أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

92
رض أ ال ق ت ر لب أ ن ي ز ح ل أ ى ل أ ن م هد! ش ست أ ي ف ل ي) ب س رض أ ال ق ت ر لب أ... ن ي ز ح ل أ ى ل وأ ن م م ل هد! ش ست ي عد.. ت سان غ ى ن ا ق ن ك عد ت أ ن مود حد ل أ عد ص ل ج ر ل أ هام ل أ ات ألدرج لة ي ل ق ل أ ى ل أ ة، تF ب) ب ح ت ف لة، ات ي ل أ ي ق ل أ ة تM ظ ف ح م ة لدي ح ل أ وق ف، طاولة أل ل ي ف ة،Y ت ج و ر زM ظ ن ى ل أ لة ق ط م ئ ا ي ل أ ي ف ر ي ز ح ل أ، رق ر لأ أc كe ف اط رب ة، ق ن غ ساعده ادم ح ل أ ي عل ع ل ج ة، أي جد ت د ج أ ةY ت ج و ر، ف عط م ل أ ة ت ق ل ع ي عل، ب ج! ش م ل أc رك ف ة دي بً عا ن م ت س م ء.. الدف ب- د رب ي أ ن أ اول يY بY بc اءك! س غ ؟ ن لأ أ- وه أ م، ع ت ا ب أ ع ئ ا ج.. ً دأ ج دأرت ي س أ ةY ت ج و ر ة ت ه أ د ى ل أ ارج ج، ة زف لغ أ زغ غ ر ر ب غ ص ل أ ي ف ره ي ز ح، رق ر لأ أ وأت ص أ ون ح ص ل أ ى ن ا ب ة ت ل أ دره ح م ن م ورأء ات ب ة زف غ عام، لط أ م! ئ وت ص ة:Y ت ج و ر- ل ه وه؟ م ت ك س م1

Transcript of أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

Page 1: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

الحزين البرتقال أرض

الحزين... البرتقال أرض سبيل في استشهد من إلىبعد.. يستشهد لم من وإلى

كنفاني غسان

الحدود من أبعد

ألقى الباب، له فتح بيته، إلى القليلة الدرجات الهام الرجل صعد النائم طفله إلى نظر زوجته، قبل الطاولة، فوق الجلدية محفظته

خلع على الخادم ساعده عنقه، رباط فك األزرق، الحرير في يديه فرك المشجب، على علقته المعطف، زوجته أخذت حذائه،

K بالدفء.. مستمتعااآلن؟ عشاءك تتناول أن أتريد-K.. جائع أنا نعم، أوه- جدا

حريره في الصغير رغرغ الغرفة، خارج إلى ذاهبة زوجته استدارت غرفة باب وراء من مخدرة إليه تأتي الصحون أصوات األزرق،زوجته: صوت ثم الطعام،

مسكتموه؟ هل-من؟-التحقيق.. أثناء النافذة من قفز الذي الشاب- ساعة بين إلينا مآله سيكون يفر؟ أن يريد أين ولكن بعد ليس-

وأخرى..بالضبط؟ جريمته كانت ماذا-هرب.. ثم مقابلتي طلب لقد أدري؟ أن لي أين من- الباب اجتاز الفرو، ذات شحاطته انتعل الوثير، الكرسي عن قام من وجهه قرdب المفضل، كرسيه في جلس الطعام، غرفة إلى

منه.. المتصاعد بالبخار واستمتع الحساء صحنK، ساخن الحساء هذا- سيحرقني. جدابرهة.. تنتظر أن عليك-K مرهق أنا- اليوم جدا

صوت سمع جفنيه، في يتمدد بثقل وأحس كرسيه في تراخىK تنسى زوجته بعنف، ينغلق شباك K الحمام شباك دائما مفتوحا استطاع النوم.. كيف في جامحة برغبة الريح.. أحس به فتلعب

1

Page 2: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

كلهم نفسه؟ يؤذي بأن دون الشباك من يثب أن الشقي ذلكمجرمون.. شياطين

K ألقي "سوف- أمامك" خطابا كان أنه إال رأسه، يرفع أن فحاول بوضوح الجمالة هذه سمع

K يكون؟ من نفسه: تراه سأل والنعاس، بالدفء مستمتعاسيدي!" يا النافذة من عاد النافذة، من هرب الذي "الشاب-

من بشيء أحس أنه رغم رأسه يرفع أن يشأ لم أخرى ومرة نكهة وجهه إلى فيحمل يتصاعد زال ما الحساء بخار الرعب.. كان

الشاب.. أنا ذلك أمسكوا أنهم شك "ال لنفسه قال دافئة، رطوبةبها".. أثق أنا نامية، السادسة حاستي ألن اآلن به أفكر

K" ألقي أن أريد كذلك؟ أليس سيدي، يا تقاطعني لن- خطاباأقاطعغك" لن " ال،- بعد.. ينم لم فهو ذلك ورغم عينيه يفتح بأن اآلن، بوسعه، يعد لم

فكر، هكذا مباشرة، النوم تسبق التي العائمة القليلة اللحظات إنهاK يعرف إنه الثمالة.. حتى واع، نصف ويمتصها، اللحظات، هذه جيدا الحساء، يبرد ريثما أمامك أرتجف أن سيدي يا لي " اسمح-

زال ما حق إنه كذلك؟ أليس االرتجاف، من تمنعني لن أنتK واقعة.. حقيقة ولكنه مؤسف اآلن.. شيء حتى لي متوفرا

أنهم أعتقد ذلك، من يمنعوني أن يستطيعون ال رجالك إن يتعين كيف ولكن حركة؟ االرتجاف ذلك.. أليس في يرغبونK؟ أيعطوني يفعلوا؟ أن عليهم الخنزير يعطون كيف، معطفا

K؟" معطفا الحروف أن إال الحاد الصوت إلبعاد عنيفة محاولة في رأسه هز

كالعلق.. صدغيه في تتكلب كانت الملف لك ليحمل كاتبك تستدعي أن تحاول سيدي/ ال يا "ال-

لحياتي.. الهامة وغير الهامة التفاصيل كل على يحتوي الذيK تعرف أن تريد على أحسب ذلك؟ يهمك هل عني؟ شيئا

في أبي لها بناه بيت أنقاض تحت ماتت أم إذن: لي أصابعك وال به االلتحاق بوسعي وليس آخر قطر في يقيم أبي صفد، مدارس في الذل يتعلم سيدي، يا أخ، لي زيارته، وال رؤيته

أن بوسعها وليس ثالث قطر في تزوجت أخت لي الوكالة، لم ما مكان في سيدي، يا آخر، أخ لي والدي، ترى أو تراني هل جريمتي؟ تعرف أن بعد.. تريد إليه أهتدي أن لي يتيسرK يهمك لقد سيدي؟ يا بريء فضولي أنت أم تعرف أن حقا

رأس فوق الحليب وعاء محتويات كل أعي، أن دون سكبت أم جنون لحظة وطني.. في بيع أريد ال أنني له وقلت موظف سحيقة زنزانة في وضعوني .. لقد أدري ال عقل، لحظة

2

Page 3: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

تلك في جنون.. ولكنني، لحظة أنها أقول لكي العمق لحظة كانت بأنها مضت لحظة أية من أكثر تيقنت الزنزانة،

كلها.. حياتي في الوحيدة العقل ال أنا تخف ال سيدي، يا البرد شدة من تصطك أسناني صوت هذا

K أحمل K، ليست أسناني أن تعتقد كنت إذا سالحا ساقي إن سالحا لبالي خطرت وقد نافذتك، من قفزت ألنني ممزقتان عاريتان

K الركض في أمعن وأنا صغيرة فكرة وحرسك غرفتك عن مبتعدا هي جروح من تفجر قد ساقيd من سال الذي الدم هذا أن وهي أن أريد الحدود. وال على يحدث ال للعجب، ذلك، وإن جروحي، أول

K، عنك أخفي K في ذلك بعث سيدي.. لقد يا شيئا الخجل يشبه شيئاK كان ولكنه K خجال K حزينا K..ويبدو صار أن لبث ما بائسا ذلك نأ دمعا

ألن عدت تراني أم النافذة، من إليك ألعود دفعني الذي هو الخجل ما آخر وكانت النافذة من أثب وأنا سمعتها التي األخيرة، تك كلما

ناشفة كالمثقب: كلمة رأسي في تنخر تزال ما منك، سمعتأقفز: "الخنزير.. امسكوه"! وأنا ورائي انهمرت

أكونه؟ أن لي حقير.. أتسمح خنزير إذن أنا سيدي، يا هذا، الصدق قلت لو الصدق.. ولكن أردت إذا ذلك أشعر لست أنا

ظهري وراء أغلقوا السجن. وإذا في بي لزجوا إذن أعلى، بصوت منك أعلى هو من حتى وال أنت؟ يفتحه؟ أن يستطيع فمن المزالج

K.! أتعرف قيمة إال لست الواقع، في ألنني، سيدي؟ يا لماذا ومركزا تسمع أن لك قدر إذا نفسك ستسأل فأنت نادر، نوع من تجارة

بساطة: بكل إطالقه؟" والجواب من سأستفيد بالخبر: ".. وماذاK لست شيء!" فأنا "ال K، صوتا K، لست وأنا انتخابيا شكل بأي مواطناK لست وأنا األشكال، من الفينة بين تسأل دولة صلب من منحدرا

ومن االحتجاج، حق من ممنوع رعاياها.. وأنا أخبار عن واألخرى أنا بقيت إذا ستخسر شيء.. وماذا ال ستربح؟ فماذا الصراخ حقK! إذن شيء ال المزالج؟ وراء هذه "خذ الطويل؟ التفكير لماذا أيضا

ال مشكلة أخرى!" أرأيت؟ مرة بمثلها تزعجني وال ولد يا األوراقأسهل! وال أبسط

K األمر في فكرت لقد سيدي.. أنت يا األخيرة المدة في مطوال الفينة بين يفكر أن يستطيع زال ما منا الواحد أن بد، ال تعرف،

K كنت واألخرى.. لقد في الفكرة سقطت وفجأة الشارع في ماشيا تتناثر بشظاياه وأحسست تكسdر أن لبث ما كبير زجاج كلوح رأسي

ماذا؟" وأنت لنفسي: " أوف.. ثم الداخل.. قلت من جسدي في بعد ولو يطرحه أن للمرء يمكن صغير، سؤال مجرد إنه ترى،

K كان السؤال أن المرة هذه العجيب سنة.. ولكن عشر خمسة صلباK K.. إذ أقول وأكاد وناشفا انفتح رأسي، في سقط أن فور أنه، نهائيا

3

Page 4: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

أكون أن بد لنفسي: " ال نهاية.. وقلت بال طويل مظلم خندقK في سكر كقطعة يذوبوني أن حاولوا شيء.. لقد كل رغم موجوداK الله، يشهد ساخن.. وبذلوا..، شاي فنجان K جهدا أجل من عجيبا

K أزال ما ذلك.. ولكنني السؤال أن شيء..ت" إال كل رغم موجودا سيدي با األسئلة من النوع ماذا؟" هذا يعوي: "ثم يزال ما كان

أن قبل يبرح أن بوسعه يكون لن أتى ما إذا أنه ذلك للغاية، عجيبK! ظمأه يروي تماماK: يبدو أقول دعني ماذ؟ ثم نعم، ماذا" دعني "ثم ثمة ليس أن همسا حتى عني هارب.. قولوا جبان يائس أنني عني قولوا ثم ذلك، أقول يا الحقيقة أكثر.. إن الجواب أكتم أن بوسعي خائن! ليس إنني

يوم، ذات بأنني، ألحس حتى بغزارة تملؤني وهي مروعة، سيدي "ثم ثمة ليس سيدي؟ يا عبأتني.. أتسمع ما فرط من أنفجر قد

K كلنا، حياتنا حياتي، لي اإلطالق.. وتبدو ماذا" على K خطا مستقيما متوازيان، الخطين قضيتي.. ولكن خط جانب إلى وذلة بهدوء يسيريلتقيا.. ولن

سيدي! يا هذه ألقرر خارقة شجاعة قاسية فترة طوال جمعت قد أنا كنت إن

فقط القول شرف لي أنا لي، ليس كله الشرف فإن الحقيقة، الذين أنتم أنكم ترى التأليف.. ألست شرف بكل تحتفظون وأنتم

K ساعة إثر ساعة أعددتموني K يوم إثر ويوما لهذه عام إثر وعاماالنتيجة؟

وال يكل ال متواصل بجهد ذلك حاولتم سيدي؟ يا تذويبي حاولتم لقدK أكون سيدي. هل يا يمل بلى! تفلحوا؟ لم بأنكم فأقول مغرورا

نقلي، استطعتم أنكم ترى ألست وخارق، بعيد حد إلى أفلحتم من أعلى حالة.. لست إذن أنا حالة؟ إلى إنسان من قادرة، بقدرة

نستوي فنحن حالة، أننا حالة، أدنى.. وألنني أكون وقد قط، ذلكK رائع عمل سيدي، يا رائع عمل مذهل! إنه بشكل أنه رغم جدا إنسان مليون تذويب إن سيدي، يا ولكن طويلة، فترة إلى احتاج،K K جعلهم ثم معا K شيئا K ليس واحدا K، عمال أنك أعتقد ولذلك سهال

أولئك افقدتم الطويل.. لقد الوقت ذلك احتاج إن له تسمح إلى اآلن، حاجة، في المميزة.. ولستم الفردية صفاتهم المليون

تسموها أن لكم خطر حالة.. فإذا أمام أنتم وتصنيف، تمييز اإلرهاق خونة! فلماذا إذن كلهم، لصوص.. خيانة؟ فإنهم لصوصية،

المعقدة؟ البشرية والنظرات والتعبK أقول أن أريد أنا البيطيء، فهمي على تتعجل سيدي.. ال إنهم أيضا

K، تجارية".. إنهم، "حالة أخرى، ناحية من فكل سياحية، قيمة أوال يقفوا أن الالجئين وعلى المخيمات، إلى يذهب أن يجب زائر

4

Page 5: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

على زيادة الممكن، األسى بكل وجوههم يطلقوا وأن بالصفK.. ثم ويحزن الصور، ويلتقط السائح عليهم فيمر األصل، قليال أن قبل الفلسطينيين مخيمات ويقول: "زوروا بلده إلى يذهب

K، إنهم، ينقرضوا" ثم الخطابات مادة فهم زعامية، قيمة ثانيا يا ترى، الشعبية.. وأنت والمزايدات اإلنسانية واللفتات الوطنية التي السياسية الحياة مؤسسات من مؤسسة أصبحوا لقد سيدي،

K الربح تدر K! يمينا ويسارا حقيقة ولكنها مروعة، حقيقة "ثم"! هذه أي هناك ليس سيدي،

أنا حاسم، بشكل الحياة في دوري تقولب حال.. لقد أية على وسياحية تجارية قيمة ذات حالة كجماعة، وأنا، خنزير، كفرد/ مجرد

K فكرت وزعامية.. لقد وسياحية بهذا أصرح أن قبل طويال خائن يقول: هذا بمن ستمتلئ المنابر بأن أعرف وأنا االكتشاف،

وبعد نالني، مما أكثر العار ينالني لن بأس، ال هارب، متخاذل جبانK عشر خمسة ورجال اإلخالص زعماء تكونوا أن بأس ال عاما

يهربون.. وال ييأسون ال الذين الصناديد واألبطال المعركة العد... نحن يحصيها ال أخرى خدمات تقدم مؤسستنا سيدي! إن

K للبقية.. درس مادة تكون أن أجل من مالئمة جماعة أكثر مثال المخيمات! اضرب إذن، صعبة؟ مستعصية السياسية األحوالK مواطنيك استطعت! أعط إن كلهم بل الالجئين، بعض اسجن درساK جماعة لديك كان إذا تؤذيهم تؤذيهم.. ولماذا أن دون قاسيا

ألفت أن أريد ساحاتها؟ في تجاربك تجري أن تستطيع مخصصة والء تؤكد أن تستطيع أنت أخرى، كثيرة أمور إلى سيدي يا نظرك

بعض هم إنما المتذمرين بان اإلدعاء طريق عن مواطنيك أن فقل مشاريعك من مشروع فشل وإذا الفلسطينيين، تفكير إلى يحتاج ال أمر أنه كيف؟ الفشل، ذلك سبب الفلسطينيين

K.. أو هناك من مروا إنهم قل طويل، المشاركة.. في رغبوا أنهم مثال ينبري؟ لمحاسبتك.. ولماذا سينبري أحد من ما إذ آخر، شيء أي أو

K، عشر خمسة بعد يملك، من القضاء في بنفسه التطويح جرأة عاماهدف؟ دون

K.. أنت رحمة نحن ترى، أنت سيدي، يا تشنق أن تستطيع أحياناK K الميت بجسده فتربي منا واحدا K تحمل أن دون الناس من ألفا هما

K أو من كثير في نقمة سيدي، يا أننا ضمير.. إال تأنيب أو خوفا للعدو.. ونحن أرضنا بعنا نحن خونة، نحن لصوص، نحن األحيان،

التراب.. حتى هنا، شيء كل نمتص أن نريد طماعون طماعون، أبينا.. أم شئنا به نقوم أن لنا.. وعلينا رسم الذي الدور هو هذا

لي بد ال أن واشعر تؤرقني بسيطة مشكلة هنالك سيدي، يا ولكن،K قولها.. إن من K يشغل أنه شعر ما إذا الناس، من كثيرا في حيزا

5

Page 6: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

لو أنه األمر في ما ا" وأبشع1ماذ "ثم بالتساؤل، يبدأ المكان،K.. يصاب حق له ليس بأن اكتشف الجنون، يشبه بشيء "ثم" أبدا أفضل هذه!. الموت حياة منخفض: "أية بصوت لنفسه فيقول

واحدة: دفعة يصرخ الجميع فإذا عدوى، سيدي يا منها"والصراخ،هذه!. حياة "أية

K الموت يحبون ال عادة الناس منها" وألن أفضل الموت بد فال كثيراآخر. بأمر يفكروا أن

سيدي.. أنصرف!" أن لي فاسمح برد قد حساؤك يكون أن أخشى

1962

البوابة وراء األفق

-1 - يمكن ال أنفاسه.. ال، ليلتقط وقف السلم رأس إلى يصل أن قبلK يعرف الحد.. إنه هذا إلى مرهقا يكون أن K ليس أنه جيدا مرهقا

K.. لقد سوى يحمل ال إنه ثم الفندق، باب على السيارة أنزلته أبداK يكن لم والسلم صغيرة سلة تصور.. كما طويال

K تحطمه التي هي األخيرة الثالث الدرجات هذه ولكن وتذوdب دائماإصراره.. وتهدم ركبتيه

6

Page 7: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

يعود الحائط.. هل إلى بكتفه واتكأ السلم على السلة وضعK السؤال له بدا أدراجه؟ منه، يتخلص أن يستطع لم ولكنه عجيبا

الذي التردد دوامة وفي أعود؟ كالناقوس.. هل رأسه في يدق كان هذه نفس وقف قد كان أنه فجأة تذكر عروقه في تطوdف أخذت واحدة لحظة وبعد السؤال، ذات نفسه وسأل عامين قبل الوقفة

dكر K مرة اآلن أدراجه يعود القدس.. هل غادر ثم السيارة، إلى عائدا إلى واندفع بعنف ذراعها على فقبض السلة إلى كفه مدd أخرى؟

K نفسه يقتلع كأنه فوق طين.. بحيرة من اقتالعاK أكون أن العار من أعود! إنه لن المرة ال! هذه الحد.. هذا إلى جبانا

K كتفيd على حملت لقد K قدرا K قميئا طويلة.. سنوات عشر طيلة ثقيالdترتفع التي مندلبوم، بوابة ظل في أغسله أن اآلن وعلي K من فاصال

الباقية.. واألرض المحتلة األرض بين حجارةK أضع أن أعود.. يجب لن المرة هذه ال، الذي الطويل للكذب حدا

K مارسته K، أو مختارا سنوات.. عشر طوال أدري، لست مرغما أن على عزمه عقد قد كان القدس إلى عامين قبل وصل حين

سلم على وقوفه لحظة في شيء.. ولكنه كل لها ويقول أمه يقابل ساقه الذي الطويل الكذب يمسح أن يستطيع لن أنه شعر الفندق

K: "أنا اإلذاعة يراسل كان عندما أمه على طمنونا بخير، ودالل قائالK العشر السنوات هذه طيلة الكذبة نمت عنكم.." لقد K نموا فظا

K يجد لم انه حتى حاسمة واحدة مرة الحقيقة هذه ليقول مبرراK.. ولذلك قاتلة وربما وقاسية صعود عن يكف أن يومها فضل أيضاK وكرd السلم، قضت قد أمه أن في شك من السيارة.. وما إلى عائدا

بين باجثة بعنقها تتطاول البوابة حلق في واقفة الصباح ذلك طيلة وفاجعة.. مريرة أمل بخيبة أصيبت أنها في شك من الجموع. وما

بعد هناك، أمامها، يقف أن من بكثير أسهل يبقى كله ذلك ولكنالقاتلة.. الحقيقة لها ليقول سنوات، عشر

قد العتمة رأسه.. كانت تحت ذراعيه وصالب سريره في استلقى إال الغرفة في ثمة يكن ولم النائمة المدينة فوق كفها تبسط بدأتK الذهاب من بد حاسمة: ال واحدة فكرة مندلبوم.! إلى غداK بشعرها إليه تندفع وسوف المعروقة بكفها له تلوdح سوف وغدا

صدره فوق تنهمر سوف بالدموع، المبتل العجوز ووجهها األشيب تمرغ سوف يموت، أن وشك على صغير طير يرجف كما وترجف أن تستطيع التي الكلمة تجد أن دون وجهه على المكدود رأسها

فوق تخفق وهي لها يقول عساه فماذا المخذول بحبها تشحنها أن عليه يتوجب أين من صدره؟ في يخفق الذي كالقلب صدرهيبدأ؟

7

Page 8: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

في يضرب قلبه وجيب يسمع أنه إليه وخيل فراشه في تقلب يافا غادر أن منذ البدء، من يبدأ سوف المشدود، كالوتر كله جسده

يذكر له: إنه تخطبها أن تزمع أمه كانت التي الفتاة ليرى عكا إلى له تدعو السلم على أمه وقفت كيف دقائقها، بكل اللحظة تلك

مطمئنة، له تشير جانبها إلى تقف خالته وكانت والتوفيق، بالخير ذراع على يشد وكان غيابه، فترة طيلة ستالزمها أنها يعرف هو

من العاشرة في غضة فتاة مرافقته، في رغبت التي دالل أختهحياتها. في مرة ألول أخيها مع الدار تغادر عمرها أن فبعد اشتهت ما وغير اشتهى ما غير على جرت األمور ولكن عانى لقد العودة، واستحالت الطريق انقطع قليلة بأيام يافا غادرK K أمضاها التي السوداء األيام تلك في القلق من كثيرا أمه، عن بعيدا في شيء كل ألمه تعني التي دالل بسبب ولكن هو بسببه ليس

في الموت يكون حين الحياة نكهة العجوز تعطي التي هي البيت،الموت. كلها األشياء تعني حين كلها الحياة تعني التي وهي الجوار، أن شك بال تريد إنها حالة، بأية يهم لم القصة من القسم ال.. هذاK تعرف K أكثر أمورا القصة. من الجزء هذا من غموضاK، فراشه في تقلب أخرى ومرة بضوء تنوس الغرفة كانت محتارا

مثل الجدار على تتكئ الصغيرة السلة وكانت مريض، شاحب كيف لها يحكي ال لماذا نهايتها؟ من بالقصة يبدأ ال لماذا حي، شيءذلك؟ بعد األمور جرت وكيف عكا دخل ارتد من مع وجهه.. ارتد في جهم تفجرت حين الغرفة في كان في ما كل القصيرة بندقيته قاءت عكا، يطوي الظالم بد حين

لشيء، تصلح ال ناشفة عصا مجرد عصا، إلى تحولت ثم جوفها الذي الرعب ظل في تبكي كانت دالل، وعانق غرفته إلى ذهبdم فوق انهدت قد األكتاف كانت يعي، أن وقبل المدينة، فوق خي

K الغرفة في فزرع ثرثار رشاش وانفتح الباب، ثم كالمطر، رصاصا الغرفة باب عينيه أمام يسدون رجال أربعة عن الدخان انكشف

بالخفقات دمها في ترتعش دالل كانت يتحرك، لم ولكنه الخشبي، يسكب أن يريد كأنه صدره إلى شدها وعندما أنفاسها، من األخيرة

K لتقول حاجبيها رفعت ثم إليه حدdقت ودمه، قلبه فيها ولكن شيئاالكلمة. أمام الطريق سد الموت

K يذكر ال إنه بكى؟ هل أخته حمل أنه يذكره الذي كل اآلن، شيئا المارة عيون أمام يرفعها الطريق إلى وانطلق ذراعيه بين القتيل

يدري ليس تكفي، ال وحدها دموعه أن لو كما دموعهم ليستجدي ولكنه ذراعيه، بين من الميت الجسد ينتزعوا أن للناس تيسر متى

المتصلب، البارد جسدها ضيع حين الميتة، أخته فقد حين أنه يعرفdأن يهمه يعد ولم وأمله، وأهله شيء: أرضه كل فقد بأنه أحس

8

Page 9: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

K الجبال، في يضرب مضى هنا ومن ذاتها، حياته يفقد أرضه، تاركاK كالسوط. الحقه الذي القدر من هاربا

عشر في بناها التي الكبرى األكذوبة النمحت يكله ذلك قال لو منذ ماتت، قد دالل أن تعرف اللحظة تلك في أمه ستصير سنوات،

K كذب قد ابنها وان سنوات عشر تلك تكرار على دأب حين طويالعنكم". طمنونا بخير ودالل اإلذاعة: "أنا أسالك عبر الباردة الجملة

الطريق.. إلى يحدق وأخذ القائمة الستائر ففتح النافذة إلى نهض الذي األسود القدر من نفسه ويحرر الكذبة من يحررها أن يجبK، حمله قبرها وأن هناك، مدفونة دالل أن لها يقول أن يجب وحيدا

أمها، وأنها، عيد، كل في زهر باقة عليه يضع من يجد ال الصغيرتزوره. أن لها يتيسر ال عزيز قبر من أشبار بعد علىK الكبيرة البوابة ظل في اللقاء كان ير لم التالي، اليوم صباح باكرا لم هناك، كانت فقط خالته بالوجوه، يتفرس كان فيما أمع علي

مكانها على تدله أن واستطاعت عرفته لكنها األمر، بادئ يعرفهاK أتى الذي السؤال سألته اللقاء غمرة وفي الجموع، بين خصيصا

عليه: ليجيبدالل؟ أين-

حمله الذي اإلصرار كل ذاب المترقبتين الصغيرتين العينين وفيهوادة: بال تهزه وأخذت بحلقه تمسكت حفية قوة كأن معه،

أمي أين لي تقولي لم ولكنك- أخرى إلى يد من السلة عليd نقل أخرى، مرة العيون وتالقتK، يقول أن وحاول K كان حلقه ولكن شيئا ذراعه، فوق بغصة مسدودا

K صوتها وأتاه يصدق: ال بأسى مشحونادالل أين-دالل-

نفسه عن يدفع كأنه وبدا ركبتيه يأكل بالضعف أحس أخرى ومرةK خالته: باتجاه ة1السلd ومد يده رفع باإلغماء، إحساسا

األخضر.. اللوز بعض فيها ألمي، السلة هذه خذي- عينيd من انسكبت قد فاجعة نظرة كانت يكمل، أن يستطع ولم

وأكمل كتفها وراء نظر ترتجف، شفتها وبدأت العجوز، المرأةبوهن:

تحبه. .. كانت- أحس قبر كألف بينهما انفتحت التي الواسعة الصمت فترة وفي

في أصابعها تدوdر خالته وكانت الفرار إلى به تدفع هائلة برغبة إحساس كان األخضر، دالل رداء فيها وضعت التي الصغيرة الحقيبة بدمع عيناها تأتلق هناك واقفة هي صدريهما، بين يصل مباشر

9

Page 10: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

إليه ورفع يده مد حلقه، يجرح الالمع النصل يحس وهو صامتخافت: بسؤال نفسه انتشل ثم وجهها

يافا؟ تركت كيف-K تقول أن خالته حاولت من سيول تزاحمت تستطع، لم ولكنها شيئا

معنى ال باهتة ابتسامة وابتسمت فسكتت حنجرتها في الكلمات أخذ فيما كسيح بحنو كتفه على تمسخ الراجفة يدها مدت ثم لها،مندلبوم. بوابة خلف يقع الذي األفق إلى بهدوء ينظر هو

1958- الكويت

المحرم السالح

-1-K علي أبو يلي: كان كما القصة بدأت دكانه أقفل لقد داره، إلى عائدا فيستريح البيت إلى يذهب أن وأراد توعكه بسبب المغيب قبل ويأوي عشاءه يتناول أن قبل الباب أمام الصغير الكرسي علىK يدري ليس الفراش، على الذي الغداء كان ربما الوعكة، لتلك سببا نحاسية طاسة في علي ام وضعته أن بعد الصباح في معه حمله يتباين الذي الطقس كان ربما أمس، طبخ من ألنه فسد، قد كبيرة

ال أن علي أبو فضل حال أي وعلى السبب، هو وأخرى ساعة بين الله، سمح ال حادث، أي حدوث من بد ال كان وإذا الدكان، في يبقى

علي. من مرأى وعلى علي، أم ذراعي بين األهل، بين إذن فليكن

10

Page 11: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

الوقت ذلك في القرية بساحة يمر جعله الذي السبب هو هذا لما وإذن هناك، من مر كان لما إذن التوعك يصبه لم ولو بالذات،كلها.. القصة حدثت

كان المبلطة، للساحة اآلخر الطرف في منه خطوات بعد على دائرية بصورة ما شيء حول يلتفون ورجالها القرية شباب بعض

لم أنه إال مكانه، من الحقيقة يخمن أن علي أبو حاول لقد ملتحمة،K األمر كان لو يفلح، فاروق، جانب إلى الله عبد وقف لما إذن عاديا

األمر يكون أن إذن بد ال مقيمة، كراهية بعضهما يكرهان فإنهما،K K، وهنا خطيرا القصة حدثت لما الفضول، عليه يسيطر لم لو أيضا

الرجال حلقة إلى توعكه، رغم وسار، اتجاهه غير ولكنه كلها،K إليها يصل أن وقبل الخبر، يستطلع األكتاف بين من شاهد، تماما

الميدان بلباس أجنبي جندي جانبها إلى يقف جيب سيارة المتمايلة،K الكاملة جديدة. بندقية كتفه على معلقاK أتى قد كان الجندي هذا أن وتذكر يقيم أن بغية القرية على مراراK، يرفضونه كانوا القرية أهل أن إال فيها، إال آخر لشيء ليس دائما السالح أن يقولون القرية أهل وكان سالحه، معه يحمل كان ألنه الجندي هذا يضمن أن يستطيع الذي ومن للقتل، إغراء اإلنسان بيد يجب الرصاص الناس، على يطلق ال أن يجب الرصاص يطلق فال إلى قادته التي الفكرة هي هذه كانت الضباع، على يطلق أن

فقد ذلك، ورغم شيء، كل فهم بالذات اللحظة تلك وفي الحلقة، إلى انضمامه يبرر أن يريد كأنه لبالسؤا إليه الناس أقرب بادر

الحلقة:هنا؟ يحدث ماذا-

جانبه: إلى الواقف الرجل قالK الجندي وبقي المختار بيت إلى الضابط ذهب لقد- هنا. واقفامعه؟ الضابط حضر لقد - إذن-المرة.. هذه يقبل المختار.. عله إلى يتحدث ذهب نعم،-وأنتم؟-بندقيته. خطف يريدون الرجال-

أنه إال قدميه، موطئ الرجال له فوسع الرابع الصف في اندس الصف صارفي حتى وكفيه بكتفيه الرجال ودافع األمام إلى خطا

أمتار، أربعة أو ثالثة بعد على مباشرة أمامه الجندي وصار األمامي، حديث، طراز من إنها البندقية يقيس أن استطاع ذاك مكانه ومن

صدئة، وال مجروحة ال جديدة وتبدو طلقات، لثماني يتسع مشطهاجنيه. المئة فوق يكون وان بد ال ثمنها أن نفسه في وقالجانبه: إلى الواقف للرجل قالخطفها؟ يريد الذي من-

11

Page 12: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

إنه تغزالن، كيف الزرقاوبن عينيه إلى انظر بعد، أحد يقرر لمالصيد. ككلب حذر ملعون

K علي أبو فكر K العزم هبط فجأة. لقد قراره قر ثم قليال K هبوطا داوياK وتذكر وعكته فنسي رأسه في K شيئا الجندي أن هو فحسب، واحدا

بأس فال منه، البندقية خطفت ما وإذا هنا، يبقى ال أن يجب المسلح ضرر ذا يكون ولن البقية عن يختلف لن ذاك، عند ألنه، يبقى، أن

K.. القرار كان لقد البندقية، تخطف أن يجب قط.. إذن، نهائياK، يكن لم األمر ولكن في مثبتة غير الطويلة السكين أن صحيح سهال

أراد وإذا الجندي حزام على هناك تتأرجح أنها إال البندقية ماسورة قد الضابط إن ثم طويل، وقت إلى يحتاج ال فإنه إليها يصل أن

لعب.. وإذا قضية ليست فالقضية وأخرى.. ولذلك لحظة بين يرجع من حسابها لألمور يحسب أن فيجب ما بعمل يقوم أن المرء أرادالزوايا. كل

يستشير أن قرر رأسه، في األمور علي أبو يسوي أن وقبلالرجال: كل يسمعه كي صوته بأعلى فصاح الجماعة،

سيتقدم..؟ الذي من شباب يا-K أن إال صوبت العيون بجميع أن هو حدث الذي وكل يجب، لم أحدا

وسط في الواقف للجندي الزرقاوين العينين تلك فيها بما إليه،K الدائرة.. كان نهاية له تسبب حماقة أية أن يعرف كان ألنه خائفا

كاألسورة. حوله الملتفين الرجال أولئك أيدي على عاجلةأخرى: مرة علي أبو صاح

شباب. يا أنا سآخذها-المقابلة: الحلقة طرف من صوت وأتاه

علي. أبا يا سيدها أنت-نفسه: في الحماس ليبعث كأنما أعلى بصوت كررمنه.. سأخطفها-

الصوت: نفس قالحاللك.. إنها-

K: صاح مؤكداسآخذها.. حاللي، إنها-

K، وفكر خفيض: بصوت وقال حواليه نظر ثم قليال حاول وإذا الهر، طريق لي وسعوا يدي في البندقية تصير حين-

بوجهه. الطريق سدوا بي يلحق أنعلينا. اعتمد علي، أبا يا معقول-عليكم.. سأعتمد- الجندي إلى نظر وحين العمل"، إلى نفسه: "واآلن في قال ثم

عبرت أن لبث ما واحدة خوف لحظة وكانت به، يحدق وجده

12

Page 13: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

إلى يقف كان رجل إلى سلمهما ثم نعليه وخلع بسرعة: انحنىK له يقول أن دون جانبه K، حرفا ال والنعل اآلن، الجد بدأ لقد واحدا شال أوجه، في الركض يكون حين الركض بعرقلة غال له شغل

وربط عنقه في العقال أسقط ثم رأسه عن والعقال الكوفية تحت وثبته ردائه طرف فرفع وانحنى خاصرتيه، تحت الكوفيةK يعطي بأن حري ذلك وسطه، في الحزام حين ساقيه لمدى اتساعا

رسغي عند الضيق الطويل األبيض السروال أما العدو، يبدأK. يعيق لن فإنه الساقين شيئا

بندقيته مع الواقف الجندي كان أمتار أربعة أو أمتار ثالثة بعد على عمل على يقدر أن دون يحدق، بقي أنه إال يجري، ما كل فهم قد

الذي، سالحه يستعمل لن بأنه يعرف علي أبو شيء.. وكان إيماK يكن لم ربما K.. لقد محشوا K كان أيضا يحسد ال بشكل هناك واقفاK.. غير عليه K يفعل أن عليه يتعين ماذا اكتشاف على قادر أبدا مكتفيا

وحين وجه، أكمل على العدة بإعداد يقوم وهو علي أبي إلى بالنظر على بندقيته الجندي رفع وسطه إلى قنبازه طرف علي أبو شبك حزامها لف ثم مباشرة، أمامه األرض، على كتفها وثبت كتفه،

حذائه كعبي وصفق محكمتين، لفتين ساقه حول الخشن الجلديK ببعضهما الضخم جديد. من علي أبي لمراقبة متفرغا

النعلين وضع قد كان والذي جانبه إلى الواقف للرجل علي أبو قالظهره: وراء أصابعه وشبك إبطيه تحت

يريدني فعل! الملعون ماذا انظر النحس، هذا األمور أفسد لقد-البندقية!. مع أخطفه أن

بهدوء: الرجل قال-ساقه.. حول من فكها-كيف؟-K.. اطرحه- أرضا الطريق نصف قطع لقد رأيه، يغير أن بوسعه يعد لم علي أبو أن إال

،K نعليه، ويستعيد وسطه عن قنبازه يفك أن اآلن العار ومن تقريبا تلمع والخوذة ترتجفان وشفتيه إليه يحدق زال ما الجندي وكانالمحروق.. رأسه فوق

حواليه الواقفين الرجال ودفع وسعهما على ذراعيه علي أبو فرش كان الساحة، وسط إلى ثابتة بخطوات اندفع ثم خطوة، الوراء إلى

ماسورة على كفيه فشد بدأت قد المعركة أن أدرك قد الجندي علي أبي وجه عن بصره ينزع أن دون صدره من وأدناها البندقية

وقف، فحسب، واحدة خطوة بعد على مباشرة، أمامه صار الذيK أن إليه وخيل عينيه في مباشرة إليه ونظر K صوتا رجف قد باهتاK: ظهره وراء صائحا

13

Page 14: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

الرجال! سيد يا علي أبا يا آه- البندقية ماسورة حول كفيه وشدd مستقيمتين، ذراعيه: صلبتين مد

الجندي، قوة ليقيس خفيفتين جذبيتن جذب ثم الجندي كفي فوق الشد قاوم الجندي أن إال بعنف، شد بسالحه تشبثه لمس وحين

واحمر فأكثر أكثر جسده تصلب وقد صدره إلى البندقية قرب بأن بالط على الجندي حذاء انزلق قوته بكل علي أبو شد وحين وجهه،

البندقية علي أبو دور شديدة وبسرعة ظهره، على ووقع الساحة وتلقف الهواء، في الملوحتين الساقين عن حزامها فانفك دورتينK صدره أمام وبسطها الخشنتين، الكبيرتين بكفيه البندقية محدقا

عال: بصوت صاح ثم بجذل، إليهاشباب! يا الطريق وسعوا-

يقف كان الذي المكان في انفتحت التي الضيقة الفرجة خالل ومن بأكتاف الفرجة انغلقت ثم ورشاقة، بخفة علي أبو انسرب فيه

K الموحلة األزقة يطوي علي أبو كان فيما جديد، من الرجال متجهاداره. إلى

-2-داره. إلى يصل لم علي أبا ولكن

K علي أبو كان ولو ضاعت، البندقية وأخبار أخباره K رجال عادياK والحادث K حادثا أن هو الموضوع ولكن قط، أحد اهتم لما إذن عاديا

K ليس علي أبا K، رجال عائلة رب وهو وأوالده، بزوجه مترع فبيته عاديا األول البيت هو علي أبي بيت إن بل فحسب، ذلك ليس مستقيم،

مزروعة تلة فوق الغربية، الحافة على يقع إنه القرية، في أبو يولد أن قبل هناك، الناس وعي منذ هناك، كان ولقد بالزيتون،

K توارثوه ولقد جده، يولد أن قبل بل علي، بصمت اآلخر عقب واحدا منذ بالبيت التصقت التي الواجبات تلك كل معه وارثين وانتظام،

البيت. الناس وعي أن األحراش وفي الغربي، وحدdها القرية باب علي أبو بيت كان

إلى تزحف كانت التي الضباع تكثر كانت الزيتون تل تحت الممتدةK الشتاء حمأ في البرد اشتد ما إذا القرية وربما الطعام عن بحثا

أي قبل من يكلف أن حمل- دون قد علي أبو بيت وكان الدفء، بين الفاصل الحد ألن ذلك شتاء كل في الضباع صد إنسان- مهمة

dان سلم وقد القربة وبين األحراش يعون ال ألنهم بذلك القرية سككذلك.. األمور تكن لم متى

الصدفة لتلك الناس ارتاح لقد جديد، من البندقية قصة تأتي واآلن ألبي األوان أن لقد جديدة، بندقية صاحب علي أبي من جعلت التي في يستعمله كان الذي الفاس بها يستعيض بندقية يمتلك أن علي

14

Page 15: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

والبد األبواب، على صار اآلن فالشتاء شتاء، كل الضباع محاربةالبندقية. تلك يمتلك أن علي ألبي

الحادث من يومين فبعد واشتهى، اشتهوا كما تسر لم األمور ولكن طوال حوله والتحويم البيت إلى الوصول من الضباع بعض تمكنشيء. كل تغير خاطفة لمحة وفي الليل،

بعيدين ليكونوا القرية على فأرسلتهم أوالدها على خافت علي أم مصيرها، وعلى زوجها على تنتحب هناك وبقيت الرعب ذلك عن

مرسلة البيت حول محوdمة ليلة بعد ليلة تتكاثر الضباع وكانتالرعب.. فيها باعثة القرية، صمت في الحاد هواءها

كلها،- األحاديث وكانت وطأة، أقل يكن لم علي أبي لغز أن على علي: أين أبي حول المختار- تدور بيت وفي المغلقة الدواوين في

بندقيته فباع أخرى قرية إلى ذهب تراه له؟ حدث ماذا ذهب؟الناس؟ يعرف أن دون ودفن قتل تراه أم أخرى؟ امرأة وتزوج أن حتى توقف، وال كلل بال المدينة أجواء في تدور األسئلة بقيت أحد يعد لم والتساؤل، الشك حمأ في ضاعت كلها األخرى األمور

أزقة في توزعت التي علي أبي عائلة أو البيت بموضوع يهتم وجد النصح يسأله المختار بيت إلى علي ذهب وحين المدينة، أبي قصة ويناقشون يتصايحون كانوا الذين بالرجال مليئة القاعة

K دقائقها، بكل علي كان لقد المختار، إلى يصل أن حاول وعبثاK خطوت، خطا كلما طريقه عليه يسدون الرجال K يجد لم وأخيرا بدا

الطريق. إلى أدراجه يعود أن من

-3- الموحلة األزقة في يعدو وأخذ صدره إلى البندقية علي أبو ضم

K يحسه وكان وصدره ظهره بلل قد العرق داره. كان إلى متجها أن إال ثيابه، وبين بينهما الهواء اصطفق كلما بالبرودة يصفعهما

ثقيلة، كانت البيت، إلى بها المضي على عزمه من يقلل لم ذلك عبر أو منعطف حول دار كلما ذراعيه بين يزداد ثقلها يحس وكان

انه تذكر عميق مجروح بسعال يخفق صدره بدأ وحين قنطرة،K دكانه أغلق وأنه مريض ولكنه وعكته، عناء من يستريح كي مبكرا

يتسع مشط ذات جديدة ذراعيه: بندقية بين الثمن أحس حين الصامتة الباردة الليالي تلك وتذكر برضا، تبسم طلقات، لثماني

K يقضيها كان التي K الشباك وراء جالسا كالقط، الظلمة في محدقاK إليه قام الكريهة رائحته شم أو الضبع شبح شاهد ما إذا حتى خفيفا

الباب من الفأس، ذراع على كفاه تصلبت وقد الظهر محنيK الضبع فيصير الخلفي، غير الصغيرة الحديقة في محصورا

أو لحظة العراك، يقع ثم الدجاج، إليواء صغير بكوخ إال المزروعة

15

Page 16: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

من وتقذفه الكريه الحيوان جثة لتسحب علي أم وتخرج لحظتان أخرى مرة ذلك يحدث لن أخرى.. ال، مرة الغابة إلى التل أعلى الشبح يبدو حين واحدة رصاصة سيطلق الخشبية النافذة من اآلن،

تتكاثر حين الجرداء الحديقة إلى الخروج تخاف ولن المخيف، يتسع بندقية ذي هي ال! ها الماضي، الشتاء في حدث كما الضباع، عن يكف أن دون بحنو صدره على طلقات.. ضمها لثماني مشطها وسعاله لهاثه ورغم تنفرجا، أن ساقيه وسع في ما بكل الركض

بعيد، غير وراءه يخفق الضخم الجندي حذاء صوت يسمع كان فقد فوق بعضها على الحانية الطين جدران بين الثقيلة أصداؤه متجاوبة لهاثه صفير وكان فوقف، شبحان طريقه اعترض وفجأة رأسه،

بانتظام.. وينخفض يرتفع المبحوحهاتها؟!-

K ذراعيه ومدd جاف بصوت الرجلين أحد قال وسعها على كفه باسطا علي أبا أن فيها.. إال البندقية علي أبو يضع أن يتوقع كان أنه لو كما

وبين بينها الطريق في اآلخر كتفه ووضع جنبه على البندقية أرجع الرجل كرر بينما الكالم، من لهاثه المبسوطة.. ومنعه الرجل كف

بجفاف:تسمع؟ هاتها.. أال-واهن: بصوت وقال ريقه علي أبو بلعحاللي.. إنها-تسرقها.. هاتها.. رأيناك لقد-حاللي. إنها-هاتها..-

عال قد الجندي حذاء صوت كان خطوة، الوراء إلى علي أبو رجعالزقاق. صمت كل مأل حتى

الضابط يكون ربما الجندي، ترافق أخرى أصوات يميز أن استطاع ربما عليك، الله لعنة ذاته، المختار ربما بل جنديه، إلى انضم قد

بمالحقته.. ماضية كلها القرية كانت في الواقفين الرجلين في يحدق عاد ثم الوراء إلى بسرعة تلفdت

الظل..ورائي. إنهم الطريق، عرفتكما.. افسحا لقد-

البندقية علي أبو أبعد بينما عنقه، من به فأمسك الرجلين أحد تقدميختنق.. أن وشك على بأنه وأحس الوراء، إلى ذراعه مدd على

خنقناك. أو هاتها-عرفتكما..-

K اتفقا أن حدث بوجل: "كيف وفكر التي الكراهية كل رغم معامتنفس: من حنجرته في بقي ما بكل وصاح لبعضهما".؟ يحمالنها

16

Page 17: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

اتركاني.. عرفتكما،-قتلناك.. وإال إياها أعطنا-

K رأى أنه إليه وخيل الوراء، إلى علي أبو تلفت في تتمايل أشباحا أن يستطع لم أنه إال للخالص عنيفة بمحاولة فقام الزقاق أول

K ذاته الوقت في وكان أنملة، يتحرك على القابضة يده أن من واثقا من يده، فلتت إذا إال مجتمعة األرض شياطين تفلتها لن البندقية

صوته: في قوته كل وضع معها.. ولذلك الكتف، أعلىK.. اتركاني! نموت لسوف- جميعاإياها. أعطنا-مستحيل.-

لآلخر: أحدهما قال ثم خلفهما، الرجالن نظرماذا؟ واآلن-

بسرعة: اآلخر أجابهنا. ابق معهم، تحدث توقفهم، أن حاول-

ذراعه ومن عنقه مؤخرة من اآلخر أمسكه بينما الرجلين أحد تركهK يركض فانطلق بعنف أمامه ودفعه القبضات وطأة تحت مرغما

وذراعه. عنقه في المتحكمةK، علي أبو كان وكانت إرهاقه من والرعب التوقف زاد وقد مرهقا

ميز فقد ذلك ورغم رحمة، بال وذراعه عنقه على تشد القبضات أن حاول بيته، طريق ليس فيه يعدو الذي الطريق بأن فجأة

له. تسمح لم الرجل قبضة أن إال يلتفت، من المنطلق المجروح السعال وأن استنزف، قد بأنه يحس كان

ال، األرض، إلى بها ويلقي حنجرته ينتزع سوف رئتيه أعماق أعمق يقف أو يتملص أن حاول أخرى الطريق.. مرة هذا بيته طريق ليس

K حدة ازدادت القبضتين وطأة أن إال فبما – وأحس وشراسة، وعنفامناص. ال يبكي- بأن أن وشك على كان

1961بيروت-

فلسطين من أوراق ثالث الرملة من ورقةأ-

الطيرة من ورقةب-

17

Page 18: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

غزة من ورقةت-

الرملة من ورقةأ-

بالقدس، الرملة يصل الذي الشارع طرفي على صفين أوقفونا أحد حظ ال وعندما الهواء، في متصالبة أيدينا نرفع أن منا وطلبوا بظلها أتقي كي أمامها وضعي على تحرص أمي أن اليهود الجنود على أقف أن مني وطلب شديد، بعنف من سحبني تموز، شمس

الشارع منتصف في رأسي فوق ذراعي أصالب وأن واحدة، ساقالترب..

أربع قبل شهدت ولقد يومذاك، عمري من التاسعة في كنت واقف وأنا أرى وكنت الرملة، إلى اليهود دخل كيف فقط ساعات

عن يفتشون اليهود كان كيف الرمادي الشارع منتصف في هناك ثمة وكان وشراسة، بعنف منهن وينتزعونها والصبايا، العجائز حلى

أشد، حماس في ولكن العملية، بنفس يقمن سمراوات مجنداتK أرى وكنت بصمت، تبكي وهي باتجاهي تنظر أمي كانت كيف أيضا

وأن يرام، ما على أنني لها أقول أن أستطيع لو لحظتذاك وتمنيتهي.. تتصوره الذي بالشكل في تؤثر ال الشمس

كاملة، بسنة الحوادث بدء قبل مات قد فأبي لها، تبقى من أنا كنت بالضبط أعرف أكن لم الرملة، دخلوا ما أول أخذوه الكبير وأخي

18

Page 19: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

كيف أتصور أن أستطيع اآلن لكنني ألمي، بالنسبة أعني كنت ماذا دمشق، وصلت ساعة عندها أكن لم أنني لو ستجري األمور كانتالباصات.. مواقف قرب وأرتجف أنادي وأنا الصباح جرائد لها ألبيع من والشيوخ.. وارتفعت النساء صمود تذيب الشمس بدأت لقد بعض أرى كنت البائسة، اليائسة االحتجاجات بعض وهناك هنا

في وتبعث الضيقة الرملة شوارع في أراها أن اعتدت التي الوجوهK اآلن K شعورا K لكنني األسى، من دقيقا ذلك تفسير أستطيع لن أبدا

تعبث يهودية مجندة رأيت ساعة تملكني، الذي العجيب الشعورعثمان.. أبي عمي بلحية ضاحكة وطبيبها الرملة حالق ولكنه بالضبط، عمي ليس عثمان أبو وعمي

بعمي نناديه وأن وعيناه منذ نحبه أن على تعودنا ولقد المتواضع،K K، احتراما K كان وتقديرا فاطمة، األخيرة، ابنته جنبه إلى يضم واقفا اليهودية إلى الواسعتين السوداوين بعينيها تنظر سمراء صغيرة

السمراء..ابنتك؟!-

قاتم بتكهن تلتمعان كانتا عينيه ولكن بقلق، رأسه عثمان أبو وهز وصوبته الصغير، مدفعها اليهودية رفعت شديدة وببساطة عجيب،

السوداء العيون ذات السمراء الصغيرة فاطمة، رأس إلىK.. المتعجبة دائما

أمامي، تجواله في اليهود الحراس أحد وصل اللحظة، تلك وفيK فوقف الموقف، نظره واستلفت ولكنني المنظر، عني حاجبا

أبي وجه أرى أن لي تيسر ثم دقيقة، متقطعة طلقات ثالث سمعت إلى رأسها مدلى فاطمة، إلى ونظرت مريع، بأسى يتموج عثمان إلى األسود شعرها خالل هابطة تتالحق الدم من ونقاط األمام،الساخنة. البنية األرض

K جانبي، من عثمان أبو مر هنيهة، وبعد الهرمتين ساعديه على حامالK السمراء: كان الصغيرة فاطمة، جثة K صامتا أمامه ينظر جامدا

وراقبت البتة، إلي ناظر غير بي مر أن لبث وما رهيب، بهدوء منعطف، أول إلى الصفين بين بهدوء يسير وهو المنحني ظهره كفيها بين ورأسها األرض على جالسة زوجته إلى أنظر وعدت أن لها وأشار نحوها، يهودي جندي وتوجه حزين، مقطع بأنين تبكي

اليأس. حدود آخر إلى يائسة كانت تقف، لم العجوز تقف.. ولكن بعيني ورأيت حدث، ما كل بوضوح أرى أن استطعت المرة، هذه ظهرها على العجوز سقطت وكيف بقدمه، الجندي رفسها كيف

K، ينزف ووجهها في بندقيته فوهة يضع كبير، بوضوح رأيته، ثم دماواحدة.. رصاصة ويطلق صدرها،

19

Page 20: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

طلب شديد وبهدوء نحوي، ذاته الجندي توجه التالية، اللحظة في وعندما أشعر أن دون لألرض أنزلتها التي ساقي أرفع أن مني

K، ساقي رفعت ظاهر على علق ما ومسح مرتين، صفعني راضخا نظرت لكنني مدمر بإعياء وشعرت بقميصي، فمي، دم من يده تبكي كانت الهواء في ذراعيها رافعة النساء، بين هناك أمي، إلى

صغيرة ضحكة بكائها خالل من ضحكت اللحظة في ولكنها بصمت يقطع يكاد فظيع وبألم ثقلي، تحت تلتوي بساقي وشعرت دامعة،K، ضحكت لكنني فخذي، أستطيع أنني لو أخرى مرة وتمنيت أيضا

K أتألم لم أنني لها فأقول أمي، على أركض أن الصفعتين، من كثيراK وأرجوها يرام، ما على وأنني كما تتصرف وأن تبك، ال أن باكيا

هنيهة. قبل عثمان أبو تصرفK أمامي من عثمان أبي مرور أفكاري وقطع أن بعد مكانه إلى عائدا أنهم تذكرت البتة، إلي ناظر غير حاذاني، وعندما فاطمة، دفنK يواجه أن عليه وأن زوجته، قتلوا K مصابا K، وتابعته اآلن، جديدا مشفقاK K هنيهة فوقف مكانه إلى وصل أن إلى الشيء، بعض خائفا موليا أتصور أن استطعت لكنني بالعرق، المبلول المحدودب ظهره

K K وجهه: جامدا K صامتا أبو وانحنى الالمع، العرق من بحبيبات مزروعا رأيتها طالما التي زوجته جثة الهرمتين ذراعيه على ليحمل عثمان الدار إلى تعود كي الغداء من انتهاءه تنتظر دكانه أمام متربعة

K الثالثة، وللمرة بي، مر أن لبث وما الفارغة، باألواني �K الهثا لهاثاK المغضن، وجهه في مزروعة العرق وحبيبات متواصال رفيعا

ظهره أراقب أخرى مرة وعدت البتة، إلي ناظر غير وحاذاني،الصفين. بين الهوينا يسير وهو بالعرق المبتل المنحني

البكاء. عن الناس كف لقدوالشيوخ.. النساء على فاجع سكون وخيم هذه بإصرار، الناس عظام في تنحر عثمان أبي ذكريات كأنما وبدا

وهم الرملة رجال لكل بعثمان أبو حكاها التي الصغيرة الذكريات بنت التي الذكريات الحالقة.. هذه كرسي على له مستسلمون

K لنفسها K عالما بدت الذكريات هنا.. هذه الناس كل صدور في خاصابإصرار. الناس عظام في تنخر كأنماK عمره، كل عثمان، أبو كان لقد K رجال K، مسالما يؤمن كان محبوبا الالشيء، من حياته بنى لقد بنفسه، آمن ما وأكثر شيء، بكل

شيء، كل فقد قد كان الرملة إلى النار جبل ثورة قذفته فعندماK من وبدا الطيبة، الرملة أرض في خضراء غرسة كأي جديد: طيبا

فلسطين حرب بدأت وعندما الناس، ورضا الناس حب وكسب أقاربه على يوزعها كان أسلحة واشترى شيء، كل باع األخيرة، مخزن إلى دكانه انقلبت لقد المعركة، في بواجبهم ليقوموا

20

Page 21: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

ما كل ثمن، أي التضحية لهذه يريد يكن ولم واألسلحة، للمتفجرات المزروعة الجميلة الرملة مقبرة في يدفن أن هو يطلب كان

رجال الناس.. كل من يريده ما كل كان هذا الكبيرة، باألشجار الرملة مقبرة في يدفن أن إال يريد ال عثمان أبا أن يعرفون الرملةيموت. عندما

وجوههم كان الناس، اسكتت التي هي الصغيرة األشياء هذهالذكرى.. هذه ثقل تحت تنوء بالعرق المبلولة شادة الهواء، في ذراعيها رافعة هناك، واقفة أمي، على ونظرت عثمان أبا ورأيت بعيد، إلى أنظر وعدت رصاص، كوم كأنها قوامهاK أن لبث وما دكانه، إلى ويشير يحادثه يهودي حارس أمام واقفاK سار K وعاد الدكان، باتجاه وحيدا جثة بها لف بيضاء فوطة حامال

المقبرة. إلى طريقه زوجته.. وتابعK لمحته ثم المنحني وظهره الثقيلة بخطواته بعيد، من عائدا

K مني واقترب بإعياء، جبينه إلى الساقطين وساعديه كان كما بطيئاK يسير، K كان، مما أكثر شيخا K معفرا K يلهث مغبرا K لهاثا K، طويال رفيعابالتراب.. الممزوج الدم من كثيرة نقاط صدريته وعلىK ويراني، األولى للمرة بي يمر كأنه إلي نظر حاذاني، ولماذا واقفا المحرقة: تموز شمس سطح تحت الشارع منتصف في هناك،K K معفرا الدم، عليها تجمد مدالة مجروحة بشفة بالعرق، مبلوال أستطع لم كثيرة معان عينيه في كانت يلهث، وهو النظر وأطالK مسيره، إلى لعاد أن لبث وما أحسستها لكنني فهمها K بطيئا مغبرا،K في وصالبهما ذراعيه ورفع للشارع، وجهه وأدار فوقف، الهثا

الهواء. ذهب عندما أنه ذلك أراد، كما عثمان أبا يدفنوا أن للناس يتيسر لم

K الناس سمع يعرف، بما ليعترف القائد غرفة إلى K انفجارا هدم هائالاألنقاض. بين عثمان أبي أشالء توضاع الدار

عثمان أبا إن األردن، إلى الجبال عبر تحملني وهي ألمي، وقالوا بالفوطة يرجع لم زوجه، يدفن أن قبل دكانه إلى ذهب عندما

فقط. البيضاء،

1956- دمشق

الطيرة من ورقةب- ذلك قصة أحكي أن أريد كنت نعم، أقول؟ أن أريد كنت "ماذا

إنه العجوة، من أقراص ثالثة مساء كل مني يشتري الذي الزبون

21

Page 22: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

الغبطة- أما ببعض يحس الذي النوع هذا خاص،1 نوع من زبونK له األقل- ألن على أصحابه K صديقا تعرف أنت العجوة، يبيع عجوزا

K ليس البيع بهذا ربحي أن فأنا كاف، لله، والحمد ولكنه، كبيرا الواحد وأبيع اثنين، بفرنكين العجوة من أقراص ثالثة كل أشتري تدفع الزبائن من كثيرة مجموعة إن بل فحسب، هذه ليس بفرنك،K K، تأخذ أن دون فرنكا عندي، المفصلة المجموعة هي وهذه قرصا جعلني الذي ما ولكن الزبون ذلك قصة أحكي أن أريد كنت نعم،

K إن المجروح، الوجه ذو الشرطي آه! ذلك أنسى؟ رجال من كثيراK! يعجبني لم الشرطي هذا ولكن طيبة، نفوس لهم الشرطة أبدا

K كنت لقد المذنب؟ أنا هل تصرف؟ كيف رأيته هل على هناك، واقفا أن "يجب العجوة طبق يهز وهو وقال مني اقترب عندما المنعطف

K كان هنا!" لقد من تذهب K، شرطيا بعض أن إذ مؤكد، هذا جديدا لي يسمحون كانوا الشارع، هذا عن المسؤولين الطيبين الشرطة

له اشرح أن حاولت ذلك، الشرطي قال هناك.. عندما أقف أن أن وقال: "يجب رأسي إلى العجوة طبق رفع لكنه األمور، بعضK" ثم رأسك على أضعه لم أنني الله تحمد دفعة دفعني مقلوبا

K، لست ولكنني يهودي، كأنني شديدة، هذه أن تعرف وأنت يهوديا في اليهود أحارب كنت يوم الحالل االبن هذا كان أين إذ كبيرة إهانة

على ناقم أنني تتصور أن آه! حذار كان؟ أين حيفا؟ وفي الطيرةالشرطي.. هذا

K أكن لم أنني لله حال.الحمد أي على لله الحمد K وال خائنا في جبانا هذا سامحت كنت لما إذن كذلك كنت األيام. ولو من يوم

أضاع الذي ذنب ذنبه.. إنه ليس هذا في الشرطي.. والذنب وكأننا نعيش أن علينا حتم هذه، الكفاف حياة علينا وحتم فلسطين

فقط.. ما عمل عن نبحث كي فلسطين من خرجنا ال الجرائد فلسطين.. كالم أضاع الذي ما أعرف أنا حال كل على في يجلسون الجرائد في يكتبون الذين أولئك– فهم بني، يا ينفع

يكتبون ثم مدفأة، وفيها صور فيها واسعة غرف وفي مريحة مقاعد واحدة طلقة يسمعوا لم وهم فلسطين، حرب وعن فلسطين، عن بني، يا أدري، ال حيث إلى لهربوا إذن، سمعوا، ولو كلها، حياتهم في

K، بسيط لسبب ضاعت فلسطين نحن– منا يريدون كانوا جدا انهض قالوا إذا ننهض أن واحدة، طريقة على نتصرف الجنود- أن

نتحمس، أن منا يريدون ساعة نتحمس وان بن قالوا إذا ننام وأن وقعت أن إلى نهرب.. وهكذا إن يريدوننا ساعة نهرب وأن

قط يعرفوا لم وقعت! إنهم متى يعرفون ال أنفسهم وهم المأساة، ضرب الجنود هؤالء أن يحسبون جنودهم.. كانوا يقودون كيف

باألوامر يحشونها حشو.. صاروا إلى األسلحة.. تحتاج من طريف

22

Page 23: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

أن يريدون ألنهم فقط اليهود يحارب منا الواحد كان المتناقضة،اليهود!.. يحاربوا

K هناك كان لقد يستطيع ماذا المخلصين.. ولكن القادة بعض أيضا سقط مالك، يفعل أن يستطيع ماذا لوحده؟ يفعل أن منهم الواحد تيسر لقد الشياطين؟ براثن في جناحاه وعلقت جهنم، إلى فجأة

يكن لم الله رحمه ديه، أبو إبراهيم مع معركتين أدخل أن ليK، يلقي كأنه قدميه على واقف وهو إال يحارب نندفع كلنا وكنا خطابا

K أعرف الله.. أنا عرس.. رحمه إلى ذاهبون كأننا األمام إلى شيئاK يأخذ الحسيني القادر عبد مع صغيرا بدأ لقد حياته، عن كثيرا

البارودة، وحمل إبراهيم، كبر ثم الرفاق، إلى الجبال عبر الرسائلK كان المعركة، إلى ونزل K.. وفي ذكيا رجاله مع خاض1948 جدا

في رصاصة عشرة بست منها حاييم" وخرج "ميكور في معركة يتعذب.. بعدها سنوات أربع أمضى ثم شلله، سبب كانت ظهره

أمضى مشلول رجل شعور يكون كيف تتصور أن تستطيع أنتK حياته ويعود يبتسم، ثم فقط، ينظر، كان قدميه.. لقد على واقفاK يحتاجها ليرة وعشرين بخمس التفكير إلى المورفين حقن ثم يوميا

بعض فكرت أن يتعذب. إلى الشيء.. كان بعض عذابه من تهدئK له قررت مشاورات وبعد تساعده أن في العربية الدول راتباK بيروت إلى الدول هذه عن مندوب وسافر الحياة، لمدى شهريا يحتضر، ديه أبو إبراهيم كان الغرفة، دخل البشرى.. وعندما ليزف إبراهيم يبكونه.. وطلب سريره جانب إلى يقفون رجال ثالثة وكان الرجال موطني.. ووقف نشيد له ينشدوا أن خفيض بصوت منهم

رحمه يموت، هو كان بينما يبكون، وهم النشيد، له ينشدون الثالثةالله..

K.. وبينما تعذب لقد في كبيرة امرأة الغرفة دخلت يموت هو طويالاألحمر.. الزهر من صغيرة باقة له السن.. وقدمت

القرى في هناك يسمونه " الشقيق"، اسمه؟.. "الشقيق".. نعم ماتبكي.. أن توشك وهي له " الحنون" وقالت

هناك. الحنون"... من هذا- وهو ابتسم ثم صدره، إلى بعنف الزهر.. وضمه إبراهيم وأمسكيقول..

الجرح.. أيها- يموت كيف معه.. أرأيت دفن الذي الزهر على يشد وهو ومات

أرأيت؟ أحد؟ بهم يسمع أن دون األبطال هذا مكان... خذ كل في فقط.. بل القدس في هذا يكن لم

في الناس تقتل كبيرة مطحنة "هادار" حيفا في كان المثال.. لقد يكفي كبير لغم كلها حيفا في يكن لم حساب، دون الكرمل شوارع

23

Page 24: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

قائد يذهب أن كيف، أعرف ال بما تيسر، المطحنة.. ثم هذه لنسف بلغم يرجع "سوريا" وأن إلى الحنيطي حمد يومذاك حيفا، حامية أن يهودية امرأة استطاعت الناقورة، رأس من دخل وعندما كبير،

بين تقع مستعمرة الالسلكي بواسطة فأبلغت السر، هذا تعرف المساء في عكا من حمد أذكر.. المهم.. مر ال وحيفا.. اسمها؟ عكاK، عنه؟ سمعت برهم" هل "سرور بينهم ومن رفاقه مع لقد حسنا

قوة فاجأته وهناك الظالم يهبط أن قبل المستعمرة قرب وصلوا يستسلم، أن منه وطلبت اللغم، على تستولي أن تريد يهوديةK رفض.. ودافع ولكنه K دفاعا تساقطوا حتى القالئل رفاقه مع مجيدا

K حوله من K حياته؟ وينقذ اللغم يسلم واحد.. هل إثر واحدا ال.. طبعا أطلق ليمسكوه، اليهود اقترب وهندما يديه، ورفع حمد وقف لقد

أنهم يومها الناس قال لقد الكبير، اللغم على واحدة رصاصة وتمزع اليهود، أشالء عكا.. وتطايرت من اللغم انفجار سمعوا كي منه شيء أي يجدوا أن يستطيعوا لم أنهم درجة إلى الشهيد

يدفنون.. يحافظوا لم المسؤولين لك؟.. آه.. إن أقول أن أريد كنت ماذا للمعارك.. لقد أصول بأي معرفة على يكونوا أبطالهم.. ولم على

تصرف أنه في أناقشك أن أريد ال أنا رفاقه، مع القائد استشهد حدث أسأل.. ماذا أن أريد ولكن متهور، أو معقول شكل على

المكان تمأل حتى تصرفت كيف حيفا في والقيادة الشهداء؟ ألهاليمؤلمة؟ درجة إلى حيفا في الفوضى تدب ألم الشهداء؟ خلفه الذي كان هناك ما وعنا.. خذ المسؤولين عن آه، أقول؟ أن أريد ماذا

K واليهود، العرب العمال يشتغل في أشتغل أنا وكنت جنب، إلى جنبا ألقى لقد تفاصيله، معظم نسيت صغير حادث وجرى المصنع، ذلك

فقتله، المصنع، باب على يقف كان عربي حارس على قنبلة يهوديK حزننا وكان فأغلقنا ورفاقه، الحارس موت عن سمعنا عندما شديدا الوسائل، جميع الصهاينة قتل في استعملنا ثم للمصنع الكبير الباب

K يومذاك تقابلنا لقد أي يكن ولم سالحه، من مجرد وكالنا لوجه وجها لم عليهم، نتغلب أن واستطعنا فقط، الرجولة لسوى يتسع محل بعضنا فاستعمل نوع، أي من سالح الداخل، في عندنا يكن

الرأسين ذا والفأس الرفش أكثرنا "التراكتور" واستعمل معظمنا كان واحد، عدو على نبق المعركة. لم وحدثت الطويلين،

K رجل كأنهم قاتلوا الجميع ولكن القتال، من النوع هذا على جديدا إلى البتة آبهين غير وظائفهم، بمستقبل الشيطان إلى رامين واحد،

والملح العيش أكلنا عمال أننا يقولون كانوا الذين اليهود توسالت وبعد اليهود؟ عشرات قتلنا أن بعد ذلك، بعد حدث ماذا سوية.. ثم

الشوارع في نتجول "الريفاينري" وأخذنا في أعمالنا تركنا أن

24

Page 25: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

وقالوا أسلحة أعطونا أنهم تعتقد هل اآلن، أتجول كما كالشحادين درجة إلى المسؤولون أهملنا لقد معنا؟ معنا.. وموتوا لنا: حاربوا

K وهم نمحاربي ولسنا جزارون أننا قالوا أنهم سمعت أنني ال حتما نحارب كي نشاء حيث إلى نذهب أن علينا فلذلك إلينا يحتاجون

من نوع قالوا.. وأي نشاء! جزارون! هكذا من نشاء.. وضد كيف ويردون البيضاء المعاطف يلبسون محاربون يريدون؟ المحاربين

نحارب أن يريدوننا أم عذاب؟ بابتسامات اليهودية الجرائم علىالعربية؟. الدول جامعة جلسات بمحاضر

K كان المهذب.. لقد المحارب لهذا جرى ماذا اسمع لسيارة سائقا من مجموعة أمام هاربة تعدو يهودية امرأة وشاهد عمومية، توترها، بدء في الحوادث بالحجارة.. كانت يرجمونها كانوا األطفال

وقادها يدها، من المرأة وأمسك األطفال، نهر أن إال منه كان فما هل أبيب، تل في أهلها إلى بها وذهب سيارته، أوقف حيث إلى

ورموا وقتلوه. مزقوه سيارته، سرقوا لقد هناك؟ حدث ماذا تعرفK نحارب أن يريدوننا حسن.. فكيف الشيخ جامع مقابل جثته أناسابالورود؟ النوع؟ ذلك من أن أريد أنني هذا من تفهم هل بني، يا فلسطين، أضاع الذي هو هذا

كال.. كال.. معاذ عدوه؟ يصيد جندي كل إلى شكر رسالة ترسل ما.. أن شيء على يتفقوا أن عليهم أن أعني كنت الله.. لكنني

شعور يحترموا يتصرفوا.. أن أن عليهم يتوجب كيف يقرروا أريد ال أنا حال أي معركة.. على كل في رفاقه يفقد الذي المحارب

K أحدثك أن على أضحك عمري كل كنت لقد المعارك، عن كثيرا السفر في قتالهم ذكريات غير يجدون لم الذين العجائز أولئك أكثر حاربت، أنني أقوله، أن أريد الذي ولكن إياها، ايسمعونن برلك مني يكن لم الخطأ ولكن يفعل، أن الواحد الشخص يستطيع مما ويرسمون ويكتبون يقرأون الذين هؤالء من فوق، من كان أنا،

K أن أستطيع أنا.. فماذا باهتمام.. أما إليها ينظرون ملتوية خطوطا يشير حيث إلى أنظر وأن أهجم، وأن بارودتي أحمل أن غير أفعل

يدي؟ في وسالحي االتجاه ذلك في أركض ثم رئيسي أخرى.. وأن مرة نلتقي عندما حدث ما ننسى ال أن علينا أن المهم غرفهم في أولئك الجرائد محررو يفعل كما اليهود نحارب أن علينا

الذباب! من كبيرة كمية يجدون عندماثرثار أنا كم

ثالثة مني يشتري الذي الزبون ذلك عن لك أحكي أن أريد كنت جرني، الحديث مساء.. ولكم كل واحدة دفعة العجوة من أقراص مكاني من طردني الذي الشرطي ذلك ذنب هو هذا، في والذنبK.. يطرد كأنه المختار لصا

25

Page 26: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

لضحك إذن أنا من له وقلت قصتي، الشرطي لذلك حكيت أنني لوK K، ضحكا يفعل. أن ينوي كان كما رأسي على الطبق ولقلب متواصال مضحك.. لكنني شيء يحترمني.. فهذا أن منه ألطلب فأنا لذلكK K فلسطين من سآتي ما، يوما في أتيت كما قدمي، على ماشيا

ثم استطعت، ما هذا الشرطي عن وسأبحث األولى، المرةK يقضي ألن سأدعوه K شهرا حسابي.. له على حيفا طيرة في كامال

يشاء.. حيث ويقف يشاء، كما فيها يتنقل أن في الخيار

1957- دمشق

غزة من ورقةث- عزيزي

أحتاجه ما كل لي أتممت أنك تخبرني وفيها اآلن، رسالتك استلمت أنني يشعر ما وصلني وكذلك ياكرمنتو، في معك إقامتي ليدعم يا لي بد ال كاليفورنيا، جامعة في المدنية الهندسة فرع في قبلت

K لك سيبدو لكن شيء، كل على شكرك من صديقي بعض غريباK وثق النبأ، هذا إليك أزف أن الشيء، أشعر ال أنني مصطفى يا تماما من أكثر الوضوح بهذا األمور أر أنني أجزم أكاد بل قط، بالتردد

حيث "إلى اتبعك لن فأنا رأيي، غيرت صديقي.. لقد يا ال الساعة، ولن هنا، سأبقى بل كتبت، الحسن" كما والوجه والماء الخضرة

K. أبرح أبدا الجريان ذلك نكمل ال أن مصطفى، يا حقيقة، يزعجني لشيء إنه

على بعهدنا تذكرني أسمعك أكاد فإني واحد، خط في لحياتناK. وكيف االستمرار صديقي يا ولكن أغنياء"، نهتف: "سنصير كنا معا

K أذكر زلت ال إنني نعم، حيلة، يدي في ليس في وقفت يوم تماما بالمحرك وأحدق يدك على أشد القاهرة، في المطار ساحة

الدوران ذلك المحرك مع يدور ساعتئذ شيء كل كان المجنون، لم الصامت، المليء بوجهك أمامي، تقف أنت وكنت الصاخب،

"الشجيعة" في حي في به نشأت الذي الوجه عن وجهك يتغيرK، نشأنا لقد المسطحة، الغضون هذه لوال غزة، واحدنا وكان معا

K االستمرار على وتعاهدنا الفهم، تمام اآلخر يففهم النهاية.. إلى معاولكن:

بالالشيء، هكذا تحدق ال الطائرة، وستقلع ساعة ربع "بقي- من وستوفر الكويت، إلى القادم العام في ستذهب اسمعني،

K، بدأنا لقد كاليفورنيا، إلى غزة من يقتلعك ما راتبك معانستمر.." أن ويجب هكذا بسرعة، تتحركان وهما شفتيك أرقب لحظتذاك وكنت

26

Page 27: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

كنت لكنني نقط، وال فواصل الكالم: ال في طريقتك كانتK أحس K إحساسا K راض غير إنك غامضا لم هروبك، عن تماما وكنت الهروب، لهذا وجيهة أسباب ثالثة تعد أن تستطيع تكن

K أنا أعاني كان: األوضح الشعور ولكن التمزق، هذا من أيضا كان وضعك أن إال ونهرب.. ولماذا؟ الغزة هذه نترك ال لماذا

أن دون الكويت معارف معك تعاقدت فلقد يتحسن، أخذ قد فيه، أعيش كنت الذي البؤس من غمرة وفي معي، تتعاقد كنت صغيرة، مبالغ األحيان بعض في منك تصلني كانت

K، أعتبرها أن تريدني كنت لقد بالصغار، أشعر أن خوف ديناK، العائلية ظروفي تعرف الضئيل راتبي أن تعرف وكنت تماما

أمي، إلعالة يكفي يكن لم الدولية الغوث وكالة مدارس فياألربعة. وأوالدها األرملة أخي وزوجة

K، "اسمعني- لقد دقيقة، ساعة.. كل يوم.. كل كل لي اكتب جيدا إلى قل بل الله، استودعك تطير، أن الطائرة أوشكت

اللقاء." اللقاء.. إلىdي، الباردة شفاهك ومست K وجهك عني وأدرت وجنت شطر ميمما

دموعك.. أرى كنت ثانية مرة إلى التفت وعندما الطائرة، كيف عليك أكرر ألن داعي ال الكويت، معارف معي تعاقدت وبعدهاK لك أكتب كنت فلقد هناك، حياتي تفاصيل تجري كانت كل عن دائما

في صغيرة: ضياع كمحارة فارغة، دبقة، حياتي كانت شيء، الليل، كأول غامض مستقبل مع بطيء وتنازع الثقيلة، الوحدةK كان شيء كل الزمن، مع ممجوج ونضال عفن، وروتين K، لزجا حارا

الشهر! آخر إلى توق كلها زلقة، كلها حياتي كانت الصبحة، مركز اليهود ضرب العام، ذلك العام، منتصف وفي

هذا لي يغير أن يمكن كان وباللهب، بالقنابل غزتنا، غزة، وقذفواK الحدث K: فأنا له آبه ما لي يكن لم لكنه الروتين، من شيئا كثيرا

التي لذاتي كاليفورنيا إلى وسأمضي ورائي، الغزة هذه سأخلفK، تعذبت البلد في شيء غزة: كل في ومن غزة، أكره إنني طويال

إنسان الرمادي بالدهان رسمها فاشلة بلوحات يذكرني المقطوع مبالغ وأوالدها، أخي وألرملة ألمي، أرسل كنت لقد نعم، مريض،K- سأتحرر الحياة، على تعينهم ضئيلة الخيط هذا من لكنني-أيضا

الهزيمة رائحة عن البعيدة الخضراء كاليفورنيا في هناك، األخير، بأوالد تربطني التي الشفقة سنوات.. إن سبع منذ أنفي تزكم التيK تكفي ال وأمي، وأمهم أخي الجريان هذا مأساتي جريان لتبرير أبدا

شدتني.. مما تحت.. أكثر إلى تشدني أن يمكن الشاقولي.. الأهرب! أن يجب

27

Page 28: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

K: ما عشتها ألنك األحاسيس، هذه مصطفى يا تعرف أنت هذا فعال إلى حماسنا من فيحد غزة إلى يربطنا كان الذي الغامض الشيء

K األمر النشرح لماذا الهروب؟ K، معنى يعطيه تشريحا ال لماذا واضحا وأعمق ألوانا أكثر حياة إلى ونمضي بجراحها، الهزيمة، هذه نترك

بالضبط! ندري نكن لم سلوى.. لماذا؟K أملك ما كل وجمعت حزيران، في إجازتي أخذت وعندما إلى توقا

الحياة تعطي التي الصغيرة األشياء هذه إلى الحلوة، االنطالقةK معي K، لطيفا K تعهدها كما غزة وجدت ملونا K: انغالقا غالف كأنه تماما

إلى الموج قذفها صدئة لقوقعة نفسه، على ملتف داخلي، نفس من أضيق هذه، غزة السلخ، قرب اللزج الرملي الشاطئ

الخاصة، الرائحة ذات الضيقة، بأزقتها مريع، كابوس أصابه نائم غزة، الناتئة.. هذه المشارف ذوات وبيوتها والفقر، الهزيمة رائحة تجذب التي المحددة، غير الغامضة، األمور هذه هي ما لكن

K النبعة تجذب كما لذكرياته، لبيته، ألهله، اإلنسان K قطيعا من ضاال دارنا في ألمي ذهبت أنني أعرف الذي أعرف! وكل ال الوعول،

ابنتها ناديا، رغبة ألبي أن تبكي، وهي مني، وطلبت الصباح، ذلك تعرف المساء. أنت ذلك فأزورها غزة، مستشفى في الجريحة

عشر؟ الثالثة األعوام ذات والجميلة أخي ابنة نادياK اشتريت المساء ذلك في شطر ويممت التفاح من رطال

K األمر في أن أعرف ناديا.. كنت أزور المستشفى أخفته شيئاK أخي، وزوجة أمي عني بألسنتهما.. تقوالنه أن تستطيعا لم شيئاK K شيئا أحب أن اعتدت البتة! لقد أطرافه أحدد أن أستطع لم عجيبا والتشرد، الهزيمة رضع الذي الجيل ذلك كل أحب أن اعتدت ناديا، الشذوذ من ضرب السعيدة الحياة أن فيه حسب حد إلى

االجتماعي. البيضاء الغرفة دخلت أدري! لقد ال الساعة؟ تلك في حدث ماذا

K يكتسب المريض الطفل إن جم، بهدوء إذا فكيف القداسة من شيئا� الطفل كان بمستلقية ناديا كانت مؤلمة؟ قاسية جراح أثر مريضا شعرها، عليه انتثر أبيض مسند على معتمد وظهر فراشها، على

هي ودمعة عميق، صمت الواسعتين عينيها في كان ثمينة، كفروةK K كان ووجهها البعيد، بؤبؤها قاع في أبدا K، هادئا موح لكنه ساكنا

من أكثر تبدو كانت لكنها طفلة، ناديا زالت ال معذب، نبي كوجهبكثير.. أكبر طفلة، من وأكبر بكثير، أكثر طفلة،

نادبا..- عينيها رفعت لكنها خلفي، آخر إنسان أم قلتها الذي أنا هل أدري، ال

كوب في سقطت السكر من كقطعة تذيبانني بهما وشعرت نحوي،صوتها: سمعت الخفيفة، بسمتها ومع ساخن، شاي

28

Page 29: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

الكويت؟ من عمي.. وصلت- كفيها على متكئة نفسها ورفعت حنجرتها، في صوتها وتكسرقربها: وجلست ظهرها، عل فربت نحوي عنقها ومدت

كثيرة هدايا الكويت، من هدايا لك أحضرت لقد ناديا،- معافاة، سالمة فراشك من تنهضين حين إلى سأنتظرك

البنطال لك اشتريت ولقد إياها، فأسلمك لداري وتأتيناشتريته.. مني.. نعم.. لقد تطلبينه أرسلت الذي األحمر

كأنني ألفظها وأنا وشعرت المتوتر، الموقف ولدها كذبة كانت تيار مسه كمن ارتعشت فقد ناديا أما مرة، ألول الحقيقة أتكلم

يبلل بدمعها وأحسست رهيب، بهدوء رأسها وطأطأت صاعق،كفي: ظاهر

األحمر؟ البنطال تحبين ناديا.. أال يا قولي- على وشدت كفت، لكنها تتكلم، أن وهمت نحوي، بصرها ورفعتبعيد: من أخرى مرة صوتها وسمعت أسنانها،

عمي! يا- سياق إلى وأشارت األبيض، الغطاء بأصابعها فرفعت كفها، ومدتالفخذ... أعلى من مبتورة

صديقي.. يا� أنسى ولن ال، الفخذ، أعلى من المبتورة ناديا ساق أنسى لن أبدا

األبد.. إلى الحلوة تقاطيعه في واندمج وجهها هيكل الذي الحزن أشد وأنا غزة، شوارع إلى المستشفى من يومها خرجت لقد

ألعطيهما معي أحضرتهما اللذين الجنيهين على صارخ باحتقار الدم.. كانت يبلون الشوارع تمأل الساطعة الشمس كانت لناديا،K الجدة، كل جديدة مصطفى، يا غزة، وأنت: أنا هكذا نرها لم أبدا

كان نسكن، كنا حيث الشجعية، حي أول على المركومة الحجارة عشنا التي هذه غزة فقط، لتشرحه هناك وضعت كأنما معنى لها

K كانت النكبة في سنوات سبع الطيبين رجالها ومع فيها K، شيئا جديدا أنها أشعر كنت لماذا أدري ال فقط، بداية أنها.. أنها لي تلوح كان

K فيه أسير وأنا الرئيسي، الشارع أن أتخيل كنت فقط، بداية عائدا صفد، إلى يصل طويل لشارع صغيرة بداية إال يكن لم داري، إلىK ينتفض هذه غزة في كان شيء كل المبتورة ناديا ساق على حزناK الفخذ، أعلى من بل التحدي، إنه البكاء، حدود على يقف ال حزنا

المبتورة!.. الساق استرداد يشبه شيء إنه ذلك، من وأكثر الشمس ضوء يملؤها شوارع غزة، شوارع إلى خرجت لقد

بنفسها ألقت عندما ساقها فقدت ناديا أن لي قالوا لقد الساطع، أنشبا وقد واللهب القنابل من تحميهم الصغر أخوتها فوق

29

Page 30: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

تهرب.. أن بنفسها، تنجو أن لناديا يمكن كان الدار، في اأظفارهمتفعل.. لم لكنها ساقها، تنقذ أن

لماذا؟

***K لست وأنا لسكرمنتو، آتي صديقي! لن يا ال ولن ال البتة، آسفا

K بدأناه ما أكمل الذي الغامض الشعور طفولتنا: هذا منذ معا ينهض أن يجب الصغير الشعور غزة.. هذا تغادر وأنت أحسسته

K كي عنه تبحث أن يجب يتضاخم، أن أعماقك.. يجب في عمالقاالبشعة.. الهزيمة أنقاض بين نفسك.. هنا تجد المبتورة ناديا ساق من لنا.. عد.. لنتعلم أنت عد إليك.. بل آتي لنالوجود.. قيمة الحياة.. وما هي ما الفخذ، أعلى منننتظرك.. فكلنا صديقي يا عد

1956 – الكويتواألحمر األخضر

-1-النزال

من أنفه قرب الموت من قريب أنه واحدة، لحظة يظن يكن لم بكر بحياة تعيق كانت الطريق قط.. كل ذلك يظن يكن الهواء.. لم

وليتركها ليتنشقها، فحسب اآلن صنعها الله كأن لتوها، خلقت كأنها وكفيه جبينه في يبرعم الريش.. أيار من شالل مثل صدره تغسل

تنثني.. وال تنضب ال دوامات صدره إلى فينهال ويشمه وأضالعه قرب الموت من قريب إنه واحدة، لحظة يظن، أن تريده كيف

K كان ولكنه أنفه؟ إلى الهواء K كان منه، قريبا أن دون منه قريبا له الحياة.. وقالوا إحساس قدرة عنده تكن يشمه.. لم أو يحسه

تكن، لم إن قط لها قيمة ال الحياة وان مهلك، خطأ هذا أن مرة،K وبين يبالي.. بينه يكن لم الموت.. ولكنه قبالة واقفة دائما

بين ما الموت وبين والكفن.. وبينه أيار بين ما المتقعرة النظرياتوالجفاف.. أيار ترابK كانت التي والحب اللحم وجدران والولد الزوج إلى ماض كان دائما

تتسلق التي الخماسية أيار.. التعريشة غير وفي أيار في هناك، وتجعل البعث خضرة بكل فتصبغه الخشن الدار جدار ثابتة بأصابع

اللحم وجدران والولد الزوج يحضن عريض شجرة فرع شجرة، منه

30

Page 31: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

يظن يكن لم والحب، الموت بين ما الموت وبين والحب.. بينه والحب اللحم وجدران والولد الزوج وبين بينه أن واحدة، لحظة أظافرها مشهرة المنعطف، عند واقفة واحدة، موت لحظة

باالنتظار.. مشرعة كأنصال العشرة هو، يعرف، يكن ونهائية.. ولم حاسمة ولكنها واحدة موت لحظة

أيار.. يقف وبينها بينه كان باالنتظار، هناك، واقفة أنها واحدة لحظة ولمدى المنعطف، ذلك من يمر أن بد بال كان أنه إال

وأصاخ هنيهة خطواته فباطأ الرهيب، الترقب رجفة أحس فقط إال يفكر لم المشرعة األظافر بصره أمام لمعت وحينما السمع،

بالنزال..سحيق.. زمن منذ حدث ذلك يكون قد

مدى وراء العبث، بذرة أو كالعدم قرار.. سحيق بال كأزل سحيقK اآلن ولكنه التخمين، مستوى فوق التذكر، صلب في ودائما

K ويخفق لحظة، كل الدم ينز اإلحساس، هالمية سمكة مثل مرتجاالشاطئ.. رمل فوق رماها الذي الموج إلى يرجعها االرتجاج على

بالوعي ممزوجة منه، مقطعة مقاطع يذكر زال النزال! ماK، به فأعملت عليه األظافر انهالت وبالغيبوبة: لقد تجمعت تمزيقا

يلهث فأخذ ورئتيه خاصرتيه في وانغرزت جلده فافترست حواليه أيار ومنافذ الحياة منافذ األظافر عليه سدت استدار كلما دماءه،

ومنعت الرؤيا عنه فمنعت وأنفه عينيه أمام كالسيوف وتشابكت إلى تعرف ينام أو يستيقظ أن وشك على من الهواء.. ومثل عنه

الدماء وسدتها تجرحت قد كانت حنجرته ولكن األظافر تلك بعض أن إال الموت، دبيب أحس تالية لحظة وفي أنت؟ فحشرج: حتى

K كان أيار K وكان ضخما بالخضرة.. أحس الطريق صبغ قد وكان كبيرا صدره فوق الدم خيوط وانهالت فتبقره، قلبه إلى تغوص باألصابع

K وسالت قدميه عند وتجمعت رفيعة حمراء أفاع مثل زاحفة جدوالK الطريق.. في قانيا

K فبقي األظافر انسحبت K جامدا كالدهر.. لقد لحظات لمدى واقفاK بالموت إحساسه وبات جسده من تتسري بالحياة أحس صلبا

K K فتجالد يقع أن يشأ لم ولكنه وكبيرا أن وجهه.. إال فوق كفيه واضعا باألناشيد خطواته فتخفق يمشي وسمعه وصل، قد كان الموت

ولمدى بالعجز، فأحس ساقيه تسلق تحت، من أتى البعيدة.. لقد الزوج وبين بينه وأن انتهى، قد شيء كل أن عرف واحدة لحظة ما أيار وبين والهواء.. بينه أنفه بين ما واللحم الحب وجدران والولد

األرض في ركبتاه حفرت الدم.. سقط، وجدول الخضرة بينK مدورتين.. بقي حفرتين واحدة لحظة وجهه، فوق وكفيه راكعا الموت وصل مصب، عن يفتش الدم جدول يتراجع، أيار فحسب،

31

Page 32: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

التراب.. في مدورة حفرة جبينه حفر فوقع، خاصرتيه إلى بأناشيدهيصلي.. الموت: الشهيد صمت

-2-

الموت جدول أولئك بين إنسان أي يلحظه لم شيء حدث اللحظة تلك نفس في

تصل أن قبل بفضول إليه ينظرون الميت حول تكوموا الذينالمحرقة.. إلى أو القبر إلى الجسد فتحمل الصحة سيارة

المدورة الحفرة في الجبين، فوقه سقط الذي المكان في انه ذلكصغير.. طفل ولد السقطة، صنعتها التي أن الكثيرين بوسع اآلن، ذلك، حدث كيف بالضبط أحد يدري ليس

التراب أنضجه أن بعد الجبين من انبثق الصغير الطفل بأن يقولواK كان الطفل بأن يقولوا أن غيرهم الرطيب.. بوسع الساخن موجودا

K التراب في األقرب الحقيقة السقطة.. ولكن فأيقظته أصال يلفظ مثلما العينان لفظته العينين، من انبثق الطفل أن للتصديق

K- يوجد يقتل– رجل كل عين في الوليد.. وأن المترع الرحم ظلما هو يموت ما سرعان أنه إال الموت، لحظة نفس في يولد طفل مسافة األرض إلى الرجل عين من السقوط، مسافة ألن اآلخر

ذلك عاش لقد حال أب الضئيلة.. على بنيته تتحملها ال طويلة إنسان يلحظه أن دون هناك وعاش الرمل، في غاص ألنه الطفل

K فيدوسه قاصد.. غير أو قاصداK كان K مخلوقا حتى المالمح حاد وجهه رجل.. كان مالمح له ضئيال

خشن، بازميل صلدة حجارة من منحوت بأنه يراه، لو للمرء، ليخيلK فمه كان ملتصقة جفونه وكانت يتكلم، ال فهو بإحكام مطبقا

K وكان يرى، ال فهو ببعضها K ضئيال أسود األصبع، عقدة مثل ضئيالK اللون K قاتما كان البياض، شديد كان قلبه أن إال كالليل، قاتما

إلى المحدق بوسع وكان الضئيل الجسد في الوحيد األبيض الشيء تلك داخل قزم، عصفور كمنقار ينتفض، يراه أن األسود الصدر

السوداء.. المتشابكة الضلوع عشرة فيهما كفاه وبديعة، ومتناسقة متينة الصغيرة بنيته كانتK عقد، ثالث له أصبع كل أصابع عضالت وكانت اإلنسان، مثل تماما أحالمه له وكانت األسود، كالصدف ضلوعه فوق تنغرس صدرهK وذكرياته ومطامحه وأوجاعه وآماله البشر.. كل سائر مثل تماماK كان أنه هو الفرق K، صغيرا وشفتاه مغلفتين عيناه وكانت جدا

المتراكمة التراب أكوام وكانت يتنفس، كان ملتصقتين.. ولكنهقتله.. على قادرة غير وحوله فوقه

32

Page 33: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

الرمل في غاص حين أحد إليه ينتبه ولم إنسان أي والدته يلحظ لمK الرطب K.. ولما عميقا إلى الميت جسد الحفارون حمل عميقا األسود كاهل فوق من فخفت الناس، تفرق المحرقة أو المقبرة وتائه، وحيد أنه اكتشف فقط الجموع.. عندها أقدام وطأة الصغير

فانطلق المسير، رغبة وبين ساقيه بين يحول أن يستطع لم أنه إالK األمام، إلى تلك داخل كالدودة، الصغير، طريقه بأظافره شاقا

ساعة تعب، ودون توقف دون وفوقه حواليه المتراكمة الرمالK ساعة وراء K يأكل ضياء، غير وعلى هدى غير على يوم إثر ويوما رمال

K ويتنفس يتطلع وال الوراء إلى يلتفت ال الرمل، عصير ويشرب رمال يشق هو فيما يحس، الجوانب.. وكان إلى رأسه يحول وال فوق إلى

بأنه فيشعر وتجيء تروح رأسه فرق الناس أقدام المظلم، طريقه الخنافس.. تداس كما لديس إذن فوق إلى يصعد أن جرب لو

كل ساعة كل لحظة كل أمواج، هرج أنهار، هدير أقدام، أصواتقدره.. كأنه يالحقه، كأنه الدم جدول يجري كان يوم.. ووراءه

-3-للند الموت انبثقت الصغير! تراك األسود أيها األقدام تحت وأنت سنوات مرت

وانزرع فمك مأل التراب أن أم أبكم أعمى األعمى أبيك حداقة من وبينك الصغير، األسود أيها سنوات النور وبين بينك عينيك؟ في

أن األسود، أيها قدرك، سنوات! أهو والحب اللحم جدران وبين أهو الدم؟ بجدول وتالحق الظالم في وتتنفس التراب في تعيش الناس، يطأ وأن بعمرك كل تداس بأن الصغير األسود أيها قدرك،

K تأكل وأن كاهلك، فوق الناس، كل عصير وتشرب وتتنفس تراباالتراب؟

ال لماذا باألظافر، المذبوح أبيك عين يا الممسوخ، العمالق أيها األتربة من األكوام تحت واحدة لحظة تتوقف ال لماذا تموت؟

حياتك بأن تدري أتراك صدرك؟ في المعلق األبيض الضوء فينطفئ بأنك تعرف أتراك المذعور؟ الوحشي التراكض بذلك مرهونة التعس.. الصغير األسود أيها والنتهيت؟ الدم مد ألغرقك توقفت

نموت؟ ال لماذا

* * * كانت التي الهواجس تلك بكل يبالي يكن لم الضئيل الولد أن إال

Kه يواصل وكان رأسه، على تلح K كالمسعور سعي ذلك مستشعراK وراءه، القدم لنهر الشيطاني الهدير األعمى بحذق طريقه متلمسا

33

Page 34: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

أظافره بوسع صار المديدة السنين تلك غمرة الحجر.. في وصالبة تعد المصمم. ولم االنطالق اعترض ما إذا الحديد تخدش أن

لحظة الملتهب الحماس إيقاف على قادرة الرمادية الهواجسواحدة.

أحد، به يحس لم والدته، على مرت التي السنين تلك كل بعدK، يعط لم ولذلك باسم عليه ليتعرف حسابه في أحد يضعه لم اسما

الموت فقط، كال! واحد أحد.. صحيح؟ وجوده يشعر بلقب.. لم أو كان وسنوات سنوات قبل أيار منعطف هند بأظافره أباه ذبح الذي فحشد األرض تلك تحت ما مكان في موجود األسود الوليد أن يعلم

من أكثر يفعل أن يستطيع يكن الخروج.. لم منافذ لتدوس األقدامذلك..

* * * أربعة سنة، عشرة أربع عمرك الصغير! صار األسود أيها كبرتK عشر أربعة سقى الدم جدول فوقك، من أيار عشر أيها ربيعا

خالص أي ماذا؟ عن تبحث كالدود ماض وأنت الصغير األسود بأن قط تفكر التعس.. ألم أيها الطريق بك ستنتهي أين ترتجي؟ أية عن لتدوسك؟ عنك البحث عناء من األقدام تريح بأن تنتهي؟

في ينوس األبيض القنديل زال ما نهاية؟ أية عن تبحث؟ نهاية العشرة النزال.. واألظافر على صغير أنت متى؟ صدرك.. فحتى

بجلدك لتجفف بزوغك تترقب كاألنصال المعة مشرعة زالت ماالدم.. جدول األسود

المسخ.. أيها أعدائك نزال على صغير أنتأيار ربيع فوق القتيل أبيك عين يا

تكون ال األقدام.. أكبر.. أكبر.. لماذا أكداس تحت يعيش الذي أيهاK تموت؟ أن قبل ندا

تلك تطفئ أن دون عضلك وأذبت عرقك نزفت مت.. مت.. لقد بقي كالقنديل.. مت! ماذا صدرك في المعلقة البيضاء النقطة لقد أسنانك؟ عن شفتاك انفكت نطقت؟ الكثير؟ تقول منك؟ األصبع! أيها عقدة كبير.. يا رجل ألف يصنع ما العرق من نزفت

K.. ال تكون أن قبل تمت الشهيد.. ال عين يا المسخ، تمت.. ندا

1962- بيروت

34

Page 35: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

الحزين البرتقال أرض مأساة.. كنا أية ذلك في يكن لم عكا إلى يافا من خرجنا عندما مدينته. ومرت غير مدينة في العيد أيام ليمضي عام كل يخرج كمنK عكا في أيامنا K مرورا لصغري كنت ربما بل فيه، غرابة ال عاديا

الذهاب ودون دوني حالت ألنها األيام بتلك استمتع وقتذاك بدأت عكا على الكبير الهجوم ليلة ففي يكن، للمدرسة.. مهما

مرة قاسية الليلة تلك فأكثر.. ومضت أكثر الصورة تتوضح الصورة في ومن وأنت أنا كنا النسوة.. لقد أدعية وبين الرجال، وجوم بين

K جيلنا، آخرها.. إلى أولها من الحكاية تعني ماذا نفهم أن على صغارا ساعة الصباح، وفي تتوضح الخيوط بدأت الليلة تلك في ولكن

تقف كبيرة شحن سيارة مزبدين... كانت متوعدين اليهود انسحب تقذف النوم أشياء من بسيطة مجموعة دارنا.. وكانت باب في

K أقف محمومة.. كنت سريعة بحركات وهناك هنا من إليها متكئا إلى تصعد أمك رأيت عندما العتيقة البيت حائط على بظهري

إلى وبأخوتك بك يقذف أبوك وأخذ الصغار، ثم خالتك، ثم السيارة، فوق ورفعني زاويتي من انتشلني ثم األمتعة، وفوق السيارة،

أخي وجدت حيث السائق غرفة في الحديدي القفص إلى رأسهK رياض كانت مالئم، وضع في نفسي أثبت أن بهدوء.. وقبل جالسا

K تختفي الحبيبة عكا تحركت.. وكانت قد السيارة K شيئا في فشيئاالناقورة.. رأس إلى الصاعدة الطرق منعرجات

K الجو كان على نفسه يفرض بادر وإحساس الشيء، بعض غائماK رياض كان جسدي، K شديد، بهدوء جالسا فوق ما إلى ساقيه رافعا

35

Page 36: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

K القفص، حافة K األمتعة على بظهره ومتكئا السماء.. في محدقاK أنا وكنت K بصمت، جالسا K ركبتي بين ذقني واضعا فوقهما طاويا

بالخوف الطريق.. وشعور على تتوالى البرتقال ذراعي.. وحقولK.. والسيارة يتآكلنا الند.. وطلقات التراب فوق الهثة تصعد جميعاالوداع... تحية كأنها بعيدة

األزرق األفق في غائمة بعيد، من تلوح الناقورة رأس بدأت وعندما فالح إلى وتوجهن األمتعة بين من النسوة السيارة.. ونزلت وقفت

مباشرة.. وحملن أمامه برتقال سلة واضعة القرفصاء يجلس كان البرتقال أن ساعتذاك لي بكائهن... وبدا صوت البرتقال.. ووصلنا

عزيز شيء هي النظيفة الكبيرة الحبات هذه حبيب.. وأن شيء إلى معهن حملنها برتقاالت اشترين قد النساء علينا.. كانت

برتقالة فحمل كفه ومد السائق، جانب من أبوك ونزل السيارة،بائس... كطفل يبكي انفجر بصمت... ثم إليها ينظر منها.. أخذ

كثيرة... وبدأ سيارات بجانب سيارتنا الناقورة.. وقفت رأس في لهذا الواقفين الشرطة رجال إلى أسلحتهم يسلمون الرجال

ملقاة والرشاشات البنادق ورأيت دورنا، أتى الغرض... وعندما لبنان يدخل الكبيرة السيارات صف إلى الطاولة... ورأيت على

K K طرقاتها معارج طاويا البرتقال... أخذت أرض عن البعد في ممعنا البرتقالة إلى تنظر زالت ما أمك حاد.. كانت بنشيج أبكي اآلخر، أنا

التي البرتقال أشجار كل أبيك عيني في تلتمع بصمت.. وكانت شجرة اشتراها التي النظيف البرتقال أشجار لليهود... كل تركها

لم دموع في لماعة وجهه... وترتسم في ترتسم كانت كلها شجرة،المخفر.... ضابط أمام يتمالكهاالجئين... صرنا العصر، في صيدا، وصلنا وعندما

***

�ر� قد أبوك احتوت.. كان فيمن الطريق احتوتنا وبدا قبل، ذي عن كبK طويل... كان زمن منذ ينم لم كأنه األمتعة أمام الشارع في واقفا

K أتخيل وكنت الطريق، على الملقاة إليه سعيت إن أنني تماماK ألقول أبوك.. يلعن.. كانت وجهي: يلعن في سينفجر فإنه ما شيئاK، أنا إنني بل بوضوح، وجهه على تلوحان الشتيمتين هاتين أيضا

أشك ساعتذاك كنت متعصبة، دينية مدرسة في نشأ الذي الطفل�سعد أن يريد الله هذا أن في أن في أشك حقيقة.. وكنت البشر يشيء... كل يسمع الله هذا

في علينا توزع كانت التي الملونة الصور شيء.. إن كل ويرى األطفال على يشفق الرب تمثل كانت والتي المدرسة، كنيسة

36

Page 37: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

أكذوبة األخرى هي كأنما الصور هذه بدت وجوههم، في وينتسمK يقبضوا كي محافظة مدارس يقتحون الذين أكاذيب من أقساطا

قد فلسطين في عرفناه الذي الله ان في أشك أعد أكثر... لم على قادر غير أدري، ال حيث من الجئ وأنه اآلخر، هو منها خرج على القاعدين البشر، الالجئين نحن، وأننا نفسه، مشاكل حل

K منتظرين الرصيف K قدرا K يحمل جديدا إيجاد عن ما.. مسؤولين حال الصغير بعقل يفتك بدأ قد األلم تحته: كان الليل نقضي سقف

الساذج..K تهبط كانت التي مخيف... والعتمة الليل إن K شيئا فوق فشيئا

أني في أفكر أن قلبي.. مجرد في الرعب تلقي كانت رؤوسنا، شتى نفسي في يستثير كان الرصيف على الليل سأقضي

استعداد على أحد يكن جاف... لم قاس خوف المخاوف... ولكنهK أجد أن أستطيع أكن علي.. لم يشفق ألن إليه... وأن التجئ بشرا

K تلقي الصامتة والدك نظرة K رعبا صدري... في جديدا صامتون، النار... والجميع رأسي في تبعث أمك يد في والبرتقالة

وراء من القدر يبدو أن طامعين األسود، الطريق في يحدقونK علينا يوزع المنعطف ما.. سقف إلى معه ونمضي لمشاكلنا، حلوال

هو قبلنا.. وكان البلدة وصل قد عمك فجأة.. كان القدر وأتىقدرنا.

K يؤمن عمك يكن لم على نفسه وجد عندما ولكنه باألخالق، كثيراK... ويمم يؤمن يعد لم مثلنا، الرصيف، بيت شطر وجهه إطالقا

لهم وأشار فيه، بأمتعته وألقى بابه، وفتح يهودية، عائلة تسكنهK المكور بوجهه فلسطين... من على فصيح: اذهبوا بلسان قائال فذهبوا يأسه من خافوا ولكنهم لفلسطين، يذهبوا لم أنهم المؤكد

والبالط.. بالسقف ينعم وتركوه المجاورة الغرفة إلى وأهله، أمتعته مع فيها تلك... وكدdسنا غرفته إلى عمك قادنا لقد

والتحقنا الصغيرة، بأجسادنا فامتألت األرض على نمنا الليل وفي أمضوا قد الرجال كان الصباح، في نهضنا وعندما الرجال، بمعاطف

تجد بدأت قد المأساة الكراسي... وكانت على جالسين ليلتهمK K طريقا كلنا! أجسادنا خاليا إلى يقودها معبدا

K.. فغرفة صيدا في نسكن لم لنصفنا، تتسع تكن لم عمك كثيرا أن أبيك من أمك طلبت ليال... ثم ثالث احتوتنا فقد ذلك ورغم في صاح أباك البرتقال... ولكن فلنرجع أو ما، عمل عن يبحث العائلية مشاكلنا بالنقمة.. فسكتت.. كانت يرتجف بصوت وجهها

األرض مع خلفناها المتماسكة السعيدة بدأت... والعائلة قدوالشهداء... والسكن

37

Page 38: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

الذهب باع قد أنه اعرف بالنقود.. إنني أبوك أتى أين من أدر لم زوجه.. بأنها وتفخر تسعد أن يريدها كان يوم ألمك اشتراه الذي مشاكلنا، حل على القادر الكثير بالشيء يأت لم الذهب ذلك ولكنK؟ استدان آخر: هل مصدر من بد ال فكان K باع هل شيئا آخر شيئا

انتقلنا قد أننا أذكر ولكنني أدري، ال إنني نراه؟ أن دون معه أخرجه الشرفة على أبوك قعد صيدا... وهناك، ضواحي في قرية إلى

من عشر الخامس يوم مرة... وينتظر ألول يبتسم العالية الصخريةالظافرة.. الجيوش أعقاب في يعود كي أيار

عشرة الثانية الساعة مر... وفي انتظار أيار" بعد15" يوم وأتى،K K نومي في مستغرق وأنا بقدمه أبوك لكزني تماما بصوت قائال إلى العربية الجيوش دخول الباسل: قم.. فاشهد باألمل يهدر

في حفاة التالل عبر كالمسعور.. وانحدرنا فلسطين.. وقمتK كيلو القرية عن يبعد الذي الشارع إلى الليل منتصف K.. مترا كامال

K كلنا، كنا K أو صغارا كالمجانين.. وكانت نركض ونحن نلهث كبارا وحين الناقورة، رأس إلى صاعدة بعيد، من تبدو السيارات أضواء يملك كان أبيك صياح ولكن بالبرد، أحسسنا الشارع إلى وصلنا صغير.. إنه كطفل السيارات وراء يركض أخذ وجودنا.. لقد علينا يركض زال ما يلهث.. لكنه أبح.. إنه بصوت يصيح بهم.. إنه يهتف صائحين بجواره نركض صغير... كنا كطفل السيارات رتل وراء بجمود خوذهم تحت من إلينا ينظرون الطيبون الجنود وكان معه،

يركض وهو جيبه، من يخرج أبوك كان فيما نلهث، وصمت... كنا يهتف يزال ال كان للجنود، يرميها التبغ لفافات الخمسين، بأعوامه

الماعز.. من صغير كقطيع جواره إلى نركض زلنا ال نحن بهم. وكنا بصفير نلهث منهوكين الدار إلى فجأة.. وعدنا السيارات وانتهتخافت..

K أبوك كان K نحن وكنا يتكلم، ال صامتا الكالم... على نقوى ال أيضاوجنتيه.. تمأل دموعه عابرة.. كانت سيارة أبيك وجه أضاءت وعندما خدعتنا ثم البالغات خدعتا شديد.. لقد ببطء األمور مضت بعدها،

جديد.. من الوجوه إلى يعود الوجوم مرارتها.. واخذ بكل الحقيقة وفي فلسطين عن التحدث في هائلة صعوبة يجد والدك وبدأ

نشكل نحن بيوته.. كنا وفي بياراته في السعيد الماضي عن التكلمK، نحن وكنا الجديدة، حياته تملك التي الضخمة المأساة جدران أيضا إلى الصعود إن شديدة، بسهولة يكتشفون الذين المالعين أولئك طلب عن إلهاءنا معناه والدك، أوامر على بناء الصباح في الجبل

الفطور....K شيء أبسط تتعقد.. كان األمور وبدأت على عجيب بشكل قادرا

K أذكر والدك.. إنني استثارة أدريه ال بشيء أحدهم طالبه يوم تماما

38

Page 39: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

صاعق.. تيار مسه كمن يرتجف بدأ انتفض.. ثم أذكره.. لقد وال أوجدت قد ملعونة فكرة وجوهنا.. كانت في تلتمع عيونه ودارتK فانتفض رأسه، إلى طريقها ترضيه... وفي نهاية وجد كمن واقفا

شعوره ومن مشاكله، إنهاء على بقدرته اإلنسان شعور من غمرة حول يدور يهذي.. وأخذ أخذ خطير أنر على إقدامه قبل بالرعب

K نفسه نراه... ال شيء عن باحثا فيه ما ينثر وأخذ عكا من معنا خرج قد كان صندوق على انقض ثم

فهمت قد أمك كانت واحدة، لحظة مخيفة... وفي عصبية بحركات عندما األم فيه تقع الذي االضطراب ذلك من شيء.. وبدافع كل

K الغرفة خارج إلى تدفعنا للخطر.. أخذت أبناؤها يتعرض دفعا النافذة... نبرح لم الجبل.. ولكننا إلى نهرب أن منا وتطلب صوت إلى شديد برعب نستمع خشبها في الصغيرة آذاننا وألصقنا

أنتهي.. أريد أن نفسي... أريد أقتل أن وأريد أقتلهم أن أبيك: "أريدأن..."

الباب، شقوق من الغرفة إلى ننظر عدنا أبوك.. وعندما وسكت أسنانه ويمضغ مسموع بصوت يلهث� األرض على ملقى وجدناه

نفهم بجزع.. لم إليه تنظر ناحية في أمك قعدت يبكي.. بينما وهوK K... ولكنني شيئا األسود المسدس رأيت عندما أنني أذكر كثيرا

ذلك من شيء... وبدافع كل بجانبه... فهمت األرض على ملقىK يصيب الذي القاتل الرعب K شاهد طفال غرة.. أخذت حين على غوال

K الحبل في أعدو الدار.. من .. هاربا الوقت في طفولتي عن أبتعد كنت الدار عن أبتعد كنت وعندما

K تعد لم حياتنا أن أشعر كنت ذاته، K شيئا K لذيذا نعيشه أن علينا سهال إال حلة في تجدي تعد لم حد إلى وصلت قد األمور بهدوء... إن

تصرفاتنا في نحرص أن إذن منا.. يجب واحد كل رأس في رصاصة جعنا... يجب ولو األكل نطلب أال الئق... يجب بشكل نبدو أن على

باسمين رؤوسنا ونهز مشاكله، عن األب يتكلم عندما نسكت أنالظهر.." في إال تعودوا وال الجبل "اصعدوا لنا يقول عندما

زال ما أبوك الدار.. كان إلى عدت الظالم خيم المساء.. عندما في،K K، زال ما مريضا K عيونكم وكانت بجواره، جالسة وأمك مريضا جميعا

تتفتح لم كأنها ملتصقة شفاهكم وكانت القطط، عيون كأنها تلتمعK.. كأنها يجب.. كما يلتئم لم قديم لجرح أثر أبدا

عن بعيدين كنتم كما طفولتكم عن بعيدين هناك، مكومين كنتم خرج ثم يزرعه كان فالح� لنا قال الذي البرتقال... البرتقال أرض

بالماء.. تتعهده التي اليد تغيرت ما إذا يذبل أنهK زال ما أبوك كان تمضغ أمك وكانت فراشه، في ملقىK مريضا

اليوم... حتى عينيها تغادر لم مأساة دموع

39

Page 40: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

K الغرفة دخلت لقد نظراتي المست المنبوذ.. وحينما كأنني متسلال المسدس ذاته الوقت في ذبيح.. رأيت بغضب يرتجف أبيك وجه

برتقالة.. جواره الواطئة.. وإلى الطاولة على األسوديابسة.. جافة البرتقالة وكانت

1958- الكويت

الموصل في فتيل

إلى ذهب م. الذي صديقي إلى أهديتها القصة هذه كتبت حين قصة ألن حينذاك انشرها لم ولكني أخباره، ضاعت ثم الموصل بوسعي يصير أن أريد بعد.. كنت انتهت قد تكن م. لم صديقيالتالي" بالشكل اإلهداء صياغة

عليd الحقيقية..." فكان بالشمس يغتسل م. وقبره صديقي "إلىم.1963-3-8 حتى أنتظر أن

)غ( ***

فجأة.. قالK تعرف هل- K طالبا اسمه بغداد جامعة في يدرس أردنيا

"معروف"؟مرة.. قابلته-K المد مع يرتفع بدأ قد الموج كان أسراب مستقيم خط في حامال

عن الشفافة أجنحتها عجزت حينما البحر في سقطت التي الجرادبهدوء: قال الشاطئ، إلى حملها

قتل... لقد-قتل؟ كيف معروف؟ كيف؟-

K أمامنا ألقت صاخبة موجة اللحظة تلك في وصلت من آخر سربا بأرجل محفوف الطويل جسمها صفراء، جرادة منه الجراد.. تناول

K عيني أمام ورفعها منشارية، K الشفافين جناحيها نازعا متمتمافاجع: بصوت

40

Page 41: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

هكذا...-قتل... أين؟ اين ولكن-الموصل.. في-هناك؟.. إلى قاده الذي ما-

*** ولكنه مرضي، حد إلى الجسم نحيل القامة، قصير شاب معروف

K أعماقه في تخفي فكهة بروح يتمتع شيء كل رغم جذور له قلقا العشر يتجاوز ال فيه عمره كان الذي اليوم إلى تمتد سوداء

من طردا أن بعد ماء بئر أول إلى اه مع وصل حينما سنوات، البئر حافة وكانت العطشى أمه اللد.. كانت الصغيرة، بلدتهما لكي فرصهم ينتظرون الذين والنساء الرجال من بمئات مكتظة بائس... رجل بإصرار الناس زاحم يعيشوا... لقد ولكي يشربواماتت... قد بالتراب: كانت الملوث بالماء أمه إلى عاد وحينما

K أمامها وقف يوم ذاك، اليوم على طويلة سنوات مرت لقد حامال صخرة على تتكئ قذر.. كانت ماء كوز الصغيرتين راحتيه في

موت عذاب به قابلت صمت أي يفضح الشاحب حمراء.. وجههاK لسانها مجعدتين.. وكان سوداوين شفتاها رهيب.. كانت كبيرا

K يعي.. وحينما أن دون لحظة وقف النفس.. لقد مجرى يسد مدورا من خطف قد الماء كوز أن عرف القافلة مع يسير كي أحدهم هزهشروده.. أثناء يدهK الطريق كان لقد باب إلى وصل أن إلى البئر غادر منذ طويال

K الجامعة.. كان K طريقا K.. ولكن طويال يوم في أحد سمع يهل موحالK" يريد أن ما K "معروفا يطمح ما؟ أمر يهمه الحياة؟ هذه من شيئا

كال.. إن لغاية؟ يعيش هدف؟ أجل من يناضل محدد؟ لمستقبلK يده.. في جريدة يقلب هو فيما مرة لي قال يسمع.. لقد لم أحدا

في سنة ستين يعيش الصغير.. اإلنسان فيلسوفي يا "اسمع سنة.. ثالثون النوم.. بقي في نصفها يقضي كذلك؟ أليس الغالب،

وفراغ.. بقي وأكل وسفر مرض بين ما سنوات عشر اطرح حمقاء... طفولة مع مضت قد العشرين هذه نصف عشرون.. إن

فقط، سنوات سنوات... عشر عشر بقيت ابتدائية.. لقد ومدارسبطمأنينة؟" اإلنسان يعيشها بأن جديرة أليست

مشاكله يحل يواجهه.. كان تحد أي يقابل كان الفلسفة بهذه النكتة تعجز بالنكتة.. وحين يحلها التسامح يعجز بالتسامح.. وحين

يفلسفها..K مرة سألته حزبي: مشروع لتأييد رأسه ألجر أن محاوال

فلسطين؟ إلى الرجوع تريد ألست-

41

Page 42: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

يضحك.. وهو قال-K قصة التالي.. أتعرف سؤالك عليك أوفر أريد.. لسوف حتما

األفيال.. خلف وجنوده سار األلب جبال عبر حينما هانيبال؟K K... أنتم لست أنا حسنا الحدود تعبرون الفيلة... حينما فيال صغير صرصار خلفكم.. أنا أكون سوف فلسطين غلى

هانيبال... فيلة بأظالل سأحتمي الترهات هذه مثل على عاش اإلنسان.. الذي هذا مثل أتصدق

أنواع كل الجذب، أنواع كل قاوم والذي الساذجة، اللطيفة تغير؟؟ واحدة؟. كيف دفعة تغير اإلنسان هذا أن التحدي.. أتصدق

K وجهه أصبح يدري!.. لقد أحد ال كوز يحمل زال ما أنه لو كما مربدا لذة يجد كان إنه فاجع.. بل بصمت الممد أمه جسد أمام الماء

K لي قال اللحظة.. لقد تلك عن الحديث في يأخذ حينما وراحة يوماالليل: منتصف في الدار إلى عائدين كنا إذ

K.. إن أتعرف- السينمائي كالشريط الناس بعض حياة شيئا بصورة جديد من فاشل فنان فوصله تقطع، الذي العتيق

في الوسط ووضع الوسط في النهاية وضع خاطئة.. لقدالنهاية...

وجهه إلى أنظر أن أحاول ولم نفسه، عن يتحدث أنه أعرف كنت أواصل أن في رغبت ولكنني تدمعان عينيه ان من أتأكد كي

K التحدي اللحظة.. فقلت: تلك في ضعفه منتهزا حدود بعبور هانيبال أفيال تبدأ حينما أناديك أن أتريد-

فلسطين؟... K.. ولكنه ارتجف صوته وسمعت غريب، هدوء على حافظ قليالباستسالم: يهمس

األفيال... يقودوا أن الرجال بعض على- الموضوع هذا عن مرة يدري... سألته أحد ال معروف؟ تغير لماذا شيء... جوابه.. "ال يؤكد كي المبسوطتين براحتيه يشير وهو فقال

شيء... كل تحت... فانقلب والحقيقة فوق الكذبة كانت لقدتحت..." والكذبة فوق الحقيقة أصبحت

القلب؟.. هذا احدث الذي ما ولكن-صمت. ثم السلفى شفته وقلب األمام إلى راحتيه بسط ***

الممددة أقدامنا الماء غطى حتى قبل ذي ثمن أكثر المد ارتفعK فابتعدنا الرمل، على مرتفعة.. كان صخرة على تستريح كي قليال

K يعطي بالصخرة الموج ارتطام صوت K لحنا الوردية للشمس جنائزياالماء. نحو قرمزية غيوم خالل ببطء، تهبط أخذت التي

42

Page 43: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

ثم جديدة، بشجاعة صدره ليحشد كأنما جديد من صديقي صمتفجأة: سألمعروف؟ قابلت أين ولكن- بين ما الطريق بنا عبرت التي السيارة في إليه تعرفت لقد-

وبغداد. دمشقإذن؟ بغداد تعرف أنت-شهر.. من أكثر فيها مكثت نعم.. لقد آه-بعدها؟ أم الثورة قبل-قليلة... بأيام بعدها-K معروف إلى تعرفت هل- السيارة؟ في جيدا

*** اإلطالق، على جيدة )...( ليست لشركة األولى الدرجة سيارات

K... أما كان الثالثة الدرجة سيارات عن يميزها الذي فالمكيف معطالK كان فقد الماء K باردا K... باردا أن معها نستطع لم درجة إلى حقا

وسيلة هناك تكن ولم مزاجه على يعمل كان التبريد فجهاز نشربه، بالركاب... مكتظة السيارة تكن معينة.. لم درجة عند إليقافه لن السفر رفاق أن لتوي الحظت القصير سلمها صعدت وحينما المقعد اإلطالق.. في على الطريق يقصروا ان بوسعهم يكونK وقور شيخ جلس األول كتمثال.. صامتا

وإلى سميكة، ونظارة وجهه في بشرخ كهل جلس مباشرة وخلفهK لبست وقد سمينة كانت أخته، أو ابنته، جانبه K فستانا يتوسط غريبا

إلى يندفعان نهديها جعل مما سميك قماش من مقلوب هرم صدرهالئقة... غير الجانبين

مقعدي في جلست العجائز... لقد من كانوا فقد الركاب بقية أماK.. الطريق K أن فيه طويل.. والمزعج صامتا ويخفف يتكلم، ال أحدا

K بكالمه الشام.. بادية حر من شيئا منتصف بعد الواحدة الساعة "التنف" في إلى السيارة وصلت أننا السائق لنا وقال األمامي عجلها انفجر تقف أن وقبل الليل، إلي أشار ثم إصالحه أجل من كاملة ساعة لالنتظار نضطر سوف

K كان األرض على أساعده.. الهواء كي أهبط أن K، باردا وحينما الذعاK جانبي إلى الحظت المطرقة حملت نحيل القامة قصير شاباورائي. السيارة من هبط الجسم لنستريح فوقه فجلسنا تعبنا حتى بالمطارق سوية العجل قرعناK K أجد ولم قليال النحيل. القصير صاحبي أسأل من بداK كنت هل- السيارة؟ هذه في راكبانعم.-

43

Page 44: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

أرك؟ لم أنني غريب-K كنت- مقعدي. في غارقاقصير: صمت بعد قلتالذهاب؟ تريد أين- تبدأ بغداد.. وسوف في الحقوق كلية في طالب إنني-

أسبوع بعد الدراسةكذلك؟ أليس بالثورة سعيد أنت-K... إنها سعيد- "اللد" نحو جيدة خطون جدا

K كنت الصحراوي، الطريق تنهب السيارة عادت وحينما إلى جالسا كان الذي الكهل إلى بعينيه أشار لحظات وبعد معروف، جوار

K وهمس: أذني على مال ثم أخته أو ابنته مع جريدته بقراءة منهمكا أخاف التقدميين! إنني الشرفاء بمن هؤالء؟ ممن أتعرف-

منهم... الثورة على توقفت ما سرعان السيارة الصمت.. ولكن في ذلك بعد غرقنا وطلب السيارة باب العمالق السائق وفتح جديد، عجل انفجر حينماأخرى.. مرة العجل نصلح كي نهبط أن صمنا ويرفعها الثقيلة، المطرقة من يقترب الكهل رأينا نصل، أن وقبل

وهو فيلقيها رأسه فوق ما إلى إيصالها عن يعجز ولكنه كفيه بينيلهث.

K معروف قال بالضحك: منفجرا قد الصغيرة العمالية تجربتك إن المسكين، التقدمي أيها-

K تكون أن تستطيع فلن وهكذا فشلت، K... ماذا؟ تقدميا كامال تدرك لك يمكن المطرقة! كيف ترفع أن تستطيع ال أنت

إذن؟ التناقضK أدراجه عاد ثم بقسوة، إلينا الكهل نظر السيارة... إلى مسرعا

وثدياها كهلها خلف تحجل أخذت ثم المشهد نفس الفتاة وكررتصدرها. جنبي على يهتزان الفندق... وفي إلى لتونا حار... وأسرعنا يوم فجر في بغداد وصلنا

معروف: لي قال الليلة تلك يحشدون إنهم خطير.. أالحظت؟ شيء يحدث لسوف-

تداعوا أنهم لو كما الفنادق في ينحشرون كالديدان، أنفسهم بغداد.. إلى وجاءوا ثقوبهم كل من خرجوا أرضي، لحشرمؤامرة؟ تكون أقن أيمكن لماذا؟

***

44

Page 45: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

يخضب أحمر لون منها وبقي األفق، نهاية في الشمس سقطت وهوى المسافة يقطع أن استطاع الجراد الواطئة.. بعض الغيوم

K الشاطئ على تناول الرصيف نحو المنشارية بأرجله يزحف منهكا الماء.. في وألقاها الشفافة أجنحتها قصف جديدة جرادة صديقيK تحركت صوته: وسمعت الزبد طواها ثم قليال

K قتلوه- هكذا... هكذا.. تمامابغداد.. في يعيش أنه أعرف أنا للموصل؟ قاده الذي ما ولكن- نحو يخطو أن يريد أنه قال كالمه؟ نفس لك أقول أن أتريد-

كل صدره في قطع قد بغداد فيه غرقت الذي الزيف إن اللد، على مزيفة ليست الموصل أن يعرف وهو يعود بأن أمل

هناك؟ إلى يطير كي عطلته انتهز فإنه اإلطالق... وهكذاثورة...-

*** بطن من خرجت معنى... الديدان ذي غير أصبح شيء كل بغداد

K تجره بدأت األيدي بأن يشعر األرض... وأصبح طريق عن بعيدا الخطأ؟.. إنه هذا هو خطأ... ما على تقوم هناك العودة... الحياة

K يحسه K إحساسا شروشه.. من يقتلعه أن ويحاول صلبا اآلن.. ولكن األسياد اتركهم... إنهم التعب؟ هذا كل ولماذا-

K.. كان كان ذلك رده: العسير من مستحيال في سوادهم يحملون جديد.. العبيد من الزنج ثورة إنها-

المرة.. هذه قلوبهممعروف. يا- هواء بال تعيشوا أن تعودتم لقد هنا؟ تفعلون ماذا-

K. نفعل أن كالخفافيش... يجب شيئا؟ نفعل ماذا-

K.. كان علينا المعركة فرضت حدثت حينما الموصل في فرضاللحريق... نفسه يقدم أن الشرارة... واضطر

*** األرض.. كل بطن من إليها يزحف الذي الدود رفضت الموصل،

K كان الصغيرة المدينة في شيء يصل أن قبل نفسه عن راضيا رآهم حين صديق دار شرفة على يقف الديدان... كان زحف

يتقنع الذي األرض... كالدود تحت ما بحقد ممسوحة بوجوه يقبلونK الحياة يمتص كي األخضر باللون K... رويدا رويدا

لحظة بعربدة تحته من يمرون وكانوا الشرفة، على يقف كانساعتها: لصديقه العقل... قال حدود من خرجت

45

Page 46: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

طريقهم.. أرأيت في نقف أن وعلينا هنا إلى وصلوا لقد- كعب في تلدغه إنها "أخيل"؟ بمصير تتحكم كيف الصراصير

وحدها الصراصير هناك... إن من إال يموت ال قدمه.. وهوللسخافة!. "أخيل" يا قتل على قادرة

هذه يحتم شيء كل الشارع... كان على الجيش هبط الصباح وفي كان اليوم ذلك جديد... وفي من الصراصير اللحظة... وهربت

لصديقه: الشارع... وقال في معروف-K K من مزيدا طاغ إيمان عادني لقد الهواء، من الهواء... مزيدا

K زال الصغيرة.. ما بلدتي إلى أعود سوف بأنني "اخيل" قادرا بعد.. يمت لم طالما حسن شيء التنفس... وكل على

معروف المرة.. وكان هذه حقيقية شمي الشارع تنير وكانت شيء كل يحبه.. وكان الذي الهواء ومن رئتيه، بملء يتنفس

K يبدو أولئك أما الصراصير، اختفت لقد جديد، من حقيقياK لها صفقوا الذين بانتظار الصمت التزموا فلقد طويال

النتيجة... ويعيونه لصديقه معروف الفاجعة... وقال حدثت التالية الليلة وفي

تدمع:الصراصير... اخيل... وعادت مات-تصنع؟ أن بودك وماذا-هنا. أبقى سوف-متى؟ إلى-K؟ األبد لك األبد... أيبدو إلى- بعيدا حتى هناك يبقى أن على يهرب.. وأصر أن معروف رفض لقد

تلك منذ دأب المدينة... ولقد في ريح خفقة آخر الصراصير تمتصK الرئيسي الشارع في المسير على الليلة K ذهابا وكفاه وإيابا

ترتجف... السفلى شفته ظهره... وكانت خلف معقودتان رأس في الشرفة... ورآه على صديقه وقف اليوم ذلك ظهر وفي

K الشارع K كتفيه، بين رأسه غارزا مع يتحدث ظهره خلف كفيه عاقداK، مسلحين.. كان واضحة، مباالة بال األسئلة على يجيب وكان هادئا

سؤال آخر على يجب لم أنه يبدو وكان الهادئ مسيره إلى عاد ثمطريقه.. يكمل وعاد قاطعهما بل طرحاه،

K سار الطلقات تدوي ثم ظهره، إلى الرشاش يصوب ان قبل قليال تعجز ثم كفيه، بين ورأسه ركبتيه على معروف ويسقط المتتابعة

وجهه.. على فيهوي ركبتاه أعماق ينقب أن وبين بينه حيل حفار كأنه ذاك وضعه في يبدو كان

فسقط.. كأنه أجنحته قصت طير يشمها.. كأنه فانحنى األرض،

46

Page 47: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

جاف شاطئ على ميتة سقطت قاسية رحلة بعد منهكة جرادةيابس.

في ملقى زال "معروف" ما جسد كان اليوم ذلك مساء وفي حملته الشمس غربت الصورة.. وحينما تلك بنفس الطريق وسطالمدينة... خارج واتجهت أخرى أجساد مع سيارة موظف مع وقلمه ساعته يرى أن يومين بعد لصديقه تيسر ولقد مع واحدة حفرة في دفن فلقد معروف جسد أما اشتراها، أنه قال

K الحفار قال كما اضطجعت كثيرة أجساد كتف. إلى كتفا رصاصات بضعة قتلته لشاب قصير هزيل جسد الحفار نظر ولفت

كان األجساد، بقية مع يستوي أن يرفض الجسد كان ظهره، في،K K منحنيا K اضطر ولقد وجبهته، ركبتيه على مرتاحا على لدفنه أخيرا

يصلي... كأنه الشالة، تلك

*** حتى عال قد الموج صوت أقتم... وكان بصورة تهبط بالظلمة بدأت فبدت أنوارها البعيدة السفن وأضاءت آخر، صوت كل يطوي أصبح

بالسواد.. متشحة مالئكة تحملها مأتم قناديل األفق نهاية في أمامنا... ومد الصخرة على حطت جرادة اللحظة تلك في وصلت متجهة مفاجئ باندفاع طارت ولكنها يلتقطها، كي كفه صاحبيالرصيف... خلف الممتدة الخضراء المزارع نحو فتي بإصرار

1959- الكويت

شيء ال

K أن األنباء " نقلت رشاشه رصاص فجأة صب الحدود على جندياالعصبية!." األمراض مستشفى على فاقتيد المحتلة األرض على

***االصطالح: هذا فيها سمع التي األولى المرة هي تلك كانت

الخارج: على يقتاده كان فيما الممرض عصبي"! وسأل "انهيارعصبي؟. انهيار يعني ماذا-

بجفاء: الممرض أجابيرام!. ما على لست أنك ؟ يعني-

47

Page 48: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

وسأل: رأسه جانب على بأصبعه ودق يده رفعهنا-هنا! نعم،-K يكن لم هنيهة، وقف- مرة فسأل عاد ثم شيء، أي من متأكدا

يقول: أن عليه يتعين ماذا يعرف ال أنه لمجرد أخرىعصبي.. هنا؟ انهيار-نعم..-ذلك؟ يعني ماذا-يرام.. ما على لست أنك يعني-كيف؟.- يقول كان إنما بأنه فأحس بعنف ذراعه من الممرض جذبه-

K K كالما ثمة كان بلسانه، التحكم ليستطع يكن لم وأنه فارغا وأخذ الداخل من جبينه في تمركز قد كبير أسود عنكبوت

عينيه. بين القاسية الدقيقة شباكه يبنياآلن؟. ستأخذني أين إلى-الرئيس.. تقابل أن عليك-

مسيره.. فأكمل بعنف، دفعه الممرض أن إال يقف أن حاول األعصاب بحكاية تتعلق هل الرئيس، مع المقابلة هذه لي، قل-

هنا؟. خيوط يشد العنكبوت ومضى أخرى، مرة رأسه جانب إلى أشار

شباكه..نعم.. أن الظن أغلب-ماذا؟. نعم-أوف!.-K، بأنه، أحس أخرى مرة يرغب كان يرام.. ولكنه ما على ليس فعالمستطاع: مدى أبعد إلى لسانه سراح إطالق فيK؟. تعرف هل- شيئاماذا؟.- ولما المرافق، الممرض بوجه إصبعه وهز األرض في قدميه ثبت

وامتنع.. ساقيه شنج يدفعه أن األخير يحاولK.. لك اقول أن اريد- شيئاماذا؟.-هنا.. ليس عصبي.. ولكنه انهيار انه صحيح-إذن؟. أين-

بهدوء: وقال صدره إلى أشارهنا..-قط.. هناك يحدث ال العصبي االنهيار-

48

Page 49: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

ذلك؟. قال من-األطباء..-مجانين.. إنهم-

K، مشى أخرى.. مرة الممرض بوجه إصبعه وهز وقف ثم قليال إنها طبية، حالة ليست الحالة هذه إن مجانين.. ثم األطباء-

عسكرية.. حالةعسكرية؟. حالة الحالة هذه لماذا-عسكري! نفسي أنا ألنني-الفرق؟ وما-تعني؟ ماذا- الصامت.. النظيف الممر في به وسار بعنف فجذبه الممرض، عاد

بدأ قد العنكبوت وكان الجانبين، طول على مغلقة األبواب كانتعينيه.. بين القاسية شباكه نصب يكمل وهو يغنيهنا؟ من بعيد أهو-من؟-الرئيس..-الممر.. آخر في- عليه بأن يحس وكان السرعة، بتلك الحديث ينتهي أن يزعجه كانK، يتكلم أن بال وتهزه بصدغيه تتمسك جارفة رغبة كانت لقد كثيرا

وكانت بعنف، سحبه على يصر المرافق الممرض هوادة.. وكانهباء.. تذهب التوقف محاوالت

K أتعبتني.. لنقف لقد اسمع- قال كما إنني ونستريح.. ثم قليالمريض.. الطبيب- رجل

K، بعينيه وقاسه الممرض، وقف شفتيه وأطبق رأسه هز ثم مليا العنكبوت خطوات يتابع ومضى الحائط على اتكأ بينما بإحكام،K جبينه في يتنقل وهو البطيئة عشه.. بناء متما

المتعلق الشيء بـ.. بـ.. بذلك مصاب أنني عرفت كيف-هنا؟ باألعصاب

العصبي؟ االنهيار-عرف؟ العصبي.. كيف نعم.. االنهيار-األجوبة... من المرض يعرفون خاصة.. وهم أسئلة سألك لقد-K، يسألني لم ولكنه- ثم مرات ثالث أو مرتين سألني كثيرا

أن قبل شعرت لي: ماذا يكتب.. قال دفتره على انكب قال: شيء.. ثم بأيما أشعر لم له فقلت الرصاص؟ تطلق

أشعر له: لم فقلت الرصاص؟ أطلقت أن بعد شعرت ماذاشيء. بأيما

فقط؟-

49

Page 50: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

شيء!. ال له قلت حينما كبيرة أمل بخيبة أصيب كال! لقد أوه-K أساعده ان أريد وكنت يكتب أن يريد وكان له.. فقلت حقا

قلت؟ ماذا- واحد بشيء شعرت الرصاص أطلقت بأن بعد أنني له قلت-

االنتهاء.. سريع الفشك مشط أن هو فقط،K؟ بذلك أشعرت- حقا في وقف ثم كله، بيته نسج أتم قد العنكبوت وكان بأسى، رأسه هز

K الوسط K المتعددة أذرعته رافعا ذبابة.. عن باحثاK! ضغطة ذلك كان كم تتصور ال أوه.. نعم! أنت- واحدة مذهال

مشط سوى يحملوننا ال األمر.. إنهم وينتهي الزناد علىواحد..

بنا.. هيا- ذلك منذ مرة، ألول باأللفة أحس وقد معه فمشى ذراعه من شده

نقلته ثم عنقه، مؤخرة على قاسية ضربة فيه تلقى الذي الوقت المريح الشعور ذلك غمرة المستشفى.. وفي إلى الجيش سيارةK وألبسوه العسكرية بذلته عنه خلعوا بأنهم الحظ K.. لباسا غريباذلك.. حدث متى يحزر أن يشأ لم ولكنه

اثنين.. قتلت لقد-من؟-منهم.. اثنين قتلت رصاصك أطلقت حينما أنت،-K المرء يطلق حينما المفاجأة؟ وأين- على يطلقه فإنه رصاصا

ما.. شيءذلك؟ تتعمد كنت-إذن؟ تحسب أوف!. ماذا-عصبي!.. انهيار انه أحسب كنت-الفرق؟ وما-ذلك؟. يتعمد ال عصبي بانهيار المصاب أن الفرق-

أنه إال مكمنه في واهتز العنكبوت بيت خيوط فتقطعت فجأة وقفالشباك بمن انفتق ما إلصالح بعناد انطلق أن لبث ما

ذلك؟ أتعمد لم أنني إذن يحسبون إنهم-أجل!-تعمدته! كال! لقد-لسانك.. تمسك أن األفضل لسجنوك، أمامهم ذلك قلت لو-

في ضجة يحدث وأخذ وجنون بصخب يعمل العنكبوت صار دورة الطويل الممر ودار يقع، أن وشك على أنه إليه خيل جبينه،عليه.. كان ما إلى عاد ثم نفسه حول كبيرة

أتعمده؟. لم أنني أقول أن يريدون لماذا-

50

Page 51: أرض البرتقال الحزين- غسان كنفاني

صائب.. غير عمل ألنه- ذراعه نفض أنه إال لسحبه الممرض فعاد األرض في قدميه ثبت

العنكبوت.. بيت في أكثر خيوط وتقطعت بعنفK؟ لك أقول أن أتريد- شيئانهارنا.. ضيعنا لقد معي، تمشي أن كال! أريد-K.. لك أقول أن قبل أمشي لن- شيئا-،K قل.. حسنا أن تعمدت ألنني باألعصاب المتعلق الشيء بهذا مصاب أنا-

كذلك؟. الرصاص.. أليس أطلقأجل..-

الحشرة وضجت العنكبوت بيت في الخيوط من المزيد تقطعتالفتق.. وأكمل: رتق تحاول وهي بجنون السوداء

باألعصاب المتعلق الخطير الشيء بذلك مصابين ليسوا وهم-كذلك؟.. الرصاص.. أليس يطلقوا ال أن يتعمدون ألنهم

تقول؟.. أن تريد ماذا أجل،-شيء.. شيء.. ال أوف! ال أقول؟ أن أريد ماذا- فيهتز الكبيرتين بقدميه الممشى أرض يدق وكان بهدوء، سار

تتقطع والخيوط جبينه، في يرتج العنكبوت وكان الضخم، جسدهيهتف.. بعنف.. ثم

الصحيح؟. هو هذا أن متأكد أنت هل اسمع،-ماذا؟.- األعصاب؟ موضوع عن قليل قبل قلته الذي هذا--..K K.. طبعا طبعا وأمحت، يتالشى، بدأ قد العنكبوت بإمعان.. كان الممرض إلى نظر

K الداخل من جبينه وصار المتشابكة خيوطه آثار كل فجأة، نقياأبيض.. رخام كبالطة

K.. دعنا- الرئيس!.. إلى نذهب حسنا

1962- بيروت

51