أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

369
ةَ ف س لَ ف ل س ا س ا ي ن ا ث ل ء ا ز ج ل ا) ي ن ا ث ل ء ا ز ج لا( ي ع ق اَ و ل اْ بَ ه مذ ل اَ و. ي ن ا ث ط ا ث لط ا0 ن سي ح ذّ م ح م ذّ ث س ل ا مةّ لا ع ل : ا ف ي ل أ ت. ريَ ّ طه م ل ي ا ض ت ر م ذ ث ه ش ل ا اذ ثْ س لا : ا ق ي ل ع ت. ي ن ا اق خ ل م اِ عْ ي م ل ذ اْ ثَ ع ذَ ّ م ح م: ب ي ز ع ت[ 5 ] م ي ح ر ل ا0 ن م ح ر ل لة ا ل م اس ب ي ن ا ث ل ء ا ز ج ل ر ا ي صذ ت ة ف س ل ف ل ة، وا ي لm ا ة ف س ل ف ل ا0 اج ت ح ت ذار مأ ف م ب ي ل ف ع ل ل ا ث ل خy ت ل ي ا لm ا0 اج ت ح ت لا0 ن ف ي ا0 نm ا م سy ت ث ل ر، م لا ا ا ي هذّ ذ ذ ا ل، وق ث ل خy ت ل ا ا هذ ب ط ي ت ر ي ذار مأ ف م ب ز خ ا ي ش ي أ ط ت ي ت ر ي لاً ا ص ت ا ع ي نy ت ا ص ت ا ا ث ه0 ن م ذ. و ث ق ع ي ل وا وض م غ ل ا0 ن م0 ون ل ت- ها عت ي ب ط ت- ة ي ق س ل ف ل ل ا ت سا م ل ا. ق ط ي م ل ي ا لm ا ذة ذت س ل ا ة ف س ل ف ل ا ة حاج ة ف لاس ق ما ي س ، ولا ة ف لاس ف ل ا ب ق ل ذ ق ي ل ف ع ل ل ا ث ل خy ت ل ي ا لm ا ذة ذت س ل ا ة ف س ل ف ل ا0 اج ث ب ح وا ة ي ق س ل ف ل ا لات ص ع م ل ل ا ث ل خ ت ي ف ذء ث ل ل ا ث ق ة ن ا ي ه ، و ةƒ لاحظ م ل ة ا ي هذ لm ا ة ي ت خذ ل أ ا وروت ا ي هن الذ اطة س ب ة ي ق ي ك و ة كان ذراm وا كارة ف وا0 سان بm لا ا ذراسة0 ن م ذ ، لا ت ها ب لا ك ش م ل ح و:0 ن ة ا ي ق ذو ف ي ع ا ي خذ الذ ل ي ا لm ر ا ما ض م ل ا ا هذ ي ف وا م ذ ف ت ، و ي ل ف ع ل وا

description

أسس الفلسفة للمرحوم الطباطبائي عليه الرحمة، شرح الشيخ الشهيد مطهري رحمة الله تعالى عليهالجزء الثاني

Transcript of أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

Page 1: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

أسس الف�لـسف�ة و�المذه�ب� الو�اقعي )الجزء الثاني(الجزء الثاني

)د محم)د حسين الطباطبائي. )مة السي تـأليــف : العالري . تاذ الشهيـد مرتضى المطهـ2 تعـليـق : األس�

�عـم الخـاقـاني . 2د ع�بـد المـن تعريب : محمـ[5]

بسم الله الرحمن الرحيم تصدير الجزء الثاني

إن أي فن ال يحتاج إلى التحليل العقلي بمقدار ما تحتاج الفلسفةU ال ترتبط بأي شئ آخر بمقدار ما ترتيط بهذا إليه، والفلسفة أيضا التحليل، وقد أد)ى هذا األمر، لتتسم المسائل الفلسفية -بطبيعتها-

بلون من الغموض والتعقيد. ومن هنا أيضا تنبع حاجة الفلسفةالشديدة إلى المنطق.

واحتياج الفلسفة الشديدة إلى التحليل العقلي قد لفت الفالسفة، وال سيما فالسفة أوروبا الحديثة إلى هذه المالحظة، وهي أنه قبل

البدء في تحليل المعضالت الفلسفية وحل مشكالتها، ال بد من دراسة اإلنسان وأفكارة وإدراكاتة وكيفية نشاطة الذهني

والعقلي، وتقدموا في هذا المضمار إلى الحد الذي اعتقدو فيهأن:

"الفلسفه هي اإلنسان".�همية U األ )ن لنا ضمنا U وفي محله وهو يبي وكان هذا االلتفات رائعا

U من هذا المجال. U مهما الفائقة للمنطق الذي يشك)ل جانباوهذا الكتاب أيضا يولي هذا األصل عناية خاصة فهو يتناول

[6]lنسان وكيفية نشاطه بالدراسة -قبل كل شيء- إدراكات اإل

الذهني والعقلي بأسلوب ينفرد به، ومن اطلع على الجزء األول منه يعرف أن ثالث مقاالت منه من مجموع أربع مقاالت تتعلق

اء الكرام lدراكات، وكذلك الجزء الثاني الذي نقد)مه اليوم للقر) باإلفإنه يقتصر على هذا الموضوع.

ويحتوي هذا الجزء على مقالتين: إحداهما تحت عنوان:tخرى lدراكات"، وهي المقالة الخامسة، واأل "ظهور الكثرة في اإل

lعتبارية"، وهي المقالة السادسة. lدراكات اإل تحت عنوان:"اإل فالمقالة الخامسة وإن لم تعنون بعنوان "الحس والعقل" ولكن النتائج التي تتوق)ع من مباحث الحس والعقل والتجربة والتعقل

تؤخذ من هذه المقالة، وكما يعلم القارىء الكريم فإن النزاع بين

Page 2: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U من الدراسات الفلسفية U مهما الحسيين و العقليين يشكل جانباوالمنطقية ومباحث علم النفس الحديث.

فنحن نجد مواضيع في المقالة الخامسة لم يهتم بها القدماءU ولم تشق) فيها الفلسفة وال المنطق وال علم النفس U كامال اهتماماU، أي أن التحقيقات الواردة في هذه المقالة تعتبر الحديث طريقا

خطوة جديدة في عالم الفلسفة.U لم U جديدا U فلسفيا أما المقالة السادسة فهي تتناول موضوعا

يسبق إليه، وحسب ما وصل إليه علمنا فإن هذا الموضوع يطرح للدراسة ألول مرة في هذه السلسلة من المقاالت، وهو

lدراكات الحقيقية و الموضوع المتعلق بالتمييز و التفكيك بين اإلlعتبارية، وسيتضح هذا األمر من مراجعة المقالة lدراكات اإل اإل

ذاتها.[7]

ويؤسفني أن يكون قد مر) عام كامل على ظهور الجزء األول من هذا الكتاب، ففي خالل هذه الفترة حاولت ما أمكنني وإلى الحد الذي سمحت به ظروفي أن أكتب تعليقة على هاتين المقالتين

وأن أوضح بعض الجوانب وأضيف أشياء عندما ألمس حاجةlضافة ولكن التوفيق لم يحالفني ألتم) ما يتعلق بالمقالة لإل

السادسة.�مر أن إكمال تلك المقالة سيؤخر ظهور وكنت أتصور في أول األ

�رغب في تأخيره أكثر من tخرى ولست أ هذا الجزء ثالثة أشهر أ هذا السيما مع حرص ونفاذ صبر القراء الكرام الذين اطلعوا على

tخرى فإن هذه المجموعة من الجزء األول منه، ومن ناحية أUستاذ المؤلف أدام الله بقاءه وال بد المقاالت قد أكمل تأليفها األtخرى وجعلها في متناول القراء lسراع لتحضير المقاالت األ من اإل

الراغبين في هذا الكتاب، لهذا السبب ومع بقاء قسم مهم من تلك المقالة دون تعليق وهو يحتوى على مسائل دقيقة وحساسة

ومع أنني هيأت بعض التعليقات له ولكنني صرفت النظر عنU أن يستفيد القارئ الكريم فائدة وافية من متن إتمامها آمال

�لlف� أسلوب هذه المقاالت وتعر)ف على المقالة نفسها حيث أ طريقتها. ومن الطبيعي أننا إذا بنينا على كتابة التعليقات

tخرى بهذا الشكل فإن إتمامها سيستغرق فترة طويلة للمقاالت األlعتبار العوائق والموانع التي تقف في من الزمن مع األخذ بعين اإل

U آخر مع ما تبقى من طريقي، فلهذا السبب لعلنا نسلك طريقاتلك المقاالت.

* * *

Page 3: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

ومع أن الظفر بالمعميات الفلسفية يعتبر غاية آمال اإلنسان ومنتهى رغبتة الغريزية، ونجاحه في هذا السبيل يسعد أعماق

ضميره، ولكن الغموض والتعقيد الطبيعي اللذين يغلفانالمواضيع الفلسفية من ناحية،

[8]tعدها عن العواطف والشعور واقتصارها وجمودها وتحجرها أي ب

tخرى، قد أظهر على المنطق والتعقل المحض من ناحية أالفلسفة عند أغلب الناس بشكل عبوس مكفهر.

ولكننا ال نشك في أن أسلوب الكتابة وطريقة التفهيم، يعتبرU في تبسيط أو تعقيد المواضيع، ولهذا فنحن نسعى - U مهما عامال

كما أشرنا إلى ذلك في مقدمة الجزء األول- لنذكر مواضيع سهلةlصطالحات الالمفهومة ليكون على في هذا الكتاب بعيدة عن اإلU مستوى يفهمه من كان له اطالع في الفلسفة ولو كان اطالعا

.U يسيرا ويدل حtسن اإلستقبال والعناية الشديدة التي أبداها الراغبون في

العلم والمعرفة بالنسبة للجزء األول على أن سعينا قد حققنتائجه.

)وا U من الناس ظن وال يفوتنا أن نذكر هذه المالحظة، وهي أن كثيرا�ساسي من تأليف هذا الكتاب هو نقد ورد) الفلسفة أن الهدف األ

ين لنؤكد من جديد في مقدمة هذا �نفسنا مضطر) المادية، لذا نجد أ الجزء أن هدف هذا الكتاب والمقصد منه أرفع من هذا وأرقى،

ولو كان هدفنا رد) الفلسفة المادية وبيان أخطاء المادية�نفtسنا مثل هذا الجهد وطرحنا هذه الديالكتيكية لما كلفنا أ

المباحث الفلسفية العميقه الدقيقة، فنحن في هاتين المقالتينU ما شم) رائحتها اتباع الفلسفة المادية، وأقل) نواجه مسائل وبحوثا

فائدة يكسبها القارئ العزيز من هاتين المقالتين هي أنه يدرك بوضوح أن الماديين بعيدون عن هذه المرحلة بفراسخ عديدة

وهي المرحلة التي غاص فيها كبار فالسفة الشرق والغرب إلىlدراكات والعقل �فكار واإل األعماق، وأخذوا يفتشون في األ

والمعقول. فالماديون لم يستطسعوا االقتراب من هذه المرحلة،lطالق عن مئات المالحظات الظريفة التي وال علم لديهم على اإل

[9]عة في أطراف هذه البحوث. هي أد)ق من الشعرة والموز)

والهدف األساسي لهذا الكتاب -كما ذكرنا ذلك في مقدمة الجزء�ول منه- هو إيجاد نظام فلسفي رفيع يقوم على أساس األ

lستفادة من الجهود القيمة للفالسفة المسلمين التي امتدت اإل ألف عام من الزمن، ومن ثمار التحقيقات الواسعة الرائعة

Page 4: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lبداع واالبتكار. ولهذا نشاهد لعلماء الغرب، زمن استخدام ملكة اإل في هذه المجموعة من المقاالت، تلك المسائل التي كان لها دور

أساسي في الفلسفة القديمة، ونالحظ فيها المسائل التي تهتمU لم تتناولها الفلسفة U ضمنها أمورا بها الفلسفة الحديثة، ونجد أيضا

االسالمية وال الفلسفة األوربية بالدرس والتحقيق. ولم يختص العلم وال المعرفة بزمان معين، ولم ينحصر في أمة

U في أشخاص بعينها، وال في شعب وحده، ولو كان العلم منحصرا معينين، لما حقق هذا التقدم الباعث على الحيرة الذي نشاهده

اليوم في عصرنا الراهن. فالوضع المتميز للحضارة البشرية المعاصرة، وذوبان المسافاتlنفتاح الحاضر بين الشرق والغرب فيما tمم والشعوب، واإل بين األ

�فضل الفرص يتعلق بالمعارف والمعلومات ، -كل هذه- توفر أ للمحق)ق لكي يستفيد من نتائج قرون من التحقيق والدراسة

والعذاب جاءتة من طرق مختلفة، وهو يستطيع أن يستغلU جديدة ويقتحم بال tبداع الكامنة في نفسة، ويفتح بها سl طاقات اإل

U رفيعة، وبفضل هذه الفرص والجهود المبذولة في هذا آفاقا السبيل، استطاع العلم وتمكنت الفلسفة من قطع مراحل جديدة

وتحقيق تقدم ملموس. هـ . ش1333طهران -شهر اسفند

مرتضى المطهري [11]

مقدمة المعلق إن الموضوع الذي نريد أن نتناوله في هذه المقالة يشبة تلك

المواضيع المطروحة في المقاالت: الثانية والثالثة و الرابعة مندراكات البشرية. ففي هذه المقالة lحيث كونها متعلقة بالعلوم واإل

lدراكات الذهنية بالدرس والتحقيق من ناحية خاصة، نتناول اإل وهذه الناحية الخاصة عبارة عن الدراسة حول:" كيفية حصول

lدراكات". الكثرة في اإل ولعل) القارئ الكريم يتصور بادئ ذي بدء، إن ناحية حصول الكثرةlدراكات ليست بحاجة إلى دراسة وال إلى تحقيق، ذلك ألن في اإل

�ذهاننا lدراكات تابعة لكثرة المدركات، فنحن نجد في أ كثرة اإل إدراكات وتصورات كثيرة، ألن أشياء عديدة موجودة فيها وراء

�شياء الواقعية الخارجية كثيرة ومتعددة أذهاننا، ولما كانت تلك األlدراكات عندما تتصل بها قوانا المدركة، )د فينا اإل وهي التي تول

lدراكات كثيرة، ولكننا U إل فهي إذن بالضرورة والحتم، تصبح منشأ نلفت انتباه القارئ العزيز إلى أن هذه المقالة ليست ناظرة إلى

lدراكات، ذلك ألن هذا القسم من هذا القسم من الكثرة في اإل

Page 5: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lدراكات بالذات يتعلق بكثرة المدركات الخارجية، الكثرة في اإلlدراكات، أما ما نقصد إليه في هذه المقالة فهي وبالتبع يتعلق باإلU lدراكات نفسها، وال عالقة لها إطالقا الكثرة المتعلقة بالذات باإل

بكثرة المدركات [12]tخرى، فإن الكثرة إلى ذهن القارئ الكريم - الواقعية. وبعبارة أ

lدراكات اآلتية من كثرة المدركات- نابعة من ناحية أي كثرة اإل الذهن االنفعالية، وأما ما هو مقصود في هذه المقالة فهو الكثرة

�صلي هو التكثير الذي الناشئة من ناحية الذهن الفعالة، وعاملها األيقوم به الذهن نفسه.

)ن lدراكات نبي وفي ضمن شرحنا لكيفية حصول الكثرة في اإلlدراكات lدراكات لنعرف من أى سبيل ترد اإل طريق حصول على اإل

والتصورات إلى الذهن، وما هي حدود قدرة الذهن على كسب المجهوالت، وما هي حدود قدرة الذهن البشري على التدخل

والحكم.U بعنوان: ففي هذه المقالة ولوأننا لم نعنون بحثا

"الحس والعقل" ولكن النتيجة التي تنتظر من موضوع الحس والعقل يمكن انتزاعها من المواضيع المختلفة لهذه المقالة،

lدراكات )ن ضمن مواضيع هذه المقالة، ما هو لون اإل وذلك ألننا نبيlنعكاس من إحدى التي تنطبع في الذهن ويصورها عن طريق اإل

الحواس الخارجية أو الداخلية لظاهرة معينة، وما هو لونlدراكات التي ليست من هذا القبيل، والذهن في هذه الحال اإلlحساس المباشر. lدراكات عن طريق غير طريق اإل يظفر باإل

lدراكات وسبب أن هذا الموضوع وهو "كيفية ظهور الكثرة في اإل الذهنية" لم تتناولة الفلسفة القديمة وال الفلسفة الجديدة وال

علم النفس الحديث بالنقد والتحليل. فمن الممكن أن ال يأنس إليه القارئ الكريم وال يتسجم مع ذوقة، ولكننا نسعى في

tمور lصطالحات واأل ب الموضوع ونبسطة باإل التعليقات أن نقر)�عزاء، المأنوسة لدى قرائنا األ

[13] وال سيما عندما يتعلق األمر بنظريات الفالسفة المحدثين، فنحن

نحاول بكل ما نستطيع وبما يتناسب مع هذه المقالة أن نقر)بونقارن وننقد ونحكم بينها بشكل أوسع من غيرها.

* * *

وكما ذكرنا في مقدمة المقالة الرابعة فإن المسائل المتعلقة lدراك( تتميز بأهمية فائقة سواء أفي الفلسفة القديمة بالعلم )اإل

Page 6: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

أم في الفلسفة والعلوم الحديثة، وقد وقف فالسفة أوروبا�خيرة معظم جهودهم لدراسة �ربعة األ ومحققوها في القرون األ

هذه المسائل، بحيث يمكن أن يقال: إن محور المسائل الفلسفيةفي أوروبا هي هذه المسائل الثالث:

-قيمة المعلومات.1 - طريقة الحصول على العلم.2 -تعيين حدود العلم.3

tولى يفصل الفالسفة عن فاالختالف في المسألة األ)اكين، واالختالف )زt أصحاب اليقين من الشك tم�ي السوفسطائيين، وي في المسألة الثانية يقسم علماء أوروبا إلى فئتين رئيسيتين هماU، أما االختالفات في U صاخبا العقليون والحسيون ويثير بينهم نزاعا المسألة الثالثة فهو يستلزم اختالف نظريات العلماء وعقائدهم

بالنسبة للفلسفة العقلية التى تعد) الفلسفة األولى )الميتافيزيقا( أوضح مصاديقها وهى التى كان يسميها القدماء )العلم الكلي( و

)الفلسفة الحقيقية(، بحيث ظن بعضهم أن التحقيق في هذاU، وهو أمر U أو إثباتا الفن، واصدار الحكم بالنسبة لمسائلة نفيا

خارج عن حدود قدرة الذهن البشرى، بينما يعتقد البعض اآلخرU وأبعدها عن الحاجة. إنه أكثر الفنون يقينا

[14]tولى من هذه الثالث قد مر) التحقيق فيها وذلك في فالمسألة األ

tمور المقالة الرابعة، وأما المسألتان األخريان مع إضافة بعض األtخرى فقد خصصنا لدراستها هذه المقالة، ولكي يصبح �ساسية األ األ

U برصيد ذهني كاف� من أجل استيعاب ما القارئ الكريم متمتعايدور في هاتين المسألتين نذكر بعض المقدمات:

طريق الحصول على العلم:يدور البحث في هذا الموضوع حول هذا األمر:

ما هو المبدأ والمنشأ األولي للعلم البشري؟ وما هي كيفيةlدراكات؟ ومن lبتدائية أي العناصر األولية البسيطة لإل lدراكات اإل اإل

أي طريق تظهر؟ tخرى: نحن نعلم أن التفكير يعني صياغة المركبات من وبعبارة أ

األمور البسيطة وتكوين القضايا من المفردات وتشكيل�خذ النتائج منها، ومن ثم توجد القياسات من القضايا ثم أ الفلسفلة والعلوم من هذه القياسات والنتائج. إذن اللبنة

tمور البسيطة، وهنا ال بد أن �ساسية للتفكير هي المفردات واأل األ نبحث عن هذه المفردات واألمور البسيطة التي هي اللبنة

�ساسية للتفكير البشري من أين تأتي ومن أي طريق تعرض األالذهن البشري؟

Page 7: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

�زمان الغابرة وحتي والقدر المتيقن أن هذا الموضوع كان منذ األ العصر الحاضر مورد إهتمام البشرية، وقد استمر فيها اختالف

اآلراء بأشكال متعد)دة. وال يوجد في أيدينا الكثير من آراء علماء اليونان قبل سقراط،

�غلب هؤالء العلماء -ومن جملتهم وكما يقال فإن أ�صحاب الحس، أي إنهم يعتبرون مبدأ السوفسطائيون- كانوا من أ

ومنشأ جميع التصورات [15]

واإلدراكات الجزئية والكلية، المعقولة و غيرها هي الحواس،lدراكات هي lنسان على اإل ويعتقدون أن السبيل الوحيد لحصول اإل

الحواس التي منحت له.U لهذه النظرية U تماما U مخالفا والذى وقف في تلك العصور موقفا

هو أفالطون.�فالطون: أ

كان يعتقد -حسب ما ينسب إليه عادة في تاريخ الفلسفة- أن العلم والمعرفة ال تتعلق بالمحسوسات ألن المحسوسات متغيرة

U U وكليا وجزئية وزائلة، أما متعلق العلم فهو ال بد أن يكون ثابتاtمtثل" التي هي واقعيات U. فالمعرفة الحقيقية هي إدراك "ال ودائما كلية ودائمة، وهي من المعقوالت وليست من المحسوسات. وقد حصلت هذه المعرفة العقلية لروح كل واحد منا قبل أن يأتي إلي هذا العالم، وذلك ألن الروح قد كانت في عالم المجردات قبل أن

تجيء إلي هذا العالم، وكانت تشاهد "المثل" هناك ، ثم) بعد أن�شياء هذا العالم نسيت تلك المثل، جاورت وخالطت البدن وأ

U من تلك الحقائق �شياء هذا العالم نماذج وظالال ولكن لما كانت أ فإن الروح بمجرد احساسها بهذه النماذج تتذكر تلك السوابق،�شياء lنسان في هذا العالم ليست أ lدراكات الحاصلة لإل إذن، فاإل

)ر للعهد السابق. جديدة وإنما هي تذكtمور: �فالطون تحتوي علي عدة أ هذه النظرية المنسوبة أل

-الروح موجودة قبل تعلقها بالبدن.1 - تستبطن الروح منذ تعلقها بالبدن معلومات ومعقوالت كثيرة.2 -العقل مقد)م على الحس، وإدراك المعاني الكلية مقد)م على3

إدراك الجزئيات. [16 ]tل.4 -الطريق للحصول على العلم هو مشاهدة المtث

�رسطو، بدأت �فالطون نفسة وعلى يد تلميذة أ ومنذ عصر أ المعارضة النظرية، فأنكر أرسطو وجود المعلومات القبلية بل

Page 8: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

أنكر وجود الروح قبل البدن، وكذا تقد)م العقل على الحس،lدراكان الجزئية. lدراكات الكلية على اإل وتقدمت اإل

أرسطو: تقوم نظرية أرسطو في باب العلم والمعرفة، على أساس أن

الروح في البدن على حد) القوة واالستعداد المحض، وهي ال تملك بالفعل أي) معلوم أو معقول، وجميع المعلومات والمعقوالت

U في هذا العالم. تظفر بها تدريجيا وبعد أرسطو جاء أتباع مذهبه بتقسيم للعقل بلحاظ المراحل المختلفة والدرجات المتفاوتة التي يطويها العقل في سبيل

تحصيل المعرفة، من قبيل هذا التقسيم: العقل بالقوة، العقل بالملكة، العقل بالفعل، العقل المستفاد )من اختالف بيانهم في)ن هذا التبويب حسب تقرير هذه المراتب(، ويقال أن أو)ل من بي

�فريدوسي من حكماء االسكندرية. lسكندر األ �رسطو هو اإل مذهب أU على إدراك �رسطو يكون إدراك الجزئيات مقد)ما وحسب نظرية أ

U ثم يأخذ الكليات، أي أن الذهن بظفر بإدراك الجزئيات أوال بالتجريد و التعمتم بوساطة القوة العاقلة فينتزع المعاني الكلية.

إن نظرية أرسطو في باب تحصيل المعرفة تشمل أمرينرئيسيين:

-ال يملك الذهن في بدايتة أي معلوم ومعقول، بل جميع1lدراكات والتصورات، الجزئية والكلية تحصل للنفس في هذا اإل

العالم.[17]lدراكات الكلية.2 lدراكات الجزئية مقد)مة على اإل -اإل

�رسطو يعمم ولكنه لم تصل إلى أيدينا وثيقة لنعرف منها هل أن أ القسم الثاني من نظريتة ليشمل جميع المعلومات والمعقوالت،

أي حتى ذلك القسم من التصورات العقلية التي تسمى في منطقة بـ "البديهيات األولية" هي من هذا القبيل فكان يعتقد أن

lدراكات الجزئية الحسية �ولية العقلية مسبوقة باإل البديهيات األU أم أن هذا القسم من النظرية يختص بالماديات وبالكليات أيضا

�ولية فكان يعتقد المنطبقة على األفراد المادية، وأما البديهيات األ أنها تحصل بالتدريج وبصورة ذاتية للعقل وبدون تدخل أو وساطة

lدراكات الجزئية الحسية، أي كان يرى أن العقل يبدع هذه اإل التصورات من ذاته. وبالتالى فإن هذا الجانب المهم من نظرية

U غير واضح، وقد دفع عدم الوضوح الذى أرسطو يبقى معتما يغلف نظريتة العلماء للحيرة فشرحوا نظريتة في باب العقل

U، والبعض �رسطو حسيا والحس بشكل مختلف، فبعضهم أعتبر أ

Page 9: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U، وبعضهم أتهمهم بالتذبذب. وسوف نعود إلى اآلخر اعتبره عقلياالحديث حول هذا الموضوع في نهاية هذه المقدمة.

الحكماء المسلمون :�رسطو في باب كيفية حصول U نظرية أ تبنى هؤالء العلماء غالبا العلم والمعرفة ووافقوه على كال قسميها اللذين مر) شرحهماU ، أي أنهم اعترفوا من ناحية بأن نفس اإلنسان في حالة آنفا

الطفولة في وضع القوة واإلستعداد المحض وهي صفحة بيضاء لم يكتن فيها شيئ ولها اإلستعداد فقط لتقبل الكتابة وهي ال

تملك بالفعل أي معلوم أو معقول ، وكانوا من ناحية أحرى بعتبرون اإلدراكات الجزئية الحسية مقدمة على اإلدراكات الكلية العقلية . وعالوة على هذا فإن الجزء المهم في نظرية أرسطو ،

U والذى بقي غامضا[18]U في نظرية العلماء المسلمين، وذلك ألن U أصبح واضحا مبهما

حوا بأن جميع التصورات البديهية العقلية هي هؤالء العلماء قد صر) أمور انتزاعية ينتزعها العقل من المعاني الحسية، والشيء الذي

U بين انتزاع المفاهيم الكلية يجب التنبية عليه، هو أن هناك فرقاlنسان التي تنطبق على المحسوسات من قبيل مفهوم اإل

�ولية والمفاهيم العامة من والفرس والشجر وانتزاع البديهيات األlمكان قبيل مفهوم الوجود والعدم والوحدة والكثرة والضرورة واإل

tولي يحصل للعقل lمتناع، وهذا الفرق هو أن انتزاع الفئة األ واإل عن طريق تجريد وتعميم الجزئيات المحسوسة بشكل مباشر،

tخرى: إن وأما الفئة الثانية فهي منتزعة بشكل آخر، وبعبارة أtولي هي نفس الصور المحسوسة التي وردت إلى الذهن الفئة األ

عن طريق إحدى الحواس، ثم قال العقل بما يتمتع به من قوة التجريد بصياغة معني كلي من تلك الصور المحسوسة، ولكن

الفئة الثانية لم ترد إلى الذهن من طريق الحواس مباشرة وإنما الذهن بعد أن بظفر بالصورة الحسية فإنة يقوم بنشاط خاص)ن لينتزع هذه المفاهيم من تلك الصورة الحسية. وترتيب معيtولي باألصطالح الفلسفي بـ "المعقوالت ولهذا تسمى الفئة األ

tولي بـ "معقوالت tولي"، والفئة الثانية المعتمدة على الفئة األ األ)ل الثانية". وهذه المعقوالت الثانية الفلسفية هي التي تشك

�ولية للمنطق وموضوعات أغلب مسائل الفلسفية البديهيات األtولى والمعقوالت الثانية lجمال فإن المعقوالت األ tولى. وعلى اإل األ

lدراكات الجزئية الحسية. U باإل مسبوقة جميعا ويكفينا في هذا الصدر أن نذكر قول صدر المتألهين في كتابه

U على ما نقول: �سفار شاهدا الشواهد الربوبية وكتابه األ

Page 10: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

�ول من المشهد الثالث lشراق التاسع من الشاهد األ فهو في اإلمن كتاب الشواهد الربوبية يقول:

[19] "إن أول شيء يحدث من آثار المحسوسات التى هي معقولة

بالقوة ومجتمعة في مخزن قوة التخيل )الحافظة( هي البديهياتوهي عبارة عن األوليات والتجربيات ...".

�سفار في مبحث العقل والمعقول بعد أن يبين عمل ويقول في األاآلالت الحسية:

�خبار من " إن الحواس بمنزلة الجواسيس مختلفة تجلب األأطراف متعددة، والنفس تستفيد عن طريق هذه الجواسيس"

:U ثم يواصل حديثة قائال "ثم إن هذه التصورات تجعل النفس مستعد)ة للظفر بالبديهيات

األولية التصورية والبديهيات األولية التصديقية".U أن نذكر في هذا المجال حديث المتكلم والمفسر) وليس مستغربا

المعروف اإلمام الفخر الرازي في تفسير الكبير:يقول الفخر الرازي في ذيل اآلية الكريمة:

U وجعل لكم }والله أخرجكم من بطون أمهاتكم ال تعلمون شيئا -سورة78السمع واألبصار واألفئدة لعلكم تشكرون{ ]اآلية

النحل[U عن معرفة األشياء ثم قال نسان خtلق في مبدأ الفطرة خاليا lاإل"

وجعل لكم السمع واألبصار واألفئدة، والمعني أن النفس�ول الخلقة خالية عن المعارف والعلوم lنسانية لما كانت في أ اإل

بالله فالله تعالى أعطاه هذه الحواس ليستفيد بها المعارف والعلوم وتمام الكالم في هذا الباب يستدعي مزيد يقرير

فنقول:التصورات والتصديقات إما أن تكون كسبية وإما أن [20]

تكون بديهية، والكسبيات إنما يمكن نحصيلها بواسطة تركيبات البديهيات فال بد من سبق هذه العلوم البديهية، وحينئذ لسائل أن يسأل فيقول: هذه العلوم البديهية إما أن يقال إنها كانت حاصلة

lنا بالضرورة نعلم أنا �ول باطل إل منذ خلقنا أو ما كانت حاصلة، واألlثبات tمهات ما كنا نعرف أن النفي واإل حين كنا أجنة في أرحام األ ال يجتمعان وما كنا نعرف أن الكل أعظم من الجزء، وأما القسم

الثانى فإنه يقتضي أن هذه العلوم البديهية حصلت في نفوسنا بعد أنها ما كانت حاصلة فحينئذ ال يكن حصولها اال بكسب وطلب

tخرى فهذه العلوم U فهو مسبوق بعلوم أ وكل ما كان كسبياtخرى إلى البديهية تصير كسبية ويجب أن تكون مسبوقة بعلوم أ

غير نهاية وكل ذلك محال".

Page 11: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lشكال: ثم يقول الفخر الرازي بعد ذكر هذا اإل "وهذا سؤال قوى مشكل وجوابة أن نقول إن الحق أن هذه

العلوم البديهية ما كانت حاصلة في نقوسنا ثم أنها حدثت وحصلت، أما قوله قيلزم أن تكون كسبية، قلنا: هذه المقدمة ممنوعة بل نقول انما حدثت في نفوسنا بعد عدمها بواسطة

إعانة الحواس التي هي السمع والبصر" )تفسير الفخر الرازي- (،وليس عن طريق500المجلد الخامس من الطبعة القديمة ص

U lستدالل، ثم يفصل الجواب ولكن تفصيله ليس خاليا الكسب واإلمن النقص.

كانت هذه نظرية العلماء المسلمين في هذا المجال، ولكنه في نفس الوقت يوجد جانب مهم آخر في نظرية هؤالء العلماء قد

U، وهذا الجانب هو متعلق بكيفية انتزاع U غامضا بقي مبهما�ولية العقلية البديهيات األ

[21] من المحسوسات، فهؤالء العلماء مع أنهم يصرحون بأن العقل

U على إبداع تصو)ر من عند نفسه، وحتي البديهيات ليس قادرا�ولية التصورية للمنطق التي تشكل موضوعات أغلب مسائل األ

tمور انتزاعية، ولكنهم لم يبينوا كيفية انتزاع tولي فهي أ الفلسفة األ هذه المفاهيم وكيفية عمل الذهن ومن أي طريق وبأي نحو يظفر�همية كبيرة. ويذكر tمور أ بهذه المفاهيم، ومن الواضح أن لهذه األU في المنطق والفلسفة مجموعة من المعاني هؤالء العلماء دائما

والمفاهيم )من قبيل مفهوم الوجود والعدم والوحدة والكثرةlمتناع وغيرها( مطلقين عليها عناوين lمكان واإل والضرورة واإل

lنتزاعية" أو "المعقوالت الثانية" أو "الخارجة "المفاهيم اإل المحمولة"، ويشعرون أن هذه المعاني والمفاهيم قد جاءت

tخرى )الماهيات: من قبيل الفرس lنتزاع من معان أ بطريقة اإلlنسان والبياض والسواد والشكل وغيرها(، ولكنهم ال والشجر واإلlنتزاع ماذا يعني، وكيف تولد هذه يقد)مون أي توضيح حول هذا اإل

المعاني من تلك المعاني مع أن هذه المفاهيم مغايرة لتلكU آخر؟ أو المفاهيم، وعل يمكن في الواقع أن يولد مفهوم مفهوما

U ثم يجر) معه معنى أن يرد إلى الذهن معنى عن طريق الحس مثال آخر السابقة له في الذهن، وإنما الذهن بالنسبة إليه خال وعار

U؟!! تماما لقد أهتمت هذه المقالة ألول مرة في تاريخ الفلسفة بهذا

الموضوع الحساس، وبينت كيفية وترتيب انتزاع هذه المفاهيمtخرى مهمة ومطلوبة. باضافة مواضيع أ

النظريات الحديثة:

Page 12: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

لقد طرحت هذه المسألة للبحث في أوروبا منذ القرن السادسU، ويختلف مسير U عظيما عشر فما بعد بشكل آخر وأثارت صراعاtوروبيين مع ما مر) علينا منذ قليل من حيث هذه المسألة بين األ

الشكل والكيفية.[22]

tوروبيين بالنسبة إلى هذه المسألة )طريق وانقسم علماء األtسمي بالعقليين والثانية الحصول على العلم( إلى فئتين: فئة ت

تسمي بالحسيين. العقليون:

�ول تلك lدراكات الذهنية على قسمين: األ تعتقد هذه الفئة بأن اإلlدراكات التي ترد الذهن عن طريق إحدى الحواس، والثاني تلك اإل

التي يبدعها الذهن من ذات نفسه، وهي فطرية ومن الخواص الذاتية للعقل، وحسب ما يعتقد العقليون فإن هذه التصورات ال مبدأ وال منشأ لها سوى العقل، وقد حصلت للعقل قبل أي حس

واحساس، ولو فرضنا أنه لم ترد إلى الذهن أي صورة محسوسةفإن الذهن واجد هذه التصورات في ذات نفسة.

ويذكر ديكارت -زعيم العقليين- بعض المفاهيم والتصورات من قبيل الوجود والوحدة وحتي البعد والشكل والحركة والمدة، ثم

U بل هي يقول إن هذه التصورات ال تعتمد على الحس إطالقا فطرية وذاتية للعقل. وظهر بعد ديكارت جماعة من الفالسفة

lختالف ويعتقد ديكارت يسلمون بأصول معتقداته مع شيء من اإلlعتماد علية وسائل العقليين أن العلم الحقيقي الذى يمكن اإل

lطمئنان به هي الحاصل عن طريق المعقوالت الفطرية. وقد واإل ذكرنا في مقدمة المقالة الرابعة حديث ديكارت وأتباعة )ليرجع

من الترجمة العربية201-197من شاء إلى الجزء األول ص لهذا الكتاب(.

U بالمعاني الفطرية ولكن بشكل آخر ويسمي ويقول "كنت" أيضاlحساس" ويعتقد tخرى بـ "ما قبل الحس واإل بعض التصورات األ

"كنت"ع منهما هو من هذا القبيل. أن مفهوم الزمان والمكان وما يتفر)

وهو يعد) جميع[23]lحساس. المفاهيم الرياضية فطرية وضمن ما قبل الحس واإل

وحسب نظرية العقليين تكون العناصر العقلية األولية البسيطة على قسمين: األول المعقوالت التي ترد إلى الذهن عن طريق

إحدى الحواس الخارجية أو الداخلية، وتقوم القوة العاقلة

Page 13: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

بتجريدها لتصوغ منها الصورة الكلية والمعقولة. القسم الثاني المعقوالت الفطرية وهي من الخواص الذاتية للعقل وال تعتمد

lحساس. U على الحس واإل إطالقاالحسيون :

يعتقد هؤالء أنه ال معنى للتصورات الفطرية الذاتية، فالذهن في البداية مثل صفحة بيضاء لم يكتب فيها شيء ثم تتكاثر فيها

الكتابة عن طريق الحواس الخارجية والحواس الداخلية، وال يؤدي العقل أي) عمل سوى التجريد والتعميم والتحليل والتركيب فيما

يرد إلى الذهن عن طريق إحدى الحواس. فجميع التصورات الذهنية وبدون أستثناء إنما هي صور يعكسها الذهن بواسطة

اآلالت الحسية عن الظواهر الخارجية من قبيل البياض والسواد والحرارة والبرودة والنعومة والخشونة وغيرها، أو عن الظواهرlرادة والشك واليقين النفسية من قبيل اللذ)ة واأللم والشوق واإل وغيرها، ثم يصوغ معاني كلية منها بقوة التجريد والتعميم ويوجد

U متنوعة بوساطة قوة التحليل والتركيب. منها صورا وزعيم هذه المجموعة هو "جون لوك" االنجليزي، وتنقل عنه

U في لغتهم: "ال يوجد جملة معروفة في هذا الباب أصبحت مثالفي العقل شيء لم يوجد قبل ذلك في الحس"،

�ولية للعقل البشري تنحصر وحسب هذه النظرية فإن العناصر األ فيما ترد إلى الذهن عن طريق إحدى الحواس الخارجية أو

الداخلية وسوف نثبت[24]tوروبا، في هذه المقالة بطالن هاتين النظريتين المشهورتين في أ

فال النظرية العقلية صحيحة وال النظرية الحسية، فليست الحقيقة كما يقول العقليون بأن العقل واجد لبعض المفاهيم والتصورات

بالفطرة وبالذات، وليست هي كما يظن الحسيون من أن) محتويات الذهن منحصرة فيها يعكسه بوساطة الحواس الخارجية

أو الداخلية من الظاهرة الخارجية أو الظواهر النفسية. وبعبارةtخرى فإننا سوف نثبت أنه ال كما يقول العقليون من أن) للعقل أ خاصية ذاتية يبدع بها بعض المفاهيم من ذات نفسه ومن دون

tخرى، وال كما يدعي الحسيون من أن) عمل العقل تدخ)ل أي قوة أ ينحصر في التجريد والتعميم والتحليل والتركيب للصور

lنسان بنشاط آخر المحسوسة، وإنما تقوم القوة المدركة لإل نسمية نحن بنوع خاص من االنتزاع، ويطلق عليه في هذه

المقالة عنوان "االعتبار". وهذا االعتبار أو االنتزاع هو الذي يوجد�ولية التصورية للمنطق وأغلب المفاهيم في الذهن البديهيات األ

العامة للفلسفة، وتسمي هذا المفاهيم االنتزاعية بالمفاهيم

Page 14: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

�كثرها العامة من جهة أنها أعم) التصورات التي ترد إلى الذهن وأ كلية، وال يمكن أن يوجد ما هو أعم) من هذا التصورات: كتصور

lمكان وأمثالها. إن الوجود والعدم والوحدة والكثرة والوجوب واإل هذه المفاهيم العامة وبالترتيب الذي سوف تذكر به تكون من

حيث الظهور في الذهن متأخرة عن المفاهيم الخاصة وال سيما عن المحسوسات الخارجية، وهي من هذه الجهة تقع في الدرجة

الثانية )المعقوالت الثانية( ولكنها من الناحية المنطقية تكون "بديهية أولية"، أي أنها في الدرجة الثانية من الناحية الفلسفية

tولى من الناحية المنطقية. والنفسية، وفي الدرجة األ)ن في هذه المقالة كيفية ظهور مجموعة وعالوة على هذا فقد بي

tخرى التي بعضها بديهي أولي و بعضها ليس من التصورات األكذلك، من

[25 ] قبيل مفهوم العلية والمعلولية والجوهر والعرض والحكم التى

كان موقف الفالسفة إزاء ظهورها أما السكوت وأما إبداء الحيرة، وقد استفيد في هذا السبيل الشهود النفسي الخاص

lشكال ويزيل الغموض، وسوف يأتينا توضيح هذه الذي يرفع اإلU ضمن المقالة تفسها. tمور تدريجيا األ

تعيين حدود العلم : تعتبر هذه المسألة جديدة وغير مسبوقة بهذا الشكل المطروحة

�خيرة، وقد حصل ذلك فيه للبحث بين العلماء خالل القرون األlهتمام الخاص في هذه القرون بعالم اإلنسان وإدراكاتة نتيجة لإلU تحدثوا عن كون الذهنية. ومن المعروف أن سائر العلماء أيضاU من قبيل أن حقائق العالم غير متناهية العلم البشري محدودا

lنسانية محدودة إذن لن يكون العلم بكل شئ بينما قوة التفكير اإل نصيب أي) إنسان، أو قولهم ال يمكن معرفة حقيقة الوجود بالعلم

الحصولي ألن ما يعلم بالعلم الحصولي هو من قبيل الماهيات،�قوال، ولكنه من الواضح أن هدف هؤالء العلماء وأمثال هذه األ

�حاديث يختلف عن هدف العلماء المحدثين. وتوجد بين من هذه األالعلماء المحدثين نظريتان تتعلقان بحدود العلم:

أ - تعتقد مجموعة من العلماء أن طاقة الفكر البشري على الحكم تنحصر في حدود ظواهر الطبيعية )فنومنات( وأعراضها�عراض هي التي يمكن وتعيين الروابط بينها وهذه الظواهر واأل

lحساس بها، وأما التحقيق كنه األمور وما وراء ظواهر تجربتها واإلU بالطبيعة نفسها أم بما وراء �عراضها سواء أكان متعلقا الطبيعة وأ

الطبيعة فهو أمر يفوق طاقة الفكر البشري وكل ما قيل لحد)

Page 15: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

اآلن في هذا الباب لم يكن له أساس إنما هو تحليق خيالوتسطير ألفاظ.

[26] ويرى هؤالء أن العلوم الطبيعية -كالفيزياء والكيمياء وعلم

�مثالها- معتبرة وذاي قيمة، وذلك ألن هذه العلمو ال �حياء وأ األlحساس ) عن العالقات الظاهرية لألشياء القابلة لإل يبحث فيها إال

U ألن هذا العلم والتجربة. وكذا علم النفس فإنه معيبر أيضا�غراض والحاالت بأسلوبه الحديث يغض) الطرف عما وراء األ النفسية )من قبيل البحث عن الروح هل هو جوهر أم ليس

�غراض النفسية والعالقات السائدة بجوهر( ويبحث فقط عن األU U ألن هناك ممنشأ U لسببين: أوال بينها. وعلم الرياضيات معتبر أيضا

U لظهور المفاهيم الرياضية كالعدد والخط والسطح و حسياU. وأما U ألنه يمكن إثبات صحة المسائل الرياضية عمليا الجسم، ثانيا

U بالطبيعة كالبحث عن ما ليس من هذا القبيل سواء أكان متعلقا حقيقة الجسم الطبيعي وهل أن الجسم في آخر مراحل تحليلة

�جزاء خالية من البعد أم أن الوحدة الحقيقية للجسم مركب من أU بما وراء الطبيعة تتضمن البعد والشكل والمقدار، أم كان متعلقا كالبحث عن وجود الروح المجرد ووجود الله والبحوث المتعلقة

بالجوهر والعرض والدور والتسلسل فإن البحث بأسلوب فني فيU فوق طاقة الفكر البشري. U وإثباتا tمور نفيا هذه األ

فالحسيون الذين ذكرنا فيما مضى رأيهم بالنسبة لـ "طريق�نهم يعتقدون من الحصول على العلم" تابعون لهذه النظرية أل

ناحية بأنه "ليس في العقل إال ما هو موجود في الحس" وينحصر عمل العقل في التصرف بالصور المحسوسة من دون أن تكون

�نهم له القدرة على إضافة تصور غير الصور المحسوسة، وألtخرى أن عمل الحواس محدود واتضح لهم أن عرفوا من ناحية أ

U معينة فقط هي التي تدرك بالحواس. هناك أمورا واستنتجوا من هاتين المقدمتين أن قدرة الفكر البشري على

tمور الحسية. ولهذا تصبح الحكم محدود بالمحسوسات واألالفلسفة بمعناها

[27]U على المعقوالت في الحقيقي التي تعني ذلك الفن المعتمد تماما

نظر هؤالء ليست إال تسطير ألفاظ ونسج خيال. وتعتقد هذه الفئة أن العلم ال ينفك عن الحس وأن الفلسفة ال تنفك عن

العلم. وتكون المذاهب الفلسفية للحسيين -محدودة بمجموعة من

المسائل التي ال تتجاوز حدود تفسير ظواهر الطبيعة وأعراضها.

Page 16: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

وفي اصطالح هؤالء عندما تطلق الفلسفة عادة فإن المقصود منها ليس هو مجموعة من المسائل العقلية والنظرية المحضة وإنما يقصد بالفلسفة بعض المسائل الفيزيائية أو الرياضية أو

�قصي هو المسائل المنطقية التي مسائل علم النفس والحد األتتميز بأنها أكثر عمومية.

tولى )الميتافيزيقا( التي ويعتقد الحسيون أنه ال أساس للفلسفة األU ويرفعون من شأنها ويسمونها كان القدماء يهتمون بها كثيرا

بالفلسفة الحقيقية والعلم الكلي وعلم العلوم والعلم األعلى، وذلك ألن مسائلها خارجة عن حدود ظواهر الطبيعة

والمحسوسات، ولهذا فهي ليست ضمن الحدود التي يستطيعlنسان أن يحقق فيها ويدرس. اإل

ون على هذه العقيدة ويتمسكون ونذكر من الحسيين الذين يصر)tوجست كنت" ومن العقليين "كانت". بها "أ

tوجست كنت" أن تاريخ الفكر البشري قد قطع لحد اآلن ويرى "أtولى هي األسطورية والخيالية، الثانية ثالث مراحل: المرحلة األ

هي العقلية والفلسفية، الثالثة هي العملية والحسية. ففيtولى حيث كانت البشرية تعيش مرحلة الطفولة المرحلة األ

lنسان يربط جميع الحوادث باألرواح الطيبة والتوحش كان اإلlنسان في هذه المرحلة والخبيثة وبأرباب األنواع. فكلما شاهد اإل

ظاهرة من قبيل المطر والثلوج والقحط وكثرة النعم[28] والمرض والصحة والسالم والحرب فهو ينسبها اآللهة وتدخل

األرواح الطيبة والخبيثة. أما في المرحلة الثانية فقد نضج الفكرlرادة البشري وعرف أنه ال يمكن تفسير الحوادث الطبيعية بإ

اآللهة بل ال بد من البحث عن عللها الطبيعية في الطبيعة نفسها، ولهذا اخترع في هذه المرحلة الفروض العقلية في تفسير

الحوادث وقال بالقوى الطبيعية والصور النوعية والنفس النامية والنفس الحيوانية والنفس الناطقة. وتعد) هذه المرحلة أكمل من�خيرة وإنما هي المتوسطة التي tولى ولكنها ليست المرحلة األ األ

tولى بالثالثة. تريط األlنسان في المرحلة الثالثة إلى أن تلك الفروض العقلية والتفت اإل

والفلسفية لتفسير الحوادث ال يوجد دليل عليها وأن الطريق الصحيح ينحصر في أن نكف) أنفسنا عن البحث عن العلل

�شياء المحسوسة التى ال الواقعية ونكتفي بتعيين العالقات بين األ شك وال جدال في وجودها. ومكان تلك الفروض العقلية نقول

بأن حوادث الطبيعة بعضها علة البعض اآلخر. وفي هذه المرحلة

Page 17: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

فقط تكتسب النظريات البشرية صفة الوضعية والواقعية، أي أنهاتهتم فقط بالحوادث الخارجية المحققة وتدخلها في الحساب.

U لفلسفة معينة يسميها tوجست كنت" نفسه واضعا ويعد) "أ "بوزيتيفيسم" وقد ترجمة بـ "الفلسفة الوضعية" أو الظاهرية، وهو يعتبر فلسفتة هذه ممثلة للمرحلة الثالثة من مراحل الفكر

البشري. ويد)عي كنت أننا اآلن حيث نعيش المرحلة الثالثة نجد أسلوب

tولى أو المرحلة الثانية. تفكير بعض الناس يتناسب مع المرحلة األU أن) كل فرد منا يم)ر بهذه المراحل الثالث، فهو في ويدعي أيضاU ما بداية عمره يفكر) بشكل خيالي وأسطوري ثم إذا نضج شيئا

فإن طريقة تفكيره تصبح عقلية [29]

U ذا تجارب فإن أسلوب تفكيره فلسفية وعندما يغدو محنكاالفلسفي يتحول إلى تفكير علمي حسي.

tولى مع كونة من العقليين U قيمة الفلسفة األ وينكر "كنت" أيضا ويعترف بالمعاني الفطرية الذاتية للعقل، وهو يعتبر العلوم

المتعلقة بواقعيات ما وراء الذهن حصيلة تعاون العقل والحس، ويدعي أن الحس فقط أو العقل وحدة ال يستطيع أن يؤسس

.U علما ويقول "كنت" أن العلوم الطبيعية ذات قيمة ألنها حصيلة العقل

U قيمة عنده ومع أنه يعتقد أن U. وللرياضيات أيضا والحس معا الحس ال دخل له فيها فهي عقلية محضة ولكن المسائل

الرياضية لما كانت متعلقة بفرضيات الذهن نفسة فهي ال بد أن تكون صادقة ألن العقل يستطسع أن يحكم ويقضي فيما يفرضه

هو.�نها ليست مثل الطبيعيات التي tولى فال قيمة لها أل أما الفلسفة األ

يمكن أن تتخذ لنفسها صورة علمية بتعاون الحس والعقل، وليست كالرياضيات التي هي حكم العقل بالنسبة لمفروضاته

ومخلوقاته. ونرى من الالزم أن نوض)ح هذا الموضوع: فالمنكرون لقيمة

tولى الفلسفة العقلية المحضة التي أوضح مصاديقها الفلسفة األ وتوابعها يستدلون بطريقين مختلفين، وهم ال يفصلون بين هذين

الطريقين في أغلب األحيان. -من طريق علم النفس: أي من هذا الطريق وهو أن المواد1

والعناصر األولية للذهن البشري ليست كافية لحل) تلك المسائل ألن تلك العناصر األولية تنحصر في الصور الحسية وال عمل

للعقل سوى التصرف

Page 18: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

[30] في تلك الصور الحسية، أما مسائل الفلسفة العقلية فهي خارجة

lحساس. عن حدود الحس واإل -من طريق منطقي: أي من هذا الطريق وهو أن المقياس2

لصحة وسقم قضايا الفكر البشري ينحصر في التجربة العملية، وأما المقاييس العقلية التي يتوسل بها المنطق العقلي لتقييم

الفكر وتمييز السليم من السقيم والصحيح من الخطأ فهي ليست مفيدة وال يطمأن) إليها. وكل نظرية وفرضية )وإن كانت

تتعلق بظواهر الطبيعة وتفسيرها( ال تخضع للتجربة العملية فإنهاlعتماد عليها واالطمئنان بها، ومسائل الفلسفة العقلية ال يمكن اإلU تجربة هذه المسألة: ليست قابلة للتجربة العملية، فال يمكن مثال

أيهما األصيل الوجود أم الماهية؟ أو هذه المسألة:

هل الدور والتسلسل ممكنان أم مستحيالن؟ ب:-أنكر مجموعة من العلماء المحدثين تلك المحدودية التي أضفاها على العلم أصحاب النظرية السابقة، وقالوا بإمكانية

U. ويتبني بعض هؤالء الحكم فيها يتعلق بما وراء المحسوسات أيضا العلماء هذه النظرية ألنهم يعترفون بوجود التصورات الفطرية

للعقل من قبيل "ديكارت" وأتباعه، وأما البعض اآلخر فقد سلكوا طريق الشهود والعرفان والسر الباطني، وبعتقد الفيلسوف

الشهير "هنري برجسون" في فلسفته على هذه النظرية. وسلكU أخرى ال نجد أنفسنا بحاجة هنا لبيان نظرياتهم. بعضهم سبال

lدراكات" وفي هذه المقالة وضمن بياننا لـ"ظهور الكثرة في اإلفإننا

[31]lشكالين الذين أوردهما منكرو قيمة الفلسفة نجيب على اإل

lدراكات العقلية. فمن جهة وأثناء بيان كيفية حصول الكثرة في اإل سوف يأتي الحديث عن المفاهيم الميتافيزقية وسيعلم أن هذه

المفاهيم معتبرة من ناحية علم النفس، ومع أنها لم ترد الىU، ومن U ومعتبرا U صحيحا الذهن من طريق الحواس ولكن لها منشأtخرى فسوف نثبت من الناحية المنطقية أنه ليست التجربة جهة أ

العملية فقط هي المعيار والمحك لصحة وسقم القضايا، وحتى�نفسهم )ومن دون أن يشعروا( يعتنقدون بشكل التجريبيون أ

يقيني بمجموعة من القضايا الفكرية شاؤوا أم أبوا، وال تخضعlضافة إلى هذا فسوف يعلم في هذه القضايا للتجربة العملية. وباإل

lنسان ال يستطيع أن يقبل أي قضية تجريبية البحوث اآلتية أن اإلما لم بعتقد قبل ذلك بمجموعة من القضايا غير التجريبية.

Page 19: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

* * *U من ذكر بعض المالحظات: وفي خاتمة المطاف ال نجد بد)ا

lختالف الواقع بين علماء الشرق والغرب، بين الحسيين1 -اإل والعقليين في مسألة "طريقة الحصول على العلم" يتعلق

lدراكات التصورية، أي التصورات البدائية البسيطة بالعلوم واإل )الخالية من الحكم( التى تعرض الذهن من قبيل تصور البياض والسواد والحرارة والبرودة والخط والسطح والوجود والوحدة

والكثرة ... وأما العلوم التصديقية أي األحكام الذهنية التى تربط تلك التصورات ببعضها وتصل وتفصل بينها مثل قولنا "البياض غير

السواد" أو "الخط يعرض السطح" أو "الوجود مساو للوحدة" فمن الواضح أنها خارجة عن محل النزاع، وذلك ألن الحكم نفسه

�حد لون من النشاط الذهني الخالص، وال يمكن أل [32]

أن يد)عي أن الحكم يرد إلى الذهن عن طريق إحدى الحواس، وكذا النسبة والرابط بين المحمول والموضوع في الخارج حيثU إليها فإنه ال معنى ألن تكون هذه قد وردت يكون الحكم ناظرا إلى الذهن عن طريق الحواس وذلك ألن النسبة ليس لها في

الخارج واقع مستقل عن واقع الطرفين )الموضوع والمحمول(، والذي يرد إلى الذهن عن طريق الحواس عبارة عن صور

lتصال الخاص بين تلك الواقعيات الحاصلة في الذهن نتيجة لإلالواقعيات واآلالت الحسية.

والحكم هو نشاط الذهن بين التصورات القادمة إلى الذهن منtخرى. طريق الحس أو من طرق أ

lختالف الواقع بين الحسيين والعقليين في باب وعلى هذا فاإلالتصورات ال يمتد) إلى باب التصديقات.

ويمكن أن يوجد في باب التصديقات اختالف في الرأى وهو: ال�حكام ال تحصل بذاتها للذهن، أى ال يكفي صرف شك أن بعض األ

تصور الموضوع والمحمول لكي يقضي الذهن، بل ال بد تدخلU tخرى لكي يستطيع الذهن أن يصدر حكمه، وال شك أيضا عوامل أ

lحساس �حكام الجزئية هو اإل بأن من العوامل التى تعد) الذهن لأل )من قبيل الحكم بأن هذه الورقة التى في يدي بيضاء(، ومن

العوامل التى تعد) الذهن لألحكام الكلية والعامة هو التجربةU العملية فنجمع كل معلوماتنا المتعلقة بالطبيعة، فنحكم مثال

�جسام تنيسط في أثر الحرارة، ومن البديهي بشكل كلي بأن األU ال يستطيع اصدار هذا الحكم ما لم تتوفر التجربة أن أحدا

العملية.

Page 20: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

�حكام الكلية العامة تحتاج إلى واآلن لننظر هل أن جميع األالتجربة

[33 ] العملية أما أن بعض األحكام تحصل بدون تدخل أي عامل

خارجي، أي تصور الموضوع والمحمول فقط كاف ليصدر الذهن إلى حكمه؟ )البديهيات األولية التصديقية باصطالح المنطق(،

وعلى فرض أن تكون لدينا تصديقات غير التصديقات التجريبيةU في الذهن ثم تأتي بعدها فهل أن هذه التصديقات توجد أوال

التصديقات التجريبية أم أن العكس هو الصحيح؟ سوف يأتي في هذه المقالة أن التصديقات التجريبية متأخرة عن مجموعة من التصديقات غير التجريبية، وعالوة على هذه سوف

يتضح أنه إذا أخذنا من الذهن تلك التصديقات غير التجريبية فسيمتنع ويستحسل على الذهن أن يظفر بتصديق عن طريق

tصول قد صد)ق التجربة، وجميع التصديقات التجريبية تعتمد على أtخرى: إذا سلبنا من بها العقل عن غير طريق التجربة، وبعبارة أlنسان من العقل تلك التصديقات غير التجريبية فإننا سنحرم اإل

العلم بأي شيء سواء أكان في المجال الطبيعي أم في المسائل غير الطبيعية، وسوف ينهار عندئذ صرح العلم والمعلومات

tسس غير البشرية من أساسه، وهذا يعني أن الترديد في تلك األالتجريبية أو إنكارها يساوي السوفسطائية.

U ما يختلط هذان الموضوعان على الباحثين، بينما يتعلق وغالبا أحدهما بمبحث التصورات واآلخر بمبحث التصديقات، وعلى هذا

نقول: صحيح أنه ليس لدينا تصورات متقدمة على التصورات الحسية ولكن لدينا تصديقات كثيرة متقدمة على التصديقات التجريبية، وسوف يأتينا بإذن الله فيما بعد بيان وتفصيل هذا

الموضوع بحيث يشمل أقوال العلماء المتقدمين والمحدثين فيهذا المجال.

[34] -لقد شرحنا فيما سبق نظرية العقليين ونظرية الحسيين2

المحدثين في أوروبا وقلنا إن العقليين يعتبرون بعض التصورات فطرية وذاتية للعقل ويعتقدون بأن تلك التصورات ال ربط لها

U نظرية أرسطو والعلماء )نا إجماال بالحس والمحسوسات، وبي المسلمين بالنسبة للعقل والحس وعالقة المعقوالت

والمحسوسات، ونبهنا على أن النظرية العقلية والنظرية الحسيةlعتبار هذا الشكل الجديد الذي �خذنا بعين اإل غير مسبوقتين إذا أ

�خيرة، وال سيما النظرية العقلية طرحتا فيه خالل هذه القرون األ المبنية على أن بعض التصورات فطرية وذاتية للعقل ومن

Page 21: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

لوازمه التي ال تنفك عنه، حيث أن "ديكارت" أول من بشر) بها ولم تكن لها سابقة من قبل. ولكن بعض العلماء ظن أن جميع

من يقول بتصورات عقلية بديهية فهو يعتبرها فطرية وذاتيةU ما نجد أنهم يعد)ون أرسطو والفارابي وابن للعقل، ولهذا كثيرا

lصطالح الجديد للكلمة(، ولكن سينا من ضمن العقليين )نمعني اإل هذا الظن باطل ألنه ال يوجد شيء يلزمنا باعتبار "البديهيات

العقلية التصورية" فطرية وذاتية للعقل، وال مانع من أن تكون هذه البديهيات قد حصلت للعقل بصورة تدريجية وأن يكون العقل

قد انتزعها من التصورات الحسية. وقد نقلنا فيما سبق عبارة�ولية قد صدر المتألهين القائلة أن جميع البديهيات العقلية األ

حصلت للذهن بعد ظهور الصورة المحسوسة فيه، وسوف نتناولU، وسنبين -في متن هذا الموضوع فيما بعد بشكل أكثر تفصيال

المقالة- كيفية انتزاع تلك البديهيات من الصورة المحسوسة. وقد حدث هذا االشتباه للمرحوم فروغي في كتابه "سير الحكمة

في أوروبا" فظن أن جميع القائلين بالبديهيات العقلية فهميعتبرون تلك البديهيات فطرية ومن ذاتيات العقل.

يقول فروغي في الجزء الثالث من سير الحكمة في أوروبا فيالمقدمة التي

[35 ]كتبها لفلسفة "فيخته" وشرح خاللها نظرية العقليين والحسيين:

"إن ديكارت ... يدعي - كالسابقين من أصحاب العقل- أن بعض المعلومات وإدراك مجموعة من الحقائق مغروسة في نفس

lنسان وهي فطرية ومن خواص عقله وال عالقة لها بالحس وال اإلبالتجربة" ثم يوضح في التعليقة:

"وهذا يشبه ما ينسبه علماؤنا إلى العقل بالملكة".tخرى من هذا الكتاب. �ماكن أ وقد تكرر منه هذا االشتباه في أ

U عما قاله السابقون من فالذي يعتقده "ديكارت" يتفاوت تماما أصحاب العقل، وال سيما مع ما ينسبه علماؤنا إلى العقل بالملكة

U: ألن "ديكارت" يعتبر تلك U، وذلك أوال فال مشابهة بينها إطالقا التصورات من الخواص الذاتية للعقل ويدعي كما من خواص

U فكذا من خواص العقل الذاتية إدراك الجسم الذاتية أن له بعدا هذه المفاهيم الفطرية، وال تتوقف تلك المفاهيم على أي شيء

سوى العقل ذاته، ولكن علماءنا يعتقدون أن جميع المعقوالت تحصل بالتدريج وتبدأ من المحسوسات، وجميع المعقوالت وحتى

البديهيات األولية تتوقف بشكل ما على المحسوسات.U إلى مجموعة من التصورات التي U: أن "ديكارت" ينظرا غالبا ثانيا

lسم وهو يعتقد أن) لدينا تصورات فطرية ما قبل يذكرها باإل

Page 22: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lحساس، ولكن ما يقوله علماؤنا في باب العقل بالملكة فهو اإل ناظر إلى التصديقات أي أن لدينا تصديقات متقدمة على

tولى فإن بين التصديقات التجريبية، وكما قلنا في المالحظة األ .U U هائال هذين الموضوعين فرقا

وهذا التوهم )وهو أن كل من يقول بالتصورات البديهية األوليةفهو

[36] ال بد أن يعبر تلك التصورات فطرية وذاتية للعقل( هوالذي دفع

U وبعض عد)ه العلماء للحيرة في أمر أرسطو، فبعض اعتبره حسياU، وبعض آخر اتهمه بالتذبذب، وذلك ألنهم وجدوا أرسطو عقليا

U على يخالف أفالطون في أحد المجاالت فيعد) الحس مقدماlدراكات الكلية، وفي lدراكات الجزئية مقدمة على اإل العقل، واإل مجال آخر أي في منطق يسوق الحديث عن البديهيات العقلية

�ولية، ولم يستطيعوا إدراك أن بين هذين الحديثين ال توجد األ)ن مقصوده منافاة. وصحيح أن لم ينقل عن أرسطو شيء يبي

tسلوب الحقيقي، ولكنه من الممكن تبرير نظرية أرسطو بهذا األالذي اتخذه العلماء المسلمين.

-نجن مضطرون لنقد)م التوضيحات اآلتي من أجل أن يبقى ذهن3U من أحد االشتباهات اللفظية: القارئ الكريم مصونا

lدراكات الفطرية" في الفلسفة يستعمل في إن اصطالح "اإلموارد مختلفة:

�ذهان، أي أن جميع lدراكات التي تتساوى فيها جميع األ أ-في اإل�ذهان بشكل �ذهان حاصلة عليها، وهي موجودة في كل األ األ

متشابه، فال اختالف بين العقول بالنسبة إليها، ال من جهة وجدانهاlعتقاد بوجود وعدم وجدانها وال من جهة كيفية وجدانها، مثل اإل العالم الخارجي الذي ال يستطيع أن ينكره حتى السوفسطائي في صميم تفكيره. ونحن استعملنا )الفطري( بهذا المعنى في

المقالة الثانية )ليرجع من شاء إلى التعليقة المذكورة في ، الجزء األول من الترجمة العربية( أن هذه الفئة من74الصفحة

lدراكات العامة. lدراكات التصورية والتصديقية يمكن تسميتها باإل اإلlدراكات الموجودة بالقوة في عقل كل أحد، وإن كانت ب-وفي اإل

غير [37]�ذهان البعض أو يوجد فيه خالفها، من قبيل موجود بالفعل في أ

المعلومات الحاصلة للنفس بالعلم الحضوري ولكنها لم تدرك بعد بالعلم الحصولي. ويعتقد صدر المتألهين أن كون معرفة الله

فطرية هو من هذا القبيل.

Page 23: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

ج-يطلق في المنطق في باب البرهان علي القضايا التي برهانهاU حضور تلك القضايا في النفس عن U، وال ينفك) أبدا معها دائما

براهينها وقياساتها يطلق عليها أنها )قضايا قياساتها معها(.lدراكات والتصورات التي هي من الخواص الذاتية د-وفي اإل

للعقل، وال تستند إلى غيره بأي شكل من األشكال. lدراكات الفطرية فنحن نقصد وعندما ننكر في هذه المقالة اإل

المعنى الرابع وهو نفس المعنى الذي يقول به "ديكارت" وأتباعه وينكره الحسيون، ونحن وإن كنا منكرين للتصورات الفطرية بالمعنى الرابع ولكننا نعتقد بالتصورات والتصديقات الفطرية

lدراكات التي تتساوى فيها العقول بالمعنى األول أي تلك اإل شاءت أم أبت، وسوف نبين) في أثناء المقالة الطريق إلى ذلك،

tوروبية فإنها لم تفصل -حسب ما وصل إليه علمنا- أما الفلسفة األ بين هاتين الجهتين، أي كل من قال بالفطريات بالمعنى الرابع

فهو قائل بالتصورات الفطرية بالمعنى األول، وكل من أنكر الفطريات بالمعنى األول فهو منكر للفطريات بالمعنى الرابع

U ، وظن هؤالء العلماء أنه ال طريق لتفسير هذه التصورات أيضا والتصديقات العامة التى تتساوى العقول فيها إال أن نعتبرها من

الخواص الذاتية للعقل، وما إذا أنكرنا التصورات الذاتية للعقل فال يبقى أمامنا سوى إنكار هذه التصورات العامة التى تتساوى

بشأنها العقول البشرية، أما نحن فقد فصلنا في هذه المقالة بين هذين األمرين، ففي نفس الوقت الذي أنكرنا فيه التصورات

الذاتية للعقل )الفطرية بالمعنى [38 ] الرابع( فقد أثبتنا التصورات والتصديقات العامة التي يتساوى

U السبيل إلى بشأنها الناس )الفطرية بالمعنى األول(، وبينا أيضاذلك. وسوف يأتنيا في نفس المقالة توضيح أكبر لهذا الموضوع.

-يعلن الماديون المحدثون أنهم أتباع النظرية الحسية ويد)عون4 أن جميع العناصر األولية للفكر البشري قد جاءت إلى الذهن عن)ب طريق إحدى الحواس، وتشكل تلك العناصر الحسية أو ما ترك

منها وتكامل جميع محتويات الذهن البشري. U في أحاديث الماديين من أنجلز إلى وتتكرر الجملة اآلتية كثيرا

لنين واستالين: "إن عالم السوبجكتف )الذهن( و انعكاس لعالم األوبجكتف

)العين(". ويجهد الماديون أنفسهم لتفسير جميع التصورات والمفاهيم

بجيث تكون قادمة من طريق إحدى الحواس، وعلى هذا فإنlشكاالت الواردة على الحسيين والمبنية على وجود جميع اإل

Page 24: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

مجموعة من العناصر الذهنية البسيطة التي ال يمكن تفسيرها بأنها قادمة بشكل مباشر من إحدى الحواس تكون موجهة إلى

tخرى ترد lضافة إلى هذا فإن هناك إشكاالت أ U. وباإل الماديين أيضا على الماديين مبنية على أن الحسيين الذين اعتمدوا على الحس)نوا حدود الحس )في الجملة(، ولهذا فقد أخرجوا من فقط قد بي

tولى حيث ال حدود المنطقة التي يتدخلون فيها مسائل الفلسفة األ يمكن دراستها عن طريق الحس والتجربة العملية وقالوا إن

U- خارج عن حدود طاقة U أو إثباتا الحكم في هذه المسائل -نفيا الفكر البشري، ولكن الماديين لم يحد)دوا هذا المعنى. والحقيقة

أن من يط)لع على نظريات كبار فالسفة الشرق والغرب في بابالعلم والمعلوم

[39 ]lدراكات U ما قالوه حول الذهن واإل والعقل والمعقول ويفهم جيدا

الذهنية ويدرك مدى أعماقها ويعرف أنهم بصدد حل) أي) مشكالت كانوا ثم يلقي نظرة على أقوال الماديين يدرك بوضوح أن أئمة

U عن هذه اآلفاق. ويتخيل الماديون أنهم المادية بعيدون جدا باطالق هذه الجملة: "العالم الذهني انعكاس للعالم العيني" فقد)وا جميع المشكالت، بينما توجد ألف مالحظة أدق) من الشعرة حل

lدراك والماديون بها جاهلون. في مسائل اإلlشارة إليه في هذه5 ت اإل -إن) أساس نظرية هذه المقالة -كما مر)

المقدمة وسوف يأتي تفصيله في المقالة نفسها- مبني على أنlدراكات الكلية، ونحن نقول lدراكات الجزئية مقد)مة على اإل اإل

lدراكات lدراكات الحسية مقد)مة على اإل U في تعبيراتنا أن اإل أحياناالعقلية.

ومن الواضح أنه ال ينبغي أن يستفاد من هذه التعبيرات كون المقصود من الحواس هي هذه الحواس الظاهرة والباطنة

U، وذلك ألننا في هذا المجال لسنا العادية فقط والتي نعرفها جميعاU بصدد lنسان، ولسنا أيضا بصدد استقصاء الحواس العامة ألفراد اإل

lنسان بيان أنه هل من الممكن أن يكون بعض أفراد من اإليتمتعون بحس) زائد) على الحواس العادية أم ال.

U U كليا وكما سوف يأتي في متن المقالة نفسها فإننا نتبع قانونا يتضمن "أن كل علم حصولي فهو مسبوق بعلم شهودي حضاري"

U عن طريق سواء أكان هذا العلم الشهودي الحضوري حاصال إحدى الحواس الظاهرة أو الباطنة العادية التي يعرفها الجميع أم

tخرى. U بوسيلة أ كان حاصال ومن هنا فإن هذه النظرية ال تتنافى مع ما يتلقاه األولياء من

tمور تنبع من أحد ألوان وحي وإلهامات ومكاشفات، ألن هذه األ

Page 25: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

tخرى فإنها تتم) بوساطة العلوم الحضورية الشهودية، وبعبارة أحاسة وراء هذه الحواس

[40 ]U العادية، وللعرفاء أحاديث كثيرة حول هذه الحاسة، ويعترف أيضا

بوجود مثل هذه الحاسة الغامضة علم النفس الحديث الذي يعتمدعلى التجارب العملية.

يقول العالم النفسي والفيلسوف األمريكي الشهير ويليام جيمس(1842-1910:)

lنسان )أنا( وهو شاعر بذاته تكون دائرته محدودة إن ما يسميه اإل ومسدودة في األحوال االعتيادية وهو ال يتجاوز ذلك، ولكن لهذه

lنسان ال U عن مجال الشعور، واإل U خارجا الدائرة المحدودة أفقاlنسان أن يفتح له باب يشعر به في األحوال االعتيادية، وإذا قد)ر لإل

هذا األفق فإنه سيط)لع على عالم آخر وسيكشف أشياء كثيرةU في الحاالت االعتيادية". كان بابها مغلقا

يقول المرحوم فروغي: lنسان -غير ضمير الشعور- "إن هذه الجملة التي تتضمن أن لإل

U في الالشعور، وهو غير مطلع عليه عادة ولكنه في بعض ضميراlنسان معلومات خارجة عن مجال األحيان تظهر له آثار ويعطي اإل

الحس والعقل -هذه الجملة ذكرها علماء آخرون قبل ويليام جيمس، وكان هؤالء من المتخصصين في علم النفس، واطلقوا

على هذه الظاهرة اسم "أنا الالشعور". ولويليام جيمس دراساتlنسان مبسوطة في هذا المضمار، وهو يعتقد أن هناك حاالت لإل يخرج فيها من الدائرة المحدودة المسدودة لـ"األنا" ليضع قدمهtخرى التي بابها مغلق دونه في في الالشعور ويتصل بـ"األنا" األ األحوال االعتيادية، ومن هذا الطريق تنكشف الضمائر لبعضها

lنسان إلى حقائق بدون وساطة الحس )ر في بعضها، ويصل اإل وتؤث والعقل ويسير في عوالم يذوق فيها المتع الروحانية ويقترب إلى

كمال النفس ويحس) بنفسه أنه [41 ]

متصل بالله، ويدرك أن حدود حياته قد ارتفعت وأنه قد ظفر باطمئنان النفس، وأن روحه قد غدا أكبر وأشرف، وأنه أصبح

يستمد من الغيب ويمثل للشفاء من األمراض الجسميةوالنفسية.

يقول الشاعر مولوي: إن الجسم ظاهر، والروح مخفي

فالجسم مثل الكم) والروح مثل اليدثم إن العقل أخفى من الروح

Page 26: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

فالحس يجد طريقه إلى الروح بشكل أسرع ويكون الوحي أخفى من العقل

ألنه غيب وهو من األسرار بالنسبة إليهفالحس الذي به يظهر الحق

ليس حس) هذا العالم بل هو من شؤون ذلك العالم فلو كان حس الحيوان يشاهد هذه الصور

ألصبحت الحمير واألبقار "بايزيد")يبدو أنه اشارة إألى "بايزيدالبسطامي" وهو صوفي شهير.( زمانها

[43 ]بسم الله الرحمن الرحيم

ظهور الكثرة في العلم واالدراك

إن إحدى النتائج األساسية التي استخلصناها من المقالة الماضيةlدركات تنتهي إلى الحس. ومن الواضح أن) من هي أن العلوم واإل،U U وعاما ينظر إلى هذه القضية ألول مرة فهو يعتبر هذا الحكم كليا

lدراكات قد ظهرت من الحس إما بال ويظن أن جميع العلوم واإل وساطة شيء وإما بوساطة التصرف في ظاهة حسية، وأما إذا

لم يكن هناك حس ال بوساطة وال بغير وساطة فإنه لن يكونU علم وال إدراك. هناك أيضا

ولكن الحقيقة شيء غير هذا، وذلك ألن نتيجة أي برهان تكون تابعة في عمومها لنفس ذلك البرهان، والبرهان الذي أقمناه

lثبات هذا الحكم لم يكن بهذا العموم والشمول، فبرهاننا إل�قيم من طريقين في U)هذه إشارة إلى البرهان الذي أ صريحا

lنطباق على أفراد المقالة الرابعة على أن أي تصور كلي يقبل اإلlنسان والشجر واللون والشكل محسوسة من قبيل تصور اإل

U-شئنا أم أبينا- عن والصوت والمقدار فهو ال بد أن يكون حاصال طريق إحدى الحواس واالتصال المباشر بواقع الشيء

U للعقل بذاته lنسان، وال يمكن أن يكون حاصال المحسوس لإل من221-219وبصورة فطرية )ليرجع من شاء إلى الصفحات

الترجمة العربية للجزء األول( وهذا البرهان كان ينظر إلى هذاlدراكات الهدف فقط وهو أن معرفة الطبيعة تبدأ عن طريق اإل

الحسية الجزئية بصورة مباشرة، وجميع تصورات اإلنسانlنسان المتعلقة بالطبيعة فهي ناتجة من اتصال القوى المدركة لإل بالطبيعة العينية الخارجية، وفي مثل هذه التصورات يمكن القول من دون تسامح في التعبير: "العالم الذهني انعكاس عن العالم

العيني".

Page 27: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U تشهد وكما مر) علينا في المقالة الرابعة فإن التجارب العامة أيضا بأن من فقد حاسة من الحواس فكما أنه يفقد القدرة على

lحساس الجزئي بمجموعة من المحسوسات المتعلقة بتلك اإلlدراك العقلي الكلي U على اإل الحاسة فهو يفقد القدرة أيضا

والتصور العلمي لها، وهذه الجملة المشهورة المنسوبة إلىU" والشائعة بين أهل العلم منذ U فقد علما أرسطو "من فقد حسا

زمن بعيد قد قيلت في هذا المجال، ولكن ذلك البرهان وهذه التجربة تنحصر فقط في مورد التصورات والمفاهيم القابلة

lنسان والشجر lنطباق على المحسوس من قبيل مفهوم اإل لإل والمقدار واللون والشكل، وال تشمل جميع التصورات، ألن الذهن

البشري -كما سوف نذكر ذلك فيما بعد- واجد بالضرورةtخرى التي ال يمكن تفسيرها بأنها لمجموعة من التصورات األ قادمة إليه من طريق إحدى الحواس، إذن ال بد أن تكون قد

وردت إلى الذهن من طرق أخرى وبشكل آخر، وسوف نذكرU أن تلك التصورات وإن كانت لم ترد إلى الذهن عن هناك أيضا

طريق إحدى الحواس مباشرة ولكنها لم تحصل للعقل بالفطرة وبشكل ذاتي، وإنما يحصل عليها الذهن بعد أن ينال مجموعة من

lجمالي المذكور lدراكات الحسية وبترتيب خاص. إن البيان اإل اإل أعاله والذي يشمل رأي هذه المقالة في مسألة "طريق الحصول على العلم" )المسألة الثانية من المسائل الثالث التي مر) ذكرها

في مقدمة المقالة( يتضمن عدة جهات، ونحن عازمون فيما يأتي على تفكيك هذه الجهات عن بعضها لكيال يصاب القارئ الكريم

بتشويش الذهن: -ليس في الذهن أي تصور عن أي شيء في مبدأ األمر وهو1

)ل الكتابة lستعداد لتقب عندئذ يشبه صفحة بيضاء وهو تمتع فقط باإل فيه، بل سنوض)ح فيما بعد أن النفس في بدء تكو)نها فاقدة

U لدينا ما يقوله كثير من للذهن، وبناء على هذا فليس مقبوالفالسفة أوربا المحدثين من وجود تصورات فطرية ذاتية للذهن.

lنطباق على المحسوس ترد2 -التصورات والمفاهيم القابلة لإلالذهن عن طريق الحواس ليس غير.

-ال تنحصر التصورات الذهنية لإلنسان فيما ينطبق على األفراد3 المحسوسة، تلك التصورات التي ترد إلى الذهن عن طريق

إحدى الحواس الخارجية أو البباطنية "مباشرة"، بل توجدtخرى تصورات ومفاهيم كثيرة غير هذه ترد إلى الذهن من طرق أ

وبترتيب آخر.U من4 -يقوم الذهن بصياغة أي مفهوم بعد أن يدرك واقعا

الواقعيات بالعلم الحضوري وبنحو من أنحاء الحضور.

Page 28: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

-إن النفس التي تفقد جميع التصورات في البداية تبدأ نشاطها5lدراكي عن طريق الحواس. اإل

U أثناء هذه المقالة. وسوف نشرح هذه الجهات الخمس تدريجياU من طريق بساطة النفس على أن ويقيم صدر المتألهين برهانا

lدراكي للنفس يبدأ من طريق الحواس، وكل واحد من النشاط اإل المعقوالت والمعلومات إما أن نكون قد حصلنا عليه من طريق

lدراكات الحسية في الذهن الحس مباشرة وإما أن يكون تراكم اإل قد أعد)ه للحصول على ذلك المعلوم، والنفس ال تستطيع بذاتها

)بالفطرة( أن تتعقل األشياء الخارجية وأن يكون لها تصور عنها.U تحت وهو في مباحث العقل والمعقول في األسفار يعقد فصال

عنوان "في أن النفس مع بساطتها كيف تقوى على هذهالتعقالت الكثيرة" يقول فيه:

"لما ثبت فيما قبل أن البسيط ال يصدر من جهة ذاته بال واسطة إال الواحد، ويرد ها هنا إشكال في صدور التعقالت الكثيرة من)ر فهو إنما lشكال هو أن المعلول إذا تكث قوة واحدة فحل) هذا اإل

)ر العلة الموجدة وأما يتكثر بأحد من أسباب التكثر أما تكث االختالف القابل وأما الختالف اآلالت وأما لترتب المعلوالت في

أنفسها.U فال تبلغ كثرتها إلى والنفس الناطقة جوهر بسيط ولو كان مركباU أن يكون أن يساوي كثرة أفاعيلها الغير متناهية، وال يمكن أيضا

بسبب كثرة القابل ألن القابل لتلك التعقالت هو ذات النفس وجوهرها، وال يمكن ذلك لترتب األفاعيل في أنفسها ألننا نعلم أنU من المعلومات ال توجد بينها رابطة طولية )أي العلية هناك كثيرا

والمعلولية( فإن تصور السواد ليس بواسطة تصور البياض وبالعكس، وكذلك في كثير من التصورات وكثير من التصديقاتU له. إذن ال يمكن تفسير U لآلخر أو كاسبا التي ليس بعضها مقدما تكثر المعلومات بواحد من هذه الطرق الثالثة، فبقى أن يكون

ذلك بسبب اختالف اآلالت، فإن الحواس المختلفة اآلالتlطالع كالجواسيس المختلفة األخبار عن النواحي يعد) النفس لإلlحساسات الجزئية إنما تتكثر بتلك الصور العقلية المجردة، واإل

بسبب اختالف حركات البدن لجلب المنافع والخيرات ودفع الشرور والمضار فبذلك ينتفع النفس بالحس ثم يعد)ها ذلك

لحصول تلك التصورات األولية والتصديقات األولية، ثم يمتزج بعضها ببعض ويتحصل من هناك تصورات وتصديقات مكتسبة ال

نهاية لها، فالحاصل أن حصول التصورات والتصديقات األولية الكثيرة إنما هو بحسب اختالف اآلالت وحصول التصورات

والتصديقات المكتسبة بحسب امتزاج تلك العلوم األولية بعضها

Page 29: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U كل مقدم منها علة U طبيعيا ببعض، وهي ال محالة مترتبة ترتباللمتأخر"

-مطبعة الحيدري(382-381)األسفار-الجزء الثالث ص والقراء األعزاء يعلمون أنه في الشجار العظيم الطويل بين

الحسيين والعقليين الذي بيناه في مقدمة هذه المقالة لقد تمسك الحسيون بطريق وحيد وهو طريق التجربة للرد) على نظرية

U، ولكن هذا البرهان والبرهان العقليين كما أشرنا إلى ذلك سابقا الذي سبق ذكره في المقالة الرابعة دليل قاطع-عند من هو ملم)

lدراكات الفطرية بالشكل الذي باألصول الفلسفية-على نفي اإلفرضه العقليون.

lشارة إليها هي أن هذا البرهان يبطل والمالحظة التي يجب اإل نظرية العقليين المحدثين فحسب، وأما النظرية المنسوبة إلى

أفالطون والمبنية على وجود قبلي للروح كانت تشاهد فيه "المثل" فإن هذا الدليل ال يبطلها. وترد) نظرية أفالطون بأدلةtخرى مبنية على حدوث النفس وكونها مادية في بدايتها وهي أ

مذكورة في الدراسات المخصصة لذلك وخارجة عن حدود هذهالمقالة(. في أن إي إدراك أو علم

[47 ]U بلحاظ ما ينطبق على المحسوس بشكل من األشكال فهو: أوال

U بلحاظ أن المدرك أو يوجد من ارتباط بين المدركات وثانيا المعلوم الذهني ليس منشأ لآلثار، لهذا يجب أن يكون هو

lنسان U بمحسوس من المحسوسات، مثل اإل U أو مسبوقا محسوساlنسان الخيالي والكلي المحسوس الذي هو محسوس بذاته، واإل

الذي هو مسبوق بإنسان محسوس، وفي مثل هذا المورد نقول: إذا فرضنا أنه ال يوجد محسوس هنا فإننا سوف لن نظفر بأي

علم أو إدراك. إذن البرهان المذكور يثبت هذا الحكم عن طريق الرابطة الموجودة بين مجموعة من المدركات والمحسوس، وعن طريق ما في المدركات من عدم ترتب اآلثار التي هي

lدراك مترتبة بالنسبة للمحسوسات أنفسها، وينفي فقط ذلك اإلlنطباق على الحس ولكنه ال ينتهي إلى الحس، وأما القابل لإل

lدراك الذي ال ينتهي إلى الحس فهو ال ينفيه، إذن إذا مطلق اإل وجد إدراك ال يقبل االنطباق على الحس فإن هذا البرهان ال ينفي

lدراك. وجود مثل هذا اإل وإذا أمعنا النظر أكثر كان مفاد البرهان ) يمكن تلخيص هذه

النظرية في أن القوة المدركة أو قوة الخيال هي قوة عملها أخذ الصور لألشياء والواقعيات سواء أكانت واقعيات خارجية أم واقعيات باطنية )نفسية(، وهذه القوة هي التي تهيء جميع

Page 30: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

الصور الذهنية المتمركزة في الحافظة والتي تجري فيها أعمالU من ذاتها، الذهن المختلفة. وال تستطيع هذه القوة أن تولد تصورا

وإنما العمل الوحيد الذي تستطيعه هو أنها إذا ظفرت باتصال وجودي بواقع من الواقعيات فإنها تصو)ر له صورة ثم تد)خرها في الحافظة. إذن الشرط األساسي لظهور صور األشياء والواقعيات

في الذهن هو االتصال واالرتباط الوجودي بين تلك الواقعيات والقوة المدركة، ومن الواضح أن القوة المدركة- التي عملها

التصوير- ليس لها وجود مستقل بذاته وإنما هي فرع من القوى النفسية، وال يتم اتصالها الوجودي بواقع ما إال إذا تم) اتصال وجودي بين النفس ذاتها وذلك الواقع، إذن يمكن القول بأن

الشرط األساسي لظهور صور األشياء والواقعيات في الذهن هوlتصال الوجودي الحاصل بين تلك الواقعيات وواقع النفس، وكما اإل

lتصال الوجودي بين واقع معين سوف يذكر فيما بعد فإن اإل وحقيقة النفس يؤدي بالنفس لتدرك ذلك الواقع بالعلم

الحضوري. وبناء على هذا فإن نشاط الذهن أو القوة المدركة يبدأ من هنا أي عندما تظفر النفس بعين الواقع وتدركه بالعلم

الحضوري فإن القوة المدركة )قوة الخيال(-التي تسمى في هذهالمقالة بالقوة التي تبد)ل العلم الحضوري إلى علم حصولي-

lصطالح فإنها تصوغ تصوغ صورة له وتودعها في الحافظة، وباالU بالعلم الحصولي. منه معلوما

وحسب هذه النظرية فإن مبنى ومأخذ كل علم حصولي-أي جميع معلوماتنا الذهنية العادية بالنسبة للعالم الخارجي والعالم الباطني

)النفسي(- هو العلم الحضوري، ومالك ومناط العلم الحضوري هو االتصال واالتحاد الوجودي بين واقع الشيء المدرك وواقع

)ن فيما بعد معنى االتصال الوجودي الشيء المدرك، وسوف نبي لواقع ما مع واقع النفس. ونجد من الالزم علينا هنا أن نوض)ح

الفرق بين العلم الحضوري والعلم الحصولي )وإن كنا قد أشرناU خالل هذه المقاالت(: إلى الفرق بينهما مرارا

العلم الحصولي هو ذلك العلم الذي يكون فيه واقع العلم مع واقع المعلوم شيئين اثنين، مثل علمنا باألرض والسماء والشجر والناس اآلخرين. فنحن نعلم بهذه األشياء، أي أن لدينا عن كل

واحد من هذه األمور صورة، ونحن ندرك هذه الواقعيات بوساطة هذه الصور التي تكون مطابقة لتلك الواقعيات. فحقيقة العلم هنا

هي صورة موجودة في أذهاننا، أما حقيقة المعلوم فهي ذاتU لدينا صورة موجودة في الخارج بشكل مستقل عن وجودنا. مثال عن وجه صديقنا فالن موجودة في حافظتنا، وكلما أردنا التأمل

في وجهه فإننا نحضر تلك الصورة ونتأمل فيها، ومن البديهي أن

Page 31: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

الحاضر لدينا والموجود في حافظتنا هي صورة وجه ذلك الصديقوليس حقيقة وجهه.

والعلم الحضوري هو ذلك العلم الذي تكون فيه حقيقة المعلوم نفس حقيقة العلم، ويدرك فيه العالم ذات المعلوم الواقعي من دون وساطة الصور الذهنية، مثل ما لو اردنا عمل شيء وقررناlرادة ، فحقيقة اإل القيام به أو عندما تحصل لنا لذة أو نصاب بغم)

والتصميم واللذة واضحة أمامنا ونحن ندرك هذه الحاالت الخاصةمن دون وساطة الصور الذهنية.

هذا هو الفرق بين العلم الحصولي والعلم الحضوري من ناحية العلم والمعلوم، وهناك فرق آخر بينهما من ناحية العالم وهو أن

العلم الحضوري ال تتدخل فيه قوة خاصة وال آلة معينة وإنما العالم يدرك واقع المعلوم حقيقة، وأما في العلم الحصولي فإنه

تتدخل فيه قوة معينة من قوى النفس المختلفة عملها أخذU عندما يريد الصور، والنفس تصبح عالمة بوساطة تلك القوة. مثال

lرادة U إرادته فإنه يدرك نفس اإل lنسان، وهو يدرك حضورا اإل حقيقة، أي أن الذي يدرك اإلرادة هو "األنا" بال وساطة، والنفس

تدرك-بصورة متشابهة-جميع الوقائع النفسية المتعلقة بجهاتlرادة مختلفة إدراكية أو شوقية مثل العواطف والشهوات واإل

واألفكار واألحكام، أما إذا حصل له علم بواقع خارجي من لون العلم الحصولي فإنه سيكون بوساطة قوة خاصة من قوى النفس المتنوعة وهي قوة الخيال التي اعد)ت صورة لذلك

U بجهاز الواقع. وبناء على هذا ال يكون العلم الحضوري متعلقا خاص من األجهزة النفسية المختلفة، لكن العلم الحصولي متعلق

lدراك. بجهاز خاص يسمى بجهاز الذهن أو جهاز اإلlشارة ههنا إلى بعض المالحظات: ونرى ضرورة اإل

U بالعلم الحصولي، أ-النفس في بدأ تكو)نها وحدوثها ال تعلم شيئا وليس لديها أي تصور ذهني عن أي شيء وحتى عن ذاتها

وحاالتها النفسية، بل هي فاقدة للذهن من األساس، وذلك ألنU سوى صور األشياء عند النفس، ولما كانت عالم الذهن ليس شيئا

النفس ال صورة لديها في البدء عن أي شيء إذن ال يوجد ذهنU lنسان في البدء فاقد للذهن ثم تعد) له الصور الذهنية تدريجيا فاإل

وتحصل له صور عن األشياء وصور عن ذاته وتصوراته وحاالته النفسية فيتكو)ن لديه الذهن، ولكنه في ذات الوقت الذي تكون

فيه النفس غير عالمة بأي شيء بالعلم الحصولي وفاقدة للذهن فهي تدرك بالعلم الحضوري منذ بدء تكونها وحدوثها ذاتها وما

فيها من قوى نفسية، وذلك ألن مالك العلم الحصولي هو نشاط قوة الخيال وأخذها للصور، ومالك العلم الحضوري-كما سوف

Page 32: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

يذكر فيما بعد-هو تجرد وجود الشيء من المادة ومن الخصائص المادية. فالطفل-إلى مدة- ليس لديه تصور عن أي شيء وحتى

عن نفسه وحاالته، ولكنه في نفس الوقت يدرك حقيقة ذاتهوحقيقة جوعه ولذته وحزنه وإرادته.

ب-لم يتعمق كثير من العلماء بصورة كافية في حقيقة العلم الحضوري ولهذا فقد ظنوا أن علم أي إنسان بذاته وحاالته

U، وتالحظون أنهم يقولون عادة U حضوريا U علما النفسية يكون دائما بالنسبة للعلم الحضوري: "العلم الحضوري مثل علم أي) إنسان

)ز هؤالء العلماء عادة بين الصور بذاته وبحاالته النفسية". ولم يميtمور النفسية التي هي الذهنية والتصورات المتعلقة بالنفس واأل

من لون العلم الحصولي من ناحية، والعلم الحضوري للنفس بذاتها وحاالتها النفسية حيث ال دخالة للصور الذهنية فيه بل هو

tخرى. لون من ألوان العلم الحضوري من ناحية أ�حدهما هو فعلم كل إنسان بذاته وبحاالته النفسية على شكلين: أ

lدراك االبتدائي الذي يتمتع به كل شخص منذ أول تكونه ذلك اإلU عن نفسه، وكذا حاالته النفسية فهي وحدوثه، فهو ليس مخفيا

U من دون وساطة ليست مخفية عن ذاتها، وهو يدرك هذه جميعاU، وذلك الصور الذهنية، والثاني تلك الصور التي تظهر له تدريجيا�شياء الخارجية وبعد مدة تتراكم فيها ألن قوته المدركة تصو)ر األ�شياء، القادمة عن طريق الحواس فتنضج قوته المدركة صور األU لنفسه وحاالته النفسية وتنعطف نحو عالمه الباطني وتعد) صورا

)ز U بها بالعلم الحصولي. إذن ينبغي لنا أن نمي U فيصبح عالما أيضاlرادة التي هي من ألوان تصور "األنا" وتصور اللذة والحزن واإلlرادة العلم الحصولي من ذات "األنا" ونفس اللذة والحزن واإل

التي هي من ألوان العلم الحضوري. وأفضل مثال للفصل بينهما هو مثال الطفل، فالطفل يلتذ،

lرادة ليست خافية عليه، يتعذ)ب، يريد، وتلك اللذة والعذاب واإلU وكذا ذاته ليست خافية عن نفسه، أي أن الطفل يشاهد حضورا

واقع ذاته وإرادته ولذته وعذابه، ولكن لما كان جهازه الذهنيU بل هو فاقد للذهن في البدء فهو ال يتمتع بأي تصور عن ضعيفاtمور، أي انه ليس لديه علم- من ألوان العلم الحصولي هذه األ

العادي-عن ذاته وإرادته ولذته وحزنه، ولكنه بعد ذلك عندما يعملU ويأخذ في جمع صور الشياء الخارجية U فشيئا جهازه الذهني شيئا

عن طريق الحواس فإن ذهنه يصبح أقوى وأغنى ويرجع إلى ذاتهU عن حاالته النفسية. U عن "األنا" وصورا ويعد) صورا

ج-الشك واليقين والتصور والتصديق والخطأ والصواب والحافظة وااللتفات والتفكير والتعقل واالستدالل والتعبير اللفظي والفهم

Page 33: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

والتفهيم والفلسفة والعلوم كلها تتعلق بالعلوم الحصولية، وبعبارةtخرى فهي تتعلق بالعلم الخاص بالذهن الذي هو عالم صور أtمور في مورد العلوم األشياء، وال معنى ألي واحد من هذه األ

الحضورية.)ر بأن الدقة في فهم حقيقة العلم وفي خاتمة المطاف نذك

الحضوري وتمييزه بشكل صحيح من العلم الحصولي هي شرطtخرى أثبت مهم لفهم النظرية التي مر) ذكرها ولفهم نظريات أ

صحتها الفالسفة الكبار في المباحث المتعلقة بتجرد النفس واتحاد العاقل والمعقول ووحدة جمع الجمع للنفس وحتى بين

الفالسفة ال نجد إال القليل ممن لم تزل) قدمه في هذا المضمار، ولهذا نجد من الالزم علينا الممارسة والمطالعة والتعمق الكثير

لكي يتضح لنا الموضوع(. هو أن مقتضى كاشفية العلم [52 ]

lدراك عن الخارج هو الظفر بالواقع، أي في كل مورد يوجد واإل فيه العلم الحصولي فالعلم الحضوري فيه موجود. إذن نستطيعU ع دائرة البرهان لنمنح النتيجة عموما من هذا المنطلق أن نوس)

أكبر، فنقول: لما كان كل علم وإدراك مفروض يتمتع بخاصةU بعالقة الكشف عن الخارج وهو صورته فال بد أن يكون متمتعا

االنطباق على خارجه وأن ال يكون منشأ لآلثار، ومن هنا يلزم أن نكون منتهين إلى واقع هو منشأ لآلثار ينطبق عليه ذلك العلم، أي

أننا مدركون لذلك الواقع بالعلم الحضوري ثم ندركه بالعلم الحصولي حيث يؤخذ منه إما بال وساطة ) هو نفس المعلوم

U مع سلب منشأية اآلثار( وأما بوساطة تصرف تقوم به حضورا القوة المدركة فيه، ومصداق هذا تارة تكون المدركات

المحسوسة الموجودة بحقيقتها في الحس والتي تظفر بها القوةالمدركة هناك، وتارة تكون المدركات غير المحسوسة.

)ر والتنوع lلمام بكيفية التكث ومن هنا يتضح لنا أننا إذا أردنا اإلlدراكات فال بد أن ننعطف نحو األصل الحاصل في العلوم واإل

lدراكات والعلوم الحضورية، ألن جميع األغصان تعود فندرس اإل في النهاية إلى هذا الجذر وتستمد) منه أصل الوجود. فالعلم

الحضوري بوساطة سلب منشأية اآلثار عنه هو الذي يتبد)ل إلىعلم حصولي.

ولما كنا نعتمد في النهاية على العلم الحضوري، أي ذلك العلمU لدى العالم بواقعه الخارجي ال الذي يكون معلومه حاضرا

بصورته. أي أن العالم [53]

Page 34: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

قد أدرك ذات وواقع المعلوم، ومن البديهي أن الشيء المغاير لنا والذي هو خارج عنا لن يكون عين ذاتنا وجزء واقعنا، فال بد إذن أن يكون واقع هذا الشيء الذي ندركه إما ذات وجودنا وإما من

المراتب الملحقة بوجودنا)هذه إشارة إلى مناط ومالك العلم الحضوري. وقد بينا فيما سبق معنى العلم الحضوري وفرقه عن

U أن أساس ومأخذ جميع العلوم العلم الحصولي، وقلنا أيضا)ر عنها بالعلم الحصولي هو العلم والصور العادية التي نعب

U تنبع من هناك. الحضوري، وهذه جميعا واآلن ال بد أن نعرف ما هو مالك العلم الحضوري؟ أي كيفU ألنفسنا بالعلم الحضوري؟ يحدث أن يصبح شيء ما مشهودا

قلنا فيما مضى أن مالك العلم الحضوري هو االرتباط واالتصال الوجودي الحاصل بين واقع الشيء المدرك وواقع الشيء

المدرك، وهنا ال بد أن نعلم كون هذا االرتباط واالتصال بأي نحو هو، وأي لون من النسبة والعالقة ال بد أن تكون موجودة بينالعالم والمعلوم حتى تصبح منشأ للعلم الحضوري الشهودي؟

توجد في هذا المجال عدة نظريات: أ-جميع الحاالت النفسية ومن جملتها التصورات واألفكار هي من

الخواص المباشرة للمخ والمجموعة العصبية وهي مادية ولهذا.U أصبحت مكانية وتستطيع أن تجتمع وترتبط ببعضها وتتصل مكانيا

وعلة كوننا نشاهد حاالتنا النفسية حاضرة لدينا هي أن لديناU عن ذاتنا )تصور األنا( وهذا التصور كيفية مادية ومكانية تصوراlنفعال المادي مع سائر الحاالت النفسية ولها عالقة الفعل واإل

tخرى وهي تجتمع وترتبط lرادة والتصورات األ كاللذة والحزن واإلU ببعضها، وهذا tخرى فإنها تتصل وجوديا U، وبعبارة أ بها مكانيا

االرتباط واالتصال هو الذي يصبح منشأ للعلم الحضوريالشهودي.

الماديون عادة يتبنون هذه النظرية.ويتلخص الجواب على هذه النظرية فيما يأتي:

ق في هذه النظرية بين تصور "األنا" الذي هو علم U: لم يفر) أوال حصولي وهو غير المعلوم، وذات "األنا" التي هي علم حضوريU أن نحذر من وهي عين المعلوم. وهذا خطأ كبير ينبغي لنا دائما

الوقوع فيه. lدراكات ليست مادية U: كما أوضحنا في المقالة الثالثة فإن اإل ثانيا

وال مكانية وهي تتم فيما وراء النشاطات العصبية الخاصة.lجتماع المكاني lرتباط واإل U: كما حقق) في الفلسفة فإن اال ثالثا

U للحضور الواقعي لكل منهما لدى اآلخر، لشيئين ال يصلح مالكا وذلك ألن الشيئين المكانيين وإن لم تكن هناك فاصلة بينهما فإن

Page 35: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U غير المكان الذي يحتله اآلخر، كل واحد منهما-بالتالي-يحتل مكاناU U أن يجتمع شيئان مكانيان اجتماعا وليس من الممكن إطالقا.U U واحدا U مكانا U في المكان، أي أنهما حقيقة يحتالن معا حقيقيا

والحد األقصى في االجتماع المكاني لشيئين هو أن ال توجد بينU لما نهايتيهما أية فاصلة، بل وحتى الشيء الواحد المكاني أيضا

U بالضرورة على التجسم والبعد واالمتداد فإن أي جزء كان مشتمالU من المكان غير الجزء المكاني الذي مفروض منه فهو يحتل جزءا

U يحتله جزء آخر مفروض من ذلك الشيء، وفي كل جزء أيضا يمكن فرض أجزاء، كل واحد منهما بعيد عن اآلخر، وفي نفس

الوقت الذي تتمتع فيه بالوحدة االتصالية فهي غائبة عن بعضها، أي أن الشيء الواحد المكاني ال تمتتع أجزاؤه وأبعاضه المفروضة باالجتماع الحقيقي وإنما هي محجوبة عن بعضها، ولهذا فإن كون

U هو مناط احتجابه وغيبته وليس مناط انكشافه الشيء مكانياU كل في �ما أننا نستطيع إدراك العالم وأجزائه جميعا وحضوره. وأ

مكانه وفي رتبته مع أنها محتجبة عن بعضها من حيث األبعاد المكانية ومن حيث البعد الزماني فذلك ألن أنفسنا وإدراكاتنا النفسية ليس لها أبعاد مكانية وزمانية، ولو فرضنا أن النفس

U موجود مكاني ولها بالضرورة أجزاء وأبعاد فإنها لن تكون أيضاtخرى. قادرة على إدراك ذاتها وال إدراك األشياء األ

ب-إن علة العلم الحضوري لكل إنسان بنفسه هي وحدة العالم والمعلوم، وأما علة العلم الحضوري لكل إنسان بحاالته النفسية

فهي تأثير العناصر الروحية في بعضها. ويحتاج هذا الموضوع-وهو أن العناصر الروحية وإن لم تكن

مكانية ولكنه ال شك في تأثير ونفوذ بعضها في البعض اآلخر-إلىتوضيح.

فمن المحقق والمسلم في الفلسفة وعلم النفس تأثير العناصر النفسية في بعضها، مثل العواطف والهيجانات واالشتياق

والتصميم واألحكام واألفكار. وعلة العلم الحضوري بهذه الحاالت النفسية هي التأثير المتبادل بين العناصر الروحية. وأحد هذه

العناصر الروحية هو تصور "الذات" أو "األنا"، فنتيجة لتأثير وارتباط هذا العنصر بعنصر الرؤية والسمع والذوق واللذة

والعذاب يحصل العلم الحضوري بالنسبة لهذه العناصر.تنسب هذه النظرية لبعض علماء النفس المحدثين.

والجواب على هذه النظرية هو:U بين واقع ق بصورة صحيحة أيضا U: في هذه النظرية لم يفر) أوال

"األنا" وتصور "األنا".

Page 36: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

tمور النفسية بالنفس. )ن فيها بدق)ة لون ارتباط األ U: لم يبي ثانيا توضيح ذلك: أن ارتباط شيئين ببعضهما يمكن أن يفرض على أحد نحوين: أحدهما أن يكون لكل منهما واقع ووجود مستقلlرتباط، وعلى فرض أن وكل ما هناك أنهما يظفران بخاصية اإلlرتباط فإن واقع كل منهما محفوظ وتذهب فقط ينقطع هذا اإل

lرتباط بينهما، ومن هذا القبيل التأثيرات المتبادلة خاصية ذلك اإلlرتباط عين بين أجزاء الطبيعة في الطبيعة. الثاني أن يكون اإل

وجود وواقع أحدهما بالنسبة إلى اآلخر، ال أن كل واحد منهما لهlرتباط lرتباط هو خاصيتهما. إن هذا اللون من اإل وجود وواقع، واإل هو من قبيل ارتباط الفرع باألصل والمعلول بالعلة، فكل معلول

lيجادية هو بهذا الشكل ليس له واقع في بالنسبة إلى علته اإلtولى حتى يتحقق ارتباط بعلته في الدرجة الثانية، بل الدرجة األ

أصل وجوده وواقعه وارتباطه شيء واحد، وباصطالح صدر المتألهين فإن وجوده وواقعه هو عين ارتباطه وانتسابه وتعلقه

lنتساب سيكون بالتأكيد من lرتباط واإل بالعلة. إن هذا اللون من اإلlرباط ليس lصطالح فاإل طرف واحد ال من طرفين، وحسب اإل

U، أي أنه ليس من الممكن أن يوجد شيئان على هذا متبادال الشكل بالنسبة لبعضهما بحيث أن كل واحد منهما هو عينlنتساب لآلخر، بل ال بد أن يكون ألحدهما وجود lرتباط واإل اإل

مستقل ومستغن عن اآلخر، ولآلخر وجود فقير ورابط. وهذا علىU وذا lرتباط فيه متبادال العكس من القسم األول الذي كان اإل

طرفين. والتأمل الحضوري العميق والتفكير الدقيق في موضوع ارتباط)ن لنا بوضوح أنه من قبيل tمور النفسية للنفس يبي وانتساب األtشير إليه في المتن فإن القسم الثاني ال القسم األول. وكما أ

رؤيتي وسمعي ولذتي ليست هي بنحو بحيث إذا أخذنا منها ما يطابق ياء المتكلم فإن الذي يذهب فقط هو خاصية ارتباط

الرؤية بي وتبقى الرؤية المطلقة، وإنما فرض انقطاع النسبةlنعدام المطلق لتلك الرؤية. بيني وبين رؤيتي هو عين فرض اإل

U عين المعلوم، أي أن ج-في كل علم حضوري يكون العلم دائماlحساسات هي عالمة كل حالة من الحاالت النفسية واألفكار واإل

ومعلولة في نفس الوقت، وكل واحدة من هذه تدرك ذاتها بذاتها.وهذه نظرية كثير من الفالسفة وعلماء النفس المحدثين.

والجواب على هذه النظرية واضح وذلك:UU: ألن كل واحد منا يدرك بوضوح أنه شيء واحد يرى ويسمع أوال

ويتألم ويلتذ.

Page 37: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U: ألن أي واحد منا يدرك كل واحدة من هذه الحاالت وهي ثانيا حالة تعلقها وانتسابها وارتباطها بواقع آخر نطلق عليه اسم

"األنا". د-إن مالك العلم الحضوري هو الحضور الواقعي لشيء عند

شيء، وال يتحقق هذا الحضور الواقعي إال إذا كان هناك وجود جمعي بحيث ال توجد فيه أبعاد وفواصل مكانية وزمانية مما هو

من خصائص المادة.�بعاد المكانية والزمانية وهو خال أي أن كل موجود ال يتصف باألlمتدادات والفواصل التي هي مناط التفرق والغيبة )وهو من اإل

U U ليس مخفيا lصطالح الفلسفي( فوجوده قطعا الموجود المجرد باإل عن نفسه، وكذا وجود ما هو متصل به بشكل ذاتي )وهو القسم الثاني من التعلق الذي مر شرحه في المتن(، فهو قادر على أن

يدرك ذاته وكل ما يتعلق بها بشكل ذاتي وأن يجدها حاضرة لديه. وبعبارة أخرى: مالك العلم الحضوري هو أن ال تكون حقيقة

�مر إال إذا لم المعلوم محتجبة عن حقيقة العالم، وال يتحقق هذا األlمتدادات المكانية والزمانية، سواء توجد في البين األبعاد واإل أكانت حقيقة العالم والمعلوم تتمتع بوحدة حقيقية مثل علم

النفس الحضوري بذاتها، أم كان المعلوم من فروع العالم ومتعلقاته الوجودية مثل علم النفس الحضوري بأحوالها وآثارها.

إذن كما مر) في المتن: "فال بد إذن أن يكون واقع هذا الشيء الذي ندركه )بالعلم الحضوري( إما ذات وجودنا وإما من المراتب

الملحقة بوجودنا". وقد اختار هذه النظرية المحققون منlسالميين، وقد تعمق في التحقيق فيها صدر المتألهين الفالسفة اإل

أكثر من غيره.(، [57]

إذن ال بد أن ندرس أنفسنا -شئنا ذلك أم أبينا- أي ندرس علمنابأنفسنا.

إذا نظرنا نظرة بسيطة من دون تعقيد فسوف نرى أن نفسنا "األنا" غير مخفية عن نفسنا، وهذا المعلوم المشهود لنا )كما مر)

علينا في المقالة الثالثة( هو شيء واحد خالص ليس فيه خليطوليس له جزء وال حد) جسماني.

وعندما نشاهد األعمال التي تقع ضمن دائرة وجودنا، وهي تقعبإرادتنا وإدراكنا، مثل "رؤيتي"، "سمعي"، "فهمي"، وبالتالي

[58] جميع األعمال التي تتم بقواي المدركة ووسائل فهمي، فسوف

نرى أنها مجموعة من الظواهر التي بحسب الواقع والوجود مرتبطة بواقعنا ووجودنا وتنتسب إليه بحيث أن فرض انقطاع هذا

Page 38: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U بالنسبة للمطابق U، مثال U واحدا lنتساب وفرض عدمها يكون شيئا اإل الخارجي لكلمة "سمعي" إذا فصلنا المطابق الخارجي لجزء هذه الكلمة وهو ياء المتكلم فإنه لن يبقى هناك مطابق لبقية الكلمة،

ونميز) هذه المجموعة من األفعال بأنفسها)إن الذين ال يعلمونU عن األساليب المتنوعة المستعملة في العلوم المختلفة شيئا

يتخيلون أن األسلوب الوحيد الصحيح في دراسة جميع الموجودات هو األسلوب التجريبي فحسب، وال يمكن قبول أية

نظرية ما لم تؤيدها التجارب، وكل ما عدا ذلك فهو من قبيل الفرضيات التي ينسجها الخيال. ولما كانت النظرية التي هي

موضوع البحث ال مؤيد لها من التجارب ولم تستخلص منU إذن ال يمكن قبولها. المختبرات وال يمكن رؤيتها في الخارج عمليا

�ساليب ونحن ال نستطيع في هذا المجال تفصيل القول في األ المتعددة المستخدمة في العلوم المختلفة، ولكننا نقتصر في رد)

هذه الشبهة على القول بأن العلماء يجمعون على أن افضلtمور الذهنية والعمليات النفسية وكيفية وجودها السبل لتمييز األ هو الرجوع مباشرة إلى ضمائرنا واستبطان ذواتنا، وإذا اقترن

هذا االستبطان باستعداد منطقي وفلسفي كامل من قبلالمستبطن فإنه سوف يظفر بنتائج قطعية ويقينية.

ومن بين األساليب المتنوعة التي يلجأ إليها علم النفس الحديثtسلوب الداخلي أو الذهني أو أسلوب النظر إلى األعماق يعتبر األ

�ساليب وأكثرها أصالة. أو المعرفة بال وساطة أفضل األ يقول فيلسين شالة في كتاب "ميثودولوجي" أي األساليب

العلمية في فضل علم النفس: )ة في مكان فإنها تعرف بوساطة "لما كانت الحوادث المادية حالU الحواس، ويستطيع أن يدركها الكثير من الناس، فالشمس مثال

يراها الجميع ويحس)ون بحرارتها، أما الحوادث النفسية فألنها غيرtدركها tعرف بوساطة الحواس، والذي ي واقعية في مكان فإنها ال ت

فقط إنما هو الضمير، مثل الغضب الذي ينفجر في أعماقي�تخذه، فأنا وحدي والحكم الذي يدور في نفسي والقرار التي أ

tمور �عماقي، فاأل tمور التي تجري في أ الذي أعرف حقيقة هذه األtدركها بصورة مباشرة إال ضمير الشخص الذي تحدث الروحية ال ي

في نفسه".( وليس [59 ]

بشيء آخر، أي أننا نفهمها من دون وساطة، أي أن سمعي هو بذاته سمعي أنا، ولم يكن في البداية ظاهرة مجهولة لدي ثم

عرفتها عن طريق أخذ صورة ذهنية لها ففهمت أنها سمعي، إذن

Page 39: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

الواقع الخارجي لهذه المجموعة من األفعال وإدراكها شيء واحد،أي أنها معلومة بالعلم الحضوري.

وكذا القوى والوسائل)قد تم) إلى هنا بيان ثالثة ألوان من العلمالحضوري:

أ-العلم الحضوري للنفس بذاتها. ب-العلم الحضوري للنفس بأفعالها التي تحدث في إطار وجودها. ج-العلم الحضوري للنفس بقواها ووسائلها التي بواساطتها تؤدي

هذه األفعال.lشارة إليها وهي أنه وتوجد مالحظة في هذا المجال ال بد من اإل

�فعالها )القسم الثاني( وكذا في في حالة مشاهدة آثار النفس وأ حالة مشاهدة قوى النفس ووسائلها )القسم الثالث( ال يمكن أن

U على مشاهدة هذين القسمين بشكل نتصور كون الذهن قادرا منفصل عن مشاهدة "األنا" ذاتها، وذلك ألن هذه الظواهر من

ملحقات ومراتب وجود "األنا" وهما بحسب الواقع والوجودlضافة مرتبطان بواقع ووجود "األنا"، بحيث يكون وجودهما عين اإلU والنسبة، وفرض انقطاع النسبة هو عين فرض انعدامهما، فمثال

tشاهد رؤيته )أي رؤيتي tشاهد الذهن رؤيته فلكونه ي عندما ي بإضافة ياء المتكلم( ال الرؤية المطلقة، إذن مشاهدته لرؤيته

U لمشاهدته لذاته. مالزمة دائماونحن في التعليقة التي كتبناها للمقالة الثالثة )الجزء األول ص

lستدالل المشهور149 ( من هذا الكتاب أشرنا إلى بطالن اإل لديكارت القائل )أنا أفكر إذن أنا موجود( حيث يستدل بوجود

lنسان ليدرك وجود الفكر على وجود النفس، وقلنا هناك: إن اإل نفسه قبل إدراكه لوجود التفكير فيها، ونحن نفهم من قول

tفكر( إنه لم يدرك التفكير المطلق بل إدراك التفكير ديكارت )أنا أ�درك ذاته قبل أن tفكر-بإضافة أنا( إذن هو قد أ المقيد بالذات )أنا أ

tدرك تفكيره. يtوربيين وحتى بعض العلماء والغريب أن بعض العلماء األ

وا على آثار ابن سينا قد تخيلوا أن البرهان المسلمين ممن مر) المشهور باسم " اإلنسان المعلق في الفضاء" الذي أقامه الشيخ

U على تجرد النفس هو بنفسه برهان ديكارت المشهور، أي دليالtرهان ديكارت مقتبس بكل تفاصيله من ابن سينا. أن ب

U من أفدح األخطاء، وذلك U واحدا ولكن اعتبار هذين البرهانيين شيئا ألن ابن سينا يتناول الموضوع عن طريق مشاهدة النفس بذاتها

مباشرة من غير وساطة )القسم األول من أقسام العلم الحضوري( بينما ديكارت يحاول أن يجعل مشاهدة آثار النفس

Page 40: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U على وجود النفس )القسم الثاني( أي وجود التفكير وسيلة ودليالذاتها.

ومما يدعو إلى العجب إن هؤالء العلماء لم يلتفتوا إلى أن ابنlشارات والتنبيهات" إلى طريقة سينا قد صرح في كتابه "اإل

استدالل ديكارت وإلى بطالن هذه الطريقة، فهو بعد شرحهlنسان المعلق في الفضاء" يقول تحت للبرهان المعروف بـ"اإل

عنوانه "وهم وتنبيه":tثبت ذاتي بوسط من فعلي، فيجب إذن أن "ولعلك تقول: إنما أ يكون لك فعل تثبته في الفرض المذكور، أو حركة أو غير ذلك.

ففي اعتبارنا الفرض المذكور جعلناك بمعزل من ذلك. وأماU فيجب أن U مطلقا بحسب األمر األعم، فإن فعلك إن أثبته فعال

U لك، U، هو ذاتك بعينها: وإن أثبته فعال U ال خاصا U مطلقا تثبت به فاعال فلم تثبت به ذاتك، بل ذاتك جزء من مفهوم فعلك من حيث هو فعلك، فهو مثبت في الفهم قبله، وال أقل من أن يكون معه، ال

به. فذاتك مثبتة ال به". ويشرح هذا القول المحقق الطوسي فيقول:

"إثبات األشياء التي يخفى وجودها، قد يكون بعللها. كما فيبرهان لمي. وقد يكون بمعلوالتها، كما في الدليل.

lنسان ال يذهب إلى إثبات ذاته بعلله، فإن وجوده له ووهم اإل أظهر من وجود علله. فإن ذهب فعساه أن يذهب إثباته

بمعلوالته، التي هي أفعاله وآثاره، فإن أكثر القوى تثبت بأفعالهاوآثارها.

والشيخ أبطل هذا الوهم بوجهين:lنسان في الفرض المذكور وجه خاص بهذا الموضع: وهو أن اإل

U عن أفعاله، مع إدراك ذاته. كان غافالtخذ من حيث هو فعل ما، من غير ووجه عام: وهو أن الفعل إن أ اختصاص بفاعله، فهو ال يدرك إال على فاعل ما، غير معين، وال

lنسان به على فاعل معين هو ذاته. يمكن أن يستدل اإلtخذ من حيث هو فعل الفاعل المعين، فالفاعل المعين يكون وإن ا

U معه، فال يمكن أن U قبله، وال أقل من أن يكون معلوما معلومايستدل بذلك عليه.

وبالجملة االستدالل بالفعل على الفاعل استدالل ناقص، ال يتأدىlنسان نفسه إلى معرفة ذات الفاعل ما هو. فإذن اثبات اإل

بوساطة فعلها محال".lشارات والتنبيهات" البن سينا، مع شرح المحقق كتاب "اإل-348الطوسي، تحقيق الدكتور سليمان دنيا، القسم الثاني، ص

.( التي بواسطتها نؤد)ي هذه األعمال المعلومة349

Page 41: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

[61 ]lستعمال عالمين بذلك، ال أننا بالذات، ونستخدمها عند اإل

tخرى ثم استخدمناها. فهناك تصرفات اكتشفناها بوسائل وقوى أlدراكات المختلفة التي تتم في عجيبة ولطيفة تصدر منا أثناء اإل

lدراك، وال يمكن أجهزة اإل[62]

أن تتم هذه من دون أن يكون لنا علم بتلك التصرفات وخواصها�عمال وآثارها واألعضاء التي تتم تلك التصرفات بواسطتها، مثل أ

التحريك والقبض والبسط التي تجري في عضالتنا المختلفةعندما نقوم بأعمالنا المتنوعة كالرؤية والسمع والشم وغيرها.

إشكال وجوابهlنسان ألول وهلة من هذا الكالم أنه لو كان لعله يخطر في ذهن اإل

lنسان أو أي) موجود حي آخر منذ األمر كذلك للزم أن يعرف اإل بداية وجوده جميع أعضائه وأجزائه بجميع تفاصيلها وميزاتها،

U عن كل هذه الجهود العلمية الطويلة وعندئذ يكون مستغنياالعريضة العميقة التي نهض بها العلماء.

lنسان أن يلتفت إلى أن حديثنا في العلم ولكن على هذا اإلU أن الحضوري وليس هو في العلم الحصولي، فما قلنا عنه سابقا

lنسان يعلمه فإنه يعلمه بالعلم الحضوري، أما ما يظفر به اإل العلماء نتيجة لجهودهم العلمية فهو من أقسام العلم

U في الحصولي)إن الجواب على هذه الشبهة يعرف مما ذtكر سابقا الفرق بين العلم الحضوري والعلم الحصولي. فقد فهم مما مر)

ذكره أن العلم الحصولي يتعلق بجهاز خاص من األجهزة النفسية يسمى الجهاز الذهني، إذن هناك قوة خاصة تنتج العلم الحصولي.

أما العلم الحضوري فإنه ال يختص بجهاز معين، وال تتدخل فيه قوة خاصة، وإنما النفس تدرك بواقعيتها واقعية المعلوم. وعلم

U أن الفلسفة والعلوم هي حصيلة مجموعة من األفعال أيضا الخاصة المتعلقة بجهاز الذهن من قبيل التصور والتصديق

وااللتفات والدقة والتفكير، ومتعلقة بالعلوم الحصولية، وال عالقة لها بالعلوم الحضورية التي ال ربط لها بعالم التفكير واالستدالل.

وبناء على هذا تكون الجهود العلمية والفلسفية التي يبذلها العلماء إنما هي للظفر بالعلم الحصولي وليس العلم الحضوري.

فجهود العلماء إما أن تكون إلشباع غريزة البحث عن الحقيقةlستفادة العملية وإما أن تكون لسد) االحتياجات المادية وتوفير اإل والصناعية. فأما غريزة البحث عن الحقيقة فإنها مرتبطة بجهاز

lستفاة العملية الذهن وتؤدي إلى النشاط الذهني. وأما اإلlلتفات والدقة وسائر األعمال والصناعية فهي متفرعة على اإل

Page 42: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

الذهنية. وعلى أي حال فإن معرفة شيء بالعلم الحضوري ال تغني عن المحاوالت العلمية والفلسفية الخاصة التي يقوم بها

العلماء.(، ومن هنا فإننا نتحمل بقوة أن جميع [63]

األفعال الجسيمة في الموجود الحي، من أفعال علمية وإرادية أو حتى أفعال طبيعية ومزاجية، هي من قبيل العلوم الحضورية كماU يثبت تشهد بذلك قرائن كثيرة، وإن كنا نحن اآلن ال نملك برهانا

هذا الرأي. وعلى أية حال ال بد من القول أننا نعلم بأنفسنا وقوانا وأجهزة

U، وقد قلنا فيما سبق )في U حضوريا lرادية علما وإدراكنا وأفعالنا اإل المقالة الرابعة( أن المحسوسات موجودة بواقعيتها في الحواس،

U من ألوان العلم الحضوري)هذا هو القسم الرابع من وهذا أيضا�قسام األربعة العامة للعلم الحضوري، وقد تقدم الحديث عن األ

tخرى )وهي إدراك الذات- إدراك آثار الذات �قسام الثالثة األ األ وأفعاله-إدراك القوى والوسائل التي بواسطتها تقوم الذات

بأفعالها( وهذا القسم عبارة عن مجموعة من الخواص المادية للواقعيات

المادية الخارجية التي تتصل بالنفس عن طريق الحواس�ثر المادي الحاصل في واالتصال بالقوى الحساسة. من قبيل األ

الشبكية أثناء الرؤية فتقوم أعصاب العين بما لها من خواص�ثر وتخرجه بصوره وشكل وتحت ظروف معينة بالتأثير في ذلك األ

خاص.�قسام العلم الحضوري، �هم أ ويعتبر هذا القسم من أحد الجوانب أ

وذلك ألن أغلب الصور الذهنية التي تولد وتحفظ آتية من هذاU تكتسب النفس معلوماتها عن الطريق، ومن هذا السبيل أيضا

العالم الخارجي.tولى هي تلك ومن هنا يعلم أن ما نحس) به ابتداءU وفي الدرجة األ

tذن اآلثار المادية الواردة على أعصابنا عن طريق العين واألU وانفعاالت وتصبح جزء من أجسامنا، واألنف وغيرها فتحدث أفعاال

ونحن ال نحس بالعالم الخارج عن وجودنا بال وساطة، بل كلlنما يتم بتدخل حكم يحصل عن طريق الحس بالعالم الخارجي إ

U ممارسين لهذه لون من التجربة والتعقل، ولكن لما كنا دائماU مثل جهاز ذاتي الحركة التجربة وهذا التعقل، وهي تعمل دائما

tتوماتيكي( لذا فنحن نغفل عن وجودها، وسوف نوضح فيما بعد )أU لم يحصل مباشرة lعتقاد بوجود العالم الخارجي أيضا أنه حتى اإل

lحساس وليس هو من البديهيات العقلية، بل عن طريق اإلlعتقاد، وسنبسط القول للتجربة والعقل دخل في تكوين هذا اإل

Page 43: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

في هذا الموضوع بشكل مفصل عند الحديث عن حدود الحس والعقل، العلم والفلسفة.(، وإن كان بينه وبين سائر العلوم

الحضورية بعض[64 ]

lختالف، ولكنه ال بد من االلتفات إلى أن العلم الحضوري اإل�ربعة( ال يستطيع أن يولد بنفسه العلم الحصولي بل )بأقسامه األ ال بد أن نمد) أيدينا إلى مجال آخر. فتلك القوة)إن عالم الذهن أوU متعددة �شياء عندنا مخلوق جهاز منظم يؤدي أعماال عالم صور األ

حتى يصوغ عالم الذهن، ونستطيع أن نطلق على مجموع ذلكlدراك. الجهاز اسم جهاز اإل

واألعمال المختلفة التي يقوم بها هذا الجهاز هي عبارة عن تهيئة الصور الجزئية والحفظ والتذكر والتجريد والتجريد والتعميم

lستدالل وغيرها. وكما والمقارنة والتحليل والتركيب والحكم واإلlنسان في البداية أي قبل أن يبدء هذا الجهاز U فإن اإل ذكرنا سابقا

U للذهن، ثم بالتدريج ونتيجة لنشاط هذا الخاص بالعمل يكون فاقداU بقوى وجوانب عالم الذهن المختلفة. واآلن الجهاز يصبح متمتعا لننظر إلى نشاط هذا الجهاز من أية نقطة يبدأ؟ إن نشاط هذاU من ناحية قوة خاصة متعلقة بهذا الجهاز تعرف الجهاز يبدأ أوال

U في الفلسفة باسم قوة الخيال. وعمل قوة الخيال هو أنها دائما عندما تتصل بأي واقع تلتقط له صورة وتعد)ها لتسلمها إلى قوة

tخرى تسمى قوة الحافظة. وبناء على فإن وظيفة هذه القوة أ هي تهيئة الصور الجزئية وتبديل العلم الحضوري إلى علم

حصولي، ولهذا فقد سtميت هذه القوة في هذه المقالة باسم القوة المبد)لة للعلم الحضوري علم حصولي.( التي تسلطت على

الظاهرة الحسية وأدركت [65 ]

أجزاء الصورة الحسية والنسب بين أجزائها ثم حكمت )كما مر) بيانه في المقالة الرابعة( قد أدركت تلك المعلومات في حالة

كونها مجردة من اآلثار الخارجية، أي أنها صور ليست منشأ لآلثار الخارجية، أي أنها معلومة لدى هذه القوة بالعلم الحصولي، إذن عمل هذه القوة هو تهيئة العلم الحصولي في حالة ظفرها بواقع

tخرى فإننا الشيء وإتصالها وعالقتها المادية به، ومن ناحية أ عندما نلتفت إلى أنفسنا نشاهد أنفسنا )واقع األنا( في نفس الوقت الذي نحن فيه مطلعون على ذواتنا نجد جميع أقسام

lدراكات )الحسية- الخيالية- الكلية-المفردة-المركبة-التصورية- اإل التصديقية( موجودة في النفس التي هي شيء واحد حقيقي،tدرك فـ)أنا نفسي( )أنا الذي أنظر( )أنا الذي أسمع( )أنا الذي أ

Page 44: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U( )أنا الذي أفهم هذا المحسوس( )أنا الذي أجد هذا األبيض حلواtصدر هذا الحكم(، �قوم بهذا التصديق أو ا هذا الخيال( )أنا الذي أ

ومن هنا فإن لهذه القوة المسماة بـ"القوة المبدلة للعلمlتصال بجميع هذه العلوم U من اإل الحضوري إلى علم حصولي" لونا

lدراكات الحضورية، وهي تستطيع أن تحصلها أي أن تبدلها إلى واإل.U U حصوليا ظواهر مجردة من آثارها الخارجية وتصوغ منها علما

واآلن لننظر من أين يبدأ عملها؟ [67 ]

الجذور األولى لإلدراكات والعلوم الحصولية ألول مرة عندما تقع أبصارنا على العالم الخارجي.

lنسان قد قطع قبل )ومن الواضح أن هذا مثال فقط وإال فإن اإل هذه المرحلة مراحل عديدة من الحس وال سيما عن طريق�جسام اللمس( ونالحظ إلى حد) ما من الخواص المختلفة لأل

U )أخذ السواد والبياض مثالين فقط U وآخر بياضا U سوادا نشاهد مثال والمقصود منهما خاصتان حقيقيتان من الخواص المحسوسة

�بصارنا نحوه ومن ثم U بحركة أ U ندرك السواد أوال �جسام(، فمثال لأل ندرك البياض،، ومن الواضح أننا عندما ندرك السواد فنحن ندرك

معناه بتجريده من الحس، أي أننا نضبطه عندنا ونحفظه، ثم نتجهlدراك البياض. وعندما نصل إلى البياض في الحركة الثانية فإن إل ذلك يكون في حالة وجود السواد لدينا، فإذا وصلنا إلى البياض

فإننا ال نجد السواد هناك. ولو استعملنا المعلوم الثاني في�ول)إن أحد األعمال الخاصة المكان الذي استعملنا فيه المعلوم األ بالذهن هو عمل المقارنة. والقدر المسلم أن هذا العمل يأتي من

حيث الترتيب بعد عمل التخيل )تبديل العلم الحضوري إلى علم حصولي( ويتم بعد إرسال صورتين على األقل إلى قوة الحافظة.

وصحيح أنه ال يشترط في عمل المقارنة وجود صورتين، وذلك ألنه من الممكن مقارنة شيء واحد مع نفسه، ولكن قدرة الذهن على هذا العمل ال تتوفر إال إذا حضرت لديه صورتان على األقل. فالذهن نتيجة لقوة المقارنة يستطيع أن يقارن بين شيئين )مثال البياض والسواد المذكور في المتن(، وأن يقارن الشيء الواحد

إلى نفسه )مثال السواد والسواد في المتن(، ولما كانت المقارنة في هذه المرحلة بين مفهومين، وليست ناظرة إلى الخارج )أي�ولي ال الحمل الشائع( فالمقارنة U بالحمل األ ما يسمى اصطالحاU بال U أو سلبيا U إيجابيا بين مفهومين بسيطين فالذهن يصدر حكما

وساطة، أي أنه ال يحتاج في تصديقه إلى "الحد األوسط"، ومن هنا يعلم أن أول التصديقات التي يظفر بها الذهن يتعلق بعالم

المفاهيم ال بالعالم الخارجي )بالحمل األولي ال بالحمل الشائع(،

Page 45: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

ويعتقد بعض علماء النفس أن أول األحكام التي يصدرها ذهن الطفل يتعلق بخواص األشياء الخارجية )وهي بالتأكيد من قبيل

الحمل الشائع ال الحمل األولي( ومن الواضح أنها من تلك)ر الخواص المرتبطة برغبات الطفل ومشاعره )من قبيل السك

ltولى قيمة حلو(، وفي الواقع فإن الطفل يبين في أحكامه األtخرى فهو يبين مصالحة في �شياء بالنسبة إليه، وبعبارة أ األ�شياء. وليس من أهداف هذه المقالة التحقيق في هذا األ

tولى للذهن، وكل ما يتعلق �حكام األ الموضوع وبيان ما هي األ بأهداف هذه المقالة هو أن مفاهيم الوجود والعدم، الوحدة

lمتناع تظهر في الذهن بعد الظفر lمكان واإل والكثرة، الضرورة واإلبـ"حمل شيء على شيء" وإيجاد نسبة بين شيئين.

وتخيل البعض اآلخر أن أول حكم يصدره الذهن هو الحكم بوجودالعالم الخارجي.

ومن الواضح أن هذه النظرية باطلة من عدة جهات، وعلى أقل تقدير فهي ليست صحيحة من جهة أن الحكم بوجود العالم

U الخارجي فرع لتصور الذهن للوجود، وتصور الوجود ليس أمراU عن طريق أية حاسة من الحواس، U وال يرد الذهن أيضا فطريا

وإنما هو يحصل للذهن بعد الظفر بـ"الحمل" والحكم بين شيئين، إذن قبل أن يحكم الذهن بوجود العالم الخارجي ال بد أن يكون

U آخر على األقل.( لشاهدنا أن الثاني ال U واحدا قد حكم حكما�ول �ول كما ينطبق األ ينطبق على األ

[69] على نفسه، أي أننا نرى السواد له نسبة خاصة مع السواد بحيث

إن تلك النسبة ال نجدها بين البياض والسواد وبالتالي نكون قد حصلنا على حمل )هذا السواد هو هذا السواد( وعلى عدم حمل، أي أن الذهن يجد نسبة بين السواد والسواد وال يجد لك النسبةU بين السواد tخرى فإنه يوجد حكما بين السواد والبياض، وبعبارة أ

U بين البياض والسواد ويصوغ نسبة بينهما ولكنه ال يؤدي عمالtولى أو بعد تكرر الحكم والسواد. وعندما يجد نفسه -في المرة األ

lيجابي ذي النسبة والحكم- في هذا الموقف فإنه يعتبر عدم اإلlيجابية بين U ويعتبر عدم النسبة اإل إنجاز فعل )أو عدم الفعل( فعال

lيجابية، وعندئذ tخرى مغايرة للنسبة اإل السواد والبياض نسبة أ تظهر نسبة متخيلة هي )السلب( )من المواضيع التي يهتم بها علماء المنطق وعلماء النفس هو توضيح ماهية القضية وبيان

األجزاء التي تشتمل عليها أية قضية موجبة أو سالبة. وتوجد في هذا المجال نظريات عديدة، وصحيح أن بعض هذه

النظريات ال يتمتع بقيمة منطقية وفلسفية كبيرة، ولكن لما كان

Page 46: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U على مالحظات نفسية دقيقة وقد درست فيها بدق)ة بعضها مبنيا األعمال الذهنية وكيفية حركتها في تشكيل القضايا لذلك فنحن

lصطالحات المنطقية نذكر تلك النظريات للذين يألفون اإل ويرغبون في التعمق في هذا المضمار، ونحجم عن ذكر

lشكاالت الواردة على كل واحدة منها. وفي البداية ننبه على اإل مالحظة مهمة وهي أن الذي يهتم به المنطقي أو عالم النفس

U وبالذات هو القضية الذهنية، وأما إذا تحدث أحدهما عن أوالتعبيرها اللفظي )القضية الملفوظة( فذلك بالنبع وبالعرض.

وبالنسبة للقضية الموجبة توجد ثالث نظريات: أ-تشتمل القضية الموجبة على أربعة أجزاء: الموضوع، المحمول،

النسبة الحكمية، الحكم. أي أن الذهن يتصور الموضوعlتحادية بين هذين، ويأتي الحكم الذي هو والمحمول والنسبة اإل

�فعال النفسية وناظر إلى الخارج ليثبت في الذهن أحد ألوان األ خارجية تلك النسبة المتصورة. ويبدو من كلمات ابن سينا وصدر

المتألهين أنهما يختاران هذه النظرية. ب-تشتمل القضية الموجبة على ثالثة أجزاء: الموضوع،

المحمول، الحكم أو النسبة الحكمية، كما أن القضية اللفظية التي هي تعبير عن تلك المعاني الذهنية )زيد قائم( ال تحتوي إال على ثالثة أجزاء. وحسب هذه النظرية ال يكون الحكم والنسبة الحكمية شيئين وإنما هما شيء واحد. وقد اختار هذه النظرية

lسالميين. U المتأخرون من المنطقيين اإل غالبا ج-ال تشتمل القضية الموجبة إال على جزءين فحسب هما

U قائم U بأن) زيدا U زيدا الموضوع والمحمول، فعندما يحكم الذهن مثالlضافة إلى فال يوجد في الواقع شيء نفسي يسمى الحكم باإلU في تصور زيد وتصور القيام، وإنما يحضر هذان التصوران معا

lلتفات إليهما فقط. والعالقة بين الموضوع الضمير ويتم اإلU بين والمحمول في جميع القضايا الموجبة هي أن هناك تالزما

وجودهما الذهني، وهذا يعني أن حضور أحدهما في الذهنU، ويتم هذا األمر حسب القانون العام يستلزم حضور اآلخر أيضا

لـ"تداعي المعاني".U بسبب التشابه إن تداعي وتالزم تصورين ذهنيين يكون أحيانا

بينهما أو بسبب التضاد أو بسبب أنهما قد أدركا في زمان واحد أو)ما سمعنا اسم حاتم سمعنا معه الكرم، U كل في مكان واحد، مثالU، وقد أد)ت هذه المعية في U معا فحاتم والكرم وردا الذهن دائما

الورود إلى العالقة الذهنية بين هذين التصورين، وأصبح من)ما تذكرنا شخص حاتم أو سمعنا اسمه فإننا عاداتنا الذهنية أننا كل نتذكر مباشرة الكرم، وكذا العكس. وهذا هو ما نجده في أذهاننا

Page 47: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U آخر غير تصور حاتم وتصور "حاتم كريم" ونتخيل أن هناك شيئاالكرم وهو شيء ثالث يوجد في الذهن يسمى الحكم.

U سوى وبناء على هذا فإن حقيقة القضية الموجبة ليست شيئا تصورين متالزمين متداعيين، إذن تشتمل القضية الموجبة على

جزءين فحسب هما الموضوع والمحمول. وقد اختار هذه النظريةمجموعة من علماء النفس المحدثين المعتنقين للمذهب الحسي.

أما بالنسبة للقضية السالبة ففيها خمس نظريات:tولى( أ-إن القضية السالبة مثل الموجبة )حسب النظرية األ

تشتمل على موضوع ومحمول ونسبة وحكم. والفرق بين هاتين القضيتين هو أنه في القضية الموجبة هناك

U يرتبط بالموضوع U شيء وجودي بعنوان كونه محموال دائما وينتسب إليه، أما في القضية السالبة فيرتبط بالموضوع وينتسب

إليه أمر عدمي. ويكون اختالف الموجبة عن السالبة-حسب هذه النظرية-من جهة

U" مساوية لهذه "المحمول"، فالقضية القائلة "ليس زيد قائما القضية: "زيد ال قائم"، ويصبح مفاد القضية السالبة هو "ربط

السلب". وليس لهذه النظرية مؤيدون كثيرون. ب-تشتمل القضية السالبة مثل الموجبة )حسب النظرية الثانية(

على ثالثة أجزاء هي الموضوع والمحمول والنسبة الحكمية أو الحكم. والفرق بين القضيتين الموجبة والسالبة من جهة النسبة

ال من جهة المحمول، فالنسبة على قسمين إما إيجابية أو سلبية، فالقضية الموجبة تشتمل على نسبة إيجابية، أما القضية السالبة

tخرى: فإن الذهن في كال فهي تشتمل على نسبة سلبية، وبعبارة أ الموردين يربط الموضوع والمحمول ببعضهما، وكل ما هناك هو

lرتباط يختلف في الموردين، ففي القضية الموجبة أن لون اإلU بينما هو في القضية السالبة ارتباط lرتباط وجوديا يكون لون اإل

U عندما نحكم "زيد قائم" فإننا قد ربطنا بين زيد عدمي. مثال"U والقيام برابط إيجابي اتصالي، أما عندما نحكم "ليس زيد قائما

فقد ربطنا بين زيد والقيام برابط سلبي انفصالي، وفي كلتا الصورتين قد ربطنا أحد المفهومين إلى اآلخر ونسبناه إليه، إذن

ماهية القضية السالبة ليست هي "ربط السلب" وإنما هي "كون."U الربط سلبيا

lسالميين. وقد تبنى هذه النظرية بعض المنطقيين اإل ج-إن القضية الموجبة والقضية السالبة تشتمل كل منهما على

تصور الموضوع وتصور المحمول النسبة الحكمية والحكم. وتكون النسبة الحكمية في كل منهما إيجابية واتحادية، وكل ما يوجد بين

هاتين من فرق فهو من ناحية الحكم ال من ناحية المحمول وال

Page 48: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

من ناحية النسبة، وذلك ألن الحكم الذي هو فعل نفسي يكونlيقاع" وإما من قبيل على قسمين: إما من قبيل الوضع و "اإل

الرفع و "االنتزاع". وتوضيح ذلك: أن الذهن يحتاج في القضية الموجبة والقضية السالبة إلى تصور الموضوع وتصور المحمول وتصور النسبة بينهما، والنسبة في كلتيهما إيجابية واتحادية، والlنسان lنفصالية. وكل ما هناك هو أن اإل معنى للنسبة السلبية واإلlتحادية عندما ينظر إلى مطابقة أو عدم مطابقة هذه النسبة اإل المتصورة )في مرحلة التصديق والحكم( للواقع ونفس األمر

ففي القضية الموجبة يثبت في الذهن خارجية وواقعية هذهlتحادية، وفي القضية السالبة يثبت في الذهن عدم النسبة اإل

tخرى: lتحادية المتصورة، وبعبارة أ خارجية وواقعية هذه النسبة اإلlتحادية في فإنه يحكم في القضية الموجبة بوجود هذه النسبة اإل

الواقع ونفس األمر ويحكم في القضية السالبة بعدم هذه النسبةlتحادية في الواقع ونفس األمر، إذن: المفاد الحقيقي للقضية اإل

U" وإنما هو السالبة ليس هو "ربط السلب" وال "كون الربط سلبيا"سلب الربط".

وقد اختار هذه النظرية ابن سينا وصدر المتألهين.U وإنما هي تشتمل د-ال تشتمل القضية السالبة على النسبة أساساU عالقة على الموضوع والمحمول والحكم، أي أنه كما تكون أحيانا

اتحادية بين شيئين في الواقع ونفس األمر. tخرى ال تكون هذه U أ lنسان يتمتع باالستعداد للكتابة( وأحيانا )اإل

U(، فكذا الذهن عندما lنسان شجرا العالقة االتحادية بينهما )ليس اإلU يقيم يصوغ القضايا ليحكي بها الواقع ونفس األمر فإنه أحيانا

U lدراك )القضية الموجبة(، وأحيانا رابطة بين شيئين في ظرف اإلtخرى ال يقيم هذه الرابطة )القضية السالبة(. فالقضية السالبة أ

tخرى: تشتمل على الحكم ولكنها ال تشتمل على النسبة، وبعبارة أlنسان في القضية الموجبة الموضوع والمحمول ثم يتصور اإلU في lيقاعي ويقيم بينهما نسبةU وارتباطا يربط بينهما بالحكم اإل

ظرف الذهن، ولكنه في القضية السالبة يتصور الموضوعlنتزاعي وال يقيم بينهما نسبة والمحمول ويفصل بينهما بالحكم اإلU مؤيدون U في ظرف الذهن. وليس لهذه النظرية أيضا وال ارتباطا

كثيرون. هـ-تشتمل القضية السالبة على جزءين: الموضوع والمحمول.

وبعد تصور الموضوع والمحمول في القضية السالبة )وهماU وال يقيم نسبة lنسان والشجر( يتوقف الذهن وال يصدر حكما اإل بين الموضوع والمحمول، ولكن الذهن يتخيل هذا التوقف عنU بالعدم ويصوغ في مقابل مفهوم "اإليجاب" الذي الحكم حكما

Page 49: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

يحكي عن حكم وجودي مفهوم "السلب"، ويفوض القضية السالبة مثل الموجبة في كونها مشتملة على الحكم والنسبة.

وهذه النظرية هي التي قد تم اختيارها في هذه المقالة.وتعتمد هذه النظرية على أمرين:

(األول: ال تشتمل القضية الموجبة على أكثر من ثالثة أجزاء:1) الموضوع والمحمول والحكم، وال ضرورة لفرض النسبة الحكمية،

tولى القضايا المدركة )ة التي هي أ وذلك ألنه في القضايا الحسي من قبيل هذا السواد هو أسود، وهذا أبيض حلو، يكون الموضوعU فعل النفس، ولكنه ال يوجد والمحمول محسوسين، والحكم أيضا

محسوس في مقابل النسبة الحكمية وذلك ألنه ال يوجد لدينا حس يدرك النسبة بين شيئين. إذن ال بد أن نقول أن القضية تتم

بمجرد وجود الموضوع والمحمول والحكم. الثاني:كما ذكر في متن المقالة فإن النفس ال يقوم بعمل في

مورد القضية السالبة، ال أنها تقوم بعمل، وذلك العمل إما هو من قبيل الربط والوصل وإما من قبيل القطع والفصل.( في مقابل

lيجاب" ويقارن النسبة الخارجية التي هي "اإل[74 ]

هذه الحال تكو)ن قضيتين هما "هذا السواد هو هذا السواد" و "وليس هذا البياض هو هذا السواد"، وحقيقة القضية األولى هي

أن قوتنا المدركة قد قامت بعمل بين الموضوع والمحمول يسمى الحكم )هذا هو ذاك(، وحقيقة القضية الثانية هي أن القوة

المدركة لم تقم بعمل بين الموضوع والمحمول، ولكنها اعتبرتU وجعلته في مقابل العمل األول )السلب عدم القيام بالعمل عمالlيجاب(، ولما كانت هذه القوة تحكي عملها الذي هو في مقابل اإلU بصياغة صورة )ة )هذا هو ذاك( فقد قامت أيضا الحكم بصورة ذهني

لفقدان العمل، ألنها قد أجلسته في مكان العمل لتحكي بهذهالصورة عنه، ولكنها مضطرة لنسبة الثاني إلى األول )السلب- سلب الوجود( ألنها قد صاغت الصورة الثانية بواسطة الصورةtولى )وقد ذكرنا في المقاالت السابقة أنه ال يمكن أن يكون األtضيف إلى الصحيح، وال يمكن أن يكون أمر هناك خطأ إال إذا أ

tضيف إلى شيء حقيقي(. اعتباري إال إذا أlيجاب-السلب( تالحظ القوة وبعد صياغة هذين المفهومين )اإل

المدركة النسبة القائمة بين الطرفين فتنسب في القضية السالبة )ليس هذا البياض ذلك السواد( السلب إلى طرفي القضية، ومن هنا يقوم كل من الطرفين باالنفصال عن اآلخر وطرده، وعندئذ

يظهر معنى الكثرة النسبية )أو العدد(، ففي القضية الموجبة تجد القوة المدركة الطرفين خاليين من هذا المعنى )الكثرة أو العدد(

Page 50: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

لذلك فهي تمنحها اسم الوحدة، ومن هنا يعلم أن "الكثرة" معنى سلبي، أما "الوحدة" فهي سلب السلب، ولكن لما كان سلبlيجابية لذلك فإن نسبة الوحدة U على النسبة اإل السلب منطبقا

lيجاب في المصداق. سوف تتحد مع نسبة اإلونحصل من هذا النشاط والجهد الذهني على ستة مفاهيم:

[75 ]-مفهوم السواد. 1-مفهوم البياض. 2lيجاب. 3 -اإل-السلب. 4-الكثرة النسبية. 5-الوحدة النسبية. 6[77 ]

المفاهيم الحقيقية )الماهيات( والمفاهيم االعتبارية )غيرالماهيات(

فالمفهومان األوالن اللذان أدركناهما )السواد والبياض( كانا نفسU كان الواقع الخارجي الماهية، أي أنهما نفس الواقع الخارجي )أيا

فهما مثله(، وفي نفس الوقت الذي يكونان فيه نفس الواقعU الخارجي فإنهما يختلفان عنه في أن للواقع الخارجي آثارا

lدراك، ولكن هذه الماهيات تكون مجردة مستقلة عن الذهن واإل من تلك اآلثار، فالفرق بين الماهيات والواقع الخارجي هو أن

U خارجية ولكن الماهيات فاقدة لتلك اآلثار. للواقع آثارا ومن هنا نستطيع القول أننا ندرك كنه السواد والبياض، أي أن

السواد والبياض كما هما موجودان في ذاتيهما فإنهما موجودان لدينا بنفس الشكل، ال كما يقول السوفسطائيون وال كما يدعي

�شباح في الوجود الذهني ألن هؤالء يقولون "إن القائلون باألالسواد والبياض هما كما هما موجودان لدينا".

وبين هذين القولين فرق كبير. lيجاب" الذي هو مفهوم الحكم، والمفهوم الثالث هو مفهوم "اإل

وكما أشرنا إلى ذلك من قبل الحكم هو الفعل الخارجي للنفسالذي بواقعه

[78 ]U، ولما كان الخارجي يوجد في الذهن بين مفهومين ذهنيين مثال

نسبة بين الموضوع والمحمول فوجوده هو وجودهما. فهو من ناحية يحكي الواقع الخارجي )أي أنه بالنسبة إلى الخارج

U في الذهن بحيث U مستقال يفقد آثاره(، ومن ناحية فإن له واقعاU عنه")لقد ذكرنا فيما سبق النظريات المتعلقة يمكن جعله "محكيا

Page 51: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

بماهية القضية الموجبة. وأية نظرية منها نختارها وأية واحدة منهاU في مورد القضايا الموجبة U ويقينيا U مسلما نردها فإن هناك شيئاU لموضوع )زيد قائم( فعالوة على وهو أننا عندما نثبت محموال

تصور الموضوع )زيد( وتصور المحمول )قائم( قد تم عمل خاصlقرار أو في الذهن، ونحن نسمي ذلك العمل بالحكم أو اإل

lذعان. والنظرية الثالثة فقط هي التي كانت تعد) القضية اإل الموجبة مشتملة على جزءين وتنكر وجود الحكم، ولكن تلك النظرية ضعيفة للغاية وال يعتنى بها، وقد أقام علماء النفس

المحدثون أدلة عديدة على بطالن تلك النظرية وأثبتوا أن الذهن عالوة على تصور الموضوع والمحمول يقوم بلون من النشاط

lذعان. lقرار أو اإل الذي يطلق عليه اسم الحكم أو اإل أما تداعي المعاني فهو شيء غير الحكم، وعلله ومباديه غير عللU ما يتفق وجود التداعي بين معنيين بسبب الحكم ومباديه. فكثيرا

التشابه أو التضاد أو المجاورة فيها بينهما ولكن ال وجود للحكم عندئذ، أو يكون هناك حكم ولكن على خالف ما يقتضيه التداعي،

U قد يوجد تالزم وتداع في أذهاننا بين تصور حاتم وتصور مثالU أو الكرم، ولكننا في نفس الوقت ال نحكم بكون حاتم كريماU، أو أن هذه الشخصية لم توجد في نحكم بأنه لم يكن كريما

tخرى يوجد حكم ولكنه ال وجود للتداعي كما في U أ العالم. وأحيانا جميع األحكام التي يصدرها العلماء في المسائل النظرية

والعلمية معتمدين على البرهان والتجربة. إذن يصبح هذا األمرU لموضوع )زيد قائم( U وهو أننا عندما نثبت محموال U ومسلما يقينيا فعالوة على تصور الموضوع وتصور المحمول هناك عمل خاص

يتم في الذهن. tمور النفسية بميزة هي ويمتاز هذا العمل الخاص من بين جميع األ

أن له ناحيتين: فهو من ناحية انفعالي وحصولي وذهني، ومنtخرى هو فعلي وحضوري وغير ذهني. ناحية أ

وتوضح ذلك هو أن األمور النفسية-كما سبق الحديث عن ذلك-على قسمين:

lدراك القسم األول: هو تلك الصور الذهنية المتعلقة بجهاز اإل الخاص، وهذه الصورة انفعالية، أي أن القوة المدركة قد صاغهاlتصالها بالواقعيات، بما تتمتع به من خاصية قبول الصور نتيجة إلU U غير واقعها. وهي ذهنية أيضا وهي حصولية أي أنها تعكس واقعا أي أن وجودهل قياسي وليس لها أي تشخص أو هوية غير كونهاU، وامتياز هذه الصور فيما بينها تابع المتياز المحكيات عنها صورا

lنسان وتصور الشجر وتصور الفرس U تصور اإل عنها فيما بينها، مثالU خارجية خاصة، ليس لها أي) تشخيص أو هوية سوى كونها صورا

Page 52: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lنسان tخرى هو في أن هذه متعلقة باإل وامتياز كل صورة عن األtخرى بالشجر والثالثة بالفرس. واأل

tمور النفسية غير الذهنية، وهي تتعلق بسائر والقسم الثاني هو األlرادة والشوق واللذة األجهزة النفسية غير جهاز الذهن، كاإل

U بين U ألشياء فالفرق مثال U ليست صورا tمور أوال واأللم. فهذه األlرادة أمر نفسي وال يعكس لنا lرادة وتصور الشجرة هو أن اإل اإل

U في الخارج، أم)ا تصور الشجرة فهو يكشف لنا الواقع شيئاtمور حضورية وليست U فإن هذه األ الخارجي للشجرة. وثانيا

U وليست إنفعالية. U فإنها فعلية غالبا حصولية كما هو واضح. وثالثا وللحكم جهتان فمن جهة هو صورة تعكس واقع ونفس األمر

وتكشف الوجود الخارجي الرتباط المحمول بالموضوع. ومن هذهU وصورة ذهنية وكيفية انفعالية. U حصوليا الجهة ال بد أن نعتبره علما

tخرى، ومن تلك وعالوة على هذه الجهة فإن له جهة خاصة أU ويمتاز عن سائر النفسانيات بحسب الجهة ال يكون وجوده قياسيا

U للمكشوف(، وبحسب تلك الجهة نحن كيفية وجوده هو )ال تبعاlذعان والحكم، وهو من تلك الجهة فعل lقرار واإل نسميه باإل

نفساني وليس صورة ألمر خارجي ويندرج ضمن سائر األمورالنفسانية.

ويسمي المحققون من المنطقيين هذا العمل الخاص من الناحيةtولى حيث هو انفعالي وحصولي وذهني باسم التصديق، ومن األ

الناحية حيث هو فعلي وحضوري وغير ذهني باسم التصديق، ومن الناحية الثانية حيث فعلي وحضوري وغير ذهني باسم الحكم. وهو

lيجاب".(. tولى قابل للتعبير اللفظي ويعبر عنه "باإل من الناحية األ[80 ]

ومن هذه الناحية فإن الذهن يستطيع بسهولة ويسر أن يصوغU لهذه الظاهرة التي هي من أفعاله وأن يحكيها كما قلنا مفهوما

بصورة إدراكية. وفي هذه الحال ال نستطيع أن ندرجه ضمنU له )الحكم-الفعل الذهني( إنما الماهيات وذلك ألن ما يعد) واقعا

U له آثار خارجية. هو ذهني وليس خارجيا والمفهوم الرابع هو مفهوم )السلب(، وهو يؤخذ من الحكم

lيجابي بواسطة اشتباه وخطأ ضروري يبتلي به الذهن، إذن هو اإلlيجابي ولكنه يمكن القول أنه مأخوذ من ليس ماهية كالحكم اإل

الماهية. والمفهومان الخامس والسادس )مفهوم الكثرة النسبية ومفهوم

الوحدة النسبية( مأخوذان -كما قد علم- من مفهوم "السلب"وهما وإن لم يكونا من الماهيات، ولكنهما يعتمدان على الماهية.

Page 53: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

قد اتضح إذن من البيان أن بعض هذه المفاهيم الستة يكون من الماهيات كالسواد والبياض الحاكيين عن الواقع الخارجي، أي أنهما نفس الخارج مع فرق واحد وهو أنهما ليسا منشأ لآلثار.

والبعض اآلخر ليس من الماهيات، وذلك ألنه يحكي عن أمر ذهنيtمور الذهنية، وذلك الواقع هو الحكم، وهو واقع )حد بواقعه مع األ متU إلى خارج يتمتع بناحيتين، ونحن نستطيع بوساطته أن نجد طريقا

الذهن، إذن مثل هذه المفاهيم وإن لم يكن من الماهيات والU من يحكي عن الخارج ولكننا قد أثبتنا له لونا

[81 ] وصف الحكاية وأضفينا عليه اعتبار الكاشفية وإظهار ما في

الخارج، ولهذا فقد أطلقنا على هذا البعض اسم المفاهيم االعتبارية)ال ينبغي الخلط بين هذه االعتبارات الفلسفية االنتزاعية

lتفاق عليها فقط، �خالقية التي يتم اإل lجتماعية األ واالعتباريات اإلوسوف نتناولها بالبحث في المقالة السادسة.(.

: ويستنتج مما مر)lدراكات إلى قسمين: التصور والحكم. وهو نفس U: تنقسم اإل أوال

lدراك إلى التصور والتصديق الذي مر) في المقالة تقسيم اإلالرابعة.

lدراكات التصورية( إلى U: تنقسم المفاهيم التصورية )اإل ثانياقسمين:الماهيات واالعتبارات.

عودة إلى الموضوع األصليtخرى فكما قلنا أن نفسنا وقوانا النفسية وأفعالنا ومن ناحية أ النفسانية حاضرة لدينا ومعلومة لنا بالعلم الحضوري، وقوتنا

المدركة تتصل وترتبط بها، إذن ال بد أنه قد وجدتها والتقطت لهاlدراك الحصولي تكون ماهية النفس وماهية U. وفي هذا اإل صورا

U نفسانية- القوى واألفعال النفسانية -من جهة كونها قوى وأفعاال حاضرة بكنهها لدى القوى المدركة )يقصد من الكنه هنا أنها قدlحاطة بها لوحظت "على ما هي عليه"، ال بمعنى أنها قد تم)ت اإل

U(، وكما أن النسبة بين القوى واألفعال والنفس قد علمت تفصيلياU بالعلم الحصولي كما كانت U فإنها ستكون معلومة أيضا حضورا تعلم النسب بين المحسوسات. وال بد أننا -عند مشاهدة هذه

�فعال إلى النفس النسبة- نشاهد الحاجة الوجودية لهذه القوى واألU وقيامها بها ونشاهد أيضا

[82]lستقالل الوجودي للنفس، وفي هذه المشاهدة تتضح لدينا اإل

الصورة المفهومية لـ"الجوهر")من التصورات الحاصلة للذهن تصور الجوهر والعرض، فالجواهر يعني الموجود المستقل عن

Page 54: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

المحل والموضوع، والعرض يعني الموجود المحتاج إلى المحل والموضوع مثل جميع األجسام التي لها كمية ومقدار وشكل.

فالجسم نفسه نعرفه بعنوان إنه جوهر، أما كميته وشكله فهما عرضان، أو هذا الورق الذي هو أبيض، فالبياض عرض والورق

نفسه جوهر.)ن أي شيء هو جوهر وليس من أهدافنا في هذه المقالة أن نبي

وأي) شيء هو عرض، وال يعنينا هنا إثبات وجود الجوهر والعرض في الخارج بحيث يقابل أحدهما اآلخر، فهناك مقالة مستقلة )هي

tمور. ويدور حديثنا اآلن13المقالة ( قد خصصت لبحث هذه األ حول منشأ ظهور هذين التصورين، فمن أين جاء هذان التصوران

إلى أذهاننا؟ فحسب مقتضى هذه المقالة هو أن لكل تصور يعرض الذهن

U، وما لم تصل النفس إلى واقع ذلك المتصور بالعلم U واقعيا منشأ الحضوري فإنها ال تستطيع أن تصوغ ذلك التصور، وحتى

U لها في األصل منشأ واقعي وتنبع التصورات المتوهمة أيضا)ة من الواقعيات، ولهذا يكون وقوع الخطأ عناصرها األولي

U، وكل متوهم يستلزم U صوابا بالعرض، وكل خطأ يستلزم دائماحقيقته.

واآلن نتساءل: ما هو منشأ ظهور تصور الجوهر وتصور العرض،ومن أي واقع ينبع كل واحد منهما؟

U من جهة علم النفس ومن الناحية U جد)ا ويعتبر هذا الموضوع مهماU قليلة، وقد تناوله علم ) أحيانا الفلسفية، ولكنه لم يدرس بدق)ة إال

النفس الحديث بشيء من االهتمام، ولكن هذه المقالة قد تناولتU في كيفية ظهور U دقيقا )نت رأيا الموضوع ألول مرة بهذا العمق وبي

هذين التصورين. فحسب ما مر) في صدر هذه المقالة ال يمكن قبول نظرية

العقليين القائلة بوجود مجموعة من التصورات الفطرية، إذن الtخرى فمن الواضح بد أن نمد) أيدينا إلى مجال آخر. ومن ناحية أ أنه ال يمكن عد) الجوهر والعرض من جملة الوجدانيات أي تلكlرادة والحب، فهما إذن الظواهر النفسية الخاصة من قبيل اإل

ليسا من المواضيع النفسية الخاصة. إذن ال يمكن تفسير كيفية ظهور هذين المفهومين عن طريق الوجدان الذي يفسر كيفية

tمور النفسية. ويبقى ظهور مجموعة من التصورات المتعلقة باأل ألتباع المذهب الحسي طريقان آخران: أحدهما تفسير ظهور

lحساس الخارجي، واآلخر هذين بأنه قد تم عن طريق اإلtمور المتوهمة المحضة. ولكن أي واحد من هذين اعتبارهما من األ

الطريقين عاجز عن تفسير ظهورهما، أما طريق الحواس

Page 55: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

الخارجية، فصحيح أن حواسنا تتعلق باألعراض والظواهر ونحنU نحس lحساس، مثال tدرك جميع األعراض الخارجية عن طريق اإل ن

من الجسم واللون والشكل والطعم والكمية وندرك البياضtمور-التي هي والمرارة والكروية والمقدار، ولكن عرضية هذه األ

عبارة عن حاجتها الوجودية إلى المحل والموضوع-التدركlحساس بهذه األعراض ال يمكن أن يكون منشأ بالحس، إذن اإل لظهور مفهوم العرض في أذهاننا. وبعبارة أوضح: أن حديثنا ال

يدور حول مفهوم اللون والشكل والمقدار وأمثالها وأنها من أين)ر عنه بالحاجة ظهرت، بل الحديث عن مفهوم العرض الذي نعب

الوجودية إلى محل، وال شك أن هذا مفهوم مستقل يعرضالذهن.

tمور المتوهمة المحضة وأما الطريق اآلخر الذي يعتبرهما من األU وذلك ألنه: فهو عقيم أيضا

tمور من الحقائق وليست من المتوهمات كما سوف U: هذه األ أوال(.13يأتي في المقالة )

U: باعتراف الحسيين أنفسهم وجميع علماء النفس أنه ال يمكن ثانياU بحيث ال يكون له أي) أن يوجد في الذهن تصور متوهم تماما

نصيب من الحقيقة، والعرض المشتمل على مفهوم الحاجة منأي طريق يمكن تفسيره؟

وحقيقة الموضوع هي أننا قد شاهدنا في باطن أنفسنا حقيقة الجوهر وحقيقة العرض، أي جوهرية الجوهر وعرضية العرض،

lستقالل الوجودي وواقع الحاجة، tخرى شاهدنا فيها واقعاإل وبعبارة أفمنشأ ظهور هذين التصورين هو الشهود الباطني.

tمور وكما مر) علينا في بيان مالك العلم الحضوري فإن حقيقة األ النفسية وحقيقة حاجتها إلى النفس شيء واحد، فنحن ال نستطيع

tمور منفصلة عن ناحية حاجتها وتعلقها الذاتي أن نشاهد هذه األ بالنفس، وعلى هذا فإن بداية ظهور هذين التصورين تكون من

هذا الطريق، ثم بعد هذه المرحلة يقوم الذهن بتوسيع هذين المفهومين في ظل قواعد معينة ويدرج فيها جميع أو أغلب

الموجودات. ولعل هناك من يظن أن منشأ ظهور هذين التصورين هو

U نتأمل في الخارج lحساس الخارجي بهذا البيان: وهو أننا أحيانا اإلU نرى صخرة صغيرة أمرين ماديين أحدهما يعتمد على اآلخر، فمثالU على يدنا أو نشاهد U موضوعا موضوعة على صخرة كبيرة، أو قلما

�رض، وبعد ذلك ونتيجة للمشاهدة ين على األ أنفسنا مستقر) والتجربة نعلم كلما رفعنا الصخرة الكبيرة من تحت تلك الصخرة الصغيرة أو سحبنا يدنا من تحت القلم فإن تلك الصخرة الصغيرة

Page 56: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

وذلك القلم يقعان على األرض، إذن قد أحسسنا احتياج أحد هذين إلى اآلخر وعدم احتياج الثاني لألول، ثم يقوم الذهن

U بتوسعتهما ويجعل هذين التصورين أعمق وأدق ويستعملهما مثال في مورد الجسم والشكل. إذن تبين لنا أن ظهور هذين

التصورين كان له منشأ حسي وتجريبي. ولكن هذا الظن ناشيء من عدم التعمق في تشخيص حدود

الحس، فالذي يدركه الحس في هذا المثال وتلتقط له صورة في المخيلة إنما هو تصور كل من الجسمين وتصور السقوط وتصور

�على، أما �سفل وسقوط الجسم األ تعاقب انفالت الجسم األlحساس، وال يستطيع الحس أن ينقل U لإل االحتياج فهو ليس قابال

صورة عن االحتياج إلى الذهن. ويدور البحث هنا حول منشأ ظهور تصور الجوهر والعرض، وأما

)ى وجود البحث حول إثبات أن وجود الجوهر في الخارج )وحت الجسم( هل هو من وظائف الحس أو من وظائف غير الحس؟ ونحن بأي) دليل نعترف بوجود الجوهر الجسماني في الخارج؟ وإلى أي حد تؤثر المبادئ الحسية في هذا االعتراف؟ وإلى أي

مدى تتدخل المبادئ غير الحسية فيه؟ فذلك بحث مستقل سوف نبسط القول فيه عند الحديث عن حدود الحس وحدود العقل.(،

وذلك ألننا نجد أن النفس إذا لم تكن فإن جميع [85]

هذه القوى واألفعال سوف تذهب من ساحة الوجود، ومن ناحية�فعال، ونفهم أن هذا tخرى نشاهد نسبة احتياج هذه القوى واأل أ االحتياج يستلزم وجود أمر مستقل، ونقبل هذا الحكم بشكل

عام. ومن هنا فإننا نحكم في جميع موارد المحسوسات -التي لم يكن لنا لحد اآلن أي علم عما يكمن وراءها- بأنها من األعراض

U، وتتحول جميع هذه إل أوصاف U جوهريا U موضوعا ونثبت لها جميعا)ا لحد اآلن نرى الضياء والظالم والبرودة مرة واحدة، أي أننا كن

U المضيءl والمظلم U نفهم أيضا والحرارة، ولكننا منذ اآلن فصاعدا والبارد والحار، ومن هنا يتم) االنتقال إلى قانون العلية والمعلولية

العام)من المواضيع التي تتميز بأهمية فائقة في الفلسفة والعلوم القديمة والحديثة موضوع العلية والمعلولية، فالتصور الموجود

U( أحدهما lنسان عنهما يتضمن أن هناك شيئين معينين )مثال لدى اإلالموجد والمؤثر، واآلخر الموجد واألثر.

U والعلية والمعلولية من األمور التي يملك كل واحد منا عنها تصوراU في يده ويحرك تلك lنسان عصا U عندما يتناول اإل في ذهنه، مثال العصا بيده فإن اليد والعصا تتحركان في زمان واحد. فهاتان

الحركتان مع أنهما حادثتان في زمان واحد فمن حيث الزمان ال

Page 57: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lنسان يعتبر إحداهما وليدة tخرى إال أن اإل lحداهما على األ تقدم إلtخرى ويقول: "لما كانت اليد تتحرك فالعصا تتحرك" أي ونتيجة األU قال: "لما أنه يعلل حركة العصا بحركة اليد، ولو فرضنا أن أحدا

كانت العصا تتحرك فاليد تتحرك" لخط)أه كل الناس. زهناك مسائل عديدة في باب العلية والمعلولية وأقسامهما، من

قبيل: أتكون العلية والمعلولية واقعيتين؟ وهل نظام عل)ي) ومعلولي) أم

ال؟)فه أم ال؟ وهل ترتب المعلول على العلة أمر ضروري يمتنع تخل

وهل من الالزم أن تتزامن العلة والمعلول أم ال؟ فكل مط)لع على الفلسفة والعلوم القديمة والحديثة يعلم أن هذه

المسائل وغيرها مما يتعلق بموضوع العلية والمعلولية كانت وال�همية طيلة تاريخ الفلسفة والعلوم. tولى من األ تزال في الدرجة األ

وقد خصصنا مقالة من هذه المقاالت )وهي المقالة التاسعة(لبحث هذا الموضوع.

وكل ما يخص هذه المقالة هو أن تصور العلية والمعلولية فيالبدء من أين جاء وعن أي) طريق حصل الذهن؟

توجد في هذا المجال ثالث نظريات: النظرية العقلية، النظريةالحسية، النظرية التي تتبناها هذه المقالة.

U أن العقليين يعتقدون النظرية العقلية: كما سبق لنا القول مرارا بفطرية مجموعة من المعقوالت وأنها من خواص العقل الذاتية،

وقد أوضحنا في صدر هذه المقالة بطالن هذه النظرية بشكل عام وأثبتنا أنه من غير الممكن أن يحصل تصور أي شيء من

دون أن تجد القوة المدركة حقيقة ذلك الشيء بنحو من األنحاء،lنسان في بداية األمر صفحة بيضاء، وكل الخطوط فذهن اإل

والتصورات فإنها عارضة للذهن عن طريق اتصال القوة المدركة بالواقعيات، وبناء على هذا ال يمكن قبول هذه النظرية في أي) مورد من الموارد، وال نجد ما يلزمنا بنقل كل ما قيل في هذا

المجال ونقده. ومن الفالسفة الذين يعد)ون العلية والمعلولية من�لماني "كانت"، وله بيان جملة المعقوالت الفطرية الفيلسوف األ

خاص في هذا المضمار، فهو يعتبر العلية والمعلولية من المعقوالت االثنتي عشرة التي هي أمور عقلية وفطرية كما

يعتقد. النظرية الحسية: وهي مبنية على أن تصور العلية والمعلولية قد

lحساس. وتتعلق هذه النظرية ببعض ورد إلى الذهن عن طريق اإلالحسيين وجميع الماديين.

Page 58: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

ينقل محمد علي فروغي في كتابه "مسير الحكمة في أووبا" جlنجليزي جون لوك قوله: 123، ص2 عن الفيلسوف اإل

U على وتيرة واحدة حدوث التغيرات في "لما كنا نشاهد دائماtخرى تعطي تلك التغيرات فلهذا ياء أ lش� U أ �شياء ونرى أيضا أحوال األ

نحن نسمي تلك التغيرات معلولة، واألشياء التي تحدث تلكlبداع U يحصل لنا تصور اإل التغيرات نسميها بالعلة، ومن هنا أيضا

والوالدة والصناعة والتغيير". وخطأ هذه النظرية واضح، فهي ناشئة من عدم الدقة الكافية في

تعيين حدود الحس. ونحن نشاهد في الخارج بوساطة الحواس نفس الحوادث، ونرىU أننا التغييرات والتبدالت، ولما كنا ندرك الزمان فمن المؤكد أيضا

ندرك تقارن أو تعاقب هذه المحسوسات.U" في البعض اآلخر يعبر عنه أما أن لبعض هذه الحوادث "تأثيرا جول لوك بقوله "تعطي التغييرات" أو "تفعلها" فهو غير قابل

U ندرك بوساطة الحواس نفس النار والفلز lحساس، فنحن مثال لإل�عراض )من الواضح أننا ال ندرك من هذين سوى مجموعة من األ

)ة U آخر( واتصال النار بالفلز والحرارة والزيادة الكمي وليس شيئا في الفلز )انبساطه( ومقارنة الزيادة الكمية للحرارة، أما أنه

)ية وتأثير فذلك ما ال يدرك بأي) حس من U عل توجد هنا أيضا الحواس، أجل لما كان لدينا من طريق آخر تصور عن العلة

والمعلول، ومن ناحية نحن مذعنون بأن كل ما لم يكن ثم كانlحساس U فنحن نستطيع بمساعدة اإل فإنه يتطلب علة ومؤثرا

والتجربة اكتشاف العلل الخاصة للمعلوالت المعينة وبيان عالقات�شياء. ولكن الكالم في أن أصل تصور العلية والمعلولية بين األ

lحساس من أين جاء إلى العلية والمعلولية الذي هو غير قابل لإلالذهن وعرض عليه ابتداء؟

ومنذ أزمان موغلة في القدم التفت المحققون إلى أن العليةlحساس. والمعلولية غير قابلة لإل

وننقل هنا مضمون ما قاله ابن سينا في الفصل األول من المقالةtولى من إلهيات الشفاء في بيان أن موضوع الفلسفة األولى ما األ

lطالق" هو؟ وهل يمكن القول أن موضوعها هو "العلة على اإلوالفلسفة األولى تبحث عن أحوالها وأعراضها؟

)وقد فضلنا ذكر مضمون كالمه على نص حديثه مع أنه مكتوب باللغة العربية لغموض عبارته وتعس)ر فهم كالمه على الذين لم

يألفوا األساليب القديمة(.يقول ابن سينا هناك ما مضمونه:

Page 59: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

"إن موضوع كل علم هو أمر مسلم الوجود في ذلك العلم، ونحن لو أردنا أن نجعل موضوع هذا العلم هو العلة بشكل مطلق للزمU مع أن هذا الفرض والتسليم ال )ما U ومسل U مفروضا أن نأخذها أمرا

يحصل لنا إال إذا كنا معترفين بأن أية حادثة ال توجد من دون سبب وعلة، وهذه هي بنفسها من المسائل التي ال بد من بحثها

والوصول فيها إلى نتيجة في هذه الفلسفة، ومن الخطأ أن يظن أحد أن عالقة العلية والمعلولية يمكن اكتشافها عن طريق الحس، وذلك ألن الحس ال ينقل إلينا سوى مقارنة شيئين

وترافقهما".-268من الطبعة الحجرية. وفي ص 5-4-3)إلهيات الشفاء-ص

من الطبعة الحجرية التي فيها تعليقة صدر المتألهين(.270 وقد اعترف بهذه الحقيقة عدد من العلماء المحدثين الذين

tخرى من الحسيين، تعمقوا في تعيين حدود الحس، وهم فئة أlحساس عاجز عن االطالع ولما كانت هذه الفئة قد أدركت أن اإل

tخرى فإنهم- �شياء، ومن ناحية أ على العلية والمعلولية بين األU إال إذا أمكن تفسيره عن حسب مذهبهم-ال يعتبرون الشيء واقعيا

طريق الحس والتجربة، لذلك فقد ترددوا في حقيقة العليةوالمعلولية.

lنجليزي الشهير "دافيد ويتزعم هذه الجماعة العالم الحسي اإلهيوم". وينقل عنه محمد علي فروغي قوله:

lعتقاد بعالقة العلة )ن لنا ضرورة اإل "إذا قمنا بدراسة فلسفية تبيU يصطدم بحجر U متحركا والمعلول، أي أننا عندما نشاهد حجرا

ساكن فيتحرك الحجر الساكن نسمي اصطدام الحجر المتحرك علة لحركة الحجر الساكن، ولكن هذه العقيدة قد جاءتنا من

التجربة، وقبل أن تحصل هذه التجربة ال يحكم العقل بوجوب هذا األمر وهو حدوث هذا المعلول من تلك العلة، وال يوجد مورد واحد لم نقم فيه بتجربة ثم أدركنا عالقة العلة والمعلول حسب قاعدةU عقلية، والتجربة ال تطلعنا إال على أن الشيء الفالني يأتي دائما

بعد هذا الشيء اآلخرة، ويبقى من المجهول لدينا أنه لماذا يكونU" وبعد ذلك يقول: "إن الحكم هذان األمران متعاقبين دائما

برابطة العلية نتيجة للعادة الحاصلة لنا من مشاهدة شيء ماU بعد شيء آخر، وهذه العادة ترس)خ في الذهن يحدث دائما

اإلعتقاد بأن هذين األمرين متالزمان".U عن اللغة الفارسية- كتاب سير حكمت دراروبا-تأليف محمد )نقال

(.152-151ص2علي فروغي- ج أما أتباع المادية الديالكتيكية فإنهم من ناحية يقتفون أثر

الحسيين مدعين أن التصور الحقيقي فقط هو ذلك الذي يناله

Page 60: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

tخرى فإنهم يعتبرون lنسان عن طريق الحس، ومن ناحية أ اإلالعلية والمعلولية من الواقعيات. ولهذا فهم يحاولون أن يثبتوا-tمور المحسوسة. بالقوة والضجيج-أن العلية والمعلولية من األ

يقول الدكتور فروغي تقي األراني في كتيب له اسمه "المادية:33الديالكتيكية" ص

U وذلك U حقيقيا "إن قانون العلة والمعلول يعتبر بالنسبة إلينا أصال ألن التجربة العملية قد أثبتت صحته، أما التجريبيون )امبريست(

U، وال يؤمنون بوجود رابطة فإنهم ال يعتبرون هذا القانون حقيقياU العلة والمعلول بين حادثتين، ويقولون: نحن نعلم فقط بأن شيئا

ما يظهر بعد شيء آخر، ومن المحتمل أن ال يظهر بعدة فيlنسان، U قد يحدث آالف المرات أن تحرق النار يد اإل األحيان، مثالU ثم تظهر النار lنسان أوال ولكنه في بعض األحيان قد تحترق يد اإل

بعد ذلك. وجوابنا على هذا الكالم سيكون حسب هذا المعيارU فنقول: لما كانت جميع الحوادث في جميع المراحل تصد)ق عمليا قانون العلة والمعلول فلذلك ال يمكن القول باالستثناء منه على

U صادق بال استثناء". ما يتخيله هؤالء، فهو دائما : "نحن نالحظ في العلم منذ التاريخ44ويقول في الصفحة

البشري ولحد) اآلن ماليين المصد)قة للعلة والمعلول، وكذا الحياة اليومية فإنها مليئة في كل لحظة بحوادث العلة والمعلول، إذن

ما الذي يدعونا إلى اعتبار هذه األمثلة المتعددة لقانون العلة والمعلول غير صحيحة ونجلس بانتظار يوم يظهر لنا فيه االستثناء

�شجار ونشيح بوجوهنا من هذا القانون من أعماق شجرة من األ التكامل العلمي، أما المثاليون فإنهم ينتظرون هذا األمر، ولو أن

)تته لما اعتبر tطلقت على رأسه عيارات نارية ففت U منهم أ أحداlطالقات علة لقتله". اإل

ومع أن هؤالء السادة قد خلطوا بين مسألة ضرورة ترتب المعلول على علته أو امتناع تخلف المعلول عن علته ومسألة تقدم وتأخر وتزامن العلة والمعلول وهذه المسألة القائلة: هل يستطيع الحس والتجربة إدراك العلية والمعلولية أم ال؟ بوعي

lضافة إلى ذلك لم يفهموا أو لم منهم أم من غير وعي، فهم باإل يريدوا أن يفهموا أن ما نالحظه في حياتنا اليومية مما يأتينا عن

طريق الحس والتجربة ليس إال مقارنة الحوادث أو تعاقبها، ال العلية وال المعلولية بينها. والذي حمل التجريبيين على الشك في واقعية قانون العلة والمعلول هو التعمق في تعيين حدود الحس

والتجربة. فالتجريبيون معتقدون-من ناحية-بأصالة الحسtخرى فإنهم لم يشاؤوا -مثل الماديين- والتجربة، ومن ناحية أ

Page 61: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

إضفاء صفة المحسوس على التصورات غير المحسوسة، ولهذافقد ترددوا في واقعية قانون العلة والمعلول.

U، ومن ناحية والحقيقة أننا إذا كنا من أصحاب أصالة الحس واقعاtخرى لم نسمح ألنفسنا بإلقاء الكالم على عواهنة فإنه ال يوجد أ.U U واقعيا U حقيقيا عنئذ أي مبرر العتبار قانون العلة والمعلول أمرا

نظرية هذه المقالة: تبتني نظرية هذه المقالة على أن قانون العلة والمعلول أمر

واقعي، وسوف تناقش وتدحض جميع الشبهات القديمة والحديثة في هذا المجال وذلك في المقالة التاسعة المخصصة لدراسة هذا

القانون. وحسب النظرية العامة التي مر) بيانها في صدر هذه المقالة "كل علم حصولي فهو مسبوق بعلم حضوري" وما دامU له، الذهن لم يجد واقع الشيء فإنه ال يستطيع أن يصوغ تصورا

سواء أكان يجدها في ذات النفس أم أنه يظفر بها عن طريقU للعلة والمعلول الحواس الخارجية. ويجد الذهن في البدء نموذجاU ثم يقوم بتوسيع وبسط في داخل النفس فيصوغ من ذلك تصورا

U فإن النفس تجد ذاتها وتجد في ذلك التصور. وكما ذكرنا سابقا�فكار والتصورات، وعلمها نفس الوقت آثارها وأفعالها من قبيل األ

U، أي أن النفس بواقعها tمور علم حضوري وليس حصوليا بهذه األtمور، ولما كانت المعلولية عين حقيقة تجد عين واقعيات هذه األ

ووجود هذه اآلثار، إذن إدراك هذه اآلثار هو عين إدراك معلوليتها،U بذاتها وآثارها وأفعالها وهو tخرى فإن النفس تحيط علما وبعبارة أ

علم حضوري، وتجد هذه اآلثار واألفعال متعلقة الوجود بذاتها،lدراك هو عين إدراك المعلولية. هذه خالصة وهذا اللون من اإل

لنظرية هذه المقالة، ومن البديهي أن التوضيح الكامل لهذا يحتاج إلي بيان حقيقة قانون العلة والمعلول كما هو موجود من الناحيةtمور.(. الفلسفية والبرهانية، وتتولى المقالة التاسعة بيان هذه األ

[91 ] وبعد هذه المرحلة تبدأ قوتنا المدركة بإدراك المفردات والنسب

وتركيب وتحليل المحسوسات والمتخيالت، ومن الواضح أن تفصيل ذلك خارج عن قدرتنا في هذا المجال، وكل ما يهمنا هنا

هو أن تراعى المالحظات الثالث اآلتية بشكل عام:tخرى نظرة1 -لما كانت قوتنا المدركة تستطيع أن تنظر مرة أ

tولى، فهي استقاللية إلى ما كانت قد حصلت عليه في النظرة األ تنظر نظرة استقاللية إلى النسب التي كانت قد حصلت عليها

بعنوان أنها رابطة بين مفهومين وتصوغ في مورد كل نسبةU أو أكثر، وخالل هذه الجولة تتصور مفاهيم U استقالليا مفهوما

Page 62: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

الوجود والعدم والوحدة والكثرة التي كانت قد أدركتها في البدءU في حالة إضافة )وجود المحمول بصورة نسبة -تتصورها أوال

[92 ] للموضوع( )عدم المحمول للموضوع( )وحدة الموضوع

والمحمول( )كثرة الموضوع والمحمول في القضية السالبة(، ثم بعد ذلك من دون إضافة )الوجود،العدم،الوحدة،الكثرة(، وكذا

lعتباريات)لقد تم سائر المفاهيم العامة والخاصة التي هي من اإل بيان كيفية ظهور مفاهيم الوجود والعدم والوحدة والكثرة

tخرى من المفاهيم من قبيل العلة والمعلول، الجوهر مجموعة أ والعرض التي هي من المفاهيم العامة، وذلك حسب أسلوب

المقالة. ويفسر العقليون في أوروبا ظهور مفاهيم الوجود والعدم

والوحدة والكثرة بأنها حاصلة عن طريق الفطرة، ولقد أوضحنا بطالن هذه النظرية، ولكن الحسيين يفسرونها بأنها حاصلة عن طريق الحس الداخلي )الوجدان(. ينقل محمد علي فروغي عن

جون لوك قوله: "التصور على قسمين: بسيط ومركب، فالبسيطlحساس lحساس الخارجي( أو الفكر )اإل يحصل بوساطة الحس )اإل

الداخلي أو الوجدان( إلى أن يقول: "والتصورات البسيطةlرادة والقدرة lدراك واإل الحاصلة عن طريق الفكر هي تصور اإل

والوجود والوحدة واأللم واللذة وما يشبهها".tمور النفسية وبديهي أنه من الخطأ قياس الوجود والوحدة على األlرادة والقدرة واللذة واأللم، وذلك ألن تصور lدراك واإل الباطنية كاإل

lنسان lرادة و...، يحصل من هذا الطريق وهو أن اإل lدراك واإل اإلlدراك، ويجد ظاهرة يجد في ذاته ظاهرة نفسية خاصة تسمى اإل

lرادة، وثالثة هي اللذة، وهكذا... tخرى هي اإل أtمور غير U نفسانية وال تصدق على األ فكل واحدة من الظواهر: أوالU يقوم الذهن بصياغة مفهوم خاص لكل واحد من النفسانية، وثانياtمور U على أحد تلك األ تلك الظواهر، بحيث يكون كل مفهوم صادقا

tمور النفسانية. ومن الواضح النفسانية وال يصدق على سائر األlنسان بعنوان إنها U أنه ال توجد ظاهرة خاصة بحيث يجدها اإل جدا

الوجود أو الوحدة، وكل إنسان يعلم بالبداهة أن مفهومي الوجود والوحدة هما بشكل يشمل جميع الظواهر الباطنية والظواهر الخارجية. وعلى هذا فال يمكن قياس مفاهيم الوجود والعدم والوحدة والكثرة التي هي من المفاهيم العامة على مفاهيم

lدراك واللذة واأللم وسائر األمور النفسية الخاصة.(. اإل[93 ]

Page 63: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

tولى فإن القوة المدركة2 -كما هو واضح من المالحظة األU تستطيع أن تسير من القضية وتصل إلى المفرد، وتستطيع أيضا

أن تسير القهقرى فتبدأ من المفرد وتنتهي إلى القضية. ولهذا�صل قضايا، U من مفرداتنا التصورية كانت في األ السبب فإن كثيرا

�صل مفردات تصورية. U من القضايا كانت في األ وعدداU في التصورات كما هو مذكور في3 U وتحليال -كما أن لدينا تركيبا

المالحظة الثانية فكذا هما موجودان في التصديقات والقضاياU: السواد هو سواد، وليس البياض U. فنحن عندما كنا نقول مثال أيضا

tمور وصد)قنا بها: U، فقد سلمنا بهذه األ سواداU ال يجتمعان في1 lثبات( معا lيجاب )النفي واإل -إن السلب واإل

U عن أية قضية )وهذا هو أصل قضية واحدة، وال يرتفعان معاامتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما(.

-كل شيء فهو ثابت لنفسه. 2-كل شيء ال تسلب ذاته عن نفسه. 3-ال يمكن أن يكون هناك عرض بال موضوع. 4

tخرى. وسوف تتضح هذه وكذا مجموعة من البديهيات األU U نسبيا المالحظة بشكل أكبر فيما بعد)سوف يأتي الحديث مفصال

U بالبديهيات األولية عن هذه البديهيات المسماة اصطالحا التصديقية وذلك عندما نتناول موضوع "تحليل المعلومات

التصديقية" بالدراسة والبحث.(. [94 ]

ومن طريق آخر )طريق التحليل( يمكن دراسة تكثر المعلومات بأسلوب آخر وذلك ألنه كما مر)

علينا في المقالة الرابعة فإن معلوماتنا الحصولية على قسمين:تصورية وتصديقية:

�ول )التصورية( أما القسم األ فنحن بحسب الغريزة نكتفي في المفاهيم الجزئية بمجرد الحسtلقي إلينا مفهوم هذا الكرسي الجزئي فإننا U لو أ والمشاهدة، مثال

lشارة إلى كرسي جزئي في الخارج نقتنع ونكتفي، بمجرد اإل وليس األمر كذلك في المفاهيم الكلية، وذلك ألنه في مورد كثير

U ال تقبل االنفكاك tخرى أيضا من المفاهيم تظهر مفاهيم أ واالنفصال عن المفهوم الذي هو موضوع البحث، ولو أننا فصلناها

U مفهوم U، مثال عنه لذهب من أيدينا المفهوم المطلوب أيضا الكرسي الذي له شكل خاص ولون وحجم وروعة في الصناعة

وهو مصنوع من الخشب هو مفهوم مثل المركب من عدة مفاهيم، ومن بين هذه المفاهيم لو لم نتصور اللون والحجم

والجودة في الصنعة وغفلنا عنها فإن ذلك ال يجعل تصور الكرسي

Page 64: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

يذهب من الوجود، بخالف الخشب )المادة( وشكل الكرسي )الصورة( فإن نفيها يذهب بتصور الكرسي من الوجود. ومن هنا

نعلم أن مفهوم الكرسي مفهوم مركب من مجموع مفهومين )الخشب-الشكل(، ثم نجد نفس هذه الكيفية والتركيب)من

أعمال الذهن الراقية عمل التحليل والتركيب، وبوساطة هذاU نظفر العمل تتكثر المعلومات والصور الذهنية، وبفضله أيضا

بالمعرفة المنطقية لألشياء. فكما أن األشياء الخارجية إم)ا بسيطة، وإما مركبة، والمركبات

بجميع أنواعها الكثيرة التي يعرف كل واحد منها باسم خاص تتركب من مجموعة من العناصر المعدودة، وإذا حللناها ال نجد

سوى تلك العناصر المعدودة قد تركبت فيما بينها بنسب مختلفة، فكذا الصور الذهنية فهي إما بسيطة وإما مركبة، والمركبات ليست سوى صور قد تركبت من عدة عناصر ذهنية بسيطة

بشكل خاص. وتسمى العناصر البسيطة األولية للذهن-حسب االصطالح-بالمبادئ التصورية )في باب التصورات( وبالمبادئ

التصديقية )في باب التصديقات(. والتحليل والتركيب الذهنيان هما في مقابل التحليل والتركيب

lنسان يقوم العمليين، والتحليل والتركيب العمليان يعنيان أن اإل بإخضاع المواد الخارجية للتحليل أو التركيب، مثل أن يقوم

بتحليل مركب صناعي )كالساعة( أو مركب طبيعي )كالماء( إلىtخرى. والعمليات الكيمياوية �ولية ثم يعيد تركيبه مرة أ أجزائه األ التي تتم في المختبرات هي من هذا القبيل، والطريق الوحيد

�شياء هو التحليل والتركيب لمعرفة التركيب الداخلي المادي لألالعمليان.

وللتحليل والتركيب الذهنيين أو النظريين أقسام متعددة سوف نتناولها بصور مجملة في التعليقات القادمة بإذن الله، والشيء الذي ال بد من التنبيه عليه هنا هو أنه قد يخطر في بال القارئ

الكريم هذا السؤال: حسب النتيجة العامة لهذه المقالة فإن "كل علم حصولي يعرض للذهن فهو مسبوق بعلم حضوري" ومن الواضح أن هذه القاعدة ترفض أي استثناء فهي تصدق على

U من البسائط وعلى المركبات الذهنية، إذن كيف نجد لدينا كثيرا التصورات المركبة التي نقطع بأننا لم نعلم بحقيقة مصاديقها بالعلم الحضوري، مثل تصورنا لغير المتناهي وواجب الوجود

وأمثالهما؟ والجواب على هذا السؤال أنه ليس من الالزم لتلك النتيجة العامة أن يظفر الذهن بحقيقة كل واحدة من تلك البسائط

والمركبات على حدة، بل في بعض الموارد يدرك الذهن

Page 65: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

�ولية عن بعضها بما المركبات ابتداء ثم يقوم بفصل عناصرها األ يتمتع به من قوة التحليل. فمن هذا القبيل التصورات العاديةlنسان عن U ابتداء يرى اإل البدائية في مجال المحسوسات، مثالU بحجم وشكل ولون معين، أي أن تصور طريق الباصرة جسما

U دون أن ينفصل بعضها عن البعض الحجم والشكل واللون يتم معا اآلخر. وبعد أن ينضج الذهن ويظفر بالقدرة على التحليل فإنه

يفصل الكمية عن الكيفية ويفصل كل كيفية عن الكيفياتtخرى، وفي بعض الموارد يدرك ابتداء البسائط ثم يصوغ منها- األ

U يحصل للذهن U، مثال U جديدا بما يتمتع به من قوة التركيب-تصورا من ناحية تصو)ر الحد أو النهاية )وتصور النهاية بدوره مركب من

tخرى تصور العدم، ثم من عدة تصورات بسيطة(، ومن ناحية أ نسبة العدم إلى النهاية يحصل للذهن تصور الالمتناهي، أو أنه منtخرى يتصور الضرورة والوجوب، ناحية يتصور الوجود ومن ناحية أ

ثم يظهر من تركيب هذين التصورين تصور جديد في الذهن هو )واجب الوجود(. وجميع الفرضيات العلمية والفلسفية هي من

هذا القبيل، فبعد أن ينتج الذهن هذا اللون من التصورات ينتقل إلى التحقيق العلمي والفلسفي ويثبت صحة أو بطالن هذه

الفرضيات الذهنية باألساليب المنطقية.( في نفس [96 ]

مفهوم الخشب الذي هو جزء من مفهوم الكرسي، وذلك ألننا إذاU العناصر المرافقة لصورة الخشب المكونة للخشب من سلبنا مثال مفهوم الخشب لزال تصور الخشب من الوجود، ومن الواضح أنU بل ال بد أن تقف في مكان هذا التحليل والتجزئة ال تستمر دائما

ما وآخر مفهومين نظفر بهما في هذا السبيل هما مفهومانU يجري ما يشبه هذا األمر، وهذا بسيطان، وفي الخارج أيضا

tخرى المفهوم البسيط هو الذي تضاف إليه المفاهيم البسيطة األ�ول المطلوب أحدهما بعد اآلخر وتتركب معه فيتكو)ن المفهوم األ

.)U )مفهوم الكرسي مثالU من الكثرة في بسائطها فإن إذن كما أن لمفاهيمنا التصورية لونا

U بوساطة التركيب. وكما مر علينا فيما U من الكثرة أيضا لها لونا مضى فإن بعض هذه المفاهيم ماهيات وبعضها اعتباريات مأخوذة

U لون من الكثرة يحصل من هذا من الماهيات، وهذا هو أيضا الطريق، وكما هو واضح فإن التركيب الذي يتم بين الماهيات يتم

U بين المفاهيم االعتبارية. ويستنتج مما مر أمران: أيضا[97 ]-تظهر للمفاهيم التصورية كثرة بوساطة البساطة والتركيب. 1

Page 66: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

tخرى تحصل عن طريق الحقيقة2 -للمفاهيم كثرة أU من الكثرة واالعتبار)حسب نظرية العقليين فإن للمفاهيم لوناU آخر من الكثرة عن طريق الذاتية )الفطرية( والعرضية، ولونا

بسبب البساطة والتركب، والمفاهيم البسيطة إما أن تكون قد وردت الذهن عن طريق إحدى الحواس وإما أن يكون الذهن

U لها بفطرته، أما حسب نظرية الحسيين فإن كثرة المفاهيم واجدا تحصل فقط بسبب البساطة والتركب، وجميع المفاهيم البسيطة

قد جاءت إلى الذهن عن طريق إحدى الحواس الخارجية أو الداخلية مباشرة. يقول توماس هوبز-وهو من الفالسفة الحسيين

(-.1679-1588في القرن السابع عشر ) "ال يعني االستدالل والتفكير سوى جمع المعلومات مع بعضها أو

tخرى فإن الفلسفة تعني التحليل فصلها عن بعضها، وبعبارة أ والتركيب، والتحليل والتركيب يتعلقان باألجسام فحسب، وكل ما

U للفلسفة U كان فإنه ال يمكن أن يكون موضوعا عدا الجسم أياU عن كتاب "سير حكمت در أوربا" لمحمد علي والعلم". نقال

.110 ص2فروغي، جأما دافيد هيوم الذي هو أحد الفالسفة الحسيين للقرن الثامن )

lدراكات على ما يأتي إلى1711-1776 ( فإنه بعد أن يقصر اإلالذهن عن طريق إحدى الحواس يقول:

"هذه هي لحمة وسدى أفكارنا، وعقلنا ال يؤدي أي عمل سوى�جزاء والمبادئ". تركيب وربط هذه األ

150 ص2نفس المصدر السابق، جU من الكثرة بسبب ولكن هذه المقالة ثتبت أن للمفاهيم لوناU آخر من الكثرة من حيث الحقيقة البساطة والتركب، ولونا

واالعتبار، وقد عرفنا مما قلناه لحد اآلن أنه ال يمكن قبول نظرية العقليين المبنية على أن بعض المعقوالت فطرية، أما نظرية

الحسيين فهي عاجزة عن تفسير كثير من المفاهيم البسيطة من قبيل تصور الوجود والعدم والوحدة والكثرة، بل وحتى العلية

والمعلولية، ونحن نعلم بالضرورة أن في الذهن لكل واحد منU، والسبيل الوحيد الصحيح لتفسيرها U وصحيحا U واضحا هذه تصورا

هو ما تنتهي إليه هذه المقالة.U tخرى أيضا وكما عtلم من المواضيع السابقة فغن للمفاهيم كثرة أ

عن طريق الكلية والجزئية، وذلك ألنه صحيح أن الكلي والمصداق في الخارج شيء واحد، وكل مفهوم كلي )مثل

اإلنسان( فهو عين كل واحد من أفراده في الخارج، وهو متعدد بحسب تعددها في الخارج،ولكنه بحسب الذهن فإن تصور الكلي يغاير تصور كل واحد من أفراده، ومن حيث الخواص واألعراض

Page 67: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U فإن تصور المفهوم الكلي مغاير لتصور كل واحد الذهنية أيضا�فراد بالخصوص. من األ

tوروبيين وفي القرون الوسطى أنكر مجموعة من العلماء األ التصورات الكلية وكانوا يعتقدون أن الذهن ال يملك أي لون من

�لفاظ التي يظن) أنها قد وضعت التصور عن الكلي، وجميع األlنسان والشجر وغيرها ال معنى لها لمعان كلية كلفظ الحيوان واإلlسميين بسبب أنهم يعتبرون lطالق. وتعرف هذه الفئة باإل على اإلU فارغة من دون مسمى. وقد أنكر التصورات هذه األلفاظ ألفاظاU عدد من علماء النفس المحدثين، وهم الذين يعتبرون الكلية أيضا

جميع األعمال الذهنية-من حكم وتعقل وقياس واستدالل- إحساسات بدائية قد تغير شكلها في الجملة. ومن جملة

المعتقدين بهذا الرأي دافيد هيوم وجون استيوارت ميل. وإذاU في أطراف سنحت فرصة مناسبة فسوف نستغلها للبحث مفصال

هذه النظرية.(.[98 ]

إشكال يمكن المناقشة في الموضوع السابق ذكره بأن يقال أن هذا

الموضوع مبني على نظريتين وقد ثبت بطالن كل منهما،والنظريتان هما:

�نواع المتباينة في الخارج. 1 -وجود األ-ثبوت ماهياتها الثابتة. 2

وأوضح من ذلك أن نقول: إن هذه الطريقة مبنية على أنالخواص

[99 ] التي نظفر بها عن طريق الحس إنما هي ماهيات متباينة،

U غير حقيقة الضوء، وعلى هذا القياس فإن فحقيقة الصوت مثالU، وكذا األجسام فإنها U نوعيا �جسام تتباين فيما بينها تباينا خواص األ

U باختالفات جوهرية، وكل واحد منها نوع بحسب متنوعة أيضاالواقع منفصل عن اآلخر وله خواص معينة.

ولكن العلم الحديث قد قضى على هذه النظرية الميتافيزيقيةU القديمة وأوضح بطالنها وأثبت أو الواقع الخارجي ليس شيئا

سوى المادة المتشابهة، واألنواع المختلفة للعناصر والمركبات الحية إنما هي تلك المادة الواحدة قد إتخذت لنفسها تركيبات

U متعددة، وكل هذه الخواص يمكن متنوعة وهي تعطي آثاراU أن المادة والطاقة يمكن تبديل تحويلها إلى طاقة، وقد ثبت أخيراtخرى، وهما في الحقيقة والواقع حركة، ومن هنا كل منهما إلى األ

- لحد اآلن- بيان عدد يظهر أنه ال معنى لألنواع المختلفة)لقد تم)

Page 68: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U منها لم lدراكات، ولكن أيا من الجهات التي تكون منشأ لكثرة اإل�عيان U بالكثرة الناشئة من اختالف المعلومات واأل يكن متعلقا

U في الخارجية أنفسها. توضيح ذلك: كما أننا نالحظ كثرة واختالفاlدراكات من حيث الكلية والجزئية، والبساطة والتركب، اإل

U آخر بين U كثرة واختالفا lعتبار، فإننا نشاهد أيضا والحقيقة واإل إدراكاتنا وتصوراتنا بسبب كثرة واختالف الواقعيات الخارجية

U لدينا تصور عن الماء وتصور عن الهواء وتصور عن العينية، فمثالlنسان وتصور عن البياض وتصور عن الشكل وتصور عن اإل

tخرى كثيرة غيرها، ومفهوم الماء عندنا غير المقدار، وتصورات أlنسان، وكل واحد من مفهوم الهواء، وكل منهما غير مفهوم اإل هذه الثالثة غير مفهوم البياض، وكل واحد من هذه اإلربعة غير

مفهوم الشكل، وهكذا...U بأن كل واحد منها هو عين التصورات وال يمكننا أن نسلم أبداtخرى، فنحن نعلم بالضرورة أنها مختلفة عن بعضها. وتكون األ

lختالفات في نفس الواقعيات lختالفات ناشئة من وجود اإل هذه اإلlنسان والبياض الخارجية، أي لما كان واقع الماء والهواء واإل

والشكل والمقدار- كل هذه الواقعيات لما كانت مختلفة فيماU، إذن هناك لون آخر من بينها كانت تصوراتنا لها مختلفة أيضا

lدراكات وهو ناشئ من كثرة الواقعيات العينية. كثرة اإل ويعتبر هذا اللون من الكثرة من حيث تأثيره في زيادة التصورات

واتساعها، ولكن هذا اللون من الكثرة- على العكس من سائر�قسام التي سبق بيانها-خارج عن موضوع هذه المقالة، ألنه األ

lدراكات U بالذات وبالواقعيات الخارجية، ويتعلق بالتبع باإل يتعلق أوال والتصورات، وكما قلنا في مقدمة هذه المقالة فإن موضوع

lدراكات البحث في هذه المقالة هو الكثرات المتعلقة بالذات باإل�ساسي في تلك الكثرات هو نشاط الذهن، من نفسها، والعامل األ

قبيل الكثرات الحاصلة عن طريق الحقيقة واالعتبار، أو عن طريق البساطة والتركب، أو عن طريق الكلية والجزئية، وأما

تلك الكثرات الناشئة من الواقعيات الخارجية والنابعة من الناحيةlدراكات، ولهذا االنفعالية للذهن فهي ليست متعلقة بالذات باإل

فهي خارجة عن موضوع هذه المقالة. ويمكن تسمية هذا اللون من الكثرة بالكثرة الماهوية أو الذاتية،

وذلك ألن هذه الكثرة-حسب ما يرى بعض الفالسفة- ممثلةlختالفات الماهوية والذاتية الموجودة بين األعيان الخارجية. لإل

lدراكات إلى إدراكات والحديث الماضي المتعلق بانقسام اإلtخرى اعتبارية يعتمد على قبول النظرية القائلة بوجود حقيقية وأ

اإلختالفات الماهوية والذاتية بين األعيان الخارجية، وذلك ألن

Page 69: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lدراكات الحقيقية هي التي تكون صورة مباشرة لظاهرة اإلlنسان والفرس والحجر خارجية، من قبيل الصورة الذهنية لإل

والشجر التي هي ماهيات مختلفة ومتنوعة حسب ما تذهب إليههذه المقالة.

U من مسائلهما )ع على المنطق والفلسفة يعلم أن كثيرا وكل مطل مبني على مسألة الكثرة الماهوية في التصورات، ووجود

lختالفات الذاتية بين األعيان الخارجية، وتكون تلك المسائل اإلنابعة من هذه المسألة.

lدراكات الحقيقية معتمدة وعلى اية حال فإن نظرية المتن باإل على النظرية القائلة بأن بعض صورنا الذهنية، ماهيات، من قبيل

lنسان والفرس والشجر وغيرها، وأن تلك الصورة الذهنية لإل�نواع الخارجية الماهيات مختلفة بالذات فيما بينها، وأنها ممثلة لأل

المتباينة بالذات. tسس العلمية ولكنه يمكن المناقشة في هذا الموضوع بحسب األ الحديثة وذلك عن طريقين: أحدهما: إنكار االختالفات الذاتية بينlنسان والحجر والشجر األنواع الخارجية، أي إنكار أن لكل من اإلU مختلفة U وماهية مستقلة، وأن هذه جميعا والنحاس والحديد ذاتا�شياء، أي إنكار أن U. والثاني إنكار ثبات ماهيات األ فيما بينها ذاتيا

كل شيء له ماهية معينة فسوف تستمر معه تلك الماهية ما دام.U موجودا

توضيح هذا الموضوع: أما نظرية التباين الذاتي بين األنواع والتي يعتمد عليها الموضوع السابق الذكر فهي أن نقوم بتبويب األشياءU وماهية مغايرة والواقعيات الخارجية ونقول أن لكل فئة منها ذاتاtخرى: فإن هذه النظرية لذوات وماهيات سائر الفئات، وبعبارة أ مبنية على أن نعتقد بأن األشياء مفرغة في قوالب خاصة، وكلtخرى، وكل قالب من تلك قالب-من حيث الذات-غير القوالب األ القوالب فهو ذات وماهية ذلك الشيء. ولكن الدراسات الحديثة المقرونة بالمشاهدات والتجارب قد أثبتت أن األشياء لم تفرغ

في قوالب خاصة متميزة وأن الواقعيات الخارجية ال تختلف فيما بينها بشكل ذاتي، وأثبتت أن ما له تحقق في الخارج هو واقع

واحد له تركيبات متعددة، واالختالف بين األشياء يعود إلى�جزاء ذلك الواقع الواحد. االختالف بين تلك التركيبات الحاصلة أل

U لكل واحد من تلك U خاصا وكل ما هناك فهو أن لدينا تصورا التركيبات، وفي البداية عندما ال تكون لدينا خبرة علمية كافية

U مباينة فإننا نظن أن لكل واحد من الواقعيات المتصورة ذاتاlنسان U نحن نرى-ابتداء-اإل ومخالفة للذوات األخريات. فمثال

U tخرى فنظن أن لكل واحد منها ذاتا U أ والشجر والحجر وأمورا

Page 70: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

مباينة لألخريات، ولكننا إذا قمنا بالدراسة والتجربة فسوف يظهر لنا أن جميع هذه األشياء التي ال يمكننا عد)ها قد تركبت من عدد محدود من العناصر التي ترتبط فيما بينها بنسب مختلفة، أي أننا

U. ثم ندرس سوف نعرف أن اختالف هذه المركبات ليس ذاتيا العناصر وخالل دراستنا للعناصر نظن ابتداء أن كل واحد منهاtخرى، ولكن التجارب والدراسات العلمية U-العناصر األ يباين-ذاتا

U مركبة من ذرات، الدقيقة تثبت لنا أن العناصر بدورها أيضا واختالف وضع الذرات وتركيبها الداخلي يجعل العناصر متمايزةU. ثم U ليس ذاتيا فيما بينها. أي أننا نفهم أن اختالف العناصر أيضا

نخطو خطوة نحو األمام لندرس الذرات أنفسها فنالحظ أنهاU ليست U من أجزاء أصغر، أي أن االختالفات بينها أيضا مكونة أيضا ذاتية بل تعود إلى االختالف في وضع وعدد وحركة تلك األجزاء

�جزاء المكونة tخرى لنرى أن هذه األ المكونة لها. ثم نتقدم خطوة أU ليس لها ماهيات مستقلة وغير قابلة للتغيير للذرات أيضا

�حيان تحصل بعض التغييرات في والتبديل، وذلك ألنه في بعض األ الوضع الداخلي للذرات فيتحول عنصر ما إلى عنصر آخر.

وتحصل التغييرات في التركيب الداخلي للذرات عن طريق تحول)ف �جزاء الداخلية للذرة إلى طاقة أو عن طريق تكث بعض األU فإنه يبدو من الدراسات الطاقة وتحولها إلى أجزاء، وأخيرا

( العلمية المعتمدة على المشاهدات والتجارب أنه ال وجود إال لواقع واحد يمأل الفضاء وتحصل فيه-خالل الزمان-تغييرات

وأشكال متعددة، ونحن نسمي ذلك الواقع الواحد المالئ للمكان والمتغير خالل الزمان بـ"المادة". وبناء على هذا ال تكون

lختالفات الذاتية والماهوية اختالفات إدراكاتنا وتصوراتنا عاكسة لإل بين الواقعيات، بل هي تمثل فقط أوضاع وأحوال وأشكال

وتركيبات واقع واحد هو المادة. وكان العلماء في الماضي يتبنون نظرية التباين الذاتي بين األنواع ويعدون من المستحيل القيام ببعض العمال الكيميائية، من قبيل

تبديل الحديد والنحاس إلى ذهب، وذلك ألن هذا-من وجهة نظرهم-يستلزم تغيير وتبديل ماهية شيء إلى شيء آخر وهو

انقالب ذاتي يستلزم سلب ذاتيات الشيء عن نفسه، بينما ثبوت الذاتيات للذات-حسب القواعد المنطقية-ضروري وممتنع العدم،

ولكنه قد ثبت اليوم أن هذه األعمال الكيميائية غير ممتنعة الU، وعالوة على ذلك فقد أثبتت التجارب أن تبدل U وال عمليا عقليا�شياء غير الحية فحسب U في األ نوع ما إلى نوع آخر ليس ممكنا

U في الموجودات الحية، بل في الموجودات وإنما هو ممكن أيضا الحية يكون تبدل وتسلسل األنواع-حسب قانون النشوء

Page 71: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

واالرتقاء-من القوانين الضرورية والنواميس اليقينية للطبيعة. وعلى هذا تكون نظرية هذه المقالة وكذا البحث المعروف

بـ"المقوالت"، ومبحث "التعريفات الجنسية والفصلية"، ومبحث "الصور النوعية"، والمواضيع المتعلقة بإثبات النفوس النامية

والحيوانية والناطقة، ومجموعة أخرى من المواضيع المذكورة في المنطق والفلسفة والنابعة من هذه األمور-تكون هذه

المباحث بأجمعها ساقطة عن االعتبار.lشكال. U للقسم األول من اإل كان هذا ملخ2صا

إن هذه النعمة تشيع على ألسنة جميع الذين يفكرون بطريقة2ة )سواء أكانوا ماد¡يين أم غير ماد¡يين( وينظرون إلى العالم حسي

من نافذة الحواس فقط. وقد ظن هؤالء أن نظرية االختالفات الماهوية والذاتية بين األشياء قد انهارت بجميع ما يتفرع عليها،

U من أركان المنطق العقلي) والفلسفات )ا U أساسي وأن ركنا2ة المتشعبة منه قد تهد)م، وذلك منذ شاعت النظرية الذري

U على هذا tسسها. ونحن لو أردنا الجواب مفص)ال واستحكمت أlشكال الحتجنا إلى ذكر مواضيع� عديدة� من قبيل موضوع وحدة اإل الوجود وأصالة الوجود وموضوع القو2ة والفعل والحركة، والجزء الذي ال يتجزء، ومادة المواد والجوهر والعرض، بينما حجم هذه

المواضيع يفوق حجم هذه المقالة عد2ة مرات، وسوف يأتي ذكرtمور في مقاالت الحقة هي ) tرجع10-9-7هذه األ ( ولهذا فنحن ن

اء األعزاء إلى تلك المقاالت. أم)ا ما يتعلق بهذه المقالة فهو القر)lدراك الحقيقي lدراكات كثرة من حيث الحقيقة واالعتبار، فاإل أن لإل هو تلك الصورة المباشرة لشيء خارج عن الذهن من قبيل تصور

tطلق عليه في الفلسفة اسم lنسان والشجر والحجر مم)ا ي اإلU lدراكات االعتبارية فهي ليست صورا tولى"، أما اإل "المعقوالت األ

tمور خارجة عن الذهن، ولم ترد الذهن عن طريق مباشرة أل إحدى الخارجية أو الداخلية، بل الذهن هو الذي يصوغ هذه

tخرى، من قبيل تصو)ر الوجود والعدم والوحدة المفاهيم بطريقة أ والكثرة وسائر المفاهيم الذهنية العامة التي تشك¡ل مسائل

tولى والتي يطلق عليها في الفلسفة اسم "المعقوالت الفلسفة األlشكال السابق الذكر بالقسم األول، الثانية الفلسفية"، ويتعلق اإلlدراكات الحقيقية، فالقارئ الكريم يعلم أننا سواء اعتبرنا أي باإل

lدراكات الحقيقية ماهيات وعاكسة لالختالفات الذاتية بين اإل الواقعيات الخارجية، أم اعتبرناها عاكسة لألشكال واألحوالU في ¡ر شيئا والتركيبات المختلفة لواقع واحد، فإن ذلك ال يغي

lدراكات إلى حقيقة مطلوب هذه المقالة ومدعاها، وهو انقسام اإل واعتبارية، ولهذا نجد أنفسنا اآلن في غنىU عن الخوض في هذه

Page 72: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U لكي يلم) القارئ المباحث. ولكنه في نفس الوقت نذكر شيئاlشكال فنقول: على )تنا الفلسفية حول هذا اإل U- بنظري الكريم-إجماال

lشكال فإن2 النظرية التحليلية العكس مم)ا يتوقعه صاحب اإل الفيزيائية الحديثة ال تنتج تلك الدعوى الفلسفية التي مرت ضمنlشكال، وذلك ألن النظرية التحليلية الفيزيائية تتحدث فقط عن اإل التركيب المحسوس لألشياء، وتبين الجزء المادي )العلة المادية(

لوجود األشياء، وتقول إنه خالل جميع التطورات توجد مادةU متعددة، وأم)ا U مختلفة وتلبس أثوابا أساسية تتخذ لنفسها أوضاعا تلك الدعوى الفلسفية المبنية على أن2 جميع الجوانب الوجودية

للموجودات الطبيعية فهي منحصرة بذلك الجانب المحسوس الذي تتناوله الفيزياء بالد¡راسة وأن الطبيعة بجميع مظاهرها

المختلفة قد جاءت من واقع واحد، فذلك مم)ا ال يمكن استنباطهمن هذه النظرية.

tبدي أي2 معارضة� للنظريات الفيزيائية وعلم ونحن من دون أن ناألحياء المتعلقة بالذرة والطاقة والجزئ والخلية فإننا نثبت-

tسس الفلسفية العامة- في مبحث القوة والفعل معتمدين على األ أن الواقع الوحداني) أو حسب التعبير الماضي الواقع الواحد

المالئ للمكان والمتغير خالل الزمان الذي ليس في ذاته أي)tنتج المظاهر المختلفة للطبيعة، وال كثرة أو تعد)د ال يمكن أن ي

tوجد هذا يمكن أن يحصل له تغيير أو تكامل، وهو ال يستطيع أن يالنظام المحسوس.

ويلزمنا أن نشير هنا إلى أن2 موضوع التصرفات الكيميائية وتبد)لU بموضوع U وثيقا lشكال ال يرتبط ارتباطا األنواع المذكور في اإل

tسس الفلسفية العامة التباين الذاتي بين األنواع. فمن ناحية األ مهما قلنا بوجود التباين بين األنواع فإن ذلك ال يمنع من تبد)ل نوع

إلى نوع آخر، سواء أكان تبد)ل نوع غير حي) إلى نوع آخر غير، أم كان تبد)ل نوع غير ، أم كان تبد)ل نوع حي) إلى آخر حي) حي)tجير ذلك حي) إلى حي)، وإما أن القوانين الخاصة بعلم األحياء ت

بالنسبة إلى األحياء أم ال فهذا موضوع آخر.lشكال المبني) على عدم ثبوت وأما القسم الثاني من اإل

lشكال أن الموجودات )ات، فإن كان مقصود صاحب اإل الماهي الطبيعية في الخارج ليس لها ماهية متشابهة، بل هي متحركة

في ذاتها وتتغير ماهيتها باستمرار، فهذا مم)ا نوافق عليه، وسوف نثبت في المقالة العاشرة أن الطبيعة -بجميع جواهرها

U وأعراضها-في حركة ذاتية دائمة، ونظرية هذه المقالة أيضا ليست مبنية على فرض سكون الموجودات الطبيعية. وإن� كان)ات الموجودة عندنا هي في مقصوده أن الصور الذهنية للماهي

Page 73: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

حركة دائمة ومتغيرة فجوابه ما ورد في المتن بشكل مفص)ل بأن طبيعة المفهوم والصور الذهنية بعيدة كل البعد عن أحكام المادة ومقرراتها، والصورة العلمية ليست من سنخ عالم الحركة، وقد نقلنا في تعليقات المقالة الثالثة وفي مقدمة، وتعليقات المقالة

). الرابعة الشبهات المتعلقة بهذا االد¡عاء ونقدناها بشكل� واف�بالذات، وبااللتفات إلى هذه

[106 ]lنسان والفرس واألرض المالحظة نفهم أن األنواع المختلفة كاإل والهواء ال تحكي عن اختالفات ذاتية، وهي تبين فقط االختالف

U تعود بالتالي إلى أصل واحد. في خواص التركيبات، وهي جميعا)ما كانت في حركة وبغض) النظر عن هذا فإن هذه التركيبات ل

وتحول حتى آخر جذورها )المادة والطاقة( إذن ال تبقى أي) ماهية وال ذات على حالة واحدة في لحظتين، سواء أكان ذلك في

U من الخواص المادية الخارج أم في الذهن )وذلك ألن الذهن أيضاU على الماهيات، ويكون جهاز للمخ(، إذن من العبث االعتماد علميا

�مواج lنسان بوضع تكسر األ صياغة الماهيات بمثابة أن يقوم اإل عالمة على نقطة ما في بحر عظيم، ومن هنا فإن العالم الخبير بالعلوم الطبيعية وأساليب التحقيق الحديثة إذا سمع عن شيء

فإنه ال يبحث عن ماهيته بل يسأل عن خواصه وآثاره، فهو اليقول: ماذا يكون، بل يقول: ماذا يفعل؟ وما هو تأثيره؟

الجوابlشكال القائل أن االختالفات الخارجية ليست �ول من اإل فالجزء األ

اختالفات نوعية بل هي عائدة إلى االختالفات في التركيبات الماد¡ية، وهي تعود بالتالي إلى أصل واحد إنما هو حديث ال يمكن�شياء U فنعد¢ األ قبوله، وذلك ألنه صحيح، قد يشتبه علينا األمر أحيانا

U من ذلك- أن غير المختلفة مختلفة، ولكنه هل يصح¢ لنا -انطالقا ننكر وجود أي2 اختالف� في الخارج، وأن ال تنتهي هذه االختالفات

بالتالي إلى مجموعة من األصول[107]

المختلفة بالذات، ويكون أي) شيء� أي) شيء آخر؟ ومن الواضحlطالق أن يزول االختالف U على اإل أنه ليس كذلك. فليس متصو)را

U: من U: من بين الخواص، ثالثا lدراك والفكر، ثانيا U: من ظرف اإل أوالبين موضوعات الخواص.

lطالق لم يوجد وذلك ألنه لو لم يكن هناك اختالف على اإلlنكار U إل االختالف في إدراكنا وفكرنا، ووعينا الفكري ليس مستعدا جميع االختالفات الفكرية وهو يرفض إمكانية إرتفاعها، وإمكانية

U أن الفكر في المسائل الهندسية هو عين الفكر lرتفاع تعني مثال اإل

Page 74: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U -في U أبدا في المسائل اللغوية. إن ضميرنا العلمي ليس مستعداlدراكات واألفكار- أن يضع أي) جملة مكان أي) جملة، وال مجال اإل

أي مفرد مكان أي) مفرد، وال أي) مفرد مكان أي) جملة، وال بالعكس، وبالتالي فهو غير مستعد� أن يضع أي) إدراك� مكان أي)

إدراك� آخر، وأن ينتظر فائدة ونتيجة أي) فكر من فكر آخر. U أن نضع أي2 فعل� مكان أي) فعل آخر، أو فنحن لسنا مستعدين أبدا

أي) وسيلـة� مكان أي) وسيلة� أخرى، وبالتالي فلسنا مستعدين العتبار أي) شيء عين جميع األشياء، وذلك ألن هذه الفكرة تنقضtتصور بدون اختالف نفسها بنفسها، فمفهوم "جميع" ال يمكن أن ي

وكثرة، وال شك2 أن2 مثل هذه الفكرة التي ال أساس لها أحط¢ بكثيرمن أفكار مثالي£ أو شكاك) بتمام معنى الكلمة.

إذن ال بد2 أن نغض2 الط2رف وإلى األبد عن فكرة رفع مطلقlدراكات واألفكار. ثم إذا لم يكن هناك اختالف االختالف من بين اإل بين خواص األشياء لم يوجد اختالف في تأثيراتها التي تتركها فينا.

فآذاننا التي تسمع األصوات وعيوننا التي تشاهد الضوء، وفيالنتيجة يظهر اختالف

[108 ]U من في مدركاتنا المحسوسة، إم2ا أن يكون هذا االختالف حاصالU ناحية الضوء والصوت بأن يكوناشيئين مختلفين بالذات، أو شيئاU بحسب الحاالت مثل عدد الذبابات وغير ذلك، وإم)ا U مختلفا واحدا

U من ناحية األذن والعين بالذ2ات أو بحسب أن يكون حاصال) فإن فرض الوحدة العينية بين األذن والعين والصوت الحاالت، وإال

lطالق. U على اإل والضوء ال يمكن أن ينتج اختالفا ثم إذا لم يكن أي اختالف بين موضوعات هذه الخواص في

الخارج فإنه ال يمكن أن يتصور اختالف الخواص واآلثار. أجل إن التجارب العلمية والمحاوالت الفنية قد نجحت لحد) اآلن

في حل¡ بعض االختالفات التي كانت تبدو لنا أنها موجودة في)نت مسير المادة الخارج، وقد أعادتها إلى أصل� واحد، أي أنها عي

في تكو¢ناتها المختلفة، فأثبتت أن مادة متشابهة موجودةlنسان والتراب، ال أنه في كل) ومحفوظة في الفواكه والد2م واإل

tعدم شيء من جذوره، ويوجد شيء آخر من العدم، وكذا تكو)ن يtثبت أن2 كل2 لون� من ألوان الطاقة المختلفة يمكن استطاعت أن ت

تحويله إلى األلوان األخرى منها، أي أنها ظفرت بخط مسير الطاقة، واستطاعت أن تحتفظ بهويته خالل األشكال المختلفة

كالحرارة والمغناطيس والكهرباء. )ن بنحو من األنحاء تبد¢ل المادة إلى طاقة، U أن يتبي واستطاع أيضا

والطاقة إلى مادة. وأن يقول حسب فرضية ذلك الفن المبنية

Page 75: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

على انحصار الموضوع في المادة والطاقة:"كل) ما هو موجودفهو إما هذه أو تلك".

ولكنه بحسب النظرة المطلقة الدقيقة ال يمكن نفي كل) ما وراء المادة والطاقة مرة واحدة، وإعادة كل) ما عداهما إلى المادة أو

الطاقة، وذلك ألن [109]

كل) المحاوالت المبذولة في هذا المجال تدور في إطار المادة والطاقة وليس فيما وراءهما وال في الموجود المطلق. وإذا كان

U أنه لم يجده فمعنى ذلك أنه لم يجده في المادة والطاقة. صحيحا)بناها بحيث تكون U ورت U نقول: إذا أخذنا ستة عشر جزءU ماد)يا مثال

lرتفاع )4القاعدة ) ( أجزاء، فإنه يتكو)ن مع ذلك4( أجزاء واإل)بناها بحيث تكون القاعدة ) lرتفاع )8مربع، وإذا رت (4( أجزاء واإل

أجزاء فإنه يتكو)ن مثل)ث، إذن اختالف شكل المثلث والمربع يتوقف على اختالف ترتيب المادة، وال يعتمد على أي¡ شيء� آخر

( من األجزاء المادية. 16سوى هذا العدد ) وصحيح أن حديثنا هذا صادق وال يمكن إنكاره، ولكنه في الحقيقة

)ن كيفية مسير المادة في حالتين، أي إذا أردنا الحديث عن يبيU المادة فقط فال بد2 أن نقول هكذا، ولكن هذا الحديث ال يمكنه أبدا

tثبت أن شكل المثلث والمربع شكل واحد وأن آثارهما أن يU ثالث زوايا وللمثلث أربع U، وأن للمربع مثال الماهوية واحدة أيضا

زوايا. U إلى قسمين ثم قطعنا كل2 قسم U واحدا U إذا قطعنا جسما أو مثالU )ا شيئا U وكون منهما إلى خمسة أقسام ثم خلطنا األقسام جميعا

U فإنه ال يصح القول إن األرقام هي عبارة عن رقم1،2،10واحداU ماد)ة واحدة ليس أكثر. واحد، ألن ماد2تها جميعا

إشكال نحن نستطيع بفضل األجهزة العلمية أن نحل)ل الموجود المادي

tولى بالتركيب. tعيده إلى حالته األ )ة ثم ن إلى أصوله الماد)ي وصحيح أن أجهزتنا العلمية الحالية ال تجرؤ في جميع الموجودات

أن [110]

تعطي للطبيعة وثيقة تركيبها الداخلي، ولكنها تستطيع أن تفعل ذلك في أغلب الموجودات، وهي تتكفل بإيجادها وإدارتها

وتنظيمها، والتقدم العلمي الهائل في عصرنا يبشر بمستقبل نتغلب فيه على جميع العوائق المتبقية، إذن استقالل العلم

الحديث وقدرته على إيجاد الموجودات الحقيقية بوساطة ترتيب

Page 76: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

أجزاء المادة وبعثرتها دليل قاطع على أنه ال وجود لشيء سوىالمادة بتركيباتها المتنوعة.

الجواب)ن خط كما قلنا من قبل فإن العلوم الطبيعية تستطيع فقط أن تعي

مسير المادة وأما توحيد المادة والحوادث المختلفة بشكل عام .U فإنها لم تظفر به لحد¡ اآلن، وكما قلنا فإن ذلك لن يحدث أبدا

وملخ2ص هذا الحديث ببيان آخر: أن لدينا في الخارج وحدات)لها نصل إلى أجزائها حقيقة وهي في لباس االختالف، وعندما نحل

وأجزاء أجزائها حتى يصل التحليل إلى مكان بحيث إذا تقدمنا خطوة واحدة فإننا نفقد ذلك الموضوع، ثم إذا عtدنا القهقرىtولى توجد مرة أخرى. وركبنا تلك )البسائط( فإن الصورة األ

ففي هذا الموقع -الذي هو في الحقيقة الحد¢ الفاصل بين وجود الموضوع وعدمه- يوجد احتماالن: أحدهما أن هذه الصورة -التي

U(- هي تركيب lنسان مثال هي موضوع التحليل والتركيب )فرد اإلU آخر غير lحتمال الثاني هو أن هناك موجودا ماد)ي خاص، واإل

المادة وهو مالزم ومرافق للمادة وللتركيب وله لون من التعلقبالمادة.

lحتمال الثاني بطريق ومن الواضح أنه ما لم نستطيع إبطال اإلU أن مجرد الحصول lحتمال األول ال يتعين، وواضح أيضا lن اإل )ي فإ فن

عند الحصول[111 ]

)ة، وذلك ألنه يوجد U على الوحدة والعيني والزوال ال يكون دليال عندئذ� احتمال المالزمة الوجودية بينهما. وكل ما قامت به العلوم

الطبيعية فهو أنها أوضحت مسير المادة بحسب التحليل والتركيب من هذا الرأس وحتى ذلك الرأس، وأوصلتنا إلى

مفترق الطريقين، أي أنها في الحقيقة لم تتقدم خطوة واحدةفي نفي االختالفات الخارجية.

وبالنسبة لهذه االختالفات سوف تأتينا في مقالة "القوة والفعل"أحدث نظرية استنتجتها الفلسفة بطرقها البرهانية األخيرة.

واآلن نتناول القسم الثاني)وملخص هذا القسم هو: "أن الماهيات�شياء، ال تبقى على حالة واحدة بسبب التحول والتكامل العام لأل

وأية ماهية أو ذات ليست هي بعينها في لحظة أخرى، ال فيlعتماد العلمي على الماهيات عبث الخارج وال في الذهن، إذن: اإلlنسان بوضع تكس)رات األمواج ال ثمرة فيه، وهو يشبه أن يقوم اإل

عالمة على نقطة ما في بحر واسع عريض".lشكال فقد كان يتضمن أن األشياء وأجزاء أما القسم األول من اإل)ات مختلفة، إذن ال ينبغي أن نفرض الطبيعة ليس لها ذوات وماهي

Page 77: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ات األخرى، )ة مستقلة عن الماهي لكل¡ فئة� من الموجودات ماهي)ة� والواقع أن جميع موجودات الطبيعة هي مظاهر مختلفة� لماهي

واقعية� واحدة� تظهر في أثواب متنوعة.lشكال فهو يتضمن: أنه لو فرضنا أن وأما القسم الثاني من اإل

)ات مستقلة فال تكون تلك الماهيات ثابتةU وال األشياء ماهي مستمرةU، وذلك ألن التغييرات التي تحدث في الطبيعة ليست سطحية وظاهرية، بل كل¢ ما هو موجود في الطبيعة فهو في تغيير دائم، فالظواهر وكل¢ ما هو تحت ستار الظواهر وحتى

التصورات الموجودة في أذهاننا عن األشياء الخارجية-كل) هذهlشكال ناظر معرضة للتحوالت في كل) لحظة. وهذا القسم من اإلإلى تلك الدعوى السابقة القائلة أن الذهن يتمتع بقدرة للظفر-

عن طريق الحواس أو عن طريق الشهود النفساني أو بمساعدة)ة أقرب )ة الظاهرة، أو على األقل بماهي قوة العقل التحليلية-بماهي

خواصها، فيعرف "ما هي" تلك الظاهرة. ونحن نعلم ان البحثlنسان المعروف في علم المنطق بـ"المعر)ف" موضوع ليدل اإل

)ة الحقيقية للشيء، أو على األقل على كيفية الظفر بالماهي)زه من سائر األشياء. للظفر بأقرب خواص)ة التي تمي

وقد كان العلماء في جميع العلوم والفنون وال يزالون يبذلون كل2 جهودهم ليظفروا بتعريف� جامع� مانع� لموضوعات مسائل فنهم،

lشكال )نون حدود تلك الموضوعات، أما حسب هذا اإل وبهذا يعي)ن ممتاز، ال في الذهن وال القائل أن األشياء ال تتمتع بوضع معي

U، بل في الخارج، فإن موضوع "المعر)ف" في المنطق يغدو عبثاU ال ثمرة وراءه.( من يصبح التعريف في جميع العلوم لغوا

lشكال فنقول: إن جوابه اإل[112]

واضح مم)ا سبق قوله في المقالة الثالثة، فقد أثبتنا هناك أن عالم المفهوم بعيد كل البعد عن أحكام المادة ومقرراتها، وأن الصورة العلمية ليست من سنخ عالم الحركة، وال يشملها قانون التحول

والتكامل التدريجي العام. توضيح ذلك: لقد أثبتنا في أحاديثنا الماضية أن لدينا موجودات

خارجة عن الذهن ومستقلة عن الفكر وهي الماهيات التي هيمنشأ اآلثار.

U منها بواقعه )مع حذف وإسقاط U أننا ندرك بعضا وأثبتنا أيضاlدراك تارةU بدون وساطة شيء وتارة منشئية اآلثار(، ويكون هذا اإل

أخرى بوساطة. U بالقسم األول بمشتركاتها ومختص)اتها، U أننا نحيط علما ونعلم أيضا

بحيث نستطيع تمييز المشتركات من المختص)ات بالدليل، ثم

Page 78: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U أن نعرفها بوساطة نؤلف بينها فنظفر بالمركب، ونستطيع أيضاخواص)ها القريبة.

[113 ]U أننا إذا لم نظفر باليقين في موضوع ما بحيث يبقى ونعرف أيضا

U لدينا فإننا ال نستطيع أن نحكم عليه بشيء معين. مجهوالونستنتج من هذه المقدمات األربع:

أن الطريق الوحيد لكي تصبح معلوماتنا الفكرية واضحة هو الظفر بماهية حقيقية لموضوع القضية، وإذا لم نستطع ذلك أو

لم نشأ )على األقل( فليذكر معر)ف يشتمل على أقربlنسان أن يفهمه خواص)ه)يقول المنطقيون: إن مجموع ما يريد اإل

بالنسبة لألشياء، وهو يسأل نفسه عنه، ويفتش عن جواب له يتلخص في عدة أقسام عامة، وتكون جميع المسائل العلمية

والفلسفية أجوبة على هذه األقسام العامة أو بتعبير آخر علىهذه األسئلة الفكرية، وهي كما يأتي:

lنسان أ-السؤال عن "ماهية" الشيء، أي كل) شيء يجلب انتباه اإل فإنه يحب أن يعرفه ويعلم ما هو وما هي مشخ)صاته؟ وما هو

)زاته من سائر األشياء؟ وفي الجواب عن هذا السؤال يقومون ميU U كامال بتعريف األشياء ويحاولون أن يذكروا لكل¡ شيء تعريفا

U(، وكما نعلم فإن موضوع "المعر)ف" في المنطق U مانعا )جامعايتكفل ببيان هذا األمر.

ب-السؤال عن "وجود" الشيء، أي السؤال عن أن هذا الذي فيهU أم هو أمر موهوم؟ وقد سبق لنا القول في هل موجود واقعاtولى أن الجواب على هذا السؤال ال ينهض به سوى المقالة األ

الفلسفة. ج-السؤال عن "كيفية" الشيء وأحواله وخصوصياته، أي السؤال

عن أن هذا الشيء الذي أفكر فيه ما هي أحواله وأعراضهtولى فإن2 العلوم هي وخصوصياته؟ وكما مر) في المقالة األ

� لم)ا كان له موضوع خاص المتكفلة ببيان هذه الجهة، فكل¢ علمtجيب على األسئلة المتعلقة بذلك يبحث عن حاالته وكيفياته فإنه ي

الموضوع. د-السؤال بـ"لماذا" عن علة وجود ذلك الشيء، أو عن علة كيفية

ذلك الشيء.U، وتتكفل به والجواب على هذا السؤال تنهض به الفلسفة أحيانا

U أخرى. العلوم أحياناlنساني مرة واحدة بل إن هذه األسئلة ال تقفز في الذهن اإل

lنسان عندما يلتفت إلى شيء ألول وهلة فإنه يريد الترتيب، فاإل أن يفهمه بصورة مجملة ما هو؟ وبعد أن يتعر)ف على "ماهية"

Page 79: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ز ذلك الشيء في فكره من سائر األشياء U ويمي ذلك الشيء إجماالlبهام واالختالط فإنه يريد أن U عن اإل بحيث يصبح في ذهنه بعيدا

يفهم: هل هذا الشيء موجود أم ال؟ وإذا عرف أنه موجود )إما بفضل الوضوح وإما بوساطة البرهام الفلسفي( فإنه يتصدى الكتشاف حاالته وأعراضه، وعندئذ يصل

)ة، ثم يصل إلى مرحلة الظفر الدور للسؤال عن علته الوجودي)ة الكيفيات. بعل

U بحيث ويعلم مم)ا قلناه لحد¡ اآلن أنه ما لم نعرف الشيء إجماال تمييزه من سائر األشياء، أو على األقل نستطيع تمييزه عن

طريق� أقرب وأظهر خواص¡ه فإننا ال نستطيع أن نقتحم التحقيق في أصل وجوده وال في كيفياته وأعراض وجوده )لو كانت

� يبدأون U وفي كل¡ علم مجهولة لدينا(، ولهذا نالحظ العلماء دائما في مطلع كل¡ فصل بتعريف موضوع ذلك الفصل، ثم ينتقلون إلى

tشير إليه في المتن: " كيف صلب الموضوع، وذلك ألنه كما أ يرضى ضمير مفكر� باحث� أن يدرس أحكام موضوع بينما هو ال

)ز الموضوع من U عن حقيقة الموضوع، وحتى أنه ال يمي يعلم شيئا غير الموضوع، وحسب قول المtستشكل عندما يسمع اسم

)ة بل يسأل عن خواص)ه ما هي؟ )بينما الموضوع ال يسأل عن ماهيهذا السؤال بعينه طلب للمعر)ف(".

)ون بشكل عجيب على أصل "نفي االختالفات ويصر¢ المادي الماهوية بين األشياء" وأصل "التحول والتكامل العام بين األشياء

في الخارج وفي الذهن" وأصل "تبعية الجزء للكل"، بحيث يعتبرون التفكير الميتافيزيقي-الذي يفصل األشياء عن بعضها

U، بل ال يكتفون باعتبار التعريف U مغلوطا بالتعريفات-تفكيرا،U U، بل ال يكتفون باعتبار التعريف والتحديد غلطا والتحديد غلطا

U ينكرون حتى أصل "الهوهوية" أو "العينية" القائل وإنما هم أحياناU "ألف" هو "ألف" بنفسه. أن كل2 شيء هو هو بنفسه، فمثال

وسوف نتناول الحديث عن هذا الموضوع بالتفصيل في أواخرهذه المقالة وذلك عندما نتحدث عن أصل العينية والثبات.

وللجواب على هذه النظرية-عالوة على ما ذكر في المتن وما سوف يأتي في أواخر هذه المقالة-نكتفي بالقول أن نفس العلوم

tستفاد )ة والتجريبية دليل على ما نقول، ففي هذه العلوم ي الحسي من المشاهدة والتجربة، ومن الواضح أن2 ما يجري تجربته هي

الجزيئات، ولتمييز وتفكيك الجزيئات عن بعضها تكفي المشاهدة الحضورية، وليس هناك حاجة للتعريف وال التحديد. ولكن نتيجة

المشاهدات والتجارب هي عندما تتخذ صورة القانون العلمي العام وتصبح صالحة لتسجيلها في الكتب المتخصصة بعنوان انها

Page 80: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U ومفهوم 2ة موضوعا "أصل" شامل، حيث يكون أحد المفاهيم الكليU، ومن الواضح أن المفهوم الكلي) ال يمكن تعيينه كلي آخر محموال

lحساس بل ال بد2 من التعريف والتحديد لتمييز lشارة واإل باإل الموضوع من غير الموضوع، والمحمول من غير المحمول، ونحن

U في الكتب الفيزيائية والكيميائية والرياضيات وعلم نالحظ عمليا األحياء وغيرها أنها تستغل هذه الطريقة، فهي في أول كل¡ فصل�

تتناول قبل أي) شيء� تعريف وتحديد موضوع ذلك الفصل.(. [115 ]

وكيف يرضى ضمير مفكر� باحث� أن يدرس أحكام موضوع بينما)ز U عن حقيقة الموضوع، وحتى أنه ال يمي هو ال يعلم شيئا

الموضوع من غير الموضوع، وحسب قول المtستشكل عندما)ته، بل يسأل عن خواص)ه يسمع اسم الموضوع ال يسأل عن ماهي

ما هي؟ )بينما هذا السؤال بعينه طلب للمعر)ف(. )ة وال بد) U التجارب الحسي )ما كان العالم الحسي) يتناول غالبا أجل ل

أن [116]

)صل بالحس، وكما قلنا فإنه في الجزئيات المحسوسة يمكن يتU إلى التعريف االكتفاء بالمشاهدة الحسية، فهو إذن ال يحتاج كثيرا والتحديد، وكذا احتياجاتنا اليومية في استغاللنا الطبيعي للماديات

.U فإنها تؤم2ن عن هذا الطريق أيضا)ة من قبيل ولكنه ال بد2 له من االلتفات إلى البحوث غير الحسي

الرياضيات والقانون، وكذا الدراسات الفلسفية والمنطقية،)ة ال معنى لها في هذه المجاالت، وعندئذ� يعرف أن التجربة الحسي وما لم يقم بتحديد الموضوعات وتعريفها فإنه سوف يتورط في

أخطاء واشتباهات، كما تورط في ذلك الماديون الذين يتمسكون باألسلوب الحسي)، فهم-نتيجة للتسامح في التعريف والتحديد

والتسمية- يوردون إشكاالت واعتراضات على المنطق والفلسفة وغيرهما، وهي إشكاالت مثيرة للضحك عند المفكر الواعي)منlشكاالت التي يوردونها في الماهيات واجتماع النقيضين قبيل اإل

والمعلومات الثابتة والبديهيات وغيرها.(.

وقد مر) علينا فيما سبق ذكر بعض� منها، وسوف يأتي ذكر بعض�منها فيما بعد، وجذور جميع هذه هو التسامح في التحديد.

إشكال tشكل على هذا الكالم فيقال: ال نقصد نفي صحة مطلق قد ي

التعريف والتحديد، بل نقصد أن البحث عن أحكام موضوع ما2ب من الجنس والفصل، وال U على معرفة حد)ة المرك ليس متوق¡فا

2 إلى المشاجرات العقلية التي ال عائد منها. يؤد¡ي هذا األسلوب إال

Page 81: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

وأن أفضل أسلوب يمكن استخدامه في هذا المجال هو األسلوبالذي يقد)مه المنطق الديالكتيكي وهو:

[117 ])ة ناتجة من ظواهر ماد)ية غير متناهية ما دامت كل) ظاهرة مادي

قامت بالفعل واالنفعال في مسير التحول والتكامل فأوجدت هذه الظاهرة الفعلية، إذن ليس ألي¡ ظاهرة وجود مستقل، بل هي

U في متعلقة بمجموعة من أفعال التحول والتكامل، وهي اآلن أيضا تحول، ومشغولة بقطع طريق التكامل، وفي كل¡ واحد� من

)ة الظاهرة الحالية تعني ، إذن ماهي المنازل الماضية كان لها تجل£2ما كان تصور مجموعة غير مجموعة الحوادث المرتبطة بها، ول

)ما ألممنا أكثر U بالنسبة إلينا إذن كل متناهية من الحوادث مستحيال)سر لنا فإننا نقترب أكثر فأكثر نحو بتاريخ ظهورها بقدر ما يتي

حقيقة تلك الظاهرة. إذن المعر)ف الحقيقي ألي¡ شيء� هو تاريخ ظهوره وحياته المتحولة المتكاملة. وهذا األسلوب هو المرج)ح

U الماد)يون المتمسكون عند جميع العلماء المعاصرين، ويتبناه أيضا¡لون الحوادث الروحية عن بالمنطق الديالكتيكي، ويعرفون ويعل

هذا الطريق، ويفتشون عن جذور كل) حادثة ماد)ية أو روحية بينالحوادث الماضية فيجدونها هناك.

الجواب إن الفلسفة توافق على هذه النظرية )معر)ف أي¡ شيء� هو تاريخ

ظهوره وحياته(، وهي تعتبرها عملية بشرط حذف المسامحات التي استعملت في تقريبها، ولكن هذه النظرية ليست مبنية على ثبوت التحول والتكامل العام، ومن هنا فقد ذكرها الفالسفة في

كتبهم منذ أزمان غابرة )منذ زمان طفولة الفلسفة اليونانية( وقبل ظهور نظرية الحركة الجوهرية العامة في الفلسفة

lسالمية التي ال يزيد عمرها على ثالثة قرون ونصف. فالفالسفة اإل يقولون إن الحد) التام ال بد2 أن يشتمل على جميع علل وجود ذلك الشيء، أي أن المعرفة التامة لشيء تتوقف على معرفة أجزائه

)ة، وذلك )ة وعلل ظهوره وعلى غاياته وأغراضه الوجودي الوجوديألن جميع الجوانب

[118 ])ة المختصة بشيء والتي تظهره وتحفظه بعنوان أنه فرد الوجودي

حقيقي مشخ)ص تكون دخيلة في وجوده، ومن الواضح أن2 إذا كان انطباقة على الخارج المفهوم الكامل ال يكون كذلك إال

بصورة تامة، إذن ال بد2 في المعر2ف من ذكر تاريخ الظهور )العلل المتقدمة على الوجود( والحياة )المادة والصورة أو الخواص)

الضرورية للشيء( وحتى الغاية والغرض من وجوده )وإن كان

Page 82: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

وجود الغاية يكون بعد انعدام وجوده ومنفصل الوجود عن وجوده،U إذا وهذا ما لم تتعرض له نظرية تاريخ الحياة المذكورة(، مثال

أردنا تعريف السرير )مثال مشهور( فال بد2 أن نقول: إنه الشيء الذي يصنعه النجار بوسائل نجارته من الخشب بالشكل الكذائي من أجل الجلوس والنوم عليه، وكل¢ جزء� من أجزاء هذا المعر2ف

إذا احتاج إلى توضيح فال بد2 من توضيحه حسب تلك الطريقة. ومن الواضح أن هذا التعريف للسرير يحتوي على الفاعل والغاية

والمادة والصورة للسرير، وإذا أسقطنا منه أي) واحد� من هذهU بنفس ذلك المقدار، ولكن المادة والصورة -من فإنه يكون ناقصا

U- هما المهمتان والمؤثرتان بشكل أعظم. بيان هذه جميعا2ضح أنه ال مانع من استعمال هذه الطريقة في وبهذه البيان يت

)ة، الموجودات الروحية مثل ما تستعمل في الموجودات الجسمي ولكنه من الخطأ االكتفاء بذكر العلل الماد)ية في تعريف الحوادث

الروحية، وذلك ألن هذه الطريقة توض)ح لنا فقط الناحية الماد)يةللحادثة دون جميع الجوانب الماد)ية والروحية لها.

ولنعد إلى حديثنا السابق، فكل) ما قلناه يدور حول تحليل القسمالتصوري للمعلومات.

[119 ]lدراكات كثرة من وأما القسم الثاني)قد ذكرنا فيما مضى أن لإل

2ركيب، وقلنا-في التعليقات السابقة- أن حيث البساطة والت ( علىSyntese ، وسنتز Analyseالتحليل والتركيب )آناليز

قسمين: عملي ونظري )ذهني(. فالتحليل والتركيب العمليانlنسان بتحليل او تركيب المواد الخارجية، مثل أن يعنيان قيام اإل

يقوم بتحليل مركب صناعي )كالساعة والماكنة( أو مركب طبيعي )كالماء( إلى أجزائه األولية، أو يعيد صياغته من جديد.

وجميع العمليات الكيميائية التي تتم في المختبرات هي من هذا القبيل. ويعد) التحليل والتركيب العمليان من أهم الشروط الالزمة

للحصول على القوانين الطبيعية. والعلوم الطبيعية-- منذ بداية حياتها-قد أحرزت كل) تقدمها بفضل المشاهدات الدقيقة

والتجارب والتحليالت والتركيبات العملية. وقد اهتم علماء أوروباU بهذه الطريقة النافعة خالل القرون األخيرة، وقد U عظيما اهتماما

حق2قوا في النتيجة نجاحات رائعة واكتشافات عظيمة لم تكنتخطر فيما مضى على بال إنسان.

lنسان أم2 التحليل والتركيب النظريان أو الذهنيان فيعنيان قيام اإل بتحليل وتركيب ومقارنة مدركاته ومعلوماته الذهنية، وليس

التفكير- الذي هو أرفع األعمال الذهنية-سوى التحليل والتركيبالذهنيين.

Page 83: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

توضيح ذلك: التحليل والتركيب إم2ا أن يكونا ذهنيين أو حسيين أويان يعنيان قيام خياليين أو عقليين، فالتحليل والتركيب الحس)

،U lنسان حضورا الذهن بالتصرف في صورة محسوسة يحسها اإلlنسان إلى سجادة ذات نقوش متعددة وأزهار U عندما ينظر اإل مثال مختلفة، ويلتفت إلى بعض النقوش واألزهار فيجسم لها صورة

معينة في ذهنه، ونتيجة لمرتين من التحليل وااللتفات إلى البعضU آخر، أو عندما ينظر دون البعض اآلخر فإنه يصوغ لنفسه شكال

في أعماق الليل إلى السماء المرص)عة بالنجوم فإنه نتيجة للجمع والتركيب وااللتفات إلى مجموعة من النجوم يجسم في ذهنه صورة لحيوان معين، وفي نفس الوقت يقوم بتحليل وتركيب

آخرين ليجسم في ذهنه صورة أخرى. ومثل هذه التصرفات فيU فإنها U بحرية وحسب الرغبة، وثانيا الصور المحسوسة تتم أوال

lنسان أن توجد بتدخل العوامل الذهنية فقط، وال تتطلب من اإل)ر وضع عينيه أو كيفية نظره. يغي

والتحليل والتركيب الخياليان هما أن يقوم الذهن بالتصرف بحريةU وحسب الرغبة الباطنية في الصور المتجمعة في الحافظة، مثال

يوجد في ذهنه تصور للجبل وتصور آخر للفوالذ، ثم يقوم-بما2خيل-بصياغة صورة للجبل الفوالذي. أو توجد في يملك من قوة الت

lنسان وصورة للفرس وصورة لجناحي) الطائر، ثم ذهنه صورة لإل2خيل-بصياغة صورة لفرس له رأس يقوم-بما يتمتع به من قوة الت

U بجناحين. إنسان وهو مزو)د أيضا والتخيالت الشعرية تنبع من هذا اللون من التحليل والتركيب،

U من 2خيل الشعري) يكون ذهن المtبدع والمtخترع متحررا ففي الت مراعاة قيد المطابقة لنفس األمر، وهو يطيع فقط رغباته

الداخلية، وفي الصور الشعرية ال يريد الذهن أن يعكس األشياء على ما هي عليه، وإنما هو يريد أن يصوغ لوحة منها حسب ما

تقتضيه رغباته النفسية. ومن هنا عد) الشعر من الفنونوالصناعات.

أما التحليل والتركيب العقليان فهما أن ال يتبع الذهن الرغبات النفسية بل يجعل كل) هم)ه المطابقة لنفس األمر، ولهذا الغرض

فهو يقوم بتحليل وتركيب الصور المعقولة. ويكون ذلك على قسمين: تصوري وتصديقي. فالتصوري هو أن يتناول العقل

¡له إلى جوانب مشتركة وجانب مختص. U ويحل )ا U كلي مفهوما)ن الجوانب المشتركة وعادة تكون تعاريف األشياء-التي تبي

والجانب المختص بالشيء المعر2ف-من أنواع التحليل العقليU نقول )ته، فمثال التصوري الذي يتم في مفهوم ذلك الشيء وماهي في تعريف الخط: "كمية متصلة ليس لها سوى بعد واحد"، فمن

Page 84: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U من نوع الكميات ال من نوع خالل هذا التعريف نفهم أن الخط أوالU: أنه كمية متصلة lضافات وال من الجواهر، ثانيا الكيفيات وال من اإل يمكن أن يفرض بين أجزائه حد) مشترك، وليس هو من الكميات

2 امتداد t: أنه كمية متصلة ليس لها إال المنفصلة )األعداد(، ثالثا واحد، وهو يختلف عن السطح الذي له امتدادان وعن الجسم

التعليمي )الحجم( الذي له ثالثة امتدادات. وبديهي أن هذا التحليل الذي قمنا به في مفهوم الخط ليس من ألوان التحليلU من العملي، وذلك ألن الخط في وجوده الخارجي ليس مركبا

)ل الكمية واالتصال والبعد الواحد، أي أنه ليس بشكل بحيث تشكU U آخر والبعد الواحد قسما U من وجوده واالتصال قسما الكمية قسما

U منه، بل هذه المفاهيم الثالثة موجودة في الخارج بوجود ثالثا)ته واحد، ولهذا فإن هذه األجزاء أجزاء لمفهوم ذلك الشيء وماهي

وليست أجزاء لوجوده، وهي تسمى في اصطالح المنطق2حليلية". والفلسفة بـ"األجزاء الت

وأما التحليل والتركيب التصديقيان فهما عبارة عن نشاط خاص من االستدالل واالستنتاج بطريقة معينة، وموضوع "القياس" في

المنطق يتكفل ببيانه وتفصيله.2حليل والتركيب ويطلق الحكماء على استعداد الذهن الخاص للت

الذهنيين اسم "القوة المتصرفة"، ويطلقون على القوة المتصرفة عندما تعمل بحرية بين المحسوسات الجزئية أو الصور

الخيالية )القسمين األولين( اسم "القوة المتخيلة"، ويطلقون عليها عندما تعمل بين المعاني المعقولة )القسم الثالث( من

أجل تحقيق الواقع ونفس األمر اسم " القوة المفكرة". كما قلنا فإن "القوة المتخيلة" حرة في عملها، وهي تصل أو

تفصل أي) صورة� باي¡ صورة أخرى وبأي نحو تحبه وتفض¡له الرغبات النفسية، ولكن "القوة المفكرة" ال تتمتع بتلك الحرية،)ن، أي أنها ال بد2 أن تتصرف U حسب قانون معي بل هي تسير دائما في المعقوالت بشكل� يتطابق مع الواقع ونفس األمر، ولهذا لم

2حليالت والتركيبات الحسية والخيالية قيمة منطقية، تكن للت بخالف التحليل والتركيب العقليين اللذين يتمان بوساطة القوة المفكرة، فإن لهما قيمة منطقية، والتحليل والتركيب العقليان

هما اللذان يسميان في المنطق باسم "التحليل والتركيب".

إذن التحليل والتركيب يعنيان التحليل والتركيب العقليين اللذين يتمان بوساطة القوة المفكرة ولهما قيمة منطقية. ويسميأرسطو في منطقة باب القياس باسم التحليل )آنالوطيقا-

Analytique .( األول، وباب الحد) والبرهان باسم التحليل الثاني

Page 85: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

قلنا التحليل والتركيب إم2ا نظريان )ذهنيان( أو عمليان، ويعتبرlكتشاف التحليل والتركيب العمليان من أهم الشروط الالزمة إل أسرار الطبيعة والحصول على قوانينها، وليس ألقسام التحليل والتركيب الذهنيين قيمة منطقية سوى قسم واحد وهو التحليل والتركيب العقليان الذي يسمى في المنطق العقلي بهذا االسم

الخاص "التحليل والتركيب".¡ب ونواجه هنا هذا السؤال: كيف يستطيع الذهن أن يحل¡ل ويرك

بشكل� منطقي؟ وهل يستطيع الذهن-حقيقة-أن يتصرف في المعاني والمفاهيم

الموجودة لديه بحيث يتطابق مع الواقع ونفس األمر؟ لذا نرى من المناسب ذكر بعض األمور التي تستحق االلتفات

والتعمق:أ-كيفية تحليل العقل وتركيبه للتصورات.

ب-كيفية تحليله وتركيبه للتصديقات.ج-القيمة المنطقية لتحليله وتركيبه للتصورات.د-القيمة المنطقية لتحليله وتركيبه للتصديقات.

2فصيل األقسام وال نستطيع في هذا المجال المحدود أن نتناول بالت األربعة. وقد مر2 علينا في المتن والتعليقات بيان مجمل للقسم األول والثالث. وتوجد بعض الدراسات حول هذين القسمين في

الكتب المنطقية المطولة. والقسم الثاني يطلب من مبحث القياس في المنطق. ويبقى بيان القسم الرابع الذي يتمتع بأهمية

فائقة ويعتبر من جملة مسائل الدرجة األولى في المنطق والفلسفة، ولم يصل إلى علمنا أنه قد درس بجميع جوانبه دراسة

إضافية. وههنا ينفصل طريق المنطق العقلي عن طريق المنطق

التجريبي، وبالتالي يتميز سبيل الفلسفة العقلية من سبيل الفلسفة التجريبية. فالمنطق العقلي يضفي القيمة المنطقية)ر عنه بأسلوب االستنتاج على تركيب وتحليل التصديقات المعب

واالستدالل العقلي، ولكن2 المنطق التجريبي يسلب القيمة من أي¡ شيء� سوى االستقراء والمشاهدة والتجربة والتحليل والتركيب

العمليين.* * *

)نا في مقدمة هذه المقالة وخالل المقالة نفسها اختالف لقد بي وجهات النظر بين الحسيين والعقليين بشكل مفص)ل، ونذكر اآلنU بأن2 ذلك االختالف متعلق بالتصورات ال بالتصديقات، وذلك أيضا

U حيث نتساءل: ما هي كيفية ظهور من هذه الناحية أيضا التصورات األولية في الذهن؟ ولهذه المسألة عالقة وطيدة بعلم

Page 86: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)خذونه من مواقف النفس، وتتميز سبل الحكماء من بعضها بما يت2صورات، ولكن هذه المسألة التي إزاء المبدأ والمنشأ األصلي للت

نحاول تناولها اآلن تتعلق بالتصديقات، أي تتعلق بـ"األحكام" التي يصدرها الذهن في مورد التصورات التي ظفر بها عن طريق

الحس أو عن أي¡ طريق� آخر، ولهذه المسألة صبغة "منطقية" خالصة، وهي تفص)ل سبل الحكماء عن بعضها في موضوع التعقل

وقيمة االستدالل العقلي. وال توجد عالقة وثيقة بين هاتين)اب المحدثين قد خلطوا بينهما، ويالحظ هذا المسألتين ولكن الكت

الخلط عادة فيما يطرحونه تحت عنوان المسلك التجريبي"، والمسلك العقلي "راشيناليسمEmpirisme"امبريسم

Rationalismeوقد أد2ى هذا الخلط بين هاتين المسألتين إلى ،" lبهام. ونحن نقوم-ألول مرة-بفصل U في اإل بقاء الموضوع غارقا هاتين عن بعضهما، ولكيال نقع في الخلط اللفظي فقد أطلقنا

على اختالف وجهات النظر في المسألة األولى المتعلقةيين بالتصورات والمرتبطة بعلم النفس اسم "نظرية الحس)

والعقليين"، وأطلقنا على اختالف وجهات النظر في المسألة2صديقات والمرتبطة بالمنطق اسم "نظرية الثانية المتعلقة بالت

التعق)ليين والتجريبيين". وقد سبق لنا بيان نظرية حكماء الشرق ونظرية حكماء الغرب

والنظرية الخاصة لهذه المقالة فيما يتعلق بالمسألة األولى، وقد آن األوان لكي نتناول المسألة الثانية ونبين اختالف وجهات النظر

بين المنطق التجريبي والمنطق العقلي. ونحن لم نالحظ لحد¡U في هذا المجال، وال سيما أن أصحاب U مغنيا U وافيا اآلن تحقيقا

المنطق التعق)لي لم يتناولوا هذه المسألة بالتحليل والشرح المبسوط، ولهذا نحاول هنا أن نشرح نظرية المنطق التعق)لي فيlشارات والبيانات المجملة التي قدمها هذا الباب معتمدين على اإل

ابن سينا ونصير الدين الطوسي وصدر المتألهين وأمثالهم من أصحاب المنطق التعق)لي في هذا المضمار، ومضيفين إليها ما

توصلنا إليه نحن من أفكار ومدافعين عن هذه النظرية بكل¡ قوةوحرارة.

* * * ال تكمن اختالفات وجهات النظر بين التعق)ليين والتجريبيين في

)عق)لي ينكر التأثير 2عقل أو التجربة، فال المنطق الت ضرورة الت العظيم للتجربة في الدراسات العلمية، وال المنطق التجريبي2عقل والتفكير الذي هو عمل الذهن. واالختالف tنكر فائدة الت ي

حاصل في القوانين والمقاييس األساسية للتفكير وطريقة عمل الذهن خالل عملية التفكير. وفي الواقع فإن المنطق يعني علم

Page 87: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

"الميزان" و "المقياس". فعلماء المنطق يحاولون الظفر بالميزان والمقياس األساسي لصحة وسقم األفكار. فالتجريبيون

يزعمون أن المقياس األصيل هو التجربة وينكرون وجود أي¡2عقليون فإنهم يؤمنون بوجود مجموعة من مقياس آخر، أما الت

األصول والمبادئ العقلية المستقلة عن التجربة، ويعتبرونها "الميزان" و المقياس" األصيل الذي يقيسون به صحة األفكار

U لكثير 2عقليون بأن التجربة وإن كانت مقياسا وسقمها. ويعتقد التU وإنما هي من مقاييس U أو2ليا من المسائل ولكنها ليست مقياسا

الدرجة الثانية، أي أن هناك مجموعة من المقاييس األصيلة التي نظفر بوساطتها بكثير من المسائل ومن جملتها كون التجربة

U. ونبدأ اآلن بتوضيح نظرية كل¡ واحد من الطرفين: مقياسا2عقليين: نظرية الت

2عقلي أن األحكام التي يصدرها الذهن بالنسبة يد2عي المنطق الت للقضايا تنقسم على قسمين: األحكام البديهية والنظرية.

U U يقينيا فالبديهية تعني تلك القضايا التي يصدر فيها الذهن حكما من دون أن يستعين باالستدالل، مثل حكمه بامتناع التناقض،

والحكم بأن2 الكل أكبر من الجزء، والحكم بأن حلول جسم واحد في آن واحد في مكانين ممتنع، والحكم بأنه إذا ساوت مقادير

U فإن تلك المقادير متساوية فيما بينها، U واحدا عديدة مقدارا والحكم بأنه من المستحيل أن توجد حادثة من دون علة، وبعبارة

أخرى فإن الصدفة غير ممكنة... والبديهي بدوره ينقسم على قسمين: البديهي األولي والبديهي

الثانوي. فالبديهي األولي: هو الذي ال يحتاج إلى االستدالل وال إلى البحث عن "حد£ أوسط" وال إلى تشكيل صغرى وكبرى، وهو

مستغن� عن أية واسطة وحتى عن المشاهدة والتجربة، ويكفي تصور الموضوع وتصور المحمول في الذهن لكي يصدر الذهن

حكمه اليقيني بثبوت المحمول للموضوع، كاألمثلة السابقة الذكر. أما البديهي الثانوي: فهو الذي ال يكفي تصور الموضوع

والمحمول لكي يصدر الذهن حكمه بشأنه، فهو وإن كان غير محتاج إلى البحث عن "حد£ أوسط" وتشكيل قياس، ولكنه ال بد2

lدراك العالقة بين الموضوع lحساس أو التجربة إل من تدخل اإلوالمحمول، مثل جميع األمور التجريبية.

ح بذلك المحق¡قون في المنطق ولكن البديهيات الثانوية-كما يصر¡2عقلي-ليست بديهية وإنما هي نظرية، فالعقليون يعتقدون بأن الت جميع القضايا التجريبية-كما سوف يأتي بيان ذلك-معتمدة بنحو

من األنحاء على البديهيات األولية، إذن تنحصر البديهيات2رنا )ما عب الحقيقية في البديهيات األولية، ومن هنا فما بعد كل

Page 88: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

بالبديهي أو األصول والمبادئ العقلية فإننا نقصد بها البديهياتاألولية.

2عقلي أن الذهن يستطيع أن يجعل هذه ويد2عي المنطق التU له ثم يكسب بواسطتها قضايا نظرية مجهولة، البديهيات أساسا

( واالستدالل العقلي.Deductionأي ينطلق منها نحو االستنتاج )U عن وفي االستدالل العقلي عادة يظفر الذهن بأحكام أقل عموما

.U طريق أحكام أكثر شموال2عقلي على ادعاء وجود مثل هذه األحكام وال يقتصر المنطق الت

البديهية األولية، واالنطالق منها نحو االستنتاج واالستدالل والظفر بالجزئي من الكلي، بل يمد) نظره إلى القضايا التجريبية-التي

lنسان السطحي أن العامل الوحيد في إيجادها هو يظن اإلU أن لهذه األصول والمبادئ االستقراء والتجربة والمشاهدة-مد¡عيا

U فيها، فلو لم تكن هذه البديهيات لم يظهر أي علم العقلية دخالتجريبي بصورة قانون كلي).

2عقلي في النقاط الثالث اآلتية: ويمكن تلخيص نظرية المنطق الت -هناك مجموعة من األحكام الذهنية بديهية أو2لية، أي أن الذهن1

يكتفي في الحكم بشأنها بمحض تصور الموضوع والمحمول،2ة تجربة� ومقدمة� U عن أي ويكون الذهن في هذه األحكام مستغنيا

2صديقية(. وواسطة� )البديهيات األولية التU له2 2خذ تلك األحكام البديهية األولية أساسا -يستطيع الذهن أن يت

ثم يسلك طريق االستنتاج والقياس العقلي فيظفر بنتائج جديدة، ثم يضع النتائج الحاصلة ركيزة لنتائج أخرى جديدة، وهكذا

دواليك...2 إذا استخدم3 U إال )ا U كلي U علميا -ال تصبح األحكام التجريبية قانونا

¡ب من البديهيات العقلية األولية، وهذا يعني القياس العقلي المركU قياس انه في مورد جميع المسائل العلمية التجريبية يوجد دائماU فإن )م، وإذا لم نأخذ ذلك القياس مفروضا عقلي مفروض ومسل

)ة. مشاهداتنا وتجاربنا ال يمكنها أن تمنحنا نتيجة عامة وكلينظرية التجربيين:

يد)عي المنطق التجريبي: 2ة، أي أنه ال يوجد حتى مورد� 2ة أو2لي U:إنه ليس لدينا أحكام بديهي أوال

واحد� يكفي فيه صرف تصو)ر الموضوع والمحمول لكي يحكمالذهن.

U يسير في أحكامه وتصديقاته من األحكام U:إن2 الذهن دائما ثانيا)ة، ومن األحكام العامة إلى األحكام الجزئية إلى األحكام الكلي

األعم) منها، وهو ال يسير من الكلي) إلى الجزئي)، وبعبارة أخرىU هي السير من الداني إلى العالي فهو فإن عادة الذهن دائما

Page 89: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ة يتصاعد، وال يسير من العالي إلى الداني. وجميع األحكام الكلي)عقليون أنها الموجودة في الذهن البشري اليوم-والتي يتخيل الت)ة" ويكتفي الذهن في إصدار حكمه بشأنها بصرف )ة أو2لي "بديهي

تصور الموضوع والمحمول-إنما هي مجموعة من القضاياlنسان طيلة فترة حياته، وكان الذهن التجريبية التي ظفر بها اإل في البدء قد أصدر أحكامه بصورة قضايا جزئية، ثم أصبح بعدlنسان لم)ا كان )ة. وكل) ما هناك هو أن اإل ذلك بشكل أحكام كلي

U لهذه القضايا منذ بدء حياته وقد تعلمها من مختبر الحياة مواجها)ة فهو يظن) أنها الكبير ال في المدارس وال في المختبرات العادي

)ة. )ة أو)لي قضايا بديهي2عقلي من أن2 الذهن قادر بطريقة وأما ما يظنه المنطق الت

القياس العقلي أن يسير من الكلي) إلى الجزئي، وبهذا فهو يحق)قU فهو اشتباه كبير، وذلك ألن جميع األشكال U ويكشف مجهوال إنجازا

2عقلي والتي يد2عي أنه يصل فيها إلى المشهورة في المنطق الت نتيجة عن طريق ترتيب صغرى وكبرى بوساطة مفهوم كلي يطلق عليه اسم "الحد¡ األوسط" إنما هي مبنية على الشكل

األول. والشكل األول يستلزم تكرار المعلوم أو المصادرة علىlنسان حيوان، وكل) حيوان جسم، إذن U يقولون: اإل المطلوب. فمثال

2 إذا U لدينا إال U ال يكون يقينيا lنسان جسم. فكون الحيوان جسما اإلlنسان استقرأنا جميع أفراد الحيوان. وفي ضمنها أفراد اإل

2 فمن أين نستطيع إثبات 2صفة بالجسمية، وإال U مت فوجدناها جميعا2بنا هذا القياس U ورت U كامال أن الحيوان جسم. فإذا أجرينا استقراءا

U ألمر معلوم من قبل، ويشبه هذا ما لو قلنا: فإنه يكون تكراراU U كامال lنسان جسم. وإذا لم نجر استقراءا lنسان جسم، إذن اإل اإل وقلنا: كل) حيوان جسم، فإنه مصادرة على المطلوب، وهذا مائلنا: بأي دليل كان tنسان جسم، وإذا سl يشبه ما لو اد2عينا أن اإل

lنسان جسم! U؟ أجبنا: بدليل أن اإل lنسان جسما اإلفالنظرية التجريبية تؤكد على نقطتين أساسيتين هما:

2عقليون أ-ليس لدينا بديهي£ أولي)، وجميع القضايا التي يظنها الت)ات األو2لية إنما هي قضايا تجريبية قد ظفر بها اإلنسان من البديهي

خالل عمره المديد. ب-إن أساس النشاط الذهني هو السير من األحكام الجزئية إلى

)ة. األحكام الكلي والجواب على النقطة األولى من نظرية التجريبيين هو: لو فرضنا

)ة صحة هذه النظرية بالنسبة لبعض القضايا البديهية األو2لي واعترفنا بأنها حاصلة عن طريق التجربة، من قبيل الحكم بأن الكل2 أكبر من جزئه، أو المقادير المساوية لمقدار واحد تكون

Page 90: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

متساوية فيما بينها، ولكن هناك بعض القضايا التي نقطع بصحتها ومع ذلك هي غير قابلة للتجربة والمشاهدة، من قبيل الحكم

بامتناع التناقض، والحكم بامتناع الصدفة، أي حدوث الشيء من)ة، والحكم بامتناع الدور، أي تقدم الشيء على نفسه، غير عل

lنسان لم يالحظ في تجاربه ومشاهداته اجتماع وغاية األمر أن اإل النقيضين وال ارتفاعهما وال حدوث الصدفة وال تقدم الشيء على نفسه، ومن الواضح أن صرف عدم المشاهدة ال يدل على العدم

وال على االمتناع.2منا بأن جميع األحكام العقلية بال استثناء وليدة تجارب t: لو سل ثانيا

الحياة فال بد2 أن نعترف عندئذ� أن المقياس المنطقي الوحيد لصحة وسقم القضايا هي التجربة، وحينئذ� نتساءل: هل حكمنا هذا

"بأن2 كل) ما جاءنا عن طريق التجربة فهو صحيح ومنطقي" صحيح أم خطأ؟ إن كان خطأ فما يد2عيه المنطق التجريبي إذن

U حيث ينكر هذا خطأ ويكون ما يد2عيه المنطق التعقلي صحيحاU فإننا نعود لنتساءل عن هذا U ومنطقيا االنحصار، إن كان صحيحا

الحكم هل هو وليد التجربة؟ أي هل أثبتت التجربة صحة التجربة؟ أم أن2 هذا الحكم ليس وليد التجربة؟ إن لم يكن وليد التجربة

U U حاصال U، أي حكما )ا U أو2لي )ا U بديهي إذن يعرف من هذا أن لدينا حكما بدون وساطة التجربة، وإن أثبتنا صحة التجربة بالتجربة فقبل أن نبدأ التجربة ال تكون التجربة معتبرة عندنا، وبعد أن ننهي التجربة فإننا نقيسها إلى شيء لم تثبت عندنا صحته، إذن صحة التجربة

عندنا غير ثابتة، إذن ال يكون هذا الحكم القائل:"إن الحكم الوحيدU بطريق المنطقي والمعتبر هو الذي تؤكد صحته التجربة" ثابتا

أولى. والحقيقة هي أن جميع األحكام الحاصلة للذهن مع الواسطة ال بد2

أن تنتهي إلى أحكام بال واسطة، ولو فرضنا أن2 لجميع األحكام واسطة )التجربة أو أي) شيء� آخر( فلن يكون من الممكن حصول

� للذهن، وبالتالي ال بد2 أن يغوص الذهن في لجج الشك أي) حكم)ة يستلزم المطلق، وبعبارة أخرى فإن2 إنكار البديهيات األو2لي

الشك) المطلق والسقوط في المهوى السحيق للسوفسطائية. )ن U بزمان� معي ثالثا: إن عامل المشاهدة والتجربة محدود دائما)ن، ولو فرضنا أن2 جميع القضايا التي )ن وعدد� معي ومكان� معي

)ة هي قضايا تجريبية فإن الذهن - 2عقليون بديهيات أو2لي يعتبرها الت بفضل عامل التجربة- يستطيع الحكم في تلك الموارد المحدودةU لو فرضنا التي تناولتها المشاهدة والتجربة فقط ليس أكثر. مثال

بنا عشرة موارد أو مائة أو ألف مورد فانتهينا فيها إننا شاهدنا وجر2إلى هذه النتيجة القائلة:

Page 91: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U فإن تلك المقادير متساوية U واحدا "إذا ساوت عدة مقادير مقدارا فيما بينها"، أو إلى هذه النتيجة القائلة:"إن التناقض ممتنع"، فبأي)

مالك� نعم)م هذا الحكم بحيث يشمل جميع األزمنة واألمكنة وكل))متناهية؟ الموارد الال

)ة ترفض أي )ة أبدي )ة أزلي ونحن نجد في أذهاننا هذه األحكام كلياستثناء )أي انها ضرورية(، مع أن هذه الخواص الثالث )الكلية-

الدوام-الضرورة( ال يمكن أن يكون أي) منها وليد التجربة.2ضح الجواب على النقطة الثانية من نظرية U يت ومن هنا أيضا

U يصل إلى األحكام التجربيين، فالتجريبيون يد2عون أن الذهن دائما)ة عن طريق األحكام الجزئية، وهنا نتسائل: لماذا يعم)م الكليبة إلى الموارد التي لم تتم الذهن حكمه من الموارد المجر)

U؟ U متصاعدا تجربتها فينتقل من الجزئي إلى الكل)ي ويقطع طريقاU بأن أي حكم يثبت لبعض أفراد الكلي) فهو أيكون الذهن مذعنا

U؟ ثابت لجميع أفراده، أي هل حكم األشياء المتماثلة متماثل أيضاأم أن2 الذهن ال إذعان له بذلك؟

U فالتجربة إذن في بعض الموارد التي تم)ت إن لم يكن مذعناU للحكم بالنسبة لألفراد التي لم تجربتها ال يمكن أن تكون مالكا

U بالنسبة U ما لو أراد الذهن أن يصدرحكما تجرب. ويشبه هذا تماما لتلك األفراد التي لم تجرب قبل أن نبدأ أي) تجربة� أو مشاهدة�،

مع أن الذهن-بالضرورة وباعتراف العلماء التجريبيين أنفسهم- الحكم له بالنسبة للمواضيع التجريبية قبل تجربتها.

U فال بد2 أن يكون قد ظفر بها الحكم من دون وإن كان مذعنا وساطة التجربة والمشاهدة، وذلك ألن هذا الحكم لو كان وليد

U في تعميمه إلى حكم آخر وهكذا دواليك... التجربة الحتاج قطعا ومن هنا يعلم أنه في جميع المسائل التجريبية حيث يتحرك

)ة ال بد2 أن الذهن من األحكام الجزئية ليصل إلى األحكام الكليU على مجموعة من األصول العامة غير التجريبية، يكون معتمدا غاية األمر أن هذه األصول العامة لم)ا كانت تستعمل في جميع

الموارد ويستغلها الذهن بصورة أتوماتيكية فإن الشخص يظن أنه قد انتقل من الجزئي إلى الكلي) ومن الداني إلى العالي بفضل عامل التجربة والمشاهدة فقط، والحال أن هذا التصاعد قد تم2

بمساعدة تلك األصول العامة. وتساهم في صياغة األحكام التجريبية أصول عقلية عديدة، وأهم

األصول العقلية التي تعتمد عليها أي تجربة أصالن:U من هذا األصل أن أحدهما: امتناع الصدفة، فالذهن يعلم انطالقا

U أي¡ حادثة ال يمكن أن تقع من دون علة، ومن هنا فهو يعلم اجماال)ة ما لكل¡ حادثة. ويعد) هذا األصل من وبشكل يقيني بوجود عل

Page 92: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ة وال عالقة وال عالقة له بالتجربة. والثاني: أصل البديهيات األو2لي)نة )ة معي U يصدر من عل السنخية بين العلة والمعلول، أي) أنه دائما)ن. ويستنتج هذا األصل من أصل امتناع التناقض وال معلول معي

U بالتجربة. عالقة له أيضا¡م الذهن بصحة هذين األصلين فإنه يستطيع أن وبعد أن يسل

يستنتج من تجاربه، وذلك ألن التجربة تحاول اكتشاف العالقة بين¡ية حادثة لحادثة أخرى، ولم)ا حادثتين جزئيتين، والتعرف على عل

U بكون الصدفة مستحيلة وأي¡ حادثة� ال يمكن أن كان الذهن مؤمنا2ة فهو مذعن� إذن هذه الحادثة المدروسة ليست من تكون بال عل

)ة، وعندئذ� يستغل األساليب الخاصة التي يستعملها دون عل)ة الواقعية لتلك العلماء التجريبيون في مختبراتهم ليصل إلى العل

الحادثة )يقترح العلماء التجريبيون من قبيل فرانسيس بيكن واستوارت ميل مناهج عملية مفيدة لطريقة التجربة وللظفر

)ة حادثة، وقد استغل هذه المناهج الباحثون في )ة الحقيقية ألي بالعل العلوم الطبيعية، وإذا لم يسلك الباحث تلك السبل فإن التجربة

تكون عقيمة، ولكن2 القارئ الكريم يعلم أن2 صحة أي¡ تجربة� تتوقف على انتهاج تلك األساليب، أم2ا صحة تلك األساليب نفسها فال تنهض التجربة بإثباتها وال بد2 أنهم قد توص2لوا إلى إثبات صحة تلك األساليب بلون من االستدالل العقلي الذي ينكرون صحته(،

)ية حادثة ما لحادثة أخرى في الموارد الجزئية وبعد أن يكتشف علU على أصل السنخية بين العلة والمعلول بحيث تكون فإنه اعتمادا

U-وهو أمر تثبت صحته )نا U معي U تستوجب معلوال العلة المعينة دائما الفلسفية العقلية- يقوم بتعميم ذلك الحكم الجزئي ويتصاعد بهU أن )ا U، ومن الواضح أنه من العسير عملي )ا U كليي ليصوغ منه قانونا2ة الواقعية لحادثة ما من بين األمور تستطيع التجربة تعيين العل

)ن )ة للحادثة، فيعي العديدة التي يحتمل كل) منها أن يكون علU وينفي سائر االحتماالت. وعدم يقينية القضايا المجر)ب شيئا

)ة في التغيير السريع الذي التجريبية تعود إلى هذا السبب وهو العليالحظ في القضايا التجريبية.

وإما إشكال المنطق التجريبي على أسلوب االستنتاج في)عقلي، حيث يزعم بأن االنتقال من الكلي) إلى الجزئي)، المنطق الت� أو مصادرة� على U ألمر� معلوم ) تكرارا واالستدالل القياسي ليس إال

المطلوب فجوابه: U: إن2 استدالل المنطق التجريبي هذا هو استدالل قياسي) يسير أوال من الكلي) إلى الجزئي)، فهو إذن إما تكرار ألمر� معلوم أو مصادرة�

على المطلوب.

Page 93: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U: إن ظن) المنطق التجريبي كون أي استدالل كلي) فهو إما ثانياU على أن )ا تكرار ألمر� معلول أو مصادرة� على المطلوب يكون مبني

U من الحكم الجزئي) إلى الحكم الكلي)، ولكنه الذهن يسير دائماU 2ضح لدينا فيما سبق لنا بيانه أن الذهن ليس فقط ال يسير دائما ات من الجزئي) إلى الكلي) بل في بعض الموارد التي يسير فيها من الجزئي) إلى الكلي) ويصوغ القوانين العامة للعلوم الطبيعية فإنه

يستعين بمجموعة من األصول العامة التي يدركها الذهن منذ البدء بهذه الصفة الكلية ومن دون وساطة أي) عامل خارجي

)تجربة كانت أو غيرها(.lنسان والحيوان t: ما جاء به المنطق التجريبي في مورد اإل ثالثا)ر بعنوان المثال فهو مناقشة في المثال، ونحن نستطيع أن نغي

tستفاد من أسلوب المثال ونستفتي الرياضيات. ففي الرياضيات يU يوجد في الهندسة قانونان أو ثالثة قوانين القياس العقلي، مثال

عامة مسلمة الصحة من قبيل قانون المساواة وقانون الكل)U لهذا العلم، وكل) مورد جزئي) في هذا والجزء، ويعتبران أساسا

العلم فهو يستنبط منهما وإذا كان كل) استدالل عقلي) وكل) سير� أو U ألمر�l معلوم U وتكرارا U مطلقا من الكلي) إلى الجزئي) خطا

lستدالالت الرياضية تصبح مصادرة� على المطلوب، فإن جميع اإل غير ذات قيمة، ويلزم عندئذ� لمعرفة هذه األصول الرياضية المتعارفة-من قبيل أصل المساواة وأصل الكل) والجزء-أن

U جميع المسائل الرياضية ونعرفها ثم نحكم بأن نستقرئ أوال المقادير المساوية لمقدار واحد هي متساوية فيما بينها، وأن

الكل) أكبر من الجزء. lستدالالت الرياضية وحاول بعض العلماء ادعاء الفرق بين اإل

U أنه في نفس الوقت الذي ال يكون فيه lستدالل القياسي زاعما واإلU من الكلي) إلى U ليس سيرا U فإنه أيضا lستدالل الرياضي) تجريبيا اإل

الجزئي) بل العكس أنه سير من الجزئي) إلى الكلي) بطريقة2عميم، يقول فيلسين شاله في كتابه "ميثودولوجي" )علم الت

األساليب( في الفصل المعنون بـ "أسلوب الرياضيات" ما نص)ه: "يمكننا القول: إن التعميم يستعمل في جميع البراهين الرياضية.

U في الموارد وكل) ما يثبت في مثال واحد فإنهم يعتبرونه صادقاU بالنسبة للمثلث )أ ب ج(فإننا U عندما نثبت شيئا tخرى، مثال األU بين U أساسيا نعم¡مه ليشمل جميع المثلثات. ولكن هناك فرقا)عميم المستعمل في )عميم المستعمل في الرياضيات والت الت

2عميم العلوم الفيزيائية والكيميائية، ويتلخص هذا الفرق في أن الت الرياضي) ال يحصل عن طريق التجربة، على العكس من العلومU بالبرهان للمثلث )أ ب ج( ثم U عندما نثبت حكما التجريبية، فمثال

Page 94: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U في نعم)مه ليشمل جميع المثلثات، فإن2 التجربة ال دخل لها إطالقا2عميم، بينما نط2لع على ان هذا الفلز أو ذاك أو جميع هذا الت

الفلزات تستنبط بالحرارة بوساطة التجربة".lستدالالت الرياضية ليس هو بمعنى والواقع هو أن2 التعميم في اإل السير من الجزئي) إلى الكلي) أو من الكلي) إلى ما هو أوسع منه، وذلك ألن الشيء الذي يفرض التسليم على الذهن في المسائل الرياضية هو صرف البرهان الرياضي، وبالضرورة فإن أي¡ برهان

)ن، وإذا استعملنا البرهان الرياضي في رياضي ال يختص بمورد معي2فهيم U المثلث أ ب ج( فالمقصود من ذلك هو الت )ن )مثال مورد معي

وتوضيح مفاد البرهان للذهن، ولهذا إذا استطاع الذهن تصورU مفاد البرهان من دون رجوع إلى مورد خاص، فإنه يكون ملزوما

بقبوله، وبعبارة أخرى: فإن2 العامل الذي يحمل الذهن علىlذعان ويلزمه بقبول مفاد البرهان الكلي) هو نفس البرهان اإل

فحسب، وغاية ما في األمر هو أنه في مورد كل) إذعان وحكم ال بد2 أن يتصور الذهن القضية المفروض بشكل واضح حتى يستطيع أن يذعن لمضمونها. فاالحتياج إلى الموارد الخاصة في المسائل

)صديق بمضمونه. الرياضية يكون لتصور مفاد البرهان ال للت وفي مقام التفرقة بين االستقراء واالستدالل القياسي والبرهان

الرياضي يقول فيلسين شاله: )ز بين القياس- الذي ال دخل "بوساطة هذا األمر األساسي يمي للتجربة فيه-واالستقراء المبني على التجربة، وعندئذ� ال بد) من

tذكر عادة للقياس من أنه )استدالل ينتقل إصالح التعريف الذي يU )ة إلى قضية أقل شموال )ة كلي )ة إلى قضي فيه الذهن من قضية كلي

منها( وإحالل تعريف آخر محله بحيث ينطبق على القياس)ق فيه الذهن حكم الكلي) على أفراده-وعلى الصوري)-الذي يطب

البرهان )البرهان الرياضي( الذي ينتقل فيه الفكر من األقل)ة. والقاسم المشترك بين القياس الصوري U إلى األكثر كلي عموما

والبرهان الرياضي هو أن2 الذهن في كال الموردين ال يستعين2جربة، ويقوم الذهن بنفسه بإيجاد عالقات بين األفكار تعتبر بالت

ضرورية من الناحية المنطقية. إذن من األفضل في تعريف القياس أو االستدالل االستنتاجي أن نقول: هو كالم مؤلف من

قضايا بحيث تكون بين التصورات الموجودة فيه رابطة ضرورية. فالقياس الصوري هو أحد الموارد الجزئية للقياس )االستنتاج(،

وفيه يستخرج معنى قضية م)ا من أخرى ألنها مندرجة فيها، وتكون الثانية أعم) من األولى، مثل الفاني الذي هو أعم) من

lنسان الذي هو أعم) من سقراط )في قولنا: سقراط lنسان واإل اإل( فسقراط يندرج في ، إذن سقراط فان� lنسان فان� إنسان، واإل

Page 95: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lنسان في ضمن الفاني، ويكون الحكم lنسان، واإل ضمن اإلU على الد2اخل ضمن ذلك المنطبق على األعم) بشكل� كلي) منطبقا

U، أم) االستدالل الرياضي فهو إحدى األعم) وهو أقل منه عموماlندراج"، وإنما لوحظت صور القياس الذي لم تلحظ فيه رابطة "اإل

فيه عالقة "التساوي" أو "التعادل"، فنضع المقادير المعادلةلبعضها مكان بعضها اآلخر ونستنتج من ذلك نتائج ضرورية".

إن2 التفرقة بين القياس المسمى بالصوري) والبرهان الرياضي) بكون العالقة في األول هي "اإلندراج" وفي الثاني هي

"التساوي" ليست صحيحة، فقد انتهى المنطقيون في تحقيقهم إلى أن "قياس المساواة" المستعمل في الرياضيات ينحل¢ إلى

lندراج" وما لم يعن� قياسين، وتالحظ في القياس الثاني عالقة "اإلU عندما القياس الثاني، فإن الذهن ال يصل إلى مقصوده، فمثال

نقيم الدليل على أن الزاوية )أ( تساوي الزاوية )ب( وأن الزاوية )ب( تساوي الزاوية )ج( فإن النتيجة المباشرة لهذا القياس هي

أن الزاوية )أ( تساوي المساوي للزاوية )ج( )ال أنها تساوي الزاوية ج(، ثم نجعل هذه النتيجة مقدمة لقياس آخر تالحظ فيه

عالقة االندراج ويسير فيه الذهن من الكلي) إلى الجزئي) بهذا)ما كانت الشكل: الزاوية )أ( تساوي المساوي للزاوية )ج(، وكل

هناك مقادير مساوية لمقدار واحد فهي متساوية فيما بينها، إذنالزاوية )أ( مساوية للزاوية )ج(.

)قية الذهن هذه مدينة للقياس المسمى وكما يالحظ فإن2 خال.U بالصوري) الذي ينتقل فيه الذهن من الكلي) إلى األقل منه شموال

U في وكل) ما هناك هو أن هذا القياس الثاني لم)ا كان مستعمالlنسان يكون حاضر الذهن جميع الموارد بنحو واحد لذا فإن اإل

U وال يقحم في المعادلة الرياضية. بالنسبة إليه دائما وقد اعترف بعض الفالسفة وعلماء النفس المحدثين بكون

)موا بأن )ة العقلية غير تجريبية، أي أنهم سل مجموعة األصول الكلي)ة العقلية ليس وليد المشاهدة والتجربة ظهور األحكام الكلي

)ة أو واالستقراء، لكنهم زعموا أن ظهورها معلول لعوامل حيوي عوامل اجتماعية، أي أن حاجات الحياة الحياة الفردية أو الحياة االجتماعية قد دفعت الذهن لصياغة هذه األصول، فجعلته يحكم

باستحالة التناقض وبضرورة ثبوت الشيء لنفسه وامتناع الصدفة... وبتغيير حاجات الحياة قد تخلي هذه األصول مكانها

)ها أصول أخرى، وبناء على هذا فإن2 في الفكر البشري لتحل) محل2جربة ولكنها ال تتمتع األصول األو2لية وإن� كانت غير معلولة للت

2عقلي ويعتبرها بقيمة منطقية مطلقة كما يزعم ذلك المنطق الت)ة ترفض أي) تختلف. )ة وأبدي U وعامة وأزلي صحيحة مطلقا

Page 96: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U من النظرية التجريبية، فلم تتم إن هذه النظرية أشد) ضعفا التفرقة فيها بين األفكار الحقيقية واألفكار االعتبارية، وسوف

نتناولها بالدراسة والنقد في المقالة السادسة عند الحديث عن)ات واألفكار العملية. االعتباري

وأشاعت فئة أخرى نغمة جديدة، فاعترفت بان2 األصول السابقة الذكر غير تجريبية، وسل)مت بأن2 الذهن يسير من الحكم الكلي)، لكنها اد2عت أن هذه األصول في الذهن ال إلى الحكم الجزئي)

U )ة وهي فروض بحتة صاغها الذهن وال يجد حرجا تتمتع بقيمة يقيني من الشك والترديد فيها. وغاية ما في األمر هو أن الذهن مرغم

على اعتبار هذه الفرضيات مسل)مة من دون دليل، ألنه إن لمU أن التناقض ممتنع وأن الصدفة يقبلها بال دليل ولم يفرض مثال مستحيلة و... فإن صرح العلم ينهار ويغيب عن العلم البشري

النظام واالستحكام. والجواب على هذه النظرية هو: أيكون فرض هذه األصول الكلية

U في إعطاء المسائل العلمية نتائجها أم ال؟ مؤثراU فسواء، أفرضناها أم لم نفرضها، فإن2 الوضع ال ¡را إن لم يكن مؤث

U فهل استنتاج هذه المسائل الجزئية من ¡را يختلف، وإن كان مؤث تلك الفروض الكلية أمر قطعي) ويقيني) للذهن أم هو بدوره يحتاج

إلى فرض؟U إذن يعرف من هذا أنه بديهي) أو)لي) )ا U ويقيني )ا إن كان قطعي

U في )ا U ويقيني )ا )ضرورة إنتاج القياس( ويكون هذا البديهي) قطعي أذهاننا وال تجيز أذهاننا عندئذ� أي) لون من الشك) والترديد فيه،

U وإن كان استنتاج المسائل العلمية من تلك األصول الكلية محتاجاU إلى فرض إذن لم يصل الذهن إلى هدفه الذي هو انتظام أيضا واستحكام المسائل العلمية، ويصبح فرض هذه األصول وعدم

فرضها على السواء بالنسبة للذهن، وتبقى المسائل العلمية على مستوى الفرض فقط، وقد كان الذهن منذ البدء-ومن دون أن

U على أن يفرض ما U العون من هذه األصول-قادرا يبسط يده طالبايشاء.

)ة يستلزم الشك) في )ة األو2لي والحقيقة هي ان إنكار األحكام البديهي كل¡ شيء� وحتى الشك) في الشك) نفسه، وهذا هو بنفسه الحد)

الفاصل بين الفلسفة والمنطق من جهة والسوفسطائية من جهةأخرى.

ونرى من المناسب أن ننقل كالم فيلسين شاله- أحد أتباع المنطق والفلسفة التجريبيين والمتأثر بقوة المذهب الوضعي

ألوجست كنت-في هذا المجال وننتقده.

Page 97: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

يقول شاله في كتابه ميثودولوجي )علم األساليب( في فصل:"أسلوب العلوم الفيزيائية والكيميائية" ما نصه:

"االستقراء عبارة عن ذلك االستدالل الذي يعتمد فيه الذهن على التجربة وينتقل من معرفة الجزئيات لصياغة القانون العام، أي عندما تنسجم فرضية ما في نتائجها مع جميع األمور المشاهدة

)ة المهم الذي يبدو في االستقراء هو: بة فغن تلك الفرضي والمجر)U مع قوانين العقل أم ال؟ إن هل يكون مثل هذا االستدالل منسجما

U؟ U معها فبأي دليل وما هو األساس في كونه قانونا كان منسجماlشكال ال يرد في موضوع القياس أو ومن الواضح أن هذا اإل

U أن يستخرج من األصول )االستنتاج(، ألن2 من حق الذهن دائما التي قد وضعها من قبل وسلم بها نتائج ضرورية من المنطقية،

U على التجربة فباي¡ حق£ يتجاوز )ا ولكن االستقراء لما كان مبنيبات، ليشمل حدوده التجريبية ويعم)م الحكم الصادق على المجر)

الحوادث التي لم تتم تجربتها لحد¡ اآلن؟ أي أن تجاربنار نقوم ، فباي مبر) )ن� وزمان� خاص� ومشاهداتنا تتم في مكان� معي بوضع قانون عام يشمل جميع األزمنة واألمكنة؟ وكيف نستطيع

أن نتيق)ن أن األمور المجهولة التي ال عد) لها تشبه هذه األمورالمعدودة التي جربناها؟

إن المشاكل التي تكتنف أساس االستقراء هي من هذا القبيل. أو لظاهر أن العلماء مجمعون على أن االستقراء مبنيº على اصل

U U سلوكا ¡حاد شكلها، إي إذا سلكت الطبيعة دائما تشابه الطبيعية وات)نة بين الحوادث في زمان� U فإننا نكتفي بمالحظة عالقة معي )نا معي

، ثم نعلم من هذا أن هذه العالقة موجودة واحد� ومكان� خاص�، ولكن الصعوبة هي في هذه النقطة، فكيف U وفي كل¡ مكان� دائما

U وبنحو )نا U معي U سلوكا نستطيع أن نتيق)ن بأن الطبيعة تسلك دائمامتشابه؟

فالفلسفة التجريبية القائلة أن2 جميع أفكارنا حاصلة لنا نتيجة¡حاد شكلها بوساطة للتجربة تفسر أصل تشابه الطبيعة وات

lنسان أن U وتقول: إن2 الشيء الوحيد الذي يثبت لإل التجربة أيضا)د هذه النظرية 2حد الشكل هي التجربة، وقد أي U مت للطبيعة مسيراlنجليزي "جون استوارت ميل" في كتابه المنطق، الفيلسوف اإل)ة )ة العامة، فكل) عل ويعود برهانه في هذا الباب إلى أصل العلي

)ية العامة هذا )ناص، وقانون العل U معي U معلوال )نة تستوجب دائما معيU يدركه العقل قبل التجربة، وال يعتبر من أصول الفكر ليس أمرا

t أن lنساني، وذلك ألنه من الناحية المنطقية ليس مستحيال اإلlنسان على U، والذي حمل اإل تحصل الحوادث صدفة واتفاقا

)ة lعتقاد بهذا الموضوع هو تجربته، فعرف بوساطتها أن العل اإل

Page 98: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ية U بعينه ليس غير: إذن أصل العل U تستوجب معلوال )ة دائما المعي العامة-الذي يعتبره "جون استوارت ميل" أساس االستقراء-هو

lستقراء وتعميم المالحظات المكتسبة عن بنفسه حاصل نتيجة لإل طريق التجربة، ولكنه ال ينبغي أن يتصور أحد أن2 في كالمنا هذا

U )ألن أساس االستقراء الذي هو أساس هذا األصل U باطال دورا يعتبر نتيجة لالستقراء(، وذلك ألن المقصود من االستقراء الذي

، بينما هو أساس هذا األصل هو االستقراء العامي) السطحي) المقصود من االستقراء الثاني هو االستقراء العلمي)، فنحن نعلم

lنسان العامي) والطفل وحتى الحيوان إذا رأى مرة واحدة أن اإل"...U U آخر، فإنه ينتظر أن يتكرر ذلك دائما U يستلزم أمرا أمرا

إن الجواب الذي يقد)مة فيلسين شاله عن أشكال "الدور" الtسس العقلية والعملية وذلك ألنه: معنى له وهو بعيد عن األ

U: يظهر أمامنا هذا السؤال: كيف يؤد¡ي االستقراء السطحي) أوالU ومن دون مالك في إلى حكم كلي)؟ ثم أيتحرك الذهن جزافا االستقراء السطحي وحتى في ذهن الطفل والحيوان، حيث

ينتقل من الجزئي إلى الكلي)؟ أم يوجد هناك مالك؟)ة U وال تعود له أي U جزافا )ية يصبح أيضا U فأصل العل إن كان ذلك جزافا

)ة التجريبية -المبينة قيمة منطقية، وتغدو جميع القوانين العلميU. وإن كان مالك، إذن يمكن على أصل ال قيمة له- ال قيمة لها أيضا

)ية العامة القول أن الطفل وحتى الحيوان يدرك أصل العلبالفطرة.

والواقع أن ما ينتظره الطفل والحيوان من وقوع حادثة بعد أخرىU عم)ا يدركه حيث شاهد حدوث ذلك مرة واحدة، يختلف تماما

lنسان بقو)ته العاقلة أمران: )ية. فما يدركه اإل lنسان من أصل العل اإل أحدهما: إمتناع الصدفة. والثاني: ضرورة ترتب المعلول على)ة وامتناع تخلفه عنها. وأصل "الضرورة" و "الجبر العل)ي العل

والمعلولي)" هما اللذان يمنحان العلوم النظام واالستحكام)ة. وأم)ا ما )ة وقوانين حتمي ويخرجانها بصورة نواميس قطعي

ينتظره الطفل والحيوان فهو صرف وقوع حادثة بعد أخرى كان قد شاهدها من قبل تحدث أمامه مرة واحدة، وهذا االنتظار لون

�ذهان )ة، وهو يغزو األ من السبق الذهني) الذي ليس له قيمة منطقي البسيطة من قبيل ذهن اإلنسان العامي) والطفل والحيوان، وهو نابع من قوة "تداعي المعاني"، وهو لون من االنتقال من جزئي)ما كان الذهن أكثر بساطة وكان العقل أشد إلى جزئي آخر، وكل

U كان السبق الذهني) المصطلح عليه في المنطق بـ"التمثيل" ضعفا)ما كان العقل أقوى فإن الذهن يبتعد أكثر عن U، وكل اكثر حدوثا التمثيل الذي هو انتقال من جزئي إلى جزئي آخر، ويتجه نحو

Page 99: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ة والدائمة، )ة والضروري القياس الذي ينبع من األحكام الكلي وبعبارة أخرى فإن الذهن في البدء ال يتمتع بالتمييز المنطقي وتكون األحكام التي يصدرها جزئية وسطحية، ولهذا في جميع الموارد التي يوجد فيها "تداع" بين معنيين فإن2 الذهن يسبق

U ويستحكم ذهنه بتوف)ر )ا للحكم، ولكنه بمجرد أن يصبح عقله قوي)ة فيه، فإنه يبدأ في إصدار أحكامه )ات األو2لي )ة والبديهي األصول الكلي

tسس منطقية مطابقة للواقع ونفس األمر، ولهذا فإن حسب أ الذهن بعد أن يشتد) عوده باألصول العقلية يكف) عن أفعالlنسان العامي) والطفل السبق الذهني) التي تتم في ذهن اإل

U تطابق الواقع والحيوان بوساطة تداعي المعاني، وهي أحياناU -وهي األكثر- ال تطابقه. وأساس نظرية "جون استوارت وأحيانا

ميل" التي أشير إليها في ضمن حديث فليسين شاله هو أن المبنى الذي يسير عليه الذهن في التفكير واالستدالل ليس هوlنتقال من lنتقال من الكلي) إلى الجزئي) )القياس( وليس هو اإل اإلlنتقال من جزئي إلى lستقراء( وإنما هو اإل الجزئي) إلى الكلي) )اإل

lنتقال بوساطة "تداعي جزئي آخر )التمثيل(، ويتم هذا اإلالمعاني"، ولعل أو)ل من أبدى هذا الرأي هو "دافيد هيوم" )

(، ولكنه قد علم مم)ا مر) في التعليقات المثبتة في1711-1776( ومم)ا ذكر في المتن أنه: 80-79الصفحتين )

U: "الحكم" يختلف عن تداعي المعاني، وعلل الحكم ومباديه أوالغير علل تداعي المعاني ومباديه.

)ة لسبق الذهن في U مبني وعل U: قد يكون تداعي المعاني أحيانا ثانيا أحد األحكام، ولكن هذا اللون من السبق الذهني) ليس له قيمة

�ذهان U لأل من الناحية المنطقية وفي نفس األمر، وهو يحدث غالبا)ح الذهن )ما تسل lنسان العامي) والطفل والحيوان، وكل البسيطة كاإل

أكثر باألصول العقلية والمنطق الصحيح والقدرة على التنبؤ بما)ة على يطابق الواقع، فإنه يحول دون أفعال السبق الذهني) المبني

أساس تداعي المعاني، إذن تداعي المعاني ليس هو األساسlنسان العلمية الصحيحة، وبالتالي فإن األصيل النتقاالت اإل

lستدالالت المنطقية ليس هو التمثيل. األساس في اإل ولسنا نعرف لماذا يتضايق من "لزوم الدور" فليسين شاله

وسائر أتباع الفلسفة التجريبية؟ وما الذي يحملهم على اعتبارU؟ وهل يستطيع هؤالء أن يفس)روا بطالن الدور U وممتنعا الدور باطال

عن طريق االستقراء؟!!!�شياء إن االستقراء والمشاهدة والتجربة معقولة في مورد األ

)ة، أم)ا المعدومات والممتنعات فإنها ال يمكن مشاهدتها وال العينيتجربتها.

Page 100: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

ويعلم مم)ا ذكرناه لحد¡ اآلن: )ة أو)لية. 1 U وتصديقات بديهي lنسان في ذهنه أحكاما -إن لإل)ة. 2 -تتمتع هذه البديهيات بقيمة يقيني -يستطيع الذهن باعتماده على تلك البديهيات أن ينتقل من3

الحكم الكلي) إلى الحكم الجزئي). -إن األساس األصيل في االنتقاالت الفكرية واالستدالالت4

العقلية ليس هو السير من الجزئي) إلى الكلي) وال من الجزئي)إلى الجزئي) اآلخر وإنما هو السير من الكلي) إلى الجزئي).

-إن الذهن في العلوم الطبيعية والتجريبية يتصاعد من الحكم5، يتم هذا التصاعد بمساعدة األحكام الجزئي) إلى الحكم الكلي)

)ة والقواعد المعتمدة عليها. )ة واألو)لي البديهي)ة هو6 -السبب في عدم كون بعض مسائل العلوم الطبيعية يقيني

النقص في التجارب. -من وجهة نظر علم المنطق وفن الظفر بـ"مقاييس الفكر"7

U من الدرجة الثانية، أما المقاييس من تكون التجربة مقياسا الدرجة األولى فهي مجموعة من األصول العقلية التي بوساطتها

.U يثبت للذهن أن التجربة مقياس أيضا وخاتمة هذا البحث نجد من المناسب أن نكرر الجملة التي

(:32ذكرناها في مقدمة هذه المقالة )ص)ة "صحيح أنه ليس لدينا تصورات متقدمة على التصورات الحسي

)صديقات التجريبية".( ولكن لدينا تصديقات كثيرة متقدمة على الت)التصديقية(

lدراكات ال ريب أن2 لدينا ما ال عد) له من المعلومات الفكرية واإل التصديقية، وعندما نتوفر على دراستها نجد أنها غير منفصلة عن

بعضها، [141 ]

U أي أنها ليست بشكل بحيث نستطيع أن نفرض أحدها معلوماU، أي أن حصول العلم بمعلوم )ه مجهوال وحده، ونفرض الباقي كلU بسائر المعلومات. ويكون هذا الكالم في ما ال ارتباط له إطالقا

العلوم البرهانية أوضح من[142 ]

U من مسائل U أن نثبت كثيرا أي مكان� آخر. فنحن ال نستطيع أبداهذه العلوم ما لم نكن قد أثبتنا قبل ذلك مسائل أخرى كثيرة.

إذن بين هذه المعلومات التصديقية لون من العالقة واالرتباط ال2والد المادي). وذلك ألن التصديقين اللذين بينهما يخلو من شبه بالتU األب واألم والولد، أو يشبهان نسبة األصل والفرع يشبهان تماما)ة المكو)نة للفرع محفوظة في tسس المادي الشجرة والثمرة، فاأل

Page 101: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

وجود األصل، وهو ينفصل عن أصله بصورة جديدة فيصبح ظاهرة حديثة، وأقصى ما يوجد من فرق بينهما هو أن ظهور الفرع

المادي) متوقف على وجود أصله دون بقاء ضروري) لبقاء النتيجة، بحيث إذا زال من الوجود المعطي للنتيجة فإن2 انعدام النتيجة

.U )ا يكون ضروري¡د -بصورة 2صديقات التي تول إذن وجود مجموعة من األفكار والتU ال يمكن مقارنته بوجود مجموعة )نا U معي U وتصديقا منحصرة- فكرا

2ة، وذلك ألن مجموعة ¡د ظاهرة مادي )ة التي تول من الظواهر المادي)ة يمكن أن تفرض غير متناهية بحيث تذهب علل الحوادث المادي

من الوجود كل) حلقة من هذه المجموعة عندما يصل دور الحلقة2حقة وتعطي مكانها للحلقة اآلتية بعدها، ولكن2 أي2 علة الال

2صديقي، تصديقية ال بد2 أن تكون موجودة مع وجود معلولها الت2صديقية يستلزم عدم وفرض عدم التناهي في سلسلة العلل الت2صديق، وعليه فإذا فرضنا وجود معلوم تصديقي حصول ذلك الت

¡دة له في مكان� ما، أي ال فال بد2 أن تقف سلسلة التصديقات المولU بنفسه من دون أن يحتاج بد2 أن تنتهي إلى تصديق� يكون ظاهرا

إلى تصديق� آخر )البديهي األولي(. ويستنتج من هذا البيان:

[143] -إذا فرضنا وجود تصديق علمي )في مقابل الشك(، فإم)ا أن1

U وإما أن ينتهي بالتالي إلى 2ا يكون ذلك المفروض بذاته بديهي .U )ا U بديهي بديهي)، وبعبارة أخرى فإن عندنا تصديقا

� نظري) )غير بديهي)( يوجد بوساطة تركيب2 -إن كل2 معلومالبديهيات أو النظريات المنتهية إلى البديهيات.

)ة. 3 )ة والنظري -إن للعلوم كثرة بوساطة انقسامها إلى البديهيإشكال

:U قد يعترض البعض على الحديث السابق الذكر قائال)ة، وهذا )اتها باستمرار وتعتبرها مؤقت )ر فرضي إن الحركة العلمية تغي ينقض نظريتكم، وذلك ألن2 كل2 مجال� من المجاالت العلمية يتبنى)ن بعض )ة، فيبي )نة ويبدأ البحث على أساس تلك الفرضي )ة معي فرضي

الخواص، وبعد فترة يلمس خواص) جديدة ال تنسجم مع تلك)ة القديمة ويحل¢ )ة الموجودة، فينفض اليد عن الفرضي الفرضي

U، ويواصل على U وأكثر انسجاما )ة جديدة أوسع أفقا محلها فرضي)ة القديمة في أساسها البحث والدراسة، وحينئذ تهمل الفرضي

)ة )ة وسوف تظل حي األوساط العلمية، مع أن لها نتائج إيجابية حيإلى أمد غير معلوم.

)صديق ال يستلزم بطالن نتيجته. )ة الت إذن زوال عل

Page 102: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

الجوابإن الفرضيات العلمية على قسمين:

)ن1 )ات التي ظهور الجديد منها ال يبطل القديم، وإنما تبي -الفرضيU أوسع وأرحب من المجال الذي كانت الفرضية الجديدة مجاال

)ة )نه الفرضي تبي[144]

القديمة. وفي هذه الصورة ال تكون الفرضية القديمة - المنتجة)ة أجد¢ وأروع تؤكد لنظرية إيجابية- قد انهارت، بل تظهر بحل

نتائجها وتمنحها الوضوح والثبات. tلقي به في غمار2 )ات التي ينسخ فيها المتأخر المتقدم وي -الفرضي

)ة حركة الفلك في )ة حركة األرض مع فرضي النسيان، مثل فرضي)ة مثل علم الهيئة، وفي هذه الصورة تزول نتيجة هذه الفرضي

)ة نفسها، ولكن2 النتائج العلمية الحاصلة عن طريق الحس الفرضي والتجربة ال تنعدم، كما يجري ذلك في األرصاد المتوالية والتجارب

المستمرة في أوضاع األجرام المتحركة في علم الهيئة، فهذه)ها تتم المحافظة عليها واالستفادة منها. كل

) قسمي وبغض) النظر عن كل) هذا فإنه يمكن القول في كالlستنتاج العلمي، أي � ال يكون لإل )ات: إن فرضها في أي) علم الفرضي

)عرف على مسائل ذلك العلم ونظرياته، ليس فرضها بهدف التU إلى معلوم، وإنما لتعيين )ة ال تحو)ل مجهوال بمعنى أن تلك الفرضي

( )ع في سلوكنا العلمي، وإال خط السير فقط حتى ال نضل) ونضي فإن استنتاج المسائل متوق)ف على براهين المسائل والتجارب)ة، ويكون U للفرضي وسائر علل إنتاج النظرية، وليس هو معلوال

U مثل حال الطرف الثابت للفرجار )آلة مركبة )ة تماما حال الفرضي)ت إحداهما وتدور حولها األخرى، ترسم من ساقين متصلتين تثبU: بركار، وبرجل، المعجم بها الدوائر واألقواس، ويقولون له أيضا

( فهو بثباته يحفظ سير الطرف المتحرك منه47 ص1الوسيط،ج) يضل وينحرف، ال أن النقاط التي يرسمها الطرف المتحرك لئال

متتالية قد خط)ها الطرف الثابت. [145 ]

lشكال ) (2اإلU عن العلم بالبديهيات، والبديهيات )دا لو كان العلم بالنظريات متول

مستثناة من قانون التوالد، إذن ال معنى لتوقف بديهي على بديهي آخر، مع إنكم تقولون إن جميع القضايا -سواء أكانت)ة- متوقفة على قضية امتناع اجتماع وارتفاع نظرية أم بديهي

النقيضين)لقد سبق لنا القول: إن األحكام الذهنية على قسمين:)ة )ة وبديهي )ة أو)لي U على قسمين: بديهي بديهية ونظرية، والبديهية أيضا

Page 103: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ات ثانوية، ويعتبر المنطقيون والفالسفة بعض القضايا من البديهي)ة، من قبيل الحكم بامتناع التناقض والحكم بأن المقادير األو2لي

المساوية لمقدار واحد متساوية فيما بينها والحكم بامتناع ملء جسم واحد في آن واحد لمكانين، والحكم بامتناع إحالل جسمين

في آن واحد في مكان واحد و.....)ة يطلق على أصل امتناع اجتماع )ات األولي ومن بين جميع البديهيU بأصل امتناع التناقض- )ر عنه اختصارا النقيضين وارتفاعهما-المعب

اسم "أولى األوائل" و "أم القضايا". ونواجه في هذا المجال هذا السؤال: ما معنى أن تكون هذه)ة أو)لية، )ات بديهي القضية أولى األوائل؟ إذا كانت سائر البديهي

د أن يواجه الموضوع والمحمول، فإنه يحكم من والذهن بمجر)U على السواء، دون أن يحتاج إلى أي¡ شيء� آخر، إذن تكون جميعا

وما معنى أولى األوائل عندئذ�؟ وإن كان الذهن في موردها يتوقف على الحكم بامتناع التناقض، إذن ال تكون هذه األحكام

)ة وإنما هي نظرية. في الواقع بديهيlشكال توجد عدة نظريات: للجواب على هذا اإل

)ة ومعنى )ة بل هي نظري أ-إن سائر القضايا ليست في الواقع بديهي كون أصل امتناع التناقض أولى األوائل وأم القضايا هو أن جميع

القضايا تستنتج منها. ولسنا نؤيد هذه النظرية لسببين:

)ا في ضميره. األول: ألن هذا مخالف لما يجده كل) واحد من الثاني: لو كانت جميع البديهيات األخرى نظرية لكانت بحاجة إلى

االستدالل، وكما نعلم فإنه في أي استدالل ال بد2 من أخذ)متين، إذن ال بد2 مقدمتين )صغرى-كبرى( مفروضتي) الصحة ومسل

أن يكون لدينا أصل بديهي) آخر على األقل عالوة على أصلlضافة إلى امتناع التناقض حتى يستطيعا تكوين أول قياس، وباإل ذلك ال بد) أن نكون مسل)مين بصحة استنتاج الجزئي) من الكلي)

)إنتاج الشكل األول( بال وساطة، أي نكون مصد¡قين بذلك بشكل�بديهي£.

إذن هذه النظرية القائلة بانحصار البديهي) في أصل امتناعالتناقض ال يمكن قبولها.

U U وال أحكاما )ة ليست في الواقع أصوال ب- إن سائر األصول البديهيU في موارد مستقلة وإنما هي عين أصل امتناع التناقض مطبقا)ر عن أصل امتناع التناقض في مورد المقادير U يعب مختلفة، مثال

)ية باسم أصل امتناع باسم قانون المساواة، وفي مورد العلالصدفة، وفي الموارد األخرى بأسماء أخرى.

Page 104: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U ال يمكن قبولها، وذلك ألن اختالف القضايا وهذه النظرية أيضا يتوقف على اختالف األجزاء المكو)نة لها، أي يتوقف على

الموضوع والمحمول، والموضوع والمحمول في سائر األصول مختلفان عن الموضوع والمحمول في القضية، وعالوة على هذاU lشكال الثاني الذي أوردناه على النظرية األولى وارد أيضا فإن اإل

على هذه النظرية. )ة، )ة أو)لي )ها بديهي ج-إن أصل امتناع التناقض وسائر البديهيات كل)ات محتاجة إلى أصل وفي نفس الوقت فإن جميع تلك البديهي)ات امتناع التناقض، وكل) ما هناك هو أن نوعية احتياج البديهي

)ة إلى أصل امتناع التناقض تختلف عن نوعية احتياج األو)لي)ات )ات، فنوعية احتياج النظريات إلى البديهي النظريات إلى البديهي)ات، أي أن النتيجة هي أن النظريات بتمام وجودها مدينة للبديهي

U مثل الوليد الناتج من األب المأخوذة من أحد القياسات تماما)ة إلى أولى األوائل )ات األو2لي )ة احتياج البديهي واألم، ولكن نوعي

تكون بشكلl آخر، ويمكننا بيانها بنحوين: أحدهماكما جاء في المتن من أن2 الحكم اليقيني) عبارة عن

U ال يتيسر الحكم اليقيني) lدراك المانع من الطرف المخالف، مثال اإل2 إذا كان الحكم بشكل ينفي بالنسبة لهذه القضية "زيد قائم" إالlحتمال من دون U احتمال عدم قيامه، وال يمكن نفي هذا اإل تماما

lعتماد على أصل عدم اللجوء إلى أصل امتناع التناقض: فباإلU، وخالف ذلك منفي U قائم يقينيا التناقض يتحقق العلم بأن2 زيدا

U، ولو أننا انتزعنا هذا األصل من الفكر البشري لما استطاع يقينياU أن يظفر باليقين والعلم القطعي) بالنسبة ألي) الذهن إطالقا

شيء. )ة والنظرية إلى أصل امتناع إذن حاجة جميع العلوم البديهي

.U التناقض، إنما هي في الحقيقة حاجة الحكم في كونه يقينياU في الفكر البيان الثاني: لو لم يكن أصل امتناع التناقض موجودا

� آخر، توضيح ذلك: أن بعض العلوم � وجود أي) علم لم يمنع أي) علمlدراكات اليقينية( ال تمنع وجود علوم أخرى، مثل العلم بأن )اإل

U قائم، ولكن بعض هذه الورقة بيضاء ال يمنع من العلم بأن زيدا العلوم يمنع من وجود العلوم األخرى بل ويمنع حتى وجود بعض

U غير U قائم فهو يمنع العلم بأن زيدا lحتماالت، مثل العلم بأن زيدا اإلدنا قائم. ويتم هذا المنع بفضل أصل امتناع التناقض، ولو أننا جر)

� آخر، � وجود أي) علم الفكر البشري من هذا األصل لما منع أي) علمU وعندئذ� ال مانع في الفكر أن يكون للشخص علم يقيني) بأن زيدا

U ليس بقائم، أو قائم، وفي نفس الوقت له علم يقيني) بأن زيداعلى األقل يحتمل كون زيد غير قائم.

Page 105: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U على البيان األول لو انتزعنا أصل امتناع التناقض من الفكر وبناءاtسس "الجزم" و "اليقين" ، وألصبح الذهن البشري لهدمنا كل) أ

)صديق اليقني) بأي¡ U في الشك¡ المطلق، ولتعذر عليه الت غارقاU بمئات اآلالف من موضوع من المواضيع، ولو كان مدعوما

البراهين. U على البيان الثاني فإن2 أي2 يقين� ال يمنع من أي¡ يقين� آخر، وبناءا

فال مانع من أن يتمس2ك الذهن بأحد طرفي) القضية )النفي أوU )ا lثبات( وفي نفس الوقت يتمسك بالطرف اآلخر وال يختار أي اإل

منهما. U على كال البيانين فإن2 أساس جميع القوانين العلمية سوف وبناءا ينهار، وذلك ألن القانون العلمي) يعين تمس)ك الذهن بأحد طرفي)

( أو lطالق )حالة الشك) القضية بالذات، فلو لم يكن تمس)ك على اإلU كان تمس)ك بالطرفين فإنه ال معنىU عندئذ� للقانون العلمي)، مثال

U بأن2 هذه tسس هندسة إقليدس يكون الذهن مtذعنا حسب أ المسألة القائلة أن مجموع زوايا المثلث يساوي زاويتين قائمتين

قانون علمي)، وهذه قضية موجبة توص)ل إليها الذهن بفضل البرهان الرياضي وأصل امتناع التناقض، وهو معرض عن نقيضها

U لقائمتين، أم)ا لو القائل أن مجموع زوايا المثلث ليس مساويادنا الذهن من أصل امتناع التناقض، فإن2 الذهن فرضنا أننا جر22أكيد لن يظفر بأي¡ يقين� )بناء على البيان األول( وعندئذ� ال بالت

U U، فإنه من الممكن عد) نقيضها قانونا )ا U علمي يصبح هذا األصل قانوناU، وعلى أي¡ حال� فإن2 الموضوع سوف يخرج عن كونه U أيضا )ا علمي

U ألن معنى القانون العلمي) هو اختيار الذهن ألحد )ا U علمي قانوناالطرفين.

أن أصل امتناع التناقض هو األساس لجميع أحكام الذهن البديهيةوالنظرية.

¡ه صدر المتألهين نسبة أصل امتناع التناقض إلى سائر ويشب)ة والنظرية بنسبة ذات واجب الوجود األصول والتصديقات البديهي

)ة إلى سائر الموجودات في عالم األعيان، أي أنها نسبة المعي)ومية، فلو لم يكن النهار كل) شيء، والحقيقة كما يقول، والقي

وذلك ألننا لو انتزعنا من الفكر البشري هذا األصل الذي هو في الحقيقة أساس جميع األصول الفكرية لما بقي له سوى الشك)

)صديق أو المطلق والتصورات المختلطة المبعثرة العارية عن الت)صديقات المشو)شة العارية عن اختيار طرف بعينه. الت

ومن حق)ه أن يسمى بـ"أصل األصول". إن أصل امتناع التناقض هو مورد قبول جميع األذهان البشرية،

والواقع أنه ال يمكن أن يوجد إنسان وهو ينكر هذا األصل في

Page 106: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

أعماق ذهنه وصميم نفسه، أي أنه قد يكون هناك إنسان غافل عن هذا الحكم الفطري) للذهن بسبب عروض بعض الشبهات أوtوجد إنسان وهو فاقد U أن ي قد ينكر وجوده، ولكنه ال يمكن إطالقا

لهذا الحكم في أعماق ذهنه. ولم يتورط في إنكار وجود هذا األصل في الفكر البشري) العلماء

)ون. ويستثنى في العالم القديم أو الحديث، التجريبيون والعقلي من هذا السوفسطائيون في العالم القديم حيث أنكروا هذا

U أتباع المنطق الديالكتيكي في العالم األصل، وقد أنكره أيضاالحديث.

)ة الديالكتيكية أن يظهروا بعض قدماء وقد حاول أتباع المادي اليونان القائلين بالحركة في الطبيعة أو المؤسسين فلسفتهم

على أصل النزاع بين األضداد في الطبيعة -حاولوا إظهار هؤالء بمظهر المنكرين ألصل امتناع التناقض، ومن هنا فقد اعتبروا

U ألصلHeracliteالفيلسوف اليوناني القديم هرقليطوس منكرا امتناع التناقض في الفكر، ولكن الحقيقة هي أنه قبل الفيلسوف

tنكر أحدHegelاأللماني هيجل المؤسس للديالكتيك الحديث لم يU سوى السوفسطائيين. وقد كان هيجل هذا األصل الفكري) علنا

U إلى أن ما يقوله ال عالقة له بأصل امتناع التناقض، نفسه ملتفتا)ين نهضوا لمقاومة هذا األصل مقاومة عنيفة وذلك ولكن المادي

)ون في منطقهم وفلسفتهم قد انتهوا إلى ألسباب خاصة. فالمادي2 اللجوء إلى إنكار هذا األصل طريق مسدود، وال مفر) لهم إال البديهي). وقد أشرنا إلى بعض هذه الطرق المسدودة التي

257واجهتهم في تعليقاتنا على المقالة الرابعة )الجزء األول ص وما بعدها من الترجمة العربية( وسوف نتناول هذا الموضوع

U بتفصيل أكبر بعون الله.( . قريبا [149 ]

الجواب)ة كانت أم نظرية( بذهن منفتح لو تأملنا إحدى القضايا )بديهي

لوجدناها بذاتها وبقطع النظر عن الخارج ومحكيها إما مطابقة للخارج أو غير مطابقة له )احتمال الصدق والكذب(، وال يمكن أن

U أن تكون قضية ما بجميع قيودها الواقعية مطابقة له نقبل أبداوغير مطابقة له في نفس

[150] الوقت، أي انها صادقة وكاذبة في وقت واحد، أو ال صادقة والlثبات كاذبة في آن� واحد. ومن هنا فإن اختيار أحد الطرفين )اإلlدراك المانع من النقيض U الستقرار العلم )اإل والنفي( ليس كافيا

U من إبطال الطرف اآلخر، وال باصطالح المنطق(، وإنما ال بد2 أيضا

Page 107: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

عالقة لهذا العمل بمواد القضايا وصورها، وإنما مع فرض استكمال القضية لماد)تها وصورتها ال بد) الستقرار العلم من إثبات

أحد الطرفين )الصدق أو الكذب( ونفي الطرف اآلخر. )ات والنظريات هو أن النظريات محتاجة إلى والفرق بين البديهي

)ات فإن ماد)تها غيرها في اكتساب ماد)تها وصورتها، أم)ا البديهي)ما فرضنا وصورتها تكون من ذاتها، كما أنه في عالم الطبيعة كل

U فإنه محتاج إلى آخر مادة في التحليل، ولكن المادة ليست تركيبا بحاجة إلى مادة وإنما هي المادة نفسها، إذن سنخ احتياج أي

قضية إلى قضية استحالة اجتماع وارتفاع النقيضين )أولى األوائلlصطالح الفلسفي( يختلف عن سنخ احتياج النظري إلى باإل

البديهي) فهو احتياج ماد)ي) وصوري). )اه إلى نتيجته، U وقارن U مثال )ا U رياضي توضيح ذلك: لو أخذنا برهانا فتأملنا في البرهان ثم انتقلنا إلى النتيجة، وبالعكس أدركنا النتيجة ثم رجعنا إلى البرهان، فإننا نواجه في هذه الحركة

الفكرية حادثتين: إحداهما هي لو أننا استبدلنا بمواد البرهانU القضايا المستعملة في المفروض مواد برهان آخر، فأقحمنا مثال

برهان طبيعي مكان القضايا المستعملة في برهان رياضي)،U، لوجدنا أن النتيجة بشرط أن يبقى الشكل والترتيب محفوظا

سوف تنقطع عالقتها بالبرهان وتسقط. )رنا مكان مقدمات البرهان وبعثرنا ترتيبها والثانية: هي لو أننا غي

.U )ل أيضا لوجدنا أن النتيجة تخت[151 ]

ويستنتج من هذا البيان: )رة في1 )صديقات المنتجة )المقدمات( مؤث - كما أن مواد الت

U في حصول النتيجة فكذا هيئة المقدمات وترتيبها فإن2 له تأثيرا .U النتيجة أيضا

)ات2 -كما أن لمواد القضايا -أي القضايا من دون تأليف- بديهي فكذا هيئتها وتأليفها- من حيث التأثير في النتيجة- إما أن تكون

)ة وإما أن تنتهي إلى البديهي) )من أحب التوسع في بنفسها بديهي)ة في هذا الموضوع فليرجع إلى بحث القياسات النظرية والبديهي

المنطق(. 2ضح من هذا البيان أن توق)ف النظري على البديهي) إم2ا أن وقد ات)د صورة من صورة، وال )د مادة من مادة أو في تول يكون في تول

عالقة له بتوقف حكم على حكم آخر، وأم)ا قولنا أن جميع القضايا متوق)فة على قضية امتناع اجتماع وارتفاع النقيضين فالمراد منه

هو التوقف في العلم والحكم وليس التوقف المادي) وال الصوري).إشكال

Page 108: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ة الحديثة )ة التحولية)إن الفلسفة المادي يقول علماء المادي)ة الديالكتيكية والتي يعتبر كارل ماركس ) المعروفة باسم المادي

Karl Marx( وفردريك إنجلز )Frederic Engelsالمؤسسين ) األصليين لها تتميز بنظرية فلسفية وأسلوب منطقي خاص،

U للمادة وتنكر )ة حيث تعد) الوجود مساويا فنظريتها الفلسفية مادي وجود كل) ما وراء المادة، وأسلوبها المنطقي أسلوب خاص

استخدامته في طريقة التحقيق للتوصل إلى معرفة الطبيعة،2عرف على وهي تؤمن بأنه بوساطة هذا األسلوب فقط يمكننا الت الطبيعة والظفر بالمعرفة الحقيقة. إن أسلوب التحقيق هذا هو

األسلوب الديالكتيكي الماركسي، وهو عبارة عن طراز خاص في التفكير مبني على عدة أصول عامة مسيطرة على الطبيعة،

ويعتقد هؤالء أنه أسلوب البحث الوحيد الذي يكشف لنا الطبيعة وأجزاءها كما هي موجودة في الواقع، إذن البحث العلمي هو

الذي يطبق هذه األصول وهي كما يلي:)ة أي¡ شيء� هي عبارة عن عالقة ذلك الشيء بسائر أ- إن ماهي أجزاء الطبيعة، وكل) شيء� وكل) جزء من أجزاء الطبيعة بذاته

U للمعرفة، وبناء على هذا إذا أردنا دراسة موجود من ليس قابالlلمام بجميع ارتباطاته بسائر موجودات الطبيعة فال بد2 من اإل األشياء وال بد2 من دراسة تأثير البيئة الخاصة التي تخضع لها

)ته شاء أم أبى. ماهي)ة الديالكتيكية اسة المسماة "المادي يقول ستالين في الكر)

)ة التاريخية": والمادي "يؤكد األسلوب الديالكتيكي على أن2 أي2 ظاهرة في الطبيعة ال

lعتبار عالقاتها بسائر يمكن فهمها منفردة ومن دون األخذ بعين اإل ظواهر بيئتها، وذلك ألن الظواهر التي نتصورها في أي¡ مجال من مجاالت الطبيعة عندما ندرسها بعيدة عن بيئتها فإنها تتحول إلى

أمر فاقد ألي) معنى". )ة الجزء للكل) أو أصل التأثير ويسمى هذا األصل بأصل تبعي

المتبادل أو أصل االرتباط العام بين األشياء. ب- إن كل2 شيء� في تغيير وحركة وصيرورة دائمة، وال وجود

U للسكون. والفكر الذي هو خاصة من خواص الطبيعة تابع أيضالقانون التغيير والحركة هذا. يقول إنجلز:

U من األشياء الثابتة والتامة، بل "ال ينبغي لنا أن نتصور الدنيا خليطا الدنيا عبارة عن خليط من مسيرات تحو)لية تبدو فيها بعض

الموجودات ثابتة في الظاهر، وكذا انعكاسات هذه الموجوداتlنسان التي نسميها باألفكار، ولكن الواقع هو أن هذه في ضمير اإل

U في حال حركة وتحو)ل دائم وتحط)م مستمر". جميعا

Page 109: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

ويطلق على هذا األصل عادة اسم أصل التغيير أو أصل الحركةأو أصل التكامل.

U على حالة واحدة وإنما تصل ج- ليس التغيير والحركة دائما)ة حالة شديدة وثورية لحظات تطرأ فيها على التغييرات التدريجي

وتؤد¡ي بالتالي إلى التغييرات الكيفية. يقول استالين:

"إن الديالكتيكية -على العكس من الميتافيزيقية- ال ترى المسيرة التكاملية بشكل تيار بسيط في النشوء واالرتقاء بحيث ال تنتهي

)ة، وإنما تنظر إلى )ة إلى تغييرات كيفي فيها التغييرات الكمي)ة، )ة والقليلة األهمي )ة الخفي )كامل بما أنه يبدأ من التغييرات الكمي الت

)ة الواضحة واألساسية." وينتهي إلى التغييرات الكيفيويعرف هذا األصل عادة باسم أصل القفزة.

)ضاد والتناقضات )ة لألشياء نتيجة للت د- إن الحركة التكامليالموجودة في أعماق األشياء.

يقول استالين: )كامل من السافل "إن األسلوب الديالكتيكي قائم على أن تيار الت¡ساعها، إلى العالي لم يكن نتيجة لتكامل الظواهر المنسجمة وات

بل على العكس أنه أثر لظهور التناقضات الداخلية لألشياء والظواهر، ويتم خالل "نضال" مرير بين الرغبات المتضادة

الناشئة من تلك التناقضات". )ة للفلسفة": tسس األو)لي يقول جورج بوليتزر في كتابه "األ

"إن2 األمور ال تتبدل إلى بعضها فحسب وإنما كل) أمر ال يبقى وحده وكما هو موجود بل يصبح عبارة عن شيء شامل لضدهU لضده، فأمور العالم هي نفسها U، فكل) شيء� يكون حامال أيضا

وهي ضدها في نفس الوقت... وتغيير األشياء وتحو)لها بسبب أن2U، ويحدث التحو)ل من جهة أن2 كل) شيء غير منسجم فيها تضادا

مه ذاته، فالبيضة الموجودة تحت الدجاجة في داخلها قوتان: إحداهما: تحاول أن تحتفظ بالبيضة على حالتها، واألخرى: تحاول

أن تحو)ل هذه البيضة إلى فرخ، ومن هنا فإن البيضة ليست)خذ حالة منسجمة مع ذاتها... فالشيء الذي يشتق من السلب يتlيجاب. فالفرخ إيجاب يخرج من نفي البيضة، وهذه مرحلة من اإل مراحل التكامل. إن الفرخ يتغير إلى دجاجة، وخالل هذا التحول

يوجد نزاع وصراع بين القوى التي تريد االحتفاظ بالفرخ على هذه الحالة والقوى التي تريد تحويله إلى دجاجة. فالدجاجة نفي

للفرخ والفرخ بدوره حصيلة نفي للبيضة، إذن الدجاجة نفيالنفي، وهذا هو األسلوب العام للديالكتيك:

lثبات المسمى بـ "تز" )الحكم(. 1 - اإل

Page 110: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

-النفي المسمى بـ "آنتي تز" )ضد الحكم(. 2-نفي النفي المسمى "سنتز". 3

)ضاد أو أصل نزاع األضداد. ويعرف هذا األصل عادة باسم أصل الت وكما سبق لنا القول فإن النظرية الفلسفية للماد)ية الديالكتيكية

قائمة على أساس االعتراف بالمادة فحسب ونفي وجود ما وراء المادي، ويسير تفكيرها المنطقي على أساس األصول األربعةlدراكات الماضية. ونحن إن نتناول في هذه المقالة األفكار واإل

lدراكات بالدراسة والتحليل فلهذا ال وكيفية ظهور الكثرة في اإل)ة ينبغي لنا أن نخرج من موضوع البحث لنقد النظرية المادي

والبحث حول األصول األربعة للديالكتيك، فما يتعلق بالنظرية الفلسفية العامة سوف يأتي تفصيلة في المقالة الرابعة عشرة،

وأما ما يتعلق بتفسير القوانين الكلية واألصول العامة المسيطرة على الطبيعة، فسوف نشرحه في المقالة العاشرة إن شاء الله.

ولكل) واحد من األصول األربعة للديالكتيك مؤيدون -قليلون أو كثيرون- في القديم والحديث لتفسير القوانين العامة للطبيعة، وبعض هذه األصول يمكن قبوله بقطع النظر عن نقاط الضعف

)ين، وسوف نبحث هذا الموضوع الموجودة في منطق المادي بالتفصيل في المقالة العاشرة. وكل) ما يتعلق بهذه المقالة وقد تعر)ض له المؤلف في المتن هو العقائد والنظريات التي أبداها

)ة الديالكتيكية - حسب األصول األربعة الماضية أتباع الماديlدراكات" و "األفكار". فهاهنا يبدو )ة- حول "اإل ونظريتهم المادي

)ين بشكل عجيب ووضع خاص غريب. ويمكن تلخيص منطق الماديtسس العامة لتلك العقائد في هذه النقاط: األ

أ- إن2 كل) شيء� هو بنفسه ليس ذاته، فكل) شيء� هو غير ذاته،فإذا قلنا:

")أ( هو )أ( وليس هو غير )أ(". U: ألن هذا اللون من التفكير ناشىء من تصور أن2 فإنه خطأ، أوال

األشياء منفصلة عن بعضها وال عالقة تربط فيما بينها، ولكنه حسب األصل األول للديالكتيك ال يوجد شيء )ال في الخارج وال

)ات سائر األشياء، )ة منفصلة عن ماهي في الفكر( يتمتع بماهيlرتباطات المتبادلة بين )ة أي شيء إنما هي مجموعة من اإل فماهيU: ألن هذا القول يفرض لألشياء ذلك الشيء وسائر األشياء، وثانيا

)ات ثابتة )في الفكر أو في الخارج(، يقول جورج بوليتزر: ماهي "إن الثبات يعني البقاء على حالة واحدة من دون تغيير في الشكل، واآلن لننظر ما هي النتائج العملية الناشئة من هذه

)ة الميتافيزيقية )أصل الثبات(؟ إذا اعتبرنا الموجودات غير الخاصيمتغيرة فال بد2 أن نقول إن2 الحياة حياة والموت موت".

Page 111: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

إن ما تقوله الميتافيزيقية ومن جود الثبات ومن أن كل2 شيء� هو ذاته فحسب يتعلق بالمفاهيم والتصورات الذهنية، وال يشمل

األعيان الخارجية. الميتافيزيقية تعلن أن كل2 مفهوم في الذهن فهو "منفصل" عن المفهوم اآلخر، وتصور أي) شيء غير تصور

الشيء اآلخر، فتصور الحياة غير تصور الموت وتصور البياض غيرتصور الجسم و....

)ة، )ة ألنها فاقدة للصفات المادي 2صف التصورات بهذه الخاصي وتت2حد تصور أي2 شيء� مع تصور أي2 )ة الت ولو كانت التصورات مادي

شيء� آخر، أي أنه حينئذ ال يكون لدينا -في الواقع- تصور واضح)ون حسب ما يؤمنون به من lطالق، والمادي ألي2 شيء� على اإل

U وما يعتقدونه من كون قانون الحركة العامة الشامل لألفكار أيضا) إنكار هذا )تها متأثرة بالبيئة ال مفر) لهم إال lدراكات تتغير ماهي اإل

األصل الميتافيزيقي. )ون بالنسبة للفكر يسمى بأصل إن هذا األصل الذي ينكره المادي

)ة" أو "الهوية" ) tسس األو)لية للفكرIdentite"العيني (، وهو أحد األU بوجود هذا األصل البشري. ويعترف علم النفس الحديث أيضا

)ة بالنسبة للتصورات ما ألصل الفكري. أن لهذا األصل من األهمي امتناع التناقض بالنسبة للتصديقات، فكما أننا لو انتزعنا أصل)ة قضية امتناع التناقض من الفكر البشري لم يستقر حكم بأيدنا الفكر البشري من هذا األصل، فأننا فكذا األمر لو أننا جر2

عندئذ� لن يكون لدينا تصور ألي¡ شيء� من األشياء، ألنه يلزم حينئذ� أن يكون تصور أي2 شيء� في فكرنا نفس تصور جميع األشياء

األخرى.)ة الجزء للكل¡ أو أصل التأثير والعالقة المتبادلة بين أما أصل تبعي)ون األشياء في الطبيعة فهو مورد قبول العلماء، ويعترف المادي

ح بهذا األمر هو أفالطون ثم أرسطو، وما أنفسهم أن أول من صر))ة أي¡ شيء� هي هو مورد قبول العلماء اليوم ال يعني أن ماهي

مجموعة عالقات ذلك الشيء بسائر األشياء، وبالخصوص فإنtعطي تلك النتيجة في مورد التصورات واألفكار. هذا األصل ال يU يسلمون -بالفطرة- بأصل العينية في )ون أنفسهم أيضا والمادي

األفكار والتصورات ألنهم يقولون: كل¢ ظاهرة هي مجموعة من عالقات هذه الظاهرة بذاتها بسائر الظواهر المجاورة لها، إذن

هم يعترفون بأن كل2 ظاهرة يحاولون دراسة عالقاتها لها "ذات" بحيث إن الد2ارس يتتبع عالقات ذات تلك الظاهرة )ال غيرها( مع

U بأن التفكير في )ون -بالفطرة- أيضا سائر الظواهر. ويعترف المادي أي¡ شيء� ليس هو عين التفكير في جميع األشياء األخرى،

والد¡راسة العلمية لظاهرة ليست هي نفس الدراسة العلمية

Page 112: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

لسائر الظواهر األخرى، وهذا هو اعتراف بأصل العينية، وكما قالالمؤلف في المتن:

)ة مالزمة للمفاهيم بشكل عام بحيث يكون حتى سلب فإن العيني)ما )ة". وذلك ألنه كل lثبات العيني U إل U بنفسه مستلزما العينية أيضا

)ة وليس )ة فإنه يريد أن ينفي نفس العيني حاول شخص إنكار العيني)ة يكون U آخر، إذن في فكر ذلك الذي يحاول إنكار أصل العيني شيئا)ة ال )ة هو نفس مفهوم العيني )ة هو نفس مفهوم العيني مفهوم العيني

U آخر. شيئا Leudwickيقول إنجلز في كتاب لودفيج فيورباخ )

Feuerbach:الديالكتيك إنه عبارة عن U فا ( معر) "علم قوانين الحركة في العالم الخارجي أم في الفكر

lنساني". اإلفهل الديالكتيك في فكر إنجلز هو الديالكيتك أم شيء آخر؟

U في فكره فهل هو عندما يحاول تعريف الديالكتيك يتصور مثال الميتافيزيقا وأشياء عديدة أخرى، أم أن الديالكتيك في فكره هو

الديالكتيك فقط ال أكثر وال أقل؟ ب- حسب القانون العام للحركة والتغيير تكون جميع األفكار

)ر، وال يصبح ألي¡ فكر� قيمة U في حركة وتغي واألحكام الذهنية أيضادائمة . يقول إنجلز في كتاب "لودفيج فيورباخ":

lعن البحث عن طرق� للحل U lطالقا lنسان إ "وبهذه الصورة يكف) اإل)ة ويمسك عن طلب الحقائق الدائمة ويلتفت إلى الناحية يقيني

المحدودة لكل لون من ألوان المعلومات، فهذه المعلومات تابعةلظروف معينة قد وجدت فيها".

lدراكات ال تتصف وقد أثبتنا في المقالة الثالثة أن األفكار واإل بالخصائص العامة للمادة، وفي مقدمة المقالة الرابعة والتعليقات المذكورة فيها أقمنا األدلة الكافية على رأينا فيما يتعلق بموضوع:

هل الحقيقة مؤقتة أم دائمة؟ وموضوع: هل الحقيقة متحو¡لة ومتكاملة؟ )ليرجع من شاء إلى الترجمة العربية للجزء األول من

(. 180-175هذا الكتاب ص )ة الديالكتيكية ونكتفي هنا بالقول: هل النظرية الفلسفية للماديtسسها المنطقية من الحقائق أم ال؟ وإذا كانت من الحقائق وأ

U أم فهل هي دائمة تفسر عالم الوجود والقوانين الطبيعية دائماال؟

)ين حينئذ�؟ U فما هي دعوى المادي إن� لم تكن من الحقائق أصال وإن كانت من الحقائق فهل هي مؤقتة وذات قيمة محدودة؟

)كامل و "الثالثي" المشهور: األطروحة -الطباق- وحسب قانون الت التركيب فإنها تتحول إلى ضدها فلماذا إذن كل) هذا الضجيج،

Page 113: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U تغيير أي¡ قسم من األقسام ولماذا يقول لينين:"ال يمكن أبدا األساسية للفلسفة الماركسية المبنية بأكملها من الفوالذ"؟ وإن

كانت هذه النظرية الفلسفية وأسسها المنطقية حقائق دائمة،إذن يثبت خطأ تلك النظرية القائلة أن كل2 حقيقة فهي مؤقتة.

وعالوة على هذا فإن نفس هذا الحكم بأن2 كل2 حقيقة فهي مؤقتة أهو حقيقية أم ال؟ إن� كان حقيقة فهل هذه الحقيقة مؤقتة أم

دائمة؟ إن� كانت دائمة إذن ليست كل) الحقائق مؤقته بل ظفرنا بمورد استثناء، وإن كانت مؤقته إذن ال يمكن القول إن2 جميع الحقائق مؤقته بشكل كلي) ودائم ومطلق. بل من لوازم هذه

lنغماس في الشك) المطلق والختم على األفواه حتى ال النظرية اإلU U بالنسبة ألي¡ شيء. وحتى حول الحقائق التاريخية أيضا تبدي رأيا

ال يمكن إبداء رأي� يقيني)، ألن كل) حقيقة تاريخية فهي فكره تحتلU هذه )بدل، فمثال )ر والت U في الذهن ومشمولة لقانون التغي مكانا

م هي1917الفكرة التي تتضمن أن ثورة اكتوبر قد تم)ت عام حقيقة لفترة معينة ثم بعد ذلك تفقد قيمتها الحقيقية. بل حسب هذه النظرية القائلة بتغيير الفكر ال معنى حتى للحقيقة المؤقته

ألن2 أي2 فكرة� ال يمكن أن تبقى لفترة معينة، فهي في حركة)ر ال ينقطع، وأي) شيء� في اللحظة الثانية ليس هو الذي كان وتغي

في اللحظة األولى. lدراكات والواقع هو أننا لو قلنا بالوجود المتغير المتحرك للفكر واإل

lمكانية العلم والقائلين بأن كل2 شيء� هو ألصبحنا من المنكرين إل مجهول لدينا، وكما قال المؤلف في المتن ال بد) من االعتقاد "بأن كل2 شيء� مجهول، وحتى هذه القضية القائلة: كلÈ شيء� مجهول،

بنفسها هي قضية مجهولة". ومن هنا فقد توص)ل الحكماء منذ أقدم األزمنة إلى أن كيفية

lدراكات تختلف عن كيفية وجود الحركة والتغيير. وجود اإل فيما53وقد تقدم لنا القول في التعليقة على هذه المقالة )ص

بعد(: )ر في الزمان يكون إن الوجود المادي) المحتل للمكان والمتغي

U عن نفسه، ونحن إذ ندرك األشياء المكانية والزمانية، كل) محتجبا واحد� منها في مكانه ورتبته، فذلك بسبب أن إدراكاتنا ال تتميز

باألبعاد المكانية والزمانية، وحتى الحركة نفسها التي ال يجتمع أي) جزء� مفروض منها مع الجزء المفروض اآلخر في الزمان، فنحنlحاطة في ظرفه بالجزء نستطيع إدراكها ألن2 فكرنا قادر على اإل

2حق، المتقدم والجزء المتأخر، الجزء الماضي والجزء الال ويستطيع أن يستوعبها في ظرفه بأجمعها كما هي موجودة في

Page 114: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lدراكات واألفكار ال تتمتع بالوجود مكانها ورتبتها، ولو فرضنا أن اإل .U lدراك عندئذ� سيكون متعذرا المحيط والجامع فإن2 اإل

وفي هذا المجال نجد من المناسب أن نحول دون الوقوع في اشتباه قد يتورط فيه البعض، فنحن ال نريد أن ند)عي -مثل بعضlدراك تستلزم فرض األشياء ساكنة، فالسفة أوروبا- أن عملية اإلlدراك الحقيقي بل على العكس من ذلك فنظريتنا تتضمن أن اإل2 إذا كانت للذهن ناحية )رها ال يتيسر للذهن إال لحركة األشياء وتغي

lحاطة والشمول. )صف فيها الثبات واإل يتlيجاب والسلب. ج- ال اختالف بين الوجود والعدم، وال بين اإل

U وهو في نفس الوقت معدوم. فالشيء الواحد قد يكون موجودا والقضية الواحدة قد تكون صادقة وهي في نفس الوقت كاذبة،

فال اختالف بين الصدق والكذب، وال بين الصحيح والخطأ، وال بينlيجاب والسلب. يقول جورج بوليتزر: اإل

"يرى الميتافيزيقيون أن الموجودات وانعكاساتها في المخlدراكات هي أمور منفصلة ال بد2 من دراستها منفردة ومتعاقبة واإل

U عن التغييرات، ويعتبرون الطباق بشكل ثابت ومتجمد، بعيداUU عن الحكم، فهم إم2ا أن )آنتي تز-ضد الحكم( بال وساطة ومنفصالlيمان يقولوا: نعم، نعم- وإم2ا أن يقولوا: ال، ال، وغير هذا ال يجوز اإل

به، وحسب تصورهم فإنه ال بد2 من اختيار أحد الطرفين: أم2االوجود وأم2ا العدم...".

ويقول إنجلز في كتاب "لودفيج فيورباخ":lنسان فإنه لم يعد يرهب التناقضات التي كانت علوم ما "وكذا اإل وراء الطبيعة تؤكد أنها قديمة وثابتة وترفض أي2 تغيير، من قبيل: التضاد، الصحيح والخطأ، الخير والشر، الثابت والمتغير، الحتمي)

)ة، والصدفة وغيرها، فنحن نعلم أن لهذه التناقضات قيمة نسبيU له ناحية غير صحيحة مستترة وستظهر فما يعتبر اليوم صحيحا

tعد¢ اليوم غير صحيح له ناحية صحيحة بسببها كان فيما بعد، وما ي)ب U. وما نعتبره واجب الوقوع فهو مرك يعتبر في الماضي صحيحا

2زنا على ظاهره U، وما نعد¢ه صدفة فقد رك من حوادث اتفاقية تمامافقط، ويختفي تحت هذا الظاهر الوجوب واللزوم".

)ما كانت قائلة في الطبيعة بالنزاع بين )ة ل إن الفلسفة المادي األضداد وتبديل الشيء إلى ضده، ومن ناحية فهي تعتبر األفكار

)ة صرفة، ومن ناحية أخرى لم تجعل أي) فرق بين التضاد ماديlيجاب والسلب، وهي تنكر أصل امتناع والتناقض، وال بين اإل

التناقض في األفكار، وهناك مشاكل أخرى ورطتها في طرق مسدودة )ليرجع من شاء إلى كتاب الترجمة العربية للجزء األول

فما بعد( كل) هذه األمور دفعت هذه257من هذا الكتاب ص

Page 115: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lنكار هذا األصل الفكري المسل)م من أساسه واد)عت الفلسفة إلU في نفس U وكاذبا أنه ال مانع من أن يكون شيء واحد صادقا

U وخطأ في وقت واحد. الوقت، صحيحا وقد أوضحنا من قبل أن غض) النظر عن أصل امتناع التناقض

يهدم أساس جميع العلوم. فكما قلنا أن القانون العلمي) للذهن¡جاه الذهن إلى قضية خاصة واألعراض عن البشري يغني ات

الطرف المقابل لها، فأنتم الذين تصوغون في أفكاركم نظرية فلسفية وتد)عون أن الوجود يساوي المادة ال بد2 أن تكونوا

2جهين في أذهانكم إلى هذه القضية ومعرضين عن القضية متU للمادة، وكذا الحال في المقابلة لها وهي أن الوجود ليس مساويا

مورد كل) واحد من أصول الديالكتيك األربعة التي قبلتموها ال بد2 أن تكونوا معرضين عن النقاط المقابلة لها، إذن أنتم بأنفسكم

tسسها المنطقية، قد قلتم: نعم، نعم لنظريتكم الفلسفية وأtسسها المنطقية. وقلتم: ال، ال للنظرية الفلسفية الميتافيزيقية وأ

U من العلوم: فنحن في الرياضيات نبذل جهدنا لنقيم ونذكر مثاالU على مسألة ونثبت نتيجة معينة، ومن المؤكد أن الذهن برهانا يقبل تلك النتيجة ويعرض عن النقطة المقابلة لها وذلك ألنه ال

يرى تلك النتيجة قابلة للجمع مع النقطة المقابلة لها، وكما قالالمؤلف في المتن:

"كيف يتصور أن يقام برهان على نظرية من النظريات ويتم إثبات نتيجة معينة، ثم في نفس الوقت ال يضر) بذلك البرهان

القيام بتكذيب تلك النتيجة؟!". كانت هذه هي األصول الثالثة الديالكتيكية في مورد األفكار

U lدراكات، وتشك)ل هذه األصول الثالثة النقطة المقابلة تماما واإل)ما )ة وال سي Uصول الثالثة التي تؤمن بها سائر األنظمة الفلسفي لأل

الميتافيزيقية، فالميتافيزيقية تؤمن في مورد األفكار بثالثة أصول)ة-الثبات-امتناع التناقض، وقد عرف القارئ الكريم أن هي: العيني

إمكانية المعرفة متوقفة على هذه األصول الثالثة التي تعلنها الميتافيزيقية، وعلى فرض إنكار أي) واحد منها فإن حصول العلم

.U يصبح متعذرا والمط2لعون على الفلسفة وتاريخها يعلمون أن السوفسطائية

U سوى إنكار إمكانية العلم، وقد اكتفى ليست شيئا السوفسطائيون القدماء بإنكار أصل امتناع التناقض لتهديم

إمكانية العلم، ولكن) الماد)يين أضافوا شيئين آخرين يكفي كل2 واحد منهما -إذا تم قبوله- لنفي إمكانية العلم. والعجيب هو أن

U منطقية لهؤالء السادة -في نفس الوقت- نظرية فلسفية وأسسا وهم يدعون اليقين بشأنها، بينما السوفسطائيون قد التفتوا إلى

Page 116: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

أنهم بإنكارهم ألصل امتناع التناقض ال بد2 أن يغض)وا النظر عن أي2tسس منطقية يقينية!! نظرية فلسفية وعن أي¡ أ

)ه هو أن هؤالء السادة يعتبرون أنفسهم حماة واألعجب من هذا كل)ين عنه!!!( : أن جميع النظريات السابقة العلم والتابعين له والذاب

المستنتجة [161 ] من البيان الماضي والتي تشك)ل األساس للمنطق الجامد يقوم

منطقها على أساس هذه األصول الثالثة: )ة، أي أن كل2 شيء� هو بنفسه عين ذاته.1 -أصل العيني[162 ] -أصل الثبات، أي أن كل2 شيء� في اللحظة الثانية هو نفسه2

الذي كان في اللحظة األولى. -أصل امتناع اجتماع الضدين، أي أن2 الوجود والعدم ال يجتمعان3

في مكان� واحد. )لقد بد)لوا اجتماع النقيضين -الذي هو عبارة عن اجتماع الصدق

lيجاب من جهة واحدة حقيقية- إلى والكذب، أو اجتماع السلب واإل المتناقضين ثم بد2لوه إلى الضدين، وقد وس)عوا معنى الوجود

lيجاب والسلب ليشمل مورد القوة والفعل والعدم من معنى اإل)روا بهذا التعبير وقاموا بهذا التفسير(. ثم عب

ولكنه بعد أن أحرز العلم الحديث تقدمه الهائل وصاغ قانونtس)س نظام: االطروحة "تز"، الطباق 2كامل العام وأ 2حول والت الت "آنتي تز"، التركيب "سنتز" )الوجود- العدم- الصيروة( فإنه لم

يبق أي2 أساس تقوم عليه األصول الثالثة السابقة الذكر للميتافيزيقية ومنطقها فسقطت عن االعتبار، وذلك ألنه حسبU بواقعه ووجوده، وهو النظام المذكور يكون كل) موجود متمتعا)ما كان في تبدل� مستمر� فإنه الذي يحفظ له وضعه الفعلي، ول يرافق عدمه ونفيه وينم)يه، ومن مجموع الوجود والعدم يظهر موجود آخر، وفي نفس الوقت الذي تتعلق فيه هذه المراتب

الثالثة )الوجود والعدم والصيرورة( بالمراحل الثالثة المترتبة لهذا الموجود فإننا إذا بدأنا من المرحلة الثانية له )العدم(. فإنها

U"، و "الصيرورة" U، أي أن2 "العدم" يصبح "وجودا تنطبق عليه أيضا2حق اآلتي من تبدل "الصيرورة" يصبح U"، والوجود الال تصبح "عدما

"صيرورة" وهكذا دواليك... )ة وامتناع اجتماع وبهذه الصورة ال يبقى مجال ألصل الثبات والعيني

[163 ]U على هذه النظرية الضدين. ويهاجم العلماء الماد)يون -اعتمادا

)ات والنظريات التي تم2 إثباتها في وبعد هذا البيان المجمل- البديهي

Page 117: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

أبواب المنطق المختلفة ويبطلونها ببيانات نابعة من هذا البيان،U بالنسبة للحد¡: إن الحد2 الذي يقول به المنطق فيقولون مثال

)ة الشيء، وال يكون هذا الميتافيزيقي هو مجموعة أجزاء ماهي)ة منفصلة عن بقية 2 إذا كانت للشيء ماهي U إال األمر صحيحا

2 إذا كانت U إال )ات، والحال أنه ليس كذلك، وال يكون صحيحا الماهي)ة الشيء ثابتة على حالة واحدة، والحقيقة أنه ليس كذلك، ماهي

) إذا لم يكن مع الشيء ضده، والواقع أنه U إال وال يكون صحيحاليس كذلك.

U بالنسبة للشكل األول من القياس االقتراني: ويقولون مثال في هذا المثال المعروف: كل) إنسان حيوان -وكل) حيوان

حس)اس- إذن كل) إنسان حس)اس، ال يعطي هذا الشكل هذه)ة lنسان ماهي ) إذا كانت لإل U إال اسا lنسان حس) النتيجة، وال يكون اإلU وال lنسان إنسانا tخرى، بحيث يبقى اإل )ات األ مستقلة عن الماهي

يصبح غير إنسان، بينما الواقع ليس كذلك. وفي غير هذين الموردين قد أوردوا إشكاالت تشبه حديثهم فيهما، ومن الواضح

U ناشئة من نفي الديالكتيك لألصول الثالثة أن2 هذه جميعاالمذكورة.

الجواب نحن اآلن ال نتناول في حديثنا النظام الثالثي:

)األطروحة-الطباق-التركيب( بشكل أساسي، ونترك الشرح الكامل ألجزاء هذه النظرية الحديثة -بعون الله- إلى مقالة قادمة

عنوانها "القوة والفعل". فنحن سوف نوض)ح هناك -ضمن شرحنا لمعنى الحركة العامة- إن

[164 ] هذا الموضوع هو عين ذلك التفسير الذي قد)مه الفالسفة منذ

أقدم العصور موضحين فيه حقيقة مطلق الحركة بأنها: )حاد القوة "كمال أول لما بالقوة من حيث إنه القوة"، أو "ات

والفعل في الحركة". والفرق بين هذين البيانين هو أن فالسفةU ببيان ساذج فج£ قاصر. U ناضجا )نوا موضوعا 2حولية قد بي )ة الت المادي

أجل إن القصة الطويلة لـ"األطروحة-الطباق-التركيب" يمكن اختصارها في هذه الجملة القصيرة:"اتحاد القوة والفعل في

)ون الحركة". والسبل البعيدة الممتدة التي سلكها الفالسفة المادي في هذا الوادي والتحف الطازجة التي يعودون بها في كل) مرة ويعرضونها للنظارة على المسرح، إنما هي متضادة ومتناقضة فيما بينها إلى مدى عجيب بحيث يكونون في الواقع قد صاغوا

)نظام. U من الال نظاما

Page 118: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ن ولئال نبتعد عن مجرى الحديث الخاص في هذه المقالة ولنبي النتيجة المنطقية لهذا الكالم ونوض)ح بعض المالحظات حول

)ة-الثبات-استحالة اجتماع الضدين( األصول الثالثة المذكورة )العيني2ضحت إلى حد£ ما من التي ينكرها الديالكتيكيون والتي قد ات

¡ر بهذه النقاط: المقاالت السابقة فإننا نذك)ة صحيح، ولكن2 U: إن ما يقوله العالم المادي) من انتفاء العيني أوال

هذا األمر يجري في مجال المادة الخارجية وتركيباتها، ال فيlدراك، ألننا قد أثبتنا في المقالة الثالثة )العلم مجال العلم واإل

2حول المادي)، lدراك ال يتميزان بصفة الت lدراك( إن العلم واإل واإلU عن أي¡ صورة إدراكية وأي صورة إدراكية فهي منفصلة تماما¡دة لألفكار شاهد صادق أخرى، وطبيعتنا المنتجة للعلم والمول

على ما نقول، ومن الواضح أن العالم الديالكتيكي[165]

U U أبدا U يتمتع بهذه الطبيعة، وضميره العلمي ليس مستعدا أيضا لقبول مضمون حديثه، وذلك ألنه خالل هذا البيان والتخاطب

يحب) من أعماق نفسه أن يوصل إلينا )نحن المخاطبين( عين مقصوده دون غيره، أنه يتمنى أن نعترف بصحة نفس مقصوده ال سواه، وضميره يشهد بأن الموضوع الذي يشرحه اليوم هو نفس

ما فهمه باألمس، وهو نفسه الذي كان قبل األمس من المجهوالت إن العينية مالزمة للمفاهيم بشكل عام بحيث يكون)ة )يحسن lثبات العيني U إل U بنفسه مستلزما )ة أيضا حتى سلب العيني

التأمل في هذا المجال(. U: إن إنكار الديالكتيكيين للثبات صحيح في المادة -كما قلنا وثانياU في الصورة العلمية التصورية أو )ة- وليس صحيحا ذلك في العيني

)صديقية. التمة U إن هؤالء ماذا يتخيلون بالنسبة للقضايا التاريخية المتصر) حق)ا

U )اة الماضين والمتقدمين علينا؟ أيكون كل) شيء� مجهوال وتاريخ حيU؟ lنسان؟ وحتى هذه القضية مجهولة لديه أيضا لإل

U، حتى هذا )را U ومتغي )ا lنسان نسبي أيكون كل) شيء� في إدراك اإلالشيء؟

)نا نفكر بالطريقة الميتافيزيقية وال نفهم ما يقولون! )كما لعليد)عون هم(، ولكن ماذا يقولون بالنسبة لهذا الفرض:

)ة والثبات؟ )صف بالعيني ألم توجد أفكار تت)صف وإذا كانت قد وجدت فهل يعقل أن تكون فئة من األفكار تت

)ة والثبات وفئة أخرى فاقدة لهما؟! بالعينيأي أن الفكر يوجد تارة مع أوصاف المادة وتارة أخرى بدونها؟!!

[166 ]

Page 119: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U ال يكون U وأحيانا U يكون ماد)يا أي أن الفكر الذي هو مادي)، أحياناحون بجواز U )وهذا التناقض مستحيل ولكن هؤالء العلماء يصر¡ ماد)يا

اجتماع المتناقضين!!(. U باجتماع الضدين 2ر عنه غالبا tعب U: إن اجتماع النقيضين )الذي ي وثالثا

lدراك، ومن عند الديالكتيكيين( مستحيل في المادة وفي اإل)ة )كما قلنا )ة قضية بديهي U أننا لو فرضنا الشك) في أي الواضح جدا أن حصول العلم بأي) بديهي) متوقف على قضية استحالة ارتفاع واجتماع النقيضين، ومع فرض عدم هذه القضية فإنه لن يستقرU في حكم النقيضين، وفطرة أي) علم( فإنه ال يمكن الشك) إطالقا2حولية- ترفض بطالن هذا الحكم، )ة الت إنسان -وحتى علماء المادي وكل) هذه المحاوالت التي يبذلها الديالكتيكيون لنفي هذا الحكم

lثبات صحة دعواهم والتعبيرات المختلفة واألمثلة التي يذكرونها إل في هذا المجال )من قبيل الوجود والعدم -بالقوة وبالفعل-

األطروحة، الطباق، التركيب-الضدان والمتغايران والمتنافيان(U طوا في خلط عجيب فوضعوا شيئا )ها تدل على أنهم قد تور) كل

آخر مكان النقيضين، وبذلك فقد خرجوا من محل النزاع ووجهوا2 فإنهم ليسوا مستعدين سهامهم إلى غير الهدف المقصود، وإال

U م)ا صادق مئة بالمئة lطالق أن يوافقوا على أن2 حكما على اإل .U U وال كاذبا U مئة بالمئة، وهو ليس صادقا وكاذب أيضا

أجل إن العلماء الديالكتيكيين يقولون: إن أسلوب التفكير الميتافيزيقي -الذي هو تفكير مطلق- هو الذي يخلق هذه

)فق المشاكل، أم)ا أسلوب التفكير الديالكتيكي فهو "نسبي)"، ويت معه الخارج المادي)، ألنه في الخارج المادي) ليس لدينا إثبات

مطلق وال نفي) مطلق، إذن أي إثبات في الخارج قابل للجميع معالسلب.

[167]ولكننا نقول:

U: إن هذا اعتراف صريح بصح)ة حكم النقيضين حتى في أوال الخارج، ألن الحكم الذي يثبتونه في الخارج )وهو أن التفكير

U U أن يصبح كاذبا )فق مع الخارج المادي)( ال يقبلون أبدا نسبي) ومتوينفى من الخارج.

U: إن أسلوب التفكير الديالكتيكي نفسه أسلوب مطلق، ألن ثانيا هؤالء العلماء ال يرضون أن يقال لهم: كل) هذه الجهود التي

بذلتموها ذهبت أدراج الرياح، واستداللكم فارغ وكاذب، إذن ال بد2U باعتقادهم، وهذا هو تفكير مطلق أن يكون هذا االستدالل صحيحا

قد حل) في عقولهم، ومن حسن الحظ أنه تفكير على الطريقة

Page 120: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U U كان مطلقا tسلوب الديالكتيكي أيضا الديالكتيكية، إذن التفكير باأل .U )ا وليس نسبي

tقام برهان على نظرية من النظريات ويتم) بل كيف يتصو)ر أن ي إثبات نتيجة معينة، ثم في نفس الوقت ال يضر) بذلك البرهان

القيام بتكذيب تلك النتيجة؟!إشكال

tسسها االستداللية لو فرضنا أن جميع األحاديث الماضية مع أ المذكورة ضمن المقاالت الثالثة والرابعة والخامسة صحيحة،

lدراكات فإنه ال يمكن إنكار هذه الحقيقة وهي أن جميع العلوم واإل أو أغلبها مأخوذة من واقع المادة الخارجية، إذن تكون المادة

على أي¡ تقدير مؤثرة في والدتها، وال يعقل أن يكون هناك موجود)ر. ومن هنا فإنه ال U غير متغي U ثابتا متحو)ل متكامل مع أنه يوجد شيئا

lدراكات، وبناء )حول في العلوم واإل lعتراف بوجود الت مفر) من اإلU في وصفة للعلوم على هذا يصبح حديث الديالكتيك صحيحا2خذه في هذا المضمار. tسلوب الذي ات lدراكات وفي األ واإل

[168]الجواب

إن ما تقتضيه األصول المبرهنة الماضية هو أنه مع فرض عدم)ة ال يمكن الحديث عن الوالدة lدراكات مادي كون العلوم واإل

)ة في الحكم بين الطبيعية، ومن الطبيعي عندئذ أن تنعدم التبعيlدراكات، وأما فيما يتعلق بما تستنتجه الدراسات المادة واإل

)ة )ة بين الموجودات غير المادي الفلسفية في مورد النسبة الوجوديlدراكات ال بد2 من القول إن فمع حفظ موافقة ذلك في مورد اإل

lدراكات توجد فيه مجموعة من اآلثار lنسان عند حصول اإل اإل)ة )ة في ظل ظروف خاصة فتوجد هذه الظواهر غير المادي المادي

U الي تتميز بمطابقة خاصة مع المادة، سوى أن المادة دائما)ة فهي تامة ثابتة. ناقصة متحو¡لة، وأما تلك الظواهر غير المادي)والد" أم)ا ما ورد ضمن حديثنا عن هذه الظواهر من ذكر لـ"الت

)كو)ن" فهو من آثار جو) البحث، وما ألفه و"االستنتاج" و"الت)جو)ز )ات، وهو من باب الت )عامل مع المادة والمادي lنسان من الت اإل

والتسامح.إشكال

lنسان tثبت لنا أن البيئة التي يعيش فيها اإل إن التجارب المتعاقبة ت تساهم في تكوين أفكاره، ومن الواضح أن اختالف المعلومات

lنسان، واألفكار تابع الختالف المنطقة والبيئة التي يقطنها اإلlنسان الواحد إذا عاش في زمانين ويحدث هذا حتى بالنسبة لإل

U tوجlد في الناس أفكارا U أن ن وتعر)ض لبيئتين، ونحن نستطيع أيضا

Page 121: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U مختلفة من التربية، إذن الحقائق مختلفة إذا ما وف)رنا لهم ألواناالعلمية مخلوقاتنا وهي تابعة لنا، وليس لها ثبات ال يقبل التغيير.

[169]الجواب

إن الوصف المذكور )التغيير( خاص بجموعة معينة منlدراكات، وهي التي يكون مطابقها الخارجي من المعلومات واإل

2د أن هذه األمور االجتماعية التي نحن نوجدها، ومن المؤكlدراكات الخاصة سوف تتغير بالتغييرات التي ندخلها نحن على اإل

ظروفنا االجتماعية. lدراكات التي يكون مطابقها خارج مجال المجتمع، أم)ا مجموعة اإل

lنسان أو عدمه 2حقق مع فرض وجود اإل )صف بالوجود والت وهي تت ومع فرض وجود أي¡ حي£ اجتماعي أو عدمه، أي أن وجود الحيوان

المدرك وعدمه ال يؤثر في واقعيتها، فإن اختالف بيئة الحياة2لقين ال يؤدي إلى اختالفها. والتربية والت

2وضيح الكامل لهذا الموضوع بشكل مفص)ل يحتاج إلى إن التlدراكات بأسلوب آخر أحدث وأجد)، بحيث دراسة لمواد العلوم واإلlعتبارية، lدراكات الحقيقية واإل )حقق العلوم واإل نتناول بالبحث والت ونوض¡ح كيفية مطابقتها لخارجها وما لها من خواص أخرى، ولهذا نرى أن ننهي هذه المقالة عند هذا الحد¡ لنبدأ مقالة أخرى تنهض

بهذه المهمة. [171]

قائمة بالمسائل التي أثبتنا صحتهافي هذه المقالة:

-لكل علم� حصولي¡ في مورده علم� حضوري).1lدراكية،2 U بنفسه وقواه وأفعاله اإل )ا U حضوري )ا علما -إن2 لكل¡ واحد� من

وكذا له علم حضوري) بنحو من األنحاء بمحسوساته األو)لية، وكل))ة. علم� حصولي) فهو نابع من هذه العلوم الحضوري

)صديقات،3 lدراكات إلى التصو)رات والت -تنقسم العلوم واإل)ات واالعتبارات. وتنقسم التصورات إلى قسمين: الماهي

)ات.4 -نحن نط)لع على كنه المعلوم في مورد الماهي)ات.5 -تعلم المفاهيم االعتبارية بعد الماهي -نحن نحصل على المفاهيم االعتبارية في البدء بوساطة6

النسبة، ثم بعد ذلك بشكل مستقل، وفي جميع هذه المواردتكون حكايتها عن الخارج بالعرض.

2صورات تكون قضايا في الحقيقة،7 -إن كمية كبيرة من التU صحيح. والعكس أيضا

Page 122: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

-كما أن االنقسام إلى الحقيقة واالعتبار موجود في التصور فهو82صديق. U في الـت موجود أيضا

[172] -المفاهيم كثرة وانقسام آخر وهو الحاصل عن طريق البساطة9

والتركب.2حديد المنطقي.10 )ات عن طريق الت -البد2 من معرفة الماهيlدراكات كثرة أخرى بوساطة االنقسام إلى البديهي11 -للعلوم واإل

والنظري.� تصديقي نفرضه فهو إم2ا أن يكون بنفسه12 -إن أي2 معلوم

U وإم2ا أن ينتهي إلى بديهي). ا ـ) بديهي)ات13 � نظري) يوجد من تأليف البديهيات أو النظري -إن2 أي2 معلوم

)ات أو المختلطة منهما. المنتهية إلى البديهي)ة.14 -الفرق بين البديهي) والفرضي -إن2 احتياج النظري إلى البديهي) يختلف عن سنخ احتياج أي15

قضية لحكم النقيضين. وجميع المعلومات محتاجة إلى حكمالنقيضين.

¡رة في النتيجة فكذا هيئة16 )صديقات المنتجة مؤث -كما أن مواد التالمقدمات.

)ة.17 )ة والنظري U إلى البديهي -إن2 الهيئة-مثل المادة-تنقسم أيضا -إن2 النسبة بين المعلوم الخارجي والصورة العلمية ليست هي18

نسبة الوالدة.[173]

المقالة السادسةاإلدراكات االعتبارية

[175]مقدمة صاحب التعليقة

U بعالم إن الموضوع الذي نطرحه في هذه المقالة يتعلق أيضا2له هو قسم lدراكات. فما ندرسه في هذه المقالة ونحل الذهن واإلlدراكات المسمى باصطالح هذه المجموعة عن المقاالت من اإل

باسم "اإلدراكات االعتبارية".lدراكات lدراكات الحقيقية. واإل lدراكات االعتبارية في مقابل اإل فاإل الحقيقية هي انكشافات وانعكاسات ذهنية للواقع ونفس األمر،

2صديقات )صورات والت )اه في المقالة الخامسة من أقسام الت وما بينlدراكات الحقيقية. وأم2ا U باإل وكيفية وجودها في الذهن كان متعلقاlدراكات االعتبارية فهي فروض صاغها الذهن لتأمين احتياجات اإل

Page 123: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ة واالتفاقية واالعتبارية وال عالقة لها )صف بالوضعي الحياة، وهي تـتlدراكات الحقيقية في tستفاد من اإل بالواقع ونفس األمر. وي

)ة أو العلمية- الطبيعية أو الرياضية-ويمكن البراهين الفلسفي االستنتاج منها نتيجة فلسفية أو علمية، وكذا نستطيع الظفر بإدراك حقيقي من برهان فلسفي) أو علمي)، ولكنه في مورد االعتبارات ال يمكن الحصول على مثل هذه الفائدة. وبعبارة

lدراكات )ة، وليس لإل lدراكات الحقيقية قيمة منطقي tخرى فإن لإل أ)ة. االعتبارية قيمة منطقي

lدراكات الحقيقية تابعة الحتياجات الموجود الحي) وال تكون اإل[176]

)ر الطبيعية وال لعوامل بيئة حياته الخاصة، وهي ال تتغير بتغيlدراكات االعتبارية االحتياجات الطبيعية أو عوامل البيئة، أما اإل

)ر فهي تابعة الحتياجات الحياة وعوامل البيئة الخاصة، وهي تتغيlدراكات الحقيقية ليست قابلة للتطور والنشوء )رها. واإل بتغي

)كامل lدراكات االعتبارية فهي تقطع طريق الت واالرتقاء، أما اإلlدراكات الحقيقية مطلقة ودائمة والنشوء واالرتقاء. وتكون اإل

)ة ومؤقتة وغير ضرورية. lدراكات االعتبارية نسبي وضرورية، لكن اإلU وهو: وهو لدينا-حقيقة- U مهم)ا ونواجه في هذا المجال موضوعا

lدراكات: أحدهما: حقيقي) ومطلق وثابت ومتحرر من لونان من اإل االحتياجات الطبيعية وعوامل البيئة، واآلخرة فرضي) ونسبي)

ومتطور وتابع لإلحتياجات الطبيعية وعوامل البيئة؟ )زات ومشخ)صات كل) قسم وإذا كان الواقع كذلك فهل تكون مي

منها منفصلة عن ميزات ومشخص)ات القسم اآلخر؟lدراكات االعتبارية 2فكيك بين اإلدراكات الحقيقية واإل 2مييز والت إن2 التU، وعدم 2مييز بينهما مضرº وخطير جدا U، وعدم الت الزم وضروري) جدا

U من العلماء المهالك، فقاس التمييز هذا هو الذين أورد كثيراlعتبارات على الحائق، واستعملوا األسلوب العقلي بعضهم اإل

lعتبارات، والبعض اآلخر سار بعكس هذا المختص بالحقائق في اإلlعتبارات وعم)مها لتشمل فأخذ نتيجة دراسته في مورد اإل

)ة lعتبارات- مفاهيم نسبي الحقائق، فظن2 أن2 الحقائق- مثل اإل)رة لالحتياجات الطبيعية. متغي

*******)ا نتحدث عن أصل الثبات- في أواخر المقالة الخامسة-عندما كن

[177]lدراكات ليس لها صفة التغيير، وذكر المؤلف في متن قلنا: إن اإل

U نعيد ذكر نصه:176تلك المقالة ص إشكاال

Page 124: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lنسان "إن التجارب المتعاقبة تثبت لنا أن البيئة التي يعيش فيها اإل تساهم في تكوين أفكاره، ومن الواضح أن اختالف المعلومات

lنسان، واألفكار تابع الختالف المنطقة والبيئة التي يقطنها اإلlنسان الواحد إذا عاش في زمانين ويحدث هذا حتى بالنسبة لإل

U U أن نوجد في الناس أفكارا وتعر)ض لبيئتين، ونحن نستطيع أيضاU مختلفة من التربية، إذن الحقائق مختلفة إذا ما وف)رنا لهم ألوانا

العلمية مخلوقاتنا وهي تابعة لنا، وليس لها ال يقبل التغيير". فما بعد( عند الحديث143وقلنا في التعليقة المذكورة هناك )ص

2جريبي 2عقلي عن المنطق الت عن اختالف وجهة نظر المنطق التtسس والمبادئ العقلية العامة". في باب "األ

إن بعض الفالسفة وعلماء النفس المحدثين يعتبرون ظهور هذه2صديقات التي يطلق عليها tسس والمبادئ العقلية- أي تلك الت األ

U 2صديقية"-معلوال المنطق العقلي اسم "البديهيات األو2لية التللعوامل الحيوية أو االجتماعية.

2فق نظرية هؤالء العلماء مع نظرية المنطق العقلي في القول وتت بأن األصول العقلية ليست وليدة التجربة، وبهذا فإنهما تردان المنطق التجريبي، ولكن نظريتهم تخالف المنطق العقلي من

2غيير، وذلك ألن نظريتهم تد2عي أن ناحية القول بالثبات وعدم التlنسان الطبيعية أو U وتابعة لبيئة اإل tسس متناسبة دائما هذه األ

)ر البيئة الطبيعية أو اإلجتماعية فإنها تتغير وتتبدل اإلجتماعية، وبتغيح بأن U، أما نظرية العقليين فإنها تصر) قطعا

[178])رها. tسس العقلية ليست تابعة للبيئة، وهي ال تتغير بتغي العقل واأل وتعتمد نظرية هؤالء على دراسات ومشاهدات قام بها عدد من

العلماء لفهم األجواء الروحية السائدة عند األمم والطوائفالمختلفة. وقد انتهت بهم دراساتهم إاى نتيجتين:

tسس العقلية ليست على نمط واحد عند جميع األولى: إن2 هذه األالناس.

الثانية: إنها ال تتمتع بوضع ثابت ال يتغير، بل هي مرتبطة باحتياجاتهم ومقتضيات حياتهم، ولذا فهي تتغير عندما تتغير تلك

االحتياجات.tسس والمبادئ العقلية من وحسب هذه النظرية تصبح جميع األlنسان من األحكام الوضعية )األصول الموضوعة( التي يضعها اإل

2رت تلك البيئة lنسجام بينه وبين بيئة حياته، فإذا تغي أجل أن يتم2 اإلlهمال تلك األصول وظهرت احتياجات جديدة فإن الذهن يضطر إل

ووضع أصول أخرى تتناسب مع االحتياجات الجديدة. وبناء على هذا تكون هناك عالقة خاصة بين العقل وإدراكاته من جهة،

Page 125: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)دة لتلك واحتياجات الحياة والعوامل الطبيعية واالجتماعية- المول االحتياجات- من جهة أخرى، وهذه العالقة هي من ألوان عالقة

التابع والمتبوع. ولكي نستوعب هذه النظرية ونفهم األمور التي سوف تجيء فيlشارة إلى أصلين من أصول علم هذه المقالة بدقة ال بد2 لنا من اإل

)ة على األحياء، وهما مورد قبول أهل الفن، وهذه النظرية مبنيأساسهما:

-أصل بذل الجهد من أجل الحياة:1 قد انتهى علماء األحياء في دراساتهم إلى هذه النتيجة وهي أن

الموجود الحي¡ في محاولة دائمة. وتنصب هذه المحاولة الدائمةعلى جلب

[179]2جه إليه. فكل) محاولة ونشاط يصدر النفع والفرار من الضرر المت

من الموجود الحي) فإنه يكمن فيه هدف ومقصود، والهدف هو جلب منفعة من المنافع أو دفع ضرر أو خطر يهد2د حياته، وبناء على هذا يكون محور جميع نشاطات الموجود الحي) استمرار

حياته أو تكميلها. ويسمى هذا األصل- الذي هو أصل بذل الجهد من أجل استمرار

U باسم أصل بذل الجهد من أجل البقاء الحياة أو تكميلها- أحيانا)ته وهو أحد األصول التي اعتمد عليها )دارون( في نظري

(.Transformismeالمشهورة بتبد)ل األنواع وتكاملها) ولهذه المقالة بيان خاص لهذا األصل سوف يأتي خالل المقالة

نفسها.)ف مع البيئة:2 -أصل التكي

إن الموجود الحي) خالل محاوالته من أجل الحياة مضطر إلعداد نفسه حتى يستطيع االستمرار في الحياة في البيئة التي يعيش

فيها، وال شك) أن العوامل الطبيعية وشروط استمرار الحياة2حدة في كل2 مكان بل هي مختلفة ومتفاوته. ليست مت

U إلى اختالف وهذا االختالف في شروط استمرار الحياة يؤد¡ي حتما)ة للموجود الحي)، أي أن2 استمرار الحياة في كل¡ االحتياجات الحيوي بيئة� يتطلب تزويد الموجود الحي) بالوسائل والمستلزمات الخاصة

التي ترفع االحتياجات المعينة لتلك البيئة.)ما علماء الحيوان وقد توصل المتخصصون في علم األحياء وال سي)ما حصل تغيير في في دراساتهم إلى هذه المالحظة: وهي أنه كل

)ة للكائن البيئة وتغيرت االحتياجات في وضع األجهزة الوجودي الحي) إن هناك تغييرات تحصل بحيث تتناسب مع البيئة

واالحتياجات الجديدة. وتقع هذه

Page 126: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

[180])ة عن وعي الكائن U بذاتها وبصورة مخفي التغييرات الوجودية أحياناU أخرى تكون بصورة ظاهرة، أي أن الموجود الحي) الحي)، وأحياناU أخرى � ووعي وإرادة، وأحيانا U عن علم يوجد هذه التغييرات أحيانا

U تظهر هذه التغييرات واالستعدادات من دون أن يلتفت إليها. مثال لو صعدنا بإنسان إلى إرتفاع شاهق في الجو فإن عدد الكريات

الحمر في الدم يزداد بشكل طبيعي حتى يستطيع االستفادة من غاز األوكسجين- الذي يقل في ذلك المستوى من االرتفاع-

.U U أو قليال بصورة كافية، وتوجد هذه الظاهرة في النباتات كثيرا)ف مع البيئة. ويفس)ركثير من ويسم)ى هذا األصل بأصل التكي

المتخص)صين في علم الحيوان ظهور أعضاء أجسام الحيواناتوالجوارح واألجهزة العجيبة الموجودة فيها حسب هذا األصل.

)ون في أن التركيب الوجودي) للكائن الحي) فعلماء الحيوان ال يشك منسجم مع احتياجاته، وال يترددون في أن تغيير االحتياجات يؤد¡ي

)ة، إلى تغيير في تركيبه الوجودي) من حيث االستعدادات الحيويU مع تأمين الحاجات U دائما ويكون تغيير االستعدادات متناسبا

)ة بحيث يؤم)ن له مستلزمات استمرار حياته، وقد التفت الحيوي العلماء منذ األزمان الغابرة- بشكل مفصل أو مختصر- إلى هذا الموضوع، فقد أشار ابن سينا في أحاديثه إلى هذا األمر- ولكن)ة الحقيقية لهذه التغييرات الحاصلة في يختلفون في تعيين العل

)فقون على تعيين مداها، وال التركيب الوجودي) للكائن الحي)، وال يت على أن2 الموجود الحي) إلى أي2 حد£ له القدرة على النشاط ليتأقلم مع بيئته فتستمر حياته. فبعض يقول: إن2 سبب هذه

التغييرات هي العوامل الطبيعية للبيئة، وبعض يد2عي أن2 االحتياج نفسه هو الموجود لها، وبعض يزعم أن2 سبب هذه التغييرات

)ر عنها واالستعدادات هي قوة الحياة التي نعب[181]

بالنفس النامية )في النباتات( والنفس الحيوانية )في الحيوانات(، وبعض ينسب هذه التغييرات مباشرة إلى علل ما وراء الطبيعة،

2ة والقدر المتيقن هو أن العلم لم يستطع لحد¡ اآلن معرفة العل الواقعية لهذه التغييرات، وكل) ما قيل إنما هو من قبيل النظريات

الفلسفية التي ال بد2 من معرفة صح)تها أو سقمها باألدلةالفلسفية.

ونحن ال نستطيع في هذا المجال أن نتخلى عن موضوعنا لنتفرغ لهذا الموضوع، لذلك نتركه إلى فرصة أخرى، والذي يتعلق

U على وجود الكائن الحي) U مسيطرا بموضوعنا هو أن هناك أصالlنسجام مع )كيف مع البيئة، ونسم)يه نحن بأصل اإل يسمى بأصل الت

Page 127: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U lنسجام أحيانا ، ويكون هذا اإل االحتياجات ليصبح ذا معنىU أعم)U، ويسيطر هذا U أخرى ظاهرا U عن الشعور والوعي، وأحيانا )ا مخفي

)ة، أي أن2 األصل على األمور الجسمية وعلى الشؤون النفسيlحساسات القلبية والملكات جميع أجهزة البدن المختلفة واإل

األخالقية والعواطف والرغبات الباطية خاضعة لهذا األصل، وهاU لم يسبق إليه، ويتعلق بالمنطق U جدا U مهم)ا هنا نواجه موضوعا

lدراكات والفلسفة إلى حد£ بعيد وهو عبارة عن: "عالقة العقل واإل)ة lنسجام مع البيئة"، أي كما أن األمور الجسمي العقلية بأصل اإل

U مع البيئة واالحتياجات )ة للكائن الحي) تتناسب دائما والنفسي)ر lنسجام مع االحتياجات- وهي تتغير بتغي )ة- حسب أصل اإل الحيوي

lدراكات العقلية- وال تلك البيئة وهذه االحتياجات، أيكون العقل واإل)ات األو)لية التي tسس والمبادئ العقلية المسم)اة بالبديهي )ما األ سي

أثبتنا في المقالة الخامسة أنها "المعايير" األصلية للفكر البشريtسس األفكار الفلسفية tنيت عليها أ من الناحية المنطقية وقد ب

lنسجام مع U لألصل العام باإل )ة(- تابعا )ة والطبيعي والعلمية )الرياضيtسس عقلية معينة، البيئة، فتكون كل) بيئة مtوجlدة لعقل خاص وأ

ويكون العامل

[182 ] أو العوامل التي تود¡ي في سار أقسام التركيب الوجودي) للكائن

)ر الحي) إلى وجود استعدادات متناسبة مع احتياجاته، وبتغيU على االحتياجات تتغير تلك االستعدادات مسيطرة أيضا

النشاطات العقلية أم ال؟tسس وبعبارة أخرى: أن2 لدينا في الوقت الراهن مجموعة من األ

والمبادئ العقلية، وقد أشدنا عليها الفلسفة والمنطق والعلومtسس خاضعة ألصل )ة، فهل تكون هذه األ )ة والطبيعي الرياضي

U بعامل lنسجام مع البيئة ويكون الذهن قد وضعها وفرضها متأثرا اإل)ر أوضاع البيئة الطبيعية أو االجتماعية )كيف، وبتغي أو عوامل الت)ها )ر االحتياجات فإن هذه األصول تخلي مكانها لتحل2 محل وتغي

"أصول موضوعة" أخرى أم ال؟ وإذا كان األمر كذلك فهل يبقىفي أنفسنا اطمئنان بالعلم والفلسفة والمنطق؟!!!

من المؤ2كد أنه ما لم نفرغ من دراسة هذا الموضوع فإن المسائل المذكورة في المقالتين الرابعة والخامسة تبقى ناقصة،

بل ما لم ننتهl إلى نتيجة واضحة حول هذا الموضوع فإن أعمدة المنطق والفلسفة والمعلوم لن تكون مشيدة على أساس،

Page 128: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ضح لنا أهمية دراسة هذا الموضوع إذا عرفنا أن بعض وتـت الفالسفة وعلماء النفس المحدثين-كما سوف نالحظ ذلك فيما

بعد- قد اد)عى أن دراسة ومشاهدة عقائد األمم المختلفة أفكارهاتؤد¡ي إلى هذه النتيجة.

lنسجام lدراكات العقلية بأصل اإل إن مسألة تحديد عالقة العقل واإل مع االحتياجات مسألة جديدة لم يسبق إليها، وسبب تناولها في

هذه المقالة هو أن األصلين البيولوجيين اللذين نحاول معرفةlدراكات بهما أصالن جديدان لم يمض على وعالقة األفكار واإل

ان1دخولهما الساحة العلمية سوى قرن ونصف، وقد نال هذU ودعم شخصيتين مشهورتين األصالن تأييدا

[183] م(، وصحيح1882-1809م( ودارون )1829-1744هما المارك )

أنه قد التفت إلى هذين األصلين في الماضي بشكل مختصر،.U U وطفيفا U بسيطا ولكن الشك2 أنه كان التفاتا

)دين لنظرية ثبات العقل ولهذا فإن الحكماء الذين كانوا مؤي واألصول العقلية من قبيل أرسطو، والفارابي، وابن سينا، وصدر المتألهين في الشرق، وديكارت وأتباعه في الغرب لم يتعرضوا

لهذا الموضوع، وحسب ما وصل إليه اط¡العنا فإن2 هذا هي المرةlدراكات بهذين األصلين األولى التي تدر)س فيها عالقة األفكار واإل

lنسجام البيولوجيين: أصل بذل الجهد من أجل الحياة، وأصل اإل مع االحتياجات، وذلك ضمن هذه المجموعة من المقاالت،

lدراكات إلى قسمين: وتشرح وتفص)ل بصورة مستقلة، وتقسم اإلlدراكات االعتبارية وليدة أصل ح بأن اإل )ة، ويصر) )ة واعتباري حقيقي

lنسجام مع بذل الجهد من أجل الحياة، وتابعة ألصل اإل)ة- تقطع االحتياجات، ويعلن بأنها-مثل األمور الجسمية والنفسي

)ن نقطة انطالق مسيرها طريق التكامل و"النشوء واالرتقاء"، وتبي وكيف يتم، وما هي المراحل التي تقطعها، وما هي القواعد

lدراكات والقوانين المسيطرة عليها؟ وهذا بعكس األفكار واإل)ة فإنها ليست خاضعة لهذا األصل وإنما هي تتمتع بوضع الحقيقي

ثابت ومطلق ومستمر.*******

كما أشرنا من قبل فإن النظرية القائلة: بتبعية العقل ومطلقlنسجام مع البيئة تخالف من جهة lدراكات العقلية ألصل اإل اإل

نظرية التجريبيين القائلة: إن جميع األصول العقلية وليدة)ين من هذه الجهة، وذلك ألنها )فق مع نظرية العقلي التجربة، وتت

تعترف بكون العقل واألصول العقلية مستقلة عن التجربة،)ين هو والشيء الذي تخالف فيه نظرية العقلي

Page 129: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

[184])رة بل تراها قابلة دة وغير متغي أنها ال تعتبر هذه األصول مجر)lنسجام مع االحتياجات. وسوف نحاول 2غير وتابعة ألصل اإل للت

توضيح الموضوع بشكل أكبر. جاء في كتاب "علم النفس عند ابن سينا، ومقارنته بعلم النفس الحديث" تأليف الدكتور على أكبر سياسي عميد جامعة طهران،

في فصل النظريات الحديثة كالم يتعلق بالعقل ومبادئه هذا نصه: "يقول أحد الحكماء وعلماء النفس المعاصرين )برنسفيج

Brunschviagوله دراسات دقيقة في هذا الباب: إن الحكماء ) بالنسبة إلى األصول المنطقية التي عرضت األذهان قبل ظهور

)ة، فبعضهم العلم )بمعناه الحديث( كانوا يقتفون أثر سراب الثنائي كان يحلم بعلم� عقلي£ محض، وال يحتاج إلى الحس) والتجربة،

U عن النشاط والبعض اآلخر يتصور اإلدراك الحسي) مستغنياlنسان نتيجة للعالقة الذهني الخاص، بينما الحقيقة هي أن علم اإل

والتأثير المتبادل بين الحس والعقل...". وهذه العالقة والتأثير المتبادل يعتبرها بعض العلماء تابعة للعوامل

الحيوية والعملية، واندفع البعض أكثر من ذلك فقال بالعوامل االجتماعية. وتعتقد الفئة األولى بأن النفس والعقل )النفس

lنسان مع مقتضيات الحياة، الناطقة( مثل آله عملها تكييف اإل فهي تحملنا على على أن يكون لنا أسلوب واحد في الموارد

tوجlد فينا العادة. المختلفة خالل حياتنا، وهذه الحالة ت أجل إن البحث عن الوحدة بين الكثرة من ضروريات الحياة،دة وهذه الضرورة هي التي تهدينا إلى إدراك المفاهيم المجر)

(، وهو أصلIdentiteوالكلية، وبالتالي إلى إدراك مبدأ الهوية )ضرورة حمل الشيء على نفسه

[185] فكل شيء هو نفسه، وهذا المبدأ في الواقع هو األساس لسائر)ة عبارة عن إطالق ي ـ) )ة، ألن العل ي ـ) المبادئ العقلية وحتى مبدأ العل

lحتياج المذكور على األمور الجارية في الزمان، أو بعبارة اإلأخرى: هي صياغة المستقبل من قبل في الزمان الحاضر.

)ةBergsonوقد اهتم برجسون) ( بصورة خاصة باالحتياجات الفني)ة، هو يقول: lنسان واعتبرها المtوجlدة للمبادئ العقلي )ة لإل والصناعي

إن الفكر المنطقي والمعقول وليد الصناعة... وظن2 فريق آخر من الحكماء أن حصول المعلومات األو2لية

)ة ناشئ من الهيئة اإلجتماعية، أو على األقل يكون والمبادئ العقلي تأثير العوامل االجتماعية في هذا المجال في الدرجة األولى من

)ة. وقد انتهت بهؤالء العلماء دراساتهم في مجال أخالق األهمي

Page 130: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ة وأحوالها ومعتقداتها إلى هذه النتيجة وهي أن األمم البدائيlجتماعية والمراسيم الحياة في المجتمع والتنظيمات اإل

)ة كانت منشأ تصور الزمان والمكان والعلة والمعتقدات الديني)ة. وقد أكدت هذه )صديقي )ة والت )ة وسائر المبادئ التصوري ي ـ) والعل

الدراسات- على عكس الرأي السائد والمختار- على أن العقلU من الناحية المنطقية في األمكنة U دائما البشري) لم يكن متشابهاU يختص "مبدأ U، فمثال U إطالقا واألزمنة المختلفة ولن يكون متشابها)ن من عدم التناقض" بالناس الذين قد ارتفعوا إلى مستوى معي

،U ا ـ) )كامل الذهني) وهم يعيشون في مجتمعات متقدمة نسبي الت)ة، فألفراد هذه الجماعات- التي ولكنه ال وجود له بين األمم البدائي لها عقائد خاصة وتؤمن بـ"الطوطم")جاء في "الموسوعة العربية

U لمعنى الطوطم ما نصه:1166الميس)رة"ص توضيحا)ة، "الطوطم: حيوان يرتبط باسم العشيرة عند الشعوب البدائي

U على ما وبخاصة أهالي أستراليا األصليين. ويعتبر لحمه محر) أفرادها الذين يعتقدون أنهم انحدروا منه، ويحملون لذلك اسمه

)مثل عشيرة القنغر(، ولذلك فإنه يجب عليهم القيام نحوه)خذ بشعائر وطقوس معينة في مواسم خاصة. وبعض العشائر تت

)ة أو حتى )وهو نادر( طواطمها من النباتات أو من الكائنات الماديم النظام الطوطمي) قيام صالت من الظاهرات الطبيعية. ويحر¡

)ة بين أفراد الطوطم الواحد، ألنهم أخوة وأخوات النحدارهم جنسيU...، وينتشر ما من طوطم واحد، ةلذا كان الزواج الداخلي) محر) النظام الطوطمي) في أستراليا وميالنيزيا وشمال أمريكا، وال

،U U عن أصل ذلك النظام"( مثال توجد نظرية واحدة مقبولة تماماU وقد يجد كل¢ واحد منهم نفسه إنسانا

[186]U في نفس الوقت-ال يبدو التناقض U مفترسا ووزغة أو حيوانا

U. وال يعني هذا أنه ال وجود للمبادئ العقلية في ذهن مستحيال هؤالء الناس بل هي موجودة ولكنها تختلف عم)ا هو موجود في

أذهان أفراد المجتمعات الراقية... إذن العقل والمبادئ العقلية لمlنسان بشكل واحد ثابت بل هي أمور تتناسب تودع في نفس اإل

U حسب )ا مع االحتياجات ومقتضيات الحياة االجتماعية وتوجد تدريجي)ة È من النظرية العقلي lنسان. وبناء على هذا فإن كال مسير تربية اإل

)ة حسب هذا البيان ال يمكن أن يقع موقع والنظرية التجريبي القبول لدى علماء النفس المحدثين، ألن هؤالء وإن كانوا

U مختلفة في دراساتهم ويسردون مقدمات متنوعة tال ب tيسلكون س ولكنهم يصلون بالتالي إلى مقصد واحد وهو االعتقاد بوجود

)ونة بصورة قطعية. إن هذا العقل- العقل والمبادئ العقلية المك

Page 131: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U عن النركيب الطبيعي كما مر)ض علينا- يعتبره العقليون ناشئا)ية )ة المبادئ األول للنفس اإلنسانية، ومن هنا فإنهم يعتقدون بفطري)ون فيعتبرونها متأخرة وتقدمها على الحس والتجربة، أما التجريبيtجريت عن الحس والتجربة ووليدتهما. والدراسات الدقيقة التي أ

في نفس العقود األخيرة من هذا القرن على أحوال وأخالقالناس البدائيين

[187] واألطفال، وسائر أفراد الناس من القوميات والطبقات المختلفة،

قد جعلت الحكماء وعلماء النفس المعاصرين يتفقون في هذهالعقيدة وهي:

U بحيث تتناسب مع مقتضيات UU: يتكو)ن العقل ومبادئه تدريجيا أوال الحياؤ وشؤون الحياة االجتماعية، وكيفية تركيب دماغ أفراد

جة وقبول الصور المختلفة. lنسان،وبالمرور بالط¢رق المتعر) اإلU: لما كان كل) واحد من العوامل الحيوية واالجتماعية ثانيا

2شابه بل الوحدة كان العقل- الذي هو والنفسية يتحرك نحو التU وفي أي¡ )جه دائما تحت تأثير تلك العوامل- في تغييراته وتحو)الته يت)ية متشابهة، ولهذا فهو يجعل مقصده الوصول مكان نحو أصول كلU بين أفراد إلى مبدأ الهوية، وعن هذا الطريق يجعل التفاهم ممكنا

lنسان. اإلU في U: بناءU على هذين األصلين السابقين يكون العقل دائما ثالثا

)ة� ثابتة� غير U بصورة قطعي حالة تطور وتكو)ن وتكامل، وال يظهر أبدا قابلة للتغيير، والعقل المتكو)ن في الظاهر أي الذي فيه معلومات

) صورة مؤقتة )ة ومبادئ عقلية معينة ليس هو في الواقع إال أو2لي)ر وهي قابلة للتغيير والتحو)ل. ويكفي في تأييد هذا األصل أن نذك

بالمراحل التي تقطعها العلوم وتتسبب بين الحين واآلخر فيtع�د¢ من األصول العلمية lعراض عن النفس الناطقة التي كانت ت اإل

المسلمة واالعتقاد بأصول أخرى. ونعود مرة أخرى فنقول: كما أن هدف النشاط المادي) والبدني)lنسان هو جعل الطبيعة منسجمة مع احتياجاته فكذا النشاط لإل

، فإنه يهدف إلى جعل نفس الحقيقة والواقع منسجمين النفسي)مع مقتضياته الخاصة.

إن ما يتعلق منةهذه النظرية بوضوعنا يشمل ثالث نقاط هي: [188]-إن العلم حصيلة التعاون بين الحس والعقل.1U وليس لها منذ البدء2 )ا )ة تدريجي lدراكات العقلي -يتكو)ن العقل واإل

تركيب كامل ثابت.lنسجام مع البيئة. 3 -تكون األصول العقلية تابعة ألصل اإل

Page 132: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

ويستنتج من هذا الموضوع شيئان آخران: أ-إن العقل واألصول العقلية ليست واحدة وال متشسابهة في

جميع األشخاص. )ر األوضاع والظروف االحتياجات يتغير العقل واألصول ب-بتغي

العقلية! ونظريتنا فيما يتعلق بالقسم األول تتلخص فيما قلناه في المقالة

)نا فيها مساهمة الحس في ظهور بعض الخامسة، فقد بي التصورات، ومشاركة الضمير في ظهور تصورات أخرى، وتدخل

"الحمل" أو "الحكم" في ظهور التصورات العامة، وتدخل العاقلة في تعميم التصورات الجزئية الحاصلة من طريق الحس أو من

طريق آخر. ومشاركة التجربة في ظهور بعض األحكام2صديقات، وتدخل العقل المباشر وبال وساطة في ظهور بعض والت

)ة أو )ات األو2لي 2صديقات األخرى التي سم)يناها بالبديهي األحكام والت األصول والمبادئ العقلية. والنتيجة التي استفدناها من تلك

المقالة هي أن العلم البشري حصيلة التعاون بين الحس والعقل،قنا في تلك المقالة بين التصورات المتقدمة على الحس وقد فر)

2صديقات المتقدمة على التجربة. إذن فيما يخص هذا األمر والت نحن موافقون على ما تقوله النظرية السابقة ولكن حسب البيان

الخاص الذي قدمناه في المقالة الخامسة وال حاجة بنا إلىتكراره.

وبالنسبة للقسم الثاني لنا نظرية موافقة، وقد كانت هذه النظرية شائعة منذ عصر أرسطو وقد وض2حها ابن سينا بشكل�

رائع، ولكنه حسب[189]

U نظرية أرسطو وابن سينا فإن النفس منذ البدء تكون جوهراU هي )ا U عن البدن، واإلدراكات العقلية التي تظهر لها تدريجي مستقال

بمنزلة أوصاف وأعراض تعرض عليها. وتعتبر النظرية المحكمة والمبرهنة لصدر المتألهين أكمل وأجمع)كامل التدريجي) للعقل والمعقوالت، فهي النظريات في مجال الت

U ثم هي )ا U جسماني )ا U مادي من ناحية تعتبر النفس في البدء أمرا)دريج تظفر بالكمال الجوهري) وتصل إلى مرتبة الحس بالت

والخيال ثم إلى مرتبة العقل، ومن ناحية أخرى تعتبر العقل2حدة. وحسب هذه النظرية ال تكون النفس والعاقل والمعقول متU lدراكات العقلية أعراضا U عن البدن وال اإل U مستقال في البدء جوهرا

U للنفس. وأوصافا ومطابق هذه النظرية يكون الظهور التدريجي) للمعقوالت عين)كاملي) للعقل والعاقلة. إذن يتكو)ن العقل التكو)ن التدريجي) الت

Page 133: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U وليس لها منذ البدء تركيب كامل )ا lدراكات العقلية تدريجي واإلثابت.

وتختلف وجهة نظرنا مع نظرية الفالسفة وعلماء النفس المحدثين في القسم الثالث. فمع تقديرنا العظيم لدراسات هؤالء العلماء ومشاهداتهم وتجاربهم ومع تحليلنا لجهودهم المبذولة في

هذا المضمار، فإننا نسمح ألنفسنا بتحليل ونقد االستنباط الذيانتهى إليه هؤالء العلماء من دراساتهم.

tستفاد من العبارات الماضية فإن2 هؤالء العلماء قد فكما ي استخرجوا نظريتهم في الغالب من دراسة أخالق الناس

وعاداتهم وآدابهم وسننهم المختلفة، فقد واجهوا في دراساتهمU للتفكير يتناسب مع احتياجات حياتها أن2 لكل¡ أمة� عقائد وطرازاU أنه بتغيير االحتياجات وظروف وظروفها الخاصة، والحظوا أيضا

الحياة تختلف طرز التفكير وعقائد األفراد أو[190]

)ل هؤالء العلماء أن جميع الجماعات، ومن ناحية أخرى فقد تخيlدراكات متشابهة فاضطروا إلى االستنباط بأن العقل األفكار واإل

lدراكات بشكل� عام تابعة الحتياجات الحياة. واإل)فكيك الذي قمنا به في هذه المقالة بين 2مييز والت ويبدو أنه بالت

)ة أو lدراكات االعتباري )ة أو "الحقائق" واإل lدراكات الحقيقي اإل)أكيد على أن أغلب األفكار والمعتقدات التي )ات" وبالت "االعتباري)غيير درسها هؤالء العلماء هي من قبيل االعتبارات الخاضعة للت

lشكال. lستنباط هذا يزول وينحل اإل )بديل، فإن سوء اإل والت وأما ما قيل حول أصل امتناع التناقض- الذي هو من الحقائق-

بالخصوص فهو اشتباه آخر لألسباب التالية:U: لو فرضنا أن " الطوطمية" أو أية فئة� أو طبقة� أخرى تعتبر أوالU ووزغةU في نفس الوقت فإن2 ذلك ال عالقة U مفترسا نفسها حيوانا

له بأصل امتناع التناقض.U: ال ينبغي الغفلة عن هذه المالحظة وهي أن2 الذهن يحكم ثانيا)جه إلى ضد ذلك U، ثم يعرض بسرعة عن ذلك الحكم ويت أحيانا)جه إلى الحكم أو نقيضه، ثم يعرض عن هذا الحكم الثاني ويت

lنسان أن ذهنه قد حكم في آن )ل اإل الحكم األول وهكذا... ويتخي واحد بحكمين متناقضين، وتشيع هذه الحالة بين ذوي األذهان

البسيطة الساذجة التي ال تتمتع بقدرة على االستدالل المنطقي،U أكثر من الناحية المنطقية فإنه يكون )حا )ما أصبح الذهن مسل وكل

.U U ورسوخا في أحكامه أكثر ثباتا

Page 134: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

وما دام الذهن لم يظفر بالقدرة على االستدالل المنطقي فإنه)لقين أو تداعي المعاني، يبني أحكامه وتصديقاته على أساس الت

ويمكننا عد) هذا[191]

)ر ويتبد)ل U من ألوان السبق الذهني). ومثل هذه األحكام يتغي لوناU ¡را U يكون متأث بسرعة ويحل) أحدها محل) اآلخر. فالطفل مثال

بتلقينات أبوية، فهو يميل إلى ما يقوالن، فإذا قاال له: إن األمر بهذا الشكل، فهو يقبل بأنه بهذا الشكل، وإذا قاال له مباشرة بعد ذلك: إنه ليس بهذا الشكل، فإن ذهن الطفل ينصرف عن الحكم

ويعتقد أنه ليس بهذا الشكل. ولعل) من بين القبائل المتوحشة من يسلك هذا السلوك، فيعتقد الفرد منهم في حين أنه حيوان

،U U مفترسا مفترس، ثم يعتقد بسرعة في حين آخر أنه ليس حيواناlنسان المتوحش يمكن أن يعتقد )ه ال ذهن الطفل وال ذهن اإل ولكن

بطرفي) النقيض في أن� واحد� قط.)ة ¡دو هذه النظرية التجريبي lشكال الذي أورده مؤي U: إن نفس اإل ثالثا

وارد-بطريق أولى- عليهم أنفسهم. فقد جاء في نفس ذلك ما نصه:123الكتاب ص

"هناك إشكال يرد على المذهب التجريبي) وهو أن األصولU على والقواعد التي تصاغ نتيجة للحس والتجربة ال تنطبق دائما

)ة ألنه من )ة وال يمكن أن تكون عامة ويقيني الحقائق التجريبي الممكن أن تدفع الطبيعة الذهن إلى تغيير تلك المبادئ، ومن هنا

tسس المتزلزلة ينهار معها tني على هذه األ فإن العلم الذي بويتداعى".

إن إشكال تزلزل أركان العلم هذا وارد بشكل� أقوى على هذه النظرية، ألنه حسب هذه النظرية يكون العلم حصيلة التعاون بين

الحس والعقل، وليس للمبادئ العقلية- التي هي أحد العنصرين)غيير، وذلك ألن هذه المكو)نين للعلم- وضع ثابت مطلق ال يقبل الت

المبادئ قد صيغت حسب مقتضيات البيئة الخاصة واحتياجات)رت مقتضيات الحياة فإن تلك القوة التي عملها الحياة، فإذا تغي

lنسان مع مقتضيات تكييف اإل[192]

tوجlد غيرها مكانها. إذن أي) واحد الحياة تنفض يدها عن المبادئ وت)ة، ألنه من )ة والقطعي )ة ال يتصف بالكلي من األصول والقواعد العلمي المحتمل أن تطرأ تغييرات على مقتضيات الحياة فيضطر) الذهن

لترك تلك المبادئ واعتناق مبادئ أخرى، ومن هنا فإن العلمtسس المتزلزلة ينهار معها ويتداعى. المبني) على هذه األ

Page 135: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

ونستطيع أن ننظم هذا اإلشكال بصورة برهان صريح واضح على هذه النظرية المذكورة فنقول: يلزم من صحة هذه النظريةرد¡

)ة وقبولها تزلزل وعدم اعتبار جميع القواعد والنظريات العلمي ومن جملتها هذه النظرية نفسها، أي أن صحة هذه النظرية

تستلزم نفسها، وذلك ألنه حسب هذه النظرية كما مر علينا تصبح المبادئ العقلية- التي هي أحد العنصرين المكو)نين للقواعد

)ات تقتحم الذهن حسب االحتياجات )ة- فرضي والقوانين العلمي الخاصة للحياة، وال يمكننا القول في مورد أي نظرية أو قاعدة

علمية أن2 الواقع ونفس األمر هو كذلك، بل أقصى ما يمكن قوله: هو أننا نصدر أحكامنا حسب المبادئ واألصول المسيطرة على،U U، ومن الواضح أن هذه النظرية شاملة لنفسها أيضا أذهاننا فعال

U ال يمكن القول أن2 الواقع أي أن في مورد هذه النظرية أيضا)ة تابعة ألوضاع البيئة، ونفس األمر هو كون العقل والمبادئ العقلي بل غاية ما يمكن قوله: هو أننا نحكم بهذا الحكم حسب المبادئ

U، ولكن ما هو الواقع ونفس واألصول المسيطرة على أذهاننا فعال األمر؟ ال نعلم. إذن هذه النظرية تفتني في الدرجة األولى ببطالن

نفسها، فهي تنقض ذاتها أو كما يقال تحفر قبرها بيديها.*******

( لقد عرفنا مم)ا سبق أن استحكام العلم بل إمكانية ال معنىU لها إال في ظل¡ نظرية العقل والمعقوالت الثابتة اليقينية التي ال تتغير،

)ة )نا فرضي أما إذا تبي[193]

التجريبيين في مورد العقل والمبادئ العقلية التي شرحناها في)ة عدد من علماء النفس المحدثين المقالة الخامسة، أو فرضي

lعتماد على العلم التي مر) علينا شرحها قبل قليل، فإنه ال يمكن اإل وال االطمئنان به، والبد2 عندئذ� أن نغسل أيدينا من أي جزم أو

يقين، وال بد2 من االنصراف عن العلم، والقارئ الكريم إذا تعم2ق في محتويات المقالة الرابعة والخامسة وما مر) في هذه المقدمة

فإنه سيصل إلى هذه النتيجة: البد2 أن نكون مذعنين بوجود العقل والمعقوالت المطلقة النظرية

)ة وأي¡ قانون� منطقي£ وأي¡ قاعدة قبل صياغة أي¡ نظرية فلسفي)ة�. علمي

lدراكات أي أنه ال بد2 من االعتراف بوجود مجموعة من اإل المتحررة في تكوينها وتشكيلها من تأثير احتياجات الحياة وأوضاع

البيئة، وكيفية التركيب الخاص للمخ واألعصاب وسائر العوامل)ة للعلوم tسس األو2لي lدراكات هي التي تشيد األ الطبيعية، وهذه اإلU مجموعة أخرى والفلسفية النظرية، ومن الواضح أن لدينا أيضا

Page 136: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)رة ومتبد)لة lدراكات وهي تابعة لمقتضيات الحياة ومتغي من اإلU، وتسمى في عرف هذه باستمرار وفي نشوء وارتقاء دائما

lدراكات االعتبارية واألفكار العلمية، ولكنه-كما سوف المقالة باإلlدراكات بالعقل والمعقوالت النظرية نرى- ال عالقة لهذه اإل المطلقة، وتتكفل هذه المقالة ببيان كيفية ظهورها وتكو)نها

lدراكات من غيرها سوف يرتفع كثير من وتطورها، وبتمييز هذه اإلاالشتباهات الواقعة في هذا المجال.

lدراكات النظرية واألفكار وهناك مسائل ومواضيع كثيرة تتعلق باإل العملية وهي خارجة عن حدود بحثنا الحالي. وهذا المقدار من

2وضيح كاف� في هذه المقدمة لفهم مواضيع المقالة نفسها، ولو التأردنا شرح جميع

[194] هذه األمور ألصبحت هذه المقدمة طويلة إلى حد¡ الملل، ألن

الفالسفة القدماء والمحدثين قد تطرقوا لهذه المواضيع وأبدوا آرائهم فيها، وسوف تشرح كثير من المسائل خالل المقالة نفسهاlدراكات االعتبارية وذلك عندما يجري الحديث عن كيفية ظهور اإل

)رها وتكاملها وعالقتها باحتياجات الحياة، وسوف نقوم وتكثبالتعليق عليها بما فيه الكفاية.

[195 ]االعتباريات والعلوم غير الحقيقية

أواألفكار المتخيلة

يقول الشاعر الكبير حافظ:وال في البستان سرو يشبهكليس في السماء قمر مثلك

ويقول الشاعر فردوسي:حربتان وساعدان وشخصان باسالن

lسد المغوار أحدهما األفاعي واآلخر األ لقد صافح سمعكم الشيء الكثير من ألوان هذا الشعر الغزلي)

)نونه بالورود U ويزي )ا U غزليي الحماسي)، فيتناول الشعراء موضوعاU والربيع الخمرة والحبيبة وكل) ما يطرب له الشعور، أو موضوعاU فيرسمون لوحة خيالية عن ساحة الحرب التي يملؤها )ا حماسي

U في مجال الرجال المقاتلون األشداء المناضلون فيحق¡قون نصراU في الساحات المهولة المتخيلة. القلب والحب أو سبقا

ونحن نعلم أن هذا األمر ال يختص) بالشعر وال بالشعراء والU 2صف جميعا U في مجال النثر، ونت بالشعراء بل يمكن تنفيذه أيضا2خيل بنسبة كبيرة أو ضئيلة، فنقوم في كل¡ يوم بإيجاد بميزة الت

Page 137: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

2باتنا التي تؤد¡ي معاني التمثيل أو نماذج منه في مفرداتنا ومركاالستعارة.

[196]U بل يكون لنا هدف من U أن هذا العمل لم يكن عبثا ونعلم أيضا

استغالل هذا األسلوب وسلوك هذا الطريق. ويتلخص ذلك الهدف في إثارة المشاعر الباطنية التي تتحقق عن طريق التشبيه2شبيه واالستعارة والتمثيل من المصلحات واالستعارة )إن الت)ة الخاصة بعلماء األدب في فن البالغة. ففي األحاديث العادي

2شبيه على مجرد بيان المشابهة بين شيئين،ولكنه في يطلق الت2شبيه فقط على الكالم الذي يذكر فيه كال العرف األدبي يطلق الت

)ه به(. )ه والمشب 2شبيه )المشب طرفي) الت)شبيه كلمات تدل على المشابهة من قبيل فإذا ذكرت في الت

U "مثل" و "ويشبه" وأمثالهما )في اللغة العربية( فإنه يكون تشبيهاU، مثل تشبيه العلماء بالذهب الخالص وتشبيه أبناء U ساذجا بسيطا

األشراف الجاهلين بقطعة النقود المزو)رة في شعر الشيخ سعديهذا:

إن وجـود العلمـاء مثـل الذهــب الخالـصأينمـا يذهـب تعـرف قيمتـه وقدره

أما أبناء األشراف الجاهلون فإنهم يتخلفون في بلدهم)ونهم بشيء ألنهم في البالد الغربية ال يثمن

)شبيه البليغ، tفرغت العبارة من هذه الكلمات فيسمى بالت وأما إذا أ مثل تشبيه "أمير الساماني" )اسم شخص( بالقمر وتشبيه

"بخارى" )اسم البلد( بالسماء في شعر الرودكي هذا: إن "األمــير" قمـر وبخــارى سمـــاء

)جه نحو السماء U يت والقمــر دائمــا)ه به )شبيه، مثلما لو ذكرنا المشب وأما إذا اكتفينا بذكر طرفي) الت

)ه به مكانه وأثبتنا له حكمه، فهذه العملية فقط وحذفنا المشب تسمى باالستعارة، مثل التعبير عن المحبوب بالقمر في شعر

الشيخ سعدي هذا:اغلقي أيتها السمـاء - للحظـة - نافـذة الصبح

في وجه الشمس حيث إن الليلة سعيدةبقمري

lسكندر )ة بزنزانة اإل ومثل التعبير عن الجسم والتعلقات الجسمي)ات بملك سليمان في شعر حافظ: والتعبير عن عالم المعنوي

lسكنـدر لقد ضاقت نفسي من جو سجن اإل�حزم أمتعتي وألذهب إلى مـلك سليمـان قأل

Page 138: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)شبيه المصطلح عليه، وهو يعني )مثيل فهو لون خاص من الت أما الت)ة معينة حاصلة من اجتماع أن نقوم بتشبيه وضع خاص وكيفي

)ة خاصة متكو)نة من اجتماع )ن، وكيفي وارتباط عدة أمور بوضع معي وارتباط عدة أمور أخرى، مثل تشبيه الوضع الخاص الحاصل من

هبوط قطرات الندى الليلي) على أوراق الورد األحمر بالوضع الخاص لتجم)ع قطرات العرق على جبين المحبوب الغاضب في

شعر الشيخ سعدي هذا:في أول "أرديبهشت" ذلك الشهـر الرائـع

د علـى منابــر الغصـــون يجلـس البلبـل المغر)وعلى الورد األحمر تسقط قطرات من اللؤلؤ

)ب من جبين الحبيب تشبه قطرات العرق المتصبالغاضـب

ومثل تشبيه حالة القلب القاسي للمعشوق ودموع العاشق حيث2 دموع العاشق الغزيرة ك ذلك القلب القاسي للمعشوق أال ال يحر)tلقي بها إلى بحالة صخور الصحراء التي ال يقتلعها من مكانها، وي2 يسيل العارم في هذا البيت من الشعر لحافظ: شاطئ البحر إال

2 دموعي )نته إال إن قلبك المتحج)ر ما لي2 السيل فالصخرة ال يحملها إلى شاطئ البحر إال

U 2شبيه واالستعارة أقساما ومن المعروف أن2 لكل¡ واحد� من التU متعددة، وعلى الراغبين الرجوع إلى كتب فن البالغة. وألوانا

lشارة إليه في هذا المجال هو أن والشيء الذي البد2 من اإل2خيالت الشاعرية )ات والت التشبيه البسيط ال يختص بمورد االعتباري

lستفادة منه في مجال بيان الحقائق والمسائل بل يمكن اإل)ن للطالب U، مثلما لو أردنا في درس الجغرافيا أن نبي النظرية أيضا الشكل الكروي) لألرض، وانحناءها إلى الداخل في القطبين، فإننا

)ة وفيها انحناء إلى الداخل في )هها بالتفاحة، فهي كروي نشبالطرفين.

2شبيه البليغ واالستعارة والتمثيل فهي من األمور المختصة أما الت)الت الشاعرية( )ات والتخي باالعتباري

[198])ه به، وعند )ه والمشب فالتشبيه في الحقيقة معادلة تتم بين المشب

)ه به وخواص)ه تستيقظ المشاعر االلتفات إلى صفات المشب)ه، الداخلية وتضاف مجموعة من المعاني العاطفية إلى المشب

U نتصو)ر شكل 2شبيه العاطفي نتيجة عملية، فمثال وتؤخذ من هذا التU إلى عاطفة حبنا لمعشوقتنا U جديدا U باطنيا القمر ونضيف شعورا فتلتهب نار الحب أكثر، أو نتصور الشكل المهيب لألسد وجرأته

Page 139: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lنسان مقاتل وصالبته فتضاف مشاعر جديدة إلى صورة خيالية إلفنثبت في النفس شجاعته وإقدامه.

2بديل، فنضع وكذا عملية االستعارة فهي بمنزلة نتيجة للمعادلة والت)ه ونحصل على النتائج الماضية مباشرة )ه به مكان المشب المشب

ومن دون مقارنة.)ة لتمييز واآلن إذا واجه عالم-يبحث من وجهة النظر الواقعي

مطابقة المفاهيم من عدم مطابقتها، ولتشخيص صدق القضايا)د من كذبها-هذه المفاهيم والقضايا االستعارية فإنه من المؤك سوف يحكم بعدم مطابقة تلك المفردات للمصاديق، وسوف

2ات، ألن المطابق الخارجي) يفتي بكذب تلك القضايا والمركبlنسان، ومطابق لفظ لكلمة األسد هو الحيوان المفترس ال اإل

)ة ال الجمال األرضي). وقس على هذا القمر هو تلك الكرة السماوي المنوال... كما إذا استعملنا كلمة األسد أو القمرمن دون عناية

)ة في مجازي[199]

مورد الحجر مكان كلمة الحجر فإنه سيكون خطأ )المطابقة فيه(أو كما إذا قلنا:

U عندما تكون الشمس فوق رؤوسنا فإن الوقت ليل" فإنه "أحياناكذب )ال مطابقة فيه(.

U بين هذين اللونين من الخطأ ولكن هذا العالم سوف يجد فرقاق علماء األدب بين الغلط والمجاز الذي تكون والكذب)يفر)

U من ألوانه عن طريق وجود وعدم "العالقات" االستعارة لونا)ة. المجازي

lستعماالت توضيح ذلك: يعتقد علماء األدب أنه البد2 في اإلU في غير معناها األصلي- )ة-حيث تستعمل الكلمات قصدا المجازي من وجود لون من العالقة واالرتباط الخاص بين المعنى األصلي المعنى المجازي)، من قبيل عالقة "المشابه" أو "المجاورة" أو

)ة" وغيرها، واالستعارة التي هي نوع من )ة" أو "المسببي "السببي أنواع المجازات عبارة عن ذلك المجاز الذي لوحظت فيه عالقة

)ز ح علماء األدب بأن العالقات هي التي تمي المشابهة، ويصر)المجازات من األغالط.

ونستطيع أن نناقش في هذا الفرق الذي يذكره علماء األدب، فال)ه يجب في االستعارة أن يكون هناك تشابه واقعي بين المشبU بأسد فال يجب أن يكون ذلك )هنا رجال U لو شب )ه به، مثال والمشب

U من U بخصلة الشجاعة، بل قد يكون إنسانا U واقعا الرجل متمتعا)ة U، ولكنه حسب بواعثنا الشاعري أضعف الناس وأكثرهم خوفا

)ه بأسد� قوي الساعدين، وتوجد آالف من قبيل هذه نشب

Page 140: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)شبيهات واالستعارات في قصائد الشعراء، ومع ذلك فهي التمتضم)نة للحد¡ األعلى من الجمال الشعري)، حتى قيل:

)ما كان الشعر أبعد عن الواقع فهو "أحسن الشعر أكذبه" أي كل)شبيهات أن يكون أروع وأجمل، وكل ما هناك أنه يشترط في الت)شبيه )شبيه، أي أن الت )ه لون من الصالحية والشأنية لهذا الت للمشب)ه بحسب نوعه ) إذا كان للمشب واالستعارة ال تكون مستحسنة إال

2 )ه شيء باألسد في الشجاعة إال U ال يشب هذا الوصف المقصود. مثال إذا كان من أنواع الحيوان، أم)ا الشيء الذي ليس هو من أنواع

U لنسبة الشجاعة إليه مثل قطعة من الحجر فإن2 الحيوان وال مؤهال تشبيهه باألسد في الشجاعة غلط ال يمكن قبوله( وهو أن2 الخطأ

والكذب الواقعي) ال أثر له، أم2ا الخطأ والكذب[200 ]

U حقيقية واقعية، وذلك ألنه يستتبع إثارة الشاعري) فإن له آثارا العواطف الداخلية واآلثار الخارجية المترتبة على تلك العواطف.

U أن أثار سماع استعاري) موجة من االضطراب وقد حدث كثيراU، أو على U وأسلم إلى الموت أشخاصا والهيجان وزلزل عروشا العكس من هذا فقد أظهر أشياء ضئيلة بصورة عظيمة ومنح

القيمة ألمور ال قيمة لها. وقد سج)ل التاريخ)كتب "عروضيسمرقندي" في "جهار مقالة" )أربع مقاالت( ما نصه:

U، فكيف U حم)ارا ئل أحمد بن عبدالله الخجستاني: لقد كنت رجال tس" انتهى بك المطاف إلى إمارة خراسان؟ فأجاب:

U -بباذغيس في خجستان-ديوان حنظلة الباذغيسي كنت أقرأ يومافوصلت إلى هذين البيتين:

)ة في فم األسد )شإذا كانت العظ�مة مخفي فخاطر بنفسك وفـتداخـل فمـه

وأم)ـا مواجهة الموتفـأم)ـا الرفعـة والجـاه والنعمةكالرجال البواسل

فأحسست في أعماق نفسي بشيء يجعلني غير راض� بالحالةU، وتركت وطني التي كنت فيها، فبعت الحمير وابتعت جوادا

U بخدمة علي بن الليث )الصفاري)(.... وكان هذان البيتان ملتحقاهما السبب في ذلك".

U في نفس المصدر السابق: ويقول أيضاtع�د¢ واسطة عقد آل سامان- "يقيم نصر بن أحمد الساماني)-الذي ي

بدار الملك ببخارى في الشتاء، ثم يذهب في الصيف إلى سمرقند، أو إحدى نواحي خراسان، وفي إحدى السنين كان الدور لمدينة هرى فيم)م نحوها نصر بن أحمد واستقر) جيشه

U، واألطعمة كثيرة، والفواكه U، والهواء عذبا هناك، وكان الجو) رائعا

Page 141: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

مبذولة، والروائح العطرة تملأل اآلفاق، فانتعش الجيش خالل ذلك وامتص) عصارة الربيع والصيف. ثم جاء الخريف ومعه وفرة في

عصير العنب )الفضيخ( تغري الشباب في نعيم بعيد عنlنصاف، ولما رأى األمير نصر الخريف وثمراته غاص في الفرح اإل

lقامة هناك في الشتاء، وعنما عاد الصيف ر اإل والسرور وقر)U أحسن من نضجت الفواكه فقال نصر بن أحمد: ال نجد مصيفا هذا المكان، سوف نغادر هذا المكان في الخريف، وحينما حل)

U: نقضي الخريف في هرى ثم نرحل. وهكذا الخريف استثنى قائال يؤخ)ر السفر من فصل� إلى فصل� آخر، حتى أكملوا في ذلك

المكان أربع سنين. فأصيب الجيش بالملل واستيقظ في أنفسهمU قد تغلغل هوى هذا حب¢ األهل، ولكنهم الحظوا الملك مطمئنا

المكان في رأسه ونفذ عشقه إلى أعماق قلبه، فاجتمع نفر� من كبار الجيش وذهبوا إلى الشاعر أبي عبدالله الرودكي)، وعرضواك به U من الشعر يحر) عليه خمسة آالف دينار على أن ينظم شيئا

)لين بأن2 الحنين إلى األهل يكاد يجرفنا، الملك من هذا المكان متعل والشوق إلى بخارى يكاد يقضي علينا، فوافق الرودكي) على ذلكU بالصبوح ونظم قصيدة لذلك الغرض، وعندما كان األمير مشغوال جاء الشاعر واحتل مكانه، ولما كان المطربون قد أنهوا دورهم2غني بهذه القصيدة فقد أمسك شاعرنا باآللة الموسيقية وبدأ الت

على مسرح العشاق:إننا نشـم) رائحـة نهـر "مـوليــان"

فتعود إلينـا ذكريات الصديـق الحميـمماء نهر "جيحون" من نشاط وجه الحبيب

قد ارتفع حتى وصل إلى بطن جوادنــافلتكن حياتك يا بخارى طويلة وسعيـدة

U U مسـروا وسوف يأتيك األمــير فرحاإن "األمير" قمـــر وبخارى سمــاءU يتجـــه نحو السماء والقمر دائــما

إن "األمير" ســرو وبخــارى بستانوالســـرو ال يعيـش إال في البستان

)ه ولما انتهى الشاعر من قراءة هذا البيت نزل األمير من كرسي2جه نحو بخارى، ووضع قدميه- من دون حذاء- في ركاب الجواد وات

وقد حملوا لألمير حذاءه والوسادتين اللتين تحفظان فخذيه ولم2 بعد فرسخين من المسير وفي المكان المسم)ى يلتحقوا به إال

"بروته" لبس حذاءه، ولم يكبح العنان حتى دخل بخارى".U قصص كثيرة من هذا القبيل، وهي وتوجد في تاريخ األمم جميعا

)د أن تأثير اآلداب في نفوس تكشف قيمة اآلداب، ومن المؤك

Page 142: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ة التي 2حوالت التاريخي الناس وأخالقهم وشؤون حياتهم، وفي الت تحدث في المجتمع البشري) إذا لم يكن أكبر من تأثير العقل

U أن يكون أكبر واالستدالل فإنه ليس أقل منه، وقد يصادف أحيانا من تأثير العقل واالستدالل فإنه ليس أقل منه، وقد يصادف

U أن يكون بيت من الشعر أو مثل يضرب ةله قيمة أدبية أحياناU لمعنويات أمة بأكملها. )ل أساسا وهو يمث

)ة )ة والفلسفي )حوالت والثورات العلمي ويشهد التاريخ أن الت والصناعية قد حدثت في العالم بعد الثورات األدبية، وفي

2اب ألوربا عن الحضارة األوربية الحديثة ال يقل) تأثير الشعراء والكت تأثير العلماء الطبيعيين والرياضيين والفالسفة والمخترعين

والمكتشفين في إيجاد تلك الحضارة( حوادث كثيرة من هذاالقبيل. كانت هذه نظرية العالم الواقعي).

[202] ولو نظرنا إلى أي) شاعر أو أي) إنسان يصوغ بمشاعره الخاصة

)ة أو U أللفاظه االستعاري U لوجدنا عنده مطابقا U أو تمثيال U خياليا تصو)راU )ة )ولو أنها تنعدم جميعا U خارجي tستنتج منها آثارا )ة، وي جمله التمثيلي

بانتهاء تلك المشاعر الخاصة(.tستنتج من البيان الماضي: وي

U في ظرف التوهم، ولو أنها ال1 )ة مطابقا -إن2 لهذه المعاني الوهمي)خيل مطابق لها في ظرف الخارج، أي في ظرف الت

)شبيه واالستعارة - بالفطرة والغريزة- في )وهم)توجد عملية الت والتU جميع األفراد والطوائف والقبائل البشرية، فالناس كانوا دائما

يستعملونها في نثرهم وشعرهم، وال يختلف الناس فيما بينهم من)شبيهات واالستعارات، وإنما حيث استعمال أو عدم استعمال الت علماء األدب هم الذين يختلفون في التفسير العلمي لهذا العمل

)ته. الغريزي) وبيان ماهي فجمهور علماء األدب قبل السكاكي) كان يعتبر االستعارة من

U سوى نقل مكان األلفاظ شؤون األلفاظ ويعتقد أنها ليست شيئا واستعمال لفظ مكان آخر بوساطة عالقة المشابهة الموجودة

lنسان أن يفهم أن U عندما يريد اإل بين معاني هذين اللفظين، فمثال الشخص الذي جاء يتمتع بشجاعة األسد فإنه بدل أن يذكر اسمه

الصريح يقول: "جاء األسد"، أي أنه وضع كلمة "األسد" وهوtضرب به المثل في الشجاعة مكان اسم ذلك اسم حيوان خاص ي

¡ر بهذا اللفظ "المستعار" عن ذلك الشخص، إذن الشخص، ويعب)ة االستعارة هي عبارة عن استعمال لفظ مكان آخر لوجود ماهي

عالقة المشابهة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيهإثبات شيء من صفات أحد هذين لآلخر.

Page 143: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

ولكن السكاكي) )المتوفى في القرن السابع الهجري)( يعتقد بأن االستعارة ليست من شؤون األلفاظ بل هي من شؤون المعاني، أي أنها من أعمال الذهن الخاصة، ففي حالة االستعارة ال يتحركU، وال يستعمل في غير معناه األصيل. فتصبح اللفظ من مكانه أبداlنسان يفرض U، أي أن اإل )ا U وذهني )ا U نفسي االستعارة في الحقيقة عمال

)ه به، وليس )ه أحد مصاديق المشب في ذهنه ويعتبر كون المشب)ته على )ه به وماهي U عنها ويطبق في خياله حد) المشب خارجا

U مع مخاطيبهم أن )ه. فقد بنى الناس في محاوراتهم دائما المشب)ه )ه هو أحد مصاديق المشب يد)عي المتكلم خالل كالمه بأن المشب)د هذا األمر القرائن اللفظية والمحاورات العامة للناس، به. وتؤي)ن U في الجملة الماضية عندما يشير اإلنسان إلى شخص معي مثال

ويقول لمخاطبه: "جاء األسد"، يكون قد استعمل جملة مكان جملتين: إحداهما

)ة األسد" وحد) األسد U مصداق لماهي "جاء فالن" واألخرى "أن فالنا)ة الثانية- الذي هو فرض ينطبق عليه. ويشكل مفاد الجملة الضمني

U )بحسب فرض المتكلم واعتباره(- lنسان أسدا واعتبار هذا اإل)ة االستعارة. ماهي

وجاء بعد السكاكي) كثير من علماء األدب الذين اعترفوا بصحة هذه النظرية، ومن الواضح أن لهذه النظرية صبغة أدبية وهي

)ة االستعارة التي هي عملية خاصة تتعلق بالمحاورات، تفسر ماهي ولكننا عندما ندرس أعمال الذهن وطريقة النفس في صياغة

األفكار في مطلق االعتبارات تبدو لنا نظرية السكاكي) صحيحة، وهذا هو معنى ما قاله المؤلف في المتن: "نعطي في تخيلنا حد)

شيء لشيء آخر"(يكون

[204]U لألسد أو للقمر، ولو أنه ليس كذلك في U مصداقا lنسان مثال اإل

lنسان في مجال ظرف الخارج، أي يعطي حد¡ األسد أو القمر لإل)خيل. U آخر مجال الت )خيل، ولو كان هذا موجودا الت

-إن هذه المصاديق الجديدة لها هذه الحدود ما دامت العواطف2 والدواعي موجودة، وهي تزول بزوالها وتتبدل بتبد)لها، كما يمكننا)ة، سواء )صو)رات االعتباري )بدل في األفكار والت )ر والت U)يكثر التغي مثال

)ة، وسوف تأتي )ات أخالقية أم إجتماعية أم شعري أكانت اعتباريU في هذه المقالة نفسها. األصول العامة لهذه التغييرات تدريجياU، بحيث يمكن U وأقلها ثباتا )را )ة أكثرها تغي )ات الشعري tع�د¢ االعتباري وتالقول: إنها ال ضابط لها، فالشاعر من حيث هو شاعر ويتعامل-)خيل فإنه من ناحية- مع المشاعر، ومن ناحية أخرى مع قوة الت

Page 144: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U بقوة الخيال ومن خالل منظار الشاعر يرى العالم وما فيه دائماU ورغباته الخاصة. فأحكام الشاعر في مورد أي) شيء تحكي دائما

)ة بذلك الشيء، وال تحكي أوصافه عن عالقات الشاعر المعنويU الواقعية، وبعبارة أخرى فإن2 األفكار الشعرية ليست انعكاسا للواقع الخارجي بل هي انعكاس لعواطف الشاعر الباطنية.

وتختلف العواطف الداخلية للشاعر بحسب األوضاع واألحوال،)ة عرضة لهذه االختالفات، على ولهذا تكون األحكام الشاعري

رة من تأثير هذه )ة فإنها متحر) )ة النظري العكس من األحكام العقليالعوامل.

U )له - جبال U بمشاعره الخاصة وقوة تخي U- متأثرا فالشاعر يرى مثالU ما U القشة بشكل جبل، أو يرى شيئا ة، أو يرى أحيانا بصورة قش)U، ونفس ذلك الشيء في حين آخر في أروع وأجمل صورة حينا

يراه في منتهى القبح وغاية الدمامة، وهكذا... وحسب ما ينقل "عروضي سمرقندي" فإن "فردوسي" قبل تقديمه "الشاهنامة" إلى "السلطان محمود" كان يأمل في

حمايته ومساعدته، ولهذا فقد أطنب في وصفه والثناء عليه:بمجرد أن ينقطع الطفل عن لبن أمه

فإنه ما يتلفظ به وهو في المهد اسم "محمود"فهو بالجسم فيل والروح جبرئيل

وبالسخاء سحاب بهمن )شهر مطير( وبالقلب نهر النيلفالملك "محمود" هو سلطان العالم

وهو يورد في شريعة واحدة األغنام إلى جانب الذئاب ولكنه بعد ألن قدم الشاهنامة إلى السلطان محمود فقد وشى به

الحاسدون إلى السلطان قائلين له: إنه رجل "رافضي)" ودليل ذلك ذكره ألهل بيت النبي )صلى الله عليه وآله وسلم( في

مطلع "الشاهنامة"، فلم يعتن السلطان بفردوسي، ولهذا اندفع "فردوسي" في هجاء السلطان "محمود" الغزنوي) بمئة بيت من

الشعر ولكنه أخفاها بعد إلحاح من أمير طبرستان "شهريار"،وهذه األبيات من تلك المقطوعة:

إن ابن المستخدمة ال ينبغي أن يستسلم زمام الحكموإن كان والده من الملوك

فبسبب الضيق لم يكن للملك جهازوإال ألجلسني في المكان الذي أستحقه

فألنه لم يكن في أسالفه عظيملم يستطع أن يسمع أسماء العظام

[205]

Page 145: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U بدافع المشاعر الخاصة، U من الناس أسدا أن نتصو)ر في يوم فردا وفي يوم آخر نعد)ه فأرة بسبب مشاعر أخرى، إذن هذه المعاني

)غيير، قابلة للت[206]

وهي تتبدل بتبد)ل عوامل وجودها )العواطف الباطنية(.)ة قائم على حقيقته)يطلق3 -إن كل¡ واحد من هذه المعاني الوهمي

)ة من جهة كون كل) lدراكات النظري لفظ الحقيقة على األفكار واإل واحد منها صورة ألمر واقعي) كالصورة الفوتوغرافية الملتقطة

)ة )ة واالعتباري lدراكات العملي لشيء خارجي)، وأم)ا على األفكار واإل فتطلق كلمة "الوهمي)" من جهة أن كل2 واحد� منها ليس صورة

U ألمر واقعي)، وال يحكي عن مصداق خارجي، وليس له وال انعكاساlنسان في ظرف توه)مه. من مصداق سوى ما يفرضه اإل

)ل lشارة إليها هي: قد يتخي لكن) المالحظة التي ال بد) لنا من اإل)ة( )ة والمملوكي )ة )مثل مفهوم المالكي البعض أن المفاهيم االعتباري

)فق عليها، وليس لها ما بإزاء في )ة يت لم)ا كانت مفاهيم فرضيU، أي أن2 األذهان الخارج فهي إذن أشياء مخترعة مبتدعة تماما

2قة الخاصة. ولكن هذا تخترع هذه المعاني من نفسها بقدرتها الخال)صور غير صحيح، ألنه كما قلنا في المقالة الخامسة: ليس الت للقوة المدركة مثل هذه القدرة بحيث تستطيع أن تخترع من

ذاتها صورة، سواء أكان لتلك الصورة مصداق خارجي )في)ات(، وكما مر) شرحه في الحقائق( أم لم يكن لها )في االعتباري

U ¡صاال تلك المقالة، فما دامت القوة المدركة لم تتصل بواقع� ما اتU، فإنها ال تستطيع أن تصوغ له صورة، وكل) نشاط يبديه )ا وجودي

الذهن فهو عبارة عن أنواع التصرفات التي يقوم بها الذهن في)عميم والتحليل تلك الصور، من قبيل الحكم والتجريد والت

والتركيب واالنتزاع. وقد يخطر في البال ها هنا إشكال حول تلك القاعدة العامة التي

lدراكات مر) بيانها في المقالة الخامسة، فهي تصدق على اإل)ات، ألن للحقائق مصاديق الحقيقية وال تصدق على اإلعتباريlشارة إلى ذلك- وهي توجد عن طريق واقعية-كما سبقت اإل

)ة، بخالف االتصال الوجودي) بين القوة المدركة والمصاديق الواقعي)ات فإنها ليس لها مصاديق واقعية، إذن هل يمكننا القول: lعتباري اإل

إن الذهن يخلق المفاهيم االعتبارية ويضعها من نفسه؟!lدراكات lشكال واضح ألن) أي2 واحد من اإل والجواب على هذا اإل

U )ة -كما سوف يعلم ذلك خالل المقالة- ليس عنصرا االعتباري)ة قد عرض الذهن lدراكات الحقيقي U لإل U مقابال U، وال مفهوما جديدا

فنضطر لتفسير وجوده بأنه من خلق الذهن وابتداعه، بل الحقيقة

Page 146: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ة هي أنه إذا أخذنا بعين االعتبار أي) مفهوم من المفاهيم االعتباري،U U واقعيا U على أساس حقيقة، أي أن له مصداقا فسوف نجده قائما

وهو حقيقة بالنسبة إلى المصداق، وعروض ذلك المفهوم على الذهن قد تم) عن طريق ذلك المصداق الواقعي)، وكل¢ ما هناك هو

U آخر في ظرف توه)منا أننا قد فرضنا لذلك المفهوم مصداقا للوصول إلى مقاصدنا العملية، إذن يصبح هذا العمل الذهني

U من ألوان البسط الخاص الذي سم)يناه بـ"االعتبار" في الواقع لونا)عميم الذي يقوم به الذهن في المفاهيم الحقيقية بدافع من والت

العوامل العاطفية والدواعي الحيوية، وهو لون من النشاطlدراك، وفرق هذا )صرف الذي يؤد)يه الذهن في مجال اإل والت

النشاط الذهني عن التصرفات التي مر) شرحها في المقالة الخامسة، هو أن هذا التصرف يقع تحت تأثير الرغبات الباطنية

واحتياجات الحياة )بصورة إرادية أو غير إرادية(، وهو يتغيررة من تأثير هذه )رها، بخالف تلك التصرفات فإنها متحر) بتغي

العوامل.)ة مأخوذة ومقتبسة من وبناء على هذا تكون المفاهيم االعتباري

المفاهيم الحقيقية، وكما قلنا في المقالة الرابعة ليس لدينا خطأ مطلق بل كل) خطأ قد ظهر من شيء صحيح فكذا األمر هنا فإنه

)ة ليس لدينا فرض واعتبار مطلق، بل جميع المفاهيم االعتباري)ة، وهذا هو )ة أو االنتزاعي )ة الحسي مقتبسة من المفاهيم الحقيقي

)ة معنى ما جاء في المتن من أن2 " أي) واحد� من المعاني الوهمي قائم على حقيقة"، وليس من العسير فهم هذا األمر في مورد2ضح ذلك في )ة مثل )جاء األسد(، وسوف يت )ات الشعري االعتباريU بشكل� تدريجي£ من )ة أيضا )ة واالجتماعي )ات العملي مورد االعتباري

خالل البيان الذي سوف يأتينا في المتن أو في التعليقات(، أي [207]

U أن أي2 حد£ وهمي£ نعطيه للمصداق فله مصداق آخر واقعي) أيضاU فال بد2 أن يكون هناك أسد U أسدا فقد أخذ منه، فإذا اعتبرنا إنسانا

واقعي) له حد) األسد.[208]U واقعيةU مع أنها هي غير واقعية،4 )ة آثارا -إن لهذه المعاني الوهمي

)ة إذن يمكن القول أننا إذا فرضنا كون أحد هذه المعني الوهميU ألي) أثر خارجي) )متناسب مع أسباب وعوامل وجوده هو( فاقدا

فإنه لن يكون من نوع هذه المعاني وإنما هو غلط حقيقي) أو.U U أبدا كذب صريح )لغو-ال أثر له(، إذن هذه المعاني ليست لغوا

Page 147: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

-إن هذا العمل الفكري) يمكن تحديده حسب النتائج السابقة5 فنقول: إنه إعطاء حد¡ شيء� لشيء� آخر بوساطة العواملالعاطفي بقصد ترتيب اآلثار المرتبطة بعواملها العاطفية.

lدراكات والمعاني وليدة العوامل العاطفية لذا6 -لم)ا كانت هذه اإلlدراكات tعد)، هذا الموضوع القائل إن اإل لم يكن لها ارتباط توليدي))ي

lدراكات االعتبارية ال يمكن أن يكون لها ارتباط توليدي) باإل الحقيقية من أهم) المالحظات في قوانين التفكير، ومن وجهة نظر فن المنطق-المتكفل ببيان القوانين األساسية للتفكير-ال

) قليل من المسائل التي تتمتع بقيمة ترتفع إلى قيمة هذه توجد إال)ما إذا التفتنا إلى أن الغفلة عن هذه المالحظة المسألة، ال سي

)ة قد أد2ت بكثير من الفالسفة وغيرهم في القديم والحديث الفني إلى كثير من األخطاء واالشتباهات التي سوف نشير إلى بعضها

بصورة مجملة فيما بعد، وسوف يحدس القارئ الكريم مم)ا نذكره هنا بشكل مختصر أن التحقيق المفص)ل لهذا الموضوع المنطقي) يحتاج إلى كتاب يقصر عليه، ولكن التوضيحات التي سنذكرها هنا منضمة إلى ما ذكرناه في المقالة الخامسة توف)رlمساك برأس الخيط، ونذكر هذه التوضيحات للقارئ العزيز اإل

تحت هذه العناوين األربعة :-ما هو معنى االرتباط التوليدي)؟1lدراكات الحقيقية؟2 -كيف يوجد االرتباط التوليدي) بين األفكار واإلlدراكات3 -لماذا ال يمكن أن يكون ارتباط توليدي) بين األفكار واإل

)ة من جهة أخرى؟ lدراكات الحقيقي )ة من جهة واألفكار واإل االعتباري)ات؟4 )ة السير والسلوك الفكري) في االعتباري -ما هي كيفي-ما هو معنى االرتباط التوليدي)؟1

إن من أرفع النشاطات الذهنية وأغربها هو ما يسمى بـ"التفكير" حسب المصطلحات المنطقية. فالنشاط الفكري يعني قيام)خذ من المعلومات الذهن بمعرفة ما هو مجهول لديه، وهو يت

السابقة عنده وسيلة لذلك، أي أنه يقوم بتحليلها وتركيبها بشكل خاص حتى يحو)ل بالتالي المجهول إلى معلوم، وتعتبر المعلومات الذهنية السابقة بمنزلة "رأس مال" له، فهو يعمل فيها ويستفيد

U إلى مقدارها األصلي. منها ويضيف شيئا ومن الطبيعي أن يكون هناك اختالف بين المنطقيين أو الفالسفة أو علماء النفس في مدى نجاح الذهن في هذا النشاط، وما هيU على ما لديه من حدود قدرته على الظفر بكشف جديد معتمدا

معلومات؟ أو في هذا األمر القائل: ما هو المقدار الالزم في أي¡ فكر من رأس المال األصلي؟ ورأس المال هذا من أين يأتي

ومن أي¡ طريق يمكن الحصول عليه؟ وما هي طرق سلوك هذا

Page 148: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

النشط وقوانينه األساسية؟ لقد كانت وجهات النظر مختلفة حول هذه األمور وال تزال، وهذه االختالفات في وجهات النظر هي التي)ة المختلفة، ولكنه ال يوجد اختالف على أوجدت األساليب المنطقيU من النشاط وأنه lطالق في أصل الموضوع، وهو أن للذهن لونا اإل

)خذ من المعلومات السابقة وسيلة لتحويل في ذلك النشاط يت المجهول إلى معلوم. وحتى أولئك العلماء الذين هم أكثر الناسU في االتجاه الحسي)، يذعنون بأن2 الذهن في وصوله إلى اندفاعا قانون تجريبي) يحتاج- عالوة على المشاهدة المباشرة والتجربة العملية-إلى نشاط فكري) خاص قائم على أساس االستفادة من

المعلومات السابقة. فالذهن يتقدم بوساطة النشاط الفكري)، أيU U إلى معلوم، وهو عن هذا الطريق يضيف شيئا أنه يحو)ل مجهوال

U إلى معلوماته، وقد يستمر هذا التقدم، وكما عرفنا فإن هذا جديدا التقدم ال يحصل من ذاته وال يبتدعه من نفسه، وإنما هو يوجد لتصرف الذهن في معلوماته السابقة، وفي الحقيقة فإن) تلكlدراكات السابقة هي الباعثة على هذا التقدم المعلومات واإل

lدراكات lدراك الجديد، ولهذا تكون األفكار واإل والمtوجlدة لهذا اإلU من نوع تلك الجديدة الحاصلة للذهن بوساطة التفكير دائما

المعلومات السابقة، وتكون بينهما سنخية، إذن كما مر) علينا في "فإن عالقة المعلومات السابقة126متن المقالة الخامسة: ص

بالنتيجة الجديدة الحاصلة بوساطة التفكير ال تخلو من شبه)والد هذه ناظرة إلى هذا الموضوع )والد المادي)". إن عالقة الت بالت

)والد الذي نحن بصدده اآلن. وهي عبارة عن عالقة تشبه التlدراكات وبعضها اآلخر بوساطة �إل واألبوة والبنو)ة القائمة بين بعض ا

عملية التفكير )حسب األصول والقوانين المنطقية(.-كيف يوجد االرتباط التوليدي) بين األفكار واإلدراكات الحقيقية؟ إن معرفة هذا الموضوع تتوقف على أن نعرف ماذا يريد الذهن

U بأحد المجهوالت لديه؟ عندما ينشط ليحيط علماU إلى تبديل وما هو ذلك الشيء الذي يكون الظفر به مؤد)يا

المجهول إلى معلوم؟ إن الذهن يقوم بالمقارنة بين مفهومين بدافع غريزة البحث عن الحقيقة أو أي) عامل آخر ويريد معرفة الرابطة الواقعية بينهما

أهي من نوع "التالزم" أم "التعاند" أم "االندراج". أم "التساوي"؟U وإنما هو يصل إلى معرفة وفي هذه المقارنة قد ال يواجه إشكاال)ات تلك الرابطة من دون أن يحتاج إلى بذل جهد )كما في البديهي األولية والمحسوسات والوجدانيات(، وفي أحيان أخرى قد يواجهU، أي أنه يحتاج إلى نشاط وبذل جهد. ويكون هذا النشاط إشكاال

والمحاولة للحصول على الواسطة التي تسمى باالصطالح

Page 149: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

المنطقي بـ "الحد) األوسط". فالذهن يجهد نفسه ليصل إلى الحد) األوسط، وهو يبحث ويفتش في معلوماته السابقة فإن وجد بينها

U أوسط فقد حق2ق مطلوبه. والد)ور الذي ما يصلح ألن يكون حد)اU بكال المفهومين U واضحا يضطلع به الحد) األوسط هو أن له ارتباطا

المقصودين وبفضل توس)طه بينهما، فإنه يحق)ق االرتباط بينهما.lنسان أن U مثل ما لو أراد اإل )شبيه: إنه تماما وقد قيل في مقام الت يقفز من على نهر ولكنه ال يستطيع القفز ألنه عريض فهو يبحث

عن صخرة ليضعها في وسط النهر ثم يضع عليها إحدى رجليهليقفز إلى الطرف اآلخر.

U لو عرضت ألحدنا مشكلة مستعصية على الحل) وعرف أن مثالU لو وضع يده في الموضوع النحلت تلك المشكلة، ولكنه ال فالنـاtصاب بالحيرة فترة ويستغرق يعلم أهو مستعد لهذا أم ال؟ فإنه ي في تفكير عميق، وفجأة يتذكر أن لهذا الشخص صداقة حميمة

مع والده، فيطمئن إلى أنه سوف يمد) يد المعونة إذا ما طلب منهذلك.

U أوسط"، أي أنه لم يعلم فهنا أصبح العلم بالصداقة القديمة "حد)اU هل أنه يمد) )ا عالقة ذلك الشخص بتقديم المعونة ولهذا كان شاك

يد المعونة أم ال، ولكنه بعد أن تذكر صداقته القديمة مع والده وهو يعرف مدى عالقة الصداقة بمساعدة األوالد فهو يحكم على

الفور بأنه سوف يمد) لي يد المساعدة. U من المسائل العلمية، وأفضل األمثلة من ونضرب مثال

الرياضيات: لولم نكن نعلم ابتداءU أن الزاوية )أ( هل هي مساوية للزاوية )ب( أم غير مساوية لها، ولكننا نعلم أن الزاوية )أ(

مساوية للزاوية )ج(، والزاوية )ج( مساوية للزاوية )ب( فإنناU معتمدين على القانون العام: "إذا ساوى نكتشف المجهول رأسا

U فإن الشيئين األو)لين متساويان فيما بينهما"، U واحدا شيئان أمرا )كل) قياس من هذا القبيل-كما مر) علينا في المقالة الخامسة-

ينحل) إلى قياسين ونحتاج عنئذ� إلى الحد) األوسط مرتين(.U إذن عندما ينشط الذهن ويبذل جهوده فإنه يريد أن يبدل مجهوال

إلى معلوم، وفي الحقيقة فإنه يحاول الظفر بالرابطة الواقعية بين مفهومين وهو يصل بالتالي إلى مطلوبه عن طريق توسيطlدراكات مفهوم ثالث بينهما. إذن أصبح االرتباط التوليدي) بين اإل

بهذا الشكل، وهو عن طريق إدراك رابطة الحد) األوسط مع أحد المفهومين وإدراك رابطته مع المفهوم اآلخر يتولد إدراك

tعلم من هذا أن الذهن يتقدم االرتباط بين هذين المفهومين. إذن يU على أساس إدراك الروابط، وتكون تلك الروابط واقعية، )ا فكري

U ا U حر) أي صحيح أن "التفكير" لون من النشاط، ولكن ليس نشاطا

Page 150: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

يتبع الرغبة، وإنما هو تابع للواقع ونفس األمر. فإذا حكم الذهن- مع الواسطة أو من دون واسطة-بالتالزم أو التعاند أو التساوي أو

اإلندراج فذلك بسبب أن الواقع ونفس األمر هو كذلك. وعندما يتناول المحق¡قون من المنطقيين في فصل البرهان من

المنطق دراسة المقدمات التي تستعمل في البرهان وكيف يجب أن تكون العالقة بين الموضوع والمحمول حتى يستطيع بالتالي

U أن يعرف "حقيقة" اكتشاف الرابطة الواقعية، أي يستطيع واقعاU أهمها ثالثة شروط: الذاتية فإنهم يذكرون لذلك شروطا

والضرورة والكلية، وهم يذكرون لكل¡ واحد� من هذه الشروطU في كتاب البرهان، والذي تعر2ض لهذا الموضوع U مtثبتا معنىU خاصا

بشكل مفص)ل ومحق)ق إنما هو الشيخ الرئيس ابن سينا في منطق الشفاء. وقد أشار إلى بيان الشيخ هذا الفيلسوف نصير

الدين الطوسي في "أساس االقتباس" و"منطق التجريد" إشارة عابرة، وقد غفل عن هذه المالحظات المهمة أغلب المنطقيين والفالسفة المسلمين، وقد أدت هذه الغفلة إلى أخطاء عديدة. وحتى العلماء المحدثون الذين يولون المسائل المنطقية أهمية)خذوا هذا األسلوب. فائقة فإنهم لم يسلكوا هذا الطريق ولم يت فغاية ما يلزم معرفته لهذا الموضوع هو أن التفكير المنطقي

والسلوك البرهاني) يعتمد على اروابط الواقعية لمحتويات الذهن، وأن األرضية الصالحة للنشاط العقلي والفكري ذي القيمة

2 إذا كانت بين المفاهيم رابطة في الواقع المنطقية ال تتوفر إالtطلب من فن )ة هذه الروابط بالتفصيل فت ونفس األمر، وأما كيفي

البرهان في المنطق. -لماذا ال يمكن أن يكون ارتباط توليدي) بين األفكار واإلدراكات3

lدراكات الحقيقية من جهة أخرى؟ )ة من جهة واإل االعتباري إن الجواب واضح على هذا السؤال إذا السؤال إذا رجعنا إلى ما قلناه لحد¡ اآلن، ألن أساس النشاط الفكري والعقلي للذهن-كما

عرفنا- هو الروابط الواقعية لمحتويات الذهن، ولما كانت المفاهيم الحقيقية بالذات مرتبطة فيما بينها، فقد توف)رت

األرضية الصالحة للنشاط الذهني فيما بينها، ومن هنا فإن الذهن يستطيع بواسطة تشكيل القياسات والبراهين المنطقية أن ينجح)ات في معرفة بعض الحقائق من حقائق أخرى، أما في االعتباري)ة U وضعي فإن الروابط بين الموضوعات والمحموالت تكون دائما

)فق عليها، وال توجد رابطة واقعية بين أي مفهوم ت tـ )ة ي وفرضي اعتباري) ومفهوم حقيقي)، وال بين أي) مفهوم اعتباري) ومفهوم

)ات أرضية صالحة اعتباري) آخر، ولهذا لم تتوفر فى االعتباري للنشاط العقلي)، وبعبارة أخرى أقرب إلى المصطلحات

Page 151: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

المنطقية: نحن ال نستطيع أن نثبت المدعى االعتباري) بدليلU أن نثبت تشكل الحقائق أجزاءه )بالبرهان(، وليس بمقدورنا أيضا

)ة، وال "حقيقية" من الحقائق بدليل� مكو)ن من مقدمات اعتباري)ة ونستنتج منه U من مقدمات اعتباري U أن نشكل برهانا يمكننا أيضا

.U )ا U اعتباري أمراU في الحقائق يستحيل تقدم الشيء على نفسه، والترجيح بال مثال)ته، وتسلسل العلل، والدور في مرج)ح، وتقدم المعلول على عل

العلل، وتضافر العلل المتعددة على معلول واحد، وصدور)ة واحدة، ووجود العرض بال موضوع، المعلوالت المتعددة من عل

واجتماع عرضين متماثلين أو متضادين في موضوع واحد، والتقدم الزماني) للمشروط على شرطه. ويكون من الضروري فيها انتفاء الكل) بانتفاء جزئه، وانتفاء المشروط بانتفاء شرطه،

وانتفاء الممنوع بانتفاء المانع. ويكون من غير المعقول فيها جعل)ة. )ة والمسببي )ة من قبيل السببي )ة وجعل المفاهيم االنتزاعي الماهي

)مسك بهذه األصول العامة واستنتاج ففي مورد الحقائق يمكن الت نفي شيء أو إثباته منها، أي أنه بالنسبة ألمر حقيقي يمكن

)مسك باستحالة تقدم الشيء على نفسه، أو الترجيح بال مرج)ح، الت بالنسبة للعلة والمعلول الحقيقيين يمكن االعتماد على قانون)ته، والتسلسل والدور في العلل امتناع تقدم المعلول على عل وتضافر العلل المتعددة على معلول واحد، وصدور المعلوالت المتعددة منعلة واحدة ، وفي مورد العرض معلول والموضوع

)عويل على امتناع العرض من دون موضوع، الحقيقيين يمكن الت وامتناع اجتماع المثلين واجتماع الضدين، وفي مورد الشرط

والمشروط الحقيقيين يمكن االستناد إلى امتناع تقدم المشروط على شرطه، وفي مورد الكل والجزء الحقيقيين يمكن اللجوءU أن إلى القول بضرورة انتفاء الكل بانتفاء جزئه، ويمكننا أيضا

نستنتج أشياء معينة من هذه القواعد في هذه المجاالت، ولكنه ال)مسك بأي¡ واحد� من هذه القوانين، وال االستنتاج منه في يمكن الت

)ين، وال في مجال الشرط مجال العلة والمعلول االعتباري)ن، وال في مجال العرض والموضوع والمشروط االعتباريي

)ين، ألنه ليس من )ين، وال في مجال الكل) والجزء االعتباري االعتباري)ات تقدم الشيء على نفسه: أو الترجيح المستحيل في االعتباري بال مرج)ح أو تقدم المعلول على علته أو .. وليس من الضروري

فيها انتفاء الكل بانتفاء جزئه، وال انتفاء المشروط بانتفاء شرطه،)ة و ... )ة وال جعل السببي وال غير معقول فيها جعل الماهي

)ات )مييز والتفكيك بين االعتباري )ضح لنا أن عدم الت ومن هنا يت والحقائق من الناحية المنطقية خطير للغاية وعظيم الضرر،

Page 152: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lستدالالت التي لم تراع فيها المالحظات الماضية تكون وجميع اإل فاقدة للقيمة المنطقية سواء أكانت إلثبات "الحقائق" بمقدمات

)ة، كأغلب استدالالت "المتكلمين" التي مؤلفة من أمور اعتباري)خذون فيها من "الحسن والقبح" أو سائر المفاهيم االعتبارية يت

وسيلة إلثبات شيء في باب المبدأ والمعاد، ومثل كثير من)ات )ين" التي يعم)مون فيها أحكام االعتباري استدالالت "المادي

U، وسوف نشير إليها أو إلى بعض� وخواص)ها لتشمل الحقائق أبضا)ات باالعتماد على منها خالل حديثنا، أم كانت إلثبات االعتباري

القواعد والقوانين الخاصة بالحقائق، وقد مر)ت علينا بعض األمثلة لهذا األمر، كمعظم االستدالالت المستعملة عادة في "فن

األصول".)ات؟4 -ما هي كيفية السير والسلوك الفكري) في االعتباري

U في األمور االعتبارية تكون الرابطة بين طرفي) القضية دائمناlنسان يعتبر هذا الفرض للوصول إلى هدف )ة، واإل )ة واتفاقي فرضيU عن اعتبار يوصله بشكل أفضل وغاية ومصلحة، وهو يبحث دائما

إلى مقصوده. والمقياس العقلي) الوحيد المستعمل في)ته، ومن هذه الناحية )ة االعتبار وعدم لغوي )ات هو لغوي االعتباري

U )ة المعتبر، مثال tؤخذ بعين االعتبار خصوصي يكون من الطبيعي أن تU فال بد من األخذ بعين االعتبار )ا U ووهمي )ا إذا كان االعتبار خيالي

U فال بد2 من )ا مصالح تلك القوة وأهدافها، وإن كان االعتبار عقليU بين االهتمام بأهداف تلك القوة ومصالحها، وكذا فإن هناك فرقاlنسان، واالعتبارات القانونية االعتباريات القانونية التي يضعها اإل

lلهي)". )ن بوساطة "الوحي اإل التي تعي ولكنه ال يوجد فرق في هذه الناحية ، وهي أن كل2 أحد� أو شيء�

U وغاية من وراء هذا U، فإن لها هدفا أو فرد� أو فئة� تعتبر شيئاU االعتبار، وهي تقصد الوصول إلى ذلك الهدف، وإذا اعتبرت شيئا

)ن فإنه من غير الممكن أن تعتبر نفس تلك القوة لمقصود معيU آخر يؤد¡ي إلى البعد عن ذلك المقصود.إذن المقياس الوحيد شيئا

)ات إنما هو في السير والسلوك الفكري) في مجال االعتباري)ة، lدراكات والعلوم الحقيقي )ة(باإل )ة وعدم اللغوي مقياس اللغوي

وبالتعبير المنطقي)[215 ]

ال يمكن إثبات تصديق شعري) بالبرهان، وفي هذه الصورة ال تجري بعض تقسيمات المعاني الحقيقية في مورد هذه المعاني)ة، أو تقسيمها )ة والنظري )ة، من قبيل تقسيمها إلى البديهي الوهمي

)ة والمستحيلة والممكنة. إلى الضروري

Page 153: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ة7 tصاغ منها معان� وهمي U وت )ة أصال tجعل هذه المعاني الوهمي -قد ت)حليل والتركيب فيها أخرى، فتظهر فيها كثرة حاصلة بوساطة الت

)صياغة المجاز من المجاز(.tذعن بأن اإلنسان أو أي) إذا تأملنا فيما سبق لنا قوله فال بد2 أن ن

2ع به من شعور غريزي)( قد موجود� حي£ آخر )بمقدار ما يتمت يصوغ-بدافع من مشاعره الداخلية التي هي وليدة احتياجاته

lدراكات )ة المتعلقة بتركيبه الخاص-مجموعة من اإل الوجودي واألفكار المرتبطة بشكل خاص بهذه المشاعر المذكورة، ونتيجة

لذلك تؤم)ن تلك االحتياجات، وهي تزول وتتبدل بزوال وتبد)لالعوامل من مشاعر أو نتائج مطلوبة )وهذه هي

[ 216])ة بالمعنى األخص والتي قد أشير إليها lدراكات االعتباري العلوم واإل

في أواخر المقالة الخامسة(.*******

فنحن في النظرة األولى نقسم ظواهر العالم إلى قسمينمختلفين:

)ه)يطلق )ة )ذات الشعور( والموجودات غير الحي الموجودات الحي عادة اسم الموجود الحي) أو ذي الحياة على مطلق الموجودات

: التغذية-النمو-توليد المثل. وهذا التي تتمتع بهذه الخواص)lبل والطيور التعريف كما أنه يشمل الحيوانات من قبيل الخيل واإل

U من قبيل شجرة التفاح والزواحف فإنه يشمل النباتات أيضا والورد األحمر والبصل، ولهذا يشيع هذا االصطالح وهو أن "علم األحياء" عبارة عن مطلق العلم الذي يتناول معرفة الموجودات

)ة، وهو ينقسم إلى قسمين: علم النبات وعلم الحيوان. الحي)ة وذات الحياة وتقف الجمادات في مقابل الموجودات الحي

كالصخور والحديد والرصاص. وليس من العسير التفرقة بين)ة والجمادات على أساس الخواص) الثالث الموجودات الحي

السابقة الذكر، ولكن التفرقة بين الحيوان والنبات ال تخلو منقون بينها في الحس والحركة، ولكن صعوبة، فالقدماء كانوا يفر¡

U في دراسة األنواع عوا كثيرا العلماء المحدثين- الذين توس) المختلفة للنباتات والحيوانات - يناقشون في صحة هذه التفرقة،

)مييز بينهما على أساس ما يتناوله وقال البعض: إننا نستطيع الت كلº منهما من مواد غذائية، فالنباتات تتغذى بالجمادات، بخالف

الحيوانات فإنها تتغذى بالنباتات واللحوم، وأنكر البعض اآلخرU بينهما، )ا U أن االختالف األساسي نسبي صحة كل) هذه األقوال مد)عيا

إنما هو في التركيب الداخلي للخاليا المكو)نة لكل¡ واحد� منهما.

Page 154: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

ولكنه يبدو لنا أننا ال نواجه أي2 إشكال� مهم إذا قمنا بالتفرقة بين الحيوان والنبات في الشعور والحركة حسب ما قاله القدماء،

lشكاالت المذكورة في هذا المجال يمكن رد¢ها، وال نجد وجميع اإلأنفسنا بحاجة إلى البحث في أطراف هذا الموضوع.

إذن تطلق كلمة "الحيوان" على الموجودات التي )بطبعها( تتمتعlرادة. بشعور وتشخيص وحركات مسبوقة بالتشخيص واإل

وعندما يطلق اسم الموجود الحي) في هذه المقالة فإنه ال يقصد به مطلق الموجودات ذات الحياة، بل يقصد به تلك الموجودات

)ر عنها بـ"الحيوان" فقط، أي الموجودات الشاعرة بذاتها التي نعب وببعض أفعالها وحركاتها التي تؤد)يها عن شعور وإرادة، والمقصود

من التقسيم السابق هو تقسيم الموجودات إلى حيوان وغير حيوان، ال تقسيم الموجودات إلى موجود ذي حياة وموجود غير

ذي حياة )جماد(.)ة ال بد2 لنا من إلقاء نظرة عامة lدراكات االعتباري ولكي نعرف اإل

)ة للموجود وسريعة على االحتياجات الطبيعية والعمليات الجسميtلقي نظرة أخرى على جهاز التفكير في الحي) )الحيوان(، ون

)ة- lدراكات االعتباري lنسان، وذلك ألن اإل )ما اإل الموجود الحي) وال سي كما أشرنا إلى ذلك من قبل-وليدة الرابطة بين احتياجات الحياة

وجهاز الشعور في الموجود الحي). والمقدمة المذكورة في المتن U )مهيد لهذا الموضوع(، وأحيانا إنما هي للت

[217]U نجد أن اجتماع عندما نتأمل في موجود غير حي) كشجرة مثال

U وزو)ده U واحدا عدة وحدات كالساق والغصن والجذر قد شكل شيئا)ع باألعضاء والقوى المختلفة، وينشط هذا الشيء الواحد بما يتمت

U وحوادث بشكل تدريجي)، U وآثارا )ة فيوجد أفعاال به من قوىU ذاتي ويحافظ على وجوده أو على استمرار وجوده، فيمتص من األرض بواسطة الجذور ما يحتاج إليه من ماء وغذاء، ويتنفس الهواء من

طريق الساق واألغصان واألوراق، ويوزع الغذاء المد)خر إلى جميع نواحي جسمه بوساطة أجهزته الداخلية، وهكذا يحق¡ق

لنفسه التغذية والنمو ويطرد إلى الخارج الفضالت والنفايات، وفي كل¡ عام يستريح فترة من الزمن يجد)د فيها قواه المنهكة ثم

يبدأ النمو فيخضر) وتتفتح البراعم وتبرز الثمار ثم تنضج، ثم يتوقف مرة أخرى عن النشاط الخارجي) ويبدأ عمله الماضي من

جديد.

[218]

Page 155: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

والحاصل أن جميع هذه الحوادث )الخواص واألفعال( مع نواتهاU بحيث ترتبط U صغيرا المركزية )الشجرة الواحدة( تشكل عالما

U يحتل) النقطة المركزية U واحدا tجlد نظاما جميع أجزائه ببعضها، وت فيه شيء واحد يسمى جوهر الشجرة، وتقع في امتداد عمله وتحيط به موجودات أخرى تكون متطفلة عليه ومرتبطة به،

)نة ثم يموت، ويظهر لهذا الشيء المذكور نشاط لفترة معيوبسقوطه يسقط كل) هذا العالم الصغير ويموت.

)ز بمجموعة من الخواص) إذن الشجرة الواحدة موجود طبيعي) يتميU طبيعية وبأوضاع معينة ويؤد¡ي-بشكل ضروري£ وجبري£-آثارا

)المراد من الوضع تلك الهيئة التركيبية الحاصلة من الظروفالزمانية والمكانية والمادة بفعلها وانفعالها(.

U لوجدنا lنسان مثال واآلن إذا انتقلنا إلى الموجود الحي) ودرسنا اإلlنساني الوضع أنه يتمتع بنفس تلك المعادلة الوجودية، فللفرد اإل

الذاتي) الذي كان يتمتع به موجود طبيعي كالشجرة، فكل) فرد�U ، سواء أكان ملكا U كان وفي أي¡ زمان� وأي¡ مكان� )ا إنساني-أي

U أم U، عالما U أو حضريا U، بدويا U أم مجنونا U أم امرأة، عاقال U، رجال اذا شح)U-فهو واحد طبيعي يضم في دائرة وجوده مجموعة من جاهالU" بحسب طبيعته الخواص) واآلثار الطبيعية التي يؤد¡يها "جبرا

وتكوينه من قبيل التغذية والنمو وإنتاج المثل، ويستمر في حياته بهذا الشكل فترة من الزمن ثم يذهب من هذه الحياة وتذهب

U. هذه إحدى النواحي التي ندرسها في معه آثاره أيضا وجود)يالحظ شيئان في التركيب الوجودي) لإلنسان وأي حيوان

وهما: الجهاز الطبيعي والجهاز النفسي.)ة كالجهاز )ة وطبيعي )ة جسمي فللحيوان -من جهة- أجهزة جسمي

الهضمي وجهاز التنفس والجهاز التناسلي وغيرها، وكل) واحد منها يؤد)ي وظائف معينة في وجود الكائن الحي) وبشكل مثير

lعجاب، وكتب التشريح وفسيولوجيا الحيوان مليئة بتفاصيل لإل هذه األمور، وهو مزو)د-من جهة أخرى- بجهاز الشعور والتفكير

U في U غارقا lرادة واألمل، ويكون هذا الجهاز أيضا والرغبة واللذة واإلالنشاط والعمل بشكل خاص تتناول بيانه كتب علم النفس.

ففي القسم األول: تكون النباتات شريكة للحيوان إلى حد£ ما، أيU أجهزة طبيعية من قبيل جهاز التنفس والهضم أن للنباتات أيضا والتناسل، وتعمل هذه األجهزة لبقاء الفرد أو بقاء النوع، ونفس

الغاية التي تكسبها األجهزة الطبيعية الحيوانية لصالح الحيوان تكسبها األجهزة النباتية لصالح النبات، مع هذا الفرق وهو أن

U، بينما األجهزة النباتية تكون عادة أكثر بساطة وأقل تعقيدا األجهزة الحيوانية تكون أوسع وأعقد وأكثر، وبالتالي فهي تخلق

Page 156: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

للحيوان احتياجات أكثر، ومن ناحية أخرى فإن النبات يتغذى من المواد التي توجد عادة في متناوله كالهواء والتراب والرطوبة،

بخالف الحيوان الذي يتغذى عادة من المواد النباتية أو الحيوانية،)ة للحيوان، U إلى االحتياجات الوجودي U جديدا وهذا بنفسه يضيف شيئا ويضطره للتنق)ل من مكان� إلى آخر، والبحث عن غذاء له ولو كان

في مكان بعيد. فالحيوان نتيجة لكون تركيبه الوجودي) أوسع واحتياجاته أكثر، هذا

من ناحية، ومن ناحية أخرى لكون ما تحتاجه حياته ليس في متناول يده فهو مضطر للنشاط والتحرك، لكي يظفر بالقسم األعظم مم)ا يحتاجه، ولكي يهئ المواد الضرورية له ويستفيد

منها. ويتم نشاط الحيوان وحركته للظفر بما تحتاجه حياته وتهيئة

المواد الالزمة له بإرشاد وداللة ونشاط القسم اآلخر من تركيبه الوجودي) وهو جهاز الشعور والتفكير والرغبة واللذة واإلرادة. ومن هنا تكون الطبيعة الحيوانية محتاجة في وصولها ألهدافها وغاياتها الكمالية إلى وساطة الشعور واإلدراك والرغبة واللذةU U خاصا واألمل، على العكس من الطبيعة النباتية، فإن2 لها وضعا

وهي تطوي طريق التكامل من دون وساطة هذه األمور. )ة التركيب الطبيعي ونحن ال نريد في هذه المقالة أن نشرح كيفي للحيوانات وال طريقة نشاط أعضاء وأجزاء أجسامها، فليس من هم)نا بيان علم التشريح وال علم وظائف األعضاء وال علم النفس

)حدث إليه عن غرائز الحيوانات للقارئ الكريم، وال نقصد التlنسان، ومن الواضح أن )ما اإل ورغباتها وشعورها وإدراكها وال سيU، وقد قدم علماء الحيوان هذين المجالين لذيذان ونافعان جدا

tحرز وعلماء النفس دراسات وتحقيقات نافعة للغاية فيهما، وقد أ تقدم ملحوظ في كال المجالين خاصة في القرون األخيرة، وقد

أذاع العلماء نتائج دراساتهم على عامة المحبين للعلم والمعرفة. U أن نتناول بالبحث هذا الموضوع الفلسفي) القائل: وال نريد أيضا)نة )ة ومن جملة الخواص) المعي )ة للحيوان مادي هل األمور النفسي

U؟ U مستقال )ة لجسم الحيوان أم أن لها وجودا للتشكيالت المادي)عبير الفلسفي) هل األصالة للروح أم للمادة أم لهما وحسب الت

U أم ليست ألي£ منهما؟ معاإن أي2 واحد� من هذه األمور ال عالقة له بمدعى هذه المقالة.

)ة توسط إدراكات وكل) ما يتعلق بمدعى هذه المقالة وهو كيفي الحيوان بين طبيعته الحيوانية وغاياته وأهدافه، ومن الواضح أنه

ليس جميع إدراكاته وإنما قسم واحد منها وهو المسم)ى

Page 157: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U ألقسام أخرى فإن ذلك ضنا أحيانا )ة"وإذا تعر) lدراكات االعتباري بـ"اإلسيكون على سبيل المقدمة.

ونشعر هنا بضرورة اإلشارة إلى بعض المالحظات: -كما ذكرنا في مقدمة هذه المقالة فإن أصل بذل الجهد من1

)ة، وقلنا: إن الموجود الحي) أجل الحياة قانون عام للموجدات الحي)جه إليه. في محاولة دائمة لجلب النفع والفرار من الضرر المت

U على الحيوان ونؤكد على أن النشاط الدائم ليس مقصوراU في نشاط مستمر "فال وجود فالنبات بل وحتى الجمادات أيضا

لقطرة وال ذرة عاطلة راكدة"، ونستطيع القول: إن الوجود مساو� للنشاط وليس لدينا موجود ال نشاط له، ولكن ما يختص

)ر عنه بـ"بذل بالحيوان إنما هو لون من النشاط الخاص الذي يعب الجهد من أجل الحياة" أو "بذل الجهد من أجل البقاء"، أي

محاولة الحيوان في جهة معينة ومسير خاص وهو حياته وبقاؤه، وبتعبير آخر فإن الحيوان في نشاط دائم ومحاولة مستمرة

لـ"ذاته"، وجميع جهود الحيوان تدور حول نقطة مركزية هي حياته بنفسه وبقاؤه بذاته، وهذا هو قانون الحياة الذي يؤد¡ي إلى "تنازع

)فصيل البقاء" بين الحيوانات، وسوف نتناول هذا الموضوع بالتوذلك عند الحديث عن أصل "االستخدام":

U بوضع خاص2 -لقد أشرنا من قبل إال أن الحيوان لم)ا كان متمتعا من حيث التركيب البدني) واألجهزة الطبيعية فإنه محتاج إلىlرادة والرغبة واللذة في تأمين احتياجاته وساطة التفكير واإل

الطبيعية، بخالف النبات الذي يكون تركيبه الوجودي) بحيث ال)عمق في يحتاج إلى وساطة هذه األمور. ونضيف هنا بأن الت

دراسة أحوال الحيوانات يقنعنا بأن هناك في موازاة كل) واحد من)ة تلك االحتياجات الطبيعية- المحتاجة إلى وساطة األمور النفسي

المذكورة- رغبات وغرائز مغروسة في جهازه النفسي بحيث)ة، تهدي الحيوان إلى االتجاه الذي يؤم)ن له تلك الحاجات الطبيعي

U يحتاج الحيوان إلى الغذاء لنموه ونضجه، وال بد) له من فمثال توفيره من الخارج، وتوجد في جهازه النفسي وبموازاة هذه

)ة رغبة في الغذاء ولذة عند تناوله، وتلك الرغبة الحاجة الطبيعيU باللذة فتدفعه للتحرك U معجونا tوجlد في الحيوان هيجانا هي التي تU به جهازه الهضمي. نحو الغذاء إلشباع تلك الرغبة، فيتناوله مالئاU آخر في تركيبه الطبيعي هو الجهاز التناسلي أو أن هناك جهازا وهو يؤمن البقاء للنوع الحيواني)، وبموازاة هذا الجهاز الطبيعي توجد في الجهاز النفسي للحيوان غريزة ورغبة خاصة تسمى

)ة، وهذه الغريزة عندما تستعد األجهزة بالغريزة والرغبة الجنسيtوجlد في الحيوان الطبيعية ألداء وظائفها من أجل بقاء النوع ت

Page 158: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

tسكlت ذلك tشبع الحيوان تلك الرغبة وي U، ومن أجل أن ي هياجاالهياج فإنه يسير في الطريق الذي ينتهي إلى تلك النتيجة.

والحاصل أن بموازاة االحتياجات الطبيعية للحيوان توجد في نفسه مجموعة من الرغبات والغرائز الخاصة التي تعلن عن

وجود تلك االحتياجات وتحمل الحيوان على النشاط والحركة، ومن الواضح أننا ال ند2عي بأن جميع الرغبات المغروسة في وجود

lنسان هي بإزاء شيء من )ما في وجود اإل الحيوان وال سيlنسان ال االحتياجات الطبيعية وذلك ألن هناك رغبات في وجود اإل

2لة يمكن الظفر بأساس طبيعي لها، وتكون تلك الرغبات ممثlضافة إلى االحتياجات lنسان باإل )ة أخرى في اإل الحتياجات وجودي

U في مقام بيان هذه الجهة، وهي أن2 هناك الطبيعية، ولست أيضا رغبات كثيرة في وجود الحيوان فأي) منها هو األصيل وأي) منها هو

الفرعي والثانوي؟ وما هو األساس في الرغبات عند الحيوانlنسان؟ ولعل الفرصة تسنح في هذه المقالة وباألخص عند اإل

)حدث حول هذين الموضوعين اللذين يعتبران من أهم المسائل للت الفلسفية ومواضيع علم النفس، وغاية ما ند)عيه هنا هو أنه بإزاء كل) واحد من االحتياجات الطبيعية للحيوان-والتي ال بد) أن يؤم)نها

عن طريق الحركة والنشاط-توجد في نفس الحيوان رغباتوغرائز تحمله على التحرك نحو األعمال التي تعطي تلك النتيجة.

-في نفس الوقت الذي يكون فيه كل) واحد من األجهزة3U مع الرغبة والغريزة واألفكار التابعة U ومتماسكا الطبيعية مرتبطاU ويصبح الجميع U واحدا له وبالتالي فإن هذا المجموع يؤم)ن هدفا بمنزلة جهاز واحد قد جاء إلى الوجود لغاية واحدة تكون هناك

مالحظة مهمة تلفت االنتباه وهي أن أسلوب نشاط هذين القسمين )القسم الطبيعي والقسم النفسي( يظهر لنا أنهما

U منهما يعمل لنفسه، ولغاية مختصة منفصالن عن بعضهما وأن كال به وهدف مقصور عليه، وبحسب الصدفة كانت نتيجة أحدهما

تنتهي لصالح اآلخر.U وادرسوا حالة الطفل أو الحيوان أو lنسان العالم جانبا دعوا اإلlنسان البدائي) تظهر اإلنسان البدائي)، فالطفل أو الحيوان أو اإلU( في جهازه الخاص بالتغذية، وهو من الحاجة إلى الغذاء )مثال

U وعن أن "الجسم" دون أن يعرف عن هذه الحاجة الطبيعية شيئا يحتاج إلى بديل عم)ا ينحل)ل منه، ومن دون أن يفهم ما هي فائدةU عن وجود الغذاء من الناحية الطبيعية، بل من دون أن يعلم شيئا المعدة وجهاز الهضم والجذب والط)رد ومن دون أن يلتفت إلى

U في ذاته نسم)يه نحن )نا U معي حياته وبقائه، فإنه يجد إحساسا بالجوع، عندئذ� تنشط الرغبة في جهازه النفسي إلسكات ذلك

Page 159: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

الجوع )الشبع( واللذة الحاصلة من هذا الطريق فتظهر فيه فكرةlرادة الشبع )ال بد2 أن أشبع نفسي( حتى تنجر) بالتالي إلى اإل

tع�د¢ المظهر لتلك الرغبة وهذه والحركات البدنية الظاهرة التي ت الفكرة، وكذا عندما يستعد¢ الجسم للقيام بعمل يؤد¡ي إلى إنتاجU من دون أن U خاص)ا المثل، فإن الحيوان يجد في نفسه إحساسا

يلتفت إلى احتياج بدنه الطبيعي، ومن دون أن يعرف أن النتيجة الطبيعية لعمله هي بقاء النوع، فتظهر في ذهنه فكرة العمل

)ة وتؤد¡ي بالتالي تلك الرغبة الذي ينتهي إلى إشباع رغبته النفسي وهذه الفكرة إلى القيام باألعمنال الخاصة. فللحيوان هدف وغاية

من أفعاله التي يؤد¡يها عن قصد وإرادة، ولكن تلك الغاية الموجودة في شعور الحيوان ليست هي الغاية الطبيعية لألفعال

وإنما هي كسب اللذة وإشباع الرغبات.lرادية الهادفة يكون lنسان في أفعاله اإل إن الحيوان بل وحتى اإل

U لرغباته وعواطفه ومشاعره الباطنية، واألعمال التي يقوم مطيعا بها في الطبيعة ولكي تصل الطبيعة إلى هدفها ومقصودها فإنه يؤد¡يها عن طريق الطاعة لرغباته الداخلية وللوصول إلى لذ2اته)مسك بوجهة النظر )ة، ومن هنا اندفع بعض الفالسفة للت النفسي

)ر عنها شوبنهاور بقوله: التي عبlنسان، فهي لكي تصل مقصودها تسعد "إن الطبيعة "تخدع" اإلU لكي يستمر التناسل ال يوجد سبيل قلبه باللذات المغرية، فمثالlنسان بإسعاده باللذات الكاذبة المغرية التي أفضل من خداع اإل ينالها الرجل والمرأة خالل معاشرتهما ثم تمأل حياتهما بالبؤس

وآالف المصائب واآلالم".

والحقيقة هي أن وجود هذه الرغبات واللذات ال يمكن تفسيره بالصدفة أو الفرض والخداع، وإنما تكون هذه الرغبات واللذات

من اللوازم الذاتية للقوى الطبيعية الفع)الة في الحيوان، وال يمكن)حقة األساس )ن في التعليقات الال تفسيرها بغير هذا، وسوف نبي

العلمي) لذلك، والشيء الذي له أساس علمي وهو داخل فيالمجال العل)ي والمعلولي ال يمكن حمله على الصدفة أو الخداع.U بين الحاجات U وترابطا وملخ)ص الحديث: صحيح أن هناك انسجاما

الطبيعية للحيوان ورغباته وغرائزه وأفكاره الناشئة من تلكlرادي للحيوان، وأن الرغبات والمؤد¡ية بالتالي إلى الفعل اإل

lرادي )ة للحيوان والتي هي مقدمة للفعل اإل النشاطات النفسي تكون لوصول الطبيعة إلى هدفها ومقصودها من بقاء وتكامل

الفرد أو النوع، ولكنه ال يوجد التفات في جهاز الشعور والتفكيرlرادة للحيوان إلى الغاية التي تتجه نحوها الطبيعة. واإل

Page 160: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

والغاية الوحيدة والهدف األساسي الموجود في شعور الحيوان والذي يحمله على النشاط وبذل الجهد إنما هو إشباع الرغبات

lنسان يؤد¡ي أعماله والظفر باللذات، والحيوان بل وحتى اإلlرادية الهادفة من دون أن يعرف حاجاته الطبيعية ومن دون أن اإل يعلم بغاية النشاطات الطبيعية في وجوده والتي تعمل من أجلها

األمور النفسية، وحتى إذا كان يعلم بها )مثل اإلنسان العالم( فإنه ال يأخذها بعين االعتبار، وهو في أداء هذه األعمال يطيع فقط رغباته الباطنية ويهدف إلى الظفر باللذات الحاصلة من هذه

األفعال.¡باع U في االستسالم لهذه الرغبات، وات U مستغرقا ويكون أحيانا

lحساسات وتنمية اآلمال واألمنيات واألفكار المنبعثة من تلك اإلU بطبيعته ووجوده الواقعي)، وكما U تماما الرغبات، بحيث يكون جاهال

قال المؤلف في المتن:U في lنسان قد ينفق جميع عمره مستغرقا "إن بعض أفراد اإل

)لته األفكار المتنوعة من دون أن تمر2 في فكره أو تخطر في مخي هذه النظرة األولى التي ذكرناها )النشاطات الطبيعية في

وجوده...(". -قلنا صحيخ أن الهدف الذي يأخذه الحيوان بعين االعتبار4

بحسب شعوره وإدراكه ويبذل له جهده مغاير للهدف الذي تتجهU يقوم بين U كامال U وتعاونا إليه طبيعة الحيوان، ولكن هناك انسجاما هذين الجهازين )الطبيعي والنفسي(، فعادة يكون نفس الشيء

الذي يشبع رغبة الحيوان هو الذي يحق¡ق للطبيعة مقصودها، والعكس صحيح أي أن2 الذي يؤم)ن للطبيعة هدفها هو بنفسه الذي

U. واآلن لننظر أي هذين القسمين تابع يشبع رغبة الحيوان أيضا وأيهما المتبوع؟ أي هل أن وجود هذه الرغبات والغرائز واألفكار من أجل أن تصل الطبيعة إلى هدفها ومقصودها أم أن الطبيعة قد وجدت لتشبع الرغبات الخاصة في الحيوان ولتفجر فيه هذه

اآلمال واألمنيات واألفكار؟ وكما قال المؤلف في المتن: "أي مرحلة من هاتين لها األصالة والوجود الحقيقي، وأي واحدة منهما

مستقلة ومتبوعة وأي واحدة تابعة لألخرى ومتطفلة عليها؟".)ما إذا التفتنا إلى "أصل 2أمل في حياة الحيوانات، وال سي إن) الت)ف مع االحتياجات" الذي مر) علينا ذكره في مقدمة هذه )كي الت

)ة- أي رغباته المقالة يثبت لنا أن شؤون الحيوان النفسي وأحاسيسه وأفكاره الناشئة منها والمسم)اة في هذه المقالة)ة، وأنها بمثابة وسائل تتخذها )ة- تابعة وطفيلي باألفكار االعتباري

الطبيعة من أجل أن تصل إلى هدفها ومقصودها.

Page 161: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

وإذا تعم)قنا في الموضوع أكثر وجدنا أن في الحيوان قوة توفر له مستلزمات "بقائه" وتدفعه إلى الناحية التي تحق¡ق كمال الفرد أو

)ر عنها باألعضاء النوع، وكل) واحد من أجهزة جسمه التي تعب والجوارح، وأي جهاز من أجهزته الروحية كالرغبات والغرائز

واألفكار الناشئة منها إنما هي وسائل يستغلها الحيوان حسب ما تقتضيه الظروف واألحوال والبيئات ويستفيد منها، ويؤد¡ي تغييرU-شئنا أم أبينا- إلى تغييرات البيئة وتغيير احتياجات الحيوان دائما متناسبة في األجهزة الجسمية من ناحية، وفي األجهزة الروحية

2كيف مع البيئة، ومن الواضح كما من ناحية أخرى، بحكم قانون الت مر) علينا في مقدمة هذه المقالة أنه ال يمكن تعيين العامل

2كيف من وجهة نظر علم الحيوان التجريبي، األساسي في هذا الت وكل) فئة قدمت نظرية في هذا المجال تنسجم مع اتجاهها

وما بعدها من هذا189الفلسفي )ليرجع من شاء إلى ص2كيف U تعيين حدود مصاديق هذا الت tستطاع أيضا الكتاب( وال ي

U أن الحيوان تحت تأثير ذلك العامل بالدقة، فال يمكن القول مثال الغامض إلى أي¡ حد� يستطيع جعل أجهزته الجسمية والروحية منسجمة مع احتياجاته ولكنه من المقطوع به في الجملة أن تغيير البيئة وتغيير االحتياجات يؤثر في وضع األجهزة البدنية

U في وضعه الروحي ¡ر أيضا واألعضاء والجوارح للموجود الحي) ويؤث والنفسي). ودراسة أوضاع األمم المختلفة وعقائدها وشؤونها

)ة الرغبات الروحية قد أثبتت أن طريقة التفكير ونوعيlحساسات عند كل¡ فئة� من الناس تتناسب منع التكوين واإل

الجغرافي لمنطقتهم التي يعيشون فيها، فالناس الذين يعيشون في المناطق الحارة كما أنهم يختلفون عن الناس الذين يعيشون

في المناطق الباردة من حيث الشكل والقامة والهيكل فإنهمlحساسات والرغبات واألفكار، ولهذا U من حيث اإل يختلفون أيضا

تبدو كثير من األشياء عند هؤالء جميلة وحسنة حسب احتياج)ف"، بينما يعتبرها سكان سائر البيئة وتحت تأثير عامل "التكي

المناطق قبيحة وغير مطلوبة. ولهذا السبب كانت أساليب التفكير عند األمم والجماعات المختلفة متفاوتة، ولكل¡ أمة حكم

)ن، ولكنه ال ينبغي للقارئ الكريم أن يغفل عن أن2 اختالف معي)ة ال في الحقائق، تفكير األمم إنما هو في مجال األفكار االعتباري

فكما قلنا في مقدمة هذه المقالة: إن العقل والمعقوالت النظرية متشابهة عند جميع األفراد وفي جميع الظروف واألحوال وفي

مختلف األمكنة، ولهذا فإننا ال نريد أن ند2عي أن2 سكان المناطق الحارة يختلف طراز تفكيرهم في الرياضيات عن سكان المناطقU- كما سوف يأتينا )ة أيضا المتجمدة، بل وحتى بين األفكار االعتباري

Page 162: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

فيما بعد- توجد مجموعة من األفكار التي ليست قابلة للتغيير وال للتبديل. وسوف تأتينا في متن هذه المقالة كيفية تمييزكل2 واحد

من هذين القسمين عن القسم اآلخر.( الموجود الحي))كاإلنسان(.

[227]واآلن نتناوله بالدراسة من ناحية أخرى:

U وندرسها بشكل آخر ومن زاوية عندما نتأمل مسرح حياتنا أحياناU ال يقف أمام أعيننا المليئة أخرى نجد أننا حينما كنا أطفاال

)ة الوادعة سوى حنان األم وعطفها وحبها، فال باالحساسات الطري نهتم) بشيء، وال نفكر بأمر سوى الد)الل على األم والتقاط الثدي وتناول اللبن والنوم وااللتذاذ عن طريق العين أو األذن أو الفم. وبعد فترة من الزمن تمتلئ حياتنا بمشاغل جديدة فينشط فينا

tنس، وتمضي األيام والليالي جهاز اللعب وتنمية الخيال وإيجاد األعلى هذا المنوال من التفكير.

وبعد أن نتجاوز هذه المرحلة تشرق في أفق وجودنا المحبةU من أفكارنا وتمتلئ أوقاتنا U عظيما والعشق فتجذب نحوها جانبا

)ة وحزادث الزواج الواسعة بأفكار تبادل الحب والرغبات الجنسيlعجاب U من الرؤية، فالتعلق فاإل المتشبعة إلى فروع متعددة، بدءا

ومدى النجاح والهزيمة في الحب وعدم الوفاء وآثار الوصال)ا من )ه ما في النفس، ثم بعد ذلك إن كن والبعد عن الحبيب وبث

رجال السياسة ح)قنا في آفاقها متابعين ألحداث العالم السياسية)ا من أصحاب ) بإحراز النصر والسياسي)، وإن كن وأصبحنا ال نفكر إال

lنتاج والثروة، التجارة أغرقنا أفكارنا في البيع والشراء وتنمية اإل)ا من ذوي األمالك الواسعة أو من الفالحين أو من الطالب وإن كن

أو من ..... فإننا نقضي حياتنا في المشاعر الخاصة واألفكارالمعينة لتلك المهنة، ونصل بالتالي إلى نهاية أعمارنا.

U lنسان قد ينفق جميع عمره مستغرقا وصحيح أن بعض أفراد اإل في األفكار المتنوعة من دون أم تمر) في فكره أو تخطر في)لته هذه النظرة األولى التي ذكرناها، وإذا خطر في ذهنه مخي

¡ر في سير وجوده الطبيعي) U أن يفك أحيانا[228]

tعتبر في حكم U للغاية، وي U وتافها والتكويني) فإن) ذلك سيكون ضئيال الصفر بالنسبة إلى الحشود الغفيرة المتكد)سة في عالم فكره

وخياله.lنسان في حارة المشاعر واألفكار وغوصه ولكن هل أن سtكنى اإل في بحر الخيال يعط)ل نظامه الطبيعي) والتكويني) أم يقتلع جذور

tعفيه من نشاطه الجبري)؟ ، أم ي بنائه الطبيعي)

Page 163: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

من البديهي) أن الجواب سيكون بالسلب. وفي هذه الصورة أي) مرحلة من هاتين لها األصالة والوجود

الحقيقي، وأي) واحدة منهما مستقلة ومتبوعة، وأي واحدة تابعةلألخرى ومتطفلة عليها؟

وهل الطبيعة تتوقف عن نشاطها بمجرد حلول الموت فيطوىlنسان يختتم lنسانية، أم أن اإل بالتالي سجل األفكار واآلمال اإل

U له في سيره الطبيعي عندما تنتهي أفكاره وخياالته ويختار منزالمقره الخالد؟

إن الجواب الذي تقدمه الدراسات العلمية، بل وحتى المعلوماتlنسان البدائي) لهذا السؤال هو أن نظام الطبيعة البسيطة لإل والتكوين متبوع، وأن نظام التفكير والخيال تابع له ومتطفل

عليه. ولكنه مع هذا كله ال يمكن تصو)ر أن النظام الفكري ال تأثير له

lرادية U على نظام الطبيعة والتكوين، وذلك ألن األفعال اإل إطالقا)ر وبطل هذا الفكر فإن2 ذلك U فكر خاص بحيث إذا تغي يرافقها دائماU ويبطل. وتشهد لصحة هذا القول أوضح التجارب الفعل يتغير أيضاlنسان. إن الطبيعة تبطل وتنعدم إذا ما بطل نشاطها، في حياة اإل

lنسانية التي أوجدت هذه األفكار للحصول إذن هي الطبيعة اإل على خواصها وآثارها، وهي تصل عن طريقها إلى مقصودها

الطبيعي) وهدفها التكويني).[229]

ويستنتج من هذا البيان:U( من ناحية وخاص)ها وآثارها lنسانية )مثال إن بين الطبيعة اإل

)ة من ناحية أخرى توجد وتتوسط مجموعة من )ة والتكويني الطبيعيlدراكات واألفكار التي صاغتها الطبيعة في البدء، ثم إنها تبرز اإل

إلى الخارج خواص)ها وآثارها بمساعدتها.واآلن لننظر:

lدراكات التي تتوسط بين الطبيعة U: ما هي نوعية األفكار واإل أوال وآثار الطبيعة، وبأي¡ شيء� تختلف عن األفكار التي تتمتع بهذه

الميزة؟ U: ماهي كيفية ارتباط تلك األفكار بالطبيعة؟ ثانيا

U: ما هي نوعية ارتباط تلك األفكار بآثار الطبيعة؟ ثالثا ال شك2 أن كل2 ظاهرة من ظواهر العالم تتعلق بأفعال تدخل في

)جه في نشاطها إلى أهداف تكون مزو2دة-بحسب دائرة وجودها وتتU طبيعتها وتكوينها- بالقوى والوسائل واألجهزة التي تحققها، فمثال

U في الحمل والمخاض الحيوانات الواضعة للبيض ال تفكر أبدا وإرضاع الطفل اللبن، وهي إذا شاهدت حمل الحيوانات اللبونة

Page 164: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

2 ما وإرضاعها فإنها ال تلتذ) من تصو)ر ذلك، وال يخطر في بالها إالو)دت بها، وكذا الحيوانات التي زو)دت- tتقتضيه األجهزة التي ز

بحسب طبيعتها- بوسائل تناسبها، فإنها ال تستطيع أو التتصورهاlنسان ال توجد حجة U عند اإل وال يمكنها أن تتصور ما ينافيها، فمثال

)ة أكبر من وجود جهاز الهضم وجهاز لجواز األكل والمقاربة الجنسيالتناسل فيه.

ومن هنا نستطيع أن نحدس بأن أي2 واحدl من هذه الموجودات [230]

النشيطة )ومن الواضح أن كل2 موجود� فهو نشيط( إذا فرضناهlنسان من ضمنه- ال بد2 له من U إن الحيوان- واإل U) قلنا سابقا )ا علمي)ة التي تتم في النبات بشكل تأمين جانب من احتياجاته الوجوديlضافية( بوسطاة وإرشاد عادي وطبيعي )عالوة على الجوانب اإل

lرادة والتفكير، وفي الواقع فإن2 هذه األمور الرغبة واللذة واإل تكون بمثابة وسائل تستغلها طبيعة الحيوان لقطع المراحل التي

ال بد2 لها من قطعها، ولهذا يصبح الحيوان بحاجة إلى مجموعة منالنشاطات اإلرادية حتى يتمكن من المحافظة على حياته وبقائه.

وكل فعل إرادي) لم)ا كان يتم بالتفكير فال بد2 إذن أن ال يكونU عن شعور الحيوان ووعيه، أي أن الحيوان على وعي£ )ا مخفي

باألفعال التي تتم في ظاهر جسمه بوساطة إرادته وتفكيره،U لم)ا كان كل¢ فعل� إرادي) يتم لغاية ومقصود فال بد2 إذن أن وأيضا

U بغاية فعله، إذن الحيوان في أفعاله التي تتم يكون الحيوان عالماU بنفس تلك األفعال lرادة والتفكير ال بد2 أن يكون عالما بوساطة اإل

وبالغايات والنتائج العائدة عليه منها، بل لم)ا كانت األفعال التي يؤد¡يها الحيوان بتحريك من الطبيعة تتعلق بمادة من المواد

الخارجية، بمعنى أن تلك األفعال ألوان من التصرف في المادة،U )ة فال بد2 له من معرفة المادة التي يتعلق بها فعله أيضا الخارجي واألعظم من هذا أن بعض أفعال الحيوان تكون من التصرفات

)ة التي تتطلب-من ناحية- اط¡الع الدقيقة والمعق2دة والصناعي الحيوان على الكيفية الخاص)ة لهذا الفعل، وتستلزم. من ناحية

lنسان أخرى- المهارة العملية للحيوان، من قبيل جميع أعمال اإلlعجاب )ة، وكأفعال الحييوانات الغريزية المثير لإل )ة والصناعي الفني)ما أعمال الحشرات المثبتة في كتب علم الحيوان، وهي وال سي

تحمل كل) قارئ أو مشاهد على التعجب.U إذن أي فعل إرادي) يصدر من الحيوان فهو يستلزم أفكارا

ومعارف، أو على األقل يستلزم معرفة نفس الفعل والغاية التييقصد إليها الحيوان من ذلك الفعل.

Page 165: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lضافة إلى هذه األفكار التي قلنا أن) أي¡ فعل� إرادي ال يتحقق وباإل بدونها تشير هذه المقالة إلى أن هناك مجموعة من األفكار)ة التي لها دخل في الموضوع وال بد2 من توف)رها في االعتباري

U على هذا فإن) أي2 فعل إرادي يصدر مقدمة أي) فعل إرادي، وبناءاU بمجموعة من األفكار من الحيوان ال بد) أن يكون مسبوقا

)ة. ونرى من الضروري) )ة ومجموعة من األفكار االعتباري الحقيقي إلقاء نظرة عامة ومجملة على هذين القسمين من األفكار

)ة التي هي مقدمة ألفعاله حتى نتبينها، ونرى من خالل الحيواني)ر فيه وبأي¡ ذلك أن كل2 واحد� من هذين القسمين-أي العوامل- يؤث

شكل� يظهر للحيوان.)ة للحيوان، من قبيل ونركز اهتمامنا اآلن على األفكار الحقيقي

U للمادة التي تتعلق معرفة الحيوان ألفعاله ولغايات أفعاله وأحيانا)ة بها أفعاله ولكيفيات أفعاله الدقيقة، وأما األفكار االعتباري

U بالترتيب الذي تسير عليه المقالة. )ا فسوف تأتي تدريجي)ر القارئ بهذه المقدمة. وقبل ذلك نذك

********U لدراسة lنسان في البداية-وقبل أن يصبح مؤهال لقد كان اإل

موجودات هذا العالم بأسلوب فني- إلى جميع أجزاء الطبيعة)ة محد)دة. U وخاصي U معينا الحية والميتة بما أن لها تأثيرا

مثل النار التي تتصل ببدنه والماء الذي يشربه والحجارة التي يتناولها من على األرض والشجرة التي يأكل ثمارها ويستظل

بظاللها والحيوان الذي يستفيد منه في ركوبه أو شرب لبنه أوأكل لحمه.

وقد أدت الدراسات التي قام بها العلماء منذ أقدم األزمنة ولحد¡)ة على هذه الموجودات اآلن حسب األساليب الفنية العلمي

وتأثيرها ونشاطاتها إلى تبويب عام وتقسيم لهذه الموجودات بهذاlنسان، والمالك والمقياس الشكل: الجماد-النبات-الحيوان-اإل

األول في هذا التقسيم والتبويب هو لون نشاط هذه الموجودات وآثارها، أي لم)ا كان هناك اختالف أساسي بين لون نشاط الجماد ونشاط النبات، وبين نشاط كل¡ واحد من هذين ونشاط الحيوانlنسان فقد وجد نتيجة وبين نشاط كل¡ واحد� من الثالثة ونشاط اإل

لذلك هذا التقسيم والتبويب. وقد درس العلماء الجمادات فوجدوا مجموعة من الخواص) واآلثار في بسائطها ومركباتها. ولكنهم الحظوا في النباتات-

U آخر من النشاط عالوة على ما هو موجود في الجمادات- لونا الخاص الذي هو عبارة عن التغذية وجعل المواد الخارجية جزء

U "ذاتي) الحركة" يصلح من الذات والنمو وتوليد المثل، وكأن جهازا

Page 166: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ب في أعماق هذه نفسه بنفسه ويرفع نقصه بذاته قد رك الموجودات، وبعد مرور فترة من الزمن تقطع هذه الموجودات

طريق النزول واالنحطاط ثم ترحل من الحياة لسبب مجهول غير معروف )وهو لحد¡ اآلن من المجهوالت( وقد الحظوا في الطائفة

األخرى من الموجودات وهي التي نسم)يها بالحيوانات- عالوة على ما في النباتات- إنها تتمتع بالشعور واإلدlراك والرغبة واللذة

وهي تؤد¡ي أعمالها بدافع من الرغبة وإرشاد من الشعورlنسان من بينها برقي) عظيم من حيث الشعور والتفكير، ويتميز اإل

والتفكير. ومن البديهي) أن دراسات العلماء األولى في مورد كل¡ واحد منU عم)ا هي )ا U جذري هذه األقسام األربعة للموجودات تختلف اختالفا

)ة في مجال معرفة الطبيعة lنسان البدائي عليه اليوم، فمعلومات اإل)ة من نبات وحيوان وإنسان ال تساوي إال )تة والطبيعة الحي المي

U في مقابل معلوماته في الوقت الراهن، ولكن هذا التقسيم صفرا والتبويب السابق الذكر والمبني) على أساس اختالف الموجودات

في نوع نشاطها قد احتفظ بقوته واستحكامه وقد اعترف بهU عندما يدخل العلماء في مجال تبويب جميع العلماء، واليوم أيضاU العلوم فإنهم يتخذون هذا التبويب المذكور في الموجودات مالكا

U لتبويب العلوم وتقسيمها، ومن الواضح أن هذا التبويب ومعيارا للموجودات ال ينظر إلى أن هذه االختالفات من أي¡ نقطة بدأت؟ وال يهدف إلى توضيح هل أنها كانت منذ البدء أو أنها ظهرت فيماU ؟ وال يقصد أيضا بعد، وإذا كانت قد ظهرت فيما بعد فبأي¡ شكل�)تة هي العامل إلى بيان أساس هذه االختالفات، فهل المادة المي

)ر في هذا الوحيد األصيل لهذه االختالفات أم هناك شيء آخر مؤث المضمار؟ إن هذا التبويب يعكس فقط: الوضع الحالي

)ة نشاطها. للموجودات من حيث نوعي وليس من العسير التفرقة بين النشاط الفيزيائي للجمادات

والنشاط الحيوي) للنباتات، وال التفرقة بين نشاط هذين والنشاط الحيواني، لكن الذي يحتاج إلى تأمل هو النشاط اإلرادي) الذي

lدراكات تقع مقدمة لتلك يستلزم مجموعة من األفكار واإلاألفعال، ونحاول هنا أن نقدم بعض الشرح لذلك:

لم)ا كان الحيوان يقوم ببعض األعمال بإرادة وتفكير فكما أن2 لهU بما ينشأ من تلك U بإرادته وتفكيره فأنه يتمتع بالعلم أيضا علما

lرادة وذلك التفكير. ولكنه في هذا المجال يطرح علينا سؤال اإل فلسفي) مهم وهو: هل أن علم الحيوان بفعله مثل علمه باألشياء الخارجية أم هو بنحو آخر؟ وإذا كان مثل علمه بسائر األشياء فال

بد2 أن تصدر منه أول حركة إرادية بدون علمه ثم يعلم بها

Page 167: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

الحيوان عن طريق إحدى حواسه!! مع أن هذا األمر خالفU يشاركه في lنسان أيضا )ما إذا التفتنا إلى أن2 اإل الضرورة وال سي

)ا يستطيع أن يدرس نفسه. هذه الجهة، وكل) واحد� منlرادي قبل U بالفعل اإل ونحن نعلم من أنفسنا أننا محيطون علما صدوره أو على األقل حين وقوعه، إذن ال بد2 أن ال يكون علم

lرادية من قبيل علمه باألشياء الخارجية، الحيوان بحركاته اإل وباالصطالح الفلسفي فإنه ليس من قبيل العلم الحصولي)

االنفعالي)، وإنما هو لون آخر من العلم، أي أنه من ألوان العلم الحضوري). وتعتبر هذه المسألة من فروع إحدى أهم المسائل

lشارة الفلسفية في باب العلم والمعلوم، وإلى هنا نكتفي بهذه اإلإلى هذا الموضوع.

lرادي)، فكل¢ فعل� يصدر U بغاية فعله اإل U عالما ويكون الحيوان أيضاU من إحدى "رغبات" منه عن إرادة وتفكير ال بد2 أن يكون نابعا

)ة. الحيوان أو "دوافعه" النفسي فالرغبات والدوافع هي المنشأ النفسي) األساسي) للهيجانات

واالشتياقات التي تظهر في وجود الحيوان، وتؤد¡ي إلى الحركاتlرادية. وهناك رغبات مختلفة في وجود الحيوان وكل) واحدة اإلU نحو شيء معين، فالرغبة للطعام غير U خاصا )د هيجانا منها تول)ة، وكل¢ واحدة من هاتين غير الرغبة إلى الجاه الرغبة الجنسي

والمنصب. وهناك بحوث دقيقة في علم النفس ونظريات تستحق التأمل والتقدير وهي تدور حول عدد الرغبات في الحيوان وعلى

lنسان، وأي) واحدة منها هي األصيلة لتكون األخص في اإل)نا نتناول هذا الموضوع بالبحث في U؟ ولعل األخريات فروعا

المستقبل. وعلى كل¡ حال� فإن2 أي2 فعل� يصدر من الحيوان حسب إرادته

U من إحدى رغباته، والغاية التي يقصد وتفكيره ال بد2 أن يكون نابعاU إليها الحيوان في الدرجة األولى هي إشباع تلك الرغبة. مثال

يحتاج الطفل إلى الغذاء فيحس يشعور مخلوط بالهيجان واللذة في وجوده، وهو الذي نسم)يه نحن بالجوع، وينبع هذا الهيجان من

الرغبة إلى الطعام، وكل) المحاوالت التي يبذلها الطفل للظفربالغذاء تكون إلشباع هذه الرغبة، ونحن نسم)يه هنا بـ "الشبع".

lنسان فإنه ينبع من وكل فعل يبدو لنا أنه يتم2 على عكس رغبة اإلU يقدم الشخص على عمل أخالقي) يعود بالنفع )ة، فمثال رغبة خفي

U U به رغبته في حب الذات، ولم)ا كان مخالفا على النوع مخالفا لهذه الرغبة فهو يتصور أن2 هذا الفعل قد تم) على خالف رغبته

U، والحال أن2 هناك رغبة أخرى )هي حب النوع( في الواقع مطلقا كامنة في وجوده، وهي في تلك الحال متفوقة على سائر رغبات

Page 168: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

الشخص ومسيطرة على أعماله وحركاته، ولو لم تكن مثل هذه الرغبة في وجوده لكان من المستحيل انبعاث إرادته وتحق)ق

الفعل بهذه الصورة. وعلى هذا ففي كل¡ فعل إرادي) يقصد إلى إشباع رغبة معينة،

والغاية التي ال يخلو منها أي) فعل إرادي )سواء أكان في الحيوان أم في اإلنسان( والتي يعيها الحيوان ويطلبها إنما هي إشباع رغبة

من الرغبات المختلفة.U بالغاية النفسية لفعله، U بفعله علم أيضا إذن كما إن2 للحيوان علما

U ليس من قبيل علمه باألشياء وعلم الحيوان بغاية فعله أيضاU، وإنما هو علم )ا U انفعالي )ا U حصولي الخارجية، أي أنه ليس علما

)ة التي مر) علينا ذكرها في حضوري مثل سائر األمور النفسيالمقالة الخامسة.

lدراك اللذان سبق ذكرهما لحد¡ اآلن وهذان اللونان من العلم واإل)ة للفعل( ال بد2 أن يكونا )إدراك الفعل وإدراك الغاية النفسي

lدراك موجودين في كل¡ فعل� إرادي)، ولم)ا كان هذان اللونان من اإل الحيواني) غير متعلقين بأشياء خارجة عن وجوده فلذلك ال نواجهU، واآلن لننظر ما هي كيفية )ا U وفلسفي )ا صعوبة في تفسيرهما علمي

معلومات الحيوان عن األشياء الخارجة عن وجوده؟ وبأي¡ وسيلـة�تتم؟

U أي مشكلة ما دمنا في المجاالت وال نواجه في هذا الجانب أيضا التي يمكن تفسيرها عن طريق الحس والتجربة والتفكير، مثل

lنسان في بداية lنسان عن الطبيعة وقوانينها، فاإل معلومات اإلU من قوانينها، ثم يتعرف األمر ال يعرف الطبيعة وال يعلم شيئاU ويكتشف قوانينها في المجاالت العلمية نتيجة )ا عليها تدريجي

للتعامل مع الطبيعة العينية. وتكمن الصعوبة في مجموعة من الحركات واألعمال الصادرة من حيوانات أخرى والمسماة بـ"الحركات الغريزية" كاألعمال الغريبة التي يقوم بها النحل والنمل، وما تنهض به الطيور من

بناء األوكار وتربية الفراخ، والهجرات الصيفية والشتائية، وآالف النشاطات األخرى التي تقوم بها الحيوانات وهي في كتب علم

)مة في الحيوان. وقد قام العلماء في القرون الحديثة بدراسات قيU عجيبة في حياتها. مجال غرائز الحيوانات واكتشفوا أمورا

)ة ال تختص بفئة معينة من ومن الجدير بالذكر أن2 الحركات الغريزي)م الحياة وحتى األحياء الحيوانات، فالحشرات المنحطة في سل

ذوات الخلية الواحدة والزواحف والحيوانات الفقرية وذواتة، وإن كانت تختلف )ز بحركات غريز) lنسان كلها تتمي األثداء واإل

Page 169: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U في هذا المجال هو )ة وكثرة، واألقل منها جميعا فيها بينها قلlنسان. اإل

واألعمال الدقيقة الماهرة التي يقوم بها الحيوان لصالح شخصهlنسان أن يؤد¡يها فإنه يحتاج أو نوعه أو جيل المستقبل إذا أراد اإل إلى وقت طويل ليتعلمها. وهنا ال بد2 أن نرى: أيكون الحيوان في)ة وبالفوائد U بالد¡قة التي يستعلمها في أفعاله الغريزي الواقع عالما

والنتائج المترتبة على هذه األفعال في الطبيعة أم ال؟ إن كانU بها U بها فمن أين اكتسب هذا العلم؟ وإن لم يكن عالما عالما فكيف يستطيع تنظيم أفعاله بهذه الد¡قة ومن حيث ال يشعر

بشكل يستلزم نتائج مفيدة لحياة الفرد أو النوع؟ توجد في هذا المضمار نظريات عديدة:

U بنتائج فعله، وتركيبه الوجودي) ال يتضمن1 -إن الحيوان ليس عالماU يستلزم صدور حركات معينة بحيث تؤد¡ي إلى نتائج محددة، جهازا

¡رتيب يتم بالصدفة ليس )ة بهذا الت وإنما وقوع الحركات الغريزيغير.

)ة ومن الواضح أن2 هذه النظرية ال يمكن إضفاء القيمة العلمي عليها، وال يمكن حمل الحركات المنظمة للحيوانات- والتي ال

U-على الصدفة. U معينا يشك في أنها تتبع قانونا -إن الحيوان يجهل أفعاله وحركاته ونتائجها، وذلك ألن الحياة2

lرادة- هي ولوازمها- من قبيل العقل واإلدراك والرغبة واللذة واإلU في وجود الحيوان 2با U مرك lنسان، ولكن هناك جهازا من مختصات اإل

وهو يستلزم حدوث الحركات التي تتضمن فوائد له. ويكونU مثل السيارة، غاية ما في األمر أن هذه تركيب الحيوان تماما

السيارة مصنوعة بشكل� خاص بحيث تصدر منها آثار معينة فيlنسان أنها تعمل عن شعور وإدراك، فهي مواقع محد2دة، فيظن اإل

2بة بشكل� بحيث إذا اقترب منها شيء يهد¡د وجودها U مرك مثال بالخطر فإنها تبتعد عنه )مثل فرار األغنام من الذئاب(، وعندما

تحتاج إلى مواد هي بمثابة التشحيم وتعبئة هذه السيارة بالبنزين فإنها تقترب منه )مثل اقتراب األغنام للماء والعشب(، ولكنlنسان يظن أن الذي دفع الحيوان إلى الحركة في الصورة اإل

األولى هو الخوف وفي الصورة الثانية هو الشوق، بينما الحيوان في الحقيقة ال خوف له وال شوق، ال لذة له وال ألم. وتنسب هذهU كانوا النظرية إلى ديكارت وأتباعه، ويقال إن تالمذة ديكارت يوما

U وهو يتلوى وينبح بشد)ة وهم يعل)قون على هذا يعذبون كلباlنسان أنه يحس) مستغربين قائلين إنه كان يصو)ت بحيث يتصور اإل)ة غير إرادية، باأللم! وحسب هذه النظرية تصبح الحركات الغريزي

Page 170: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ة تؤد¡ي إلى نتائج معينة هو والسبب في أن الحركات الغريزيالتركيب الميكانيكي الخاص لوجودها.

U ضعيفة للغاية بحيث ال تستحق النقد وليس وهذه النظرية أيضا)دون بين أي¡ فئة من الفئات. لها اليوم مؤي

)ة تتم بصورة ذاتية آلية، ولكنها في األجيال3 -إن الحركات الغريزيU تتم عن شعور وتفكير وإرادة، وقد تحولت السابقة كانت أعماال

هذه األعمال فيما بعد إلى "عادة" لهذه الحيوانات نتيجة لتكراراها)حقة حسب قانون بكثرة، وانتقلت هذه العادة إلى األجيال الال

الوراثة واستقرت فيها بشكل غريزة. وتنسب هذه النظرية إلى"المارك".

وقد أوردوا على هذه النظرية عد2ة إشكاالت مهمة، منها: أن هذه)ة تستلزم أن نفرض كون حركات األجيال السابقة قد الفرضي

lشكال مرة أخرى، فمن أين تم2ت بشعور وتفكير، وبهذا يعود اإلاكتسبت هذه األجيال هذا الشعور؟

U )ا ومن الواضح أننا ال نستطيع الجواب بأنها قد تعل)مت ذلك تدريجيU من األعمال التي يحتاج إليها وفي أثر التجربة، وذلك ألن كثيرا

)ة، وهذا ال ينسجم مع ذلك الفرض. وليد الحيوان غريزي2 إذا lشكال اآلخر هو أنه ال يمكن تفسير حركات بالعادة إال واإل

كانت مستلزمة للتكرار بكثرة، بينما هناك بعض الحركات2 مرات معدودة، )ة التي ال تحدث طيلة عمر الحيوان إال الغريزي

وعالوة على هذا فلو كانت العادة منشأ للغريزة للزم من ذلك أن)ما طال عمرها أكثر كانت أكمل من حيث الغريزة، الحيوانات كل

بينما الواقع هو عكس هذا، فالحيوانات الكاملة من ناحية الغريزةU قصيرة. U ما تعيش أعمارا غالبا

lشكال الثالث: هو أن هذه النظرية مبنية على النظرية العامة واإل التي قدمها المارك ودارون في مورد انتقال الصفات المكتسبة

من األسالف إلى األخالف، والدراسات العلمية الحديثة في مجالالوراثة تنقض هذه النظرية.

lنسان أن النشاطات lشكال األخير: هو أننا نالحظ في مورد اإل واإل)ة ال تور)ث بصورة غريزة، ولو كانت هذه النظرية lدراكي العقلية واإل

lنسان إلى صحيحة للزم من ذلك انتقال النشاطات العقلية لإلlنساني) أكمل U أن يكون الوليد اإل األخالف بشكل غريزة، ولزم أيضا الحيوانات من ناحية الغرائز، والحال أن القضية على العكس من

U من ناحية هداية lنسان هو أكثر الحيوانات نقصا U، فاإل هذا تماماالغريزة..

)ة وتتم من دون تدخل4 )ة ذاتي -إن الحركات الغريزية هي أعمال آلي)ة التي تصدر من الموجود lرادة والتفكير، مثل األفعال االنعكاسي اإل

Page 171: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

، من قبيل حركات الجهاز الهضمي عندما يدخل إليه الحي)lنسان الطعم الطعام، أو إفراز غدد اللسان عندما يذوق اإل

U وغيرها من األمور. وكل ما هناك من فرق بينهما هو الحامض مثال)ة بسيطة بينما الحركات الغريزية أن2 مجموعة األعمال االنعكاسي)ة للحيوان كانت حركات مركبة ومعقدة، وجميع الحركات الغريزي

)ة وبسيطة في أجياله السابقة، ثم بعد ذلك تكاملت انعكاسيU وانفصلت األنواع عن بعضها، وهذه الحركات )ا الحيوانات تدريجيU بموازاة سائر الجوانب التي استقرت بشكل عادة تكاملت أيضا

)ة للحيوان وقد انتقلت إلى األخالف حسب قانون الوراثة. الوجوديوهذه النظرية منسوبة إلى دارون.

U وتعتبر هذه النظرية مردودة لعدة أسباب: منها ما ذكرناه سابقا من أن علم الوراثة يرفض نظرية انتقال الصفات المكتسبة،

)ة هي رد فعل جسم الحيوان في واآلخر هو أن الحركات االنعاكسي)ة تنبع من )ة بينما الحركات الغريزي ¡رات الخارجي مقابل أحد المؤثU المحرك الخارجي الذي العوامل الداخلية للحيوان، فما هو مثال

يؤثر على بدن الحيوان فيدمغه نحو تناول الغذاء أو بناء الوكر أواالقتراب الجنسي)؟

)ة وعالوة على هذا فكيف يمكننا أن نقبل كون الحركات الغريزيlنساني) في مطلع حياته من العجيبة للحيوانات أو حركات الوليد اإل)ة الفارغة من كل) شعور وقصد وإرادة؟ قبيل الحركات االنعكاسي وقد انصرف دارون نفسه عن نظريته في باب غرائز الحيوانات

lشكاالت التي أوردوها عليها وأخذ يميل إلى نظرية نتيجة لإلالمارك التي مر) ذكرها.

أما الدكتور تقي األراني) فهو يختار نظرية المارك في تفسير)ة إذ يقول في كتابه "بسيكولوجي" ص :182الحركات الغريزي

"يبدأ سلوك الموجود الحي) بالحركات الالإرادية أي الحركات)ة، lرادية بعد الحركات االنعكاسي )ة ثم تأتي الحركات اإل االنعكاسي ولكنه هناك لون من السلوك بين هذين اللونين من الحركة هو

)ة ويستمر لمدة أطول منها U من الحركية االنعكاسي أكثر تكامال)ر فيه U والموجود الحي) ال يستطيع أن يغي ولكنه لم)ا كان جامدا

lرادية، U من الحركات اإل حسب إرادته فإنه يكون أشد¢ نقصاU )ة أو اختصارا ويسمى هذا اللون من السلوك بالحركة الغريزي

بالغريزة، مثل دوران الفراشة حول المصباح وبناء الطير لوكرهوغيرهما.

فانجذاب الفراشة نحو المصباح غريزة لها... والغريزة ال عالقةU إذا وضعت أوراق لها بالذكاء بل هي مغروسة في تكوينه، فمثال مثلثة الشكل في مقابل ثقب دودة األرض فإن2 هذا الحيوان مع

Page 172: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U أن يسحب تلك األوراق من ناحية رأس قلة ذكائه يحاول جاهدا المثلث إلى داخل الثقب، وإذا وضعنا بيضة في جهاز التفريخ

وتفقست عن فرخ دجاج، فإنه يمشي بمجرد خروجه من داخلU لم البيضة ويلتقط الحب ويقوم بسائر الحركات، والحال أن2 أحدا

يقم بتعليم هذا الحيوان خواص) رأس المثلث وال كون حبوب)ة قد ورثها من أجياله الحنطة أو الشعير مغذ¡ية، ولكن هذا الخاصي

السابقة وانتقلت إليه بوساطة مجموعته العصبية". والجواب على هذا الكالم هو نفس ما قلناه في رد نظرية المارك

وال حاجة لتكراره. فليس من المعلوم أن أجداد دودة األرضU )ا U تكاملي الذين كانوا أقل منها ذكاء )ألن الحيوانات تقطع مسيرا

¢شوء واالرتقاء" كيف استطاعوا أن يدركوا خواص) حسب "النرأس المثلث وكيف تعودوا على ذلك ثم ورثوه إلى أخالفهم!!!

)ة للحيولنات هي حركات إرادية ومقرونة5 -إن2 الحركات الغريزي)ة بالشعور والتدبير، فالحيوان في كل¡ واحد من أعماله الغريزي

)ة، )ته الطبيعي � وعمد� ووعي بنتيجة فعله وخاصي يقوم بفعله عن علم)ة البناء U فهو يعلم ما فائدة بنائه وما هي كيفي U عندما يبني وكرا مثال

lستفادة منه، وما يقوم به من نشاطات U لإل لكي يكون مtعد)ا اجتماعية بالغريزة االجتماعية فإنه يؤد¡يه عن شعور بالواجب

ووعي بفوائد الحياة االجتماعية، من قبيل نحل العسل والنمل وبعض الطيور بل وبعض ذوات األثداء. ويحصل هذا العلم والوعي

لكل¡ جيل عن طريق الحس والتجربة، وينتقل من فرد إلى فرد آخر، من جيل إلى جيل، بوساطة اللون الخاص من التفاهم

الموجود بين الحيوانات. وصحيح أنه ال يمكن اعتبار هذه النظرية باطلة مئة بالمئة ألنهاlكتسابي) التجريبي) تعتمد على ناحيتين: إحداهما علم الحيوان اإل

U- قل) واألخرى تفاهم الحيوانات، والشك2 أن الحيوان يكتسب شيئا أو كثر- من المعلومات خالل حياته، ولكن موضوع التفاهم بين

الحيوانات لم يحسم من الناحية العلمية، فهل هو موجود أم ال؟)ة طريقة؟ وإذا كان له وجود فإلى أي¡ حد) وبأي

U ال يمكن قبولها بجميع تفاصيلها لألسباب التالية: ولكنه أيضاU: تصدر من بعض الحيوانات مجموعة من الحركات الغريزية أوال

بشكل عجيب منذ والدتها أي قبل أن تتوفر للحيوان فرصةللتجربة أو التعلم، وهذا ما ال يمكن تفسيره حسب هذه النظرية.

U: لقد وجد علماء الحيوان بعض الحيوانات التي ال يرى فيها ثانياU، فقبل أن يوجد الجيل )حق الجيل المتقدم عليه أبدا الجيل الال

المتأخر يكون الجيل السابق قد غادر هذه الحياة ومع هذا فإن له

Page 173: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U مم)ا ال يمكن تفسيره lعجاب، وهذا أيضا )ة تثير اإل حركات غريزيحسب هذا الفرض.

)ة تتم عن طريق التجربة والتعليم U: إذا كانت الحركات الغريزي ثالثا)ة فكل) حيوان والتعلم فلماذا إذن تكون غرائز الحيوانات اختصاصي

يختص بأعمال معينة؟ ولماذا تكون أفراد النوع الواحد بأجمعها متشابهة من حيث الحركات الغريزية وفي درجة واحدة؟ ولماذا ال

U ال يعيد نحل )ة- فلماذا مثال يحصل لها التكامل من الناحية الغريزيlجتماعية طيلة هذه العسل النظر وال يحق¡ق التكامل في حياته اإل

)ة تتم عن القرون المتمادية؟ بينما لو كانت الحركات الغريزي طريق التفكير والتأمل واكتشاف القوانين العامة للزم من ذلك

U ومهارة في جميع أن تبدي الحيوانات ذوات الغرائز تخص)صا أعمالها، ولكان هناك اختالف بين أفراد النوع الواحد منها )كما يوجد اختالف- قل) أو كثر- بينها من الناحية الجسمية( ولتحقق

)ها )ة، فهذه الميزات كل التكامل والرقي في نشاطاتها الغريزيlنسان التي يؤد¡يها عن فكر وتأمل وتعلم متحققة في أعمال اإل

وتعليم.lلهام الغيبي،6 )ة تتم بصورة من صور اإل -إن الحركات الغريزي

)ون كانوا يد2عون أن تدبير حياة كل) نوع من lشراقي فالحكماء اإل أنواع الحيوانات يتم بوساطة "نور مدبر" وينتهي هذا بالتالي إلى

نور األنوار وذات واجب الوجود. وال يمكن رد) هذه النظرية باألدلة العلمية، وإذا لم نستطع تفسير

الحركات الغريزية بالطرق العادية والطبيعية فإننا نضطر إلى)ة بفضل قوة أخرى الحكم بأن الحيوان يهتدي إلى حركاته الغريزي

)علم واالهتداء lلهام والت )ة اإل محيطة بوجوده، غاية األمر أن كيفيللحيوان ليست واضحة لدينا حسب هذه النظرية.

)ها حركات تتم عن شعور7 )ة في الحيوان كل -إن الحركات الغريزي)ة، وإرادة وقصد، ولكنها في نفس الوقت ليست نشاطات تدبيري أي أن الحيوان ال يقوم بنشاطاته بهدف نتائجها الطبيعية، وإنما

U عن النتائج الطبيعية ألفعاله، وكل ما هناك هو أن هو غافل تماما)ة الخاصة به( يكون تركيب كل) حيوان )بالنسبة ألفعاله الغريزي

بشكل بحيث يلتذ بطبيعته من تلك األفعال، والحيوان يقوم بذلكU بنتيجة ذلك الفعل ومن دون أن النشاط من دون أن يكون عالما

تكون الرغبة إلى نتيجة الفعل قد حركته نحوه وإنما هو يحرص)ذة التي تعود عليه من نفس ذلك الفعل فقط. عليه لل

)ضح الموضوع نحاول دراسة لونين من النشاطات التي ولكي يتlنسان يقوم بأي¡ نشاط من أجل غاية lنسان، فاإل tالحظ في اإل ت

وللوصول إلى لذة وإشباع رغبة، ولكنه في بعض أفعاله ال يطلب

Page 174: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

الفعل بصورة مباشرة أي أن الفعل نفسه ليس فيه لذة بل قدlنسان إلى U باآلالم، ولكن) ذلك الفعل يقرب اإل يكون مقرونا

مقصوده النهائي من قبيل كري) األرض وبذرها وحصادها وجمع المحاصيل و... مم)ا يقوم به المزارع وهو يؤد¡ي هذه األعمال

للظفر بقصوده النهائي واألساسي، ولم)ا كانت هذه األفعال غيرlنسان نحوها فال بد2 أن يكون مطلوبة لذاتها وهي ال تجذب اإل

U بقواعدها وقوانينها U بفوائدها الطبيعية وملم)ا lنسان عالما اإل الصحيحة حتى يؤد¡يها بشكل يحق¡ق له النتيجة المطلوبة أي يوصله

إلى الشيء الذي يوفر له هدوء البال وسعادة النفس وإشباعlنسان في مثل هذه األفعال إنما هو رغبة من رغباته. والدليل لإل

)فكير والتأمل، ولهذا ال بد) من حصولها عن طريق التجربة الت)علم. ويمكن االصطالح على مثل هذه األفعال )عقل والت والت

)ة. بالنشاطات التدبيريlنسان وهي التي يكون فيها وهناك قسم آخر من نشاطات اإل

U إلحدى رغباته من قبيل تغذي U للذة ومشبعا الفعل بنفسه مانحاالحيوانات ونشاطها الجنسي).

فمثل هذه األفعال تكون هي المطلوبة للحيوان وتجذب نحوهاU لما lحساس بكل¡ واحد منها يفج)ر في نفسه هياجا رغبته، أي أن2 اإل

له من انسجام مع طبعه بحيث يحمله على العمل، مثل الهياجU U أو لسماعه لحنا U جميال lنسان نتيجة لرؤيته منظرا الذي يصيب اإل

U أو لشم)ه رائحة ذكية، فبمجرد مواجهة هذه األمور رقيقا وانعكاسها في الذهن يحصل الجذب االنجذاب. ولمثل هذه

)ة الخارجية lنسان العيني )ة مهمة، وطبيعة اإل األفعال غايات طبيعي هي التي أوجدت فيه هذه الرغبات لبقاء أو كمال الفرد أو النوع،

lنسان، وإذا )ة ال تنعكس في شعور اإل ولكن هذه النتائج الطبيعي)ض الداعي lنسان العالم( فإن فرضنا انعكاسها فيه )كما في حالة اإل

والمحرك النفسي) يبقى هو السابق وهو إشباع الرغبة.ويمكن االصطالح على مثل األفعال بالنشاطات االلتذاذية.)ة للحيوان من النشاطات ونستطيع اعتبار الحركات الغريزي

lنسان( قد االلتذاذية ال التدبيرية، أي أن الحيوانات )على عكس اإل)ة بشكل بحيث إنها تلتذ بصورة ركبت من ناحية الرغبات النفسي

)ة، وهي تؤد¡ي جميع تلك مباشرة من جميع حركاتها الغريزي األفعال لتلك اللذة التي تشعر بها منها من دون أن تكون عالمةبنتيجة فعلها وفائدته الطبيعية ومن دون أن تكون قاصدة إياها.

U ال يمكن إبطالها مئة بالمئة بأدلة علمية، وهذه النظرية أيضا وأقصى ما يمكن قوله هو أنه يبدو من البعيد كون حركات من

قبيل بناء الطيور أوكارها من النشاطات االلتذاذية المحضة وأن

Page 175: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U بنتيجة فعله والقانون المسيطر على الحيوان ال علم له إطالقا ذلك الفعل، وذلك ألن القرائن تشير إلى أن الحيوان له مقصود

آخر من فعله وهو يقوم بهذا العمل لتحقيق ذلك المقصود¡ر lنسان الذي يدب U مثل اإل النهائي، فهو في هذا المجال تماما

)ر شؤونه من أجل مقصود نهائي يتحمل العذاب والمشقة ويدب أموره ويؤذي نفسه. وعالوة على هذا فإنه حسب هذه النظرية ال

lنسان- المزو)د بقوة العقل والشعور يعلم لماذا يكون اإلU إلى هذا الحد¡ من ناحية الرغبات واالستعداد لتدبير األمور- ضعيفا الهادية لغريزته بينما الحيوان الفاقد لهذا االستعداد يتمتع بجميع

هذه الرغبات العجيبة حتى أن نحل العسل الذي يبني وكره بأشكال مسد)سة قد غرست في وجوده رغبة بحيث يلتذ) بهذاU لرغبته اللون من العمل فقط فهو يؤد¡ي هذا العمل مستسلماU عن فائته في شعوره وإدراكه. الخاصة من دون أن يعلم شيئا

)ات التي ذكرت في مورد الغريزة كانت هذه مجموعة من الفرضيأو التي يمكن فرضها.

ويعتبر موضوع هداية الغريزة من أكثر مسائل علم األحياءU، ومن حسن الحظ أن2 العلماء في القرون األخيرة قد غموضا)ة للحيوانات بشكل عميق توف)روا على دراسة األفعال الغريزي

2سعت الدراسات والمشاهدات )ما ات واكتشفوا أشياء عجيبة، وكل)حقيق الفلسفي) هذا المجال فإنها توفر لنا األرضية المناسبة للت

)ة الغريزة( بمعنى في ماهي[243 ]

)ة أنه يؤد¡ي أفعاله بإدراك وتفكير فال بد2 أن تكون لديه صور إدراكي ألفعاله بما تقتضيه قواه النشيطة. ولما كانت أفعاله متعلقة

بالمادة فال بد2 أن تكون لديه صور علمية للمواد التي تتعلق بهاU تؤيد هذا أفعاله، وال بد2 أن يعرف عالقاتها بها، والتجربة أيضا

)ز في البدء المتعل)ق المادي) الحدس. فنحن نمي[244]

لفعلنا، ثم بعد ذلك نقوم بالفعل الذي هو لون من التصرف في المادة )صحيح أن هذا الحديث مجمل وال يظهر مفهومه الحقيقي)

كما ينبغي، وال بد) من شرحه في مجاله الخاص، ولكنه في هذاالمجال تكفينا هذه العجالة(.

tوجد فينا إحساسات داخلية، وعلى أي¡ حال� فإن2 قوانا الفعالة ت فنحن نحب إنجاز أفعال تلك القوى ونريدها، وننفر من الحوادث

التي ال تتالئم مع قوانا وال نريدها أو أننا نحب األفعال التي هيفي الطرف المقابل لها ونريدها.

Page 176: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lحساسية على lدراكية اإل إذن نحن مضطرون إلضفاء صورنا اإل أفعالنا وعلى المادة وعلى أنفسنا، كما في حالة الطفل فإنه في

األيام األولى من حياته كل) شيء تناله يداه يدفع به إلى فمه،وعندئذ يأكل األشياء القابلة لألكل وال يأكل ما ال يستطيع.

ومن الواضح أن الرغبة في األكل مغروسة بصورة إحساس في)ز األشياء lرادة والمراد والمريد، وهو يمي مخه ثم يعطيها اسم اإل

U يفهم هذه المادة التي في يده القابلة لألكل بالتجربة، وأحيانا ليست قابلة لألكل، وحينئذ يضع اسم األكل والمأكول واألكل

لفعله وللمادة ولنفسه، وتدور هذه الجملة في خاطره:"ال بد) أن أتناول هذا المأكول"، وقبل ذلك كان يقول:

"ال بد2 أن أريد هذا المراد" كما مر) شرحه، ومفهوم "ال بد)" يعنيالنسبة الموجودة بين القوة الفع)الة وأثرها.

lنسان ال يجعلها )ة ولكن اإل )ة وواقعي وهذه النسبة وإن كانت حقيقي بين القوة الفع)الة وما لها من أثر خارجي مباشر، وإنما يجعلها

U بينه وبين دائما[245 ]

)ة التي تحققت له نتيجة لنشاط تلك lحساسي الصورة العلمية اإلالقوة.

lنسان الطعام فإنه ال يجعل النسبة المذكورة U عندما يطلب اإل مثال ألول مرة وبشكل مباشر بينه وبين األفعال التي تؤد)يها أعضاء

)ين والفم واللسان الجهاز الهضمي-من قبيل الشفتين والفك والمرئ والمعدة والكبد و....-وبصورة مستقلة عن بعضها أثناء عملية التغذية، وإنما هو في حالة الجوع يتذكر الشبع، ويجعل

lحساس الباطني للشبع أو ما حصلت نسبة الضرورة بينه وبين اإل له من لذة ووضع مالئم عند الشبع فهو يطلب تلك الصورة

lحساسية الباطنية، ويظن في هذا المجال أنه مريد وأن تلك اإلإرادته.

إذن أول فكرة تتجلى لإلنسان في مورد األكل )المثال السابق( وقبل كل¡ شيء� آخر هي: أنني ال بد2 أن أحق)ق رغبتي )الشبع(، وكما هو واضح فإن2 نسبة الضرورة )ال بد2( قد رفعت من بين

lنسان القوة الفع)الة والحركة التي هي فعلها وجعلت بين اإل والشبع )الراغب والرغبة(، وهذا لون من االعتبار، وفي النتيجة

U لها، وفي الواقع فإن 2خذ الشبع صفة الوجوب بعد أن كان فاقدا ات صفة الوجوب والضرورة هي الحركة الخاصة التي هي من آثار

وأعمال القوة الفع)الة. وفي هذه األثناء تصبح المادة-التي هي متعلق الفعل-متصفة

.U بصفة الوجوب والضرورة اعتبارا

Page 177: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lنسان بمجرد أن يستعمل قواه الفع)الة فهو وبناء على هذا فإن2 اإلU من هذه النسبة )ال بد2( في غير موردها الحقيقي)، U كبيرا يضع عدداtضفي على أمور كثيرة صفة الوجوب والضرورة، بينما هي غير وي

)صفة بهذه الصفة بحسب الواقع. متU في مورد األكل )المثال السابق( ولو أنه قد جعل الشبع مثال

متعلق[ 246]

"ال بد2" ولكنه لم)ا كان يعلم أنه من غير الممكن الشبع من دون ازدراد الغذاء، ومن غير الممكن ازدراده من دون مضغه وجعله

في الفم، ومن غير الممكن ذلك من دون تناوله، ومن غير الممكن تناوله من دون االقتراب منه وانبساط اليد إليه

lمساك به..... فإنه يقوم بإضفاء صفة الوجوب والضرورة على واإلU )ما كان يرى أن القوة الفع)الة تطلب شيئا كل2 هذه األمور، ولtضفى صفة الوحدة على جميع هذه U في الحقيقة فإنه ي واحدا

الحركات أو على مجموعة منها، وقس على هذا المنوال.tستنتج من البيان السابق: وي

lنسان )أو أي موجود حي) آخر( يصوغ مجموعة من أ-أن اإلU لذلك قواه الفع)الة. )ة مستخدما المفاهيم واألفكار االعتباري

U هو )ا U اعتباري ب-أن المقياس العام في كون فكرة أو مفهوم أمراU للقوة الفع)الة بوجه من الوجوه ويمكن فرض أن يكون متعلقا

هذه النسبة )ال بد)( فيه. وعلى هذا فإذا قلنا: "التفاح من ثمار األشجار" فإنها فكرة حقيقية، أما إذا قلنا: "هذه

التفاحة ال بد2 من أكلها" و"هذا الثوب لي" فإن) هذه من األفكار)ة. االعتباري

)ضح أن ج-بااللتفات إلى ما ذكرناه في المقالة الخامسة يتlعتباريات تنقسم على قسمين: اإل

1U )ات، وهي التي تسمى أيضا )ات في مقابل الماهي -االعتباري)ات بالمعنى األعم. باالعتباري

lنسان )أو أي¡ كائن�2 )ات الالزمة لنشاط القوى الفع)الة لإل -االعتباري)ات بالمعنى األخص أو U باالعتباري حي£ آخر(، وهي التي تسمى أيضا

)ات العملية. االعتباري[247]

lحساسات المتناسبة مع )ات العملية وليدة اإل lعتباري د-لما كانت اإل القوى الفع)الة أو متطفلة عليها، وهي من ناحية الثبات والتغييرlحساسات lحساسات الباطنية، واإل والبقاء والزوال تابعة لتلك اإل

على نوعين:

Page 178: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ة النوع وتابعة للتركيب الطبيعي مثل إحساسات عامة الزمة لنوعيlرادة والكراهية المطلقة ومطلق الحب والبغض، وإحساسات اإل

)ات )بديل والتغيير، إذن ال بد) من القول: إن االعتباري خاصة قابلة للتU على قسمين: العملية أيضا

)رة مثل اعتبار متابعة العلم1 )ات العامة الثابتة غير المتغي -االعتباري)ن ذلك فيما بعد(. lجتماع واالختصاص )كما سوف نبي واعتبار اإل

)غيير مثل الجمال والقبح الخاص2 )ات الخاصة القابلة للت lعتباري -اإلواألشكال المختلفة للمجتمعات.

U فإنه فاإلنسان إذا اعتبر أي2 سلوك� اجتماعي في يوم م)ا حسناU أن U في يوم آخر، ولكنه ال يستطيع أبدا يستطيع أن يعتبره قبيحا

يغض) النظر عن أصل االجتماع وال يستطيع أن ينفض يده منأصل الحسن والقبح.

)ات الثابتة التي ال )ة على قسمين: االعتباري )ات العملي إذن االعتباري)ات المتغيرة. lنسان من صياغتها، واالعتباري مفر) لإل

والنتيجة التي يمكن استخالصها مما مر) لحد¡ اآلن هي:lدراكات lنسان أو أي¡ كائن حي£ آخر يصوغ مجموعة من اإل إن) اإل

والعلوم ويجعلها واسطة بينه )قواه الفع)الة( وبين حركاته)ة وخواص)ه وأفعاله االختبارية. الحقيقي

ولكن كيف يصوغها؟ وما هي أقسامها وأحكامها؟ [248]

lنسان وأفعاله الحقيقية؟ وبأي¡ شكل� ترتبط بخواص) اإل)ا قد إنها أسئلة لم تظفر لحد¡ اآلن بالجواب المبسوط، وإن كن

وضعنا األساس للجواب عليها فيما مر) علينا من حديث.[249]

جذور االعتباريات وبداية ظهورها

U lنسان لم)ا كان مقيما كما عرفنا من الحديث الماضي أن اإلlدراك، فهو نشاطه الطبيعي والتكويني) على أساس العلم واإل)ة كالحب lدراكي lحساسات اإل مضطر إلى إيجاد مجموعة من اإلlرادة والكراهة لتشخيص فعله ومورد فعله، وفي والبغض واإل

)ز متعلق نشاطه من غيره بوساطة تطبيق مورد الفعل فإنه يميU لقو)ته lحساسية ثم يجعل مورد التطبيق متعلقا تلك الصور اإل

الفع)الة )يضفي عليه معنى الوجوب-يجعل الوجوب بينه وبينه(ويؤد¡ي ذلك الفعل.

lنسان وسائر وتؤيد هذا الرأي التجارب العديدة في حياة أفراد اإل)ة. الكائنات الحي

[250]

Page 179: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

شعب االعتباريات )االنقسامات(

كما مر) علينا في المالحظة السادسة في بداية هذا الحديث فإنه)ات، وذلك ألن ال ينبغي أن نتوق)ع قيام البرهان في مجال االعتباري

مورد قيام البرهان هو الحقائق فحسب.U ال يمكن الظفر بالجذور lنسان مثال ومن ناحية أخرى ففي نوع اإل)ات ألنه قد خل)ف وراءه فترات زمنية ممتدة، األساسية لالعتباري

)سعت وقطع مراحل تاريخية متعددة،لم يصل إليها علمنا، فات)وعية التي اكتشفها بمرور األيام )ة والن خاللها حاجاته الفردي

)اته وأفكاره الجديدة وتعقدت، فكيف U اعتباري )ا فازدادت تدريجي نستطيع الوصول إلى الجذور الرئيسية لهذه األعداد الغفيرة من

)ات؟ االعتباري وكل ما هناك هو أن مجتمعنا المعاصر قد لم) أطراف المعلومات

)ة واالجتماعية بشكل تدريجي)، ولهذا فنحن نستطيع أن االعتباري نسير القهقري لنقترب-على األقل-من المنبع األصلي لهذا النهر

إذا تعذ)ر علينا الوصول إليه.وكذا

نستطيع ببعض المعلومات في هذا المضمار من خالل دراستنا[251]

للمجتمعات غير المتقدمة بما لها من أفكار اجتماعية غير معقدةU. أو من خالل دراسة المجتمعات األخرى من سائر الكائنات )ا نسبي

الحية.وكذا

)عمق في النشاطات الفكرية والعلمية ألطفالنا نستطيع التفنحصل على الجذور األولية لألفكار االجتماعية أو الفطرية.

وبعد هذه المقدمة نقول:U فإن صياغة العلوم االعتبارية معلولة لما تقضيه كما ذكرنا آنفا

)ة، ومن الواضح أن نشاط )ة والتكويني lنسان الفع)الة الطبيعي قوى اإلlنسان هذه القوى- أو نشاط بعض منها-ال يرتبط بالمجتمع، فاإلU يستغل قواه المدركة ويستعمل جهاز هضمه سواء أكان مثال

)ة lدراكات االعتباري U أم بين اآلالف. أجل هناك مجموعة من اإل وحيدا التي ال يمكن أن تتم) من دون فرض وجود المجتمع كاألفكار

المتعلقة بالمجتمع العائلي) وتربية األطفال ونظائرها، ومن هنانستنتج: أن االعتباريات تنقسم -ألول وهلة-على قسمين:

)ات السابقة للمجتمع.1 -االعتباري)حقة للمجتمع.2 )ات الال -االعتباري

Page 180: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

ومن الواضح أن األفعال المتعلقة بالقسم األول قائمة بكل) شخص على حد)ة، أما األفعال المتعلقة بالقسم الثاني فهي قائمة بنوع المجتمع ال ينبغي لنا أن نخلط بين الفعل المشترك والفعل

االجتماعي، فهناك قسم من أفعالنا يتعلق فيها شخص الفعل بشخص الفرد مثل الهضم، وهناك قسم آخر منها يتعلق فيه

شخص الفعل بالمجتمع كالزواج والكالم(.[252]

القسم األول-االعتباريات السابقة للمجتمع (1)

الوجوبlنسان عندما يبدأ استغالل )ضح لدينا مم)ا سبق ذكره أن اإل لقد اتtضفي نسبة الضرورة والوجوب )البد)( على قواه الفع)الة فإنه ي)ة التي يطبق)ها على نتيجة lحساسي العالقة بينه وبين صورته اإل

العمل، ولكن هذه النسبة في الحقيقة تكون بين قواه الفع)الة والحركات الحقيقية الصادرة منها، إذن تصبح هذه النسبة

)ة ال محالة. المذكورة اعتباريومن هنا يتضح:

)ات1 -أن نسبة الوجوب هي أول إدراك اعتباري) من االعتباريlنسان أن يصوغها. وهذه هي أول مرحلة العملية التي يستطيع اإل

lنسان خالل نشاطه بتحريض من الطبيعة. من الفخ الذي يدخله اإل -أن اعتبار الوجوب أمر عام، يعني أن) أي2 فعل� ال يستغني عنه،2

إذن كل) فعل يصدر من أي فاعل فهو منه باعتقاد الوجوب. وقد تبدو هذه النظرية غير صحيحة بالنظر إلى موارد األفعال

lنسان لصرف العادة المختلفة، فما أكثر األفعال التي يقوم بها اإل أو بسبب الجهل أو التعصب وما يشبه هذه األمور، بينما هو يعلم

بأنها أفعال غير ضرورية أو عابثة أو غير الئقة.[253]

ولكن التعمق في هذه المجاالت يثبت لنا صحة تلك النظرية، فنحن نالحظ أن الذين يقومون بهذه األفعال غير المناسبة وهو يعتقدون ويعترفون بعدم لزومها أو يؤمنون بلزوم عدمها عندما نسألهم: مع أنكم تعملون وتعترفون بأن هذه األعمال غير الئقة،ºفلماذا تقومون بها؟ فإنهم يجيبون معتذرين: لم يكن لنا منها بد أو أننا معتادون عليها، أو عدم قيامنا بها له هذه المحاذير، أو كنا

عليها مجبرين وقد سيطر علينا الخوف من تركها، وما يشبه هذهاألعذار.

Page 181: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U بعدم تحق)ق ويفهم من هذه األعذار أن وجوب الفعل كان مقيدا2صف بالوجوب عند تحق)ق العذر، وهذا العذر، أي أن الفعل ال يت

يعني أن الفعل يتم باعتقاد الوجوب.)صف بها وال يخفى على القراء الكرام أن األوصاف األخرى التي تت

U كاألولوية والحرمة وأمثالهما-كما يقوم الفقهاء األفعال أحيانام والمستحب بتقسيم األفعال إلى خمسة أقسام: الواجب والمحر)

والمكروه والمباح- ال عالقة لها بهذا الوجوب الذي هو موضوع بحثنا هنا، وذلك ألن الوجوب الذي نبحث عنه هنا إنما هو نسبة

وصفة للفعل في مرحلة صدوره من الفاعل وهو عام شامل، أما تلك األوصاف فهي صفات للفعل في نفسه وهي خاصة، وهذه

)ات العملية-كالوجوب العام-التي هي نتاج وإن كانت من االعتباريU عن اعتبار الوجوب 2 أن اعتبارها متأخركثيرا lنسان إال النشاط اإل

العام.

[254](2)

الحسن والقبح إن االعتبار اآلخر الذي يمكن القول بأنه الوليد المباشر للوجوب

U lنسان اضطرارا العام هو اعتبار الحسن والقبح الذي يعتبره اإلقبل االجتماع.

)ة، وألننا نعتبرها U من الحوادث الطبيعي فال شك2 أننا نحب) كثيرا حسنة فنحن نحبها، ونكره حوادث ونشمئز منها، ونحن نكركها

ألننا نعتبرها قبيحة وسيئة. U من األجسام والمذوقات والمشمومات U-كثيرا فنحن نعد¢-مثال

lدراك الحسي) ال عن طريق الخيال، ونعد¢ حسنة عن طريق اإلU كصوت الحمار وطعم المرارة ورائحة U آخر منها قبيحا قسما

الميتة، وال شك لنا في هذه األمور وال ترديد. ولكننا بعد التأمل ال نستطيع أن نعتبر قبح هذه األمور وال حسن

)ة تلك األشياء من األمور المطلقة، وال يمكننا إضفاء الواقعي المطلقة عليها، وذلك ألننا نالحظ أن2 هناك أحياء أخرى يختلف

U ويلتذ) منه، سلوكها عن سلوكنا، فالحمار يتصور صوته جميالوتوجد أحياء تنجذب من مسافات

[255] بعيدة بسبب رائحة الميتة وتحرص عليها، أو أن بعض األحياء

تتقزز من الطعم الحلو.

Page 182: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)زان إذن ال بد2 أن نقول: إن صفتي الحسن والقبح اللتين تتمي)تان وتتوقفان على )ة لدينا إنما هما نسبي )ة وحسي بخواص) طبيعي

)ة تركيب المجموعة العصبية أو المخ فينا. كيفي وبناءU على هذا نستطيع القول: إن الحسن والقبح في إحدى

)ة يعني انسجامها ومالئمتها للقوة المدركة أو الخواص) الطبيعي)ما يتم )ما كان كل¢ فعل� اختياري) إن عدم انسجامها ومالئمتها لها، ول

)ما نؤد¡يه باستعمال نسبة الوجوب، إذن أي) فعل� نقوم به إنU نرى أفعالنا باعتقادنا أنه مقتضى القوة الفع)الة فينا، أي أننا دائما مالئمة للقوة الفع)الة ومنسجمة معها، وكذا ترك الفعل فإننا نراه

U، وفي غير منسجم معها، ففي مورد الفعل نرى الفعل حسنا.U مورد الترك نرى الفعل قبيحا

ويستنتج من هذا البيان:)تان، وهما جاريتان إن الحسن والقبح في األفعال صفتان اعتباري

.U )ا U أم اجتماعي )ا U فردي في كل¡ فعل صادر منا سواء أكان فعالU أن الحسن-كالوجوب-على قسمين: حسن هو وال يخفى أيضا)فة صفة للفعل في نفسه، وحسن هو صفة الزمة وغير متخل

U، وعلى هذا فقد يكون )ا، كالوجوب العام تماما للفعل الصادر منU بحسب الطبع وهو مع ذلك يصدر من الفاعل. أحد األفعال قبيحا

ولكن صدوره ال بد2 أن يتم باعتقاد أنه حسن. [256](3)

اختيار األخف واألسهل إن قوانا الفع)الة التي تؤد¡ي أعمالها بوساطة التفكير أو أي قوة

)ة إذا واجهت فعلين متشابهين من حيث النوع ولكنهما فعالة طبيعي مختلفان من حيث إنفاق القوة والطاقة عليهما، أي أن2 أحدهما صعب ومتعب، واآلخر سهل خفيف المؤونة، فإن القوة الفع)الة، تختار األخف األسهل بال ترديد وتترك األصعب الشاق) بال شك) وسبب ذلك هو أن الفعل الصعب وإن كان مم)ا تقتضيه القوة

الفع)الة، ولكنه مقرون بعوائق وموانع ال تنسجم مع القوة الفع)الة، وفي الحاالت التي تؤد¡ي فيها القوة الفع)الة مثل هذا الفعل فإنها تريد نفس ذلك الفعل ولم يكن لها بدº من تحمل مشاقه ألنها ال

تستطيع دفع العائق، إذن وجوب مثل هذا الفعل عند القوة2د بفقدان الفعل األخف األسهل، وعلى هذا فإذا فرضنا الفع)الة مقي)ن عندئذ U فيه فعالن أحدهما أخف) وأسهل من اآلخر فإنه يتعي موردا

اختيار األخف) بال ترد)د.)ات، ومن هنا كان التطور والتحول موجودين في جميع االعتباريlنسان )وقد يمتد)ان في الشؤون الفردية واألمور االجتماعية لإل

Page 183: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ة(، كما )ة وال سيما أفكارها الفردي إلى أفكار سائر الكائنات الحيlنسان ورسومه U في عادات اإل أن تأثير هذا األصل واضح جدا

U أكبر بجهد أخف) وعائد U يريد أن يؤد¡ي عمال lنسان دائما ولغاته. فاإلأعظم.

[257])ة U ما يخالف هذا األمر فكانت المسيرة التطوري وإذا صادفنا أحيانا من األسهل إلى األصعب، أو تحو)لت العادة من الشكل البسيط

)طور U، فإن2 ذلك لم يحصل من طريق الت إلى ما أكثر تعقيدا فحسب، بل كانت هناك أغراض أخرى انضم)ت إلى األصل وجاءت

lنسان كانت في البداية U أن حياة اإل بالمشقة، فنحن نالحظ مثال2عقيد ولكنها تحو)لت اليوم إلى حياة معقدة بسيطة خالية من الت

tضيفت إلى U وصعبة، وذلك بسبب األغراض الجديدة التي أ جداU كان يشعر lنسان البدائي) مثال األصل فأوجدت هذا التعقيد، فاإل

بالجوع فحسب ولهذا فقد كان يسد) حاجة الجوع لديه بأكلlنسان في الوقت الراهن الحشائش واللحوم بشكل بسيط، أم)ا اإل

فإنه ال يطلب الشبع فقط وإنما له أغراض أخرى من األكل،وهكذا....

[258](4)

أصل االستخدام واالجتماع

U U أو شيئا )ة في الخارج فإننا نالحظ تركيبا )ما صادفنا ظاهرة مادي كل2ركيب وهو يستفيد من الخارج بنحو من األنحاء ليحفظ يرافق الت

2ة بوضوح في جميع الموجودات وال بقاءه، وتظهر هذه الخاصيU تشرب الماء وتأكل )ة، فهذه الفئة مثال )ما في الكائنات الحي سي)ه إلى جهازها الهضمي الخضروات أو الفواكه ثم ينتقل ذلك كل

¡له من أجل أن يمتص الجسم األجزاء التي يحتاجها منه ثم فيحلU يطرح الباقي إلى الخارج، وهناك قسم من األحياء يأكل قسما

آخر منها، فالذئب يفترس الشاة، والباز يصطاد الحمامة، واألحياءlنسان- ال تسلك هذا السلوك في الخواص) )ما اإل U -وال سي )ا األكثر رقي

)ة فحسب بل يمتد) هذا ليشمل جميع )ة واللوازم المادي الطبيعياألعمال المرتبطة باحتياجاتها ولو بعد)ة وسائط.

lنسان البدائي) كان يعيش وسط الماء أو على األشجار أو في فاإل الغار ليفر) من شر¡ الحيوانات المفترسة وأذى أعدائه، وكان يجيب

.)U بشكل عملي على كل¡ محذور بضده )تقريبا

Page 184: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lنسان حاجاته الصناعية بالصخور الحاد)ة في بداية األمر ويؤمن اإل ثم انتقل إلى االستفادة من الفلزات ثم إلى البخار وبعده إلى

الكهرباء والقوة [259 ]U استخدم الطاقة النووية، وبعد ذلك... المغناطيسية وأخيرا

lنسان من األعشاب واألشجار واألخشاب في مجاالت ويستفيد اإلغذائه ودوائه ولباسه ومسكنه.

وهو يتصرف بمختلف األشكال في لحوم الحيوانات وعظامهاودمائها وجلودها وألبانها وأصوافها وحتى في برازها.

U أعمال الحيوانات في مجاالت متنوعة فهو يركب ويستغل أيضا الخيل والحمير ويحمل عليها متاعه، ويستفيد من الكالب في الحراسة والصيد، ويستعدي القطط على الجرذان لتفترسها،

ويبعث الرسائل بوساطة بعض الطيور و....lنسان في الخارج لحصلنا على ولو أردنا استقصاء تصرفات اإل

رقم كبير يفوق التصور.واآلن نتساءل:

أيدور في خلد هذا الموجود العجيب-بما لديه من قوى التفكير-إذا صادف أحد أفراد نوعه )أي) إنسان� آخر( أن ال يستفيد من وجوده

ومن أعماله؟وهل يستثنى أفراد نوعه من سيرته العامة تلك؟!!

ال شك) أن حقيقة األمر ليست بهذا الشكل، وال يمكن عد) هذهU غير طبيعي)، lنسان أمرا السيرة العامة الشاملة لكل¡ أفراد اإل

)ما هي سيرة تستند إلى الطبيعة شئنا ذلك أم أبينا. وإنولكن الكالم يقع في هذا األمر:

أيكون أسلوب االستخدام مقتضى الطبيعة بصورة مباشرة وبالlنسان منذ البدء ثم هي وساطة، فهذه الفكرة تحتل) عقل اإل

تستلزم ظهور[260]

)جمع والحياة بشكل� فكرة أخرى بعدها، هي فكرة االجتماع )الت)ه أو)ل ما lنسان عندما يرى أفراد نوعه فإن جماعي(؟ أم أن اإل)ة فيميل أفراد النوع إلى يفكر في االجتماع والحياة الجماعي

بعضهم ويحاولون إرساء دعائم حياة يسودها التعاون ويستفيد كل)U أو في أغلب األوقات ينحرف منهم من اآلخر، ولكنه أحيانا

المجتمع عن مجراه الطبيعي فيتحول إلى مجموعة يسيطر عليها الهرج والمرج والمنفعة والتعذيب ويؤد2ي ذلك إلى العبودية

واالستثمار؟

Page 185: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lنساني والسلوك )وع اإل )ة للن إننا نعتقد أن2 مالحظة النشاطات البدائي البسيط ألغلب أنواع الحيوانات األخرى وما زو)دت به الطبيعة-أن2مالحظة هذه األمور تحد)د لنا الجواب الحقيقي) على هذا السؤال.

lنسان مزو)د بجهاز هضمي اجتماعي) فصحيح أن تركيب جسم اإلlنسان مزو)د بثديين من أجل إعطاء U" وصحيح أن2 أنثى اإل )ا "نسبي اللبن، وهناك خلف هذا الجهاز جهاز آخر يصنع اللبن، فالجسم

مزو)د بهذا الجهاز، ومن ناحية أخرى يوجد فرد آخر )هو الطفل(U مع امتصاص اللبن من مزو)د بشفتين وفم وهو ينسجم تماما

الثدي. وكذا كل) فردين من الذكور واإلناث فهما مزو)دان بجهاز)ة للوليد )ة وإعداد الماد)ة األساسي دقيق معق)د يضم الرغبة الجنسي

U lنساني) ونمو)ه ثم إخراجه إلى خضم) الحياة فيوصوغان فردا اإل مثلهما بكل¡ ما يحتاج إليه )ولعل) عدد أجزاء هذا الجهاز تفوق

الحصر(، ومن الواضح أن2 هذه األجهزة )أجهزة الهضم واألجهزة) باالجتماع. التناسلية( ال تتم لها أعمالها إال

ويوجد نظير هذه األمر في سائر األحياء ذوات األثداء من غيرlنسان وفي أغلب الطيور كالحمام والباز وغيرهما، وكذا الجهاز اإل)ة أو على األقل في 2ه موجود في جميع الكائنات الحي التناسلي) فإن

أكثرها.[261 ]

ولكنه )إذا أخذنا بعين االعتبار أن2 غرض الطبيعة من هذه األجهزة)نها هو التناسل والتغذية والهضم والنمو( أتكون السبيل التي تعي

lجتماع lنسان لتحقيق هذا الهدف هي سبيل اإل الطبيعة لإلlنسان ليقوم lستخدام في عقل اإل والتعاون؟ أم أنها تقحم فكرة اإل

الذكور واإلناث واألطفال بهذه األعمال إلرضاء قواهم الفع)الة)ة )ة؟ فالرجل بدافع من رغبته الغريزي واستجابة لرغباتهم الغريزي

U ذلك U، والمرأة تريد أيضا )ا lتصال بها جنسي يطلب من المرأة اإل الشيء الذي هو استجابة لتلك الرغبة، والطفل يطلب من ثديي أمه إسكات جوعه، واألم تريد من الطفل إفراغ ثدييها من اللبن

لكي تصون نفسها م)ما يعذبها. ويشهد لصدق هذا الحديث أن2 هذه األجهزة ليست عامة وال دائمة

U يتغذون عن في أكثر أو جميع الحيوانات، فليس األفراد جميعاlنسان لمثل هذه طريق اللبن، ونفس تلك الطبيعة التي دعت اإل

lحساسات األعمال قد قرنت دعوتها تلك بمجموعة من العلوم واإل)ة والرغبة في الطعام والعاطفة )ة كالرغبة الجنسي lدراكي اإل

والرحمة، ولكنها بعد فترة تطول أو تقصر تعود لتسلب منه تلك)ة وال المرأة lحساسات، فال يعود الرجل يشعر برغبة جنسي اإل

U- برغبة في ثدي �نسان- الذي كان يوم ما طفال كذلك. وال يشعر اإل

Page 186: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

أمه وال تمأل فكرة اللبن يقظته ونومه، عالوة على أن2 فمه قد امتأل باألسنان وهو يوج)ه نحو األغذية التي تالك، ومن ناحية أخرى�عtد� فيه لبن. إذن مثل هذا االجتماع U ولم ي فقد جف) ثدي األم أيضا

هو فرع لالستخدام وقد حصل نتيجة لظهور وانسجام استخدامينlنسان من طرفين بشكل متبادل، ال أن الطبيعة قد أرشدت اإل

بصورة مباشرة لهذه الفكرة.U أن2 وبغض النظر عما قلناه: فإنه ال يمكن أن نصد)ق أساسا

lنسان عالقة بجميع ظواهر العالم وله هدف مع كل¡ موجود� لإل2صل به عن طريق يت

[262] الحس أو الخيال أو العقل )على أقل تقدير إدراكه وإشباع غريزة

الشعور( وهو يحاول االستفادة من جميع هذه الفئات التي ال حصر لها واستخدامها، وهو يطلب في الدرجة األولى فائدته

2ه يطلب االجتماع بفئة واحدة منها فقط )وهي ومنفعته. أجل إن)ة وذلك بصورة أفراد نوعه( بما لديه من قوى فع)الة وإرادة غريزي

استثنائية، ويحو)ل االستخدام إلى استفادة مشتركة. نعم إن2 كل2 ظاهرة من ظواهر العالم-ومن جملتها الحيوان والlنسان-تتميز بحب الذات فهي تحب نفسها وتنظر إلى )ما اإل سي

أفراد نوعها نظرتها إلى نفسها، ومن هنا فإنها تشعر باألنس في أعماقها عند االقتراب إلى أفراد نوعها وتندفع نحوهم وتجتمع

بهم، وكما هو واضح فإن نفس هذا االقتراب واالجتماع لون منlحساس الغريزي)، ومن ألوان االستخدام واالستفادة يتم لصالح اإل

U لالستفادة من أفراد نوعه فإنه ثم2 فإن2 كل2 فرد� يجد طريقا سيسير في تلك الطريق، ولم)ا كانت هذه الغريزة موجودة في الجميع بصورة متشابهة فإن النتيجة ستكون هي االجتماع، وهو

نفس االجتماع الذي هو مورد بحثنا )االجتماع المتعاون الذي يؤم¡ن احتياجات الجميع بعضهم ببعض(، ودراسة النشاطات

lنساني) وسائر األحياء األخرى والتأمل المتطورة في الطفل اإلفيها يقود إلى هذا الرأي.

ونستنتج مم2ا قلناه: lنسان في البدء قد اعتبر االستخدام. 1 -إن2 اإلlنسان مدني) بالطبع.2 -اإل-إن2 العدل االجتماعي حسن والظلم قبيح.3

U tستغل استغالال tساء تفسير كلمة االستخدام وأن ال ت وينبغي أن ال ي)ز-بحسب طبعه-بأسلوب lنسان يتمي U، فنحن ال نقصد أن2 اإل منحرفا

[263]

Page 187: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

االستثمار واالختصاص، كما تفعل بعض األمم، فتحت ستار منح)ة وباسم االستعمار وتحت الحماية وأسماء الحريات وإلغاء الرقيU فتضع الل)جام في أفواههم وتركبهم أو أخرى كثيرة تستغل أمما

تتعامل مع ذوي الرجلين معاملتها مع ذوي األربع بالبيع والشراء،lنحطاط بألفاظ رائعة كالحرية )ر عن العبودية والبؤس واإل وتعب والسعادة والتقدم، وتضع على كل¡ حقيقة اسم التأخر والقدم

.U 2حجر وتلقى بها بعيدا والتU بالط2بع )ا U وإجتماعي )ا lنسان مدني U أن نقول: لم)ا كان اإل وال نريد أيضا

فإن2 األرض وما عليها وما في جوفها فهو للجميع، ويقوم أشخاص-من وراء ستار االتحاد الدولي للعم)ال وباسم حل)

lنسانية وتربية حفنة من التناقضات الداخلية- بقتل األفكار اإلlطالق فيما )اس الذين ال فكر لهم وال إرادة وال تأثير لهم على اإل الن

يجري في العالم من حسن وقبح وفيما ينبغي أن يؤد)ي وما ال ينبغي، ويسحقون األخالق الفاضلة من عف)ة وغيرة وحياء وصبر

lنصاف والرحمة متهمين إياها بالرجعية، ويحاولون محو اإل والعطف والصداقة والصدق والصفاء وكذا الخوف والرجاء

¡لين بأن2 أهداف lنسانية، متعل واألمل والحسرة من قاموس اإل2حول العام والتكامل lشتراكية قائمة على أساس الت الشيوعية واإل

الشامل، فبطفئون المصابيح التي تضيء األعماق المظلمةlنسان الالإنسان"، أجل إن نتيجة هذه lنسان ويخرجون لنا "اإل لإل

lنسان الالإنسان". الجهود هي: "اإلlنسان 2نا ال نقصد إلى شيء� من هذه األمور بل نقول: إن2 اإل إن

U ومن الجميع ما يعود )كوين يطلب دائما بهداية من الطبيعة والت عليه بالنفع )اعتبار االستخدام(، ولمنفعته يطلب النفع للجميع

)اعتبار االجتماع(، ولمنفعة الجميع يطلب العدل االجتماعي))اعتبار حسن العدالة وقبحl الظلم(،

[264]lنسانية عندما تحكم بإلهام من الطبيعة وبالتالي فإن2 الفطرة اإل

U ليس فيه حقد خاص لطبقة راقية U عام)ا )كوين فإنه يكون حكما والت)ن مع طبقة منخفضة بل فيه استسالم لحكم الطبيعة وال عداء معي

2كوين في اختالف الطبقات من حيث القرائح واالستعدادات، والت فهي تريد وضع كل2 إنسان في موضعه الذي يستحف2ه حسب

األصول الثالثة اآلنفة الذكر.)ة فهي تتحد)د بحدود4 lنسان لم)ا كانت موهبة طبيعي -إن2 حرية اإل

هداية الطبيعة، ومن الواضح أن2 هداية الطبيعة مرتبطة بأجهزة يتمتع بها التركيب النوعي)، ولهذا فإن هداية الطبيعة )األحكام

)ة( ستكون محدودة بحدود األعمال المنسجمة مع أشكال الفطري

Page 188: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U- فنحن لن نجو)ز على )ة وتركيباتها. ومن هنا -مثال األجهزة البدني)ة التي يتم إشباعها عن غير طريق الزواج lطالق الرغبة الجنسي اإل القانوني )كالرجل مع الرجل-المرأة مع المرأة- الرجل مع المرأة

lنسان مع نفسه- lنسان-اإل lنسان مع غير اإل عن طريق الزواج-اإلالتناسل عن غير طريق الزواج(.

lشتراكية لألطفال وال إلغاء النسب U نحن ال نحس)ن التربية اإل فمثال)ة و... وذلك ألن األجهزة المتعلقة والتوارث وال إبطال الجنسي

بالزواج والتربية ال تنسجم مع هذه األمور.-إن االعتبارات الثالثة المذكورة هم من االعتبارات الثابتة.5[265](5)

أصل متابعة العلم)ة U أن2 القوى الفع)الة في المادة كما أنها هي مادي من الواضح جد)اU يكون في المادة، وكل) قوة فع)الة إذا صادفت فإن2 نشاطها أيضا مادة مناسبة لنشاطها فإنها تبدأ نشاطها وتترك أثرها فيما يتأثر

lنسان خالل نشاطه وال أي¡ كائن� tستثنى من هذا الحكم اإل بها، وال يحي£ آخر.

فنحن في مجال نشاطنا نهتم) بالواقع الخارجي ونطلبه، فإذا تحدثنا مع أحد فإننا نبث) المخاطب الخارجي ما في أنفسنا،

)جه نحو هدف فإننا نبحث عن المقصد، وإذا أكلنا أو وعندما نت شربنا أو قمنا أو فتحنا أعيننا أو مددنا آذاننا أو ذقنا أو شممنا أو

)ا مسحنا بأيدينا أو وضعنا أرجلنا أو ضحكنا أو بكينا أو فرحنا أو حزنأو صادقنا أو عادينا أو...

ففي جميع هذه األمور نحن نتعامل مع الخارج والوجود الواقعي)،2نا واقعيون بحسب الفطرة والغريزة )كما أوضحنا ذلك وذلك ألن

في المقالتين الثانية والثالثة(.2نا )ة أي أن إذن ال بد2 أن نكون قد أضفينا على العلم اعتبار الواقعي

)ة هي نفس الواقع الخارجي، ونعد) اآلثار lدراكي نعتبر الصورة اإلlدراك. )ة للعلم واإل الخارجي

[266]lدراكية المتنوعة: العلم، الظن، الشك، الوهم، ومن بين الحاالت اإل

)زة، وذلك ألنه في الحاالت األخرى )ز العلم فقط بهذه المي يتميlدراك ناحيتان وهو متزلزل فإنه ال )غير حالة العلم( لم)ا كانت لإل يمكن أن يميل إلى جانب واحد ويستقر. فالموجود الذي يكونU ال يمكن أن يقال عنه إنه U أو متوهما U أو مشكوكا وجوده مظنونا موجود، ولكن) الموجود الذي هو معلوم الوجود وليس لدينا أي)

شك£ في وجوده هو الموجود )بال قيد العلم( ولو أنه بحسب الد2قة

Page 189: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

يكون معلوم الوجود. ولكننا عندما نصل إلى هذه المرحلة )هناكU وإنما هو معلوم موجود عندنا وبحسب الد2قة ليس موجودا

)ة ال نفس الموجود الخارجي( الوجود، أي أن لدينا صورته العلميU أن معلوم الوجود هو معلوم الوجود ال معلوم فإننا نالحظ أيضا

)ما تقدمنا أكثر فإننا نضع أيدينا على معلوم الوجود، وهكذا كل الواقع الخارجي )أي على العلم باسم المعلوم الخارجي( ال على

العلم بالواقع الخارجي. )ة- ال lنسان- وجميع الكائنات الحي إذن ال بد2 أن نحكم بأن اإل

)رديد(، وهو U عن اعتبار العلم )في مقابل مطلق الت يستغني أبداtضفي االعتبار على العلم بحكم االضطرار الغريزي)، أي أنه يأخذ ي)ة على أساس أنها نفس الواقع الخارجي. )اعتبار الصورة العلمي

)ة القطع ـي )ة العلم-حسب اصطالح هذه المقالة-هو نفس حج) واقعيباصطالح علم أصول الفقة(.

U، ال U جديدا ولهذا فإننا ال نستطيع أن نتدخل في اعتبار العلم تدخالU، فنحن نعجز عن سحب هذا االعتبار عن العلم ألن U وال نفيا إثباتا كل2 خطوة نخطوها في هذا الطريق إنما هي خطوة في طريق

U ألن هذا U جديدا U أن نمنح العلم اعتبارا العلم، وال نستطيع أبدا االعتبار نضفيه عليه في أو2ل تعامل لنا مع الخارج شئنا ذلك أم

lنسان أن يصل إلى نقطة في إطار حياته أبينا، وال يستطيع اإل)كنموذج( خالية من العمل بالعلم.

[267]U لمن U يستطيع رئيس ما أو أي مصدر أعلى أن يقول جزافا فمثال

هو تحت يده:U عليك أن تترك من أوامري ما لك علم بها، "من اآلن فصاعدا

وعليك أن تعمل بالموارد المشكوكة". ولكنه ال يستطيع أن يصل إلى هدفه )الذي هو إلغاء اعتبار العلم( بهذا اللعب المثير للضحك، وذلك ألن هذا المأمور حتى إذا امتثل

هذا األمر فإنه يكون قد أطاع األمر بالعمل في الموارد)ن جميع موارد الشك¡ بالعلم. )ة، فهو يعي المشكوكة طاعة علميU في مورد المحذورات المحتملة فإنه يكف¢ lنسان مثال وكذا اإل

نفسه عنها وال يقترب إليها )قاعدة دفع الضرر المحتمل(، فهو الU، وال يضع قدمه على يشرب الماء الذي يحتمل كونه مسموما

U يحتمل أنه من المواد المكان الذي يحتمل أنه بئر، وال يلمس شيئاlنسان على lنفجار. ولكن هذه الموارد يقف فيها اإل القابلة لإل

مفترق طريقين أحدهما مقطوع األمان، واآلخر ليس محروزU بغريزة األمان، وهو يختار الطريق اآلمن بشكل يقيني) مدفوعا

Page 190: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

العمل بالعلم. عالوةU على أنه يشخص احتمال المحذور بالعلم.U أيضا

tستنتج مم)ا ذكرناه: وي)ات.1 -إن حجية العلم إحدى االعتباري-إن هذا االعتبار من االعتباريات العامة )السابقة لالجتماع(.2[268]

مالحظتان

lنسان من1 -بالنظر إلى قريحة المسامحة المستقرة في اإل قاعدة اختيار األخف واألسهل فإنه يلحق بالعدم-في مرحلة

U في )ا العمل-كل) شيء� غير مهم، ونحن نستعمل هذا األسلوب يومي)ي، فإذا كان الجانب lدراك الظن كثير من الموارد، من جملتها اإل

،U المرجوح في طرفي) الظن) ال أهمية له فإننا ال نحسب له حسابا وبالتالي نجعل الظن) القوي مكان العلم ونمنحه اسم العلم، وهوlنسان، وهذا lطمئناني) الذي هو مدار عمل اإل ما نسم)يه بالظن) اإل

lعتبارات العامة. هو بنفسه أحد اإل وال يخفى أن العلماء الماديين كما انحرفوا في العلم النظري)

lدراك المانع من النقيض( فقد تورطوا lنكار العلم )اإل فاندفعوا إلU في مجال العلم العملي) )مورد البحث( فوقفوا lشتباه أيضا في اإل

U lنسان يعمل دائما U مد) عين أن اإل في النقطة المقابلة لنا تمامابالظن¡ وليس بالظن¡ وليس هناك أي) علم.

، lدراك العلمي) وينبع هذا الرأي من شيئين: أحدهما إنكار أصل اإل)نا في المقاالت السابقة بطالن هذا األمر، وأثبتنا أنه يقود وقد بي

)اكين )لست أدري(. الثاني هو الخلط بين اعتبار إلى مسلك الشك الظن¡ االطمئناني) من ناحية وإلغاء اعتبار العلم من ناحية أخرى،

)ون أن وليعلم العلماء المادي[269 ]

هنا حديثين وهما منفصالن عن بعضهما.lنسان قد بنى على اعتبار غير العلم )الظن فتارة نقول أن اإل

االطمئناني)( من العلم، وهو يتعامل معه تعامله مع العلم، وفي هذه الصورة يكون االعتبار الحقيقي) للعلم، وال يغدو العلم

2 إحياء السم العلم. االعتباري) )الظن االطمئناني( إالU lنسان بالعلم وإنما هو تابع دائما وتارةU أخرى نقول: ال يعمل اإلlنسان في العمل يميل مباشرة نحو الرجحان ، أي أن2 اإل للظن¡

lنسان في واألولوية. وهذا كالم ال أساس له وفكرة ساذجة، ألن2 اإل)ة محكوم للطبيعة وتابع لهداية فطرته وغريزته، )اته العملي اعتباري

وكما ذكرنا في مطلع هذا الحديث فإن2 الطبيعة والغريزة-لكي

Page 191: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lنسان نحو الواقع الخارجي وتربطان تحق¡قا أهدافهما- تدفعان اإلlدراك الذي يستوعب قواه الفع)الة والمدركة بالواقع الخارجي، واإل

الخارج بشكل مطلق في ظرفه إنما هو العلم فحسب.lنسان مثل هذه الدعوى، فإذا كان U أن يد)عي اإل إنه لغريب حق)اU يأخذ في مورد العمل الظن2 )الطرف الراجح( lنسان دائما اإل

U بالرجحان، وهكذا يمتد) هذا )ن الرجحان أيضا ويختاره، فهل هو يعي الرجحان المترتب إلى غير النهاية وبالتالي ال يتم) لطرف أي

ترجيح )ال ظن الترجيح(؟ أم أنه يصل في النهاية إلى العلم، ألنهU، فقد استعملنا العلم؟ إذ قلنا في أحد المجاالت: إنه راجح حق)اlنسان علم بوجود شيء فإنه ما لم المالحظة الثانية: إذا كان لإلU للعلم األول، ودراسة يصل إلى بطالن وجوده فإنه يبقى معتبرا

U وجود هذا )د أيضا الحاالت المختلفة للحيوانات األخرى تؤياألسلوب عندها.

U بين شيئين فإنه يقدم وإذا كان وجود شيء ينبغي فعله مرد)داعلى

[270]U بين شيئين U، أم)ا إذا كان وجود ما ال ينبغي فعله مرد)دا فعلهما معا

.U فإنه يكف¢ نفسه عنهما جميعا)ب عندئذ على ذلك آثار وإذا لم يعلم وجود شيء فإنه ال يرت

وجوده.U بين ما ينبغي فعله وما ال ينبغي )بين الخير وإذا كان شيء مرد)دا

والشر( فإنه يتوقف. )هذه األصول األربعة هي نفسها التي يسم)يها علم أصول الفقه

بـ:االستصحاب-االحتياط-البراءة-التوقف(.U في مجاالت tشبعت بحثا ولم)ا كانت هذه األصول األربعة قد أ

أخرى فإننا ال نطيل الحديث عنها في هذه المقالة.[271 ]

خاتمة هذا البحث

lعتبارات العامة التي قصرنا الحديث الماضي على وجودها إن اإل ليست منحصرة في االعتبارات الخمسة التي استعرضناها)الوجوب-الحسن-والقبح-اختيار األخف األسهل-االستخدام-

U تتميز بأنها عامة. العمل(، بل هناك اعتبارات أخرى أيضاlختصاص واعتبار الغاية والفائدة في العمل وهما فهناك اعتبار اإل

U وحده وهو يحاول من االعتبارات العامة، ألننا إذا فرضنا إنسانا االستفادة من المادة فإن صادفه مانع أو مزاحم )ولو أنه يكن

lنسان U( يريد كف) اإل )ا U طبيعي U آخر بل كان مانعا )ا U حي U وال كائنا إنسانا

Page 192: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ة أو عن كمالها أو عن تكميلها فإن2 الفع)ال عن أصل الفعاليU ليتحول إلى موقع الدفاع وبنشاطه الدفاعي) lنسان يضطر¢ أيضا اإل

فه. وهو في نفس يخصص هذه المادة بنفسه ويوج)ه إليها تصر) الوقت يفكر بهذه النسبة التي بينه وبين المادة فيتجلى في فكره

مفهوم االختصاص )هذه المادة هي لي(، وهذا المفهوم يعني االختصاص المطلق الذي يشك)ل أصل الملكية شعبة منه، وكذا

)فق عليها وعالقة الزواج المصب والمنزلة وجميع الحقوق التي يتو... كل) هذه شعب لذلك المفهوم.

وكذا ضرورة الفائدة في العمل )ال بد2 يكون للعمل هدف( فإنها[272]

من االعتبارات العامة التي ذكرنا في مطلع حديثنا أنها تستنتجبنحو من األنحاء من مفهوم االعتبار.

U أن نظفر باعتبارات عامة أخرى، ولكن2 هذه ونستطيع أيضا االعتبارات الخمسة المذكورة كافية الستنتاج وتوضيح سائر

)حقة لالجتماع( وبيان أحكامها. االعتبارات )االعتبارات الال وعلى أي حال: فإن االعتبارات العامة )االعتبارات السابقةU من ا lنسان مفر) lجتماع( هي تلك االعتبارات التي ال يجد اإل لإل

¡صال له بالفعل، أي أن2 الذي يوجدها هو أصل اعتبارها في كل¡ ات)ة بالمادة في الفعل. ومن هنا فإنها ال lنساني ارتباط الطبيعة اإل

يحويها الفناء وال يطرأ على ذاتها التغيير.U يستطيع أن يطرد من عقله فكرة معينة بواسطة lنسان مثال فاإل

U U أن يكف2 نفسه أساسا ظهور عوامل خاصة، ولكنه ال يستطيع أبدا)فكير )ال بد2 أن أفكر(، وأي مجتمع يستطيع أن يقتل الفكر عن الت

U أن يغتال التفكير الخاص ألحد أفراده، ولكنه ال يستطيع إطالقا الثابت لكل¡ فرد من أفراد المجتمع، ألن الفكر االجتماعي حصيلة

)لت وحدة فهي تقوم بنشاطها كالواحد أفكار تراكمت وشك الحقيقي، وعندئذ� كيف يتصور أن يقوم مجتمع )الفكر الواحد

المتراكم( بإفناء نفسه. ونحن-بقريحة المسامحة- نطلق على كثير من الموارد اسم

U لالنتحار في االنتحار، ولكننا لة استعملنا الد2قة لما وجدنا مصداقاعالم الوجود.

U أن يربط نشاطه بمادة ما، أجل يستطيع الموجود الحي¡ مثال وتؤد2ي تلك الحادثة المربوطة به إلى القضاء على الموجود الحي¡

U lنسان مثال أو على قوة متعلقة به أو تشل) نشاطها. فيقوم اإلبخلط السم) في الماء ثم تناوله )أي

[273]

Page 193: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U ينسجم مع قوة التغذية عنده وهو الشرب( ولكن أنه يؤد¡ي نشاطاالسم) المذاب يقتحم المعدة ويفعل فعله فيقتله.

U كقرص الشمس أو أنه يحد)ق النظر في مصدر للنور قوي جدا فيؤد2ي ذلك به إلى العمى، أو أنه يشل) إحدى قواه بواسطة قوة

U ويمنع العين من الرؤية، أو يضع أخرى، فيطبق أجفانه مثالU أن يطلب أصبعيه في أذنيه فال يعود يسمع، ولكنه ال يمكن أبدا

lنسان- أو أي) موجود آخر-من وجوده عدمه بصورة مباشرة، وال اإل يستطيع أن يطلب من قوة ما إبطال نشاط نفس تلك القوة

بشكل مباشر.نستطيع أن نستنتج من هذا البيان هذه النتيجة:

)غيير، ولكن يمكن lعتبارات العامة ليست قابلة للت صحيح أن اإل التصرف في بعض منها عن طريق البعض اآلخر، فيكون هذا إلغاء

لبعض االعتبارات العامة من الوجوه. أي أنه يمكن إدخال مورد م)ا في إطار نشاطها وإخراج مورد آخر منه، وبالتالي يصبح هذا الغاء لالعتبار العام بالنسبة للمورد األول

U كان الناس في األزمان الغابرة يستغلون الدواب منه، مثالة المحمولة بواسطة الحم)الين للقيام باألسفار والمحامل واألسر)

الطويلة، فهذه الوسائل كانت الزمة وحسنة وجيدة لطي) المسافات البعيدة، ولكنه بظهور وسائل حديثة كالسيارات

والقطارات والطائرات فقد قضت قاعدة اختيار األخف األسهل بوضع الوسائل الحديثة مكان القديمة، فسحبت من هذه األخيرة

صفة الضرورة والحسن واضفتها على األولى )الحديثة(، ومن)ر مكانه فقط. الواضح أن أصل الحسن لم يلغ� وإنما غي

ونالحظ في كل¡ زاوية من زوايا المجتمع اليوم مئات األمثلة لهذه[274]

التغييرات التي تحدث في مجال العادات واآلداب واألخالق)ة. والمعامالت واالتصاالت االجتماعي

U ومستمرة )ة دائما وكل¢ ما هناك هو أن أصول االعتبارات العامة حي في نشاطها، والذي يتغير هو الموارد والمصاديق، فيواصل

المجتمع البشري) تقدمه في إستخدام المادة واإلفادة منها، وهو مشغول بزيادة الترفيه وإزالة ما يضايق الحياة، فكل) يوم يأتي

يتغير فيه لون الحياة عن اليوم السابق عليه، وهذا هو من لوازماالتصال بين أصول االعتبارات وفعلها وانفعالها فيما بينها.

tستنبط من هذا الكالم أن: "تغيير االعتبارات هو بنفسه أحد وياالعتبارات العامة".

وتغيير االعتبارات يمكن تلخيصه في النقاط التالية:

Page 194: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

-المناطق المختلفة لألرض ال تتشابه من حيث الحرارة والبرودة1)ة ولها تأثيرات متنوعة وعميقة وسائر الخواص) واآلثار الطبيعي

)ة U على كمي U كبيرا lنسان، ومن هنا فإن لها تأثيرا على طبائع أفراد اإل االحتياجات االجتماعية وكذا على االحساسات الباطنية واألفكار)ة فتكون منفصلة عن واألخالق، ويتبعها على االدراكات االعتباري

بعضها في المناطق المختلفة.U احتاجات الحرارة والبرودة في المنطقة االستوائية تختلف فمثال عن احتياجات المنطقة القطبية وتكون في النقطة المقابلة لها،

ولهذا تكونان مختلفتين من حيث التجهيزات، ففي المنطقةlنسان في أغلب أيام السنة إال إلى إزار االستوائية ال يحتاج اإل

U U للعادة ومثيرا يشده على وسطه، والزائد على ذلك يعتبر خرقاU، أم2ا في المنطقة القطبية فاألمر على عكس للتعجب وقبيحاذلك. ونالحظ وجود اختالفات واسعة في األفكار االجتماعية

[275] والعادات واآلداب لسكان المناطق المختلفة على وجه األرض،

ويعود قسم عظيم منها لهذا السبب.U في اختالف األفكار واالدراكات ¡رة أيضا وكذا بيئة العمل فإنها مؤث

U يختلف عن التاجر، والعامل عن صاحب )ة، فالفالح مثال االعتباري العمل من حيث أسلوب التفكير، ألن المشاعر التي توجدها

األشجار واألزهار والربيع والخضرة والماء غير المشاعر التيU، واختالف U وضجيجا ترافق التعامل التجاري الذي يمتلئ صخبا

)ة. المشاعر يستلزم االختالف في اإلدراكات االعتباريlنسان يجعله نصب عينه وال2 -إن كثرة تكرار فكر ما على عقل اإل

يسمح له بأبعاده عن خاطره وااللتفات إلى غيره، وعندئذ� يبدوU في نظره، أم)ا ما يخالفه فهو U وحسنا )ا U ومنطقي هذا الفكر صحيحا

)لقين والعادة بعكس ذلك. ومن هنا تنهض وراثة األفكار والت والتربية بدور مهم تثيت أو تغيير األفكار االجتماعية واالدراكات

)ة. االعتباريU إلى3 -نحن ال نشك¢ بأننا بفضل قريحة التكامل نضيف دائما

معلوماتنا، ةالحاصل إننا منذ األيام األولى التي نقتحم فيها عالم المادة نكسب معلومات كثيرة من من كبارنا عن طريق الوراثة

U بعد U لتقدمنا في المستقبل، فتتسع العلوم يوما ونجعلها أساسا)ما اتسعت أكثر استطعنا أن نفيد بشكل أكبر وأكمل من يوم، وكل

مزايا الطبيعة بوساطة التطبيق العملي وأن نستأنس الطبيعةU مفاهيم من المتمردة بشكل أفضل، ولهذا يرافق التغيير دائماU لو فرضنا إنسانين قبيل "الحسن والقبح وال بد) وال ينبغي"، مثال

)ه الرائع في إحدى أحدهما )إنسان اليوم( وهو جالس على كرسي

Page 195: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U قد خيط U فاخرا القاعات الممتازة للقصور الفخمة ويرتدي لباساحسب آخر نمط،

[276] وأمامه منضدة قد صtف)ت عليها ألوان األطعمة الشهية. واآلخرlنسان البدائي( الذي كان ينفق عمره في ثغور الجبال )هو اإل

ويستعيش بأعشاب الصحراء وفواكه الغابات. بالمقارنة بين هذينU ترك خالله ما كان U طويال lنسان قد قطع شوطا )ضح لنا أن2 اإل يت

يراه ال بد) منه واعتبر أشياء كثيرة قبيحة بعد أن كانت عنده حسنةU ال يكف) عن حتى انتهى به المطاف إلى هذا اليوم. فاالنسان أبدا)ر موقفه باستمرار وبتقدم التفكير في الحسن والقبح ولكنه يغي

U،ألن حاجات الحياة في U والقبيح حسنا الحياة فيعتبر الحسن قبيحاالماضي ليست هي حاجات في العصر الحاضر بنفسها.

وإن تأملنا في المعلومات االعتبارية وجدنا أن حال االدراكات)ة، فنحن )وليد واالستنتاج هو حال العلوم الحقيقي )ة في الت االعتباريU نسبة الوجوب )ال بد)( من نسبة الضرورة الخارجية قد أخذنا مثال

)ة والمعلول الخارجيين، والعامل األساسي لهذا الموجودة بين العل االعتبار هو أننا الحظنا ارتباط هذا الفعل بالقوة الفع)الة واشتمالهعلى مصلحة تلك القوة، ومن الواضح أن هذا الوجوب االعتباري-

كالوجوب الحقيقي)-يتحق)ق بين الفاعل والفعل )وهو الوجوب2عييني حسب اصطالح علم أصول الفقه(، ولكنه بعد إنجاز هذا الت

U أن فعلين مختلفين يشتمالن كالهما على األمر لما كنا أحيانا المصلحة بشكل� متساو� لذا فنحن نعتبر الوجوب بين القوة

)عيين(، وبالتالي يظهر وجوب الفع)الة وأحد الفعلين )ال على التجديد نطلق عليه اسم الوجوب التخييري.

U تحدث جميع-أو أكثر-التغييرات التي تطرأ وعن هذا الطريق أيضا على اللغات المختلفة فتشمل األلفاظ والكلمات، وذلك ألننا

U ما عبارة عن الوجود اللفظي لمعناه فإنه بعد عندما نجعل لفظامرور فترة على االستعمال

[277] تقوم قريحة التسامح-معتمدة على قاعدة ضرورة اختيار األخف

األسهل بوضع لفظ آخر مكانه بحيث يشبهه وهو أيسر علىU يؤول اللفظ األول إلى النسيان. U فشيئا األلسنة من األول وشيئا

)مثل كلمة بطؤ مكان تبطأ، وانبطح مكان تبط)ح()لقد ذكر المؤلف مثالين هنا من اللغة الفارسية وقد أثبتنا مكانهما مثالين

من اللغة العربية( وقد يجد الباحث تغييرات أخرى غير هذه الثالثة التي ذكرناها ولكن التغييرات في نوعها تعود إلى هذه

األقسام الثالثة.

Page 196: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)غييرات بأشكال متنوعة وقد تمتزج هذه األقسام الثالثة من الت2ركيبية، ولهذا التغيير أمثلة فتظهر من ذلك مجموعة من النتائج الت

)ه من النادر أن يجد عديدة في اآلداب والعادات االجتماعية، ولعلU U لم تؤثر فيه عوامل التغيير المختلفة ولم يكن نابعا lنسان موردا اإل

من منابع متعددة.[278]

القسم الثاني-االعتباريات الالحقة للمجتمع

lنسان االجتماعي )ة التي استخرجها اإل إن المفاهيم االعتباري المعاصر من ذهنه لكثيرة إلى حد¡ أن تبويبها وعد)ها يفوق الطاقة

الفكرية ولو أنها من صياغة الفكر والعقل.lنسان يصوغ باستمرار مفاهيم جديدة )ه فإن اإل ومن هذا كل

تتناسب مع التقدم االجتماعي والتكامل الفكري، وهو يقدم لناU أو أكثر في هذا المضمار. في كل¡ يوم نموذجا

lنسان االجتماعي وبهذا نفهم أننا لوعدنا القهقري واقتربنا من اإل)ة والقتربت من جذورها البدائي) لقل)ت هذه المصوغات الفكري

التي انشعبت منها هذه الغصون.ولهذا فإننا في هذه المقالة- التي ال تتسع لتفصيل هذه األمور-

)حقة للمجتمع والتي هي بمنزلة نتناول بعض االعتباريات الالاألساس واألصل لهذه االعتبارات.

[279](1)

أصل الملك

كما عرفنا من البحوث السابقة فإن جذور هذا األصل موجودة قبل تحق)ق المجتمع، وتتلخص فيما سم)يناه باالختصاص ثم يتكامل بعد ذلك فيظهر بصورة الملك وهو ذو أثر خاص يعني جواز جميع التصرفات، وقد اعتبر أصل االختصاص أو االختصاص المطلق في مورد بعض التصرفات، فنحن نالحظ إننا نستطيع أن نظفر ببعض االختصاصات )االمتيازات( في ملك اآلخرين، أو نحظى باختصاص

في بعض الموارد التي ال يتعلق بها الملك كاختصاص الزوجيةوالصداقة والجوار واألبو)ة والبنو)ة والقرابة وغيرها.

U قيود جديدة في مورده ولكل) واحد من هذه االختصاصات أيضا)خذ الخاص به بحيث يتناسب مع االتصال واالحتياج االجتماعي)، ويت

U، وبالتالي تعتبر له أحكام وآثار جديدة تنطبق U خاص)ا عندئذ� اسماعلى المورد المقصود.

Page 197: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

وفي نفس الوقت تسمى مثل هذه االختصاصات بـ"الحقوق"،U أو ويكون مورد االختصاص-في نظر المجتمع-هو الفائدة تقريبا

)ز فيه المجتمع بين العين U، فمنذ اليوم األول الذي مي تحقيقاوالفائدة فقد جعل

[280] االختصاص )الحق( بمعنى ملك الفائدة واعتبر الملك بمعنى

االختصاص بالعين )الذي هو مورد التصرفات الممكنة(. وفي المرحلة التالية لهذا االعتبار ظهر اعتبار المبادلة إلحساس

أفراد المجتمع بالحاجة إلى المواد التي يتصرف بها الغير وال)ما المملوكة له، ولو أن بعض الناس يحق)ق هذا المقصود عن سي

طريق الهجوم والتغلب، كما نالحظ هذا األسلوب عند األقوياء بعد تشكيل المجتمع، وحتى في المجتمعات المختصرة المعاصرة

اقة توجد فيها هذه الظاهرة وإن كانت تغل)ف بظواهر بر)ومغالطات عجيبة.

وبفضل اعتبار المبادلة ظهرت تقسيمات جديدة بوساطة)وعية للمالك )الواجد لشروط التصرف وغير الواجد االختالفات الن

لها كالطفل والمجنون، المالك الشخصي) والمالك االشتراكي)U U أو هيئة أو منصبا بصوره المتنوعة والمالك إذا كان نوعا

lنسان العبد )ة لألعيان المملوكة )اإل وبوساطة االختالفات النوعي والحيوان والنبات والجماد، والملك القابل للنقل واالنتقال وغير القابل لهما، والملك الموجود وغير الموجود...إلخ(، ثم أصبحت

هذه منشأ العتبار مجموعة أخرى جديدة من المواضيع االعتباريةالواسعة النطاق من معامالت مختلفة ووضع أحكام متنوعة لها.

ولعدم تعادل النسب بين المواد التي يقع عليها التبادل فقد ظهرت الحاجة إلى اعتبار النقد، فيضعون إحدى المواد المرغوبة

U لمعرفة قيمة سائر المواد التي يحتاجون إليها، ولهذا مقياساU وضع النقد من ذهب U فروع يستلزمها، منها مثال االعتبار أيضا

وفضة وأوراق نقدية وصكوك وأوراق أخرى ذات قيمة، مع ما لهامن أحكام وآثار.

)ة على مورد الملك بل تمتد إلى )حوالت االعتباري وال تقتصر هذه الت[281] الموارد األخرى من االختصاص، فيطرأ عليها ما يطرأ على الملك

)ة مع تغييرات تتناسب معها، كأقسام الطالق والمبادالت الحقوقيالمختلفة.

)ة وآثاره الواسعة يمكن وكل) واحد من هذه المواضيع االعتباري دراستها بشكل علمي) وإظهار وجهات نظر متنوعة فيها، ولكن

Page 198: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

لهذه الدراسة مكانها الخاص بها وهي خارجة عن موضوع بحثنا،2 إلى إلفاف النظر وال نهدف من تناول هذا الموضوع ها هنا إال

لهذه المالحظة وهي:)ة وصنيعة إن جميع هذه المواضيع وخواص)ها وآثارها أمور اعتباري

الذهن وليس لها في الخارج مطابق حقيقي.[282](2)

الكـالم

lنسان منذ المرحلة األولى لتكوين من األشياء التي يدركها اإلالمجتمع هو صياغة الكالم ووضع األلفاظ الد2الة، ألن كل2 مجتمع-)ات U-فهو يؤكد حاجة أفراده لفهم مقاصد وني U كان أم كبيرا صغيرا

بعضهم من قبل البعض اآلخر.lجتماعية lجتماعي)-مثل سائر النشاطات اإل وينبع هذا النشاط اإل ذات الجذور العميقة-في بداية األمر بصورة بسيطة من فطرة ساذجة، كما نالحظ ذلك في صغار الحيوانات مع أمهاتها عندما

lنساني U بين الطفل اإل )فهم، وما يحدث أيضا )فهيم والت يبدأ بينها الت وأبويه، وتكون البداية من المحسوسات، كما تفعل الدجاجة لتفهيم فرخها، فتلتقط بمنقارها الحبة وتأكلها، ويقوم الفرخ)ة فيحس) بسد) حاجته )ارتفاع الجوع(. وإذا كان بنفس العملي

U أثناء قيامها بالتقاط الحب U فإن الدجاجة تطلق صوتا الفرخ غافال فيلتفت الفرخ إلى جهة الصوت-بموجب غريزة البحث عن علل)ة-ويرى فعل األم فيقلدها الحوادث التي هي من الغرائز الحيواني

فيما فعلت، ولهذا نظائر كثيرة في اإلنسان وسائر الحيوانات. وكما نالحظ فإنه في هذه المرحلة تكون داللة الصوت على

)ة وبالمالزمة، وتتم إراءة المعنى المقصود من قبيل الداللة العقلينفس المعنى المقصود )بوجوده الخارجي(

[283] للمخاطب- وجميع األصوات متشابهة في إفادة هذا األمر وال

ات فإن ذهن تمييز بينها- ولكنه بعد تكرار هذه العملية عدة مر) المخاطب يعتقد بلون من المالزمة )تشبه تداعي المعاني( بين الصوت والمقصود، فبمجرد أن يسمع الفرخ الصوت من بعيد

فإنه يسرع نحو أمه بقصد التقاط الحب.

lحساسات الباطنية كالحب) والبغض ومن ناحية أخرى فإن تنوع اإل)ة 2ملق والرغبة الجنسي والصداقة والعداوة واالنفعال والشفقة والتU ال يمكن إنكاره في شكل الصوت، ولهذا تتنوع ¡ر تأثيرا وغيرها يؤث

Page 199: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)ز إلى حد£ ما، وفي هذه المرحلة يتقدم األصوات وتتعدد وتتمي المستمع خطوة ويستدل باألصوات المختلفة على مقاصد متنوعةU ويدرك أشياء خافية على الحواس، ولكن داللة الصوت على )ا نسبي

)ة كما هو واضح، وفي هذه الحال )ة وطبيعي المقصود ال تزال عقليlنسان-العالقة بين الحادثة )ما اإل يدرك ذهن المستمع-وال سي

وصوتها الخاص بشكل من األشكال قل) أو كثر، ثم يحكي-بصورة)ة-تلك الحوادث باألصوات المالزمة لوجودها، نتيجة ذلك أن تدريجي

تتميز حروف الهجاء من بعضها وتظهر الكلمات المركبة، وكماU من الكلمات في اللغات المختلفة يكون U كبيرا نالحظ فإن عددا حكاية ألصوات تظهر في الحوادث التي تقارنها تلك األصوات،

¡ر إلى حد£ كبير في هذا المجال استعمال اإلشارة باليد ويؤثlنسان والرأس والعين وسائر األعضاء، ويقارن هذه األمور إن2 اإل

بمجرد سماعه للكلمة، فإنه يتذكر الحادثة مباشرة، فتخلي الداللةlنسان )ة، وعندما يظفر اإل )ة والطبيعية مكانها للداللة اللفظي العقلي

lنسان U بنعمة الكالم. حتى ينتهي األمر باإل )زة يكون متمتعا بهذه الميU عن األلفاظ إلى حد¡ أنه أثناء التكلم أو االستماع يكون غافال

U فقط إلى المعاني وكأنه يقول المعنى أو يسمعه، أي أن2 وملتفتا المعنى قد أصبح هو اللفظ بحسب عقيدته، ومن هنا يسري جمال

)ه والنفور منه إلى المعنى وقبحه، حب

[284]

Uاللفظ، وقد تنتقل صفة من معنى إلى لفظ ومن لفظ إلى معنى آخر وهكذا...

وحينئذ� يكون االعتبار قد قام بمهمته وقد أصبح اللفظ عينالمعنى بحسب االعتبار.

lنسان بسبب وقد أد2ى اختالف البيئات التي أوجدها أفراد اإل)ة من ناحية، ووضع األلفاظ الجديدة الهجرة واالنقسامات القومي

لمواجهة االحتياجات الطارئة بسبب تكامل الحياة االجتماعية من ناحية أخرى، واختيار األخف األسهل من ناحية ثالثة-كل) هذه

األمور قد أد)ت إاى اشتقاق لغات مختلفة من لغة أصلية واحدة.وإلى ظهور لهجات متعددة في البيئات المختلفة.

U للمعنى، بل أصبح نفس ¡ال وفي جميع الكلمات أصبح اللفظ ممث)فهم. )فهيم والت المعنى في ظرف االعتبار ومجال الت

[285]الرئاسة والمرؤوسية ولوازمهما

Page 200: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lنسانية وحتى إن التأمل العميق في سلوك المجتمعات اإل المجتمعات المتقدمة المعاصرة، وكذا دراسة التاريخ المنقول عنU، ودراسة اآلثار التاريخية )ا lنسان في المراحل القريبة نسبي حياة اإل

lنسان بشكل� األخرى للمراحل البعيدة والطويلة التي عاشها اإل)ن لنا أنه بمقتضى غريزة وقريحة االستخدام جماعي)-كل) هذه تبي

)ة- يقوم األفراد الذين هم أقوى من الجميع في المجتمعات البدائي)ة وقوة إرادية أكثر- )ما الذين يتمتعون بقدرة جسمي وال سي

U مثل استغاللهم باستخدام األفراد اآلخرين في المجتمع، تماما للموجودات األخرى من جمادات ونباتات وحيوانات، فيفرضون

عليهم إرادتهم، أي أنهم يوسعون وجودهم الفع)ال لتحقيق نسبة بينهم وبين اآلخرين تشبه نسبة الروح إلى البدن، أو بعبارة أوضح

)ها أقدم نسبة الرأس إلى البدن. ولعلlنسان قد أدرك أهمية للرأس في البدن فالقرائن تشير إلى أن اإل

أكبر من أهمية القلب فيه، وعالوة على ذلك فإنه يكون أعلىU بحسب الحس، ولهذا اقتبست من "الرأس" مثل هذه منها جميعا

النسب من قبيل: رأس الخيط، رأس الطريق، رأي الجماعة،رأس الجيش، رأس السلسلة، وغيرها.

[286] ونتيجة لهذا االعتبار فقد اعتبرت اللوازم الطبيعية لحقيقة هذه النسبة )نسبة الرأس إلى كل¡ واحد� من األعضاء الفع)الة وإلى

مجموع البدن( من قبيل حكم المجتمع واالنقياد الجماعي) واالنقياد الفردي) ومجموعة من المقررات والرسوم واآلداب التي

)ن منصب الرئيس وتعد) من مظاهر احترامه وتعظيمه، مثل تبي ألوان المجامالت والتواضع والعبادات الكبيرة والصغيرة التي

تتناسب بشكل من األشكال مع كمال المجتمع الفعلي. ومن ناحية أخرى فإن اعتبار الرئاسة لم)ا كان وليد اعتبار المجتمع

U( فقد تم) وضع مجموعة من )ة )كما ذكرنا آنفا والعدالة االجتماعي االعتبارات المناسبة لصالح المرؤوس وضد الرئيس وهي في

الواقع جواب لالعتبارات المناسبة التي هي لصالح الرئيس وضد المرؤوس، ولما كانت هذه االعتبارات لصالح المرؤوس وضد

)ة-من حيث القوة والضعف- مصالح الرئيس فإن لها نسبة عكسي)ما كان منصب الرئاسة أقوى فإن2 مع القوة الرئيس وضعفه، فكل تأثير اعتبارات المرؤوس وحقوقه تكون أضعف، وكلما كان ذلك أضعف تكون هذه االعتبارات أقوى. وكذا قدرة المرؤوس وقوته

U على اعتبارات الرئيس ومزاياه. )ا U عكسي فإن2 لها تأثيراlنسان أن يفهم أن اعتبار الرئاسة هذا وبأقل التفات يستطيع اإل يستتبع اعتبارات كثيرة واسعة النطاق ال يهم)نا في هذا البحث

Page 201: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

)تها، ونكتفي باستعراضها بصورة مجملة كما فعلنا تشخيص ماهي)ز بأهمية في نظائرها، ولكنه يوجد من بين هذه اللوازم شيء يتمي

)حقة وهو اعتبار كبيرة وتأثير عميق في المواضيع السابقة والال)هي ولواحقهما. األمر والن

[287]األمر والنهي والثواب والعقاب

إذا تأملنا في األمر وطلب شيء من شخص آخر وجدناه يعني ربط اإلرادة والرغبة بفعل الشخص اآلخر، ولم)ا كانت إرادة أي

) بفعله أي بحركات عضالته، فرد� مريد ال تتعلق-بحسب الواقع-إال) إلرادته U إال )قا وكذا فعل الشخص اآلخر فإنه ال يمكن أن يكون متعل بنفسه، إذن ال بد2 أن يكون ربط المريد إرادته بفعل غيره هو من

قبيل االعتبار واالدعاء ليس غير، ومن هنا يصبح العتبار تعلق اإلرادة ارتباط مباشر باعتبار الرئاسة الذي فسرناه بأنه توسيع

لوجود الذات وجعل اآلخرين جزء من هذا الوجود، وبالتالي ال بد2 من القول أن األمر عندما يأمر فهو يجعل المأمور جزء من

وجوده وكأنه أحد أعضائه الفع)الة، إذن تكون النسبة بين المأمور والفعل هي نسبة الوجوب )ال بد2(، كما أن النسبة بين العضو

الفع)ال للمريد والفعل الذي تعلقت به نسبة الوجوب هي نسبة)ة". "الضرورة التكويني

U عن U واضحا وبالنظر إلى أن الوجوب الحقيقي) يختلف اختالفاlعتباري) من حيث القوة والضعف، فاستشعار هذا الوجوب اإل)ة والوجوب االعتباري) قد حمل الضعف في اإلرادة االعتباري

lنسان على اعتبار الجزاء، أي اعتبار الثواب في حالة الطاعة اإلواالمتثال، والحد¡ األدنى منه هو الثناء

[288] والمدح والشكر، واعتبار العقاب في حالة المخالفة والعصيان،

)أنيب. والدرجة الدنيا منه هي الذم واللوم والتU تناسب عكسي) مع قوة منصب األمر ولقوة الجزاء وضعفه أيضا

)ما كان األمر أقوى فإن اعتبار جزاء الموافقة يكون وضعفه، أي كل)ما كان األمر أضعف واعتبار جزاء المخالفة يكون أقوى، وكل أضعف فإن اعتبار جزاء الموافقة يصبح أقوى واعتبار جزاء

المخالفة يغدو أضعف.U، ألنه من ومع هذا فإن المعروف هو أن جزاء الموافقة ليس واجبا)ة األمر أي رئاسة الرئيس، ولكن جزاء المخالفة بمعنى لوازم آمريد الزم وضروري) وإن كانت فعلية الجزاء استحقاق المأمور المتمر)

متوقفة على إرادة األمر.

Page 202: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lرادة وفي هذه المرحلة تكون الطاعة والمعصية بالنسبة لإل)ة )األمر( قد اعتبرتا حسب االنقياد الحقيقي) والعصيان االعتباري، أي أن الطاعة مأخوذة من المطاوعة وقبول التأثير الواقعي) الخارجي)، والمعصية مأخوذة من العصيان وعدم قبول التأثير

الخارجي.)ن ألمر وبناء على هذا تصبح نسبة الطاعة إلى كل2 امتثال معي

خاص هي نسبة الكلي) إلى أفراده، وكذا نسبة المعصية إلى كل¡د خاص. تمر)

أما النسبة بين الطاعة والمأمورة فهي نسبة الوجوب، كما أن2U هي نسبة النسبة بين الفعل )متعلق األمر( والمأمور أيضا

الوجوب.lنسان يستعمل الطاعة والوجوب- بحسب فطرته- ولم)ا كان اإل

)ما وجد وجوب الطاعة فإنه في مورد الرئاسة واألمر لذا فإنه كل.U يعتقد بوجود "األمر" ويثبت وجود األمر والحاكم أيضا

كما أن تنفيذ مقتضيات الغرائز والعواطف مثل مقتضيات الرغبة[289]

)ة أو الصداقة أو العداوة نعتبره طاعة لحكم الغريزة الجنسي)ة فإننا نعد)ه وأمرها، وكذا أداء األمور الواردة في الشرائع السماويU ألمر الشرع، ومطابقة العمل لنصوص أحد القوانين المدنية امتثاال

نعتبره طاعة لحكم القانون وأمره، وتوجد مجموعة من األمور التي تحكم الفطرة بضرورتها ويمكن فيها صالح المجتمع مع)ة ونعتبر تكامل الفرد، ونحن نسم)يها باألحكام واألوامر العقلي

)ة )أو طاعة ألمر الضمير( ونعتقد القيام بها طاعة لألوامر العقليبوجود مجازات فيها من شكر أو تأنيب.

إذا أحطنا بأطراف هذا الموضوع فسوف نجد أن هذه المفاهيمlنسان كالبحر العميق الذي )ة واألفكار التي صاغها اإل lعتباري اإل يغطي جميع إدراكاتنا وقد نفذ إلى أعماق أفكارنا قد كان لها) قوة فع)الة )ة، وليس لها إال أصل واحد هو الرئاسة والمرؤوسي

lستخدام السابق الذكر. واحدة هي أصل اإل وكل) فكرة حديثة تقود إلى تكامل المجتمع وكل تخطيط جديد

lنسان بحسب فطرته األو2لية، U قام به اإل يقترح إنما هو يقتفي عمالوهو ينسج على أساس ذلك النموذج األولي.

)ية )نة للنظام الحقيقي) للع)ل U نماذج مبي وواضح أن2 هذه جميعا)ة. )ة الذي يتجلى حتى في األفكار االعتباري والمعلولي

والحديث في اعتبار النهي كالحديث الذي قدمناه حول اعتبار األمر، سوى أن االعتبار األو2لي )النهي( ال ينبغي تفسيره باعتبار

U بإرادته lنسان عندما ال يفعل شيئا lرادة بترك الفعل، ألن اإل تعلق اإل

Page 203: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lرادة وقصده فإن حقيقة إراته لم تتعلق بعدم الفعل وتركه، فاإل ليست قابلة للتعلق بالعدم وإنما حقيقة اعتبار النهي هي اعتبار

lرادة بالفعل، ولكن لم)ا عدم تعلق اإل[290]

U آخر مكان عدم إرادة فعل ما، فإن U يريد فعال lنسان دائما كان اإلlنسان قد التفات الناس ينصرف إلى هذا الشيء ويتصورون أن اإل

أراد عدم الفعل. )ة له وعلى أي حال فبعد تحق)ق اعتبار النهي تجعل اعتبارات فرعيU في األمر. حسب المناسبة وما يقتضيه معناه كما كان ذلك الزما

فبين الشخص المنهي والفعل المنهي عنه نسبة )مثل نسبة وجوب الترك( تسمى بالحرمة، كما كانت في األمر نسبة تسمىU الثواب والعقاب والمدح والذم بالخواص) بالوجوب، ويظهر أيضا

والكيفيات التي مر) ذكرها في األمر.)ات ويجب أن نعلم: أن نسبة الوجوب )ال بد2( في جميع االعتباري

)ة كما ذكرنا ذلك في مأخوذة من الوجوب أوالضرورة الخارجيU من مطلع هذه المقالة. ولهذا فإن نسبة الحرمة مأخوذة أيضا

2د أنه في المكان الذي ليس فيه ضرورة العدم، ومن المؤك ضرورة الوجود وال ضرورة العدم فإن2 نسبة الطرفين هي

الموجودة والمعتبرة، وهي التي تسمى "اإلباحة"، وبهذه النسب2 lباحة( تتم مطابقة االعتبار للحقيقة، إال الثالث )الوجوب-الحرمة-اإل

أنه توجد بين العقالء وأبناء المجتمع نسبتان أخريان هما االستحباب والكراهة، وتعني األولى رجحان الفعل وتعني الثانية

رجحان الترك، وهاتان النسبتان ليستا مأخوذتين من الواقع والخارج بشكل مباشر كما هو واضح، ألن كل2 ما هو متحقق في

الخارج فإنه يتميز بنسبة الضرورة.2صف فعل بالرجحان في ظرف العلم، وهي صفة الفعل أجل قد يت

الذي خرج من مرحلة التساوي ولم يصل إلى حد¡ الضرورة، وعندئذ� إذا تعل)قت هذه النسبة بالفعل فستصبح رجحان الفعل

)االستحباب( وإن [291]

تعلقت بالترك فستكون رجحان الترك )الكراهة(، وفي نفس الوقت فإن هاتين النسبتين )االستحباب والكراهة( يشيع

U إلى جنب مع النسب الثالث األخرى استعمالهما بين الناس جنباlباحة(. )الوجوب والحرمة واإل

[292](4)

االعتبارات في حالة تساوي الطرفين

Page 204: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U مجموعة من االعتبارات التي لوحظ فيها تساوي إن لدينا أيضا الطرفين وهي معتبرة لألفراد المتساوين )ال رئاسة بينهم وال

مرؤوسية( وقد دفعت إليها حاجة المجتمع، مثل ألوان المبادالتlرتباطات والحقوق االجتماعية المتعادلة مم)ا ال يحتاج إلى واإل

شرح مفص)ل.)ات باب الرئاسة والمرؤوسية وال بد2 من االلتفات إلى أن اعتباري

U في هذا الباب، من قبيل األمر والنهي يجري استعمالها أيضا والثواب والعقاب. وكل2 ما هناك هو أن األمر والنهي في هذا

الباب ليسا مولويين بل يعتمدان على حسن الفعل وقبحه، وكذا الجزاء فإنه يعتمد على نفس الفعل، ولهذا ال تسمى هذه األوامر والنواهي بالمولوية بل يطلق عليها اسم "االرشادية"، أي أن هذهU أفعل األوامر والنواهي تهدي وترشد إلى فائدة الفعل، فنقول مثال

)ة. هذا الفعل حتى تظفر بالسعادة أو الفائدة الكذائي[293]

عالقة االعتباريات بالحقائق المترتبة عليهاأو

كيفية ارتباط علوم اإلنسان المجعولة بخصائصها الواقعية

)ة كما ذكرنا في بداية هذه المقالة فإن بحثنا في العلوم االعتبارييكون على ثالثة أقسام:

lنسان.1 )ة ظهور العلم االعتباري) من اإل -كيفي)ة )االنقسامات(.2 )ة ظهور الكثرة في العلوم االعتباري -كيفي)ة، أي3 )ة والحقيقي )ة بآثارها الواقعي )ة ارتباط العلوم االعتباري -كيفي

lنسان. )ة لوجود اإل باألعمال الخارجيlنسان عندما يقطع هذه المراحل الثالث فإنه يكون قد أوصل فاإل نفسه إلى الحقائق أي إلى خواص)ه الواقعية، وبعبارة أخرى فهو

يوسط العلوم التي هي صنيعته ويتكامل بحقائق التكامل. وكل) ما دار من حديث لحد¡ اآلن فهو يتعلق بالفسمين األولين من هذه الثالثة، ونحاول اآلن إلقاء بعض الضوء-بالمقدار الذي يسمح

به المجال في هذه المقالة- على القسم الثالث. في البدء نحتاج إلى مقدمة نذكر فيها أنه ال بد2 من األخذ بعين

االعتبار النظريات التالية: -إلى الحد¡ الذي انتهت إليه مشاهداتنا وتجاربنا في عالم المادة1

فإن[294 ]

Page 205: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

جميع الموجودات التي تم)ت دراستها نشطة وفع)الة في إطارU غير فع)ال. وجودها، ولم نالحظ موجودا

U لوجوده )لصالح2 U ومالئما -إن نشاط أي) موجود� يكون مناسباU يخطو نحو عدمه وجوده وبقائه(، ومن هنا فنحن ال نعرف موجودا

أو ضرره، وتحتاج هذه النظرية إلى توضيح، وقد قد)منا فيU في هذا المجال. U كافيا البحوث اآلنفة توضيحا

U بوساطة الحركة )ألوان الحركات التي3 -يتم هذا النشاط دائما يقوم بها كل) موجود وهي متناسبة مع ذاته( التي يؤد¡يها كل)

موجود فع)ال وينال الغاية من تلك الحركة الني هي كماله، وبذلك فهو يكم)ل وجوده )من الواضح أن وجوده ليس مستثنى من قانون الحركة، وسوف نثبت-بعون الله- في هذه المقاالت

)حقة أنه متحرك بالحركة الجوهرية، ونسمع اليوم على ألسنة الال)ة تقول: عالم الطبيعة=الحركة(. العلماء المعاصرين فرضي

)ة عن4 -بعض الموجودات تقوم بهذا النشاط والحركة التكامليlنسان من هذه طريق العلم )التفكير(، والقدر المتيقن أن اإل

.U U أو تحقيقا U منها تقريبا الفئة، وسائر أنواع الحيوان أيضا ومن الواضح أنه ال ينبغي تصو)ر كون جميع الحركات التي تتحق)ق

lنسان أوسائر الحيوانات حادثة عن طريق في إطار وجود اإل العلم، أي ال يمكن إقامة البرهان إلثبات أن جميع حركات

)ة وتؤد)ي عن طريق العلم، )ة-علمي )ة كانت أم إرادي lنسان-طبيعي اإلU ال يمكن إثباته، ألننا بتأمل بسيط ندرك وإن كان إنكار ذلك أيضا

U بين نشاط األجهزة الداخلية من هضم ونمو من U واضحا فرقا ناحية والكالم والنظر واألكل من ناحية أخرى، ففي القسم األول

U نظفر بالعلم بوجود العمل، وإن كنا أحيانا[295]

U في العمل، ولكنه في )ر إطالقا ولكن وجود هذا العلم وعدمه ال يؤث.U القسم الثاني إذا انعدم فإن العمل ال يوجد أيضا

إذن العلم )التفكير( من الوسائل العامة التي يستخدمها جنس الحيوان للقيام بأعماله ونشاطاته الخاصة به، أي أن ارتباطه

بحركاته ومتعلق حركاته )المادة( يكون عن طريق العلم. -إن العلم الذي هو الوسيلة المباشرة لالستكمال الفعلي)5

lنسان وسائر الحيوانات هو العلم االعتباري ال العلم الحقيقي. لإل توضيح هذه النظرية: كما مر) علينا أول هذه المقالة فإن كون

lنسان يحصل عن هذا الطريق. العلم وسيلة لنشاط اإلlنسان ما وراءه والخارج عنه ليدركه، وال وهو أن العلم يكشف لإل

lنسان كماله )أي شك) أن2 إدراك ما وراء العلم يكون لغاية تمييز اإل)زه عن أنه يعرف الشيء الذي يرفع حاجته ويسد) نقصه ويمي

Page 206: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

lنسان ليخلط طلبات قواه الفع)الة- التي غيره(، ولهذا يضطر اإل هي مظاهر الحتياجه وطلبه للكمال-بالعلم واإلدراك، ثم يربط

تلك الطلبات بالمادة الخارجية ويطبق صورتها على المادة حتى تتصل بها قواه الفع)الة بوساطة الحركات المتنوعة. وها هنا ترتبط

lنسان الفع)الة بالمادة التي تتعلق بها فعاليته. قوة اإلU بين وكما أشرنا من قبل فإن هذه العلوم- التي تكون رابطا

lنسان وحركاته الفعلية- هي العلوم االعتبارية ال العلوم اإلU ال يمكن االستغناء الحقيقية، وإن كانت العلوم الحقيقية أيضا عنها، ألنه كما أثبتنا ذلك فإن االعتبار ال يكون من دون وجود

U أن نشاهد U عندما نشرب الماء، البد2 أوال الحقيقة المحض، مثال)ة للعطش من جهاز الهضم، ثم تتجلى منها lحساسي الصورة اإل

الرغبة في االرتواء فنستعمل نسبة الوجوب[296]

)زة في الماء، )ا نعهد هذه المي والضرورة بيننا وبين االرتواء، ولما كن)علم من اآلخرين، لذا فإننا نضفي على الماء إما بالتجربة وإما بالت صورة المطلوب والمحق)ق لالرتواء، ثم نجعل نسبة الوجوب بيننا وبين الحركة الخاصة التي تستطيع توفير تناول الماء، وفي هذه

الحال تكون القوة الفع)الة وحركتها )الفعل الخاص(. ولو لم يكن جهاز تطبيق وتوسيط الوجوب فإن العلوم

)ة في مورد الماء ال توجد الفعل، ال في الوقت lدراكات الحقيقي واإلU وهو ال يعرف اسم الماء بل U أو طفال )ا lنسان بدائي الذي كان فيه اإل كان يرى الماء فحسب، وال في العصر الذي عرف فيه أن الماء

هو العنصر الوحيد الذي تركب منه كل) العالم، وال في الوقت الذي سمع فيه من اليونانيين أن الماء هو أحد العناصر األربعة،

)ب-مثل سائر وال في العصر الذي تم فيه إثبات أن الماء مرك%.66% و33المركبات-من األوكسجين والهيدروجين بنسبة

ولو أننا قمنا -بعنوان التجربة-بحذف أحد أجزاء جهاز تطبيقU لو أن وتوسيط الوجوب فإن نشاط القوة الفع)الة سيتوقف، مثال

جهاز الهضم لم يشعر بالعطش، أو أنه أحس) بالعطش ولكنه-)ر فيه النشغاله في مجال آخر-لم يفكر في االرتواء، أو أنه فكU ولكنه-لوجود محذور مزاجي أوخارجي-لم ير االرتواء ضرورياU ولكنه-لعدم الماء-لم اآلن، أو أنه كان يتمتع بهذه األمور جميعا

يحق)ق نسبة الوجوب بينه وبين فعله )الحركة الخاصة(، ففي هذهU ال توجد الحركة وال النشاط. الصور جميعا

U عن الحركة والنشاط lنسان ال يتوقف أبدا )ضح أن اإل ومن هنا يت بعد إدراكه لوجوب الفعل، كما إذا كانت لنا في بعض الموارد

Page 207: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

ملكة عمل ما مثل ملكة التكلم فإننا ال نكون بحاجة إلى التفكير)ما في صف) وال سي

[297] الحروف بعد بدء الكالم، وكذا في المجاالت التي ال يظهر في)لة سوى فكرة واحدة تتعلق بمورد الفعل وذلك إلعراض المخي

lنسان غير المتمر)س، وفجأة يجد نفسه على )ة خاصة، مثل اإل محليU أو على رأس منارة قمة جدار يرتفع عن األرض خمسين مترا

U فمن البديهي) أنه-لشدة خوفه-ال يفكر إال بالسقوط، شاهقة جدا وبالتالي فإنه يسقط، أو مثل شخص يفاجأ برؤية أسد هائج فهو إن خطرت في ذهنه فكرة الفرار فإنه يفر) من دون توقف، وإن مألت نفسه هيبة األسد فإنه يتسم)ر في مكانه ويغفل عن الفرارU، وإن دهشته فكرة هدف األسد وافتراسه أو عدم افتراسه تماما

)بعه خطوة بخطوة ويسمى بـ U له ويت له فإنه سيصبح مسح)را"المستتبع".

إن مثل هذه الحركات هي بشكل عام أفعال اختيارية وإرادية، وفي هذه الموارد ال يوجد أمام القوة الفع)الة سوى فكرة واحدة

lنسان بالعمل بإرادته )ن نسبة الوجوب فيقوم اإل ولهذا تتعيواختياره.

lنسان إلى التفكير والتروي إلنجاز فعله U عندما يحتاج اإل وأحياناlرادي-كما ذلك في أغلب أفعالنا-ففي الواقع هو أن اإلنسان اإل

يبحث عن عنوان من بين العناوين المختلفة القابلة لالنطباق على الفعل، وبحصول االنطباق يظفر الفعل بنسبة الوجوب المطلق

)ضح هذا األمر بشكل أكبر بالعودة إلى حديثنا )بال تقييد(، ويتالسابق في موضوع اعتبار الوجوب.

وكذا في الموارد التي نتصور فيها ألول وهلة أن الفاعل المختارU، مثل الشخص الذي يهد)د بالقتل إذا لم يفعل أصبح فيها مجبرا

U بهذا U. ففي الحقيقة هي أن الشخص الذي يفرض شيئا U معينا شيئاU للقتل، ومن هنا فإن الشكل فهو يجعل االمتناع عن الفعل مالزما

الفاعل ال يفكر في "االمتناع عن[298]

الفعل" بل يجد نفسه أمام فكرة واحدة وهي فكرة "الفعل"، وال يبقى عندئذ موضوع للترك، وكما هو واضح فالفاعل في هذه

الصورة يتمتع بإرادة الفعل واختياره، وإن كان اختياره للفعل قدlضطرار، أي لم يكن له بدº من اختياره حيث إن تم) عن طريق اإل

الطرف المقابل للفعل محظور عليه. وال يتنافى هذا القول مع ما يؤكده العقالء من أن الفعل الجبري)

U إلى اختيار الفاعل، ولهذا يسقطون عنه استحقاق ال يعتبر مستندا

Page 208: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

U ال يتنافى مع ما )ا الثواب والعقاب، كما أن كون الفعل اختياري ذكرناه في بداية الحديث من كون صدور الفعل من القوة الفعالة

U في حالة التشخيص. )ا ضروري ولموضوع الجبر واالختيار نتائج علمية كثيرة ولكننا نحجم عن ذكرها ألنها خارجة عن أهداف هذه المقالة، وبهذا نختتم هذه

المقالة والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين. [299]

قائمة بالمسائل التي شرحناها في هذه المقالة

-هناك مجموعة من العلم التي ليس لها مطابق خارج التوهم1)ات(. )االعتباري

)ة.2 lحساسات الباطني )ة تكون تابعة لإل -العلوم االعتباري-كل) اعتبار هو حقيقة.3)ة بال آثار خارجية.4 -ال تكون العلوم االعتباري-معر)ف االعتبار عو إعطاء حد) شيء لشيء آخر.5)ات.6 -ال يجري البرهان في مورد االعتباريU آخر.7 )ا U اعتباري -قد ينتج العلم االعتباري) علما)ة بوساطة8 lنسان بصياغة مجموعة من العلوم االعتباري -يقوم اإل

أعمال قواه الفع)الة.)ة علم ما هي أننا نستطيع9 -إن العالمة التي تعرف بها اعتباري

إدخال نسبة الوجوب )ال بد)( عليه.)ات بالمعنى األعم)10 )ات على قسمين: االعتباري -االعتباري

)ات بالمعنى األخص. واالعتباري)ات االجتماعية على قسمين: 11 -االعتباري

)ات العامة الثابتة. أ-االعتباري[300]

)ات القابلة للتغيير. ب-االعتباري)ات بالمعنى األخص بتقسيم آخر على12 -تنقسم االعتباري

قسمين:)ات السابقة للمجتمع. أ-االعتباري

)حقة للمجتمع. )ات الال ب-االعتباري-الوجوب من االعتبارات السابقة للمجتمع.13-الوجوب هو أول اعتبار.14-الحسن والقبح من االعتبارات السابقة للمجتمع.15U من االعتبارات السابقة للمجتمع.16 -اختيار األخف األسهل أيضا-أصل االستخدام والمجتمع.17-اعتبار العلم سابق للمجتمع.18

Page 209: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

-اعتبار الظن) االطمئنائي.19lنسان عند فقدان العلم.20 -اعتبار وظيفة اإل -نستطيع التصرف في بعض االعتباريات عن طريق البعض21

اآلخر أو نسقط بعض االعتبارات الثابتة.-إن تغيير االعتبار هو أحد االعتبارات العامة.22)حقة للمجتمع:23 -االعتباريات الال

(الملك.1)-اعتبار الرئاسة والمرؤوسية ولوازمهما.24-اعتبار األمر على قسمين:25

أ-األمر العقلي.ب-األمر غير العقلي.

[302]-اعتبار بقية األحكام-الحرمة واالستحباب والكراهة واإلباحة.28-االعتبارات في حالة تساوي الطرفين.29)ة المترتبة عليها.30 )ات بالخواص الواقعي )ة ارتباط االعتباري -كيفي

[303]محتويات الكتاب

الصفحةالموضوع تصدير الجزء الثاني.................................................

5 المقالة الخامسة: ظهور الكثرة في

6 االدراكات.......................... مقدمة المعلق.......................................................

11 ظهور الكثرة في العلم واالدراك......................................

43 الجذور األولى لإلدراكات والعلوم الحصولية...........................

67 المفاهيم الحقيقية والمفاهيم

77االعتبارية ................................. قائمة بالمسائل التي أثبتنا صحتها في هذه

171المقالة........................ المقالة السادسة-االدراكات االعتبارية...............................

173

Page 210: أسس الفلسفة -الطباطبائي -الجزء الثاني

مقدمة صاحب التعليقة.............................................175

االعتباريات والعلوم غير الحقيقية....................................195

جذور االعتباريات وبداية ظهورها.................................249

شعب االعتباريات )االنقسامات(..................................250

القسم األول-االعتباريات السابقة للمجتمع.........................252

252(الوجوب..................................................... 1) 254(الحسن والقبح................................................ 2)[304] 256(اختيار األخف واألسهل....................................... 3) (أصل االستخدام واالجتماع...................................4)

258 265(أصل متابعة العلم............................................ 5)

268مالحظتان...................................................... 271خاتمة هذا البحث...............................................

القسم الثاني: االعتباريات الالحقة للمجتمع.......................278

279(أصل الملك................................................. 1)282(الكالم..................................................... 2) (الرئاسة والمرؤوسية ولوازمها.................................3)

285 األمر والنهي والثواب والعقاب..................................

287 (االعتبارات في حالة تساوي الطرفين.........................4)

292 عالقة االعتباريات بالحقائق المترتبة عليها.........................

293 قائمة بالمسائل التي شرحناها في هذه المقالة.......................

299 302محتويات الكتاب ..............................................