أيضا غري خمتلف وال متخلفكانت فإن أجربه على ما ال يرتضيه وإن غلب عليه عدو احلق ظاهر احلياة كان فائزا مأجورا

آل عمران إال أن تتقوا منهم تقية قال ووافق ذلك رضاه وظيفته اجلري على الكره واالضطرار٢٨ وإن قتله كان ذلك له حياة طيبة ال موتا قال وال تقولوا ملن يقتل يف سبيل أموات بل أحياء ولكن

.١٥٤ البقرة ال تشعرون

قل هل تربصون بنا إال إحدى قال وإما باطنا فقط إما ظاهرا وباطنا فاملؤمن منصور غري مغلوب أبدا .٥٢ التوبة احلسنيني

Page 313: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣١٣

فإن الكون كما عرفت يهدي النوع أما ظاهرا أن احلق هو الغالب يف الدنيا ظاهرا وباطنا معا ومن هنا يظهرفإن الظهور املرتاءى من الباطل جولة بعد جولة ال وسوف يبلغ غايته اإلنساني هداية تكوينية إىل احلق والسعادة

والنظام الكوني غري مغلوب البتة وإمنا هو مقدمة لظهور احلق وملا ينقض سلسلة الزمان وملا يفن الدهر عربة به .فلما عرفت أن الغلبة حلجة احلق وأما باطنا

ولباطل القول والفعل كل صفة ذميمة كالتزلزل وأما إن حلق القول والفعل كل صفة مجيلة كالثبات والبقاء واحلسن

ربكم خالق ذلكم قولهأن املستفاد من والزوال والقبح والسوء فوجهه ما أشرنا إليه يف سابق األحباثما أصابك قولهو ٧ امل السجدة الذي أحسن كل شيء خلقهقولهو ٦٢ - املؤمن كل شيء

أن السيئات أعدام وبطالنات غري مستندة ٧٩ النساء وما أصابك من سيئة فمن نفسك من حسنة فمن ولذلك كان القول احلسن والفعل احلسن الذي هو اخلالق الفاطر املفيض للوجود خبالف احلسنات إىل

والربكة والنفع دون السيىء من القول والفعل ومنبع كل خري وسعادة كالثبات والبقاء منشأ كل مجال وحسنأنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه يف النار ابتغاء قال

احلق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءا وأما ما ينفع الناس فيمكث يف حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب .١٧ الرعد األرض

Page 314: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣١٤

ومن أحكام األعمال

وقد مر أن أن احلسنات من األقوال واألفعال مطابقة حلكم العقل خبالف السيئات من األفعال واألقوالومييز به احلسن من وضع ما بينه للناس على أساس العقل ونعين بالعقل ما يدرك به اإلنسان احلق والباطل

.السيىء

و والغش والغرر يف باتباعه وهنى عن كل ما يوجب اختالل حكومته كشرب اخلمر والقمار وولذلك أوصى وكذا هنى عن الكذب واالفرتاء والبهتان واخليانة والفتك ومجيع ما يوجب خروج العقل عن سالمة املعامالت

ياة اإلنسانية على سالمة احلكم فإن هذه األفعال واألعمال توجب خبط العقل اإلنساني يف عمله وقد ابتنيت احل .اإلدراك والفكر يف مجيع شئون احلياة الفردية واالجتماعية

وأنت إذا حللت املفاسد االجتماعية والفردية حتى يف املفاسد املسلمة اليت ال ينكرها منكر وجدت أن األساس

ولتوضيح األمر وأن بقية املفاسد وإن كثرت وعظمت مبنية عليها فيها هي األعمال اليت يبطل هبا حكومة العقل . يف هذا املقام حمل آخر سيأتي إن شاء

Page 315: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣١٥

فقال يا ابن عباس ارض عن كنت رديف رسول أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال يف الدر املنثور مبا قدر وإن كان خالف هواك فإن ذلك مثبت يف كتاب قلت يا رسول فأين وقد قرأت القرآن

يعلم وأنتم ال تعلمون أقول و - وعسى أن حتبوا شيئا وهو شر لكم - قال وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خري لكم ويف الرواية إشعار بأن التقدير يعم التشريع والتكوين وإمنا خيتلف باختالف االعتبار وأما كون عسى مبعنى

وقد مر أن عسى يف القرآن مبعناه اللغوي وهو الرتجي فال عربة مبا نقل عن بعض الوجوب فال داللة هلا عليهأن كل شيء وأعجب منه ما نقل عن بعض آخر! واجب كل شيء يف القرآن عسى فإن عسى من املفسرين

ويف بين إسرائيل عسى ربكم أن عسى ربه إن طلقكن حرف يف التحريم من القرآن عسى فهو واجب إال حرفني .يرمحكم

بعث سرية وفيهم سبعة نفر عليهم أن رسول أخرج ابن جرير من طريق السدي أيضا ويف الدر املنثور

وسعد بن أبي وقاص وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وفيهم عمار بن ياسر بن جحش األسدي عبد الريبوعي وواقد بن عبد وعامر بن فهرية وسهل بن بيضاء وعتبة بن صفوان السلمي حليف لبين نوفل

وكتب مع ابن جحش كتابا وأمره أن ال يقرأه حتى ينزل ملل فلما نزل ببطن ملل فتح الكتاب حليف لعمر بن اخلطاب

Page 316: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣١٦

من كان يريد املوت فليمض وليوص فإني موص وماض ألمر فإذا فيه أن سر حتى تنزل بطن خنلة فقال ألصحابهوسار ابن جحش أضال راحلة هلما فسار وختلف عنه سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان رسول

وعمرو احلضرمي فاقتتلوا فأسروا احلكم بن كيسان بن املغرية بن عثمان وعبد فإذا هم باحلكم بن كيسانفكانت أول غنيمة غنمها وقتل عمرو احلضرمي قتله واقد بن عبد بن املغرية وانفلت املغرية وعبد

قال املشركون حممد يزعم أنه يتبع سريين وما غنموا من األموالفلما رجعوا إىل املدينة باأل أصحاب حممد قل قتال فيه - يسئلونك عن الشهر احلرام قتال فيه وهو أول من استحل الشهر احلرام فأنزل طاعة

وصددمت عنه ال حيل وما صنعتم أنتم يا معشر املشركني أكرب من القتل يف الشهر احلرام حني كفرمت ب كبري .وكفر به وصد عن سبيل قولهمن القتل يف الشهر احلرام فذلك والفتنة وهي الشرك أعظم عند حممدا

ويف بعض وروي هذا املعنى أيضا يف امع والروايات يف هذا املعنى وما يقرب منه كثرية من طرقهم أقول

أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي أيضا ويف الدر املنثور أن السرية كانت مثانية تاسعهم أمريهم الرواياتبن جحش إىل خنلة فقال عبد بعث رسول حامت والبيهقي من طريق يزيد بن رومان عن عروة قال

وكتب له كتابا قبل أن يعلمه أنه وذلك يف الشهر احلرام كن هبا حتى تأتينا خبرب من أخبار قريش ومل يأمره بقتال لهوال فما أمرتك به فامض له اخرج أنت وأصحابك حتى إذا سرت يومني فافتح كتابك وانظر فيه فقال يسري

Page 317: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣١٧

أن امض حتى تنزل فلما سار يومني فتح الكتاب فإذا فيه تستكرهن أحدا من أصحابك على الذهاب معكمن كان منكم مسعا وطاعة فقال ألصحابه حني قرأ الكتاب خنلة فتأتينا من أخبار قريش مبا اتصل إليك منهم

ومن كره ذلك منكم فلريجع فإن رسول فإني ماض ألمر رسول له رغبة يف الشهادة فلينطلق معيحتى إذا كانوا بنجران أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن قد هناني أن أستكره منكم أحدا فمضى معه القومفمر هبم عمرو بن احلضرمي ومضى القوم حتى نزلوا خنلة غزوان بعريا هلما كانا يتعقبانه فتخلفا عليه يطلبانه

فلما رآهم القوم أدم وزيت قد مروا هبا من الطائف معهم جتارة واحلكم بن كيسان وعثمان واملغرية بن عبد وائتمر ليس عليكم منه بأس قال عمار وكان قد حلق رأسه فلما رأوه حليقا أشرف هلم واقد بن عبد لئن قتلتموهم أنكم لتقتلوهنم يف الشهر احلرام وهو آخر يوم من مجادى فقالوا القوم هبم أصحاب رسول

فرمى واقد بن عبد فأمجع القوم على قتلهم ولئن تركتموهم ليدخلن يف هذه الليلة مكة احلرام فليمتنعن منكموهرب املغرية واحلكم بن كيسان واستأسر عثمان بن عبد التميمي عمرو بن احلضرمي بسهم فقتله

ما أمرتكم بقتال يف الشهر احلرام و فقال هلم واستاقوا العري فقدموا هبا على رسول فأعجزهمما قال سقط يف أيديهم فلما قال هلم رسول األسريين والعري فلم يأخذ منها شيئا فأوقف رسول

قد سفك حممد الدم احلرام وقالت قريش حني بلغهم أمر هؤالء وظنوا أن قد هلكوا وعنفهم إخواهنم من املسلمني يسئلونك عن الشهر احلرام قتال فيه اآلية يف ذلك فأنزل وأسر الرجال واستحل الشهر احلرام وأخذ املال

Page 318: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣١٨

لنا أ تطمع أن يكون ! يا رسول العري وفدى األسريين فقال املسلمون فلما نزل ذلك أخذ رسول وكانوا أولئك يرجون رمحة وجاهدوا يف سبيل - إن الذين آمنوا والذين هاجروا فأنزل غزوة

.بن جحش مثانية وأمريهم التاسع عبد

بن جحش نازلة يف أمر أصحاب عبد اآلية إن الذين آمنوا والذين هاجرواقولهويف كون أقولوتدل أيضا على جواز واآلية تدل على عذر من فعل فعال قربيا فأخطأ الواقع فال ذنب مع اخلطاء روايات أخر

.تعلق املغفرة بغري مورد الذنب

هم املؤمنون دون املشركني الطاعنني يف فعل يسئلونك ويف الروايات إشارة إىل أن املراد بالسائلني يف قوله ما رأيت قوما كانوا خريا من أصحاب ر من رواية ابن عباس يف البحث الروائي السابقويؤيده أيضا ما م املؤمنني

منهن يسألونك عن اخلمر وامليسر كلهن يف القرآن حممد ما سألوه إال عن ثالث عشرة مسألة حتى قبض وال يزالون ويؤيد ذلك أن اخلطاب يف اآلية إمنا هو للمؤمنني حيث يقول ويسألونك عن الشهر احلرام الرواية

.يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم

Page 319: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣١٩

عهما ويسألونك ماذا ينفقون قل يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبري ومنافع للناس وإثمهمآ أكبر من نف نبيي ككذل فوالع ونتتفكر لكملع اتاآلي لكم٢١٩ يف حالى قل إصتامن اليع ألونكسيو ةراآلخا ونيالد

و انكموفإخ مطوهتخال إنو ريخ مله اءش لوح ولصالم نم دفسالم لمعي إن تكمنألع يمكح زيزع٢٢٠

بيان

واألصل يف اخلمر على ما يستفاد من اللغة هو كل مائع معمول للسكر وامليسريسئلونك عن اخلمر قولهملا تغطي به املرأة ويقال ومسي به ألنه يسرت العقل وال يدعه مييز احلسن من القبح واخلري من الشر معناه السرت

أمخرت العجني إذا أدخلت فيه اخلمري ومسيت ويقال مخرت اإلناء إذا غطيت رأسها ويقال رأسها اخلماروقد كانت العرب ال تعرف من أقسامه إال اخلمر املعمول من اخلمرية مخرية ألهنا تعجن أوال ثم تغطى وختمر من قبل

ثم زاد الناس يف أقسامه تدرجيا فصارت اليوم أنواعا كثرية ذات مراتب حبسب درجات العنب والتمر والشعري .واجلميع مخر السكر

Page 320: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٢٠

وامليسر لغة هو القمار ويسمى املقامر ياسرا واألصل يف معناه السهولة مسي به لسهولة اقتناء مال الغري به من غري وهو الضرب بالقداح وهي وقد كان أكثر استعماله عند العرب يف نوع خاص من القمار تعب الكسب والعمل

.األزالم واألقالم وتسمى أيضا السهام

ثم يضعون عند ذلك ثم جيزءونه مثانية وعشرين جزءا وأما كيفيته فهي أهنم كانوا يشرتون جزورا وينحرونه والسنيح واملنيح واملعلى واملسبل والنافس واحللس والرقيب والتوأم عشر سهام وهي الفذ

وللحلس أربعة وللرقيب ثالثة أجزاء وللتوأم جزءان فللفذ جزء من الثمانية والعشرين جزءا والرغدوأما الثالثة األخرية وهي املنيح وهو أكثر القداح نصيبا وللمعلى سبعة وللمسبل ستة وللنافس مخسة

فمن خرج أحد القداح السبعة بامسه أخذ نصيبه من األجزاء املفروضة والسنيح والرغد فال نصيب هلاويتم هذا العمل بني عشرة رجال بنحو القرعة يف األنصباء وصاحبوا القداح الثالثة األخرية يغرمون قيمة اجلزور

.والسهام

Page 321: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٢١

واإلثم يقارب الذنب وما يشبهه معنى وهو حال يف وقرىء إثم كثري بالثاء املثلثة قل فيهما إثم كبريقولهالشيء أو يف العقل يبطىء اإلنسان عن نيل اخلريات فهو الذنب الذي يستتبع الشقاء واحلرمان يف أمور أخرى ويفسد

.سعادة احلياة يف جهاهتا األخرى وهذان على هذه الصفة

واألمعاء والكبد والرئة وسلسلة األعصاب والشرايني أما شرب اخلمر فمضراته الطبية وآثاره السيئة يف املعدة وهلم يف ذلك والقلب واحلواس كالباصرة والذائقة وغريها مما ألف فيه تأليفات من حذاق األطباء قدميا وحديثا

.إحصاءات عجيبة تكشف عن كثرة املبتلني بأنواع األمراض املهلكة اليت يستتبعها هذا السم املهلك

وإفشاء السر والقتل واإلضرار واجلنايات من تشويه اخللق وتأديته اإلنسان إىل الفحش اخللقيةوأما مضراته وخاصة ناموس وإبطال مجيع القوانني والنواميس اإلنسانية اليت بنيت عليها أساس سعادة احلياة وهتك احلرمات

وقل ما يتفق فال عاصم من سكران ال يدري ما يقول وال يشعر مبا يفعل العفة يف األعراض والنفوس واألموالجناية من هذه اجلنايات اليت قد مألت الدنيا ونغصت عيشة اإلنسان إال وللخمر فيها صنع مستقيما أو غري

.مستقيم

Page 322: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٢٢

رى اإلدراك حني السكر وأما مضرته يف اإلدراك وسلبه العقل وتصرفه الغري املنتظم يف أفكار اإلنسان وتغيريه جم .ومنه ينشأ مجيع املفاسد اآلخر وبعد الصحو فمما ال ينكره منكر وذلك أعظم ما فيه من اإلثم والفساد

وهنت عن والشريعة اإلسالمية كما مرت إليه اإلشارة وضعت أساس أحكامها على التحفظ على العقل السليم

ومن أشد األفعال املبطلة وغري ذلك والكذب والغش وامليسر الفعل املبطل لعمل العقل أشد النهي كاخلمر .حلكومة العقل على سالمة هو شرب اخلمر من بني األفعال وقول الكذب والزور من بني األقوال

األعمال املبطلة حلكومة العقل وعلى رأسها السياسات املبتنية على السكر والكذب هي اليت فهذه األعمال أعين

وكلما زاد احلمل ثقال وأعجز وهتدم بنيان السعادة وال تأتي بثمرة عامة إال وهي أمر من سابقتها هتدد اإلنسانيةولو مل يكن هلذه احملجة البيضاء والشريعة الغراء وخسر العمل فخاب السعي حامله زيد يف الثقل رجاء املقدرة

وللكالم تتمة سنتعرض هلا يف سورة املائدة إن إال البناء على العقل واملنع عما يفسده من اتباع اهلوى لكفاها فخرا .شاء

Page 323: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٢٣

أسرع من شيوع احلق ومل يزل الناس بقرحيتهم احليوانية مييلون إىل لذائذ الشهوة فيشبع بينهم األعمال الشهوانية ولذلك أن وانعقدت العادات على تناوهلا وشق تركها واجلري على نواميس السعادة اإلنسانية واحلقيقة شرع فيهم ما شرع من األحكام على سبيل التدريج وكلفهم بالرفق واإلمهال.

بالتدريج على ما يعطيه التدبر يف اآليات ومن مجلة تلك العادات الشائعة السيئة شرب اخلمر فقد أخذ يف حترميه

قل إمنا حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن واإلثم قوله إحداها املربوطة به فقد نزلت أربع مراتويف اخلمر إثم غري أنه مل يبني أن اإلثم ما هو واآلية مكية حرم فيها اإلثم صرحيا ٣٣ األعراف والبغي بغري احلق

.وأن يف اخلمر إمثا كبريا

ولعل ذلك إمنا كان نوعا من اإلرفاق والتسهيل ملا يف السكوت عن البيان من اإلغماض كما يشعر به أيضا واآلية أيضا مكية ٦٧ النحل ومن مثرات النخيل واألعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسناقوله

يا أيها الذين آمنوا ال تقربوا الصلوة وأنتم قولهوكان الناس مل يكونوا متنبهني مبا فيه من احلرمة الكبرية حتى نزلت واآلية مدنية وهي متنع الناس بعض املنع عن الشرب والسكر يف أفضل احلاالت ويف أفضل ٤٣ النساء سكارى

.األماكن وهي الصالة يف املسجد

Page 324: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٢٤

وال معنى واالعتبار وسياق اآلية الشريفة يأبى أن تنزل بعد آية البقرة وآييت املائدة فإهنما تدالن على النهي املطلق

على أنه ينايف التدريج املفهوم من هذه اآليات فإن التدريج سلوك من األسهل للنهي اخلاص بعد ورود النهي املطلق .إىل األشق ال بالعكس

ويسئلونك عن اخلمر وامليسر قل فيهما إثم كبري ومنافع للناس وإمثهما أكرب من قولهثم نزلت آية البقرة أعين

اآلية بعد آية النساء كما مر بيانه وتشتمل اآلية على التحريم لداللتها القطعية على اإلثم يف وهذه نفعهما .وتقدم نزول آية األعراف املكية الصرحية يف حتريم اإلثم فيهما إثم كبري اخلمر

قل فيهما إثم قولهأن آية البقرة ما كانت صرحية يف احلرمة فإن فساد ما ذكره بعض املفسرين ومن هنا يظهر

وحتريم كل ضار ال يدل على حتريم ما فيه مضرة من جهة ال يدل على أزيد من أن فيه إمثا واإلثم هو الضرر كبريفرتك هلا اخلمر بعضهم وأصر على ولذلك كانت هذه اآلية موضعا الجتهاد الصحابة ومنفعة من جهة أخرى

كأهنم رأوا أهنم يتيسر هلم أن ينتفعوا هبا مع اجتناب ضررها فكان ذلك متهيدا للقطع بتحرميها فنزل شرهبا آخرون .فهل أنتم منتهون - إىل قوله - إمنا اخلمر وامليسر واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان قوله

Page 325: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٢٥

فإنه أخذ اإلثم مبعنى الضرر مطلقا وليس اإلثم هو الضرر وجمرد مقابلته يف الكالم مع املنفعة ال أوالوجه الفساد أما

من يشرك بقولهوكيف ميكن أخذ اإلثم مبعنى الضرر يف يستدعي كونه مبعنى الضرر املقابل للنفعأن تبوء بإمثي قولهو ٢٨٣ البقرة فإنه آثم قلبهقولهو ٤٧ النساء فقد افرتى إمثا عظيما

ومن قولهو ١١ النورلكل امرىء منهم ما اكتسب من اإلثمقولهو ٢٩ املائدة وإمثك .إىل غري ذلك من اآليات ١١١ النساء يكسب إمثا فإمنا يكسبه على نفسه

ولفظها صريح يف بغلبة الضرر على املنفعة للهولو سلم ذلك فإهنا تع فإن اآلية مل تعلل احلكم بالضرر وأما ثانيا

.اجتهاد يف مقابل النص وإرجاعها مع ذلك إىل االجتهاد وإمثهما أكرب من نفعهما ذلك حيث يقول

فهب أن اآلية يف نفسها قاصرة الداللة على احلرمة لكنها صرحية الداللة على اإلثم وهي مدنية قد وأما ثالثا .!سبقتها يف النزول آية األعراف احملرمة لإلثم صرحيا فما عذر من مسع التحريم يف آية مكية حتى جيتهد يف آية مدنية

Page 326: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٢٦

قيدت اإلثم بالكرب وال يبقى مع ذلك ريب لذي ريب يف على أن آية األعراف تدل على حتريم مطلق اإلثم وهذه اآليةوقد وصف القرآن القتل وكتمان أن اخلمر فرد تام ومصداق كامل لإلثم ال ينبغي الشك يف كونه من اإلثم احملرم

الشهادة واالفرتاء وغري ذلك باإلثم ومل يصف اإلثم يف شيء من ذلك بالكرب إال يف اخلمر ويف الشرك حيث وصفه وباجلملة ال شك يف داللة اآلية على ٤٨ النساءفقد افرتى إمثا عظيما ومن يشرك بقولهالعظم يف ب

.التحريم

يا أيها الذين آمنوا إمنا اخلمر وامليسر واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ثم نزلت آيتا املائدةوعن إمنا يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء يف اخلمر وامليسر ويصدكم عن ذكر .لعلكم تفلحون

وذيل الكالم يدل على أن املسلمني مل يكونوا منتهني بعد نزول آية البقرة عن ٩١ املائدة الصلوة فهل أنتم منتهون .هذا كله يف اخلمر فهل أنتم منتهون شرب اخلمر ومل ينتزعوا عنه بالكلية حتى نزلت اآلية فقيل

وسنتعرض والعيان يغين عن البيان فمفاسده االجتماعية وهدمه لبنيان احلياة أمر مشهود معاين وأما امليسر

.لشأنه يف سورة املائدة إن شاء

Page 327: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٢٧

قد مر الكالم يف قل فيهما إثم كبري ومنافع للناس ولنرجع إىل ما كنا فيه من البحث يف مفردات اآلية فقوله والكرب يقابل الصغر كما أن الكثرة تقابل القلة وأما الكرب فهو يف األحجام مبنزلة الكثرة يف األعداد معنى اإلثم

صغري بالنسبة فهما وصفان إضافيان مبعنى أن اجلسم أو احلجم يكون كبريا بالنسبة إىل آخر أصغر منه وهو بعينه ويشبه أن يكون أول ما ولو ال املقايسة واإلضافة مل يكن كرب وال صغر كما ال يكون كثرة وال قلة إىل آخر أكرب منه

ثم انتقلوا من الصور تنبه الناس ملعنى الكرب إمنا تنبهوا له يف األحجام اليت هي من الكميات املتصلة وهي جسمانيةوقال ٣٥ املدثر إهنا إلحدى الكرب قال إىل املعاني فاستطردوا معنى الكرب والصغر فيها

كربت كلمة خترج من أفواههم الكهف ٥ وقال كرب على املشركني ما تدعوهم إليه الشورى ١٣ والعظم يف معناه كالكرب غري أن الظاهر أن العظمة مأخوذة من العظم الذي هو أحد أجزاء البدن من

احليوان فإن كرب جسم احليوان كان راجعا إىل كرب العظام املركبة املؤلفة يف داخله فاستعري العظم للكرب ثم تأصل .فاشتق منه كاملواد األصلية

أو املكروهة لغريها كما أن اخلري والشر يطلقان على والنفع خالف الضرر ويطلقان على األمور املطلوبة لغريها

واملراد باملنافع فيهما ما يقصده الناس هبما من االستفادات املالية بالبيع األمور املطلوبة لذاهتا أو املكروهة لذاهتا

Page 328: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٢٨

املنافع وإلغاء جهة وملا قوبل ثانيا بني اإلثم واملنافع بالكرب أوجب ذلك إفراد والشرى والعمل والتفكه والتلهي .وإمثهما أكرب من نفعهما ومل يقل من منافعهما الكثرة فيها فإن العدد ال تأثري له يف الكرب فقيل

العفو على ما ذكره الراغب قصد الشيء لتناوله ثم أوجب حلوق ويسئلونك ما ذا ينفقون قل العفوقوله

خمتلفة كالعفو مبعنى املغفرة والعفو مبعنى إحماء األثر والعفو مبعنى التوسط العنايات املختلفة الكالمية به جميئه ملعاني .العامل و وهذا هو املقصود يف املقام يف اإلنفاق

يسئلونك ما ذا ينفقون قل ما أنفقتم من خري والكالم يف مطابقة اجلواب للسؤال يف هذه اآلية نظري ما مر يف قوله

.فللوالدين واألقربني اآلية

بقولهمتعلق يف الدنيا واآلخرةقولهالظرف أعين يف الدنيا واآلخرةقولهلكم إىل يبني قوله وأن الدنيا دار واملعنى لعلكم تتفكرون يف أمر الدارين وما يرتبط بكم من حقيقتهما تتفكرون وليس بظرف له

لكم لتحيوا فيها وتكسبوا ما ينفعكم يف مقركم وهو الدار اآلخرة اليت ترجعون فيه إىل ربكم فيجازيكم خلقها .بأعمالكم اليت عملتموها يف الدنيا

Page 329: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٢٩

والتفكر يف طبيعة حث على البحث عن حقائق الوجود ومعارف املبدإ واملعاد وأسرار الطبيعة أوالويف اآلية

وباجلملة مجيع العلوم الباحثة عن املبدأ واملعاد االجتماع ونواميس األخالق وقوانني احلياة الفردية واالجتماعية .وما بينهما املرتبطة بسعادة اإلنسان وشقاوته

غري أنه ال يرضى أن يؤخذ ورسوله من غري أي شرط وقيد للهأن القرآن وإن كان يدعو إىل اإلطاعة املطلقة وثانيا

وتنور األحكام واملعارف اليت يعطيها على العمى واجلمود احملض من غري تفكر وتعقل يكشف عن حقيقة األمر .يستضاء به الطريق يف هذا السري والسري

.وإيضاح أصول املعارف والعلوم وكان املراد بالتبيني هو الكشف عن علل األحكام والقوانني

يف اآلية إشعار بل داللة على نوع من التخفيف والتسهيل ويسئلونك عن اليتامى قل إصالح هلم خريقوله

وهذا يكشف عن تشديد سابق من ألعنتكم ثم قيل ولو شاء حيث أجازت املخالطة لليتامىواألمر يف أمر اليتامى يوجب التشويش واالضطراب يف قلوب املسلمني حتى دعاهم على السؤال عن أمر اليتامى

Page 330: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٣٠

إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إمنا قولهفإن هاهنا آيات شديدة اللحن يف أمر اليتامى ك على ذلكوآتوا اليتامى أمواهلم وال تتبدلوا اخلبيث قولهو ١٠ النساء يأكلون يف بطوهنم نارا وسيصلون سعريا

فالظاهر أن اآلية نازلة بعد آيات سورة ٢ النساء بالطيب وال تأكلوا أمواهلم إىل أموالكم إنه كان حوبا كبريا قل إصالح هلم خري ويف قوله وبذلك يتأيد ما سننقله من سبب نزول اآلية يف البحث الروائي النساء

نوع من اإلصالح ال كل إصالح ولو كان إصالحا يف داللة على أن املرضي عند حيث نكر اإلصالح إصالح إلفادة التنويع فاملراد به اإلصالح حبسب احلقيقة ال حبسب الصورة فالتنكري يف قوله ظاهر األمر فقط

ويشعر به قوله - ذيال - و يعلم املفسد من املصلح.

إشارة إىل املساواة اعولة بني املؤمنني مجيعا بإلغاء مجيع الصفات املميزة وإن ختالطوهم فإخوانكمقولهاليت هي املصادر لربوز أنواع الفساد بني الناس يف اجتماعهم من االستعباد واالستضعاف واالستذالل واالستكبار

وبني واملعادلة بني اليتيم ا لضعيف والويل القوي وبذلك حيصل التوازن بني أثقال االجتماع وأنواع البغي والظلم .١٠ احلجرات إمنا املؤمنون إخوة وقد قال وكذا كل ناقص وتام الغين املثري والفقري املعدم

Page 331: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٣١

األخوين املتساويني يف احلقوق االجتماعية بني الناس فالذي جتوزه اآلية يف خمالطة الويل لليتيم أن يكون كاملخالطة بني وآتوا اليتامى أمواهلم وال تتبدلوا اخلبيث بالطيب وال قولهفاآلية حتاذي يكون املأخوذ من ماله كاملعطى له

وهذه احملاذاة من الشواهد على أن يف اآلية نوعا من ٢ النساء تأكلوا أمواهلم إىل أموالكم إنه كان حوبا كبريايعلم املفسد من و وكما يدل عليه أيضا بعض الداللة قوله التخفيف والتسهيل كما يدل عليه أيضا ذيلها

على التساوي يف احلقوق أن املخالطة إن كانت وهذا هو التخفيف فلتكن كمخالطة األخوين فاملعنى املصلحوال خيفى وال ينبغي عند ذلك اخلوف واخلشية فإن ذلك لو كان بغرض اإلصالح حقيقة ال صورة كان من اخلري

.مييز املفسد من املصلح حتى يؤاخذكم مبجرد املخالطة فإن حقيقة األمر على

والعنت تعدية يعلم مبن كأهنا ملكان تضمينه معنى مييز إىل آخر اآلية يعلم املفسد من املصلح وقوله .هو الكلفة واملشقة

هل هي حمرمة يف كتاب عن اخلمر سأل املهدي أبا احلسن قال عن علي بن يقطني يف الكايفيف أي موضع هي بل هي حمرمة فقال فإن الناس إمنا يعرفون النهي عنها وال يعرفون حترميها فقال له أبو احلسن

Page 332: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٣٢

ما ظهر منها وما بطن - إمنا حرم ربي الفواحش قول فقال يا أبا احلسن حمرمة يف كتاب يسألونك عن يف موضع آخر فأما اإلثم فإهنا اخلمر بعينها وقد قال واإلثم والبغي بغري احلق إىل أن قال

فهي اخلمر وامليسر فأما اإلثم يف كتاب اخلمر وامليسر قل فيهما إثم كبري ومنافع للناس وإمثهما أكرب من نفعهماصدقت فقلت له يا علي بن يقطني هذه فتوى هامشية فقال املهدي وإمثهما أكرب من نفعهما كما قال

ما صرب املهدي إن قال يل فو قال الذي مل خيرج هذا العلم منكم أهل البيت للهيا أمري املؤمنني احلمد .صدقت يا رافضي

.وقد مر ما يتبني به معنى هذه الرواية أقول

ثم جعل ثم جعل للبيت بابا جعل للمعصية بيتا إن قال أيضا عن أبي بصري عن أحدمها ويف الكايف

.فمفتاح املعصية اخلمر ثم جعل للغلق مفتاحا للباب غلقا

.إن اخلمر رأس كل إثم قال رسول قال أيضا عن أبي عبد وفيه

Page 333: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٣٣

هذا إله أهل يف املسجد احلرام فنظر إليه قوم من قريش فقالوا أقبل أبو جعفر عن إمساعيل قال وفيه .شرب اخلمر قال يا عم ما أكرب الكبائر فأتاه شاب منهم فقال لو بعثتم إليه بعضكم العراق فقال بعضهم

إن أحدهم يدع بشيء أشد من شرب املسكر ما عصي قال أيضا عن أبي البالد عن أحدمها وفيه

.وأخته وهو ال يعقل الصالة الفريضة ويثب على أمه وابنته

حرمها ألهنا أم قال اخلمر وال لذة أفضل منها مل حرم سأل زنديق أبا عبد ويف اإلحتجاج .يأتي على شارهبا ساعة يسلب لبه فال يعرف ربه وال يرتك معصية إال ركبها احلديث اخلبائث ورأس كل شر

.والتجارب واالعتبار يساعداهنا والروايات تفسر بعضها بعضا أقول

وحارسها غارسها يف اخلمر عشرة لعن رسول قال عن جابر عن أبي جعفر ويف الكايف

.ومشرتيها وآكل مثنها وبايعها واحملمولة إليه وحاملها وساقيها وعاصرها وشارهبا

Page 334: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٣٤

ملعون ملعون من جلس على مائدة يشرب قال رسول قال عن الصادق واحملاسن ويف الكايف .عليها اخلمر

.٣ املائدة وال تعاونوا على اإلثم والعدوانقولهوتصديق الروايتني أقول

ومنان عاق إليهم يوم القيامة أربعة ال ينظر قال رسول بإسناده عن أبي أمامة قال ويف اخلصال

ومكذب بالقدر ومدمن مخر.

أقسم ربي جل جالله ال يشرب عبد يل قال عن النيب بإسناده عن الصادق ويف األمايل البن الشيخإن شارب اخلمر ثم قال.مخرا يف الدنيا إال سقيته يوم القيامة مثل ما شرب منها من احلميم معذبا بعد أو مغفورا له

.والغا لسانه من قفاه سائال لعابه مائال شدقه مزرقة عيناه جييء يوم القيامة مسودا وجهه

أن يسقي من يشرب اخلمر مما خيرج من فروج حق على قال عن أبي جعفر ويف تفسري القمي .والصديد قيح ودم غليظ يؤذي أهل النار حره ونتنه واملومسات الزواني خيرج من فروجهن صديد املومسات

Page 335: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٣٥

إن شجرة الزقوم طعام األثيم كاملهل يغلي يف البطون كغلي احلميم خذوه قولهرمبا تأيدت هذه الروايات ب أقول

ويف ٤٩ الدخانفاعتلوه إىل سواء اجلحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب احلميم ذق إنك أنت العزيز الكريم .مجيع املعاني السابقة روايات كثرية

.امليسر هو القمار مسعته يقول قال عن الوشاء عن أبي احلسن ويف الكايف

.والروايات يف هذا املعنى كثرية ال غبار عليها أقول

أن نفرا من الصحابة حني أمروا عن ابن عباس اآلية ويسألونك ما ذا ينفقونقولهيف ويف الدر املنثور

فأنزل فما ننفق منها إنا ال ندري ما هذه النفقة اليت أمرنا هبا يف أموالنا أتوا النيب فقالوا بالنفقة يف سبيل ويسألونك ما ذا ينفقون قل العفو وكان قبل ذلك ينفق ماله حتى ما جيد ما يتصدق به وال ماال يأكل حتى يتصدق به

إن لنا يا رسول فقاال ن جبل وثعلبة أتيا رسول أنه بلغه أن معاذ ب أيضا عن حييى ويف الدر املنثور .قل العفو.ويسألونك ما ذا ينفقون فأنزل أرقاء وأهلني فما ننفق من أموالنا

Page 336: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٣٦

.العفو الوسط عن الصادق وتفسري العياشي ويف الكايف

.الكفاف عن الباقر والصادق ويف تفسري العياشي

.القصد بصريويف رواية أبي

هذه بعد قال وكان بني ذلك قواما - الذين إذا أنفقوا مل يسرفوا ومل يقرتوا يف اآلية أيضا عن الصادق وفيه .هي الوسط هذه

.العفو ما فضل عن قوت السنة عن الباقر ويف امع

.واألخرية من قبيل بيان املصداق والروايات متوافقة أقول

Page 337: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٣٧

سيأتي بعضها يف موارد تناسبها إن والروايات يف فضل الصدقة وكيفيتها وموردها وكميتها فوق حد اإلحصاء .شاء

إن الذين يأكلون إنه ملا نزلت قال عن الصادق ويسألونك عن اليتامىقولهيف ويف تفسري القمي

وسألوا رسول أخرج كل من كان عنده يتيم ظلما إمنا يأكلون يف بطوهنم نارا وسيصلون سعريا - أموال اليتامى يف إخراجهم فأنزل فإخوانكم يف الدين - قل إصالح هلم خري وإن ختالطوهم - يسألونك عن اليتامى-

.يعلم املفسد من املصلح و

وإن الذين يأكلون إال باليت هي أحسن - وال تقربوا مال اليتيم ملا أنزل عن ابن عباس قال املنثور ويف الدرأموال اليتامى اآلية انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل له الشيء من

فأنزل فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فريمي بهفخلطوا طعامهم بطعامهم وشراهبم وإن ختالطوهم فإخوانكم - ويسألونك عن اليتامى قل إصالح هلم خري

.بشراهبم

Page 338: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٣٨

وروي هذا املعنى عن سعيد بن جبري وعطاء وقتادة أقول

نمؤتى يح ركاتشوا المحال تنكوا ونمؤتى يح نيركشوا المحال تنكو تكمبجأع لوو ركةشن مم رية خنمؤة مألموار وإلى الن ونعدي كلئأو كمبجأع لوو ركشن مم ريخ نمؤم دبلعو هاتآي نيبيو هبإذن ةرغفالمو ةنإلى الج وعدي

ونتذكري ملهاس لعلنل٢٢١

بيان

أصل النكاح للعقد ثم استعري للجماع قال الراغب يف املفردات وال تنكحوا املشركات حتى يؤمنقولهالستقباحهم ذكره كاستقباح كلها كنايات وحمال أن يكون يف األصل للجماع ثم استعري للعقد ألن أمساء اجلماع

وهو جيد غري أنه جيب انتهى وحمال أن يستعري من ال يقصد فحشا اسم ما يستفظعونه ملا يستحسنونه تعاطيه .املعهود أن يراد بالعقد علقة الزوجية دون العقد اللفظي

ومن املعلوم أنه ذو مراتب خمتلفة حبسب الظهور للهواملشركات اسم فاعل من اإلشراك مبعنى اختاذ الشريك

وأخفى منه ما عليه أهل فالقول بتعدد اإلله واختاذ األصنام والشفعاء شرك ظاهر واخلفاء نظري الكفر واإلميان

Page 339: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٣٩

حنن أبناء وقالوا أو املسيح ابن عزير ابن أهنم قالوا - وخاصة - الكتاب من الكفر بالنبوة إىل أن ينتهي إىل ما ال ينجو منه وأخفى منه القول باستقالل األسباب والركون إليها وهو شرك وأحباؤه وهو شرك

غري أن إطالق فكل ذلك من الشرك عزت ساحته وااللتفات إىل غري إال املخلصون وهو الغفلة عن كما أن من ترك من املؤمنني شيئا من الفرائض فقد كفر به لكنه ال يسمى الفعل غري إطالق الوصف والتسمية به

٩٧ آل عمران غين عن العاملني على الناس حج البيت إىل أن قال ومن كفر فإن للهو قال كافراوكذا سائر ولو أطلق عليه الكافر قيل كافر باحلج وليس تارك احلج كافرا بل هو فاسق كفر بفريضة واحدة

وكالفاسقني والظاملني إىل غري ذلك ال الصفات املستعملة يف القرآن كالصاحلني والقانتني والشاكرين واملتطهرين .وإلسناد الفعل حكم آخر وهو ظاهر فللتوصيف والتسمية حكم تعادل األفعال املشاركة هلا يف مادهتا

على أن لفظ املشركني يف القرآن غري ظاهر اإلطالق على أهل الكتاب خبالف لفظ الكافرين بل إمنا أطلق فيما يعلم

مل يكن الذين كفروا من أهل الكتاب وال املشركني منفكني حتى تأتيهم قولهمن الكفار ك مصداقه على غريهمكيف قولهو ٢٨ التوبةإمنا املشركون جنس فال يقربوا املسجد احلرامقولهو ١ البينة البينة

فاقتلوا قولهو ٣٦ التوبةوقاتلوا املشركني كافةقولهو ٧ التوبة يكون للمشركني عهد .إىل غري ذلك من املوارد ٥ التوبة املشركني حيث وجدمتوهم

Page 340: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٤٠

١٣٥ البقرةوقالوا كونوا هودا أو نصارى هتتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من املشركنيقولهوأما

قولهفليس املراد باملشركني يف اآلية اليهود والنصارى ليكون تعريضا هلم بل الظاهر أهنم غريهم بقرينة ماففي إثبات ٦٧ آل عمران كان إبراهيم يهوديا وال نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من املشركني

وتربئة لساحة إبراهيم عن امليل عن حاق الوسط إىل مادية اليهود حمضا أو تعريض ألهل الكتاب احلنف له .غري متبع له يكن املشركني عبدة األوثان للهغري يهودي وال نصراني ومسلم إىل مثنوية النصارى حمضا بل هو

للمشركني الذين وويل قولهو ١٠٦ يوسف إال وهم مشركون وما يؤمن أكثرهم بقولهوكذا

١٠٠ النحلإمنا سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركونقولهو ٧ فصلت ال يؤتون الزكاة فإن هذه اآليات ليست يف مقام التسمية حبيث يعد املورد الذي يصدق وصف الشرك عليه مشركا غري مؤمن

بل على مجيعهم غري النادر الشاذ منهم وهم األولياء والشاهد على ذلك صدقه على بعض طبقات املؤمنني .املقربون من صاحلي عباد

Page 341: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٤١

قصر التحريم على وال تنكحوا املشركات أن ظاهر اآلية أعين قوله فقد ظهر من هذا البيان على طوله .املشركات واملشركني من الوثنيني دون أهل الكتاب

اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا قولهفساد القول بأن اآلية ناسخة آلية املائدة وهي ومن هنا يظهر

املائدة الكتاب حل لكم وطعامكم حل هلم واحملصنات من املؤمنات واحملصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ٦.

وال متسكوا بعصم قولهوآية املمتحنة أعين وال تنكحوا املشركاتقولهأو أن اآلية أعين .وكذا القول بأن آية املائدة ناسخة آلييت البقرة واملمتحنة ناسختان آلية املائدة ١٠ املمتحنة الكوافر

أن هذه اآلية أعين آية البقرة بظاهرها ال تشمل أهل الكتاب وآية املائدة ال تشمل إال الكتابية فال نسبة وجه الفساد

وكذا آية املمتحنة وإن أخذ فيها عنوان بني اآليتني بالتنايف حتى تكون آية البقرة ناسخة آلية املائدة أو منسوخة هبافإن الظاهر أن إطالق الكافر يشمل الكتابي حبسب التسمية ابالكوافر وهو أعم من املشركات ويشمل أهل الكت

ومالئكته ورسله للهمن كان عدوا قولهحبيث يوجب صدقه عليه انتفاء صدق املؤمن عليه كما يشهد به

Page 342: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٤٢

العزيز أن من آمن إال أن ظاهر اآلية كما سيأتي إن شاء ٩٨ البقرة عدو للكافرين وجربيل وميكال فإن من الرجال وحتته زوجة كافرة حيرم عليه اإلمساك بعصمتها أي إبقاؤها على الزوجية السابقة إال أن تؤمن فتمسك

.فال داللة هلا على النكاح االبتدائي للكتابية بعصمتها

آية البقرة وآية املمتحنة على حتريم نكاح الكتابية ابتداء مل تكونا حبسب السياق ولو سلم داللة اآليتني أعينفهي على ما يعطيه التدبر يف سياقها وذلك ألن آية املائدة واردة مورد االمتنان والتخفيف ناسختني آلية املائدة

فلو بين على النسخ املفهوم من آية البقرةآبية عن املنسوخية بل التخفيف املفهوم منها هو احلاكم على التشديد .كانت آية املائدة هي الناسخة

وسورة املمتحنة نزلت باملدينة قبل فتح مكة وسورة على أن سورة البقرة أول سورة نزلت باملدينة بعد اهلجرة

.ناسخة غري منسوخة وال معنى لنسخ السابق الالحق املائدة آخر سورة نزلت على رسول

الظاهر أن املراد باألمة املؤمنة اململوكة اليت تقابل احلرة وألمة مؤمنة خري من مشركة ولو أعجبتكمقولهوإطالق املشركة مع ما كان فتقييد األمة بكوهنا مؤمنة وقد كان الناس يستذلون اإلماء ويعريون من تزوج هبن

Page 343: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٤٣

والتحرز عن التزوج هبن يدل على أن املراد أن املؤمنة وإن كانت عليه الناس من استحقار أمر اإلماء واستذالهلن .أمة خري من املشركة وإن كانت حرة ذات حسب ونسب ومال مما يعجب اإلنسان حبسب العادة

.وعبده وهو بعيد إن املراد باألمة كالعبد يف اجلملة التالية أمة وقيل

.الكالم فيه كالكالم يف اجلملة السابقة إخل ولعبد مؤمنوال تنكحوا املشركني حتى يؤمنوا قوله

وهو إشارة إىل حكمة احلكم بالتحريم يدعو إىل اجلنة واملغفرة بإذنه أولئك يدعون إىل النار وقوله

وسلوكهم سبيل الضالل رسخت فيهم امللكات الرذيلة املزينة للكفر والفسوق أن املشركني العتقادهم بالباطل والداللة إىل البوار واملعمية عن إبصار طريق احلق واحلقيقة فأثبتت يف قوهلم ويف فعلهم الدعوة إىل الشرك

وتلبسهم بلباس سبيل اإلميان بسلوكهم - خبالفهم - واملؤمنون والسلوك باآلخرة إىل النار فهم يدعون إىل النارواهتدائهم إىل الفوز حيث أذن يف دعوهتم إىل اإلميان التقوى يدعون بقوهلم وفعلهم إىل اجلنة واملغفرة بإذن

.والصالح املؤدي إىل اجلنة واملغفرة

Page 344: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٤٤

ففيه استخالف عن املؤمنني وداللة على أن املؤمنني يف وهؤالء يدعون إىل اجلنة إخل وكان حق الكالم أن يقالوهو وليهم ال يستقلون يف شيء من األمور دون رهبم تبارك و دعوهتم بل يف مطلق شئوهنم الوجودية إىل رهبم

.٦٨ آل عمران ويل املؤمنني و كما قال

وال وهو أن يكون املراد بالدعوة إىل اجلنة واملغفرة هو احلكم املشرع يف صدر اآلية بقوله ويف اآلية وجه آخرفإن جعل احلكم لغرض ردع املؤمنني عن االختالط يف العشرة مع من ال يزيد تنكحوا املشركات حتى يؤمن إخل

وذكر آياته وحثهم مبخالطة من يف خمالطته التقرب من القرب منه واألنس به إال البعد من ويبني آياته للناس لعلهم ويؤيد هذا الوجه تذييل هذه اجلملة بقوله إىل اجلنة ومراقبة أمره وهنيه دعوة من

.وال خيلو حينئذ السياق عن لطف فافهم وميكن أن يراد بالدعوة األعم من الوجهني يتذكرون

إىل مكة ليخرج منها ناسا من املسلمني نزلت يف مرئد بن أبي مرئد الغنوي بعثه رسول يف اآلية يف امعهل لك فقالت عناق إىل نفسها فأبى وكانت بينهما خلة يف اجلاهلية فدعه امرأة يقال هلا وكان قويا شجاعا

.فلما رجع استأذن يف التزوج هبا حتى استأذن رسول فقال أن تتزوج بي

Page 345: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٤٥

.عن ابن عباس وروى هذا املعنى السيوطي يف الدر املنثور أقول

وألمة مؤمنة خري يف هذه اآلية أخرج الواحدي من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس ويف الدر املنثور

بن رواحة وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها ثم إنه فزع فأتى نزلت يف عبد قال من مشركةتصوم وتصلي وحتسن الوضوء وتشهد أن قال ما هي يا عبد فقال له النيب فأخربه خربها النيب

فوالذي بعثك باحلق ألعتقها وألتزوجها هذه مؤمنة فقال عبد وأنك رسوله فقال يا عبد ال إله إال نكح أمة وكانوا يريدون أن ينكحوا إىل املشركني وينكحوهم رغبة يف ففعل فطعن عليه ناس من املسلمني وقالوا

.وألمة مؤمنة خري من مشركة فيهم أحساهبم فأنزل

.قال بلغنا أهنا كانت أمة حلذيفة فأعتقها وتزوجها حذيفة يف اآلية وألمة مؤمنة أيضا عن مقاتل وفيه

Page 346: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٤٦

ال تنايف بني هذه الروايات الواردة يف أسباب النزول جلواز وقوع عدة حوادث تنزل بعدها آية تشتمل على حكم أقولاآلية ناسخا لقوله وال تنكحوا املشركات حتى يؤمن وهنا روايات متعارضة مروية يف كون قوله مجيعها واحملصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم أو منسوخا به ستمر بك يف تفسري اآلية من سورة املائدة.

رطهي تىح نوهبال تقريض وحي الماء فستزلوا النأذى فاع ويض قل هحن المع ألونكسيفإذو ن نم نفأتوه نرا تطه كمرأم ثيح إن رينتطهالم بحيو ابنيالتو بحي٢٢٢ ئتمأنى ش ثكمرفأتوا ح لكم ثرح كمآؤسن

٢٢٣واعلموا أنكم مالقوه وبشر المؤمنني وقدموا ألنفسكم واتقوا

بيان

حاضت املرأة حتيض يقال احمليض مصدر كاحليض إخل ويسألونك عن احمليض قل هو أذىقولهولذلك يقال هي حائض حيضا وحميضا إذا نزفت طبيعتها الدم املعروف ذا الصفات املعهودة املختصة بالنساء

.هي حامل كما يقال

Page 347: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٤٧

فإنه لو كان هو الضرر بعينه لصح مقابلته مع النفع كما أن لكنه ال خيلو عن نظر واألذى هو الضرر على ما قيلوأيضا قال ولو قيل دواء موذ أفاد معنى آخر دواء مضر وضار يقال الضرر مقابل النفع وليس بصحيح

يضروكم إال أذىلن آل عمران ١١١ ولو قيل لن يضروكم إال ضررا لفسد الكالم وأيضا كونه مبعنىمل تؤذونين وقد قولهو ٥٧ األحزابورسوله إن الذين يؤذون قولهالضرر غري ظاهر يف أمثال

فالظاهر أن األذى هو الطارىء على الشيء غري املالئم لطبعه ٥ الصف إليكم تعلمون أني رسول .فينطبق عليه معنى الضرر بوجه

وتسمية احمليض أذى على هذا املعنى لكون هذا الدم املستند إىل عادة النساء حاصال من عمل خاص من طبعها

عن احلال الطبيعي وينزله إىل الرحم يؤثر به يف مزاج الدم الطبيعي الذي حيصله جهاز التغذية فيفسد مقدارا منه إن املراد باحمليض إن األذى هو الضرر فقد قيل وأما على قوهلم لتطهريه أو لتغذية اجلنني أو لتهيئة اللنب لإلرضاع

يسألونك عن إتياهنن يف هذه احلال فأجيب بأنه ضرر وهو كذلك فقد ذكر واملعنى إتيان النساء يف حال احليضوالوقاع خيتل به نظام هذا العمل فيضر األطباء أن الطبيعة مشتغلة يف حال الطمث بتطهري الرحم وإعداده للحمل

.بنتائج هذا العمل الطبيعي من احلمل وغريه

Page 348: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٤٨

االعتزال هو أخذ العزلة التجنب عن املخالطة واملعاشرة فاعتزلوا النساء يف احمليض وال تقربوهنقولهوالقرب مقابل البعد يتعدى عزلت نصيبه إذا ميزته ووضعته يف جانب بالتفريق بينه وبني سائر األنصباء يقال

.واملراد باالعتزال ترك اإلتيان من حمل الدم على ما سنبني بنفسه ومبن

ويفارق النساء يف احمليض يف املأكل فكانت اليهود تشدد يف أمره احمليض مذاهب شتىوقد كان للناس يف أمر وأمر من قرب منهن يف الس ويف التوراة أحكام شديدة يف أمرهن يف احمليض واملشرب والس واملضجعوأما وأما النصارى فلم يكن عندهم ما مينع االجتماع هبن أو االقرتاب منهن بوجه واملضجع واملس وغريه ذلك

املشركون من العرب فلم يكن عندهم شيء من ذلك غري أن العرب القاطنني باملدينة وحواليها سرى فيهم بعض نوا يستحبون إتيان النساء يف وغريهم رمبا كا آداب اليهود يف أمر احمليض والتشديد يف أمر معاشرهتن يف هذا احلال

احمليض ويعتقدون أن الولد املرزوق حينئذ يصري سفاحا ولوعا يف سفك الدماء وذلك من الصفات املستحسنة .عند العشائر من البدويني

Page 349: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٤٩

وإن كان ظاهره األمر مبطلق االعتزال على ما قالت به اليهود فاعتزلوا النساء يف احمليضقولهوكيف كان ف ويؤكده قوله ثانيا وال تقربوهن إال أن قوله أخريا فأتوهن من حيث أمركم - ومن املعلوم أنه حمل

.واقعان موقع الكناية ال التصريح فاعتزلوا وال تقربوا قولهقرينة على أن - الدم

.التمتع واالستلذاذواملراد به اإلتيان من حمل الدم فقط ال مطلق املخالطة واملعاشرة وال مطلق

فاإلسالم قد أخذ يف أمر احمليض طريقا وسطا بني التشديد التام الذي عليه اليهود واألعمال املطلق الذي عليه وضع الظاهر موضع املضمر يف احمليض وهو املنع عن إتيان حمل الدم واإلذن فيما دونه ويف قوله النصارى

فاعتزلوا النساء فيه والوجه فيه أن احمليض األول أريد به املعنى املصدري والثاني زمان وكان الظاهر أن يقال .وال يفيد معناه تبديله من الضمري الراجع إىل غري معناه احليض فالثاني غري األول

من املعاني - الطهارة وتقابلها النجاسة حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم قوله

وقد صار الدائرة يف ملة اإلسالم ذات أحكام وخواص جمعولة فيها تشتمل على شطر عظيم من املسائل الدينية .اللفظان بكثرة االستعمال من احلقائق الشرعية أو املتشرعة على ما اصطلح عليه يف فن األصول

Page 350: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٥٠

ومن هنا يعلم أهنا من املعاني اليت وأصل الطهارة حبسب املعنى مما يعرفه الناس على اختالف ألسنتهم ولغاهتم

.يعرفها اإلنسان يف خالل حياته من غري اختصاص بقوم دون قوم أو عصر دون عصر

فإن أساس احلياة مبين على التصرف يف املاديات والبلوغ هبا إىل مقاصد احلياة واالستفادة منها ملآرب العيش وأوسع هذه الفوائد ويرغب فيه لذلك الفائدة واخلاصية واجلدوىفاإلنسان يقصد كل شيء بالطبع ملا فيه من

.الفوائد املربوطة بالتغذي والتوليد

وعمدة ذلك الطعم ورمبا عرض للشيء عارض يوجب تغريه عما كان عليه من الصفات املوجبة لرغبة الطبع فيهوهذا هو املسمى بالنجاسة وهبا يستقذر فأوجب ذلك تنفر الطبع وانسالب رغبته عنه والرائحة واللون

وما يقابله وهو كون الشيء على حاله األوىل من الفائدة واجلدوى الذي به يرغب فيه اإلنسان الشيء فيجتنبه فالطهارة والنجاسة وصفان وجوديان يف األشياء من حيث وجداهنا صفة توجب الرغبة فيها الطبع هو الطهارة

أو صفة توجب كراهتها واستقذارها.

Page 351: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٥١

وقد كان أول ما تنبه اإلنسان هبذين املعنيني انتقل هبما يف احملسوسات ثم أخذ يف تعميمها لألمور املعقولة غري .احملسوسة لوجود أصل معنى الرغبة والنفرة فيها كاألنساب واألفعال واألخالق والعقائد واألقوال

وأما النظافة والنزاهة والقدس والسبحان فألفاظ لطهارة والنجاسة عند الناسهذا ملخص القول يف معنى ا

قريبة املعنى من الطهارة غري أن النظافة هي الطهارة العائدة إىل الشيء بعد قذارة سابقة وخيتص استعماهلا والقدس والسبحان وأصل إطالقها على الطهارة من باب االستعارة والنزاهة أصلها البعد باحملسوسات

لكن األصل يف القذارة وأما القذارة والرجس فلفظان قريبا املعنى من النجاسة خيتصان باملعقوالت واملعنوياترجل قاذورة ال خيال الناس لسوء خلقه وال ناقة قذور ترتك ناحية من اإلبل وتستبعد ويقال يقال معنى البعد

قذرت الشيء بالكسر وتقذرته واستقذرته إذا كرهته ويقال ورجل مقذر بالفتح جيتنبه الناس ينازهلموعلى هذا يكون أصل استعمال القذارة مبعنى النجاسة من باب االستعارة الستلزام جناسة الشيء تبعد اإلنسان

والوحشة فداللته على النجاسة وكان األصل يف معناه اهلول وكذلك الرجس والرجز بكسر الراء عنه .استعارية

Page 352: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٥٢

ويف وطردمها يف املعارف الكلية وعممهما يف احملسوس واملعقول وقد اعترب اإلسالم معنى الطهارة والنجاسةوقال وهو النقاء من احليض وانقطاع الدم اآلية وال تقربوهن حتى يطهرن قال القوانني املوضوعة وثيابك فطهر املدثر ٤ وقال ولكن يريد ليطهركم املائدة ٦ وقال أولئك الذين مل

.٧٩ الواقعة ال ميسه إال املطهرون وقال ٤١ املائدة أن يطهر قلوهبم يرد

وبعض احليوان وامليتة وقد عدت الشريعة اإلسالمية عدة أشياء جنسة كالدم والبول والغائط واملين من اإلنسان وقد عد من الطهارة أمورا وحكم بوجوب االجتناب عنها يف الصالة ويف األكل ويف الشرب واخلنزير أعيانا جنسة

وكالطهارة احلدثية املزيلة للحدث احلاصلة كالطهارة اخلبثية املزيلة للنجاسة احلاصلة مبالقات األعيان النجسة .رق املقررة شرعا املشروحة يف كتب الفقهبالوضوء والغسل على الط

وينشر األصل الواحد يف وقد مر بيان أن اإلسالم دين التوحيد فهو يرجع الفروع إىل أصل واحد هو التوحيد

.فروعه

Page 353: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٥٣

وبعد هذه الطهارة بقية املعارف الكلية أن أصل التوحيد هي الطهارة الكربى عند ومن هنا يظهر وبعد ذلك األحكام املوضوعة لصالح الدنيا واآلخرة وبعد ذلك أصول األخالق الفاضلة طهارات لإلنسان

٦ املائدة يريد ليطهركمقولهوعلى هذا األصل تنطبق اآليات السابقة املذكورة آنفا ك .إىل غري ذلك من اآليات الواردة يف معنى الطهارة ٣٣ األحزاب ويطهركم تطهرياقولهو

فإذا وهو الطهر بعد احليض وقوله أي ينقطع عنهن الدم حتى يطهرن ولنرجع إىل ما كنا فيه فقوله أمر يفيد اجلواز لوقوعه بعد فأتوهن من حيث أمركم قوله يغسلن حمل الدم أو يغتسلن تطهرن أي

وتقييد األمر باإلتيان وهو كناية عن األمر باجلماع على ما يليق بالقرآن الشريف من األدب اإلهلي البارع احلظربه لتتميم هذا التأدب فإن اجلماع مما يعد حبسب بادي النظر لغوا وهلوا فقيده بكونه مما أمر بقوله أمركم

و بل هو من ا للداللة على أنه مما يتم به نظام النوع اإلنساني يف حياته وبقائه فال ينبغي عده من اللغو وأمرا تكويني .أصول النواميس التكوينية

فاآلن باشروهن وابتغوا ما كتب قولهمتاثل فأتوهن من حيث أمركم وهذه اآلية أعين قوله

من حيث السياق ٢٢٣ البقرة حرثكم أنى شئتم وقدموا ألنفسكمفأتوا قولهو ١٨٧ البقرة لكم

Page 354: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٥٤

فالظاهر أن املراد باألمر باإلتيان يف اآلية هو األمر التكويين املدلول عليه بتجهيز اإلنسان باألعضاء والقوى اهلادية إىل وميكن أن يكون وهو ظاهر أيضا ذلكلكم وابتغوا ما كتب قولهكما أن املراد بالكتابة يف التوليد

املراد باألمر هو اإلجياب الكفائي املتعلق باألزواج والتناكح نظري سائر الواجبات الكفائية اليت ال تتم حياة النوع إال به .لكنه بعيد

وهو من أوهن االستدالل وأرداه وقد استدل بعض املفسرين هبذه اآلية على حرمة إتيان النساء من أدبارهن

وإما على فأتوهن وهو من مفهوم اللقب املقطوع عدم حجيته إما على االستدالل مبفهوم قوله فإنه مبين .االستدالل بداللة األمر على النهي عن الضد اخلاص وهو مقطوع الضعف

فأتوهن فهو واقع عقيب احلظر ال يدل على الوجوب ولو كان باألمر يف على أن االستدالل لو كان باألمر يف قوله

وإن كان أمرا تشريعيا فهو إن كان أمرا تكوينيا كان خارجا عن الداللة اللفظية من حيث أمركم قوله .والداللة على النهي عن الضد على تقدير التسليم إمنا هي لألمر اإلجيابي العيين املولوي كان لإلجياب الكفائي

Page 355: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٥٥

والتطهر هو األخذ بالطهارة التوبة هي الرجوع إىل حيب التوابني وحيب املتطهرين إن قوله وقبوهلا فهو انقالع عن القذارة ورجوع إىل األصل الذي هو الطهارة فاملعنيان يتصادقان يف مورد أوامر

واالنتهاء عن كل ما هنى عنه تطهر عن وخاصة يف مورد الطهارة والنجاسة فااليتمار بأمر من أوامره ونواهيهإن بقولهما ذكره من احلكم وملكان هذه املناسبة علل وتوبة ورجوع إليه عز شأنه قذارة املخالفة واملفسدة

حيب التوابني وحيب املتطهرين فإن من الالزم أن ينطبق ما ذكره من العلة على كل ما ذكره من احلكم أعينحيب إن قولهواآلية أعين فأتوهن من حيث أمركم قولهو فاعتزلوا النساء يف احمليض قوله

وال يبعد استفادة مطلقة غري مقيدة فتشمل مجيع مراتب التوبة والطهارة كما مر بيانه التوابني وحيب املتطهرينفينتج استفادة الكثرة يف التوبة والطهارة التوابني قولهكما جيء بصيغة املبالغة يف املتطهرين املبالغة من قوله

حيب مجيع أنواع التوبة سواء كانت باالستغفار أو بامتثال أن أعين من حيث النوع ومن حيث العدد مجيعاوحيب مجيع أنواع التطهر سواء كان باالغتسال كل أمر وهني من تكاليفه أو باختاذ كل اعتقاد من االعتقادات احلقة

.وحيب تكرار التوبة وتكرار التطهر والوضوء والغسل أو التطهر باألعمال الصاحلة أو العلوم احلقة

احلرث مصدر مبعنى الزراعة ويطلق كالزراعة على نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتمقولهورمبا استعمل يف املكان وأنى من أمساء الشرط يستعمل يف الزمان كمتى والزراعةاألرض اليت يعمل فيها احلرث

Page 356: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٥٦

كان املعنى فإن كان مبعنى املكان ٣٧ آل عمران يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند أيضا قال وكيف كان يفيد اإلطالق حبسب معناه وإن كان مبعنى الزمان كان املعنى يف أي زمان شئتم من أي حمل شئتم

أن يدل على فأتوا حرثكم وهذا هو الذي مينع األمر أعين قوله شئتمقولهوخاصة من حيث تقييده .الوجوب إذ ال معنى إلجياب فعل مع إرجاعه إىل اختيار املكلف ومشيته

عن النساء ثانيا باحلرث ال خيلو عن على هذا احلكم وكذا التعبري نساؤكم حرث لكمقولهثم إن تقديم

الداللة على أن املراد التوسعة يف إتيان النساء من حيث املكان أو الزمان الذي يقصدن منه دون املكان الذي يقصد يف اآلية فإن كان اإلطالق من حيث املكان فال تعرض لآلية لإلطالق الزماني وال تعارض له مع قوله منهن

وإن كان من حيث الزمان فهو مقيد بآية فاعتزلوا النساء يف احمليض وال تقربوهن حتى يطهرن اآلية السابقةوهو داللة آية احمليض على أن والدليل عليه اشتمال آية احمليض على ما يأبى معه أن ينسخه آية احلرث احمليض

وداللتها أيضا على أن حتريم اإلتيان يض أذى دائمااحمليض أذى وأنه السبب لتشريع حرمة إتياهنن يف احمليض واحملما ومينت على عباده بتطهريهم كما قال حيب التطهر دائما يف احمليض نوع تطهري من القذارة و

.٦ املائدة ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم يريد

Page 357: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٥٧

املشتمل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتمقولهومن املعلوم أن هذا اللسان ال يقبل التقييد مبثل وهو سبب كان موجودا مع سبب التحريم وعند تشريعه ومل يؤثر شيئا فال يتصور تأثريه بعد أوال على التوسعةواعلموا أنكم مالقوه وقدموا ألنفسكم واتقوا قولهعلى مثل التذييل الذي هو وثانيااستقرار التشريع

أن آية احلرث ال تصلح لنسخ آية احمليض سواء تقدمت عليها نزوال أو ومن هذا البيان يظهر وبشر املؤمنني .تأخرت

أن نسبة النساء إىل اتمع اإلنساني نسبة احلرث إىل اإلنسان فكما أن احلرث حيتاج إليه إلبقاء فمحصل معنى اآلية

البذور وحتصيل ما يتغذى به من الزاد حلفظ احلياة وإبقائها كذلك النساء حيتاج إليهن النوع يف بقاء النسل ودوام النوع ثم جعل طبيعة الرجال وفيهم بعض أرحامهنجعل تكون اإلنسان وتصور مادته بصورته يف طباع ألن

وإذا كان كذلك كان الغرض التكويين من هذا وجعل بني الفريقني مودة ورمحة املادة األصلية مائلة منعطفة إليهنأو حمل دون حمل إذا كان مما يؤدي اجلعل هو تقديم الوسيلة لبقاء النوع فال معنى لتقييد هذا العمل بوقت دون وقت

وقدموا إىل ذلك الغرض ومل يزاحم أمرا آخر واجبا يف نفسه ال جيوز إمهاله ومبا ذكرنا يظهر معنى قوله .ألنفسكم

Page 358: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٥٨

على جواز العزل عند اجلماع واآلية غري اآلية نساؤكم حرث لكمقولهومن غريب التفسري االستدالل ب .بالتسمية قبل اجلماع وقدموا ألنفسكم ونظريه تفسري قوله ناظرة إىل هذا النوع من اإلطالق

قدموا قولهأن املراد من قد ظهر واعلموا أنكم مالقوه وبشر املؤمنني وقدموا ألنفسكم واتقوا قوله

و ألنفسكم وخطاب الرجال أو جمموع الرجال والنساء بذلك احلث على إبقاء النوع بالتناكح والتناسلوما خلقت اجلن قال ال يريد من نوع اإلنسان وبقائه إال حياة دينه وظهور توحيده وعبادته بتقويهم العام

فلو أمرهم بشيء مما يرتبط حبياهتم وبقائهم فإمنا يريد توصلهم بذلك إىل ٥٦ الذاريات واإلنس إال ليعبدون .وتيههم يف أودية الغي والغفلة عبادة رهبم ال إخالدهم إىل األرض واهنماكهم يف شهوات البطن والفرج

اتمع اإلنساني وإن كان هو االستيالد وتقدمه أفراد جديدي الوجود والتكون إىل قدموا ألنفسكمقولهفاملراد

مبرور الدهر لكن ال ملطلوبيتهم يف نفسه بل للتوصل به إىل وينقص عدده الذي ال يزال يفقد أفرادا باملوت والفناءببقاء النسل وحدوث أفراد صاحلني ذوي أعمال صاحلة تعود مثوباهتا وخرياهتا إىل أنفسهم إبقاء ذكر

.١٢ يس ونكتب ما قدموا وآثارهم وإىل صاحلي آبائهم املتسببني إليهم كما قال

Page 359: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٥٩

يوم ينظر املرء أن املراد بتقدميهم ألنفسهم تقديم العمل الصاحل ليوم القيامة كما قال وهبذا الذي ذكرنا يتأيدهو خريا وأعظم وما تقدموا ألنفسكم من خري جتدوه عند أيضا وقال ٤٠ النبأ ما قدمت يداه

مماثاللسياق إخل واعلموا أنكم مالقوه وقدموا ألنفسكم واتقوا قولهف ٢٠ املزمل أجرا احلشر خبري مبا تعملون إن ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا يا أيها الذين آمنوا اتقوا قولهل

١٨ فاملراد و أعلم بقوله وقدموا ألنفسكم تقديم العمل الصاحل ومنه تقديم األوالد برجاء صالحهم التقوى باألعمال الصاحلة يف إتيان احلرث وعدم التعدي عن حدود واتقوا وبقوله للمجتمع

مبعنى اخلوف األمر بتقوى واعلموا أنكم مالقوه إخل وبقوله وانتهاك حمارم والتفريط يف جنب التقوى خبري مبا تعملون اآلية إن يف آية احلشر واتقوا من يوم اللقاء وسوء احلساب كما أن املراد بقوله

قال وإطالق األمر بالعلم وإرادة الزمه وهو املراقبة والتحفظ واالتقاء شائع يف الكالم مبعنى اخلوف واعلموا أن حيول بني املرء وقلبهاألنفال ٢٤ أي اتقوا حيلولته بينكم وبني قلوبكم وملا كان العمل

كما صدر آية احلشر وبشر املؤمنني بقولهكالمه الصاحل وخوف يوم احلساب من اللوازم اخلاصة باإلميان ذيل .يا أيها الذين آمنوا بقوله

Page 360: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٦٠

أخرج أمحد وعبد بن محيد والدارمي ومسلم وأبو داود والرتمذي والنسائي وابن ماجة وأبو يعلى يف الدر املنثورأن اليهود كانوا إذا حاضت املرأة وابن املنذر وأبو حامت والنحاس يف ناسخه وأبو حيان والبيهقي يف سننه عن أنس

عن ذلك فسئل رسول منهم أخرجوها من البيت ومل يؤاكلوها ومل يشاربوها ومل جيامعوها يف البيوت فقال رسول فاعتزلوا النساء يف احمليض اآلية - ويسألونك عن احمليض قل هو أذى فأنزل

فبلغ ذلك اليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا لنكاحجامعوهن يف البيوت واصنعوا كل شيء إال اكذا وكذا أفال إن اليهود قالت يا رسول فجاء أسيد بن خضري وعباد بن بشر فقاال إال خالفنا فيه

فاستقبلهما هدية من لنب إىل فخرجا حتى ظننا أن قد وجد عليهما فتغري وجه رسول جنامعهن .فأرسل يف أثرمها فسقامها فعرفا أنه مل حيد عليهما رسول

الذي سأل عن ذلك ثابت بن الدحداح قال ويسألونك عن احمليضقولهيف عن السدي ويف الدر املنثور

.وروي مثله عن مقاتل أيضا أقول

قال اآلية فأتوهن من حيث أمركم قولهيف يف حديث عن الصادق ويف التهذيب .هذا يف طلب الولد فاطلبوا الولد من حيث أمركم

Page 361: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٦١

.كل شيء ما عدا القبل بعينه فقال ما لصاحب املرأة احلائض منها سئل عن الصادق ويف الكايف

إذا أصاب زوجها شبق فليأمر قال يف املرأة ينقطع عنها دم احليض يف آخر أيامها أيضا عنه وفيه

.والغسل أحب إيل ويف رواية قبل أن تغتسل فلتغسل فرجها ثم ميسها إن شاء

إن الفرق والروايات يف هذه املعاني كثرية جدا وهي تؤيد قراءة يطهرن بالتخفيف وهو انقطاع الدم كما قيل أقولخبالف األول فإنه حصول ففيه معنى االختيار فيناسب االغتسال بني يطهرن ويتطهرن أن الثاني قبول الطهارة

واملراد بالتطهر إن كان هو الغسل بفتح الغني فليس فيه معنى االختيار فيناسب الطهارة بانقطاع الدم الطهارة بقوله وإن كان هو الغسل بضم الغني أفاد استحباب اإلتيان بعد الغسل كما أفاده أفاد استحباب ذلك

ال حرمة اإلتيان قبله أعين فيما بني الطهارة والتطهر ملنافاته كون يطهرن غاية مضروبة للنهي والغسل أحب إيل .فافهم ذلك

Page 362: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٦٢

كان الناس قال حيب التوابني وحيب املتطهرين إن يف قوله أيضا عن الصادق ويف الكايفيف وصنعه فأنزل يستنجون بالكرسف واألحجار ثم أحدث الوضوء وهو خلق كريم فأمر به رسول

.حيب التوابني وحيب املتطهرين إن كتابه

أن أول من استنجى باملاء براء بن عازب فنزلت اآلية وجرت به ويف بعضها واألخبار يف هذا املعنى كثرية أقول .السنة

فدخل عليه محران بن أعني وسأله عن أشياء كنت عند أبي جعفر قال عن سالم بن املستنري وفيه

إنا نأتيك فما خنرج من عندك بقاك وأمتعنا بك أخربك أطال فلما هم محران بالقيام قال ألبي جعفر ثم خنرج من عندك فإذا حتى يرق قلوبنا وتسلو أنفسنا عن الدنيا وهون علينا ما يف أيدي الناس من هذه األموال

مرة تصعب ومرة تسهل ثم قال إمنا هي القلوب فقال أبو جعفر قال صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدنياومل ختافون فقال قال خناف علينا من النفاق يا رسول أما إن أصحاب حممد قالوا أبو جعفر

إذا كنا عندك فذكرتنا ورغبتنا وجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا حتى كنا نعاين اآلخرة واجلنة والنار قالوا ذلكفإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت ومشمنا األوالد ورأينا العيال واألهل يكاد أن حنول عن وحنن عندك

Page 363: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٦٣

فقال هلم رسول أ فتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا وحتى كأنا مل نكن على شيء احلالة اليت كنا عليها عندك كال إن هذه خطوات الشيطان فريغبكم يف الدنيا و ن على احلالة اليت وصفتم أنفسكم هبا لو تدومو

خللق خلقا حتى يذنبوا ولو ال أنكم تذنبون فتستغفرون ومشيتم على املاء لصافحتكم املالئكةحيب التوابني وحيب إن إن املؤمن مفنت تواب أ ما مسعت قول فيغفر هلم فيستغفروا

لو تدومون قوله وروى مثله العياشي يف تفسريه أقول استغفروا ربكم ثم توبوا إليه وقال املتطهرينوقد مر شطر إشارة إىل مقام الوالية وهو االنصراف عن الدنيا واإلشراف على ما عند على احلالة

.١٥٦ البقرة الذين إذا أصابتهم مصيبةقولهمن الكالم فيها يف البحث عن

إىل مرتبة األفعال وهو انسحاب حكم أمسائه إشارة إىل سر القدر لو ال أنكم تذنبون إخل وقوله وإن من قولهوسيجيء الكالم فيه يف ذيل وجزئيات احلوادث حبسب ما ملفاهيم األمساء من االقتضاءات

وقوله أ ما مسعت قول وسائر آيات القدر ٢١ احلجر شيء إال عندنا خزائنه وما ننزله إال بقدر معلوم إن حيب التوابني إخل من كالم أبي جعفر واخلطاب حلمران وفيه تفسري التوبة والتطهر بالرجوع

وهذا من استفادة مراتب ورينها عن القلب من املعاصي وإزالة قذارات الذنوب عن النفس إىل

Page 364: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٦٤

من االستدالل به ٧٩ الواقعة ال ميسه إال املطهرونقولهنظري ما ورد يف احلكم من حكم بعض املراتب .واالستدالل على حرمة مس كتابة القرآن على غري طهارة على أن علم الكتاب عند املطهرين من أهل البيت

حتى تنتهي إىل آخر عامل املقادير على ما قال وكما أن اخللقة تتنزل آخذة من اخلزائن اليت عند

وإن من شيء إال عندنا خزائنه وما ننزله إال بقدر معلوم احلجر ٢١ كذلك أحكام املقادير ال تتنزل إالهو الذي أنزل عليك قولهوسيجيء له زيادة توضيح يف البحث عن باملرور من منازل احلقائق فافهم ذلك

.٧ آل عمران الكتاب منه آيات حمكمات اآلية

أن املراد بالتوبة والتطهر يف اآلية على ظاهر التنزيل هو الغسل باملاء فهو ومن هنا يستأنس ما مرت إليه اإلشارة .بإزالة القذر عنه إرجاع البدن إىل

وهي احلنيفية على إبراهيم أنزل من قوله معنى ما تقدم نقله عن تفسري القمي ويظهر أيضا

وإعفاء فأخذ الشارب فأما اليت يف الرأس مخسة يف الرأس ومخسة يف البدن وهي عشرة أشياء الطهارة وقلم األظفار واخلتان فأخذ الشعر من البدن وأما اليت يف البدن واخلالل والسواك وطم الشعر اللحى

Page 365: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٦٥

وهي احلنيفية الطاهرة اليت جاء هبا إبراهيم فلم تنسخ وال تنسخ إىل يوم القيامة والغسل من اجلنابة والطهور باملاء .رة طهورأن النو وفيها واألخبار يف كون هذه األمور من الطهارة كثرية احلديث

عن معمر بن خالد عن أبي احلسن الرضا اآلية نساؤكم حرث لكمقولهيف ويف تفسري العياشي

إن قال قلت بلغين أن أهل املدينة ال يرون به بأسا أي شيء تقولون يف إتيان النساء يف أعجازهن أنه قالفأتوا حرثكم أنى - نساؤكم حرث لكم اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل من خلفها خرج ولده أحول فأنزل

.خالفا لقول اليهود يف أدبارهن يعين من خلف أو قدام شئتم

.من قدامها ومن خلفها يف القبل يف اآلية فقال عن الصادق وفيه

وإياكم سألته عن الرجل يأتي أهله يف دبرها فكره ذلك وقال قال عن أبي بصري عن أبي عبد وفيه .أي ساعة شئتم فأتوا حرثكم أنى شئتم - إمنا معنى نساؤكم حرث لكم وقال وحماش النساء

Page 366: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٦٦

فورد اجلواب سألت عمن أتى جارية يف يف مثله كتبت إىل الرضا عن الفتح بن يزيد اجلرجاني قال وفيه .دبرها واملرأة لعبة ال تؤذى وهي حرث كما قال

وتفسريي العياشي والتهذيب مروية يف الكايف والروايات يف هذه املعاني عن أئمة أهل البيت كثرية أقول

وعلى ذلك ميكن أن حيمل قول أن اآلية ال تدل على أزيد من اإلتيان من قدامهن وهي تدل مجيعا والقميعن إتيان النساء سألت أبا عبد قال بن أبي يعفور يف رواية العياشي عن عبد الصادق

.نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ال بأس ثم تال هذه اآلية يف أعجازهن قال

واالستدالل باآلية على ذلك كما الظاهر أن املراد باإلتيان يف أعجازهن هو اإلتيان من اخللف يف الفرج أقول .يشهد به خرب معمر بن خالد املتقدم

وكانت كانت األنصار تأتي نساءها مضاجعة قال أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد ويف الدر املنثور

ال إال كما يفعل فأخرب قريش تشرح شرحا كثريا فتزوج رجل من قريش امرأة من األنصار فأراد أن يأتيها فقالت

Page 367: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٦٧

أي قائما وقاعدا ومضطجعا بعد أن يكون يف صمام فأتوا حرثكم أنى شئتم فأنزل بذلك رسول .واحد

عليه (وقد مرت الرواية فيه عن الرضا وقد روي يف هذا املعنى بعدة طرق عن الصحابة يف سبب نزول اآلية أقول

.)السالم

فإن الروايات متكاثرة من كناية عن كون اإلتيان يف الفرج فقط أي يف مسلك واحد يف صمام واحدقولهووقول أئمة رووها بطرق كثرية عن عدة من الصحابة عن النيب طرقهم يف حرمة اإلتيان من أدبار النساء

إال أهنم أهل البيت وإن كان هو اجلواز على كراهة شديدة على ما روته أصحابنا بطرقهم املوصولة إليهم مل يتمسكوا فيه بقوله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم اآلية كما مر بيانه بل استدلوا عليه

عليهم حيث عرض ٧١ احلجر إن هؤالء بناتي إن كنتم فاعلني قال حكاية عن لوط بقوله .بناته وهو يعلم أهنم ال يريدون الفروج ومل ينسخ احلكم بشيء من القرآن

Page 368: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٦٨

بن عمر ومالك بن أنس وأبي فقد روي عن عبد واحلكم مع ذلك غري متفق عليه فيما رووه من الصحابةنساؤكم حرث قولهأهنم كانوا ال يرون به بأسا وكانوا يستدلون على جوازه ب سعيد اخلدري وغريهم

.اآلية حتى إن املنقول عن ابن عمر أن اآلية إمنا نزلت لبيان جوازه لكم

أمسك على املصحف يا قال يل ابن عمر عن الدارقطين يف غرائب مالك مسندا عن نافع قال ففي الدر املنثورتدري يا نافع فيمن نزلت هذه قال يل فأتوا حرثكم أنى شئتم - نساؤكم حرث لكم فقرأ حتى أتى على! نافعنساؤكم فأنزل نزلت يف رجل من األنصار أصاب امرأته يف دبرها فأعظم الناس ذلك قال ال قلت اآلية

.من دبرها يف قبلها قال ال إال يف دبرها قلت له اآلية حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم

الرواية هبذا املعنى عن ابن عمر وقال ابن عبد الرب قال وروي يف هذا املعنى عن ابن عمر بطرق كثرية أقول .صحيحة معروفة عنه مشهورة

Page 369: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٦٩

أخرج ابن راهويه وأبو يعلى وابن جرير والطحاوي يف مشكل اآلثار وابن مردويه بسند أيضا ويف الدر املنثورفأنزلت نساؤكم حرث فأنكر الناس عليه ذلك أن رجال أصاب امرأته يف دبرها حسن عن أبي سعيد اخلدري

.اآلية فأتوا حرثكم أنى شئتم - لكم

سألت مالك بن أنس عن وطي قال أيضا أخرج اخلطيب يف رواة مالك عن أبي سليمان اجلوزجاني وفيه .احلالئل يف الدبر

.الساعة غسلت رأسي عنه فقال يل

ما أدركت أحدا أقتدي به قال بن القاسم أخرج الطحاوي من طريق أصبغ بن الفرج عن عبد أيضا وفيه

فأي شيء أبني من هذا ثم قال نساؤكم حرث لكم وطي املرأة يف دبرها ثم قرأ يف ديين يشك يف أنه حالل يعينيغفر له أوهم أمنا كان هذا احلي من األنصار وهم أهل إن ابن عمر و عن ابن عباس قال ويف سنن أبي داود

فكانوا يقتدون بكثري من فعلهم وكان يرون هلم فضال عليهم يف العلم وثن مع هذا احلي من يهود وهم أهل كتابن األنصار وكان هذا احلي م وذلك أثر ما تكون املرأة وكان من أمر أهل الكتاب أن ال يأتوا النساء إال على حرف

Page 370: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٧٠

ويتلذذون مقبالت وكان هذا احلي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا قد أخذوا بذلك من فعلهمومدبرات ومستلقيات فلما قدم املهاجرون املدينة تزوج رجل منهم امرأة من األنصار فذهب يصنع هبا ذلك فأنكرته

فأنزل جتنبين فسرى أمرمها فبلغ ذلك رسول إمنا كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإال فا عليه فقالت فأتوا حرثكم أنى شئتم - نساؤكم حرث لكم أي مقبالت ومدبرات ومستلقيات يعين بذلك موضع الولد

.عن ابن عباس بطرق أخرى أيضا عن جماهد ورواه السيوطي يف الدر املنثور أقول

فاحتج عليه ابن احلسن بأن أن الشافعي ناظر حممد بن احلسن يف ذلك أخرج ابن عبد احلكم أيضا وفيهأرأيت لو وطئها بني ساقيها أو يف فيكون ما سوى الفرج حمرما فالتزمه فقال احلرث إمنا يكون يف الفرج فقال له

أفيحرم قال ال قال ما انطوى وثنى من حلم البطن أيف ذلك حرث عكنة بضم العني.أعكاهنا األعكان مجع قال أخرج ابن جرير وابن أبي حامت عن سعيد بن جبري أيضا وفيه فكيف حتتج مبا ال تقولون به ال قال قال

ويسألونك بلى فاقرأ قال أال تشفيين من آية احمليض بينا أنا وجماهد جالسان عند ابن عباس إذ أتاه رجل فقال من حيث جاء الدم من ثم أمرت أن تأتي فقال ابن عباس فقال فأتوهن من حيث أمركم قولهعن احمليض إىل

لو كان ما تقول ويف الدبر من حرث وحيك أي فقال كيف باآلية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم .ولكن أنى شئتم من الليل والنهار حقا كان احمليض منسوخا إذا شغل من هاهنا جئت من هاهنا

Page 371: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٧١

فإن آية احمليض ال تدل على أزيد من حرمة اإلتيان من حمل الدم عند احمليض فلو واستدالله كما ترى مدخول أقول

على دلت آية احلرث على جواز إتيان األدبار مل يكن بينها نسبة التنايف أصال حتى يوجب نسخ حكم آية احمليضوجد يف بعض الروايات املروية نعم ي أنك قد عرفت أن آية احلرث أيضا ال تدل على ما راموه من جواز إتيان األدبار

فأتوهن من حيث أمركم االستدالل على حرمة اإلتيان من حماشيهن باألمر الذي يف قوله عن ابن عباسوأن اآلية تدل على حرمة اإلتيان من حمل الدم ما مل وقد عرفت فيما مر من البيان أنه من أفسد االستدالل اآلية

واملسألة فقهية إمنا وأن آية احلرث أيضا غري دالة إال على التوسعة من حيث احلرث يطهرن وهي ساكتة عما دونه .اشتغلنا بالبحث عنها مبقدار ما تتعلق بداللة اآليات

ال يؤاخذكم٢٢٤ سميع عليم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس وعرضة لأيمانكم وال تجعلوا و كمقلوب تبا كسذكم بماخؤن يلكو كمانمأي يباللغو ف يملح غفور٢٢٥ صبتر همآئن نسم لونؤي ينللذ

وا فإنفآؤ ر فإنهأش ةعبأر يمحر غفور٢٢٦ وا ق فإنمزع إنو يملع يعمس٢٢٧

بيان

Page 372: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٧٢

العرضة بالضم من العرض وهو كإرائة الشيء إىل آخر اآلية عرضة ألميانكم أن تربوا وال جتعلوا قولهومنه ما للشيء حتى يرى صلوحه ملا يريده ويقصده كعرض املال للبيع وعرض املنزل للنزول وعرض الغذاء لألكل

وللدابة املعدة للسفر أهنا عرضة وللفتاة الصاحلة لالزدواج أهنا عرضة للنكاح أنه عرضة للسهام دفللهيقال وأما العرضة مبعنى املانع املعرض يف الطريق وكذا العرضة مبعنى ما ينصب سفر وهذا هو األصل يف معناهالل

ليكون معرضا لتوارد الواردات وتواليها يف الورود كاهلدف للسهام حتى يفيد كثرة العوارض إىل غري ذلك من معانيها .ملعنىفهي مما حلقها من موارد استعماهلا غري دخيلة يف أصل ا

واألميان مجع ميني مبعنى احللف مأخوذة من اليمني مبعنى اجلارحة لكوهنم يضربون هبا يف احللف والعهد والبيعة وحنو

للمالزمة بينها كما يشتق من العمل اسم آللة العمل كالسبابة لإلصبع اليت ذلك فاشتق من آلة العمل اسم للعمل .يسب هبا

عرضة تتعلق هبا أميانكم اليت عقدمتوها حبلفكم أن ال تربوا وتتقوا وال جتعلوا أعلم ومعنى اآلية و

ال يرضى أن جيعل امسه ذريعة لالمتناع عما أمر به من الرب والتقوى واإلصالح بني وتصلحوا بني الناس فإن .وائي إن شاء ويؤيد هذا املعنى ما ورد من سبب نزول اآلية على ما سننقله يف البحث الر الناس

Page 373: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٧٣

وهو شائع مع أن املصدرية أي أن ال تربوا ال بتقدير إخل أن تربواقولهوعلى هذا يصري

وميكن أن ال يكون بتقدير أي أن ال تضلوا أو كراهة أن تضلوا ١٧ النساء لكم أن تضلوا يبني قولهك ال وقوله أن تربوا متعلقا مبا يدل عليه قوله وال جتعلوا من النهي أي ينهاكم عن احللف الكذائي

وميكن أن يكون العرضة مبعنى ما يكثر عليه أو يبني لكم حكمه الكذائي أن تربوا وتتقوا وتصلحوا بني الناسفإنكم إن فعلتم ذلك واملعنى ال تكثروا من احللف ب العرض فيكون هنيا عن اإلكثار من احللف ب

فإن احلالف املكثر من اليمني ال يستعظم ما حلف به ويصغر أداكم إىل أن ال تربوا وال تتقوا وال تصلحوا بني الناسوكذا يهون خطبه وينزل قدره عند الناس أمر ما أقسم به لكثرة تناوله فال يبايل الكذب فيكثر منه هذا عند نفسه

وال أنه يوقر نفسه ى لنفسه عند الناس قدم صدق ويعتقد أهنم ال يصدقونه فيما يقولالستشعارهم أنه ال يرواألنسب على هذا املعنى ١٠ القلم وال تطع كل حالف مهنيقولهفيكون على حد باالعتماد عليها

أن تربوا منصوب بنزع اخلافض أو مفعول له ملا يدل عليه النهي يف قوله وال أيضا عدم تقدير ال يف الكالم بل قوله .كما مر جتعلوا

.نوع هتديد على مجيع املعاني غري أن املعنى األول أظهرها كما ال خيفى مسيع عليم وقولهويف

Page 374: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٧٤

وأثر الشيء اللغو من األفعال ما ال يستتبع أثرا إىل آخر اآلية باللغو يف أميانكم ال يؤاخذكم قوله

وأثر من حيث وأثر من حيث إنه مؤكد للكالم فلليمني أثر من حيث إنه لفظ خيتلف باختالف جهاته ومتعلقاتهيمني وبني وهكذا إال أن املقابلة يف اآلية بني عدم املؤاخذة على لغو ال إنه عقد وأثر من حيث حنثه وخمالفة مؤداه

املؤاخذة على ما كسبته القلوب وخاصة من حيث اليمني تدل على أن املراد بلغو اليمني ما ال يؤثر يف قصد احلالف .وبلى و ال و وهو اليمني الذي ال يعقد صاحبه على شيء من قول

يرتفع به حوائج اإلنسان املادية ثم والكسب هو اجتالب املنافع بالعمل بصنعة أو حرفة أو حنومها وأصله يف اقتناء ما

استعري لكل ما جيتلبه اإلنسان بعمل من أعماله من خري أو شر ككسب املدح والفخر وحسن الذكر حبسن اخللق واللعن وكسب اللوم والذم واخلدمات النوعية وكسب اخللق احلسن والعلم النافع والفضيلة باألعمال املناسبة هلا

وقد قيل يف فهذا هو معنى الكسب واالكتساب وحنوها باألعمال املستتبعة لذلك ب واآلثاموالذنو والطعنوالكسب أعم مما يكون لنفسه أو غريه مثل كسب الفرق بينهما إن االكتساب اجتالب اإلنسان املنفعة لنفسه

.العبد لسيده وكسب الويل للموىل عليه وحنو ذلك

Page 375: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٧٥

.كتسب هو اإلنسان ال غريوكيف كان فالكاسب وامل

كالم يف معنى القلب يف القرآنفإن التعقل والتفكر واحلب والبغض وهذا من الشواهد على أن املراد بالقلب هو اإلنسان مبعنى النفس والروح

واخلوف وأمثال ذلك وإن أمكن أن ينسبه أحد إىل القلب باعتقاد أنه العضو املدرك يف البدن على ما رمبا يعتقده لكن الكسب واالكتساب مما ال ينسب العامة كما ينسب السمع إىل األذن واإلبصار إىل العني والذوق إىل اللسان

.البتةإال إىل اإلنسان

.٣٣ ق وجاء بقلب منيبقولهو ٢٨٣ البقرة فإنه آثم قلبهقولهونظري هذه اآلية

أن اإلنسان ملا شاهد نفسه وسائر أصناف احليوان وتأمل فيها ورأى أن الشعور واإلدراك رمبا بطل أو والظاهرواحلياة املدلول عليها حبركة القلب ونبضانه باقية خبالف القلب قطع غاب عن احليوان بإغماء أو صرع أو حنومها

أي أن الروح اليت يعتقدها يف احليوان أول تعلقها بالقلب وإن سرت منه إىل مجيع على أن مبدأ احلياة هو القلبوأن اآلثار واخلواص الروحية كاإلحساسات الوجدانية مثل الشعور واإلرادة واحلب والبغض أعضاء احلياة

Page 376: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٧٦

وهذا ال ينايف كون كل عضو من األعضاء والرجاء واخلوف وأمثال ذلك كلها للقلب بعناية أنه أول متعلق للروحفإهنا مجيعا ة للتنفس وحنو ذلكمبدأ لفعله الذي خيتص به كالدماغ للفكر والعني لإلبصار والسمع للوعي والرئ

.مبنزلة اآلالت اليت يفعل هبا األفعال احملتاجة إىل توسيط اآللة

ما وجده التجارب العلمي أن الطيور ال متوت بفقد الدماغ إال أهنا تفقد اإلدراك وال تشعر ورمبا يؤيد هذا النظر .ية ووقوف القلب عن ضربانهبشيء وتبقى على تلك احلال حتى متوت بفقد املواد الغذائ

أن األحباث العلمية الطبيعية مل توفق حتى اليوم لتشخيص املصدر الذي يصدر عنه األحكام ورمبا أيده أيضا

إذ ال ريب أهنا يف عني التشتت والتفرق البدنية أعين عرش األوامر اليت ميتثلها األعضاء الفعالة يف البدن اإلنساني .من حيث أنفسها وأفعاهلا جمتمعة حتت لواء واحد منقادة ألمري واحد وحدة حقيقية

فإن اإلنسان قد تنبه وال ينبغي أن يتوهم أن ذلك كان ناشئا عن الغفلة عن أمر الدماغ وما خيصه من الفعل اإلدراكي

والشاهد عليه ما نرى يف مجيع األمم وامللل على اختالف ألسنتهم من ملا عليه الرأس من األمهية منذ أقدم األزمنة

Page 377: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٧٧

ورأس اخليط كالرأس والرئيس والرئاسة واشتقاق اللغات املختلفة منه تسمية مبدإ احلكم واألمر بالرأس .ورئاس السيف والرأس من الدواب واألنعام ورأس اجلبل ورأس الكالم ورأس املسافة ورأس املدة

هو السبب يف إسنادهم اإلدراك والشعور وما ال خيلو عن شوب إدراك مثل احلب والبغض - على ما يظهر - فهذا

ومرادهم به الروح املتعلقة قلبوالرجاء واخلوف والقصد واحلسد والعفة والشجاعة واجلرأة وحنو ذلك إىل الأحببته يقال فينسبوهنا إليه كما ينسبوهنا إىل الروح وكما ينسبوهنا إىل أنفسهم بالبدن أو السارية فيه بواسطته

وأحبته روحي وأحبته نفسي وأحبه قليب ثم استقر التجوز يف االستعمال فأطلق القلب وأريد به النفس جمازا كما .رمبا تعدوا عنه إىل الصدر فجعلوه الشتماله على القلب مكانا ألحناء اإلدراك واألفعال والصفات الروحية

إنك وقال ١٢٥ األنعام صدره لإلسالم يشرح قال ويف القرآن شيء كثري من هذا الباب

وهو كناية عن ضيق ١٠ األحزاب وبلغت القلوب احلناجر وقال ٩٧ احلجر يضيق صدركوليس من البعيد أن تكون هذه اإلطالقات يف ٧ املائدة عليم بذات الصدور إن وقال الصدر

.إشارة إىل حتقيق هذا النظر وإن مل يتضح كل االتضاح بعد كتابه

Page 378: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٧٨

وقد رجح الشيخ أبو علي بن سينا كون اإلدراك للقلب مبعنى أن دخالة الدماغ فيه دخالة اآللة فللقلب اإلدراك .وللدماغ الوساطة

إن ظاهر اإلضراب عن عن جماز عقلي ف ولكن يؤاخذكم مبا كسبت قلوبكم ولنرجع إىل اآلية وال خيلو قوله

املؤاخذة يف بعض أقسام اليمني وهو اللغو إىل بعض آخر أن تتعلق بنفسه ولكن عدل عنه إىل تعليقه بأثره وهو اإلثم ال شغل له إال بالقلب كما املرتتب عليه عند احلنث ففيه جماز عقلي وإضراب يف إضراب لإلشارة إىل أن

ولكن يناله التقوى وقال ٢٨٤ البقرةإن تبدوا ما يف أنفسكم أو ختفوه حياسبكم به قال .٣٧ احلج منكم

.فإنه مما ال ينبغي صدوره من املؤمن إشارة إىل كراهة اللغو من اليمني غفور حليم وقولهويف

.٣ املؤمنون اللغو معرضونوقد أفلح املؤمنون إىل أن قال والذين هم عن وقد قال

Page 379: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٧٩

وغلب يف الشرع يف حلف الزوج أن ال اإليالء من األلية مبعنى احللف إخل للذين يؤلون من نسائهمقوله .والفيء هو الرجوع والرتبص هو االنتظار وهو املراد يف اآلية يأتي زوجته غضبا وإضرارا

ويشعر لتضمينه معنى االبتعاد وحنوه فيفيد وقوع احللف على االجتناب عن املباشرةوالظاهر أن تعدية اإليالء مبن

ومنه يعلم أن املراد بالعزم على به حتديد الرتبص باألربعة أشهر فإهنا األمد املضروب للمباشرة الواجبة شرعافإن السمع إمنا يتعلق بالطالق مسيع عليم فإن ويشعر به أيضا تذييله بقوله الطالق العزم مع إيقاعه

.الواقع ال بالعزم عليه

.داللة على أن اإليالء ال عقاب عليه على تقدير الفيء غفور رحيم فإن قولهويف

باللغو يف أميانكم ولكن يؤاخذكم مبا ال يؤاخذكم قال وأما الكفارة فهي حكم شرعي ال يقبل املغفرة .٨٩ املائدة عقدمت األميان فكفارته إطعام عشرة مساكني اآلية

Page 380: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٨٠

فاملعنى أن من آىل من امرأته يرتبص له احلاكم أربعة أشهر فإن رجع إىل حق الزوجية وهو املباشرة وكفر وباشر فال .مسيع عليم و عقاب عليه وإن عزم الطالق وأوقعه فهو املخلص اآلخر

هو قول قال عرضة ألميانكم اآلية وال جتعلوا يف قوله عن الصادق يف تفسري العياشييف اآلية يعين الرجل حيلف أن ال يكلم أخاه وما أيضا عن الباقر والصادق وفيه وبلى و ال و الرجل

.أشبه ذلك أو ال يكلم أمه

.إذا دعيت لتصلح بني اثنني فال تقل علي ميني أن ال أفعل قال يف اآلية عن الصادق ويف الكايف

ويقرب منهما ما يف تفسري والثانية والثالثة باملعنى اآلخر والرواية األوىل كما ترى تفسر اآلية بأحد املعنيني أقول هو الرجل يصلح بني الرجل فيحمل ما بينهما من اإلثم احلديث قاال العياشي أيضا عن الباقر والصادق

.فيكون مصداقا للعامل باآلية يغفر له فكان املراد أنه ينبغي أن ال حيلف بل يصلح وحيمل اإلثم و

Page 381: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٨١

اللغو قال اآليةباللغو يف أميانكم ال يؤاخذكم قولهيف عن مسعدة عن الصادق ويف الكايف .وال يعقد على شيء وبلى و ال و قول الرجل

.عنه وعن الباقر ويف امع من غري الطريق عنه وهذا املعنى مروي يف الكايف أقول

إذا آىل الرجل أن ال يقرب امرأته فليس هلا قول وال حق يف أهنما قاال أيضا عن الباقر والصادق ويف الكايف

فإن مضت األربعة أشهر قبل أن ميسها فما سكتت وال إثم عليه يف الكف عنها يف األربعة أشهر األربعة أشهرن خيلي وعزم الطالق أ إما أن تفيء فتمسها وإما أن تطلق فإن رفعت أمرها قيل له ورضيت فهو يف حل وسعة

يف فهذا اإليالء الذي أنزل وهو أحق برجعتها ما مل ميض ثالثة قروء فإذا حاضت وطهرت طلقها عنها .كتابه وسنة رسول

و ال أجامعك كذا وكذا أو يقول و واإليالء أن يقول يف حديث أيضا عن الصادق وفيه

.احلديث ألغيظنك ثم يغاظها

Page 382: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٨٢

.والبحث فقهي مذكور يف الفقه ويف خصوصيات اإليالء وبعض ما يتعلق به خالف بني العامة واخلاصة أقول

لقا خم نكتمأن ي نل لهحال يو ءوثة قرثال هنبأنفس نصبتري طلقاتالمو ب نمؤي إن كن هنامحي أرف مواليومعروف وللرجال عليهن درجة اآلخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصالحا ولهن مثل الذي عليهن بال

و كيمح زيزع٢٢٨ تس أو وفرعاك بمستان فإمرق م نوهتما آتيمذوا مأن تأخ ل لكمحال يان وسبإح ريح وددا حيمقخافا أال يئا إال أن ييش وددا حيمقأال ي فتمخ فإن وددح لكت به تا افتديما فهمليع احنج فال

وهتدتع فال وددح دتعن يما و ونمالظال مه كلئفأو٢٢٩ حتنك تىح دعن بم ل لهتح ا فالفإن طلقه وددا حيمقا أن يا إن ظنعاجترا أن يهمليع احنج ا فالفإن طلقه هرا غيجزو وددح لكتو مقوا لهنيبي

ونلمعي٢٣٠ سال تمو وفرعبم نوهحرس أو وفرعبم نكوهسفأم نلهأج لغناء فبسالن إذا طلقتمو نكوهعليكم وما أنزل هزوا واذكروا نعمت خذوا آيات ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه وال تت

وإذا طلقتم النساء ٢٣١بكل شيء عليم واعلموا أن عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا فال نلهأج لغنفب نكمم ن كانم ظ بهوعي كذل وفرعم بالمهنيا باضوإذا تر نهاجأزو نحنكأن ي نضلوهتع نمؤي

رضعن أوالدهن والوالدات ي٢٣٢ يعلم وأنتم ال تعلمون واليوم اآلخر ذلكم أزكى لكم وأطهر و بعبالم نتهوسكو نرزقه له لودوعلى المة وضاعالر متأن ي ادأر نمن للين كامليوا ال حهعسإال و نفس ال تكلف وفر

Page 383: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٨٣

ده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصاال عن تراض منهما وتشاور فال جناح تضآر والدة بولدها وال مولود له بولواعلموا أن وا معروف واتقعليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أوالدكم فال جناح عليكم إذا سلمتم مآ آتيتم بال

ريصب لونما تعبم٢٣٣ ا فإذارشعر وهة أشعبأر هنبأنفس نصبترا ياجأزو ونذريو نكمم نفوتوي ينالذوو وفرعبالم هني أنفسف لنا فعيمف كمليع احنج فال نلهأج لغنب بريخ لونما تعبم٢٣٤ و كمليع احنال ج

ملع كمي أنفسف نتمأكن اء أوسالن ةطبخ نم ضتم بهرا عيمف ا إال أنرس نوهداعن ال تولكو نونهتذكرس أنكميعلم ما في أنفسكم فاحذروه حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن تقولوا قوال معروفا وال تعزموا عقدة النكاح

وا أنلماعو يملح غفور٢٣٥ فريضة نتفرضوا له أو نوهستم ا لماء مسالن إن طلقتم كمليع احنال جمو نينسحلى الما عقح وفرعا بالمتاعم هرر قدقتلى المعو هرع قدوسلى المع نوهتع٢٣٦ نوهإن طلقتمو

ون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إال أن يعف إن كمنيا الفضل بوال تنسى ولتقول بفوا أقرتع ريصب لونما تعبم٢٣٧ ةالوالص اتلولى الصظوا عافح

كما علمكم ما لم تكونوا فإن خفتم فرجاال أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا ٢٣٨قانتني للهالوسطى وقوموا ونلمتع٢٣٩ ارإخ رل غيوا إلى الحتاعاجهم مة لأزويصا واجأزو ونذريو نكمم نفوتوي ينالذو نجرخ ج فإن

و وفرعن مم هنأنفس يف لنا فعي مف كمليع احنج فال يمكح زيزع٢٤٠ وفرعبالم تاعم طلقاتلملو نيتقلى الما عقح٢٤١ نيبي ككذل لونقتع لكملع هاتآي لكم٢٤٢

Page 384: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٨٤

بيان

.ويف خالهلا شيء من أحكام الصالة اآليات يف أحكام الطالق والعدة وإرضاع املطلقة ولدها

أصل الطالق التخلية عن وثاق وتقييد ثم استعري لتخلية واملطلقات يرتبصن بأنفسهن ثالثة قروءقوله .االستعمال املرأة عن حبالة النكاح وقيد الزوجية ثم صار حقيقة يف ذلك بكثرة

ليدل على معنى التمكني من الرجال فيفيد معنى بأنفسهن وقد قيد بقوله والرتبص هو االنتظار واحلبس

ويزيد على معنى العدة وهو حبس املرأة نفسها عن اإلزدواج حتذرا عن اختالط املياه العدة أعين عدة الطالقوال يلزم اطراد احلكمة يف مجيع وهو التحفظ عن اختالط املياه وفساد األنساب اإلشارة إىل حكمة التشريع

يرتبصن بأنفسهن فقوله املوارد فإن القوانني واألحكام إمنا تدور مدار املصاحل واحلكم الغالبة دون العامةواجلملة خرب أريد به يعتددن احرتازا من اختالط املياه وفساد النسل بتمكني الرجال من أنفسهن مبنزله قولنا

.اإلنشاء تأكيدا

Page 385: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٨٥

غري أن األصل يف مادة فهو على ما قيل من األضداد وهو لفظ يطلق على الطهر واحليض معا والقروء مجع القرءوعلى هذا فاألظهر أن يكون معناه الطهر قرء هو اجلمع لكن ال كل مجع بل اجلمع الذي يتلوه الصرف والتحويل وحنوه

وهبذه العناية أطلق على اجلمع بني احلروف لكونه حالة مجع الدم ثم استعمل يف احليض لكونه حالة قذفه بعد اجلمع ويشعر بأن األصل يف مادة قرء اجلمع وقد صرح أهل اللغة بكون معناه هو اجلمع لقراءةللداللة على معنى ا

١٨ القيامة ال حترك به لسانك لتعجل به إن علينا مجعه وقرءانه فإذا قرأناه فاتبع قرءانهقوله يف اآليتني بالقرآن حيث عرب ١٠٦ اإلسراء وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكثقولهو

.وبه مسي القرآن قرآنا ومل يعرب بالكتاب أو الفرقان أو ما يشبههما

الطهر والقرء يف احلقيقة اسم للدخول يف احليض عن طهر وملا كان امسا جامع لألمرين قال الراغب يف مفرداته واحليض املتعقب له أطلق على كل واحد ألن كل اسم موضوع ملعنيني معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد

وليس القرء امسا للطهر جمردا وال للحيض ثم قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به كاملائدة للخوان والطعام ذلك وكذا احلائض اليت استمر هبا الدم ال يقال هلا ذات قرء ال يقال هلا بدليل أن الطاهر اليت مل تر أثر الدم جمردا .انتهى

Page 386: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٨٦

املراد به حتريم واليوم اآلخر يف أرحامهن إن كن يؤمن ب وال حيل هلن أن يكتمن ما خلق قولهإن كن بقولهكتمان املطلقة الدم أو الولد استعجاال يف خروج العدة أو إضرارا بالزوج يف رجوعه وحنو ذلك ويف تقييده

واليوم اآلخر مع عدم اشرتاط أصل احلكم باإلميان نوع ترغيب وحث ملطاوعة احلكم والتثبت عليه ملا يؤمن بواليوم اآلخر الذي عليه بناء الشريعة هذا احلكم من لوازم اإلميان ب يف هذا التقييد من اإلشارة إىل أن

أحسن معاشرة الناس إن أردت خريا وهذا نظري قولنا اإلسالمية فال استغناء يف اإلسالم عن هذا احلكم .عليك باحلمية إن أردت الشفاء والربء وقولنا للمريض

البعولة مجع البعل وهو الذكر من الزوجني ما داما أرادوا إصالحا وبعولتهن أحق بردهن يف ذلك إنقوله

زوجني وقد استشعر منه معنى االستعالء والقوة والثبات يف الشدائد ملا أن الرجل كذلك بالنسبة إىل املرأة ثم جعل وللنخل إذا وللصنم بعل ولألرض املستعلية بعل أصال يشتق منه األلفاظ هبذا املعنى فقيل لراكب الدابة بعلها

.عظم بعل وحنو ذلك

Page 387: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٨٧

والضمري يف بعولتهن للمطلقات إال أن احلكم خاص بالرجعيات دون مطلق املطلقات األعم منها ومن البائناتللداللة على وجوب أن يكون والتقييد بقوله إن أرادوا إصالحا واملشار إليه بذلك الرتبص الذي هو مبعنى العدة

.اآلية وال متسكوهن ضرارا لتعتدوا بقولهرجوع لغرض اإلصالح ال لغرض اإلضرار املنهي عنه بعد ال

ولفظ أحق اسم تفضيل حقه أن يتحقق معناه دائما مع مفضل عليه كأن يكون للزوج األول حق يف املطلقة ولسائر .غري أن الرد املذكور ال يتحقق معناه إال مع الزوج األول والزوج األول أحق هبا لسبق الزوجية اخلطاب حق

وحيصل ذلك بالرد واملعنى وبعولتهن أحق هبن من غريهم أن يف اآلية تقديرا لطيفا حبسب املعنى ومن هنا يظهر

وهذه هي القرينة وهذه األحقية إمنا تتحقق يف الرجعيات دون البائنات اليت ال رجوع فيها والرجوع يف أيام العدةال أن ضمري بعولتهن راجع إىل بعض املطلقات بنحو االستخدام أو ما أشبه على أن احلكم خمصوص بالرجعيات

غري املدخول هبا والصغرية واليائسة وأما واآلية خاصة حبكم املدخول هبن من ذوات احليض غري احلوامل ذلك .واحلامل فلحكمها آيات أخر

Page 388: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٨٨

املعروف هو الذي يعرفه الناس بالذوق وهلن مثل الذي عليهن باملعروف وللرجال عليهن درجةقولهاملعروف يف هذه اآليات فذكره يف اثين عشر وقد كرر املكتسب من نوع احلياة االجتماعية املتداولة بينهم

فاملعروف تتضمن موضعا اهتماما بأن جيري هذا العمل أعين الطالق وما يلحق به على سنن الفطرة والسالمة .وفضيلة اخللق احلسن وسنن األدب وحكم الشرع هداية العقل

عروف عنده هو الذي يعرفه الناس إذا سلكوا وحيث بنى اإلسالم شريعته على أساس الفطرة واخللقة كان امل

ومن أحكام االجتماع املبين على أساس الفطرة أن يتساوى يف احلكم أفراده مسلك الفرتة ومل يتعدوا طور اخللقةوأجزاؤه فيكون ما عليهم مثل ما هلم إال أن ذلك التساوي إمنا هو مع حفظ ما لكل من األفراد من الوزن يف االجتماع

وللجاهل حاله وللعامل علمه وللمحكوم حمكوميته تأثري والكمال يف شئون احلياة فيحفظ للحاكم حكومتهوالوعلى هذا وللضعيف ضعفه ثم يبسط التساوي بينها بإعطاء كل ذي حق حقه وللقوي من حيث العمل قوته

جرى اإلسالم يف األحكام اعولة للمرأة وعلى املرأة فجعل هلا مثل ما جعل عليها مع حفظ ما هلا من الوزن يف احلياة .االجتماعية يف اجتماعها مع الرجل للتناكح والتناسل

.والدرجة املنزلة واإلسالم يرى يف ذلك أن للرجال عليهن درجة

Page 389: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٨٩

واملراد باجلميع معنى واحد قيد متمم للجملة السابقة وللرجال عليهن درجةقولهأن ومن هنا يظهر

بينهن وبني الرجال مع حفظ ما للرجال من الدرجة عليهن فجعل هلن أن النساء أو املطلقات قد سوى وهو .وسنعود إىل هذه املسألة بزيادة توضيح يف حبث علمي خمصوص هبا من احلكم مثل ما عليهن

املرة مبعنى الدفعة مأخوذة من املرور للداللة على الطالق مرتان فإمساك مبعروف أو تسريح بإحسانقوله

.الواحد من الفعل كما أن الدفعة والكرة والنزلة مثلها وزنا ومعنى واعتبارا

وهو شجر له مثر يرعاه اإلبل يف الرعي مأخوذ من سرحت اإلبل وهو أن ترعيه السرحوالتسريح أصله اإلطالق والتخلية عنها حتى تنقضي عدهتا على ما وقد استعري يف اآلية إلطالق املطلقة مبعنى عدم الرجوع إليها يف العدة

.سيجيء

فإمساك إخل الرجعة ولذا أردفه بقوله بعد الطالق الذي جيوز فيه الطالق مرتانقولهواملراد بالطالق يف .اآلية فإن طلقها فال حتل له من بعد حتى تنكح زوجا غريهقولهوأما الثالث فالطالق الذي يدل عليه

Page 390: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٩٠

واملراد بتسرحيها بإحسان ظاهرا التخلية بينها وبني البينونة وتركها بعد كل من التطليقتني األوليني حتى تبني بانقضاء

وعلى هذا فيكون إخلفإمساكقولهالعدة وإن كان األظهر أنه التطليقة الثالثة كما هو ظاهر اإلطالق يف تفريع .بيانا تفصيليا للتسريح بعد البيان اإلمجايل إخل فإن طلقها بعد قوله

فإن اإلمساك والرد إىل حبالة ويف تقييد اإلمساك باملعروف والتسريح باإلحسان من لطيف العناية ما ال خيفى

كمن يطلق امرأته ثم خيليها حتى تبلغ أجلها فريجع إليها ثم الزوجية رمبا كان لإلضرار هبا وهو منكر غري معروف يريد بذلك إيذاءها واإلضرار هبا وهو إضرار منكر غري معروف يف هذه الشريعة منهي عنه يطلق ثم يرجع كذلك

بل اإلمساك الذي جيوزه الشرع أن يرجع إليها بنوع من أنواع االلتيام لذي جعله ويتم به األنس وسكون النفس ا بني الرجل واملرأة.

ويتصور بصورة االنتقام وكذلك التسريح رمبا كان على وجه منكر غري معروف يعمل فيه عوامل السخط والغضب

والذي جيوزه هذه الشريعة أن يكون تسرحيا بنوع يتعارفه الناس وال ينكره الشرع وهو التسريح باملعروف كما قال يف اآلية اآلتية فأمسكوهن مبعروف أو سرحوهن مبعروف وهذا التعبري هو األصل يف إفادة املطلوب الذي

Page 391: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٩١

حيث قيد التسريح باإلحسان وهو معنى زائد على املعروف وأما ما يف هذه اآلية أو تسريح بإحسان ذكرناه .م أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاوال حيل لكقولهفذلك لكون اجلملة ملحوقة مبا يوجب ذلك أعين

واملطلوب بتقييد اإلمساك أن التقييد باملعروف واإلحسان لنفي ما يوجب فساد احلكم املشرع املقصود بيانه

واملطلوب يف مورد وال متسكوهن ضرارا لتعتدوا باملعروف نفي اإلمساك الواقع على حنو املضارة كما قال وال يكفي فيه تقييد التسريح باملعروف كما فعل يف اآلية التسريح نفي أن يأخذ الزوج بعض ما آتاه للزوجة من املهر

اآلتية فإن مطالبة الزوج بعض ما آتاه زوجته وأخذه رمبا مل ينكره التعارف الدائر بني الناس فزيد يف تقييده باإلحسان وليتدارك بذلك ما وال حيل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا اآلية اآلتية ليستقيم قوله يف هذه اآلية دون

فاتت أو تسريح مبعروف وال حيل لكم إخل ولو قيل يفوت املرأة من مزية احلياة اليت يف الزوجية وااللتيام النكاحي .النكتة

وهي أوامره اخلوف هو الغلبة على ظنهما أن ال يقيما حدود إال أن خيافا أال يقيما حدود قوله

وذلك إمنا يكون بتباعد أخالقهما وما يستوجبه حوائجهما والتباغض ونواهيه من الواجبات واحملرمات يف الدين .املتولد بينهما من ذلك

Page 392: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٩٢

العدول عن التثنية إىل اجلمع يف فال جناح عليهما فيما افتدت به فإن خفتم أال يقيما حدود قولهال ما رمبا حيصل بالتهوس والتلهي كأنه لإلشارة إىل لزوم أن يكون اخلوف خوفا يعرفه العرف والعادة خفتمقوله

ومل يقل فإن خفتم ذلك ملكان ولذلك عدل أيضا عن اإلضمار فقيل أال يقيما حدود أو بالوسوسة وحنوها .اللبس

إمنا تعلق بالزوج فألن حرمة األخذ على إخل وال حيل لكم أن تأخذواقولهوأما نفي اجلناح عنهما مع أن النهي يف

الزوج توجب حرمة اإلعطاء على الزوجة من باب اإلعانة على اإلثم والعدوان إال يف طالق اخللع فيجوز توافقهما وال جناح على الزوجة أن تعطي الفدية وتعني على فال جناح على الزوج أن يأخذ الفدية على الطالق مع الفدية

.األخذ فال جناح عليهما فيما افتدت به

املشار إليه هي املعارف املذكورة يف اآليتني إخل فال تعتدوها ومن يتعد حدود تلك حدود قولهواالعتداء والتعدي هو وأخرى علمية مبتنية على معارف أصلية وهي أحكام فقهية مشوبة مبسائل أخالقية

.التجاوز

Page 393: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٩٣

واالقتصار يف العمل مبجرد ورمبا استشعر من اآلية عدم جواز التفرقة بني األحكام الفقهية واألصول األخالقية

فإن يف ذلك إبطاال ملصاحل التشريع وإماتة لغرض الدين األحكام الفقهية واجلمود على الظواهر والتقشف فيهاومل يبلغ وشريعة العمل دون الفرض وسعادة احلياة اإلنسانية فإن اإلسالم كما مر مرارا دين الفعل دون القول

املسلمون إىل ما بلغوا من االحنطاط والسقوط إال باالقتصار على أجساد األحكام واإلعراض عن روحها وباطن .٢٣١ البقرة ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسهقولهويدل على ذلك ما سيأتي من أمرها

تلك حدود قولهفإن خفتم إىل خطاب املفرد يف قولهو وال حيل لكم قولهويف اآلية التفات عن خطاب اجلمع يف

قولهثم إىل اجلمع يففال تعتدوها قولهثم إىل املفرد يفالظاملون فأولئك هم فيفيد تنشيط ذهن املخاطب .وتنبيهه للتيقظ ورفع الكسل يف اإلصغاء

بيان حلكم التطليقة الثالثة وهو إىل آخر اآلية فإن طلقها فال حتل له من بعد حتى تنكح زوجا غريهقوله

وقد نفى احلل عن نفس الزوجة مع أن احملرم إمنا هو عقدها أو وطؤها ليدل به على احلرمة حتى تنكح زوجا غريهفإن طلقها الزوج على العقد والوطء مجيعا حتى تنكح زوجا غريه وليشعر قوله تعلق احلرمة هبما مجيعا

Page 394: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٩٤

وهو عقد بالتوافق من اجلانبنيالثاني فال جناح عليهما أي على املرأة والزوج األول أن يرتاجعا إىل الزوجية بال .وذلك إن ظنا أن يقيما حدود وليس بالرجوع الذي كان حقا للزوج يف التطليقتني األوليني الرتاجع

.ألن املراد باحلدود غري احلدود وتلك حدود قولهووضع الظاهر موضع املضمر يف

فإن الكالم على قصره مشتمل على أربعة عشر ضمريا مع اختالف ويف اآلية من عجيب اإلجياز ما يبهت العقل

.وال إغالقا يف الفهم مراجعها واختالطها من غري أن يوجب تعقيدا يف الكالم

وقد اشتملت هذه اآلية واليت قبلها على عدد كثري من األمساء املنكرة والكنايات من غري رداءة يف السياق كنى مما آتيتموهن شيئاقولهو أربعة أمساء منكرة تسريح بإحسانفإمساك مبعروف أو قولهك

كنى به عن وجوب كون اخلوف جاريا على جمرى العادة املعروفة فإن خفتمقولهبه عن املهر و أريد به التطليقة الثالثة فإن طلقهاقولهو كنى به عن مال اخللع فيما افتدت بهقولهوأريد به العقد حتى تنكح زوجا غريهقولهو أريد به حتريم العقد والوطء حتل لهفال قولهو

.كنى به عن العقد أن يرتاجعاقولهو والوطء معا كناية مؤدبة

Page 395: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٩٥

إن ظنا أن قولهوبني وبني قوله إن خيافا أال يقيما حدود ويف اآليتني حسن املقابلة بني اإلمساك والتسريح

.ومن يتعدقولهو فال تعتدوهاقولهوالتفنن يف التعبري يف يقيما حدود

املراد ببلوغ األجل اإلشراف على انقضاء العدة لتعتدواقولهإىل وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهنقولهوالدليل على أن املراد به ذلك فإن البلوغ كما يستعمل يف الوصول إىل الغاية كذلك يستعمل يف االقرتاب منها

إذ ال معنى لإلمساك وال التسريح بعد انقضاء العدة ويف فأمسكوهن مبعروف أو سرحوهن مبعروفقولههنى عن الرجوع بقصد املضارة كما هنى عن التسريح باألخذ من املهر يف وال متسكوهن ضرارا لتعتدوا قوله

.غري اخللع

إىل آخر اآلية إشارة إىل حكمة النهي عن اإلمساك للمضارة فإن التزوج فقد ظلم نفسهومن يفعل ذلك قولهواإلمساك وال يتم ذلك إال بسكون كل من الزوجني إىل اآلخر وإعانته يف رفع حوائج الغرائز لتتميم سعادة احلياة

وأين ذلك من الرجوع الشمل بعد شتاتهوفيه مجع خاصة رجوع إىل االتصال واالجتماع بعد االنفصال واالفرتاق .بقصد املضارة

Page 396: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٩٦

فمن يفعل ذلك أي أمسك ضرارا فقد ظلم نفسه حيث محلها على االحنراف عن الطريقة اليت هتدي إليها فطرته

.اإلنسانية

مل يشرع ما شرعه هلم من األحكام تشريعا جامدا يقتصر هزوا يستهزىء هبا فإن على أنه اختذ آيات بل بناها على مصاحل عامة يصلح هبا فاسد فيه على أجرام األفعال أخذا وإعطاء وإمساكا وتسرحيا وغري ذلك

وتطهر هبا األرواح وخلطها بأخالق فاضلة ترتبى هبا النفوس ويتم هبا سعادة احلياة اإلنسانية االجتماعفمن اقتصر يف دينه على ظواهر من التوحيد والوالية وسائر االعتقادات الزاكية وتصفو هبا املعارف العالية

.هزوا األحكام ونبذ غريها وراء ظهره فقد اختذ آيات

نعمة الدين أو حقيقة الدين وهي السعادة اليت تنال بالعمل عليكم واذكروا نعمة واملراد بالنعمة يف قوله مسى السعادة الدينية نعمة كما يف فإن بشرائع الدين كسعادة احلياة املختصة بتألف الزوجني

٦ املائدة وليتم نعمته عليكمقولهو ٣ املائدة وأمتمت عليكم نعميتقوله .١٠٣ آل عمران إخوانافأصبحتم بنعمته قولهو

Page 397: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٩٧

كاملفسر هلذه النعمة وما أنزل عليكم من الكتاب واحلكمة يعظكم به بعده وعلى هذا يكون قوله

.ويكون املراد بالكتاب واحلكمة ظاهر الشريعة وباطنها أعين أحكامها وحكمها

اذكروا حقيقة معنى حياتكم التكوينية وغريها فيكون املعنى وميكن أن يكون املراد بالنعمة مطلق النعم اإلهليةلكم بلسان الوعظ من املعارف املتعلقة وخاصة املزايا وحماسن التألف والسكونة بني الزوجني وما بينه

وال تفسدوا كمال حياتكم هبا يف ظاهر األحكام وحكمها فإنكم إن تأملتم ذلك أوشك أن تلزموا صراط السعادة حتى ال خيالف ظاهركم باطنكم بكل شيء عليم ولتتوجه نفوسكم إىل أن واتقوا ونعمة وجودكم

.هبدم باطن الدين يف صورة تعمري ظاهره وال جترتءوا على

بينهم وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فال تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا قولهألوليائهن ومن جيري جمراهم ممن ال يسعهن فال تعضلوهنقولهوالظاهر أن اخلطاب يف العضل املنع باملعروف

فاآلية تدل على هني األولياء ومن جيري جمراهم عن منع املرأة أن األزواج قبل الطالق واملراد بأزواجهن خمالفته

Page 398: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٩٨

وال داللة يف ذلك على أن العقد ال يصح إال تنكح زوجها ثانيا بعد انقضاء العدة سخطا وجلاجا كما يتفق كثريا .بويل

.على تأثريهلو مل يدل على عدم تأثري الوالية يف ذلك مل يدل فال تعضلوهنقولهفألن أوالأما

وأن النهي هني إرشادي فألن اختصاص اخلطاب باألولياء فقط ال دليل عليه بل الظاهر أنه أعم منهم وأما ثانيا

.ذلكم أزكى لكم وأطهر إىل ما يرتتب على هذا الرجوع من املصاحل واملنافع كما قال

وإذا طلقتم النساء يا أيها واملعنى وإذا طلقتم النساء قولهإن اخلطاب لألزواج جريا على ما جرى به ورمبا قيلوذلك بأن خيفى عنهن الطالق لتضار األزواج فانقضت عدهتن فال متنعوهن أن ينكحن أزواجا يكونون أزواجهن

.بطول العدة وحنو ذلك

أن ينكحن أو أن ينكحن فإن التعبري املناسب هلذا املعنى أن يقال أزواجهنقولهوهذا الوجه ال يالئم .أزواجا وهو ظاهر

Page 399: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٣٩٩

فإن العدة لو مل تنقض مل يكن ألحد من األولياء وغريهم أن مينع انقضاء العدة فبلغن أجلهنقولهواملراد ب

.ذلك وبعولتهن أحق بردهن يف ذلك

.يرجعن وحنوه ينايف ذلك دون أن يقال أن ينكحنقولهعلى أن

وال حيل هلن أن يكتمن هذا كقوله فيما مر واليوم اآلخر يوعظ به من كان منكم يؤمن بذلك قولهوإمنا خص املوردان من بني املوارد بالتقييد اآلية واليوم اآلخر يف أرحامهن إن كن يؤمن ب ما خلق

ويقضي بالوصل ألن دين التوحيد يدعو إىل االحتاد دون االفرتاق وهو التوحيد واليوم اآلخر باإلميان ب .دون الفصل

التفات إىل خطاب املفرد عن خطاب اجلمع ثم التفات عن خطاب ذلك يوعظ به من كان منكمقولهويف

وأمته مجيعا لكن واألصل يف هذا الكالم خطاب اموع أعين خطاب رسول املفرد إىل خطاب اجلمعوقوله فال تعتدوها تلك حدود قولهوحده يف غري جهات األحكام ك رمبا التفت إىل خطاب الرسول

Page 400: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٠٠

حفظا ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن ب قولهو وبعولتهن أحق بردهن يف ذلك قولهو فأولئك هم الظاملونفإنه هو املخاطب بالكالم من غري املخاطبة وهو رسول ورعاية حلال من هو ركن يف هذه لقوام اخلطاب

وأما اخلطابات املشتملة على األحكام فجميعها موجهة حنو اموع وغريه فمخاطب بوساطته واسطة .ويرجع حقيقة هذا النوع من االلتفات الكالمي إىل توسعة اخلطاب بعد تضييقه وتضييقه بعد توسعته فليتدبر فيه

واملشار وقد مر الكالم يف معنى الطهارة الزكاة هو النمو الصاحل الطيب ذلكم أزكى لكم وأطهرقولهوذلك أن واملآل واحد أو نفس رجوعهن إىل أزواجهن ذلكم عدم املنع عن رجوعهن إىل أزواجهنقولهإليه

وتقوية لغريزة التوحيد يف النفوس فينمو على ذلك مجيع فيه رجوعا من االنثالم واالنفصال إىل االلتيام واالتصالومن جهة أخرى فيه حفظ وفيه تربية مللكة العفة واحلياء فيهن وهو أسرت هلن وأطهر لنفوسهن الفضائل الدينية

.قلوهبن عن الوقوع على األجانب إذا منعن عن نكاح أزواجهن

وقال ١٦٤ آل عمران ويزكيهم ويعلمهم الكتاب واحلكمة ل قا واإلسالم دين الزكاة والطهارة والعلم ولكن يريد ليطهركم املائدة ٧.

Page 401: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٠١

.أي إال ما يعلمكم كما قال يعلم وأنتم ال تعلمون وقوله

ويعلمهم الكتاب واحلكمة آل عمران ١٦٤ وقال وال حييطون بشيء من علمه إال مبا شاءالبقرة ٢٥٥ قولهفال تنايف بني هذه اآلية وبني وتلك حدود يبينها لقوم يعلمون اآلية أي يعلمون بتعليم.

.والوالدات يرضعن أوالدهن حولني كاملني ملن أراد أن يتم الرضاعةقوله

وإمنا عدل عن األمهات إىل الوالدات ألن األم أعم من الوالدة كما أن األب أعم من الوالد الوالدات هن األمهات

وأما تبديل الوالد باملولود واحلكم يف اآلية مشروع يف خصوص مورد الوالدة والولد واملولود له واالبن أعم من الولدودا للوالد ملحقا به يف معظم أحكام حياته ال يف مجيعها كما ففيه إشارة إىل حكمة التشريع فإن الوالد ملا كان مول له

ومنها كان عليه أن يقوم مبصاحل حياته ولوازم تربيته سيجيء بياهنا يف آية التحريم من سورة النساء إن شاء .وكان على أمه أن ال تضار والدة ألن الولد مولود له ونفقتها كسوة أمه اليت ترضعه

Page 402: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٠٢

ليعلم أن الوالدات إمنا ولدن هلن ألن املولود له دون الوالد أنه إمنا قيل الكالم ما ذكر بعض املفسرين ومن أعجب .وإمنا أمهات الناس أوعية وأنشد املأمون بن الرشيد األوالد لآلباء ولذلك ينسبون إليهم ال إىل األمهات

.مستودعات ولآلباء أبناء

وأما ما أنشده من بولدها أوالدهن ويقول وكأنه ذهل عن صدر اآلية وذيلها حيث يقول انتهى ملخصا

.وتقدس شعر املأمون فهو وأمثاله أنزل قدرا من أن يتأيد بكالمه كالم

حكم االجتماع وأمر التكوين فرمبا استشهدوا وأمر التشريع وقد اختلط على كثري من علماء األدب أمر اللغة .أو حقيقة تكوينية باللغة على حكم اجتماعي

واالعتبار االجتماعي فيه ومجلة األمر يف الولد أن التكوين يلحقه بالوالدين معا الستناده يف وجوده إليهما معا

املولود بقولهوتشري إليه وبعضهم بالوالد واآلية تقرر قول هذا البعض فبعض األمم يلحقه بالوالدة خمتلف بني األممواحلول هو السنة مسيت به واإلرضاع إفعال من الرضاعة والرضع وهو مص الثدي بشرب اللنب منه له كما تقدم

Page 403: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٠٣

يطلق على الناقص ألهنا حتول وإمنا وصف بالكمال ألن احلول والسنة لكونه ذا أجزاء كثرية رمبا يسامح فيه ف .أقمت هناك حوال أو حولني إذا أقيم مدة تنقص منه أياما فكثريا ما يقال كالكامل

داللة على أن احلضانة واإلرضاع حق للوالدة املطلقة موكول إىل ملن أراد أن يتم الرضاعةقولهويف

حولني كاملني فلها ذلك وإن مل تشأ التكميل فلها اختيارها والبلوغ إىل آخر املدة أيضا من حقها فإن شاءت إرضاعه فإن أرادا وأما الزوج فليس له يف ذلك حق إال إذا وافقت عليه الزوجة برتاض منهما كما يشري إليه قوله ذلك

.فصاال إخل

الوالد كما املراد باملولود له هو وعلى املولود له رزقهن وكسوهتن باملعروف ال تكلف نفس إال وسعهاقولهوقد على املعروف وهو املتعارف من حاهلما وقد نزهلما والرزق والكسوة مها النفقة واللباس مر

وقد فرع عليه حكمني آخرين ال تكلف نفس إال وسعها وهو قوله حبكم عام آخر رافع للحرج علل ذلكحق احلضانة واإلرضاع الذي للزوجة وما أشبهه فال حيق للزوج أن حيول بني الوالدة وولدها مبنعها عن أحدمها

نفي مضارة الزوجة للزوج بولده بأن وثانيهما حضانته أو رؤيته أو ما أشبه ذلك فإن ذلك مضارة وحرج عليها

Page 404: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٠٤

والنكتة يف وضع الظاهر ا وال مولود له بولدهال تضار والدة بولده وذلك قوله متنعه عن الرؤية وحنو ذلك .موضع الضمري أعين يف قوله

وال مولود له به رجع الضمري إىل قوله ولدها وكان ظاهر فإنه لو قيل بولده دون أن يقول به رفع التناقض املتوهم

ففي اجلملة وال مولود له بولد املرأة فأوهم التناقض ألن إسناد الوالدة إىل الرجل يناقض إسنادها إىل املرأة املعنى .فحسب تشريعا ألنه مولود له مراعاة حلكم التشريع والتكوين معا أي أن الولد هلما معا تكوينا فهو ولده وولدها وله

أن الذي جعل على الوالد من الكسوة والنفقة فهو جمعول على ظاهر اآلية مثل ذلك وعلى الوارثقوله

وقد تركنا ذكرها ألهنا بالبحث الفقهي أمس وقد قيل يف معنى اآلية أشياء أخر ال يوافق ظاهرها وارثه إن ماتوهو املوافق أيضا األخباروالذي ذكرناه هو املوافق ملذهب أئمة أهل البيت فيما نقل عنهم من فلتطلب من هناك

.لظاهر اآلية

Page 405: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٠٥

االجتماع على والتشاور الفصال الفطام إىل آخر اآلية فإن أرادا فصاال عن تراض منهما وتشاورقولهفاحلضانة والرضاع ليس واجبا عليها غري للزوجة ونفي احلرج عن البني والكالم تفريع على احلق اعول املشورة

.بل هو حق ميكنها أن ترتكه قابل التغيري

وكذا من اجلائز أن يسرتضع الزوج فمن اجلائز أن يرتاضيا بالتشاور على فصال الولد من غري جناح عليهما وال بأسأو لعلة أخرى من انقطاع لنب أو مرض وحنوه لولده من غري الزوجة الوالدة إذا ردت الولد إليه باالمتناع عن إرضاعه

وإن أردمت أن قولهوهو إذا سلم هلا ما تستحقها تسليما باملعروف حبيث ال يزاحم يف مجيع ذلك حقها .تسرتضعوا أوالدكم فال جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم باملعروف

بالتقوى وأن يكون هذا التقوى بإصالح صورة هذه أمر مبا تعملون بصري واعلموا أن واتقوا قوله

وهذا خبالف مبا تعملون بصري واعلموا أن فإهنا أمور مرتبطة بالظاهر من الصورة ولذلك قال األعمالواعلموا أن واتقوا قولهاآلية من وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن السابق ما يف ذيل قوله بكل شيء عليم قولهفإن تلك اآلية مشتملة علىوال متسكوهن ضرارا لتعتدوا واملضارة رمبا

.عادت إىل النية من غري ظهور يف صورة العمل إال حبسب األثر بعد

Page 406: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٠٦

يقال التويف هو اإلماتة والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يرتبصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراقوله

ويذرون مثل يدعون مبعنى يرتكون وال ماضي هلما من مادهتما إذا أماته فهو متوفى بصيغة اسم املفعول توفاه .واملراد بالعشر األيام حذفت لداللة الكالم عليه

املراد ببلوغ األجل انقضاء العدة فإذا بلغن أجلهن فال جناح عليكم فيما فعلن يف أنفسهن باملعروفقوله

وليس يف أفعاهلن فإن اخرتن ألنفسهن االزدواج فلهن ذلك إخل كناية عن إعطاء االختيار هلن فال جناحقولهولقرابة امليت منعهن عن شيء من ذلك استنادا إىل بعض العادات املبنية على اجلهالة والعمى أو الشح واحلسد فإن

.هلن حقا يف ذلك معروفا يف الشرع وليس ألحد أن ينهى عن املعروف

ة مع زوجها امليت أو بني من حيكم بإحراق الزوجة احلي وقد كانت األمم على أهواء شتى يف املتوفى عنها زوجهاوبني من وبني من يقضي بعدم جواز ازدواجها ما بقيت بعده إىل آخر عمرها كالنصارى إحلادها وإقبارها معه

أو ما يقرب من السنة كتسعة أشهر كما هو يوجب اعتزاهلا عن الرجال إىل سنة من حني الوفاة كالعرب اجلاهليبني من يعتقد أن للزوج املتوفى حقا على الزوجة يف الكف عن االزدواج حينا من و كذلك عند بعض امللل الراقية

Page 407: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٠٧

وهو مبين على كل ذلك ملا جيدونه من أنفسهم أن االزدواج لالشرتاك يف احلياة واالمتزاج فيها غري تعيني للمدةومرتبطا بالزوج وهذا وإن كان معنى قائما بالطرفني وللحب حرمة جيب رعايتها أساس األنس واأللفة

غري أن هذه املراعاة على والزوجة معا فكل منهما أخذته الوفاة كان على اآلخر رعاية هذه احلرمة بعد صاحبهتكون فال ينبغي هلا أن تبتذل ف ملا جيب عليها من مراعاة جانب احلياة واالحتجاب والعفة املرأة أوجب وألزم

فهذا هو املوجب ملا حكم به هذه األقوام املختلفة يف كالسلعة املبتذلة الدائرة تعتورها األيدي واحدة بعد واحدة .أعين أربعة أشهر وعشرا وقد عني اإلسالم هذا الرتبص مبا يقرب من ثلث سنة املتوفى عنها زوجها

مشتمال على تشريع عدة الوفاة وعلى تشريع حق االزدواج هلن ملا كان الكالم مبا تعملون خبري وقوله

خبري باألعمال وكان كل ذلك تشخيصا لألعمال مستندا إىل اخلربة اإلهلية كان األنسب تعليله بأن بعدهاولذا ذيل فعليهن أن يرتبصن يف مورد وأن خيرتن ما شئن ألنفسهن يف مورد آخر مشخص للمحظور منها عن املباح

.مبا تعملون خبري وقولهالكالم

التعريض هو امليل بالكالم إىل ال جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم يف أنفسكمقوله .من العرض مبعنى اجلانب فهو خالف التصريح جانب ليفهم املخاطب أمرا مقصودا للمتكلم ال يريد التصريح به

Page 408: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٠٨

بني التعريض والكناية أن للكالم الذي فيه التعريض معنى مقصودا غري ما اعرتض به كقول املخاطب للمرأةوالفرق

خبالف الكناية إذ أي لو تزوجت بي سعدت بطيب العيش وصرت حمبوبة إني حسن املعاشرة وأحب النساء .فالن كثري الرماد تريد أنه سخي ال يقصد يف الكناية غري املكنى عنه كقولك

خطب املرأة خطبة بالكسر إذا كلمها يقال واخلطبة بكسر اخلاء من اخلطب مبعنى التكلم واملراجعة يف الكالم

وخاصة يف الوعظ خطيب ويقال خطب القوم خطبة بضم اخلاء إذا كلمهم يف أمر التزوج هبا فهو خاطب وال يقال .فهو خاطب من اخلطاب وخطيب من اخلطباء

والكن أو أكننتم يف أنفسكم واإلكنان من الكن بالفتح مبعنى السرت لكن خيتص اإلكنان مبا يسرت يف النفس كما قال

وقال ٤٩ الصافاتكأهنن بيض مكنون قال مبا يسرت بشيء من األجسام كمحفظة أو ثوب أو بيت كأمثال اللؤلؤ املكنون الواقعة ٢٣ واملراد باآلية نفي البأس عن التعريض يف اخلطبة أو إخفاء أمور يف

.القلب يف أمرها

Page 409: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٠٩

أن واملعنى يف مورد التعليل لنفي اجلناح عن اخلطبة والتعريض فيها أنكم ستذكروهنن علم قوله بل جيوزه ال ينهى عن أمر تقضي به غريزتكم الفطرية ونوع خلقتكم ذكركم إياهن أمر مطبوع يف طباعكم و

.وهذا من املوارد الظاهرة يف أن دين اإلسالم مبين على أساس الفطرة

احلكم حبيث ال العزم عقد القلب على الفعل وتثبيت وال تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجلهقوله .والعقدة من العقد مبعنى الشد يبقى فيه وهن يف تأثريه إال أن يبطل من رأس

كان بالعقدة اليت يعقد هبا أحد اخليطني باآلخر حبيث يصريان واحدا باالتصال ويف الكالم تشبيه علقة الزوجية

ثم يف تعليق عقدة النكاح بالعزم الذي هو أمر قليب إشارة إىل أن سنخ حبالة النكاح تصري الزوجني واحدا متصالهذه العقدة والعلقة أمر قائم بالنية واالعتقاد فإهنا من االعتبارات العقالئية اليت ال موطن هلا إال ظرف االعتقاد

كان الناس أمة واحدة قولهنظري امللك وسائر احلقوق االجتماعية العقالئية كما مر بيانه يف ذيل واإلدراكواملراد بالكتاب هو املكتوب أي املفروض من احلكم وهو الرتبص ففي اآلية استعارة وكناية ٢١٣ البقرة اآلية

.على املعتدات الذي فرضه

Page 410: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤١٠

وهذه اآلية تكشف أن الكالم فيها ويف اآلية السابقة وال جتروا عقد النكاح حتى تنقضي عدهتن فمعنى اآليةاآلية إمنا هو يف خطبة املعتدات ويف ال جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساءقولهعليها أعين

.النساء للعهد دون اجلنس وغريه قولهوعلى هذا فالالم يف عقدهن

أعين العلم واملغفرة يف اآلية إخل إيراد ما ذكر من صفاته يعلم ما يف أنفسكم واعلموا أن قولهواحلكم يدل على أن األمور املذكورة يف اآليتني وهي خطبة املعتدات والتعريض هلن ومواعدهتن سرا من موارد

.كل االرتضاء وإن كان قد أجاز ما أجازه منها اهللكات ال يرتضيها

املس كناية عن املواقعة النساء ما مل متسوهن أو تفرضوا هلن فريضةال جناح عليكم إن طلقتم قوله .أن عدم مس الزوجة ال مينع عن صحة الطالق وكذا عدم ذكر املهر واملعنى واملراد بفرض الفريضة تسمية املهر

واملتاع يتمتع بهالتمتيع إعطاء ما ومتعوهن على املوسع قدره وعلى املقرت قدره متاعا باملعروفقوله

على املوسع قدره وعلى اعرتض بينهما قوله ومتعوهن ومتاعا مفعول مطلق لقوله واملتعة ما يتمتع بهواملوسع اسم فاعل من أوسع إذا كان على سعة من املال وكأنه من األفعال املتعدية اليت كثر استعماهلا املقرت قدره

Page 411: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤١١

ى صار يفيد ثبوت أصل املعنى فصار الزما واملقرت اسم فاعل من أقرت إذا كان على مع حذف املفعول اختصارا حت .والقدر بفتح الدال وسكوهنا مبعنى واحد ضيق من املعاش

جيب عليكم أن متتعوا املطلقات عن غري فرض فريضة متاعا باملعروف وإمنا جيب على املوسع قدره ومعنى اآلية

وهذا خيتص باملطلقة غري وعلى املقرت قدره من التمتيع أي ما يناسب حاله ويتقدر به وضعه من التمتيعخمتص هبا وال يعم املطلقة املفروضة هلا اليت مل والدليل على أن هذا التمتيع املذكور املفروضة هلا اليت مل يسم مهرها

.يدخل هبا ما يف اآلية التالية من بيان حكمها

وظاهر اجلملة وإن كان كون الوصف أعين أي حق احلكم حقا على احملسنني حقا على احملسننيقولهإال أن وحيث ليس اإلحسان واجبا استلزم كون احلكم استحبابيا غري وجوبي اإلحسان دخيال يف احلكم

الطالق مرتان فإمساك ولعل الوجه فيه ما مر من قوله النصوص من طرق أهل البيت تفسر احلكم بالوجوبقد حق و احملسنون - مبعروف أو تسريح بإحسان اآلية فأوجب اإلحسان على املسرحني وهم املطلقون فهم

.أعلم و احلكم يف هذه اآلية على احملسنني وهم املطلقون

Page 412: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤١٢

أي وإن أوقعتم الطالق قبل الدخول هبن وقد فرضتم هلن إخل وإن طلقتموهن من قبل أن متسوهنقولهفريضة ومسيتم املهر فيجب عليكم تأدية نصف ما فرضتم من املهر إىل أن يعفون هؤالء املطلقات أو يعفو الذي بيده

على فال جيب أو الزوج فإن عقدة النكاح بيده أيضا عقدة النكاح من وليهن فيسقط النصف املذكور أيضاوالعفو على أي حال أقرب للتقوى ألن من أعرض عن حقه الثابت زوجة املطلقة رد نصف املهر الذي أخذتال

.أقوى وأقدر شرعا فهو عن اإلعراض عما ليس له حبق من حمارم

الفضل هو الزيادة كالفضول غري أن الفضل هو الزيادة يف املكارم واحملامد إخل وال تنسوا الفضل بينكمقولهويف الكالم ذكر الفضل الذي ينبغي أن يؤثره اإلنسان يف جمتمع احلياة والفضول هو الزيادة غري احملمودة على ما قيل

احلقوق والتسهيل والتخفيف عن واملراد به الرتغيب يف اإلحسان والفضل بالعفو فيتفاضل به البعض على بعض كالنكتة فيما مر يف ذيل قوله مبا تعملون بصري إن والنكتة يف قوله من الزوج للزوجة وبالعكس

.والوالدات يرضعن أوالدهن اآلية

حفظ الشيء ضبطه وهو يف املعاني أعين حفظ النفس ملا إىل آخر اآلية حافظوا على الصلواتقولهوال والصالة الوسطى هي الواقعة يف وسطها والوسطى مؤنث األوسط تستحضره أو تدركه من املعاني أغلب

Page 413: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤١٣

وسيجيء ما ورد من الروايات يف وإمنا تفسريه السنة ما هو املراد من الصالة الوسطى يظهر من كالمه .هتعيين

والقنوت هو اخلضوع بالطاعة للغاية والقيام بأمر كناية عن تقلده والتلبس بفعله للهقوموا قولهوالالم يف

٣١ األحزاب ولرسوله للهومن يقنت منكن وقال ١١٦ البقرة كل له قانتون قال .باخلضوع خملصني له وألجله تلبسوا بطاعة فمحصل املعنى

عطف الشرط على اجلملة السابقة يدل على تقدير شرط إىل آخر اآلية فإن خفتم فرجاال أو ركباناقوله

وإن خفتم فقدروا احملافظة بقدر ما ميكن من الصالة راجلني وقوفا أو مشيا أو حمذوف أي حافظوا إن مل ختافوا .وهذه صالة اخلوف والرجال مجع راجل والركبان مجع راكب راكبني

للتفريع أي إن احملافظة على الصالة أمر غري ساقط من أصله بل إن مل ختافوا شيئا فإذا أمنتمقولهوالفاء يف

وإن زال عنكم اخلوف بتجدد األمن وأمكنت لكم وجبت عليكم وإن تعسر عليكم فقدروها بقدر ما ميكن لكم . ثانيا عاد الوجوب ووجب عليكم ذكر

Page 414: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤١٤

من قبيل وضع العام موضع اخلاص داللة ما مل تكونوا تعلمونقولهللتشبيه و كما علمكمقولهوالكاف يف

ذكرا مياثل ما علمكم من الصالة املفروضة فاذكروا هذا واملعنى على على االمتنان بسعة النعمة والتعليم .املكتوبة يف حال األمن يف ضمن ما علمكم من شرائع الدين

.والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية ألزواجهمقوله

.والتقدير ليوصوا وصية ينتفع به أزواجهم ويتمتعن متاعا إىل احلول بعد التويف وصية مفعول مطلق ملقدر

أعين األربعة أشهر وعشرة أيام فإن وتعريف احلول بالالم ال خيلو عن داللة على كون اآلية نازلة قبل تشريع عدة الوفاة

فاآلية توصي بأن يوصي األزواج هلن مبال عرب اجلاهلية كانت نساؤهم يقعدن بعد موت أزواجهن حوال كامالجيوز تركه كان هلن أن غري أن هذا ملا كان حقا هلن واحلق بيوهتنيتمتعن به إىل متام احلول من غري إخراجهن من

وهذا نظري وأن يرتكنه فإن خرجن فال جناح للورثة ومن جيري جمراهم فيما فعلن يف أنفسهن باملعروف يطالنب به

Page 415: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤١٥

إذا حضر كتب عليكم قال به من حضره املوت أن يوصي للوالدين واألقربني باملعروف ما أوصى .١٨٠ البقرة أحدكم املوت إن ترك خريا الوصية للوالدين واألقربني باملعروف حقا على املتقني

.ومما ذكرنا يظهر أن اآلية منسوخة بآية عدة الوفاة وآية املرياث بالربع والثمن

وتعليق ثبوت احلكم اآلية يف حق مطلق املطلقات وللمطلقات متاع باملعروف حقا على املتقنيقوله

.بوصف التقوى مشعر باالستحباب

األصل يف معنى العقل العقد واإلمساك وبه مسي إدراك لكم آياته لعلكم تعقلون كذلك يبني قولهوالقوة اليت يزعم أهنا إحدى القوى اليت يتصرف هبا اإلنسان مييز وما أدركه عقال اإلنسان إدراكا يعقد عليه عقال

.ويقابله اجلنون والسفه واحلمق واجلهل باعتبارات خمتلفة هبا بني اخلري والشر واحلق والباطل عقال

Page 416: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤١٦

والشعور نواحلسبا كالظن واأللفاظ املستعملة يف القرآن الكريم يف أنواع اإلدراك كثرية رمبا بلغت العشرين واحلكمة واحلفظ والزعم والرأي والفكر واليقني والدراية والفقه والفهم والعرفان والذكر .والبصرية وحنو ذلك والفتوى ويلحق هبا مثل القول والعقل والشهادة واخلربة

غري أن احلسبان كان استعماله يف وكذا احلسبان حد اجلزم والقطعوالظن هو التصديق الراجح وإن مل يبلغ

عد زيدا من األبطال وحسبه منهم أي كالعد مبعنى الظن وأصله من حنو قولنا اإلدراك الظين استعمال استعاري .أحلقه هبم يف العد واحلساب

ومنه إطالق ويغلب استعماله يف احملسوس دون املعقول والشعور هو اإلدراك الدقيق مأخوذ من الشعر لدقته

.املشاعر للحواس

.والذكر هو استحضار الصورة املخزونة يف الذهن بعد غيبته عن اإلدراك أو حفظه من أن يغيب عن اإلدراك

Page 417: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤١٧

إنه إدراك بعد علم والعرفان واملعرفة تطبيق الصورة احلاصلة يف املدركة على ما هو خمزون يف الذهن ولذا قيل .سابق

.نوع انفعال للذهن عن اخلارج عنه بانتقاش الصورة فيه والفهم

.هو التثبت يف هذه الصورة املنتقشة فيه واالستقرار يف التصديق والفقه

ولذا يستعمل يف هو التوغل يف ذلك التثبت واالستقرار حتى يدرك خصوصية املعلوم وخباياه ومزاياه والدراية

إنا وقال ٢ احلاقة احلاقة ما احلاقة وما أدراك ما احلاقة قال مقام تفخيم األمر وتعظيمه .٢ القدر وما أدراك ما ليلة القدر أنزلناه يف ليلة القدر

.هو اشتداد اإلدراك الذهين حبيث ال يقبل الزوال والوهن واليقني

.سري ومرور على املعلومات املوجودة احلاضرة لتحصيل ما يالزمها من اهوالتوالفكر حنو

Page 418: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤١٨

غري أنه يغلب استعماله يف العلوم العملية مما ينبغي فعله وما ال هو التصديق احلاصل من الفكر والرتوي والرأي

غري أن استعمال والقول واإلفتاء ويقرب منه البصرية ينبغي دون العلوم النظرية الراجعة إىل األمور التكوينية .القول كأنه استعمال استعاري من قبيل وضع الالزم موضع امللزوم ألن القول يف شيء يستلزم االعتقاد مبا يدل عليه

.هو التصديق من حيث إنه صورة يف الذهن سواء كان تصديقا راجحا أو جازما قاطعا والزعم

.هو اإلدراك املانع من النقيض والعلم كما مر

.ضبط الصورة املعلومة حبيث ال يتطرق إليه التغيري والزوال واحلفظ

.هي الصورة العلمية من حيث إحكامها وإتقاهنا واحلكمة

.هو ظهور الصورة العلمية حبيث ال خيفى على العامل ترتب أي نتيجة على مقدماهتا واخلربة

Page 419: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤١٩

هو نيل نفس الشيء وعينه إما حبس ظاهر كما يف احملسوسات أو باطن كما يف الوجدانيات حنو العلم والشهادة

.واإلرادة واحلب والبغض وما يضاهي ذلك

ولذلك ال تستعمل يف مورده واأللفاظ السابقة على ما عرفت من معانيها ال ختلو عن مالبسة املادة واحلركة والتغري غري اخلمسة األخرية منها أعين العلم واحلفظ واحلكمة واخلربة والشهادة فال يقال فيه إنه يظن أو

.حيسب أو يزعم أو يفهم أو يفقه أو غري ذلك

بكل و قال وأما األلفاظ اخلمسة األخرية فلعدم استلزامها للنقص والفقدان تستعمل يف مورده مبا و وقال ٢١ سبأ وربك على كل شيء حفيظ وقال ١٥ النساء شيء عليم

إنه على كل شيء وقال ٨٣ يوسف هو العليم احلكيم وقال ٢٣٤ البقرة تعملون خبري .٥٣ فصلت شهيد

Page 420: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٢٠

لفظ العقل على ما عرفت يطلق على اإلدراك من حيث إن فيه عقد القلب بالتصديق ولنرجع إىل ما كنا فيه فنقول على ما جبل اإلنسان عليه من إدراك احلق والباطل يف النظريات واخلري والشر واملنافع واملضار يف

ثم جهزه حبواس ظاهرة يدرك هبا ظواهر خلقة يدرك نفسه يف أول وجوده العمليات حيث خلقه واحلب وبأخرى باطنه يدرك معاني روحية هبا ترتبط نفسه مع األشياء اخلارجة عنها كاإلرادة األشياءفيقضي ثم يتصرف فيها بالرتتيب والتفصيل والتخصيص والتعميم وحنو ذلك واخلوف والرجاء والبغض

ويف العمليات واألمور املربوطة بالعمل قضاء مور اخلارجة عن مرحلة العمل قضاء نظريافيها يف النظريات واأل .وهذا هو العقل كل ذلك جريا على ارى الذي تشخصه له فطرته األصلية عمليا

ضعفه لكن رمبا تسلط بعض القوى على اإلنسان بغلبته على سائر القوى كالشهوة والغضب فأبطل حكم الباقي أو

فلم يعمل هذا العامل العقلي فيه على سالمته فخرج اإلنسان هبا عن صراط االعتدال إىل أودية اإلفراط والتفريط كالقاضي الذي يقضي مبدارك أو شهادات كاذبة منحرفة حمرفة فإنه حييد يف قضائه عن احلق وإن قضى غري

وأنه وإن إلنسان يقضي يف مواطن املعلومات الباطلة مبا يقضيكذلك ا فهو قاض وليس بقاض قاصد للباطللكنه ليس بعقل حقيقة خلروج اإلنسان عند ذلك عن سالمة الفطرة مسى عمله ذلك عقال بنحو من املساحمة

.وسنن الصواب

Page 421: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٢١

فإنه يعرف العقل مبا ينتفع به اإلنسان يف دينه ويركب به هداه إىل حقائق املعارف وعلى هذا جرى كالمه

قال وإن عمل يف اخلري والشر الدنيوي فقط وإذا مل جير على هذا ارى فال يسمى عقال وصاحل العمل وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا يف أصحاب السعري امللك ١٠.

أفلم يسريوا يف األرض فتكون هلم قلوب يعقلون هبا أو آذان يسمعون هبا فإهنا ال تعمى األبصار ولكن وقال

.٤٦ احلج تعمى القلوب اليت يف الصدور

والسمع يف اإلدراك الذي يستعني فاآليات كما ترى تستعمل العقل يف العلم الذي يستقل اإلنسان بالقيام عليه بنفسه البقرة ومن يرغب عن ملة إبراهيم إال من سفه نفسه وقال فيه بغريه مع سالمة الفطرة يف مجيع ذلك

١٣٠ وقد مر أن اآلية مبنزلة عكس النقيض لقوله العقل ما عبد به الرمحن احلديث.

Page 422: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٢٢

وبه هو اإلدراك الذي يتم لإلنسان مع سالمة فطرته أن املراد بالعقل يف كالمه فقد تبني من مجيع ما ذكرناوالعلم مقدمة للعقل ووسيلة فبالبيان يتم العلم لكم آياته لعلكم تعقلون كذلك يبني يظهر معنى قوله

.٤٣ العنكبوت وتلك األمثال نضرهبا للناس وما يعقلها إال العاملون إليه كما قال

ومل يكن طلقت على عهد رسول قالت عن أمساء بنت يزيد بن السكن األنصارية يف سنن أبي داودفكانت أول من أنزلت واملطلقات يرتبصن بأنفسهن ثالثة قروء للمطلقة عدة فأنزل حني طلقت العدة للطالق

.فيها العدة للطالق

مسعت ربيعة قال عن زرارة واملطلقات يرتبصن بأنفسهن ثالثة قروءقولهيف العياشيويف تفسري يف القرآن إمنا هي الطهر فيما بني احليضتني وليس باحليض إن من رأيي أن األقراء اليت مسى الرأي وهو يقول

فقلت ومل يقل برأيه إمنا بلغه عن علي فحدثته مبا قال ربيعة فقال قال فدخلت على أبي جعفر تقرأ فيه الدم فتجمعه فإذا إمنا القرء الطهر كان يقول نعم قال يقول ذلك أكان علي أصلحك

Page 423: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٢٣

إذا دخلت يف قال رجل طلق امرأته طاهرا من غري مجاع بشهادة عدلني أصلحك قلت جاءت دفعته .احلديث احليضة الثالثة فقد انقضت عدهتا وحلت لألزواج

يقول ذلك إمنا أكان علي أصلحك قلت قولهو هذا املعنى مروي بعدة طرق عنه أقول

ملا اشتهر بني العامة عن علي أنه كان يقول إن القروء يف اآلية هي إمنا بلغه عن علي استفهم ذلك بعد قوله عن الشافعي وعبد الرزاق وعبد بن محيد والبيهقي عن علي بن أبي احليض دون األطهار كما يف الدر املنثور

ل البيت لكن أئمة أه حتل لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من احليضة الثالثة وحتل لألزواج قال طالب وقد نسبوا هذا القول إىل أن األقراء األطهار دون احليض كما مرت يف الرواية ينكرون ذلك وينسبون إليه

.بن عمر وعائشة ورووه عنهم كزيد بن ثابت وعبد عدة أخرى من الصحابة غريه

احلبل يف أرحامهن اآلية وال حيل هلن أن يكتمن ما خلق يف قوله عن الصادق ويف امع .واحليض

.الطهر واحليض واحلبل إىل النساء ثالثة أشياء وقد فوض ويف تفسري القمي

Page 424: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٢٤

حق الرجال على النساء أفضل قال قال وللرجال عليهن درجةقولهيف أيضا ويف تفسري القمي

.من حق النساء على الرجال

- الطالق مرتان قولهيف وهذا ال ينايف التساوي من حيث وضع احلقوق كما مر ويف تفسري العياشي أقوليقول الطالق مرتان فإمساك مبعروف إن قال عن أبي جعفر فإمساك مبعروف أو تسريح بإحسان

.أو تسريح بإحسان والتسريح باإلحسان هو التطليقة الثالثة

طالق السنة يطلقها تطليقة يعين على طهر من غري مجاع بشهادة قال عن أبي جعفر ويف التهذيبإن شاءت شاهدين ثم يدعها حتى متضي أقراؤها فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه وهو خاطب من اخلطاب

فتكون عنده على وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن متضي أقراؤها وإن شاءت فال نكحته .احلديث التطليقة املاضية

Page 425: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٢٥

سألت الرضا عن العلة اليت من أجلها ال حتل املطلقة لعدة لزوجها حتى قال عن احلسن بن فضال ويف الفقيهالطالق مرتان فإمساك مبعروف أو إمنا أذن يف الطالق مرتني فقال إن تنكح زوجا غريه فقال

من الطالق الذي حرمها عليه فال حتل له ولدخوله فيما كره يعين يف التطليقة الثالثة تسريح بإحسان .احلديث حتى تنكح زوجا غريه لئال يوقع الناس يف االستخفاف بالطالق وال تضار النساء

وإن قال أن الطالق بلفظ واحد أو يف جملس واحد ال يقع إال تطليقة واحدة مذهب أئمة أهل البيت أقول

بعضها يدل على وقوعه طالقا وأما أهل السنة واجلماعة فرواياهتم فيه خمتلفة طلقتك ثالثا على ما روته الشيعةلكن يظهر من بعض ورمبا رووا ذلك عن علي وجعفر بن حممد وبعضها يدل على وقوع الثالثة واحدا

أن وقوع الثالث بلفظ واحد مما أجازه رواياهتم اليت رواها أرباب الصحاح كمسلم والنسائي وأبي داود وغريهمأخرج عبد الرزاق ومسلم وأبو داود والنسائي ففي الدر املنثور عمر بعد مضي سنتني أو ثالثة من خالفته

وأبي بكر وسنتني من خالفة كان الطالق على عهد رسول واحلاكم والبيهقي عن ابن عباس قالإن الناس قد استعجلوا يف أمر كان هلم فيه أناة فلو أمضينا عليهم طالق الثالث واحدا فقال عمر بن اخلطاب.عمر

.فأمضاه عليهم

Page 426: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٢٦

طلق عبد يزيد أبو ركانة أم ركانة ونكح امرأة من مزينة فجاءت النيب عن ابن عباس قال ويف سنن أبي داودمحية ففرق بيين وبينه فأخذت النيب ما يغين عين إال كما تغين هذه الشعرة لشعرة أخذهتا من رأسها فقالت

قال النيب قالوا نعم أ ترون فالنا يشبه منه كذا وكذا وفالن منه كذا وكذا فدعا بركانه وإخوته ثم قال جللسائه لعبد يزيد طلقها ففعل قال راجع امرأتك أم ركانة فقال إني طلقتها ثالثا يا رسول قال قد علمت

.يا أيها النيب إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدهتن أرجعها وتال

طلق ركانة امرأة ثالثا يف جملس واحد فحزن عليها حزنا قال عن البيهقي عن ابن عباس ويف الدر املنثورنعم فإمنا تلك واحدة قال قال طلقتها ثالثا يف جملس واحد كيف طلقتها شديدا فسأله رسول

فطلقوهن هبا فارجعها إن شئت فراجعها فكان ابن عباس يرى إمنا الطالق عند كل طهر فتلك السنة اليت أمر .لعدهتن

.وهذا املعنى مروي يف روايات أخرى أيضا والكالم على هذه اإلجازة نظري الكالم املتقدم يف متعة احلج أقول

Page 427: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٢٧

الطالق مرتان فإن املرتني والثالث ال يصدق على ما وقد استدل على عدم وقوع الثالث بلفظ واحد بقوله فيه قال أو تسريح بإحسانقولهيف ويف امع أنشىء بلفظ واحد كما يف مورد اللعان بإمجاع الكل

عن السدي والضحاك والثاني أنه يرتك املعتدة حتى تبني بانقضاء العدة أنه الطلقة الثالثة أحدمها قوالن . وهو املروي عن أبي جعفر وأبي عبد

.بإحسانأو تسريح قولهواألخبار كما ترى ختتلف يف معنى أقول

إال أن خيافا أال يقيما حدود - وال حيل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا قولهيف ويف تفسري القمي اآلية عن الصادق قال اخللع ال يكون إال أن تقول املرأة لزوجها ال أبر لك قسما وألخرجن بغري

فإذا قالت ذلك ال أطيع لك أمرا أو تطلقين أو تقول وألوطئن فراشك غريك وال أغتسل لك من جنابة إذنكفإذا تراضيا على ذلك طلقها على فقد حل له أن يأخذ منها مجيع ما أعطاها وكل ما قدر عليه مما تعطيه من ماهلا

وإن شاءت مل تفعل فإن شاءت زوجته نفسها وهو خاطب من اخلطاب طهر بشهود فقد بانت منه بواحدةفإن زوجها فهي عنده على اثنتني باقيتني وينبغي له أن يشرتط عليها كما اشرتط صاحب املباراة فإذا ارجتعت يف

ال خلع وال مباراة وال ختيري إال على طهر من غري مجاع بشهادة وقال شيء مما أعطيتين فأنا أملك ببضعك

Page 428: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٢٨

ال رجعة للزوج على وقال واملختلعة إذا تزوجت زوجا آخر ثم طلقها حيل لألول أن يتزوج هبا شاهدين عدلني .املختلعة وال على املباراة إال أن يبدو للمرأة فريد عليها ما أخذ منها

ال أطيع لك أمرا مفسرة أو غري مفسرة حل له أن إذا قالت املرأة لزوجها مجلة قال عن الباقر ويف الفقيهكانت حبيبة ابنة قال أخرج أمحد عن سهل بن أبي حثمة ويف الدر املنثور.وليس له عليها رجعة يأخذ منها

فلو ال إني ال أراه يا رسول وكان رجال دميما فجاءت وقالت سهل حتت ثابت بن قيس بن مشاس فكرهتهنعم فردت عليه حديقته وفرق قالت أتردين عليه حديقته اليت أصدقك لبزقت يف وجهه فقال هلا خمافة .فكان ذلك أول خلع كان يف اإلسالم بينهما

فال تعتدوها اآلية فقال إن وتلك حدود تبارك و يف قول عن الباقر ويف تفسري العياشي

تلك حدود منه بريء فذلك قوله غضب على الزاني فجعل له مائة جلدة فمن غضب عليه فزاد فأنا إىل فال تعتدوها ويف الكايف عن أبي بصري قال املرأة اليت ال حتل لزوجها حتى تنكح زوجا غريه قال هي اليت

.وهي اليت ال حتل لزوجها حتى تنكح زوجا غريه ويذوق عسيلتها تطلق ثم تراجع ثم تطلق الثالثة

Page 429: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٢٩

وصغرت باهلاء ألن ويف اجلماع العسيلة شبهت تلك اللذة بالعسل قال يف الصحاح العسيلة اجلماع أقول ذهبة إمنا أنث ألنه أريد به العسلة وهي القطعة منه كما يقال للقطعة من الذهب الغالب يف العسل التأنيث ويقال

.انتهى

يف ال حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك كاالقتباس من كلمة رسول ويذوق عسيلتها وقوله .قصة رفاعة

يا فقالت أن رفاعة بن مسوال طلق امرأته فأتت النيب عن البزاز والطرباني والبيهقي ففي الدر املنثور

يعرض فجعل رسول وأومأت إىل هدبة من ثوهبا قد تزوجين عبد الرمحن وما معه إال مثل هذه رسول .ال حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك تريدين أن ترجعي إىل رفاعة عن كالمها ثم قال هلا

رواها مجع كثري من الرواة من أرباب الصحاح وغريهم من طرق أهل السنة والرواية من املشهورات أقول

.وألفاظ الروايات وإن كانت خمتلفة لكن أكثرها تشتمل على هذه اللفظة واجلماعة وبعض اخلاصة

Page 430: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٣٠

يقول فإن طلقها فال حتل له من بعد ال ألن قال عن تزويج املتعة أ حيلل عن الصادق ويف التهذيب .واملتعة ليس فيه طالق فإن طلقها فال جناح عليهما أن يرتاجعا - حتى تنكح زوجا غريه

.ال حيلل قال عن اخلصي حيلل سألت الرضا أيضا عن حممد بن مضارب قال وفيه

وال متسكوهن ضرارا - إىل قوله - أجلهن وإذا طلقتم النساء فبلغن قولهيف ويف تفسري القمي

.إذا طلقها مل جيز له أن يراجعها إن مل يردها قال قال اآلية لتعتدوا

وليس له فيها حاجة ثم يطلقها ال ينبغي للرجل أن يطلق امرأته ثم يراجعها قال عن الصادق ويف الفقيه .إال أن يطلق ثم يراجع وهو ينوي اإلمساك عنه فهذا الضرار الذي هنى

عن عمر بن اجلميع رفعه إىل أمري املؤمنني اآلية هزوا وال تتخذوا آيات قولهيف ويف تفسري العياشي يف حديث قال ومن قرأ القرآن من هذه األمة ثم دخل النار فهو ممن كان يتخذ آيات هزوا احلديث.

Page 431: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٣١

اآلية أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهنقولهيف البخارييف صحيح .فال تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن فرتكها حتى انقضت عدهتا فخطبها فأبى معقل فنزلت

عنه وعن عدة من أرباب الصحاح كالنسائي وابن ماجة والرتمذي وابن وروي هذا املعنى يف الدر املنثور أقول

.داود وغريهم

األنصاري كانت له ابنة عم فطلقها نزلت هذه اآلية يف جابر بن عبد قال أيضا عن السدي ويف الدر املنثورطلقت ابنة عمنا ثم تريد أن تنكحها الثانية زوجها تطليقة وانقضت عدهتا فأراد مراجعتها فأبى جابر فقال

.اآلية وإذا طلقتم النساء وكانت املرأة تريد زوجها فأنزل

ال والية لألخ وال البن العم على مذهب أئمة أهل البيت فلو سلمت إحدى الروايتني كان النهي يف اآلية غري أقولوال جلعل حكم وضعي بل لإلرشاد إىل قبح احليلولة بني الزوجني أو لكراهة أو حرمة تكليفية مسوق لتحديد والية

.متعلقة بكل من يعضلهن عن النكاح ال غري

Page 432: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٣٢

والوالدات قال عن الصادق اآلية والوالدات يرضعن أوالدهنقولهيف ويف تفسري العياشيما دام الولد يف الرضاع فهو بني األبوين بالسوية فإذا فطم فالوالد أحق به من قال يرضعن أوالدهن حولني كاملني

ال أرضعه إال خبمسة دراهم فإن له أن ينزعه منها وقالت األم العصبة وإن وجد األب من يرضعه بأربعة دراهم .إال أن ذلك أجرب له وأقدم وأرفق به أن يرتك مع أمه

كانت املرأة ممن ترفع يدها إىل الرجل إذا أراد قال اآلية ال تضار والدةقولهيف أيضا عنه وفيه

ال أجامعك إني أخاف أن تعلقي ويقول الرجل للمرأة إني أخاف أن أمحل على ولدي ال أدعك جمامعتها فتقول .أن يضار الرجل املرأة واملرأة الرجل فنهى فأقتل ولدي

على الوارث مثل ما هو يف النفقة مثل ذلك قال وعلى الوارثقولهيف أيضا عن أحدمها وفيه

.على الوالد

ال أدع ولدها يأتيها قال ال ينبغي للوارث أيضا أن يضار املرأة فيقول يف اآلية أيضا عن الصادق وفيه .وال ينبغي له أن يقرت عليه ويضار ولدها إن كان هلم عنده شيء

Page 433: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٣٣

قال جعلت فداك وما الفطام قلت له قال ال رضاع بعد فطام قال أيضا عن محاد عن الصادق وفيه

احلولني الذي قال .

.الذي قال بقوله حكاية ملا يف لفظ اآلية ولذا وصفه احلولني قوله أقول

ال قال رسول قال أخرج عبد الرزاق يف املصنف وابن عدي عن جابر بن عبد ويف الدر املنثوروال نفقة وال نذر يف معصية وال وصال يف الصيام وال صمت يوم إىل الليل وال رضاع بعد فصال يتم بعد حلم

وال وال ميني لزوجة مع زوج وال هجرة بعد الفتح وال تعرب بعد اهلجرة وال ميني يف قطيعة رحم يف املعصية .وال عتق قبل ملك وال طالق قبل نكاح وال ميني ململوك مع سيده ميني لولد مع والد

- والذين يتوفون منكم ملا نزلت هذه اآلية قال عن أبي بكر احلضرمي عن الصادق ويف تفسري العياشي

فقال هلن ال نصرب وقلن ويذرون أزواجا يرتبصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا جئن النساء خياصمن رسول

Page 434: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٣٤

كانت إحداكن إذا مات زوجها أخذت بعرة فألقتها خلفها يف دبرها يف خدرها ثم قعدت فإذا كان رسول .عنكن مثانية أشهر ثم تزوجت فوضع م اكتحلت هباث مثل ذلك اليوم من احلول أخذهتا ففتقتها

وعلى أي وجه كان كل النكاح إذا مات الزوج فعلى املرأة حرة كانت أو أمة عن الباقر ويف التهذيب

.النكاح منه متعة أو تزوجيا أو ملك ميني فالعدة أربعة أشهر وعشرا

جعلت فداك كيف صارت عدة قلت له قال عن حممد بن مسلم عن أبي جعفر ويف تفسري العياشيأما عدة املطلقة فقال املطلقة ثالث حيض أو ثالثة أشهر وصارت عدة املتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا

شرط للنساء شرطا وشرط وأما عدة املتوفى عنها زوجها فإن ثالث قروء فألجل استرباء الرحم من الولدفلن جيوز للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر وأما ما شرط هلن ففي اإليالء أربعة أشهر إذ يقول عليهن

وأما ما شرط عليهن فإنه أمرها أن أهنا غاية صرب املرأة من الرجل ألحد أكثر من أربعة أشهر لعلمه تبارك و .تعتد إذا مات زوجها أربعة أشهر وعشرا فأخذ له منها عند موته ما أخذ هلا منه يف حياته

Page 435: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٣٥

يف عن الصادق بطرق أخرى ويف تفسري العياشي وهذا املعنى مروي أيضا عن الرضا واهلادي أقولاملرأة يف عدهتا تقول هلا قوال مجيال اآلية النساء فيما عرضتم به من خطبة - وال جناح عليكم قوله

ويف رواية إني أصنع كذا أو كذا أو أصنع كذا القبيح من األمر يف البضع وكل أمر قبيح وال تقول ترغبها يف نفسكوال يا هذه ال أحب إال ما أسرك ولو قد مضى عدتك ال تفوتيين إن شاء أخرى تقول هلا وهي يف عدهتا

.وهذا كله من غري أن يعزموا عقدة النكاح تستبقي بنفسك

.ويف هذا املعنى روايات أخر عنهم أقول

إذا قال عن الصادق اآلية ال جناح عليكم إن طلقتم النساءقولهيف ويف تفسري العياشيطلق الرجل امرأته قبل أن يدخل هبا فلها نصف مهرها وإن مل يكن مسى هلا مهرا فمتاع باملعروف على املوسع قدره

.وعلى املقرت قدره وليس هلا عدة وتزوج من شاءت من ساعتها

عليه نصف املهر إن كان فرض هلا يف رجل طلق امرأته قبل أن يدخل هبا قال عن الصادق ويف الكايف .شيئا وإن مل يكن فرض هلا فليمتعها على حنو ما ميتع مثلها من النساء

Page 436: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٣٦

.وفيه تفسري املتاع باملعروف أقول

الذي بيده عقدة يف قوله وغريها عن الباقر والصادق وتفسري العياشي والتهذيب ويف الكايف

.هو الويل قاال النكاح

وعلي وقد ورد يف بعض الروايات من طرق أهل السنة واجلماعة عن النيب والروايات فيه كثرية أقول .أن الذي بيده عقدة النكاح الزوج

والصلوة الوسطى اآلية حافظوا على الصلواتقولهيف والقمي وتفسري العياشي والفقيه يف الكايف

.أن الصالة الوسطى هي الظهر بطرق كثرية عن الباقر والصادق

.هذا هو املأثور عن أئمة أهل البيت يف الروايات املروية عنهم لسانا واحدا أقول

Page 437: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٣٧

اثنني كما رواه يف نعم يف بعضها أهنا اجلمعة إال أن املستفاد منها أهنم أخذوا الظهر واجلمعة نوعا واحدا ال نوعني حافظوا على قال واللفظ ملا يف الكايف عن زرارة عن أبي جعفر وتفسري العياشي الكايف

ووسط وهي وسط النهار وهي صالة الظهر أول صالة صالها رسول الصلوات والصلوة الوسطى يف سفره فقنت فيها رسول ونزلت هذه اآلية ورسول قال صالتني بالنهار صالة الغداة وصالة العصر

يوم وإمنا وضعت الركعتان اللتان أضافهما النيب وتركها على حاهلا يف السفر واحلضر وأضاف للمقيم ركعتني اجلمعة للمقيم ملكان اخلطبتني مع اإلمام فمن صلى يوم اجلمعة يف غري مجاعة فليصلها أربع ركعات كصالة الظهر يف

والرواية كما ترى تعد الظهر واجلمعة صالة واحدة وحتكم بأهنا هي الصالة الوسطى ولكن احلديث سائر األياموهي مع ذلك غري وما كان منها مسندا فمتنه ال خيلو عن تشويش كرواية الكايف معظم الروايات مقطوعة

.العامل و واضحة االنطباق على اآلية

أن رهطا من أخرج أمحد وابن املنيع والنسائي وابن جرير والشاشي والضياء من طريق الزبرقان املنثورويف الدر هي الظهر قريش مر هبم زيد بن ثابت وهم جمتمعون فأرسلوا إليه غالمني هلم يسأالنه عن الصالة الوسطى فقال

كان يصلي الظهر باهلجري فال يكون وراءه إال إن رسول هي الظهر ثم انصرفا إىل أسامة بن زيد فسأاله فقال

Page 438: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٣٨

للهحافظوا على الصلوات والصالة الوسطى وقوموا والناس يف قائلتهم وجتارهتم فأنزل الصف والصفان .لينتهني رجال أو ألحرقن بيوهتن فقال رسول قانتني

.وروي هذا السبب عن زيد بن ثابت وغريه بطرق أخرى أقول

فقيل إهنا صالة الصبح أن األقوال يف تفسري الصالة الوسطى خمتلفة معظمها ناش من اختالف روايات القوم واعلم

إهنا وقيل إهنا صالة الظهر ورووه عن النيب وعدة من الصحابة وقيل وبعض الصحابة ورووه عن علي فيه بضعا ومخسني رواية وقد روى السيوطي يف الدر املنثور صالة العصر ورووه عن النيب وعدة من الصحابة

وروي فيهما روايات عن الصحابة وقيل إهنا خمفية بني الصلوات كليلة القدر بني الليايل إهنا صالة املغرب وقيل .إهنا اجلمعة إهنا صالة العشاء وقيل وقيل

وهو املروي عن أبي جعفر هو الدعاء يف الصالة حال القيام قال قانتني للهوقوموا قولهيف ويف امع

. وأبي عبد

Page 439: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٣٩

.وروي ذلك عن بعض الصحابة أقول

إقبال الرجل على صالته وحمافظته على وقتها حتى ال يلهيه يف اآلية عن الصادق ويف تفسري العياشي .عنها وال يشغله شيء

.وال منافاة بني الروايتني وهو ظاهر أقول

إذا خاف من سبع أو لص يكرب اآلية فإن خفتم فرجاال أو ركباناقولهيف عن الصادق يف الكايف

.ويومىء إمياء

.تكبري وهتليل ثم تال اآلية قال يف صالة الزحف عنه ويف الفقيه

.إن كنت يف أرض خموفة فخشيت لصا أو سبعا فصل الفريضة وأنت على دابتك عنه وفيه

Page 440: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٤٠

.الذي خياف اللصوص يصلي إمياء على دابته عن الباقر وفيه

.والروايات يف هذه املعاني كثرية أقول

وصية - والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا سألته عن قول عن أبي بصري قال ويف تفسري العياشيكان الرجل إذا مات قال وكيف كانت قلت هي منسوخة قال ألزواجهم متاعا إىل احلول غري إخراج

فاملرأة ينفق عليها من أنفق على امرأته من صلب املال حوال ثم أخرجت بال مرياث ثم نسختها آية الربع والثمن .نصيبها

منسوخة نسختها آية يرتبصن قال إخل والذين يتوفون سألته عن قول عن معاوية بن عمار قال وفيه

.ونسختها آية املرياث بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا

أ ما حيب أن نعم قال عن الرجل يطلق امرأته ميتعها سئل الصادق وتفسري العياشي ويف الكايف يكون من احملسنني أما حيب أن يكون من املتقني

Page 441: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٤١

حبث علمي

مل ينب شرائعه على أصل التجارب كما بنيت عليه سائر - عز امسه والذي شرعه هو - من املعلوم أن اإلسالم القوانني لكنا يف قضاء العقل يف شرائعه رمبا احتجنا إىل التأمل يف األحكام والقوانني والرسوم الدائرة بني األمم احلاضرة

اهبهم ومسالكهم حتى نزن ثم البحث عن السعادة اإلنسانية وتطبيق النتيجة على احملصل من مذ والقرون اخلاليةوهذا هو املوجب للرجوع إىل تواريخ امللل ومنيز به روحه احلية الشاعرة من أرواحها به مكانته ومكانتها

.واستحضار ما عند املوجودين منهم من اخلصائل واملذاهب يف احلياة وسريها

.ولذلك فإنا حنتاج يف البحث عما يراه اإلسالم ويعتقده يف

.هوية املرأة واملقايسة بينها وبني هوية الرجل ١-

.وزهنا يف االجتماع حتى يعلم مقدار تأثريها يف حياة العامل اإلنساني ٢-

Page 442: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٤٢

.حقوقها واألحكام اليت شرعت ألجلها ٣-

.األساس الذي بنيت عليه األحكام املربوطة هبا ٤-

قبل طلوع اإلسالم وما كانت األمم غري املسلمة يعاملها عليه حتى إىل استحضار ما جرى عليه التاريخ يف حياهتا لكنا نذكر طرفا منه واالستقصاء يف ذلك وإن كان خارجا عن طوق الكتاب اليوم من املتمدنة وغريها

حياة املرأة يف األمم غري املتمدنة

بإفريقيا وأسرتاليا واجلزائر املسكونة باألوقيانوسية كانت حياة النساء يف األمم والقبائل الوحشية كاألمم القاطنني وأمريكا القدمية وغريها بالنسبة إىل حياة الرجال كحياة احليوانات األهلية من األنعام وغريها بالنسبة إىل حياة

.اإلنسان

األهلية ويتصرف فكما أن اإلنسان لوجود قرحية االستخدام فيه يرى لنفسه حقا أن ميتلك األنعام وسائر احليواناتيستفيد من شعرها ووبرها وحلمها وعظمها ودمها وجلدها فيها كيفما شاء ويف أي حاجة من حوائجه شاء

Page 443: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٤٣

إىل غري ذلك ويف الصيد ويف احلرث ويف محل األثقال وحليبها وحفظها وحراستها وسفادها ونتاجها ومنائها .من األغراض اليت ال حتصى كثرة

هلؤالء العجم من احليوانات من مبتغيات احلياة وآمال القلوب يف املأكل واملشرب واملسكن والسفاد والراحة وليس

ورمبا أدى إال ما رضي به اإلنسان الذي امتلكها ولن يرض إال مبا ال ينايف أغراضه يف تسخريها وله فيه نفع يف احلياةفمن مظلوم من حليوان املستخدم لو كان هو الناظر يف أمر نفسهذلك إىل هتكمات عجيبة وجمازفات غريبة يف نظر ا

ومن سعيد من غري ومن ظامل من غري مانع مينعه ومستغيث وليس له أي مغيث يغيثه غري أي جرم كان أجرمهومن شقي من غري استحقاق كحمار احلمل وفرس استحقاق كفحل الضراب يعيش يف أنعم عيش وألذه عنده

.الطاحونة

وليس هلا من حقوق احلياة إال ما رآه اإلنسان املالك هلا حقا لنفسه فمن تعدى إليها ال يؤاخذ إال ألنه تعدى إىل مالكها كل ذلك ألن اإلنسان يرى وجودها تبعا لوجود نفسه وحياهتا فرعا حلياته ال إىل احليوان يف نفسه يف ملكه

.ومكانتها مكانة الطفيلي

Page 444: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٤٤

ألجل وكانت النساء خملوقة عندهم كذلك كانت حياة النساء عند الرجال يف هذه األمم والقبائل حياة تبعيةوال يف حق فكان آباؤهن ما كانت النساء تابعة الوجود واحلياة هلم من غري استقالل يف حياة مطلق الرجال بقول

.وبعولتهن بعد النكاح أولياء هلن على اإلطالق مل ينكحن

أو وكان له أن يقرضها ملن استقرضها للفراش أو االستيالد كان للرجل أن يبيع املرأة ممن شاء وكان له أن يهبها لغريهوكان له أن ماتت أو عاشت وكان له أن خيلي عنها وكان له أن يسوسها حتى بالقتل اخلدمة أو غري ذلك

وكان له ما للمرأة من املال واحلق وخاصة من حيث يقتلها ويرتزق بلحمها كالبهيمة وخاصة يف ااعة ويف املآدب .إيقاع املعامالت من بيع وشرى وأخذ ورد

وكان عليها أن ال تستقل عنه يف يف ما يأمر به طوعا أو كرها أباها أو زوجها وكان على املرأة أن تطيع الرجل

وكان عليها أن وكان عليها أن تلي أمور البيت واألوالد ومجيع ما حيتاج إليه حياة الرجل فيه أمر يرجع إليه أو إليهاألثقال وعمل الطني وما جيري جمرامها ومن احلرف والصناعات أرداها تتحمل من األشغال أشقها كحمل ا

وقد بلغ عجيب األمر إىل حيث إن املرأة احلامل يف بعض القبائل إذا وضعت محلها قامت من فورها وسفسافهاولكل جيل من هذه كليات ما له وعليها ونام الرجل على فراشها أياما يتمرض ويداوي نفسه إىل حوائج البيت

Page 445: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٤٥

هذه األجيال الوحشية خصائل وخصائص من السنن واآلداب القومية باختالف عاداهتا املوروثة مناطق حياهتا .واألجواء احمليطة هبا يطلع عليه من راجع الكتب املؤلفة يف هذه الشئون

حياة املرأة يف األمم املتمدنة قبل اإلسالم

الرسوم امللية احملفوظة بالعادات املوروثة من غري استناد إىل كتاب أو قانون نعين هبم األمم اليت كانت تعيش حتت .كالصني واهلند ومصر القديم وإيران وحنوها

بل ال يف إرادهتا وال يف أعماهلا يف أن املرأة عندهم ما كانت ذات استقالل وحرية تشرتك مجيع هؤالء األمم

تنجز شيئا من قبل نفسها وال كان هلا حق املداخلة يف الشئون االجتماعية من ال كانت حتت الوالية والقيمومة .حكومة أو قضاء أو غريمها

.أن تشارك الرجل يف مجيع أعمال احلياة من كسب وغري ذلك وكان عليها

.وكان عليها أن تطيع الرجل يف مجيع ما يأمرها ويريد منها أن ختتص بأمور البيت واألوالد وكان عليها

Page 446: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٤٦

ومل حترم من فلم تكن تقتل وتؤكل حلمها وكانت املرأة عند هؤالء أرفه حاال بالنسبة إليها يف األمم غري املتمدنة

متلك املال بالكلية بل كانت تتملك يف اجلملة من إرث أو ازدواج أو غري ذلك وإن مل تكن هلا أن تتصرف فيها وكان للزوج أن وكان للرجل أن يتخذ زوجات متعددة من غري حتديد وكان هلا تطليق من شاء منهن باالستقالل

.ممنوعة عن معاشرة خارج البيت غالبا يتزوج بعد موت الزوجة وال عكس غالبا وكانت

كما أن متايز الطبقات يف إيران رمبا أوجب ولكل أمة من هذه األمم خمتصات حبسب اقتضاء املناطق واألوضاعمتيزا لنساء الطبقات العالية من املداخلة يف امللك واحلكومة أو نيل السلطنة وحنو ذلك أو االزدواج باحملارم من أم أو

.بنت أو أخت أو غريها

ممنوعة من اإلرث ومن أن وكانت هي وكما أنه كان بالصني االزدواج باملرأة نوعا من اشرتاء نفسها ومملوكيتهاوكان للرجال أن يتشارك أكثر من واحد منهم يف االزدواج مبرأة واحدة تشارك الرجال حتى أبنائها يف التغذي

.ويلحق األوالد بأقوى األزواج غالبا واالنتفاع من أعماهلا يشرتكون يف التمتع هبا

Page 447: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٤٧

بل إما أن حيرقن ال حيل هلن االزدواج بعد تويف أزواجهن أبداوكما أن النساء كانت باهلند من تبعات أزواجهن وهن يف أيام احليض أجناس خبيثات الزمة االجتناب وكذا ثياهبا وكل بالنار مع جسد أزواجهن أو يعشن مذلالت

.ما المستها بالبشرة

أهنا كالربزخ بني احليوان واإلنسان يستفاد منها استفادة اإلنسان املتوسط وميكن أن يلخص شأهنا يف هذه األممالضعيف الذي ال حيق له إال أن ميد اإلنسان املتوسط يف أمور حياته كالولد الصغري بالنسبة إىل وليه غري أهنا حتت

.الوالية والقيمومة دائما

وهاهنا أمم أخرىي معظم آداهبم ورسومهم اخلاصة على أساس اقتضاء املناطق والعادات املوروثة كانت األمم املذكورة آنفا أمما جتر

وحنوها من غري أن تعتمد على كتاب أو قانون ظاهرا لكن هناك أمم أخرى كانت تعيش حتت سيطرة القانون أو .مثل الكلدة والروم واليونان الكتاب

Page 448: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٤٨

بتبعية املرأة لزوجها وسقوط استقالهلا يف اإلرادة والعملأما الكلدة واآلشور فقد حكم فيهم شرع حامورابي أو حتى أن الزوجة لو مل تطع زوجها يف شيء من أمور املعاشرة أو استقل بشيء فيها كان له أن خيرجها من بيته

بذير كان له ولو أخطأت يف تدبري البيت بإسراف أو ت يتزوج عليها ويعامل معها بعد ذلك معاملة ملك اليمني حمضا .أن يرفع أمرها إىل القاضي ثم يغرقها يف املاء بعد إثبات اجلرم

وضع القانون فيها أول ما وضع يف حدود سنة أربعمائة وأما الروم فهي أيضا من أقدم األمم وضعا للقوانني املدنية

ولرب راء األوامر املختصة بهوهو يعطي للبيت نوع استقالل يف إج قبل امليالد ثم أخذوا يف تكميله تدرجياالبيت وهو زوج املرأة وأبو أوالدها نوع ربوبية كان يعبده لذلك أهل البيت كما كان يعبد هو من تقدمه من آبائه

وكان له االختيار التام واملشية النافذة يف مجيع ما يريده ويأمر به على أهل البيت السابقني عليه يف تأسيس البيتوكانت النساء نساء البيت وال يعارضه يف ذلك معارض والد حتى القتل لو رأى أن الصالح فيهمن زوجة وأ

فإهنن مل يكن أجزاء كالزوجة والبنت واألخت أردأ حاال من الرجال حتى األبناء التابعني حمضا لرب البيتوال تصح منهن يف األمور االجتماعية مداخلة لكن وال ينفذ منهن معاملة لالجتماع املدني فال تسمع هلن شكاية

الرجال أعين اإلخوة والذكور من األوالد حتى األدعياء فإن التبين وإحلاق الولد بغري أبيه كان معموال شائعا عندهم .وكذا يف يونان وإيران والعرب كان من اجلائز أن يأذن هلم رب البيت يف االستقالل بأمور احلياة مطلقا ألنفسهم

Page 449: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٤٩

فكانت القرابة االجتماعية وأما النساء فتبع ومل يكن أجزاء أصيلة يف البيت بل كان أهل البيت هم الرجال

وأما النساء فال قرابة بينهن أنفسهن كاألم مع البنت الرمسية املؤثرة يف التوارث وحنوها خمتصة مبا بني الرجالكالزوجني أو األم مع االبن أو األخت مع األخ أو البنت مع األب وال وال بينهن وبني الرجال واألخت مع األخت

ورمبا نعم القرابة الطبيعية وهي اليت يوجبها االتصال يف الوالدة كانت موجودة بينهم توارث فيما ال قرابة رمسية .ووالية رئيس البيت وربه هلا يظهر أثرها يف حنو االزدواج باحملارم

كانت املرأة عندهم طفيلية الوجود تابعة احلياة يف اتمع اتمع املدني والبييت زمام حياهتا وإرادهتا بيد وباجلملة

يفعل هبا رهبا ما يشاء رب البيت من أبيها إن كانت يف بيت األب أو زوجها إن كانت يف بيت الزوج أو غريمهاورمبا أعطاها يف حق يراد استيفاؤه منه ورمبا أقرضها للتمتع ورمبا وهبها فرمبا باعها وحيكم فيها ما يريد

وبيده تدبري ماهلا إن ملكت شيئا باالزدواج أو ورمبا ساسها بقتل أو ضرب أو غريمها كدين وخراج وحنومهاجيها وبيد زوجها وبيد أبيها أو واحد من سراة قومها تزو الكسب مع إذن وليها ال باإلرث ألهنا كانت حمرومة منه

.تطليقها

Page 450: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٥٠

.وأما اليونان فاألمر عندهم يف تكون البيوت وربوبية أرباهبا فيها كان قريب الوضع من وضع الروم

ولذا مل يكن هلا استقالل والنساء تبع هلم فقد كان االجتماع املدني وكذا االجتماع البييت عندهم متقوما بالرجال .لكنهم يف إرادة وال فعل إال حتت والية الرجال

فإن قوانينهم املوضوعة كانت حتكم عليهن باالستقالل وال حتكم مجيعا ناقضوا أنفسهم حبسب احلقيقة يف ذلك

وال تثاب حلسناهتا ستقاللفكانت املرأة عندهم تعاقب جبميع جرائمها باال هلن إال بالتبع إذا وافق نفع الرجال .وال تراعى جانبها إال بالتبع وحتت والية الرجل

وهذا بعينه من الشواهد الدالة على أن مجيع هذه القوانني ما كانت تراها جزءا ضعيفا من اتمع اإلنساني ذات

بل كانت تقدر أهنا كاجلراثيم املضرة مفسدة ملزاج االجتماع مضرة بصحتها غري أن للمجتمع شخصية تبعية وتذاق وبال أمرها إذا جنت أو أجرمت فيجب أن يعتنى بشأهنا حاجة ضرورية إليها من حيث بقاء النسل

ن شرها كالعدو القوي الذي وال ترتك على حيال إرادهتا صونا م وحيتلب الرجال درها إذا أحسنت أو نفعت

Page 451: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٥١

أن جاء بالسيئة يؤاخذ هبا وإن جاء باحلسنة مل يشكر يغلب فيؤخذ أسريا مسرتقا يعيش طول حياته حتت القهر .هلا

أن االجتماع كان متقوما عندهم بالرجال هو الذي ألزمهم أن يعتقدوا أن األوالد باحلقيقة هم وهذا الذي مسعته

فإن البيت الذي ليس لربه ولد وهذا هو منشأ ظهور عمل التبين واإلحلاق بينهم وأن بقاء النسل ببقائهم الذكورفاضطر هؤالء إىل اختاذ أبناء صونا عن والنسل مكتوبا عليه الفناء واالنقراض ذكر كان حمكوما باخلراب

اء ألنفسهم فكانوا أبناء رمسا يرثون ويورثون ويرتب عليهم فدعوا غري أبنائهم ألصالهبم أبن االنقراض وموت الذكروكان الرجل منهم إذا زعم أنه عاقر ال يولد منه ولد عمد إىل بعض أقاربه كأخيه وابن أخيه آثار األبناء الصلبيني

.ويقوم بقاء بيته فأورده فراش أهله لتعلق منه فتلد ولدا يدعوه لنفسه

وكان من اجلائز عندهم تعدد الزوجات غري أن والتطليق يف اليونان قريبا منهما يف الروم وكان األمر يف التزويج .الزوجة إذا زادت على الواحدة كانت واحدة منهن زوجة رمسية والباقية غري رمسية

حال املرأة عند العرب وحميط حياهتم حميط نزول القرآن

Page 452: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٥٢

واملعظم من أمتهم قبائل بدوية بعيدة عن منطقة حارة جدبة األرض وقد كانت العرب قاطنني يف شبه اجلزيرة وهيوهم متصلون بإيران من جانب وبالروم من جانب وببالد احلبشة يعيشون بشن الغارات احلضارة واملدنية

.والسودان من آخر

ومن عادات ورمبا وجد خالهلا شيء من عادات الروم وإيران ولذلك كانت العمدة من رسومهم رسوم التوحش .اهلند ومصر القديم أحيانا

وكانت ال تورث كانت العرب ال ترى للمرأة استقالال يف احلياة وال حرمة وال شرافة إال حرمة البيت وشرافته

وكانت تئد البنات وكذا يف الطالق وكانت جتوز تعدد الزوجات من غري حتديد بعدد معني كاليهود النساءوالقصة معروفة فأغضبهم أسرت فيه عدة من بناهتم ابتدأ بذلك بنو متيم لوقعة كانت هلم مع النعمان بن املنذر

وكانت العرب تتشأم إذا ولدت للرجل منهم بنت يعدها عارا ثم سرت السجية يف غريهم ذلك فابتدروا بهلكن يسره االبن مهما كثر ولو بالدعاء واإلحلاق حتى أهنم كانوا يتبنون يتوارى من القوم من سوء ما بشر به لنفسه

.ورمبا نازع رجال من صناديدهم وأويل الطول منهم يف ولد ادعاه كل لنفسه الولد لزنا حمصنة ارتكبوه

Page 453: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٥٣

أمر االزدواج فكان يراعي فيه رضى املرأة وانتخاهباورمبا الح يف بعض البيوت استقالل لنسائهم وخاصة للبنات يف فيشبه ذلك منهم دأب األشراف بإيران اجلاري على متايز الطبقات.

وكيف كان فمعاملتهم مع النساء كانت معاملة مركبة من معاملة أهل املدنية من الروم وإيران كتحريم االستقالل يف ومن معاملة أهل والشركة يف األمور العامة االجتماعية كاحلكم واحلرب وأمر االزدواج إال استثناء احلقوق

بل من باب غلبة القوي فلم يكن حرماهنن مستندا إىل تقديس رؤساء البيوت وعبادهتم التوحش والرببرية .واستخدامه للضعيف

اء أصناما يشبه أمرها أمر األصنام عند الصابئني أصحاب الكواكب وأما العبادة فكانوا يعبدون مجيعا رجاال ونس

فيعبدون الكواكب واملالئكة وهم بنات وتتميز أصنامهم حبسب متيز القبائل وأهوائها املختلفة وأرباب األنواع بزعمهم ويتخذوهنا على صور صورهتا هلم أوهامهم ومن أشياء خمتلفة كاحلجارة واخلشب وقد بلغ

هواهم يف ذلك إىل مثل ما نقل عن بين حنيفة أهنم اختذوا هلم صنما من احليس فعبدوه دهرا طويال ثم أصابتهم .أكلت حنيفة رهبا جماعة فأكلوه فقيل فيهم

Page 454: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٥٤

.زمن التقحم وااعة

.مل حيذروا من رهبم

.سوء العواقب والتباعة

وإذا مل جيدوا شيئا مجعوا أحسن منه طرحوا األول وأخذوا بالثاني ورمبا عبدوا حجرا حتى إذا وجدوا حجرا .حفنة من تراب ثم جاءوا بغنم فحلبوه عليها ثم طافوا هبا يعبدوهنا

وقد أودعت هذا احلرمان والشقاء يف نفوس النساء ضعفا يف الفكرة يصور هلا أوهاما وخرافات عجيبة يف

.كتب السري والتاريخاحلوادث والوقائع املختلفة ضبطتها

آثرنا فيها االختصار فهذه مجل من أحوال املرأة يف اتمع اإلنساني من أدواره املختلفة قبل اإلسالم وزمن ظهورهأو إنسانا ضعيف اإلنسانية أهنم كانوا يروهنا إنسانا يف أفق احليوان العجم أوال ويستنتج من مجيع ذلك التام

Page 455: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٥٥

والنظر األول أنسب لسرية األمم واكتسب احلرية يف حياته منحطا ال يؤمن شره وفساده لو أطلق من قيد التبعيةأهنم كانوا يرون يف وزهنا االجتماعي أهنا خارجة من هيكل اتمع املركب غري وثانيا الوحشية والثاني لغريهم

أو أهنا كاألسري املسرتق وإمنا هي من شرائطه اليت ال غناء عنها كاملسكن ال غناء عن االلتجاء إليه داخلة فيهأهنم كانوا يرون وثالثا ينتفع من عمله وال يؤمن كيده على اختالف املسلكني الذي هي من توابع اتمع الغالب

ورابعا إال مبقدار يرجع انتفاعها إىل انتفاع الرجال القيمني بأمرها حرماهنا يف عامة احلقوق اليت أمكن انتفاعها منها أن أساس معاملتهم معها فيما عاملوا هو غلبة القوي على الضعيف وبعبارة أخرى قرحية االستخدام هذا يف

أهنا إنسان ضعيف وأما األمم املتمدنة فيضاف عندهم إىل ذلك ما كانوا يعتقدونه يف أمرها األمم غري املتمدنة .ورمبا اختلط األمر اختالطا باختالف األمم واألجيال وال يؤمن شرها اخللقة ال تقدر على االستقالل بأمرها

ماذا أبدعه اإلسالم يف أمرها

وحتبسها يف سجن الذلة واهلوان حتى صار الضعف املرأة ما قصصناه عليكال زالت بأمجعها ترى يف أمر وعادت ألفاظ املرأة والضعف عليها نبتت حلمها وعظمها وعليها كانت حتيا ومتوت والصغار طبيعة ثانية هلا

وال - من العجب ذلك و - ال عند الرجال فقط بل وعند النساء واهلوان كاللغات املرتادفة بعد ما وضعت متباينةويف لغاهتم على اختالف ترى أمة من األمم وحشيها ومدنيها إال وعندهم أمثال سائرة يف ضعفها وهوان أمرها

Page 456: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٥٦

ويؤنب أصوهلا وسياقاهتا وأحلاهنا أنواع من االستعارة والكناية والتشبيه مربوطة هبذه اللفظة املرأة يقرع هبا اجلبانوما أدري وليت أخال ويوجد من حنو قول القائل ويالم هبا املخذول املستهان واملستذل املنظلم هبا الضعيف

.أدري

.أقوم آل حصن أم نساء

.مئات وألوف من النظم والنثر يف كل لغة

هناك ما مجعته وهذا يف نفسه كاف يف أن حيصل للباحث ما كانت تعتقده اجلامعة اإلنسانية يف أمر املرأة وإن مل يكنفإن اخلصائل الروحية واجلهات الوجودية يف كل أمة تتجلى كتب السري والتواريخ من مذاهب األمم وامللل يف أمرها

.يف لغتها وآداهبا

من لزوم ومل يورث من السابقني ما يعتين بشأهنا ويهم بأمرها إال بعض ما يف التوراة وما وصى به عيسى بن مريم .ليها واإلرفاق هباالتسهيل ع

Page 457: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٥٧

وأما اإلسالم أعين الدين احلنيف النازل به القرآن فإنه أبدع يف حقها أمرا ما كانت تعرفه الدنيا منذ قطن هبا قاطنوها

وخالفهم مجيعا يف بناء بنية فطرية عليها كانت الدنيا هدمتها من أول يوم وأعفت آثارها وألغى ما كانت تعتقده .ها اعتقادا وما كانت تسري فيها سريهتا عمالالدنيا يف هويت

فإنه بني أن املرأة كالرجل إنسان وأن كل إنسان ذكرا أو أنثى فإنه إنسان يشرتك يف مادته وعنصره إنسانان أما هويتها

يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم قال ذكر وأنثى وال فضل ألحد على أحد إال بالتقوىكل إنسان مأخوذا مؤلفا من فجعل ١٣ احلجرات أتقاكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند

وهو سواء كان ذكرا أو أنثى جمموع املادة املأخوذة إنسانني ذكر وأنثى مها معا وبنسبة واحدة مادة كونه ووجوده .مثل ما قاله القائل ومل يقل منهما

.وإمنا أمهات الناس أوعية

.بنونا بنو أبنائنا وبناتنا وال قال مثل ما قاله اآلخر

Page 458: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٥٨

.بنوهن أبناء الرجال األباعد

.كال خملوقا مؤلفا من كل بل جعل

.ثم جعل الفضل يف التقوى وال بيان أمت وال أبلغ من هذا البيان فعاد الكل أمثاال

فصرح أن ١٩٥ آل عمران أني ال أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض وقال

بعضكم من بعض فعرب صرحيا مبا هو نتيجة قوله يف بقولهوعلل ذلك السعي غري خائب والعمل غري مضيع عند وهو أن الرجل واملرأة مجيعا من نوع واحد من غري فرق يف األصل إنا خلقناكم من ذكر وأنثى اآلية السابقة

.والسنخ

Page 459: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٥٩

كل وال يعدوه إىل غريه ال يبطل يف نفسه ثم بني بذلك أن عمل كل واحد من هذين الصنفني غري مضيع عند وللرجال حسناهتن من منافع وجودهن إن عليهن سيئاهتن ال كما كان يقوله الناس نفس مبا كسبت رهينة

.وسيجيء هلذا الكالم مزيد توضيح

والعلم النافع ومن التقوى األخالق الفاضلة كاإلميان بدرجاته وإذا كان لكل منهما ما عمل وال كرامة إال بالتقوى أو الرزينة عقال أو املليئة علما واحللم فاملرأة املؤمنة بدرجات اإلميان والصرب واخللق احلسن والعقل الرزين

فال كرامة إال كان من كان أو احلسنة خلقا أكرم ذاتا وأمسى درجة ممن ال يعادهلا يف ذلك من الرجال يف اإلسالم .للتقوى والفضيلة

صاحلا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة من عمل قولهويف معنى اآلية السابقة وأوضح منها

ومن عمل صاحلا من ذكر أو أنثى وهو قولهو ٩٧ النحل ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملونومن يعمل من الصاحلات من قولهو ٤٠ املؤمنون مؤمن فأولئك يدخلون اجلنة يرزقون فيها بغري حساب

.١٢٤ النساء مؤمن فأولئك يدخلون اجلنة وال يظلمون نقرياذكر أو أنثى وهو

Page 460: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٦٠

وإذا بشر أحدهم باألنثى ظل وجهه مسودا االستهانة بأمر البنات مبثل قوله وهو من أبلغ الذم وقد ذم النحل وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أميسكه على هون أم يدسه يف الرتاب أال ساء ما حيكمون

٥٩ ومل يكن تواريهم إال لعدهم والدهتا عارا على املولود له وعمدة ذلك أهنم كانوا يتصورون أهنا ستكرب فتصريولذلك كانوا فيعود عاره إىل بيتها وأبيها وذلك نوع غلبة من الزوج عليها يف أمر مستهجن لعبة لغريها يتمتع هبا

وإذا يف التشديد عليه حيث قال يئدون البنات وقد مسعت السبب األول فيه فيما مر وقد بالغ .٩ التكوير املوءودة سئلت بأي ذنب قتلت

فرتاهم ومل يغسل رينها من قلوهبم املربون وقد بقي من هذه اخلرافات بقايا عند املسلمني ورثوها من أسالفهم

مع أن اإلسالم قد مجع العار والقبح كله يف يعدون الزنا عارا الزما على املرأة وبيتها وإن تابت دون الزاني وإن أصر .والزاني والزانية سواء فيها املعصية

فإن اإلسالم ساوى بينها وبني الرجل من حيث تدبري شئون احلياة باإلرادة والعمل فإهنما وأما وزهنا االجتماعي

وقد قال متساويان من حيث تعلق اإلرادة مبا حتتاج إليه البنية اإلنسانية يف األكل والشرب وغريمها من لوازم البقاء

Page 461: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٦١

بعضكم من بعض آل عمران ١٩٥ فلها أن تستقل باإلرادة وهلا أن تستقل بالعمل ومتتلك نتاجهما كما .هلا ما كسبت وعليها ما اكتسبت للرجل ذلك من غري فرق

حيق احلق بكلماته غري أنه قرر فيها خصلتني ميزها هبما الصنع فهما سواء فيما يراه اإلسالم وحيقه القرآن و

أهنا مبنزلة احلرث يف تكون النوع ومنائه فعليها يعتمد النوع يف بقائه فتختص من األحكام مبثل ما إحدامها اإلهلي .ومتتاز بذلك من الرجل خيتص به احلرث

ولذلك أيضا تأثري يف أحواهلا والوظائف االجتماعية والثانية أن وجودها مبين على لطافة البنية ورقة الشعور

.احملولة إليها

وإليه تنحل مجيع األحكام املشرتكة بينهما وما خيتص وبذلك يظهر وزن الرجل يف اتمع فهذا وزهنا االجتماعيبه بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وال تتمنوا ما فضل قال به أحدمها يف اإلسالم

يريد أن األعمال ٣٢ النساءكان بكل شيء عليما من فضله إن وللنساء نصيب مما اكتسنب واسألوا وأن من هذا الفضل ما تعني حلوقه بالبعض اليت يهديها كل من الفريقني إىل اتمع هي املالك ملا اختص به من الفضل

Page 462: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٦٢

فال ينبغي أن وفضل املرأة على الرجل يف وضع النفقة عنها دون البعض كفضل الرجل على املرأة يف سهم اإلرثومنه ما مل يتعني إال بعمل العامل كائنا من كان كفضل اإلميان والعلم والعقل والتقوى وسائر الفضائل اليت يتمناه متمن

والدليل على هذا الذي ذكرنا قوله من فضله واسألوا يؤتيه من يشاء وذلك فضل يستحسنها الدين بعده الرجال قوامون ما سيجيء بيانه على.

فهي تشارك الرجل يف مجيع األحكام العبادية واحلقوق االجتماعية فلها أن وأما األحكام املشرتكة واملختصة

تستقل فيما يستقل به الرجل من غري فرق يف إرث وال كسب وال معاملة وال تعليم وتعلم وال اقتناء حق وال دفاع عن .حق وغري ذلك إال يف موارد يقتضي طباعها ذلك

وال تتوىل القتال مبعنى املقارعة ال مطلق احلضور واإلعانة على ومة والقضاءأهنا ال تتوىل احلك وعمدة هذه املورد

وعليها احلجاب وسرت مواضع الزينة وعليها وهلا نصف سهم الرجل يف اإلرث األمر كمداواة اجلرحى مثالوأن األب أو الزوج وتدورك ما فاهتا بأن نفقتها يف احلياة على الرجل أن تطيع زوجها فيما يرجع إىل التمتع منها

.وأن هلا حق تربية الولد وحضانته عليه أن حيمي عنها منتهى ما يستطيعه

Page 463: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٦٣

وأن العبادة موضوعة عنها أيام عادهتا هلا أهنا حممية النفس والعرض حتى عن سوء الذكر وقد سهل .وأهنا الزمة اإلرفاق يف مجيع األحوال ونفاسها

أهنا ال جيب عليها يف جانب العلم إال العلم بأصول املعارف والعلم بالفروع الدينية أحكام واملتحصل من مجيع ذلك

وأما وأما يف جانب العمل فأحكام الدين وطاعة الزوج فيما يتمتع به منها العبادات والقوانني اجلارية يف االجتماعاملداخلة يف ما - الفردية بعمل أو كسب حبرفة أو صناعة وكذا الورود فيما يقوم به نظام البيت وكذا - تنظيم احلياة

للعامة والنافعة يف االجتماعات مع حفظ - يصلح اتمع العام كتعلم العلوم واختاذ الصناعات واحلرف املفيدة والزمه أن يكون الورود يف مجيع هذه املوارد من علم أو ن ذلكاحلدود املوضوعة فيها فال جيب عليها شيء م

وقد جوز اإلسالم بل ندب إىل وفخرا هلا تتفاخر به كسب أو شغل أو تربية وحنو ذلك كلها فضال هلا تتفاضل به .مع أن الرجال هنوا عن التفاخر يف غري حال احلرب التفاخر بينهن

ولو ال بلوغ الكالم يف طوله إىل ما ال يسعه هذا املقام لذكرنا طرفا من سرية رسول ذكرناهوالسنة النبوية تؤيد ما

مع زوجته خدجية ومع بنته سيدة النساء فاطمة ومع نسائه ومع نساء قومه وما وصى به يف أمر النساء

Page 464: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٦٤

واملأثور من طريقة أئمة أهل البيت ونسائهم كزينب بنت علي وفاطمة وسكينة بنيت احلسني وغريهن على مجاعتهم .ووصاياهم يف أمر النساء السالم

.ريجع املراجع إليهاولعلنا نوفق لنقل شطر منها يف األحباث الروائية املتعلقة بآيات النساء فل

وقد علم من الكالم يف وزهنا االجتماعي كيفية وأما األساس الذي بنيت عليه هذه األحكام واحلقوق فهو الفطرة

ال ينبغي أن يرتاب الباحث عن أحكام االجتماع وما يتصل هبا من هذا البناء ونزيده هاهنا إيضاحا فنقول املباحث العلمية أن الوظائف االجتماعية والتكاليف االعتبارية املتفرعة عليها جيب انتهاؤها باألخرة إىل الطبيعة

يكاد يوجد النوع فخصوصية البنية الطبيعية اإلنسانية هي اليت هدت اإلنسان إىل هذا االجتماع النوعي الذي ال وإن أمكن أن يعرض هلذا االجتماع املستند إىل اقتضاء الطبيعة ما خيرجه عن جمرى الصحة خاليا عنه يف زمان

أو عن صحته إىل جمرى الفساد كما ميكن أن يعرض للبدن الطبيعي ما خيرجه عن متامه الطبيعي إىل نقص اخللقة .الطبيعية إىل السقم والعاهة

Page 465: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٦٥

فاالجتماع جبميع شئونه وجهاته سواء كان اجتماعا فاضال أو اجتماعا فاسدا ينتهي باألخرة إىل الطبيعة وإن اختلف القسمان من حيث إن االجتماع الفاسد يصادف يف طريق االنتهاء ما يفسده يف آثاره خبالف االجتماع

.الفاضل

ثون عن هذه املباحث وقد سبقهم إىل بيانه الكتاب اإلهلي وقد أشار إليها تصرحيا أو تلوحيا الباح فهذه حقيقةالذي خلق فسوى وقال ٥٠ طه الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى فبينه بأبدع البيان قال

إىل ٨ الشمسونفس وما سواها فأهلمها فجورها وتقويها وقال ٣ األعلى والذي قدر فهدى .غري ذلك من آيات القدر

فاألشياء ومن مجلتها اإلنسان إمنا هتتدي يف وجودها وحياهتا إىل ما خلقت له وجهزت مبا يكفيه ويصلح له من

وتنتهي وظائفها واحلياة القيمة بسعادة اإلنسان هي اليت تنطبق أعماهلا على اخللقة والفطرة انطباقا تاما اخللقة فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة قولهذا هو الذي يشري إليه وه وتكاليفها إىل الطبيعة انتهاء صحيحا

.٣٠ الروم ذلك الدين القيم اليت فطر الناس عليها ال تبديل خللق

Page 466: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٦٦

- على أن اجلميع إنسان ذو فطرة بشرية - والذي تقتضيه الفطرة يف أمر الوظائف واحلقوق االجتماعية بني األفراد لكن ليس مقتضى والوظائف من غري أن حيبا بعض ويضطهد آخرون بإبطال حقوقهمأن يساوي بينهم يف احلقوق

فيتقلد الصيب هذه التسوية اليت حيكم هبا العدل االجتماعي أن يبذل كل مقام اجتماعي لكل فرد من أفراد اتمعول الضعيف العاجز ما يتناوله أو يتنا مثال على صباوته والسفيه على سفاهته ما يتقلده اإلنسان العاقل ارب

.فإن يف تسوية حال الصاحل وغري الصاحل إفسادا حلاهلما معا القوي املتقدر من الشئون والدرجات

فالتساوي بني بل الذي يقتضيه العدل االجتماعي ويفسر به معنى التسوية أن يعطى كل ذي حق حقه وينزل منزلتهأو يهمل أو يبطل حق بغيا كل ذي حق خصوص حقه من غري أن يزاحم حق حقا األفراد والطبقات إمنا هو يف نيل

وهلن مثل الذي عليهن باملعروف وللرجال عليهن درجة وهذا هو الذي يشري إليه قوله أو حتكما وحنو ذلك .فإن اآلية تصرح بالتساوي يف عني تقرير االختالف بينهن وبني الرجال كما مر بيانه اآلية

الفكر واإلرادة املولدتني لالختيار ثم إن اشرتاك القبيلني أعين الرجال والنساء يف أصول املواهب الوجودية أعين

فلها االستقالل بالتصرف يف مجيع شئون يستدعي اشرتاكها مع الرجل يف حرية الفكر واإلرادة أعين االختيارأمت الوجوه كما مانع وقد أعطاها اإلسالم هذا االستقالل واحلرية علىحياهتا الفردية واالجتماعية عدا ما منع عنه

Page 467: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٦٧

مستقلة بنفسها منفكة اإلرادة والعمل عن الرجال وواليتهم فصارت بنعمة مسعت فيما تقدمقال واجدة ملا مل يسمح هلا به الدنيا يف مجيع أدوارها وخلت عنه صحائف تاريخ وجودها وقيمومتهم جناح عليكم فيما فعلن يف أنفسهن باملعروففال البقرة ٢٣٤.

فإن املتوسطة من النساء لكنها مع وجود العوامل املشرتكة املذكورة يف وجودها ختتلف مع الرجال من جهة أخرى

تتأخر عن املتوسط من الرجال يف اخلصوصيات الكمالية من بنيتها كالدماغ والقلب والشرائني واألعصاب والقامة واستوجب ذلك أن جسمها ألطف وأنعم كما أن جسم الرجل والوزن على ما شرحه فن وظائف األعضاء

رقة القلب وامليل إىل اجلمال والزينة أغلب عليها من الرجل وأن اإلحساسات اللطيفة كاحلب و أخشن وأصلب .فحياهتا حياة إحساسية كما أن حياة الرجل حياة تعقلية كما أن التعقل أغلب عليه من املرأة

ولذلك فرق اإلسالم بينهما يف الوظائف والتكاليف العامة االجتماعية اليت يرتبط قوامها بأحد األمرين أعين التعقل

فخص مثل الوالية والقضاء والقتال بالرجال الحتياجها املربم إىل التعقل واحلياة التعقلية إمنا هي واإلحساسوجرب ذلك وجعل نفقتها على الرجل وخص مثل حضانة األوالد وتربيتها وتدبري املنزل باملرأة للرجل دون املرأة

لة أن يقتسما املرياث نصفني ثم تعطى املرأة ثلث سهمها للرجل يف مقابل له بالسهمني يف اإلرث وهو يف احلقيقة مبنز

Page 468: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٦٨

نفقتها أي لالنتفاع بنصف ما يف يده فريجع باحلقيقة إىل أن ثلثي املال يف الدنيا للرجال ملكا وعينا وثلثيها للنساء .للنساء لغلبة إحساسهن واالنتفاع والتمتع الغالب انتفاعا فالتدبري الغالب إمنا هو للرجال لغلبة تعقلهم

ثم متم ذلك بتسهيالت وختفيفات يف حق املرأة وسنزيده إيضاحا يف الكالم على آيات اإلرث إن شاء

.مرت اإلشارة إليها

ما ذكر من اإلرفاق البالغ للمرأة يف اإلسالم يوجب انعطاهلا يف العمل فإن ارتفاع احلاجة الضرورية إىل لوازم فإن قلتوكفاية مئونتها بإجياب اإلنفاق على الرجل يوجب إمهاهلا وكسلها وتثاقلها عن حتمل مشاق احلياة بتخديرها

وقد أيدت التجربة األعمال واألشغال فتنمو على ذلك مناء رديا وتنبت نباتا سيئا غري صاحل لتكامل االجتماع .ذلك

الصاحلة والرتبية احلسنة اليت تنبت اإلنسان وإجراء ذلك بالسرية وضع القوانني املصلحة حلال البشر أمر قلت

والذي أصيب به اإلسالم يف مدة سريها املاضي هو فقد األولياء الصاحلني والقوام ااهدين نباتا حسنا أمر آخر .وتوقفت الرتبية ثم رجعت القهقرى فارتدت بذلك أنفاس األحكام

Page 469: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٦٩

أن جمرد النظر واالعتقاد ال يثمر أثره ما مل يثبت يف النفس بالتبليغ والرتبية ومن أوضح ما أفاده التجارب القطعي

واملسلمون يف غري برهة يسرية مل يستفيدوا من األولياء املتظاهرين بواليتهم القيمني بأمورهم تربية صاحلة الصاحلنيإني ما كنت يقول على منرب العراق حني غلب على أمر اخلالفة ما حاصله فهذا معاوية جيتمع فيها العلم والعمل

وهذا غريه من األمويني أقاتلكم لتصلوا أو تصوموا فذلك إليكم وإمنا كنت أقاتلكم ألتأمر عليكم وقد فعلت .والعباسيني فمن دوهنم

.متم نوره ولو كره الكافرون لقضي عليه منذ عهد قديم الذي ال يطفأ و ولو ال استضاءة هذا الدين بنور

حرية املرأة يف املدنية الغربية

وأن أمم وإعطائها االستقالل يف اإلرادة والعمل ال شك أن اإلسالم له التقدم الباهر يف إطالقها عن قيد اإلسارةفإن سرية اإلسالم حلقة بارزة - وإن أساءوا التقليد واحملاذاة - الغرب فيما صنعوا من أمرها إمنا قلدوا اإلسالم

ومن احملال أن يتصل ذيل السلسلة بصدرها مؤثرة أمت التأثري يف سلسلة السري االجتماعية وهي متوسطة متخللة .دوهنا

Page 470: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٧٠

اواة التامة بني الرجل واملرأة يف احلقوق يف هذه األزمنة بعد أن اجتهدوا يف ذلك سنني وباجلملة فهؤالء بنوا على املس

.مع ما يف املرأة من التأخر الكمايل بالنسبة إىل الرجل كما مسعت إمجاله

ثت أن تأخر املرأة يف الكمال والفضيلة مستند إىل سوء الرتبية اليت دامت عليها ومك والرأي العام عندهم تقريبا .قرونا لعلها تعادل عمر الدنيا مع تساوي طباعها طباع الرجل

ولو كان الطباعان أن االجتماع منذ أقدم عهود تكونه قضى على تأخرها عن الرجل يف اجلملة ويتوجه عليه

.متساويني لظهر خالفه ولو يف بعض األحيان ولتغريت خلقة أعضائها الرئيسة وغريها إىل مثل ما يف الرجل

ومل يزل ويؤيد ذلك أن املدنية الغربية مع غاية عنايتها يف تقديم املرأة ما قدرت بعد على إجياد التساوي بينهما اإلحصاءات يف مجيع ما قدم اإلسالم فيه الرجل على املرأة كالوالية والقضاء والقتال تقدم الرجال وتؤخر النساء

. وأما ما الذي أورثته هذه التسوية يف هيكل االجتماع احلاضر فسنشرح ما تيسر لنا منه يف حمله إن شاء

Page 471: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٧١

حبث علمي آخروالبشر منذ أول تكونه وتكثره حتى اليوم مل خيل عن هذا العمل عمل النكاح من أصول األعمال االجتماعية

.وقد عرفت أن هذه األعمال ال بد هلا من أصل طبيعي ترجع إليه ابتداء أو باألخرة االجتماعي

وقد وضع اإلسالم هذا العمل عند تقنينه على أساس خلقه الفحولة واألناس إذ من البني أن هذا التجهيز املتقابل ومن البني مل يوضع هباء باطال - وهو جتهيز دقيق يستوعب مجيع بدن الذكور واإلناث - املوجود يف الرجل واملرأة

وأن هذا التجهيز ال عند كل من أجاد التأمل أن طبيعة اإلنسان الذكور يف جتهيزها ال تريد إال اإلناث وكذا العكسفعمل النكاح يبتين على هذه احلقيقة ومجيع األحكام املتعلقة به تدور غاية له إال توليد املثل وإبقاء النوع بذلك

ووضع عليه أحكام العفة واملواقعة واختصاص الزوجة ولذلك وضع التشريع على ذلك أي على البضع هامدار .بالزوج وأحكام الطالق والعدة واألوالد واإلرث وحنو ذلك

فالنكاح نوع وأما القوانني اآلخر احلاضرة فقد وضعت أساس النكاح على تشريك الزوجني مساعيهما يف احلياة

ولذلك ال ترى القوانني احلاضرة متعرضة لشيء اشرتاك يف العيش هو أضيق دائرة من االجتماع البلدي وحنو ذلك .مما تعرض له اإلسالم من أحكام العفة وحنو ذلك

Page 472: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٧٢

عزيز ال ال وهذا البناء على ما يتفرع عليه من أنواع املشكالت واحملاذير االجتماعية على ما سنبني إن شاء

فإن غاية ما جنده يف اإلنسان من الداعي الطبيعي إىل االجتماع وتشريك ينطبق على أساس اخللقة والفطرة أصالاملساعي هو أن بنيته يف سعادة حياته حتتاج إىل أمور كثرية وأعمال شتى ال ميكنه وحده أن يقوم هبا مجيعا إال

واألشواق اخلاصة املتعلق كل واحد منها بشغل من األشغال وحنو من باالجتماع والتعاون فاجلميع يقوم باجلميع .أحناء األعمال متفرقة يف األفراد حيصل من جمموعها جمموع األشغال واألعمال

وأما االجتماع الكائن من رجل وامرأة فال وهذا الداعي إمنا يدعو إىل االجتماع والتعاون بني الفرد والفرد أيا ما كانا

االزدواج على أساس التعاون احليوي احنراف عن صراط االقتضاء - فبناء دعوة من هذا الداعي بالنسبة إليه .الطبيعي للتناسل والتوالد إىل غريه مما ال دعوة من الطبيعة والفطرة بالنسبة إليه

الزدواج على أساس التعاون واالشرتاك يف احلياة كان من الالزم أن ال خيتص أعين وضع ا ولو كان األمر على هذا

ويف أمر االزدواج من األحكام االجتماعية بشيء أصال إال األحكام العامة املوضوعة ملطلق الشركة والتعاون ذلك إبطال مجيع ويف ذلك إبطال فضيلة العفة رأسا وإبطال أحكام األنساب واملواريث كما التزمته الشيوعية

Page 473: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٧٣

هذا وسنزيده إيضاحا يف حمل يناسبه إن شاء الغرائز الفطرية اليت جهز هبا الذكور واإلناث من اإلنسانوقد وضع جوازه على الفطرة إذ ال وأما الطالق فهو من مفاخر هذه الشريعة اإلسالمية إمجال الكالم يف النكاح

وأما خصوصيات القيود املأخوذة يف تشريعه فسيجيء الكالم فيها يف سورة دليل من الفطرة يدل على املنع عنه .العزيز الطالق إن شاء

.وقد اضطرت امللل املعظمة اليوم إىل إدخاله يف قوانينهم املدنية بعد ما مل يكن

مفقال له توالم ذرح ألوف مهو مارهين دوا مجرخ ينإلى الذ تر ألم إن ماهيأح وتوا ثمم لىلذو فضل ع ونكرشاس ال يالن أكثر نلكاس والن٢٤٣

بيان

عرب بذلك الرؤية هاهنا مبعنى العلم ديارهم وهم ألوف حذر املوتأمل تر إىل الذين خرجوا من قوله إبراهيم خلق السموات واألرض باحلق أمل تر أن قولهلدعوى ظهوره حبيث يعد فيه العلم رؤية فهو ك

١٩ قولهو أمل تر كيف خلق سبع مسوات طباقا نوح ١٥.

Page 474: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٧٤

أمل تر كذا وكذا معناه أال يؤتى به يف مقام التعجيب فقولنا جمرى املثلوقد ذكر الزخمشري أن لفظ أمل تر جرى

.وميكن أن يكون مفعوال مطلقا والتقدير حيذرون املوت حذرا وحذر املوت مفعول له تعجب لكذا وكذا

طبيعي كما ورد يف األمر تكويين وال ينايف كون موهتم واقعا عن جمرى موتوا ثم أحياهم فقال هلم قولهثم أحياهم ليكون أدل على نفوذ فأماهتم دون أن يقال وإمنا عرب باألمر أن ذلك كان بالطاعون الروايات

فإن التعبري باإلنشاء يف التكوينيات أقوى وآكد من التعبري باإلخبار كما أن التعبري بصورة القدرة وغلبة األمرثم أحياهم عن الداللة على أن وال خيلو قوله اإلخبار الدال على الوقوع يف التشريعيات أقوى وآكد من اإلنشاء

أحياهم ليعيشوا فعاشوا بعد حياهتم إذ لو كان إحياؤهم لعربة يعترب هبا غريهم أو إلمتام حجة أو لبيان حقيقةلذو إن بعد على أن قوله لذكر ذلك على ما هو دأب القرآن يف بالغته كما يف قصة أصحاب الكهف

.يشعر بذلك أيضا فضل على الناس

أعين تكرار لفظ الناس ثانيا ملا فيه من اإلظهار يف موضع اإلضمار ولكن أكثر الناس ال يشكرونقولهوليس عليهم باإلحياء طائفة خاصة على أن هؤالء الذين تفضل الداللة على اخنفاض سطح أفكارهم

Page 475: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٧٥

وهذه اآلية ال ختلو عن مناسبة ما مع ما بعدها املراد كون األكثر منهم بعينهم غري شاكرين بل األكثر من مجيع الناس .ملا يف اجلهاد من إحياء امللة بعد موهتا من اآليات املتعرضة لفرض القتال

حلال األمة يف تأخرها وموهتا باستخزاء األجانب إياها ببسط وقد ذكر بعض املفسرين أن اآلية مثل ضربه

.ثم حياهتا بنهضتها ودفاعها عن حقوقها احليوية واستقالهلا يف حكومتها على نفسها السلطة والسيطرة عليها

إن اآلية لو كانت مسوقة لبيان قصة من قصص بين إسرائيل كما يدل عليه أكثر الروايات أو غريهم قال ما حاصلهوإىل النيب الذي أحياهم كما هو دأب القرآن يف كما يف بعضها لكان من الواجب اإلشارة إىل كوهنم من بين إسرائيل

سائر قصصه مع أن اآلية خالية عن ذلك على أن التوراة أيضا مل تتعرض لذلك يف قصص حزقيل النيب على نبينا وآله موتا مع أن املوت واحلياة الدنيويتني ليستا إال وعليه السالم فليست الروايات إال من اإلسرائيليات اليت دستها اليهود

٥٦ الدخان ال يذوقون فيها املوت إال املوتة األوىلقولهواحدا أو حياة واحدة كما يدل عليه واملراد فاآلية مسوقة سوق املثل فال معنى حلياتني يف الدنيا هذا ١١ املؤمنون وأحييتنا اثنتنيقولهو

هبا قوم هجم عليهم أولوا القدرة والقوة من أعدائهم باستذالهلم واستخزائهم وبسط السلطة فيهم والتحكم عليهم موتوا فقال هلم وخرجوا من ديارهم وهم ألوف هلم كثرة وعزمية حذر املوت فلم يدافعوا عن استقالهلم

Page 476: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٧٦

يا أيها الذين آمنوا قال أن العلم وإباء الضيم حياة فإن اجلهل واخلمود موت كما موت اخلزي واجلهلأومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا وقال ٢٤ األنفال وللرسول إذا دعاكم ملا حيييكم للهاستجيبوا

.١٢٢ األنعام ميشي به يف الناس كمن مثله يف الظلمات ليس خبارج منها

بإلقاء روح النهضة والدفاع عن ثم أحياهم ميوتون باخلزي ومتكن األعداء منهم ويبقون أمواتاوباجلملة فهؤالء وإن كانوا حبسب األشخاص وهؤالء الذين أحياهم فقاموا حبقوق أنفسهم واستقلوا يف أمرهم احلق فيهم

القوم وقد عد إال أن اجلميع أمة واحدة ماتت يف حني وحييت يف حني بعد حني غري الذين أماهتم ١٤١ األعراف أجنيناكم من آل فرعون يف بين إسرائيل واحدا مع اختالف األشخاص كقوله

ولو ال ما ذكرناه من كون اآلية مسوقا للتمثيل مل يستقم ارتباط ٥٦ البقرة ثم بعثناكم من بعد موتكمقولهو .انتهى ما ذكره ملخصا اآلية مبا يتلوها من آيات القتال وهو ظاهر

على إنكار املعجزات وخوارق العادات أو بعضها كإحياء املوتى وقد مر إثباهتا أوالوهذا الكالم كما ترى مبين

على أن ظهور القرآن يف إثبات خرق العادة بإحياء املوتى وحنو ذلك مما ال ميكن إنكاره ولو مل يسع لنا إثبات صحته من .طريق العقل

Page 477: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٧٧

ال يذوقون قولهعلى دعوى أن القرآن يدل على امتناع أكثر من حياة واحدة يف الدنيا كما استدل مبثل وثانيا

.١١ املؤمنون أحييتنا اثنتنيقولهو ٥٦ الدخان فيها املوت إال املوتة األوىل

حبيث ال تدفع داللتها وفيه أن مجيع اآليات الدالة على إحياء املوتى كما يف قصص إبراهيم وموسى وعيسى وعزير يكفي يف رد ما ذكره على أن احلياة الدنيا ال تصري بتخلل املوت حياتني كما يستفاد أحسن االستفادة من قصة

.واملراد مبا أورده من اآليات الدالة على نوع احلياة حيث مل يتنبه ملوته املمتد عزير

.على أن اآلية لو كانت مسوقة لبيان القصة لتعرضت لتعيني قومهم وتشخيص النيب الذي أحياهم وثالثا

والكالم كما رمبا جيري جمرى اإلطناب كذلك جيري جمرى اإلجياز وأنت تعلم أن مذاهب البالغة خمتلفة متشتتةالوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون قتل أصحاب األخدود النار ذات قولهولآلية نظائر يف القرآن ك

.١٨١ األعراف وممن خلقنا أمة يهدون باحلق وبه يعدلونقولهو ٧ الربوج باملؤمنني شهود

Page 478: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٧٨

وأنت تعلم أن نزول القرآن على أن اآلية لو مل حتمل على التمثيل مل ترتبط مبا بعدها من اآليات حبسب املعنى ورابعابني االتصال على ما هو جنوما يغين عن كل تكلف بارد يف ربط اآليات بعضها ببعض إال ما كان منها ظاهر االرتباط

.شأن الكالم البليغ

للناس كالما ال وليت شعري أي بالغة يف أن يلقي فاحلق أن اآلية كما هو ظاهرها مسوقة لبيان القصة .وهو يف احلقيقة متثيل مبين على التخييل من غري حقيقة يرى أكثر الناظرين فيه إال أنه قصة من قصص املاضني

مثلهم كمثل قولهعلى متييز املثل عن غريه يف مجيع األمثال املوضوعة فيه بنحو مع أن دأب كالمه

إىل غري ٥ اجلمعةمثل الذين محلواقولهو ٢٤ يونس الدنيا إمنا مثل احلياةقولهو ١٧ البقرة الذي .ذلك

قوما خرجوا من أوطاهنم هاربني من الطاعون أحيا يف حديث قال عن الصادق يف اإلحتجاج ال حيصى عددهم فأماهتم دهرا طويال حتى بليت عظامهم وتقطعت أوصاهلم وصاروا ترابا فبعث

Page 479: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٧٩

يف وقت أحب أن يرى خلقه نبيا يقال له حزقيل فدعاهم فاجتمعت أبداهنم ورجعت فيها أرواحهم .ال يفتقدون يف أعدادهم رجال فعاشوا بعد ذلك دهرا طويال وقاموا كهيئة يوم ماتوا

.وفيهم نزلت هذه اآلية ويف آخره وروى هذا املعنى الكليين والعياشي بنحو أبسط أقول

قرضا حسنا فيضاعفه له من ذا الذي يقرض٢٤٤ سميع عليم واعلموا أن وقاتلوا في سبيل و ةريافا كثأضع ونعجتر هإليط وسبيو قبضي٢٤٥ ى إذ قالواوسم دعن بيل مائري إسنن بإل مإلى الم تر ألم

تل قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال أال تقاتلوا قالوا وما لنا أال نقا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل عليم بالظالمني ووقد أخرجنا من ديارنا وأبنآئنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إال قليال منهم في سبيل

٢٤٦ إن مهنبي مقال لهو كا قالولم طالوت لكم ثعب قد هنم لكبالم قأح ننحا ونليع لكالم له كونا أنى ي ال قال إنالم نة معس تؤي لمو م والجسي م وطة فسب هزادو كمليع طفاهاص اء وشن يم لكهي متؤي

يملع عاسو٢٤٧ مة ميقبو كمبن رة مينكس يهف وتالتاب كميأتأن ي هلكة مآي إن مهبين مقال لهى ووسك آل ما تر نينمؤإن كنتم م ة لكمآلي كي ذلف كة إنآلئالم لهمتح ونارآل هو٢٤٨ فلم قال إن ودنبالج ل طالوتا فص

ة بيده فشربوا منه إال قليال منهم مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إال من اغترف غرف

Page 480: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٨٠

كم من فئة قو لذين آمنوا معه قالوا ال طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم مالفلما جاوزه هو واجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا ولما برزوا لجالوت و٢٤٩ مع الصابرين و قليلة غلبت فئة كثرية بإذن

رينم الكافلى القونا عرانصا ونامأقد تثبا وربص٢٥٠ م بإذنوهمزفه آتاهو الوتج داوقتل دو فعال دلواء وشا يمم هلمعة وكمالحو لكالم نلكو ضاألر تدض لفسعبب مضهعب اسالن لىذو فضل ع

نيالمالع٢٥١ اتآي لكت نيلسرالم نلم إنكو قبالح كليا عنتلوه٢٥٢

بيان

واملعنى احملصل من والرتغيب يف القرض احلسن االتصال البني بني اآليات أعين االرتباط الظاهر بني فرض القتال واملراد بيان ما للقتال من شئون احلياة قصة طالوت وداود وجالوت يعطي أن هذه اآليات نزلت دفعة واحدة

فيها فرض اجلهاد يبني وسعادهتم احلقيقية والدنيوية والروح الذي به تقدم األمة يف حياهتم الدينيةمع ما فيه من لكونه يف سبيله للهومساه إقراضا يدعو إىل اإلنفاق والبذل يف جتهيز املؤمنني وهتيئة العدة والقوةو

ثم يقص قصة طالوت وجالوت وداود ليعترب هبا هؤالء املؤمنون املأمورون كمال االسرتسال واإليذان بالقربواخلزي والفناء للنفاق بالقتال مع أعداء الدين ويعلموا أن احلكومة والغلبة لإلميان والتقوى وإن قل حاملومها

ما داموا على اخلمود كانوا أذالء خمزيني وهم أصحاب القصة فإن بين إسرائيل والفسق وإن كثر مجعهما

Page 481: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٨١

واستظهروا بكلمة احلق وإن كان الصادق منهم يف قوله القليل وقاتلوا يف سبيل للهفلما قاموا والكسل والتوانيال وبقوهلم وبالشرب من النهر ثالثا وباالعرتاض على طالوت ثانيا وتوىل أكثرهم عند إجناز القتال أوال منهم

وقتل داود جالوت واستقر على عدوهم فهزموهم بإذن نصرهم طاقة لنا جبالوت وجنوده رابعاومل يكن ذلك كله إال لكلمة أجراها اإلميان ورجع إليهم سؤددهم وقوهتم وعادت احلياة إليهم امللك فيهم

ربنا أفرغ علينا صربا وثبت أقدامنا وانصرنا على وهي قوهلم والتقوى على لساهنم ملا برزوا جلالوت وجنوده .فهم األعلون إن كانوا مؤمنني فكذلك ينبغي للمؤمنني أن يسريوا بسرية الصاحلني من املاضني القوم الكافرين

هاهنا وسائر املواضع من كالمه وقد قيده فرض وإجياب للجهاد اآلية وقاتلوا يف سبيل قوله

لئال يسبق إىل الوهم وال يستقر يف اخليال أن هذه الوظيفة الدينية املهمة إلجياد السلطة الدنيوية بكونه يف سبيل بل هو كما ختيله الباحثون اليوم يف التقدم اإلسالمي من االجتماعيني وغريهم وتوسعة اململكة الصورية اجلافة

.سلطة الدين اليت فيها صالح الناس يف دنياهم وآخرهتم لتوسعة

أن ال خيالفوا بالقول إذا أمر حتذير للمؤمنني يف سريهم هذا السري مسيع عليم واعلموا أن ويف قوله أنى يكون له وال يضمروا نفاقا كما كان ذلك من بين إسرائيل حيث تكلموا يف أمر طالوت فقالوا ورسوله بشيء

Page 482: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٨٢

وحيث فشلوا وتولوا ملا كتب عليهم القتال ال طاقة لنا اليوم جبالوت وجنوده وحيث قالوا امللك علينا إخل .وحيث شربوا من النهر بعد ما هناهم طالوت عن شربه

ما القرض معروف وقد عد قرضا حسنا إىل قوله أضعافا كثرية من ذا الذي يقرض قوله

.وألنه مما سريد إليهم أضعافا مضاعفة وألنه إنفاق يف سبيله ينفقونه يف سبيله قرضا لنفسه ملا مر أنه للرتغيب

من ذا الذي يقرض وقاتلوا يف سبيل قولهوقد غري سياق اخلطاب من األمر إىل االستفهام فقيل بعد لينشط بذلك ذهن املخاطب باخلروج من حيز األمر غري وأقرضوا قاتلوا يف سبيل ومل يقل قرضا حسنا

.اخلايل من كلفة التكليف إىل حيز الدعوة والندب فيسرتيح بذلك ويتهيج

- البصط - و األخذ بالشيء إليك ويقابله البسط - القبض - يقبض ويبسط وإليه ترجعون وقوله .هو البسط قلب سينه صادا اورته حرف اإلطباق والتفخيم وهو الطاء

Page 483: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٨٣

ال يعود كونه قابضا وباسطا ومرجعا يرجعون إليه لإلشعار بأن ما أنفقوه بإقراضه وإيراد صفاته الثالثة أعينوإليه ويزيد ما شاء ينقص ما شاء هو القابض الباسط باطال وال يستبعد تضعيفه أضعافا كثرية فإن

.يرجعون فيوفيهم ما أقرضوه أحسن التوفية

اجلماعة من الناس على كما قيل - املأل - يف سبيل قولهإىل أمل تر إىل املإل من بين إسرائيلقوله .مسيت باملإل لكوهنا متأل العيون عظمة وأهبة رأي واحد

على ما يعطيه السياق يدل على أن امللك املسمى جبالوت كان قد وقوهلم لنبيهم ابعث لنا ملكا نقاتل يف سبيل

أجناهم من آل وسار فيهم مبا افتقدوا به مجيع شئون حياهتم املستقلة من الديار واألوالد بعد ما كان متلكهموبلغ من اشتداد األمر عليهم ما ته ووالية من بعده من أوصيائهيسوموهنم سوء العذاب ببعثة موسى ووالي فرعون

وعاد إىل أنفسهم العصبية الزائلة املضعفة فعند ذلك سأل املأل منهم نبيهم أن انتبه به اخلامد من قواهم الباطنةويقاتلوا حتت أمره يبعث هلم ملكا لريتفع به اختالف الكلمة من بينهم وجتتمع به قواهم املتفرقة الساقطة عن التأثري

.يف سبيل

Page 484: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٨٤

كان بنو إسرائيل سألوا نبيهم أن يبعث هلم ملكا هل عسيتم إن كتب عليكم القتال أال تقاتلوا قال قوله ولذلك أرجع نبيهم األمر يف القتال وبعث وليس ذلك للنيب بل األمر يف ذلك إىل يقاتلون معه يف سبيل

ومل يصرح بامسه تعظيما ألن الذي أجاهبم به هو السؤال عن خمالفتهم وكانت مرجوة منهم امللك إىل إن قوله من التصريح به بل إمنا أشار إىل أن األمر منه وإليه فنزه امسه ظاهرة من حاهلم بوحيه

. وهي الفرض إمنا تكون من - الكتابة - و كتب

القتال مرجوا منهم لكنه أورده بطريق االستفهام ليتم احلجة عليهم بإنكارهم فيما وقد كانت املخالفة والتويل عن .وما لنا أن ال نقاتل يف سبيل سيجيبون به من قوهلم

من البالد ملا كان مالزما للتفرقة - اإلخراج - وقد أخرجنا وما لنا أن ال نقاتل يف سبيل قالوا قوله

ولذلك كين به عن مطلق التصرف والتمتع ومنعهم عن التصرف فيها والتمتع هبا املألوفةبينهم وبني أوطاهنم .نسب اإلخراج إىل األبناء أيضا كما نسب إىل البالد

Page 485: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٨٥

هل عسيتم إخل تفريع على قول نبيهم عليم بالظاملني فلما كتب عليهم القتال تولوا إال قليال منهم وقولههل عسيتم إن داللة على أن قول نبيهم هلم عليم بالظاملني وقولهويف وما لنا أن ال نقاتل وقوهلم

.أهنم سيتولون عن القتال إمنا كان لوحي من كتب عليكم القتال أال تقاتلوا

هذا حيث نسب بعث امللك يف جوابه من املالقولهإىل قد بعث وقال هلم نبيهم إن قولهأن يبعث لنا ملكا ويكتب لنا اسأل تنبيه مبا فات منهم إذ قالوا لنبيهم ابعث لنا ملكا نقاتل ومل يقولوا إىل

.القتال

وباجلملة التصريح باسم طالوت هو الذي أوجب منهم االعرتاض على ملكه وذلك لوجود صفتني فيه كانتا تنافيان ومن املعلوم من قوهلم أنى يكون له امللك علينا وحنن أحق بامللك منه ومها ما حكامها عندهم امللك

ومل يستدلوا على كوهنم أحق بامللك منه بشيء يدل على أن دليله كان أمرا بينا ال حيتاج إىل أن قوهلم هذا لنبيهموليس إال أن بيت النبوة وبيت امللك يف بين إسرائيل ومها بيتان مفتخران مبوهبة النبوة وامللك كانتا غري الذكر

وبعبارة أخرى مل يكن طالوت من بيت امللك وال من بيت النبوة ولذلك اعرتضوا على البيت الذي كان منه طالوتجعل امللك فينا فكيف يقبل أحق بامللك منه ألن وهم أهل بيت امللك أو امللك والنبوة معا ملكه بأنى

Page 486: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٨٦

يد وهذا الكالم منهم من فروع قوهلم بنفي البداء وعدم جواز النسخ والتغيري حيث قالوا االنتقال إىل غرينااصطفاه عليكم فهذه إحدى الصفتني املنافيتني للملك إن بقولهوقد أجاب عنه نبيهم مغلولة غلت أيديهم

وقد أجاب عنه نبيهم ومل يؤت سعة من املال وقد كان طالوت فقريا والصفة الثانية ما يف قوهلم عندهم .إخل وزاده بسطة يف العلم واجلسمقوله

االختيار - االصطفاء واالستصفاء اصطفاه عليكم وزاده بسطة يف العلم واجلسم إن قال قوله

.وهذان جوابان عن اعرتاضهم هي السعة والقدرة - البسطة - و وأصله الصفو

خص بيتهم هبا أن هذه مزية كان فجوابه أما اعرتاضهم بكوهنم أحق بامللك من طالوت لشرف بيتهموكان الشرف والتقدم لبيته على بيوهتم ولشخصه على وإذا اصطفى عليهم غريهم كان أحق بامللك منهم

.فإمنا الفضل يتبع تفضيله أشخاصهم

أن امللك وهو استقرار السلطة على جمتمع من الناس حيث كان فجوابه وأما اعرتاضهم بأنه مل يؤت سعة من املالالغرض الوحيد منه أن يتالءم اإلرادات املتفرقة من الناس وجتتمع حتت إرادة واحدة وتتحد األزمة باتصاهلا بزمام

Page 487: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٨٧

دم فرد من غري وال يتق واحد فيسري بذلك كل فرد من أفراد اتمع طريق كماله الالئق به فال يزاحم بذلك فرد فردا .وال يتأخر فرد من غري حق حق

ويدفع كل ما وباجلملة الغرض من امللك أن يدبر صاحبه اتمع تدبريا يوصل كل فرد من أفراده إىل كماله الالئق به

العلم جبميع مصاحل حياة الناس ومفاسدها أحدمها والذي يلزم وجوده يف نيل هذا املطلوب أمران ميانع ذلكوزاده بسطة قولهومها اللذان يشري إليهما القدرة اجلسمية على إجراء ما يراه من مصاحل اململكة وثانيهما

.وأما سعة املال فعده من مقومات امللك من اجلهل يف العلم واجلسم

وحده ليس للهوهو أن امللك يؤتي ملكه من يشاء وقولهثم مجع اجلميع حتت حجة واحدة ذكرها بوإذا كان يؤتي ملكه كما يفيده اإلضافة يف قوله للهمنه وهو مع ذلك ألحد فيه نصيب إال ما آتاه

ملا ذا أو مبا ذا أي أن يسأل عن علة ليس ألحد أن يقول التصرف يف ملكه كيف شاء وأراد كذلك فله تام ال حيتاج إىل متمم فال وال عن متمم العلية وأداة الفعل ألن هو السبب املطلق التصرف ألن

.أو تقليده أحدا ليس له أسبابه الظاهرة من اجلمع واملال ينبغي السؤال عن نقل امللك من بيت إىل بيت

Page 488: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٨٨

اإلهلية وإن كانت كيف شاء وملن شاء غري أهنا مع ذلك ال تقع جزافا خالية عن احلكم واملصاحلواإليتاء واإلفاضة ال يراعي يف ويؤتي امللك من يشاء ونظائر ذلك ليس أن يفعل ما يشاء إنه فإن املقصود من قولنا

فعله جانب املصلحة أو أنه يفعل فعال فإن اتفق أن صادف املصلحة فقد صادف وإن مل يصادف فقد صار جزافا .فإن هذا مما يبطله الظواهر الدينية والرباهني العقلية وال حمذور ألن امللك له فله أن يفعل ما يشاء هذا

حيث ينتهي إليه كل خلق وأمر فاملصاحل وجهات اخلري مثل سائر األشياء خملوقة أن بل املقصود بذلك

كما أننا يف أفعالنا يف فعله مقهورا ملصلحة من املصاحل حمكوما حبكمها وإذا كان كذلك مل يكن له وال خيلق إال احلسن كان فعله ذا مصلحة مرعيا فيه فعال أو خلق خلقا وال يفعل إال اجلميل فإذا فعل كذلك

.غري حمكوم وال مقهور للمصلحة صالح العباد غري أنه

مع يؤتي ملكه من يشاء و أعين اجتماع قوله ومن هنا صح اجتماع هذا التعليل مع ما تقدمهاألوىل مشتملة على التعليل فإن احلجة اصطفاه عليكم وزاده بسطة يف العلم واجلسم إن قوله

ولو ال أن إطالق امللك وكونه واحلجة الثانية على إطالق امللك الذي يفعل ما يشاء باملصاحل واألسباب

Page 489: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٨٩

يفعل ما يشاء ال ينايف كون أفعاله مقارنة للمصاحل واحلكم مل يصح اجلمع بني الكالمني فضال عن تأييد أحدمها أو .تتميمه باآلخر

فإن الواسع يدل على عدم واسع عليم وقولهوضح هذا املعنى أحسن اإليضاح تذييل اآلية بوقد أ

فعل يقع عن علم ثابت غري خمطىء فهو عن فعل وإيتاء أصال والعليم يدل على أن فعله ممنوعيته .يفعل كل ما يشاء وال يفعل إال فعال ذا مصلحة

اجلسم به يقبل أشياء أخر من حيث التمكن كسعة اإلناء ملا يصب فيه يف األصل حال يف - الوسعة والسعة - و

بل من جهة إمكان والدار ملن حيل فيها ثم استعري للغين ولكن ال كل غين ومن كل جهة والصندوق ملا يوضع فيهين ال يعجزه بذل ما واسع أي غ فهو البذل معه كان املال يسع بذل ما أريد بذله وهبذا املعنى يطلق عليه

.أراد بذله بل يقدر على ذلك

وهو هو الصندوق - التابوت وقال هلم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكمقوله .على ما قيل فعلوت من التوب مبعنى الرجوع ألن اإلنسان يرجع إىل الصندوق رجوعا بعد رجوع

Page 490: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٩٠

كالم يف معنى السكينة

والسكينة من السكون خالف احلركة وتستعمل يف سكون القلب وهو استقرار اإلنسان وعدم اضطراب باطنه يف تصميم إرادته على ما هو حال اإلنسان احلكيم من احلكمة باصطالح فن األخالق صاحب العزمية يف أفعاله

.وعدها من مواهبه السامية جعلها من خواص اإلميان يف مرتبة كماله و

وهو تنظيم مقدمات عقلية مشتملة على مصاحل أن اإلنسان بغريزته الفطرية يصدر أفعاله عن التعقل بيان ذلكثم استنتاج ما ينبغي أن يفعله وما ينبغي أن وتأثريها يف سعادته يف حياته واخلري املطلوب يف اجتماعه األفعال

.يرتكه

العمل الفكري إذا جرى اإلنسان على أسلوب فطرته ومل يقصد إال ما ينفعه نفعا حقيقيا يف سعادته جيري على وهذاوأما إذا أخلد اإلنسان يف حياته إىل األرض واتبع قرار من النفس وسكون من الفكر من غري اضطراب وتزلزل

وداخل اخليال بتزييناته وتنميقاته يف أفكاره وعزائمه فأورث ذلك احنرافه عن سنن اهلوى اختلط عليه األمر .وتردده واضطرابه يف عزمه وتصميم إرادته وإقدامه على شدائد األمور وهزاهزها أخرى الصواب تارة

Page 491: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٩١

.مستند إىل سناد ال يتحرك وركن ال ينهدم واملؤمن بإميانه ب

ليس إليه من مقدما يف أعماله عن تكليف إهلي ال يرتاب فيها حقة ال تقبل الشك والريببانيا أموره على معارف

.أو يضطرب يف تشخيص خريه من شره أو حيزن لفقده األمر شيء حتى خياف فوته

بل خريه وشره يرجعان إليه نفسه فهو واقع يف ظلمات هذه األفكار اليت هتجم وأما غري املؤمن فال ويل له يتوىل أمره آل عمران ويل املؤمنني و قال عليه من كل جانب من طريق اهلوى واخليال واإلحساسات املشئومة

٦٨ وقال ذلك بأن موىل الذين آمنوا وأن الكافرين ال موىل هلمحممد ١١ وقال ويل الذين آمنوا خيرجهم من الظلمات إىل النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت خيرجوهنم من النور إىل

وقال ٢٧ األعراف إنا جعلنا الشياطني أولياء للذين ال يؤمنون وقال ٢٥٧ البقرة الظلمات ذلكم الشيطان خيوف أولياءه آل عمران ١٧٥ وقال الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم

فقد خسر ومن يتخذ الشيطان وليا من دون وقال ٢٦٨ البقرة يعدكم مغفرة بالفحشاء و حقا ومن أصدق من وعد - إىل أن قال - خسرانا مبينا يعدهم ومينيهم وما يعدهم الشيطان إال غرورا

Page 492: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٩٢

واآليات كما ٦٢ يونس ال خوف عليهم وال هم حيزنون أال إن أولياء وقال ١٢٢ النساء قيال .وما يقابلها من الصفات يف جانب اإلميان ترى تضع كل خوف وحزن واضطراب وغرور يف جانب الكفر

أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا ميشي به يف الناس كمن مثله يف قولهوقد بني األمر أوضح من ذلك ب

فدل على أن خبط الكافر يف مشيه لكونه واقعا يف الظلمات ال يبصر ١٢٢ األنعام ليس خبارج منهاالظلمات أفاض عليه حياة جديدة وذلك ألن ويدرك به خريه وشره لكن املؤمن له نور إهلي يبصر به طريقه شيئا

ويف معناه وتلك احلياة هي املستتبعة هلذا النور الذي يستنري به على حياته اليت يشاركه فيها الكافروآمنوا برسوله يؤتكم كفلني من رمحته وجيعل لكم نورا متشون به ويغفر يا أيها الذين آمنوا اتقوا قوله .٢٨ احلديد لكم

ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو واليوم اآلخر يوادون من حاد ال جتد قوما يؤمنون ب ثم قال

فأفاد أن هذه احلياة إمنا هي ٢٢ اادلة إخواهنم أو عشريهتم أولئك كتب يف قلوهبم اإلميان وأيدهم بروح منهتستتبع استقرار اإلميان يف وتالزم لزوم اإلميان واستقراره يف القلب فهؤالء املؤمنون مؤيدون بروح من بروح منه

.والنور املضيء قدامهم واحلياة اجلديدة يف قوالبهم قلوهبم

Page 493: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٩٣

هو الذي أنزل السكينة يف قلوب املؤمنني ليزدادوا إميانا مع قولهوهذه اآلية كما ترى قريبة االنطباق على

فالسكينة يف هذه اآلية تنطبق على ٤ الفتح عليما حكيما جنود السموات واألرض وكان للهإمياهنم و ويؤيد هذا التطبيق قوله الروح يف اآلية السابقة وازدياد اإلميان على اإلميان يف هذه على كتابة اإلميان يف تلك

.فإن القرآن يطلق اجلند على مثل املالئكة والروح جنود السموات واألرض للهو يف ذيل اآلية

سكينته على رسوله وعلى املؤمنني وألزمهم كلمة التقوى وكانوا فأنزل قولهويقرب من هذه اآلية سياقا .٤٠ التوبة سكينته عليه وأيده جبنود مل تروها فأنزل قولهوكذا ٢٦ الفتح أحق هبا وأهلها

أن السكينة روح إهلي أو تستلزم روحا إهليا من أمر وقد ظهر مما مر أنه ميكن أن يستفاد من كالمه

ومن املعلوم أن ذلك ال يوجب خروج الكالم عن معناه يوجب سكينة القلب واستقرار النفس وربط اجلأشوهبذا املعنى ينبغي أن الظاهر واستعمال السكينة اليت هي مبعنى سكون القلب وعدم اضطرابه يف الروح اإلهلي

.يوجه ما سيأتي من الروايات

Page 494: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٩٤

آل الرجل خاصته من أهله ويدخل فيهم نفسه إخل وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون حتمله املالئكةقولهحال عن حتمله املالئكة قولهو فآل موسى وآل هارون هم موسى وهارون وخاصتهما من أهلهما إذا أطلق

كسياق صدر اآلية داللة على أهنم سألوا نبيهم آية على إن يف ذلك آلية لكم إن كنتم مؤمنني ويف قوله التابوت .قد بعث لكم طالوت ملكا إن صدق ما أخرب به

الفصل هاهنا مفارقة املكان كما مبتليكم بنهر إىل قوله منهم فلما فصل طالوت باجلنود قال إن قوله

ورمبا استعمل مبعنى القطع وهو إجياد املفارقة بني الشيئني كما ٩٤ يوسف فلما فصلت العريقولهيف .فالكلمة مما يتعدى وال يتعدى ٥٧ األنعام وهو خري الفاصلني قال

ويف مجع اجلند يف الكالم األشخاص فيه وغلظتهم واجلند اتمع الغليظ من كل شيء ومسي العسكر جندا لرتاكم

داللة على أهنم كانوا من الكثرة على حد يعتنى به وخاصة مع ما فيه املؤمنني من القلة بعد جواز النهر وتفرق الناس .فلما فصل طالوت باجلنود ونظري هذه النكتة موجود يف قوله

Page 495: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٩٥

فإهنم سألوا بعث امللك مجيعا شأن بين إسرائيل وإيفائهم مبيثاق ويف جمموع الكالم إشارة إىل حق األمر يفوقد كانوا من الكثرة حبيث ملا تولوا إال قليال منهم عن القتال كان ذلك القليل الباقي جنودا وهذه وشدوا امليثاق

أيضا مل تغن عنهم شيئا بل ختلفوا بشرب النهر ومل يبق إال القليل من القليل مع شائبة فشل ونفاق بينهم من جهة اجلنود .ومع ذلك كان النصر للذين آمنوا وصربوا مع ما كان عليه جنود طالوت من الكثرة املغرتفني

غرف املاء غرفة يقال لغرف رفع الشيء وتناولهواالغرتاف وا والنهر جمرى املاء الفائض واالبتالء االمتحان

.واغرتفه غرفة إذا رفعه ليتناوله ويشربه

عن مطلق الشرب داللة على أنه كان املنهي عنه هو الشرب إال من اغرتف غرفة بيدهقولهويف استثناء فمن شرب منه فليس مين إال من اغرتف غرفة بيده غري أن وضع قوله وقد كان الظاهر أن يقال على حالة خاصة ومن مل يطعمه فإنه مين يف الكالم مع تبديل الشرب بالطعم ومعناه الذوق أوجب حتوال يف الكالم من جهة

والشرب يوجب انقطاع مجع املعنى إذ لو مل تضف اجلملة الثانية كان مفاد الكالم أن مجيع اجلنود كانوا من طالوتومن مل أعين قوله منه واالغرتاف يوجب االنقطاع من املنقطع أي االتصال وأما لو أضيفت اجلملة الثانية

يطعمه فإنه مين إىل اجلملة األوىل كان مفاد الكالم أن األمر غري مستقر حبسب احلقيقة بعد إال حبسب الظاهر

Page 496: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٩٦

به ثم النهر الذي سيبتليهم مل يتحقق بعد أن الذين هم مع طالوت من هم فاجلنود يف الظاهر مع طالوت لكنويتعني به من هو منه وهو من مل سيحقق كال الفريقني ويشخصهما فيعني به من ليس منه وهو من شرب من النهر

ة بيده كون املغرتفني من وإذا كان هذا هو املفاد من الكالم مل يفد قوله يف االستثناء إال من اغرتف غرف يطعمه وأما مع وجود اجلملتني فيتعني الطائفتان طالوت ألن ذلك إمنا كان مفادا لو كان املذكور هناك اجلملة األوىل فقط

ومن املعلوم أن اإلخراج من الطائفة والذين هم منه وهم غري الطاعمني أعين الذين ليسوا منه وهم الشاربونالذين ليسوا والزم ذلك أن الكالم يوجب وجود ثالث طوائف األوىل إمنا يوجب اخلروج منها ال الدخول يف الثانية

والذين ليسوا من الذين هم منه وعلى هذا فالباقون معه بعد اجلواز طائفتان واملغرتفون والذين هم منه منه .والقلق واالضطراب فجاز أن خيتلف حاهلم يف الصرب واجلزع واالعتماد ب اخلارجني

والتدبر يف اآليات يعطي أن الفئة القطعة من الناس إىل آخر اآلية فلما جاوزه هو والذين آمنوا معهقوله

إما مبعنى والظن بلقاء وايبون هلم هم الذين مل يطعموه أصال هم املغرتفون ال طاقة لنا يكون القائلون .اليقني به وإما كناية عن اخلشوع

Page 497: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٩٧

أخذا بالواقع يف االحتجاج كم من فئة إخل بل قالوا ميكن أن تغلب الفئة القليلة الفئة الكثرية بإذن ومل يقولوا .بآرائه املصداق ليكون أقنع للخصم

واإلفراغ صب ومنه الرباز وهو الظهور للحرب الربوز هو الظهور إخل وملا برزوا جلالوت وجنودهقوله

الصرب عليهم على قدر ظرفيتهم فهو استعارة بالكناية لطيفة حنو املادة السيالة يف القالب واملراد إفاضة .وكذا تثبيت األقدام كناية عن الثبات وعدم الفرار

.اهلزم الدفع إخل فهزموهم بإذن قوله

من املعلوم أن املراد بفساد األرض فساد من على إىل آخر اآلية الناس بعضهم ببعض ولو ال دفع قوله

األرض أي فساد االجتماع اإلنساني ولو استتبع فساد االجتماع فسادا يف أديم األرض فإمنا هو داخل يف الغرض .وهذه حقيقة من احلقائق العلمية ينبه هلا القرآن بالتبع ال بالذات

.أن سعادة هذه النوع ال تتم إال باالجتماع والتعاون بيان ذلك

Page 498: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٩٨

ومن املعلوم أن هذا األمر ال يتم إال مع حصول وحدة ما يف هيكل االجتماع هبا تتحد أعضاء االجتماع وأجزاؤه

والوحدة االجتماعية بعضها مع بعض حبيث يعود اجلميع كالفرد الواحد يفعل وينفعل عن نفس واحدة وبدن واحدمركبها الذي هو اجتماع أفراد النوع حاهلما شبيه حال الوحدة االجتماعية اليت يف الكون ومركبها الذي هو و

ومن املعلوم أن وحدة هذا النظام أعين نظام التكوين إمنا هي نتيجة التأثري والتأثر اجتماع أجزاء هذا العامل املشهودني األسباب التكوينية وغلبة بعضها على بعض واندفاع بعضها اآلخر عنه املوجودين بني أجزاء العامل فلو ال املغالبة ب

وعند ذلك بطل احلركات فبطل ومغلوبيتها له مل يرتبط أجزاء النظام بعضها ببعض بل بقي كل على فعليته اليت هي له .عامل الوجود

والدفع والغلبة مل يرتبط أجزاء النظام بعضها كذلك نظام االجتماع اإلنساني لو مل يقم على أساس التأثري والتأثر

وهو الغلبة وحتميل فإنا لو فرضنا ارتفاع الدفع هبذا املعنى ومل يتحقق حينئذ نظام وبطلت سعادة النوع ببعضمل يكن اإلرادة من البني كان كل فرد من أفراد االجتماع فعل فعال ينايف منافع اآلخر سواء منافعه املشروعة أو غريها

وهذا وبذلك تنقطع الوحدة من بني األجزاء وبطل االجتماع لآلخر إرجاعه إىل ما يوافق منافعه ويالئمها وهكذاوأما أن األصل األول الفطري لإلنسان املكون لالجتماع هو االستخدام البحث هو الذي حبثنا عنه فيما مر

Page 499: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٤٩٩

كان الناس أمة قولهوقد مر تفصيل الكالم يف تفسري التعاون واملدنية فمتفرع عليه وأصل ثانوي .٢١٣ البقرة واحدة

ويف احلقيقة معنى الدفع والغلبة معنى عام سار يف مجيع شئون االجتماع اإلنساني وحقيقته محل الغري بأي وجه

ويف وهذا معنى عام موجود يف احلرب والسلم معا ودفعه عما يزامحه وميانعه عليه أمكن على ما يريده اإلنساننعم إمنا يتنبه اإلنسان له وبني مجيع األفراد يف مجيع شعوب االجتماع والراحة والعناء مجيعا الشدة والرخاء

اإلنسان فيشرع عند ظهور املخالفة ومزامحة بعض األفراد بعضهم يف حقوق احلياة أو يف الشهوات وامليول وحنوهاوالقتال يف دفع اإلنسان املزاحم املمانع عن حقه أو عن مشتهاه ومعلوم أن هذا على مراتب ضعيفة وشديدة

.واحلرب إحدى مراتبه

وأنت تعلم أن هذه احلقيقة أعين كون الدفع والغلبة من األصول الفطرية عند اإلنسان أصل فطري أعم من أن يكون إذ لو مل يكن يف فطرة اإلنسان أصل مسلم على هذه الوترية مل حق مشروع أو بغري ذلكهذا الدفع دفعا بالعدل عن

فإن أعمال اإلنسان تستند إىل فطرته كما مر بيانه سابقا فلو ال ال دفاع مشروع على احلق ال غريه يتحقق منه .اشرتاك الفطرة بني املؤمن والكافر مل ميكن أن خيتص املؤمن بفطرة يبين عليها أعماله

Page 500: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٠٠

ثم ينتفع به يف حتميل إرادته وهذا األصل الفطري ينتفع به اإلنسان يف إجياد أصل االجتماع على ما مر من البيان

وينتفع به يف إحياء احلق وينتفع به يف دفعه واسرتداد ما متلكه تغلبا وبغيا غريه ومتالك ما بيده تغلبا وبغياعلى .فهو أصل فطري ينتفع به اإلنسان أكثر مما يستضر به بعد موته جهال بني الناس وحتميل سعادهتم عليهم

ويؤيد ذلك الناس بعضهم ببعض لفسدت األرض ولو ال دفع هو املراد بقوله لعله وهذا الذي ذكرناه

.ذو فضل على العاملني ولكن قولهتذييله ب

الكافرين باملؤمنني كما أن املورد أيضا كذلك ورمبا أيده و قد ذكر بعض املفسرين أن املراد بالدفع يف اآلية دفع الناس بعضهم ببعض هلدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ولو ال دفع قولهأيضا احلج ٤٠.

وفيه أنه يف نفسه معنى صحيح لكن ظاهر اآلية أن املراد بصالح األرض مطلق الصالح الدائم املبقي لالجتماع دون

.الصالح اخلاص املوجود يف أحيان يسرية كقصة طالوت وقصص أخرى يسرية معدودة

Page 501: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٠١

وقد وردت فيه من طرق العامة العذاب واهلالك عن الفاجر بسبب الرب أن املراد هبا دفع ورمبا ذكر آخرون

يصلح بصالح إن قال رسول قال عن جابر والدر املنثور واخلاصة روايات كما يف امع ويف الكايف ما دام فيهم وال يزالون يف حفظ الرجل املسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله

ليدفع مبن يصلي من شيعتنا عمن ال يصلي من شيعتنا ولو إن قال عن الصادق وتفسري العياشيليدفع مبن يزكي من شيعتنا عمن ال يزكي ولو اجتمعوا على ترك الزكاة وإن اجتمعوا على ترك الصالة هللكوا

ومثلهما ليدفع مبن حيج من شيعتنا عمن ال حيج ولو اجتمعوا على ترك احلج هللكوا احلديث وإن هللكوا .غريمها

أن عدم انطباق اآليتني على معنى احلديثني مما ال خيفى إال أن تنطبق عليهما من جهة أن موردمها أيضا من وفيه

.مصاديق دفع الناس

.وهو كما ترى الظاملني بالظاملني أن املراد دفع ورمبا ذكر بعضهم

Page 502: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٠٢

ال خيلو عن وإنك ملن املرسلني كاخلامتة خيتم هبا الكالم والقصة غري أن آخر اآلية إخل تلك آيات قوله .ارتباط باآلية التالية

قرضا حسنا ملا نزلت من الذي يقرض قال أخرج عبد الرزاق وابن جرير عن زيد بن أسلم يف الدر املنثورأ ال أرى ربنا يستقرضنا مما أعطانا ألنفسنا وإن يل يا نيب فقال جاء أبو الدحداح إىل النيب اآلية

كم من يقول وكان النيب وإني قد جعلت خريمها صدقة إحدامها بالعالية واألخرى بالسافلة أرضني .عذق مذلل ألبي الدحداح يف اجلنة

.والرواية مروية بطرق كثرية أقول

م من جاء باحلسنة فله خري منها قال رسول ملا نزلت هذه اآلية عن الصادق ويف املعاني

من ذا الذي م زدني فأنزل قال رسول من جاء باحلسنة فله عشر أمثاهلا زدني فأنزل

Page 503: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٠٣

ال حيصى وليس له أن الكثري من فعلم رسول قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثرية يقرض .منتهى

قوله والعياشي يف تفسريه نظريه وروي قريب منه من طرق أهل السنة أيضا وروى الطربسي يف امع أقول فعلم رسول يومىء إليه آخر اآلية و يقبض ويبصط إذ ال حد حيد عطاءه وقد قال

وما كان عطاء ربك حمظورا اإلسراء ٢٠.

عن وروي مثله يف الكايف أقول هي صلة اإلمام قال يف اآلية عن أبي احلسن ويف تفسري العياشي .وهو من باب عد املصداق الصادق

.وهو بالعربية إمساعيل اآلية هو إمشوئيل إذ قالوا لنيب هلمقولهيف ويف امع

.ومشوئيل هو الذي يوجد يف العهدين بلفظ صموئيل وهو مروي من طرق أهل السنة أيضا أقول

Page 504: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٠٤

عن أبيه عن النضر بن سويد عن حييى احلليب عن هارون بن خارجة عن أبي بصري عن أبي ويف تفسري القميوكان وعتوا عن أمر رهبم وغريوا دين أن بين إسرائيل بعد موت موسى عملوا باملعاصي جعفر

عليهم جالوت وروي أنه أرميا النيب على نبينا وآله وعليه السالم فسلط فيهم نيب يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه ففزعوا إىل نبيهم واستعبد نساءهم فأذهلم وقتل رجاهلم وأخرجهم من ديارهم وأمواهلم وهو من القبط

وامللك والسلطان يف وكانت النبوة يف بين إسرائيل يف بيت أن يبعث لنا ملكا نقاتل يف سبيل سل وقالوافمن أجل ذلك قالوا لنيب هلم ابعث لنا ملكا نقاتل يف سبيل النبوة وامللك يف بيت واحد ومل جيمع بيت آخر فقال هلم نبيهم هل عسيتم إن كتب عليكم القتال أن ال تقاتلوا فقالوا وما لنا أن ال نقاتل يف سبيل وقد

عليم بالظاملني و - فلما كتب عليهم القتال تولوا إال قليال منهم فكان كما قال أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فقال هلم نبيهم إن قد بعث لكم طالوت ملكا فغضبوا من ذلك وقالوا أنى يكون له امللك علينا وحنن

وكان طالوت من ولد وامللك يف بيت يوسف وكانت النبوة يف بيت الوي أحق بامللك منه ومل يؤت سعة من املالاصطفاه إن فقال هلم نبيهم ومل يكن من بيت النبوة وال من بيت اململكة إبنيامني أخي يوسف ألمه وأبيه

وكان أعظمهم جسما وكان واسع عليم يؤتي ملكه من يشاء و عليكم وزاده بسطة يف العلم واجلسم وإن آية ملكه أن فقال هلم نبيهم فقالوا مل يؤت سعة من املال إال أنه كان فقريا فعابوه بالفقر قويا وكان أعلمهم

وكان التابوت الذي أنزل يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون حتمله املالئكة

Page 505: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٠٥

فوضعته فيه أمه وألقته يف اليم فكان يف بين إسرائيل يتربكون به على موسى فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه ومل يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به وأودعه عند يوشع وصيه األلواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة

فلما عملوا فلم يزل بنو إسرائيل يف عز وشرف ما دام التابوت عندهم وكان الصبيان يلعبون به يف الطرقاتعليهم طالوت ملكا فقاتل معهم فرد فلما سألوا النيب بعث عنهم باملعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه

عليهم التابوت كما قال موسى وآل فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل - إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت .البقية ذرية األنبياء قال حتمله املالئكة - هرون

أي توىل الكثريون إخل فكان كما قال قوله رواية معرتضة يف رواية وروي أنه أرميا النيب قوله أقول

روى ذلك القمي يف ويف بعض األخبار أن هذا القليل كانوا ستني ألفا ومل يبق على تسليم حكم القتال إال قليل منهم .ورواه العياشي عن الباقر تفسريه عن أبيه عن احلسني بن خالد عن الرضا

إن امللك كان يف بيت يهوذا وقد اعرتض وقد قيل وامللك يف بيت يوسف وكانت النبوة يف بيت الويقولهو

وهذا يؤيد ما ورد يف أحاديث عليه أن مل يكن بينهم ملك قبل طالوت وداود وسليمان حتى يكون يف بيت يهوذا .أئمة أهل البيت أن امللك كان يف بيت يوسف فإن كون يوسف ملكا مما ال ينكر

Page 506: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٠٦

آل موسى وآل عمران قولهذرية األنبياء بقوله وإمنا فسر وهم من الراوي والبقية ذرية األنبياء قال قولهو

وبقية مما ترك آل موسى وآل أنه سئل عن قول عن الصادق ويؤيد ما ذكرناه ما يف تفسري العياشي .ذرية األنبياء فقال هرون حتمله املالئكة

عن النضر بن واحلسني بن سعيد عن حممد بن خالد عن حممد بن أمحد عن حممد بن حييى ويف الكايف

إن وقال يف حديث عن أبي بصري عن أبي جعفر عن هارون بن خارجة عن حييى احلليب سويد فمن شرب منه فليس مين ومن مل يطعمه فإنه مين فشربوا منه إال ثالمثائة وثالثة عشر رجال - مبتليكم بنهر

ال طاقة لنا اليوم جبالوت وجنوده فلما برزوا جلالوت قال الذين اغرتفوا ومنهم من مل يشرب منهم من اغرتف .مع الصابرين و فئة كثرية بإذن كم من فئة قليلة غلبت وقال الذين مل يغرتفوا

وأما كون الباقني مع طالوت ثالمثائة وثالثة عشر رجال بعدد أهل بدر فقد كثر فيه الروايات من طرق اخلاصة أقول

هم الذين مل يشربوا أصال وكون القائلني كم من فئة إخل هم املغرتفني ال طاقة لنا وأما كون القائلني والعامة .من معنى االستثناء فيمكن استفادته من حنو االستثناء يف اآلية على ما بيناه

Page 507: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٠٧

بن بإسناده عن أمحد بن حممد عن احلسني بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن حييى احلليب عن عبد ويف الكايف

.كانت حتمله يف صورة البقرة إن آية ملكه إىل قوله حتمله املالئكة قال يف قوله سليمان عن أبي جعفر

واعلم أن الوجه يف ذكر سند هذا احلديث مع أنه ليس من دأب الكتاب ذلك ألن إسقاط األسانيد فيه إمنا هو ملكان أما فيما ال يطرد فيه املوافقة وال يتأتى التطبيق فال بد من ذكر موافقة القرآن ومعه ال حاجة إىل ذكر سند احلديث

.وحنن مع ذلك خنتار لإليراد روايات صحيحة اإلسناد أو مؤيدة بالقرائن اإلسناد

ومعهم أبوهم شيخ كان داود وإخوة له أربعة قال عن حممد احلليب عن الصادق ويف تفسري العياشييا بين اذهب إىل فقال ففصل طالوت باجلنود فدعاه أبو داود وهو أصغرهم وختلف داود يف غنم ألبيه كبري

فخرج إخوتك هبذا الذي صنعناه هلم يتقووا به على عدوهم وكان رجال قصريا أزرق قليل الشعر طاهر القلبيا داود فمر داود على حجر فقال احلجر يقولقال مسعته وقد تقارب القوم بعضهم من بعض فذكر عن أبي بصري

فأخذه فوضعه يف خمالته اليت تكون فيها حجارته اليت يرمي هبا عن خذني واقتل بي جالوت فإني إمنا خلقت لقتلهلئن فقال هلم داود ما تعظمون من أمره فو فلما دخل العسكر مسعهم يتعظمون أمر جالوت غنمه مبقذافه

Page 508: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٠٨

وما جربت من نفسك فقال يا فتى وما عندك من القوة عاينته ألقتلنه فحدثوا خبربه حتى أدخل على طالوتادع فقال كان األسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه فأفك حلييه منها فآخذها من فيه قال قال

فقال طالوت ا حتى راع طالوت ومن حضره من بين إسرائيليل بدرع سابغة فأتي بدرع فقذفها يف عنقه فتمأل منهأروني جالوت فلما أن أصبحوا ورجعوا إىل طالوت والتقى الناس قال داود قال أن يقتله به لعسى و

قتل داود وقال الناس فلما رآه أخذ احلجر فجعله يف مقذافه فرماه فصك به بني عينيه فدمغه ونكس عن دابته عليه الزبور وأنزل واجتمعت بنو إسرائيل على داود وملكه الناس حتى مل يكن يسمع لطالوت ذكر جالوت

وعلمه صنعة احلديد فلينه له وأمر اجلبال والطري يسبحن معه قال ومل يعط أحد مثل صوته فأقام داود يف بين .وأعطي قوة يف عبادة إسرائيل مستخفيا

وقد اتفقت ألسنة األخبار من طرق الفريقني أن داود املقذاف املقالع الذي يكون للرعاة يرمون به األحجار أقول

.قتل جالوت باحلجر

.عن علي إن السكينة اليت كانت فيه ريح هفافة من اجلنة هلا وجه كوجه اإلنسان قال يف امع

Page 509: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٠٩

عن سفيان بن عيينة وابن جرير من طريق سلمة بن كهيل عن علي وروي هذا املعنى يف الدر املنثور أقولوصححه وابن وكذا عن عبد الرزاق وأبي عبيد وعبد بن محيد وابن جرير وابن املنذر وابن أبي حامت واحلاكم

.مثله من طريق أبي األحوص عن علي عساكر والبيهقي يف الدالئل

السكينة ريح من اجلنة هلا وجه كوجه عن أبيه عن علي بن احلسني بن خالد عن الرضا ويف تفسري القمي .اإلنسان

وهذه األخبار والعياشي يف تفسريه عن الرضا وروى هذا املعنى أيضا الصدوق يف املعاني أقول

فإن املراد هبا على تقدير الواردة يف معنى السكينة وإن كانت آحادا إال أهنا قابلة التوجيه والتقريب إىل معنى اآليةوأمثال أن السكينة مرتبة من مراتب النفس يف الكمال توجب سكون النفس وطمأنينتها إىل أمر صحتها

وقد عرفت يف البيان فينطبق حينئذ على روح اإلميان ثيل كثرية يف كالم األئمةهذه التعبريات املشتملة على التم .السابق أن السكينة منطبقة على روح اإلميان

Page 510: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥١٠

يتكلم روح قال يف السكينة عن أبي احلسن وعلى هذا املعنى ينبغي أن حيمل ما يف املعاني .احلديث فإمنا هو روح اإلميان يهدي املؤمن إىل احلق املختلف فيه كانوا إذا اختلفوا يف شيء كلمهم وأخربهم

حبث علمي واجتماعي

ذكر علماء الطبيعة أن التجارب العلمي ينتج أن هذه املوجودات الطبيعية ابولة على حفظ وجودها وبقائهاوحيث كانت هذه املنازعة من جهة والفعالة بقواها املقتضية ملا يناسبها من األفعال ينازع بعضها البعض يف البقاء

ويستنتج من بسط التأثري يف الغري والتأثر املتقابل من الغري وبالعكس كانت الغلبة لألقوى منهما واألكمل وجوداويفنى سائر األفراد فراد من نوع أو نوعني أكملها وأمثلها فيتوحد للبقاءذلك أن الطبيعة ال تزال تنتخب من بني األ

.االنتخاب الطبيعي وبقاء األمثل والثانية تنازع البقاء إحدامها فهناك قاعدتان طبيعيتان وينقرض تدرجيا

قانوني تنازع البقاء أعين القانوننيوحيث كان االجتماع متكئا يف وجوده على الطبيعة جرى فيه أيضا نظري .واالنتخاب وبقاء األمثل

Page 511: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥١١

الفردية فاالجتماع الكامل وهو االجتماع املبين على أساس االحتاد الكامل احملكم املرعى فيه حقوق األفرادوالتجارب قاض ببقاء األمم احلية املراقبة لوظائفها وغريه أحق بالفناء واالنقراض واالجتماعية أحق بالبقاء

وفشو النفاق وشيوع الظلم وانقراض األمم بتفرق القلوب االجتماعية احملافظة على سلوك صراطها االجتماعي .واالجتماع حياكي يف ذلك الطبيعة كما ذكر والفساد وإتراف الكرباء واهندام بنيان اجلد فيهم

آلثار األرضية يوصلنا إىل وجود أنواع من احليوان يف العهود األولية األرضية هي اليوم من احليوانات فالبحث يف ا

املنقرضة األنواع كاحليوان املسمى برونتوساروس أو اليت مل يبق من أنواعها إال أمنوذجات يسرية كالتمساح والضفدع وكذلك األنواع املوجودة اليوم ال نتخاب الطبيعي وبقاء األمثلواال ومل يعمل يف إفنائها وانفراضها إال تنازع البقاء

ثم جيره حكم الوراثة وال يصلح منها للبقاء إال األمثل واألقوى وجودا تزال تتغري حتت عوامل التنازع واالنتخابيف أصل تكوهنا فإمنا هي وعلى هذه الوترية كانت األنواع والرتاكيب املوجودة إىل استمرار الوجود وبقاء النوع

فما كان منها صاحلا للبقاء بقي أجزاء املادة املنبثة يف اجلو حدثت برتاكمها وجتمعها الكرات واألنواع احلادثة فيهافهذا ما ذكره علماء وما كان منها غري صاحل لذلك ملنازعة ما هو أقوى منه معه فسد وانقرض ثم توارث الوجود

وقد ناقضه املتأخرون بكثري من األنواع الضعيفة الوجود الباقية بني األنواع حتى اليوم...الطبيعة واالجتماعفإن وقوع الرتبية بتأهيل كثري من أنواع النبات واحليوان وإخراجها من وبكثري من أصناف األنواع النباتية واحليوانية

Page 512: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥١٢

وسريها بالرتبية إىل جودة اجلنس وكمال النوع مع بقاء الربي والوحشي منها على الرداءة الربية والوحشيةكل ذلك يقضي بعدم اطراد القاعدتني واستقرار التوارث فيها على تلك الصفة وسريمها إىل الضعف يوما فيوما

.أعين تنازع البقاء واالنتخاب الطبيعي

وهي تبعية احمليط فاحمليط املوجود وهو ملوجودة بني الطبيعيات بفرضية أخرىولذلك علل بعضهم هذه الصفة اوكذلك جمموع العوامل الطبيعية حتت شرائط خاصة زمانية ومكانية يستدعي تبعية املوجود يف جهات وجوده له

ولذلك كانت لكل نوع من الطبيعة املوجودة يف الفرد توجب تطبيق وجوده باخلصوصيات املوجودة يف حميط حياتهمن األعضاء األنواع اليت تعيش يف الرب أو البحر أو يف خمتلف املناطق األرضية القطبية أو اإلستوائية وغري ذلك

فمحيط احلياة هو الذي يوجب البقاء عند انطباق وجود واألدوات والقوى ما يناسب منطقة حياته وعيشته فالقاعدتان ينبغي أن تنتزعا من هذا القانون أعين فناء عند عدم انطباقه مبقتضياتهاملوجود مبقتضياته والزوال وال

أن األصل يف قانوني تنازع البقاء واالنتخاب الطبيعي هو تبعية احمليط ففيما ال اطراد للقاعدتني ال حميط مؤثر .وقد فصلوها يف مظاهنا ما للقاعدتنيولكن لقاعدة تبعية احمليط من النقض يف اطرادها نظري يوجب التأثري

Page 513: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥١٣

وال أن ولو كان تبعية احمليط تامة يف تأثريها ومطردة يف حكمها كان من الواجب أن ال يوجد نوع أو فرد غري تابعيتغري حميط يف نفسه كما أن القاعدتني لو كانتا تامتني مطردتني يف حكمهما وجب أن ال يبقى شيء من املوجودات

.الضعيفة الوجود مع القوية منها وال أن جيري حكم التوارث يف األصناف الردية من النبات واحليوان

.اعد على ما فيها من الصحة يف اجلملة غري مطردةفاحلق كما رمبا اعرتفت به األحباث العلمية أن هذه القو

أن أمر حدوث احلوادث املادية سواء كان من حيث أصل وجودها أو والنظر الفلسفي الكلي يف هذا البابفكل موجود من املوجودات التبدالت والتغريات احلادثة يف أطراف وجودها يدور مدار قانون العلية واملعلولية

وهذه املادية مبا هلا من الصورة الفعالة لنفع وجوده يوجه أثره إىل غريه ليوجد فيه صورة تناسب صورة نفسهويستوجب ذلك أن ينقص كل حقيقة ال حميص عن االعرتاف هبا عند التأمل يف حال املوجودات بعضها مع بعض

والزم ذلك أن يكون كل موجود فعاال إلبقاء وجوده ه إىل وجود نفسه بنحومن كل لنفع وجود نفسه فيضم ما نقصوكذلك الزم التأثري العلي أن يتصرف إن بني املوجودات تنازعا يف البقاء وعلى هذا صح أن يقال وحياته

يوجه القانونان أعينوبذلك ميكن أن األقوى يف األضعف بإفنائه لنفع نفسه أو بتغيريه بنحو ينتفع به لنفسهفإن النوع ملا كان حتت تأثري العوامل املضادة فإمنا ميكنه أن يقاومها إذا كان قوي االنتخاب الطبيعي وتبعية احمليط

Page 514: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥١٤

إمنا يصلح للبقاء منها ما قوي وجوده قبال وكذلك احلال يف أفراد نوع واحد الوجود قادرا على الدفاع عن نفسهوكذا إذا اجتمعت عدة كثرية من وهذا هو االنتخاب الطبيعي وبقاء األمثل ضداد اليت تتوجه إليهاملنافيات واأل

العوامل ثم احتدت أكثرها أو تقاربت من حيث العمل فال بد أن يتأثر منها املوجود الذي توسط بينها األثر الذي .وهذا هو تبعية احمليط يناسب عملها

يف عوارض تبعية احمليط وغريها إمنا يؤثر فيما صح أن يؤثر أن أمثال هذه النواميس أعين ومما جيب أن يعلم

لكن القوم حيث كانوا ال يقولون بوجود الذات وأما نفس الذات بأن يصري نوعا آخر فال وجود الشيء ولواحقهوبذلك ميتاز نوع من اجلوهري بل يبنون البحث على أن كل موجود جمموع من العوارض اتمعة الطارئة على املادة

فة بل مجيع األنواع تتحلل إىل املادة الواحدة نوعا املختل وباحلقيقة ال نوع جوهري يباين نوعا جوهريا آخر نوعومن هنا تراهم حيكمون بتبدل األنواع وبتبعية احمليط أو تأثري سائر العوامل الطبيعية وال حبسب الرتاكيب املتنوعة

.تفصيل القول فيه وللبحث ذيل ممتد سيمر بك إن شاء يبالون بتبدل الذات فيها

الناس بعضهم ببعض لفسدت ولو ال دفع أن قوله ذكر بعض املفسرين ونرجع إىل أول الكالم فنقول .ذو فضل على العاملني اآلية إشارة إىل قانوني تنازع البقاء واالنتخاب الطبيعي األرض ولكن

Page 515: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥١٥

على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم أذن للذين يقاتلون بأهنم ظلموا وإن قولهويقرر ذلك قال

الناس بعضهم ببعض هلدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر ولو ال دفع بغري حق إال أن يقولوا ربنا لقوي عزيز الذين إن مكناهم يف األرض أقاموا الصالة وآتوا من ينصره إن كثريا ولينصرن فيها اسم

فهذا إرشاد إىل تنازع البقاء والدفاع عن ٤١ احلج عاقبة األمور للهالزكاة وأمروا باملعروف وهنوا عن املنكر و .وأنه ينتهي ببقاء األمثل وحفظ األفضل احلق

أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل قولهومما يدل على هذه القاعدة من القرآن ايد

احلق والباطل فأما الزبد زبدا رابيا ومما يوقدون عليه يف النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب فهو يفيد أن سيول ١٧ الرعد األمثال فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث يف األرض كذلك يضرب

احلوادث وميزان التنازع تقذف زبد الباطل الضار يف االجتماع وتدفعه وتبقى إبليز احلق النافع الذي ينمو فيه العمران وإبريز املصلحة اليت يتحلى به اإلنسان انتهى.

Page 516: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥١٦

وأن القرآن بيانه حق يف اجلملة أما إن قاعدة تنازع البقاء وكذا قاعدة االنتخاب الطبيعي باملعنى الذي مر أقولفإن لكن هذين الصنفني الذين أوردمها من اآليات غري مسوقني لبيان شيء من القاعدتني يعتين هبما فال كالم فيه

من وأن احلق وهو الذي يرتضيه غري مغلوب يف إرادته الصنف األول من اآليات مسوق لبيان أن وعلى ذلك يدل قوله وأن حامله إذا محله على احلق والصدق مل يكن مغلوبا البتة املعارف الدينية غري مغلوب

بأهنم ظلموا وإن أوال على نصرهم لقدير وقوله ثانيا الذين أخرجوا من ديارهم بغري حق إال أنفإن فإن اجلملتني يف مقام بيان أن املؤمنني سيغلبون أعداءهم ال ملكان التنازع وبقاء األمثل األقوى يقولوا ربنا

األمثل واألقوى عند الطبيعة هو الفرد القوي يف جتهيزه الطبيعي دون القوي من حيث احلق واألمثل حبسب املعنىمبعنى أن الباطل ال يقدر حق وينصر احلق يف نفسه بل سيغلبون ألهنم مظلومون ظلموا على قول احلق و

ولينصرن بقوله وينصر حامل احلق إذا كان صادقا يف محله كما ذكره على أن يدحض حجة احلق إذا تقابال من ينصره إن لقوي عزيز الذين إن مكناهم يف األرض أقاموا الصالة إخل أي هم صادقون يف قوهلم احلق

يشري به إىل عدة آيات تفيد أن الكون يسري يف طريق كماله عاقبة األمور للهو اه ثم ختم الكالم بقوله ومحلهم إيوجلنده البتة كما يدل عليه للهوال ريب أيضا يف داللة القرآن على أن الغلبة إىل احلق والصدق والسعادة احلقيقية

ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا املرسلني إهنم هلم قولهو ٢١ اادلة ألغلنب أنا ورسلي كتب قوله يوسف غالب على أمره وقولهو ١٧٣ الصافات املنصورون وإن جندنا هلم الغالبون

Page 517: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥١٧

مسوقة لبيان أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها إخل وكذا اآلية الثانية اليت أوردها أعين قوله .٢١بقاء احلق وزهوق الباطل سواء كان على حنو التنازع كما يف احلق والباطل الذين مها معا من سنخ املاديات والبقاء

أو مل يكن على حنو التنازع واملضادة كما يف احلق والباطل الذين مها بني املاديات واملعنويات فإن بينهما بنحو التنازعفالتقدم والبقاء للمعنى مقدم على املادة غري مغلوب يف حال أصال وجود ارد عن املادةونعين به امل املعنى

وقد قال وكما يف احلق والباطل الذين مها معا من سنخ املعنويات واردات على الصورة من غري تنازع وعنت الوجوه للحي القيوم طه ١١١ وقال واألرض كل له قانتونله ما يف السموات البقرة ١١٦ وقال وأن إىل ربك املنتهى النجم ٤٢ فهو غالب على كل شيء وهو الواحد القهار.

فقد عرفت أهنا الناس بعضهم ببعض لفسدت األرض اآلية ولو ال دفع وأما اآلية اليت حنن فيها أعين قوله

وباختالله خيتل العمران وتفسد يف مقام اإلشارة إىل حقيقة يتكي عليه االجتماع اإلنساني الذي به عمارة األرضوتأديتها إىل التصاحل يف املنافع أعين التمدن واالجتماع وهي غريزة االستخدام الذي جبل عليه اإلنسان األرض

لكنه مع ذلك هو كان بعض أعراقه وأصوله التنازع يف البقاء واالنتخاب الطبيعي وهذا املعنى وإن التعاونيفينبغي أن حتمل اآلية اليت تريد إعطاء السبب القريب الذي يقوم عليه عمارة األرض ومصونيتها عن الفساد

.السبب يف عدم طروق الفساد على األرض عليه ال على ما ذكر من القاعدتني

Page 518: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥١٨

القاعدتان ومها التنازع يف البقاء واالنتخاب الطبيعي توجبان احنالل الكثرة وعودهتا إىل أخرى واضحةوبعبارة

والطبيعة الواحدة فإن كال من املتنازعني يريد بالنزاع إفناء اآلخر وضم ما له من الوجود ومزاياه إىل نفسهمها وأمثلهما فنتيجة جريان القاعدتني فساد الكثرة باالنتخاب تريد أن يكون الواحد الذي هو الباقي منهما أقوا

وهذا أمر ينايف االجتماع والتعاون واالشرتاك يف احلياة الذي يطلبه اإلنسان وبطالهنا وتبدهلا إىل واحد أمثلالدفع الذي و وأكل بعضهم بعضا ال إفناء قوم منه قوما بفطرته ويهتدي إليه بغريزته وبه عمارة األرض هبذا النوع

تعمر به األرض ويصان عن الفساد هو الدفع الذي يدعو إىل االجتماع واالحتاد املستقر على الكثرة واجلماعة دون فالقتال سبب لعمارة األرض وعدم فسادها الدفع الذي يدعو إىل إبطال االجتماع وإجياد الوحدة املفنية للكثرة

لقوم مستهلكني مستذلني ال من حيث يتشتت به اجلمع ويهلك به العني من حيث إنه حييا به حقوق اجتماعية حيوية .وميحى به األثر فافهم

حبث يف التاريخ

التاريخ النقلي ونعين به ضبط احلوادث الكلية واجلزئية بالنقل واحلديث مما مل يزل اإلنسان من وما يعتين به القرآن منهففي كل عصر من األعصار على ما نعلمه عدة من حفظته أو مهتما بهأقدم عهود حياته وأزمان وجوده يف األرض

Page 519: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥١٩

واإلنسان ينتفع به يف جهات شتى وآخرون يعتورون ما ضبطه أولئك ويأخذون ما أحتفوهم به كتابه واملؤلفني فيهمن حياته كاالجتماع واالعتبار والقص واحلديث والتفكه وأمور أخرى سياسية أو اقتصادية أو صناعية وغري

.ذلك

وأنه على شرافته وكثرة منافعه مل يزل وال يزال يعمل فيه عامالن بالفساد يوجبان احنرافه عن صحة الطبع وصدق أنه ال يزال يف كل عصر حمكوما للحكومة احلاضرة اليت بيدها القوة والقدرة أحدمها لكذبالبيان إىل الباطل وا

وليس ذلك إال ما ال نشك فيه أن احلكومات مييل إىل إظهار ما ينفعها ويغمض عما يضرها ويفسد األمر عليهااملقتدرة يف كل عصر هتتم بإفشاء ما تنتفع به من احلقائق وسرت ما تستضر به أو تلبيسها بلباس تنتفع به أو تصوير

فإن الفرد من اإلنسان واتمع منه مفطوران على جلب النفع ودفع الضرر الباطل والكذب بصورة احلق والصدقوهذا أمر ال يشك فيه من له أدنى شعور يشعر به األوضاع العامة احلاضرة يف زمان حياته ويتأمل به أمكنبأي حنو

.يف تاريخ األمم املاضية والبعيدة

أن املتحملني لألخبار والناقلني هلا واملؤلفني فيها مجيعهم ال خيلون من إعمال اإلحساسات الباطنية وثانيهماواحلكومة يف أعصارهم فإن مجلة األخبار يف املاضني فيما يتحملون منها أو يقضون فيها والعصبيات القومية

Page 520: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٢٠

وكانت اإلحساسات املذهبية فيهم قوية والعصبيات كانوا منتحلني بنحلة ومتدينني كل بدين حكومة الدينالقومية شديدة فال حمالة كانت تداخل األخبار التارخيية من حيث اشتماهلا على أحكام وأقضية كما أن العصبية

وى على العقل يوجب مداخالت من أهل األخبار اليوم نظري للهاملادية واإلحساسات القوية اليوم للحرية على الدين وومن هنا أنك ال ترى أهل دين وحنلة فيما ألف أو مجع من األخبار أودع مداخالت القدماء فيما ضبطوه أو نقلوه

وكذا األمر يف النقل اليوم ال ترى كلمة شيئا خيالف مذهبه فما ضبطه أهل كل مذهب موافق ألصول مذهبه .تارخيية عملته أيديهم إال وفيه بعض التأييد للمذهب املادي

وهو فقدان وسائل الضبط واألخذ والتحمل والنقل على أن هاهنا عوامل أخرى تستدعي فساد التاريخ

والتأليف واحلفظ عن التغري والفقدان سابقا وهذه النقيصة وإن ارتفعت اليوم بتقارب البالد وتراكم وسائل االتصال أن السياسة داخلت مجيع شئون جهة أخرى وهيوسهولة نقل األخبار واالنتقال والتحول لكن عمت البلية من

وحبسب حتوهلا تتحول األخبار من حال إىل حال فالدنيا اليوم تدور مدار السياسة الفنية اإلنسان يف حياتهووجود هذه النواقص أو النواقض يف التاريخ وهذا مما يوجب سوء الظن بالتاريخ حتى كاد أن يورده مورد السقوط

النقلي هو السبب أو عمدة السبب يف إعراض العلماء اليوم عنه إىل تأسيس القضايا التارخيية على أساس اآلثار وعمدته لكنها غري خالية عن الباقي وهذا وإن سلمت عن بعض اإلشكاالت املذكورة كاألول مثال األرضية

Page 521: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٢١

وتصرف السياسة فيها إفشاء وكتمانا وتغيريا خ مبا عنده من اإلحساس والعصبية يف األقضيةمداخلة املؤر .فهذا حال التاريخ وما معه من جهات الفساد الذي ال يقبل اإلصالح أبدا وتبديال

فإنه وحي إهلي منزه عن اخلطأ مربأ عن أن القرآن الشريف ال يعارض يف قصصه بالتاريخ إذا خالفه ومن هنا يظهر

فأغلب القصص القرآنية كنفس هذه فال يعارضه من التاريخ ما ال مؤمن له يؤمنه من الكذب واخلطأ الكذبوال ضري فيه فإن كتب العهدين ال تزيد على التواريخ املعمولة القصة قصة طالوت خيالف ما يوجد يف كتب العهدين

على أن مؤلف هذه القصة وهي قصة صموئيل وشارل بلسان اليت قد علمت كيفية تالعب األيدي فيها وهباصة يف وكيف كان فال نبايل مبخالفة القرآن ملا يوجد منافيا له يف التواريخ وخا غري معلوم الشخص أصال العهدين

.فالقرآن هو الكالم احلق من احلق عز امسه كتب العهدين

وإمنا هو كالم على أن القرآن ليس بكتاب تاريخ وال أنه يريد يف قصصه بيان التاريخ على حد ما يرومه كتاب التاريخة بتمام أطرافها ولذلك ال تراه يقص قص من اتبع رضوانه سبل السالم إهلي مفرغ يف قالب الوحي يهدي به

وإمنا يأخذ من القصة نكات متفرقة يوجب اإلمعان والتأمل فيها حصول الغاية من عربة أو حكمة وجهات وقوعها .أو موعظة أو غريها

Page 522: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٢٢

وقال ثم يقول أمل تر إىل املإل من بين إسرائيل كما هو مشهود يف هذه القصة قصة طالوت وجالوت حيث يقول

فلما فصل طالوت ثم يقول إن آية ملكه وقال هلم نبيهم ثم يقول قد بعث لكم طالوت ملكا إخل هلم نبيهم إن ومن املعلوم أن اتصال هذه اجلمل بعضها إىل بعض يف متام الكالم حيتاج إىل قصة ثم يقول وملا برزوا جلالوت إخل

ال خيتص بالذكر وهو مطرد يف مجيع القصص املقتصة يف القرآن وقد نبهناك مبثله فيما مر من قصة البقرة طويلةقال من عربة وموعظة وحكمة أو سنة إهلية يف األيام اخلالية واألمم الدارجة منها إال مواضع احلاجة فيها

لقد كان يف قصصهم عربة ألويل األلباب يوسف ١١١ وقال يريد ليبني لكم ويهديكمقد خلت من قبلكم سنن فسريوا يف األرض فانظروا كيف وقال ٢٦ النساء سنن الذين من قبلكم

.إىل غري ذلك من اآليات ١٣٨ آل عمران كان عاقبة املكذبني هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقني

ن كلمم مهنض معلى بع مضهعا بل فضلنسالر لكت ناهدأيو اتنيالب ميرم نى ابيسا عنآتيو اتجرد مضهعب فعرومنهم ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن و بروح القدس ولو شاء

ا مما رزقناكم من قبل أن يا أيها الذين آمنوا أنفقو ٢٥٣يفعل ما يريد ما اقتتلوا ولكن من كفر ولو شاء ونمالظال مه ونرالكافة وفاعال شلة وال خو يهف عيال ب موي يأتي٢٥٤

Page 523: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٢٣

بيان

ص سياق هاتني اآليتني ال يبعد كل البعد من سياق اآليات السابقة اليت كانت تأمر باجلهاد وتندب إىل اإلنفاق ثم تقوافتتحت هاتان اآليةوإنك ملن املرسلنيقولهوقد ختمت القصة ب قصة قتال طالوت ليعترب به املؤمنون

وقد قال يف القصة تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ثم ترجع إىل شأن قتال أمم األنبياء بعدهمقولهاآليتان قيدا من بعد موسىقولهفأتى إسرائيل من بعد موسىأمل تر إىل املإل من بين قصة طالوت السابقة أعين

فهذا كله يؤيد أن يكون هاتان اآليتان ذيل اآليات السابقة ثم ترجع إىل الدعوة إىل اإلنفاق من قبل أن يأتي يوم .واجلميع نازلة معا

أن الرسالة وخاصة من حيث كوهنا مشفوعة باآليات البينات الدالة على وباجلملة اآلية يف مقام دفع ما رمبا يتوهم

ملا أراد هداية الناس إىل سعادهتم الدنيوية إما من جهة أن حقية الرسالة ينبغي أن خيتم هبا بلية القتالوجيمع كلمتهم على واألخروية بإرسال الرسل وإيتاء اآليات البينات كان من احلري أن يصرفهم عن القتال بعد

اهلداية فما هذه احلروب واملشاجرات بعد األنبياء يف أممهم وخاصة بعد انتشار دعوة اإلسالم الذي يعد االحتاد وإما من جهة أن إرسال الرسل وإيتاء بينات اآليات للدعوة إىل احلق واالتفاق من أركان أحكامه وأصول قوانينه

Page 524: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٢٤

واإلميان من الصفات القلبية اليت ال توجد يف القلب عنوة وقهرا فما ذا يفيده القتال لغرض احلصول على إميان القلوب .وهذا هو اإلشكال الذي تقدم تقريره واجلواب عنه يف الكالم على آيات القتال بعد استقرار النبوة

مل ينجر أمر اجلماعة معلول االختالف الذي بني األمم إذ لو ال وجود االختالف أن القتال به والذي جييب

ولو شاء مل يوجد اختالف فلم يكن اقتتال رأسا فعلة االقتتال االختالف احلاصل بينهم ولو شاء إىل االقتتالفوجد وقد أراد جري األمور على سنة األسباب يفعل ما يريد ألعقم هذا السبب بعد وجوده لكن .ا تفيده اآليةاالختالف فوجد القتال فهذا إمجال م

إشارة إىل فخامة أمر الرسل وعلو مقامهم ولذلك جيء يف تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعضقوله

ففيهم وفيه داللة على التفضيل اإلهلي الواقع بني األنبياء اإلشارة بكلمة تلك الدالة على اإلشارة إىل بعيد وللجميع فضل فإن الرسالة يف نفسها فضيلة وهي مشرتكة بني اجلميع من هو أفضل وفيهم من هو مفضل عليه

ففيما بني الرسل أيضا اختالف يف املقامات وتفاوت يف الدرجات كما أن بني الذين بعدهم اختالفا على ما يدل عليه تفاضل يف الدرجات مع فإن االختالف بني األنبياء اختالف يف املقامات و ذيل اآلية إال أن بني االختالفني فرقا

وهذا خبالف االختالف واجتماعهم يف جممع الكمال وهو التوحيد احتادهم يف أصل الفضل وهو الرسالة

Page 525: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٢٥

ومن املعلوم أن ال جامع يف هذا والنفي واإلثبات املوجود بني أمم األنبياء بعدهم فإنه اختالف باإلميان والكفر بينهما من حيث التعبري فسمى ما لألنبياء تفضيال ونسبه إىل نفسه ق ولذلك فر النحو من االختالف

.ويف مورد أممهم اختلفوا فقال يف مورد الرسل فضلنا ومسى ما عند الناس باالختالف ونسبه إىل أنفسهم

وملا كان ذيل اآلية متعرضا ملسألة القتال مرتبطا هبا واآليات املتقدمة على اآلية أيضا راجعة إىل القتال باألمر به تلك الرسل فضلنا إىل قوله بروح قولهواالقتصاص فيه مل يكن مناص من كون هذه القطعة من الكالم أعين

ولكن قولهما اقتتل الذين من بعدهم إىل ولو شاء قولهمقدمة لتبيني ما يف ذيل اآلية من القدس .يفعل ما يريد

مقام تنمو فيه اخلريات والربكات وعلى هذا فصدر اآلية لبيان أن مقام الرسالة على اشرتاكه بني الرسل

وهذا وتنبع فيه الكمال والسعادة ودرجات القربى والزلفى كالتكليم اإلهلي وإيتاء البينات والتأييد بروح القدس .املقام على ما فيه من اخلري والكمال مل يوجب ارتفاع القتال الستناده إىل اختالف الناس أنفسهم

Page 526: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٢٦

من الفضيلة مقام تنمو فيه اخلريات كلما انعطفت إىل وبعبارة أخرى حمصل معنى اآلية أن الرسالة على ما هي عليه وهذا املقام على ما فيه من وكلما ملت إىل حنو من أحنائه ألفيت غضا طريا جانب منه وجدت فضال جديدا

ف إمنا فإن هذا االختال البهاء والسناء واإلتيان باآليات البينات ال يتم به رفع االختالف بني الناس بالكفر واإلمياناإلسالم إن الدين عند يف موضع آخر يستند إىل أنفسهم فهم أنفسهم أوجدوا هذا االختالف كما قال

وقد مر بيانه يف ١٩ آل عمران وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إال من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم .٢١٣ البقرة كان الناس أمة واحدةقوله

يف سنة لكنهم اختلفوا فيما بينهم بغيا وقد أجرى ملنع من هذا القتال الواقع بعدهم منعا تكوينيا ولو شاء

ملنع من هذا القتال منعا ولو شاء اإلجياد سببية ومسببية بني األشياء واالختالف من علل التنازع اخلبيث من الطيب وليعلمن أمر به وأراد بأمره البالء واالمتحان ليميز ولكنه تشريعيا أو مل يأمر به

.الذين آمنوا وليعلمن الكاذبني

والرسالة وبيناهتا إمنا تدحض وباجلملة القتال بني أمم األنبياء بعدهم ال مناص عنه ملكان االختالف عن بغي .الباطل وتزيل الشبه

Page 527: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٢٧

فإن وإصالح النوع فيها إال القتال يشاهبهما من الرذائل فال سبيل إىل تصفية األرض منهاوأما البغي واللجاج وما

ولذلك كان كلما اقتضت املصلحة أمر التجارب يعطي أن احلجة مل تنجح وحدها قط إال إذا شفع بالسيف بالقيام للحق واجلهاد يف سبيل كما يف عهد إبراهيم وبين إسرائيل وبعد بعثة رسول وقد مر

.بعض الكالم يف هذا املعنى يف تفسري آيات القتال سابقا

والوجه فيه و يف اجلملتني التفات من احلضور إىل الغيبة ورفع بعضهم درجات منهم من كلم قوله منها ما هو حبسب نفس مدلول االسم يدل على الفضيلة كاآليات البينات أن الصفات الفاضلة على قسمني - أعلم

وكالتأييد بروح القدس كما ذكر لعيسى فإن هذه اخلصال بنفسها غالية سامية ومنها ما ليس كذلك وفضيلة إال أن يضاف فإنه ال يعد يف نفسه منقبة وإمنا يدل على الفضيلة ويستلزم املنقبة بواسطة اإلضافة كالتكليم

وكذا رفع الدرجات ال فضيلة فيه بنفسه إال أن عز امسه إىل شيء فيكتسب منه البهاء والفضل كإضافته إىل أن هذا هو الوجه يف االلتفات من إذا عرفت هذا علمت الدرجات مثال فينسب الرفع إىل رفع يقال

ورفع بعضهم درجات وآتينا فمنهم من كلم احلضور إىل الغيبة يف اثنتني من اجلمل الثالث حيث قال

Page 528: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٢٨

فحول وجه الكالم من التكلم إىل الغيبة يف اجلملتني األوليني حتى إذا استوفى الغرض عاد عيسى بن مريم البينات .وآتينا عيسى بن مريم التكلم فقال إىل وجه الكالم األول وهو

وكلم قولهل موسى فقيل املراد مبن كلم وقد اختلف املفسرون يف املراد من اجلملتني من هو

موسى تكليما النساء ١٦٤ وغريه من اآليات وقيل املراد به رسول حممد ملا كلمه ثم دنا قال ليلة املعراج حيث قربه إليه تقريبا سقطت به الوسائط مجلة فكلمه بالوحي من غري واسطة

وقيل املراد به الوحي مطلقا ألن ١٠ النجم فتدىل فكان قاب قوسني أو أدنى فأوحى إىل عبده ما أوحىإال وحيا أو من وراء وما كان لبشر أن يكلمه تكليما حيث قال وقد مساه الوحي تكليم خفي

.منهم من كلم وهذا الوجه ال يالئم من التبعيضية اليت يف قوله ٥١ الشورى حجاب

النازل قبل هذه السورة املدنية ألن تكليمه هو املعهود من كالمه واألوفق باملقام كون املراد به موسى قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برساالتي - إىل أن قال - مليقاتنا وكلمه ربه وملا جاء موسى قال

.وهي آية مكية فقد كان كون موسى مكلما معهودا عند نزول هذه اآلية ١٤٣ األعراف وبكالمي

Page 529: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٢٩

رفع درجته يف تفضيله على مجيع الرسل ألن قيل املراد به حممد ورفع بعضهم درجاتقولهوكذا يف وجبعله رمحة للعاملني كما قال ٢٨ سبأ وما أرسلناك إال كافة للناس ببعثته إىل كافة اخللق كما قال

وما أرسلناك إال رمحة للعاملني األنبياء ١٠٧ وجبعله خامتا للنبوة كما قال ولكن رسول وبإيتائه قرآنا مهيمنا على مجيع الكتب وتبيانا لكل شيء وحمفوظا من حتريف ٤٠ األحزاب وخامت النبيني

وأنزلنا إليك الكتاب باحلق مصدقا ملا بني يديه من الكتاب ومعجزا باقيا ببقاء الدنيا كما قال املبطلنيوقال ٨٩ النحل ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وقال ٤٨ املائدة ومهيمنا عليه إنا حنن نزلنا الذكر وإنا له حلافظوناحلجر وقال ٦ قل لئن اجتمعت اإلنس واجلن على أن يأتوا

وباختصاصه بدين قيم يقوم على مجيع ٨٨ اإلسراء مبثل هذا القرآن ال يأتون مبثله ولو كان بعضهم لبعض ظهريامن درجة وقيل املراد به ما رفع ٤٣ الروم وجهك للدين القيم فأقم قال مصاحل الدنيا واآلخرة

وقوله ٧٩ الصافات سالم على نوح يف العاملني يف نوح غري واحد من األنبياء كما يدل عليه قوله وقوله ١٢٤ البقرة وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأمتهن قال إني جاعلك للناس إماما يف إبراهيم فيه واجعل يل لسان صدق يف اآلخرين الشعراء ٨٤ وقوله يف إدريس ورفعناه مكاناوقوله يف داود ٧٦ يوسف نرفع درجات من نشاء يف يوسف وقوله ٥٧ مريم عليا وآتينا داود زبورا النساء ١٦٣ إىل غري ذلك من خمتصات األنبياء.

Page 530: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٣٠

كإبراهيم وموسى وعيسى وعزير إن املراد بالرسل يف اآلية هم الذين اختصوا بالذكر يف سورة البقرة وكذا قيل

فالبعض املرفوع الدرجة وقد ذكر موسى وعيسى من بينهم وبقي الباقون وأرميا ومشوئيل وداود وحممد قبيل اآلية يف القصة ملا كان املراد بالرسل يف اآلية هم الذين ذكرهم وقيل بالنسبة إىل الباقني هو حممد

وقد ذكر ما اختص به موسى من التكليم ثم ذكر رفع الدرجات وليس له إال وهم موسى وداود ومشوئيل وحممدإن الوجه فيه عدم سبق ذكره بأن يقال وميكن أن يوجه التصريح باسم عيسى على هذا القول حممد فيمن ذكر من األنبياء يف هذه اآليات.

مقصود يف اآلية غري أنه ال وجه لتخصيص اآلية به درجة النيب إنه ال شك أن ما رفع والذي ينبغي أن يقال

وال مبن ذكر يف هذه السورة من األنبياء فإن وال مبن ذكر يف هذه اآليات أعين أرميا ومشوئيل وداود وحممد بهومشول البعض بل الظاهر من إطالق اآلية مشول الرسل جلميع الرسل كل ذلك حتكم من غري وجه ظاهر

.عليه منهم برفع الدرجة لكل من أنعم ورفع بعضهم درجات يف قوله

Page 531: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٣١

ألن السياق يف بيان العربة لألمم اليت تقتتل بعد رسلهم مع كون إن األسلوب يقتضي كون املراد به حممد وما قيلوقد ذكر منهم واملوجود منهم اليهود والنصارى واملسلمون فاملناسب ختصيص رسلهم بالذكر دينهم دينا واحدا

.فتعني أن يكون البعض الباقي حممدا موسى وعيسى بالتفصيل يف اآلية

١٣٦ البقرةال نفرق بني أحد منهم قال أن القرآن يقضي بكون مجيع الرسل رسال إىل مجيع الناس فيهفإتيان الرسل مجيعا باآليات البينات كان ينبغي أن يقطع دابر الفساد والقتال بني الذين بعدهم لكن اختلفوا بغيا بينهم

به حني تقتضيه املصلحة ليحق احلق بكلماته ويقطع دابر فكان ذلك أصال يتفرع عليه القتال فأمر .فالعموم وجيه يف اآلية املبطلني

كالم يف الكالم

يدل على وقوع التكليم منه لبعض الناس يف اجلملة أي أنه يدل على وقوع أمر منهم من كلم قولهثم إن سواء كان هذا اإلطالق إطالقا حقيقيا أو إطالقا يف كتابه بالكالم حقيقي من غري جماز ومتثيل وقد مساه

به أنبياءه يدل على أن ما خص أن كالمه اجلهة األوىل فالبحث يف املقام من جهتني جمازياورسله من النعم اليت ختفى على إدراك غريهم من الناس مثل الوحي والتكليم ونزول الروح واملالئكة ومشاهدة

Page 532: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٣٢

كل كامللك والشيطان واللوح والقلم وسائر اآليات اخلفية على حواس الناس أو أخربهم به اآليات اإلهلية الكربىوما تلقيه ذلك أمور حقيقية واقعية من غري جماز يف دعاويهم مثل أن يسموا القوى العقلية الداعية إىل اخلري مالئكة

واملرتبة العالية من هذه القوى وهي اليت ترتشح منها األفكار الطاهرة هذه القوى إىل إدراك اإلنسان بالوحيوالقوى الشهوية والغضبية النفسانية الداعية إىل الشر والروح األمنياملصلحة لالجتماع اإلنساني بروح القدس

واألفكار الرديئة املفسدة لالجتماع الصاحل أو املوقعة لسيىء العمل بالوسوسة والنزعة والفساد بالشياطني واجلن وهكذا.

حبيث ظاهرة يف كوهنم مل يريدوا هبا ااز والتمثيلفإن اآليات القرآنية وكذا ما نقل إلينا من بيانات األنبياء املاضني ولو جاز محل هذه البيانات إىل أمثال هذه التجوزات جاز تأويل ال يشك فيه إال مكابر متعسف وال كالم لنا معه

وقد مر بعض مجيع ما أخربوا به من احلقائق اإلهلية من غري استثناء إىل املادية احملضة النافية لكل ما وراء املادة .الكالم يف املقام يف حبث اإلعجاز

ففي مورد التكليم اإلهلي ال حمالة أمر حقيقي متحقق يرتتب عليه من اآلثار ما يرتتب على التكلمات املوجودة فيما

.بيننا

Page 533: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٣٣

النساءموسى تكليما وكلم قولهعرب عن بعض أفعاله بالكالم والتكليم ك أنه توضيح ذلك

١٦٣ قولهو منهم من كلم اآلية وقد فسر هذا اإلطالق املبهم الذي يف هاتني اآليتني وماإال وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسوال فيوحي بإذنه ما وما كان لبشر أن يكلمه قولهيشبههما ب

أن قولهال يتم إال إذا كان التكليم املدلول عليه إال وحيا إخل فإن االستثناء يف قوله ٥١ الشورى يشاءفحد أصل التكليم حقيقة غري للبشر تكليم لكن بنحو خاص فتكليم تكليما حقيقة يكلمه

.منفي عنه

هو أن اإلنسان ملكان احتياجه إىل االجتماع واملدنية حيتاج بالفطرة إىل مجيع ما والذي عندنا من حقيقة الكالمومنها التكلم وقد أجلأت الفطرة اإلنسان أن يسلك إىل الداللة على الضمري من حيتاج إليه هذا االجتماع التعاوني

ملختلطة أمارات دالة على املعاني وجيعل األصوات املؤلفة وا طريق الصوت املعتمد على خمارج احلروف من الفمفاإلنسان حمتاج إىل التكلم من جهة أنه املكنونة يف الضمري اليت ال طريق إليها إال من جهة العالئم االعتبارية الوضعية

ولذلك كانت ال طريق له إىل التفهيم والتفهم إال جعل األلفاظ واألصوات املؤتلفة عالئم جعلية وأمارات وضعية االحتياجات اليت تنبه هلا اإلنسان يف حياته احلاضرة أعين غات يف وسعتها دائرة مدار االحتياجات املوجودةالل

Page 534: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٣٤

وتكثر احلوائج اإلنسانية يف حياته ولذلك أيضا كانت اللغات ال تزال تزيد وتتسع حبسب تقدم االجتماع يف صراطه .االجتماعية

أن الكالم أعين تفهيم ما يف الضمري باألصوات املؤتلفة الدالة عليه بالوضع واالعتبار إمنا يتم يف ومن هنا يظهر

ورمبا حلق به بعض أنواع احليوان مما لنوعه حنو اجتماع وله شيء من جنس اإلنسان وهو واقع يف ظرف االجتماعفلو كان ثم إنسان وني فال حتقق للكالم معهعلى ما حنسب وأما اإلنسان يف غري ظرف االجتماع التعا الصوت

وكذلك واحد من غري أي اجتماع فرض مل متس احلاجة إىل التكلم قطعا لعدم مساس احلاجة إىل التفهيم والتفهم .غري اإلنسان مما ال حيتاج يف وجوده إىل التعاون االجتماعي واحلياة املدنية كامللك والشيطان مثال

على حد ما يصدر الكالم منا أعين بنحو خروج الصوت من احلنجرة واعتماده على فالكالم ال يصدر منه

أجل شأنا وأنزه ساحة أن يتجهز فإنه الداللة االعتبارية الوضعية مقاطع النفس من الفم املنضمة إليه الشورى ليس كمثله شيء وقد قال أو يستكمل بالدعاوي الومهية االعتبارية بالتجهيزات اجلسمانية

١١.

Page 535: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٣٥

يثبت ٥١ الشورى إال وحيا أو من وراء حجاب وما كان لبشر أن يكلمه قولهفيما مر من لكنه فالكالم حبده االعتباري املعهود لشأنه وفعله املذكور حقيقة التكليم وإن نفي عنه املعنى العادي املعهود بني الناس

ومع بقاء األثر والغاية يبقى احملدود يف األمور االعتبارية مسلوب عن الكالم اإلهلي لكنه خبواصه وآثاره ثابت له .وقد تقدم بيانه الدائرة يف اجتماع اإلنسان نظري الذرع وامليزان واملكيال والسراج والسالح وحنو ذلك

وإن بني لنا إمجاال أنه وهو عن معنى مقصود إفهامه للنيب كالم حقيقة ظهر أن ما يكشف به فقد

مل يبني لنا وال حنن تنبهنا من كالمه أن لكنه كالم حقيقة على غري الصفة اليت نعدها من الكالم الذي نستعملهغري أنه على أي حال ال يسلب عنه خواص وكيف يتحقق هذا الذي يسميه كالما يكلم به أنبياءه ما حقيقته

.الكالم املعهود عندنا ويثبت عليه آثاره وهي تفهيم املعاني املقصودة وإلقاؤها يف ذهن السامع

حيتاج يف كاإلحياء واإلماتة والرزق واهلداية والتوبة وغريها فعل من أفعاله وعلى هذا فالكالم منه حتققه إىل متامية الذات قبله ال كمثل العلم والقدرة واحلياة مما ال متام للذات الواجبة بدونه من الصفات اليت هي عني

ورمبا قبل االنطباق على الزمان ! كيف وال فرق بينه وبني سائر أفعاله اليت تصدر عنه بعد فرض متام الذات الذاتوقال ١٤٣ األعراف مليقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن ترانيوملا جاء موسى قال

Page 536: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٣٦

وقد خلقتك من قبل ومل تك شيئا مريم ٩ وقال فقال هلم موتوا ثم أحياهم البقرة ٢٤٣ وقال حنن نرزقكم وإياهم األنعام ١٥١ وقال الذي أعطى كل شيء خلقه ثمفاآليات كما ترى تفيد زمانية الكالم كما ١١٨ التوبة ثم تاب عليهم ليتوبوا وقال ٥٠ طه هدى

.تفيد زمانية غريه من األفعال كاخللق واإلماتة واإلحياء والرزق واهلداية والتوبة على حد سواء

أما والبحث التفسريي املقصور على اآليات القرآنية يف معنى الكالم فهذا هو الذي يعطيه التدبر يف كالمه .ما يقتضيه البحث الكالمي على ما اشتغل به السلف من املتكلمني أو البحث الفلسفي فسيأتيك نبأه

نعم الكلمة أو الكلمات قد استعملت يف غري يف غري مورد اإلنسان أن الكالم أو التكليم مما مل يستعلمه واعلم وكلمة وقال أريد به نفس اإلنسان ١٧١ النساء وكلمته ألقاها إىل مريم قال مورده

ما نفدت وقال ١٥٥ األنعام ومتت كلمة ربك صدقا وعدال وقال ٤٠ التوبة هي العليا .وقد أريد هبا القضاء أو نوع من اخللق على ما سيجيء اإلشارة إليه ٢٧ لقمان كلمات

Page 537: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٣٧

فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك يف مورد اإلنسان اإلنسان وغريه فقال وأما لفظ القول فقد عم يف كالمه وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل يف األرض يف مورد املالئكة وقال ١١٧ طه ولزوجك

وقال يف مورد ٧١ ص إذ قال ربك للمالئكة إني خالق بشرا من طني وقال أيضا ٣٠ البقرة خليفةثم يف غري مورد أويل العقل وقال ٧٥ ص قال يا إبليس ما منعك أن تسجد ملا خلقت بيدي إبليس

وقال ١١ فصلت كرها قالتا أتينا طائعنياستوى إىل السماء وهي دخان فقال هلا ولألرض ائتيا طوعا أو قلنا يا نار كوني بردا وسالما على إبراهيم األنبياء ٦٩ وقال وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا

إمنا أمره إذا أراد شيئا أن يقول له قولهوجيمع اجلميع على كثرة مواردها وتشتتها ٤٤ هود مساء أقلعي .٣٥ مريمإذا قضى أمرا فإمنا يقول له كن فيكونقولهو ٨٢ يس كن فيكون

حيث يستعمل القول يف املوارد املذكورة مما له مسع وإدراك باملعنى املعهود عندنا والذي يعطيه التدبر يف كالمه

وحيث إن ومما سبيله التكوين وليس له مسع وإدراك باملعنى املعهود عندنا كاألرض والسماء كاإلنسان مثال .إجياد أمر يدل على املعنى املقصود اآليتني األخريتني مبنزلة التفسري ملا يتقدمهما من اآليات أن القول منه

Page 538: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٣٨

وهو بعينه قول له موجودوخلقه هو شيء خملوق فأما يف التكوينيات فنفس الشيء الذي أوجده فإن من املعلوم أنه إذا أراد شيئا فقال له كن فكان ليس هناك لفظ لداللته بوجوده على خصوص إرادته

كن فهو بعينه خملوق وهو بعينه قوله وليس هناك غري نفس وجود الشيء وبني الشيء متوسط بينه .فقوله يف التكوينيات نفس الفعل وهو اإلجياد وهو الوجود وهو نفس الشيء

أمرا يوجب علما باطنيا يف اإلنسان بأن كذا كذا وأما يف غري التكوينيات كمورد اإلنسان مثال فبإجياده

أو ال ندرك كيفية تأثريه يف نفس النيب أو بنحو آخر ال ندركه وذلك إما بإجياد صوت عند جسم من األجسام .حبيث يوجد معه علم يف نفسه بأن كذا كذا على حد ما مر يف الكالم

لكن خيتص هذان النوعان وما شاهبهما لو كان هلما شبيه للمالئكة أو الشيطان وكذلك القول يف قوله

باستخدام الصوت أو اإلشارة بضميمة االعتبار وهي أن الكالم والقول املعهود فيما بيننا إمنا هو خبصوصيةأن امللك ومن املعلوم على ما يعطيه كالمه الوضعي الذي يستوجبه فينا فطرتنا احليوانية االجتماعية

والشيطان ليس وجودمها من سنخ وجودنا احليواني االجتماعي وليس يف وجودمها هذا التكامل التدرجيي .ألمور االعتباريةالعلمي الذي يستدعي وضع ا

Page 539: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٣٩

أن ليس فيما بني املالئكة وال فيما بني الشياطني هذا النوع من التفهيم والتفهم الذهين املستخدم فيه ويظهر من ذلك

وعلى هذا فال يكون حتقق القول فيما بينهم أنفسهم نظري االعتبار اللغوي واألصوات املؤلفة املوضوعة للمعانيحتققه فيما بيننا أفراد اإلنسان بصدور صوت مؤلف تأليفا لفظيا وضعيا من فم مشقوق ينضم إليه أعضاء فعالة

والتأثر من ذلك بإحساس أذن مشقوق ينضم إليها أعضاء آخذة للصوت املقروع من واحد آخر للصوت من واحدلكن حقيقة القول موجودة فيما بني نوعيهما حبيث يرتتب عليه أثر القول وخاصته وهو فهم املعنى روهو ظاه

وبينهم قول ال بنحو إجياد وكذا بني املقصود وإدراكه فبني املالئكة أو الشياطني قول ال كنحو قولنا .الصوت واللفظ املوضوع وإمساعه هلم كما مسعت

قالت منلة يا أيها النمل قولهينسب إىل نوع احليوانات العجم من القول يف القرآن الكريم ك وكذلك القول يف ما

٢٢ النمل فقال أحطت مبا مل حتط به وجئتك من سبإ بنبإ يقني وقال ١٨ النمل ادخلوا مساكنكماختذي من اجلبال بيوتا وأوحى ربك إىل النحل أنقولهووحيه إليهم ك وكذا ما يذكر فيه من قول

.٦٨ النحل ومن الشجر ومما يعرشون

Page 540: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٤٠

إنا أوحينا قال وهناك ألفاظ أخر رمبا استعمل يف معنى القول والكالم أو ما يقرب من معنامها كالوحيفجورها ونفس وما سواها فأهلمها قال واإلهلام ١٦٣ النساء إليك كما أوحينا إىل الذين من قبلك

يقص قال والقص ٣ التحريم قال نبأني العليم اخلبري قال والنبأ ٨ الشمس وتقواهاوالقول يف مجيع هذه األلفاظ من حيث حقيقة املعنى هو الذي قلناه يف أول الكالم من لزوم ٥٧ األنعام احلق

حتقق أمر حقيقي معه يرتتب عليه أثر القول وخاصته سواء علمنا حبقيقة هذا األمر احلقيقي املتحقق بالضرورة أو مل .الشورى إن شاء ويف الوحي خاصة كالم سيأتي التعرض له يف سورة نعلم حبقيقته تفصيال

وأما اختصاص بعض املوارد ببعض هذه األلفاظ مع كون املعنى املشرتك املذكور موجودا يف اجلميع كتسمية بعضها

فالقول كالما وبعضها قوال وبعضها وحيا مثال ال غري فهو يدور مدار ظهور انطباق العناية اللفظية على املورديفيد وقوع املعنى يف الذهن ولذلك مسي هذا الفعل اإلهلي يف مورد بيان تفضيل يسمى كالما نظرا إىل السبب الذي

ويسمى قوال بالنظر إىل املعنى املقصود إلقاؤه األنبياء وتشريفهم كالما ألن العناية هناك إمنا هو باملخاطبة والتكليمقال قولهشريع وحنو ذلك قوال كوتفهيمه ولذلك مسي هذا األمر اإلهلي يف مورد القضاء والقدر واحلكم والت

ويسمى وحيا بعناية كونه خفيا عن غري األنبياء ولذلك عرب يف موردهم ٨٥ ص احلق واحلق أقول ألمألن قولهبالوحي كإنا أوحينا إليك كما أوحينا إىل الذين من قبلك النساء ١٦٣.

Page 541: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٤١

وهي البحث من جهة كيفية االستعمال فقد عرفت أن مفردات اللغة إمنا انتقل اإلنسان إىل معانيها اجلهة الثانية

ووضع األلفاظ حبذائها واستعملها فيها يف احملسوسات من األمور اجلسمانية ابتداء ثم انتقل تدرجيا إىل املعنوياتاملعنى املعقول استعماال جمازيا ابتداء لكنه وهذا وإن أوجب كون استعمال اللفظ املوضوع للمعنى احملسوس يف

وكذلك ترقي االجتماع وتقدم اإلنسان يف املدنية سيعود حقيقة بعد استقرار االستعمال وحصول التبادروالتبدل فيها دائما مع بقاء األمساء فاألمساء ال تزال واحلضارة يوجب التغري يف الوسائل اليت ترفع حاجته احليوية

وذلك كما أن السراج يف أول ما تنبه اإلنسان إلمكان رفع بعض مصاديق معانيها مع بقاء األغراض املرتبة تتبدلاحلوائج به كان مثال شيئا من الدهن أو الدهنيات مع فتيله متصلة هبا يف ظرف حيفظها فكانت تشتعل الفتيلة

ثم مل يزل يتحول طورا بعد طور فركبته الصناعة على هذه اهليئة أوال ومساه اإلنسان بالسراج لالستضاءة بالليلحتى انتهت إىل هذه السرج الكهربائية اليت ال يوجد فيها ومعها شيء من أجزاء السراج ويركب طبقا عن طبق

ومع ذلك حنن نطلق لفظ زفية أو فلزيةاملوضوع حبذائه لفظ السراج من دهن وفتيلة وقصعة خ املصنوع أوالوليس ذلك إال أن الغاية والغرض من ومن غري عناية السراج عليها وعلى سائر أقسام السراج على حد سواء

وهو السراج أعين األثر املقصود منه املرتتب على املصنوع أوال يرتتب بعينه على املصنوع أخريا من غري تفاوتفحقيقة السراج وحنن ال نقصد شيئا من وسائل احلياة وال نعرفها إال بغايتها يف احلياة وأثرها املرتتب االستضاءة

Page 542: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٤٢

ومع بقاء هذه اخلاصة واألثر يبقى حقيقة السراج ويبقى اسم السراج على حقيقة معناه ما يستضاء بضوئه بالليل ة أو الكمية أو أصل أجزاء الذات كما عرفت يف املثالوإن تغري الشكل أحيانا أو الكيفي من غري تغري وتبدل

وعلى هذا فاملالك يف بقاء املعنى احلقيقي وعدم بقائه بقاء األثر املطلوب من الشيء على ما كان من غري تغري ه أوالشيء مل يتغري ذاته عما حدث علي - وهي ألوف وألوف - وقلما يوجد اليوم يف األمور املصنوعة ووسائل احلياة

غري أن بقاء األثر واخلاصة أبقى لكل واحد منها امسه األول الذي وضع له.

ويف اللغات شيء كثري من القسم األول وهو اللفظ املنقول من معنى حمسوس إىل معنى معقول يعثر عليه املتتبع .البصري

.واخلاصة استعمال حقيقي ال جمازيفقد حتصل أن استعمال الكالم والقول فيما مر مع فرض بقاء األثر

وأنه من مراتب حيكي عن أمر حقيقي واقعي أن إطالق الكالم والقول يف مورده فظهر من مجيع ما بيناه

كما أن سائر املعنى احلقيقي هلاتني اللفظتني وإن اختلف من حيث املصداق مع ما عندنا من مصداق الكالم .كاحلياة والعلم واإلرادة واإلعطاء كذلك األلفاظ املشرتكة االستعمال بيننا وبينه

Page 543: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٤٣

من حيث اشتماله على أمر ورفع بعضهم درجاتقولهأن القول يف معنى رفع الدرجات من واعلم

أن ما يف املعارف الدينية حقيقي واقعي غري اعتباري كالقول يف معنى الكالم بعينه فقد توهم أكثر الباحثنياشتملت عليه هذه البيانات أمور اعتبارية ومعاني ومهية نظري ما يوجد بيننا معاشر أهل االجتماع من اإلنسان من

فلزمهم أن جيعلوا ما يرتبط هبا من احلقائق مقامات الرئاسة والزعامة والفضيلة والتقدم والتصدر وحنو ذلككمقامات اآلخرة من جنة ونار وسؤال وغري ذلك مرتبطة مرتتبة نظري ترتب اآلثار اخلارجية على هذه املقامات

أي أن الرابطة بني املقامات املعنوية املذكورة وبني النتائج املرتبة عليها رابطة االعتبار االجتماعية االعتباريةحمكوما باآلراء االعتبارية وتقدس كون جاعل هذه الروابط وهو - اضطرارا - ولزمهم وضعوال

ولذلك تراهم والنازل يف منزل احلركة واالستكمال ومبعوثا عن الشعور الومهي كاإلنسان الواقع يف عامل املادةكماالت احلقيقية املعنوية اليت تثبتها هلم ظواهر يستنكفون عن القول باختصاص املقربني من أنبيائه وأوليائه بال

.الكتاب والسنة إال أن تنسلخ عن حقيقتها وترجع إىل حنو من االعتباريات

رجوع إىل أصل السياق وهو التكلم دون الغيبة وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدسقوله .كما مر

Page 544: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٤٤

من جهات التفضيل وهو أن ما ذكره له عدم ذكر غريه من الرسل يف اآليةوالوجه يف التصريح باسم عيسى مع

لقد قال والتأييد بروح القدس مشرتك بني الرسل مجيعا ليس مما خيتص ببعضهم دون بعض إيتاء البيناتمن عباده أن ينزل املالئكة بالروح من أمره على من يشاء وقال ٢٥ احلديد أرسلنا رسلنا بالبينات

لكنهما يف عيسى بنحو خاص فجميع آياته كإحياء املوتى وخلق الطري بالنفخ وإبراء األكمه ٢ النمل أنذروافلذلك نسبها إىل عيسى واإلخبار عن املغيبات كانت أمورا متكئة على احلياة مرتشحة عن الروح واألبرص وصرح بامسه إذ لو ال التصريح مل يدل على كونه فضيلة خاصة كما لو قيل وآتينا بعضهم البينات وأيدناه بروحفال يستقيم نسبتها إىل البعض باالختصاص إال إذ البينات وروح القدس كما عرفت مشرتكة غري خمتصة القدس

خاصة أخرى وآية على أن يف اسم عيسى تقريبامع التصريح بامسه ليعلم أهنا فيه بنحو خاص غري مشرتك فمجموع االبن واألم آية ٩١ األنبياء وجعلناها وابنها آية للعاملني قال بينة وهي أنه ابن مريم ال أب له

.بينة إهلية وفضيلة اختصاصية أخرى

العدول إىل الغيبة ثانيا ألن املقام ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءهتم البينات ولو شاء قولهفجميع احلوادث على طريف إثباهتا ونفيها والقدرة غري باطلة مقام إظهار أن املشية واإلرادة الربانية غري مغلوبة

Page 545: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٤٥

وباجلملة وصف األلوهية هي اليت تنايف تقيد القدرة وتوجب إطالق تعلقها غري خارجة عن السلطنة اإلهليةولو شاء جياب والسلب فمست حاجة املقام إىل إظهار هذه الصفة املتعالية أعين األلوهية للذكر فقيلبطريف اإل ما اقتتل ومل يقل ولو شئنا ما اقتتل وهذا هو الوجه أيضا يف قوله يف ذيل اآلية ولو شاء ما اقتتلوا

ولكن قولهو يفعل ما يريد وهو الوجه أيضا يف العدول عن اإلضمار إىل اإلظهار.

ذكر يف نسب االختالف إليهم ال إىل نفسه ألنه ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفرقولهالنازلة على أنبيائه أن االختالف باإلميان والكفر وسائر املعارف األصلية املبينة يف كتب مواضع من كالمه

.بغي أو ظلم وحاشا أن ينتسب إليه إمنا حدث بني الناس بالبغي

مل يؤثر االختالف يف استدعاء القتال أي ولو شاء يفعل ما يريد ولو شاء ما اقتتلوا ولكن قوله .يفعل ما يريد وقد أراد أن يؤثر هذا االختالف يف سوقه الناس إىل االقتتال جريا على سنة األسباب ولكن

مرتفع عن الناس أفقهم مقربون عند رهبم للهأن الرسل اليت أرسلوا إىل الناس عباد العامل وحمصل معنى اآلية و

فهذا حال الرسل وقد أتوا للناس وهم مفضل بعضهم على بعض على ما هلم من األصل الواحد واملقام املشرتك

Page 546: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٤٦

وكان الزمه أن ال ينساق الناس بعدهم إال بآيات بينات أظهروا هبا احلق كل اإلظهار وبينوا طريق اهلداية أمت البيانوهو من غري اختالف وقتال لكن كان هناك سبب آخر أعقم هذا السبب إىل الوحدة واأللفة واحملبة يف دين

ولو شاء ثم التفرق بعد ذلك يف سائر شئون احلياة والسعادة االختالف عن بغي منهم وانشعاهبم إىل مؤمن وكافر ا السبب أعين االختالف فلم يوجب االقتتال وما اقتتلواألعقم هذ ولكن مل يشأ وأجرى هذا السبب كسائر

.يفعل ما يريد و يف عامل الصنع واإلجياد األسباب والعلل على سنة األسباب اليت أرادها

.معناه واضح ويف ذيل اآلية داللة على أن االستنكاف عن اإلنفاق كفر وظلم يا أيها الذين آمنوا أنفقوا إخل قوله

يف هذا ما يستدل به على أن أصحاب حممد إخل تلك الرسل فضلناقولهيف عن الباقر يف الكايف .قد اختلفوا من بعده فمنهم من آمن ومنهم من كفر

يوم اجلمل كنت واقفا مع أمري املؤمنني علي بن أبي طالب قال عن أصبغ بن نباتة ويف تفسري العياشي

وصلى القوم وصلينا وهلل القوم وهللنا يا أمري املؤمنني كرب القوم وكربنا فجاء رجل حتى وقف بني يديه فقال

Page 547: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٤٧

ورفع منهم من كلم - تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض على هذه اآلية فقال ! فعلى ما نقاتلهمما اقتتل الذين من بعدهم ولو شاء - وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس - بعضهم درجات

يفعل ما ولكن - ما اقتتلوا ومنهم من كفر ولو شاء - فنحن الذين من بعدهم ولكن اختلفوا فمنهم من آمن .كفر القوم ورب الكعبة ثم محل فقاتل حتى قتل رمحه ن الذين آمنا وهم الذين كفروا فقال الرجلفنح يريد

أخذ الكفر والرواية تدل على أنه والقمي يف تفسريه وروى هذه القصة املفيد والشيخ يف أماليهما أقول

فإن النقل املستفيض وكذا يف اآلية باملعنى األعم من الكفر اخلاص املصطلح الذي له أحكام خاصة يف الدينما كان يعامل مع خمالفيه من أصحاب اجلمل وأصحاب صفني واخلوارج معاملة الكفار التاريخ يشهدان أنه

فليس إال أنه عدهم كافرين على ة أهل الردة من الدينمن غري أهل الكتاب وال معاملة أهل الكتاب وال معامل .أقاتلهم على التأويل دون التنزيل يقول وقد كان الباطن دون الظاهر

فإنه يدل على أن البينات اليت جاءت هبا الرسل مل تنفع يف رفع االقتتال من الذين من وظاهر اآلية يساعد هذا املعنى

بعدهم ملكان االختالف املستند إليهم أنفسهم فوقوع االختالف مما ال تنفع فيه البينات من الرسل بل هو مما يؤدي إليه وما كان الناس إال أمة واحدة قولهفاآلية يف مساق االجتماع اإلنساني الذي ال خيلو عن البغي والظلم

Page 548: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٤٨

كان الناس أمة قولهو ١٩ يونس فاختلفوا ولو ال كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه خيتلفونالذين آمنوا وما اختلف فيه إال الذين أوتوه من بعد ما جاءهتم البينات بغيا بينهم فهدى - إىل أن قال - واحدة

كل ١١٩ هود وال يزالون خمتلفني إال من رحم ربكقولهو ٢١٣ البقرة ملا اختلفوا فيه من احلق بإذنه بني أتباع األنبياء بعدهم مما ال مناص عنه - وهو االختالف يف الدين - ذلك يدل على أن االختالف يف الكتاب

البقرة حسبتم أن تدخلوا اجلنة وملا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكمأم يف خصوص هذه األمة وقد قال ٢١٤ وقال حكاية عن رسوله ليوم القيامة وقال الرسول يا رب إن قومي اختذوا هذا القرآن

.ويف مطاوى اآليات تصرحيات وتلوحيات بذلك ٣٠ الفرقان مهجورا

وأما إن ذيل هذا االختالف منسحب إىل زمان الصحابة بعد الرحلة فاملعتمد من التاريخ واملستفيض أو املتواتر من األخبار يدل على أن الصحابة أنفسهم كان يعامل بعضهم مع بعض يف الفنت واالختالفات الواقعة بعد رسول

هذه املعاملة دا إىل عصمة أو بشارة أو اجتهاد أو استثناء من من غري أن يستثنوا أنفسهم من ذلك استنا ورسوله والزائد على هذا املقدار من البحث ال يناسب وضع هذا الكتاب.

Page 549: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٤٩

جل امسه عاملا بذاته وال معلوم مل يزل يقول مسعت أبا عبد عن أبي بصري قال ويف أمايل املفيدوليس كان الكالم حمدث قال جعلت فداك فلم يزل متكلما قلت ومل يزل قادرا بذاته وال مقدور

.مبتكلم ثم أحدث الكالم

أخربني جعلت فداك فقال سأل أبو قرة احملدث عن الرضا قال عن صفوان بن حييى ويف اإلحتجاجإمنا أسألك أعلم بأي لسان كلمه بالسريانية أم بالعربانية فأخذ أبو قرة بلسانه فقال ملوسى فقال عن كالم

أن يشبه خلقه أو يتكلم مبثل ما هم عما تقول ومعاذ سبحان عن هذا اللسان فقال أبو احلسن كالم اخلالق ملخلوق ليس ككالم قال كيف قال ليس كمثله شيء وال كمثله قائل فاعل متكلمون ولكنه

مبشيته ما خاطب به موسى من األمر والنهي ولكن يقول له كن فكان ملخلوق وال يلفظ بشق فم ولسان املخلوق .من غري تردد يف نفس اخلرب

.اخلطبة مريد ال هبمة متكلم ال بروية يف خطبة له ويف هنج البالغة

Page 550: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٥٠

بال جوارح وال أدوات وال وأراه من آياته عظيما الذي كلم موسى تكليما أيضا يف خطبة له ويف النهج .اخلطبة نطق وال هلوات

الذي يسميه وهي مطبقة على أن كالمه واألخبار املروية عن أئمة أهل البيت يف هذا املعنى كثرية أقول

.الكتاب والسنة كالما صفة فعل ال صفة ذات

حبث فلسفيأن ما يسمى عند الناس قوال وكالما وهو نقل اإلنسان املتكلم ما يف ذهنه من املعنى بواسطة أصوات ذكر احلكماء

ملتكلم إىل ذهن مؤلفة موضوعة ملعنى فإذا قرع مسع املخاطب أو السامع نقل املعنى املوضوع له الذي يف ذهن اوحقيقة الكالم متقومة مبا يدل على قالوا فحصل بذلك الغرض منه وهو التفهيم والتفهم املخاطب أو السامع

وأما بقية اخلصوصيات ككونه بالصوت احلادث يف صدر اإلنسان ومروره من طريق احلنجرة معنى خفي مضمرواعتماده على مقاطع الفم وكونه حبيث يقبل أن يقع مسموعا ال أزيد عددا أو أقل مما ركبت عليه أمساعنا فهذه

.خصوصيات تابعة للمصاديق وليست بدخيلة يف حقيقة املعنى الذي يتقوم هبا الكالم

Page 551: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٥١

وكذا اإلشارة الوافية إلراءة املعنى كالم كما أن إشارتك فالكالم اللفظي املوضوع الدال على ما يف الضمري كالمووجود املعلول اللهوكذا الوجودات اخلارجية ملا كانت معلولة لع أن اقعد أو تعال وحنو ذلك أمر وقول بيدك

ويدل بذاته على خصوصيات ذات علته ملساخنته وجود علته وكونه رابطا متنزال له حيكي بوجوده وجود علته .الكاملة يف نفسها لو ال داللة املعلول عليها

وجمموع تلك اخلصوصيات بطور اللف فكل معلول خبصوصيات وجوده كالم لعلته تتكلم به عن نفسها وكماالهتا

وكل جمموع منها فكل واحد من املوجودات مبا أن وجوده مثال لكمال علته الفياضة كلمة من كلمات علتهخالق فكما أنه يتكلم به فيظهر املكنون من كمال أمسائه وصفاته وجمموع العامل اإلمكاني كالم

.متكلم بالعامل مظهر به خبايا األمساء والصفات والعامل كالمه هو للعامل والعامل خملوقه كذلك

بل الدقة يف معنى الداللة على املعنى يوجب القول بكون الذات بنفسه داال على نفسه فإن الداللة باآلخرة شأن فكل شيء داللته على بارئه وموجده فرع داللة وب للهوجودي ليس وال يكون لشيء بنحو األصالة إال

.وعلى داللته لغريه هو الدال على نفس هذا الشيء الدال ف باحلقيقة للهما منه على نفسه وداللته

Page 552: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٥٢

هو الدال على ذاته بذاته وهو الدال على مجيع مصنوعاته فيصدق على مرتبة الذات الكالم كما يصدق فهو فقد حتصل هبذا البيان أن من الكالم ما هو صفة الذات وهو الذات من على مرتبة الفعل الكالم بالتقريب املتقدم

اإلجياد من حيث داللة املوجود على ما عند وهو اخللق و ومنه ما هو صفة الفعل حيث داللته على الذات .موجده من الكمال

فإن الذي أثبته الكتاب والسنة هو أمثال قوله ما نقلنا عنهم على تقدير صحته ال يساعد عليه اللفظ اللغوي أقول منهم من كلم وكلم قولهو موسى تكليما.

ومن نبأني العليم اخلبريقولهو إنا أوحينا إليكقولهو وقلنا يا آدمقولهو يا عيسى قال قولهو

.املعلوم أن الكالم والقول مبعنى عني الذات ال ينطبق على شيء من هذه املوارد

واعلم أن حبث الكالم من أقدم األحباث العلمية اليت اشتغلت به الباحثون من املسلمني وبذلك مسي علم الكالم به ذهبت األشاعرة إىل القدم غري أهنم فسروا الكالم بأن املراد هل هو قديم أو حادث وهي أن كالم

Page 553: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٥٣

قائمة بذاته قدمية بقدمها وتلك املعاني علوم بالكالم هو املعاني الذهنية اليت يدل عليه الكالم اللفظي .رورةوأما الكالم اللفظي وهو األصوات والنغمات فهي حادثة زائدة على الذات بالض

وذهبت املعتزلة إىل احلدوث غري أهنم فسروا الكالم باأللفاظ الدالة على املعنى التام داللة وضعية فهذا هو الكالم

.وأما املعاني النفسية اليت تسميه األشاعرة كالما نفسيا فهي صور علمية وليست بالكالم قالوا عند العرف

إنا ال جند يف نفوسنا عند التكلم بكالم غري املفاهيم الذهنية اليت هي صور علمية فإن أريد بالكالم وبعبارة أخرىوإن أريد به أمر آخر وراء الصورة العلمية فإنا ال جند وراءها شيئا بالوجدان النفسي ذلك كان علما ال كالما

.هذا

فلم جبهتني أو باعتبارين مصداقا لصفتني أو أزيد وهو ظاهرورمبا أمكن أن يورد عليه جبواز أن يكون شيء واحد وكالما من جهة كونه علما ميكن إفاضته ال جيوز أن تكون الصورة الذهنية علما من جهة كونه انكشافا للواقع

.للغري

Page 554: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٥٤

بأي معنى أخذناه أي سواء أخذ علما والذي حيسم مادة هذا النزاع من أصله أن وصف العلم يف أقولوهذان املعنيان من العلم أو أخذ علما تفصيليا بالذات وبالغري يف مقام الذات تفصيليا بالذات وإمجاليا بالغري

أو أخذ علما تفصيليا قبل اإلجياد بعد الذات أو أخذ علما تفصيليا بعد اإلجياد وبعد الذات الذي هو عني الذات .فالعلم الواجيب على مجيع تصاويره علم حضوري غري حصويل مجيعا

والذي ذكروه وتنازعوا عليه إمنا هو من قبيل العلم احلصويل الذي يرجع إىل وجود مفاهيم ذهنية مأخوذة من اخلارج

أن املفاهيم واملاهيات ال تتحقق إال يف ذهن حبيث ال يرتتب عليها آثارها اخلارجية فقد أقمنا الربهان يف حمله .اإلنسان أو ما قاربه جنسا من أنواع احليوان اليت تعمل األعمال احليوية باحلواس الظاهرة واإلحساسات الباطنة

أجل من أن يكون له ذهن يذهن به املفاهيم واملاهيات االعتبارية مما ال مالك لتحقيقه إال وباجلملة ف

ولو كان كذلك لكان ذاته املقدسة حمال الوهم فقط نظري مفهوم العدم واملفاهيم االعتبارية يف ظرف االجتماععنها وكالمه حمتمال للصدق والكذب إىل غري ذلك من وجوه الفساد ومعرضا حلدوث احلوادث للرتكيب .وتقدس

Page 555: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٥٥

.بيانه يف موضع يليق به وأما معنى علمه هبذه املفاهيم الواقعة حتت األلفاظ فسيجيء إن شاء

ضي األرا فمو اتاومي السا فم له مال نوة ونس ذهال تأخ ومالقي يالح وإال ه إال ال إله هدنع فعشي ين ذا الذمم ءيبش يطونحال يو ملفها خمو يهمدأي نيا بم لمعي هال بإذنو ضاألرو اتاومالس هيسكر عساء وا شإال بم هلمع ن

يمظالع يلالع وها ومفظهح هودؤي٢٥٥

بيان

وأنه سواء أخذ من قد تقدم يف سورة احلمد بعض الكالم يف لفظ اجلاللة ال إله إال هو احلي القيوم قولهأله الرجل مبعنى تاه ووله أو من أله مبعنى عبد فالزم معناه الذات املستجمع جلميع صفات الكمال على سبيل

.التلميح

وضمري هو ١٦٣ البقرة وإهلكم إله واحدقولهيف ال إله إال هو وقد تقدم بعض الكالم يف قوله وإن رجع إىل اسم اجلاللة لكن اسم اجلاللة ملا كان علما بالغلبة يدل على نفس الذات من حيث إنه ذات وإن كان

Page 556: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٥٦

يدل على نفي حق الثبوت ال إله إال هو قولهف مشتمال على بعض املعاني الوصفية اليت يلمح بالالم أو باإلطالق إليها .عن اآلهلة اليت تثبت من دون

.وأما اسم احلي فمعناه ذو احلياة الثابتة على وزان سائر الصفات املشبهة يف داللتها على الدوام والثبات

قسم منها ال خيتلف حاله عند احلس ما دام والناس يف بادىء مطالعتهم حلال املوجودات وجدوها على قسمني

وقسم منها رمبا تغريت حاله وتعطلت قواه وأفعاله مع بقاء وجودها على وجوده ثابتا كاألحجار وسائر اجلماداتوذلك كاإلنسان وسائر أقسام احليوان والنبات فإنا رمبا جندها تعطلت قواها ومشاعرها ما كان عليه عند احلس

ر هو املبدأ وبذلك أذعن اإلنسان بأن هناك وراء احلواس أمرا آخ وأفعاهلا ثم يطرأ عليها الفساد تدرجيا لإلحساسات واإلدراكات العلمية واألفعال املبتنية على العلم واإلرادة وهو املسمى باحلياة ويسمى بطالنه باملوت

.فاحلياة حنو وجود يرتشح عنه العلم والقدرة

حييي األرض بعد اعلموا أن قال هذه احلياة يف كالمه ذكر تقرير هلا وقد ذكر إنك ترى األرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها املاء اهتزت وربت إن الذي وقال ١٧ احلديد موهتا

Page 557: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٥٧

وقال ٢٢ الفاطر وما يستوي األحياء وال األموات وقال ٣٩ فصلت أحياها حمليي املوتى وجعلنا من املاء كل شيء حي األنبياء ٣٠ فهذه تشمل حياة أقسام احلي من اإلنسان واحليوان

.والنبات

ربنا وقال ٧ يونس ورضوا باحلياة الدنيا واطمأنوا هبا قال وكذلك القول يف أقسام احلياةاحلياة إحدامها واإلحياءان املذكوران يشتمالن على حياتني ١١ املؤمنون أمتنا اثنتني وأحييتنا اثنتني

.فللحياة أقسام كما للحي أقسام احلياة اآلخرة والثانية الربزخية

مع ما يقرر هذه احلياة الدنيا يعدها يف مواضع كثرية من كالمه شيئا رديا هينا ال يعبأ بشأنه و النساء الدنيا تبتغون عرض احلياةقولهو ٢٦ الرعد وما احلياة الدنيا يف اآلخرة إال متاعقولهك ٩٤ قولهوتريد زينة احلياة الدنيا الكهف ٢٨ قولهووما احلياة الدنيا إال لعب وهلو األنعام

٣٢ قولهووما احلياة الدنيا إال متاع الغرور احلديد ٢٠ فوصف احلياة الدنيا هبذه األوصاف فعدهاهو اجلمال - الزينة - وعدها زينة و وعدها عرضا والعرض ما يتعرض ثم يزول متاعا واملتاع ما يقصد لغريه

ما - و - وعدها هلوا و الذي يضم على الشيء ليقصد الشيء ألجله فيقع غري ما قصد ويقصد غري ما وقع

Page 558: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٥٨

وعدها ةوعدها لعبا واللعب هو الفعل الذي يصدر لغاية خيالية ال حقيقي يلهيك ويشغلك بنفسه عما يهمك .متاع الغرور وهو ما يغر به اإلنسان

وما احلياة الدنيا إال هلو ولعب وإن الدار اآلخرة هلي احليوان لو كانوا قولهويفسر مجيع هذه اآليات ويوضحها

يبني أن احلياة الدنيا إمنا تسلب عنها حقيقة احلياة أي كماهلا يف مقابل ما تثبت للحياة ٦٤ العنكبوت يعلمونآمنني ال يذوقون فيها املوت إال املوتة قال وهي احلياة اليت ال موت بعدها اآلخرة حقيقة احلياة وكماهلا

فلهم يف حياهتم اآلخرة أن ال ٣٥ قهلم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد وقال ٥٦ الدخان األوىللكن األول من الوصفني أعين األمن هو اخلاصة احلقيقة للحياة وال يعرتضهم نقص يف العيش وتنغص يعرتيهم املوت .الضرورية له

مع لكن فاحلياة األخروية هي احلياة حبسب احلقيقة لعدم إمكان طرو املوت عليها خبالف احلياة الدنيا

وبيده هو املفيض للحياة احلقيقية األخروية واحمليي لإلنسان يف اآلخرة ذلك أفاد يف آيات أخر كثرية أنه فأفاد ذلك أن احلياة األخروية أيضا مملوكة ال مالكة ومسخرة ال مطلقة أعين أهنا إمنا ملكت خاصتها أزمة األمور .ال بنفسها املذكورة ب

Page 559: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٥٩

أن احلياة احلقيقية جيب أن تكون حبيث يستحيل طرو املوت عليها لذاهتا وال يتصور ذلك إال بكون ومن هنا يظهر

وتوكل على احلي الذي قال احلياة عني ذات احلي غري عارضة هلا وال طارئة عليها بتمليك الغري وإفاضتهوهي كون وجوده حبيث يعلم ويقدر وعلى هذا فاحلياة احلقيقية هي احلياة الواجبة ٥٨ الفرقان ال ميوت .بالذات

وأن حقيقة احلياة اليت ال قصر حقيقي غري إضايف هو احلي ال إله إال هوقولهأن القصر يف ومن هنا يعلم

.حياته يشوهبا موت وال يعرتيها فناء وزوال هي

ال إله إال هو امل قولهوكذا يف اآلية ال إله إال هو احلي القيوم قولهفاألوفق فيما حنن فيه من احلي فاآلية تفيد أن أن يكون لفظ احلي خربا بعد خرب فيفيد احلصر ألن التقدير ١ آل عمران احلي القيوم

.حمضا إال ما أفاضه لغريه للهاحلياة

Page 560: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٦٠

هو حفظ - القيام - فيعول كالقيام فيعال من القيام وصف يدل على املبالغة و اسم القيوم فهو على ما قيلوأما كل ذلك مأخوذ من القيام مبعنى االنتصاب للمالزمة الشيء وفعله وتدبريه وتربيته واملراقبة عليه والقدرة عليه

.االنتصاب وبني كل منها العادية بني

أفمن هو قائم على كل نفس مبا أصل القيام بأمور خلقه لنفسه يف كالمه حيث قال وقد أثبت أنه ال إله إال هو واملالئكة وأولوا العلم شهد وهو أمشل من اآلية السابقة وقال ٣٣ الرعد كسبت

فأفاد أنه قائم على املوجودات بالعدل فال يعطي وال مينع ١٨ آل عمران قائما بالقسط ال إله إال هو العزيز احلكيمشيئا يف الوجود وليس الوجود إال اإلعطاء واملنع إال بالعدل بإعطاء كل شيء ما يستحقه ثم بني أن هذا القيام بالعدل

.العزيز احلكيم فبعزته يقوم على كل شيء وحبكمته يعدل فيه مقتضى امسيه الكرميني

هو املبدىء الذي يبتدي منه وجود كل شيء وأوصافه وآثاره ال مبدأ سواه إال وهو ينتهي إليه كان وباجلملة ملا فهو القائم على كل شيء من كل جهة حبقيقة القيام الذي ال يشوبه فتور وخلل وليس ذلك لغريه قط إال بإذنه بوجه فليس له إال القيام من غري ضعف وفتور وليس لغريه إال أن يقوم به فهناك حصران حصر القيام عليه

Page 561: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٦١

واحلصر القيوم للهعليه كون القيوم يف اآلية خربا بعد خرب وأول احلصرين هو الذي يدل وحصره على القيام .ال تأخذه سنة وال نومقولهالثاني هو الذي تدل عليه اجلملة التالية أعين

مجيعا وهي األمساء اليت تدل على معان وقد ظهر من هذا البيان أن اسم القيوم أم األمساء اإلضافية الثابتة له

.خارجة عن الذات بوجه كاخلالق والرازق واملبدىء واملعيد واحمليي واملميت والغفور والرحيم والودود وغريها

والنوم هو الركود الفتور الذي يأخذ احليوان يف أول النومالسنة بكسر السني ال تأخذه سنة وال نومقوله .والرؤيا غريه وهي ما يشاهده النائم يف منامه الذي يأخذ حواس احليوان لعوامل طبيعية حتدث يف بدنه

والرتقي إنه على خالف الرتتيب الذي تقتضيه البالغة فإن املقام مقام الرتقي سنة وال نومقولهوقد أورد على

وفالن جيود فالن يقدر على محل عشرة أمنان بل عشرين يف اإلثبات إمنا هو من األضعف إىل األقوى كقولناوال جيود باأللوف وال ال يقدر فالن على محل عشرين وال عشرة باملئات بل باأللوف ويف النفي بالعكس كما نقول

.ذه نوم وال سنةال تأخ فكان ينبغي أن يقال باملئات

Page 562: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٦٢

فالن جيهده محل عشرين بل عشرة وال أن الرتتيب املذكور ال يدور مدار اإلثبات والنفي دائما كما يقال واجلوابوملا كان أخذ النوم أقوى تأثريا وأضر على بل املراد هو صحة الرتقي وهي خمتلفة حبسب املوارد يصح العكس

القيومية من السنة كان مقتضى ذلك أن ينفي تأثري السنة وأخذها أوال ثم يرتقى إىل نفي تأثري ما هو أقوى منه تأثريا .أقوى منه ال يؤثر فيه هذا العامل الضعيف بالفتور يف أمره وال ما هو ويعود معنى ال تأخذه سنة وال نوم إىل مثل قولنا

ملا كانت القيومية التامة اليت له له ما يف السماوات وما يف األرض من ذا الذي يشفع عنده إال بإذنهقوله ال تتم إال بأن ميلك السماوات واألرض وما فيهما حبقيقة امللك ذكره بعدمها كما أن التوحيد التام يف األلوهية

.ولذلك أحلقها هبا أيضا ال يتم إال بالقيومية

له ما يف السماوات أعين قوله وهاتان مجلتان كل واحدة منهما مقيدة أو كاملقيدة بقيد يف معنى دفع الدخلمع يعلم ما بني أيديهم وما خلفهمقولهو من ذا الذي يشفع عنده إال بإذنهقولهمع وما يف األرض

.إال مبا شاءوال حييطون بشيء من علمه قوله

Page 563: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٦٣

بالكسر للموجودات وملكه فقد عرفت معنى ملكه له ما يف السماوات وما يف األرضقولهفأما بالضم هلا وامللك بكسر امليم وهو قيام ذوات املوجودات وما يتبعها من األوصاف واآلثار ب هو

فاجلملة تدل على ملك الذات وما يتبع الذات من نظام له ما يف السماوات وما يف األرض الذي يدل عليه قوله .اآلثار

للهإن السلطان املطلق يف الوجود ال نوم له ما يف السماوات وما يف األرض القيوم ال تأخذه سنةقولهوقد مت

فيقع من ذلك يف الوهم أنه إذا كان األمر على ذلك فهذه األسباب والعلل املوجودة يف العامل ال تصرف إال وهو له ومنهفأجيب بأن تصرف هذه العلل واألسباب يف هذه للهوكيف يتصور فيها ومنها التأثري وال تأثري إال ما شأهنا

فإمنا هي د املسببات بإذن وبعبارة أخرى شفاعة يف موار املوجودات املعلولة توسط يف التصرف - وتصرف ما من الشفيع يف أمر املستشفع وهي بنحو توسط يف إيصال اخلري أو دفع الشر - والشفاعة شفعاء

بل ومل يعتمد على مشية إمنا تنايف السلطان اإلهلي والتصرف الربوبي املطلق إذا مل ينته إىل إذن وحنو تصرفه بإذن كانت مستقلة غري مرتبطة وما من سبب من األسباب وال علة من العلل إال وتأثريه ب

فال سلطان يف الوجود إال سلطانه وال قيومية إال قيوميته املطلقة عز فتأثريه وتصرفه حنو من تأثريه وتصرفه .سلطانه

Page 564: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٦٤

عامل األسباب والوسائط أعم من الشفاعة التكوينية وهي توسط وعلى ما بيناه فالشفاعة هي التوسط املطلق يف

التوسط يف مرحلة اازاة اليت تثبتها الكتاب والسنة يف يوم القيامة والشفاعة التشريعية أعين األسباب يف التكوينوذلك أن اجلملة ٤٨ البقرة واتقوا يوما ال جتزي نفس عن نفس شيئاقولهعلى ما تقدم البحث عنها يف

مسبوقة حبديث القيومية وامللك املطلق الشاملني للتكوين والتشريع معا من ذا الذي يشفع عنده أعين قوله بل املتماسني بالتكوين ظاهرا فال موجب لتقييدمها بالقيومية والسلطنة التشريعيتني حتى يستقيم تذييل الكالم

.بالشفاعة املخصوصة بيوم القيامة

الذي خلق السماوات واألرض يف ستة أيام ثم إن ربكم قولهفمساق هذه اآلية يف عموم الشفاعة مساق الذي خلق السماوات قولهو ٣ يونس استوى على العرش يدبر األمر ما من شفيع إال من بعد إذنه

وقد ٤ السجدة واألرض وما بينهما يف ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ويل وال شفيع عرفت يف البحث عن الشفاعة أن حدها كما ينطبق على الشفاعة التشريعية كذلك ينطبق على السببية التكوينية

فكل سبب من األسباب يشفع عند ملسببه بالتمسك بصفات فضله وجوده ورمحته إليصال نعمة الوجود إىليسأله قال فنظام السببية بعينه ينطبق على نظام الشفاعة كما ينطبق على نظام الدعاء واملسألة مسببه

Page 565: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٦٥

إبراهيم وآتيكم من كل ما سألتموه وقال ٢٩ الرمحن من يف السماوات واألرض كل يوم هو يف شأن٣٤ قولهوقد مر بيانه يف تفسريوإذا سألك عبادي عين البقرة ١٨٦.

سياق اجلملة مع مسبوقيتها بأمر يعلم ما بني أيديهم وما خلفهم وال حييطون بشيء من علمه إال مبا شاءقوله

يعملون يعلم ما بني أيديهم وما بل عباد مكرمون ال يسبقونه بالقول وهم بأمره قولهالشفاعة يقرب من سياق فالظاهر أن ضمري اجلمع الغائب ٢٨ األنبياء خلفهم وال يشفعون إال ملن ارتضى وهم من خشيته مشفقون

مبا بني أيديهم وما خلفهم كناية عن كمال راجع إىل الشفعاء الذي تدل عليه اجلملة السابقة معنى فعلمهوال فال يقدرون بواسطة هذه الشفاعة والتوسط املأذون فيه على إنفاذ أمر ال يريده إحاطته هبم

فيفعل وال يقدر غريهم أيضا أن يستفيد سوءا من شفاعتهم ووساطتهم فيداخل يف ملكه يرضى به يف ملكه .فيه ما مل يقدره

ما بني أيدينا وما خلفنا وما بني ذلك وما كان ربك وما نتنزل إال بأمر ربك له قولهوإىل نظري هذا املعنى يدل

عامل الغيب فال يظهر على غيبه أحدا إال من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بني قولهو ٦٤ مريم نسيا ٢٨ اجلن يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رساالت رهبم وأحاط مبا لديهم وأحصى كل شيء عددا

Page 566: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٦٦

وال يبلغوا إال ما وال يتنزلوا إال بأمره باملالئكة واألنبياء لئال يقع منهم ما مل يرده فإن اآليات تبني إحاطته .يشاؤه

ما هو غائب عنهم بعيد منهم ومبا خلفهم ما هو حاضر مشهود معهم وعلى ما بيناه فاملراد مبا بني أيديهم

.ويؤول املعنى إىل الشهادة والغيب كاملستقبل من حاهلم

مبا هو حاضر معهم موجود عندهم ومبا هو كناية عن إحاطته يعلم ما بني أيديهم وما خلفهمقولهوباجلملة تبيينا لتمام اإلحاطة وال حييطون بشيء من علمه إال مبا شاء ولذلك عقبه بقوله غائب عنهم آت خلفهم

.عامل حميط هبم وبعلمهم وهم ال حييطون بشيء من علمه إال مبا شاء الربوبية والسلطة اإلهلية أي أنه

يف املواضع الثالث إىل الشفعاء ما قدمناه من أن همقولهوال ينايف إرجاع ضمري اجلمع املذكر العاقل وهو وذلك ألن الشفاعة وأن الشفعاء هم مطلق العلل واألسباب والتشريعيةالشفاعة أعم من السببية التكوينية

والوساطة والتسبيح والتحميد ملا كان املعهود من حاهلا أهنا من أعمال أرباب الشعور والعقل شاع التعبري عنها مبا .خيص أويل العقل من العبارة

Page 567: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٦٧

شيء إال يسبح حبمده ولكن ال تفقهون وإن من قولهوعلى ذلك جرى ديدن القرآن يف بياناته ك

ثم استوى إىل السماء وهي دخان فقال هلا ولألرض ائتيا طوعا أو كرها قولهو ٤٤ اإلسراء تسبيحهم .إىل غري ذلك من اآليات ١١ فصلت قالتا أتينا طائعني

فإن من كمال التدبري أن التدبري وكمالهيفيد معنى متام وال حييطون بشيء من علمه إال مبا شاءقولهوباجلملة

جيهل املدبر بالفتح مبا يريده املدبر بالكسر من شأنه ومستقبل أمره لئال حيتال يف التخلص عما يكرهه من أمر التدبري كجماعة مسريين على خالف مشتهاهم ومرادهم فيبالغ يف التعمية عليهم فيفسد على املدبر بالكسر تدبريه

.وإىل أين يقصد هبم ويف أين نزلوا حتى ال يدروا من أين سريوا

وبقية األسباب والعلل وخاصة هبذه اجلملة أن التدبري له وبعلمه بروابط األشياء اليت هو اجلاعل هلا فيبني كان هلا تصرف وعلم لكن ما عندهم من العلم الذي ينتفعون به ويستفيدون منه فإمنا هو من أولوا العلم منها وإن

وما تصرفوا به فهو من شئون التصرف اإلهلي وأحناء فهو من شئون العلم اإلهلي ومبشيته وإرادته علمه

Page 568: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٦٨

من التدبري اجلاري يف مملكته إال وهو بعض فال يسع ملقدم منهم أن يقدم على خالف ما يريده تدبريه .التدبري

على تقدير أن يراد بالعلم املعنى املصدري أو معنى اسم وال حييطون بشيء من علمه إال مبا شاءقولهويف

ونظريه ما وال يوجد من العلم عند عامل إال وهو شيء من علمه للهاملصدر ال املعلوم داللة على أن العلم كله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون قال من اختصاص القدرة والعزة واحلياة ب يظهر من كالمه

١٣٩ النساء مجيعا للهأيبتغون عندهم العزة فإن العزة وقال ١٦٥ البقرة مجيعا للهالعذاب أن القوة وقال هو احلي ال إله إال هو املؤمنون ٦٥ وميكن أن يستدل على ما ذكرناه من احنصار العلم ب قولهإنه هو العليم احلكيم يوسف ٨٣ قولهوو يعلم وأنتم ال تعلمون آل عمران ٦٦ إىل

.لطف ظاهر وال حييطون بشيء من علمه قولهويف تبديل العلم باإلحاطة يف غري ذلك من اآليات

الكرسي معروف ومسي به لرتاكم بعض أجزائه بالصناعة على بعض وسع كرسيه السموات واألرضقوله ورمبا كين بالكرسي عن امللك فيقال كرسي امللك ويراد منطقة نفوذه ومتسع قدرته.

Page 569: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٦٩

تفيد أن املراد بسعة له ما يف السموات وما يف األرض إخل قولهوكيف كان فاجلمل السابقة على هذه اجلملة أعين أنه املقام الربوبي الذي يقوم به ما يف السماوات فيتعني للكرسي من املعنى الكرسي إحاطة مقام السلطنة اإلهلية

أهنا حفظ كل شيء مما ويتعني للسعة من املعنى فهو من مراتب العلم واألرض من حيث إهنا مملوكة مدبرة معلومة .وال يؤوده حفظهما بقولهولذلك ذيله يف السماوات واألرض بذاته وآثاره

والظاهر أن آده يؤوده أودا إذا ثقل عليه وأجهده وأتعبه يقال وال يؤوده حفظهما وهو العلي العظيمقوله

ونفي األود والتعب عن حفظ السماوات هو الكرسي وإن جاز رجوعه إليه مرجع الضمري يف يؤوده .واألرض يف ذيل الكالم ليناسب ما افتتح به من نفي السنة والنوم يف القيومية على ما يف السماوات واألرض

ال إله إال هو له كل احلياة وله القيومية املطلقة من غري ضعف وال فتور أن وحمصل ما تفيده اآلية من املعنى

لعلوه ال تناله أيدي املخلوقات فيوجبوا بذلك ضعفا العلي العظيم فإنه ولذلك وقع التعليل باالمسني الكرمينيوهو العلي ومجلة ولعظمته ال جيهده كثرة اخللق وال يطيقه عظمة السماوات واألرض يف وجوده وفتورا يف أمره

فإن العلو والعظمة من الكمال وهذا احلصر إما حقيقي كما هو احلق ال ختلو عن الداللة على احلصر العظيم

Page 570: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٧٠

دعوى وأما دعوى ملسيس احلاجة إليه يف مقام التعليل ليختص العلو والعظمة به وحقيقة كل كمال له .فيسقط السماوات واألرض عن العلو والعظمة يف قبال علوه وعظمته

آية قال ما أفضل ما أنزل عليك يا رسول قال أبو ذر قال عن الصادق يف تفسري العياشيوإن فضل العرش ما السماوات السبع واألرضون السبع يف الكرسي إال كحلقة ملقاة بأرض فالة ثم قال الكرسي

عن ابن راهويه يف وروى صدر الرواية السيوطي يف الدر املنثور أقول على الكرسي كفضل الفالة على احللقةورواه أيضا عن أمحد وابن الضريس واحلاكم وصححه والبيهقي يف شعب مسنده عن عوف بن مالك عن أبي ذر

.اإلميان عن أبي ذر

قال أميا أنزل عليك أعظم يا رسول قلت قال أخرج أمحد والطرباني عن أبي أمامة ويف الدر املنثور ال إله إال هو احلي القيوم آية الكرسي أقول وروي فيه هذا املعنى أيضا عن اخلطيب البغدادي يف تارخيه عن

.أنس عنه

Page 571: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٧١

أي آية يف كتاب يا رسول قال رجل قال الكالغي أيضا عن الدارمي عن أيفع بن عبد وفيه .احلديث ال إله إال هو احلي القيوم آية الكرسي قال أعظم

حتى يف لسانه تسمية هذه اآلية بآية الكرسي مما قد اشتهرت يف صدر اإلسالم حتى يف زمان حياة النيب أقول

.وعن الصحابة وعن أئمة أهل البيت كما تفيده الروايات املنقولة عنه

وهو التوحيد وليس إال لشرافة ما تدل عليه من املعنى ورقته ولطفه وتعظيم أمرهاوليس إال لالعتناء التام هبا ومعنى القيومية املطلقة اليت يرجع إليه مجيع األمساء احلسنى ما عدا ال إله إال هو بقولهاخلالص املدلول عليه

وتفصيل جريان القيومية يف ما دق وجل من املوجودات من صدرها إىل ذيلها ببيان أمساء الذات على ما مر بيانهولذلك ورد فيها أهنا أعظم آية يف أن ما خرج منها من السلطنة اإلهلية فهو من حيث إنه خارج منها داخل فيها

ال إله إال هو له األمساء قولهفإن مثل وهو كذلك من حيث اشتماهلا على تفصيل البيان كتاب وإن اشتملت على ما تشتمل عليه آية الكرسي غري أهنا مشتملة على إمجال املعنى دون ٨ طه احلسنىعن أبي هريرة عن رواها يف الدر املنثور أن آية الكرسي سيدة آي القرآن ولذا ورد يف بعض األخبار تفصيله

Page 572: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٧٢

رواها العياشي يف تفسريه عن عبد أن لكل شيء ذروة وذروة القرآن آية الكرسي وورد يف بعضها النيب بن سنان عن الصادق.

ما أرى رجال أدرك يقول أنه مسع علي بن أبي طالب بإسناده عن أبي أمامة الباهلي ويف أمايل الشيخ

مجيعها حتى يقرأ هذه اآلية قال وما سوادها قلت.عقله اإلسالم أو ولد يف اإلسالم يبيت ليلة سوادها احلي القيوم - ال إله إال هو قولهفقرأ اآلية إىلوال يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم قال فلو تعلمون

أعطيت آية الكرسي من كنز حتت قال إن رسول ما فيها ما تركتموها على حال ما هي أو قال .احلديث إال قرأهتا قال علي فما بت ليلة قط منذ مسعتها من رسول ومل يؤهتا نيب كان قبلي العرش

عن عبيد وابن أبي شيبة والدارمي وحممد بن نصر وابن الضريس عنه وروي هذا املعنى يف الدر املنثور أقول ورواه أيضا عن الديلمي عنه والروايات من طرق الشيعة وأهل السنة يف فضلها كثرية وقوله إن رسول قال أعطيت آية الكرسي من كنز حتت العرش روي يف هذا املعنى أيضا يف الدر املنثور

فيه إشارة أعطيت آية الكرسي من حتت العرش وابن الضريس عن أنس أن النيب قال عن البخاري يف تارخيه .إىل كون الكرسي حتت العرش وحماطا له وسيأتي الكالم يف بيانه

Page 573: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٧٣

وسع كرسيه السموات واألرض عن قول سألت أبا عبد عن زرارة قال ويف الكايف

إن كل شيء يف فقال السماوات واألرض وسعن الكرسي أو الكرسي وسع السماوات واألرض .الكرسي

إذ مل يرو وهذا املعنى مروي عنهم يف عدة روايات مبا يقرب من هذا السؤال واجلواب وهو بظاهره غريب أقول

والظاهر أنه مبين على ما يتومهه قراءة كرسيه بالنصب والسماوات واألرض بالرفع حتى يستصح هبا هذا السؤالالسماء السابعة أعين فوق عامل األجسام منه األفهام العامية أن الكرسي جسم خمصوص موضوع فوق السماوات أو

فيكون السماوات واألرض وسعته إذ كان موضوعا عليها كهيئة الكرسي على يصدر أحكام العامل اجلسمانيوقد فيكون معنى السؤال أن األنسب أن السماوات واألرض وسعت الكرسي فما معنى سعته هلا األرض

ويف املعاني...رش فأجيب بأن الوسعة من غري سنخ سعة بعض األجسام لبعضقيل بنظري ذلك يف خصوص الع قال وسع كرسيه السموات واألرض عن قول سألت أبا عبد عن حفص بن الغياث قال

.علمه

Page 574: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٧٤

والعرش هو العلم الذي ال يقدر أحد السموات واألرض وما بينهما يف الكرسي يف اآلية أيضا عنه وفيه .قدره

.ويف معنامها روايات أخرى كما مر استظهاره أن الكرسي من مراتب علمه ويظهر من الروايتني أقول

أن يف الوجود مرتبة من العلم غري حمدودة أعين أن فوق هذا العامل الذي حنن من وكذا يظهر منهما ومما سيجيء

والتعينات الوجودية اليت أجزائها عاملا آخر موجوداهتا أمور غري حمدودة يف وجودها هبذه احلدود اجلسمانيةكما أن املوجودات احملدودة أي أن وجودها عني العلم للهوهي يف عني أهنا غري حمدودة معلومة لوجوداتنا

ولعلنا هبا وحضورها عنده يف مرتبة وجودها أي أن وجودها نفس علمه للهاليت يف الوجود معلومة وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة يف قولهنوفق لبيان هذا العلم املسمى بالعلم الفعلي فيما سيأتي من

.٦١ يونس وال يف األرضالسموات

والعرش هو العلم الذي ال يقدر أحد قدره يف الرواية وما ذكرناه من علم غري حمدود هو الذي يرشد إليه قوله ومن املعلوم أن عدم التقدير والتحديد ليس من حيث كثرة معلومات هذا العلم عددا الستحالة وجود عدد غري

Page 575: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٧٥

ولو كان عدم تناهي العلم أعين العرش لكونه أقل مما يزيد عليه بواحد وكل عدد يدخل الوجود فهو متناه متناهبل عدم التناهي والتقدير لعدم تناهي معلوماته كثرة لكان الكرسي بعض العرش لكونه أيضا علما وإن كان حمدودا

لوجودية يوجب التكثر والتميز والتمايز بني موجودات عاملنا إمنا هو من جهة كمال الوجود أي إن احلدود والقيود اواإلضافات غري موجودة فينطبق على واألفراد باحلاالت فتوجب انقسام األنواع باألصناف واألفراد املادي

وسيجيء متام الكالم فيه إن ٢١ احلجر وإن من شيء إال عندنا خزائنه وما ننزله إال بقدر معلومقوله . شاء

وهذه املوجودات كما أهنا معلومة بعلم غري مقدر أي موجودة يف ظرف العلم وجودا غري مقدر كذلك هي معلومة

.موجودة يف ظرف العلم بأقدارها وهذا هو الكرسي على ما يستظهر حبدودها

ما بني أيديهم وما خلفهم حيث جعل املعلوم يعلم ما بني أيديهم وما خلفهم فيها ورمبا لوح إليه أيضا قوله فهناك مقام جيتمع فيه مجيع املتفرقات ومها أعين ما بني األيدي وما هو خلف غري جمتمع الوجود يف هذا العامل املادي

حمدودة وال مقدرة وإال مل يصح وليست هذه الوجودات وجودات غري متناهية الكمال غري الزمانية وحنوها

Page 576: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٧٦

فال حمالة هو مقام ميكن هلم اإلحاطة وال حييطون بشيء من علمه إال مبا شاء االستثناء من اإلحاطة يف قوله .أعلم فهو مرحلة العلم باحملدودات واملقدرات من حيث هي حمدودة مقدرة و ببعض ما فيه

إن للعرش صفات عن العرش والكرسي فقال سألت أبا عبد عن حنان قال ويف التوحيد

رب امللك العظيم رب العرش العظيم يقول قولهف كثرية خمتلفة له يف كل سبب وصنع يف القرآن صفة على حدةثم العرش يف وهذا علم الكيفوفية يف األشياء على امللك احتوى يقول الرمحن على العرش استوى قولهو

ألن ومها يف الغيب مقرونان ومها مجيعا غيبان ألهنما بابان من أكرب أبواب الغيوب الوصل مفرد عن الكرسيوالعرش هو الباب الباطن الذي الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه األشياء كلها

واحلد واملشية وصفة اإلرادة وعلم األلفاظ واحلركات والرتك وعلم العود يوجد فيه علم الكيف والكون والقدرفمن وعلمه أغيب من علم الكرسي ألن ملك العرش سوى ملك الكرسي فهما يف العلم بابان مقرونان والبدء

جعلت فداك قلت ومها يف ذلك مقرونان أي صفته أعظم من صفة الكرسي رب العرش العظيم ذلك قالالظاهر من أبواب إنه صار جارها ألن علم الكيفوفية فيه وفيه قال فلم صار يف الفضل جار الكرسي ومبثل صرف العلماء فهذان جاران أحدمها محل صاحبه يف الظرف البداء وإنيتها وحد رتقها وفتقها

.يشاء وهو القوي العزيز وليستدلوا على صدق دعوامها ألنه خيتص برمحته من

Page 577: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٧٧

فمرتبة العلم املقدر قد عرفت الوجه فيه إمجاال ألن الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب قوله أقول

وسيجيء شرح فقرات الرواية يف الكالم احملدود أقرب إىل عاملنا اجلسماني املقدر احملدود مما ال قدر له وال حد ومبثل صرف العلماء وقوله ٥٤ األعراف الذي خلق السموات إن ربكم قولهعلى

.إشارة إىل أن هذه األلفاظ من العرش والكرسي ونظائرها أمثال مصرفة مضروبة للناس وما يعقلها إال العاملون

يف جوف الكرسي خال عرشه فإنه أعظم من كل شيء خلق يف حديث عن الصادق ويف اإلحتجاج .أن حييط به الكرسي

فما وقع يف بعض األخبار أن العرش هو العلم الذي وهو املوافق لسائر الروايات وقد تقدم توضيح معناه أقول

والكرسي هو العلم الذي مل يطلع عليه أحدا كما رواه الصدوق عن املفضل عن عليه أنبياءه ورسله أطلع أو أنه مطروح كالرواية كأنه من وهم الراوي بتبديل موضعي اللفظني أعين العرش والكرسي الصادق

.املنسوبة إىل زينب العطارة

Page 578: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٧٨

وله إن السماء واألرض وما بينهما من خلق خملوق يف جوف الكرسي قال عن علي ويف تفسري العياشي ومل يرو عنهم ورواه الصدوق عن األصبغ بن نباتة عنه أقول أربعة أمالك حيملونه بأمر

الذين كما قال بل األخبار إمنا تثبت احلملة للعرش وفقا لكتاب للكرسي محلة إال يف هذه الرواية ١٧ احلاقة وحيمل عرش ربك فوقهم يومئذ مثانية وقال ٧ املؤمنون حيملون العرش ومن حوله

.يتحد مع العرش بوجه احتاد ظاهر الشيء بباطنه - كما سيجيء بيانه - وميكن أن يصحح اخلرب بأن الكرسي

.وبذلك يصح عد محلة أحدمها محلة لآلخر

من ذا الذي يشفع عنده إال بإذنه قلت قال أيضا عن معاوية بن عمار عن الصادق ويف تفسري العياشي .حنن أولئك الشافعون قال

وقد عرفت أن الشفاعة يف اآلية مطلقة تشمل الشفاعة التكوينية والتشريعية ورواه الربقي أيضا يف احملاسن أقول .فالرواية من باب اجلري فتشمل شفاعتهم معا

Page 579: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٧٩

فقد استمسك بالعروة الوثقى ال ال إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن با وله امصانف يملع يعمس٢٥٦ مهآؤيلوا أوكفر ينالذر ووإلى الن اتالظلم نم مهخرجوا ينآم ينالذ يلو

وندالا خيهف مار هالن ابحأص كلئأو اتور إلى الظلمالن نم مونهخرجي الطاغوت٢٥٧

بيان

اإلكراه هو اإلجبار واحلمل على الفعل من غري رضى يف الدين قد تبني الرشد من الغيال إكراه قولهفإهنما فهما أعم من اهلدى والضالل إصابة وجه األمر وحمجة الطريق ويقابله الغي والرشد بالضم والضمتني

والظاهر أن استعمال الرشد يف إصابة حمجة الطريق من باب االنطباق إصابة الطريق املوصل وعدمها على ما قيلفلزومه الطريق من فإن إصابة وجه األمر من سالك الطريق أن يركب احملجة وسواء السبيل على املصداق

ى فاحلق أن معنى الرشد واهلدى معنيان خمتلفان ينطبق أحدمها بعناية خاصة عل مصاديق إصابة وجه األمرولقد آتينا إبراهيم وقال ٦ النساء فإن آنستم منهم رشدا قال مصاديق اآلخر وهو ظاهر

أن الضالل هو العدول عن ولذلك ذكرنا سابقا وكذلك القول يف الغي والضالل ٥١ األنبياء رشده من قبلوالغي هو العدول مع نسيان الغاية فال يدري اإلنسان الغوي ما ذا يريد وما ذا الطريق مع ذكر الغاية واملقصد

.يقصد

Page 580: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٨٠

ملا أن الدين وهو سلسلة من املعارف العلمية اليت تتبعها نفى الدين اإلجباري ال إكراه يف الدينقولهويف

فإن واالعتقاد واإلميان من األمور القلبية اليت ال حيكم فيها اإلكراه واإلجبار أخرى عملية جيمعها أهنا اعتقاداتوأما االعتقاد القليب فله علل وأسباب اإلكراه إمنا يؤثر يف األعمال الظاهرية واألفعال واحلركات البدنية املادية

أو تولد املقدمات غري العلمية تصديقا لماومن احملال أن ينتج اجلهل ع أخرى قلبية من سنخ االعتقاد واإلدراكإن كان قضية إخبارية حاكية عن حال التكوين أنتج حكما دينيا بنفي اإلكراه ال إكراه يف الدينقولهف علميا

قد تبني الرشد من قولهمن وإن كان حكما إنشائيا تشريعيا كما يشهد به ما عقبه على الدين واالعتقادوهي اليت مر بياهنا وهو هني متك على حقيقة تكوينية هنيا عن احلمل على االعتقاد واإلميان كرهاكان الغي

.أن اإلكراه إمنا يعمل ويؤثر يف مرحلة األفعال البدنية دون االعتقادات القلبية

واإلجبار إمنا يركن إليه وهو يف مقام التعليل فإن اإلكراه قد تبني الرشد من الغيقولههذا احلكم وقد بني األمر احلكيم واملربي العاقل يف األمور املهمة اليت ال سبيل إىل بيان وجه احلق فيها لبساطة فهم املأمور ورداءة ذهن

وأما األمور فيتسبب احلاكم يف حكمه باإلكراه أو األمر بالتقليد وحنوه أو ألسباب وجهات أخرى احملكومبل وقرر وجه اجلزاء الذي يلحق فعلها وتركها فال حاجة فيها إىل اإلكراه وجه اخلري والشر فيها املهمة اليت تبني

Page 581: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٨١

والدين ملا انكشفت حقائقه واتضح لإلنسان أن خيتار لنفسه ما شاء من طريف الفعل وعاقبيت الثواب والعقابوالغي يف تركه والرغبة طريقه بالبيانات اإلهلية املوضحة بالسنة النبوية فقد تبني أن الدين رشد والرشد يف اتباعه

.وعلى هذا ال موجب ألن يكره أحد أحدا على الدين عنه

ومل يفت باإلكراه والعنوة على خالف ما والدموهذه إحدى اآليات الدالة على أن اإلسالم مل يبنت على السيف باجلهاد الذي هو أحد أركان زعمه عدة من الباحثني من املنتحلني وغريهم أن اإلسالم دين السيف استدلوا عليه

.هذا الدين

ليس لغاية وقد تقدم اجلواب عنه يف ضمن البحث عن آيات القتال وذكرنا هناك أن القتال الذي ندب إليه اإلسالم وأما بل إلحياء احلق والدفاع عن أنفس متاع للفطرة وهو التوحيد إحراز التقدم وبسط الدين بالقوة واإلكراه

بعد انبساط التوحيد بني الناس وخضوعهم لدين النبوة ولو بالتهود والتنصر فال نزاع ملسلم مع موحد وال جدال .فاإلشكال ناش عن عدم التدبر

.غري منسوخة بآية السيف كما ذكره بعضهم ال إكراه يف الدينقولههر مما تقدم أن اآلية أعين ويظ

Page 582: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٨٢

فإن الناسخ ما مل قد تبني الرشد من الغي قولهومن الشواهد على أن اآلية غري منسوخة التعليل الذي فيها أعين

ومعلوم أن تبني الرشد من الغي يف أمر اإلسالم فإن احلكم باق ببقاء سببه ينسخ علة احلكم مل ينسخ نفس احلكموقاتلوا يف سبيل قولهأو فاقتلوا املشركني حيث وجدمتوهم مثال قولهفإن أمر غري قابل لالرتفاع مبثل آية السيف

اآلية ال يؤثران يف ظهور حقية الدين شيئا حتى ينسخا حكما معلوال هلذا الظهور.

بظهور احلق وهو معنى ال خيتلف حاله قبل نزول حكم القتال ال إكراه يف الدينقولهوبعبارة أخرى اآلية تعلل .فهو غري منسوخ فهو ثابت على كل حال وبعد نزوله

الطاغوت هو الطغيان إخل فقد استمسك بالعروة الوثقى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بقوله

ويستعمل فيما حيصل به الطغيان كأقسام والتجاوز عن احلد وال خيلو عن مبالغة يف املعنى كامللكوت واجلربوت كاألصنام والشياطني واجلن وأئمة الضالل من اإلنسان وكل متبوع ال يرضى املعبودات من دون

.ويستوي فيه املذكر واملؤنث واملفرد والتثنية واجلمع باتباعه

Page 583: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٨٣

ليوافق الرتتيب الذي يناسبه الفعل الواقع فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بقولهوإمنا قدم الكفر على اإلميان يف ألن االستمساك بشيء إمنا يكون برتك كل شيء واألخذ بالعروة يف اجلزاء أعين االستمساك بالعروة الوثقى

واالستمساك هو األخذ واإلمساك فقدم الكفر وهو ترك على اإلميان وهو أخذ ليوافق ذلك فهناك ترك ثم أخذوالعروة هي كل ما له أصل من النبات وما ال ما يؤخذ به من الشيء كعروة الدلو وعروة اإلناء والعروة بشدة

.عراه واعرتاه أي تعلق به وأصل الباب التعلق يقال يسقط ورقه

موضوع على االستعارة للداللة على أن اإلميان بالنسبة إىل فقد استمسك بالعروة الوثقىقولهوالكالم أعين فكما ال يكون األخذ أخذا مطمئنا حتى يقبض على العروة السعادة مبنزلة عروة اإلناء بالنسبة إىل اإلناء وما فيه

.ويكفر بالطاغوت كذلك السعادة احلقيقية ال يستقر أمرها وال يرجى نيلها إال أن يؤمن اإلنسان ب

واجلملة يف موضع احلال من العروة االنقطاع واالنكسار االنفصام مسيع عليم ال انفصام هلا وقوله .لكون اإلميان والكفر متعلقا بالقلب واللسان مسيع عليم و بقولهثم عقبه تؤكد معنى العروة الوثقى

Page 584: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٨٤

قد مر شطر من الكالم يف معنى إخراجه من النور إىل إىل آخر اآلية ويل الذين آمنوا خيرجهم قولهوقد بينا هناك أن هذا اإلخراج وما يشاكله من املعاني أمور حقيقية غري جمازية خالفا ملا تومهه كثري من الظلمات

وما يرتتب املفسرين وسائر الباحثني أهنا معان جمازية يراد هبا األعمال الظاهرية من احلركات والسكنات البدنيةاالعتقاد احلق مبا يرتفع به ظلمة اجلهل وحرية الشك واضطراب فالنور مثال هو عليها من الغايات احلسنة والسيئة

كما أن النور احلقيقي على هذه وأثره يف السعادة جلي والنور هو صاحل العمل من حيث إن رشده بني القلب .الصفات

.كل ذلك باالستعارة والظلمة هو اجلهل يف االعتقاد والشبهة والريبة وطاحل العمل

كاإلخراج من النور إىل الظلمات الذي ينسب إىل واإلخراج من الظلمة إىل النور الذي ينسب إىل

وغريه كاإلخراج ال فعل من الطاغوت نفس هذه األعمال والعقائد فليس وراء هذه األعمال والعقائد .هذا ما ذكره قوم من املفسرين والباحثني وغريه كالنور والظلمة وغريمها مثال وال أثر لفعل

Page 585: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٨٥

يفعل فعال كاإلخراج من الظلمات إىل النور وإعطاء احلياة والسعة والرمحة وما يشاكلها أن وذكر آخرون ال يناهلا أفهامنا وال يسعها مشاعرنا آثار كالنور والظلمة والروح والرمحة ونزول املالئكة ويرتتب على فعله

وإن مل حنط هبا بأن هذه األمور موجودة وأهنا أفعال له - وهو يقول احلق - غري أنا نؤمن حبسب ما أخرب به والزم هذا القول أيضا كالقول السابق أن يكون هذه األلفاظ أعين أمثال النور والظلمة واإلخراج وحنوها خربا

القولني أن مصاديق النور والظلمة وحنومها على القول األول نفس وإمنا الفرق بني مستعملة على ااز باالستعارةوال طريق إىل نيلها وعلى القول الثاني أمور خارجة عن أعمالنا وعقائدنا ال سبيل لنا إىل فهمها أعمالنا وعقائدنا

.والوقوف عليها

واحلق يف ذلك أن هذه األمور اليت أخرب والقوالن مجيعا خارجان عن صراط االستقامة كاملفرط واملفرط بإجيادها وفعلها عند الطاعة واملعصية إمنا هي أمور حقيقية واقعية من غري جتوز غري أهنا ال تفارق أعمالنا

خيرجهم من الظلمات وهذا ال ينايف كون قوله وقد مر الكالم يف ذلك وعقائدنا بل هي لوازمها اليت يف باطنهاملا تقدم وإضالل الطاغوت كنايتني عن هداية خيرجوهنم من النور إىل الظلمات وقوله لنورإىل ا

أحدمها كون النور والظلمة وما شاهبهما ذا حقيقة يف هذه النشأة أو جمرد يف حبث الكالم أن النزاع يف مقامنيأنه على تقدير تسليم أن هلا حقائق وواقعيات هل استعمال اللفظ كالنور مثال يف وثانيهما تشبيه ال حقيقة له

Page 586: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٨٦

خيرجهم من الظلمات قوله وعلى أي حال فاجلملتان أعين احلقيقة اليت هي حقيقة اهلداية حقيقة أو جمازلزم أن يكون لكل من كنايتان عن اهلداية واإلضالل وإال خيرجوهنم من النور إىل الظلماتقولهو إىل النور

فإن الزم إخراج املؤمن من الظلمة إىل النور أن يكون قبل اإلميان يف ظلمة وبالعكس يف املؤمن والكافر نور وظلمة معاإذا بلغوا مقام التكليف - وهم الذين عاشوا مؤمنني فقط أو عاشوا كفارا فقط - فعامة املؤمنني والكفار الكافر

فهم قبل ذلك يف نور وظلمة معا وإن كفروا خرجوا من النور إىل الظلمات فإن آمنوا خرجوا من الظلمات إىل النور .وهذا كما ترى

وأما بالنسبة إىل هو نور إمجايل يقبل التفصيل خلقته على نور الفطرة إن اإلنسان حبسب لكن ميكن أن يقال

والنور والظلمة هبذا املعنى ال يتنافيان املعارف احلقة واألعمال الصاحلة تفصيال فهو يف ظلمة بعد لعدم تبني أمرهوالكافر بكفره واملؤمن بإميانه خيرج من هذه الظلمة إىل نور املعارف والطاعات تفصيال وال ميتنع اجتماعهما

واإلتيان بالنور مفردا وبالظلمات مجعا يف قوله خيرج من نور الفطرة إىل ظلمات الكفر واملعاصي التفصيليةلإلشارة إىل أن احلق واحد ال تخيرجوهنم من النور إىل الظلما وقوله خيرجهم من الظلمات إىل النور

وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وال قال اختالف فيه كما أن الباطل متشتت خمتلف ال وحدة فيه .١٥٣ األنعام تتبعوا السبل فتفرق بكم

Page 587: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٨٧

أخرج أبو داود والنسائي وابن املنذر وابن أبي حامت والنحاس يف ناسخه وابن منده يف غرائب يف الدر املنثوركانت املرأة من األنصار شعبه وابن حبان وابن مردويه والبيهقي يف سننه والضياء يف املختارة عن ابن عباس قال

فلما أجليت بنو النضري كان فتجعل على نفسها إن عاش هلا ولد أن هتوده تكون مقالة ال يكاد يعيش هلا ولد .ال إكراه يف الدين ال ندع أبناءنا فأنزل فيهم من أبناء األنصار فقالوا

.وروي أيضا هذا املعنى بطرق أخرى عن سعيد بن جبري وعن الشعيب أقول

فلما كانت النضري أرضعت رجاال من األوس أخرج عبد بن محيد وابن جرير وابن املنذر عن جماهد قال وفيه

فمنعهم أهلوهم وأكرهوهم على لنذهنب معهم ولندينن دينهم قال أبناؤهم من األوس بإجالئهم أمر النيب .ففيهم نزلت هذه اآلية ال إكراه يف الدين اإلسالم

Page 588: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٨٨

وهو ال ينايف ما تقدم من نذر النساء الالتي ما كان يعيش أوالدها وهذا املعنى أيضا مروي بغري هذا الطريق أقول .أن يهودهنم

نزلت يف رجل من األنصار ال إكراه يف الدين قال قولهيف أخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس أيضا وفيه

أ ال وكان هو رجال مسلما فقال للنيب احلصني كان له ابنان نصرانيان من بين سامل بن عوف يقال له .فيه ذلك فأنزل أستكرههما فإهنما قد أبيا إال النصرانية

.النور آل حممد والظلمات أعداؤهم قال عن الصادق ويف الكايف

.وهو من قبيل اجلري أو من باب الباطن أو التأويل أقول

آتاه أن هي ربف يماهرإب آجي حإلى الذ تر ألم يتأميي وقال أنا أح يتمييي وحي يالذ يبر يماهرإذ قال إب لكالم فإن يماهرقال إب و ي كفرالذ هتغرب فبالم نا مبه فأت رقشالم نس ممي بالشأتي نيمالظال مي القودهال ي

٢٥٨ هذيي هحي ا قال أنىهوشرلى عة عاويخ يهو ةيلى قرع ري مكالذ أو اهتوم دعب اتهفأم امئة عم

Page 589: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٨٩

طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر إلى انظراس وة للنآي لكعجنلارك ومح أن لمقال أع له نيا تبا فلمما لحوهنكس ا ثمهزننش فظام كيإلى الع لى كلع

يرقد ءيش٢٥٩ طن ليلكلى ون قال بمتؤ لمتى قال أوويي المتح في كيأرن بر يماهرإذ قال إبقلبي قال و نئمي نهعاد ا ثمءزج نهنل مبلى كل جل ععاج ثم كإلي نهرر فصالطي نة معبفخذ أر أن لماعا ويعس كينأت زيزع

يمكح٢٦٠

بيان

غري خالية عن االرتباط مبا قبلها من اآليات فمن احملتمل أن تكون اآليات مشتملة على معنى التوحيد ولذلك كانت .نازلة معها

احملاجة إلقاء احلجة قبال احلجة إلثبات املدعى أو إلبطال ما يقابله أمل تر إىل الذي حاج إبراهيم يف ربهقوله

وأصل احلجة هو القصد غلب استعماله فيما يقصد به إثبات دعوى من الدعاوي يف ربه متعلق حباج قولهو وهذا الذي حاج إبراهيم قال إبراهيم ربي الذي حييي ومييت فيما بعد والضمري إلبراهيم كما يشعر به قوله

يف ربه هو امللك الذي كان يعاصره وهو منرود من ملوك بابل على ما يذكره التاريخ والرواية.

Page 590: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٩٠

والذي جرى عليه األمر عند الناس وال يزال جيري عليه يعلم معنى هذه احملاجة اليت ذكرها وبالتأمل يف سياق اآلية

يف هذه اآلية واملوضوع الذي وقعت فيه حماجتهما.

وهذا مما ال يرتاب فيه املؤثرة فيه أن اإلنسان ال يزال خاضعا حبسب الفطرة للقوى املستعلية عليه بيان ذلكالباحث عن أطوار األمم اخلالية املتأمل يف حال املوجودين من الطوائف املختلفة وقد بينا ذلك فيما مر من

.املباحث

وهذا أمر ال خيتلف يف وقد مر أيضا بيانه وهو بفطرته يثبت للعامل صانعا مؤثرا فيه حبسب التكوين والتدبريإلنسان سواء قال بالتوحيد كما يبتين عليه دين األنبياء وتعتمد عليه دعوهتم أو ذهب إىل تعدد القضاء عليه حال ا

فإن الفطرة ال تقبل البطالن ما دام اإلنسان اآلهلة كما عليه الوثنيون أو نفي الصانع كما عليه الدهريون واملاديون .إنسانا وإن قبلت الغفلة والذهول

Page 591: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٩١

وكان يرى من نفسه أن أفعاله املختلفة تستند إىل قواه اذج ملا كان يقيس األشياء إىل نفسهلكن اإلنسان األويل السوكذا احلوادث وكذا األفعال املختلفة االجتماعية تستند إىل أشخاص خمتلفة يف االجتماع وأعضائه املختلفة

املختلفة إىل علل قريبة خمتلفة وإن كانت مجيع األزمة جتتمع عند الصانع الذي يستند إليه جمموع عامل الوجود ال جرم فتارة كان يثبت ذلك باسم أرباب األنواع كرب األرض أثبت ألنواع احلوادث املختلفة أربابا خمتلفة دون

وتارة كان يثبته باسم الكواكب وخاصة السيارات اليت ألرياح وغري ذلكورب البحار ورب النار ورب اهلواء واكان يثبت هلا على اختالفها تأثريات خمتلفة يف عامل العناصر واملواليد كما نقل عن الصابئني ثم كان يعمل صورا

عا له عند ومتاثيل لتلك األرباب فيعبدها لتكون وسيلة الشفاعة عند صاحب الصنم ويكون صاحب الصنم شفي العظيم ينال بذلك سعادة احلياة واملمات.

ولذلك كانت األصنام خمتلفة حبسب اختالف األمم واألجيال ألن اآلراء كانت خمتلفة يف تشخيص األنواع املختلفة

.ورمبا حلقت بذلك أميال وهتوسات أخرى وختيل صور أرباب األنواع احملكية بأصنامها

األمر تدرجيا إىل التشبث باألصنام ونسيان أرباهبا حتى رب األرباب ألن احلس واخليال كان يزين ما ناله ورمبا اجنر كل ذلك إمنا كان فكان يوجب ذلك غلبة جانبها على جانب وكان يذكرها وينسى ما وراءها هلم

Page 592: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٩٢

وتستعلي تدبريها على غلب إرادهتا إرادهتممنهم ألهنم كانوا يرون هلذه األرباب تأثريا يف شئون حياهتم حبيث ت .تدبريهم

ورمبا كان يستفيد بعض أويل القوة والسطوة والسلطة من جبابرة امللوك من اعتقادهم ذلك ونفوذ أمره يف شئون

فيسلك نفسه يف سلك فيطمع يف املقام ويدعي األلوهية كما ينقل عن فرعون ومنرود وغريمها حياهتم املختلفةوهذا وإن كان يف بادىء األمر على هذه الوترية لكن ظهور تأثريه األرباب وإن كان هو نفسه يعبد األصنام كعبادهتم

وقد تقدمت ونفوذ أمره عند احلس كان يوجب تقدمه عند عباده على سائر األرباب وغلبة جانبه على جانبهافقد كان ٢٤ النازعات أنا ربكم األعلى من قول فرعون لقومه اإلشارة إليه آنفا كما حيكيه

وكذلك ١٢٧ األعراف ويذرك وآهلتك يدعي أنه أعلى األرباب مع كونه ممن يتخذ األرباب كما قال .يف هذه اآلية على ما سنبني أنا أحيي وأميت قولهكان يدعي منرود على ما يستفاد من

ألوهية للهفإن منرود كان يرى ومنرود وينكشف هبذا البيان معنى هذه احملاجة الواقعة بني إبراهيم

ومل يبهت عند ذلك يأتي بالشمس من املشرق فأت هبا من املغرب إن قوله ولو ال ذلك مل يسلم إلبراهيم وكان يرى أنا آتي هبا من املشرق دون من زعمت أو أن بعض اآلهلة األخرى يأتي هبا من املشرق بل ميكنه أن يقول

Page 593: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٩٣

وكذلك قومه كانوا يرون ذلك كما يدل عليه عامة قصص إبراهيم أن هناك آهلة أخرى دون األصنام جذاذا إال كبريا كقصة الكوكب والقمر والشمس وما كلم به أباه يف أمر األصنام وما خاطب به قومه وجعله

وأنه أعلى اآلهلة وأن معه آهلة أخرى لكنه كان يرى لنفسه ألوهية ألوهية للهفقد كان يرى هلم وغري ذلك .ومل يذكر من أمر اآلهلة األخرى شيئا يف ربه ولذلك استدل على ربوبيته عند ما حاج إبراهيم

ال كان يدعي أن ربه أن إبراهيم هي ومن هنا يستنتج أن احملاجة اليت وقعت بينه وبني إبراهيم ربي الذي حييي بقولهعلى دعواه غري ومنرود كان يدعي أنه رب إبراهيم وغريه ولذلك ملا احتج إبراهيم

فادعى أنه متصف مبا وصف به إبراهيم ربه فهو ربه الذي جيب عليه أن خيضع له أنا أحيي وأميت قال ومييتيف وأنا أحيي وأميت ألن الزم العطف أن يشارك ومل يقل ودون األصنام ويشتغل بعبادته دون

.حتيي ومتيت واآلهلة ومل يقل أيضا ربوبيته ومل يكن مطلوبه ذلك بل كان مطلوبه التعني بالتفوق كما عرفت

إمنا أراد فإن إبراهيم بل بالتمويه واملغالطة وتلبيس األمر على من حضر باحلق ومل يعارض إبراهيم احلياة واملوت املشهودين يف هذه املوجودات احلية الشاعرة املريدة فإن هذه احلياة ربي الذي حييي ومييت بقوله

وال بشيء اهولة لكنه ال يستطيع أن يوجدها إال من هو واجد هلا فال ميكن أن يعلل بالطبيعة اجلامدة الفاقدة هلاوالشيء ال يقوى ال على إجياد نفسه وال وموهتا عدمها فإن حياهتا هي وجودها من هذه املوجودات احلية

Page 594: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٩٤

ولو كان منرود أخذ هذا الكالم باملعنى الذي له مل ميكنه معارضته بشيء لكنه غالط فأخذ على إعدام نفسهاحلياة واملوت مبعنامها اازي أو األعم من معنامها احلقيقي واازي فإن اإلحياء كما يقال على جعل احلياة يف

وكذا اإلماتة تطلق على على تلخيص إنسان من ورطة اهلالك إذا نفخت فيه احلياة كذلك يقال شيء كاجلننيوعند ذلك أمر بإحضار رجلني من السجن فأمر بقتل أحدمها وعلى مثل القتل بآلة قتالة التويف وهو فعل

ومل لى احلاضرين فصدقوه فيهولبس األمر ع أنا أحيي وأميت وإطالق اآلخر فقتل هذا وأطلق ذاك فقالوأن احلجة وأنه مل يرد باإلحياء واإلماتة هذا املعنى اازي أن يبني له وجه املغالطة يستطع لذلك إبراهيم

وحال ومل يكن ذلك إال ألنه شاهد حال منرود يف متويهه ذلك لبينه ولو كان يف وسعه ال تعارض احلجةفعدل إىل حجة فوجد أنه لو بني وجه املغالطة مل يصدقه أحد احلضار يف تصديقهم لقوله الباطل على العمياء

يأتي بالشمس من املشرق فأت هبا من املغرب إن أخرى ال يدع املكابر أن يعارضه بشيء فقال إبراهيم ند بعضهم كما يظهر من ما يرجع إىل الكوكب والقمر من وذلك أن الشمس وإن كانت من مجلة اآلهلة عندهم أو ع

الذي كانوا يرونه لكنها وما يلحق وجودها من األفعال كالطلوع والغروب مما يستند باآلخرة إىل قصته والفاعل اإلرادي إذا اختار فعال باإلرادة كان له أن خيتار خالفه كما اختار نفسه فإن األمر يدور رب األرباب

إن هذا األمر املستمر اجلاري إذ ما كان يسعه أن يقول وباجلملة ملا قال إبراهيم ذلك هبت منرود ر اإلرادةمداإنه فعل وال كان يسعه أن يقول على وترية واحدة وهو طلوعها من املشرق دائما أمر اتفاقي ال حيتاج إىل سبب

Page 595: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٩٥

إني أنا الذي آتيها من املشرق وال كان يسعه أن يقول فقد كان يسلم خالف ذلك مستند إليها غري مستند إىل .ال يهدي القوم الظاملني و حجرا وهبته فألقمه وإال طولب بإتياهنا من املغرب

أن أساء إيل فالن ألني أحسنت إليه يريد أنه من قبيل قول القائل ظاهر السياق امللك أن آتيه قوله

واتق شر من وقوهلم إحساني إليه كان يستدعي أن حيسن إيل لكنه بدل اإلحسان من اإلساءة فأساء إيل .جزى بنوه أبا الغيالن عن كرب قال الشاعر أحسنت إليه

.وحسن فعل كما جيزى سنمار

امللك بتقدير الم التعليل وهي من قبيل وضع الشيء موضع ضده للشكوى أن آتيه قولهفاجلملة أعين

عليه بامللك فإن عدوان منرود وطغيانه يف هذه احملاجة كان ينبغي أن يعلل بضد إنعام واالستعداء وحنوه فرانه لنعمة يف حقه إال اإلحسان إليه وإيتاؤه امللك فوضع يف موضع العلة فدل على ك لكن ملا مل يتحقق من

.فهذه نكتة يف ذكر إيتائه امللك ٨ القصص فالتقطه آل فرعون ليكون هلم عدوا وحزناقولهفهو بوجه ك

Page 596: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٩٦

وذلك أنه إمنا كان يدعي هذه الدعوى مللك آتاه الداللة على رداءة دعواه من رأس وهناك نكتة أخرى وهي من غري أن ميلكه لنفسه فهو إمنا كان منرود امللك ذا السلطة والسطوة بنعمة من ربه وأما هو يف نفسه فلم

الذي بقولهوهلذا مل يذكر امسه وعرب عنه وال يشار إليه بنعت يكن إال واحدا من سواد الناس ال يعرف له وصف .داللة على حقارة شخصه وخسة أمره حاج إبراهيم يف ربه

فإن امللك وهو نوع سلطنة أنه ال حمذور فيه فقد مر يف املباحث السابقة وأما نسبة ملكه إىل إيتاء

وقد أودع يف فطرة اإلنسان وفضل يؤتيه من يشاء منبسطة على األمة كسائر أنواع السلطنة والقدرة نعمة من الدار وابتغ فيما آتاك قال فإن وضعه يف موضعه كان نعمة وسعادة والرغبة فيه معرفتهأمل تر إىل قال وإن عدا طوره واحنرف به عن الصراط كان يف حقه نقمة وبوارا ٧٧ القصص اآلخرة

على ما وقد مر بيان أن لكل نسبة إليه ٢٨ إبراهيم كفرا وأحلوا قومهم دار البوار الذين بدلوا نعمة .وتقدس من جهة احلسن الذي فيه دون جهة القبح واملساءة يليق بساحة قدسه

يعود إىل إبراهيم امللك أن الضمري يف قوله أن آتيه ومن هنا يظهر سقوط ما ذكره بعض املفسرين

من فضله فقد آتينا آل إبراهيم أم حيسدون الناس على ما آتاهم واملراد بامللك ملك إبراهيم كما قال

Page 597: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٩٧

ال ملك منرود لكونه ملك جور ومعصية ال جيوز نسبته إىل ٥٤ النساء الكتاب واحلكمة وآتيناهم ملكا عظيما .

يا قوم لكم كقوله حكاية عن مؤمن آل فرعون أن القرآن ينسب هذا امللك وما يف معناه كثريا إليه أوالففيه

يا قوم - وقد أمضاه باحلكاية - حكاية عن فرعون وقوله ٢٩ املؤمنون امللك اليوم ظاهرين يف األرضفقصر كل امللك لنفسه فما من ١ التغابن له امللك وقد قال ٥١ الزخرف أليس يل ملك مصر

٨٨ يونس ربنا إنك آتيت فرعون ومأله زينة حكاية عن موسى وقال ملك إال وهو منه وقال ٧٦ القصص وآتيناه من الكنوز ما إن مفاحته لتنوء بالعصبة أويل القوة يف قارون وقال

ثم يطمع أن ومهدت له متهيدا - إىل أن قال - ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له ماال ممدودا خطابا لنبيه .إىل غري ذلك ١٥ املدثر أزيد

أن ذلك ال يالئم ظاهر اآلية فإن ظاهرها أن منرود كان ينازع إبراهيم يف توحيده وإميانه ال أنه كان ينازعه وثانيا

.وما كان يرى إلبراهيم ملكا حتى يشاجره فيه وحياجه يف ملكه فإن ملك الظاهر كان لنمرود

Page 598: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٩٨

وقد مر تفصيل وامللك من مجلة األشياء وال حمذور يف نسبته إليه أن لكل شيء نسبة إىل وثالثا .بيانه

احلياة واملوت وإن كانا يوجدان يف غري جنس احليوان أيضا قال إبراهيم ربي الذي حييي ومييتقوله

منهما إما خصوص احلياة لكن مراده وقد صدقه القرآن كما مر بيانه يف تفسري آية الكرسي كالنباتفإن هذا أنا أحيي وأميت والدليل على ذلك قول منرود واملمات احليوانيني أو األعم الشامل له إلطالق اللفظ

وال إحياء احليوان بالسفاد والتوليد مثال الذي ادعاه لنفسه مل يكن من قبيل إحياء النبات باحلرث والغرس مثالأنه أمر وهذا يؤيد ما وردت به الروايات ذلك وأشباهه كان ال خيتص به بل يوجد يف غريه من أفراد اإلنسان فإن

.أنا أحيي وأميت وقال عند ذلك بإحضار رجلني ممن كان يف سجنه فأطلق أحدمها وقتل اآلخر

وخاصة احلياة يف حجته اإلحياء واإلماتة ألهنما أمران ليس للطبيعة الفاقدة للحياة فيهما صنع وإمنا أخذ واحلجة على وكذا املوت املقابل هلا اليت يف احليوان حيث تستتبع الشعور واإلرادة ومها أمران غري ماديني قطعا

ألن احنطاطهم يف الفكر وخبطهم يف التعقل كان فوق ما كان يظنه ما فيها من السطوع والوضوح مل تنجح يف حقهم يف حقهم ازي الشامل ملثل اإلطالق والقتلفلم يفهموا من اإلحياء واإلماتة إال املعنى ا فقال منرود أنا

Page 599: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٥٩٩

طاط الفكري ومن سياق هذه احملاجة ميكن أن حيدس املتأمل ما بلغ إليه االحن أحيي وأميت وصدقه من حضرهوال ينايف ذلك االرتقاء احلضاري والتقدم املدني الذي يدل عليه اآلثار والرسوم يومئذ يف املعارف واملعنويات

ويف فإن املدنية املادية أمر والتقدم يف معنويات املعارف أمر آخر الباقية من بابل كلدة ومصر الفراعنة وغريمها .ارتقاء الدنيا احلاضرة يف مدنيتها واحنطاطها يف األخالق واملعارف املعنوية ما تسقط به هذه الشبهة

يف حجته مسألة احتياج العامل بأسره إىل الصانع الفاطر للسماوات واألرض وجه عدم أخذه ومن هنا يظهر

إني وجهت وجهي للذي فطر السموات قولهعنه كما أخذ به يف استبصار نفسه يف بادي أمره على ما حيكيه فإن القوم على اعرتافهم بذلك بفطرهتم إمجاال كانوا أنزل ٧٩ األنعام واألرض حنيفا وما أنا من املشركني

وناهيك يف ذلك ما سطحا من أن يعقلوه على ما ينبغي أن يعقل عليه حبيث ينجح احتجاجه ويتضح مراده .ربي الذي حييي ومييت قولهفهموه من

.أي فأنا ربك الذي وصفته بأنه حييي ومييت قال أنا أحيي وأميتقوله

Page 600: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٠٠

ملا آيس يأتي بالشمس من املشرق فأت هبا من املغرب فبهت الذي كفر قال إبراهيم فإن قولهلسوء فهم اخلصم ومتويهه وتلبيسه األمر على من حضر عندمها من مضي احتجاجه بأن ربه الذي حييي ومييت

إال أنه بنى هذه احلجة الثانية على دعوى اخلصم عدل عن بيان ما هو مراده من اإلحياء واإلماتة إىل حجة أخرىإنك ربي ومن إن كان األمر كما تقول واملعنى إخل فإن قولهيف احلجة األوىل كما يدل عليه التفريع بالفاء يف

يتصرف يف الشمس بإتياهنا من املشرق شأن الرب أن يتصرف يف تدبري أمر هذا النظام الكوني فرب كل شيء أو أنك الرب فوق األرباب فبهت فتصرف أنت بإتياهنا من املغرب حتى يتضح أنك رب كما أن

ولذلك أيضا مها لئال يظن أن احلجة األوىل متت لنمرود وأنتجت ما ادعاهوإمنا فرع احلجة على ما تقد الذي كفر ربي سوءا وطبقه على نفسه باملغالطة فأتى قولهفإن ربي ألن اخلصم استفاد من ومل يقل فإن قال

وقد مر بيان أن منرود ما كان يسعه أن يتفوه يف مقابل هذه ! ثانيا بلفظة اجلاللة ليكون مصونا عن مثل التطبيق السابق .احلجة بشيء دون أن يبهت فيسكت

ظاهر السياق أنه تعليل لقوله فبهت الذي كفر فبهته هو عدم هداية ال يهدي القوم الظاملني وقوله إياه ال كفره وبعبارة أخرى معناه أن مل يهده فبهت لذلك ولو هداه لغلب على إبراهيم يف احلجة ال أنه مل

.ال إىل كفره وهو ظاهر يهده فكفر لذلك وذلك ألن العناية يف املقام متوجهة إىل حماجته إبراهيم

Page 601: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٠١

الظاملني هو ظلمهم كما هو كذلك أن السبب لعدم هداية أن يف الوصف إشعارا بالعلية أعين ومن هنا يظهر

الكذب وهو يدعى إىل اإلسالم ومن أظلم ممن افرتى على كقول يف سائر موارد هذه اجلملة من كالمه مثل الذين محلوا التوراة ثم مل حيملوها كمثل احلمار حيمل أسفارا قولهو ٧ الصف ال يهدي القوم الظاملني و

ونظري الظلم الفسق يف ٥ اجلمعةال يهدي القوم الظاملني و بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات .٥ الصفال يهدي القوم الفاسقني قلوهبم و فلما زاغوا أزاغ قوله

صراط العدل والعدول عما ينبغي من العمل إىل غري ما ينبغي موجب لعدم وباجلملة الظلم وهو االحنراف عن

وهذه من احلقائق الناصعة اليت ذكرها القرآن ومؤد إىل اخليبة واخلسران باألخرة االهتداء إىل الغاية املقصودة .الشريف وأكد القول فيها يف آيات كثرية

كالم يف اإلحسان وهدايته والظلم وإضالله

وبنى هذه حقيقة ثابتة بينها القرآن الكريم كما ذكرناه آنفا وهي كلية ال تقبل االستثناء وقد ذكرها بالسنة خمتلفةدل على أن كل ٥٠ طه الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال عليها حقائق كثرية من معارفه

Page 602: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٠٢

وليس ذلك إال بارتباطه مع إىل مقاصد وجوده وكماالت ذاته يهتدي هبداية من شيء بعد متام خلقهغريه من األشياء واستفادته منها بالفعل واالنفعال باالجتماع واالفرتاق واالتصال واالنفصال والقرب والبعد

ختطي وال ختبط والقصود الواقعية ال ومن املعلوم أن األمور التكوينية ال تغلط يف آثارها واألخذ والرتك وحنو ذلكوالنامي كالنبات مثال فالنار يف مسها احلطب مثال وهي حارة ال تريد تربيده يف تشخيص غاياهتا ومقاصدها

٥٦ هود إن ربي على صراط مستقيم وقد قال وهو نام ال يقصد إال عظم احلجم دون صغره وهكذا فال ختلف وال اختالف يف الوجود.

وأن هاتني املقدمتني أعين عموم اهلداية وانتفاء اخلطإ يف التكوين أن يكون لكل شيء روابط حقيقية مع غريهوالزم يكون بني كل شيء وبني اآلثار والغايات اليت يقصد هلا طريق أو طرق خمصوصة هي املسلوكة للبلوغ إىل غايته واألثر

لوجودية إمنا تنال إذا سلك إليها من الطرق اخلاصة هبا وكذلك الغايات واملقاصد ا املخصوص املقصود منهفالبذرة إمنا تنبت الشجرة اليت يف قوهتا إنباهتا مع سلوك الطريق املؤدي إليها بأسباهبا والسبل املوصلة إليها

مسبب فما كل سبب يؤدي إىل كل وكذلك الشجرة إمنا تثمر الثمرة اليت من شأهنا أمثارها وشرائطها اخلاصةوالعقل واحلس ٥٨ األعراف والبلد الطيب خيرج نباته بإذن ربه والذي خبث ال خيرج إال نكدا قال

.يشهدان بذلك وإال اختل قانون العلية العام

Page 603: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٠٣

ويهدي إىل كل غاية من وال يهديه إىل غريها وإذا كان كذلك فالصنع واإلجياد يهدي كل شيء إىل غاية خاصة

فكل سلسلة من هذه السالسل الوجودية اليت أتقن كل شيء صنع طريق خاص ال يهدي إليها من غريههذا يف األمور املوصلة إىل غاية وأثر إذا فرضنا تبدل حلقة من حلقاهتا أوجب ذلك تبدل أثرها ال حمالة

.التكوينية

عتبارات االجتماعية وغريها على هذا الوصف أيضا من حيث إهنا نتائج الفطرة واألمور غري التكوينية من االفالشئون االجتماعية واملقامات اليت فيه واألفعال اليت تصدر عنها كل منها مرتبط بآثار املتكئة على التكوين

فالرتبية الصاحلة ال تتحقق إال من مرب صاحل وغايات ال تتولد منه إال تلك اآلثار والغايات وال تتولد هي إال منهواملربي الفاسد ال يرتتب على تربيته إال األثر الفاسد ذاك الفساد املكمون يف نفسه وإن تظاهر بالصالح والزم

وكذلك وضرب على الفساد املطوي يف نفسه مبائة سرت واحتجب دونه بألف حجاب الطريق املستقيم يف تربيتهوكل من تقلد منصبا والقاضي الواثب على مسند القضاء بغري لياقة يف قضائه تغلب يف حكومتهاحلاكم امل

وكذلك كل فعل باطل بوجه من وجوه البطالن إذا تشبه باحلق وحل بذلك حمل اجتماعيا من غري طريقه املشروعاألمانة واإلساءة موضع اإلحسان واملكر والقول الباطل إذا وضع موضع القول احلق كاخليانة موضع الفعل احلق

Page 604: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٠٤

وتلبس موضع النصح والكذب موضع الصدق فكل ذلك سيظهر أثرها ويقطع دابرها وإن اشتبه أمرها أياما .تبديال حتويال ولن جتد لسنة اليت جرت يف خلقه ولن جتد لسنة سنة بلباس الصدق واحلق أحيانا

وإن كان والباطل ال يثبت وال يبقى أثره وإن خفي على إدراك املدركني أويقات أثرهفاحلق ال ميوت وال يتزلزل

ومن من حتقيق احلق تثبيت أثره ٨ األنفال ليحق احلق ويبطل الباطل قال رمبا اشتبه أمره ووبالهأمل تر كيف ضرب وقال إبطال الباطل ظهور فساده وانتزاع ما تلبس به من لباس احلق بالتشبه والتمويه

مثال كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها يف السماء تؤتي أكلها كل حني بإذن رهبا ويضرب األمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق األرض ما هلا من قرار يثبت

وقد ٢٧ إبراهيم ما يشاء الظاملني ويفعل الذين آمنوا بالقول الثابت يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة ويضل من طريق وال شأن هلم إال أهنم يريدون آثار احلق من غري طريقها أعين يضلهم يف شأهنم أطلق الظاملني فإنه ربي أحسن مثواي إنه ال يفلح قال معاذ حكاية عن يوسف الصديق - الباطل كما قال

وال أن ظلمه يهديه إىل ما يهتدي إليه احملسن بإحسانه واملتقي فالظامل ال يفلح يف ظلمه ٢٣ يوسف الظاملونوقال ٦٩ العنكبوت ملع احملسنني والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن قال بتقواه والعاقبة للتقوى طه ١٣٢.

Page 605: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٠٥

ومن أمجعها وأمتها بيانا فيه واآليات القرآنية يف هذه املعاني كثرية على اختالفها يف مضامينها املتفرقة

أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه يف النار ابتغاء قولهاحلق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءا وأما ما ينفع الناس فيمكث يف حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب

.١٧ الرعد األمثال األرض كذلك يضرب

فإن ذلك الزم كلية قانون العلية واملعلولية اجلارية بني أجزاء العامل وإن التجربة وقد مرت اإلشارة إىل أن العقل يؤيدهفما منا من أحد إال ويف ذكره أخبار حمفوظة من عاقبة أمر الظاملني القطعية احلاصلة من تكرر احلس تشهد به

.وانقطاع دابرهم

خوت الدار ختوي خواء اخلاوية هي اخلالية يقال أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشهاقولهجنات قال والعروش مجع العرش وهو ما يعمل مثل السقف للكرم قائما على أعمدة إذا خلت

فإن لكن بينهما فرقا ومن هنا أطلق على سقف البيت العرش ١٤١ األنعام معروشات وغري معروشات

Page 606: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٠٦

السقف هو ما يقوم من السطح على اجلدران والعرش هو السقف مع األركان اليت يعتمد عليها كهيئة عرش الكرم .خالية على سقفها ولذا صح أن يقال يف الديار إهنا خالية على عروشها وال يصح أن يقال

إنه عطف على قوله يف اآلية السابقة فقيل أو كالذي وقد ذكر املفسرون وجوها يف توجيه العطف يف قوله

وقد جيء هبذا الكاف هل رأيت مثل الذي مر على قرية إخل واملعنى أو والكاف امسية الذي حاج إبراهيمأمل تر إىل الذي حاج إبراهيم أو الذي مر على قرية واملعنى بل الكاف زائدة وقيل للتنبيه على تعدد الشواهد

إنه وقيل أمل تر كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مر على قرية واملعنى إنه عطف حممول على املعنى وقيل إخلوإن كنت حتيي فأحي كإحياء الذي مر على والتقدير من كالم إبراهيم جوابا عن دعوى اخلصم أنه حييي ومييت

.قرية إخل فهذه وجوه ذكروه يف اآلية لتوجيه العطف لكن اجلميع كما ترى

أن توضيحه أن العطف على املعنى كما مر يف الوجه الثالث إال أن التقدير غري التقدير - أعلم و - وأظن قولهملا ذكر ويل الذين آمنوا خيرجهم من الظلمات إىل النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت

أنه يهدي املؤمنني إىل احلق وال يهدي الكافر يف كفره بل يضله حتصل من ذلك خيرجوهنم من النور إىل الظلماتوهي مراتب ام هدايته ثم ذكر لذلك شواهد ثالث يبني هبا أقس أولياء أولياؤه الذين اختذته من دون

Page 607: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٠٧

حيث هدى اهلداية إىل احلق بالربهان واالستدالل كما يف قصة الذي حاج إبراهيم يف ربه أوالها ثالث مرتتبةوإمنا مل يصرح هبداية إبراهيم بل وضع عمدة ومل يهد الذي حاجه بل أهبته وأضله كفره إبراهيم إىل حق القول

.ال يهدي القوم الظاملني و قولهالكالم يف أمر خصمه ليدل على فائدة جديدة يدل عليها

اهلداية إىل احلق باإلراءة واإلشهاد كما يف قصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها فإنه بني له ما والثانية .كل ذلك باإلراءة واإلشهاد أشكل عليه من أمر اإلحياء بإماتته وإحيائه وسائر ما ذكره يف اآلية

وبعبارة أخرى بإراءة السبب ة اليت ترتشح منه احلادثةاهلداية إىل احلق وبيان الواقعة بإشهاد احلقيقة والعل الثالثة

وهذا أقوى مراتب اهلداية والبيان وأعالها وأسناها كما أن من كان مل ير اجلنب مثال وارتاب يف أمره واملسبب معا .تزاح شبهته تارة باالستشهاد مبن شاهده وأكل منه وذاق طعمه

وإذاقته طعمه وتارة بإحضار احلليب وعصارة اإلنفحة وخلط مقدار منها به حتى وتارة بإراءته قطعة من اجلنب

.جيمد ثم إذاقته شيئا منه وهي أنفى املراتب للشبهة

Page 608: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٠٨

يصح فيه مجيع السياقات الثالث يف - وهو مقام االستشهاد - إذا عرفت ما ذكرناه علمت أن املقام يف اآليات الثالث أو مل تر إىل قصة أ مل تر إىل قصة إبراهيم ومنرود يهدي املؤمنني إىل احلق إن يقال إلقاء املراد إىل املخاطب بأن

إما كما هدى إبراهيم يهدي املؤمنني إىل احلق أو يقال إن أو مل تر إىل قصة إبراهيم والطري الذي مر على قريةأو كما يف قصة إبراهيم والطري وهي قرية وهي نوع آخرعلى أو كالذي مر يف قصة احملاجة وهي نوع من اهلداية

واذكر الذي مر يهدي املؤمنني إىل احلق وأذكرك ما يشهد بذلك فاذكر قصة احملاجة إن أو يقال نوع آخر .واذكر إذ قال إبراهيم رب أرني على قرية

أخذ بالتفنن يف البيان وخص كل واحدة غري أن فهذا ما يقبله اآليات الثالث من السياق حبسب املقام

من اآليات الثالث بواحد من السياقات الثالث تنشيطا لذهن املخاطب واستيفاء جلميع الفوائد السياقية املمكنة .االستيفاء

إما كالذي حاج والتقدير معطوف على مقدر يدل عليه اآلية السابقة أو كالذيقولهأن ومن هنا يظهر

معطوف على مقدر مدلول وإذ قال إبراهيم ويظهر أيضا أن قوله يف اآلية التالية إبراهيم أو كالذي مر على قرية .واذكر إذ قال إبراهيم رب أرني إخل اذكر قصة احملاجة وقصة الذي مر على قرية والتقدير عليه باآلية السابقة

Page 609: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٠٩

والقوم الذين بعث هذا اسم هذا الذي مر على قرية واسم القرية والقوم الذين كانوا يسكنوهنا وقد أهبم

مع أن األنسب يف مقام االستشهاد اإلشارة إىل أمسائهم ليكون املار آية هلم كما يدل عليه قوله ولنجعلك آية للناس .أنفى للشبهة

وقد وقعت موقع اهلداية هبذا النحو من الصنع ملا كانت أمرا عظيمالكن اآلية وهي اإلحياء بعد املوت وكذا أمر

كان مقتضى البالغة أن يعرب عنها املتكلم احلكيم القدير بلحن االستهانة واالستصغار االستبعاد واالستعظاملكسر سورة استبعاد املخاطب والسامعني كما أن العظماء يتكلمون عن عظماء الرجال وعظائم األمور بالتصغري

يتقوم به أصلها ليدل على هوان أمرها ولذلك أهبم يف اآلية كثري من جهات القصة مما ال والتهوين تعظيما ملقام أنفسهمولذلك أيضا أهبم خصم إبراهيم يف اآلية السابقة وأهبم جهات القصة من أمساء الطيور وأمساء اجلبال على

.وعدد األجزاء وغريها يف اآلية الالحقة

Page 610: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦١٠

آتيناها إبراهيم وتلك حجتنا قال فإن للقرآن عناية تشريف به وأما التصريح باسم إبراهيم وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات واألرض وليكون من وقال ٨٣ األنعام على قومه

.باالسم عناية خاصة ففي ذكره ٧٥ األنعام املوقنني

يذكر أمر اإلحياء واإلماتة يف غالب املوارد من كالمه مبا ال خيلو من االستهانة وملا ذكرناه من النكتة ترى أنه وهو الذي يبدؤا اخللق ثم يعيده وهو أهون عليه وله املثل األعلى يف السموات واألرض قال واالستصغار

قال ربك هو علي هني وقد - قولهإىل - قال رب أنى يكون يل غالم وقال ٢٧ الروم وهو العزيز احلكيم .٩ مريم خلقتك من قبل ومل تك شيئا

واسأل قولهيف أهل هذه القرية ففيه جماز كما أي أنى حييي قال أنى حييي هذه قوله

.٨٢ يوسف القرية

والدليل من غري استبعاد يؤدي إىل اإلنكار أو ينشأ منه وإمنا قال هذا القول استعظاما لألمر ولقدرة اآلن كما يف على كل شيء قدير ومل يقل أعلم أن عنه يف آخر القصة على ذلك قوله على ما حكى

Page 611: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦١١

توضيحه وسيجيء ٥١ يوسف اآلن حصحص احلق حكاية عن امرأة العزيز ما مياثله من قوله .قريبا

الرجل نيب مكلم وآية مبعوثة إىل الناس واألنبياء معصومون حاشاهم عن الشك واالرتياب يف البعث الذي على أن

.هو أحد أصول الدين

ظاهره توفيه بقبض روحه وإبقاؤه على هذا احلال مائة عام ثم إحياؤه مائة عام ثم بعثه فأماته قوله .برد روحه إليه

أن املراد باملوت هو احلال املسمى عند األطباء بالسبات وهو أن يفقد املوجود احلي وقد ذكر بعض املفسرين

كما أنه الظاهر من قصة أصحاب أياما أو شهورا أو سنني احلس والشعور مع بقاء أصل احلياة مدة من الزمان .به على البعث فالقصة تشبه القصة الكهف ورقودهم ثالمثائة وتسع سنني ثم بعثهم عن الرقدة واحتجاجه

Page 612: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦١٢

والذي وجد من موارد اتفاقه ال يزيد على سنني معدودة فسبات مائة سنة أمر غري مألوف وخارق للعادة لكن قالوال يشرتط عندنا يف القادر على تويف اإلنسان بالسبات زمانا كعدة سنني قادر على إلقاء السبات مائة سنة

وأخذها على ظاهرها إال أن تكون من املمكنات دون املستحيالت التسليم مبا تواتر به النص من آيات هبذا السبات ورجوع احلس والشعور إليه ثانيا بعد سلبه مائة سنة على إمكان رجوع احلياة إىل فقد احتج

.هذا ملخص ما ذكره األموات بعد سلبها عنهم ألوفا من السنني

وليت شعري كيف يصح احلكم بكون اإلماتة املذكورة يف اآلية من قبيل السبات من جهة كون قصة أصحاب الكهف يف املوت فأماته شباهة ما بني القصتني مع ظهور قوله مبجرد) على تقدير تسليمه(السبات من قبيل

وإذا وهو أمر الداللة وهل هو إال قياس فيما مل يقل بالقياس فيه أحد املعهود دون السبات الذي اختلقه لآليةفال فرق على رجل سبات مائة سنة مع كونه خرقا للعادة فليجز له إماتته مائة سنة ثم إحياؤه جاز أن يلقي

وقد تأول بني خارق وخارق إال أن هذا القائل يرى إحياء املوتى يف الدنيا حماال من غري دليل يدل عليه عنده .وسيجيء التعرض له وانظر إىل العظام كيف ننشزها ثم نكسوها حلما يف ذيل اآلية لذلك أيضا قوله

Page 613: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦١٣

أنى حييي هذه وبالنظر إىل قوله قبلهمن حيث ظهور اللفظ مائة عام فأماته قولهوباجلملة داللة وقوله بعده فانظر إىل طعامك وشرابك مل يتسنه وانظر إىل محارك قولهووانظر إىل العظام مما ال ريب

.فيه

اللبث هو املكث وترديد اجلواب بني قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عامقولهفحسب املوت واحلياة نوما اليوم يدل على اختالف وقت إماتته وإحيائه كأوائل النهار وأواخرهاليوم وبعض

ا فقال يوما لو ختللت الليلة أو بعض للهثم شاهد اختالف وقتيهما فرتدد يف ختلل الليلة بني الوقتني وعدم خت وانتباها .بل لبثت مائة عام يوم لو مل تتخلل قال

سياق هذه اجلمل يف أمره عجيب فقد كرر فيها فانظر إىل طعامك وشرابك مل يتسنه إىل قوله حلماقولهوذكر فيها أمر الطعام والشراب واحلمار والظاهر وكان الظاهر أن يكتفي بواحد منها انظر ثالث مراتقوله

ولنجعلك متخلال يف الكالم وكان الظاهر أن يتأخر عن بقولهوجيء السابق إىل الذهن أنه مل يكن إىل ذكرها حاجةوهو إحياء املوتى بعد طول املدة وعروض - على أن بيان ما استعظمه هذا املار بالقرية وانظر إىل العظام مجلة

Page 614: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦١٤

لكن التدبر يف قد حصل بإحيائه نفسه بعد املوت فما املوجب ألن يؤمر ثانيا بالنظر إىل العظام - كل تغري عليها .أطراف اآلية الشريفة يوضح خصوصيات القصة إيضاحا ينحل به العقدة وتنجلي به الشبهة املذكورة

القصة

بل نبيا مكلما فإن ظاهر مراقبا ألمره عاملا مبقام ربه التدبر يف اآلية يعطي أن الرجل كان من صاحلي عباد ثم بعثه وظاهر قوله املطلقة أنه بعد تبني األمر له رجع إىل ما مل يزل يعلمه من قدرة أعلم أن قوله

وأن هذا مل يكن أول وحي يوحى إليه وإال كان حق الكالم أن يقال إنه كان مأنوسا بالوحي والتكليم قال كم لبثت فلما بعثه قال إخل أو ما يشبهه كقوله يف موسى أتيها نودي يا موسى إني أنا ربكفلما طه ١٢

.٣٠ القصص فلما أتيها نودي من شاطىء الوادي األمين فيه أيضا وقوله

والدليل عليه خروجه مع خرج من داره قاصدا مكانا بعيدا عن قريته اليت كان هبا وكيف كان فقد كان أهنا فلما سار إىل ما كان يقصده مر بالقرية اليت ذكر ومحله طعاما وشرابا يتغذى هبما محار يركبه

وإمنا مر هبا مرورا ثم وقف معتربا مبا يشاهده من أمر ومل يكن قاصدا نفس القرية كانت خاوية على عروشهافإنه يشري إىل القرية اخلربة اليت كان قد أبيد أهلها ومشلتهم نازلة املوت وعظامهم الرميمة مبرأى ومنظر منه

Page 615: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦١٥

ولو كان مراده بذلك عمران نفس القرية بعد خراهبا واإلشارة إىل نفس القرية لكان أنى حييي هذه بقولهاملوتى .أنى يعمر هذه حق الكالم أن يقال

ولو وال أن عمراهنا بعد اخلراب مما يستعظم عادة على أن القرية اخلربة ليس من املرتقب عمراهنا بعد خراهبا

كانت األموات املشار إليهم مقبورين وقد اعترب مبقابرهم لكان من الالزم ذكره والصفح عن ذكر نفس القرية على ما .يليق بأبلغ الكالم

من حتوهلا من حال إىل حالثم إنه تعمق يف االعتبار فهاله ما شاهده منها فاستعظم طول مدة مكثها مع ما يصاحبه

وقد كان أنى حييي هذه وعند ذلك قال وتطورها من صورة إىل صورة حبيث يصري األصل نسيا منسياوالثانية استعظام رجوع األجزاء إىل استعظام طول املدة واإلحياء مع ذلك إحدامها هذا الكالم ينحل إىل جهتني

أما من اجلهة له األمر من اجلهتني مجيعا فبني صورهتا األوىل الفانية بعد عروض هذه التغريات غري احملصورة .األوىل فبإماتته ثم إحيائه وسؤاله وأما من اجلهة الثانية فبإحياء العظام مبنظر ومرأى منه

Page 616: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦١٦

قال قال كم لبثت وقد كان اإلماتة واإلحياء يف وقتني خمتلفني من النهار كما مر ذكره مائة عام ثم بعثه فأماته وقد كان موته يف الطرف املقدم من النهار وبعثه يف الطرف املؤخر لبثت يوما أو بعض يوم نظرا إىل اختالف الوقتني

فرأى بل لبثت مائة عام عليه وقال فرد لبثت يوما من غري ترديد منه ولو كان بالعكس من ذلك لقال .فكان فيه جواب ما استعظمه من طول املكث من نفسه أنه شاهد مائة سنة كيوم أو بعض يوم

فانظر إىل طعامك وشرابك مل يتسنه وانظر إىل قوله بل لبثت مائة عامقولهعلى ثم استشهد

وإمنا يدل على أنه مل حيس بشيء من طول املدة وقصره لبثت يوما أو بعض يومقولهأن وذلك محاركبل لبثت مائة عام فلما أجيب بقوله استدل على ما ذكره مبا شاهد من حال النهار من مشس أو ظل وحنومها

واإلنسان إذا مات كان اجلواب يف مظنة أن يرتاب فيه من جهة ما كان يشاهد نفسه ومل يتغري شيء من هيئة بدنه ومضى عليه مائة سنة على طوهلا تغري ال حمالة بدنه عما هو عليه من النضارة والطراوة وكان ترابا وعظاما رميمة

منهما عما كان عليه طر بباله بأمره أن ينظر إىل طعامه وشرابه مل يتغري شيءهذا الذي ميكن أن خي فدفع فحال احلمار يدل على طول مدة املكث وحال الطعام والشراب يدل وأن ينظر إىل احلمار وقد صار عظاما رميمة

.ليهعلى إمكان أن يبقى طول هذه املدة على حال واحد من غري أن يتغري شيء من هيئته عما هي ع

Page 617: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦١٧

ومن هنا يظهر أن احلمار أيضا قد أميت وكان رميما وكان السكوت عن ذكر إماتته معه ملا عليه القرآن من األدب .البارع

منه االعرتاف أن استعظامه طول املدة قد كان يف غري حمله حيث أخذ وباجلملة مت عند ذلك البيان اإلهلي

فبني له أن كيوم أو بعض يوم كما يأخذ اعرتاف أهل اجلمع يوم القيامة مبثل ما اعرتف به - مدة لبثه - بأن مائة سنة فليست قدرة مادية ختلل الزمان بني اإلماتة واإلحياء بالطول والقصر ال يؤثر يف قدرته احلاكمة على كل شيء

فيكون إحياء املوتى القدمية أصعب عليه من زمانية حتى يتخلف حاهلا بعروض تغريات أقل أو أزيد على احملل املعارج إهنم يرونه بعيدا ونريه قريبا كالقريب من غري فرق كما قال بل البعيد عنده إحياء املوتى اجلديدة

٧ وقال إال كلمح البصروما أمر الساعةالنحل ٧٧.

واملعنى أنا فعلنا بك ما عطف الغاية يدل على أن هناك غريها من الغايات ولنجعلك آية للناس ثم قال فعلنا لنبني لك كذا وكذا ولنجعلك آية للناس فبني أن الغرض اإلهلي مل يكن يف ذلك منحصرا يف بيان األمر له نفسه بل

وانظر إىل العظام إخل بيان األمر له فقط ومن إماتته وإحيائه قولهفالغرض من هناك غاية أخرى وهي جعله آية للناس .إخل وانظر إىل العظامقولهإخل على ولنجعلكقولهولذلك قدم ه وجعله آية للناسبيان األمر ل

Page 618: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦١٨

فلكل واحد من املوارد الثالث غرض خاص به ال ثالث مرات يف اآلية ومما بينا يظهر وجه تكرار قوله انظر

.يشاركه فيه غريه

ويوم ليوم البعث كما قال وكان يف إماتته وإحيائه وبيان ذلك له بيان ما جيده امليت من نفسه إذا أحياه تقوم الساعة يقسم ارمون ما لبثوا غري ساعة كذلك كانوا يؤفكون وقال الذين أوتوا العلم واإلميان لقد لبثتم يف كتاب

إىل يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم ال تعلمون الروم ٥٦.

أنه كيف يعود األجزاء إىل صورهتا بعد كل وهو أنى حييي هذه قولهله اجلهة الثانية اليت يشتمل عليه ثم بني وانظر إىل العظام كيف ننشزها واإلنشاز هذه التغريات والتحوالت الطارئة عليها واستلفت نظره إىل العظام فقال

وظاهر اآلية أن املراد بالعظام عظام احلمار إذ لو كانت عظام أهل القرية مل تكن اآلية منحصرة فيه كما هو اإلمناء .! ولنجعلك آية بل شاركه فيه املوتى الذين أحياهم قولهظاهر

Page 619: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦١٩

بالعظام العظام اليت يف األبدان احلية فإهنا يف منائها واكتسائها باللحم من ومن الغريب ما ذكره بعض املفسرين أن املراد على وقد احتج فإن الذي أعطاها الرشد والنماء باحلياة حمليي املوتى إنه على كل شيء قدير آيات البعث

.وهذا كما ترى تكلف من غري موجب باإلنبات البعث مبثلها وهو األرض امليتة اليت حيييها

قولهإىل آخر اآلية جواب واحد غري مكرر ل فأماته قولهوقد تبني من مجيع ما مر أن مجيع ما تشتمل عليه اآلية من .أنى حييي هذه

رجوع منه بعد التبني إىل علمه الذي كان معه قبل على كل شيء قدير فلما تبني له قال أعلم أن قوله

أقنع نفسه مبا عنده من العلم بالقدرة أنى حييي هذه بقولهملا خطر بباله اخلاطر الذي ذكره كأنه التبنيوقال مل تزل تنصح له األمر بيان إشهاد وعيان رجع إىل نفسه وصدق ما اعتمد عليه من العلم املطلقة ثم ملا بني

بل علم يليق يل وال ختونين يف هدايتك وتقوميك وليس ما ال تزال نفسي تعتمد عليه من كون القدرة مطلقة جهال .باالعتماد عليه

Page 620: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٢٠

ال للشك وهذا أمر كثري النظائر فكثريا ما يكون لإلنسان علم بشيء ثم خيطر بباله ويهجس يف نفسه خاطر ينافيهبل ألسباب وعوامل أخرى فيقنع نفسه حتى تنكشف الشبهة ثم يعود فيقول أعلم أن كذا كذا وليس موبطالن العل

.!كذا كذا فيقرر بذلك علمه ويطيب نفسه

أنه ملا تبني له األمر حصل له العلم وقد كان شاكا قبل ذلك فقال أعلم إخل كما مرت اإلشارة إليه وليس معنى الكالموخاصة يف مثل صفة القدرة اليت هي من صفات ألن الرجل كان نبيا مكلما وساحة األنبياء منزه عن اجلهل ب

وألن حصول العلم بتعلق القدرة بإحياء علمت أو ما يؤدي معناه ثانيا وألن حق الكالم حينئذ أن يقال أوالالذات نعم رمبا حيصل على كل شيء قدير أعلم أن املوتى ال يوجب حصول العلم بتعلقها بكل شيء وقد قال

ن احلدس بذلك يف بعض النفوس كمن يستعظم أمر اإلحياء يف القدرة فإذا شاهدها له ما شاهده وذهلت نفسه علكنه اعتقاد حدسي معلول الروع سائر األمور فحكم بأن الذي حييي املوتى يقدر على كل ما يريد أو أريد منه

وعلى أي حال ال يستحق التعويل يزول بزواهلما وال يوجد ملن مل يشاهد ذلك واالستعظام النفسانيني املذكورينوحاشا أن يعد الكالم اإلهلي مثل هذا االعتقاد والقول نتيجة حسنة ممدوحة لبيان إهلي كما هو واالعتماد عليه

على أنه خطأ يف القول ال على كل شيء قدير أعلم أن فلما تبني له قال بعد سرد القصة ظاهر قوله .يليق بساحة األنبياء ثالثا

Page 621: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٢١

واذكر إذ قال قد مر أنه معطوف على مقدر والتقدير املوتىوإذ قال إبراهيم رب أرني كيف حتيي قوله

أ ومل وترتيب الكالم قال أ ومل تؤمن قولهوقد احتمل بعضهم أن يكون عامل الظرف هو إخل وهو العامل يف الظرف .تؤمن إذ قال إبراهيم رب أرني إخل وليس بشيء

فإن إمنا سأل الرؤية دون البيان االستداليل أوال على أنه داللة أرني كيف حتيي املوتىقولهويف

واالعتقاد األنبياء وخاصة مثل النيب اجلليل إبراهيم اخلليل أرفع قدرا من أن يعتقد البعث وال حجة له عليههيم النظري من غري حجة عليه إما اعتقاد تقليدي أو ناش عن اختالل فكري وشيء منهما ال ينطبق على إبرا

على أنه إمنا سأل ما سأل بلفظ كيف وإمنا يستفهم بكيف عن خصوصية وجود الشيء ال عنكيف رأيت زيدا وإذا قلت زيدا كان معناه السؤال عن حتقق أصل الرؤية أ رأيت أصل وجوده فإنك إذا قلت

إمنا سأل البيان باإلراءة فظهر أنه كان أصل الرؤية مفروغا عنه وإمنا السؤال عن خصوصيات الرؤية .واإلشهاد ال باالحتجاج واالستدالل

Page 622: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٢٢

كيف حتيي قولهإمنا سأل أن يشاهد كيفية اإلحياء ال أصل اإلحياء كما أنه ظاهر على أن إبراهيم وثانيا أن يكون سؤاال عن كيفية قبول األجزاء املادية احلياة الوجه األول وهذا السؤال متصور على وجهني املوتى

.ويرجع حمصله إىل تعلق القدرة باإلحياء بعد املوت والفناء وتصورها بصورة احلي التفرق والتبدد وجتمعها بعد

ويرجع احلياة على األموات وفعله بأجزائها الذي به تلبس احلياة أن يكون عن كيفية إفاضة الوجه الثانيمبلكوت األشياء يف قوله عز وهذا بوجه هو الذي يسميه حمصله إىل السؤال عن السبب وكيفية تأثريه

.٨٣ يس إمنا أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء من قائل

كيف حتيي املوتى فألنه قال أوالأما عن الكيفية باملعنى الثاني دون املعنى األول وإمنا سأل إبراهيم ومل يقل وهو سبب حياة احلي بأمره للهبضم التاء من اإلحياء فسأل عن كيفية اإلحياء الذي هو فعل ناعت

بفتح التاء من احلياة حتى يكون سؤاال عن كيفية جتمع األجزاء وعودها إىل صورهتا األوىل كيف حتيي املوتى وأما ثانيا ولو كان السؤال عن الكيفية باملعنى الثاني لكان من الواجب أن يرد على الصورة الثانية وقبوهلا احلياة

ولكفى يف ذلك أن يريد فألنه لو كان سؤاله عن كيفية قبول األجزاء للحياة مل يكن إلجراء األمر بيد إبراهيم وجه إحياء شيء من احليوان بعد موته وأما ثالثا فألنه كان الالزم على ذلك أن خيتم الكالم مبثل أن يقال وأعلم

Page 623: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٢٣

على ما هو املعهود من دأب القرآن الكريم فإن عزيز حكيم واعلم أن قولهعلى كل شيء قدير ال أن ومها وجدان الذات كل - صفة القدرة دون صفيت العزة واحلكمة فإن العزة واحلكمة املناسب للسؤال املذكور هو

.فافهم ذلك إمنا ترتبطان بإفاضة احلياة ال استفاضة املادة هلا - ما تفقده وتستحقه األشياء وإحكامه يف أمره

رب أرني حصول العلم بكيفية بقولهإمنا سأل أن إبراهيم ومما ذكرنا يظهر فساد ما ذكره بعض املفسرينما قال وأن الذي أجيب به يف اآلية ال يدل على أزيد من ذلك حصول اإلحياء دون مشاهدة كيفية اإلحياء

فما كل فعل ما أمره به وال أن إبراهيم أمره باإلحياء أنه ليس يف الكالم ما يدل على أن حمصله فتقول فإن من اخلرب ما يأتي بصورة اإلنشاء كما إذا سألك سائل كيف يصنع احلرب مثال أمر يقصد به االمتثال

.وال تريد به أن تأمره أن يصنع احلرب بالفعل خذ كذا وكذا وأفعل به كذا وكذا يكن حربا تريد أن هذه كيفيته

ومعناه خذ أربعة والكالم هاهنا مثل إلحياء املوتى ويف القرآن شيء كثري مما ورد فيه اخلرب يف صورة األمر قالمن الطري فضمها إليك وآنسها بك حتى تأنس وتصري حبيث جتيب دعوتك إذا دعوهتا فإن الطيور من أشد احليوان استعدادا لذلك ثم اجعل كل واحد منها على جبل ثم ادعها فإهنا تسرع إليك من غري أن مينعها تفرق أمكنتها

Page 624: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٢٤

فيكونون أحياء كما كان كونوا أحياء ى يدعوهم بكلمة التكوينكذلك أمر ربك إذا أراد إحياء املوت وبعدها .أتينا طائعني ذلك إذ قال للسماوات واألرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا شأنه يف بدء اخللقة

ويشهد به فإن معناه أملهن أي أوجد ميلها إليك وأنسها بك فصرهن والدليل على ذلك من اآلية قوله قال

وما ذكره املفسرون من كونه مبعنى التقطيع أي قطعهن أجزاء تعديته بإىل فإن صار إذا تعدى بإىل كان مبعنى اإلمالة فصرهن واملعنى قولهفخذ دون بقولهإليك متعلق قولهإن وأما ما قيل بعد الذبح ال يساعد عليه تعديته بإىل

.خذ إليك أربعة من الطري فقطعهن فخالف ظاهر الكالم

إن املراد ويلزم على قوهلم أن ضمائر فصرهن ومنهن وادعهن ويأتينك مجيعا راجعة إىل الطري أن الظاهر وثانيا إىل الطيورمنها على جبل ثم دعوهتن أن يفرق بني الضمائر فيعود األوالن ووضع كل جزء تقطيعها وتفريق أجزائها

.والثالث والرابع إىل األجزاء وهو خالف الظاهر

.وأضاف إىل ذلك بعض من وافقه يف معنى اآلية وجوها أخرى نتبعها هبا

Page 625: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٢٥

أن إراءة كيفية اخللقة إن كان مبعنى مشاهدة كيفية جتمع أجزائها وتغري صورها إىل الصورة األوىل احلية فهي وثالثاجزءا منها فكيف يتصور مما ال حتصل على ما ذكروه من تقطيعه األجزاء ومزجه إياها ووضعه على جبل بعيدوإن كان املراد إراءة كيفية على هذا مشاهدة ما يعرض ذرات األجزاء من احلركات املختلفة والتغريات املتنوعة

اإلحياء مبعنى اإلحاطة على كنه كلمة التكوين اليت هي اإلرادة اإلهلية املتعلقة بوجود الشيء وحقيقة نطقها .منزهة عن الكيفية فصفات عليه املسلمون أن هذا غري ممكن للبشر باألشياء فظاهر القرآن وهو ما

فصرهن خبالف ما قولهيدل على الرتاخي الذي هو املناسب ملعنى التأنيس وكذلك ثم اجعلقولهأن ورابعا

.ذكروه من معنى الذبح والتقطيع

العزيز احلكيم فإن العزيز هو أنه لو كان كما يقولون لكان األنسب هو ختم اآلية باسم القدير دون االمسني وخامسا .هذا ما ذكروه الغالب الذي ال ينال

Page 626: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٢٦

كيف قولهفإن اشتمال اآلية على السؤال بلفظ أرني و وأنت بالتأمل يف ما قدمناه من البيان تعرف سقوط ما ذكروهثم اجعل على أن اجلزء يف قوله حتيي وإجراء األمر بيد إبراهيم على ما مر بياهنا كل ذلك ينايف هذا املعنى

.منهن جزءا ظاهره جزء الطري ال واحد من الطيور على كل جبل

وتعديته بإىل ملكان تضمينه معنى اإلمالة أن معنى صرهن قطعهن وأما الوجوه اليت ذكروها فاجلواب عن األول .حيث ضمن معنى اإلفضاء ١٨٧ البقرة الرفث إىل نسائكمقولهكما يف

والوجه يف رجوع ضمري ادعهن ويأتينك إليها مع أهنا غري أن مجيع الضمائر األربع راجعة إىل الطيور وعن الثاني

موجودة بأجزائها وصورها بل هي موجودة بأجزائها فقط هو الوجه يف رجوع الضمري إىل السماء مع عدم وجودها ثم استوى إىل السماء وهي دخان فقال هلا ولألرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا قولهإال مبادهتا يف

أن وحقيقة األمر ٨٢ يسإمنا أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كنقولهو ١٠ فصلت طائعنيواملخاطب فيه وأما اخلطاب التكويين فاألمر فيه بالعكس اخلطاب اللفظي فرع وجود املخاطب قبل اخلطاب

أن نقول له كما يشري إليه قوله فإن اخلطاب فيه هو اإلجياد ومن املعلوم أن الوجود فرع اإلجياد فرع اخلطاب .كن فيكون اآلية فقوله فيكون إشارة إىل وجود الشيء املتفرع على قوله كن وهو خطاب األمر

Page 627: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٢٧

وإحيائه ال عن كيفية قبول املادة أنا خنتار الشق الثاني وأن السؤال إمنا هو عن كيفية فعل وعن الثالث

إن البشر ال ميكنه أن ينال كنه اإلرادة اإلهلية اليت هي من صفاته كما يدل ظاهر القرآن وعليه قولهو وحياهتا .املسلمون

والذي ال سبيل إليه هو الذات املتعالية إن اإلرادة من صفات الفعل املنتزعة منه كاخللق واإلحياء وحنومها قلنا

.١١٠ طه وال حييطون به علما كما قال

أن نقول له كن قولهوهو كلمة كن يف وهو اإلجياد املتحد مع وجود الشيء فاإلراده منتزعة من الفعلفسبحان الذي هي ملكوت كل شيء إذ قال - كلمة كن - يف تايل اآلية أن هذه الكلمة وقد ذكر فيكون

وكذلك نري إبراهيم أنه أرى إبراهيم ملكوت خلقه إذ قال وقد ذكر بيده ملكوت كل شيء اآلية .ومن امللكوت إحياء الطيور املذكورة يف اآلية ٧٥ األنعام ملكوت السموات واألرض وليكون من املوقنني

Page 628: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٢٨

وقول للطيور يف إحيائها ومنشأ هذه الشبهة ونظائرها من هؤالء الباحثني أهنم يظنون أن دعوة إبراهيم وجريان الريح بأمر سليمان وغريها مما يشتمل عليه الكتاب والسنة قم بإذن مليت عند إحيائه عيسى

أو يف إدراكهم التخيلي الذي تدل عليه ألفاظهم يف ألفاظهم املؤلفة من حروف اهلجاء إمنا هو ألثر وضعه قوة إهلية غري مغلوبة نظري النسبة اليت بني ألفاظنا العادية ومعانيها وقد خفي عليهم أن ذلك إمنا هو عن اتصال باطين ب

.وقدرة غري متناهية هي املؤثرة الفاعلة باحلقيقة

ثم كما يناسب معنى الرتبية والتأنيس كما ذكروه يناسب معنى التقطيع بقولهأن الرتاخي املدلول عليه وعن الرابع .وتفريق األجزاء ووضعها على اجلبال كما هو ظاهر

إمنا بني كيفية اإلحياء إلبراهيم بالبيان العلمي أن اإلشكال مقلوب عليهم فإن الذي ذكروه هو أن وعن اخلامس

وقد عرفت ختم اآلية بصفة القدرة دون العزة واحلكمة فريد عليهم أن املناسب حينئذ النظري دون الشهودي .العزيز احلكيم كما يف اآلية مما قدمنا أن األنسب على ما بيناه من معنى اآلية هو اخلتم باالمسني

Page 629: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٢٩

أن املراد بالسؤال يف اآلية إمنا هو السؤال عن إشهاد ويظهر مما ذكرنا أيضا فساد ما ذكره بعض آخر من املفسرين .كيفية اإلحياء مبعنى كيفية قبول األجزاء صورة احلياة

ولكنه سؤال عن كيفية اإلحياء ليحيط علما هبا - والعياذ ب - أن السؤال مل يكن يف أمر ديين ما حمصله قال

وكيفية اإلحياء ال يشرتط يف اإلميان اإلحاطة بصورهتا فإبراهيم طلب علم ال يتوقف اإلميان على علمه ونظري هذا أن يقول القائل كيف حيكم وموضوعها السؤال عن احلال ويدل على ذلك ورود السؤال بصيغة كيف

ولو كان سائال عن ثبوت كيفية حكمه املعلوم ثبوته ولكنه سأل عن فهو ال يشك أنه حيكم فيهم زيد يف الناسبعده ألن تلك الصيغة وإن كانت تستعمل أومل تؤمن وإمنا جاء التقرير أعين قوله أ حيكم زيد يف الناس ذلك لقال

أنه حيمل ثقال ظاهرا يف السؤال عن الكيفية كما علمت إال أهنا قد تستعمل أيضا يف االستعجاز كما إذا ادعى مدعملا و أرني كيف حتمل هذا تريد أنك عاجز عن محله من األثقال وأنت تعلم بعجزه عن محله فتقول له

عن احلوم حول هذا احلمى أراد أن ينطقه يف اجلواب مبا يدفع عنه ذلك االحتمال اللفظي يف علم براءة إبراهيم ومعنى العبارة األوىل لكون إميانه خملصا بعبارة تنص عليه حبيث يفهمها كل من مسعها فهما ال يتخاجله فيه شك

وعدم حصول هور التصوير املشاهدسكون القلب عن اجلوالن يف كيفيات اإلحياء احملتملة بظ الطمأنينة حينئذ

Page 630: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٣٠

ورؤية الكيفية مل يزد يف إميانه هذه الطمأنينة قبل ال ينايف حصول اإلميان بالقدرة على اإلحياء على أكمل الوجودة .وإمنا أفادت أمرا ال جيب اإلميان به املطلوب منه شيئا

ما سأله يف احلال على أيسر حيث أراه إن اآلية تدل على فضل إبراهيم ثم قال بعد كالم له طويل

.وأرى عزيرا ما أراه بعد ما أماته مائة عام ما يكون من الوجوه

وأنت بالتدبر يف اآلية والتأمل فيما قدمناه من البيان تعرف سقوط ما ذكره فإن السؤال إمنا وقع عن كيفية إحيائه ال عن كيفية قبول األجزاء احلياة ثانيا فقد قيل كيف حتيي بضم التاء ال بفتحها على أن إجراء األمر على

يدل على ذلك ولو كان السؤال عن كيفية القبول لكفى يف ذلك إراءة شيء من املوتى حيييه يد إبراهيم وانظر إىل العظام كيف ننشزها ثم نكسوها كما يف قصة املار على القرية اخلاوية يف اآلية السابقة حيث قال

أهنم يقيسون وهذا هو الذي أشرنا إليه آنفا ومل تكن حاجة إىل إجراء اإلحياء على يد إبراهيم حلماأن ال فرق بني مور اخلارقة بنفوسهم العادية فينتج ذلك مثالنفوس األنبياء يف تلقيهم املعارف اإلهلية ومصدريتهم لأل

وهذا أمر ال خيطر على بال الباحث عن تكون احلياة بيد إبراهيم وتكونه يف اخلارج بالنسبة إىل حال إبراهيم

Page 631: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٣١

وكلما أمعنوا يف البحث لكن هؤالء إلمهاهلم أمر احلقائق وقعوا فيما وقعوا فيه من الفساد احلقائق اخلبري هبا .زادوا بعدا عن احلق

أال ترى أنه فسر الطمأنينة بارتفاع اخلطورات يف الصور احملتملة يف التكون واألشكال املتصورة مع أن هذا الرتدد

مع أن اجلواب املنقول يف اآلية مل يأت يف ذلك بشيء الفكري من اللغو الذي ال سبيل له إىل ساحة مثل إبراهيم فأطلق املوتى وهو يريد موتى اإلنسان أو األعم منه ومن غريه و كيف حتيي املوتى قال فإن إبراهيم ما أراه إال تكون احلياة يف أربعة من الطري.

على عزير يريد به صاحب القصة يف اآلية السابقة مبا ذكر فأخذ القصة يف اآليتني من نوع ثم ذكر فضل إبراهيم

مع أن فاختلط عليه معنى اآليتني مجيعا واحد وهو السؤال عن الكيفية اليت فسرها مبا فسرها واجلواب عنهاعن الكيفية باملعنى الذي ذكره كل ذلك أجنبيتان - على ما فيهما من غرر البيان ودقائق املعاني - اآليتني مجيعا

.واضح بالرجوع إىل ما مر فيهما

Page 632: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٣٢

ومن آياته أنك قولهعلى أن املناسب لبيان الكيفية ختم اآلية بصفة القدرة ال بصفيت العزة واحلكمة كما يف كل شيء ترى األرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها املاء اهتزت وربت إن الذي أحياها حمليي املوتى إنه على

ونظريه فاآلية كما ترى يف مقام بيان الكيفية وقد ختمت بصفة القدرة املطلقة ٣٩ فصلت قديرالذي خلق السموات واألرض ومل يعي خبلقهن بقادر على أن حييي املوتى بلى إنه على أومل يروا أن قوله

.ففيه أيضا بيان الكيفية بإراءة األمثال ثم ختم الكالم بصفة القدرة ٣٣ األحقاف كل شيء قدير

بلى كلمة يرد به النفي ولذلك ينقلب به النفي إثباتا أومل تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قليب قال قوله والطمأنينة واالطمينان سكون ولو قالوا نعم لكان كفرا ١٧٢ األعراف ألست بربكم قالوا بلىقولهك

اطمأنت األرض وأرض مطمئنة إذا كانت فيه اخنفاض وهو مأخوذ من قوهلم النفس بعد انزعاجها واضطراهبا .يستقر فيها املاء إذا سال إليها واحلجر إذا هبط إليها

أمل تؤمن لإلشعار بأن للسؤال والطلب حمال لكنه ال ينبغي أن يقارن عدم اإلميان ومل يقل أومل تؤمن وقد قال فكان عتابا وردعا عن مثل أمل تؤمن دل على أن املتكلم تلقى السؤال منبعثا عن عدم اإلميان ولو قيل باإلحياء

Page 633: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٣٣

ال فكان االستفهام معه استفهاما عن أن هذا السؤال هل يقارنه عدم اإلميان وذلك أن الواو للجميع هذا السؤال .استفهاما عن وجه السؤال حتى ينتج عتابا وردعا

ال يتحقق مع الشك يف أمر اإلحياء والبعث وفيه داللة على أن اإلميان ب واإلميان مطلق يف كالمه

.وال ينايف ذلك اختصاص املورد باإلحياء ألن املورد ال يوجب ختصيص عموم اللفظ وال تقييد إطالقه

من هذا السؤال حصول مطلق يدل على كون مطلوبه ليطمئن قليب حكاية عنه وكذا قوله فإن الوهم يف إدراكاهتا اجلزئية وأحكامها ملا كانت االطمينان املطلق وقطع منابت كل خطور قليب وأعراقه

معتكفة على باب احلس وكان جل أحكامها وتصديقاهتا يف املدركات اليت تتلقاها من طريق احلواس فهي تنقبض كما يف األحكام الكلية العقلية احلقة من األمور وإن كانت النفس مؤمنة موقنة به عن مطاوعة ما صدقه العقل

فتخطر بالبال ارجة عن املادة الغائبة عن احلس فإهنا تستنكف عن قبوهلا وإن سلمت مقدماهتا املنتجة هلااخلوإن ثم تثري األحوال النفسانية املناسبة الستنكافها فتقوى وتتأيد بذلك يف تأثريها املخالف أحكاما مناقضة هلا

كما أن من بات يف دار مظلمة فيها ألمر فال تضرها إال أذىكانت النفس من جهة عقلها موقنة باحلكم مؤمنة بالكن الوهم تستنكف عن هذه النتيجة مجاد من غري شعور وإرادة فال يضر شيئا أن امليت جسد ميت فإنه يعلم

Page 634: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٣٤

وتستدعي من املتخيلة أن تصور للنفس صورا هائلة موحشة من أمر امليت ثم هتيج صفة اخلوف فتتسلط على .ورمبا بلغ إىل حيث يزول العقل أو تفارق النفس النفس

غري أهنا تؤذي النفس أن وجود اخلطورات املنافية للعقائد اليقينية ال ينايف اإلميان والتصديق دائما فقد ظهر

إن للمعاينة أثرا ولذلك قيل وال يزول وجود هذه اخلواطر إال باحلس أو املشاهدة وتسلب السكون والقرار منهاقات بضالل قومه بعبادة العجل فلم يوجب ذلك ظهور غضبه موسى يف املي وقد أخرب ال يوجد مع العلم

.حتى إذا جاءهم وشاهدهم وعاين أمرهم غضب وألقى األلواح وأخذ برأس أخيه جيره إليه

ما كان يسأل املشاهدة باحلس الذي يتعلق بقبول أجزاء املوتى وقد ظهر من هنا ومما مر سابقا أن إبراهيم وليس ذلك مبحسوس وإن وأمره يف إحياء املوتى بل إمنا كان يسأل مشاهدة فعل احلياة بعد فقدها

فهو بصورة احلي كان ال ينفك عن األمر احملسوس الذي هو قبول األجزاء املادية للحياة باالجتماع والتصور .إمنا كان يسأل حق اليقني

.على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعياقال فخذ أربعة من الطري فصرهن إليك ثم اجعل قوله

Page 635: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٣٥

أو بكسر الصاد على القراءة األخرى صرهن بضم الصاد على إحدى القراءتني من صار يصور إذا قطع أو أمال

وتعديته بإىل تدل على تضمني معنى وقرائن الكالم يدل على إرادة معنى القطع من صار يصري بأحد املعنيني .اإلمالة

.أقطعهن مميال إليك أو أملهن إليك قاطعا إياهن على اخلالف يف التضمني من حيث التقدير فاملعنى

رب أرني كيف قوله جواب عن ما سأله إبراهيم إخل خذ أربعة من الطريقولهوكيف كان ف

فبالغة الكالم وحكمة املتكلم مينعان عن اشتمال ومن املعلوم وجوب مطابقة اجلواب للسؤال حتيي املوتىالكالم على ما هو لغو زائد ال يرتتب على وجوده فائدة عائدة إىل الغرض املقصود من الكالم وخاصة القرآن الذي

وليست القصة على تلك البساطة اليت ترتاءى منها يف بادي النظر هو خري كالم ألقاه خري متكلم إىل خري سامع واع ولو كان كذلك لتم اجلواب بإحياء ميت ما كيف كان ولكان الزائد على ذلك لغوا مستغنى عنه وليس كذلك

وأن يكون فاعترب يف ما أريد إحياؤه أن يكون طريا ولقد أخذ فيها قيود وخصوصيات زائدة على أصل املعنىوأن يفرق األجزاء املختلطة أبعاضا ثم يوضع أجزاؤها وأن يقتل وخيلط وميزج وأن يكون ذا عدد أربعة حيا

Page 636: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٣٦

نفس السائل وأن يكون اإلحياء بيد إبراهيم كل بعض يف مكان بعيد من اآلخر كقلة هذا اجلبل وذاك احلبل .وأن جيتمع اجلميع عنده بدعوته إياهن

وقد ذكروا هلا وجوها هي ال حمالة دخيلة يف املعنى املقصود إفادته فهذه كما ترى خصوصيات زائدة يف القصة

.من النكات ال تزيد الباحث إال عجبا يعلم صحة ما ذكرناه بالرجوع إىل مفصالت التفاسري

رب أرني قولهوهو - والذي يوجد يف السؤال وكيف كان فهذه اخلصوصيات ال بد أن تكون مرتبطة بالسؤال .أمران - املوتىكيف حتيي

ال من حيث للهحتيي وهو أن املسئول مشاهدة اإلحياء من حيث إنه وصف قولهما اشتمل عليه أحدمها

.إنه وصف ألجزاء املادة احلاملة للحياة

.ما اشتمل عليه لفظ املوتى من معنى اجلمع فإنه خصوصية زائدة وثانيهما

Page 637: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٣٧

ثم اجعل فصرهن فخذ فريتبط به يف اجلواب إجراء هذا األمر بيد إبراهيم نفسه حيث يقول أما األولفهذه جعل إتياهنن سعيا وهو احلياة مرتبطا متفرعا على الدعوة فإنه بصيغة األمر ويقول ثم ادعهن يأتينك

فدعوة إبراهيم إياهن بأمر وال إحياء إال بأمر الدعوة هي السبب الذي يفيض عنه حياة ما أريد إحياؤه قد كانت متصلة حنو اتصال بأمر الذي منه ترتشح حياة األحياء وعند ذلك شاهده إبراهيم ورأى

كن الذي هو أن يقول لشيء أراده ولو كانت دعوة إبراهيم إياهن غري متصلة بأمر كيفية فيضان األمر باحلياةفال تأثري جزايف يف كمثل أقوالنا غري املتصلة إال بالتخيل كان هو أيضا كمثلنا إذ قلنا لشيء كن فال يكون فيكون .الوجود

وليس إال أن األجساد فقوله كيف حتيي املوتى تدل على أن لكثرة األموات وتعددها دخال يف السؤال وأما الثاني

وحتول أحواهلا تفقد حالة التميز واالرتباط الذي بينها فتضل يف ظلمة الفناء مبوهتا وتبدد أجزائها وتغري صورهاوتصري كاألحاديث املنسية ال خرب عنها يف خارج وال ذهن فكيف حتيط هبا القوة احمليية وال حماط يف والبوار

.الواقع

Page 638: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٣٨

قال فما بقوله وأجاب عنه موسى بالعلم كما حكاه وهذا هو الذي أورده فرعون على موسى .٥١ طه بال القرون األوىل قال علمها عند ربي يف كتاب ال يضل ربي وال ينسى

بأن أمره بأن يأخذ أربعة من الطري ولعل اختيار الطري لكون هذا العمل فيها أسهل وأقل وباجلملة فأجابه

ثم يقتلها وخيلط أجزاءها ويعرفها معرفة تامة أوال زمانا فيشاهد حياهتا ويرى اختالف أشخاصها وصورهاثم وتزول املعرفة وكل بعض منها على جبل لتفقد التميز والتشخص خلطا دقيقا ثم جيعل ذلك أبعاضا

افإنه يشاهد حينئذ أن التميز والتصور بصورة احلياة كل ذلك تابع للدعوة اليت تتعلق بأنفسه يدعوهن يأتينه سعيابل نسبة البدن إىل الروح بوجه أي إن أجسادها تابعة ألنفسها ال بالعكس فإن البدن فرع تابع للروح ال بالعكس

فإذا وجد الشاخص تبع وجوده وجود الظل وإىل أي حال حتول الشاخص أو أجزاؤه نسبة الظل إىل الشاخصأو أعاد احلياة إىل أجزاء إذا أوجد حيا من األحياء و تبعه فيه الظل حتى إذا انعدم تبعه يف االنعدام

ال مسبوقة باحلياة فإمنا يتعلق إجياده بالروح الواجدة للحياة أوال ثم يتبعه أجزاء املادة بروابط حمفوظة عند يا أي ثم ادعهن يأتينك سع حنيط هبا علما فيتعني اجلسد بتعني الروح من غري فصل وال مانع وبذلك يشعر قوله

.مسرعات مستعجالت

Page 639: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٣٩

قالوا أإذا ضللنا يف األرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء رهبم كافرون قل قولهوهذا هو الذي يستفاد من وقد مر بعض الكالم يف اآلية يف البحث ١١ السجدة يتوفاكم ملك املوت الذي وكل بكم ثم إىل ربكم ترجعون

.وسيأتي تفصيل الكالم يف حمله إن شاء عن جترد النفس وأما إمنا أمر بذلك ليعرفها فال يشك فيها عند إعادة احلياة إليها وال ينكرها فخذ أربعة من الطريقولهف

فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا أي قولهو هي عليه من االختالف والتميز أوال وزواهلما ثانياوهذا من واخلطها ثم فرقها على اجلبال املوجودة هناك لتتباعد األجزاء وهي غري متميزة اذحبهن وبدد أجزاءهن

وقوله الشواهد على أن القصة إمنا وقعت بعد مهاجرة إبراهيم من أرض بابل إىل سورية فإن أرض بابل ال جبل هباوميكن أن يستفاد ذلك مضافا إىل داللة أي ادع الطيور يا طاووس ويا فالن ويا فالن ادعهنثم

فإن الدعوة لو كانت ألجزاء الطيور دون أنفسها كان األنسب ادعهن قولهالراجعة إىل الطيور من هن ضمريواللفظ املستعمل يف البعيد خاصة هو النداء ثم نادهن فإهنا كانت على جبال بعيدة عن موقفه أن يقال

.أي يتجسدن واتصفن باإلتيان واإلسراع إليك يأتينك سعيا قولهو دون الدعاء

Page 640: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٤٠

حكيم ال يفعل شيئا إال من طريقه أي عزيز ال يفقد شيئا بزواله عنه عزيز حكيم واعلم أن قوله .فيوجد األجساد بإحضار األرواح وإجيادها دون العكس الالئق به

داللة على أن اخلطور القليب الذي كان إبراهيم يسأل ربه إخل دون أن يقال إن إخل واعلم أنقولهويف

هبذا فأفاده العزيز احلكيم املشاهدة ليطمئن قلبه من ناحيته كان راجعا إىل حقيقة معنى االمسني .اجلواب العلم حبقيقتهما

أخرج الطيالسي وابن أبي حامت عن علي اآلية أمل تر إىل الذي حاج إبراهيم يف ربهقولهيف يف الدر املنثور .الذي حاج إبراهيم يف ربه هو منرود بن كنعان بن أبي طالب قال

اختلف يف وقت هذه احملاجة فقيل عند كسر األصنام قبل إلقائه يف أبو علي الطربسي قال ويف تفسري الربهان

.عن الصادق وقيل بعد إلقائه يف النار وجعلها عليه بردا وسالما عن مقاتل النار

Page 641: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٤١

فإن قصصه املذكورة اآلية وإن مل تتعرض لكوهنا قبل أو بعد لكن االعتبار يساعد كوهنا بعد اإللقاء يف النار أقولمنرود وكان حني يف القرآن يف بدو أمره من حماجته أباه وقومه وكسره األصنام تعطي أن أول ما القى إبراهيم

وكان القضاء عليه يف جرمه شاغال فحكم عليه باإلحراق رفع أمره إليه يف قضية كسر األصنام جمرما عندهم وأمر األصنام دون أمر ولو حاجه منرود حينئذ حلاجه يف أمر رودأو من أهو عن تكليمه يف أمر ربه

.!وأمر نفسه

أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على قولهويف عدة من الروايات اليت روهتا العامة واخلاصة يف ويف إال أهنا آحاد غري واجبة القبول أهنا عزير ويف عدة منها اآلية أن صاحب القصة أرميا النيب عروشها

واليت يف الروايات من والقصة غري مذكورة يف التوراة وال شاهد هلا من ظاهر اآليات أسانيدها بعض الضعف .القصة طويلة فيها بعض االختالف لكنها خارجة عن غرضنا من أرادها فلريجع إىل مظاهنا

يف حديث قال وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف حتيي املوتى اآلية يف قوله عن الصادق ويف املعاني وهذه آية متشاهبة ومعناها أنه سأل عن الكيفية والكيفية من فعل متى مل يعلمها العامل مل يلحقه

.احلديث وال عرض يف توحيده نقص عيب

Page 642: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٤٢

.وقد اتضح معنى احلديث مما مر أقول

قال بلى ولكن ليطمئن سئل عن قول أن أبا احلسن الرضا عن علي بن أسباط تفسري العياشي ويف

.احلديث الزيادة قليب أ كان يف قلبه شك قال ال ولكن أراد من

.وقد مر بيانه عن الصادق وعن العبد الصاحل وروي هذا املعنى يف الكايف أقول

إن إبراهيم نظر قال عن أبيه عن ابن أبي عمري عن أبي أيوب عن أبي بصري عن الصادق ويف تفسري القميبعضا فتعجب ثم يثب السباع بعضها على بعض فيأكل بعضها إىل جيفة على ساحل البحر تأكلها سباع البحر

فخذ أربعة ولكن ليطمئن قليب قال - قال بلى أومل تؤمن فقال يا رب أرني كيف حتيي املوتى إبراهيم فقال عزيز حكيم يأتينك سعيا واعلم أن - ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن - من الطري فصرهن إليك

فصرهن إليك أي قطعهن ثم اخلط حلمهن فقال فأخذ إبراهيم الطاووس والديك واحلمام والغراب

Page 643: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٤٣

فكانت جتتمع وتتألف حلم كل واحد وعظمه إىل أحيي بإذن ثم دعاهن فقال وفرقهن على عشرة جبال .عزيز حكيم فعند ذلك قال إبراهيم إن فطارت إىل إبراهيم رأسه

وروي من طرق أهل السنة عن عن أبي بصري عن الصادق وروى هذا املعنى العياشي يف تفسريه أقول

.ابن عباس

دعته إىل السؤال وهي تفرق بيان للشبهة اليت إخل يا رب أرني إىل قوله فقال إبراهيم نظر إىل جيفةإن قولهأجزاء اجلسد بعد املوت تفرقا يؤدي إىل تغريها وانتقاهلا إىل أمكنة خمتلفة وحاالت متنوعة ال يبقى معها من األصل

.شيء

حيث اشتملت على وثوب بعضها على أن الشبهة كانت هي شبهة اآلكل واملأكول ظاهر الرواية فإن قلت .ثم فرعت على ذلك تعجب إبراهيم وسؤاله وأكل بعضها بعضا بعض

Page 644: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٤٤

تفرق أجزاء اجلسد وفناء أصلها من الصور واألعراض وباجلملة عدم بقائها - إحدامها - الشبهة شبهتان قلتصريورة أجزاء بعض احليوان جزءا من بدن بعض آخر فيؤدي إىل استحالة - وثانيتهما - حتى تتميز وتركبها احلياة

فكل واحد منهما دمها بعينه بعض لبدن اآلخرإحياء احليوانني ببدنيهما تامني معا ألن املفروض أن بعض بدن أح .وهذه هي شبهة اآلكل واملأكول أعيد تاما بقي اآلخر ناقصا ال يقبل اإلعادة

إال أن الذي أمر به وإن كان وافيا لدفع الشبهتني مجيعا - وهو تبعية البدن للروح - به وما أجاب

بل إمنا تشتمل على وهو أكل بعض احليوان بعضا إبراهيم على ما حتكيه اآلية ال يتضمن مادة شبهة اآلكل واملأكولفاآلية إمنا تتعرض لدفعها وإن كانت وهذه مادة الشبهة األوىل تفرق األجزاء واختالطها وتغري صورها وحاالهتا

وما اشتملت عليه الرواية من أكل البعض للبعض غري يف االندفاع مبا أجيب به يف اآلية كما مرالشبهتان مشرتكتني .مقصود يف تفسري اآلية

ويف بعض الروايات أن الطيور كانت هي النسر فأخذ إبراهيم الطاووس والديك واحلمام والغراب قوله

ونقل عن جماهد وابن جريح وعطاء وابن عن الرضا رواه الصدوق يف العيون والبط والطاووس والديك رواه العياشي عن صاحل بن سهل عن الصادق ويف بعضها أهنا اهلدهد والصرد والطاووس والغراب زيد

Page 645: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٤٥

رواه العياشي عن معروف بن خربوذ عن الباقر أهنا النعامة والطاووس والوزة والديك ويف بعضها أهنا الغرنوق والطاووس والديك واحلمامة وروي من طرق أهل السنة عن ابن عباس أيضا عن ابن عباس ونقل

.الطاووس والذي تشرتك فيه مجيع الروايات واألقوال

كون اجلبال عشرة مما اتفقت عليه األخبار املأثورة عن أئمة أهل البيت وقيل وفرقهن على عشرة جبال قوله .وقيل سبعة إهنا كانت أربعة

حضرت جملس املأمون وعنده الرضا علي بن موسى فقال له مسندا عن علي بن حممد بن اجلهم قال ويف العيون

فكان فيما بلى فسأله عن آيات من القرآن قال إن األنبياء معصومون أ ليس من قولك يا بن رسول املأمون ولكن ليطمئن قليب - رب أرني كيف حتيي املوتى قال أومل تؤمن قال بلى سأله أن قال له فأخربني عن قول

إني متخذ من عبادي خليال إن سألين إحياء املوتى كان أوحى إىل إبراهيم تبارك و إن قال الرضاقال بلى ولكن ليطمئن قال أومل تؤمن رب أرني كيف حتيي املوتى أجبته فوقع يف قلب إبراهيم أنه ذلك اخلليل فقال

.احلديث قليب باخللة

Page 646: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٤٦

وقد تقدم يف أخبار جنة آدم كالم يف علي بن حممد بن اجلهم ويف هذه الرواية اليت رواها عن الرضا أقول .فارجع

واللفظ يساعد عليه فإن اخللة أن الرواية ال ختلو عن داللة ما على أن مقام اخللة يستلزم استجابة الدعاء واعلم

وال معنى لرفعها واخلليل إمنا يسمى خليال ألن الصداقة إذا كملت رفع الصديق حوائجه إىل صديقه هي احلاجة .مع عدم الكفاية والقضاء

يضاعف لمن ل في كل سنبلة مئة حبة وكمثل حبة أنبتت سبع سناب مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اء وشي يملع عاسو٢٦١ بيلي سف مالهوأم قوننفي ينالذ مهرأج مال أذى لها ونا أنفقوا مم ونتبعال ي ثم

نونزحي مال هو همليع فوال خو همبر ندع٢٦٢ آ أذى وهعتبي قةدن صم ريخ ةرغفمو وفرعل مقو يغن يملح٢٦٣ ا الها أيبي نمؤال ياس ورئاء الن الهم قنفي ياألذى كالذو نكم بالمقاتدلوا صطوا ال تبنآم ينذ

ع ونرقدا ال يلدص كهابل فترو هابفأص ابتر هليان عفوثل صكم ثلهر فمم اآلخواليلى ووا وبا كسمم ءيش ال رينالكاف مي القودهي٢٦٤ ضاترغاء متاب مالهوأم قوننفي ينثل الذمو ةوببر ةنثل جكم همأنفس نتثبيتا مو

ن فإن لمفيعا ضأكله ابل فآتتا وهابأصابل فطل وا وهبصي ريصب لونما تعبم٢٦٥ له أن تكون كمدأح دوأي

Page 647: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٤٧

ربالك هابأصو اترن كل الثما ميهف له ارا األنههتن تحري ماب تجنأعيل ون نخة منفاء فأجة ضعيذر لها وهابص نيبي ككذل قتترفاح نار يهف ارصإع ونتتفكر لكملع اتاآلي لكم٢٦٦ نقوا موا أنفنآم ينا الذها أيي

يث منه تنفقون ولستم بآخذيه إال أن تغمضوا فيه طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من األرض وال تيمموا الخب وا أنلماعو يدمح يغن٢٦٧ اء وشكم بالفحرأميو الفقر كمدعي طانيالش فضالو هنم ةرغفكم مدعي

و يملع عاسو٢٦٨ ي الؤتلوا يإال أو ذكرا يما وريا كثريخ يأوت ة فقدكمالح تؤن يماء وشن ية مكمحتبدوا إن ٢٧٠يعلمه وما للظالمني من أنصار وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن٢٦٩ األلباب

بما تعملون خبري تكم والصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئا٢٧١ نلكو ماهده كليع سلي هجغاء وتإال اب قونا تنفمو كمر فألنفسيخ نقوا ما تنفماء وشن يي مدهي ونال تظلم أنتمو كمإلي فور ييخ نقوا ما تنفمو٢٧٢ بيلي سوا فرأحص يناء الذلفقرل ونيعتطسال يضرإلح اسالن ألونسال ي ماهيمم بسرفهتع ففالتع ناء ميل أغناهالج مهبسحض يي األرا فر بيخ نقوا ما تنفمافا و فإن يملع به٢٧٣ ارار سهالنل وم بالليالهوأم قوننفي ينالذ فوال خو همبر ندع مهرأج مة فلهينالعو

نونزحي مال هو همليع٢٧٤

بيان

Page 648: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٤٨

ورجوع مضامينها وأغراضها بعضها إىل بعض يعطي أهنا سياق اآليات من حيث احتادها يف بيان أمر اإلنفاقفتضرب أوال مثال لزيادته ومنوه عند وهي حتث املؤمنني على اإلنفاق يف سبيل نزلت دفعه واحدة

واحد بسبعمائة ورمبا زاد على ذلك بإذن مثال لكونه ال يتخلف عن شأنه على أي حال وثانياوتنهى عن وأنه ال ينمو مناء وال يثمر أثرا وتنهى عن الرياء يف اإلنفاق وتضرب مثال لإلنفاق رياء ال لوجه

ثم تأمر بأن يكون اإلنفاق من طيب املال ال من خبيثه اإلنفاق باملن واألذى إذ يبطالن أثره وحيبطان عظيم أجرهثم تذكر ما هلذا ثم تعني املورد الذي توضع فيه هذه الصنيعة وهو الفقراء احملضرون يف سبيل خبال وشحا

.اإلنفاق من عظيم األجر عند

صورة عمله وكيفيته وثانيا ال للناس للهوتبني أوال وجهه وغرضه وهو أن يكون وباجلملة اآليات تدعو إىل اإلنفاقورابعا نعت مورد اإلنفاق وصف مال اإلنفاق وهو أن يكون طيبا ال خبيثا وثالثا وهو أن ال يتعقبه املن واألذى

.وخامسا ما له من عظيم األجر عاجال وآجال وهو أن يكون فقريا أحصر يف سبيل

كالم يف اإلنفاق

Page 649: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٤٩

اإلنفاق من أعظم ما يهتم بأمره اإلسالم يف أحد ركنيه وهو حقوق الناس وقد توسل إليه بأحناء التوسل إجيابا وندبا ومن طريق والكفارات املالية وأقسام الفدية واإلنفاقات الواجبة والصدقات املندوبةمن طريق الزكاة واخلمس

.الوقف والسكنى والعمرى والوصايا واهلبة وغري ذلك

وإمنا يريد بذلك ارتفاع سطح معيشة الطبقة السافلة اليت ال تستطيع رفع حوائج احلياة من غري إمداد مايل من غريهم أفق أهل النعمة والثروةليقرب أفقهم من ومن جانب آخر قد منع من تظاهر أهل الطبقة العالية باجلمال والزينة يف

بالنهي عن اإلسراف والتبذير وحنو مظاهر احلياة مبا ال يقرب من املعروف وال تناله أيدي النمط األوسط من الناس .ذلك

حتيي ناموس الوحدة متقاربة األجزاء متشاهبة األبعاضوكان الغرض من ذلك كله إجياد حياة نوعية متوسطة

فإن القرآن يرى أن شأن الدين احلق هو ومتيت اإلرادات املتضادة وأضغان القلوب ومنابت األحقاد واملعاضدة معارف ويعيش به اإلنسان يف وترتيبها ترتيبا يتضمن سعادة اإلنسان يف العاجل واآلجل تنظيم احلياة بشئوهنا

ويدفع هبا عن نفسه املكاره عليه من النعم يف الدنيا وعيشة طيبة يتنعم فيها مبا أنعم وأخالق فاضلة حقة .والنوائب ونواقص املادة

Page 650: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٥٠

وال يكون ذلك إال بإصالح حال النوع برفع وال يتم ذلك إال باحلياة الطيبة النوعية املتشاهبة يف طيبها وصفائها

والطريق إىل ذلك إنفاق األفراد مما اقتنوه بكد وال يكمل ذلك إال باجلهات املالية والثروة والقنية حوائجها يف احلياة .واملال ماله للهواألرض فإمنا املؤمنون إخوة اليمني وعرق اجلبني

وهذه حقيقة أثبتت السرية النبوية على سائرها أفضل التحية صحتها واستقامتها يف القرار والنماء والنتيجة يف

.ونفوذ أمره برهة من الزمان وهي زمان حياته

وقد أصبحتم يف زمن ال يزداد إذ يقول وهي اليت يتأسف عليها ويشكو احنراف جمراها أمري املؤمنني علي فهذا أوان قويت عدته وعمت والشيطان يف هالك الناس إال طمعا والشر فيه إال إقباال اخلري فيه إال إدبارا

أو غنيا بدل نعمة اضرب بطرفك حيث شئت هل تبصر إال فقريا يكابد فقرا مكيدته وأمكنت فريسته .هنج البالغة وفرا أو متمردا كأن بأذنه عن مسع املواعظ وقرا ق أو خبيال اختذ البخل حب كفرا

Page 651: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٥١

وهي تقريب الطبقات بإمداد الدانية باإلنفاق ومنع العالية - وقد كشف توايل األيام عن صدق القرآن يف نظريته هذه اإلخالد إىل األرضحيث إن الناس بعد ظهور املدنية الغربية اسرتسلوا يف - عن اإلتراف والتظاهر باجلمال

.واإلفراط يف استقصاء املشتهيات احليوانية

فأوجب ذلك عكوف الثروة وصفوة لذائذ احلياة وأعدوا له ما استطاعوا من قوة واستيفاء اهلوسات النفسانيةومل يزل النمط األعلى يأكل بعضه بعضا ومل يبق بأيدي النمط األسفل إال احلرمان على أبواب أويل القوة والثروة

وأثار ذلك حتى تفرد بسعادة احلياة املادية نزر قليل من الناس وسلب حق احلياة من األكثرين وهم سواد الناس واشتباك فأنتج ذلك التقابل بني الطائفتني كل يعمل على شاكلته ال يبقى وال يذر مجيع الرذائل اخللقية من الطرفني

ونشبت احلرب العاملية النزاع والنزال بني الفريقني والتفاني بني الغين والفقري واملنعم واحملروم والواجد والفاقدوارحتلت السكن والطمأنينة وطيب احلياة من بني النوع وهجرت احلقيقة والفضيلة وظهرت الشيوعية الكربى

.وما يهدد النوع مبا يستقبله أعظم وأفظع اإلنساني هذا ما نشاهده اليوم من فساد العامل و

Page 652: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٥٢

أمره الفظيع ومن أعظم العوامل يف هذا الفساد انسداد باب اإلنفاق وانفتاح أبواب الرباء الذي سيشرح ويذكر أن يف رواجه فساد الدنيا وهو من مالحم القرآن الكريم يف سبع آيات تالية هلذه اآليات أعين آيات اإلنفاق

.وقد كان جنينا أيام نزول القرآن فوضعته حامل الدنيا يف هذه األيام

فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة يف سورة الروم إذ قال وإن شئت تصديق ما ذكرناه فتدبر فيما ذكره ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ال يعلمون منيبني إليه واتقوه وأقيموا اليت فطر الناس عليها ال تبديل خللق

الصلوة وال تكونوا من املشركني من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب مبا لديهم فرحون وإذا مس الناس ضر ذا فريق منهم برهبم يشركون ليكفروا مبا آتيناهم فتمتعوا فسوف دعوا رهبم منيبني إليه ثم إذا أذاقهم منه رمحة إ

وأولئك هم فأت ذا القربى حقه واملسكني وابن السبيل ذلك خري للذين يريدون وجه - إىل أن قال - تعلمون ئك هم فأول وما آتيتم من زكوة تريدون وجه املفلحون وما آتيتم من ربا لريبوا يف أموال الناس فال يربوا عند

ظهر الفساد يف الرب والبحر مبا كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم - إىل أن قال - املضعفون يرجعون قل سريوا يف األرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركني فأقم وجهك للدين القيم

ولآليات نظائر يف سور هود ٤٣ - ٣٠ الروم اتيومئذ يصدعون اآلي من قبل أن يأتي يوم ال مرد له من .سيأتي بياهنا إن شاء ويونس واإلسراء واألنبياء وغريها تنبىء عن هذا الشأن

Page 653: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٥٣

.وباجلملة هذا هو السبب فيما يرتاءى من هذه اآليات أعين آيات اإلنفاق من احلث الشديد والتأكيد البالغ يف أمره

كل أمر ينتهي إىل مرضاته املراد بسبيل إخل كمثل حبة مثل الذين ينفقون يف سبيل قوله

وإن كانت اآلية مسبوقة بآيات ذكر فيها القتال يف سبيل فإن الكلمة يف اآلية مطلقة لغرض ديين فعل الفعل ألجله وكانت كلمة يف سبيل مقارنة للجهاد يف غري واحد من اآليات فإن ذلك ال يوجب التخصيص وهو

.ظاهر

فإن احلبة املنبتة على تقدير قولنا كمثل من زرع حبة أنبتت إخل إخل كمثل حبة أنبتتقولهوقد ذكروا أن .ال مثل من أنفق وهو ظاهر لسبع سنابل مثل املال الذي أنفق يف سبيل

الكالم وإن كان وجيها يف نفسه لكن التدبر يعطي خالف ذلك فإن جل األمثال املضروبة يف القرآن حاهلا هذا وهذا

مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق مبا ال يسمع إال دعاء قولهاحلال فهو صناعة شائعة يف القرآن كإمنا مثل احليوة الدنيا كماء قولهو فإنه مثل من يدعو الكفار ال مثل الكفار ١٧١ البقرة ونداء

Page 654: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٥٤

فمثله يف اآليات التالية هلذه اآلية وقوله ٣٥ النور مثل نوره كمشكوةقولهو ٢٤ يونس أنزلناهوتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة مثل الذين ينفقون أمواهلم ابتغاء مرضاة وقوله كمثل صفوان اآلية

.اآلية إىل غري ذلك من املوارد الكثرية

وهذه األمثال املضروبة يف اآليات تشرتك مجيعا يف أهنا اقتصر فيها على مادة التمثيل الذي يتقوم هبا املثل مع .اإلعراض عن باقي أجزاء الكالم لإلجياز

أن املثل يف احلقيقة قصة حمققة أو مفروضة مشاهبة ألخرى يف جهاهتا يؤتى هبا لينتقل ذهن املخاطب من توضيحه

يف الصيف ضيعت اللنب من األمثال اليت هلا وقوهلم ال ناقة يل وال مجل تصورها إىل كمال تصور املمثل كقوهلم إن األمثال ال تتغري ولذا قيل د الكالم لالستيضاحقصص حمققة يقصد بالتمثيل تذكر السامع هلا وتطبيقها ملور

كمثل من زرع حبة أنبتت سبع سنابل يف كل سنبلة مائة حبة مثل الذين ينفقون أمواهلم يف سبيل وكقولنا .وهي قصة مفروضة خيالية

Page 655: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٥٥

واملعنى الذي يشتمل عليه املثل ويكون هو امليزان الذي يوزن به حال املمثل رمبا كان متام القصة اليت هي املثل كما يف مثل الذين محلوا التوراة ثم مل حيملوها قولهو ٢٦ إبراهيم ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثةقوله

ورمبا كان بعض القصة مما يتقوم به غرض التمثيل وهو الذي نسميه مادة ٥ اجلمعة كمثل احلمار حيمل أسفاراوإمنا جيء بالبعض اآلخر لتتميم القصة كما يف املثال األخري مثال اإلنفاق واحلبة فإن مادة التمثيل إمنا هي التمثيل

.احلبة املنبتة لسبعمائة حبة وإمنا ضممنا إليها الذي زرع لتتميم القصة

وما كان منها مادة التمثيل فيه بعض من أمثال القرآن مادة التمثيل فيه متام املثل فإنه وضع على ما هو عليه وما كانعلى ما فيه القصة فإنه اقتصر على مادة التمثيل فوضعت موضع متام القصة ألن الغرض من التمثيل حاصل بذلك

فهذا فهو هو بوجه وليس به بوجه قامه يفي بالغرض منهالسامع بفقده أمرا ووجدانه أمرا آخر م من تنشيط ذهن .من اإلجياز بالقلب على وجه لطيف يستعمله القرآن

قيل األصل يف معنى السنبل معروف وهو على فنعل أنبتت سبع سنابل يف كل سنبلة مائة حبةقوله

.مادته السرت مسي به ألنه يسرت احلبات اليت تشتمل عليها يف األغلفة

Page 656: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٥٦

ومن أسخف اإلشكال ما أورد على اآلية أنه متثيل مبا ال حتقق له يف اخلارج وهو اشتمال السنبلة على مائة حبةعلى وفيه أن املثل كما عرفت ال يشرتط فيه حتقق مضمونه يف اخلارج فاألمثال التخيلية أكثر من أن تعد وحتصى

.أن اشتمال السنبلة على مائة حبة وإنبات احلبة الواحدة سبعماة حبة ليس بعزيز الوجود

أي يزيد على سبعمائة ملن يشاء فهو الواسع ال مانع من واسع عليم يضاعف ملن يشاء و وقوله البقرة قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثرية من ذا الذي يقرض جوده وال حمدد لفضله كما قال

٢٤٥ فأطلق الكثرة ومل يقيدها بعدد معني.

يضاعف هذه املضاعفة ملن يشاء فاملضاعفة إىل سبعمائة ضعف غاية ما تدل عليه اآلية إن معناه أن وقيلالذي جعل لكم قولهوحق الكالم فيه حينئذ أن يصدر بأن ك وفيه أن اجلملة على هذا يقع موقع التعليل

.وأمثال ذلك ٦١ املؤمنون لذو فضل على الناس الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن

من املثل باآلخرة بل الكالم مطلق يشمل الدنيا كاآلخرة وهو كذلك واالعتبار يساعده ومل يقيد ما ضربه لكنه لو تأمل قليال وجد أن فاملنفق بشيء من ماله وإن كان خيطر بباله ابتداء أن املال قد فات عنه ومل خيلف بدال

Page 657: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٥٧

يف غرض اتمع اإلنساني مبنزلة شخص واحد ذو أعضاء خمتلفة حبسب األمساء واألشكال لكنها مجيعا متحدةوعي يف فعله أوجب فإذا فقد واحد منها نعمة الصحة واالستقامة مرتبطة من حيث األثر والفائدة احلياة

سراهنا يف أغراضها فالعني واليد وإن كانا عضوين اثنني من حيث االسم والفعل وخ ذلك كالل اجلميع يف فعلهالكن اخللقة إمنا جهز اإلنسان بالبصر ليميز به األشياء ضوءا ولونا وقربا وبعدا فتتناول اليد ما جيب أن ظاهرا

فإذا سقطت اليد عن التأثري وجب أن يتدارك اإلنسان وتدفع ما جيب أن يدفعه عن نفسه جيلبه اإلنسان لنفسهوينقص من أفعال سائر األعضاء ما يفوته من عامة فوائدها بسائر أعضائه فيقاسي أوال كدا وتعبا ال يتحمل عادة

وأما لو أصلح حال يده الفاسدة بفضل ما ادخره لبعض مبقدار ما يستعملها يف موضع العضو الساقط عن التأثريوعاد إليه من الفائدة احلقيقية أضعاف ما فاته من الفضل املفيد األعضاء اآلخر كان يف ذلك إصالح حال اجلميع

ودفع الرذائل اليت ميكنها الفقر واحلاجة يف أضعافا رمبا زاد على املئات واأللوف مبا يورث من إصالح حال الغريواتمع يربط مجيع ذلك ويرجعه إىل والنشاط يف عمله يف لسانه وحسن الذكر وإجياد احملبة يف قلبه نفسه

.فهذا حال اإلنفاق وال سيما إذا كان اإلنفاق لدفع احلوائج النوعية كالتعليم والرتبية وحنو ذلك املنفق ال حمالة

فإن اإلنفاق لو مل كان النماء والزيادة من لوازمه من غري ختلف وابتغاء مرضاة وإذا كان اإلنفاق يف سبيل أو إنفاق املثري املوسر للمعسر مل يكن إال لفائدة عائدة إىل نفس املنفق كإنفاق الغين للفقري لدفع شره يكن لوجه

Page 658: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٥٨

ري واستثمار منه لنفع وهذا نوع استخدام للفق ليدفع حاجته ويعتدل حال اتمع فيصفو للمثري املنفق عيشهلكن اإلنفاق الذي ال يراد ورمبا تراكمت اآلثار وظهرت فكانت بلوى رمبا أورث يف نفس الفقري أثرا سيئا نفسه

.وال يبتغي فيه إال مرضاته خال عن هذه النواقص ال يؤثر إال اجلميل وال يتعقبه إال اخلري به إال وجه

االتباع اللحوق واإلحلاق إخل ثم ال يتبعون ما أنفقوا منا وال أذى الذين ينفقون أمواهلم يف سبيل قولهفأتبعناهم يف هذه الدنيا وقال أي حلقوهم ٦٠ الشعراء فأتبعوهم مشرقني قال

.أي أحلقناهم ٤٢ القصص لعنة

واألصل يف معناه أنعمت عليك بكذا وكذا وحنو ذلك املنعم للمنعم عليهواملن هو ذكر ما ينغص املعروف كقول واألذى الضرر العاجل أو أي غري مقطوع ٨ فصلت هلم أجر غري ممنونقولهومنه على ما قيل القطع

.واحلزن الغم الذي يغلظ على النفس من مكروه واقع أو كالواقع واخلوف توقع الضرر الضرر اليسري

Page 659: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٥٩

وخيتلف إخل املعروف من القول ما ال ينكره الناس حبسب العادة قول معروف ومغفرة خري من صدقةقولهواحللم السكوت عند املكروه والغنى مقابل احلاجة والفقر واألصل يف معنى املغفرة هو السرت باختالف املوارد

.من قول أو فعل

وترجيح القول املعروف واملغفرة على صدقة يتبعها أذى ثم املقابلة يشهد بأن املراد بالقول املعروف الدعاء أو لفظ والسرت والصفح إذا شفع سؤاله مبا يسوؤه ومها خري آخر مجيل عند رد السائل إذا مل يتكلم مبا يسوء املسئول عنه

وتأثره عما فإن أذى املنفق للمنفق عليه يدل على عظم إنفاقه واملال الذي أنفقه يف عينه من صدقة يتبعها أذى و فإن املؤمن متخلق بأخالق ومها علتان جيب أن تزاحا عن نفس املؤمن يسوؤه من السؤال

وهذا وال يغضب عند كل جهالة حليم ال يتعجل يف املؤاخذة على السيئة يكرب عنده ما أنعم وجاد به غين ال .غين حليم و بقولهمعنى ختم اآلية

ورمبا تدل اآلية على حبط الصدقة بلحوق املن واألذى إخل يا أيها الذين ءامنوا ال تبطلوا صدقاتكمقوله

وال داللة يف اآلية على غري املن يستدل هبا على حبط كل معصية أو الكبرية خاصة ملا يسبقها من الطاعات .واألذى بالنسبة إىل الصدقة وقد تقدم إشباع الكالم يف احلبط

Page 660: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٦٠

واملرائي غري ملا كان اخلطاب للمؤمنني واليوم اآلخر كالذي ينفق ماله رئاء الناس وال يؤمن بقوله

بل إمنا مل يعلق النهي بالرئاء كما علقه على املن واألذى ألنه ال يقصد بأعماله وجه مؤمن كما ذكره مع أن عمل املرائي باطل من رأس وعمل شبه املتصدق الذي يتبع صدقته باملن واألذى باملرائي يف بطالن الصدقة

.ه البطالناملان واملؤذي وقع أوال صحيحا ثم عرض

ومل يؤمن يدل على أن املراد من عدم أن يقال وال يؤمن من دونقولهو ينفق مالهقولهواحتاد سياق األفعال يف ويعد عليه جزيل واليوم اآلخر عدم إميانه بدعوة اإلنفاق الذي يدعو إليها إميان املرائي يف اإلنفاق ب

وأحب وبيوم القيامة الظاهر فيه اجلزاء لقصد يف فعله وجه إذ لو كان يؤمن بالداعي يف دعوته هذه الثواب .رأسا فليس املراد من عدم إميان املرائي عدم إميانه ب ومل يقصد به رئاء الناس واختار جزيل الثواب

.واليوم اآلخر فيه ويظهر من اآلية أن الرياء يف عمل يستلزم عدم اإلميان ب

Page 661: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٦١

فمثله راجع إىل الذي ينفق ماله رئاء قولهإىل آخر اآلية الضمري يف فمثله كمثل صفوان عليه ترابقوله .املطر الغزير الشديد الوقع والوابل والصفوان والصفا احلجر األملس وكذا الصلد الناس واملثل له

واجلملة تبني وجه الشبه وهو اجلامع الذي ينفق رئاء ألنه يف معنى اجلمعراجع إىل ال يقدرونقولهوالضمري يف

بيان للحكم بوجه عام وهو أن املرائي يف ريائه ال يهدي القوم الكافرين وقولهو بني املشبه واملشبه به .ولذلك أفاد معنى التعليل ال يهدي القوم الكافرين و من مصاديق الكافر

أن حال املرائي يف إنفاقه رئاء ويف ترتب الثواب عليه كحال احلجر األملس الذي عليه شيء معنى املثل وخالصة

فإن املطر وخاصة وابله هو السبب البارز حلياة األرض واخضرارها وتزينها من الرتاب إذا أنزل عليه وابل املطرإال أن الرتاب إذا وقع على الصفوان الصلد ال يستقر يف مكانه عند نزول الوابل بل يغسله الوابل ويبقى بزينة النبات

فالوابل وإن كان من أظهر أسباب احلياة والنمو وكذا الرتاب وال يرتبى فيه بذر لنبات الصلد الذي ال جيذب املاء .أن يكون النقص والقصور من جانبهما فهذا حال الصلدلكن كون احملل صلدا يبطل عمل هذين السببني من غري

Page 662: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٦٢

مل يرتتب على عمله ثواب وإن كان العمل كاإلنفاق يف سبيل وهذا حال املرائي فإنه ملا مل يقصد من عمله وجه من األسباب البارزة لرتتب الثواب فإنه مسلوب االستعداد ال يقبل قلبه الرمحة والكرامة.

أنه وقد روى الفريقان عن النيب أن قبول العمل حيتاج إىل نية اإلخالص وقصد وجه اآليةوقد ظهر من

.إمنا األعمال بالنيات قال

ابتغاء املرضاة هو طلب الرضاء وتثبيتا من أنفسهم مثل الذين ينفقون أمواهلم ابتغاء مرضات قول بالنسبة إىل عبده الذي ووجهه فإن وجه الشيء هو ما يواجهك ويستقبلك به ويعود إىل إرادة وجه

فإن األمر يستقبل املأمور أوال باألمر فإذا امتثل استقبله أمره بشيء وأراده منه هو رضاؤه عن فعله وامتثالههو إرادة وجهه فابتغاء مرضاة عن العبد املكلف بتكليف هو وجهه إليه فمرضاة بالرضاء عنه.

.إن املراد التصديق واليقني فقد قيل وتثبيتا من أنفسهمقولهوأما

Page 663: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٦٣

وإن كان خالطه أمضى للهكان هو التثبت يف اإلنفاق فإن وقيل هو التثبت أي يتثبتون أين يضعون أمواهلم وقيلهو متكني النفس يف منازل وقيل التثبيت توطني النفس على طاعة وقيل شيء من الرياء أمسك

.اإلميان بتعويدها على بذل املال لوجه

.وأنت خبري بأن شيئا من األقوال ال ينطبق على اآلية إال بتكلف

ملا أطلق القول أوال يف مدح اإلنفاق يف سبيل هو أن يف املقام - العامل و - والذي ينبغي أن يقال وال يرتتب عليهما عظيم األجر اعرتضه أن استثنى منه نوعني من اإلنفاق ال يرتضيهما وأن له عند

ومها اإلنفاق رياء املوجب لعدم صحة العمل من رأس واإلنفاق الذي يتبعه من أو أذى فإنه يبطل هبما وإن الثواب .وليس يعرض البطالن انعقد أوال صحيحا

هذه النية أعين ابتغاء املرضاة أو لزوال النفس عن فيه من رأس هلذين النوعني إال من جهة عدم ابتغاء مرضاة

فأراد يف هذه اآلية بيان حال اخلاصة من أهل اإلنفاق اخلالصة بعد استثناء املرائني كانت عليها أوال ثانيا بعد ما

Page 664: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٦٤

ثم يقرون أنفسهم على الثبات على هذه النية وهم الذين ينفقون أمواهلم ابتغاء وجه وأهل املن واألذى .الطاهرة النامية من غري أن يتبعوها مبا يبطل العمل ويفسده

أن ال يقصد بالعمل رئاء وحنوه مما جيعل النية غري خالصة لوجه ومن هنا يظهر أن املراد بابتغاء مرضاة

وهو تثبيت ناش من النفس واقع على وبقوله تثبيتا من أنفسهم تثبيت اإلنسان نفسه على ما نواه من النية اخلالصة .النفس

.وما يف معنى املفعول مقدر وقوله أنفسهم يف معنى الفاعلفقوله تثبيتا متيز وكلمة من نشوية

.أو مفعول مطلق لفعل من مادته والتقدير تثبيتا من أنفسهم ألنفسهم

والربوة باحلركات الثالث يف األصل يف مادة ربا الزيادة إىل آخر اآلية كمثل جنة بربوة أصاهبا وابلقوله

.واألكل بضمتني ما يؤكل من الشيء والواحدة أكلة الراء األرض اجليدة اليت تزيد وتعلو يف منوها

Page 665: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٦٥

.والطل أضعف املطر القليل األثر

فإن العناية اإلهلية واقعة البتة ال يتخلف عن أثرها احلسن والغرض من املثل أن اإلنفاق الذي أريد به وجه وإن كانت مراتب العناية خمتلفة الختالف درجات النية يف اخللوص عليه متعلقة به الحنفاظ اتصاله ب

كما أن اجلنة اليت يف الربوة إذا أصاهبا املطر مل تلبث دون أن تؤتي أكلها إيتاء واختالف وزن األعمال باختالفها .جيدا البتة وإن كان إيتاؤها خمتلفا يف اجلودة باختالف املطر النازل عليه من وابل وطل

تلط عليه ثواب وال خي مبا تعملون بصري أي ال يشتبه عليه أمر الثواب و بقولهولوجود هذا االختالف ذيل الكالم

.األعمال املختلفة فيعطي ثواب هذا لذاك وثواب ذاك هلذا

واجلنة الود هو احلب وفيه معنى التمين إخل أيود أحدكم أن تكون له جنة من خنيل وأعنابقولهولذلك الشجر الكثري امللتف كالبستان مسيت بذلك ألهنا جتن األرض وتسرتها وتقيها من ضوء الشمس وحنوه

ولو كانت هي األرض مبا هلا من الشجر مثال مل يصح ذلك إلفادته خالف جتري من حتتها األهنار صح أن يقال

Page 666: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٦٦

وكرر ٥٠ املؤمنون ربوة ذات قرار ومعني يف مثل الربوة وهي األرض املعمورة ولذلك قال املقصود .جنات جتري من حتتها األهنار فجعل املعني وهو املاء فيها ال جاريا حتتها قولهيف كالمه

اجلنة والبستان وما هو من هذا فإن للتبيني ويفيد معنى الغلبة دون االستيعاب من خنيل وأعنابقولهومن يف

الغالب فيها الكرم وهي ال ختلو مع القبيل إمنا يضاف إىل اجلنس الغالب فيقال جنة العنب أو جنة من أعناب إذا كان .له فيها من كل الثمرات ثانيا ولذلك قال ذلك من شجر شتى

يف املثل بني إصابة وقد مجع والضعفاء مجع الضعيف والذرية األوالد والكرب كرب السن وهو الشيخوخة

الكرب ووجود الذرية الضعفاء لتثبيت مسيس احلاجة القطعية إىل اجلنة املذكورة مع فقدان باقي األسباب اليت فإن صاحب اجلنة لو فرض شابا قويا ألمكنه أن يسرتيح إىل قوة يتوصل إليها يف حفظ سعادة احلياة وتأمني املعيشة

ولو فرض شيخا هرما من غري ذرية ضعفاء مل يسوء حاله تلك املساءة ألنه ال يرى ميينه لو أصيبت جنته مبصيبةولو فرض ذا كرب وله أوالد أقوياء يقدرون على العمل لنفسه إال أياما قالئل ال يبطىء عليه زواهلا وانقضاؤها

إذا اجتمع هناك الكرب والذرية لكن ! وأن يستغنوا عنها بوجه واكتساب املعيشة أمكنهم أن يقتاتوا مبا يكتسبونهفال صاحب اجلنة ميكنه أن يعيد لنفسه الشباب واحرتقت اجلنة انقطعت األسباب عنهم عند ذلك الضعفاء

Page 667: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٦٧

وال هلم رجاء أن ترجع وال لذريته قوة على ذلك والقوة أو األيام اخلالية حتى يهيىء لنفسه نظري ما كان قد هيأها .اجلنة بعد االحرتاق إىل ما كانت عليه من النضارة واألمثار

.نفسه عند العصر واإلعصار الغبار الذي يلتف على نفسه بني السماء واألرض كما يلتف الثوب على

للذين ينفقون أمواهلم ثم يتبعونه منا وأذى فيحبط عملهم وال سبيل هلم إىل إعادة العمل الباطل وهذا مثل ضربه

ورجا منهم التفكر ألن أمثال هذه األفاعيل وانطباق املثل على املمثل ظاهر إىل حال صحته واستقامتهال تدع جلاه والكرب والعجب والشحاملفسدة لألعمال إمنا تصدر من الناس ومعهم حاالت نفسانية كحب املال وا

.ولو تفكروا لتبصروا لإلنسان جمال التثبت والتفكر ومتيز النافع من الضار

واخلبيث ضد التيمم هو القصد والتعمد إخل يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتمقولهحال ولستم بآخذيهقولهو حال من فاعل ال تيمموا تنفقونقولهو متعلق باخلبيث منه قولهو الطيب

والالم مقدر على ما قيل والتقدير إال وقوله أن تغمضوا فيه يف تأويل املصدر وعامله الفعل من فاعل تنفقون .أو املقدر باء املصاحبة والتقدير إال مبصاحبة اإلغماض إلغماضكم فيه

Page 668: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٦٨

وأنه ينبغي أن يكون من طيب املال ال من خبيثه الذي ال كيفية مال اإلنفاق وإمنا بني ومعنى اآلية ظاهر

فال يفيد حبا بل يتصور بصورة التخلص فإنه ال يتصف بوصف اجلود والسخاء يأخذه املنفق إال بإغماضأي راقبوا يف إنفاقكم غناه غين محيد واعلموا أن قولهولذلك ختمها للصنيعة واملعروف وال كماال للنفس

أو أنه غين حممود ال ينبغي أن تواجهوه مبا ال ومحده فهو يف عني غناه حيمد إنفاقكم احلسن فأنفقوا من طيب املال .يليق جبالله جل جالله

لإلنفاق ليس خبيث املال إقامة للحجة على أن اختيار الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاءقوله

ففي النهي مصلحة أمرهم كما أن يف املنهي عنه مفسدة هلم خبري للمنفقني خبالف اختيار طيبه فإنه خري هلموليس إمساكهم عن إنفاق طيب املال وبذله إال ملا يرونه مؤثرا يف قوام املال والثروة فتنقبض نفوسهم عن اإلقدام إىل

مع وهذا من تسويل الشيطان خيوف أولياءه من الفقر بذله خبالف خبيثه فإنه ال قيمة له يعنى هبا فال بأس بإنفاقهوابتغاء مرضاته مثل البذل يف املعامالت ال خيلو عن العوض والربح كما يل أن البذل وذهاب املال واإلنفاق يف سب

.٤٨ النجم وأنه هو أغنى وأقنى قال دون املال مع أن الذي يغين ويقين هو مر

Page 669: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٦٩

غري أنه الشيطان يعدكم الفقر بقولهوباجلملة ملا كان إمساكهم عن بذل طيب املال خوفا من الفقر خطأ نبه عليه أعين أنه وضع وعد الشيطان موضع خوف أنفسهم ليدل على أنه خوف مضر هلم وضع السبب موضع املسبب

وإما باآلخرة وبواسطة ما يظهر منه أنه فإن الشيطان ال يأمر إال بالباطل والضالل إما ابتداء ومن غري واسطة .حق

الشيطان قولهوإن كان من ناحية الشيطان دفع ذلك باتباع وملا كان من املمكن أن يتوهم أن هذا اخلوف حق

فإن هذا اإلمساك والتثاقل منهم يهيىء يف نفوسهم ملكة اإلمساك أوال ويأمركم بالفحشاءقوله يعدكم الفقرويؤدي إىل إلقاء أرباب العظيم املتعلقة بأمواهلم وهو الكفر ب فيؤدي إىل رد أوامر وسجية البخل

قال احلاجة يف هتلكة اإلعسار والفقر واملسكنة اليت فيه تلف النفوس واهنتاك األعراض وكل جناية وفحشاء ومنهم من عاهد لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصاحلني فلما آتاهم من فضله خبلوا به وتولوا

- إىل أن قال - ما وعدوه ومبا كانوا يكذبون وهم معرضون فأعقبهم نفاقا يف قلوهبم إىل يوم يلقونه مبا أخلفوا منهم وهلم فيسخرون منهم سخر الذين يلمزون املطوعني من املؤمنني يف الصدقات والذين ال جيدون إال جهدهم

.٧٩ التوبة عذاب أليم

Page 670: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٧٠

أن هناك قد بني للمؤمنني فإن ثانيا واسع عليم يعدكم مغفرة منه وفضال و وقولهثم بإتباعه قال وأن الضالل من الشيطان وأن احلق وهو الطريق املستقيم هو من حقا وضالال ال ثالث هلما

ذا بعد احلق إال الضالل فما يونس ٣٢ وقال قل يهدي للحقيونس ٣٥ وقال يعدكم و بقوله وباجلملة نبه واآليات مجيعا مكية ١٥ القصص إنه عدو مضل مبني يف الشيطان

بأن هذا اخلاطر الذي خيطر ببالكم من جهة اخلوف ضالل من الفكر فإن مغفرة والزيادة اليت ذكرها يف اآليات .السابقة إمنا مها يف البذل من طيبات املال

من قبيل وضع السبب موضع املسبب إخل الشيطان يعدكمقولهنظري إخل يعدكم وقولهف

لينظر املنفقون يف أمر الوعدين وخيتاروا ما الواسع العليم ووعد الشيطان وفيه إلقاء املقابلة بني وعد .هو أصلح لباهلم منهما

أما واجلهل مبا يستتبعه هذا اإلنفاق أن اختياركم اخلبيث على الطيب إمنا هو خلوف الفقر فحاصل حجة اآلية

وأما ما وال يريد الشيطان بكم إال الضالل والفحشاء فال جيوز أن تتبعوه شيطاني خوف الفقر فهو إلقاءوهو استتباع باحلق ألن الذي يعدكم يستتبعه هذا اإلنفاق فهو الزيادة واملغفرة اللتان ذكرتا لكم يف اآليات السابقة

Page 671: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٧١

وهو واسع يسعه أن يعطي ما وعده من املغفرة ووعده حق استتباع اإلنفاق هلذه املغفرة والزيادة هو .والزيادة وعليم ال جيهل شيئا وال حاال من شيء فوعده وعد عن علم

واحلكمة بكسر احلاء على فعلة بناء نوع يدل على نوع اإليتاء هو اإلعطاء يؤتي احلكمة من يشاءقوله

وغلب املعنى فمعناه النوع من اإلحكام واإلتقان أو نوع من األمر احملكم املتقن الذي ال يوجد فيه ثلمة وال فتور .استعماله يف املعلومات العقلية احلقة الصادقة اليت ال تقبل البطالن والكذب البتة

وأسبابه وما يستتبعه من األثر الصاحل يف حقيقة للهبه حال اإلنفاق جبمع ع واجلملة تدل على أن البيان الذي بني

فاحلكمة هي القضايا احلقة املطابقة للواقع من حيث اشتماهلا بنحو على سعادة حياة اإلنسان هو من احلكمةواملعارف اليت تشرح حقائق العامل الطبيعي من جهة مساسها عاداإلنسان كاملعارف احلقة اإلهلية يف املبدإ وامل

.بسعادة اإلنسان كاحلقائق الفطرية اليت هي أساس التشريعات الدينية

وقد أهبم فاعل اإليتاء مع أن اجلملة السابقة املعنى ظاهر ومن يؤت احلكمة فقد أوتي خريا كثرياقولهليدل الكالم على أن احلكمة بنفسها منشأ اخلري الكثري فالتلبس هبا يتضمن تبارك و عليه تدل على أنه

Page 672: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٧٢

قال فإن جمرد انتساب اإلتيان ال يوجب ذلك كإيتاء املال انتساب إتيانه إليه ال من جهة اخلري الكثريوإمنا نسب إليها اخلري الكثري ٧٦ القصص وآتيناه من الكنوز ما إن مفاحته لتنوء بالعصبة أويل القوة يف قارون

وأمر وتوفيقه مع ما عليه احلكمة من ارتفاع الشأن ونفاسة األمر ألن األمر خمتوم بعناية دون اخلري مطلقا .السعادة مراعى بالعاقبة واخلامتة

وعلى هذا املعنى القشراللب هو العقل ألنه يف اإلنسان مبنزلة اللب من وما يذكر إال أولوا األلبابقوله

وكان لفظ العقل مبعناه املعروف اليوم من األمساء املستحدثة بالغلبة ولذلك مل يستعمل يف القرآن استعمل يف القرآن .وإمنا استعمل منه األفعال مثل يعقلون

واآلية تدل على أن اقتناص احلكمة أو من الشيء إىل نتائجها والتذكر هو االنتقال من النتيجة إىل مقدماهتا

.فال حكمة ملن ال عقل له وأن التذكر يتوقف على العقل يتوقف على التذكر

.وقد مر بعض الكالم يف العقل عند البحث عن ألفاظ اإلدراك املستعملة يف القرآن الكريم

Page 673: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٧٣

إليه أو دعومت أنفسكم أي ما دعاكم يعلمه وما أنفقتم من نفقة أو نذرمت من نذر فإن قوله ففيه إمياء إىل التهديد يثيب من أطاعه ويؤاخذ من ظلم إليه بإجيابه عليها بالنذر من بذل املال فال خيفى على

.وما للظاملني من أنصارقولهويؤكده

على أن املراد بالظلم هو الظلم على الفقراء أوالداللة وما للظاملني من أنصارقولهويف هذه اجلملة أعين ال الظلم مبعنى مطلق املعصية فإن يف مطلق وحبس حقوقهم املالية واملساكني يف اإلمساك عن اإلنفاق عليهم

وشفعاء يوم القيامة إذا كان من حقوق واالجتناب عن الكبائر املعصية أنصارا ومكفرات وشفعاء كالتوبة قال ال تقنطوا من رمحة إن يغفر الذنوب مجيعا إىل أن قال وأنيبوا إىل ربكم الزمر ٥٤

وقال إن جتتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم النساء ٣١ وقال وال يشفعون إال .وجه إتيان األنصار بصيغة اجلمع فإن يف مورد مطلق الظلم أنصارا ومن هنا يظهر ٢٨ األنبياء ملن ارتضى

وأنه ال يقبل التوبة أن هذا الظلم وهو ترك اإلنفاق ال يقبل التكفري ولو كان من الصغائر لقبله فهو من الكبائر وثانيا

وأنه ال يقبل أن التوبة يف حقوق الناس غري مقبولة إال برد احلق إىل مستحقه ويتأيد بذلك ما وردت به الروايات

Page 674: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٧٤

إال أصحاب اليمني يف جنات يتساءلون عن ارمني ما سلككم يف قولهالشفاعة يوم القيامة كما يدل عليه .٤٨ املدثر الشافعنيفما تنفعهم شفاعة - إىل أن قال - سقر قالوا مل نك من املصلني ومل نك نطعم املسكني

دينه كما مر بيانه يف حبث الشفاعة إذ ال شفاعة إال ملن ارتضى أن هذا الظامل غري مرتضى عند وثالثا

حيث أتى باملرضاة ومل يقل ابتغاء وجه ينفقون أمواهلم ابتغاء مرضاة ومن هنا تظهر النكتة يف قوله .

وقد عد أن االمتناع من أصل إنفاق املال على الفقراء مع وجودهم واحتياجهم من الكبائر املوبقة ورابعا

ويل للمشركني الذين ال يؤتون الزكوة قال وكفرا باآلخرة االمتناع عن بعض أقسامه كالزكاة شركا ب .والسورة مكية ومل تكن شرعت الزكاة املعروفة عند نزوهلا ٧ فصلت وهم باآلخرة هم كافرون

وهي مطلق والصدقات مجع صدقة اإلبداء هو اإلظهار إخل إن تبدوا الصدقات فنعما هيقوله

.إن األصل يف معناها اإلنفاق املندوب أعم من الواجب واملندوب ورمبا يقال اإلنفاق يف سبيل

Page 675: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٧٥

فأما إظهار الصدقة فإن لكون كل واحد من الشقني ذا آثار صاحلة كال من شقي الرتديد وقد مدح وتطييبا لنفوس الفقراء واملساكني حيث وتشويقا للناس إىل البذل واإلنفاق فيه دعوة عملية إىل املعروف

مدخرة ليوم بؤسهم فيؤدي إىل هموأمواال موضوعة لرفع حوائج يشاهدون أن يف اتمع رجاال رمحاء حباهلمواعتقاد وحدة العمل والكسب بينهم وبني وحصول النشاط هلم يف أعماهلم زوال اليأس والقنوط عن نفوسهم

وفيه حفظ وأما إخفاؤها فإنه حينئذ يكون أبعد من الرياء واملن واألذى ويف ذلك كل اخلري األغنياء املثرينفصدقة العلن وكالءة لظاهر كرامتهم وصون ملاء وجوههم عن االبتذال لنفوس احملتاجني عن اخلزي واملذلة

.وصدقة السر أخلص طهارة أكثر نتاجا

جانب وملا كان بناء الدين على اإلخالص وكان العمل كلما قرب من اإلخالص كان أقرب من الفضيلة رجح خبري و وإن ختفوها وتعطوها الفقراء فهو خري لكم فإن كلمة خري أفعل التفضيل فقال صدقة السر

.مبا تعملون خبري و وهو قوله بأعمال عباده ال خيطىء يف متييز اخلري من غريه

يف الكالم التفات عن خطاب املؤمنني إىل خطاب يهدي من يشاء ليس عليك هداهم ولكن قولهمن فعال املؤمنني يف صدقاهتم من اختالف السجايا وكان ما كان يشاهده رسول رسول

Page 676: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٧٦

باإلخالص من بعضهم واملن واألذى والتثاقل يف إنفاق طيب املال من بعض مع كوهنم مؤمنني أوجد يف نفسه الشريفة بالتنبيه على أن أمر هذا اإلميان املوجود فيهم واهلدى الذي هلم إمنا هو إىل وجدا وحزنا فساله

يهدي من يشاء إىل اإلميان وإىل درجاته وليس يستند إىل النيب ال وجوده وال بقاؤه حتى يكون عليه حفظه .د واإليعاد واخلشونةأو يسوؤه ما آل إليه الكالم يف هذه اآليات من التهدي ويشنق من زواله أو ضعفه

.بالتعبري باملصدر املضاف الظاهر يف حتقق التلبس هداهم والشاهد على ما ذكرناه قوله

حيث وقع يف القرآن وقع يف مقام وإسناده إىل على أن هذا املعنى أعين نفي استناد اهلداية إىل النيب

.تسلية النيب وتطييب قلبه

مجلة معرتضة اعرتضت يف الكالم لتطييب يهدي من يشاء ليس عليك هداهم ولكن قولهفاجلملة أعين ال حترك به لسانك قولهنظري االعرتاض الواقع يف قلب النيب بقطع خطاب املؤمنني واإلقبال عليه

.١٧ القيامة لتعجل به إن علينا مجعه وقرآنه

Page 677: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٧٧

.الكالم من خطاب املؤمننيفلما مت االعرتاض عاد إىل األصل يف

اآلية رجوع إىل خطاب إىل آخر وما تنفقوا من خري فألنفسكم وما تنفقون إال ابتغاء وجه قوله ولكن فإن ذلك مقتضى معنى قوله املؤمنني بسياق خال عن التبشري واإلنذار والتحنن والتغيظ معا

.يهدي من يشاء كما ال خيفى

الدعوة اخلالية بالداللة على أن ساحة املتكلم الداعي منزهة عن االنتفاع مبا يتعقب هذه الدعوة فقصر الكالم على وما تنفقوا من خري فألنفسكم لكن ال مطلقا بل يف حال ال تنفقون إال ابتغاء وإمنا يعود نفعه إىل املدعوين من املنافع

قولهمن ضمري اخلطاب وعامله متعلق الظرف أعين حال وما تنفقون إال ابتغاء وجه قولهف وجه .فألنفسكم

وليس حقيقته إال وملا أمكن أن يتوهم أن هذا النفع العائد إىل أنفسهم ببذل املال جمرد اسم ال مسمى له يف اخلارج

ني أن نفع هذا اإلنفاق فب وما تنفقوا من خري يوف إليكم وأنتم ال تظلمون بقولهتبديل احلقيقة من الوهم عقب الكالم

Page 678: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٧٨

بل هو أمر حقيقي واقعي سيوفيه املندوب وهو ما يرتتب عليه من مثوبة الدنيا واآلخرة ليس أمرا ومهيا إليكم من غري أن يظلكم بفقد أو نقص.

ذكر الفاعل ليكون الكالم أبلغ يف ملا تقدم أن السياق سياق الدعوة فطوي يوف إليكمقولهوإهبام الفاعل يف

.فلو كان هناك نفع فلسامعه ال غري النصح وانتفاء غرض االنتفاع من الفاعل كأنه كالم ال متكلم له

واألصل يف معناه احلصر هو املنع واحلبس إىل آخر اآلية للفقراء الذين أحصروا يف سبيل قولهيف املنع الظاهر فاإلحصار يقال واحلصر واإلحصار املنع من طريق البيت قال الراغب يف املفردات التضييق

فإن أحصرمت فمحمول على فقوله إال يف املنع الباطن واحلصر ال يقال واملنع الباطن كاملرض كالعدوأي أو جاءوكم حصرت صدورهم وقوله للفقراء الذين أحصروا يف سبيل قولهاألمرين وكذلك

.انتهى ضاقت بالبخل واجلنب

.واإلحلاف هو اإلحلاح يف السؤال والسيماء العالمة والتعفف التلبس بالعفة

Page 679: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٧٩

وحبسوا فيه وهم الفقراء الذين منعوا يف سبيل وهو أفضل املصرف ويف اآلية بيان مصرف الصدقاتإما عدو أخذ ما هلم من السرت واللباس أو منعهم التعيش باخلروج إىل االكتساب أو بتأدية عوامل وأسباب إىل ذلك

.مرض أو اشتغال مبا ال يسعهم معه االشتغال بالكسب كطالب العلم وغري ذلك

حيسبهم اجلاهل أي اجلاهل حباهلم أغنياء من التعفف داللة على أهنم غري متظاهرين بالفقر إال ما ال ويف قوله .سبيل هلم إىل سرته من عالئم الفقر واملسكنة من بشرة أو لباس خلق أو حنومها

ال يسألون الناس إحلافا أهنم ال يسألون الناس أصال حتى ينجر إىل اإلحلاف واإلصرار بقولهأن املراد ومن هنا يظهر

فإن السؤال أول مرة جيوز للنفس اجلزع من مرارة الفقر فيسرع إليها أن ال تصرب وهتم بالسؤال يف كل موقف يف السؤال واإلحلاف على كل أحد كذا قيل وال يبعد أن يكون املراد نفي اإلحلاف ال أصل السؤال ويكون املراد

فإن مسمى اإلظهار عند احلاجة املربمة ال بأس به بل رمبا باإلحلاف ما يزيد على القدر الواجب من إظهار احلاجة .والزائد عليه وهو اإلحلاف هو املذموم صار واجبا

Page 680: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٨٠

أن يقال تعرفوهنم نوع صون جلاههم وحفظ لسرتهم الذي تسرتوا به تعففا دون تعرفهم بسيماهمقولهويف .من االهنتاك فإن كوهنم معروفني بالفقر عند كل أحد ال خيلو من هوان أمرهم وظهور ذهلم

وهو نبيهم املبعوث إليهم الرءوف احلنني هبم فليس فيه حباهلم بتومسه من سيماهم وأما معرفة رسول

هو السر يف االلتفات عن خطاب اموع إىل خطاب - أعلم و - وهذا وال ذهاب كرامتهم كسر لشأهنم .املفرد

السر والعالنية متقابالن ومها حاالن من ينفقون إىل آخر اآلية الذين ينفقون أمواهلم بالليل والنهارقوله

واستيفاء األزمة واألحوال يف اإلنفاق للداللة على اهتمام هؤالء املنفقني يف استيفاء والتقدير مسرين ومعلننيمنهم فوعدهم وعدا حسنا ولذلك تدىل وإرادة وجهه وإمعاهنم يف ابتغاء مرضاة الثواب

.هلم أجرهم عند رهبم إخل بلسان الرأفة والتلطف فقال

Page 681: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٨١

أخرج ابن ماجة عن احلسن بن علي بن أبي اآلية يضاعف ملن يشاء وقولهيف يف الدر املنثوروعمران بن حصني بن عمر وجابر بن عبد طالب وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامة الباهلي وعبد

وأخرج ابن ماجة وابن أبي حامت عن عمران بن حصني عن رسول ح أنه قال كلهم حيدث عن رسول قال من أرسل بنفقة يف سبيل وأقام يف بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ومن غزا بنفسه يف سبيل وأنفق يف وجهه ذلك فله بكل درهم يوم القيامة سبعمائة ألف درهم ثم تال هذه اآلية و يضاعف ملن

.يشاء

عمله بكل إذا أحسن املؤمن عمله ضاعف ورواه الربقي أيضا عن الصادق ويف تفسري العياشي .يضاعف ملن يشاء فأحسنوا أعمالكم اليت تعملوهنا لثواب و وذلك قول حسنة سبعمائة ضعف

إذا أحسن املؤمن عمله ضاعف يقول مسعت أبا عبد عن عمر بن مسلم قال ويف تفسري العياشي

عمله بكل حسنة سبعمائة ضعف فذلك قول و يضاعف ملن يشاء فأحسنوا أعمالكم اليتوإذا صمت فتوق ما إذ صليت فأحسن ركوعك وسجودك قال اإلحسان وما قلت تعملوهنا لثواب

Page 682: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٨٢

وكل عمل تعمله فليكن نقيا قال وإذا حججت فتوق كل ما حيرم عليك يف حجتك وعمرتك فيه فساد صومك .من الدنس

أرأيت املؤمن له فضل على املسلم يف شيء من املواريث قلت له قال عن محران عن أبي جعفر وفيه

ال مها جيريان يف ذلك قال والقضايا واألحكام حتى يكون للمؤمن أكثر مما يكون للمسلم يف املواريث أو غري ذلك يقول أليس فقلت قال ولكن للمؤمن فضال على املسلم يف أعماهلما جمرى واحدا إذا حكم اإلمام عليهما

من جاء باحلسنة فله عشر أمثاهلا وزعمت أهنم جمتمعون على الصالة والزكاة والصوم واحلج مع املؤمن قال فاملؤمنون هم الذين يضاعف هلم احلسنات يضاعف ملن يشاء أضعافا كثرية و قد قال أليس فقال

املؤمن يف حسناته على قدر صحة إميانه أضعافا ويزيد فهذا من فضيلتهم لكل حسنة سبعني ضعفا .باملؤمن ما يشاء مضاعفة كثرية ويفعل

يضاعف ملن يشاء وقولهويف هذا املعنى أخبار أخر وهي مبتنية مجيعا على األخذ بإطالق أقول

وال يكون املورد خمصصا املوردواألمر على ذلك إذ ال دليل على التقييد باملنفقني غري بالنسبة إىل غري املنفقنيويكون يضاعف مطلقا بالنسبة إىل الزائد عن العدد وغريه قولهوإذا كانت اآلية مطلقة كذلك كان وال مقيدا

Page 683: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٨٣

يضاعف لكل حمسن على قدر إحسانه سبعمائة ضعف يضاعف العمل كيفما شاء على من شاء و املعنى وال ينايف هذا ما تقدم يف البيان من نفي كون املراد و أو أزيد أو أقل كما يزيد للمنفقني على سبعمائة إذا شاء

واملعنى الذي تدل عليه الرواية نفي يضاعف هذه املضاعفة ملن يشاء ألن الذي نفينا هناك إمنا هو تقييده باملنفقني .التقييد

آيتني يضاعف ملن يشاء أضعافا كثرية اه نقل باملعنى مأخوذ من جمموع و قد قال أ ليس وقوله

قرضا حسنا فيضاعفه له من ذا الذي يقرض قوله واألخرى هذه اآلية من سورة البقرة إحدامهاومما يستفاد من الرواية إمكان قبول أعمال غري املؤمنينمن سائر فرق املسلمني ٢٤٥ البقرة أضعافا كثرية

.٩٨ النساء إال املستضعفني من الرجالقولهوسيجيء البحث عنها يف وترتب الثواب عليها

وهو املروي عن أبي عبد واآلية عامة يف النفقة يف مجيع ذلك يشري إىل اجلهاد وغريه من أبواب الرب قال ويف امع .

Page 684: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٨٤

فقالوا رجل من رأس تل أشرف على النيب أخرج عبد الرزاق يف املصنف عن أيوب قال ويف الدر املنثورمن خرج ثم قال إال من قتل أوليس يف سبيل فقال النيب ما أجلد هذا الرجل لو كان جلده يف سبيل

ومن خرج يطلب حالال يكف به أهله فهو يف سبيل يف األرض يطلب حالال يكف به والديه فهو يف سبيل ومن خرج يطلب حالال يكف به نفسه فهو يف سبيل ومن خرج يطلب التكاثر فهو يف سبيل الشيطان.

يا براء كيف سأل الرباء بن عازب فقال إن رسول أيضا أخرج ابن املنذر واحلاكم وصححه وفيهفإن نفقتك على أهلك وولدك قال ما أحسنها يا رسول وكان موسعا على أهله فقال نفقتك على أمك

.وخادمك صدقة فال تتبع ذلك منا وال أذى

فهو يف سبيل وفيها أن كل عمل يرتضيه والروايات يف هذه املعاني كثرية من طرق الفريقني أقول .فهي صدقة وكل نفقة يف سبيل

قال رسول اآلية عن الصادق الذين ينفقون أمواهلم يف سبيل قولهيف ويف تفسري القمي

من أسدى إىل مؤمن معروفا ثم آذاه بالكالم أو من عليه فقد أبطل صدقته إىل أن قال الصادق

Page 685: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٨٥

كمثل جنة بربوة اآلية وابل أي مطر والصفوان هي الصخرة الكبرية اليت تكون يف املفازة إىل أن قال يف قوله .إعصار فيه نار اآلية األعصار الرياح وقال يف قوله والطل ما يقع بالليل على الشجر والنبات

اآلية أخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيباتقولهيف ويف الدر املنثور

من الذهب والفضة ومما أخرجنا لكم من األرض قال يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم يف قوله .يعين من احلب والتمر وكل شيء عليه زكاة قال

أيضا أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن محيد والرتمذي وصححه وابن ماجة وابن جرير وابن املنذر وابن أبي وفيه

وال تيمموا اخلبيث منه يف قوله حامت وابن مردويه واحلاكم وصححه والبيهقي يف سننه عن الرباء بن عازبوكان كنا أصحاب خنل كان الرجل يأتي من خنلة على قدر كثرته وقلته نزلت فينا معشر األنصار قال تنفقون

فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه يف املسجد وكان أهل الصفة ليس هلم طعامال يرغب يف اخلري يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص وكان ناس ممن فضربه بعصاه فيسقط البسر والتمر فيأكل

ومما أخرجنا - يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم وبالقنو قد انكسر فيعلقه فأنزل واحلشف

Page 686: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٨٦

لو أن أحدكم أهدي قال ولستم بآخذيه إال أن تغمضوا فيه - وال تيمموا اخلبيث منه تنفقون - لكم من األرض .فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصاحل ما عنده قال إليه مثل ما أعطي مل يأخذه إال عن إغماض وحياء

ومما أخرجنا لكم من - يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم يف قول عن الصادق ويف الكايف

إذا أمر بالنخل أن يزكى جييء قوم بألوان من كان رسول قال وال تيمموا اخلبيث منه تنفقون - األرض وكان يؤدونه عن زكاهتم متر يقال له اجلعرور واملعى فأرة قليلة اللحى عظيمة النوى التمر وهو من أردإ التمر

ء ويف ذلك نزلال خترصوا هاتني النخلتني وال جتيئوا منها بشي بعضهم جييء هبا عن التمر اجليد فقال رسول ويف رواية واإلغماض أن تأخذ هاتني التمرتني ولستم بآخذيه إال أن تغمضوا فيه - وال تيمموا اخلبيث منه تنفقون

كان القوم كسبوا مكاسب سوء يف أنفقوا من طيبات ما كسبتم فقال يف قوله أخرى عن أبي عبد إال أن خيرجوا من تبارك و فأبى اجلاهلية فلما أسلموا أرادوا أن خيرجوها من أمواهلم ليتصدقوا هبا

.أطيب ما كسبوا

.ويف هذا املعنى أخبار كثرية من طرق الفريقني أقول

Page 687: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٨٧

إن الشيطان يقول ال تنفقوا فإنكم قال قال اآلية الشيطان يعدكم الفقرقولهيف ويف تفسري القمي .وفضال خيلف عليكم للهيعدكم مغفرة منه وفضال أي يغفر لكم إن أنفقتم تفتقرون و

أخرج الرتمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن املنذر وابن أبي حامت وابن حبان والبيهقي يف ويف الدر املنثور

فأما ملة الشيطان فإيعاد إن للشيطان ملة بابن آدم وللملك ملة قال رسول الشعب عن ابن مسعود قالفليحمد فمن وجد ذلك فليعلم أنه من وأما ملة امللك فإيعاد باخلري وتصديق باحلق.بالشر وتكذيب باحلق

ومن وجد األخرى فليتعوذ ب من الشيطان ثم قرأ الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء اآلية.

.املعرفة ومن يؤت احلكمة فقد أوتي خريا كثريا قال يف قوله أبي جعفر ويف تفسري العياشي

.أن احلكمة املعرفة والتفقه يف الدين عن الصادق وفيه

.ومعرفة اإلمام طاعة قال يف اآلية عن الصادق ويف الكايف

Page 688: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٨٨

.ويف معناه روايات أخر وهي من قبيل عد املصداق أقول

قال رسول عن عدة من أصحابنا عن أمحد بن حممد بن خالد عن بعض أصحابنا رفعه قال ويف الكايف ما قسم للعباد شيئا أفضل من العقل فنوم العاقل أفضل من سهر اجلاهل وإقامة العاقل أفضل من

وما نبيا وال رسوال حتى يستكمل العقل ويكون عقله أفضل من مجيع عقول أمته وال بعث شخوص اجلاهلوال بلغ مجيع العابدين حتى عقل عنه وما أدى العبد فرائض يضمر النيب يف نفسه أفضل من اجتهاد اتهدين

.وما يذكر إال أولوا األلباب تبارك و قال والعقالء هم أولوا األلباب يف فضل عبادهتم ما بلغ العاقل

على عبده ما أنعم احلكمة ضياء املعرفة وميزان التقوى ومثرة الصدق ولو قلت قال وعن الصادق ومن يؤت احلكمة فقد - يؤتي احلكمة من يشاء قال بنعمة أعظم وأرفع وأجزل وأهبى من احلكمة لقلت

.وما يذكر إال أولوا األلباب - أوتي خريا كثريا

اآلية يف الصدقة والنذر والظلم أخبار كثرية سنوردها يف مواردها إن شاء وما أنفقتمقولهويف أقول.

Page 689: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٨٩

كان مينع عن أن رسول بعدة طرق عن ابن عباس وابن جبري وأمساء بنت أبي بكر وغريهم ويف الدر املنثور

ليس عليك الصدقة على غري أهل اإلسالم وأن املسلمني كانوا يكرهون اإلنفاق على قرابتهم من الكفار فأنزل .هداهم اآلية فأجاز ذلك

هداهم إمنا يصلح ألن يراد به هدى املسلمني املوجود فيهم دون الكفار فاآلية أجنبية عما يف قولهقد مر أن أقول

وأما للفقراء الذين أحصروا اآلية ال يالئمه كثري مالءمة قولهعلى أن تعيني املورد يف الروايات من قصة النزول .فيكفي فيه إطالق اآليات وابتغاء مرضاة مسألة اإلنفاق على غري املسلم إذا كان يف سبيل

هي سوى فهو خري لكم فقال - وإن ختفوها وتؤتوها الفقراء يف قول عن الصادق ويف الكايف

.أن الزكاة عالنية غري سر الزكاة

.عليك فإعالنه أفضل من إسراره وما كان تطوعا فإسراره أفضل من إعالنه كل ما فرض عنه وفيه

Page 690: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٩٠

.ويف معنى احلديثني أحاديث أخرى وقد تقدم ما يتضح به معناها أقول

نزلت اآلية يف قال أبو جعفر قال للفقراء الذين أحصروا يف سبيل قولهيف ويف امع .أصحاب الصفة

وال عشائر وهم حنو من أربعمائة رجل مل يكن هلم مساكن باملدينة وكذلك رواه الكليب عن ابن عباس قال

الناس عليهم فحث وقالوا خنرج يف كل سرية يبعثها رسول يأوون إليهم فجعلوا أنفسهم يف املسجد .فكان الرجل إذا أكل وعنده فضل أتاهم به إذا أمسى

.يبغض امللحف أن عن أبي جعفر العياشيويف تفسري

سبب النزول عن ابن عباس نزلت هذه اآلية قال الذين ينفقون أمواهلم بالليل والنهارقولهيف ويف امع

فتصدق بواحد ليال وبواحد هنارا وبواحد سرا وبواحد كانت معه أربعة دراهم يف علي بن أبي طالب

Page 691: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٩١

وهو املروي عن أبي جعفر وأبي قال الطربسي الذين ينفقون أمواهلم بالليل والنهار سرا وعالنية عالنية فنزل . عبد

. والصدوق يف العيون واملفيد يف االختصاص وروى هذا املعنى العياشي يف تفسريه أقول

أخرج عبد الرزاق وعبد بن محيد وابن جرير وابن املنذر وابن أبي حامت والطرباني وابن عساكر ويف الدر املنثور

بالليل والنهار سرا - الذين ينفقون أمواهلم يف قوله من طريق عبد الوهاب بن جماهد عن أبيه عن ابن عباسكانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درمها وبالنهار درمها وسرا نزلت يف علي بن أبي طالب قال وعالنية

.درمها وعالنية درمها

عن ابن شهرآشوب يف املناقب عن ابن عباس والسدي وجماهد والكليب وأبي صاحل ويف تفسري الربهانبن احلسني د والواحدي والطوسي والثعليب والطربسي واملاوردي والقشريي والثمايل والنقاش والفتال وعب

أنه كان عند ابن أبي طالب دراهم فضة فتصدق بواحد ليال وبواحد هنارا وعلي بن حرب الطائي يف تفاسريهم

Page 692: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٩٢

الذين ينفقون أمواهلم بالليل والنهار سرا وعالنية فسمى كل درهم ماال وبشره وبواحد سرا وبواحد عالنية فنزل .بالقبول

أن اآلية نزلت يف أبي بكر تصدق بأربعني ألف دينار عشرة بالليل وعشرة بالنهار وعشرة بالسر ويف بعض التفاسري

.وعشرة بالعالنية

أن اإلمام السيوطي تعقبه بأن خرب تصدقه بأربعني ألف دينار يف ذيل هذا احلديث ذكر اآللوسي يف تفسريه أقولوكان من ادعى ذلك فهمه مما أخرجه ابن عن عائشة وليس فيه ذكر من نزول اآلية إمنا رواه ابن عساكر يف تارخيه

وأثنى عليه مبا هو أهله ملا قبض أبو بكر واستخلف عمر خطب الناس فحمد املنذر عن ابن إسحاق قال وتؤملون ما ال تدركون لونوإنكم جتمعون ما ال تأك وإن بعض اليأس غنى أيها الناس إن بعض الطمع فقر ثم قال

واعلموا أن بعض الشح شعبة من النفاق فأنفقوا خريا ألنفسكم فأين أصحاب هذه اآلية وقرأ اآلية الكرمية .وأنت تعلم أهنا ال داللة فيها على نزوهلا يف حقه انتهى

.بعدة طرق عن أبي أمامة وأبي الدرداء وابن عباس وغريهم أن اآلية نزلت يف أصحاب اخليل ويف الدر املنثور

Page 693: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٩٣

سرا وعالنية ال ينطبق قولهلكن لفظ اآلية أعين واملراد هبم املرابطون الذين ينفقون على اخليل ليال وهنارا أقول

.عليه إذ ال معنى هلذا التعميم والرتديد يف اإلنفاق على اخليل أصال

الذين ينفقون اآلية كلها يف عبد الرمحن بن عوف وعثمان بن عفان يف نفقتهم أيضا أخرج املسيب ويف الدر املنثور .يف جيش العسرة

.واإلشكال فيه من حيث عدم االنطباق نظري اإلشكال يف سابقه أقول

أنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الذين يأكلون الربا ال يقومون إال كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك ب إلى هرأمو لفا سم فله ىفانته هبن رظة معوم اءهن جا فمبالر مرحو عيالب ارالن ابحأص كلئفأو ادع نمو

وندالا خيهف مه٢٧٥ قحمي و قاتدبي الصريا وبالر كل بحيم ال يكفار أث٢٧٦ ينالذ إنفوال خو همبر ندع مهرأج مله كاةا الزآتوو ةالوا الصأقامو اتحاللوا الصمعوا ونآم نونزحي مال هو همليع

٢٧٧ وا اتقوانآم ينا الذها أيي ذرو نينمؤا إن كنتم مبالر نم يقا بوا م٢٧٨ برلوا فأذنوا بحتفع فإن لم

Page 694: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٩٤

نم ونال تظلمو ونمال تظل كمالوأم وسؤر فلكم تمإن تبو هولسرو٢٧٩ إلى ةرظفن ةرسذو ع إن كانويم ونلمتع إن كنتم لكم ريقوا خدأن تصو ةرس٢٨٠ إلى يهف ونعجا ترمواتقوا يو افى كل نفس متو ثم

ونظلمال ي مهو تبكس٢٨١

بيان

كيف ولساهنا غري مسوقة للتشريع االبتدائياآليات مسوقة لتأكيد حرمة الربا والتشديد على املرابني وليست يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا الربوا يف سورة آل عمران وإمنا الذي يصلح هلذا الشأن قوله لسان التشريع

يا أيها قولهنعم تشتمل هذه اآليات على مثل ١٣٠ آل عمران لعلكم تفلحون أضعافا مضاعفة واتقوا وسياق اآلية يدل على أن املسلمني ما كانوا ينتهون عن وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنني الذين آمنوا اتقوا

وترك ما للغرماء يف بالكف عن ذلك بل كانوا يتداولوهنا بينهم بعض التداول فأمرهم النهي السابق عن الربااآلية فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إىل قولهومن هنا يظهر معنى ذمة املدينني من الربا

.على ما سيجيء بيانه

Page 695: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٩٥

وما آتيتم من ربا لريبوا يف يف سورة الروم وهي مكية وقد تقدم على ما يف سورة آل عمران من النهي قوله ومن هنا ٣٩ الروم فأولئك هم املضعفون وما آتيتم من زكاة تريدون وجه أموال الناس فال يربوا عند

قبل اهلجرة حتى مت أمر النهي عنه يف سورة آل عمران يظهر أن الربا كان أمرا مرغوبا عنه من أوائل عهد رسول أن ومن هنا يظهر ثم اشتد أمره يف سورة البقرة هبذه اآليات السبع اليت يدل سياقها على تقدم نزول النهي عليها

.هذه اآليات إمنا نزلت بعد سورة آل عمران

النساءوأخذهم الربا وقد هنوا عنهقولهيف على أن حرمة الربا يف مذهب اليهود على ما يذكره ١٦١ حكاية عنهم - قولهويشعر به - ليس علينا يف األميني سبيل آل عمران ٧٥ مع تصديق القرآن

.لكتاهبم وعدم نسخ ظاهر كانت تدل على حرمته يف اإلسالم

يف كما يشري إليه قوله واآليات أعين آيات الربا ال ختلو عن ارتباط مبا قبلها من آيات اإلنفاق يف سبيل وكذا ما وقع من ذكره يف سورة الروم ويف وأن تصدقوا خري لكم قولهو الربا ويربي الصدقات ميحق ضمنها

.سورة آل عمران مقارنا لذكر اإلنفاق والصدقة واحلث عليه والرتغيب فيه

Page 696: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٩٦

فإن الربا أخذ بال عوض كما أن الصدقة إعطاء على أن االعتبار أيضا يساعد االرتباط بينهما بالتضاد واملقابلةواآلثار السيئة املرتتبة على الربا تقابل اآلثار احلسنة املرتتبة على الصدقة وحتاذيها على الكلية من غري بال عوض

وإقامة أصالب فكل مفسدة منه حياذيها خالفها من املصلحة منها لنشر الرمحة واحملبة ختلف واستثناء .وانتظام األمر واستقرار النظام واألمن يف الصدقة وخالف ذلك يف الربا ومناء املال ساكني واحملتاجنيامل

يف هذه اآليات يف أمر الربا مبا مل يشدد مبثله يف شيء من فروع الدين إال يف تويل أعداء الدين وقد شدد

وأما سائر الكبائر فإن القرآن وإن أعلن خمالفتها وشدد القول فيها فإن حلن فإن التشديد فيه يضاهي تشديد الرباوما هو أعظم منها كقتل النفس حتى الزنا وشرب اخلمر والقمار والظلم القول يف حترميها دون ما يف هذين األمرين

.فجميع ذلك دون الربا وتويل أعداء الدين والفساد اليت حرم

وال تسري إال إىل بعض جهات إال ألن تلك املعاصي ال تتعدى الفرد أو األفراد يف بسط آثارها املشئومةوليس ذلك وال حتكم إال يف األعمال واألفعال خبالف هاتني املعصيتني فإن هلما من سوء التأثري ما ينهدم به بنيان الدين النفوس

رب السرت على الفطرة اإلنسانية ويسقط حكمها فيصري نسيا منسيا ويض ويفسد به نظام حياة النوع ويعفي أثره .العزيز بعض االتضاح على ما سيتضح إن شاء

Page 697: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٩٧

فيما كان يشدد يف أمرمها حيث أهبطت املداهنة والتويل والتحاب والتمايل وقد صدق جريان التاريخ كتاب

ال ميلكون ماال وال عرضا وال فيها هنبا منهوبا لغريهمإىل أعداء الدين األمم اإلسالمية يف مهبط من اهللكة صاروا وال يغمض عنهم فيستفيدوا من موهبة احلياة فال يؤذن هلم فيموتوا وال يستحقون موتا وال حياة نفسا

.وارحتلت عنهم عامة الفضائل وهجرهم الدين

وانقسام والسؤدد فجر ذلك إىل احلروب العاملية العامةوحيث ساق أكل الربا إىل ادخار الكنوز وتراكم الثروة ويهدد ويزلزل األرض فكان بلوى يدكدك اجلبال وبان البني الناس إىل قسمي املثري السعيد واملعدم الشقي

.ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى والدنيا باخلراب اإلنسانية باالهندام

.من أمر الربا وتويل أعداء الدين من مالحم القرآن الكريم أن ما ذكره وسيظهر لك إن شاء

اخلبط هو املشي على غري الذين يأكلون الربا ال يقومون إال كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من املسقولهفإنه ال حمالة ولإلنسان يف حياته طريق مستقيم ال ينحرف عنه يقال خبط البعري إذا اختل جهة مشيه استواء

Page 698: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٩٨

وهذه األفعال حمفوظة النظام بأحكام اعتقادية ذو أفعال وحركات يف طريق حياته حبسب احمليط الذي يعيش فيهويقصد جاع فهو يقصد األكل إذا عقالئية وضعها ونظمها اإلنسان ثم طبق عليها أفعاله االنفرادية واالجتماعية

واالستظالل إذا أراد السكن وهكذا واالسرتاحة إذا تعب والفراش إذا اشتهى النكاح الشرب إذا عطشوإذا طلب مسببا مال إىل جهة ويريد كل مقدمة عند إرادة ذيها وينبسط ألمور وينقبض عن أخرى يف معاشرته

.سببه

.االعتقادات مرتبطة متحدة حنو احتاد متالئمة غري متناقضة وجمموعها طريق حياتهوهذه األفعال على هذه

وإمنا اهتدى اإلنسان إىل هذا الطريق املستقيم بقوة مودوعة فيه هي القوة املميزة بني اخلري والشر والنافع والضار .واحلسن والقبيح وقد مر بعض الكالم يف ذلك

ي اختلت قوته املميزة فهو ال يفرق بني احلسن والقبيح والنافع والضار واخلري والشروأما اإلنسان املمسوس وهو الذ

لكن ال ألنه ناس ملعنى احلسن والقبح وغريمها فإنه باألخرة إنسان ذو فيجري حكم كل مورد فيما يقابله من املوارد

Page 699: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٦٩٩

نه يرى القبيح حسنا واحلسن قبيحا واخلري ومن احملال أن يصدر عن اإلنسان غري األفعال اإلنسانية بل أل إرادة .والنافع شرا وضارا وبالعكس فهو خابط يف تطبيق األحكام وتعيني املوارد

وهو مع ذلك ال جيعل الفعل غري العادي عاديا دون العكس فإن الزم ذلك أن يكون عنده آراء وأفكار منتظمة رمبا

بل قد اختل عنده حكم العادة وغريه وصار ما يتخيله ويريده هو املتبع طبقها على غري موردها من غري عكسفهو يف خالف العادة فالعادي وغري العادي عنده على حد سواء كالناقة ختبط وتضرب على غري استواء عنده

.عادة فافهم ذلكفال ينجذب من خالف العادة إىل ال ال يرى العادة إال مثل خالف العادة من غري مزية هلا عليه

وهذا حال املرابي يف أخذه الربا إعطاء الشيء وأخذ ما مياثله وزيادة باألجل فإن الذي تدعو إليه الفطرة ويقوم عليه أساس حياة اإلنسان االجتماعية أن يعامل مبعاوضة ما عنده من املال الذي يستغين عنه مما عند غريه من املال الذي

ء املال وأخذ ما مياثله بعينه مع زيادة فهذا شيء ينهدم به قضاء الفطرة وأساس املعيشةوأما إعطا حيتاج إليهفإن هذا املال ال يزال فإن ذلك ينجر من جانب املرابي إىل اختالس املال من يد املدين وجتمعه وتراكمه عند املرابي

.والزيادة واالنضمام إىل جانب آخر نفصال من جانبفهو باالنتفاص واال وال ينمو إال من مال الغري ينمو ويزيد

Page 700: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٠٠

وينجر من جانب املدين املؤدي للربا إىل تزايد املصرف مبرور الزمان تزايدا ال يتداركه شيء مع تزايد احلاجة وكلما ويف ذلك اهندام حياة زاد املصرف أي منى الربا بالتصاعد زادت احلاجة من غري أمر جيرب النقص ويتداركه

.املدين

فالربا يضاد التوازن والتعادل االجتماعي ويفسد االنتظام احلاكم على هذا الصراط املستقيم اإلنساني الذي هدته .إليه الفطرة اإلهلية

فإن املراباة يضطره أن خيتل عنده أصل املعاملة وهذا هو اخلبط الذي يبتلي به املرابي كخبط املمسوس

فإذا دعي إىل أن يرتك الربا ويأخذ بالبيع أجاب إن البيع مثل الربا ال يزيد على واملعاوضة فال يفرق بني البيع والرباإمنا على خبط املرابني مبا حكاه من قوهلم ولذلك استدل فال موجب لرتك الربا وأخذ البيع الربا مبزية

.البيع مثل الربا

هو االستواء على احلياة والقيام بأمر ال يقومون إال كما يقوم أن املراد بالقيام يف قوله أوال ومن هذا البيان يظهر احلديد ليقوم الناس بالقسط قال املعيشة فإنه معنى من معاني القيام يعرفه أهل اللسان يف استعماالهتم

Page 701: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٠١

٢٥ وقال أن تقوم السماء واألرض بأمره الروم ٢٥ وقال وأن تقوموا لليتامىوال يستقيم عليه معنى وأما كون املراد به املعنى املقابل للقعود فمما ال يناسب املورد ١٢٧ النساء بالقسط

.اآلية

أن املراد خببط املمسوس يف قيامه ليس هو احلركات اليت يظهر من املمسوس حال الصرع أو عقيب هذا احلال وثانياوهو ما يعتقده املرابي من عدم فإن ذلك ال يالئم الغرض املسوق لبيانه الكالم على ما يظهر من كالم املفسرين

وكم من فرق بينهما أفعال اختيارية صادرة عن اعتقاد خابط وحمصله وبناء عمله عليه الفرق بني البيع والربافاملصري إىل ما ذكرناه من كون املراد قيام الربوي يف حياته بأمر وبني احلركات الصادرة عن املصروع حال الصرع

.!املعاش كقيام املمسوس اخلابط يف أمر احلياة

إمنا الربا ومل يقل ذلك بأهنم قالوا إمنا البيع مثل الربا النكتة يف قياس البيع بالربا دون العكس يف قوله وثالثا .مثل البيع كما هو السابق إىل الذهن وسيجيء توضيحه

Page 702: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٠٢

الذي يتخبطه الشيطان من املس ال خيلو عن إشعار جبواز حتقق ذلك يف مورد اجلنون قولهأن التشبيه أعين ورابعافإن اآلية وإن مل تدل على أن كل جنون هو من مس الشيطان لكنها ال ختلو عن إشعار بأن من اجلنون ما هو يف اجلملة

يطلق فإن الشيطان مبعنى الشرير وكذلك اآلية وإن مل تدل على أن هذا املس من فعل إبليس نفسه مبس الشيطانفاملتيقن من إشعار اآلية أن للجن شأنا يف بعض وإبليس من اجلن على إبليس وعلى شرار اجلن وشرار اإلنس

.املمسوسني إن مل يكن يف كلهم

الفاسدة حيث كان وما ذكره بعض املفسرين أن هذا التشبيه من قبيل ااراة مع عامة الناس يف بعض اعتقاداهتم وال ضري يف ذلك ألنه جمرد تشبيه خال عن احلكم حتى يكون خطأ غري مطابق اعتقادهم بتصرف اجلن يف اانني

وأما كون أن هؤالء اآلكلني للربا حاهلم حال انون الذي يتخبطه الشيطان من املس فحقيقة معنى اآلية للواقعأعدل من أن يسلط الشيطان على عقل عبده أو ان فأمر غري ممكن ألن اجلنون مستندا إىل مس الشيط

.على عبده املؤمن

Page 703: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٠٣

أجل من أن يستند يف كالمه إىل الباطل ولغو القول بأي حنو كان من االستناد إال مع بيان بطالنه ورده أنه ففيه ٤٢ فصلت من بني يديه وال من خلفهكتاب عزيز ال يأتيه الباطل يف وصف كالمه وقد قال على قائله

.١٤ الطارق إنه لقول فصل وما هو باهلزل وقال

ففيه أن اإلشكال بعينه مقلوب عليهم وأما إن استناد اجلنون إىل تصرف الشيطان بإذهاب العقل ينايف عدله .مع إذهاهبا العقل فإهنا أيضا مستندة باألخرة إىل يف إسنادهم ذهاب العقل إىل األسباب الطبيعية

.إياه إشكال على أنه يف احلقيقة ليس يف ذهاب العقل بإذهاب

وإمنا اإلشكال يف أن ينحرف اإلدراك العقلي عن جمرى احلق وسنن ألن التكليف يرتفع حينئذ بارتفاع املوضوعأو يرى احلق كان يشاهد اإلنسان العاقل احلسن قبيحا وبالعكس االستقامة مع بقاء موضوع العقل على حاله

وأما ذهاب القوة املميزة فهذا هو الذي ال جيوز نسبته إليه باطال وبالعكس جزافا بتصرف من الشيطان .وفساد حكمها تبعا لذهاب نفسها فال حمذور فيه سواء أسند إىل الطبيعة أو إىل الشيطان

Page 704: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٠٤

استناد اجلنون إىل الشيطان ليس على حنو االستقامة ومن غري واسطة بل األسباب الطبيعية كاختالل على أن كما أن أنواع الكرامات تستند إىل امللك مع ختلل األعصاب واآلفة الدماغية أسباب قريبة وراءها الشيطان

إني مسين الشيطان إذ قال عن أيوب وقد ورد نظري ذلك فيما حكاه األسباب الطبيعية يف البنيوالضر هو ٨٣ األنبياء إني مسين الضر وأنت أرحم الرامحني وإذ قال ٤١ ص بنصب وعذاب

.فنسب ما به من املرض املستند إىل أسبابه الطبيعية إىل الشيطان املرض وله أسباب طبيعية ظاهرة يف البدن

من اآلراء املادية اليت دبت يف أذهان عدة من أهل البحث من حيث مل يشعروا هبا حيث إن وهذا وما يشبههأو يسندون بعضها إىل الروح أو امللك أو أصحاب املادة ملا مسعوا اإلهليني يسندون احلوادث إىل

ومل يفقهوا أن لطبيعة مقامهاالشيطان اشتبه عليهم األمر فحسبوا أن ذلك إبطال للعلل الطبيعية وإقامة ملا وراء ا .وقد مرت اإلشارة إىل ذلك يف املباحث السابقة مرارا املراد به تعليل يف طول تعليل ال يف عرض تعليل

أن املراد بالتشبيه بيان حال آكلي الربا يوم القيامة وأهنم فساد ما ذكره بعض آخر من املفسرين وخامسا

.سيقومون عن قبورهم يوم القيامة كالصريع الذي يتخبطه اجلنون

Page 705: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٠٥

والرواية ال جتعل لآلية ظهورا فيما ليست بظاهرة ووجه الفساد أن ظاهر اآلية على ما بينا ال يساعد هذا املعنى .يوم القيامة وإمنا تبني حال آكل الربا فيه

وأما قيام آكل الربا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من املس فقد قال ابن عطية يف تفسريه قال يف تفسري املنار

.قد جن املراد تشبيه املرابي يف الدنيا باملتخبط املصروع كما يقال ملن يصرع حبركات خمتلفة

وإن إن املراد بالقيام القيام من القرب عند البعث وهذا هو املتبادر ولكن ذهب اجلمهور إىل خالفه وقالوا أقول جعل من عالمة املرابني يوم القيامة أهنم يبعثون كاملصروعني ورووا ذلك عن ابن عباس وابن مسعود بل

الغلول فمن غل شيئا أتي به يوم القيامة إياك والذنوب اليت ال تغفر روى الطرباني من حديث عوف بن مالك مرفوعا والربا فمن أكل الربا بعث يوم القيامة جمنونا يتخبط.

وال واملتبادر إىل مجيع األفهام ما قاله ابن عطية ألنه إذا ذكر القيام انصرف إىل النهوض املعهود يف األعمال ثم قال وهي مل تنزل مع القرآن وهذه الروايات ال يسلم منها شيء من قول يف سنده قرينة تدل على أن املراد به البعث

Page 706: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٠٦

ولوالها ملا قال أحد بغري املتبادر الذي قال به ابن عطية إال من مل يظهر له صحته وال جاء املرفوع منها مفسرا لآلية .يف الواقع

وكان الوضاعون الذين خيتلقون الروايات يتحرون يف بعضها ما أشكل عليهم ظاهره من القرآن فيضعون هلم ثم قال

.انتهى ما ذكره وقلما يصح يف التفسري شيء رواية يفسرونه هبا

أما ما قاله ابن ولقد أصاب فيما ذكره من خطأهم لكنه أخطأ يف تقرير معنى التشبيه الواقع يف اآلية حيث قالوجعلوه مقصودا عطية فهو ظاهر يف نفسه فإن أولئك الذين فتنهم املال واستعبدهم حتى ضربت نفوسهم جبمعه

وتركوا ألجل الكسب به مجيع موارد الكسب الطبيعي خترج نفوسهم عن االعتدال الذي عليه أكثر الناس لذاتهيزيد م كما تراه يف حركات املولعني بأعمال البورصة واملغرمني بالقمارويظهر ذلك يف حركاهتم وتقلبهم يف أعماهل

.حتى يكون خفة تعقبها حركات غري منتظمة فيهم النشاط واالهنماك يف أعماهلم

وهذا هو وجه الشبه بني حركاهتم وبني ختبط املمسوس فإن التخبط من اخلبط وهو ضرب غري منتظم وكخبط .انتهى العشواء

Page 707: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٠٧

فإن ما ذكره من خروج حركاهتم عن االعتدال واالنتظام وإن كان يف نفسه صحيحا لكن ال هو معلول أكل الربا حمضا

وال هو املقصود من التشبيه الواقع يف اآلية أما األول فإمنا ذلك النقطاعهم عن معنى العبودية وإخالدهم إىل لذائذوتأثرت نفوسهم عن كل لذة يسرية فسلبوا بذلك العفة الدينية والوقار النفساني ذلك مبلغهم من العلم املادة

وهذا مشاهد حمسوس من كل من حاله احلال الذي ذكرنا وإن وتعقب ذلك اضطراب حركاهتم مرتائية من املادة .مل ميس الربا طول حياته

حيتج فإن خابطني ال يالئم ما ذكره من وجه الشبهوأما الثاني فألن االحتجاج الواقع يف اآلية على كوهنم

ولو كان كما يقول كان األنسب االحتجاج ذلك بأهنم قالوا إمنا البيع مثل الربا بقولهعلى كوهنم خابطني يف قيامهم .على ذلك مبا ذكره من اختالل حركاهتم وفساد النظم يف أعماهلم

.فاملصري إىل ما قدمناه

Page 708: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٠٨

إمنا الربا قد تقدم الوجه يف تشبيه البيع بالربا دون العكس بأن يقال ذلك بأهنم قالوا إمنا البيع مثل الربواقولهواملعروف عند مثل البيع فإن من استقر به اخلبط واالختالل كان واقفا يف موقف خارج عن العادة املستقيمة

لو أجاب - فإذا أمرته برتك ما يأتيه من املنكر والرجوع إىل املعروف أجابك العقالء واملنكر عندهم سيان عندهإن الذي تنهاني عنه كالذي تأمرني به كان عاقال ولو قال إن الذي تأمرني به كالذي تنهاني عنه ال مزية له عليه -

ة جيب اتباعه لكنه يدعي أن الذي أنه يسلم أن الذي يؤمر به أصل ذو مزي غري خمتل اإلدراك فإن معنى هذا القولوهذا هو قول املرابي املستقر ومل يكن معنى كالمه إبطال املزية وإمهاله كما يراه املمسوس ينهى عنه ذو مزية مثله

جاحدا للشريعة ال خابطا إن الربا مثل البيع لكان رادا على ولو أنه قال إمنا البيع مثل الربا يف نفسه اخلبط .كاملمسوس

حكاية حلاهلم الناطق بذلك وإن مل يكونوا قالوا ذلك ذلك بأهنم قالوا إمنا البيع مثل الرباقولهوالظاهر أن

.معروف عند الناس وهذا السياق أعين حكاية احلال بالقول بألسنتهم

وإمنا قلبوا إمنا البيع مثل الربوا نظمهما يف سلك واحد أن املراد بقوهلم وبذلك يظهر فساد ما ذكره بعضهم .ومهمة مغربة أرجاؤه قولهالتشبيه وجعلوا الربا أصال وشبهوا به البيع للمبالغة كما يف

Page 709: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٠٩

.كأن لون أرضه مساؤه

أن البيع إمنا حل ألجل أنه جيوز أن يكون التشبيه غري مقلوب بناء على ما فهموه وكذا فساد ما ذكره آخرون

.وذلك يف الربا متحقق ويف غريه موهوم الكسب والفائدة

.ووجه الفساد ظاهر مما تقدم

مجلة مستأنفة بناء على أن اجلملة الفعلية املصدرة باملاضي لو كانت البيع وحرم الربوا وأحل قوله .حاال لوجب تصديرها بقد

فإن احلال قيد لزمان وال يالئم كوهنا حاال ما يفيده أول الكالم من املعنى جاءني زيد وقد ضرب عمرا يقال

البيع أن ختبطهم لقوهلم إمنا البيع مثل الربا إمنا هو يف حال أحل فلو كانت حاال ألفادت عامله وظرف لتحققه

Page 710: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧١٠

فاجلملة مع أن األمر على خالفه فهم خابطون بعد تشريع هذه احللية واحلرمة وقبل تشريعهما وحرم الربا عليهم .ليست حالية وإمنا هي مستأنفة

بل بانية وهذه املستأنفة غري متضمنة للتشريع االبتدائي على ما تقدم أن اآليات ظاهرة يف سبق أصل تشريع احلرمة

لعلكم يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا الربوا أضعافا مضاعفة واتقوا على ما تدل عليها آية آل عمرانبل على اإلخبار عن تدل على إنشاء احلكم إخل ال وأحل قولهفاجلملة أعين ١٣٠ آل عمران تفلحون

.هذا ما ينساق إليه ظاهر اآلية الشريفة فمن جاءه موعظة من ربه إخل حكم سابق وتوطئة لتفرع قوله بعدها

واملعنى لو كان كما إمنا البيع مثل الربوا مسوق إلبطال قوهلم البيع وحرم الربوا وأحل قولهإن وقد قيل .أحل أحدمها وحرم اآلخر يقولون ملا اختلف حكمهما عند أحكم احلاكمني مع أن

إخل وأحل يف نفسه لكنه ال ينطبق على لفظ اآلية فإنه معنى كون اجلملةوفيه أنه وإن كان استدالال صحيحا

.حالية وليست حبال

Page 711: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧١١

ليست الزيادة يف وجه البيع نظري الزيادة يف وجه الربا إخل إنه وأحل قولهأن معنى وأضعف منه ما ذكره آخرون ألني أحللت البيع وحرمت الربا واألمر أمري واخللق خلقي أقضي فيهم مبا أشاء وأستعبدهم مبا أريد

.ليس ألحد منهم أن يعرتض يف حكمي

على أنه مبين على إنكار ارتباط األحكام باملصاحل أنه أيضا مبين على أخذ اجلملة حالية ال مستأنفة وفيه وبعبارة أخرى على نفي العلية واملعلولية بني األشياء وإسناد اجلميع إىل واملفاسد ارتباط السببية واملسببية

من غري واسطة والضرورة تبطله على أنه خالف ما هو دأب القرآن من تعليل أحكامه وشرائعه مبصاحلال تظلمون قولهو آليةوذروا ما بقي من الربوا إن كنتم مؤمنني ا على أن قوله يف ضمن هذه اآليات خاصة أو عامة

تدل على نوع تعليل إلحالل البيع بكونه جاريا على سنة الفطرة الذين يأكلون الربوا إىل قوله مثل الربوا قولهو اآلية وكونه منافيا غري مالئم لإلميان ب واخللقة ولتحريم الربا بكونه خارجا عن سنن االستقامة يف احلياة

.وكونه ظلما

إخل البيع وأحل قولهتفريع على فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إىل قوله فهو حكم كلي وضع يف مورد جزئي للداللة على كونه مصداقا من مصاديقه يلحقه حكمه والكالم غري مقيد بالربا

Page 712: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧١٢

واملعنى انتهيتم فلكم ما سلف أن ما ذكرناه لكم يف أمر الربا موعظة جاءتكم من ربكم ومن جاءه موعظة إخل فإن .وأمركم إىل

ومن االنتهاء التوبة وترك الفعل أن املراد من جميء املوعظة بلوغ احلكم الذي شرعه ومن هنا يظهر

ومن ومن كون ما سلف هلم عدم انعطاف احلكم ومشوله ملا قبل زمان بلوغه املنهي عنه انتهاء عن هنيه ومن عاد فأولئك أصحاب قولهإنه ال يتحتم عليهم العذاب اخلالد الذي يدل عليه فله ما سلف وأمره إىل قوله

أن أمرهم إىل يهمويبقى عل فهم منتفعون فيما أسلفوا بالتخلص من هذه املهلكة النار هم فيها خالدون .ورمبا وضع عليهم ما يتدارك به ما فوتوه فرمبا أطلقهم يف بعض األحكام

فمن جاءه موعظة إىل آخر اآلية مع ما يشتمل عليه من التسهيل والتشديد قولهفإن أن أمر اآلية عجيب واعلم

والقوم قد قصروا يف البحث عن معناها حيث بل عام يشمل مجيع الكبائر املوبقة حكم غري خاص بالربا فيمن انتهى ورجوع األمر إىل اقتصروا بالبحث عن مورد الربا خاصة من حيث العفو عما سلف منه

.هذا كله مع ما تراه من العموم يف اآلية وخلود العذاب ملن عاد إليه بعد جميء املوعظة

Page 713: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧١٣

ال يفيد إال معنى مبهما يتعني بتعني املعصية اليت جاء فله ما سلف وأمره إىل قولهأن إذا علمت هذا ظهر لكأن من انتهى عن موعظة جاءته فالذي تقدم منه من املعصية سواء كان فاملعنى فيها املوعظة وخيتلف باختالفها

ه أيضا كما ختلص من أصله من أو يف حقوق الناس فإنه ال يؤاخذ بعينها لكنه ال يوجب ختلصه من تبعات يف حقوق إن شاء وضع فيها تبعة كقضاء الصالة الفائتة والصوم املنقوض وموارد بل أمره فيه إىل حيث صدوره

احلدود والتعزيرات ورد املال احملفوظ املأخوذ غصبا أو ربا وغري ذلك مع العفو عن أصل اجلرائم بالتوبة واالنتهاءومل يضع عليه تبعة بعد التوبة كاملشرك إذا تاب عن شركه ومن عصى بنحو شرب اخلمر وإن شاء عفا عن الذنب

مطلق يشمل الكافرين واملؤمنني فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى قولهفإن وحنو ذلك و فيما بينه وبني و .يف أول التشريع وغريهم من التابعني وأهل األعصار الالحقة

فوقوع العود يف هذه اجلملة يف مقابل االنتهاء الواقع فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدونومن عاد قولهوأما

ويالزم ذلك اإلصرار على الذنب وعدم يف اجلملة السابقة يدل على أن املراد به العود الذي جيامع عدم االنتهاءفإن من عاد إىل ذنب ومل ينته مبا يدل على ذلكالقبول للحكم وهذا هو الكفر أو الردة باطنا ولو مل يتلفظ يف لسانه

.عنه ولو بالندم فهو غري مسلم للحكم حتقيقا وال يفلح أبدا

Page 714: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧١٤

فالرتديد يف اآلية حبسب احلقيقة بني تسليم احلكم الذي ال خيلو عن البناء على عدم املخالفة وبني اإلصرار الذي ال .على ما عرفتخيلو غالبا عن عدم التسليم املستوجب للخلود

.ومن هنا يظهر اجلواب عن استدالل املعتزلة باآلية على خلود مرتكب الكبرية يف العذاب

فإن اآلية وإن دلت على خلود مرتكب الكبرية بل مطلق من اقرتف املعصية يف العذاب لكن داللتها مقصورة على

.االرتكاب مع عدم تسليم احلكم وال حمذور فيه

وجوه من املعاني إخل ومن عادقولهو وأمره إىل قولهويف فله ما سلفهقولوقد ذكر يف واالحتماالت على أساس ما فهمه اجلمهور من اآلية على ما تقدم لكنا تركنا إيرادها لعدم اجلدوى فيها بعد فساد

.املنشإ

ووقوعه يف طريق الفناء حالاحملق نقصان الشيء حاال بعد إخل الربوا ويربي الصدقات ميحق قوله .وقد مر معنى اإلثم واألثيم احلامل لإلثم واإلرباء اإلمناء والزوال تدرجيا

Page 715: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧١٥

وقد تقدم أن إرباء الصدقات وإمنائها ال خيتص باآلخرة بل هي وقد قوبل يف اآلية بني إرباء الصدقات وحمق الربا

.خرة فمحق الربا أيضا كذلك ال حمالةخاصة هلا عامة تشمل الدنيا كما تشمل اآل

فكما أن من خاصة الصدقات أهنا تنمي املال إمناء يلزمها ذلك لزوما قهريا ال ينفك عنها من حيث إهنا تنشر الرمحة وتصرف القلوب عن أن هتم بالغضب وتورث احملبة وحسن التفاهم وتألف القلوب وتبسط األمن واحلفظ

وتنسد بذلك أغلب طرق الفساد وتدعو إىل االحتاد واملساعدة واملعاونة واالختالس واإلفساد والسرقة .ويعني مجيع ذلك على مناء املال ودره أضعافا مضاعفة والفناء الطارئة على املال

ويورث البغض والعداوة ا من حيث إنه ينشر القسوة واخلسارةكذلك الربا من خاصته أنه ميحق املال ويفنيه تدرجي

ويهيج النفوس على االنتقام بأي وسيلة أمكنت من قول أو فعل مباشرة أو ويفسد األمن واحلفظ وسوء الظنا يسلم وتنفتح بذلك أغلب طرق الفساد وأبواب الزوال على املال وقلم وتدعو إىل التفرق واالختالف تسبيبا

.أو بلية تعمه املال عن آفة تصيبه

Page 716: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧١٦

وكل ذلك ألن هذين األمرين أعين الصدقة والربا مربوطان مماسان حبياة طبقة الفقراء واملعوزين وقد هاجت بسبب ومهوا واستعدت للدفاع عن حقوق احلياة نفوسهم املنكوبة املستذلة احلاجة الضرورية إحساساهتم الباطنية

وقعت إحساساهتم على - واحلال هذه - فإن أحسن إليهم بالصنيعة واملعروف بال عوض باملقابلة بالغا ما بلغتوإن أسيء إليهم بإعمال القسوة واخلشونة وإذهاب املال املقابلة باإلحسان وحسن النية وأثرت األثر اجلميل

وقلما يسلم من تبعات هذه اهلمم املهلكة أحد من املرابني وسيلةوالعرض والنفس قابلوها باالنتقام والنكاية بأي .على ما يذكره كل أحد مما شاهد من أخبار آكلي الربا من ذهاب أمواهلم وخراب بيوهتم وخسران مساعيهم

أن العلل واألسباب اليت تبنى عليها األمور واحلوادث االجتماعية أمور أغلبية الوجود أوالأن تعلم وجيب عليك

ونوجد عند إرادهتا أسباهبا اليت ال تنفك عنها فإنا إمنا نريد بأفعالنا غاياهتا ونتائجها اليت يغلب حتققها والتأثريوأما العلل التامة اليت يستحيل انفكاك ملعدومونلحق الشاذ النادر با مسبباهتا على األغلب ال على الدوام

.معلوالهتا عنها يف الوجود فهي خمتصة بالتكوين يتناوهلا العلوم احلقيقية الباحثة عن احلقائق اخلارجية

Page 717: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧١٧

والتدبر يف آيات األحكام اليت ذكر فيها مصاحل األفعال واألعمال ومفاسدها مما يؤدي إىل السعادة والشقاوة يعطي أن ا يسلك هذا املسلك ويضع الغالب موضع الدائم للهالقرآن يف بناء آثار األعمال على األعمال وبناء األعمال على ع

.كما عليه بناء العقالء

أن اتمع كالفرد واألمر االجتماعي كاألمر االنفرادي متماثالن يف األحوال على ما يناسب كال منهما حبسب وثانياأن للفرد حياة وعمرا وموتا مؤجال وأفعاال وآثارا فكذلك اتمع يف حياته وموته وعمره وأفعاله فكما الوجود

.وآثاره

وما أهلكنا من قرية إال وهلا كتاب معلوم ما تسبق من أمة أجلها وما قولهوبذلك ينطق القرآن ك .٥ احلجر يستأخرون

.الفردية إىل االجتماعية تبدل حنو بقائه وزواله وأثرهوعلى هذا فلو تبدل وصف أمر من األمور من

Page 718: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧١٨

فالعفة واخلالعة الفردية حالكوهنما فرديني هلما نوع من التأثري يف احلياة فإن ركوب الفحشاء مثال يوجب نفرة الناس تمع على عن اإلنسان واالجتناب عن ازدواجه وعن جمالسته وزوال الوثوق بأمانته هذا إذا كان أمرا فرديا وا

وأما إذا صار اجتماعيا معروفا عند العامة ذهبت بذلك تلك احملاذير ألهنا كانت تبعات اإلنكار العمومي خالفهواالستهجان العام للفعل وقد أذهبه التداول والشياع لكن املفاسد الطبيعية كانقطاع النسل واألمراض التناسلية

ه الفطرة كبطالن األنساب واختالهلا وفساد االنشعابات القومية واملفاسد اآلخر االجتماعية اليت ال ترضى ب .والفوائد االجتماعية املرتتبة على ذلك مرتتبة عليه ال حمالة

وكذا خيتلف ظهور اآلثار يف الفرد فيما كان فرديا مع ظهورها يف اتمع إذا كان اجتماعيا من حيث السرعة

.والبطء

للربا يف مقابل إربائه للصدقات خيتلف ال حمالة بني ما كان الفعل فعال انفراديا أن حمقه إذا عرفت ذلك علمتوقل ما يسلم منه مراب لوجود أسباب وعوامل خاصة تدفع عن كالربا القائم بالشخص فإنه يهلك صاحبه غالبا

ليوم الذي يعرفه امللل والدول بالرمسيةوبني ما كان فعال اجتماعيا كالربا الدائر ا ساحة حياته الفناء واملذلةوأسست عليها البنوج فإنه يفقد بعض صفاته الفردية لرضى اجلامعة مبا شاع فيها ووضعت عليها القوانني

Page 719: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧١٩

وتعارف بينها وانصراف النفوس عن التفكر يف معائبه لكن آثاره الالزمة كتجمع الثروة العمومية وتراكمها يف جانباملوسرين واملعسرين وظهور االنفصال والبينونة التامة بني القبيلني ر واحلرمان العمومي يف جانب آخروحلول الفق

وهذا النوع من الظهور والربوز وإن كنا نستبطئه بالنظر مما ال ينفك عن هذا الربا وسوف يؤثر أثره السيىء املشئومفإن العمر االجتماعي لكنه معجل بالنظر االجتماعي ورمبا مل نعنت به إلحلاقه من جهة طول األمد بالعدم الفردي

.واليوم االجتماعي رمبا عادل دهرا يف نظر الفرد غري العمر الفردي

على وهذا اليوم يراد به العصر الذي ظهر فيه ناس ١٤٠ آل عمران وتلك األيام نداوهلا بني الناس قال وظاهر أن سعادة اإلنسان كما جيب أن يعتنى على أمة وأمة على طائفة وحكومة على حكومة ناس وطائفة

.بشأهنا من حيث الفرد جيب االعتناء بأمرها من حيث النوع اتمع

قيما على سعادة بل هو كتاب أنزله وإن مل يسكت عنه والقرآن ليس يتكلم عن الفرد وال يف الفرد .حاضرها وغابرها ومهيمنا على سعادة الدنيا نوعه وفرده اإلنسان

Page 720: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٢٠

واحملق الربا ويربي الصدقات يبني حال الربا والصدقة يف أثرمها سواء كانا نوعيني أو فرديني ميحق فقوله فالربا ممحوق وإن مسي ربا والصدقة ربا من لوازم الربا ال ينفك عنه كما أن اإلرباء من لوازم الصدقة ال ينفك عنها

الربا ويربي الصدقات بإعطاء وصف الربا للصدقات ميحق وإىل ذلك يشري رابية وإن مل تسم ربا .املعنى وهو االمنحاقوتوصيف الربا بوصف يضاد امسه حبسب بأقسامها

أن حمق الربا ليس مبعنى إبطال السعي وخسران العمل بذهاب املال ومبا مر من البيان يظهر ضعف ما ذكره بعضهم

وإمنا املراد باحملق إبطال السعي من حيث الغايات املقصودة هبذا النوع من فإن املشاهدة والعيان يكذبه الربويلكن يشغله عن ذلك فإن املرابي يقصد جبمع املال من هذا السبيل لذة اليسر وطيب احلياة وهناء العيش املعاملة

واهلموم املتهامجة على ومبارزة من يريد به أو مباله أو بأرباحه سوءا الوله جبمع املال ووضع درهم على درهم .ووجه ضعفه ظاهر نفسه من عداوة الناس وبغض املعوزين له

أو اليت أن املراد به حمق اآلخرة وثواب األعمال اليت يعرض عنها املرابي باشتغاله بالربا وكذا ما ذكره آخرون

أنه ال شك أن ما ذكروه من احملق لكنه ال دليل على وجه الضعف يبطلها التصرف يف مال الربا كأنواع العبادات .احنصاره يف ذلك

Page 721: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٢١

وقد مر ما إخل ومن عادقولهضعف ما استدل به املعتزلة على خلود مرتكب الكبرية يف النار ب وكذا

.يظهر به تقرير االستدالل والدفع مجيعا

واملعنى أن آكل الربا كثري الكفر لكفره بنعم تعليل حملق الربا بوجه كلي ال حيب كل كفار أثيم وقولهوكفره بأحكام وهي طرق املعامالت الفطرية لسرته على الطرق الفطرية يف احلياة اإلنسانية كثرية من نعم

فإنه بصرف مال الربا يف مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه يبطل كثريا من كثرية يف العبادات واملعامالت املشروعة ويضمن غريه ملال الربوي يبطل كثريا من معامالتهوباستعماله فيما بيده من ا عباداته بفقدان شرائط مأخوذة فيها

ويغصب مال غريه يف موارد كثرية وباستعمال الطمع واحلرص يف أموال الناس واخلشونة والقسوة يف استيفاء ما وهو أثيم مستقر يف نفسه اإلثم ف يعده لنفسه حقا يفسد كثريا من أصول األخالق والفضائل وفروعها

.ال حيب كل كفار أثيم ال حيبه ألن

عنه من تعليل يبني به ثواب املتصدقني واملنتهني عما هنى إخل إن الذين آمنوا وعملوا الصاحلاتقوله .أكل الربا بوجه عام ينطبق على املورد انطباقا

Page 722: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٢٢

خطاب للمؤمنني وأمر هلم بتقوى وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنني يا أيها الذين آمنوا اتقوا قوله وهو توطئة ملا يتعقبه من األمر بقوله وذروا ما بقي من الربا وهو يدل على أنه كان من املؤمنني يف عهد نزول

فإن مل قولهوهدد يف ذلك مبا سيأتي من وله بقايا منه يف ذمة الناس من الربا فأمر برتكها اآليات من يأخذ الربا .ورسوله اآلية تفعلوا فأذنوا حبرب من

.وهذا يؤيد ما سننقله من الرواية يف سبب نزول اآلية يف البحث الروائي اآلتي

إخل ومن عادقولهوتأكيد ملا تقدم من إن كنتم مؤمنني إشارة إىل أن تركه من لوازم اإلميان بقولهويف تقييد الكالم

.إخل ال حيب كل كفار وقولهو

وقرىء فآذنوا باألمر من اإلذن كالعلم وزنا ومعنى ورسوله فإن مل تفعلوا فأذنوا حبرب من قولهأيقنوا حبرب أو أعلموا أنفسكم باليقني حبرب واملعنى والباء يف قوله حبرب لتضمينه معنى اليقني وحنوه اإليذان

ورسوله لكونه مرتبطا باحلكم ونسبة احلرب إىل وتنكري احلرب إلفادة التعظيم أو التنويع ورسوله من

Page 723: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٢٣

وأما وحده لكان أمرا تكوينيا للهولو كان فيه سهم باجلعل والتشريع ولرسوله فيه سهم بالتبليغ للهالذي .١٢٨ آل عمران شيءليس لك من األمر قال رسوله فال يستقل يف أمر دون

ورسوله يف حكم من األحكام مع من ال يسلمه هو حتميل احلكم على من رده من املسلمني بالقتال واحلرب من

صنعا آخر للهعلى أن ٩ احلجرات فقاتلوا اليت تبغي حتى تفيء إىل أمر قولهكما يدل عليه وهي اليت تقطع يف الدفاع عن حكمه وهو حماربته إياهم من طريق الفطرة وهو هتييج الفطرة العامة على خالفهم

وإذا أردنا أن هنلك قرية أمرنا مرتفيها ففسقوا فيها فحق قال وتعفي آثارهم وخترب ديارهم أنفاسهم .١٦ اإلسراء عليها القول فدمرناها تدمريا

تؤيد ما مر أن اخلطاب يف اآلية كلمة وإن تبتم وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم ال تظلمون وال تظلمونقوله

أي أصول فلكم رءوس أموالكمقولهو لبعض املؤمنني ممن كان يأخذ الربا وله بقايا على مدينيه ومعامليهويف اآلية داللة على إمضاء وال تظلمون بالتعدي إىل رءوس أموالكمأموالكم اخلالصة من الربا ال تظلمون بأخذ الربا

وعلى إمضاء أصناف املعامالت حيث عرب بقوله وعلى كون أخذ الربا ظلما كما تقدم ثانيا أوالأصل امللك .رءوس أموالكم واملال إمنا يكون رأسا إذا صرف يف وجوه املعامالت وأصناف الكسب ثالثا

Page 724: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٢٤

وامليسرة والنظرة املهلة لفظة كان تامة أي إذا وجد ذو عسرة كان ذو عسرة فنظرة إىل ميسرةوإن قوله

والتمكن مقابل العسرة أي إذا وجد غريم من غرمائكم ال يتمكن من أداء دينه احلال فانظروه وأمهلوه حتى اليسار .يكون متمكنا ذا يسار فيؤدي دينه

فإهنم كانوا إذا حل أجل الدين يطالبونه من املدين غري مقيدة لكنها منطبقة على مورد الرباواآلية وإن كانت مطلقة

واآلية تنهى عن هذه الزيادة الربوية ويأمر فيقول املدين لغرميه زد يف أجلي كذا مدة أزيدك يف الثمن بنسبة كذا .باإلنظار

تضعوا الدين عن املعسر فتتصدقوا به عليه فهو خري أي وإن وأن تصدقوا خري لكم إن كنتم تعلمونقوله

لكم إن كنتم تعلمون فإنكم حينئذ قد بدلتم ما تقصدونه من الزيادة من طريق الربا املمحوق من الزيادة من طريق .الصدقة الرابية حقا

Page 725: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٢٥

فيه تذييل آليات الربا مبا تشتمل عليه من احلكم واجلزاء بتذكري إخل واتقوا يوما ترجعون فيه إىل قولهوالورع عن حمارمه يف ويهيىء ذكره النفوس لتقوى عام بيوم القيامة ببعض أوصافه الذي يناسب املقام

فتويف كل نفس ما كسبت وهم ال وهو أن أمامكم يوما ترجعون فيه إىل حقوق الناس اليت تتكي عليه احلياة .يظلمون

ومعنى هذه التوفية فسيجيء الكالم فيه يف تفسري سورة وأما معنى هذا الرجوع مع كوننا غري غائبني عن

. األنعام إن شاء

آخر آية نزلت ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم ال يظلمون واتقوا يوما ترجعون فيه إىل إن هذه اآلية وقد قيل .وسيجيء ما يدل عليه من الروايات يف البحث الروائي التايل على رسول

ملا قال رسول قال عن الصادق اآلية الذين يأكلون الرباقولهيف يف تفسري القميمن هؤالء يا فقلت أسري بي إىل السماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم فال يقدر أن يقوم من عظم بطنه

Page 726: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٢٦

وإذا هم بسبيل آل قال هؤالء الذين يأكلون الربا ال يقومون إال كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من املس جربائيل .ويقولون ربنا متى تقوم الساعة يعرضون على النار غدوا وعشيا فرعون

.كما تعيشون متوتون وكما متوتون تبعثون وهو مثال برزخي وتصديق لقوله أقول

يأتي آكل الربا يوم القيامة خمتبال قال رسول أخرج األصبهاني يف ترغيبه عن أنس قال ويف الدر املنثور

.إال كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من املس - ال يقومون ثم قرأ جير شقيه

ويف بعضها أنه يعدل سبعني زنية يزنيها وقد ورد يف عقاب الربا روايات كثرية من طرق الشيعة وأهل السنة أقول .املرابي مع أمه

جعلت فداك إن الناس قلت ألبي عبد بإسناده عن عمر بن يزيد بياع السابري قال ويف التهذيب

يا عمر قد أحل وهل رأيت أحدا اشرتى غنيا أو فقريا إال من ضرورة زعموا أن الربح على املضطر حرام فقال

Page 727: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٢٧

البيع وحرم الربا قلت.فاربح وال ترب وما الربا قال دراهم بدراهم مثلني مبثل وحنطة حبنطة مثلني .مبثل

.ال يكون الربا إال فيما يكال أو يوزن قال بإسناده عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد ويف الفقيه

أنه إمنا يكون يف النقدين وقد اختلف فيما يقع فيه الربا على أقوال والذي هو مذهب أهل البيت أقول

.واملسألة فقهية ال يتعلق منها غرضنا إال هبذا املقدار وما يكال أو يوزن

فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى يف قوله عن الصادق عن أحدمها ويف تفسري العياشي ويف الكايف .قال املوعظة التوبة اآلية

من أهل خراسان قد عمل بالربا دخل رجل على أبي عبد عن حممد بن مسلم قال ويف التهذيب

فجاء إىل أبي جعفر حتى كثر ماله ثم إنه سأل الفقهاء فقالوا ليس يقبل منك شيء حتى ترده إىل أصحابه

Page 728: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٢٨

فله ما - فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى خمرجك من كتاب فقال أبو جعفر فقص عليه قصته .املوعظة التوبة قال.سلف وأمره إىل

كل ربا أكله الناس جبهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة عن الصادق والفقيه ويف الكايف

وقال لو أن رجال ورث من أبيه ماال وقد عرف أن يف ذلك املال ربا ولكن قد اختلط يف التجارة بغريه فإنه له حالل .فليأكله وإن عرف منه شيئا معروفا فليأخذ رأس ماله ولريد الزيادة

.واالستخفاف بذلك دخول يف الكفر قال.هي كبرية بعد البيان عن الرضا والعيون ويف الفقيه

فإذا أصابه ال يضره حتى يصيبه متعمدا أنه سئل عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنه حالل قال ويف الكايف

. متعمدا فهو باملنزلة اليت قال

وقيل الربا ويربي الصدقات اآلية ميحق وقد سئل عن قوله عن الصادق والفقيه ويف الكايف .فأي حمق أحمق من درهم الربا ميحق الدين وإن تاب منه ذهب ماله وافتقر قد أرى من يأكل الربا يربو ماله قال

Page 729: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٢٩

عدم اعتبار امللكية والتحريم وتقابله الصدقة يف شأنه والرواية كما ترى تفسر احملق باحملق التشريعي أعين أقول

.وهي ال تنايف ما مر من عموم احملق

آكله وموكله وشاهديه وكاتبه أقول يف الربا مخسة لعن رسول أنه قال عن علي ويف امع .بطرق عنه وروي هذا املعنى يف الدر املنثور

باألشياء غريي إال وكلت أنا خالق كل شيء قال قال عن الباقر ويف تفسري العياشي

الصدقة فإني أقبضها بيدي حتى أن الرجل واملرأة يتصدق بشق التمرة فأربيها له كما يربي الرجل منكم فصيله وفلوه .حتى أتركه يوم القيامة أعظم من أحد

لريبي ألحدكم الصدقة كما يربي أحدكم ولده حتى إن قال عن النيب عن علي بن احلسني وفيه

.يلقاه يوم القيامة وهو مثل أحد

Page 730: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٣٠

وقد روي هذا املعنى من طرق أهل السنة عن عدة من الصحابة كأبي هريرة وعائشة وابن عمر وأبي برزة أقول .األسلمي عن النيب

وقال يا رسول قام خالد بن الوليد إىل رسول اآلية الذين يأكلون الربا أنه ملا أنزل ويف تفسري القمي

ربا أبي يف ثقيف وقد أوصاني عند موته بأخذه فأنزل يا أيها الذين آمنوا اتقوا - وذروا ما بقي من .الربا اآلية

.عن الباقر وروي قريبا منه يف امع أقول

نزلت يف بقية من الربا كانت للعباس وخالد بن الوليد وكانا شريكني يف أيضا عن السدي وعكرمة قاال ويف امع

ناس من ثقيف فجاء اإلسالم وهلما أموال عظيمة يف الربا فأنزل اجلاهلية يسلفان يف الربا إىل بين عمرو بن عمريوكل دم وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد املطلب أال إن كل ربا من ربا اجلاهلية موضوع هذه اآلية فقال النيب .وأول دم أضعه دم ربيعة بن احلارث بن عبد املطلب كان مرضعا يف بين ليث فقتله هذيل يف اجلاهلية موضوع

Page 731: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٣١

إال أن فيه ونزلت يف العباس بن عن ابن جرير وابن املنذر وابن أبي حامت عن السدي ورواه يف الدر املنثور أقول .عبد املطلب ورجل من بين املغرية

أخرج أبو داود والرتمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن أبي حامت والبيهقي يف سننه عن ويف الدر املنثور

لكم أال إن كل ربا يف اجلاهلية موضوع فقال أنه شهد حجة الوداع مع رسول عمرو بن األحوص .رءوس أموالكم ال تظلمون وال تظلمون

واملتحصل من روايات اخلاصة والعامة أن اآلية نزلت يف أموال من الربا كانت والروايات يف هذه املعاني كثرية أقول

فلما جاء اإلسالم طالبوهم ببقايا كانت هلم عليهم فأبوا التأدية وكانوا يربوهنم يف اجلاهلية لبين املغرية على ثقيف .فنزلت اآلية لوضع اإلسالم ذلك فرفع أمرهم إىل رسول

وأن هذه إمنا أن الربا كان حمرما يف اإلسالم قبل نزول هذه اآليات ومبينا للناس بيانوهذا يؤيد ما قدمناه يف ال

وأنه قبض ومل فال يعبأ ببعض ما روي أن حرمة الربا إمنا نزلت يف آخر عهد رسول تؤكد التحريم وتقرره

Page 732: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٣٢

من آخر أنه خطب فقال عن ابن جرير وابن مردويه عن عمر بن اخلطاب يبني للناس أمر الربا كما يف الدر املنثور .فدعوا ما يريبكم إىل ما ال يريبكم ومل يبينه لنا وأنه قد مات رسول القرآن نزوال آية الربا

مل يقبض نبيه حتى شرع كل ما حيتاج إليه الناس من أمر أن على أن من مذهب أئمة أهل البيت

.دينهم وبني ذلك للناس نبيه

أن آخر آية بطرق عديدة عن ابن عباس والسدي وعطية العويف وأبي صاحل وسعيد بن جبري ويف الدر املنثورإمنا شدد يف عن الصادق إىل آخر اآلية ويف امع واتقوا يوما ترجعون فيهقولهنزلت من القرآن

.حتريم الربا لئال ميتنع الناس من اصطناع املعروف قرضا أو رفدا

.بقرية هالكا ظهر فيهم الربا إذا أراد أيضا عن علي ويف امع

.وقد مر يف البيان السابق ما يتبني به معنى هذه الروايات أقول

Page 733: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٣٣

واختلف يف حد اإلعسار فروي عن أبي اآلية قال وإن كان ذو عسرة فنظرة إىل ميسرةقولهيف وفيه .هو إذا مل يقدر على ما يفضل من قوته وقوت عياله على االقتصاد أنه قال عبد

عن ابن عباس والضحاك واحلسن وهو املروي عن أبي جعفر وأبي أنه أي إنظار املعسر واجب يف كل دين وفيه . عبد

إىل ميسرة معناه إذا بلغ خربه اإلمام فيقضي عنه من سهم الغارمني إذا كان أنفقه يف قال الباقر وفيه

.املعروف

وأثنى عليه وصلى على أنبيائه املنرب ذات يوم فحمد صعد رسول قال عن الصادق ويف الكايفيف كل يوم صدقة مبثل ماله أال ومن أنظر معسرا كان له على أيها الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب ثم قال

وإن كان ذو عسرة فنظرة إىل ميسرة وأن تصدقوا خري لكم إن كنتم ثم قال أبو عبد حتى يستوفيه .أنه معسر فتصدقوا عليه مبالكم فهو خري لكم تعلمون

Page 734: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٣٤

والروايات يف هذه املعاني وما يلحق وقد مر له معنى آخر إن كنتم تعلمون قولهوالرواية تشتمل على تفسري أقول .هبا كثرية واملرجع فيها كتاب الدين من الفقه

حبث علمي

أن ال هم لإلنسان يف حياته إال أن يأتي مبا يأتي من أعماله القتناء كماالته الوجودية تقدم مرارا يف املباحث السابقةفهو مالك لعمله ويرفع به حاجته احليوية فهو يعمل عمال متعلقا باملادة بوجه وبعبارة أخرى لرفع حوائجه املادية

وما عمله والعمل يف هذا الباب أعم من الفعل واالنفعال وكان نسبة ورابطة يرتب عليه األثر عند أهل االجتماع أي والعقالء من أهل االجتماع جييزون له ويعده ملكا جائز التصرف لشخصه أنه خيص ما عمل فيه من املادة لنفسه

.ذلك فافهم

يسعه أن يرفع مجيع حوائجه بعمل نفسه وحدة دعي ذلك إىل االجتماع التعاوني وأن ينتفع كل بعمل لكنه ملا كان ال واستقر ذلك بأن يعمل اإلنسان يف باب واحد فأدى ذلك إىل املعاوضة بينهم غريه وما حازه وملكه غريه بعمله

ويعوض ما يزيد على ر ما يرفع به حاجتهأو يف أبواب معدودة من أبواب العمل وميلك بذلك أشياء ثم يأخذ مقدا .وهذا أصل املعاملة واملعاوضة حاجته مما ليس عنده من مال الغري

Page 735: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٣٥

ومن حيث كثرة ومن حيث شدة احلاجة وضعفها غري أن التباين التام بني األموال واألمتعة من حيث النوع

واملاء لغرض الشرب واحلمار لغرض احلمل فإن الفاكهة لغرض األكل الوجود وقلته يولد اإلشكال يف املعاوضة .ونسب خمتلفة لبعضها إىل بعض واجلوهرة الثمينة للتقلد والتختم مثال هلا أوزان وقيم خمتلفة يف حاجة احلياة

أهنم جعلوا شيئا من هوكان األصل يف وضع فمست احلاجة إىل اعتبار القيمة بوضع الفلوس والدرهم والدينار

األمتعة العزيزة الوجود كالذهب مثال أصال يرجع إليه بقية األمتعة والسلعات فكان كالواحد التام من النوع جيعل فكان الواحد من وجه النقد يقدر به القيمة العامة ويقوم به كل مقياسا لبقية أفراده كاملثاقيل واملكائيل وغريمها

.شيء من األمتعة فيتعني به نسبة كل واحد منها بالنسبة إليه ونسبة بعضها إىل بعض

وواحد احلجم وهو الكيل ثم إهنم لتعميم الفائدة وضعوا آحاد املقاييس لألشياء كواحد الطول من الذراع وحنوهوبان مثال أن القرياط من األملاس وعند ذلك تعينت النسب وارتفع اللبس ل والوزن كاملن وحنوهوواحد الثق

وتبني بذلك أن القرياط من األملاس يعدل أربعني يعدل أربعة من الدنانري واملن من دقيق احلنطة عشر دينار واحد .منا من دقيق احلنطة مثال وعلى هذا القياس

Page 736: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٣٦

وضع نقود أخر من أجناس شتى نفيسة أو رخيصة للتسهيل والتوسعة كنقود الفضة والنحاس والربنز ثم توسعوا يف

.والورق والنوط على ما يشرحه كتب االقتصاد

ثم افتتح باب الكسب والتجارة بعد رواج البيع والشراء بأن تعني البعض من األفراد بتخصيص عمله وشغله .وع آخر البتغاء الربح الذي هو نوع زيادة فيما يأخذه قبال ما يعطيه من املتاعبالتعويض وتبديل نوع من املتاع بن

واستقر األمر باآلخرة على أن احلاجة العمومية كأهنا فهذه أعمال قدمها اإلنسان بني يديه لرفع حوائجه يف احلياة

كأنه كل متاع حيتاج إليه اإلنسان ألنه و فكان وجه القيمة كأنه هو املال كله عكفت على باب الدرهم والدينارورمبا جعل سلعة الذي يقدر اإلنسان باحلصول عليه على احلصول بكل ما يريده وحيتاج إليه مما يتمتع به يف احلياة

.فاكتسب عليه كما يكتسب على سائر السلع واألمتعة وهو الصرف

أن أصل املعاملة واملعاوضة قد استقر على تبديل متاع من متاع آخر مغاير له ملسيس احلاجة وقد ظهر مبا مر أو ملسيس احلاجة إىل الربح الذي هو زيادة يف املبدل منه من حيث القيمة بالبدل منه كما يف أصل املعاوضة

Page 737: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٣٧

ملعاملة بتبديل السلعة من ما مياثله يف النوع أو ما وأما ا وهذا أعين املغايرة هو األصل الذي يعتمد عليه حياة اتمعمياثله مثال فإن كان من غري زيادة كقرض املثل باملثل مثال فرمبا اعتربه العقالء ملسيس احلاجة به وهو مما يقيم أود

ذلك هو الرباوإن كان مع زيادة يف املبدل منه وهي الربح ف ويرفع حاجة احملتاج وال فساد يرتتب عليه االجتماعأو إعطاء سلعة بعشرة ونعين به تبديل املثل باملثل وزيادة كإعطاء عشرة إىل أجل - الربا فلننظر ما ذا نتيجة الربا

إمنا يكون عند اضطرار املشرتي أو املقرتض إىل ما - إىل أجل وأخذ اثنيت عشرة عند حلول األجل وما أشبه ذلك يأخذه باإلعسار واإلعواز بأن يزيد قدر حاجته على قدر ما يكتسبه من املال كأن يكتسب ليومه يف أوسط حاله

ر الباقي باثين عشر لغد والزمه أن له يف غده مثانية وهو حيتاج إىل عشرينعشرة وهو حيتاج إىل عشرين فيقرض العش فيشرع من هناك معدل معيشته وحياته يف االمنحاق واالنتقاص وال يلبث زمانا طويال حتى تفنى متام ما يكتسبه

.وفناء السعي يف احلياةاملال وهو اهلالك = ٠ - ٢٠فيطالب بالعشرين وليس له وال واحد ويبقى متام ما يقرتضه

فيجتمع مجيع املالني يف وذلك متام العشرين وأما املرابي فيجتمع عنده العشرة اليت لنفسه والعشرة اليت للمقرتضفالربا يؤدي إىل فناء وليس إال لكون الزيادة مأخوذة من غري عوض مايل جانب وخيلو اجلانب اآلخر من املال

وحتكمهم يف أموال الناس ويؤدي ذلك إىل تأمر املثرين من املرابني اجنرار املال إىل طبقة املوسرينطبقة املعسرين ووإىل دفاع وأعراضهم ونفوسهم يف سبيل مجيع ما يشتهون ويتهوسون ملا يف اإلنسان من قرحية التعايل واالستخدام

Page 738: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٣٨

أولئك املستخدمني املستذلني عن أنفسهم فيما وقعوا فيه من مر احلياة بكل ما يستطيعونه من طرق الدفاع واالنتقام .وهذا هو اهلرج واملرج وفساد النظام الذي فيه هالك اإلنسانية وفناء املدنية

مدين تراكمت عليه القروض يقدر على أداء ديونه هذا مع ما يتفق عليه كثريا من ذهاب املال الربوي من رأس فما كل

.أو يريد ذلك

وأما الذي بني غريهم كالربا التجاري الذي جيري عليه أمر البنوك هذا يف الربا املتداول بني األغنياء وأهل العسرة املوضوع للربا من جانب وغريها كالربا على القرض واالجتار به فأقل ما فيه أنه يوجب اجنرار املال تدرجيا إىل املال

ووقوع التطاول بينها وأكل ويوجب ازدياد رءوس أموال التجارة واقتدارها أزيد مما هي عليها حبسب الواقع وفناء كل يف ما هو أقوى منه فال يزال يزيد يف عدد احملتاجني باإلعسار بعضا واهنضام بعضها يف بعض بعضها

.وعاد احملذور الذي ذكرناه آنفا وجيتمع الثروة باحنصارها عند األقلني

وتقدم مرام االشرتاك هو الرتاكم وال يشك الباحث يف مباحث االقتصاد أن السبب الوحيد يف شيوع الشيوعية وحرمان آخرين وهم األكثرون من أوجب واجباهتم وتقدمهم البارز يف مزايا احلياة الفاحش يف الثروة عند أفراد

Page 739: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٣٩

وقد كانت الطبقة املقتدرة غروا هؤالء الضعفاء مبا قرعوا به أمساعهم من ألفاظ املدنية والعدالة واحلريةويعنون هبا معاني هي يف احلقيقة أضداد وكانوا يقولون بأفواههم ما ليس يف قلوهبم والتساوي يف حقوق اإلنسانية

وكانوا حيسبون أهنا يسعدهم يف ما يريدونه من اإلتراف واستذالل الطبقة السافلة والتعايل عليهم معانيهاوأهنا الوسيلة الوحيدة لسعادهتم يف احلياة لكنهم مل يلبثوا دون أن صار ما حسبوه هلم والتحكم املطلق مبا شاءوا

وكان عاقبة الذين أساءوا خري املاكرين و ومكروا ومكر ورجع كيدهم ومكرهم إىل أنفسهم عليهمومن مفاسد الربا املشئومة أعلم مبا تصري إليه هذه النشأة اإلنسانية يف مستقبل أيامها و السوآى

وجلوس قوم وحبس األلوف واملاليني يف خمازن البنوك عن اجلريان يف البيع والشرى تسهيله الطريق إىل كنز األموالوحرمان آخرين من املشروع الذي هتدي إليه الفطرة وهو اتكاء اإلنسان يف حياته على أريكة البطالة واإلتراف

.وال يعيش به آخرون حلرماهنم فال يعيش بالعمل عدة إلترافهم على العمل

حبث آخر علميومها خلق الدراهم والدنانري وهبما قوام الدنيا من نعم قال الغزايل يف كتاب الشكر من اإلحياء

حجران ال منفعة يف أعياهنما ولكن يضطر اخللق إليهما من حيث إن كل إنسان حمتاج إىل أعيان كثرية يف مطعمه كمن ميلك الزعفران وهو حمتاج إىل مجل وقد يعجز عما حيتاج إليه وميلك ما يستغين عنه وملبسه وسائر حاجاته

Page 740: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٤٠

وال بد يف مقدار العوض يركبه ومن ميلك اجلمل ورمبا يستغين عنه وحيتاج إىل الزعفران فال بد بينهما من معاوضة وال مناسبة بني الزعفران واجلمل حتى يقال من تقدير إذ ال يبذل صاحب اجلمل مجله بكل مقدار من الزعفران

دارا بثياب أو عبدا خبف أو دقيقا حبمار فهذه األشياء ال تناسب وكذا من يشرتي يعطى مثله يف الوزن أو الصورةفافتقرت هذه األعيان املتنافرة املتباعدة فال يدري أن اجلمل كم يسوي بالزعفران فتتعذر املعامالت جدا فيها

وترتبت إىل متوسط بينهما حيكم فيها حبكم عدل فيعرف من كل واحد رتبته ومنزلته حتى إذا تقررت املراتبالدنانري والدراهم حاكمني ومتوسطني بني فخلق الرتب علم بعد ذلك املساوي من غري املساوي

هذا اجلمل يساوي مائة دينار وهذا املقدار من الزعفران يسوي مائة فيقال هبمااألموال حتى تقدر األموال ولو وإمنا أمكن التعديل بالنقدين إذ ال غرض يف أعياهنما فهما من حيث إهنما متساويان لشيء واحد متساويان

كان يف أعياهنما غرض رمبا اقتضى خصوص ذلك الغرض يف حق صاحب الغرض ترجيحا ومل يقتض ذلك يف حق .ويكونا حاكمني بني األموال بالعدل لتتداوهلما األيدي فإذن خلقهما من ال غرض له فال ينتظم األمر

ونسبتهما وال غرض يف أعياهنما التوسل هبما إىل سائر األشياء ألهنما عزيزان يف أنفسهما وحلكمة أخرى وهي

فلو ال كمن ملك ثوبا فإنه مل ميلك إال الثوب فمن ملكهما فكأنه ملك كل شيء إىل سائر األموال نسبة واحدةفاحتيج إىل شيء آخر هو يف يف دابة مثالاحتاج إىل طعام رمبا مل يرغب صاحب الطعام يف الثوب ألن غرضه

Page 741: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٤١

والشيء إمنا تستوي نسبته إىل املختلفات إذ مل تكن له صورته كأنه ليس بشيء وهو يف معناه كأنه كل األشياءكاملرآة ال لون هلا وحتكي كل لون فكذلك النقد ال غرض فيه وهو وسيلة إىل كل صورة خاصة يفيدها خبصوصها

.فهذه هي احلكمة الثانية رف ال معنى له يف نفسه وتظهر به املعاني يف غريهوكاحل غرض

.وفيهما أيضا حكم يطول ذكرها

من جهة هذه احلكم املرتتبة عليهما كان من عمل فيهما بعمل ينايف إهنما ملا كانا من نعم ثم قال ما حمصله .احلكم املقصودة منهما فقد كفر بنعمة

إذ كنزمها كحبس احلاكم بني الناس يف سجن ومنعه عن على ذلك حرمة كنزمها فإنه ظلم وإبطال حلكمتهماوفرع

.احلكم بني الناس وإلقاء اهلرج بني الناس من غري وجود من يرجعون إليه بالعدل

وذلك ظلم كمن لغريمهاوفرع عليه حرمة اختاذ آنية الذهب والفضة فإن فيه قصدمها باالستقالل ومها مقصودان .اختذ حاكم البلد يف احلياكة واملكس واألعمال اليت يقوم هبا أخساء الناس

Page 742: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٤٢

فعنهما خلقا لغريمها ال لنفسهما وفرع عليه أيضا حرمة معاملة الربا على الدراهم والدنانري فإنه كفر بالنعمة وظلم

.إذ ال غرض يتعلق بأعياهنما

فإنه ذكر أن ال غرض يتعلق هبما يف أوالأما مر يف اعتبار أصلهما والفروع اليت فرعها على ذلكوقد اشتبه عليه األوكيف جيوز أن يقدر شيء شيئا مبا ليس ولو كان كذلك مل ميكن أن يقدرا غريمها من األمتعة واحلوائج أنفسهما

.أو يقدر املن ثقل شيء إال بثقله الذي فيه وهل ميكن أن يقدر الذراع طول شيء إال بالطول الذي له فيه

وكيف يتصور عزة وكرامة على أن اعرتافه بكوهنما عزيزين يف نفسهما ال يستقيم إال بكوهنما مقصودين ألنفسهما .من غري مطلوبية

الذهب والفضة يف االعتبارعلى أهنا لو مل يكونا إال مقصودين لغريمها باخللقة مل يكن فرق بني الدينار والدرهم أعين

ومل يقع االعتبار على غريمها من األمتعة كاجللد ولكان مجيع أنواع النقود متساوية القيم والواقع يكذب ذلك .وامللح وغريمها

Page 743: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٤٣

بل ما يظهر من فألن احلكمة املقتضية حلرمة الكنز ليس هي إعطاء املقصودية باالستقالل هلما وأما ثانيا

من حتريم الفقراء عن ٣٤ التوبة اآلية والذين يكنزون الذهب والفضة وال ينفقوهنا يف سبيل قوله .االرتزاق هبما مع قيام احلاجة إىل العمل واملبادلة دائما كما سيجيء بيان ذلك يف تفسري اآلية

فألن ما ذكره من الوجه يف حتريم اختاذ آنية الذهب والفضة وكونه ظلما وكفرا موجود يف اختاذ احللي وأما ثالثا

.ومل يعدا يف الشرع ظلما وكفرا وال حراما وكذا يف بيع الصرف منهما

مطلق الصرف كما فألن ما ذكر من املفسدة لو كان موجبا ملا ذكره من الظلم والكفر بالنعمة جلرى يف وأما رابعافما ذكره ومل جير يف الربا الذي يف املكيل واملوزون مع أن احلكم واحد جيري يف املعاملة الربوية بالنسيئة والقرض

.غري تام مجعا ومنعا

.يف حكمة التحريم منطبق على ما قدمناه من أخذ الزيادة من غري عوض والذي ذكره

Page 744: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٤٤

فأولئك وما آتيتم من زكوة تريدون وجه وما آتيتم من ربا لريبوا يف أموال الناس فال يربوا عند قال فجعل الربا رابيا يف أموال الناس وذلك أنه ينمو بضم أجزاء من أموال الناس إىل نفسه ٣٩ الروم هم املضعفون

فال يزال الربا ينمو ويزيد هو وينقص أموال كما أن البذر من النبات ينمو بالتغذي من األرض وضم أجزائها إىل نفسهوإن تبتم فلكم ك يظهر أن املراد بقوله وبذل وهذا هو الذي ذكرناه فيما تقدم الناس حتى يأتي إىل آخرها

فالربا رءوس أموالكم ال تظلمون وال تظلمون اآلية يعين به ال تظلمون الناس وال تظلمون من قبلهم أو من قبل .ظلم على الناس

بكات كمنيكتب بليو وهى فاكتبمسل من إلى أجينتم بدايوا إذا تدنآم ينا الذها أيي كتبي أن بكات أبال يل ودبالع هلما عكم تقليو قالح هليي عل الذلمليو كتبفلي قالح هليي عالذ ئا فإن كانيش هنم خسبال يو هبر

من رجالكم فإن لم يكونا رجلين سفيها أو ضعيفا أو ال يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين جفرأبال يى ورا األخماهدإح ا فتذكرماهدل إحاء أن تضدهالش نم نضون ترمأتان مراموا ل وعا داء إذا مدهالش

ندط عأقس كمذل هلا إلى أجا أو كبريريغص هوا أن تكتبوأمال تسو و وا إال أن تكونتابنى أال ترأدو ةادهلشل أقومم وال يضآر كاتب وال شهيد وإن تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أال تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعت

وإن كنتم على سفر ولم تجدوا ٢٨٢بكل شيء عليم و ويعلمكم إنه فسوق بكم واتقوا تفعلوا ف

Page 745: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٤٥

ه وال تكتموا الشهادة ومن رب كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق و هقلب مآث ا فإنههكتمي يملع لونما تعبم٢٨٣

بيان

واإلمالل واإلمالء إلقاء الرجل للكاتب ما يكتبه مداينة بعضهم بعضا التداين إخل إذا تداينتمقوله .واملضارة مفاعلة من الضرر ويستعمل ملا بني االثنني وغريه والبخس هو النقص واحليف والسأمة هي املالل

.والفسوق هو اخلروج عن الطاعة

.وقرىء فرهن بضمتني وكالمها مجع الرهن مبعنى املرهون والرهان

لرفع اللبس برجوع الضمري إىل الكاتب احلق فإن كان الذي عليهقولهواإلظهار الواقع يف موقع اإلضمار يف

.السابق ذكره

Page 746: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٤٦

فإن هذه الصورة تغاير فائدته تشريك من عليه احلق مع وليه أن ميل هو فليملل وليهقولهوالضمري البارز يف الصورتني األوليني بأن الويل يف الصورتني األوليني هو املسئول باألمر املستقل فيه خبالف هذه الصورة فإن الذي عليه

.ما يستطيعه من العمل فعليه ذلك وما ال يستطيعه هو فعلى وليه احلق يشارك الويل يف العمل فكأنه قيل

إحدامها األخرى وضع الظاهر موضع قولهويف تقدير حذر أن تضل إحدامها على أن تضل إحدامهاقولهوومن الثاني فاملراد من األول إحدامها ال على التعيني والنكتة فيه اختالف معنى اللفظ يف املوضعني املضمر

.فاملعنيان خمتلفان إحدامها بعد ضالل األخرى

و ويعلمكم قولهوأما إليهم يف هذه اآلية من األمر والنهي فيما ساقه واتقوا أمر بالتقوىقولهولكم أن يبني يف آية اإلرث فكالم مستأنف مسوق يف مقام االمتنان كقوله بكل شيء عليم

.فاملراد به االمتنان بتعليم شرائع الدين ومسائل احلالل واحلرام ١٧٦ النساء تضلوا

Page 747: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٤٧

فيه أنه وإن كان حقا يدل يدل على أن التقوى سبب للتعليم اإلهلي ويعلمكم واتقوا قولهإن وما قيللكن هذه اآلية مبعزل عن الداللة عليه ملكان واو العطف على أن هذا املعنى ال يالئم سياق عليه الكتاب والسنة

.اآلية وارتباط ذيلها بصدرها

كالما مستأنفا كان مقتضى السياق أن يقال ويؤيد ما ذكرنا تكرار لفظ اجلاللة ثانيا فإنه لو ال كون قوله ويعلمكم يعلمكم بإضمار الفاعل قولهففي واتقوا ويعلمكم و بكل شيء عليم أظهر االسم أوال

.هو بكل شيء عليم ألنه كأنه قيل وأظهر ثالثا ليدل به على التعليل لوقوعه يف كالمني مستقلني وثانيا

واألخبار فيها أن اآليتني تدالن على ما يقرب من عشرين حكما من أصول أحكام الدين والرهن وغريمها واعلمولذلك آثرنا اإلغماض عن ذلك فمن أراد البحث عنها وفيما يتعلق هبا كثرية لكن البحث عنها راجع إىل الفقه

.فعليه مبظانه من الفقه

لهل كم بهباسحي تخفوه أو كمي أنفسا فوا مدإن تبض وي األرا فمو اواتمي السما ف ذبعياء وشن يمل رغففياء وشن يم يرقد ءيلى كل شع٢٨٤

Page 748: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٤٨

بيان

لعامل اخللق مما يف السماوات واألرض كالم يدل على ملكه ما يف السموات وما يف األرض للهقولهأي إن له ما يف السماوات واألرض وإن تبدوا ما يف أنفسكم أو ختفوه حياسبكم به وهو توطئة لقوله بعده

فهو حميط بكم مهيمن على أعمالكم ال يتفاوت عنده كون أنتم وأعمالكم وما اكتسبتها نفوسكمومن مجلتها .أو خافية مستورة فيحاسبكم عليها أعمالكم بادية ظاهرة

كون السماء مساخنا ألعمال القلوب وصفات النفس فما يف النفوس هو مما يف السماوات ورمبا استظهر من اآلية

ما يف األرض فما انطوى يف للهو ما يف السماوات كما أن ما يف النفوس إذا أبدي بعمل اجلوارح كان مما يف األرض للهو .حماط له سيتصرف فيه باحملاسبة للهالنفوس سواء أبدي أو أظهر مملوك

ومعنى ما مقابل اإلخفاءاإلبداء هو اإلظهار وإن تبدوا ما يف أنفسكم أو ختفوه حياسبكم به قوله

وال مستقر يف النفس إال امللكات يف أنفسكم ما استقر يف أنفسكم على ما يعرفه أهل العرف واللغة من معناه

Page 749: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٤٩

والصفات من الفضائل والرذائل كاإلميان والكفر واحلب والبغض والعزم وغريها فإهنا هي اليت تقبل اإلظهار .واإلخفاء

تتم بأفعال مناسبة هلا تصدر من طريق اجلوارح يدركها احلس وحيكم العقل بوجود تلك املصادر أما إظهارها فإمنا

إذ لو ال تلك الصفات وامللكات النفسانية من إرادة وكراهة وإميان وكفر وحب وبغض وغري النفسية املساخنة هلا .شؤهافبصدور األفعال يظهر للعقل وجود ما هو من ذلك مل تصدر هذه األفعال

.وأما إخفاؤها فبالكف عن فعل ما يدل على وجودها يف النفس

وال يعين هبذا االستقرار التمكن يف النفس الثبوت واالستقرار يف النفس ما يف أنفسكمقولهوباجلملة ظاهر

أو قولهإن تبدوا و قولهبل ثبوتا تاما يعتد به يف صدور الفعل كما يشعر به حبيث ميتنع الزوال كامللكات الراسخة ختفوه فإن الوصفني يدالن على أن ما يف النفس حبيث ميكن أن يكون منشأ للظهور أو غري منشإ له وهو اخلفاء

وأما اخلطورات واهلواجس النفسانية الطارقة وهذه الصفات ميكن أن تكون كذلك سواء كانت أحواال أو ملكات

Page 750: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٥٠

ان وكذلك التصورات الساذجة اليت ال تصديق معها كتصور صور املعاصي من على النفس من غري إرادة من اإلنس .وال منشأ لصدور األفعال غري نزوع وعزم فلفظ اآلية غري شامل هلا البتة ألهنا كما عرفت غري مستقرة يف النفس

أن اآلية إمنا تدل على األحوال وامللكات النفسانية اليت هي مصادر األفعال من الطاعات واملعاصي فتحصل

باللغو يف أميانكم ولكن ال يؤاخذكم قولهفتكون اآلية يف مساق حياسب اإلنسان هبا وأن إن السمع قولهو ٢٨٣ البقرة فإنه آثم قلبهقولهو ٢٢٥ البقرةيؤاخذكم مبا كسبت قلوبكم

فجميع هذه اآليات دالة على أن للقلوب وهي النفوس ٣٦ اإلسراء والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئوالإن الذين حيبون أن تشيع الفاحشة يف الذين آمنوا هلم قولهوكذا أحواال وأوصافا حياسب اإلنسان هبا

.هذا فإهنا ظاهرة يف أن العذاب إمنا هو على احلب الذي هو أمر قليب ٩ النور عذاب أليم يف الدنيا واآلخرة

وأما كون اجلزاء أن اآلية إمنا تدل على احملاسبة مبا يف النفوس سواء أظهر أو أخفى فهذا ظاهر اآلية وجيب أن يعلموبعبارة أخرى كون اجلزاء دائرا مدار العزم سواء فعل أو مل يفعل يف صورتي اإلخفاء واإلظهار على حد سواء

.وسواء صادف الفعل الواقع املقصود أو مل يصادف كما يف صورة التجري مثال فاآلية غري ناظرة إىل ذلك

Page 751: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٥١

وقد أخذ القوم يف معنى اآلية مسالك شتى ملا تومهوا أهنا تدل على املؤاخذة على كل خاطر نفساني مستقر يف .فمن ملتزم بذلك ومن مؤول يريد به التخلص النفس أو غريه وليس إال تكليفا مبا ال يطاق

لكن اآلية منسوخة مبا وهو تكليف مبا ال يطاق إن اآلية تدل على احملاسبة بكل ما يرد القلب فمنهم من قال

.نفسا إال وسعها اآلية ال يكلف يتلوها من قوله

.أن اآلية غري ظاهرة يف هذا العموم كما مر وفيه

.على أن التكليف مبا ال يطاق غري جائز بال ريب

.بعدم تشريعه يف الدين ما ال يطاق ٧٨ احلجوما جعل عليكم يف الدين من حرجقولهخيرب على أنه

إن اآلية خمصوصة بكتمان الشهادة ومرتبطة مبا تقدمتها من آية الدين املذكورة فيها وهو مدفوع ومنهم من قال .إهنا خمصوصة بالكفار بإطالق اآلية كقول من قال

Page 752: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٥٢

إن املعنى أن تبدوا بأعمالكم ما يف أنفسكم من السوء بأن تتجاهروا وتعلنوا بالعمل أو ختفوه بأن تأتوا ومنهم من قال

.الفعل خفية حياسبكم به

إن املراد باآلية مطلق اخلواطر إال أن املراد باحملاسبة األخبار أي مجيع ما خيطر ببالكم سواء ومنهم من قال املائدة فينبؤكم مبا كنتم تعملونقولهخيربكم به يوم القيامة فهو يف مساق أظهرمتوها أو أخفيتموها فإن

١٠٥ ويدفع هذا وما قبله مبخالفة ظاهر اآلية كما تقدم.

الرتديد يف التفريع بني املغفرة والعذاب ال على كل شيء قدير فيغفر ملن يشاء ويعذب من يشاء وقولهوإن كانت املغفرة رمبا استعملت املراد مبا يف النفوس هي الصفات واألحوال النفسانية السيئةخيلو من اإلشعار بأن

.يف القرآن يف غري مورد املعاصي أيضا لكنه استعمال كالنادر حيتاج إىل مئونة القرائن اخلاصة

.أو إىل مدلول اآلية بتمامها تعليل راجع إىل مضمون اجلملة األخرية وقولهو

Page 753: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٥٣

وإن - ما يف السموات وما يف األرض لله ملا نزلت على رسول عن أبي هريرة قال يف صحيح مسلم فأتوا رسول اشتد ذلك على أصحاب رسول تبدوا ما يف أنفسكم أو ختفوه حياسبكم به

كلفنا من األعمال ما نطيق الصالة والصيام واجلهاد والصدقة وقد أنزل ثم جثوا على الركب فقالوا يا رسول فقال رسول .هذه اآلية وال نطيقها أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم مسعنا

يف فلما اقرتأها القوم وذلت هبا ألسنتهم أنزل .مسعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك املصري بل قولوا وعصينا ال يكلف فأنزل فلما فعلوا ذلك نسخها آمن الرسول مبا أنزل إليه من ربه واملؤمنون اآلية أثرها

عن أمحد ومسلم وأبي داود يف ناسخه وابن جرير وابن ورواه يف الدر املنثور أقول نفسا إال وسعها إىل آخرها .وروي قريبا منه بعدة من الطرق عن ابن عباس املنذر وابن أبي حامت عن أبي هريرة

.وروى النسخ أيضا بعدة طرق عن غريمها كابن مسعود وعائشة

العبد به يوم القيامة أن اآلية حمكمة غري منسوخة وإمنا املراد باحملاسبة ما خيرب وروي عن الربيع بن أنس

.بأعماله اليت عملها يف الدنيا

Page 754: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٥٤

.فهي حمكمة غري منسوخة.أن اآلية خمصوصة بكتمان الشهادة وأدائها بطرقوروي عن ابن عباس

فاآلية أن املراد باحملاسبة ما يصيب الرجل من الغم واحلزن إذا هم باملعصية ومل يفعلها وروي عن عائشة أيضا

.أيضا حمكمة غري منسوخة

فذلك سرائرك وعالنيتك وإن تبدوا ما يف أنفسكم أو ختفوه قولهيف وروي من طريق علي عن ابن عباسإني أخربكم مبا أخفيتم يف أنفسكم مما إذا مجع اخلالئق يوم القيامة يقول ولكن فإهنا مل تنسخ حياسبكم به

يقول به حياسبكم قولهفأما املؤمنون فيخربهم ويغفر هلم ما حدثوا به أنفسهم وهو مل تطلع عليه مالئكيت .ولكن يؤاخذكم مبا كسبت قلوبكم قولهوهو وأما أهل الشك والريب فيخربهم مبا أخفوا من التكذيب.خيربكم

والروايات على اختالفها يف مضامينها مشرتكة يف أهنا خمالفة لظاهر القرآن على ما تقدم أن ظاهر اآلية هو أقول

وليس يف اخلطور النفساني كسب أن احملاسبة إمنا تقع على ما كسبته القلوب إما يف نفسها وإما من طريق اجلوارح

Page 755: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٥٥

وظاهر احملاسبة هو احملاسبة باجلزاء دون وال يتفاوت يف ذلك الشهادة وغريها وال فرق يف ذلك بني املؤمن والكافر .فهذا ما تدل عليه اآلية وتؤيده سائر اآليات على ما تقدم اإلخبار باخلطورات واهلمم النفسانية

خمالفته لظاهر الكتاب على ما أوهلا وأما حديث النسخ خاصة ففيه وجوه من اخللل يوجب سقوطه عن احلجية

.تقدم بيانه

.اشتماله على جواز تكليف ما ال يطاق وهو مما ال يرتاب العقل يف بطالنه ثانيها

بل رمبا زاد إشكاال على إشكال فإن ظاهر قوله يف وال ينفع يف ذلك النسخ كما ال خيفى وال سيما منه .أن النسخ إمنا وقع قبل العمل وهو حمذور إخل فلما اقرتأها القوم الرواية

ال يصلح ألن يكون نفسا إال وسعها ال يكلف قولهأن أنك ستقف يف الكالم على اآليتني التاليتني ثالثها

فلو محل عليها ما وإمنا يدل على أن كل نفس إمنا يستقبلها ما كسبته سواء شق ذلك عليها أو سهل ناسخا لشيء

Page 756: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٥٦

أو محل عليها إصر كما محل على الذين من قبلنا فإمنا هو أمر كسبته النفس بسوء اختيارها فال تلومن إال ال تطيقه .كاملعرتضة لدفع الدخل نفسا إال وسعها ال يكلف قولهنفسها فاجلملة أعين

ومواجهة الناسخ أن وجه الكالم يف اآليتني ليس إىل أمر اخلطورات النفسانية أصال أنه سيجيء أيضا رابعها

.للمنسوخ مما ال بد منه يف باب النسخ

ما يف للهقولهإىل آخر اآليتني مسوق لبيان غرض غري الغرض الذي سيق لبيانه آمن الرسولقولهبل .إىل آخر اآلية على ما سيأتي إن شاء السموات وما يف األرض

ومآلئكته وكتبه ورسله ال نفرق بين أحد من رسله وقالوا آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن ب ريصالم كإليا ونبر انكا غفرنأطعا ونعمس٢٨٥ كلفال ي اا مهليعو تبا كسا ما لههعسا إال ونفس

بر تباكتسينلى الذع لتهما حا كمرا إصنليل عمال تحا ونبطأنا رأخ ا أوينذنا إن نساخا ال تؤال نا ونبا رنلن قبم ٢٨٦فانصرنا على القوم الكافرين تحملنا ما ال طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنآ أنت موالنا

Page 757: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٥٧

بيان

وقد مر يف ما مر الكالم يف اآليتني كالفذلكة حيصل هبا إمجال ما اشتملت عليه السورة من التفاصيل املبينة لغرضهاتفرقة أن يؤمن جبميع ما أنزل على عباده بلسان رسله من غري أن غرض السورة بيان أن من حق عبادة

ويف السورة قصص من رسلهقولهآمن الرسول إىل وهذا هو الذي تشتمل عليه اآلية األوىل من قوله بني رسلهبه على بين إسرائيل من أنواع نعمه من الكتاب والنبوة وامللك وغريها وما قابلوه من العصيان تقص ما أنعم

يف التجنب عند ذيل اآلية األوىل ومتام وهذا هو الذي يشري إليه وإىل االلتجاء ب والتمرد ونقض املواثق والكفر .فاآليتني يرد آخر الكالم يف السورة إىل أوله وختمه إىل بدئه اآلية الثانية

افتتح هذه السورة بالوصف الذي أن توضيحه ومن هنا يظهر خصوصية مقام البيان يف هاتني اآليتني

فذكر أن املتقني من عباده يؤمنون أعين ما جيب على العبد من إيفاء حق الربوبية جيب أن يتصف به أهل التقوىعلى رسوله وعلى الرسل من قبله ويوقنون ويؤمنون مبا أنزل بالغيب ويقيمون الصالة وينفقون من رزق

.وبني باملقابلة حال الكفار واملنافقني عليهم هبداية القرآن فال جرم أنعم باآلخرة

Page 758: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٥٨

وأكرمهم بأنواع النعم ثم فصل القول يف أمر أهل الكتاب وخاصة اليهود وذكر أنه من عليهم بلطائف اهلداية ومعاداة مالئكته وعلى رسله والرد على فلم يقابلوه إال بالعتو وعصيان األمر وكفر النعمة وعظائم احلباء

.وكتبه والتفريق بني رسل

حبمل اإلصر الشاق من األحكام عليهم كقتلهم أنفسهم وحتميلهم ما ال طاقة هلم به كاملسخ ونزول فقابلهم .الصاعقة والرجز من السماء عليهم

فذكر أهنم على خالف أهل الكتاب ما قابلوا ثم عاد يف خامتة البيان إىل وصف حال الرسول ومن تبعه من املؤمنني

ومالئكته وكتبه ورسله مؤمنني ب رهبم فيما أنعم عليهم باهلداية واإلرشاد إال بأنعم القبول والسمع والطاعة وهم يف ذلك حافظون حلكم موقفهم الذي أحاطت به ذلة العبودية وعزة الربوبية غري مفرقني بني أحد من رسله

.م مع إجابتهم املطلقة لداعي احلق اعرتفوا بعجزهم عن إيفاء حق اإلجابةفإهن

أو قصروا يف ألن وجودهم مبين على الضعف واجلهل فرمبا قصروا عن التحفظ بوظائف املراقبة بنسيان أو خطإأهل الكتاب من القيام بواجب العبودية فخانتهم أنفسهم بارتكاب سيئة يوردهم مورد السخط واملؤاخذة كما أورد

Page 759: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٥٩

وال وال حيمل عليهم إصرا فالتجئوا إىل جناب العزة ومنبع الرمحة أن ال يؤاخذهم إن نسوا أو أخطئوا قبلهم .وأن يعفو عنهم ويغفر هلم وينصرهم على القوم الكافرين حيملهم ما ال طاقة هلم به

ال ما وهو املوافق كما ترى للغرض احملصل من السورة الكرميتنيفهذا هو املقام الذي يعتمد عليه البيان يف اآليتني

اآلية أن تبدوا ما يف أنفسكم أو ختفوه حياسبكم به أن اآليتني متعلقتا املضمون بقوله يف اآلية السابقة ذكروهحكاية لقبول آمن الرسول مبا أنزل إليه من ربه واملؤمنون اآلية وأن اآلية األوىل الدال على التكليف مبا ال يطاق

.!واآلية الثانية ناسخة لذلك األصحاب تكليف ما ال يطاق

إىل أن البقرة أول سورة نزلت باملدينة فإن هجرة النيب وما ذكرناه هو املناسب ملا ذكروا يف سبب النزولباألموال املدينة واستقراره فيها ملا قارن االستقبال التام من مؤمين األنصار للدين اإلهلي وقيامهم لنصرة رسول

وحلوقهم برسوله كان هو وترك املؤمنني من املهاجرين األهلني والبنني واألموال واألوطان يف جنب واألنفس هذا وشكر منه هلم إلجابتهم دعوة نبيه بالسمع والقبول املوقع الذي يناسب أن يقع فيه محد من

أنت موالنا فانصرنا على القوم الكافرين فإن اجلملة يومىء إىل أن سؤاهلم هذا كان ويدل عليه بعض الداللة آخر اآلية .يف أوائل ظهور اإلسالم

Page 760: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٦٠

.وأدب العبودية ومجع جمامع الكمال والسعادة عجائب واإلجياز ثم اإلطناب ويف اآلية من اإلمجال والتفصيل

وإمنا أفرد رسول تصديق إلميان الرسول واملؤمنني آمن الرسول مبا أنزل إليه من ربه واملؤمنونقوله

وهذا دأب القرآن يف املوارد اليت تناسب التشريف أن يكرم عنهم باإلميان مبا أنزل إليه من ربه ثم أحلقهم به تشريفا لهسكينته على رسوله على فأنزل قولهالنيب بإفراده وتقديم ذكره ثم اتباع ذلك بذكر املؤمنني ك

.٨ التحريمالنيب والذين آمنوا يوم ال خيزي قولهو ٢٦ الفتح املؤمنني

فإن ما أنزل تفصيل لإلمجال الذي تدل عليه اجلملة السابقة ومالئكته وكتبه ورسله كل آمن بقولهفمن آمن مبا أنزل على يدعو إىل اإلميان وتصديق الكتب والرسل واملالئكة الذين هم عباد مكرمون إىل رسول

.كل على ما يليق به فقد آمن جبميع ذلك رسول

وإذ يرفع قولهوقد مر يف حكاية لقوهلم من دون توسيط لفظ القول من رسله ال نفرق بني أحدقولهالنكتة العامة يف هذا ١٢٧ البقرة إبراهيم القواعد من البيت وإمساعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم

Page 761: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٦١

والنكتة املختصة باملقام مضافا إىل أن فيه متثيال حلاهلم وقاهلم وأنه من أمجل السياقات القرآنية النحو من احلكاية فهم مل يقولوه إال بلسان حاهلم أن هذا الكالم إمنا هو كالم منتزع من خصوص حاهلم يف اإلميان مبا أنزل

.بلسان احلالوأما تكلمهم به لسانا واحدا فليس إال وإن كانوا قالوه فقد قاله كل منهم وحده ويف نفسه

ال نفرق ومن عجيب أمر السياق يف هذه اآلية ما مجع بني قولني حمكيني منهم مع التفرقة يف حنو احلكاية أعين قوله حيث حكى البعض من غري توسيط القول والبعض اآلخر بتوسيطه وأطعنا إخل بني أحد من رسله وقالوا مسعنا

.ومها مجيعا من قول املؤمنني يف إجابة دعوة الداعي

.مسعنا وأطعنا ال نفرق إخل مقول هلم بلسان حاهلم خبالف قوهلم والوجه يف هذه التفرقة أن قوهلم

ال ثم عدل إىل اجلمع فقال كل آمن ب باإلخبار عن حال كل واحد منهم على نعت األفراد فقال وقد بدأ ألن الذي جرى من هذه األمور يف أهل الكتاب كان على نعت اجلمع كما أن اليهود نفرق بني أحد إىل آخر اآليتني

وبني حممد فانشعبوا شعبا وحتزبوا والنصارى فرقت بني موسى وعيسى فرقت بني موسى وبني عيسى وحممدوكذلك املؤاخذة واحلمل والتحميل الواقع عليهم إمنا خلقهم أمة واحدة على الفطرة أحزابا وقد كان

Page 762: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٦٢

كل ذلك أمر مرتبط باجلماعة وكذلك ما وقع يف آخر اآلية من سؤال النصرة على الكافرين وقعت على مجاعتهم .خبالف اإلميان فإنه أمر قائم بالفرد حقيقة دون الفرد

إنشاء وليس بإخبار وهو قوهلم مسعنا وأطعنا املصريوقالوا مسعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك قوله

.فإن السمع يكنى به لغة عن القبول واإلذعان كناية عن اإلجابة إميانا بالقلب وعمال باجلوارح

.واإلطاعة تستعمل يف االنقياد بالعمل فمجموع السمع واإلطاعة يتم به أمر اإلميان

.ما على العبد من حق الربوبية يف دعوهتاوقوهلم مسعنا وأطعنا إيفاء لتمام

وما وهو العبادة كما قال أن يسمع ليطيع لنفسه على عبده وهذا متام احلق الذي جعله أمل وقال ٥٧ الذاريات خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون

.٦١ يس تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبني وأن اعبدوني أعهد إليكم يا بين آدم أن ال

Page 763: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٦٣

يف قبال هذا احلق الذي جعله لنفسه على عبده حقا آخر لعبده على نفسه وهو املغفرة اليت ال وقد جعل األنبياء والرسل فمن دوهنم فوعدهم أن يغفر هلم إن أطاعوه بالعبودية كما ذكره يستغين عنه يف سعادة نفسه أحد

قلنا اهبطوا منها مجيعا فإما يأتينكم مين هدى فمن تبع هداي فال خوف أول ما شرع الشريعة آلدم وولده فقال .وليس إال املغفرة ٣٨ البقرة عليهم وال هم حيزنون

مسعنا وأطعنا وهو اإلجابة بالسمع والطاعة املطلقني من غري تقييد فأوفوا الربوبية حقها سألوه والقوم ملا قالوا حقهم الذي جعله هلم وهو املغفرة فقالوا عقيب قوهلم مسعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك املصري واملغفرة

ويظهر عند مصري إىل دفع العذاب وهو سرت على نواقص مرحلة العبودية ويرجع مغفرته السرت والغفران .وإليك املصري غفرانك ربنا بقوهلم ولذلك عقبوا قوهلم العبد إىل ربه

واألصل الوسع هو اجلدة والطاقة نفسا إال وسعها هلا ما كسبت وعليها ما اكتسبت ال يكلف قوله

فما يقدر يف الوسع هو السعة املكانية ثم يتخيل لقدرة اإلنسان شبه الظرفية ملا يصدر عنه من األفعال االختياريةثم مسيت وما ال يقدر عليه ال تسعه فانطبق عليه معنى الطاقة عليه اإلنسان من األعمال كأنه تسعه قدرته

.قته وظرفية قدرتهوسع اإلنسان أي طا الطاقة وسعا فقيل

Page 764: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٦٤

فيما مسعا ومن البني أن اإلنسان إمنا يقول أن يسمع ويطيع على عبده أن متام حق وقد عرفت

.وأما ما ال يقبل الفهم فال معنى إلجابته بالسمع والقبول ميكن أن تقبله نفسه بالفهم

فإن اإلطاعة هي يقبل مطاوعة اجلوارح وأدوات العملفيما طاعة ومن البني أيضا أن اإلنسان إمنا يقولوأما ما ال يقبل املطاوعة كأن يؤمر اإلنسان أن يسمع مطاوعة اإلنسان وتأثر قواه وأعضائه عن تأثري األمر املؤثر مثال

تعلق بذلك تكليف أو يتولد من أبويه مرة ثانية فال يقبل إطاعة وال ي أو حيل جبسمه أزيد من مكان واحد ببصرهوهو الذي فأجابه داعي احلق بالسمع والطاعة ال تتحقق إال يف ما هو اختياري لإلنسان تتعلق به قدرته مولوي

فالكسب نعم الدليل على أن ما كسبه اإلنسان إمنا وجده وتلبس به يكسب به اإلنسان لنفسه ما ينفعه أو يضره .من طريق الوسع والطاقة

أن ال يكلفهم ما ليس يف وسعهم اجلارية بني عباده كالم جار على سنة ال يكلف قولهفظهر مما ذكرنا أن

وهي أيضا السنة اجلارية عند العقالء وذوي من اإلميان مبا هو فوق فهمهم واإلطاعة ملا هو فوق طاقة قواهم

Page 765: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٦٥

مسعنا وأطعنا من غري وهو كالم ينطبق معناه على ما يتضمنه قوله حكاية عن الرسول واملؤمنني الشعور من خلقه .زيادة وال نقيصة

.متعلقة املضمون مبا تقدمها وما تأخر عنها من اجلمل املسرودة يف اآليتني نفسا ال يكلف قولهواجلملة أعين

ال يكلف عباده بأزيد مما ميكنهم فيه السمع والطاعة وهو ما يف أن أما بالنسبة إىل ما تقدمها فإهنا تفيد

.وسعهم أن يأتوا به

وعدم وأما بالنسبة إىل ما تأخر عنها فإهنا تفيد أن ما سأله النيب واملؤمنون من عدم املؤاخذة على اخلطإ والنسيانكل ذلك وإن كانت أمورا حرجية لكنها ليست من التكليف وعدم حتميلهم ما ال طاقة هلم به محل اإلصر عليهمبل من قبيل جزاء فإن الذي ميكن أن حيمل عليهم مما ال طاقة هلم به ليس من قبيل التكليف مبا ليس يف الوسعتياريان وأما املؤاخذة على اخلطإ والنسيان فإهنما وإن كانا بنفسهما غري اختياريني لكنهما اخ التمرد واملعصية

.من طريق مقدماهتما

Page 766: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٦٦

وخاصة إذا كان ابتالء اإلنسان فمن املمكن أن مينع عنهما مانع باملنع عن مقدماهتما أو بإجياب التحفظ عنهماومثله الكالم يف محل اإلصر فإنه إذا استند إىل التشديد على اإلنسان جزاء هبما مستندا إىل سوء االختيار

غري فإن ذلك ليس من التكليف املنفي عنه لسهلة بتبديلها مما يشق عليه وحيرتج منهلتمرده عن التكاليف ا .ألهنا مما اختاره اإلنسان لنفسه بسوء اختياره فال حمذور يف توجيهه إليه اجلائز عند العقل

وأطعنا وهو قول ينبىء عن ملا قالوا يف مقام إجابة الدعوة مسعنا ربنا ال تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأناقوله

والتفتوا أيضا إىل ما آل إليه أمر اإلجابة املطلقة من غري تقييد ثم التفتوا إىل ما عليه وجودهم من الضعف والفتورالذين كانوا من قبلهم وقد كانوا أمما أمثاهلم اسرتمحوا رهبم وسألوه أن ال يعاملهم معاملة من كان قبلهم من املؤاخذة

.إال رمحته وأن ال عاصم من أن ال حول وال قوة إال ب لتحميل ألهنم علموا مبا علمهم واحلمل وا

فصح له أن يسأل ويصان به وإن كان معصوما من اخلطإ والنسيان لكنه إمنا يعتصم بعصمة والنيب .ويدخل نفسه لذلك يف زمرة املؤمنني ربه ما ال يأمنه من نفسه

Page 767: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٦٧

وقيل هو اإلصر هو الثقل على ما قيل وال حتمل علينا إصرا كما محلته على الذين من قبلناربنا قوله .وهو قريب من املعنى األول فإن يف احلبس محل الشيء على ما يكرهه ويثقل عليه حبس الشيء بقهره

وعلى ما يشري هم أهل الكتاب وخاصة اليهود على ما تشري السورة إىل كثري من قصصهم واملراد بالذين من قبلنا

.١٥٧ األعراف ويضع عنهم إصرهم واألغالل اليت كانت عليهمقولهإليه

إذ قد املراد مبا ال طاقة لنا به ليس هو التكليف االبتدائي مبا ال يطاق ربنا وال حتملنا ما ال طاقة لنا بهقولهيدل على خالفه بل وقالوا مسعنا وأطعناقولهأعين ما حكاه وأن كالمه عرفت أن العقل ال جيوزه أبدا

أو رجز مصيب كاملسخ أو عذاب نازل املراد به جزاء السيئات الواصلة إليهم من تكليف شاق ال يتحمل عادة .وحنوه

وأما حبسب والرمحة معروفة واملغفرة سرته حمو أثر الشيء العفو واعف عنا واغفر لنا وارمحناقوله

وبعبارة املصداق فاعتبار املعاني اللغوية يوجب أن يكون سوق اجلمل الثالث من قبيل التدرج من الفرع إىل األصلهو إذهاب أثر الذنب وإحماؤه كالعقاب املكتوب فعليها يكون العفو منه أخرى من األخص فائدة إىل األعم

Page 768: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٦٨

والرمحة هي العطية اإلهلية اليت هي واملغفرة هي إذهاب ما يف النفس من هيئة الذنب والسرت عليه على املذنب .الساترة على الذنب وهيئته

ا إن نسينا أو أخطأنا على ما ربنا ال تؤاخذن قولهواعف عنا واغفر لنا وارمحنا على قولهوعطف هذه الثالثة أعين

بأن املراد من العفو واملغفرة والرمحة ما يتعلق بذنوهبم من جهة اخلطإ والنسيان للجميع من السياق والنظم يشعر .وحنوها

غفرانك ربنا فإنه مغفرة مطلقة يف مقابلة قولهومنه يظهر أن املراد هبذه املغفرة املسئولة هاهنا غري الغفران املذكور يف

فسؤال املغفرة غري وهذه مغفرة خاصة يف مقابل الذنب عن نسيان أو خطأ اإلجابة املطلقة على ما تقدم .مكرر

وقد كرر لفظ الرب يف هذه األدعية أربع مرات لبعث صفة الرمحة باإلمياء والتلويح إىل صفة العبودية فإن ذكر الربوبية

.خيطر بالبال صفة العبودية واملذلة

Page 769: المِيزانُ في تفسِّيرِ الميزان

_

٧٦٩

واملوىل هو الناصر لكن ال كل استيناف ودعاء مستقل أنت مولينا فانصرنا على القوم الكافرينقولهوليا للمؤمنني فهو موالهم وملا كان ناصر بل الناصر الذي يتوىل أمر املنصور فإنه من الوالية مبعنى تويل األمر

موىل ذلك بأن وقال ٦٨ آل عمران ويل املؤمنني و قال فيما حيتاجون فيه إىل نصره .١١ حممد الذين آمنوا وأن الكافرين ال موىل هلم

ونشره واجلهاد وهذا الدعاء منهم يدل على أهنم ما كان هلم بعد السمع والطاعة ألصل الدين هم إال يف إقامته

على بصرية أنا قل هذه سبيلي أدعوا إىل قال وحتصيل اتفاق كلمة األمم عليه إلعالن كلمة احلقفالدعوة إىل دين التوحيد هو سبيل الدين وهو ١٠٨ يوسف وما أنا من املشركني ومن اتبعين وسبحان

كل ذلك حلسم مادة الذي يتعقب اجلهاد والقتال واألمر باملعروف والنهي عن املنكر وسائر أقسام الدعوة واإلنذارشرع لكم من الدين ما قولهويشري إىل ما به من األمهية يف نظر شارع الدين االختالف من بني هذا النوع

نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين وال تتفرقوا وصى بهفقوهلم أنت موالنا فانصرنا يدل على جعلهم الدعوة العامة يف الدين أول ما يسبق إىل أذهاهنم ١٣ الشورى فيه

.أعلم و بعد عقد القلب على السمع والطاعة